دروس الشيخ سعد البريك

سعد البريك

فضل الجهاد والشهادة في سبيل الله

فضل الجهاد والشهادة في سبيل الله إن الله عز وجل قد بين فضل الجهاد في كتابه سبحانه، ورتب عليه أعظم صفقة وتجارة، وهي: بيع النفس لله عز وجل، وقد وردت الأحاديث المستفيضة التي تبين فضل الجهاد والشهادة والرباط في سبيل الله سبحانه وتعالى، ولكن الناظر في حالنا اليوم يجد خلاف ما كان عليه الصحابة من بيع نفوسهم رخيصة في سبيل الله، وإقدامهم على الموت، وفي هذه المادة بيان لفضل الموت في سبيل الله في الدنيا والآخرة.

المرء مع من أحب

المرء مع من أحب إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبادئ ذي بدء! أتوجه إلى الله جل وعلا متوسلاً إليه بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، واسمه الأعظم، أن يجعل لي ولكم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كلٍ بلوىً عافية، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصمة، كما نسأله سبحانه أن يجعل مجلسنا هذا روضة من رياض الجنة، وحلقةً من حِلق الذكر التي تكتب لنا في موازين أعمالنا، تغشاها السكينة، وتحفها الملائكة، وتتنزل عليها الرحمة، ويذكر الله هذه الوجوه فيمن عنده. أحبتي في الله! شأن الجهاد والرباط والشهادة في سبيل الله عظيم، وإن من المصائب -وأقولها- أن يحدثكم في هذا الأمر واحدٌ من القاعدين، وسامح الله الإخوة حيث اختاروني للحديث في هذا الموضوع، وكان الأولى أن يختاروا واحداً من المجاهدين الذين عرف النقع لهم أثراً، وعرفت الميادين لهم بلاءً، ولكن: أعيذها نظراتٍ منك صادقةً أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم الحاصل أنهم ما أحسنوا الاختيار، وكان الأولى أن يتحدث في هذا الموضوع ممن عرفوا بالبسالة والبذل والجهاد في سبيل الله جل وعلا، ولكن: (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وما أعددت لها؟ فقال الأعرابي: ما أعددت لها كثير عمل، ولكني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت يوم القيامة). وجاء آخر وقال: (يا رسول الله! الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب) وحسبنا أن نكون ممن أحبوا الجهاد، ونسأل الله أن يكون حبنا للجهاد في سبيله خالصاً لوجهه، وأن يكون حديثاً للنفس، وأن يكون بذلاً صادقاً، والله جل وعلا يقول: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46]. ونسأل الله ألا نكون ممن قال فيهم في بقية الآية: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة:46] نسأل الله جل وعلا أن يجعل حبنا للمجاهدين والجهاد في سبيل الله في موازين أعمالنا، والهوى نوعٌ من المحبة، والمحبة في الموازين: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) ومن أبغض دين الله، أو أبغض شيئاً من دين الله ولو عمل به فإنها من الأمور التي تخل بعقيدته، بل قد تجعله من المارقين من الدين، قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب نوّر الله ضريحه، وجمعنا به وإياكم في الجنة: ومن نواقض التوحيد: من كره شيئاً مما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ولو عمل به، واستدل بقول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9].

التجارة العظيمة والصفقة الرابحة

التجارة العظيمة والصفقة الرابحة أيها الأحبة: شأن الجهاد عظيم، وفضله جليل: لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها والحاصل أيها الأحبة! أن لذة الجهاد لا يحصرها قلم، ولا يصفها لسان، ولا يحيط بها بيان، ولكن أن نتعرف إلى الشيء بملامحه وسماته، ففي هذا خيرٌ عظيم من عند الله جل وعلا، يقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] إن الله أصدق قيلاً، وأصدق حديثاً، وأوفى بالعهود والمواثيق: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111] تأملوا هذه الآية العظيمة التي فيها شراء، وفيها صفقةٌ عظيمة، ولـ ابن القيم كلامٌ أجمل مما نقول ويُقال في هذا الباب: المشتري هو الله، والمتفضل هو الله، والمنعم هو الله؛ خلق هذه النفس من العدم وأطعمها وسقاها وكفاها وآواها، ودفع عنها النقم، وأسبل عليها وابل النعم، ثم هو جل وعلا يشتريها من صاحبها ويبذل له عوضاً وثمناً ألا وهو الجنة؛ فيها مالا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ولو أن القلوب سليمة، كما قال ابن القيم في نونيته: والله لو أن القلوب سليمةٌ لتقطعت ألماً من الحرمان يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غاليةٌ على الكسلان يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن كيف تصبّر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان إذا كان الثمن هو الجنة، فإنه لا يجتهد في هذه الصفقة أو أن يكون ممن يبتاعها إلا واحدٌ ممن عرف الثمن وعرف القيمة والعوض والمعوض. أيها الأحبة في الله! هذا فضلٌ من الله، والله دعانا أن نستبشر بقوله: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ} [التوبة:111] أي: اضمنوا أنها صفقةٌ رابحةٌ لا تَندُّم بعدها، لو أن أحداً اشترى بضاعةً أو عقاراً أو داراً، ثم عاد وخلا بنفسه وأخذ يقلب الحال، هل غُبن في هذه الصفقة؟ وهل اشتراها بأكثر من قيمتها؟ أما هذه فهي صفقةٌ مربحةٌ رابحة: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111]. واعلموا أن هذه السعلة العظيمة الجليلة الكريمة قد عُرضت والناس قد اختلفوا في التوجه إليها، ولكن لا يستوي من طار على خيله، أو انطلق والشوق يدفعه والهوى يجعله محباً لما عند الله وفي سبيل مرضاته، لا يستوي مع من قعد عنها. خودٌ تزف إلى ضريرٍ مقعدٍ يا محنة الحسناء بالعميان شمسٌ لعنِّينٍ تزف إليه ما حيلةُ العنِّين في الغشيان حينما تصف أروع الجمال لرجلٍ لا يبصر هذا الجمال، فما حيلة هذا الوصف، انطلق أقوامٌ إلى هذه السلعة، وأرادوا هذه السلعة العظيمة: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) انطلق لها أقوامٌ وقعد آخرون: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة:46] ونسأل الله ألا نكون ممن قال الله فيهم: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة:47] فإن القعود عن الجهاد مظنة أن يشك الإنسان في نفسه، ما الذي أقعده عن الجهاد؟! أهو نفاق في قلبه؟! أهو تقصيرٌ في صدق تحقيقه وإيمانه واعتقاده بأمر الله وأمر رسوله، ووعد الله ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم؟! يقول جل وعلا: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:95] وإن الله جل وعلا قد أعد مائة درجةٍ في الجنة للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض، فما ظنكم بالبون الشاسع والفرق الواسع بين درجات المجاهدين ودرجات القاعدين؟ إنها تجارة فمن دُل عليها ونالها فقد هدي إلى خيرٍ عظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الصف:10 - 12] إلى آخر ما بين الله من فضله العظيم وخيره العميم، فيما أعده لعباده المؤمنين.

حقيقة الدنيا وحقارتها

حقيقة الدنيا وحقارتها أحبتنا في الله! هذه الدنيا ما الذي يجعلنا نقعد عن الجهاد بألسنتنا وبأنفسنا قبل ألسنتنا، وبأموالنا أيضاً؟! ما الذي يجعلنا نتعلق بها أهي دنيا قد سلمت من المنغصات؟! لا والله. ما أضيق العيش ما دامت منغضةً لذاته بادكار الموت والهرم هذه الدنيا: طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار فاقضوا مآربكم عجالاً إنما وأعماركم سفرٌ من الأسفار إننا في هذه الدنيا على سفرٍ وعلى رحيلٍ، فنسأل الله جل وعلا أن يعيننا بالزاد النافع، وأن يثبتنا بفضله ودينه. فما دامت هذه الدنيا لذاتها مُنَغصة، ما رأينا صحيحاً إلا وأعقب المرض صحته، وما رأينا رجلاً سعيداً باجتماع أحبته إلا وفرق الموت أحبابه وشتت شملهم، وما رأينا قوماً في عزٍ إلا ونالهم من طوارق الزمان، ومآسي الحدثان ما أصابهم: لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الحياة كما شاهدتها دولٌ من سره زمنٌ ساءته أزمان وهذه الدار لا تُبقي على أحدٍ ولا يدوم على حالٍ لها شان أين الملوك ذوي التيجان من أرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسان أين أولئك جميعاً؟ أتى على الكل أمرٌ لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا هذه الدنيا التي نتعلق بها ونقعد فيها بخلاً بالنفوس أن تنال منازل المجاهدين وفضل الشهداء، نتعلق بأي شيءٍ في هذه الدنيا؟! هل نتعلق باجتماعها الذي يعقبه الفراق؟ أم بعزتها التي يكدرها الذل؟ أم بمالها الذي يعقبه الفقر؟ أحوالٌ لا يعلمها إلا الله: يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحاراً والذين تعلقوا بالدنيا، لأنهم في حالٍ من اللذة والنعيم، لا يعرفون ما يحوي هذا الزمان في جوانبه وأحشائه والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيبه فيا أيها الأحبة! اعلموا أن هذه الدنيا التي نخاف عليها، ونتعلق بها، وتشدنا بالطين إلى أوحال الأرض، وتجذب النفوس من أن تُحلق في ملكوت الله، وتدنو من رحمة الله جل وعلا، إنها دنيا لا يؤسف عليها، هذه الدنيا: (لو كانت تعدل عند الله جناح بعوضةٍ، ما سقى منها كافراً شربة ماء) ولكن: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود:7]. أيها الأحبة! ثم هذه الدنيا وقد تأملنا وإياكم في ملذاتها وما فيها، ليس فيها والله أمرٌ يدعوك إلى أن تتعلق بها غاية التعلق، الطعام الذي تأكله: في أي بلادٍ زُرع؟ وبأي أيدٍ حصد؟ وعلى أي سفينة نُقل؟ وعلى أي شاطئ نزل؟ وبأي أيدٍ وصل؟ حتى وصل إليك، فجمعت أخلاطه وأنواعه؛ من طعامٍ وشراب وألوانٍ، حتى إذا تهيأ وأصبح لقمةً تزخرفت لآكلها، وسال لعاب مشتهيها إليها وعليها، لم يجد لذتها إلا وقت وضعها على لسانه، ثم لما دخلت في جوفه أصبحت حبيسة الجوف، يعذب بها عذاباً شديداً، لولا أن الله فرج عنه بأن جعل له منها مخرجاً، وهذا أمرٌ عجيب!! غاية اللذة التي تريدها سرعان ما ترجو الله أن تتخلص منها! وغاية الشراب الذي تبذل كل شيءٍ من أجله سرعان ما تسأل الله أن يُفرج لك لو احتبس شأنه! قيل: إن أحد الخلفاء كان في فلاة، فجاءه من الصالحين رجلٌ فقال: أيها الأمير! أرأيت لو عُدمت الماء أكنت تشتري شربةً بنصف ملكك؟ قال: إي والله أشتري هذه الشربة بنصف ملكي، قال: فإذا شربت فاستقرت الشربة في جوفك واحتبست ولم تجد سبيلاً لإخراجها إلا بنصف ملكك الآخر، أكنت تبذل نصف ملكك في إخراجها؟ قال: إي والله لأخرجنها ولو بنصف ملكي، قال: فتباً لملكٍ لا يساوي شربة ماء! من أجل هذا نعلق النفوس بالله، وما عند الله، وبنعيم فضل الله. أيها الأحبة! وهذه الدنيا التي نتعلق بها، ما رأينا أحداً فيها إلا وفيه من الهموم والمصائب ما الله به عليم، ولا يخلو أحدٌ فيها من عداوة: ليس يخلو المرء من ضدٍ ولو حاول العزلة في رأس جبل إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل كيف تجد إنساناً في هذه الدنيا يريد أن يسلم من عداوة أهلها، لا والله لا يستطيع أحدٌ أن يسلم من عداوة الناس في هذا الزمان، أو أن يناله الناس من منتقدٍ أو مجرحٍ أو حاقدٍ أو حاسدٍ، أو ممن ينال من عرضه، أقل من ذلك أو أكثر، وما دامت هذه أحوال الناس فلا تغبطوا أحداً على دنيا مهما تنافسوا في التطاول بالقصور أو تفاخروا بسعة الدور، أو تشاحوا على المراكب والمفارش وغيرها، هذه الدنيا شأنها عجيب: يلقى الغني لحفظه ما قد حوى أضعاف ما يلقى الفقير لفقره وأبو العيال أبو الهموم وحسرة الرجل العقيم كمينةٌ في صدره أو ما ترى الملك الكبير بجنده رهن الهموم على جلالة قدره فتراه يمضي مشغلاً في باله همٌ تضيق به جوانب قصره ولقد حسدت الطير في أوكارها فرأيت منها ما يُصاد بوكره ولرب طالب راحةٍ في نومه جاءته أحلامٌ فهام بأمره والحوت يأتي حتفه في بحره والوحش يأتي موته في بره كيف التخلص يا أخي مما ترى صبراً على حلو القضاء ومُرِّه إذاً: هذه الدنيا كما قال الله تعالى فيها: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] وأقول هذه المقدمة وأسوقها لكي نعلم أن الذين يتعلقون بالدنيا قعوداً بها، ولأجلها ولشأنها ولملذاتها عن الجهاد في سبيل الله، والبذل لدين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله؛ إنما يدعون هذه اليواقيت والدرر العظيمة من أجل دنيا لا يؤسف على فراقها. وكما قال أحد الصحابة -ولعله معاذ بن جبل - لما حضرته الوفاة وكأنه أجهش، فقالوا: وأنت صاحب رسول الله تبكي، قال: [والله ما على فراق دنياكم هذه أبكي، وإنما أبكي على فراق ليالي الشتاء -طول القيام والتهجد- وظمأ الهواجر -أطول النهار في هاجرة الصيف- ومجالسة أقوامٍ ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر آكله]. نعم. لا يحزن على الدنيا إلا لأجل هذه الثلاث، أما ملذاتها وغير ذلك فهو لا يحزن على فراقها بأي حالٍ من الأحوال.

نهاية الرحلة وبداية النهاية

نهاية الرحلة وبداية النهاية أيها الأحبة في الله! وبعد رحلة طويلة في هذه الدنيا من الصغر والنمو والترعرع والشباب ومصائب الزمن وما يلقى الإنسان في ذلك، تأتي نهاية الرحلة، وخاتمة المطاف، إن لكل بداية نهاية؛ ولكل نهاية غاية. من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، تأتي الآتية، وتأتي القيامة الصغرى ألا وهي: الموت؛ وهذه القيامة أول ما تبدؤك في أنامل رجليك، تأتي ملائكة الموت فتجذب هذه الروح جذباً بعد أن أقفلت الأرصدة، وأعلن الحساب الختامي، ما بقي ريالٌ إلا كسبته، ولا درهمٌ إلا أنفقته، ولا شربة إلا شربتها، ولا أكلة إلا أكلتها، ثم يأتي الوداع والختام: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد:38] ولكل بداية نهاية، وهذه بداية النهاية، تأتي الملائكة فتجذب الروح من أنامل قدميك، ثم تأتي إلى ساقيك فتبرد الرجلان، ثم ترتفع إلى فخذيك وتبرد الساقان، ثم تنزع من جوفك نزعاً فتحشرج في صدرك حشرجةً عظيمة. ثم بعد ذلك تصل إلى مخارجها، ثم تخرج مع أنفك ويقال: فلانٌ مات حتف أنفه؛ لأن الروح تخرج مع الأنف، رحلةٌ شاقةٌ طويلة في بداية النهاية، في نزع الروح وآلام السكرات، تعوذ منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن للموت لسكرات، اللهم أعني على سكرات الموت). فما دامت هذه بداية النهاية، وفيها ما فيها من الآلام والمصائب والمشاق إلا أن الله جل وعلا قد جعل لطائفةٍ من عباده اختصاراً سهلاً، وإيجازاً لذيذاً يختصر رحلة الحياة كلها، ويختصر عملية الموت بأكملها ألا وهو الجهاد في سبيل الله في حال الشهادة التي تختصر عملية الموت، وخروج الروح من أطراف القدمين إلى أطراف الأنف بقرصةٍ، لا يجد الشهيد من آلام الموت إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة، لأنه مات شهيداً في سبيل الله فأعانه الله وثبته ويسر ميتته.

الحديث عن الجهاد والرباط

الحديث عن الجهاد والرباط

سبب الحديث عن الجهاد

سبب الحديث عن الجهاد أيها الأحبة! لماذا نتحدث عن الجهاد؟ ولماذا نتحدث عن الرباط؟ ولماذا نتحدث عن الشهادة؟ لأن أمة الإسلام في هذه الزمان ذاقت ألواناً من الذل والهوان لا يعلمها إلا الله، بعد أن كانت حاكمةً أصبحت محكومة، وبعد أن كانت مسيطرةً أصبحت مسيطراً عليها، وبعد أن كانت آمرةً ناهية أصبحت مأمورةً منهية، وما ذاك إلا لترك الجهاد، ما ترك قومٌ الجهاد إلا ذلوا، وبينه صلى الله عليه وسلم: (إذا تبعتم أذناب البقر، وتبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) فإن الذلة قد كتبت على أمة المؤمنين ما لم يعودوا إلى الجهاد في سبيل الله، وما لم يكن كل واحدٍ منكم يُحدث نفسه أن يقدم واحداً من أبنائه، يراق دمه، وتُقطع أشلاؤه قرباناً لدين الله. حق على الأيام ألا تهزموا النصر ينبت حيث يرويه الدم

مؤهلات الشهيد عند ربه

مؤهلات الشهيد عند ربه والدماء شأنها في قضايا المسلمين عجيبة!! ما رأينا قضية للمسلمين نضجت وأثمرت وأينعت، وقطف المجتنون ثمارها إلا يوم سقيت بالدماء، ورحم الله سيد قطب يوم أن قال: إن كلماتنا وعباراتنا تبقى جوفاء هامدةً لا حراك لها حتى نسقيها من دمائنا. ووالله إننا لنتمنى أن يبسط الله لنا في الذرية والولد، ونسأل الله ألا يحرمنا هذا الأجر أيضاً لكي نبذل من أولادنا مجاهدين يموتون في سبيل الله، ولعل الله بمنه وكرمه أن يختارنا من الشهداء في سبيله، لماذا نخشى الموت في سبيل الله والموت ساعةٌ لا تتقدم أو تتأخر؟ لو قلنا لأحدنا: سيموت فلان بن فلان غداً الساعة العاشرة صباحاً، فما الفرق بين أن يموت على السرير الأبيض تحت أجهزة الإنعاش، ومساعدة التنفس، وضربات القلب، وأن يموت في لحظة غبار المعركة فيها طائر، وصليل السيوف فيها ملتهب، وأصوات القنابل والمدافع فيها يتأجج؟ تلك الميتة التي على السرير الأبيض ميتة طويلة، وأحوال ضعفٍ وهوان. وأما ميتة الشهادة في سبيل الله في المعركة فتطير الروح إلى باريها، تبقى معلقةً في أجواف طير خُضرٍ في قناديل الجنة تأوي من غُصنٍ إلى غصن، ومن فننٍ إلى فنن، فمن ذا يا عباد الله يحرم نفسه هذه الميتة؟! إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ كطعم الموت في أمرٍ عظيم يقول قطري بن الفجاءة وهو من شعراء الخوارج وهم على باطلٍ عجيب يقول يخاطب نفسه: أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعي فإنك لو سألت بقاء يومٍ على الأجل الذي لك لم تُطاعي فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع ويقول عبد الله بن رواحة: لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وطعنةً ذات فرغٍ تقذف الزبدا وضربة بيدي حران مجهزةٍ بحربةٍ تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا يسأل ربه أن تكون ميتةً يتفنن فيها، يتفنن في نوع الميتة، قال: لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وطعنةً ذات فرغٍ تقذف الزبدا أي: يقول: أريد الدم أن يفور من بدني فوراناً عجيباً. وضربة بيدي حران؛ برجلٍ مجهز، برجلٍ يريد أن يشفي غليله، بيدي حران مجهزةٍ؛ بحربةٍ حادةٍ، مسنونةٍ نافذةٍ من أجل أن تُخرج الأحشاء والكبدا، حتى يقول: يا رب! هذه شهادتي، إذا أراد الناس منصباً أو منزلاً أو وظيفة فماذا يقولون؟ يقولون: مؤهلاتنا ماجستير، مؤهلاتنا دكتوراه، فيقال: ادخل، أنت عندك دكتوراه تفضل، أنت عندك ماجستير تفضل، أنت عندك بكالوريوس أو ثانوية عامة تفضل، بحسب مؤهلك تدخل، لكن مؤهلات المجاهدين لدخول الجنة يقول: يا رب! هذه مؤهلاتي، يأتي يوم القيامة بمؤهله الدم والجرح، اللون لون دم والريح ريح مسك، هذه مؤهلات المجاهدين التي بها يُؤمّنون من فتان القبر، ويلبسون حلل الوقار والمنزلة العظيمة، ويُشفعون في سبعين من أهل بيتهم.

مؤهلات تنتصر بها الأمة على أعدائها

مؤهلات تنتصر بها الأمة على أعدائها أيها الأحبة! إن أمة الإسلام يوم أن أصبحت تخاف الموت أصابها ما أصابها من الذُل، وقد كنا فيما مضى يقول قائلنا: لنا فرسٌ لم تنجب الخيل مثلها فتحنا بها الدنيا يقال لها الردى هذه مؤهلات الأمة التي جعلت الأعداء والحضارات التي سادت مئات السنين وقروناً متوالية تتهاوى أمام سيوفهم القصيرة المثلمة، وخيلهم الهزيلة، وثيابهم البالية المرقعة، لما أرسل قائد المسلمين رسوله يفاوض رستم، قال: ماذا تريدون منا؟ قال: ندعوكم إلى دين الله جل وعلا، وترك عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. قال: فإن لم نجبكم؟ قال: تعطون الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون. قال: فإن لم نفعل؟ قال: فقد جئناكم بقومٍ يحبون الموت كما تحبون الحياة، هذا الأمر الذي كان يروع أعداء المسلمين من الكافرين، هذا الأمر الذي روع الكفار جميعاً عربهم وعجمهم، بعض الناس يتوقع أننا حينما نتكلم عن الكفر نتكلم عن العجم. الكفر ملة واحدة، واللغة لا تغير في الكفر شيئاً، فإن كان كُفراً بعثياً أو غيره فكله كفر، والكفر ملةٌ واحدة عربه وعجمه. فيا أيها الأحبة! لما ضاعت من نفوس المسلمين هذه المعاني العظيمة أصبح الأعداء يفاوضون عليهم بحبهم بالدنيا، بملذات الدنيا ونعيمها، ومن أجل هذا أصاب الأمة ما أصابها من الذلة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! كان الصحابة يعدون الكلام في الموت مسألة انتهى أوانها، يقول علي بن أبي طالب: أي يومي من الموت أفر يوم لا قُدِّر أم يوم قُدِر يوم لا قُدِّر لا أرهبه ومن المقدور لا يغني الحذر فما الذي يجعل الأمة بهذه الذلة أو هذا الخوف؟! نخاف من الموت في يومٍ ما قُدر فيه!! لن يأتي، ونخاف من الموت في يومٍ قدر فيه!! قدر الله نافذ: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49].

صور إيمانية عظيمة

صور إيمانية عظيمة

أبو زيد القمري وكرامته في أرض أفغانستان

أبو زيد القمري وكرامته في أرض أفغانستان أبشركم بحمد الله جل وعلا أن طائفةً من شبابنا قد أثبتوا في هذه الأحداث وأثبتوا في أفغانستان قبل هذا صوراً إيمانيةً عظيمة، منّ الله عليهم فيها بالعز والسؤدد والكرامة، كثيرٌ منهم عرفناهم، منهم رجلٌ من شباب المسلمين يقال له: أبو زيد القمري من جزر القمر لكن الإسلام لا يعرف الاختلافات العصبية والعرقية والقبلية. يقول إخوانه: كان في قندهار وهي أرضٌ مبسوطة، وكان لا يجد شيئاً يجعله ترساً يتترس به أو يقف وراءه، فماذا كان يصنع؟ كان يحفر خندقاً برميلياً!! يعني: الأرض المنبسطة يحفر فيها خندقاً أشبه ما يكون بالبرميل ويجلس فيه، قال: ويجلس يُسبح ويهلل ويقرأ القرآن الكريم، ويسأل الله الفرج والنصر والرزق والغنيمة والشهادة في سبيل الله، فإذا سمع صوت الحنين والطنين أخرج رأسه فإذ بدبابة جاءت تشق الطريق، فيقوم ومعه سلاح (الآر بي جي) فيأخذ القذيفة ويركبها ثم يرمي باسم الله الرحمن الرحيم: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] وهو لا يضربها وهو في خندقه بل يخرج، ثم ينتظر حتى يصوب هدفاً قاتلاً في الدبابة فيضربها في برجها فيشطرها شطرين، ويجعل سائقها يتشحط في دمه والدبابة تحترق، وذات يومٍ كان في خندقه البرميلي ثم خرج وإذ بدبابتين تشقان الطريق، فقام وضرب الأولى وأخذ وقتاً لكي يجهز القذيفة، لكي يضرب الثانية، وإذ بالدبابة الثانية قد وجهت فوهه مدفعها نحوه لكي تضربه وتقتله شر قتله، أتظنونه عاد إلى خندقه وإخوانه يقولون: يا فلان! ارجع، يا فلان! تراجع، قال: والله لا أريد من ربي أكثر من أمرٍ واحد، ألا يتقدم أجلي لحظة ولا يتأخر لحظة، فقام والدبابة توجه نحوه وهو يوجه نحوها، باسم الله الرحمن الرحيم: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] ثم أطلقت-الدبابة- قبله، وإذا بالقذيفة تمر بجواره وهو ما تحرك من مكانه: {قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء:42] {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار:10] {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام:61] ثم سمى الله ووجه قذيفته، فإذ به يشطر هذه الدبابة بعد أن صوب في برجها.

كرامة طيار من قاعدة الظهران

كرامة طيار من قاعدة الظهران أحد إخوانكم من الشباب في قاعدة الظهران الجوية في هذه المعركة القائمة مع أعداء المسلمين البعثيين الكافرين، قابلته في القاعدة الجوية وكنت في حديثٍ مع بعض الإخوة الطيارين فقال لي: والله يا أخ سعد! إن الكلام عن الموت مثل الذي يحدثنا عن مادةٍ درسناها في الابتدائية ونحن في الجامعة، ما عدنا نفكر بالموت، لكنني أسألك إذا ركبت الطائرة وأنا بنية الجهاد في سبيل الله جل وعلا وأصبحت أتصل بجهاز الاتصال مع القيادة، ثم صار هناك نوع من الكلام أو الابتسامة أو الضحك في هذا الكلام هل هذا يقطع نية الجهاد؟ قلت: أبشر بالخير هذا لا يقطع نيتك، ولكن صوب واستعن بالله، وتذكر قول الله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. وبحمد الله جل وعلا قد أكرم الله إخوانكم، بعد أن بلغوا هذه المرحلة الطيبة باحتسابهم فعلهم خاصةً في هذه المعارك الحالية التي تدور الآن على حدود المملكة مع العراق البعثي حكومة لا شعباً؛ لأننا حينما نتكلم؛ نتكلم عن الأنظمة الكافرة، أما الشعوب البريئة المسلمة فمن وافق القوم في كفرهم فعليه من الوزر ما وافق به، ومن برئ من فعلهم فإنهم براء بإذن الله جل وعلا. أحد الطيارين يُقلع بطيارته وهذا الكلام قلته بخطبة الجمعة، وطائرة (الترنيدو) مزودة بجهاز (رادار) حينما تنطلق صواريخ سام ستة أو غيرها من أنواع الصواريخ المضادة للطائرات، فإنها بإذن الله جل وعلا حينما يرى قائد الطائرة في (الرادار) توجه الصواريخ نحوه، وحينما يرى أيضاً إذا كان طيرانه في الليل أو في وقتٍ يتضح منه لهب الصواريخ المتجه إلى طائرته، فإنه يخبر الرامي الذي يقعد في المقعد الخلفي وراءه في نفس الطائرة ويقول له: أطلق أشعة؛ هذه الأشعة هي البالونات الحرارية، يخرج من جهاز الرادار بالون حراري يتبعه الصاروخ، فالصاروخ حين ينطلق للطائرة يترك الطائرة متجهاً إلى البالون الحراري، فيقول رأينا حمماً من الصواريخ متجهةً إلى الطائرة وأنا أقول للرامي الذي خلفي: أطلق بالوناً حرارياً أطلق أشعة معدنية، ونطلق والصواريخ تذهب يميناً ويساراً، فلما انتهينا من المهمة وعدنا إلى القاعدة، وجدنا أن (الرادار) ما أطلق ولا بالوناً واحداً وأنه ما عمل أصلاً، فسبحان الله العلي العظيم! لعله بنيته بل إنه بنيته بفضلٍ من الله جل وعلا ومنّ ورحمة، وإلا ما الذي يجعل الصاروخ يصل إلى الطائرة ثم ينفصل عنها. وهذا الكلام ما فيه حدثنا فلان عن فلان، والسند فيه مجاهيل وضعفاء ومساكين، لا، الرجل نفسه يخبرني والحديث بيني وبينه بحضور قائد السرب، فالحمد لله رب العالمين، الذي منّ على أحبابنا وإخواننا بهذه الكرامة لأن المسائل تتعلق بالنية. القضية أن الجهاد في سبيل الله لا يتعلق بمسألة وجود كافرٍ معك في المعركة، أو يتعلق بوجود قوات مشتركة، الجهاد في سبيل الله يتعلق بنيتك أنت، فإذا كانت النية في سبيل الله كما قال صلى الله عليه وسلم عندما قيل له: (يا رسول الله! الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل حمية، أي ذلك في سبيل الله؟ -النبي ما أنكر على من يدخل المعركة يريد الغنيمة، ولم ينكر على من يدخل المعركة يريد العصبية والجاهلية والحمية- وإنما قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

الأحاديث الواردة في فضل الجهاد في سبيل الله

الأحاديث الواردة في فضل الجهاد في سبيل الله أيها الأحبة! وأما الكلام في الجهاد والرباط والشهادة فشأنه عجيب، حينما تريد أن تستقصي الأحاديث الواردة في الجهاد والرباط والشهادة، وما يتعلق بأحكام الجهاد، تجد أن هذه الأبواب والمواضيع قد نالت حظاً عظيماً وافراً من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد النصوص القرآنية، والكلام أيضاً في الجهاد ليس كلاماً بدلالات الاستنباط، أو بدلالات مفاهيم المخالفة أو الموافقة وإنما بأصرح الدلالات ألا وهي دلالة النص. أي: النص الذي يأتي من عند الله جل وعلا في كتابه ومن عند رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فإنك ترى في هذا دلالةً واضحةً لا تحتاج إلى تفسيرٍ أو تأويل إلا شيئاً من ذلك يفهمه أهل العلم. ونشرع الآن يقول النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الجهاد: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) ويقول صلى الله عليه وسلم: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة -أي: قدر ما بين حلبتي الناقة من الوقت- فقد وجبت له الجنة). وهذا من عظيم الفضائل بإذن الله جل وعلا، ومن تأمل حال الجهاد وجد أنه أعظم أنواع العبادة ولأجل ذلك فإن ابن المبارك رحمه الله أرسل إلى الفضيل بن عياض وكان منقطعاً للعبادة في البيت الحرام، قال له: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا، أي: في المعارك والقتال، وصهيل الخيل، وصليل السيوف. يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تعلب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يُتعب خيله في باطلٍ فخيولنا يوم الكريهة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نارٍ تلهب ولقد أتانا من مقال نبينا قولٌ صحيحٌ صادقٌ لا يكذب في الحديث عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم بناقةٍ مخطومة، فقال: يا رسول الله! هذه الناقة في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة) رواه الإمام مسلم. وعن أبي سعيدٍ الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بعث إلى بني لحيان، ليخرج من كل رجلين رجل، ثم قال للقاعدين: أيكم خلف الخارج في أهله فله مثل أجره) رواه الإمام مسلم. وعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من جهز غازياً في سبيل الله فله مثل أجره، ومن خلف غازياً في أهله بخيرٍ وأنفق على أهله فله مثل أجره) رواه الطبراني بإسنادٍ صحيح. وحسبكم أن الغدوة إلى الجهاد في سبيل الله جل وعلا، أن للإنسان به أجراً عظيماً بإذن الله جل وعلا، قال تعالى: {وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [التوبة:121]. عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (رباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خيرٌ من الدنيا وما عليها) رواه البخاري ومسلم. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لغدوةٌ في سبيل الله أو روحة خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيده -يعني: موضع سوطه- خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من أهل الجنة طلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، وإن نصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها) رواه البخاري ومسلم. فهذه الدنيا خيرٌ منها غدوةٌ في سبيل الله، وخيرٌ منها موضع سوط أحدنا في الجنة، وخيرٌ منها روحةٌ في سبيل الله جل وعلا، فلماذا نقدم الدنيا على الآخرة وهذه الدنيا ما متاعها في الآخرة إلا قليل؟! عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تضمن الله لمن خرج في سبيل الله لا يخرجه إلا جهادٌ في سبيلي، وإيمانٌ وتصديقٌ برسلي، أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجرٍ أو غنيمة) رواه البخاري ومسلم. واعجبوا أيها الأحبة! لشأن المجاهدين الذين ودعوا الدنيا وطلقوها، وتفرغوا لأمر الآخرة بحالٍ عجيبة، أتعلمون أول زمرةٍ تدخل الجنة؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول زمرةٍ تدخل الجنة من أمتي أتعلمونها؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: المهاجرون يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة، فيستفتحون -أي: يطلبون فتح باب الجنة- فيقول لهم الخزنة: أو حوسبتم؟ فيقولون: بأي شيءٍ نحاسب وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟! قال: فيفتح لهم، فيقيلون في الجنة أربعين عاماً قبل أن يدخلها الناس) أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين. وجاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: (دلني على عملٍ يعدل الجهاد؛ فقال صلى الله عليه وسلم: لا أجده، ثم قال صلى الله عليه وسلم: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تُفطر؟ قال: من يستطيع ذلك؟!) -ومعنى ذلك: أن الجهاد لا يعدله شيء- رواه البخاري. عن البراء قال: (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، ثم تقدم فقاتل حتى قُتل؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عمل يسيراً وأجر كثيراً) رواه الإمام مسلم. فحسبنا أن فضائل الشهادة عظيمة إلى درجة أن من لم تكن له حسنة أبداً، وسيرته فيما مضى كلها كفرٌ وعدوانٌ وإنكارٌ وشركٌ، أن أول عملٍ عمله بعد أن نطق الشهادتين أنه جاهد في سبيل الله؛ فاعتُبِر عَمَلُه هذا خيراً كثيراً بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الحديث عن أبي بردة بن عبد الله بن قيس قال: (سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف، فقام رجلٌ رث الهيئة، قال: يا أبا موسى! أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: فرجع إلى أصحابه فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قُتل رضي الله عنه) رواه الإمام مسلم. وحسبكم أن الله جل وعلا يقول في محكم كتابه: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة:19] وجاء في سبب نزول هذه الآية ما حدث به النعمان بن بشيرٍ قال: (كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجلٌ: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي ألا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام، وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في يوم جمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته صلى الله عليه وسلم فيما اختلفتم فيه، فلما استفتاه أنزل الله قوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة:19]) رواه الإمام مسلم. هذه أيها الأحبة! فضائل الجهاد في سبيل الله، وهذه كرامات المجاهدين في سبيل الله، فهل حدثنا النفوس بالجهاد؟ هل حدثنا النفوس بصدق بالجهاد في سبيل الله جل وعلا؟ حتى الجهاد بالمال؛ أن نخلف الغزاة والمجاهدين في ذويهم وأهلهم بخير، الكثير من المسلمين قد فرط وتساهل وبخل بهذا، حتى كفالة أيتام المجاهدين الكثير من المسلمين قد فرط في هذا وبخل به. ووالله إن من أقل القليل وأدنى الواجب، إذا كان لك أربعة أولاد أن يكون خامسهم من أيتام المجاهدين، وإذا كان لك سبعة أولاد أن يكون ثامنهم من أيتام المجاهدين، حتى تنال أقل المراتب، أن تخلف مجاهداً في أهله بخيرٍ وفي ذريته بخيرٍ. والجراح في الجهاد هو أيضاً من فضائل آثار الجهاد، لأن الجهاد لا يمكن أن يكون وروداً ورياحين وكرامات كما يظن البعض منذ أن ينزل الجبهة وساحة القتال الكرامات تتناثر، لا، حتى لو لم تر كرامةً واحدة، يكفيك كرامةً أن الله أعانك وثبتك وأيدك حتى انطلقت لقتال أعداء المسلمين، والدفاع عن أعراض المؤمنين، والذود عن حرمات المسلمين وأملاكهم ومقدراتهم، فإن في هذا جهاداً عظيماً بإذن الله جل وعلا. روى الإمام مسلم والإمام أحمد في مسنده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا يُكلم أحدٌ في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، اللون لون الدم والريح ريح المسك) وروى الشيخان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبدٍ يموت له عند الله خيرٌ فيسره أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد في سبيل الله؛ لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرةً أخرى). وهذا يذكرنا بقصة عبد الله بن حذافة السهمي في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما أسره الروم ففاو

خصال الشيهد عند الله

خصال الشيهد عند الله

مغفرة الله للشهيد

مغفرة الله للشهيد وخصال الشهيد معلومة، كما صح في الحديث: (إن الله يغفر للشهيد عند أول دفعة تخرج من دمه) وهذه مسألة مهمة؛ لأن بعض الجنود قد يقول: أنا حليق، أو أنا أدخن، أو أنا أسمع الغناء، أو أنا عندي بعض الذنوب والمعاصي، فتجده يتردد ويأتيه الشيطان ويقول: كيف تريد أجر الشهداء حتى وإن أخلصت نيتك وجعلتها في سبيل الله، وخوفاً على أعراض المؤمنين، وعلى أرض المسلمين أن تقام عليها الفجور والدعارة والوثنية والأضرحة، حتى لو أخلصت نيتك بهذا القدر فإن ذنوبك لا تجعلك من الشهداء، نقول: لا، لأن الشهيد يُغفر له عند أول دفعةٍ من دمه، يغفر له كل شيءٍ إلا الدين بإذن الله جل وعلا.

زواج الشهيد من الحور العين وشفاعته

زواج الشهيد من الحور العين وشفاعته هذه من خصال الشهداء أن الله يغفر لأحدهم أو للشهيد عند أول دفعةٍ من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويُلبس حلة الإيمان، ويُزوج بالحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويُوضع على رأسه تاج الوقار؛ الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور، ويشفع في سبعين من أهل بيته، وإني والله لأهنئ من مات ولده أو أخوه أو أبوه في سبيل الله أو قتيل المعركة في سبيل الله، هنيئاً له، سواء مات على حدودنا هذه أو مات في أفغانستان؛ لأنه يأمل بإذن الله وفضلٍ من عند الله جل وعلا أن يُشفع فيه فيكون معه في الجنة، وهذا حديثٌ صحيح رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان.

الشهيد يجد من ألم الموت كما يجد من ألم القرصة

الشهيد يجد من ألم الموت كما يجد من ألم القرصة والشهيد كما قلنا آنفاً يختصر مراحل آلام الموت كلها، فلا يجد من آلام الموت إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة، وهي أن يُشد على الجلد بشيء قليل، قد ينال شيئاً من الأذى أو الألم لكنه يسيرٌ جداً لا يمكن أن يُقارن بآلام الموت وسكراته، يقول الشيخ عبد الله عزام أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة، وهذا رجل ٌ ظُلم حياً وظُلم ميتاً. أما الذين ظلموه حياً فقد تكلموا في عرضه وأسرفوا، وأما الذين ظلموه ميتاً فقد نالوا منه بعد أن وارى التراب جدثه وجسده وأقول: أسأل الله أن يغفر لنا وله ولهم، هذا المجاهد الهمام لما تكلم في إحدى رسائله حول حديث: (الشهيد لا يجد مس القتل إلا كما يجد أحدكم من ألم القرصة) قال: وهذا رأيناه مع شابٍ من أهل المدينة المنورة يقال له: خالد الكردي؛ يقول: خالد هذا كان يمشي ثم انفجر به لغم طارت منه قدمه، وانبقرت بطنه، واندلقت أقتابه -أمعاؤه خرجت- وجرح جروحاً بسيطةً في يده، فجاءه الدكتور: صالح الليبي، وهذا قتل نسأل الله أن يجعله من الشهداء، وجعل الدكتور صالح يلمم أمعاءه ويعيدها إلى بطنه، والدكتور صالح يبكي رحمه الله، فقال خالد الكردي لماذا تبكي يا دكتور صالح؟!! ما في إلا جروح ويشير إلى يده ولا يعرف أن رجله كسورة وأن بطنه مفتوحة، وهذا دليل على مصداقية هذا الحديث، والحديث صدقٌ بهذا وبغيره أن الشهيد لا يجد من آلام الموت إلا كما يجد أحدنا ألم القرصة. فيقول خالد الكردي رحمه الله: يا دكتور صالح! هي جروحٌ بسيطةٌ في ظهر يدي، وأخذ خالد الكردي يحدث الذين حوله ساعتين كاملتين وهو يسبح ويهلل، حتى فاضت روحه ولم يعلم أن رجله مكسورة، وأن بطنه مبقورة. وفضائل الشهداء عند الله عظيمةٌ جداً؛ شهداء غزوة أحد رضوان الله عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: (لما أصيب إخوانكم بـ أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طيرٍ خضرٍ، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا، فقال الله: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله جل وعلا: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]) فهذه من فضائل الشهداء، أن الله تكفل بإجابة ما تمنوا أن ينقله إلى إخوانهم في الدنيا قال الشهداء: يا ليتنا نخبر إخواننا بما نحن فيه لئلا يضعفوا عن الجهاد في سبيل الله، فقال الله جل وعلا: أنا أبلغ إخوانكم عنكم، ربٌ عظيم، جليلٌ كريم.

فضل الشهادة والرباط في سبيل الله

فضل الشهادة والرباط في سبيل الله واعلموا أيها الأحبة! أن فضل الشهادة عظيم جداً بما سمعتم وبما تسمعون، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه؛ ما تخلفت عن سريةٍ تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل). النبي صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يقتل أربع مرات في سبيل الله جل وعلا! من فضائل الشهادة: أن منهم من ينال الفضل العظيم وإن لم يركع لله ركعةً واحدة، أحد الصحابة عمرو بن أقيش كان له رِباً في الجاهلية فمات، فلما مات جاء سعد بن معاذ قال لأخته: سليه أقاتل حميةً أم عصبية؟ فقال: بل لله جل وعلا، وقصة أخ لـ سلمة بن الأكوع في خيبر قاتل بشدة فارتد عليه سيفه، فتكلم الصحابة فيه؛ لأن سيفه ارتد عليه هل يعتبر شهيداً؟ هل مات شهيداً في سبيل الله؟ فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كذبوا، مات جاهداً مجاهداً فله أجره مرتين) متفق عليه. وختام الحديث نجعله في فضائل الرباط في سبيل الله جل وعلا. والرباط: هو لزوم الثغر في مواجهة الكفار للدفاع عن المسلمين. عن أبي أمامة في الحديث: (أن أربعةً تجري عليهم أجورهم بعد موتهم، ومنهم من مات مرابطاً في سبيل الله) حديثٌ صحيحٌ رواه الإمام أحمد. ورباط شهرٍ كما في الحديث خيرٌ من صيام الدهر، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر، وغُذي عليه برزقه، ورِيحاً من الجنة، ويجري عليه أجر المرابط حتى يلقى الله جل وعلا، أي: أن كل واحدٍ منا إذا مات يختم عمله إلا من ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلى من ثلاث) المعروفة في الحديث (ورباط يومٍ في سبيل الله -كما في الحديث- أفضل من صيام شهرٍ وقيامه، ومن مات فيه أمن أو وقي من فتنة القبر ونمي له عمله إلى يوم القيامة) رواه الترمذي وهو حديث صحيح. ومن الفوائد المهمة أن من مواطن الدعاء بإذن الله جل وعلا الجهاد، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقام الصلاة، ونزول الغيث) حديثٌ صحيح.

كل له دور وعليه مسئولية

كل له دور وعليه مسئولية يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعبدٍ آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرةٌ قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يُؤذن له، وإن شفع لم يشفع) رواه البخاري عن أبي هريرة. وهذا الحديث -أيها الإخوة- شأنه عظيم وعجيب، ونتأمله في كل وقتٍ وفي كل زمن، شبابنا وإخواننا ورجالنا بفضل الله جل وعلا في عددٍ من القواعد الجوية منهم: فرق طيران مكلفة بالأمن والسلامة والإنقاذ، هذه مسئوليتها حينما تسقط طائرة ويهبط الطيار منها مظلياً، أن تتحرك فرقة أو من يُكلف من فرقة البحث والإنقاذ والسلامة إلى هذا، قابلت عدداً منهم في قاعدةٍ من إحدى قواعد الجوية، وإذ بأكثرهم بفضل الله جل وعلا، إن لم أقل كلهم يقولون: لماذا يجعلوننا فقط للبحث والإنقاذ نريد أن ندخل ونجاهد كما يجاهد غيرنا؟ قلنا لهم: يا إخوان! حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعبدٍ) وأنت آخذ بعنان طائرتك هذه العمودية أو غيرها، إن كنت في الساقة كنت في الساقة، وإن كنت في الحراسة كنت في الحراسة، فالنبي صلى الله عليه وسلم دعا بطوبى أي: الجنة لمن كان في هذا المقام مستجيباً لما ينفع المجاهدين في سبيل الله جل وعلا، فليس الأجر مقصوراً على الذين يهجمون للقتال، فإن من يكون في خطوط الإمداد والتموين لا شك أنه مجاهد. هذه الطائرة مراحل إعدادها متعددة، الذين يقومون بالعناية بوقودها، لو لم يعتنوا بوقودها لما قامت بدورها ولما قام هذا المجاهد به، الذين يقومون بتسليحها ووضع الصواريخ فيها، لو لم يقم أولئك بدورهم ما نفعت، الذين يقومون بصيانتها وتفقد أجهزة الاتصالات فيها، لو لم يقوموا بدورهم ما نفعت. إذاً فكلٌ له دورٌ وعليه مسئولية، والله إن الكثير منهم ما اقتنع إلا بعد أن كررنا عليه هذا الحديث: (إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الحراسة كان في الحراسة) فيطمئنون بفضل الله جل وعلا، ويقولون: نسأل الله أن يكون أجرنا كأجر إخواننا من المجاهدين في سبيل الله جل وعلا. وحسبكم أن فضل الله واسع، فإن من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه، والذين يسألون الله الشهادة بصدق يتضح هذا من أعمالهم، أما أن تجد رجلاً بخيلاً في الإنفاق في سبيل الله، جباناً خواراً خوافاً ضعيفاً جزوعاً وهو يقول: اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك، ويتمنى ألا تُقبل، هذا كيف يريد أن ينال منازل الشهداء وإن مات على فراشه: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46]. فينبغي لنا أن نتمنى وأن نُحدث النفس وأن نُعدها إعداداً طيباً للجهاد في سبيل الله جل وعلا، وبعض الإخوة سألوني آنفاً أن أحدثكم عن بعض كرامات الله جل وعلا لإخوانكم المجاهدين خاصة الذين قُتلوا في مدينة الخفجي، لا أقول: يقولون، وإنما أنا بنفسي سألت الأخ: محمد بن مهدي، برتبة رائد في كتيبة المشاة الآلية في الحرس الوطني، قابلته في تلك الكتيبة وسألته قلت: يقولون فما صحة هذا؟ قال: أنا بنفسي أخرجت عدداً من القتلى من الكمين الذي يكمنون فيه، وكنت قبل ذلك دفنت عدداً كبيراً من القتلى وكثيراً من الموتى في جماعتنا وفي قبيلتنا وباديتنا يقول: في الغالب يكون لبعض الموتى رائحة تنزعج منها النفس، وبعضهم تكون له رائحة بحكم ما يخرج من جوفه، يقول: وهؤلاء تجد الرصاص قد تخطف بطنه وتخرج أمعاءه، واختلفت أجزاء جهازه الهضمي والباطني يقول: والله تخرج الواحد منهم من الكمين ما تجد رائحةً تكرهها، قال: وأما بعضهم فو الله لقد شممت منه رائحةً زكيةً فائحة ليست من روائح الدنيا أبداً.

الرد على من اعترض على مشاركة التحالف مع السعودية ضد العراق

الرد على من اعترض على مشاركة التحالف مع السعودية ضد العراق فهذا أيها الأحبة! من فضل الله جل وعلا على الأمة، وهذا أيها الأحبة! من دلائل صدق أولئك؛ لأن كثيراً من الناس أشكل عليهم وجود قوات التحالف في هذا القتال، نحن ما قلنا بريطانيا جاءت تجاهد في سبيل الله، وما قلنا أمريكا جاءت تجاهد في سبيل الله، لكن هذه القضية المعقدة المتعددة الأضلاع واحدٌ من أضلاعها يتعلق بنا وبجنودنا وقواتنا وهو الجهاد في سبيل الله جل وعلا، فمن اعتقد منهم أنه يُقاتل في سبيل الله لدفع عدوان البعث العراقي الكافر الذي تُقام القبور والأضرحة في بلادهم، وتعبد من دون الله، ويذبح وينذر لها، ويصلى عندها، وتسأل دفع الكربات، وجلب الحاجات، وكلها شرك أكبر. من قاتل وهو يعلم أنه يدفع هؤلاء حتى لا يدخلوا بالشرك إلى بلاد المسلمين، ويقاتل وهو يعلم أن النظام الكافر في العراق قد جعل الدعارة والزنا مقنناً يحميه القانون والنظام، وجعل تصنيع الخمور محلياً يحميه القانون، من قاتل وهو يعلم أنه يدفع هذا الكفر وهذا الضلال وهذا الانحراف، من قاتل وهو يعلم أن في داخل حدود بلاده من المتحجبات خلافاً للمتبرجات في أرض غيره، من القانتات خلافاً للفاجرات في أرض غيره، من أطفال المؤمنين أبناء الفطرة، من الدعاة إلى الله، من المساجد التي تمتلئ بالندوات والمحاضرات، يقاتل وهو يعلم أنه إن تقدم الأعداء على بلاد المسلمين ما سمحوا بشيءٍ من هذا، بل ستحكم القوانين الوضعية ويُعطل ما بقي مما يُعمل به من الشريعة، من قاتل فهذا جهاد في سبيل الله، والجهاد أنواع: أوله: جهاد الطلب وهو: أن يتوجه المسلمون إلى الكفار فيفتحوا بلادهم ويخضعوهم للإسلام، أو للجزية أو القتال، هذا جهاد الطلب. والنوع الآخر: جهاد الدفاع؛ وهو أن يحشد الأعداء على بلاد المسلمين، فمتى يكون الجهاد في سبيل الله؟! يكون جهاداً إذا دخل البعثيون مدينة الخفجي قلنا: لا، نصبر نتأكد حتى يصلون الجبيل، وإذا دخلوا الجبيل قلنا: نتأكد حتى يصلون الظهران، ويبدأ الناس في ضعفٍ وجبنٍ وخور حتى يطرق البعثيون الأبواب ويأخذون نساءهم، ويفعلون الفواحش بأعراضهم وبناتهم، متى يكون جهاداً إذاً؟! تجد بعضهم يقول: يا أخي! لا تبالغوا، اتقوا الله لا تنافقوا على الأمة. يا أخي الكريم! نحن ما قلنا: أمريكا جاءت تقاتل في سبيل الله، ما قلنا: بريطانيا جاءت تقاتل في سبيل الله، أكلمك عن جنودنا، أحدثك عن أبنائنا، أحدثك عن رجالنا ونقول: من كان يعتقد هذه الأمور التي ذكرناها، فإن الله لا يضيع عمله، وإن الله لا يضيع جهاده، وهذه بوادر كرامات التي ظهرت صواريخ تضل يميناً ويساراً، ودماءٌ زكيةٌ تفوح مسكاً، وعدد منهم بفضل الله جل وعلا ممن ثبتهم الله قبل موتهم بالذكر والتهليل والتكبير، فكيف لا نسمي هذا جهاداً؟ ماذا نسميه؟! نسميه وطنية؟! ماذا نسمي قتال هؤلاء الذين فاحت دماؤهم بالمسك؟ نسميه وطنية؟! حتى الذين يتحدثون عن الوطنية، الحديث ينبغي أن يُبين ويوضح إن كان الكلام عن الوطن لأجل التراب، فالتراب موجود في كل مكان، وإن كان الحديث عن الوطن متعلق بالبحار فالبحار في كل الدنيا، وإن كان الكلام عن الوطن متعلق بالمنشآت والطرق والكباري فالطرق والمنشآت موجودة في دول العالم كلها. وإن كان الكلام عن الوطن فينبغي أن يُبين، مرتبطٌ بوطنٍ فيه الجباه الساجدة، والأنوف التي تتمرغ ذلة بين يدي الله، الكلام عن الوطن الذي فيه شريعة تُحكم بإذن الله ونسأل الله الكمال والثبات، الكلام عن الوطن الذي فيه الدعوة والدعاة إلى الله جل وعلا، هاأنتم تجتمعون وتلتقون وإخوانكم يحاضرون ولهم دورٌ بارز في الدعوة إلى الله جل وعلا، وإن حصل ما حصل، فالمرد والعود أحمد بإذن الله جل وعلا. لا يمكن يا إخوان أن نكون جفاةً في الأحكام، أو أن نكون بهذه الدرجة من الجهل أو البلاهة حتى نؤيد أعداءنا على ما يفعلون، يقول لي أحد الطيارين: المصيبة أن العراق الكافر -النظام العراقي الكافر- الذي يقول في البث الإنجليزي في إذاعة بغداد -نداء موجه إلى الجنود الأمريكان- لماذا تقاتلوننا ونحن عندنا مئات الكنائس تُتاح لكم فيها حرية تعبدكم الدينية؟ لماذا تقاتلوننا والجندي السعودي لو تلمست زوجته يقاتلك، ونحن أبناؤنا ينتظرونكم بالترحاب؟ لماذا تقاتلوننا ونحن نبيح لكم حرياتكم الشخصية من المشروبات وغيرها وهناك أنتم تمنعون؟ وفي المقابل في إذاعة أم المعارف تسمع آيات الجهاد وأحاديث الجهاد.

الرد على شبهة التزام وإيمان صدام حسين

الرد على شبهة التزام وإيمان صدام حسين النفاق الواضح في هذه القضايا الخطرة، ومع ذلك من بلهاء المسلمين يحدثني اليوم دكتور بعد صلاة الظهر يقول: أجلس مع جماعة أتحدث معهم ويقولون: -وهم ليسوا من أهل هذه البلاد- يقول: لا يا أخي! إن صدام آمن والتزم. سبحان الله العلي العظيم! بالأمس مذابح الأكراد في حلبجة والدعاة وأطفال المسلمين يقتلون، وشباب المسلمين لما جمعوا التبرعات لصالح أفغانستان يقتلون لأنهم جمعوا التبرعات، وفي النهاية يأتي أغبى الأغبياء يقول لي: صدام التزم وآمن!! ما هذا الكلام الفارغ؟! مصائب ولكن حقيقة أمة الإسلام لا تزال غوغاء ساذجة، في ليبيا خدعت الأمة بالإسلام، وانقادت وطبلت، والآن تكتوي بنار المحنة الاشتراكية. في تونس خُدعت بالإسلام والآن تكتوي بنار الفتنة والمحنة، في مصر خدعت باسم الإسلام والآن تكتوي بنار المحنة، ما من قائدٍ تسلط على رقاب المسلمين إلا بدعوى الإسلام، فلما تمكن أخذ يذبحهم، رفع شعار الحرية وقتلهم لأجل حريته، ورفع شعار المساواة وقتلهم لأجل الاستبداد بسلطته، ورفع شعار الاشتراكية وقتلهم لأجل إغناء زمرته، فمصيبة الأمة المسلمة اليوم أن تختلط الأوراق عليها، ما أصبحوا يعرفون ماذا الذي يتعلق بهم. ولأجل ذلك تجد البعض مسكيناً؛ لا يفقه كيف يكون دور الشاب المسلم في ظل الأحداث الراهنة؟ هذه المعركة القائمة لكل شابٍ دور، ليس دورنا في قيادة المرأة فقط لكي نواجه، نعم. قيادة المرأة خطرٌ على المجتمع وقام الجميع لينفضوا أيديهم أمامه، ويبرءوا إلى الله من هذا الفعل، الذي هو خطوة للإباحية وخطوة للاختلاط الخطير في المجتمع، لكن لما تأتي قضية اجتياح دولة نقف هكذا أو لا نعرف ما هو دورنا؟ ينبغي أن نعرف الدور جيداً؛ دورنا أن نسعى بتثبيت إخواننا، دورنا أن نتصل بمن نعرف من أبنائنا وجنودنا لكي نشد على أيديهم ونذكرهم بالاحتساب في سبيل الله، وأنهم لا يقاتلون عن وطن الكفار، ولا عن البيع، ولا عن الكنائس، ولا عن حانات الخمور، ولا بيوت الدعارة. وإنما قتالهم عن أعراض المؤمنين، عن المحجبات المتسترات، عن الدعاة وعن كل هذه الأمور، ما قلنا: والله هذا زمن عمر بن عبد العزيز أو عمر بن الخطاب حتى نقول: ما شاء الله اكتملت الآيات، لا، في كل زمنٍ حسنات وسيئات، لكن نحسب وندين لله جل وعلا أن مجتمعنا أفضل مجتمعات المسلمين في هذا الزمان، وما من مجتمعٍ إلا وفيه ما فيه من المعاصي، ولكن نسأل الله أن يعيننا على إصلاح ما في أنفسنا.

واجبات على القاعدين لابد من القيام بها

واجبات على القاعدين لابد من القيام بها أما أن يقف البعض موقف المتفرج على هذه الأحداث، تجد الشاب المسلم عنده وعي في القضايا الجزئية، والقضايا الكلية الخطيرة تجد الشاب المسلم متخلفاً أقول: هذا واحدٌ من أمرين: إما أن العقلية الإسلامية للشاب المسلم أو شباب الصحوة ما بلغت النضج الفكري الذي يتعامل مع القضايا السياسية الخطيرة كقضية دولة تجتاح دولة. وإما: أنهم بأمرٍ أو بآخر خُطط لهم أن يبعدوا عن الساحة حتى لا يشاركوا، لكن الذي نراه أن من أراد أن يُشارك فالباب مفتوحٌ له، فلماذا نقعد هكذا ونضعف ونجبن عن المشاركة بحجة التخوف أو التردد؟ ينبغي أن نعرف دورنا وأن ندرك مهمتنا وأن نبدأ بمسئوليتنا. أحد الذين يقاتلون على الحدود تعرَّف على أهله وبيته من أقاربك أو من جماعتك أو من جماعة جماعتك تتصل بهم، تكفل حاجاتهم، لهم مراجعات في المستشفى تذهب بهم، وما معنى: (من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا)؟ تكتب لوحةً وتقول: لقد خلفتكم بخيرٍ في رجلكم، وتضعها عند الباب، لا، تخلف الرجل المجاهد الغازي على الحدود بخير، أنك تتولى أسرته، أطفاله يمرضون تراجع بهم المستشفى، تجد خطراً على البيت تنتبه له، تذود عن عرضه كما تذود عن عرضك، تنتبه لبيته. الباب مثلاً تجده مفتوحاً، باب أخيك المجاهد الذي الآن على الجبهة في الحدود، تنتبه: لماذا الباب مفتوح؟ أغلقوا بابكم، الصباح تأتي بالخبز لأولادك، تأتي لهم بالخبز، أي: أن تشعر أن بجوارك أسرة كأسرتك، فتخلفها بخير، تزورون الشرط؛ مراكز الشرطة، الأمن الداخلي، الأمن السري، الأمن العلني، في كل مكان تتصلون برجال أمن وتبينون ما هو الدور الخطير في هذه المرحلة، وتبينون أيضاً أن شباب الصحوة وأن جيل الصحوة جيلٌ ينتبه إذا كان يوجد لص يدور في الحارة في الليل، يوجد رجلٌ مشكوكٌ فيه مع بداية الأزمة كثُر الدخول والخروج عند الشخصيات الغريبة، تتتبع وتبلغ وتبحث، هذه من واجباتنا في هذه المرحلة.

واجب طلاب العلم نحو الجنود

واجب طلاب العلم نحو الجنود من واجبات طلبة العلم أن يذهبوا إلى الحدود، إلى القواعد الجوية والقوات البرية، وأن يثبتوا الجيوش ويقولوا لهم: إن ما تعملون جهاداً إن خلصت نياتكم لله، واعتقدتم ما تعملونه لوجه الله جل وعلا، حتى لا تختلط الأمور علينا، ونحن في أمس الحاجة إلى أن نشرح لأبنائنا وجنودنا كيف يكون العمل جهاداً؟ لسنا بحاجة إلى سرد الأحاديث والآيات عن الجهاد، بقدر ما نحن بأمس الحاجة إلى تكييف وشرح كيفية موقفنا في هذه الفتنة. وهذه الفتنة -يا إخوان- فيها مصالح متعددة، ولا تكرهوا قدر الله فيها، إن الله ما قضى قضاء إلا بقدر، ما كان من أمرٍ إلا بقدر وما من قدرٍ إلا لحكمة، لأن الله لا يقدر عبثاً، وما كان قَدَرُ الحرب إلا لعدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، وهذا القَدَرُ فيه تمام العدل. البارحة الناس على أجهزة الراديو ينتظرون؛ تبدأ الحرب البرية أو لا تبدأ؛ لكن لماذا؟ لعله ينسحب! والله يا إخوان أسأل الله: اللهم إن كان في الحرب البرية خير للإسلام والمسلمين اللهم فأشعل فتيلها، يا إخوان! {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]. وربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سبباً ما بعده سبب أتظنون لو انسحب هذا الفاجر -في نظري القاصر- لو انسحب وعنده قرابة ستين قاعدة جوية، رابع قوة في العالم قضية ليست سهلة، ولكن بفضل الله ضربت ودكت دكاً عجيباً، لكن إذا قيل: بقي قبل نشوب الحرب البرية قرابة 40% من القوة العسكرية العراقية، فإن الأربعين في المائة قد لا تساوي بقية قوة دول الخليج أو بعض دول الخليج، خاصةً الدول الصغيرة منها، فضرب مثل هذه القوة فيه خير للإسلام والمسلمين.

الرد على شبهة: إذا دمرت قوات العراق لم يبق لإسرائيل ضد

الرد على شبهة: إذا دمرت قوات العراق لم يبق لإسرائيل ضد وقد يقول قائل: ولماذا تُضرب القوة العسكرية العراقية ونحن بأمس الحاجة إلى إبقائها لكي نقاتل بها إسرائيل؟ من يقاتل إسرائيل؟ الذي يقول: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثاني من يقاتل إسرائيل؟ من يرضى بشعار البعث: سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم؟! أين عقول الأمة؟ إذا كان لنا في هذه المنطقة عدوان: إسرائيل والعراق، فإن ضرب العراق عسكرياً يجعل العدو واحداً، إذا كان أعداؤك اثنين فاجعلهم واحداً ففي هذا مصلحة، إذا كانت دول التحالف جاءت للحفاظ على النفط، فإنك أنت أيضاً مستفيد من المحافظة على النفط، وإلا ماذا سنفعل به؟! نشرب النفط إذا ما جاءوا من أجل حراسته والعناية به؟! وقد أثبت الواقع أننا بحاجة إلى قوات أجنبية. هل كان جيشنا على المستوى العسكري المؤهل عدداً وتعداداً في مواجهة قوى العراق؟! قولوها صريحة وجدت شاباً في مجلس قال لي: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:249] قلت: والله يا أخي! قول الرسول أبلغ بعد قول الله جل وعلا: (خير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة) لكن اثنا عشر ألفاً لا أنا ولا أنت منهم، من الذين يقاتلون إذا كان الله جل وعلا لا يحابي صحابة نبيه في ترك السنن والأخذ بالأسباب، في أحد يقتل سبعون من الصحابة بترك سنة من السنن، تدخل حلقتان من حلق المغفر في رأس النبي صلى الله عليه وسلم؛ يشج رأسه؛ تُكسر ثنيته صلى الله عليه وسلم، ما هناك محاباة في السنن، نأتي بعد غفلة طويلة لكي نقاتل العراق، ونظن أننا والله ستتنزل علينا الكرامات من ابتداء ما ندخل حتى ننتهي، لا. إن جاء شيءٌ من التثبيت فهذا بحمد الله وفضله ومنّه، لكن الواقع يشهد أن الأمة ليست على مستوى مقابلة الجيش العراقي الذي جاوز المليون، لا في الإعداد الفردي الإيماني، ولا حتى في الإعداد العسكري، فكانت الحاجة ماسة إلى قوة أجنبية وللأسف إن الذين خالفوا فتوى العلماء في هذه المسألة الآن يعظون أنامل الندم في هذا، ولست أقصد أحداً بعينه. ومن قال في هذه المسألة قولاً فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، حتى لا يظن البعض أنني أعرض بالدعاة أو بعض من تكلم في هذه المسألة، أحبابنا ومشايخنا ودعاتنا من الفضلاء الذين تكلموا في هذه القضية أقول: غاية ما هنالك إن أخطئوا فلهم أجرٌ واحد بدلاً من أن يكون لهم أجران: وإذا الحبيب أتى بذنب واحدٍ جاءت محاسنه بألف شفيع أنسينا ما لهم في الدعوة إلى الله؟! أنسينا ثباتهم؟! أنسينا مواقفهم؟ كم هدى الله بهم من الضلالة؟! كم أنار الله بهم من عقول الغافلين؟! كم هدى الله بهم من الضلال من المسلمين؟! لكن الحقيقة يا إخوان هناك مسائل ينبغي أن نتعود على أخذها بالهدوء واللين والحكمة.

واجبنا نحو العلماء

واجبنا نحو العلماء الحُباب بن المنذر في معركة بدر، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل قال: (يا رسول الله! أهو منزلٌ أنزلكه الله أم هو الحرب والرأي والمشورة؟ فقال: بل هو الحرب والرأي والمشورة، قال: إذاً يا رسول الله فامض حتى نصل أدنى ماءٍ بـ بدر ثم نشرب ولا يشربون) أي: الحباب اقترح على النبي صلى الله عليه وسلم، فخذوها قاعدة يا إخواني، والله إن علماءكم الذين شابوا في الإسلام، وأخص منهم بالذكر سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز، وثلةً طيبةً من أمثاله الأبرار الأطهار الذين ما أفتوا والله خوفاً من السلاطين. وما أفتوا مجبرين أو مكرهين، وما أفتوا لأجل مصلحةٍ من مصالح الدنيا، وإنما لعين الحكمة التي يرونها للأمة، يأتي شاب ما عرف الاستقامة إلا قبل ثلاث سنوات يتكلم في وجود القوات الأجنبية، وفتوى العلماء، والعلماء قالوا وقالوا، متى التزمت حتى تتكلم في فتوى العلماء؟! ينبغي أن نعرف قدرنا وقدر علمائنا وشبابنا حتى نعرف حقيقة المواقف التي بها نستفيد، وكيف نستثمرها أيضاً. أقول: إن ما يدور فيه خيرٌ عظيم، ولست بهذا أقول: إن وجود القوات الأجنبية كله شهدٌ مصفى، لا والله، أليس الله يقول: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14] أي: المال والولد فيه عداوة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا) أي: النفس فيها شر، الزوجة حينما تبني بها تضع يدك على ناصيتها وتقول: (وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه) أي: أن فيها شراً، أتريدوننا أن نقول: إن القوات الأجنبية خيرٌ محض، فيها خيرٌ وشر، إذا كان النفس فيها شر، المال والولد فيه عداوة، الزوجة فيها شر، أفلا يكون شر في القوات الأجنبية؟ فيها شر، ولكن قل: فيهما إثم كبير ومنافع للناس، فيها خيرٌ وشر، فنسأل الله أن يزيد سُخرتهم لنا فيما ينفعنا بخيرنا، وأن يكفينا شرهم لأن كل نفسٍ فيها شر. هذا هو منطق العدل -يا إخوان- ومنطق الوعي والفهم الذي يجعل الأمة في أفضل حالٍ وأهنأ حال، ودائماً خذوها قاعدة إذا أفتى العلماء بأمرٍ فإياك أن تتعجل بمخالفة فتوى العلماء، حتى ولو رأيت أن ما تراه قد يكون أحوط أو أكثر دقة وصواباً من فتوى علمائك. لماذا؟ على الأقل حتى تبقى وحدة الأمة مع علمائها، إذا أنكرنا أمراً نقول: العلماء قالوا هذا، على العين والسمع، ولما قال العلماء هذا الأمر قلنا: العلماء ما أصابوا في هذا، هذا خطر عظيم، بل ينبغي أن نذعن لعلمائنا، وأن نسمع لهم، وأن نحسن الارتباط بهم، وألا نتجرأ على الكلام فيما يتعلق بفتواهم خاصةً فيما يتعلق بمصالح المؤمنين، أقول: هذا في غاية النصح لنفسي ولإخواني وأحبابي، وحباً ودعاءً بظهر الغيب لعلماء المسلمين. اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك واسمك الأعظم أن تهلك شقي بغداد، اللهم أهلك طاغية العراق، اللهم أهلك البعثيين أجمعين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم اكفناهم بما شئت إنك أنت السميع العليم، حسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم اجعل اللطف والخير فيما قدرت للمؤمنين، واجعل البأس والشدة فيما قدرت على الكافرين والبعثيين، اللهم اجعل اللطف والخير فيما قدرت للمؤمنين، واجعل البأس والشدة على البعثيين أجمعين يا أرحم الراحمين! يا من لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء!! أقول قولي هذا، فإن كان صواباً فمن عند الله وحده لا شريك له، وإن كان خطأً فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

حقوق ولاة الأمر

حقوق ولاة الأمر في هذا الدرس تحدث الشيخ عن مسألة التبعية وشرعية الحاكم والنظام في المملكة، مبيناً بعض الحقوق الخاصة بولاة الأمور الذين لم يحدثوا كفراً بواحاً وإنما جاروا وظلموا، وموقف أهل السنة من الخروج على الحكام الظلمة الفجرة.

ضرورة الكلام عن حقوق ولاة الأمر

ضرورة الكلام عن حقوق ولاة الأمر الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله؛ على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، ومن بين هذه النعم العظيمة اجتماعنا في بيت من بيوت الله، نتلو كلام الله، ونتدارس سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. أحبابنا! موضوعنا اليوم يحتاج إلى العلم أكثر من العاطفة، ويحتاج إلى النقل أكثر من الاجتهاد، ويحتاج إلى الفهم والوعي أكثر من غير ذلك، والكلام عن حقوق ولاة الأمر فرع عن أصل اعتقاد لزوم البيعة وشرعية الحاكم والنظام، وليست هذه المسألة محل شك أو نزاع حتى نطرح تفصيلها، أي أن مسألة استقرار البيعة وشرعية الحاكم والنظام في هذه البلاد مسألة لا تحتاج إلى نصب كثير من الأدلة أو إقامة عدد من الحجج والبراهين، فأراها جلية واضحة لمن سلمه الله من الهوى ونفعه بعلمه وعقله. لكننا حينما نقول: إن هذه المسألة فرع عن اعتقاد لزوم البيعة؛ لأنه لا قيمة للحديث عن حقوق ولاة الأمر إلا إذا كنا نرى ونعتقد أن هؤلاء الولاة لهم في أعناقنا بيعة، وحكمهم ونظامهم شرعي يجب الإذعان والسمع والانقياد له ويحرم الخروج عليه، ومن كان يرى غير ذلك؛ فإنا نبرأ إلى الله من قوله، بل نبرأ إلى الله من كل قول ينص أو يفضي إلى عدم القول بشرعية هذا النظام ولزوم طاعته. أيها الأحبة! لا أعرف أن من منهج أهل السنة والجماعة أن يمتحن الناس في مسألة البيعة، بمعنى: أن نفترض الشك في آحاد الناس أو أعيانهم أو أفرادهم ثم نأتي لنمتحن كل واحد فنقول له: ما رأيك في هذه القضية وما قولك في هذه المسألة؟ لا أعلم ولا أعرف أن من منهج أهل السنة والجماعة أن يمتحن الناس في مسألة البيعة، خاصة وقد تواطأت مقاصد الشريعة وقول أهل الحل والعقد ومصالح الناس، واستقرت الأحوال على هذه البيعة، بل الذي أرى أن النزاع حول هذه القضية وأن امتحان الناس فيها هو كالتشكيك في نسب الأبناء إلى الآباء؛ لأنها قضية واضحة المعالم في لزومها وثبوتها فلا تحتاج إلى امتحان، وكما قال الشاعر: وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل أيها الأحبة! ومع ذلك فلا بأس أن يتكلم في هذا الأمر إذا اتهم أحد بالقول بضده دفعاً للريبة، ولا بأس أن يتكلم فيه من يخشى أن يتهمه الناس بضده، والدليل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما، إنها صفية) إذ فيه مشروعية القول والفعل إذا وقعت الريبة في شخص بأمر هو منه بريء، أو خشي أن تحوم حوله ريبة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خشيت أن يقذف الشيطان في قلبيكما أمراً) فحينئذ لا بأس بطرح هذا الأمر لتندفع هذه الريبة. وقد يطرح هذا الأمر أيضاً لا من باب دفع الريب القائمة أو المتوقعة وإنما من باب تقرير هذا الأمر والتحذير من الشبهات الواردة حوله، وهو أصل مهم قبل حلولها أو تفاقمها وتناقلها بين الطغام والجهلة والعوام، وليس هذا بغريب، فقد ورد تقرير توحيد الله عز وجل، وورد التحذير من الشرك ودفع الذرائع الموصلة إليه، وأمر التوحيد أهم من هذه القضية، لكن الأمر إذا كان مهماً احتاج أيضاً أن يكرر وأن يقرر وأن يؤكد وأن يبدأ فيه ويعاد، فدل على أن الأصول المهمة حتى مع القول بالتسليم بها وعدم قبول النزاع فيها إلا أن ورود التأكيد عليها والتحذير مما يعارضها أمر مشروع، ولأجل ذلك نطرح هذه القضية ولهذا السبب: وهو أهمية هذه القضية وضرورة التأكيد عليها.

أسباب الهروب من الكلام عن حقوق ولاة الأمر

أسباب الهروب من الكلام عن حقوق ولاة الأمر ليس من الصواب أن نطرح القضايا والأمور الصغيرة بكل وضوح وحماس وجرأة، ثم نغفل أو ننسى الحديث عن هذه القضية الكبيرة والمهمة والخطيرة، فهذا الموضوع نادر ما يطرح، والسبب في نظري: لا يعود إلى نزاع فيه أو تشكيك، فهو مسألة محسومة بل هي من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، وإنما السبب هو الهيبة من طرح هذا الأمر، والنظر إلى كبار العلماء أن يطرحوه وحدهم دون غيرهم؛ ليؤكدوا على أهميته حتى لا تصبح هذه القضية على لسان كل مرشد أو واعظ قد لا يحسن عرضها أو دفع الشبهات الواردة حولها، ولكن لما انتقلت عدوى مناهج التكفير والخوارج بات لزاماً على كل داعية يأنس في نفسه القدرة والبيان أن يطرح هذا الأمر حسبة وقربة وعبادة لله، مع عدم اتهام الآخرين بالسوء لأنهم لم يطرحوه؛ لأن العبرة في طرحه بالقدرة عليه؛ ولأنه ليس من الأصل أن يمتحن الناس فيه كما قلت آنفاً. أما الذين يتهمون إخوانهم ممن يطرحون هذا الأمر بالرجعية أو المداهنة أو النفاق والتزلف، فنقول لهؤلاء: إن كنتم تجهلون هذا الأمر ومنزلته من الدين فتعلّموا، وإن كنتم ترون ضد ذلك؛ فإلى الله نبرأ مما تقولون، وإن كنتم ترون هذا الأمر لكن لا تحبون الحديث فيه؛ فهذا هو الهوى {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:50] وإلا فبمَ نفسر كراهية الحديث عن هذا الأمر مع الإيمان والإقرار به؟ لا نفسر كراهية الحديث حول هذا الموضوع إلا بالهوى، وصاحب الهوى في مثل هذه الحال لا يرد النصوص الثابتة في هذا الأمر حتى نقول: إنه من المكفرين الذين لا يرون هذه المسألة، لكنه لا يستجيب لمقتضى هذه النصوص ولا يحب الحديث حولها، فهو كمن لا يشك في نسبته إلى والده لكن لا يريد أن يلتزم بحقوق والده عليه، فلم يبق لهذا تفسير إلا الهوى الذي حذر الله عز وجل منه.

أثر الهوى في الموقف من ولاة الأمر

أثر الهوى في الموقف من ولاة الأمر والهوى -أيها الأحبة- مستحكم في هذا الزمان، وأضرب لذلك أمثلة رأيتها رأي العيان وناظرت وحاورت وجادلت وناقشت فيها كثيراً من أهل الهوى، وسأضرب مثالاً أو اثنين على ثبوت الهوى والأعراض عن العقل والدليل حينما ترد بعض المسائل الخطيرة والكبيرة.

أثر الهوى في إطراء الجماعات الإسلامية

أثر الهوى في إطراء الجماعات الإسلامية فأول ذلك خذ على سبيل المثال: ماذا يقول أهل الهوى عن الجماعات الإسلامية المباركة الصالحة الموفقة التي عندها خير كثير؟ فلا نلغي جهودها ولا ندعي لها العصمة والصواب في كل أفعالها، ماذا يقول أهل الهوى عن الجماعات الإسلامية في الخارج؟ لو استطاعوا أن يحكموا بلدانهم ليحولوا أوضاعها إلى ما نحن فيه وعليه اليوم في هذه البلاد، ماذا سيقول أهل الأهواء عن إنجاز الجماعات الإسلامية هذه؟ يوشكوا أن يقولوا: إنها خلافة راشدة عادت من جديد، ولن يقبلوا من أحد صرفاً ولا عدلاً إلا بالقول بشرعية نظامهم وكيانهم هذا، لكن أهل الأهواء لا يرون هذا الإنجاز في هذه البلاد خيراً كثيراً ينبغي المحافظة عليه، وحكماً شرعياً ينبغي الطاعة له في طاعة الله ورسوله، بل ترى أهل الأهواء تارة يكرهون الحديث عن هذه القضية وتارة يعدونه نظاماً لا ينتسب إلى الإسلام، وبعضهم يكفر ولاته مع أنه يعده خلافة لو كان الذي يحكمه واحد أو آحاد ممن ينتمي إليهم. بعبارة أخرى: لو استطاعت بعض الجماعات الإسلامية في بعض الدول المجاورة أن تصل إلى الحكم -وأسأل الله أن يمكن لهم في بلدانهم- فقلبوا وغيروا أوضاع بلدانهم مما هي عليه إلى ما نحن عليه اليوم فهل ترون ذلك أمراً يسيراً؟ وهل تظنون أنهم سيعدون هذا الإنجاز قليلاً؟ لا والله، لقد طبل وزمر وصفق وعظم وضخم إنجاز هو أقل من هذا بكثير ولا ينسب إلى هذا إطلاقاً، وقال بعض أهل الهوى: تجب الهجرة إلى تلك البلاد على رغم مما فيها من الخلل والنقائص الخطيرة والكبيرة في مسائل العقيدة، فأولئك إذا أنجزوا خيراً قريباً مما نحن فيه قالوا: هذا انتصار وفتح، وبعضهم يقول: خلافة، وبعضهم يقول: تجب الهجرة، أما الخير الذي نحن فيه فيرون أننا في مداهنة، وأننا في ولاء للكفار، وأننا في ضلال، وأننا أبعد ما نكون عن الإسلام، وهذه القضية أيها الأحبة دلائل الهوى فيها أن بعض الذين يسمعونها لا يطيقون الحديث أو لا يطيقون تمام الحديث عنها. بعض الذين يستمعون إلى هذه القضايا أو يناقشون فيها لا يستطيعون استمرار الحديث فيها إطلاقاً، والسبب أنك تحجه بالدليل، وتحجه بالواقع، وتحجه بالمنطق، فلا يستطيع أن يرفض الأدلة، وليس عنده من الاستجابة ما يذعن لها فلا يبقى إلا الهوى الذي يصرفه عن الاستجابة لها، وإن شئتم مثالاً فسأعطيكم مثالاً آخر.

أثر الهوى في التماس الأعذار لأربكان

أثر الهوى في التماس الأعذار لأربكان ماذا قال أصحاب الهوى عن نجم الدين أربكان؟ هذا زعيم حزب الرفاة الإسلامي، وأنا واحد ممن فرحوا فرحاً عظيماً كبيراً لما استطاع هذا الرجل الوصول إلى سدة الحكم في تركيا، ولكن حصلت له مواقف منها: أنه وقف عند قبر أتاتورك، وأقسم أنه لن يحيد ولن يخرج بـ تركيا عن العلمانية، وماذا قال أهل الهوى؟ قالوا: إنه مضطر لهذا أمام الغرب، ولم يطعنوا في دينه، ولم يطعنوا في اعتقاده، ولم يطعنوا في نسبته إلى الإسلام، وأنا كما قلت فرحت بوصوله إلى سدة الحكم، ولست بصدد التصريح عن موقفي أو رأيي بالتفصيل تجاهه، لكن لو وأقول لو ولو مراراً: لو فعل أدنى من ذلك بكثير في بلادنا تحت ظروف حرجة مما لا يصل إلى درجة ما فعله أربكان -هداه الله إلى الحق- لعده أهل الهوى نصاً صريحاً في التكفير وإسقاط الشرعية ونقض البيعة، وما أزمة الخليج عنا ببعيد، ماذا قيل عنا وعن بلادنا وحكامنا وعلمائنا لما استدعينا قوات أجنبية لضرورة نحن أدرى بها، لكن أحكام الضرورة حلال لغيرنا حرام علينا، لكن أحكام الضرورة حلال عند أهل الأهواء ولغيرنا ولكنها حرام علينا! والأمثلة على تعامل كثير ممن ينتسبون اليوم إلى الإسلام بالهوى كثيرة، ولست بهذا أقف خصماً لجماعات أو دعاة أو أحباب، بل أسأل الله أن يسدد الجميع وأن يوفقهم لكننا نقول مع حبنا لهم نحن أدرى بما يصلح لنا وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحق أحب إلينا منهم.

الرد على مواقف الاستهزاء والسخرية بالعلماء وطلبة العلم

الرد على مواقف الاستهزاء والسخرية بالعلماء وطلبة العلم أما الذين موقفهم الاستهزاء والسخرية بالعلماء وطلبة العلم الذين يطرحون هذه القضية بنصوصها وضوابطها الشرعية فإنني أذكرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسند صحيح عن ابن عمر: (من قال في مؤمن ما ليس فيه؛ أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج) فإن تذكر وانزجر وارعوى بهذا الحديث، وخاف الله واتقاه في أعراض العلماء والدعاة الذين يطرحون هذه القضية نصيحة للأمة وبراءة للذمة؛ وإلا فله قول القائل: إذا الكلب لم يؤذيك إلا بنبحه فدعه إلى يوم القيامة ينبح ويا سبحان الله! كيف ينظر طائفة إلى آراء المكفرين وأذناب المعتزلة والخوارج بأنها اجتهاد أقل ما فيه أن يعد وجهة نظر لابد من احترامها وسماعها، فإذا ورد قول الذين وفقهم الله في هذا الأمر إلى الصواب وموافقة السنة والكتاب وجمهور العلماء وأولوا العقول والألباب؛ عد قولهم هذا نفاقاً وتزلفاً ومداهنة، وهذه المسألة المهمة وهي أن كثيراً ممن لا يرون تكفير الولاة والحكام لكن لا يرغبون في طرح هذه القضية ولا الحديث عنها، بل وربما انتقدوا واغتابوا من يطرحها ويتناولها فإلى هؤلاء نقول: إن القول بوضوح المبادئ والمواقف في الدعوة من أسباب استمرار الدعوة ونجاحها بإذن الله، فإذا كنت تؤمن بحقوق ولاة الأمر المتفرعة عن أصل الشرعية ولزوم البيعة؛ فبادر بقبول الحق بدليله، ثم إن هذا لا يمنعك أن تنكر المنكر الذي تراه بالسبل الشرعية، سواءً كان المرتكب للخطأ سلطاناً أو حاكماً أو وزيراً أو أميراً أو محكوماً، ولكن سبيل الإنكار عليه وطريقه ليس من العقل فيه أن يسوى فيه بين المختلفات، بل أنزلوا الناس منازلهم تحقيقاً للمصالح ودرءاً للمفاسد. وهنا مسألة مهمة وهي أن كثيراً ممن يجدون في صدورهم حرجاً من طرح هذا الأمر أو لا يحبون سماع الحديث فيه يظنون أن الكلام عن حقوق ولاة الأمر يعني بالضرورة عدم الكلام عن حقوق الرعية لا، فكما أنه ينبغي أن تفصل وأن تشرح وأن يفهم وأن يوضح حقوق ولاة الأمر؛ فكذلك لابد أن تبين حقوق الرعية على ولاة الأمر، ولابد أن يبين عظم الأمانة التي سيسأل الله عنها الحكام يوم القيامة تجاه شعوبهم ومن ولاهم الله أمرهم.

من حقوق ولاة الأمر: السمع والطاعة

من حقوق ولاة الأمر: السمع والطاعة أيها الأحبة! إن هذه القضية حينما نتكلم عنها فلا تعني أننا لا نتكلم عن غيرها، فإن هذا من الفهم القاصر الذي أتي من جهته كثير من الناس، ولا أريد أن أطيل بهذه المقدمة، لكن أقول هذا أوان الشروع بالمقصود فالقول بعون الله: إن أهل السنة وسط عدول بين طوائف الرافضة وطوائف المعتزلة والخوارج. فـ الرافضة يقدسون الأئمة والولاة إلى درجة الغلو والعصمة، فلا يرون في فعل الأئمة منكراً فضلاً عن الإنكار عليه، وأما الخوارج والمعتزلة فإنهم يرون الأمر والنهي مع الولاة بالسيف، والخروج عليهم بالشوكة وكسر البيضة مع القول بتكفيرهم وتخليدهم في النار، ويرون ذلك من صميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طرف يغلو ويقدس الولاة، وطرف يسل السيف على الولاة، فجاء أهل السنة وسطاً عدولاً في هذا الأمر، لا يعتقدون للولاة عصمة من الخطايا والكبائر والصغائر، ولا يغلون فيهم، بل يتصورون وقوع الأخطاء والكبائر والصغائر منهم، ويرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاههم، لكن يحفظون حقهم ومنزلتهم في تحقيق الحكمة حال الأمر والنهي وهي: فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي دون الخروج والتأليب أو التحريش بهم. ويمكن أن نجمل حقوق ولاة الأمر في العناصر الآتية: أولها: السمع والطاعة في المعروف. ثانيها: النصح ومنه الدعاء والإعانة على الحق. ثالثها: توقيرهم في النفوس وعدم الاستهانة بشأنهم لما في ذلك من المفاسد العظيمة. رابعها: تأليف الشاردين عنهم إليهم لما في ذلك من درء الفتنة وجمع الكلمة. وهذا هو موجز الحقوق وإليكم الإيضاح بالتفصيل ما أسعف الوقت بذلك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: والظاهر والله أعلم أن هذه الآية عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء. وأخرج البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) وهذا الحديث: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) لذلك الذين يريدون الانقلاب ويريدون الخروج على الأئمة، ويريدون القيل والقال في علمائنا وفي ولاة أمرنا حينما يريدون أن يحدثوا الفتنة في هذا المجتمع الذي نعيشه لا يبدءون بمسألة قبل مسألة، إقامة أدلة، بل لوي أعناق نصوص، وتكلف أدلة، وتمحل أدلة حتى يقولوا بأن هذه البلاد التي نحن فيها كافرة، فإذا كانت بلادنا كافرة؛ إذاً لا قيمة للحكام ولا قيمة للولاة ولا قيمة لهؤلاء العلماء الكبار ولا مكانة ولا منزلة لهم؛ ولأجل ذلك رأينا أن الذين شقوا العصا وخرجوا وكفروا، بدءوا بالاستهانة بالعلماء وبالتقليل من شأن كبار العلماء، تكلموا في شأن الشيخ/ ابن باز وقالوا: هذا الإنسان لا يفقه ولا يفهم، وتكلموا في الشيخ/ ابن عثيمين وقالوا: هذا إنسان ليس له رأي بين، وتكلموا في كبار العلماء وقالوا فيهم ما قالوا؛ هل بينهم وبين ابن باز عداوة؟ لا، هل بينهم وبين ابن عثيمين عداوة؟ لا، إنما أرادوا أن يكسروا السفينة حتى يغرق من فيها، أردوا أن يكسروا هيبة العلماء حتى إذا انتهت مكانة العلماء تلفت الناس يميناً ويساراً يريدون أحداً يقتدى بقوله ويتأسى بفعله، فلا يجدون إلا هؤلاء الخوارج ولا يجدون إلا هؤلاء المكفرين الذين يستهينون بالعلماء، ويسقطون قدرهم ومنزلتهم، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان على ما يصفون ويقولون. ومن أدلة لزوم الطاعة والجماعة ما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمرني بالجماعة، وإنه من خرج من الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) ومن ذلك ما أخرجه الإمام أبو داود وأحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة شبراً خلع ربقة الإسلام من عنقه) ولله در عبد الله بن المبارك المجاهد التاجر الغني الثري العالم المحدث الفقيه قال: إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا كم يرفع الله بالسلطان مظلمة في ديننا رحمة منه ودنيانا لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهباً لأقوانا

حادثة الحرة في عهد يزيد بن معاوية

حادثة الحرة في عهد يزيد بن معاوية جاء في صحيح مسلم: أن عبد الله بن عمر جاء إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، يزيد بن معاوية لما تولى كان والياً فاسقاً، كان يشرب الخمر ويترك الصلاة، ويفعل محرمات عظيمة وكبيرة، حتى أنكر عليه علماء وأنكر عليه أئمة كبار هذه الأفعال، وكان من بين من أنكر عليه عبد الله بن مطيع. لما كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد جاء عبد الله بن عمر زائراً لـ عبد الله بن مطيع، فقال عبد الله بن مطيع: اطرحوا لـ أبي عبد الرحمن وسادة. فقال ابن عمر رضي الله عنه: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة؛ لقي الله لا حجة له، ومن مات ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية). عبد الله بن مطيع بن حارثة أحد كبار التابعين، وقيل له صحبة، نزع بيعة يزيد بن معاوية من عنقه لما كان من يزيد من المعاصي والكبائر، وكان عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة هما المتزعمان لفكرة الانقلاب أو الخروج على يزيد بن معاوية في المدينة، وكان سبب الخروج عليه كما قلت: إسرافه في المعاصي، بل قال عبد الله بن حنظلة: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة. فلما كان منهم الخروج جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع، وأخبره بهذا الحديث؛ ليكون رادعاً له عن الاستمرار في معصية الخروج، فلم يستجب عبد الله بن مطيع، وظن أن ما هو عليه سوف يزيل المنكرات، حتى أرسل يزيد بن معاوية سنة 63 للهجرة جيشاً لحرب عبد الله بن مطيع بقيادة مسلم بن عقبة المري، ويسميه أهل السنة مسرف بن عقبة فكانت وقعة الحرة المشهورة التي جرت فيها الدماء كأنها في يوم عيد الأضحى، وهرب عبد الله بن مطيع فكانت النتيجة أن قتل العشرات من القراء والحفظة والتابعين والعلماء بسبب هذه الفتنة وهي الخروج على هذا الحاكم الغاشم الظالم يزيد بن معاوية. ولذا كان من مواقف عبد الله بن عمر في هذه الفتنة -فتنة الحرة- كما جاء في الصحيحين وغيرها عن نافع أنه قال: لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع عبد الله بن عمر أولاده وأهله ثم تشهد وقال: أما بعد فإنا بايعنا هذا الرجل -يقول: نحن بايعنا يزيد - بايعناه على بيعة الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، يقال: هذا غدرة فلان وإن من أعظم الغدر -إلا أن يكون الإشراك بالله- أن يبايع الرجل رجلاً على بيعة الله ورسوله ثم ينكث بيعته، فلا يخلعن أحد منكم يزيد ولا يسرفن أحد منكم في هذا الأمر فيكون الفيصل بيني وبينه).

طاعة الإمام المتغلب على الناس بسيفه

طاعة الإمام المتغلب على الناس بسيفه يقول الإمام أحمد رحمه الله في شأن لزوم الطاعة حتى ولو للإمام الذي قهر الناس بسيفه، ولو للإمام المتغلب، يقول: ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً، كان أو فاجراً. وقد جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن دينار قال: شهدت ابن عمر حين اجتمع الناس على عبد الملك -والمراد: اجتماع الكلمة عليه- وكانت الكلمة قبل ذلك متفرقة بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان كل ينادى بأمير المؤمنين، يقول عبد الله بن دينار: شهدت عبد الله بن عمر حين اجتمع الناس على عبد الملك فكتب ابن عمر -بعد الاجتماع-: [إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت، وإن بني قد أقروا بمثل ذلك]. يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله معلقاً على هذا الأثر في الفتح: وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء وهذا الكلام كما تلاحظون هو في الإمام المتغلب، وهو الذي تسمى بيعته بيعة الإجبار، وفي ذلك يقول الشوكاني رحمه الله أيضاً: لا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أو تنفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر، فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته وبايعه أهله كان الحكم فيه أن يقتل ذلك المنازع إذا لم يتب، ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته ولا الدخول تحت ولايته. ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله ما معناه: إن الحاكم والسلطان المتغلب إذا لم يستجمع شروط الإمامة لكن تم له التمكين واستتب له الأمر؛ وجبت طاعته وحرمت معصيته، حتى لو جاء إمام آخر مستجمع للشروط، فلا يطاع ولا يستجاب للإمام الأخير، ويسمع للإمام المتغلب الأول الذي انعقد له الأمر واجتمع الناس إليه.

السمع والطاعة في غير معصية الله

السمع والطاعة في غير معصية الله أيها الأحبة! مسألة الطاعة ليست من مسائل الفروع، بل هي من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، يقول الإمام الطحاوي في العقيدة الطحاوية: ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، وتأملوا كلمة "ولا ندعو عليهم" فما أكثر الجهلة والأغبياء الذين يدعون على السلاطين اليوم. ومعلوم أن الطاعة إنما تكون لسلطان له شوكة ومنعة، فمن لم تكن له شوكة ولا منعة فهذا لا سمع له ولا طاعة، إن السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصية مجمع على وجوبها عند أهل السنة والجماعة، وهي كما قلت من أصولهم التي تميزوا بها عن أهل البدع والأهواء، وقل أن ترى في مؤلفاتهم وفي عقائدهم إلا وتجد النصوص المتواترة الكثيرة على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وإن جاروا، وإن ظلموا، وإن فسقوا، وإن فجروا وهذا الإجماع ليس اجتهاداً بل هو مبني على الأدلة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تواترت الأدلة في ذلك. أخرج البخاري في صحيحه في باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، ورواه مسلم أيضاً كذلك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) وقوله "فيما أحب وكره" أي: فيما وافق غرضه وهواه أو خالف ما يشتهيه أو يهواه. يقول بعض أهل العلم: إن طاعة الحاكم واجبة على كل مسلم بما يوافق طبعه أم لم يوافق بشرط ألا يأمره بمعصية، فإن أمره بمعصية؛ فلا تجوز طاعته، ولا يجوز له محاربة الإمام أبداً.

السمع والطاعة وإن منعوا الحقوق

السمع والطاعة وإن منعوا الحقوق ومن الأحاديث الدالة على وجوب طاعة الإمام ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك) وقوله "في منشطك" يعني حالة نشاطك، وقوله "في مكرهك" أي حالة ما تكرهه من الأمور، ومعنى الأثرة الواردة في الحديث: أي الاختصاص بأمور الدنيا، أي: حتى لو أن الحكام استأثروا بالأموال واستأثروا بالدنيا واختصوا بها عن سائر الناس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اسمعوا وأطيعوا ولو رأيتم أثرة في هذا الأمر، والمعنى: اسمعوا وأطيعوا ولو اختص ولاة الأمور بالدنيا، ولو لم يصلكم حقكم مما عندهم فهذا هو معنى الحديث. ومما أخرجه مسلم في صحيحه وبوب عليه النووي فقال: باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق، عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سلمة: (يا نبي الله! أرأيت إن قام علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فماذا تأمرنا؟ فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم، فسأل سلمة ثانية، فأعرض عنه، فلما كانت الثالثة جذبه الأشعث بن قيس فالتفت صلى الله عليه وسلم وقال: اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم) وفي رواية لـ مسلم أيضاً (فجذبه الأشعث بن قيس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم) والمعنى: أن الله تعالى حمل الولاة وأوجب عليهم العدل بين الناس، فإذا لم يقيموا العدل أثموا، والله حمل الرعية السمع والطاعة للولاة، فإن قاموا بذلك أثيبوا عليه، وإن لم يقوموا بذلك أثموا. والمعنى: أن الله عز وجل أمر الولاة بالعدل وأمر الرعية بالطاعة، فإذا خرج الولاة عن العدل؛ فليس هذا بمبرر أن تخرج الرعية عن الطاعة.

السمع والطاعة مع الصبر على الأذى

السمع والطاعة مع الصبر على الأذى ومن الأدلة ما أخرجه مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! إنا كنا في شر فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم. قلت: وهل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: يا رسول الله! كيف أصنع إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع). أنا أعلم أن هذه الأحاديث قد لا تعجب كثيراً من الذين لا يشتهون الكلام عن هذه القضية، لكن هذه مسألة دين، وهذه مسألة عقيدة، فكما أن الله عز وجل شرع أن صلاة الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والفجر ركعتان، فكذلك شرع لنا بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمع وأن نطيع ولو جلد ظهر مظلوم، ولو أخذ مال مظلوم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بذلك، وهنا تكون الاستجابة لله ورسوله، أن تستجيب لله ورسوله فيما تشتهيه وما لا تشتهيه، فيما تحبه وما لا تحبه، نعم لا يوجد أحد يشتهي أن يضرب ظهره، وأن يؤخذ ماله ثم يقول: أنا أريد أن أسمع وأطيع، لكن إذا ورد الدليل وفقهنا؛ فحينئذ يكون التزامنا وإقدامنا وقبولنا بهذا الأمر طاعة لله وطاعة لرسوله وليس حباً في ظلم وليس حباً في مظلمة تكون على مسلم. وتأملوا هذا الحديث أيها الأحبة فهو من الأحاديث التي جاءت في هذا الباب، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه سيأتي أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وذلك أمر عظيم في الضلال والفساد والزيغ والعناد، ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعتهم، أي أنه حتى لو كان حال الحكام وحال الأمراء على هذه الصفة؛ فإن المسلم مأمور بالطاعة في غير معصية الله، كما جاء ذلك مقيداً في أحاديث أخر حتى ولو بلغ الأمر ما علمتم من ضرب الظهور وأخذ الأموال؛ فإن هذا لا يحمل على ترك الطاعة أو عدم سماع الأمر، ولا يحمل على شق الجماعة والخروج على ذلك، فإن هذا الجرم عليهم سيحاسبون ويجازون به يوم القيامة، فإن قادك الهوى إلى مخالفة هذا الأمر الحكيم والشرع المستقيم، فلم تسمع ولم تطع لأميرك؛ فقد لحقك الإثم ووقعت في المحذور. وهذا الأمر النبوي هو من تمام العدل الذي جاء به الإسلام، فإن هذا المضرور إذا لم يسمع ويطع وذاك المضرور إذا لم يسمع ويطع، والآخر الذي أخذ ماله لم يسمع ويطع؛ ماذا تكون النتيجة؟ يفضي هذا إلى تعطيل المصالح الدينية والدنيوية، فيقع الظلم على جميع الرعية أو على أكثر الرعية، وبذلك يرتفع العدل عن العباد والبلاد، فتتحقق المفسدة وتلحق بالجميع ولا تكون مقصورة على واحد أو اثنين أو عشرة أو مائة أو مائتين، بينما لو ظلم هذا فصبر واحتسب، وسأل الله الفرج وسمع وأطاع، وكذلك الآخر إذا أخذ ماله فصبر واحتسب، وسأل الله الفرج وسمع وأطاع؛ لقامت المصالح ولم تتعطل ولم يضع حقه عند الله سبحانه وتعالى، بل ربما عوضه الله خيراً منه وربما ادخره الله له في الآخرة، وهذا من محاسن الشريعة؛ فإنها لم ترتب السمع والطاعة على عدل الأئمة، ولو كان الأمر في ذلك لكانت الدنيا كلها هرجاً ومرجاً. ومن الأدلة أيضاً ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم -فسماهم أئمة- الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة) وفي لفظ آخر لـ مسلم أيضاً: (ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة). ومن النصوص أيضاً ما أخرج البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة). ومن النصوص الواردة في لزوم السمع والطاعة والصبر على جور الأئمة وعدم الخروج عليهم وعدم النزاع حتى لو كان منهم ما كان، ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث في الصحيحين - فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) هذا لفظ الإمام مسلم رحمه الله.

كلام الشيخ ابن باز في وجوب طاعة ولاة الأمر

كلام الشيخ ابن باز في وجوب طاعة ولاة الأمر يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز متع الله به على طاعته: الواجب على جميع المسلمين في هذه المملكة السمع والطاعة. وهنا مسألة: سماحة الشيخ يقول: الواجب على المسلمين في هذه المملكة؛ حتى لا يقول قائل: إن الكلام في السمع والطاعة عن ولاة الأمور، لكن نحن ما حددنا ولاة الأمور أو أننا نضمر في أنفسنا ولاة أمور آخرين غير ولاة الأمور الموجودين، فهذا أمر مهم: أننا حينما نتكلم عن السمع والطاعة لولاة الأمور، فنقصد بذلك السمع والطاعة لحكامنا هؤلاء الذين يحكمون البلاد المسئولين الحكام الأمراء، فالمقصود بولي الأمر هؤلاء الحكام، وليس كما يقوله آخرون: نحن نقول: ولاة الأمور، لكن نقصد ولاة أمورنا الذين في لندن! أو نقصد ولاة أمورنا الذين في مكان آخر لا، الصلاة على الميت الحاضر، حينما نتكلم عن ولاة الأمور فالكلام عن ولاة أمورنا في هذه البلاد كما يصرح بذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز. يقول: فالواجب على جميع المسلمين في هذه المملكة السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف كما دلت على ذلك الأحاديث -والسمع والطاعة بالمعروف- الصحيحة والثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد أن ينزع يداً من طاعة بل يجب على الجميع السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خرج على الطاعة، وخرج على الجماعة ومات؛ مات ميتة جاهلية) فالواجب على المؤمن السمع والطاعة بالمعروف، وألا يخرج عن السمع والطاعة بل يجب عليه الإذعان والتسليم لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول سماحته: وهذه الدولة السعودية دولة إسلامية والحمد الله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتأمر بتحكيم الشرع، وتحكمه بين المسلمين، فالواجب على جميع الرعية السمع والطاعة لها بالمعروف، والحذر من الخروج عليها، والحذر من معصيتها في المعروف، أما من أمر بمعصية فالمعصية لا يطاع أحد فيها لا من الملوك ولا غير الملوك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة بالمعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فإذا أمر ملك أو رئيس جمهورية أو وزير أو والد أو والدة أو غيرهم بمعصية كشرب خمر أو أكل الربا لم يجز الطاعة في ذلك، بل يجب ترك المعصية، وألا يسمع لأحد فيها، فطاعة الله مقدمة (إنما الطاعة في المعروف) هكذا جاءت السنة الصحيحة. اللهم إنا نشهدك على ما في أنفسنا أننا ندين ونعتقد بما سمعتموه وبما قلناه من كلام سماحة الإمام الشيخ/ عبد العزيز بن باز. ويقول سماحته -متع الله به على طاعته-: ننصح الجميع بلزوم السمع والطاعة كما تقدم، والحذر الحذر من شق العصا، والخروج على ولاة الأمور فهذا من المنكرات العظيمة، بل هذا دين الخوارج والمعتزلة -الخروج على ولاة الأمور وعدم السمع والطاعة لهم إذا وجدت معصية- وهذا غلط خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسمع والطاعة بالمعروف وقال: (من رأى من أميره شيئاً من معصية الله؛ فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة) وقال صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع، يريد أن يشق عصاكم، ويفرق جماعتكم؛ فاضربوا عنقه) أي أنه إذا أتى أحد يريد أن يشق العصا ويفرق الجماعة؛ فاضربوا عنقه، فلا يجوز لأحد أن يشق العصا أو يخرج عن بيعة ولاة الأمور أو يدعو إلى ذلك؛ فإن هذا من أعظم المنكرات ومن أعظم أسباب الفتنة والشحناء، والذي يدعو إلى ذلك يقتل. يقول سماحة الشيخ: الذي يدعو إلى الخروج يقتل؛ لأنه يفرق الجماعة ويشق العصا، فالواجب الحذر من هذا غاية الحذر، والواجب على ولاة الأمور إذا عرفوا من يدعو إلى هذا؛ أن يأخذوا على يديه بالقوة حتى لا تقع بين المسلمين فتنة. وسئل سماحته عمن يقول: أنا لم أبايع الوالي، ولهذا لا تلزمني بيعة، وليس في عنقي بيعة. فأجاب سماحته: إذا اجتمع المسلمون على أمير وجبت الطاعة على الجميع ولو لم يبايع بنفسه، فالصحابة والمسلمون ما بايعوا أبا بكر كلهم، إنما بايعهم من بـ المدينة، بايع بعضهم ولزمت البيعة على الجميع، إذا بايع أهل الحل والعقد ولي الأمر وجبت الطاعة على الجميع وإن لم يباشر البيعة كل واحد من الرعية بل تلزمه البيعة وإن لم يصافح وإن لم يتول البيعة بنفسه. هذه -أيها الأحبة- من النصوص المهمة العظيمة في شأن لزوم السمع والطاعة.

النصيحة لولاة الأمور وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر

النصيحة لولاة الأمور وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر الثاني من حقوق ولاة الأمور: النصيحة لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة؟ قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم) ويدخل في هذه النصيحة: تنبيه الولاة والحكام على ما يقع في البلاد من مخالفات شرعية أو كبائر ومعاصٍ تكون سبباً لحلول النقم والبأس بالعباد والبلاد، والله سبحانه وتعالى يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط لعامة الناس، بل حتى الحكام يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فإن من ترك ذلك؛ فقد تشبه ببني إسرائيل الذين تركوا هذا الأمر، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. وحديث أبي سعيد رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع؛ فبلسانه، فإن لم يستطع؛ فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) إذاً مناصحة الحكام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، أمرهم بالمعروف بالمعروف، ونهيهم عن المنكر بغير منكر؛ من الحقوق التي تجب علينا تجاههم، وما أحسن ما قاله العلامة ابن رجب رحمه الله: والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق، وحث الأغيار على ذلك. وأخرج الإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبداً: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من وراءهم). لكن هذه المناصحة وهذا الحق الذي يجب علينا تجاه ولاة أمورنا وهو نصيحتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لابد لها من ضوابط شرعية، لما يترتب عليها من قبول أو رد يفضي إلى فتنة أو إصلاح. إن السكوت عن مناصحة الحكام خيانة للحكام، إن السكوت عن أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر، إن السكوت عن بيان الأخطار التي تحل في العباد والبلاد خيانة للحكام هؤلاء الذين نحن نقول: يجب السمع والطاعة لهم.

حسن الأسلوب في مناصحة الحكام

حسن الأسلوب في مناصحة الحكام وإن من تمام الولاء لهم ومن تمام البيعة ومن تمام الإخلاص والنصيحة لهم، أن تبين لهم الأخطار وأن يرفع إليهم بشأن المنكرات، وأن يتابع معهم في هذا الأمر، روى الإمام أحمد والحاكم في مستدركه وهذا الحديث نص في ضرورة مراعاة الكيفية التي يناصح بها الحاكم. يا أحبابي! لو أن واحداً من الآباء جاءه واحد من أولاده فقال: يا أبت أنت فاسق، في بيتنا دش. يا أبت أنت ديوث، أنت تفعل كذا وأنت تفعل كذا وأنت تفعل كذا، ما ظنك بالأب وهو يسمع من ولده هذه النصائح التي يقول فيها بعلم وبجهل وبحق وبباطل؟ والله يوشك أن يتخلص من حياته، إذا كانت نصيحة الولد للوالد تحتاج إلى مراعاة وأسلوب وكيفية؛ فكذلك مناصحة الحاكم لابد لها من كيفية تناسب المقصود وهو إيصال الخطر والمنكر وبيانه لهم وتحذيرهم من مغبته، وإيصال ما نقص من المعروف لهم حتى يأمروا بتمامه وإكماله. روى الإمام أحمد والحاكم في مستدركه عن عياض بن غنم قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبذله علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه) وهذا حديث عظيم وحجة قوية في مناصحة الحاكم، ما تأتي تناصح الحاكم أمام الناس فربما جعلته يستشيط غضباً ويتحداك عناداً وإصراراً، لكن كما في الحديث: (من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبذله علانية -أي: لا تنصحه أمام خلق الله- ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه). وأخرج مسلم في صحيحه عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قيل له: ألا تدخل على عثمان بن عفان لتكلمه؟ أي: يقولون: يا أسامة لماذا لا تنكر بعض الأمور على عثمان بن عفان الخليفة الثالث الراشد؟ فقال أسامة: أترون أني لا أكلم عثمان إلا أن أسمعكم؟! أي: أتريدونني أن أنصحه وأنتم تسمعون؟ تريدون أن أكلمه وأنتم تنظرون؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه. أي: لا أريد أن أسن سنة في الجرأة على السلاطين والكلام عليهم في مجامع الناس العامة. يقول سماحة الشيخ ابن باز: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة بالمعروف، ويفضي إلى الخوف الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير، وإنكار المنكر يكون من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلاناً يفعلها لا حاكم ولا غيره، ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه -كل هذا من كلام الشيخ ابن باز- قال بعض الناس لـ أسامة بن زيد: ألا تنكر على عثمان. قال: أنكر عليه عند الناس؟ لا، لكن أنكر عليه بيني وبينه، لا أفتح باب شر على الناس، ولما فتح باب الشر في زمن عثمان، وأصبحوا ينكرون على عثمان جهرة، ويتكلمون في عرض الوالي والخليفة الراشد في المجالس؛ تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال آثاره إلى اليوم حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي بسبب ذلك، وقتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً حتى أبغض الناس ولي أمرهم، وحتى قتلوه نسأل الله السلامة والعافية. نعم أيها الأحبة! هذه أجوبة مسددة من إمام عالم مسدد قد شابت لحيته في الإسلام، وشهد له القاصي والداني بالحب، نحسبه من أولياء الله ولا نزكي على الله أحداً. قال ابن مفلح رحمه الله: وقال ابن الجوزي: الجائز من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلاطين التعريف والوعظ، فأما تخشين القول نحو: يا ظالم يا من لا يخاف الله؛ فإن كان ذلك يحرك فتنة يتعدى شررها أو ضررها إلى الغير؛ لم يجز، وإن لم يخف إلا على نفسه؛ فهو جائز عند جمهور العلماء، قال: والذي أراه المنع من ذلك انتهى كلامه رحمه الله. نعم هنا حديث صريح صحيح وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره فنهاه، فقتله) لكن هذا رجل دخل على السلطان وقام إليه وقال له كيت وكيت وكيت، اتق الله، يوجد كذا، لا يوجد كذا، يحصل كذا، وقع كذا، فحينئذ إن سمع منه وخرج فالحمد الله، وإن دحرج رأسه على الأرض فهذا المناصح شهيد بإذن الله عز وجل، وهذا أمر ينبغي أن نفقهه؛ لأن بعض الناس يقول: هؤلاء الذين يتكلمون عن حقوق ولاة الأمر لا يحبون أن يأتي أحد لينصح ولاة الأمور لا والله، بل نحن نحرص ونعلم أن هذا من صميم حقوق ولاة أمرنا علينا، أن ينتخب لمناصحة ولاة الأمور العقلاء، العلماء، أهل التجربة، أهل الكلام الحسن، أهل المداخل الطيبة، الذين يحسنون الحديث ويعرفون الحسنات ويقدرونها، ويعرفون الأخطاء والسيئات ويقدرونها قدرها، ثم يأتون ليناصحون (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره فنهاه فقتله) نعم انظروا إلى كلمة (إمام) وكلمة (عند سلطان) من كان شجاعاً أو قوياً أو على درجة من العلم ويريد أن ينصح؛ فجزاه الله خيراً بالضوابط الشرعية والآداب المرعية. وإننا نرى ولله الحمد والمنة أن هذا لن يحصل، أعني: لو قام أحد في بلادنا ودخل على الحاكم أو على أمير وقال له: اتق الله يوجد كذا أو لا يوجد كذا يسلم رأسه من الآن بإذن الله عز وجل، لن يقطع رأسه، يطمئن من ذلك، لكن الشاهد من الحديث أنه يكون هذا النصح مشروعاً إذا كنت في وجه الحاكم وجهاً لوجه، إلى إمام أو عند سلطان أما أن تجلس في أربعة جدران أو في جلسة خلوية وتجلس وتقول: الحاكم فيه والحاكم فيه والحاكم قال والحاكم فعل والحاكم صلح والحاكم زين ماذا ينفع الكلام مع الناس؟ بعض الناس لو ينقطع عليه الماء لا يستطيع أن يوصل ماء؟ بعض الناس لو انقطعت عليه الكهرباء لا يستطيع أن يصلح الكهرباء، تأتي وتكلم مساكين فقراء ضعفاء ليس لديهم خبرة ولا سالفة ولا حيلة وتكلمهم عن أخطاء الحكام؟! لا، هذا ليس من العقل وليس من المنطق بأي حال من الأحوال. يقول ابن النحاس: ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رءوس الأشهاد بل لو كلمه سراً ونصحه خفية من غير ثالث لهما. أي: كلما كانت النصيحة ما بينه وبين الحاكم سراً كلما كان هذا أفضل، والنصيحة يراد بها إبراء الذمة، ويراد بها إصلاح الأحوال، فأما إبراء الذمة فيقع بإبلاغ النصيحة، أي أنك تقول: والله أنا أريد أن أبرئ ذمتي، لا، لا تبرئ ذمتك أمام العامة أو أمام الناس، تريد أن تبرئ ذمتك ترفع برقية تذهب وتبلغ هذه الرسالة إلى من يصل إلى السلطان أو يدخل على السلطان، فتبرأ ذمتك بإذن الله عز وجل. وأما الأمر الثاني من النصيحة فهو التحويل من حال إلى حال، أي إصلاح الأوضاع وإصلاح الأحوال من حال رديئة إلى حال جيدة، فأنت في هذا ما عليك إلا إبلاغ النصيحة وأما تغير الأحوال فبيد الله عز وجل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7].

التفريق في النصيحة بين حال الأمن وحال الخوف والحرب

التفريق في النصيحة بين حال الأمن وحال الخوف والحرب وهنا أيضاً في النصيحة يجب التفريق بين حالين: بين حال الأمن والرخاء والاستتباب، وبين حال الخوف والحرب والفتن التي تقع في البلاد، فلنضرب مثلاً أن بلادنا في حالة حرب وفي حالة معركة فهل من المنطق أن نأتي ونتكلم: أصلحوا زينوا بدلوا عدلوا غيروا لا، ليس هذا وقته، وليس هذا من الحكمة أبداً، بل ننتظر حتى تنتهي الحرب وينصرنا الله على من عادانا، ويبتعد العدو عن بلادنا، ويبتعدون عن حدود أرضنا، فإذا استقرت أوضاعنا؛ عدنا إلى حكامنا وقلنا: اتقوا الله، غيروا وبدلوا وعدلوا وأصلحوا، أما في هذه اللحظة الخطيرة، في لحظة الدبابات على حدودنا والطائرات تقصف والصواريخ ترمي ثم تأتي وتقول: الآن هي الفرصة المناسبة حتى يجتمع الناس على الحاكم فأضغط عليه ضغط إجبار يغير الأوضاع هذا ليس من الحكمة وليس من الدين بأي حال من الأحوال، إنما يجب أن يتحين لهذه النصيحة وقت الرخاء ووقت الطمأنينة، أما في حالة الخوف والحرب والخطر والفتن فحينئذ الخطر علينا جميعاً، يمكن أن يأتي العدو ويستبيح أرضنا من جهة شمالية وجنوبية وشرقية وغربية، ويطأ الأعداء هذه البلاد، فيقتلون الحاكم والعالم والداعي والآمر والناهي والغيور والفاسق والفاجر يقتلون جميعاً. فليس من الحكمة أن يغيب عن ذهن المغير أو الناصح أن يعرف أو أن يقدر للزمن وللظرف والمناسبة قدرها ومكانها.

التفريق بين الإصلاح وبين تكوين معارضة أو إثارة فتنة

التفريق بين الإصلاح وبين تكوين معارضة أو إثارة فتنة وكذلك أيها الأحبة هنا مسألة مهمة لا يميزها كثير من الناس أو كثير من الشباب خاصة: تكوين معارضة شيء وإصلاح الأحوال شيء آخر، مثلاً يوجد بلاد أو في أي مجال في أي جانب يوجد فساد أو يوجد خلل أو يوجد انحراف فتغيير هذه الأمور وإصلاح هذه الأحوال شيء، أما تأليب الناس وتهييج الناس شيء آخر، ولذلك في حديث أو حوار ساخن حول ذلك المارق الماجن الذي يسمى " محمد المسعري " صاحب لجنة الحقوق في لندن، أتحدث مع أحد الإخوة وكان يتحدث عن الفاكسات التي أصبحت الآن أثراً بعد عين، ولا يوجد من يسمع بها، ولا من يقرأها ولا من يلتفت لها، بل أصبح الناس إذا ابتلوا بها يأخذها فوراً دون أن يقرأها ويرميها في الزبالة، وربما يجر عليها السيفون، هذا يكون معارضة ويريد أن يثير فتنة، يريد أن يؤلب فريقاً من الناس في هذا المجتمع، فتأليب الناس، تكوين معارضة، إثارة فريق من الناس هذا عمل، لكن الإصلاح عمل آخر، لا علاقة لهذا بهذا أبداً، ولا يمكن وباستقراء التاريخ ما عرف أن التأليب والفتن والخروج وهذه الأمور كونت إصلاحاً، بل الإصلاح شأن آخر، لكن بعض الأغيار وبعض الأبرار وبعض المساكين انطلت عليه الحيلة حتى أصبح أحدهم ينافح عن هذا المارق بكل ما أوتي. أذكر مرة بعد صلاة التراويح وقف لي شاب وقال: لماذا أنت تعرضت لما قاله المسعري في الفاكس الفلاني. قلت: أولاً: يا أخي الحبيب هذا الرجل نعم هو كذب علي مراراً، ودينه الكذب، يكذب كذبات كالشمس في رابعة النهار، وأنا ممن كذب علي، لكن يا أخي الحبيب ما حاجتك في هذا الكلام وما حاجتك في هذه القضايا التي يطرحها؟ قال: لا، هو سبق أن عرفته وسبق أن وثقت فيه. قلت: أردت أن تضعه إماماً يقتدى، هذا بينك وبينه، الله يصلحك، لكن يا أخي الحبيب اعلم أن ما يفعله هذا المسكين هو تكوين معارضة، وقد حصل من قبله ما حصل، الذين يعرفون التاريخ السياسي للمملكة العربية السعودية وجد من حاول أن يفعل مثل ما فعله المسعري، بل وملك من قبله أموراً ما ملكها المسعري، وأوتي قوة ما أوتيها المسعري، وأوتي أساليب ما أوتيها المسعري، ومع ذلك أخمده الله وقتله في فتنته، وشتت شمله، ووأد حركته وفتنته في مهدها، فمن باب أولى هذا المسكين. لذا أقول أيها الأحبة: فرق، وهذا الكلام قاس وجاف وصعب، وبعض النفوس لا تتحمله، لكن الحق لا بد أن نتحمله وإلا كنا أصحاب هوى، إذا جاء ما يعجبنا نشطنا له، وإذا جاءت النصوص عن رسول الله في أمر لا نحبه؛ نعرض عنها ونتجافى ولا نقبلها، حينئذ يكون هذا هو الهوى، فأقول: شتان بين تكوين المعارضة وبين إصلاح الأحوال. يقول حنبل: اجتمع فقهاء بغداد بولاية الواثق إلى الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقالوا: إن الأمر تفاقم وفشا -يعنون إظهار القول بخلق القرآن- يقولون: ولا نرضى إمارته ولا سلطانه، فناظرهم في ذلك وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم، ولا تخلعوا يداً من طاعة ولا تشقوا عصاً من طاعة، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، انظروا في عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر، وقال: ليس هذا صواباً، هذا خلاف الآثار. المأمون والواثق حملوا الناس وامتحنوهم وجروهم إلى القول بخلق القرآن، يمسكون الواحد تلو الواحد يقولون: ماذا تقول؟ القرآن كلام الله منزل أم مخلوق؟ إن قلت منزل؛ جلدوك وضربوك وآذوك، وإن قلت مخلوق؛ تركوك، مع أن القول بخلق القرآن فرية شنيعة وأمر خطير، كفر أو يفضي إلى الكفر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ومع ذلك يقول الإمام أحمد: لا. يحاور فيه الفقهاء ويقول: لا، أنكروا في قلوبكم، ولا تنزعوا يداً من طاعة ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم.

من الحقوق: توقير الأمراء والنهي عن سبهم

من الحقوق: توقير الأمراء والنهي عن سبهم أيها الأحبة! ومن حقوق ولاة الأمر توقير الأمراء والنهي عن سبهم، فذلك أمر عظيم يقول عبد الله بن المبارك: من استهان بالعامة ضيع مروءته، ومن استهان بالعلماء ضيع دينه، ومن استهان بالحكام ضيع دنياه. وروى الترمذي وأحمد عن زياد العدوي قال: كنت مع أبي بكرة عند منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس لباس الفساق. فقال أبو بكرة رضي الله عنه: اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله). ثم أنا أسألكم يا أحبابي! لو أن الواحد أغلق لسانه، وأغلق فمه، وما تكلم في السلطان بخير ولا شر، هل سيحاسبه الله يوم القيامة؟ لا، ولو دعا للسلطان دعوة صالحة فهذا هو الأوفق والأقرب والموافق لمنهج أهل السنة والجماعة، لكن الذين يتكلمون في السلاطين بالشر ويسبون ويتهكمون ويستهزئون ويسخرون هؤلاء والله يهدون أعمالهم إلى هؤلاء الحكام والسلاطين، لا تظن أنك حينما تستهزئ بملك أو أمير أو مسئول أو سلطان أنك بهذا تزداد رفعة وإن أعجب بك بعض من حولك من أصدقائك وزملائك، لكن ثق أنهم يعجبون بك ولكنك أنت تتصدق بحسنات أعمالك على هذا الحاكم الذي تسخر به أو تستهزئ به أو تتكلم عنه. وأخرج ابن عبد البر في التمهيد وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهون عن سب الأمراء -وفي لفظ- نهانا أمراؤنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تعصوهم، واصبروا واتقوا لله عز وجل، فإن فرج الله قريب]. وأخرج ابن سعد في الطبقات عن هلال بن أبي حميد قال: سمعت عبد الله بن عكيم يقول: لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان. فقالوا: يا أبا معبد أو أعنت على دم عثمان؟ هل أنت ممن أعان على دم عثمان؟ فقال: إني أعد ذكر مساوئه عوناً على دمه. أي: كأن عبد الله بن عكيم قد عدد أو تكلم في عثمان وذكر أن من مساوئ عثمان كذا وكذا وكذا، ثم بعد ذلك ابن عكيم رضي الله عنه يستغفر ويقول: لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان. قالوا: هل أعنت على عثمان؟ قال: إني أعد ذكر مساوئه إعانة على دمه. ومعلوم -أيها الأحبة- أن هذا هو الحق والصواب، ومعلوم أن منهج أهل السنة في هذه القضية لا يصلح للطائشين ولا أصحاب الأهواء والمطامع؛ لما ينطوي عليه من اعتقاد الصبر والعمل به، لأننا أمرنا بالصبر مهما رأينا من أثرة أو رأينا من أحد أخذ ماله أو ضرب ظهره، أو رأى مسلم ما يكرهه، فإن الأمر مطلوب من المسلم أن يصبر على هذا الأمر، ومطلوب منا أن نناصح ولاة أمورنا بالحسنى. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة والجماعة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة، ولا يرون قتالهم بالسيف، وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الفساد من القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أدنى الفسادين بالتزام أعظمهما، ولعله لا تكاد تعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أيضاً: وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد في المدينة، وكـ ابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك في العراق إلى أن قال: وغاية هؤلاء إما أن يغلِبوا وإما أن يغلَبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة، فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقاً كثيراً، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم أصحابهم فلا أبقوا ديناً ولا أبقوا دنيا، والله لا يأمر بأمر لا يحصل فيه صلاح الدين ولا صلاح الدنيا. وإن كان فاعل ذلك من عباد الله المتقين ومن أهل الجنة فليسوا أفضل من علي وطلحة والزبير وعائشة وغيرهم، ومع ذلك لم يحمدوا ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدراً عند الله وأحسن نية من غيرهم. يقول ابن تيمية أيضاً: وكذلك أهل الحرة كان فيهم خلق من أهل العلم والدين، وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خلق من أهل العلم، والله يقدر لهم كلهم، وقد قيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث: أين كنت يا عامر؟ قال: كنت حيث يقول الشاعر: عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى وصوَّت إنسان فكدت أطير أصابتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء. وكان الحسن البصري يقول: [إن الحجاج عذاب الله فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالاستكانة والتضرع فإن الله تعالى يقول: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون:76]]. نكتفي بهذا القدر أيها الأحبة من حقوق الولاة وضوابط أهل السنة والجماعة في هذه الحقوق، أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح أحوالنا، وأن يجمع شملنا، وحكامنا وعلماءنا ودعاتنا، وألا يفرح علينا عدواً، وألا يشمت بنا حاسداً، ونسأله أن يكون كلامنا وطرحنا لهذا الموضوع خالصاً لوجهه الكريم، لا نريد به غير وجهه عز وجل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

الدعاء على الإمام الظالم

الدعاء على الإمام الظالم Q بالنسبة لذكركم قول الطحاوي رحمه الله ومما جاء فيه أنه لا يشرع الدعاء على الإمام الظالم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن دعوة المظلوم مستجابة وأنه ليس بينها وبين الله حجاب) نرجو من فضيلتكم توضيح ما أشكل. A معلوم أن الله عز وجل يقول: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:148] والكلام هو في سياق عموم مواقف أهل السنة تجاه الأئمة حينما يرون من الأئمة خللاً أو نقصاً أو رضاً بالكبائر أو عدم إنكار لها، فهل يشرع لهم ذلك؟ فالواجب: أنه لا يشرع الدعاء عليهم بل يدعى لهم، ومعلوم الكلام عن أهل العلم كالإمام أحمد والفضيل قوله: لو علمت لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان.

كيفية المبايعة للإمام

كيفية المبايعة للإمام Q كلنا يعلم أن الناس في عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم كانوا يقومون بالبيعة للخليفة كلهم أو غالبيتهم، ولصعوبة هذا الأمر في هذه الأيام فمن ينوب عن المسلمين في مسألة بيعة الإمام؟ أرجو التوضيح. A أولاً: ليس بصحيح أنه في زمن الخلفاء الراشدين أن جميع الناس أو أغلبهم يبايعون لا، بل يبايع عدد من الأشياخ والأكابر وأهل الحل والعقد، وكذلك في هذا الزمن إذا مات الحاكم، قام الحاكم الذي بعده، وقد استقر له الحكم أصلاً، أي أنه انتقل إليه مباشرة بالنص عليه بولاية العهد؛ فتنتقل عليه ويبايعه كبار العلماء كبار القضاة وجهاء الناس رؤساء العشائر أهل الحل والعقد، ولا يلزم أن يأتي كل فرد وكل نفر أن يصفق بيده على يد الحاكم ليقول: بايعتك على كتاب الله وسنة رسوله. ومعلوم أن البيعة تستقر إما بأن ينتخبه أهل الحل والعقد، أي قوم أو أناس وإن شئت أن تطبق على بلدنا هذا في المملكة: الحاكم إذا بايعه أهل الحل والعقد انعقدت له البيعة، أو أن يكون الحاكم الذي قبله حاكماً مقطوعاً بشرعية بيعته، فأوصى الحاكم السابق بولاية العهد لحاكم لاحق، فلما زال السابق انتقلت الإمامة إلى هذا الذي نص عليه بالولاية فصار إماماً ثم بايعه أهل الحل والعقد وانتهى الأمر. وقد تتحقق شرعية الحاكم إذا استطاع أن يقهرهم بسيفه، وأن يجمعهم تحت سلطان واحد، فمثلاً لو كان الناس قبائل وفوضى ومشتتين ومشردين وهؤلاء يغيرون على هؤلاء، ويسلبون هؤلاء، ويغزون هؤلاء، ويسرقون من هؤلاء المهم حياة فوضى، كل قبيلة تعدو على القبيلة الأخرى فجاء حاكم وأخضع جميع القبائل بسيفه، وأخضعهم بسلطانه، وقال لهم: إنه يحكم فيهم كتاب الله وسنة نبيه؛ فهذا بيعة شرعية يجب فيها السمع والطاعة. أما ما يسمونها الديمقراطية والله لا تصير عندنا ديمقراطية، الديمقراطية تعطي الممثل صوتاً، وتعطي الفنان صوتاً، وتعطي المهرج صوتاً، وتعطي الساحر صوتاً، وتعطي للماجن صوتاً، وتعطي للداعرة صوتاً، وكل إنسان له صوت سواءً كان عاقلاً أو فاسقاً أو كبيراً أو صغيراً أو جاهلاً أو متعلماً أو خبيثاً أو طيباً أو صالحاً أو طالحاً كلهم يعطى صوتاً بالانتخاب والترشيح، وهذا ليس بصحيح، إنما الذي يرشح ويعطي صوتاً هم أهل الحل والعقد من العلماء الأبرار ومن وجهاء الناس وسادات القبائل وكبار العشائر هؤلاء هم أهل الحل والعقد، فإذا اجتمعوا على إمام عقدت له البيعة، أما قضية ما عندنا ديمقراطية حسناً انظر إلى الديمقراطية الآن ماذا تفعل في الجزائر، ماذا تفعل الديمقراطية الآن في كثير من البلدان، مذابح طاحنة، والذين يكرهون مجتمعنا اليوم، والذين يكرهون واقعنا اليوم، والذين يتمنون تغير أحوالنا اليوم؛ هم كأناس يعيشون في بيت يتمنون أن يهدم حتى يعيشوا في العراء فيفترشون الأرض ويلتحفون السماء. إذا كان بيتك ينقصه باب، تنقصه نافذة، بعض الإضاءات غير صالحة، الماء أحياناً ينقطع، الكهرباء أحياناً تنقطع هذا ليس بمبرر أنك تأتي بجرافة وتهد البيت، إذا كنت تلاحظ في مجتمعك أو في بلادك بعض النواقص هذا ليس بمبرر لأن تدعو أو تتمنى أو تتسلط أو تروج أو تحب أو تشيع الفكر الذي يدعو إلى إسقاط هذا النظام بالكامل لا، بل تحرص أن تحافظ على هذا النظام، وينبغي أن نفهم هذه القضية فهماً دعوياً علمياً شرعياً أننا لا نستطيع أن ندعو إلا مادام هذا النظام قائماً، لو اختل هذا النظام -لا قدر الله- لا تستطيع أن تقوم بأي عمل خيري، لا تستطيع أن تقوم بدعوة أو طباعة كتب أو كفالة دعاة أو كفالة أيتام أو أعمال خيرية أو محاضرات كل هذه الأعمال في ظل النظام القائم، فلو اختل النظام تريد أن يسقط النظام ثم تأتي تدعو بمحاضراتك وأفلامك وكتبك وخطبك وأشرطتك هذا من الحماقة وقلة العقل، وهذا من السفه ونقص العلم، ولكن أصحاب العقول كما يقول القائل: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم الجاهل مرتاح، أكلف ما عليه أن يصدق إشاعة، يتبع صيحة، يتبع ناعقاً، لكن العاقل من الصعوبة أن يقبل، ومن الصعوبة أن يصيح إذا صاح الناس، ومن الصعوبة أن يتابع الناس فيما يقولون؛ لأنه ينظر في أمور لا ينظر إليها الصغار أو لا ينظر إليها الطغام والعوام والجهلة.

كيفية نصرة المظلوم إذا كان خصمه الوالي

كيفية نصرة المظلوم إذا كان خصمه الوالي Q يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) فكيف أقف مع آخر إذا كان على حق وخصمه الوالي وهو على باطل؟ A والله يا أخي الحبيب نحن مر بنا أن الولاة ليسوا معصومين من الأخطاء أو الكبائر أو الصغائر هذا أولاً، الأمر الثاني: تستطيع أن تنصره إذا استطعت أن تصل إلى الوالي وتبلغه هذه النصيحة إما بلسانك أو ببرقيتك أو برسالتك، وإن لم تستطع اذهب إلى أحد العلماء الأجلاء الذين يسمع لهم وبلغ له هذه المظلمة. وافرض أن هذا لم يستطع أحد أن ينصفه من هذه المظلمة، لا استطعت أنت لا ببرقية ولا برسالة ولا دخلت على الوالي ولا استطاع العالم أن يغير شيئاً، وبقي أخوك المسلم هذا مظلوماً صبراً على قدر الله، إنا لله وإنا إليه راجعون نصبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلى أن تنجلي الغمة وتصلح الأحوال. إذا لم تتعدل الأحوال فلابد أن نطلق النار من الزناد! ونرفع السيف! ونرى الخروج ونعلن التكفير؟! هذا هو بيت القصيد، بيت القصيد هو أنك إذا أتيت للوالي أو الحاكم وقلت: هذا ظلم هذا مسكين هذا مظلوم، وهذا لا يجوز، فرضاً قال الوالي: لا، ليس عندي استعداد، ولن أقبل قولك ولن أقبل كلامك. تقول: نعم، لست بقابل كلامي بالحسنى أو بالرشاشات! هذا ليس منطقاً، قيمة المحاضرة كلها أنه حينما يصيبك هذا تقول: سمعاً وطاعة لكم في طاعة الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون في هذه المظلمة التي ما أنصفتم صاحبها، وعملاً بمقتضى معتقد أهل السنة والجماعة المؤيد بالأدلة من الكتاب والسنة من كلام الله وكلام رسوله أننا نصبر على جور الحكام، ونصبر على جور الأئمة، إلى أن تنجلي الغمة هذا معنى التفصيل في مسألة حقوق ولاة الأمر. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وجزاكم الله خيراً.

أسباب هلاك الأمم

أسباب هلاك الأمم لا يزال الله يبسط نعمته على خلقه مالم يأشروا ويبطروا، ويفسقوا ويفجروا، ولا يزال عذاب الله مدفوعاً وانتقامه مرفوعاً عن الناس حتى يجاهروا بالفواحش، ويتفاخروا بالزنا وشرب الخمر ومعصية الله، وليس بعيداً عنا ما نزل بالكويت من تسليط غيرهم عليهم، وإذا بهم قد تبدلت أحوالهم بين عشية وضحاها، والمقصود الذكرى والاعتبار!!

سبب الهلاك وماهيته

سبب الهلاك وماهيته الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، اللهم لك الحمد حتى ترضى، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، سبحانك اللهم ربنا ما عبدناك حق عبادتك، وما شكرناك حق شكرك، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: أعود مثنياً بالسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا الاجتماع شاهداً لنا، به تقوم الحجة لنا لا علينا بإذن الله جل وعلا. معاشر الأحبة: والأمر كما ذكر فضيلة الشيخ المقدم: عنوان هذه الكلمة "أسباب هلاك الأمم" وتعلمون، ويعلم كل من نظر في مسرح التاريخ أن هناك أمماً سادت وملكت وشيدت، ثم أهلكت وبادت، وكأنها لم تكن. ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام أين الملوك ذووا التيجان من إرم وأين ما ساسه في الفرس ساسان أتى على الكل أمرٌ لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا والهلاك -يا عباد الله! - من سنن الله الكونية لكل أمة أعرضت عن الأخذ بكتابه، وأعرضت عن التمسك بوحيه الذي أنزله صراطاً هادياً للبشر أجمعين: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] إن من أعرض عن ذكر الله جل وعلا، فإن سنة الله فيه أن يهلكه، وأن يعذبه حياً وميتاً، وإن من تمسك بكتاب الله، فإن سنة الله فيه أن يحفظه، وأن ينصره حياً وميتاً، والأمر معروضٌ للبشر، فما سلكوا من أمور الخير، وجدوا ثمرته، وما سلكوا من طريق الشر، جنوا عقوبته الوخيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والهلاك -أيها الأحبة! - تغيرٌ يصيب أمة من الأمم بسبب ما غيرته وأحدثته، لقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] لا يأتي الهلاك ابتداءً، ولا يعذب الله أمةً حتى يقيم الحجة عليها: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15]، فتقوم الحجة على الأمم بالرسل، أو بالوحي، أو بالشرائع، أو بالهدي المبين، ثم بعد ذلك إن هي أخذت وتمسكت بكتاب الله نجت وأفلحت وفازت، وإن هي أعرضت حقت عليها سنة الله في الأولين والآخرين {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الفتح:23] {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:43] سنة لا تحابي أمةً من الأمم، سواء كانت أمةً كردية، أو أمةً عربية، أو أمةً فارسية، أو أمةً أعجمية، فإن سنن الله في هذا الكون لا تتغير ولا تتبدل أبداً. واعلموا أيها الأحبة! أن أي هلاك يحل بأي أمة من الأمم إنما هو بسبب إحداث وتغيير كما قلنا، فما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، فإذا كنت في نعمة من دين الله، ونعم الله وفضل الله، فارع هذه النعمة بالمحافظة والتمسك. إذا كنت في نعمةٍ فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وحافظ عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم

من أسباب هلاك الأمم

من أسباب هلاك الأمم أيها الأحبة: وندخل في موضوعنا مباشرة ألا وهو: ذكر شيء من أسباب الهلاك التي بها تهلك الأمم.

الظلم

الظلم من أوائل الأمور التي يحق عليها أمر الله على أمة من الأمم بالهلاك: الظلم؛ والظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأظلم الظلم الشرك بالله جل وعلا، وهو: وضع العبادة وصرفها عمن يستحقها إلى من لا يستحقها، ولذلك قال الرجل الصالح لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الظلم درجات، فأعظم الظلم وأشده وأخبثه، وبه يكون هلاك الأعمال، وبه يكون إحباط العمل ألا وهو الشرك بالله، والكفر به جل وعلا: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] {مَثلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} [إبراهيم:18] {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} [النور:39]، فإن من وقع في أعظم الظلم وهو الكفر، أو الشرك، فإن الله لا يقبل منه عدلاً ولا صرفاً، كما في الحديث: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)؛ لأن الله جل وعلا لا يقبل إلا ما كان خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى، يقول سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس:13 - 14]، ويقول تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [الحج:45] وقال سبحانه وتعالى: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف:35]. الظلم -يا عباد الله! - بمراتبه المختلفة التي قال عنها شيخ الإسلام: إن أعظمها صرف العبادة لغير الله، ويليها درجة ظلم العباد بالتسلط على حقوقهم، وعلى دمائهم، وأعراضهم. ثم يلي ذلك الظلم درجةً ظلم العبد نفسه بالذنوب والمعاصي. فأما الظلم الأول: فكما قلنا: لا يقبل الله معه صرفاً ولا عدلاً، ولا يقبل من صاحبه قليلاً ولا كثيراً. وأما الظلم الثاني: فلا بد لمن وقع فيه أن يتوب إلى الله، فمن وقع في الظلم الثاني ألا وهو أخذ حقوق العباد، والتسلط على حرياتهم وأعراضهم، ودمائهم وأموالهم، فلا يمكن أن يسلم من عاقبة وخيمة لهذا النوع من الظلم إلا من تاب إلى الله توبةً صادقةً نصوحاً، ورد إلى العباد ما ظلمهم وغصبهم، ونال من حقوقهم ومقدراتهم. والظلم الثالث: وهو ظلم النفوس بالمعاصي والذنوب، فإن كانت ذنوباً تقع من غير إصرار فتلك مكفرة بآيتي النجم والنساء -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - ألا وهي قول الله جل وعلا: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] والآية الأخرى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] فمن وقع في صغائر الذنوب من غير إصرار ومن غير استمرار؛ فذلك بإذن الله يكفره ما ورد في هاتين الآيتين، وتكفره أعماله الصالحة؛ من الخطى إلى المساجد، والوضوء، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والصلاة مع الجماعة، والاستغفار، والحسنات الماحية للسيئات، ومن أصرَّ على الذنوب إصراراً فلا بد أن يقلع؛ لأن من أصرَّ على صغيرة كانت في حقه كبيرة، ومن فعل كبيرةً ثم تاب عنها محيت عنه بفضل الله ومنه وكرمه. فعلى أية حال: لنعلم أيها الأحبة! أن تسلط العباد على أنفسهم سببٌ لهلاكهم في الجملة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولنعلم أن من أخبث الظلم: ظلم العباد، وأخذ أموالهم وأراضيهم، ومقدراتهم وحقوقهم، هذا الظلم الذي شاع في عصرنا وفي زماننا هذا، وأصبح الناس لا يهمهم إلا ترتيب حيلة تنطلي على الحكام الذين يقضون بين الناس حتى ينالوا بها أموال غيرهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهذا من أخبث أنواع الظلم بعد الشرك: تنام عينك والمظلوم منتبهٌ يدعو عليك وعين الله لم تنم النبي صلى الله عليه وسلم قال ل معاذ: (واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء:148]، فالظلم شأنه خطير حتى ولو ظلمت كافراً من الكفار، والله! لو ظلمت كافراً من الكفار فلينتقمن الله له إن هو دعا: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14]، لا يعزب عن علمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء. إذاً: فالتسلط على حقوق العباد لضعف، أو لمسكنةٍ هم فيها، أو لأنهم لا جاه لهم، لا سلطان ولا منزلة، هذا أمرٌ واقعٌ في هذا الزمان، واقعٌ في كثير من أمم الأرض، التسلط على الضعفاء، التسلط على المساكين، الوشاية بالأبرياء، من أخبث أنواع الظلم أن تشي، وأن تقول: في فلان بن فلان كذا وكذا، وهو خليٌ مما رميته وبهته به، فهذا من أعظم الظلم لعرضه، والله جل وعلا منتقم، والله جل وعلا بالمرصاد، والظلم مكيال؛ بقدر ما تظلم فإن الله يستوفي لك استيفاءً وافياً كاملاً، ويزاد على ذلك عقوبة من الله بسبب جرأة عبده على ظلم غيره. الظلم يا عباد الله! أمرٌ خطيرٌ جداً، وبه يحصل هلاك الأمم، ضرب البرامكة ونكبوا نكبةً عظيمةً خطيرةً حتى أصبحوا من سوقة الناس وعامتهم، وبالأمس كانوا في قصور الملوك والخلفاء، فجاءت واحدة من بنياتهم تحدث أمها، تقول: يا أماه! ما الذي حول بنا الأحوال، وغير بنا الأمور حتى صرنا إلى ما نحن فيه؟ فقالت: يا بنية! دعوة مظلوم سرت بليل، ونحن عنها غافلون، ثم أنشدت: رب قومٍ أمنوا في نعمةٍ زمناً والدهر ريان غدق سكت الدهر زماناً عنهمُ ثم أبكاهم دماً حين نطق ولا حول ولا قوة إلا بالله! فإني أحذر كل مسلم من أن يظلم واحداً من إخوانه في عرضٍ أو مالٍ، أو في قليلٍ أو كثير، ومن أخبث هذا أن يشي، أو ينقل المسلم عن أخيه شيئاً ليس فيه، أو أن يزور ويعظم في شأنه أمراً ليس فيه، فإن هذا من أخبث أنواع الظلم، ولقد رأينا مصارع الظالمين في هذا الزمان، والله لقد عرفنا ممن تسلطوا على أهل الخير، ممن تسلطوا على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فكان همهم وجل اهتمامهم أن يتتبعوا زلاتهم، وأن يتربصوا بهم الدوائر، فما كانت العاقبة إلا أن يحيق المكر السيء بأهله، وعلى الباغي تدور الدوائر، ولا نقول هذا شامتين، نعوذ بالله من الشماتة، لا يشمتن مسلمٌ بأخيه فيبتلى، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذا ما الدهر جرَّ على أناسٍ حوادثه أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا والله لا نشمت، لكنا رأينا مصارع الظالمين، وأقولها وعن تجربة: والله! إن من ظُلم في باب الوشاية والنقل السيء عنه، فعليه بآخر الليل، وعليه بالوتر، وعليه بالدعاء في السجود، والقنوت، والله لينتقمن الله لك ممن ظلمك حتى يفضحه بين رءوس الخلائق؛ لأن الظلم معصية متعدية، رب نوع من الذنوب والمعاصي تكون قاصرة، فالذي يفعل معصية من المعاصي القاصرة على نفسه، لاشك أن وزرها وإثمها عليه، وعاقبتها وخيمة، لكن من اقترف مظلمة تتعدى إلى واحد من المسلمين، سواء في عرضه، أو في ماله، أو بالوشاية عنه، أو في دمه، أو في التسلط عليه، فوالله لينتقمن الله منه، وأخبث الظلم ظلم الضعفاء، هذا أسلوب يمارسه الجبناء، أهل الخسة والدناءة الذين يظلمون الضعفاء، الذين يجدون أقواماً. أو بعض أقوامٍ ليس لهم سلطان، ولا نصير إلا الله جل وعلا، ونعم المولى ونعم النصير، فأولئك يوم أن يظلموا هؤلاء الضعفاء، والله! إن لهم من الله عقوبة عاجلة في الدنيا، وبلاء وعذاباً مستطيراً في الآخرة، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى في أول سورة النساء لما بين شأن أولئك الذين يُوَلَّون أمور الأيتام والوصاية عليهم، قال: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:9] اتق الله في الآخرين يحفظ الله ذريتك من بعدك، إذا أردت أن تسلم ذريتك، أن يسلم أطفالك، أن يسلم أهلك وأولادك من بعدك، فاتق الله في الآخرين تحفظ ذريتك من بعدك: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] صلاح أبيهما، وهذا الصلاح يعني: السلامة من الظلم، سَخَّر الله له نبياً من الأنبياء يبني جداراً ليحفظ مال هذين اليتيمين: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:9 - 10] والله ما من إنسان يَقْدُمُ على الظلم إلا وهي بداية الهلاك، والفلس، والنهاية، والخراب، له ولماله ولبيته. فيا عباد الله! لننتبه إلى هذه المسألة، ولنحذر منها، وإذا رأينا ظالماً متسلطاً على مسلم فقير لا حول له ولا قوة، فلنجتهد في أن نذهب له، وأن نخوفه بالله. أعرف قصةً حصلت: رجل في قرية من القرى اشترى بئراً، ولها حريمها بحق التملك، فلما اشتراها أخذ يبسط نفوذه يمنةً ويسرةً على أراضٍ للفقراء والمساكين من حولها، فما كان لهم نصيرٌ إلا الله، فما تركو

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السبب الآخر -أيها الأحبة! - من أسباب هلاك الأمم: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في زمن المتمدنين، وزمن الحضارة تدخلاً في شئون الآخرين. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في هذا الزمن تسلطاً وفضولية. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أصبح في زماننا هذا مثلبة لا منقبة عند كثير ممن لا حظ لهم من الفهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن اعلموا -يا عباد الله! - أن سنن الله -كما قلنا- لا تتغير ولا تتبدل، إذا خلت الأمة أي أمة من الأمم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك مؤشر هلاكها وزوالها، كم تبقى بعد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من السنين؟ عشرين سنة، مائة سنة -الله أعلم- المهم أن أية أمة تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تحاربه وتقف في طريقه، فاعلموا أنها منتهية زائلة هالكة لا محالة، وإن هي تمسكت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنها أمة محفوظة؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل وسبب من أسباب التمكين: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] حينما يحصل التمكين، فمقومات بقاء التمكين: إقامة الصلاة والعناية بها، وإيتاء الزكاة وعدم التهاون في جبايتها وصرفها لمستحقيها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نعم، يوجد في بعض الأمم أمرٌ بالمعروف، ولا يوجد نهيٌ عن المنكر، فلابد أن يوجد الأمران كلاهما، لا بد أن نوجد الأمر بالمعروف، وأن نوجد النهي عن المنكر، ليس كما يقول بعضهم: دعها ديمقراطية، الذي يريد أن يعمل خيراً يعمل خيراً، والذي يريد أن يعمل شراً يعمل شراً، تباً وسحقاً وبعداً لهذه الديمقراطية!! بل لابد أن يؤمر بالمعروف، وأن يوطأ أنف صاحب المنكر إذا لم ينقد إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإلا فإن سنة الله ماضية فيه وفي غيره. انتبهوا إلى هذه المسألة، بعضهم يقول: يا أخي! لماذا التدخل في حريات الآخرين؟ عندك مشاريع خيرية تفضل، عندك أعمال خيرية تفضل، عندك أمور نافعة تفضل، لكن اترك الناس في ما هم فيه، ونقول: لا يمكن أن تتنازل، أو أن تتساهل أمة من الأمم تريد البقاء والتمكين، تريد العز والرخاء والنعيم بشيء من هذا، لابد أن يؤمر بالمعروف، وأن ينهى عن المنكر، ولذلك لا يذكر الإيمان بالله إلا ويقرن غالباً بالكفر بالطواغيت: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ} [الزمر:17]، ما يذكر شيء إلا بنفي وإزالة ضده بتاتاً، وإلا فما هي فائدة الأمر بالمعروف وترك المنكر يمضي على ما كان عليه؟ فلابد من تتبع المنكر والقضاء عليه حتى تسلم الأمة من شؤم ذنوب الآخرين والعياذ بالله، يقول الله جل وعلا: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:116 - 117] لا تهلك أمة وأهلها أهل صلاح يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أبداً. ويقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] بعض الناس يقول: لا يضرنا من ضل إذا اهتدينا، نحن الآن مهتدون إن شاء الله بمنَّ الله وتوفيقه، ما هي الحاجة إلى أننا نتسلط على الآخرين؟ لا. إن هذه الآية كما في الحديث: (يأخذها الناس مأخذاً غير ما نزلت فيه) كما قال ذلك الصحابي: (إنكم تقرءون هذه الآية، وتضعونها في غير موضعها، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده) حتى لا يقول أحد: ذنبه على جنبه {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] هذه الآية حجة، والدليل لنا وليس لهم؛ لأن تمام الهداية إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم التساهل في هذه المسألة بأي حال من الأحوال. في الآية الأولى التي ذكرناها: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود:116] فما بالك إذا أصبح في الأمة من يخطط للفساد ويحميه؛ ومن يذب ويذود عن الفساد، حينئذٍ يكون الهلاك مضاعفاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية الجميع

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية الجميع يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتأمرن بالمعروف) لام الأمر المؤكدة بنون التوكيد الثقيلة: (لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن-يعني: أطاع، أو لم يطع، أعجبه أو لم يعجبه ما علينا- ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه عل الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم بعضاً، ثم ليلعننكم كما لعنهم) تضرب القلوب بعضها ببعض، وتحدث الأحقاد والفتن والكراهية، ثم تعم اللعنة حينما يسكت الناس عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن عقولاً استقر فيها أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية الدوريات والجيوب التابعة للهيئة: صلوا صلوا، أغلق الدكان جزاك الله خيراً، توجه إلى المسجد جزاك الله خيراً، هذا لا يعفي الأمة من مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان أحد من أهل الهيئة رأى منكراً؟ لا. بل قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) لماذا لا ننكر المنكرات ونحن نراها صباح مساء؟ قد يقول بعضكم: والله إذا كنت يا فلان! تريد أن تلزمنا بهذا الشيء، وكل منكر ضروري أن نغيره، الظاهر أن الواحد لم يعد يقدر، وأقول: لا. من واجبك أن تغير كل منكر قدرت على تغييره، ولكن لكل شيء ظروفه وأحواله المناسبة في إطار لا يخرج عن الحكمة: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269] والحكمة هي: فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، المهم ألا يظن أحد أنه معفي من مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى من عنده منكر في نفسه مطالب أن يغير المنكر الذي يراه في غيره، بعض الناس يقول: إذا كان الإنسان صاحب معاصٍ فلا يستطيع أن يغير منكراً؟ لا. أتجمع بين سوءتين حشفٌ وسوء كيلة، أن تكون صاحب منكر في نفسك، أو في سلوكك، وترى منكراً وتسكت عليه؟ بل من واجبك أن تغير المنكر لعلك أن ترفع بذلك الحجة على نفسك، هذا أولاً، وأن تقر بالذنب على نفسك، هذا ثانياً، وألا تقع في الإثم برؤية المنكر والسكوت عليه، هذا ثالثاً. ومن باب أولى حينما ترى في أحد منكراً أعظم، مثلاً: رجل حليق -منَّ الله علينا وعليه بالهداية- يعرف جاراً له لا يصلي، أيهما أعظم: كونه حليقاً أم كونه لا يصلي؟ إن ترك الصلاة مع الجماعة مصيبة، إذاً نقول لهذا الحليق: من واجبك، ويتعين عليك أن تطرق الباب على جارك، أو تمسك به في أي فرصة مناسبة، وتقول: فقدناك في المسجد، نصيحة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً في حدود النصيحة، وإطار النصيحة والمقدرة والأسلوب الذي تستطيعه، لا أن تطرق الباب وتمسكه من تلابيبه: اخرج وصلِّ، لا. ليس هذا من الحكمة في الدعوة، ولا في الأمر بالمعروف، ولا في النهي عن المنكر، لكن من الحكمة في أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر إما أن تطرق عليه الباب ومعك طعام، وهدية اطمئنان: فقدناك، ما رأيناك، ما الذي أصابك؟ فتتناقش معه، لربما أكرمك الله بثواب أمرك بالمعروف ونهيك عن هذا المنكر، فَمَنَّ عليك بالهداية والاستقامة في اتباع سنة نبيك فيما كنت فيه مقصراً، لا يظن أحد أن مسئوليةً في هذا الدين تخص طائفة دون طائفة، وبعض الناس يقول: والله أنا من (الزكرت) لا أستطيع أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، لا. وإن كنت من هذه الطائفة، أو تسمي نفسك، وليس عندنا هذه الطائفة، لكن باللهجة العامية كما يقال، فأنت مسئول مكلف أن تأمر بالمعروف، وأن تنهى عن المنكر، وإن كان فيك ما فيك من الذنوب والمعاصي، لعلها أن تكون سبباً في إقامة الحجة على نفسك، يقول الله جلا وعلا: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79] لعنوا لعناً بسبب أنهم كان الواحد منهم يلقى صاحبه -كما ورد في بعض الروايات- فيقول: يا فلان! اتق الله، أو لا تفعل هذا، فإذا جاء من الغد لا يمنعه أن يكون أكيله وقعيده وشريبه، ويرضى بما هو فيه من المنكرات.

عدم المداهنة والحياء في الأمر بالمعروف

عدم المداهنة والحياء في الأمر بالمعروف والله يا إخوان! كم فينا من المداهنة!! كم فينا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!! ندخل مجلساً وفيه ممن يهاب من القوم، فنسمع الموسيقى، وتجد طالب العلم، أو الشاب الصالح، أو غيره يكسر في يديه، ويكسر أصابعه يريد أن ينكر المنكر، ويهاب هؤلاء أن يقول: إن هذا منكر، لا يجوز، فغيروه، أو أغلقوه، أو اشتغلوا بحديث غيره، بل إن بعضهم من ضعف شخصيته لربما وافق القوم في حديثهم، بل وربما شاركهم فيه، ولربما سكت مطرقاً، أقل الأحوال: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140] أقل الأحوال إذا ما استطعت أن تغير، أو عجزت نفسك عن التغيير فقل: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، واخرج، لماذا؟ لأن الفساق يحتقرون من يوافقهم في الفسق، ويزدرون من يراهم على المعاصي ويسكت عنهم حتى وإن قالوا: ما شاء الله هذا شيخ متطور هذا شيخ عصري هذا شيخ الشباب الممتاز، فهؤلاء يلعبون بالبلوت، وهؤلاء يتفرجون على الفيديو، وهؤلاء قاعدون على كذا، وهؤلاء قاعدون على كذا، والسجائر طفاية ذاهبة وطفاية آيبة، وانظر هذا الشيخ ممتاز يا أخي، والله شيخ ما مثله، آخر موديل من المشايخ، إنهم وإن مدحوه بألسنتهم لكنهم احتقروه بقلوبهم، يقول ابن حزم في معنى كلامه: إن الفساق أول ما يحقرون من وافقهم، أو شاركهم في فسقهم، لكن إذا خالفت القوم فلأنهم خالفوا الله جل وعلا، وقام في قلبك حب وغيرة، وتعظيم لله، كيف هؤلاء يخالفون ربك الذي خلقك وخلقهم، وقلت: اتقوا الله، أو بالأسلوب الذي رأيته مناسباً: هذا لا يجوز، هذا لا ينبغي، اذكروا نعمة الله عليكم، تعصون الله بأعين خلقها، بآذان خلقها، بأيد خلقها، وتقوم وتؤدي ما عليك، ولا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تتيقن أنهم سينتهون، يعني: أناس مثلاً يلعبون الكرة أثناء الصلاة، وأنت تمر تريد أن تأمرهم، يأتيك الشيطان، يقول: انظر سواء تكلمت أو لم تتكلم، هؤلاء لن يغيروا ما هم فيه، تكلمت أو لم تتكلم، هؤلاء سيكلمون من هذه المباراة، لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يغلب على ظنك أنهم يستجيبون لك فيما طلبت: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7] {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، بعض الناس يستدل بهذه الآية على ترك الأمر، لا. أنت عليك الأمر، والهداية بيد الله سبحانه وتعالى، فلننتبه لهذه المسألة، فما مررنا بمنكرٍ وما رأينا قوماً في منكر إلا ووجب علينا أن ننكر عليهم بقدر وبدرجات المنكر الواردة في الحديث، سواء تيقنا أنهم سيستجيبون أم لا، وعلى أية حال: وطنوا أنفسكم، فإنكم ستجدون من يستهزئ، ستجدون من يسخر: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:29 - 30]، لكن هل يسكت المسلم؟ لا: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38] ولكن عادت الدائرة عليهم، وكانت الجولة لنبي الله نوح عليه السلام، فينبغي ألا نتردد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنا أعرف أن كثيراً من الناس يود أن يأمر بالمعروف، يود أن ينهى عن المنكر، لكن يقول: يا أخي! والله إحراج، والله أستحي، يقولون: ما شأن هذا الفضولي؟ سيضعون عني تصوراً أني أتدخل في شئونهم، وهؤلاء إذا تصوروا عنك تصوراً خاطئاً فلا يدخلونك النار، وإذا تصوروا عنك تصوراً -مثل ما قلت- تصوراً عصرياً، فلن يدخلوك الجنة لماذا؟ لأن أكثر الناس ليسوا على الحق، يقول الله جل وعلا: (يا آدم! قم فأخرج بعث النار، فيقول آدم: يا رب! وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار، وواحد في الجنة). يا سلعة الرحمة ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان أكثر الناس ليسوا بعبرة: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} [الأعراف:102] فمسألة الكثرة ليست عبرة، والجماعة كما يقول ابن مسعود: [الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك] ينبغي أن نأخذ ديننا بقوة: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63] {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12]. إن مصيبة الأمة في هذا الزمن من أناس أخذوا الدين ضعفاً، أخذوا الدين على استحياء، أخذوا الدين وهم إذا قام أحدهم يصلي انسل حتى لا يشعر أنه قام يصلي، أخذوا الدين وهم يدافعون عن الإسلام، لا يحاربون، أو يقاتلون أو يهاجمون به، والدين قوة، أنت تملك سلاحاً أقوى من أولئك جميعاً، ما الذي يمنعك أن تكون قوي الشخصية، لا أن تكون مسلماً منهزماً، الهزيمة النفسية التي حصلت في كثيرٍ من المسلمين، فتجده يسكت ويستحي، ويجامل في كثير من أمور الدين والشريعة، وهو يضيف وهناً على الأمة بهذا السكوت وهذه المداهنة، تصوروا أن الذين عرفوا الإسلام على حقيقته، ولعلنا وإياكم ممن يوفقون إلى هذا بإذن الله جل وعلا: شابٌ أمريكي أسلم بعد أن تأمل وقرأ واطلع، وماذا كان من شأنه؟ غير اسمه فوراً، وما قال: إن الشعب الأمريكي سيحتقرني، لا. لأنه يعرف أن اسماً فيه فضل، وفيه أجر وثواب، أحوج إليه من اسم لا ثواب ولا أجر ولا فضل فيه، الأمر الثاني: صار يلبس مثل ثيابكم ما قال: إن الأمريكان يقولون لابد من بنطلون، هو لم يحرم البنطلون، لكن رأى أنه يرتاح لهذا الشيء، بعض الناس تجده يفعل أموراً لا يحبها، لكن حتى يوافق القوم فيما يشتهون، أين الحرية؟ أنت حر في نفسك، أَوَ أصابتك الذلة في نفسك إلى درجة أنك وافقت القوم فيما يريدون وأنت تكره، هذه ذلة أصابت كثيراً من المسلمين. فهذا الشاب الأمريكي كان يبحث عن وظيفة بمؤهلات كانت عنده، فنزل في الجريدة إعلان عن وظيفة في ولاية من الولايات، ما الذي حصل؟ سافر إلى تلك الولاية، وقدم طلب الوظيفة، وكتب في الطلب: ليكن لدى اللجنة التي تحدد من يشغل هذه الوظيفة علماً أنني مسلم واسمي فلان، وإذا وافقتم عليَّ بهذه الوظيفة، فإني أشترط أن أقطع من وقت وظيفتكم جزءاً للصلاة. انظروا عزة المسلم!! الآن الذي يبحث لابنه عن وظيفة، لو قال له: إن العمل ثمان ساعات؛ من الساعة التاسعة وحتى الساعة الخامسة، قال: ليس مهم العصر والمغرب نجمعها فيما بعد، بعض المسلمين ضعيف، وَوُجِدَتْ في مختلف الأماكن، تسأل: الأخ مسلم؟ يقول لك: نعم، صليت العصر؟ يقول: والله نجمعها مع المغرب، كيف تجمع؟ قال: يا أخي! معي وظيفة ولا أستطيع. أهو لأجل العمل؟ {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] وليس أصحاب الوظائف، أو أصحاب الشركات، أو أصحاب الأعمال. فيا أحبتنا في الله! يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كان يشعر بعزة وهو يحمل الدين، من كان يشعر بعظمة، ما يشعر بأنه يستحي لأنه متدين، أنا أذكر زمناً -والله- مرَّ بنا، كان المتدين في المجلس ترمقه الأبصار، وتسلقه الألسنة، وينظر إليه شزراً، ولكن بحمد الله جل وعلا، فقد منَّ الله علينا بهذه الصحوة المباركة، فأصبح الذي لا يوافق الدين، ولا يلتزم بالسنة هو الذي يستحي ويخجل إلا من كان مجاهراً معانداً مخالفاً، فذلك حقه وحظه من العناد ما يصيبه، لكن المشكلة في هذه المسألة التي هي من أسباب هلاك الأمم: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نقول: إن الأمة اجتمعت على ترك الأمر ونبذه. لا، وإنما بعضهم يستحي، وليس هذا بحياء؛ لأن الحياء خلق حميد يبعث على طلب مرضاة الله، وترك ما نهى عنه، ليس الحياء مجاملة الناس والسكوت عن المنكرات-والعياذ بالله- ولا حول ولا قوة إلا بالله!

ما يجب توفيره لدعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ما يجب توفيره لدعم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها الإخوة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الزمان تعرفون ما ينبغي أن يكون له من الدور والمكانة، خاصة في وقت كثرت فيه المنكرات في البيوت وفي الأسواق، وفي مختلف مجمعات البشر، ومن هنا يلزم الأمة على المستوى الإداري أن تجند الوظائف الطيبة المناسبة لرجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يلزم الأمة أن تبوئ الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أطيب الوظائف، وأن تكفل لهم ما يكفيهم، لا أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ضعيفاً، أو مسكيناً، أو فقيراً، أو قليل ذات اليد. كذلك يلزم الأمة إعداد فريق من المتطوعين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى ما يقال: حدي العمود، أو حدي السكة، لا. حتى يكون حب الأمر بالمعروف والغيرة على دين الله، وحب إنكار المنكر في كل مسلم. الآن يا إخوان: نعمة في جانب، ولكنها مصيبة في جانب: كثرة الأسواق، انتشار السلع، تيسر حاجات الناس في كل مكان، ولعله جانب من جوانب النعم، نسأل الله ألا تكون استدراجاً، وإن كانت كثرة الأسواق من علامات قرب نهاية الزمان، ولكن ما يحصل ويدور في هذه الأسواق من المعاصي والمنكرات؛ خاصةً التبرج والمعاكسات يحتاج من كل واحد منكم أن يشارك ولو مرة واحدة في الأسبوع أو الشهر، لكي يشارك بجولة ميدانية عملية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا علمنا أن شيخنا شيخ الجميع الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين قد خرج جزاه الله خيراً لكي يضرب القدوة للعلماء وطلبة العلم محتسباً وهو عضو الإفتاء في الرئاسة العلمية، في رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، خرج ذلك الشيخ الكبير، وليس ذلك من سعةٍ في وقته، مشاغله كثيرة، الناس يحتاجونه، يتشفعون إليه في بعض الحوائج حتى يشفع لهم؛ فتاوى، أسئلة، ومع ذلك يخرج مع بعض طلبة العلم ليدور في الأسواق، وما رأى من متبرجة إلا ويتجه إليها: يا بنية! استري نفسك ستر الله عليك، ويدعوها بالحكمة والموعظة. شيخ جليل يخرج بنفسه، ليقول لنا: أنتم يا طلبة العلم! أنتم يا جيل الصحوة! أنتم يا معاشر الشباب! مسئولون أن تدخلوا الأسواق ولو لغير حاجة، خمسة أو ستة أو سبعة من الشباب يلبسون شيئاً يلقي عليهم هيبة، أو هيبتهم في قوة إيمانهم، المهم أن يرى أهل السوق أن أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الساحة، وحينما يريد شاب أن يدخل للمعاكسة ويرمي أرقاماً وكلاماً فارغاً، يعرف أنه إن وقع فلا تسأل عن أمره، حينما يقوم بهذا العمل جملة من الشباب أسواق ريمان، أسواق الدولية، أسواق العويس، أسواق طيبة، أسواق الديرة، جميع الأسواق، ماذا يضر سبعة أو ثمانية من الشباب إن فعلوا ذلك؟ هؤلاء يدخلون العصر، وهؤلاء يدخلون المغرب، وهؤلاء يدخلون العشاء، ليس معهم رشاشات: استسلم، لا. يدخلون أولاً: والله يقذف الهيبة في قلوب الناس منهم. ثانياً: ما رآهم صاحب منكر إلا وخرج؛ لأن صاحب المنكر يسوقه الشيطان، والشيطان إذا رأى الحق ولى مدبراً ولم يعقب. المسألة الثالثة: تكون فيه النصيحة، ربما امرأة جاهلة مسكينة، ربما شاب جاهل مسكين، تجد رجلاً يمشي هو وزوجته في منتهى البساطة، ويسير بزوجة متبرجة، ما الذي يمنع الشباب أن تقولوا: السلام عليكم يا فلان! لو سمحت كلمتين جزاك الله خيراً، هذه الزوجة، أو البنت، أو الأخت نسأل الله أن يستر عليك وعليها، حجبها يا أخي! استرها حتى لا تكون سبباً في نوالي ونوالك إثماً ووزراً بفعل أحد الناس الفاحشة، أو حتى لا تكون سبباً ومدرجاً إلى المنكر، أو حتى لا تكون أنت مقراً لمنكر من المنكرات، أفي هذا شيء أيها الإخوة؟ أفي هذا خطورة؟ المصيبة الآن أن الناس أصبحوا حينما يرون رجلاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا أقول الناس كلهم؛ لكن جزء منهم يتجهمون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، يا أخي! ما دخلك؟ هل أنت من الهيئة؟ أعندك تصريح؟ نعم عندي تصريح. ممن؟ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104] التصريح من عند الله عز وجل، أحتى أقول لصاحب المنكر: هذا لا يجوز أحتاج لتصريح مختوم؟! لا يمكن هذا الكلام، نعم، إذا وردت صفة معينة ينظم بها النشاط، أو جهود المتعاونين مع الهيئات والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فأهلاً وسهلاً بالصدر والأحضان، نكون أول من يتعاون مع هذه الجهات المنظمة لجهود المتعاونين مع الهيئات الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، لكن هل عدم وجود هذا الشيء يمنعني، أو يمنع أن أنهى عن المنكر، وأن آمر بالمعروف؟ والله، ما أظن أن هذا موجود في زماننا، ولا يقول بهذا أحد، ولله الحمد والمنة. إذاً: الناس قذف الشيطان في قلوبهم وهماً ووسواساً وخوفاً، فظنوا أن هذا من الأمور الممنوعة، وليس من الأمور الممنوعة أبداً، هل يوماً من الأيام واحد منكم أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وقيل له: تعال، لماذا تأمر؟؟ بفضل الله ما حصل هذا، ونحن في دولة يختلف شأنها عن سائر الدول، نحن في بلد تتعلق آمال المسلمين فيها بعد الله جل وعلا، شأننا يختلف عن شأن أي دولة، وأي بلد آخر. إذاً: فالمصيبة وسواسٌ قذفه الشيطان في قلوب الكثيرين منا، فظننا أن الأمر بالمعروف لا يمكن إلا لمن عنده جيب، أو تصريح، وبالمناسبة -أيها الإخوة! - وعلى أية حال: سأتطرق إلى هذا في لقاء قادم إن شاء الله في الملز بعنوان "مجالات جديدة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى" الشباب الطيب الآن كثر، أصبحوا عشرات الآلاف، لكن الكثير منهم ليس له عمل في الدعوة، وليس له عمل إسلامي، وليس له عمل ينفع الأمة، سنذكر من هذه المجالات: أن يتعاون عدد من الشباب، فيتكفلون، ويقولون: نحن فريق مسئول عن الحسبة في الأسواق، نتعاون مع الهيئات، الأسواق التي لا تستطيع الهيئة أن تصلها، أو كانت الهيئات أقل من أن تحيط بها، فنحن مجموعة نمر بكل حكمة، معنا كتيبات مسموح بتوزيعها من قبل الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والإرشاد، مصرحة من وزارة الإعلام، امرأة متبرجة: تفضلي يا أختي! هذه رسالة: (من أمرك بالحجاب) (وجوب الحجاب) شريط من الأشرطة المسموحة، المهم نستطيع أن نصلح المجتمع، فعندنا مئات المجالات لإصلاح المجتمع، ودفع أسباب الهلاك، لكن المشكلة: من ينظم جهودنا؟ من يرتب هذه الطاقات؟ من يوظف هذه الطاقات؟ هذه المشكلة التي يواجهها الكثير من شباب الصحوة، لذلك سوف أتطرق بإذن الله جل وعلا للقاء قادم بهذا العنوان "مجالات جديدة للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى" وإن شاء الله أخبركم بمكانها. كذلك أيها الأحبة: عندما نقول إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب نجاة الأمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين هذا ومثَّله بمثال واضح، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان لبعضهم أعلاها، ولبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفل السفينة إذا أرادوا الماء، مروا بالذين من فوقهم) الذين في الدور السفلي لابد أن يمروا على الذي في الدور العلوي من أجل أن يطلِّوا على البحر ويأخذوا الماء، قال الذين في أسفلها: هذا عمل طويل (فلو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن أخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعاً، وإن هم تركوهم هلكوا وهلكوا جميعاً) فنحن الآن في سفينة المجتمع فريقان: فريق من العصاة المستهترين الواقعين في المعاصي المجاهرين بها، الذين لا يخافون من الله، ولا يستحون من الخلق، وفريق من الدعاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الغيورين على نعم الله، الغيورين على أمن بلادهم، الغيورين على نعم هم فيها مع علمائهم وولاة أمرهم. الفريق العاصي لو ترك لخرق سفينة المجتمع من أجل تحصيل الماء بسهولة كما ظن وتصور، فهلك الصالحون والطالحون، وهل المسألة على مزاجك؟ تؤمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، بل يقال: هذا لا يجوز، هذا لا ينبغي، هذا حرام، لكن إذا ما استجابوا أخذوا، وفيه الإشارة بالقوة، والإشارة بالتعزير وبالعقوبة، إذا انقاد وانصاع لأمر الله، واستجاب للمعروف وانتهى عن المنكر، وإلا أخذ على يده، والدليل صريح من قوله صلى الله عليه وسلم: (ولتأطرنه على الحق أطراً)، وفي بعضها: (ولتقسرنه قسراً) أي أن المسألة ليست بالشورى، نأمرك بالمعروف وننهاك عن المنكر، ثم لك أن تطبق أو لا تطبق، لا. ليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلعة إن أعجبتك أو فارجعها، لا. بل وجوباً أن تلتزم، نعم من حقك علينا أن نأمرك باللين، بالحكمة، بالهدوء، بالموعظة، بالهدية، باللطف، نعطيك فرصة فرصتين، لكن أن يستمر هذا ديدنك وطبعك فلا، الجزء الفاسد في البدن (جزء صار فيه سرطان) يقطع، ويبتر وينتهي، فلابد أن يكتم نفس الفاجر، وأن يفرك، ويمرغ أنفه في التراب، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ليس عندنا فيه أدنى شك، ما أخذناه من قول فلان ولا علان، بل من كتاب الله جل وعلا الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]. ولنعلم أننا إن تساهلنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإننا -أيها الأحبة! - نسلم أنفسنا، ونجر هذه الرقاب لكي يقع فيها البلاء والهلاك، والفتنة والعقوبة، يقول الله جل وعلا: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] يا ليت الفتن تصيب الظالمين وحدهم، ولكنها تعم الصالح والطالح. إن المعاصي والمنكرات إذا ظهرت فهي فتنة ليس شؤمها وإهلاكها يخص العاصي وحده، وإنما يتناول العاصي والصالح معه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25].

انتشار الزنا

انتشار الزنا كذلك أيها الأحبة: تقول عائشة رضي الله عنها (يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث) وهو الزنا وما يدعو إلى الزنا والعياذ بالله، ومن المؤسف أن بلاد المسلمين إلا ما رحم الله قد انتشر فيها هذا الأمر، حتى أصبحت مواخير الدعارة، وحانات الفجور، وأماكن الرذيلة، والعلب المغلفة موجودة في كثير من بلدان المسلمين، ولنعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كثر الخبث) فيه إشارة إلى الزنا، والزنا لا يكون إلا باستهتار المرأة بحيائها وحجابها وقرارها في بيتها -خروجها إلى الشارع- فإذا رأيتم المرأة زاحمت الرجال في الطرقات والأسواق، وفي الوظائف والتعليم، فاعرفوا أن هذا طريق إلى كثرة الخبث وهو الزنا: (ما خلى رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) ومن هنا تبقى صيحات الغيورين الأغيار من هذه الأمة؛ من علمائها ودعاتها، من الناصحين لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، تبقى صيحاتهم: حذارِ حذارِ من الاختلاط في الوظائف والتعليم، حذارِ حذارِ من الاختلاط في الوظائف والتعليم، لماذا؟ لأن الاختلاط خطوة إلى كسر جدران الحياء والفضيلة، وبدايةٌ في اللقاءات الجانبية والجلسات المستقلة التي تفضي إلى الزنا والعياذ بالله، فحينما ترى رجلين مع امرأة في مكتب، أو رجلاً مع امرأة في مكتب قاعدين أيخرجان صفراً، أم أن نظرات بعضهم في بعض يتفكرون في خلق السماوات والأرض سبحانك ما خلقت هذا باطلاً؟! لا. إنما يفكر بعضهم فيما يفكر فيه الآخر من الرذيلة والفساد، والسخفاء السذج، البسطاء الأغبياء، يقولون: لماذا أنتم يا مطاوعة دائماً تفكيركم سيء؟ لماذا أنتم يا مطاوعة! تفكرون بالأمور الشينة؟ لا يا حبيبي! نحن ما قلنا هذا من ذوات أنفسنا، نقوله بقول من لا يقول إلا من وحي {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4] كلام النبي: {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) [النجم:3] يقول: (ما خلى رجلٌ بامرأةٍ إلا كان الشيطان ثالثهما) ثم الشواهد في دول الغرب ودول الشرق كثيرة، ولكن ما أجمل كلمة واحد من المفكرين المسلمين الذي قال: إن ما نراه من دعوة في الإعلام والمجلات والصحف في كثير من دول المسلمين، التي تدعو إلى حرية المرأة، وخروج المرأة، وتحريك النصف المعطل من المجتمع، ليست والله دعوة صادقة لتحرير المرأة، وإنما هي دعوة لحرية الوصول إلى المرأة. هناك فرق بين كونك تحررها ,وبين كونك تجد الحرية في الوصول إليها، نعم، في المجتمع المسلم لا يمكن أن واحداً من الباب إلى النافذة يكلم امرأة، أو يأخذ معها ويعطي (خير يا طير) هو يقيس أمعها محرم أم لا؟ ما علاقتك بها؟ تجد الإنسان لا يستطيع أن يدخل على بيت إلا وله علاقة، علاقة نسب، علاقة سبب، علاقة مصاهرة، أمر معين وبضوابط شرعية، لكن الذين ضاقت نفوسهم، وكبتت أنفاسهم من هذه الرياحين والعطور الطيبة من أخلاق الإسلام، لأنهم جعلان، والجعلان تهلكها الروائح الطيبة وتؤذيها، أرادوا أن يتنفسوا في الصهاريج، وأن يتنفسوا في أماكن النجاسات والقذارات، ولا نفس لهم إلا بأن يكسروا الحواجز بينهم وبين النساء من خلال مجالات جديدة، اختلاط في الوظائف، في التعليم، في أماكن معينة، ثم بعد ذلك تصبح الفاحشة أمراً عادياً ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما دامت المعصية خفية فلا تزال الأمة بخير؛ لأنه لا يوجد مجتمع -أيها الإخوة! - لم تحصل فيه المعصية، حتى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وجدت جريمة الزنا، والسرقة، وحصل ما حصل، لكن هل كان هذا أمراً شائعاً؟ هل كان هذا طابعاً عاماً للمجتمع؟ لا. كانت حالة شاذة ونادرة، فحينما تكون المعصية حالة شاذة ونادرة، والصلاح والطهر والعفاف والخير صفة عامة في المجتمع، مع قيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعند ذلك يحصل الخير للمسلمين بإذن الله، وحينما يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتفتح الأبواب على مصاريعها للاختلاط بين الشباب والشابات، والرجال والنساء، فذلك نذير الهلاك: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102].

تسلط المترفين

تسلط المترفين كذلك أيها الإخوة: تسلط المترفين من أسباب هلاك الأمم، يقول جل وعلا: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم:28 - 29]. فيا أيها الأحبة: حينما يصبح المترفون المدللون الذين (يفحطون) عند العزيزية، والذين يفحطون في شارع الثلاثين، وشارع الموت، ويصبح أبناء المترفين والمدللين يعبثون بالنعم، سيارات تسَعَّر بمائة ألف، وثمانين ألفاً تلعب في الشوارع يميناً ويساراً، هذه علامات هلاك، هذه بوادر خطيرة ومؤشرات للأمة، أممٌ لا تجد ما تلبس، وأممٌ تموت جوعاً، وأممٌ تموت عطشاً، وأممٌ تستباح ديارها وتغتصب أعراضها، وأمةٌ تلعب بالمائة ألف، والمائتي ألف بالتفحيط واللف والدوران يميناً ويساراً، أين من يأخذ على أيدي هؤلاء السفهاء؟ أليس من الواجب أن تصادر سيارته، وأن تباع بالمزاد العلني، وأن يدخل مالها في بيت مال المسلمين؟ نعم، هذا الواجب؛ لأن من لا يعرف قدر النعمة، فإنه يُعَرَّف بقدرها بالحرمان والتعزير، أما أن يترك ليعبث ويفحط يميناً ويساراً إلى آخر ذلك، فهذا لا يرضي الله جل وعلا، وهؤلاء الذين يعبثون ترفاً وإسرافاً بالأموال، لا تظنوا أن جريمتهم يكون شؤمها عليهم، بل هي والله عليكم، ولندفعن الثمن من أنفسنا، ومن أعراضنا، ومن أموالنا، ومن طمأنينتنا، ومن هدوئنا واطمئنانا إذا لم نأخذ على أيديهم، ونأطرهم على الحق أطراً، لكن نسأل الله جل وعلا أن يبرم لأمتنا أمر رشد يخسأ فيه فعل أولئك المفسدين المسرفين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

انتشار الربا وعموم الذنوب

انتشار الربا وعموم الذنوب كذلك أيها الإخوة: من أسباب هلاك الأمم: عموم الذنوب جميعاً، يقول الله جل وعلا: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} [الأنعام:6]، ويقول تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} [الكهف:59] ومن أعظم الذنوب التي هي سبب للهلاك العام، والمصائب العامة: جريمة الربا، كبيرة الربا، مصيبة الربا التي في هذا الزمان جاء من خفافيش المسلمين الذين درسوا في الغرب يحاولون أن يقنعوا الناس بأن الربا الموجود في البنوك ليس هو الربا المحرم، أن نبدأ بغسيل أدمغة البشر في أن نغير الجريمة التي جَرَّمها الله، والمنكر التي عده الله منكراً، والحرام الذي جعله الله حراماً، أن نغسل عقول البشر، ونقول: لا، إن الربا الموجود في البنوك ليس هو الربا المحرم، وذلك مثل: أن يأتي واحد يشرب خمراً، يقول: انظر هذا ليس هو الخمر المحرم، الخمر الحرام شيء آخر، ويأتي آخر يزني، يقول: هذا ليس هو الزنا الحرام، الزنا الحرام شيء آخر، هذه مسألة لا تنتهي، إذا أصبح الفجار المفسدون الخبثاء، الذين يتكلمون بألسنتنا، وهم من بني جلدتنا، ويلبسون كثيابنا يغسلون أدمغتنا، كونه والله يتعامل بالربا مصيبة تخصه، لكن أن يقول للناس: إن الربا الموجود ليس هو الربا المحرم. أجل ليس هو الربا المحرم يا سماحتك؟! طاغوت من طواغيت الأرض يسمي نفسه دكتوراً وينشر بحثاً، ويقول: إن الربا الموجود ليس هو الربا المحرم، هذه المصيبة مصيبة مركبة، أن يرتكب الإنسان الفاحشة الكبيرة والجريمة، وأن يقول: ليست هذه هي الجريمة المحرمة، انتبهوا لهذه المسألة حتى لا تغسل أدمغة الشعوب في آخر الزمان، ولذلك صح في الحديث: (يأتي على الناس زمان يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) وعلى ذلك فقس، سيأكلون الربا ويسمونه القروض الإنتاجية التي لا يدخلها الربا، ويأكلون الربا ويسمونه سندات الخزينة، ويأكلون الربا ويسمونه خصم الأوراق المالية. كونك تفعل منكراً؛ هذا منكر، لكن كونك تقول: الذي أفعل ليس بمنكر، قف عند هذا الحد، وما عرفنا يوماً واحداً رجلاً يريد أن يميز عِقْداً له من أي الذهب هو، فذهب به إلى سوق الغنم، واحد عنده ذهب، يريد أن يعرف هل هو ذهب عيار واحد وعشرين، أو سبعة عشر، يذهب به إلى سوق الغنم، يقول: لو سمحتم أعطوني جواباً، هل هذا ذهب عيار واحد وعشرين أو سبعة عشر؟ هذا مجنون، كذلك إذا أصبح الذين يتكلمون في أمور الشريعة، ويحددون الربا المحرم من الربا غير المحرم غير أهل علم، أصبحنا كمن يصدق تمييز الذهب من أهل الغنم ليس هذا صحيح، ولا بمعقول أبداً، وإنما يعرف الذهب أهلُه، وإنما يعرف الجواهر أهلها، وهم العلماء، ولذلك فإن سماحة الشيخ/ ابن باز رد رداً جميلاً، أسأل الله أن يمتع به على طاعته، وأن يبقيه، وأن يمد في عمره، وأن يبارك في حياته، يجعله ظلاً على هذه البلاد، وعلى الإسلام والمسلمين، رجل والله ما عرفت الأمة قدره حتى الآن، نعم نحن نحبه، ولكن: سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر الناس ما عرفوا قدر الشيخ/ محمد بن إبراهيم إلا لما ولى وانتهى، وأفضى إلى ربه، أسكنه الله فسيح جناته، وجمعنا به في الجنة، وكذلك -أيها الأحبة- يبقى عدد من العلماء الذين ننصحكم بالتعلق بهم، دعوكم من فتاوى المرتزقة، وأذناب المادة الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، وأصبحوا يحللون ويحرمون بما يمليه عليهم أصحاب الأهواء والشهوات حتى يقولون: هذا رباً حرام، وهذا رباً ليس بحرام، وغيره، لا. الزموا هؤلاء، والزموا غرزهم، وخذوا الدين والعلم منهم، فهم أتقى وأخوف وأخشى لله جل وعلا، فمن هؤلاء يؤخذ الدين، وإلا إذا أردنا أن نسمع لقول كل ناعق، فآخر مصيبة أتتنا: الشيخ الغزالي رده الله إلى الحق رداً جميلاً يقول: الغناء ليس بحرام؛ مصيبة المصائب، كذلك إذا أراد الإنسان أن يأخذ دينه بالفتاوى الهامشية، ويترك الثقات الذين عرفوا بالتمسك بالدين والزهد، والصلاح والورع وقيام الليل، والتعفف عن أموال الناس، وعن الدنيا، إذا ترك أخذ الدين من هؤلاء الصالحين، وأخذ من هؤلاء وهؤلاء، هذه مصيبة الأمة. كذلك خذوا مثالاً آخر: وجد شيخ يقول: لا بأس لمن أردن أن يسبحن على الشاطئ أن يجمعن بين الظهر والعصر؛ لأن الشريعة جاءت برفع الحرج، والمشقة تجلب التيسير، لا حرج أن تجمع الظهر والعصر على الشاطئ، نعم -يا أيها الإخوة! - حينما نريد أن نسمع الرخص والفتاوى، التي تخرج بفلوس وبغير فلوس، أو للأهواء والشهوات، ولا تخرج توقيعاً عن رب العالمين، في أشياء كثيرة، ولذلك يقول السلف: من تتبع الرخص تزندق، أقول: إن الربا من أسباب هلاك الأمة، يقول ربنا جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:178 - 279]. الحرب من الله ما نوعها؟ ما شكلها؟ حرب ليست بالكيماوي المزدوج، وإنما بجنود الله: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31] خسف، مسخ، زلزال، براكين، اجتياح، تسلط. أيها الإخوة: اعلموا أن من أسباب الهلاك، لما تسلط هولاكو التتري على أمة الإسلام، كم تتصورون مات من المسلمين في ذلك الزمن؟ أقل الروايات تقول: مات ثمانمائة ألف مسلم من أهل السنة، لكي نعلم أن الذنوب من أسباب هلاك الأمة، نحن لا نزال نظن أنه ربما تهلك دولة وراءنا، تهلك دولة جنبنا، تهلك دولة عن يميننا، لكن ما خطر في بالنا أنه يُحتمل أن نهلك نحن، لماذا؟ هل بيننا وبين الله عهد أو ميثاق؟ هل أخذنا صكوك الجنة؟ هل أخذنا الميثاق بأن لا يصيبنا ما أصاب الأمم السابقة؟ لا. فقد أهلكت أمة بذنب وبذنبين وبثلاثة، فما بال أمة اجتمع فيها كثير من الذنوب -ولا حول ولا قوة إلا بالله- ولا نقول شؤماً هلكتم، أو هلكنا: (من قال هلك الناس فهو أهلكُهم)، وفي رواية: (أهلكَهم) لكن نقول: احذروا وهذه الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة، إن الله جل وعلا يغار على نعمه حينما يرى العباد يجمعون ويتفقون، ويسكتون ويداهنون وينافقون، ويرتكبون المعاصي بنعم خلقها، وخيرات رزقها، وأمور سخرها، يرى عباده يعصونه بها، والله إن أخذه أليم شديد، ثمانمائة ألف في أقل الروايات، وفي بعض الروايات: هلك مليون، وفي بعضها مليون وزيادة، بعض الناس يقول: لا يمكن أن يموت خمسمائة ألف جميعاً؟ نقول: لماذا لا يموتون؟ أليس الذي خلقهم قادراً على إبادتهم؟ {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57] لا تظنوا أنكم أكبر شيء في هذا الوجود، هناك من هو أعظم منكم، وخلقه الله جل وعلا بأمره، بقوله: كن فيكون، أفيعجزه أن يهلك أمةً بلغت الملايين، أو بلغت أكثر من ذلك، أو أقل؟ كذلك أيها الأحبة: يرد الظلم في القرآن ويشمل معنى الذنوب التي بها تهلك الأمم، ولا حول ولا قوة إلا بالله جل وعلا، يقول تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ} [الأنبياء:11 - 15]. أيضاً: لا تظنوا أنه يدفع عنا الهلاك أن نقول: الله يعفو ويتسامح، إنا والله مذنبون! إنا والله ظالمون! اسمع قول الله جل وعلا: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} [الأنبياء:15] يعني: يقولون {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:14] مازالت هذه الكلمة دعواهم، لكن هل دفعت عنهم البلاء: {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ} [الأنبياء:15]، ويقول الله جل وعلا: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} [الأعراف:110 - 101]. {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا} [الأعراف:100] أمة محمد جاءت بعد هذه الأمم السابقة: ((أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ)) [الأعراف:100] أهلكناهم بذنوبهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الإسراف والبطر

الإسراف والبطر كذلك أيها الإخوة: من أسباب هلاك الأمة: الإسراف والبطر، يقول الله جل وعلا: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص:58]، ويقول سبحانه وتعالى: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} [الأنبياء:9].

تكذيب ما جاء به الأنبياء

تكذيب ما جاء به الأنبياء كذلك: تكذيب ما جاء به الأنبياء، فإنه من أسباب هلاك الأمم، يقول سبحانه وتعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [الشعراء:139]، والله إن الذين يأتون لكي يغسلوا عقول البشر، ويقولون: الربا الموجود ليس هو الربا المحرم، والخمر الموجود ليس هو الخمر المحرم، والفاحشة الموجودة ليست هي بالفاحشة المحرمة، هؤلاء إنما هم يُكذِّبون الأنبياء فيما جاءوا به، والله! أنهم يُكذِّبون الأنبياء فيما جاءوا به، والله جل وعلا يقول: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [الشعراء:139]، ويقول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [المرسلات:16 - 18] بالمجرمين: الذين كذبوا رسل الله جل وعلا، والله سبحانه وتعالى سنته في العباد ماضية. يقول تعالى أيضاً: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98] لما آمنوا، ورجعوا، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وأنكروا الذنوب، وتعاهدوا تعاونوا على التجهم للمنكرات، والنصيحة، لما حصل هذا؛ كشف الله عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا، ومتعهم الله متاعاً حسناً.

صماما الأمان

صماما الأمان ولنعلم أيها الأحبة: أنه لا سبيل لنا إلى النجاة والاستمتاع بهذه الخيرات التي تنعم بها بلادنا؛ طرق، جسور، كباري، مستشفيات، حدائق؛ نعم، خيرات، ثروات؛ أسواق مليئة بالخضار واللحوم والفواكه والأرزاق، خيرات متتابعة، والله لا سبيل إلى حفظها وبقائها إلا بشكر الله جل وعلا، والتعاهد عهداً مع الله أن ننكر ونغير المنكرات، ما ظنكم لو أن كل واحد مر على صاحب فيديو فاختصر به كلمتين: الله يجزيك خيراً، والله إن ما تفعله من نشر الرذيلة بين الناس، وإن هذه الأفلام الذي فيها الرقص، والمصارعة النسائية، والحفلات الماجنة، والأفلام التي فيها القبلات والضم، والأفخاذ والصدور العارية، هذه والله إنها سبب للهلاك، هذه تصد الشباب عن المساجد، وتجعل النفوس تشتهي الزنا، تبحث عن الفاحشة، وتخطط للجريمة، يا أخي! نحن في نعم، نحن في خيرات، أما ترى هذه النعم، أما ترى هذه الجسور، هذه الكباري، هذه الخيرات، هذه المساجد، الأسواق. ذكِّره بنعم الله، أنت والله تقول له: إذا لم تقلع عن هذا الشيء، فإنه سيكون سبباً في زوال هذا، تكون شؤماً علينا، يا أخي! اتق الله، وابحث لك عن بضاعة غير هذه، ابحث لك عن تجارة غير هذه، ثم تذهب ويأتي الآخر ينصحه، ثم الثالث وهكذا، والله ليستحين على وجهه، ثم يغير تجارته ونشر الفساد والرذيلة. لكن إذا كان الواحد إذا مر قال: نسأل الله العافية، يبيعون الأفلام الخليعة، لا حول ولا قوة إلا بالله، ويهز رأسه، وما دخل على صاحب فيديو ينصحه، لماذا المسلم جبان؟ لماذا المسلم ضعيف الشخصية؟ هل أنت سوف تنصحه من الكتاب الأخضر، أو من نظرية إنجلز، أو ماركس، أو لينين؟! تنصحه من كتاب الله جل وعلا، فما عليك خطر، تعرفون أن أكثر صاحب تسجيلات أغانٍ يكون حول تسجيلاته تسجيلات إسلامية، فبفضل الله، ثم بفضل شابين مروا عليه وكلمتين طيبتين، بعد أن كان حيران ضنكاً، تتعاقب السجائر يده يشعلها تباعاً، ففتح الله قلبه واستقام وتاب، وبدلاً من أن يبيع الغناء واللهو، والمجون والطرب، أصبح ينشر بين الناس كلام الله وكلام رسوله، والخطب والندوات والمحاضرات: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114].

مثال واقعي لهلاك أمة

مثال واقعي لهلاك أمة ختاماً: أيها الأحبة! هذا جزءٌ مما يسر الله في بيان بعض أسباب الهلاك التي وقعت فيها من الأمم، فاستحقت سنة الله بإهلاكها: {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:78] تهلك وتنتهي، فهل من معتبر؟ هل من مدكر؟ والله إننا نرى الأمثلة صارخةً واقعةً: الكويت أمسوا -ولا نقول شماتة، ولكن لكي نعتبر ونتعظ، لأننا نعلم أن مصيبتنا مصيبتهم، فمآسينا مآسيهم- لكن غابت عليهم الشمس وهم أغنى خلق الله، من الأثرياء من خلق الله، من أهل النعيم من خلق الله، وأشرقت عليهم الشمس وهم لا يملكون إلا ثيابهم التي يلبسونها: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ} [الأعراف:97]. أحد الأساتذة كان في أمريكا يتصل بأهله في الكويت: ما الذي صار؟ يقولون: والله لا نعرف ماذا حدث؟ هو في أمريكا عبر الأقمار الصناعية الـ ( cnn ) ينظر الذي حصل، يتصل بأهله: يا جماعة! نحن ننظر دبابات داخلة عليكم!! ننظر الإطلاق!! هناك ضرب للقصر!! والله ما نعرف شيئاً، والله ما أدري: مناورة: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف:97 - 98] ولقد حصلت: بعض الأمم هلكت، كان الناس يبيعون ويشترون في الأسواق، وفجأة ما وجدوا إلا والأعداء قد دخلوا وحلوا بهم: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] وهذا كما في سورة يس: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [يس:49] يتخاصمون ويتبايعون ويشترون في الأسواق، ويأخذون ويعطون ويردون. فيا عباد الله: فوالله إن النذير والعبرة ماثلة لنا، هلكت لبنان وما اتعظ كثير من الناس، وهذه الكويت هلكت، ونسأل الله أن يردها؛ لكي يحكم فيها كتاب الله وسنة نبيه، ويؤمر فيها بالمعروف، وينهى فيها عن المنكر، وتكون عبرةً لأهلها وأصحابها وقومها، فالعبرة ينبغي أن تؤخذ، وإلا: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] أي: ننتظر حتى يأتي الأعداء ويجثمون على رقابنا وصدورنا، وبعد ذلك نقول: مذنبون!! نحن ظالمون!! لا. ينبغي أن يغير الناس، لكن في الحقيقة التغيير ليس على المستوى المطلوب، بعد هذه الفاجعة والله كنا نظن المساجد سوف تمتلئ، والناس سيرجعون إلى الله، أصحاب المحلات الفيديو سيتوبون إلى الله ويغلقونها، أصحاب محلات الأغاني، التبرج، السفور، المعاكسات، المخدرات، أشياء كثيرة، ولكن نسأل الله السلامة والعافية. مصيبة أن العدو يتسلط على الأمة، ويكون لك فيه عبرة ولا تعتبر أبداً، العدو يريك الله في بأسه عبرة وآية، ولا تتذكر أبداً، فمتى نتذكر؟ مثل إنسان جاءه السرطان في رجله، قال: هون عليك يا رجل! ما زال لم يصل إلى قلبي، ورقى السرطان إلى ركبته، قال: إن شاء الله أُرَكِّب طرف صناعي، ووصل السرطان إلى فخذه، إلى جوفه، حتى أهلكه، فالذي لا يبادر بعلاج نفسه، ولا يبادر بتصحيح أوضاعه، متى يبادر؟ إذا دب السرطان في قلبه، واختلط بدمه وأهلكه، ولا ينفع فيه عندئذٍ حبيب ولا طبيب. فنسأل الله لنا ولأمتنا وولاة أمرنا، وعلمائنا وشبابنا أن نعود إليه عوداً حميداً، ونسأله المرد إليه رداً جميلاً، اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك، واسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت أن تحمي حوزة الدين، وأن تحفظ أعراض المؤمنين، وأن تعز الإسلام والمسلمين. اللهم أهلك البعثيين، اللهم أهلك البعثيين في أنحاء الأرض جميعاً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أحصهم عدداً، واجعلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، واجعل سلاحهم في صدورهم، اللهم اخسف الأرض بهم، وأرسل طيراً أبابيل من فوقهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم افضحهم بين الخلائق، اللهم من أَسَرَّ في نفسه سوءاً ومكراً وخديعةً لنا ولولاة أمورنا وعلمائنا، اللهم اخزه وافضحه على رءوس الخلائق. {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:180 - 182].

دور الشباب في حمل رسالة الإسلام

دور الشباب في حمل رسالة الإسلام الشباب نعمة من الله عز وجل يجب علينا أن نؤدي شكرها بأنواع الطاعات المختلفة، ولكن الشاب قد تستهويه الشهوات، وتزين له نفسه المخالفات، وفي هذه المادة بيان للشباب يحملهم مسئولية الدِّين وتبليغه إلى العالمين، وما ينبغي أن يكونوا عليه من قدوة.

فضل مجالس الذكر

فضل مجالس الذكر {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:1 - 2] الحمد لله على نعمه التي لا تحصى وعلى آلائه التي لا تنسى، نحمده أن هدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل خيرٍ سألناه أعطانا. ثم الصلاة والسلام على رسوله وصفيه من خلقه محمد بن عبد الله، وعلى آله وأزواجه ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أحبتي في الله: أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، أن يجعل هذا الاجتماع للجميع خالصاً لوجهه، وأن يجعله في موازيننا: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. أحبتي في الله: لستم بحاجة إلى أن أذكركم؛ لأن استحضار النية والاحتساب أمرٌ لا شك موجود لدى الجميع، ولكن ما جلس قومٌ يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، وفي الحديث: (إن لله ملائكة سيارين يبتغون حلق الذكر ورياض الجنة، فإذا رأوا ذلك نادى بعضهم بعضاً أن هلموا -والحديث طويل- وفيه: أن الله جل وعلا يسأل ملائكته: علام اجتمع عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يسألونك، ويقول الله جل وعلا: وما الذي يسألون؟ فتقول الملائكة: يسألون الجنة). ووالله ما جاء بنا وما جاء بكم، وما أقض مضاجع العارفين إلا طلب الجنة، وطلب الرحمة النجاة من النار، ولما جاء ذلك الأعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سأله قال: (يا أعرابي! ما تقول في صلاتك؟ قال: أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، ولكني أتشهد ثم أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن) كلنا نريد الجنة ونعوذ بالله من النار. وتمام الحديث: (أن الله جل وعلا يسأل ملائكته وهو أعلم: ومم يستجير عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: من النار، فيقول الله جل وعلا: وهل رأوها؟ فتقول الملائكة: لا يا ربنا! فيقول جل وعلا: كيف لو رأوها؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد منها خوفاً وبُعداً، فيقول الله جل وعلا: يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت لهم) الله أكبر! والله -أيها الإخوة- إن مجاهدة النفس لحضور مثل هذه المجالس الطيبة العطرة لَعبادة جليلة لا يغني عنها بديل، فلو أن آخر قال: أنا أستمع الشريط -مثلاً- ولا أريد الحضور، لا شك أن في استماعه الشريط خيراً وبركة ولكن لا ينال أجراً كأجر الذي جلس في هذه الروضة، واستمع وذكر، وسبح وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم. فبادئ ذي بدء: وددت أن أذكركم بهذا ولا أظن أنه يخفاكم.

عظمة الله تعالى

عظمة الله تعالى أحبتي في الله: أما موضوعنا فكما تعلمون وكما تفضل فضيلة الشيخ أنه مرتبطٌ أو متعلقٌ بواجب الشباب المسلم تجاه نفسه وحمل دينه، والحديث في هذا شيقٌ جداً. وأول ما نبدأ به هذا الأمر -أيها الإخوة- نقول: ما هو هذا الدين الذي نحمله؟ وهذا الدين الذي نتحدث به ونتكلم عنه؟ ندين به لمن؟ إننا ندين به لله جل وعلا. فحمل هذا الدين، والحرقة له، والاشتياق والولع والاشتغال بنشره فرعٌ عن معرفة الله جل وعلا الذي شرعه لنا، وإذا عرفتَ ربك حق المعرفة، كنت قائماً له حق القيام، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، ومن علم خشي: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. أيها الأحبة: والله لو تفكرنا وتأملنا عظمة هذا الرب الجليل الذي شرع لنا هذا الدين لأدركنا أننا في كرامة ولأدركنا حقيقة قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء:70] والله إن الله كرمنا كرامة ما تفكرنا في حقيقتها، بل إن من الناس من ضلت به مذاهبه وأغوته شياطينه حتى رضي الخسة والدناءة والحضيض والهوان لنفسه، واشتراها بديلاً عن تكريم الله له ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الإخوة: أسألكم سؤالاً واحداً: أنتم الآن في هذه القاعة وفي هذه الصالة، كل واحد منكم ماذا يشغل من حيز هذه الصالة؟ هذه الصالة قرابة (20) متراً، أو (30×20) متراً. هل تملأ متراً واحداً منها؟! أنت تنظر إلى هذه الصالة معجباً مندهشاً لهذا الارتفاع والسعة وحسن البناء، هذه الصالة موجودة في مدينة الزلفي وهذه المدينة، أنت لا تشغل شيئاً منها بالنسبة للصالة. ما الذي تشغله بالنسبة لمدينة الزلفي؟ لا تشغل شيئاً يذكر، أقل من متر! وماذا تشغله بالنسبة للمملكة العربية السعودية بأكملها؟ أنت كذلك لا تشغل شيئاً يذكر. والمملكة العربية بأكملها ما الذي تشغله بالنسبة لقارة آسيا؟ شيء بسيط بالنسبة للقارة. وقارة آسيا ما الذي تشغله بالنسبة للكرة الأرضية بجميع القارات؟ -أيضاً- هذه القارة جزءٌ يسيرٌ من الكرة الأرضية. والكرة الأرضية أي حيز تشغله، أي مكان تشغله بالنسبة للمجرة المليئة بالكواكب الأخرى والتي تقاس المسافات بيننا وبينها بالسنين الضوئية لبُعد المسافة؟ أيضاً الكرة الأرضية لا تشغل شيئاً بالنسبة للمجرة. والمجرة لا تشغل شيئاً بالنسبة لمجموع المجرات السابحة في السماوات. يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] الله أكبر! هذه الأرضين والسماوات هي قبضة الله ومطوية بيمينه جل وعلا. إذاً من أنت بالنسبة لعظمة الله؟! من أنت بالنسبة لقوة الله؟! من أنت بالنسبة لملكوت الله؟! ما حجمك بالنسبة لجبروت الله جل وعلا؟! ثم بعد ذلك تجهل أن الله يوم أن شرفك وأمرك ونهاك، تجهل أنها كرامة لك! والله لو وقف أمامنا على هذه المنصة أربعة قلنا: هذا وهذا يعملان عند الأمير أو عند الملك أو عند الخليفة، وهذا وهذا يبيعان في السوق، لتبادر إلى أذهاننا أن الذي يعمل عند الأمير بحكم قربه من ذوي المناصب من خلافة أو ملك أو إمارة، أعظم في نظرنا، ولأن الخليفة أو الرئيس أو الملك أو الوزير يكلفه ويأمره وينهاه، ولا يأمر هذا ولا ينهاه لأن هذا له شرف ومقدرة ومكانة، ولذلك يُشَرَّف ويكلف بأن يفعل وبأن يُطلِق وبأن يتصرف فيما وُكِل إليه، نعرف أنها كرامة. فأنت ألا تشعر بكرامة الله جل وعلا لك الذي أمرك؟! أليس هذا تكريماً؟! الذي نهاك! أليس هذا تكريماً؟! الذي فضلك! أليس هذا تفضيلاً؟! لو وقف ذو منصبٍ عظيم وأخرج واحداً من بينكم وقال: أنت، قلت: نعم. لم يختر هذا من بيننا إلا لأن له شأناً. فالله جل وعلا قد جعل لكل مسلمٍ شأناً وقدراً عظيماً إن هو عرف حقيقة الكرامة والفضل، وحقيقة العزة التي حباه بها، ولكن أكثر الناس لا يفقهون {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:187]. بل إن من الناس من يريد أن يتقمص أو يطلب ويستحث ما يسميه كرامة من البشر، وما هي إلا ذلة والله قد كرمه فوق هذا كله. فيا أحبتي في الله: ينبغي أن نشعر ونتفكر في عظم هذه المخلوقات، وفي عظم هذا الكون، وما فيه من مجراتٍ وسماواتٍ وجبالٍ وأرضينَ وظواهرَ كونية، وأمورٍ يعجز اللسان عن وصفها والقلم عن حصرها وذكرها، ثم ندرك أنها كلها في كنف الله جل وعلا وتحت أمر الله. إذاً هذا الدين الذي شرعه الله ورضيه لنا وأمرنا أن نلتزم به دينٌ عظيمٌ؛ لأن الذي شرعه وأراده عظيم وهو الله جل وعلا.

أهمية القدوة الحسنة في نشر الدين

أهمية القدوة الحسنة في نشر الدين أحبتي في الله: لنعلم أن كل أمرٍ وكل تكليف إنما هو مزيدٌ في الرفعة والكرامة، وإذا أردنا أن ننهض بديننا وأن نرفع بهذا الدين رأساً وأن نعتز به، وأن نتشرف في أن نبذل له الأوقات، ونضحي لأجله بالنفس والنفيس والغالي والرخيص؛ فلنعلم أن التزامنا بأحكامه وآدابه هو خير ما يجعلنا نرتفع بأنفسنا ونرتفع بديننا نحو انتشار أوسع وأفضل، فالقدوة المسلمة التي تطبق أحكام هذا الدين لا شك أنها تمارس دوراً عظيماً وبارزاً وفعالاً في السمو بهذا الدين وإدراك أهمية نشره ودعوة الناس إليه، أنت يوم أن تكون داعية مطبقاً لأحكام دينك في كل مكان هذا ارتفاعٌ بنفسك إلى درجة وسمو هذا الدين، وبذلٌ منك في نشر دينك بالقدوة الحسنة. وكم عجبت لحادثة أخبرني بها أحد الأطباء، عن طبيبٍ في أحد المستشفيات في هذه البلاد سافر إلى أمريكا ليشهد مؤتمراً مدته ثلاثة أيام، وكان موضوع هذا المؤتمر يدور حول الكالسيوم ودوره في جسم الإنسان، لكن يخبرنا هذا الأخ الفاضل عن الطبيب الذي ذهب ليمثل بلاده ويقدم بحثه أو أطروحته في هذا المؤتمر قال: لما ركب الطائرة وحان الوقت قام فيها مؤذناً فعجب مَن حوله، فلما رأوا هذا التصرف العجيب أخبرهم قال: أنا في ميعاد محدد لا أتقدمه ولا أتأخر عنه أصلي لله جل وعلا، وهذه الصلاة يسبقها الأذان فلما عرفوا ما الذي يريد -يعني: كانوا يخافون أن يكون هذا إعلاناً لاختطاف الطائرة أو هبوط اضطراري، فتركوه وشأنه في الأذان- فعجب مَن حوله مِن فعله هذا وأخذوا يسألونه ويناقشونه وانتهى النقاش في هذه الطائرة إلى رغبة ملحة من أحد الركاب في أن يتعرف على هذا الدين وأن يقرأ عنه، وعلى أية حال لو كل مسلمٍ مارس وطبق واجتهد في أن يتأدب بآداب الإسلام وأن يلتزم بأحكامه لكان لذلك أثر عظيم، فلو أنني طرحت مسألة ثم ذهبت، وجاء آخر في رحلة أخرى ووافق هذا الذي تعجب واستغرب وأكمل الدور، وجاء رجل ثالث ورابع حتى يتواتر في أذهان الذين لا يعرفون عن هذا الدين شيئاً أن أمة ورجال هذا الدين أمة عزة وافتخار وشرفٍ بدينهم الذي ينتسبون إليه، لأصبح مجموع المسلمين يمثلون سلسلة متكاملة في الدعوة ولو لم يقدم أحدهم إلا موقفاً واحداً، إذ ليس من شرط المقابلة أن يسلم في أول لحظة، لكنك أثرت في ذهنه السؤال والبحث عن هذا الدين. المهم: هذا الرجل -يعني: ليس هذا الشاهد من الحديث- الشاهد: أن هذا الطبيب لما حل ونزل بأرض المؤتمر وسمع الأبحاث التي طرحت أراد مقرر أو أمين ذلك المؤتمر أن يسند إليه الكلام في آخر يوم من أيام المؤتمر، قال: معنا ضيف من بلاد المملكة العربية السعودية، ونريد أن نسمع كلمته في هذا المقام، فقام ذلك الرجل حامداً ربه مصلياً ومسلماً على رسوله صلى الله عليه وسلم -وكم يؤسفنا أن هذه خصلة تُفْقَد في بعض المجامع والمنتديات، من واجب المسلم في أي مكان كان، وفي أي دولة كانت، وفي أي جهة كانت، أن يبدأ بحمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم- ثم قال: أشكر للسادة المؤتمِرين الأطباء هذه البحوث التي قدموها، ولكن أعرف أن هذا المؤتمر كان يدور حول دور الكالسيوم في جسم الإنسان، وسؤالي: ما هو دور الإنسان في الحياة؟ أريد أن أسأل ما هو دور الإنسان في هذه الحياة؟ هل هو: الأكل، والشرب، والنكاح، والنسل؟ فأثار استفساراً عجيباً في أذهانهم، ثم أخذ يحدثهم بما فتح الله عليه من كلامه ومما يفهمه ويعتقده من كلام ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى شرح الله صدور بعض المؤتمِرين، وكانت نهاية آخر يوم في المؤتمر أن أسلم على يده ستة من الأطباء وطبيبتان من النساء. فهكذا المسلم دائماً إذا كان دينُه أمراً مهماً بالنسبة له في كل مكان، وحديث نفسه في أي موقفٍ يقفه؛ هل هذا يرضي الله؟ هل هذا لا يرضي الله؟ هل هذا يقربني من الله؟ هل هذا يبعدني من الله؟ هل يسرني أن ألقاه بين يدي الله؟ هل هذا يؤسفني ويخجلني أن ألقاه بين يدي الله؟ إذا كان هذا شأنك وموقفك والله تكون دائماً في رفعة بنفسك واعتزاز بدينك، وتقوم بدورٍ إيجابيٍ فعال في نشر هذا الدين الذي أنت تنتسب إليه.

أهمية الالتزام بهذا الدين وتطبيقه

أهمية الالتزام بهذا الدين وتطبيقه المسألة الأخرى -أيها الأحبة- بعد القدوة الالتزام: لنعلم أن هذا الدين يحتاج إلى تطبيق وأنه دين عمل وليس دين كلام، لو كان هذا الدين دين كلام لاكتسح القارة كلها، لأنه لا يوجد أكثر من العرب -ولله الحمد- في الفصاحة والبيان، ولا أقول أكثر منهم في الكلام. كما يقول شاهد القوم: إذا خسرنا الحرب لا غرابة لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابة بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة الكلام كثير؛ لكن أين التطبيق وأين الالتزام؟ وأين البذل والتضحية؟ إذاً: فحتى نعرف واجبنا تجاه هذا الدين، وواجبنا للرقي بهذه الرسالة العظيمة ينبغي أن نطبق لأن التطبيق هو غاية العلم ومن علم ولم يعمل كان علمه بلا فائدة، والله جل وعلا يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] فالإنسان إذا عمل بما علمه كان خيراً له، والخير جاء نكرة خيراً مطلقاً عظيماً فيفتح الله عليه فتحاً لا حدود له، بل ويزيده الله تثبيتاً لهذا الدين، وإذا أردت أن تتفقه في مسألة من المسائل فقهاً طيباً جيداً فطبقها فإن تطبيق العلم يجعله أكثر رسوخاً ويفتح عليك أبواباً أخرى. من عمل بما يعلم شرح الله صدره وهيأه، ويسر له علم ما لم يعلم. فهذه مسألة مهمة، واجبنا -أيها الأحبة- تجاه هذا الدين الذي كلنا نعلم عنه الكثير أن نعمل به وأن نطبقه. الصحابة رضوان الله عليهم، وهم ثلة طاهرة نقية قليلة جداً بسيوفٍ نحيلة وبِخَيْلٍ هزيلة، مع الفقر والجوع كسروا أمماً وحضارات جعلوها تتهاوى في الحضيض تحت صيحات التكبير والالتزام العملي بهذا الدين، والاستعداد والقدرة على التضحية، حينما يشعر أعداء الإسلام أن أبناء المسلمين بلغ بهم الأمر حرقة وحباً وتفانياًَ في دينهم إلى درجة أنهم يبايعون على الموت، ويساومون على الأرواح من أجل نشر دينهم؛ عند ذلك تنتهي مخططاتهم، لأن المخطط الماسوني والصهيوني الذي نراه يسري درجة درجة، ومرحلة مرحلة في شعوب المسلمين وأبنائهم سرى أمام عنصرٍ واحدٍ وضع في الحسبان وهو أن أبناء المسلمين قد أخلدوا إلى الأرض واتبعوا أهواءهم، ولكن يوم أن تحرك الجهاد في بقعة من بقاع المسلمين اختلفت الحسابات وانهارت المخططات، وأصبحت تظهر عليهم صور ما كانت في حسبانهم: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} [الحشر:2]. كان أعداء الإسلام يظنون أن مخططاتهم وأن انتشارهم ورقعتهم وقواهم الضاربة في كثيرٍ من بلدان المسلمين تمنعهم، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2] متى؟ يوم أن تحرك الجهاد في سبيل الله. فحينما يوجد من المسلمين أمة تبرهن وتبرز وتحقق للعالم أننا على استعداد أن ننشر هذا الدين وأن نرفع به رأساً، وأن ندعو إليه، أياً كان الثمن، كما قال رستم القائد لأميره أو لرئيسه: هل المسلمون أكثر منكم؟ قال: لا. نحن أكثر منهم. ولكن رستم لما جاءه أحد قادة المسلمين قال: [مال الذي تريدون؟ قال: ندعوكم بدعوة الإسلام، أن تدخلوا في هذا الدين ولكم ما لنا وعليكم ما علينا. قال: فإن أبينا؟ قال ذلك المسلم الذي كان فقيراً ضعيفاً هزيلاً يفاوض أكبر القواد قال: تعطون الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون. قال: وإن لم نعطكم؟ قال: إن لم تقبل بهذه ولا هذه فقد جئتك بقومٍ يحبون الموت كما تحبون الحياة. فلما أخبر رستم أميره أو رئيسه بهذا قال: بهذا غلبوكم]. قومٌ يُربطون بالسلاسل حتى يثبتوا في أرض المعركة والقتال، وقومٌ يشترون ويشتهون الموت شهوةً ويتسابقون إليه. فحينما نكون على درجة من الالتزام والحرقة والتطبيق والعمل لهذا الدين والله -يا أيها الأحبة- سينتشر، وكما يقول أحد مفكري الإسلام: إن البشرية لا تستجيب لمنهجٍ مقروء -الإسلام لو طبعنا منه ملايين الكتب- أو منهجٍ مسموع -أرسلنا منه آلاف الأشرطة إلى دول أوروبا وأمريكا وغيرها- وإنما تستجيب لمنهجٍ قد تمثل في صورة جماعة من البشر. فإذا رأى الأعداء أن المسلمين قد طبقوا دينهم وإذا جاء أعداء الإسلام إلى أرض المسلمين فوجدوا المسلم لا يمكن أن يوجد فيه ثغرة من رشوة أو خيانة أو ضعف أو فساد أو فسق أو اختلاس أو أي جانبٍ من جوانب النقص والخزي والمحرمات والمخالفات، عند ذلك يعلمون أن هذه أمة قد أحاطت سوارها، وأحكمت إغلاقه، فلا يستطيع أحدٌ أن يدخل إليه، أما إذا وجدوا أمة قد فتحت أبوابها على مصارعها وقد رُسِّيت نوافذها مشرعة، استطاعوا أن يدخلوا مع النوافذ ومع الأبواب ويتفكهون حتى بتسلق الأسوار. فإذا وجدت الأمة التي تكون نعم القدوة ونعم الالتزام لدينها؛ عند ذلك ترتفع بنفسها إلى كرامة أكرمها الله جل وعلا بها. وفي المقابل فإن أي فردٍ أو أي مجتمعٍ أو أي أمة تخالف أمر الله وتسلك طريقاً معاكسة فيما شرع، والله إنها تختار لنفسها درجة مغرقة في الحضيض والهوان. وكما يقول الحسن البصري رحمه الله: [إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه]. ويقول جل وعلا، وقول الله أبلغ: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. فمن نُسِّي ونَسِيَه الله فهذا هوان وهذا انحطاط، وأنت تلاحظ يوم أن ينساك أحد أحبابك أو ينساك من هو حولك ولا يلتفت إليك ولا يعبر أو يلتفت لوجودك، فإنك تتضايق من هذا الشيء وتعرف أن هذا هوان واستهتار ونقص، فكذلك من نسيه الله جل وعلا -ولله المثل الأعلى- فهو في غاية الهوان ولا حول ولا قوة إلا بالله. فغاية الأمر -أيها الأحبة- أننا حينما نريد أن نرتفع بأنفسنا لا بد أن نتمسك بهذا الدين جيداً. هذه الحياة قافلة، من الناس من يمشي حافياً، ومن الناس من يمشي منتعلاً، ومنهم من يركب دراجة، ومنهم من يركب سيارة، ومنهم من يركب طائرة، فالناس بقدر تمسكهم بهذا الدين يحددون الدرجة والفئة التي هم فيها، فمن كان متهاوناً ضعيفاً، فهو كمن يمشي حافياً لا تسأل عما يجرحه من الشوك ويعترضه من القاذورات ونحوها، ومن التزم بدين الله جل وعلا فقد اختار لنفسه درجة عالية، وبقدر ما تسمو بنفسك في دين الله جل وعلا، فأنت تختار لها مكانة أسمى وأعلى، وكلٌ يضع نفسه حيث ما شاء؛ ولكن: وإذا كانت النفوس كباراً تعبتْ في مرادها الأجسامُ من الناس من يقنعه حفنة من التراب، ودريهماتٍ معدودة، ودويرة صغيرة. ومن الناس من أبت همته وشمخت عزته، فلا يريد غير النجوم مطلباً، فلا يريد غير أسمى الأماكن والدرجات العلا عند الله جل وعلا، وهي الجنة وثمنها؛ تعرفون أنه السير الحثيث: (من سار أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة). المسلم الذي ترتفع به الأمم وتعز به الدول، المسلم الذي نريده في هذا الزمان: ليس ذلك الظبي الجهول، ليس ذلك المسكين الذي إذا رأى منكراً قال: اللهم حوالينا ولا علينا، كأنه امرأة رأت رجالاً، إذا رأى أمراً مخالفاً لدين الله مر وكأن الأمر لا يعنيه، أو كأن محارم الله لم تنتهك، انظروا إلى أحدهم يقطع إشارة مرورية فيسلقه القوم بألسنة حداد، ويحرقونه ويزلقونه بأبصارهم، ما هذا التخلف، ما هذه الرجعية، إشارة مرورية عنوان التقدم، عنوان الحضارة، إشارة تُفُوهِم عليها دولياً، هذا الأبله المسكين المعتوه، لا يفهم التعامل معها؟! فما بالك بمن خالف أمر الله وشرع الله؟! من الناس من لا يلتفت، وغاية الأمر كما يقول العامة: (ذنبه على جنبه) لا. أراد أعداؤنا منا المسلمين أن يكون هكذا، السجادة ما هناك مانع، تريد أن تسبح سبح، خذ لك سبحة، اقرأ أورادك كلها، امش من البيت إلى المسجد ليس هناك مانع، لكن تريد أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر! تريد ألا يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً! تريد أن تكون كلمة الله هي العليا! هذا هو الذي لا يريده أعداء الإسلام، ولذلك في بعض الدول التي تحارب الإسلام عداوة وصراحة توجد بعض الجماعات التي تنتسب للإسلام، أو تدعي أنها تعمل للإسلام وما هو نوع التزامهم؟ إما على عقائد محرفة، أو على نوع التزام أو حصر مفهوم الدين في المحاريب والطقوس والعبادات المحددة، أكثر من ذلك لا يُسمح لهم بشيء. فيا أحبتنا في الله: حينما نريد أن نسمو بهذه النفوس وأن نسمو بهذا الدين، لا بد أن نبذل ولا بد أن نضحي، ولا بد أن نقدم.

محبة الصالحين والدعاء لهم بظهر الغيب

محبة الصالحين والدعاء لهم بظهر الغيب كذلك -أيها الأحبة- بعد التفكر في مخلوقات الله التي تنتهي بنا إلى عظمة الله جل وعلا، ثم عظمة هذا الدين الذي شرعه الله لنا، وقدر الكرامة التي كرمنا بها، بعد ذلك القدوة، وبعد القدوة التلقي للتنفيذ، العمل، الاجتهاد، الالتزام، بعد ذلك المحبة، جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله متى الساعة؟ -وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يجيب السائل بما ينفعه؛ لأنه لو قال له: الساعة بعد ألف أو مليون سنة أو أقل، أو أكثر، يعني: ليس هذا الأعرابي موكَّلاً بالنفخ في الصور أو بفتح أبواب الجنان، أو بإيقاد النيران، ليس له شأن بذلك- متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وماذا أعددت لها؟ فقال: والله ما أعددت كثير عملٍ ولكني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب) وجاء آخر وقال: (يا رسول الله! المرء يحب القوم لَمَّا يلحق بهم) ولَمَّا تفيد قرب حدوث الشيء إلا أنه لم يحصل، كما يقول الشاعر: أزف الترحل غير أن ركابنا لَمَّا تزل برحالنا وكأنْ قَدِ فقال صلى الله عليه وسلم: (أنت مع من أحببت يوم القيامة). فمن هذا أيها الأحبة: إذا قصرت بنا الهمم عن أن نكون في مصاف الرجال والقادة والدعاة، والأساتذة والمربين في هذا الدين فلا أقل من أن نكون في عداد المحبين، والموالاة هي الحب والبذل، وأن نكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً، فلا أقل أن نكون معهم. لا خيل عندك تهديها ولا مالُ فليُسْعِفِ النطقُ إن لم تسعف الحالُ إذا لم تستطع أن تكون من المجاهدين، أو من الدعاة إلى الله، أو من المربين، أو من الوعاظ، أو من الذين لهم دورٌ نافع؛ فلا أقل من أن تكون من الذين يدعون لهم بظهر الغيب، وينافحون عن أعراضهم، ويذبون عنهم قالَةَ السوء وأقوال الناس. أيها الأحبة: يؤسفنا ويجرح قلوبنا أن نجد من أحبابنا وإخواننا من بني جلدتنا ويلبسون كملابسنا، ويتكلمون بمثل ألسنتنا، أن إذا ضمتهم المجالس كان حديثهم انتقاد الصالحين الطيبين، أو الحديث في أعراضهم، أو انتقاد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والنيل من جانبهم، هذا والله مما يزيد حظ الشيطان من نفوسهم ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإلا فإلم يكونوا قادة ومربين وعلماء وأساتذة، فلا أقل من أن يكونوا محبين، أن يكونوا داعين، لا تقل: عجائز المسلمين ونساؤهم فيما مضى خيرٌ من كثير من الناس في هذا الزمان، امرأة أرادت أن تشارك في الجهاد، ولم يكن لها سبيل، فأخذت المقص وقصت ضفيرتها وجاءت بها إلى قائد المجاهدين وقالت: [اجعل منه لجاماً لفرسك] تريد أن تشارك، تريد أن تقدم شيئاً. جاءت سليمان يوم العرض قُنْبُرَة قد أقبلت بجرادٍ كان في فيها وأنشدت بلسان الحال قائلةً إن الهدايا على مقدار مهديها لو كان يُهدى إلى الإنسان قيمتُه لكان قيمتك الدنيا وما فيها أرادت أن تشارك بما استطاعت، ولقد تجددت ولله الحمد والمنة هذه الصورة في هذا الزمان يوم أن يأتي الكلام عن الجهاد أو عن البذل في سبيل الله؛ تفاجأ بفتياتٍ يرسلن أساورهن وأقراطهن وحليهن. موقف جميل جداً: جاء شاب عليه سيما ضيق الحال مثلما نقول: (مبروكة هذه المحدودة) قال: أنا أريد أن أتبرع بفروتي هذه للمجاهدين. قلت: الله يكثر خيرك، هذه يلبسها مجاهد إن شاء الله ويستشهد فيها، ويُدْعى لك. طبعاً التبرعات النقدية أيسر بكثير من التبرعات العينية؛ لكن هذا الرجل جاء وما عنده إلا فروته نقول: توكل على الله ما نقبل منك شيئاً؟! على الأقل نشكر هذا الشعور الذي بلغ به أن يخلع معطفه أو فروته أو قميصه ثم يقول: خذوه للمجاهدين، فنريد -أقل الأحوال- أن يحدث هذا الشيء، أن تحدث الموالاة المحبة النصرة التأييد الذكر العاطر الدعوة بظهر الغيب، هذه من الأمور التي تجعلنا نرتفع بأنفسنا ونرتفع بديننا إلى ما يرضي الله جل وعلا، وديننا رفيع والحاجة لنا.

القوة في الإعداد

القوة في الإعداد هذا الإسلام عزيز قد أعزه الله جل وعلا وحفظ هذه الشريعة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. (ليبلغن هذا الدين مبلغاً حتى لا يدع بيت شجرٍ ولا حجر ولا مدر إلا أدخله الله هذا الدين، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الشرك وأهله) هذا الدين منتصر: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرها من خذلها) إن نحن نمن على إسلامنا وعلى ديننا، من نحن؟! يقول الله جل وعلا: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] يتواضعون لإخوانهم المؤمنين، أعزة أقوياء في وجوه الكافرين، فنحن بحاجة إلى هذا الدين أن نرفع أنفسنا به.

قوة الإعداد العلمي

قوة الإعداد العلمي إن مما يعيننا على أن ننهض بأنفسنا لكي نكون على مستوى هذا الدين: الإعداد، والإعداد يكون بالعلم، والتفقه، والجهاد في سبيل الله. فحينما نكون على مستوى قوي واضح من العلم فلا تنتشر بيننا البدع ولا الخرافات، ولا تسري بيننا الأقوال الشاذة والأباطيل والخرافات، ولا يمكن أن يكون اضطراب أقوال الذي هم على هامش الإسلام أو يُنسبون إلى الإسلام لا يمكن أن تكون مصدر خلافٍ أو زعزعة بيننا، ولا يكون ذلك إلا بالقوة والإعداد، بقوة العلم وبقوة الفقه في دين الله، وهذا لا بد له من وسائل، يحتاج إلى طلب العلم، ويحتاج إلى حلق العلم، وإلى المزاحمة بالركب على المشايخ في حلق الذكر في المساجد، أو في بيوتهم، أو في مجامع الخير، ويحتاج إلى القراءة، وإلى البحث، والاستماع، ويحتاج إلى التنقيح والتحليل والتفكير. كثيرٌ منا قد حفظ نظام التقاعد كالفاتحة، لأنه يعرف متى ينتهي، ومتى تنتهي الخدمة، وكم خُصِم من راتبه أيام كان يأخذ راتباً؛ لأنه فكر وقدر كثيراًَ في هذا الأمر حتى استوعبه وفهمه؛ لكن الكثير ما فكر كيف ينشر خُلُقاً حميداً أو فكرة نافعة في بيته أو في حارته أو في حيه أو مجتمعه، ولو أهمه الأمر لاشتغل به، لكن للأسف مجرد انتسابٍ، لا توجد عنده حرقة أو لهفٌ وشوقٌ إلى نشر هذا الدين. فلا بد -أيها الأحبة- من أن نُعِد، لا بد من أن نُعِد، بقوة العلم بقوة التفقه بالحجة الظاهرة، والله إن العلم -أيها الأحبة- خير سلاح بعد رحمة الله جل وعلا يحفظ صاحبه من الانزلاق في المعصية، وكم زل وهلك وضاع من العُبَّاد! ولكن ما أندر -يعني: قلة- مِن الذين يحصل منهم الزلل والهلكة من العلماء! لأن العابد يُغْوَى أو يفتن بشبهة فلا يعرف كيف يتصرف، ثم ينساق في معصية لا يعرف أنه منذ بدايتها قد جنح وذهب مسلكاً بعيداً عما يرضي الله جل وعلا؛ لكن طالب العلم، المتفقه يعرف الأمور من بداياتها، فإن كانت بداية حسنة اتخذ سبيلاً مباركاً إليها، وإن كانت بداية مشبوهة، عرف أن الحق أبلج، والحق نظيفٌ عطرٌ طاهر لا يمكن أن تكدره شوائب. وكم عجبت ذات يومٍ من شاب وقف بعد صلاة العشاء في يومٍ من الأيام يريد الحديث معي، فلما التفتُّ إليه أكلمه، أخذ يبكي وانهمرت دموعه غزيرة وانساق في بكائه، فقلت: أكيد في نفسه عبرات يريد أن يخرجها، لا نستعجل بالحديث معه دعه حتى يخرج بقية عبراته، فلما انتهى من بكائه التفتُّ إليه وقلت: ما الذي بك؟ قال: والله أنا مستقيم وكنت أشهد الصلاة في هذا المسجد وصلاة التراويح وو إلى آخره؛ إلا أني سافرت مع صديقٍ أراد مني أن أرافقه في السفر إلى مدينة ما، وسافرت معه وحصل مني الزنا -والعياذ بالله-! قلت: سبحان الله العلي العظيم! صدق الإمام الشافعي: لا تنظرن إلى بكائهم في السجود، ولكن انظرهم عند الحلال والحرام. كثرة الصياح والنواح والبكاء ليس بعلامة فارقة مميزة، لا شك أنها دليل على حضور القلب والإخبات والخشوع لمن خرج منه من غير تكلفٍ؛ لكن المقياس الحقيقي: أين هو عند الحلال والحرام؟ المقياس الحقيقي قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير: (ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة) إلى آخر الحديث. فالإنسان تعرفه جيداً عند الحلال والحرام، فهذه من الأمور المهمة أيها الأحبة. فشاهد الكلام: هذا الشاب لما بحثتُ معه عرفتُ أنه يحب الخير ويحب الطيبين، يُشكر على هذه المحبة وهذه الموالاة؛ لكنه ما زود نفسه بالعلم، ولو زود نفسه بالعلم ما زَلَّ هذا الزلل، ولكان العلم بإذن الله وبمشيئة الله ورحمته عاصماً يعصمه من الوقوع في الخنا والرذيلة والفاحشة. فالعواطف -أيها الأحبة- لا تقوم عليها أمم، ولا تنتشر بها دعوات، ولا ينتشر هذا الدين ويتأثر الناس به إلا إذا رفعه علماء لديهم من العاطفة والحرقة ما يؤثر على الآخرين، لكن العلم العلم {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] الله جل وعلا في شأن توحيده وألوهيته لم يرضَ بالمعرفة، أو تفكرْ أو تأملْ أو تثقفْ أو تعرفْ، ولكن، {فَاعْلَمْ} [محمد:19] فلا بد من العلم والعلم بالله أولاً ثم العلم بنبيه والعلم بأحكام الله جل وعلا، هذا مما يعصم الإنسان ويرفع منزلته ومكانته إلى خير حالة أو خير درجة تُرجى أن تكون للمسلم الذي يرجو ما عند الله جل وعلا.

قوة الوعي والفهم والاطلاع

قوة الوعي والفهم والاطلاع كذلك -أيها الإخوة- من القوة في الإعداد: الوعي والفهم والاطلاع، ومن الناس من يعتبر دار الإذاعة البريطانية بالنسبة له متفقٌ عليه، يعني: ما تقوله هو الصحيح، لا يعرف أن الذي يدير هذه الإذاعة رجلٌ يهوديٌّ حاقدٌ مارقٌ فاجر، من الناس من تجد عنده اطلاع لكن من غير وعي، ما تقوله الجرائد والمجلات هو الحجة، وما يقوله أصحاب الكلمات الزائفة والعبارات الجوفاء هو الحجة، لا. لا بد أن يكون لديك وعي، لا بد أن يكون للمسلم فهم، والمسلم الذكي هو الذي إذا قرأ سطراً قرأ ما وراء السطر، وما تحت السطر، وما خلف الأحرف، هو ذلك الواعي الذي يعرف أبعاد الكلمة وأهدافها ومقاصدها، ليس ذلك المسكين الذي تقال له العبارة ولا يفهم ما فيها، ومن جميل ما يذكر في ذلك أن الحطيئة لما رأى الزبرقان بن بدر قال: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي فالرجل شك هل هي مديحة أم ذمة؟ ثم شكا إلى عمر بن الخطاب، فسأل عمر حسان بن ثابت قال: [أتظنه هجاه؟ قال: بل سلح عليه]. دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي يعني: فهم الإنسان للعبارة لابد أن يكون فهماً ذا أبعاد، هذا أمر مهم بالنسبة لشباب المسلمين، وأنا أعلم أن الذين يكرمهم الله بالوعي هم ثلة وقلة، لكن لا يمنع أن تكون هذه الوجوه الطيبة وإخواننا في هذه القاعة ممن يكرمهم الله جل وعلا بالوعي والفهم ودقة التأمل فيما يكتب ويدور حول هذا الدين.

ترتيب الجهود وتوحيد الصف من الأشياء التي تعين على حمل رسالة الدين

ترتيب الجهود وتوحيد الصف من الأشياء التي تعين على حمل رسالة الدين كذلك -أيها الإخوة- مما يعيننا على حمل رسالة هذا الدين وواجبنا نحوه: أن نرتب جهودنا، وأن نوحد صفوفنا، لو أن رجلاً عنده أرض زراعية مساحتها: (كيلو×كيلو)، وأحضر مائة عامل لكي يحرثوها، فعامل أخذ يحرث في الزاوية الشمالية، وعشرون يحرثون في الجنوبية، وواحد في الوسط، لأصبحت مقابر وليس أرضاً زراعية، كل يحفر في طريق وفي مكان لم تنسق ولم تنظم ولم ترتب هذه الجهود في الأرض، ولو ترتبت جهود هؤلاء العمال لاستطاعوا أن يمشطوا هذه الأرض وأن ينظفوها من الأحجار والأشواك، وأن يعدوها وأن يبذروها بأيسر جهدٍ وأقل وقت. فأقول: ومما يؤسف له أن جهود المسلمين في هذا الزمان جزءٌ منها مبعثر وغير مرتب يجعلهم كالذي نثر عمالاً من غير ترتيب ولا إعداد ولا كيفية منظمة، هذا يحفر وادياًَ، وهذا يحفر خندقاً، وهذا يحفر بركة، وهذا يحرث، وهذا يمشط، ربما تمضي سنة وتفوت مواسم الزراعة ولم يزرعوا شيئاً، والأرض قد خُرِّبَت، لكن لو كان هناك ترتيب في هذه الجهود، لكانت في وقتٍ قليل وجهدٍ أقل قد أصبحت خضراء مصانة مورقة، وجنى الناس ثمار زراعتها، لكن نتيجة لخبطة الجهود التي تحصل في كثيرٍ من أبناء المسلمين هي التي تجعلهما -وللأسف- جهوداً ضائعة وأشد من هذا: التنافر أو البغضاء ولا حول ولا قوة إلا بالله!

معرفة أن أعداء الإسلام لا يملون في حربهم على الإسلام وأهله

معرفة أن أعداء الإسلام لا يملون في حربهم على الإسلام وأهله أخيراً أيها الأحبة: ينبغي أن نعلم أن أعداء هذا الدين لا يفترون، ومع علمهم أنهم على الباطل، وعلى ما يسخط الله جل وعلا، وأنهم على الضلال المبين، يحترقون لعقائدهم الباطلة، ومذاهبهم الهدامة، وهذه والله مصيبة، كم منظمة تنصيرية تعمل بين المهاجرين في أفغانستان؟! قرابة خمس وسبعين منظمة، تملك سيارات الإسعاف، وتملك الوسائل، والمطبوعات، والغذاء، واللباس وأشياء كثيرة كثيرة، المنصرون يدخلون في أدغال أفريقيا، وأحدنا نقول له: يا أخي! ادعُ إلى الله جل وعلا بما يسر لك. قال: أتريد أن يضحك الناس علي؟! ما قالها ذلك المنصر، ولم يحتقر جهده في الضلالة والباطل، بل أخذ يدعو بما استطاع. آخر تقول له: ادعُ إلى الله. فيقول: من يستقبلني؟! ومن يقف بالمدخنة؟! ومن يعطيني كرامة؟! ومن يصرف لي انتداباً؟! لا يا إخوان! هذا الدين يريد احتساباً، ولا يريد انتداباً. فجهود أعداء الإسلام عجيبة جداً، وكما يقول عمر: [اللهم أشكو إليك جلد الفاسق وضعف الثقة]، (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف). فحينما ننظر إلى جهود هؤلاء الأعداء، سواءً في ترتيب جهودهم، أو تنظيمها أو تخطيطها نتعجب، نحن نفكر كيف نواجه الخطر الداهم الموجود الآن، وأولئك يفكرون فيما بعد عشرين وثلاثين سنة قادمة، أين المسلم الذي يفكر لهذا الدين والدعوة إلى الله والعمل للإسلام بعد عشرين سنة؟! كيف سيكون حال الدعوة إلى الله جل وعلا؟! الناس كانوا فيما مضى لا يعرفون إلا واعظاً يقوم فيتكلم بعد الصلاة في المسجد وتنتهي، هذا أسلوب الدعوة المنتشر عند كثير من الناس، لما بدأ الناس يستخدمون التسجيل أنكر طائفة: مَن هذا المجنون الذي يأتي بمسجل في المسجد، صار هناك نوع من الإنكار، استخدمت وسائل جديدة في الدعوة، (ومن جهل شيئاً عاداه). وقدر كل امرئٍ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداءُ فطائفة جهلوا بعض الوسائل وعادوها في حين أن أعداء الإسلام سبقوا هذه الوسائل بمئات المرات لكن صدق الله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36]. والله ما دار بخلدهم أن هذه المكبرات ستكون في مساجدنا، ما دار بخلدهم أن أجهزة التسجيل ستكون وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله في البيوت والأماكن التي قد لا يصلها حتى الكهرباء، ما دار في خلدهم أن كثيراً من منتجاتهم ستستخدم، لكن لما وعى المسلمون وفهموا واستخدموا مثل هذه الوسائل، احتاجوا إلى مزيد منها، نعم. نحن لا ننتظر الغرب أن ينتجوا شيئاً ثم نحن نبرمجه ونحوله لكي يخدمنا، نحن بحاجة -أيضاًَ- إلى أن نطرح وسائل تخدمنا نحن، الذين صنعوا التليفون أول ما بدءوا في صناعته كان مبرقة، وبعد ذلك طاحونة يفرها حتى تَصِلَ شُحنةٌ ويكون من خلالها إرسال، وبعد ذلك توصلوا إلى هاتف يدور بالقرص -يعني: أهمهم أمر دنياهم فاشتغلوا- بعد ذلك توصلوا إلى هاتف بالأزرار، ثم بعده هاتف يحفظ الأرقام، ثم بعده هاتف بإمكانيات أكثر، وتوصلوا إلى هاتف يعطيك رقم المتصل أو يخرج صورة المتصل، وما زالوا في سباق متطور؛ لأن أمر دنياهم أهمهم. فنحن معاشر المسلمين هل أهمنا أمر ديننا، هل رفعنا من قدراتنا، ومن ثقافاتنا، ومن وعينا، ومن معلوماتنا، والإمكانيات الموجودة بين أيدينا، من إخواننا وأحبابنا؟! قبل عشر سنوات من تاريخ الآن وهو كما كان لم يتغير، المسلم دائماً في نمو وفي تقدم وفي تطور، فلماذا لا ترفع نفسك؟ لماذا لا تثقف نفسك؟ لماذا لا تزيد حظك من القرآن، ومن السنة ومن الوعي ومن الدعوة ومن الهداية؟ هل يحول أحد بينك وبين هذا؟! أبداً والله؛ لكن المصيبة -أيها الإخوة- أننا لا يهمنا، يعني: الكثير لا يهمه أمر هذا الدين. أحد السلف يقول: وددت أن هذا الخلق أطاعوا الله وأن جسمي قرض بالمقاريض. يعني: فلتذهب روحي فداءً ولو قُطِّع لحمي قطعة قطعة في سبيل أن الناس يهتدون إلى أمر الله ودين الله جل وعلا. فمن منا قدَّم؟! القليل القليل هو الذي يقدم، ومن الناس من يقف موقف المرجف المثبط أو ناشر المقالة السيئة عن إخوانه الطيبين ولا حول ولا قوة إلا بالله! ومن المواقف التي تدل على أن المسلم يحتاج إلى الصبر ويحتاج إلى استعداد للمعاناة التي يمكن أن تمر به من خلال ما يدعو إليه. الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة، لما اتخذ الفساد منحىً دخل في العقيدة، القول بخلق القرآن، مسألة ليست مسألة فروع، فوقف وقفة قوية، من العلماء من تأول، ومنهم من تغير، ومنهم من انصرف، لكن الإمام أحمد ثبت، فسُجن وعُذب وأُوذي، ذكر أهل السير أنه رُبِط وعلِّق وانقطع به الحبل، والقيود الثقيلة ترسف في قدميه رضي الله عنه، ذكر ابن الجوزي في مناقبه: أنه جلد ثلاثة آلاف سوط. ذلك الإمام الجليل. وقال: والله لستُ أخشى الموت، ولكن أخشى سياطهم -حرارة السوط على الظهر، إذا كُشِف الظهر ثم جاء جلد السوط- فقال أحد تلامذته: يا أبا عبد الله! إنما هما سوطان، ثم لا تدري ماذا يُفعل بك. يعني: يُغمى عليك ثم لا تعرف ما الذي يُفعل بك. يقول الإمام أحمد: ما عزاني أحدٌ مثل رجلٍ سماه قال: كان من العيارين -من اللصوص- قال: يا أبا عبد الله! إني جُلِدْتُ ستة عشر ألف سوط منذ أن بدأت في هذا السبيل، -يعني: في طريق السرقة، وقطع الطرق والعبث والاعتداء على الناس وغير ذلك- وصبرت وأنا على الباطل، أفلا تصبر وأنت على الحق، قال: فما عزاني أحدٌ مثله. فيا إخوان: لنعلم أن سبيل الدعوة إلى الله جل وعلا وحمل هذا الدين لا نقول: إنه مفروش بالورود والرياحين، لا؛ ستجد من يسخر، وستجد من يستهزئ، وستجد من يشكك فيك، وستجد من يرميك بما ليس فيك، ولكن: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38] سيعلمون يوماً من الأيام أنك من الصالحين، أنك من المحبين {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} [غافر:44] عقول مَن تخاطبهم قد تكون يوماً ما قاصرةً عن إدراك الحق الذي تبينه لهم، لكن في يومٍ ما يعرفون أنك على الحق. فينبغي لنا أن نكون على مستوىً في رفعة أنفسنا بهذا الدين. ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمامِ والله يا إخوة! من تأمل حال هذا الكون أمواتٌ يدفنون، ومرضى في المستشفيات، وأناسٌ يشردون، وقومٌ يعانون من الجوع والعري، وقومٌ يموتون من العطش، وأقوامٌ في فيضانات، وهذه الدنيا تطوي أناساً ليس لهم ذكر أبداً، أيسرك أن تكون مع الغثاء؟! أم تريد أن يكون لك وجود ومكانة، وأن يكون لك شرف ومنزلة، وأن تبقى لَبِنَتُك باقية؟! كم شهد التاريخ من الأثرياء؛ ومن الملوك والعظماء! هل يُذْكَرون في كل مجلس؟! لا. ما ذكر إلا العلماء فقط، أما الأثرياء وأصحاب الدنيا وما يتعلق بها، لم يذكروا، ذُكِر عالم فقير رباني جليل زاهدٌ ورع، ذُكِر هؤلاء الذين رفعوا أنفسهم بدين الله جل وعلا، وسمت نفوسهم إلى أن ثبت بناؤهم على الأرض، فما مر جيلٌ من الأجيال إلا قال: هذا بناءٌ كان لفلان عليه رحمة الله. يقول إبراهيم بن أدهم في شأن هذا الكون، وشأن هؤلاء الناس الذين تراهم، وهذه أبيات أحب أن أكررها دائماً، أحبها وأحب أن أُسْمِع إخواني بها: إذا ما مات ذو علمٍ وتقوى فقد ثُلِمَت من الإسلام ثُلْمَهْ وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمهْ وموت فتىً كثير الجود محلٌ فإن بقاءه خصبٌ ونعمهْ وموت الفارس الضرغام هدمٌ فكم شهدت له بالنصر عزمهْ وموت العابد القوَّام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمهْ فحسبك خمسةٌ يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيفٌ ورحمهْ الخمسة الذين ذكرهم في الأبيات: العالم، المجاهد، العابد، الشجاع، الكريم. فحسبك خمسةٌ يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيفٌ ورحمهْ وباقي الخلق همجٌ رعاعٌ وفي إيجادهم لله حكمهْ فيا إخواني الشباب! أيها الإخوة جميعاً: هل نحن من الرعاع، مثل البهائم؛ ثغت ورغت، وأكلت وشربت ثم ثلطت، وأخرجت ونُحرت أو ماتت! أم يكون لنا شأن! كم هدى الله على يدك من ضال؟! كم أسلم على يدك من كافر؟! وكم فرج الله على يديك من كربة؟! أين العمل؟! أين الجهد؟! أين البذل؟! وأقول في المقابل -أيها الإخوة- هناك أقوامٌ رءوسهم لامست السحب عزة وكرامة، وأناسٌ يقولون: نتوب أو لا نتوب! نترك أغاني، أو لا نترك، نترك المعاكسات أو لا؟! نسحب الثوب أو نرفع فوق الكعب لكي نطبق السنة! ننظر للنساء في التلفاز أو لا ننظر! لاحظ! الإنسان يريد أن يشتري الموت شراءً. من مدة كنت في أحد مكاتب الخطوط، جاء إليَّ شاب في وظيفة محترمة ممتازة قال: والله أنا أريد أن أذهب إلى أفغانستان، ولا أريد أن أعود أبداً. قلت: وما معنى هذا؟ قال: قبري هناك. سبحان الله العلي العظيم! بين شابٍ هذا شأنه، وآخر لا يزال في مفاوضات وعقد اجتماعات وقمم مع الشيطان: نترك نصف الأغاني أو ربعها؟ نسحب نصف الثوب أو بعضه؟ نشاهد المسلسلات أو لا نشاهدها؟ نترك الأفلام الماجنة أو لا نتركها؟ نترك الورق والعبث والبلوت والأشياء التي لا تليق أم لا؟ فسبحان الله! هذا المجتمع فيه طبقات متباينة، فانظروا أنتم مع مَن؟ ضعوا أنفسكم في المكان الذي يسركم ويشرفكم أمام الله أن تلقوه به. وختاماً أيها الأحبة: أشكر لله جل وعلا وحده ثم لكم على هذه الفرصة الطيبة المناسبة، وأعتذر أن تحدثت بين يدي أساتذتي، أو ممن هم في مقام الأساتذة والمربين، وما ذاك إلا لتفض

الأسئلة

الأسئلة

ثمرة العلم العمل

ثمرة العلم العمل Q كثيرٌ من الشباب وخاصة في المجالس يتكلمون عن دور المسلم، ولكن لا نرى منهم تطبيقاً إلا في القليل، وأحياناً يعلقون هذا الدور بالعلماء وكأنهم ليسوا مكلفين، فما هو رأي فضيلتكم أثابكم الله؟ A الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. ثمرة العلم: العمل. العلم يهتف بالعملْ فإن أجابه وإلا ارتحلْ لا بد من التطبيق، وكما يقول ابن عثيمين: والعلم إن كان أقوالاً بلا عمل فليت صاحبَه بالجهل منغمر لا شك أن من واجب المسلم أن يدعو إلى كل خيرٍ، وقد يقول البعض: إذا كنت لا أقول إلا ما سوف أطبق إذاً سأقتصر على حدود ما أطبقه أنا وحدي فقط، نقول: لا. أما الواجبات والمندوبات والسنن المؤكدة، فمن واجبك أن تطبقها وأن تعتني بها وأن تدعو لها، وقد يكون هناك من الآداب ما تضعف عن تطبيقها؛ لكن تُوَفَّق إلى تطبيق غيرها، لكن لا يمنع من أن تدعو إليها، فيفتح الله على قلب غيرك فتحاً يهيئ لهم العمل بما دعوت إليه.

أسباب الانتكاسة ووسائل الثبات

أسباب الانتكاسة ووسائل الثبات Q يلاحظ أن بعض الشباب يلتزم بطريق الحق بعد أن كان يرتكب بعض المعاصي، ولكن سرعان ما يعود إلى ما كان عليه، فأرجو منك بيان وسائل الثبات على طريق الحق. A والله -يا أحبتي- هذا مثلما قلنا، البداية العاطفية، جاء وأحضر له مصحفاً في رمضان، وقام يصيح، وصاح العالم، وتأثر لمدة وانتهت المسألة على هذا، مجرد عاطفة، أو تعرَّف على شباب: إني أحبك في الله، إني أحبك في الله، الله يجمعنا بك في الجنة، ويجعلني أراك في الجنة، وفقط، هل طلب علماً؟! هل حضر حلقة؟! هل وضع لنفسه منهجاً؟! هل اجتهد في حفظ شيء من القرآن؟! لأن العلم حينما تبدأ وتأخذ بأسبابه تستمر في طريق وفي رحلة طويلة بإذن الله جل وعلا تكون عاصمة من الوقوع في الزلل، لكن مجرد العواطف، الآن لو أعطيتكم قصة مؤثرة لتأثرتم، ولو أعدتها عليكم لكان التأثر أقل، وإذا أعدتها أربع وخمس وست مرات تصبح مملة، فتكرار العواطف شيء ممل؛ لكن حينما يكون العلم، ومع كل بادرة وجديدٍ وجديدة من جديد العلم عاطفة تحثه؛ نكون دائماً على زيادة علمٍ وزيادة عاطفة، فنستمر على هذا (ومن كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة) من الناس من يكون له ماضٍ عفا الله عنا وعنه، وسالف لا يسره أن يلقاه عند الله جل وعلا؛ لكن إذا تاب، فهو مثل قوم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: نريد أن نسلم لكن لا نقدر على دفع الزكاة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] يعني: إذا تُبْتَ إلى الله فتب توبةً كاملة، وليس هذا نتوب عنه وهذا لا نتوب عنه! وهذا شديد وهذا ضعيف، وهذا وسط وهذا زائد وهذا ناقص! لا. لابد أن تكون بدايتك جادة (من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة) أما أن يكون الإنسان بدايته ضعيفة هزيلة ثم يريد أن ينافس العلماء والدعاة، ويريد أن يكون أقواهم وهو ضعيف، فلا. تسألني أم الوليد جملاً يمشي رويداً ويجيء أولا هذا لا يمكن، لا بد من بداية قوية، بداية محرقة؛ لترى النهاية الوضاءة المنيرة المشرقة، وكما يقول الشاعر: وكل امرئٍ والله بالناس عالمٌ له عادة قامت عليها شمائلُهْ تعودها فيما مضى من شبابه كذلك يدعو كل أمرٍ أوائلُهْ البدايات تحدد النهايات في الغالب، العمارة ذات اثني عشر دوراًَ لو كانت القاعدة منحرفة سنتيمتراً واحداً لاتضح الانحراف جلياً في الدور العاشر، وانهارت العمارة، يعني: الذي يبني عمارة من عشرين دوراً وكان هناك انحراف في القواعد وهو بمقدار اثنين سنتيمتر -مثلاً- فإن الانحراف في الدور الأول ليس واضحاً، وفي الدور الثاني ليس واضحاً، لكن يكون الانحراف في الدور العاشر، حيث يتضح الميل الذي يئول بالعمارة إلى السقوط، فكذلك الذي تكون بدايته ضعيفة أو بداية خلل أو بداية انحراف، في السنة الخامسة في السادسة، بل في الشهر السادس أو الشهر السابع قبل وضع الحمل ينهار سريعاً. فلا بد أن يكون للإنسان بداية جادة، بداية منهجية، وإذا كنا نعرف أن الاقتصاديين، وذوي المشاريع يضعون الخطط الخمسية، والبرنامج الزمني لتنفيذ الخطة الخمسية، فأنت ينبغي أن تضع خطة خمسية وبرنامجاً زمنياً للتنفيذ، يعني عندك عام: (1410هـ) أو (1411هـ) ما هي قراراتك؟ أنت الآن وزير التخطيط في بيتك، أنت الأمير والملك والحاكم والخليفة ومجلس الوزراء في بيتك، تملك كل هذه الأمور في بيتك؟ الآن أمسك دور التخطيط، ماذا خططت في بيتك خلال سنة قادمة، ربما تبدأ السنة وتنتهي وعامٌ بعد عام، وما كأن الأعوام مرت! من تخطيطك على الأقل لنفسك خلال عام أن تحفظ ثلاثة أجزاء إن لم تكن من المتفرغين للحفظ أو من المهتمين، أو أربعة أجزاء خلال سنة كاملة، لا أظن أن هذا صعباً، اقسم ثلاثمائة وستين يوماً على عدد صفحات الأجزاء الثلاثة، ستجدها شيئاً سهلاً، وكذلك حفظ عشرة أو عشرين أو ثلاثين حديثاً، والصدقة بكذا، وزيارة مقدارها كذا، والارتباط بدرس أسبوعي لأحد العلماء في المسجد، أو درسين، وتجعل الجدول فيه مرونة متوافقة ومتناسبة مع ارتباطاتك وأعمالك الاجتماعية واشتغالاتك، فأنت حينما ترسم الخطة، وتبدأ تعيش في تنفيذها، وتحترم وقتك احتراماً جيداً؛ عند ذلك تخرج بنتيجة، لكن مجرد عواطف مع عواطف مع عواطف لا نخرج بنتيجة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أوَمِن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: أنتم يومئذٍ كثير لكنكم غثاء) والله إنك ترى الغثاء الآن في أبناء المسلمين. شابٌ مسلم قبل يومين كان يسجل في الكلية طلاباً، وإذا بأحد الطلاب الواقفين يقول: أعطِني حريتي أطلقْ يديَّا كان يغني لـ أم كلثوم، سبحان الله العلي العظيم! آتٍ إلى صرح علمي وكان يسجل له مواد تخصص دراسات إسلامية، والرجل مُقْذِع مع أم كلثوم. أمر هذا الدين يحتاج إلى قدرة، وإلى كفاءة وإلى بناء متين، الواقع -لا أقول هذا يأساً أو تيئيساً أو تقنيطاً- الواقع لا شك أن عليه ملاحظات كثيرة، نحتاج أن نرتفع بهذا الواقع، ما هو واقعنا؟ واقعنا الشخصي أضعف من أن نرتفع بواقعنا الحضاري والثقافي والأخلاقي والمعاملات إلى حد كبير، لِمَ هذا الضعف؟! نحتاج أن نبني، نحتاج أن نعمل، باحترامك لوقتك، واحترامك لنفسك، واحترامك لجهدك يجعل منك شيئاً، من الناس من يقول: أنا من أنا حتى أفعل؟! أنت كل شيء يا أخي. دواؤك فيك وما تبصرُ وداؤك منك وما تشعرُ وتزعم أنك جسمٌ صغيرٌ وفيك انطوى العالم الأكبرُ الإنسان يستطيع أن يحقق، ويستطيع أن يصنع إذا التزم بهذا الدين، وكان فعلاً محترِماً لنفسه ووقته، والله يسمع منه، الكافر إذا احترم نفسه صنع شيئاً، هتلر صرخ بـ النازية وأشغل العالم بها، كان طفلاً صغيراً علق صورته وعليها الزي العسكري والنياشين والبُرَيه، واستيقظ من النوم ووقف وضرب تحية جامدة لنفسه ثم خرج من الباب، احترم شخصه ونفسه، ولا أقول هذا مثلاً لأبناء المسلمين؛ لكن يوجد -أيضاً- هدفٌ للكفار، وهو في المسلمين من باب أولى، وُجِد من أبناء المسلمين من احترموا أنفسهم، واحترموا قدراتهم، وحققوا شيئاً. فلا بد أن تحترم وقتك وتحترم شخصيتك وتحقق، لا تقل: أنا لا أستطيع أن أفعل شيئاً. شرط العمل لهذا الدين: العلم ولو بمسألة واحدة، (نضَّر الله امرءاً سمع منا مقالة -لم يسمع كتاب العبادات كله أو كتاب المعاملات كله، لا، ولا مسألة واحدة- سمع منا مقالة فوعاها فبلغها كما سمعها فرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع). من أطرف وأجمل ما عرفتُ ما حدثني أحد الإخوة أن رجلاً كبيراً في السن كان لا يعرف من الحديث إلا أقل القليل، ويحفظ ما صح في آخر صحيح البخاري -وكل صحيح البخاري صحيح لا يشك أحد في هذا-: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) فكان ذلك الرجل الشائب الكبير الطاعن في السن إذا جلس الجماعة عنده في البيت يقول: يا إخوان! اذكروا الله وصلوا على النبي، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) فيسبحون الله ويحمدونه وينال أجرهم، يخرج من بيته يقابله أحد يقول له هذا الحديث، ويدخل على البقال، فيقال له: ماذا تريد يا أبا فلان؟ قال: تعال، فإذا دنا منه قال الشيخ: يقول صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) يعني: حيثما ذهب يدعو بهذه الكلمات التي علمها حتى مرض في آخر حياته، وفي مرضه الأخير يغشى عليه من السكرات، فأفاق من سكرة من السكرات، وإذ بالطبيب واقف فوق رأسه فأمسك بيد الطبيب قال: يا دكتور! يقول صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) ثم أدركته المنية وتشهد: أشهد أن لا إله إلا الله، وفاضت روحه إلى ربه، فتأثر ذلك الطبيب والتزم واستقام بسبب ذلك الموقف. فيا إخوان: دعوة الإنسان بما يعلم فيها خير عظيم، لكن مع الحرقة والإخلاص، والله جل وعلا ينفع ويحقق.

ليس من شرط الحق أن يقبله الناس جميعا

ليس من شرط الحق أن يقبله الناس جميعاً Q هناك بعض الشباب يقولون: إن توبة الشاب التي ذكرتها في شريط توبة صادقة لا تخلو من الزيادة والمبالغة، وإنه لا يمكن أن يحدث مثل ذلك، أرجو منك يا فضيلة الشيخ أن تجيب عن هذا؛ لأنه لو أن من لا يقتنع بصحته قد يؤثر على مَن سمعها وجزاك الله خيراً! A والله -يا إخوان- ليس من شرط الحق أن يقبله الناس كلهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ورأيت الأنبياء، ورأيت النبي ومعه الرجل) نبي مؤيد بالوحي، والمعجزة والكرامة من الله، ما تبعه إلا رجل؟! يعني: أهذا النبي يقول باطلاً، يقول كذباً؟! أيُعْقَل هذا؟! أبداً، هو يقول حقاً؛ لكن لم يتبعه الناس، يعني: ليس من شرط الحق أن يلتزم به الناس كلهم، من الناس من حقت عليه الضلالة، (ورأيت النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد) إلى آخر ما جاء. فحينما نورد قصة من الواقع: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176] {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111] في قصص الأنبياء السالفين عبرة؛ ولكن أمرنا أن نستلهم العبر لما يحدث: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا} [النمل:69] ننظر ماذا يحدث في هذا الكون ونعتبر بما حل فيه، والله جل وعلا يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21] وضرب المثل من الواقع أمرٌ مشهود: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت:41] {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة:26]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج:73] فضرب المثل والإخبار بالواقع أمرٌ شرعيٌ لا نزاع ولا جدال فيه. فإذا جاء من يصدق بمخالفات المطربين، وخرافات المشعوذين، أو من عَجَز عقله عن تصور توبة وأوبة وخشوع ورجعة إلى الله جل وعلا؛ إذاً من باب أولى أن يقول: أن قصة الغامدية وقصة ماعز التي حصلت كذب، إذا صح السند فما لك إلا التصديق، وأقل الأحوال إذا لم يطمئن قلبك للشيء فاسكت، اجعل غيرك يعتبر، وانظروا إلى هذه القصة، يعني: لا أنسب لي فضلاً فيها، الفضل لله جل وعلا، ثم لمن أخبرني بها، أنا مجرد ناقل، والذي أخبرني هو الذي عاشر القصة من أولها إلى آخرها، وهو ثقة ورجل صالح مستقيم ولا نزكي على الله أحداً. فيا إخوان حينما يوجد من يقصُر عقله عن تصور حقائق أكبر من شخصيته، هذا لا يلام، مسكين، يبقى على قصوره؛ لكن كم عدد الذين تأثروا؟ كم عدد الذين أعلنوا توبتهم؟ كم عدد الذين استجابوا؟ الحمد لله هم كثير، فلا يكون مثل هذا وغيره سبباً في التشكيك وعلى أية حال ليس من شرط الحق أن يقبله الناس كلهم.

حكم الوديعة إذا كانت منكرا

حكم الوديعة إذا كانت منكراً Q هذا شابٌ يقول: إنه يستمع إلى الأغاني وقد تركها على إثرِ سماع موعظة لأحد المشايخ -أثابهم الله- ولكنه محتفظٌ بالأشرطة ولم يكسِّرها، وقد أودعها عند أحد أصدقائه أمانة فيقول: هل عليَّ إثم بذلك؟ A لماذا أودعها؟! هل وضع له خط رجعة؟! تعرفون أن الأشرطة أمرٌ سهل، مجرد جهاز مغناطيسي يدخل الشريط من هنا ويخرج من هنا وجميع المادة الموجودة فيه تكون قد محيت وانتهت، فما عليه إلا أن يسجل على جميع المواد التي عنده مادة نافعة من كلام الله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ من المحاضرات والخطب والندوات، والأمور النافعة، والأناشيد الإسلامية، كل هذا فيه خير ويسمعه ويستفيد، أما أن يكسرها أو أن يتركها، فقد يأثم أنه أودع أمراً فيه منكر وقد يسمعه هذا، فعليه أن يستردها، وأن يحل محل المادة السيئة مادة طيبة نافعة، سئل فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان في مسجدنا في درس أسبوعي له بعد صلاة العشاء من يوم السبت، قيل: يا شيخ! إن صديقاً لي أودعني أشرطة فيديو خليعة -وكان درس الشيخ في كتاب العدة في باب الوديعة- وأنا التزمت الآن ولا زالت الأشرطة عندي، تبتُ إلى الله واستقمت والأشرطة عندي، وهذه وديعة، فقال الشيخ: امسحها وردها عليه، يعني: المنكر يُزال، والأمانة تعود، فهذا من أجمل ما سمعت.

بر الوالدين وحسن معاملتهما

بر الوالدين وحسن معاملتهما Q يلاحظ على بعض الشباب الملتزم حسن أخلاقه ومعاملته لزملائه وأصدقائه، إلا أنه مع والديه سيئ المعاملة غير مبالٍ بهم، فهل من كلمة توجه بها أمثال هؤلاء ممن فرطوا في بر والديهم وبيان عاقبة العقوق الوخيمة أثابك الله؟ A والله يا أحبابي إن مَن وُجِد أبوه أو أمه وهما في حال الكبر؛ خاصة إذا كانا عنده في بيته والله إنها كرامة ونعمة وفضل لا يحلم به، ولن يعرف ذلك إلا إذا فقدهما، هما بابان من أبواب الجنة، فمن شاء فليلزم ومن شاء فليترك، في بعض الآثار أن الأم إذا ماتت نادى منادٍ: ماتت التي كنا نكرمك لأجلها فاعمل صالحاً تكرم به. يا إخوان: الوالدان شأنهما عظيم، وقد قُرن حقهما بحق الله جل وعلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] شأنهم عظيم جداً جداً، والبعض يتعامل مع أبيه كمن يتعامل مع تحفة، على مرور الزمن أصبح شيئاً عادياً بالنسبة له، كما قيل لأحدهم: هذا أبوك؟ قال: من زمان وهو عندنا، يعني: مليت منه؟! لا. يا أخي نعمة من الله جل وعلا، أن تصبح كل صباح فتقبل جبينه وأنفه، أن تقبل حذاءه، أن تقبل ظهر كفه، أن تتلطف معه، وتخفض الجناح، وتليِّن العبارة له، وتقدم الطعام، ألذ ما تشتهيه إذا وقعت عينك عليه ووالدك معك في مائدة، أو على إناء، أن تأخذه وتقدمه له، وتقدمه لأمك، إذا اصطُفِيتَ بشيءٍ أو مُنِحتَ شئاً جميلاً فتذكر نصيب والدك ونصيب والدتك منه، يعني: تتبع هذا الرضا حتى تلقى الله جل وعلا بهذا البر، وما من عملٍ أسرع من أن يرى الإنسان بركته في الدنيا مثل بر الوالدين، وصلة الرحم، وما من عملٍ أسرع من أن يرى الإنسان شؤمه وعقوبته في الدنيا مثل: عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم. أنا أذكر من مدة أن رجلاً جاء إلى المسجد فقال: يا أخي! أنا ولدي فلان مع الملتزمين وفيه خير وديِّن. وما هي المشكلة؟ لكن لا أراه، لم يعطنا وجهه أبداً، ما هذا الدين الذي عنده! أنا أعرف أن الدين بر ولطف ومعاملة. لكن لا بد أنك تحلم عليه وتصبر عليه، والحمد لله ولدك خيرٌ من كثير من الفساق الفجرة، أو من الذين تورطوا وشوهوا سمعتهم وأسرهم بالمخدرات والفساد والأمور الخبيثة؛ لكن عليك أن تنصح بالتي هي أحسن، أو توجه من حوله لأنه لا يزال تحت تربية مَن يؤثر عليه، فتنال إن شاء الله حسن بره وحسن صلته. فأوصي نفسي وإخواني: عاملوا آباءكم وأمهاتكم كما يعامل خدم الملوك الملوك، إذا أراد الملك أن يخرج من الباب تجد ستين ممن يقدم حذاءه، أنت قدم حذاء والدك، قبِّل يده إذا سلمت عليه، إذا كان في مجلسٍ إياك أن تكون في الصدر وهو في طرف المجلس أو في جنبات المجلس، هو الذي يكون في الصدر، تُفْسح له، تقدمه في خروجك، تحمل الثقيل عنه، لا يمكن إلا أن تعامله كما يعامَل الملوك في الحاشية، هذا خيرٌ لك، وستجد ذلك عند الله جل وعلا.

الوسائل المساعدة على قيام الليل

الوسائل المساعدة على قيام الليل Q وهذا سائلٌ يسأل عن الوسائل المساعدة على قيام الليل يقول إنه حاول لكنه لم يتمكن! A والله يا أخي! لا أقول: (فاقد الشيء لا يعطيه) لكن الله يرحم الحال! لكن هنا سؤال لمن يسأل عن هذا الأمر: هل يشعل النار بعد صلاة العشاء ويقطع الصدر، ويشوي، ويلاحِظ هل أنه استوى من هنا أو من هنا؟ يعني: أن الذي يريد أن يقوم الليل عليه أن ينام مبكراً، ويستعد لقيام الليل، تجد الواحد من السهولة عليه أن يجلس ساعة وساعتين يحدث فلاناً وفلاناً، والله يا إخواني نتحدث عن عيوب أنفسنا، وإذا جاءت ساعة يريد أن يصلي فيها ركعتين، أو يوتر قبل بزوغ الفجر، أخذ يتقلب ستين قلبة على فراشه القطيفة، ما طلع ليصلي، وما قام ليصلي، مصيبة والله! ولو نام مبكراً متوضئاً طاهراً استعان بالله جل وعلا، لكن أصبح السهر بعد العشاء مصيبة لا يمكن أن ننفك عنها أبداً، حتى أن البعض لو أراد أن ينفك ما تركه الناس، يُعَلَّقُ هذا البوري قليلاً، مرتين وثلاث فتبلغ هذه الضربة نشوة في نفسه فينزل فوراً ناسياً ما أراد وما خطط أن يفعله. فالذي يريد أن يقوم الليل -لا شك- الذي أراد أن يقوم من باب أولى أن يكون حريصاً على صلاة الفجر مع الجماعة، وهذا أمرٌ مفروغ منه، لكن أقول: إذا نام مبكراً فإنه سيحصل خيراً إن شاء الله، وعليه أن يهيئ الجهاز المنبه وأن يستعين ببعض العبادات إذا عجز عنها، وأن يتعاون مع بعض إخوانه، يعني: إذا لم يحب أن يصوم وحده ويصعب عليه فحوله أربعة أو خمسة من الجيران والشباب: يقول لهم: ما رأيكم أن نصوم الإثنين القادم؟ اتفقنا، استعنا بالله. فاجتماعكم على هذه العبادة لا يُعَد رياءً ولا يُعَد بدعة، أعان بعضكم بعضاً على عبادة مشروعة، كذلك قيام الليل، إذا أردت قيام الليل وتريد من يعينك على هذا ابحث عن أقرب أحبابك وإخوانك في الله، فتتعاون أنت وإياه على ذلك، إذا جاء قبل الفجر بساعة؛ كلٌّ نزل والتقيتم بالمسجد المجاور أو في مكان أحدكم، وصليتم لله جل وعلا ما قُسِم لكم، هذا فيه خير عظيم.

التحذير من الفتن

التحذير من الفتن لا تخفى على مسلم تلك الفتن التي انتشرت في الأسواق، بل ودخلت إلى أعماق البيوت، حتى صار القابض على دينه كالقابض على الجمر، وفي هذه المادة زجر عن أسباب الفتن، وذكر لما يخرج الناس منها أو يقيهم الوقوع في أوحالها، فاقرأ لعل الله يوفقك إلى الخير.

معاني الفتنة لغة واصطلاحا

معاني الفتنة لغة واصطلاحاً الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، وإن من أجل نعم الله علينا أن تجتمع هذه الوجوه في هذا المكان الطيب المبارك لا ينتظر أحدنا ريالاً ولا ديناراً ولا درهماً (فتقول الملائكة: يا ربنا! اجتمع عبادك هؤلاء يذكرونك، ويسبحونك، فيقول الله جل وعلا: ماذا يسألون؟ فتقول الملائكة: يسألونك الجنة -والله ما جئنا إلا نريد الجنة، والله ما اجتمعنا إلا طلباً للجنة، والله ما ركعنا وسجدنا إلا ابتغاء رضوان الله في الجنة والنجاة من النار- فيقول الله جل وعلا للملائكة: وهل رأى عبادي جنتي؟ فتقول الملائكة: لا يا ربنا ما رأوها، فيقول الله جل وعلا: كيف لو رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد طلباً لها، فيقول الله جل وعلا: ومما يستعيذ عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يستعيذون بك من النار، فيقول الله جل وعلا: وهل رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: لا يا ربنا). ووالله ما اجتمعنا هاهنا إلا لنسأل ربنا النجاة من النار، نسأل ربنا النجاة يوم العرض الأكبر على الله، نسأل ربنا النجاة يوم يمر العباد على الصراط؛ منهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم من تدركه كلاليب جهنم فتخطفه إلى النار ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم يا مطلعاً على ما يعمل عبادك نشهدك ربنا أنا ما اجتمعنا هنا إلا لنستعيذ بك من النار ولنسألك الجنة، إنك هديتنا إلى الإسلام وما سألناك، فأعطنا الجنة وقد دعوناك، ونجنا من النار وقد رجوناك. تتمة الحديث -أيها الأحبة- يقول الله جل وعلا للملائكة: (وهل رأى عبادي ناري؟ فتقول الملائكة: لا يا ربنا، ما رأوها، فيقول الله جل وعلا: كيف لو رأوا ناري؟ -كيف لو رأوها وهي تجر بسبعين ألف زمام، لكل زمام سبعون ألف ملك، {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:12]- كيف لو رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد خوفاً وهرباً منها، فيقول الله جل وعلا: أشهدكم أني غفرت لهم). الله أكبر يا عباد الله! الله أكبر يا إخواني في الله! ليخرجن برحمة الله هذه الساعة من هذا المسجد شباب ورجال لم يكتب عليهم سيئة وقد غفرت لهم خطاياهم التي مضت (أشهدكم أني غفرت لهم) فتقول الملائكة: من بينهم في هذا المكان، وفي هذا الصف، وفي تلك الناحية، قوم ما جاءوا يستمعون الذكر، وإنما جاءوا لأغراض أخرى، فيقول الله جل وعلا: (ولهم غفرت أيضاً، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم). الله أكبر يا عباد الله! {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] من ذا الذي يتعرض لها؟ من ذا الذي يتعرض لنسماتها ونفحاتها؟ إن كثيراً من العباد عنها لفي غفلة. أيها الأحبة! لا أزال أكرر وأردد في كل مناسبة، أن حضور الندوات والمحاضرات في المساجد له شأن أبلغ من استماعها في الأشرطة والمسجلات، نعم، إذا فاتتك الموعظة، فينبغي لك ألا تفوتك الفائدة من سماعها، فتشتري شريطها فتسمعه، ثم تهديه وتدفعه إلى من لم يسمعه، ولكن الحضور له شأن آخر حيث تحضره الملائكة، ويذكر الله من حضره في ملأ أزكى وأعظم منهم، وتغشاهم السكينة، وتتنزل عليهم الرحمة، هذا أمر لا يكون في سماع الأشرطة في المسجلات، وعلى أية حال ففضل الله واسع. أيها الأحبة! الحديث كما تفضل الشيخ مقدم هذه المناسبة الطيبة جزاه الله خير الجزاء عن الحذر من الفتن، والفتن -أيها الأحبة في الله- تطلق ويراد بها معان عدة، يقول ابن منظور في لسان العرب: فتن من الفتنة، وهي: الابتلاء والامتحان والاختبار، وأصلها مأخوذ من قولك: فَتَنْتُ الذهب والفضة إذا أذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيد، ويقال: دينار مفتون، أي: مميزٌ، والله جل وعلا قد ذكر الفتنة في مقامات مختلفة، ومواضع عدة من كتابه، فمنها قول الله جل وعلا: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:13] أي: يحرقون. وترد الفتنة بمعنى الاختبار، وترد بمعنى المحنة، وترد بمعنى المال، وترد بمعنى الأولاد: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] وترد الفتنة بمعنى الكفر: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:191] وترد الفتنة بمعنى الناس، وترد الفتنة بمعنى المغالاة في الطلب، كقولهم: فلان رجلٌ مفتون بالدنيا، أي: مغال في طلبها، وترد الفتنة بمعنى الإعجاب، كما جاء في قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [يونس:85] أي: لا تجعل لهم نصراً علينا فيعجبون بهذه الفتنة وهي نصرهم علينا، وترد الفتنة بمعنى الوله والمحبة، إذا فتن الرجل بالمرأة وشغف بها حباً. فالفتنة يراد بها معان عدة من حيث اللغة، وإذا أردنا بحثها في مجال الاصطلاح والشريعة، فإنها تكاد تنحصر حصراً اجتهادياً في أمرين: فالأمر الأول: فتنة الرجل في ماله وأهله وولده، وما يعرض له في هذه الدنيا. والأمر الثاني: الفتنة بمعناها الأعظم وهي: ضياع الناس وهرجهم ومرجهم، وتخبطهم في بعضهم، وسفك دماء بعضهم لبعض، وغياب الإمامة العظمى، أو ضياع الخلافة أو الرئاسة والملك، فإذا وجد قوم بلا خليفة أو رئيس أو ملك، ثم تخبط بعضهم في بعض يقال: هؤلاء في فتنة، أي: أنهم ضاع أمرهم، وفتن بعضهم ببعض ولا حول ولا قوة إلا بالله، والفتنة واردة لهذه المعاني المجتمعه.

الأحاديث الواردة في الفتن

الأحاديث الواردة في الفتن تفضل مقدم هذه المحاضرة جزاه الله خيراً، بإيراد الحديث الصحيح، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل) هذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: إن بين يدي الساعة، أي: إن من مقدماتها، وإرهاصات ومقدمات نزولها وقيامها، أن توجد هذه الفتن، وهي الفتن التي نراها في زمننا هذا، فتن ماجت في الناس واضطربت، وتلاطمت أمواجها فيما بينهم، في أرحامهم، في آبائهم وأمهاتهم، في منازلهم، في أسواقهم، في مجتمعاتهم، فيما يسمعون، فيما يأكلون وفيما يشربون، فتن الناس بأعظم فتنة حتى شاع المتشابه بينهم، وقل الحلال عند كثير منهم، وأصبح الحرام سهلاً ميسوراً عند بعضهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً) وهذه الفتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، فاكسروا قسيكم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دخل على أحد منكم فليكن كخير ابني آدم، أي: فليكن كهابيل الذي تهدده أخوه قابيل بالقتل، فقال: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة:28 - 29] ولا حول ولا قوة إلا بالله! ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا ستكون فتن، ألا ستكون فتن، ألا ستكون فتن، فمن كانت له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، قيل: يا رسول الله! فمن لم يكن له إبل ولا غنم؟ قال: يعمد إلى صخرة فيدق سيفه عليها -أي: يكسر سيفه- ويعتزل هذه الفتن أجمع) وكان الصحابة رضوان الله عليهم وهم قريبون من عهد النبوة، وهم حديثو عهد بالنبوة يتساءلون فيما بينهم عن شأن هذه الفتن وعن أمرها. جلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم، فقال: (أيكم يحفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن؟ فقال حذيفة بن اليمان، وهو أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحدثك عنها يا أمير المؤمنين! فقال عمر: والله إنك لجريء، حدثنا عنها، فقال حذيفة: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: فتنة الرجل في أهله وولده وماله يكفرها الصلاة، والصيام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال عمر: ما عن هذا سألتك، وإنما سألتك عن الفتن التي تموج كموج البحر، فقال حذيفة: نعم يا أمير المؤمنين! وإن دونها باباً، قال عمر: أيكسر أم يفتح؟ فقال حذيفة: بل يكسر يا أمير المؤمنين! فقال عمر: لا أبا لك) وهذه الكلمة مما يرددها العرب ولا يقصدون معناها، كقولهم: تربت يمينك، أو ثكلتك أمك، أو لا أبا لك، مما يقال لفظاً ولا يقصد معنى. قال حذيفة: بل يكسر يا أمير المؤمنين! فعلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه بموته يقع في الأمة فتنة عظيمة، وسئل حذيفة رضي الله عنه هل كان عمر بن الخطاب يعلم أنه هو الباب؟ فقال حذيفة: نعم. إن عمر يعلم أنه هو باب الفتنة، أي: إذا قتل عمر فبعده ينفتح باب الفتنة، ثم بعد ذلك يموج الناس ويكون في شأنهم ما يكون، وفي هذا عبر ومواعظ، إذا حصلت الفتنة والناس بعد خليفتين من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ظنكم بالفتن في زماننا هذا. ولا أزال أسرد عليكم مزيداً من الأحاديث التي اخترتها في باب الفتن، قال حذيفة رضي الله عنه: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، قال حذيفة: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم. وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف فيهم وتنكر. فقلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم -هذا هو باب الفتنة- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا، فقال: نعم. أصفهم لك -يقوله النبي صلى الله عليه وسلم- قال: إنهم من جلدتنا -يلبسون هذه المشالح، ويلبسون هذه الثياب، وهذه الغتر والعقل، أو من سائر ما يلبس الناس من القمص وغيرها- ويتكلمون بألسنتنا. فقلت: يا رسول الله! فما تأمرني؟ قال صلى الله عليه وسلم: عليك بجماعة المسلمين، واعتزل تلك الفرق، قلت: فإن لم يكن للمسلمين يومئذ جماعة ولا إمام، قال: تعتزل تلك الفرق، ولو أن تعض بأصل شجرة) هذا حديث عظيم في باب الفتن. وكذلك الحديث الآخر الذي يرويه حذيفة أيضا لما سأله عمر في رواية أخرى عن شأن الفتن، فقال حذيفة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها -أي أنكر الفتن- نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر -أي: والقلب الآخر- أسود مرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً). أيها الأحبة في الله! الأحاديث في شأن الفتن كثيرة جداً، ولكن حسبنا أن نتأمل فقه ما أوردناه من هذه الأحاديث، أما الأحاديث الواردة في الفتن العظمى، فأنتم ولله الحمد والمنة في هذا المجتمع الذي تعيشون فيه لستم إلا في باب الفتن التي تعرض على قلوبكم في أعمالكم، وأولادكم، وأسواقكم، وأموالكم، ومآكلكم، وفي مشاربكم، أما الفتن بمعناها الأعظم وهو: القتل والهرج، وتخبط الناس في دماء بعضهم، هي واقعة في هذا الزمان، لكن هذا المجتمع بفضل الله قد سلم منها، ولا يشترط أن تكون السلامة برهاناً أو ضماناً لدوام سلامة المجتمع، فكل شيء جائز، وإن الأمور بأسبابها، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فإذا أخذ الناس بالأسباب التي تبعدهم عن الفتن حفظهم الله منها، وإن أهمل الناس شأنها تورطوا ووقعوا فيها، والأمثلة في ذلك كثيرة، انظروا الآن ما يدور في لبنان، والله إن الذي يحمل السلاح ويطلق النار لا يعرف لماذا يقتل؟! والمقتول لا يعرف فيم يقتل؟! وفي أماكن كثيرة من بلاد المسلمين القاتل لا يدري لم قتل، والمقتول لا يدري فيم قتل، وهذه من الفتن العظيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وفي بلاد المسلمين أمثالها كثيرٌ، إلا أن الله قد نجى هذه الرقعة وهذه البلاد من هذه الفتنة، ولا نقول ذلك مديحاً أو ثناء، وإنما هو إخبار بالواقع، والله جل وعلا يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]. ليس على الله ضمان للعباد أن يبقوا على ما هم عليه، بل إن الله جل وعلا جعل الأمور بأسبابها، بسنن كونية، فإن هم أطاعوه حفظهم وأعزهم، وإن هم ضيعوا أمره وكلهم إلى أنفسهم، وحسبك بامرئٍ هلاكاً أن يكله الله إلى نفسه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

تفاوت الناس في الإيمان

تفاوت الناس في الإيمان أيها الأحبة! ثم ندخل في باب الفتن التي تعرض لكل واحد منا في نفسه وأهله وماله وبيته، الفتنة كما قلنا في المقدمة هي من باب الامتحان، ومن باب الاختبار، ومن باب الابتلاء لكي يثبت من يدعي صدق الإيمان ممن يتزيا ويتزين به، ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، لو قلنا: من المسلم فينا؟ كلٌ يرفع يده، ونحن إن شاء الله مسلمون على التحقيق والتصديق. من المؤمن فينا؟ كلنا مؤمنون، الذي يثبت ويصدق برهان إيمانه أدنى فتنة؟ والله لتجدن القليل من البشر هم الذين يبرهنون على صدق إيمانهم عند الفتن. أيها الأحبة في الله! أبسط الأمثلة على ورود الابتلاء والامتحان والفتنة، كما في الحديث (تعرض الفتن على القلوب عوداً عوداً) وفي رواية: (عَوداً عَوداً) أي: مرة بعد مرة، هذه الفتن شبهت في صغر حجمها ودقتها، وتراص بعضها ببعض، كما يتراص أعواد الحصير في نسجه المتكامل، تعرض الفتنة على الواحد من بداية يومه حتى يمسي، فأول ذلك يوم أن يسمع داعي الله: حي على الصلاة حي على الفلاح، هذا نوع ابتلاء وامتحان، من الذي يغلب إيمانه وسادته وفراشه؟ إيمان لا يغلب الوسادة أحقٌّ أن يدعى إيمانا؟ إيمان لا يغلب الفراش والوسادة أيسمى إيماناً ويدعي صاحبه به ويتزين؟! كلا والله -يا عباد الله- هذا إيمان ضعيف جداً. نحن لا ننفي الإيمان بالكلية عن مؤمن من المؤمنين، أو مسلم من المسلمين؛ لأنه مهما ارتكب من المعاصي فلا يزول عنه الإيمان بالكلية، وإنما يقل الإيمان عنده إلى درجة قليلة جداً جداً، وهذا ما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما تكلم عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) قال: هذا الحديث لا يدل على أن الإيمان يزول بالكلية، أي: يصبح الإنسان فاسد الإيمان؛ لأننا لو قلنا: ضاع الإيمان بالكلية فمعناها أنه لم يعد يؤمن بالله ولا برسول الله ولا بالقدر والبعث، ولكن يقل الإيمان عنده إلى درجة قليلة قليلة جداً. فالناس يتفاوت الإيمان في قلوبهم بحسب نور لا إله إلا الله في قلوبهم ذاتها، بحسب نور هذه الكلمة في قلوبهم، فمن الناس من يغلب إيمانه على نومه، فإذا سمع داعي: حي على الصلاة حي على الفلاح: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] كان الفراش حريراً وثيراً، كان الفراش ناعماً، كان الضجيع جميلاً، فلما سمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح، انقلب الحرير جمراً، والنعومة خشونة؛ لأنه دعي إلى ما هو ألذ وأطيب، دعي إلى ساحات السجود والركوع، وإلى أماكن التسبيح والتهجد لله جل وعلا، وحضور الصلاة مع الجماعة: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16].

نماذج من السلف في صدق الإيمان والثبات عند الفتن

نماذج من السلف في صدق الإيمان والثبات عند الفتن نعم يا عباد الله! نحن ندعو ربنا خوفاً منه، وطمعاً في جنته، لا كما يزعم مخرفة الصوفية، يقولون: أنا أعبد الله؛ لأنني أحبه هو، ليس حباً في جنته أو خوفاً من ناره، بل أنا أحبه!! لا، لن نكون بأي حال من الأحوال أكرم وأطوع لله وأقرب من أنبيائه الذين أثنى عليهم بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء:90] رغبة فيما عندنا من النعيم، ورهبة فيما أعددناه للعصاة من الجحيم والعذاب. جاء أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أنا لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ؛ لكني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أعرابي! أنا ومعاذ حولها ندندن) نسأل الله الجنة وتعوذ بهم من النار. فيا أيها الأحبة في الله! من الناس من تغلبه فتنة النوم والفراش والضجيع، فلا يقوم ليسجد لله مع المصلين صلاة الفجر، أين دعوى الإيمان؟ أين الذين يرغبون في الجنان؟ أين الذين يريدون الفردوس؟ أين الذين يريدون لذة النظر إلى وجه الله الكريم؟ أين الذين يريدون شربة لا يظمئون بعدها أبدا؟ أين الذين يريدون أن يكونوا في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله؟ تريدون هذا كله ومع ذلك تأتون بإيمان يعجز أن يقاوم فراشاً ووسادة، غلبت فتنة النوم والوسادة والفراش على هذا القلب، حتى لان لها، وترك أمر الله تحت وسادته وظهره ظهرياً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! ثم بعد ذلك يصبح أحدنا ليتوجه إلى عمله أو إلى أي مكان آخر، فيدير مذياع سيارته، فإما أن يسمع كلام الله، وإما أن يسمع الغناء والطرب واللهو ومزمور الشيطان، هذه ثاني فتنة تقابلك، الفتنة الأولى جاءت إليك في الفراش، الفتنة الثانية موجودة في السيارة، أدرت مذياع السيارة، إما أن تسمع غناء، وإما أن تسمع دعاء وقرآناً وكلاماً يرضي الله جل وعلا، تبدأ الفتنة، الاختبار، الابتلاء، الامتحان، هذا الإيمان الذي ندعيه في القلوب، هل يستطيع أن يغلب موجة الإذاعة إلى إذاعة القرآن الكريم، أم أن الشيطان يغلب بهذه الفتنة صاحب القلب المريض؛ فيعود بهذه الإذاعة يمنة أو يسرةً حتى يبحث عن المزمار والطرب، وعن الملهاة عن ذكر الله جل وعلا؟ في الغالب عند كثير من الناس لا يحلو له النوم إلا على أنغام الموسيقى الهادئة، ولا يحلو له ركوب السيارة إلا على أوتار الأنغام الخالعة، ولا يحلو له النزول إلا على مثلها. الفتنة الثانية سهلة وبسيطة ويسيرة، ومع ذلك يدعي الإيمان ويعجز أن يختار كلام الله على كلام المطرب والمطربة والمغني والمغنية، فأين الإيمان؟ هل ثبت الإيمان أمام هذه الفتنة؟ هل ثبت الإيمان أمام هذا الابتلاء؟ لا والله هذا إيمان ضعيف، هذا إيمان مدخول، هذا إيمان فيه دخن ودخل. ثم بعد ذلك ينزل صاحب هذه السيارة إلى متجره أو سوقه أو عمله، فتقوده نفسه اللوامة إلى أن يخلص في العمل، إلى أن يغض بصره، إلى أن يحسن معاملته، إلى أن يتقي الله فيمن يقابلهم، لكن نفسه الأمارة بالسوء مع هذه الفتنة تغلبه، فلا يغض بصره، فأين الإيمان وهو لم يستطع أن ينتصر على نظرة، الفتنة غلبت دعوى الإيمان: والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء كلنا ندعي الإيمان، لكن أين الذي يثبته ويبرهنه؟ أين الذي يصمد إيمانه أمام المحنة؟

سعد بن أبي وقاص وثباته على الدين عند إسلامه

سعد بن أبي وقاص وثباته على الدين عند إسلامه آمن أحد الصحابة رضوان الله عليهم بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغته، وكانت أمه عنيدة، كانت عجوزاً كبيرة شمطاء، فلما علمت أنه آمن أرادت أن تفتنه وتصرفه عن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا ولدي! والله لا أستظل بظل، ولا أسيغ شراباً، ولا أذوق طعاماً، ولا أمشط شعراً، حتى تترك دين هذا الصابئ، أو أمضي على ذلك، أي: إما أن تترك دين محمد، وإلا فسأظل في الشمس، ولن أشرب شيئاً، ولا آكل شيئاً حتى تترك دين محمد، فالتفت إليها وقال: يا أماه! والله لو أن لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً، ما تركت هذا الدين، ولكن عودي إلى الظل فاستظلي، وكلي واشربي وامشطي شعرك، هذا أفضل لك أنك تعودين إلى الظلال وتأكلين وتشربين، وتربحين العافية، أما أنك تظنين بهذا الأسلوب أني سأترك دين محمد، والله لو كان لك مائة نفس ما تركت دين محمد. هكذا يصمد الإيمان أمام الفتن، هكذا تظهر دعاوى الإيمان ويظهر صدقها وبرهانها أمام الكير وأمام النار، أمام الصقيل الذي يظهرها ويميز صحيحها من سقيمها، وزائفها وصادقها من كاذبها.

خبيب بن عدي وثباته أمام فتنة قريش حتى قتل

خبيب بن عدي وثباته أمام فتنة قريش حتى قتل جيء بـ خبيب بن عدي، وصلب على خشبة، وجعلت سهام قريش تخطيه يمنة ويسره، يريدون أن يخاف، شخص لا حول ولا وقوة إلا بالله لو يصلب في هذا العمود، ثم يؤتى بأربعة جنود يطلق أحدهم رصاصة عن يمينه، ورصاصة عن يساره، ورصاصة فوق، ورصاصة تحت، هاه أتترك هذا الدين أو لا تترك هذا الدين؟ سيقول: يا جماعة موافق أطلقوني فقط، تجده ولا حول ولا قوة إلا بالله ممن لا يصدق في دعوى إيمانه، بل يتنازل عند أتفه شيء. جيء بـ خبيب بن عدي وصلب على خشبة، وجاءت قريش برجالها ونسائها وسفهائها، وجعلت السهام تتخطاه يمنة ويسره، فقيل له: أيسرك أن محمداً مكانك؟ معناها: دع محمد ينفعك، انظر ما أنت الآن فيه، وهكذا يأتي المرجفون المثبطون إذا وقع أحد الصالحين في نوع من البلاء أو الفتنة، إنسان قد يكون عنده أسهم ربوية، إنسان قد يكون عنده تجاره محرمة، ثم يأتي من ينصحه يقول له: يا أخي! اتق الله! فتنة المال لا تغويك، فتجد هذا الشاب أو هذا الرجل يبرأ إلى الله من الحرام، ويقنع بالحلال فيفاجأ بنوع ابتلاء وامتحان، فتصيبه فاقة وفقر، وقلة ذات اليد، فيأتي المرجفون الذين يتحدثون، دع دينك ينفعك، لو عندك أسهم في البنك، وأنت كل سنة تأخذ أرباحها، وتصرف على نفسك، وتسدد الكهرباء والماء والهاتف، وتصلح جميع هذه الأمور من هذه الأسهم، لكن دع هذا الذي ينصحك ينفعك الآن. جاءت قريش تقول لـ خبيب: هل يسرك أن محمداً مكانك؟ يختبرونه وفي نفس الوقت يعرضون بالنبي أمامه، فأخذ يضطرب ويبكي ويقول: لا، لا. ولا أن يشاك بشوكة في بدنه صلى الله عليه وسلم، لا أرضى أن يكون محمد مكاني، ليس في القتل بل في شوكة يشاكها في بدنه لا أرضى، وكان أول من سَنَّ سُنة ركعتي الشهادة؛ لأنه لما أرادوا أن يصلبوه، قال: اتركوني، ثم صلى ركعتين، تجوز فيهما، أي: أسرع، فقال: لولا أن تقول قريش: خاف من الموت، لأطلت في ركعتي هاتين، ثم قال أبياتاً: لقد جمع الأعداء حولي وألبوا قبائلهم واستجمعوا كل مجمعِ ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع نعم يا عباد الله! ثبت ذلك الصحابي حتى تخطفته الرماح والسهام، وأفضت روحه إلى بارئها، ثبت إيمانه، دعوى الإيمان خرج صدقها، وظهر برهانها، وهكذا ربى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته على إيمان يقاوم الفتن، أما إيماننا -أيها الإخوان- نسأل الله ألا يفتننا في ديننا. يا إخوان! مثلما يقول العوام: "الإيمان في القلوب" والله إن فُتِن لرأيت العجائب والمصائب ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا بليتم فاصبروا، لا تتمنوا الفتنة واسألوا الله العافية، لا ينبغي لأحد أن يعرض نفسه للفتنة ليقول: أنا أريد أن أعرف درجة نجاحي في الإيمان، لا، لكن الإنسان يصدق في دعواه مع الله جل وعلا، وينتبه لنفسه فذلك خير له.

عبد الله بن حذافة وثباته أمام مغريات ملك الروم

عبد الله بن حذافة وثباته أمام مغريات ملك الروم أحد الصحابة أسره أحد ملوك الروم أو الفرس وهو عبد الله بن حذافة السهمي فلما جيء به أرادوا أن يفتنوه، قبضوا عليه، وهذا من لؤم وشؤم وخبث الكفار؛ لأنه كان معروفاً أن الرسل لا تقتل، المرسول والمندوب والسفير لا يتعرض له أحد، فجيء به ليفتن في دينه، قالوا له: تترك دين محمد؟ قال: لا. فحثوا التراب على رأسه إهانة له، ومن الناس من تؤذيه الإهانة المعنوية أشد من الإهانة الحسية، ومع ذلك رفض، أخذوا يعرضون عليه المال، النساء، المنصب إلى غير ذلك، فرفض، فأمر ذلك الملك رجاله بأن يجمعوا ناراً عظيمة، ويضعوا فوقها قدراً كبيراً فيها زيت يغلي، قيل: ارموا بهذا الرجل في هذا القدر الذي يغلي بالزيت، إما أن يتنازل عن دين محمد وإلا فارموا به في هذا القدر الذي يغلي بالزيت، فلما جيء به إلى هذا القدر الذي يغلي بالزيت ويتقلب، بكى ذلك الصحابي رضوان الله عليه. فقال الملك: قفوا لا ترموه، ائتوني به، قال: بلغنا أنك بكيت، أترجع عن دين محمد؟ قال: لا والله، قال: إذاً لماذا بكيت؟ قال: تمنيت أن لي مائة نفس كلها تموت هذه الميتة! الله أكبر، انظروا عظم الإيمان. وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام النفس الكبيرة عنيدة عظيمة قوية، لا يمكن أن تتنازل على مكافئات أو أموال أو نقود أو سيارات أو مراكب أو توافه، لا. فلما سمع الملك قول عبد الله بن حذافة، مائة نفس تتمنى أن ترمى في القدر نفساً بعد نفس قال: إذاً تقبل رأسي وأعفو عنك، فقال عبد الله بن حذافة: وتعفو عن أصحابي؟ قال: نعم، فوافق على أن يقبل رأسه، فلما عادوا إلى عمر بن الخطاب، علم أن عبد الله بن حذافة ما قبل رأس هذا الرجل وهو يريد السلامة لنفسه، وإنما قبل رأسه من أجل إخوانه من الصحابة، فقال عمر: حقٌ على كل واحد منا أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، فجاء الصحابة رضوان الله عليهم، وقبلوا رأسه واحداً بعد الآخر. أيها الأحبة! الإيمان يثبت عند المحن، يظهر عند الابتلاء، وانظروا الفارق؛ رجل يمتحن إيمانه عند قدر يغلي بالزيت والماء، وآخر يبتلى في إيمانه إلى حد قطع الرقبة وتناوش السهام والرماح له يمنة ويسرة، وآخر يبتلى ويفتن في إيمانه عند وسادة وفراش، فهذا يغلبه الفراش والوسادة، وهذا ينتصر على القدر والعذاب والترغيب والترهيب! أيها الإخوة! الفتن ماضية، والواقع مليء بهذه الفتن، يفتن الرجل الآن في ماله، يقال له: تعال يا فلان! ومن قال لك إن الربا حرام؟ لقد لقينا الدكتور: فلان بن فلان وهو سعودي يقول: إن الربا حلال، فلا تصدق هؤلاء العلماء والمشايخ؟ فيبدأ الرجل تدخله الفتنة، فيقول: إي والله الدراهم المودعة عند المصرف الفلاني، لماذا نودعها بدون فوائد؟ فلابد من أن نجعل لها فوائد، وكما يقول الناس: (ضع بينك وبين النار مطوع) ألم يفت بجوازها الشيخ الفلاني من الأزهر وبهذه الطريقة يفتن الرجل في هذا الباب، فتغلبه فتنة الريال والدينار والدرهم، فيضع أمواله في حساب الفوائد، يصبح حساب وديعة لأجل، إما وديعة متوسطة الأجل، أو وديعة طويلة الأجل، أو وديعة قصيرة الأجل، ونسبة الفائدة بحسب مدة الوديعة، ثم بعد ذلك يأخذ منها. ثم يقال: أي نعم، هذه هي الحياة؛ لا تتعب نفسك ولا هم يحزنون، إذا دارت السنة فاذهب لتأخذ أرباحك، واصرف على أولادك، وجدد سيارتك، وافعل هكذا وهكذا، ثم يفتن الرجل في هذا المال، فينساق لهذه الفتنة ولا حول ولا قوة إلا بالله! فتن عظيمة جداً، يفتن الإنسان فيما يعرض له في هذا الزمن -خاصة الشباب- بأمور المنكرات ومقدمات الفواحش، لا نقول الفواحش مباشرة، مقدمات الفواحش؛ لأنه لا يمكن أن يقع الإنسان في الفاحشة مباشرة، وإنما تكون درجات، يقول الله جل وعلا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32] لماذا؟ لأن الزنا لا يمكن أن يقع فيه الإنسان فوراً، وإنما درجات؛ مكالمة، ابتسام، غمز، التفات، كلام، سلام، اتصال، لقاء، ثم تقع الفاحشة ولا حول ولا قوة إلا بالله. يعرض على بعض الشباب فتنة بأن يسافر للدراسة في الخارج، يكون في إحدى الدول العربية في تجارة أو في علاج، يطرق الباب عليه، ثم بعد ذلك من عند الباب؟ فيسمع صوتاً ناعماً، ويعرف أنها باغية من البغايا، زانية من الزواني، فاجرة من الفاجرات، أفتح لها أو لا أفتح؟ سوف أفتح لها لأنظر ماذا تريد، أنت تعرف أساساً ماذا تريد بالضبط، يبدأ الإنسان يقلب إيمانه على جمر الفتنة، فإما أن يثبت إيماناً صحيحاً، وإما أن ينهار الإيمان، فينساق وراءها حتى يقع في الفاحشة إلى أقصى درجاتها وغاياتها. وقديماً قيل: الزنا أول امرأة، إذا وقع الزنا بالمرأة الأولى، صار أمر الزنا هيناً، وأصبح يتفنن صاحبه فيه، ويتفنن في تدبيره والتخطيط له، والإيقاع بالنساء فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما لم تدركه توبة صادقة نصوح، والخمر أول كأس، يجلس الإنسان مجلس رجال أعمال، كبار شخصيات، ثم تدار الكأس، يا أخي! على الأقل فقط ضعها أمامك، من أجل لا يقولون: هذا معقد، أنت لا تلاحظ أنهم ينظرون إليك، يا أخي! خذ ولو رشفة واحدة مجاملة، اليوم الناس (اتكيت وعلاقات) اليوم الناس مصانعة إلى غير ذلك، وهكذا قليلاً قليلاً حتى يهون عليه أمر الله من أجل إرضاء الفساق والفجار الذين هان عليهم أمر الله، ثم بعد ذلك نسوا الله فنسيهم. إذا نسي الله وذكر الذين أمامه أوكله الله إليهم، فقادوه إلى واد سحيق، وقادوه إلى هوة سحيقة من المعصية والضلالة، ولا حول ولا وقوة إلا بالله العلي العظيم! يوسف عليه السلام: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] امرأة ملكة عزيزة ذات منصب وجمال، هي سيدة القصر، تقفل الأبواب فلا يمكن أن يطلع أحد، هي التي طلبته وأرادته، لو امتنع تهدده، ومع ذلك غلقت الأبواب وتهيأت وأعدت كل شيء، قال: معاذ الله! لا يمكن أن أفعل ذلك، ولذلك: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله -وذكر منهم- شاب دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) ثبت الإيمان على جمر فتنة الجمال والإغراء والفاحشة، وغلب وسيطر فانتصر، فكان جزاؤه برحمة الله أن يكون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله.

محمد المسكي وثباته أمام فتنة الزنا

محمد المسكي وثباته أمام فتنة الزنا ومما قرأت من قصص التاريخ الواقعية أن شاباً يسمى بـ محمد المسكي، هذا الشاب كان شاباً وسيماً جميلاً، وكان يبيع المراوح التي تصنع من القش وغيرها، وكان يدور في السوق، فرأته امرأة وأعجبت به، وهي امرأة جميلة وغنية، فصاحت إليه: أعندك مراوح، قال: نعم. وكان شاباً تقياً يصنع هذه المراوح، ويبيعها ويأكل من عمل يده، فقالت: ادخل وأعطنا ما عندك، فلما دخل أغلقت الباب دونه، قالت: إما أن تفعل الفاحشة الآن، وإما أن أصيح بأهل السوق أجمع بأنك دخلت علي وهتكت ستري، وأردت الفاحشة بي، ثم بعد ذلك لا تخرج حياً أو ميتاً. فأصبح الرجل في مصيبة عظيمة، ولما أراد الله أن ينجيه، فتح له باب الصبر؛ لأن الصبر على المعصية أن تصبر حتى تتجافى وتبتعد عن المعصية، قال: نعم. إذا كان ولا بد فافتحي لي الحش حتى أتهيأ، لم يكن هناك حمامات، بل برج ويوضع فيه مخلفات الإنسان، وكان معروفاً قديماً، فلما فتحت الحش ودخل أخذ يفكر: إن زنيت بها فهي فاحشة وعصيان لله، وإن رفضت فضحتني أمام الأولين والآخرين، ومن الذي يصدقني وأنا الآن في بيتها، فجال بخاطره أن يفتح غطاء البرج والحش فيغرف من الغائط بيده، ويلطخ على رأسه وبدنه، فيخرج إليها بنتن الغائط حتى تتقزز منه، وتفتح الباب له وتجعله يخرج. ولما هم بذلك أصبح الأمر بالنسبة له صعباً، كل إنسان بطبيعة الجبلة يأنف من الروائح الخبيثة، فضلاً عن أن يمسها بيده، فضلاً عن أن يجعلها على رأسه وبدنه، ولكن غلب نور الإيمان على جمر الفتنة، فمد يده وأخذ يغرف من هذا الغائط، فلطخ رأسه وثيابه وبدنه، ثم فتح الباب وخرج فإذا هي تنتظره متزينة متعطرة، فلما رأت هيئته بهذه القذارة من الغائط والأوساخ، طردته ونهرته وفتحت الباب وأخرجته، فعاد متسللاً إلى بيته يسأل الله الستر ألا يراه أحد، وفعلاً وصل إلى بيته وأزال الغائط والأوساخ، فما أن انتهى حتى فاحت رائحة المسك من بدنه، وبقيت هذه الرائحة فيه حتى مات، واشتهر باسم: محمد المسكي؛ لأنه عوضه الله جل وعلا على أن تحمل هذا الأمر الذي لا ترضاه النفوس في سبيل ألا يقع في معصية الله، وألا يرتكب فاحشة من محرمات الله، فعوضه الله في ذلك عوضاً عظيماً، ولأجر الآخرة أكبر وخير.

سبيل النجاة من الفتن

سبيل النجاة من الفتن أيها الأحبة! الفتنة متهيئة للنفوس، النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن نستعيذ بالله من فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال، يقول البعض: أنا لو يخرج المسيح الدجال الآن عرفته ولا أصدقه، والله لو خرج المسيح الدجال ليتبعنه أقوام كنا نظنهم من الصالحين، نسأل الله أن يثبتنا وألا يفتننا. أضرب لكم أمثلة، رجل يقال أنه يداوي، يجعل طلاسماً وأوراقاً وأشياء، تجد الناس طوابير على بيته، يفتن الناس بالشعوذة، ويقبلون والعياذ بالله أموراً تخالف التوحيد، وتنافي كمال التوحيد، حبهم في العافية، وما جعل الله عند المشعوذين عافية، يجعلهم يفتتنون، ولا تثبت دعوى إيمانهم على نار الفتنة؛ فيصدقون بهذه الشعوذة؛ وهذه الأمور الشركية، ويقعون في ذلك ولا يمتثلون. أنتم تسمعون قصة البئر التي في حائل، هاجر الناس إليها أفواجاً وفئاماً وجماعات منهم من اعتقد بها، ومنهم من ظن أن بها جناً، ومنهم من ظن أن بها شخصاً، وأناس سافروا إلى شخص يدعى فلان بن فلان يداوي الناس، الناس عقولهم -إلا ما رحم ربك- عقول سخيفة، لا أقول سخيفة من باب الاستهتار والاستهزاء، لا، أي: يقال ورقة سخيفة، أي: ضئيلة، يصدقون ويتعلقون بأتفه شيء. إذا خرج الدجال ومعه من المعجزات كأن يقطع الرجل نصفين ثم يعيده يمشي من جديد، ويقطع رقبة الرجل فيريك الرقبة في مكان والجسم في مكان، ثم يدعوه ويقول: يا فلان! قم، فتقوم الرقبة والرأس إلى الكتف، ويقوم الرجل يمشي، يأتي إلى الخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، الأمر عجيب. إذاً الناس قد تهيئوا للفتنة، ولا سبيل إلى الحذر من الفتن، إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عضوا عليه بالنواجذ، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بلغية ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصينا قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي؛ عضوا عليها بالنواجذ) تمسكوا بها (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله). فتمسك الناس بالكتاب، وتطبيقهم للسنة، وتمحيص دعوى الإيمان عند المرتشين أين هي؟ دعوى الإيمان عند الذين لا يحضرون الجماعة أين هي؟ دعوى الإيمان عند الذين يأكلون الربا أين هي؟ دعوى الإيمان عند أفلام الفيديو الخليعة، أفلام المصائب والعري والكشف أين دعوى الإيمان عندهم؟ دعوى الإيمان عند من يعاقرون الخمور ويحضرون مجالسها أين هي؟ دعوى الإيمان عند من يرابون أين هي؟ دعوى الإيمان عند من يعقون أين هي؟ دعوى الإيمان عند الذين يعادون الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أين هي؟ دعوى الإيمان عند الذين يبغضون الدعاة ويتقربون بسبهم وشتمهم والاستهزاء بهم أين هي؟ يا إخواني! والله إن الإيمان في هذا الزمان يكاد يكون دعوى لا صحة لها؛ لأن أفعال العباد تخالف وتناقض، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الأسئلة

الأسئلة

فتنة الرياضة وكرة القدم

فتنة الرياضة وكرة القدم Q يقول السائل: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والله إني لأحبك في الله، ما رأي فضيلتكم في فتنة الرياضة وبالأخص كرة القدم، وأيضاً مشاهدتها أثناء تأدية الصلوات، أفيدونا أثابكم الله عز وجل؟ A لا شك أن الرياضة في هذا الزمان فتنة، وكل شيء يخرج بصاحبه عن حده فهو فتنة، وإذا كان تعامل الإنسان معه على حد معقول مسموح به شرعاً فلا حرج إن شاء الله، فتن كثير من الشباب في الرياضة إلى حد أنهم تركوا الصلاة، ينظرون على المدرجات، تحرق الشمس وجوههم وجباههم، والعرق يتقاطر على أبدانهم، ومع ذلك يتركون الصلاة من أجل الرياضة، لكن هذا والله هو عين الفتنة. لكن أيها الأحبة! لنا تعليق على مسألة الرياضة، نحن لا نقول: الرياضة حرام، حتى لا يظن بعض الذين يستهزئون بالملتزمين الصالحين أن المطاوعة معقدون كما يقال أو متشددون، أو لا يعرفون لعب الكرة، أو يحرمونها، لا أحد يحرم عليك شيئاً أباحه الله أو الأصل فيه الإباحة، ولكن الرياضة نافعة، وعلى الأقل فإنها مشغلة للوقت خير من أن ينشغل الإنسان بالفساد والمخدرات والانحراف والاختطاف والجرائم والإفساد والتخريب، ومع هذا أيضاً إذا قعدت بك من أجل أن تتابع الهدف الثاني من الذي يسجله عن الصلاة فهذه فتنة، إذا عرضت وقت الصلاة فهي فتنة، إذا جعلتك تطلق زوجتك من أجل هذا الفريق وهذا الفريق فهي فتنة، وهذا حصل. إذا جعلت الإنسان يحدث السباب والفسوق بينه وبين إخوانه المسلمين فهذه فتنة، فالرياضة كغيرها من الوسائل التي يقضى فيها الوقت، لا يمكن أن نقضي الوقت كله في الرياضة، ولكن لها وقتها المحدد، ترويح عن البدن لا بأس، لكن باللباس الساتر، في الوقت المناسب، من غير تضييع للعبادة، بالآداب والأخلاق الإسلامية، لا أحد يمنع من ذلك، وكل شيء خرج بصاحبه عن حده فهو فتنة ولا حول ولا قوة إلا بالله!

فتنة المجلات الخليعة والأفلام الهابطة

فتنة المجلات الخليعة والأفلام الهابطة Q فضيلة الشيخ تكاثرت الأسئلة حول فتنة النساء فحبذا لو أنكم علقتم على هذه الفتنة، وأيضاً فتنة المجلات الخليعة والأفلام الهابطة؟ A أما النساء ففتنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) فسماهن النبي صلى الله عليه وسلم فتنة، وهن والله فتنة. يفتن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا هن ضعيفات، لكن كيدهن عظيم، يفتن ويفتتن أيضاً؛ لأنهن ضعيفات: فاتقوا الله في قلوب العذارى فالعذارى قلوبهن هواء نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء هن ضعيفات فاتنات مفتتنات، ولكن فتنة النساء هذه من عدة جوانب: الجانب الأول: أما بالنسبة للرجل فالذي ينبغي لك غض بصرك؛ لأن فيه لذة وراحة وعزة، حين أن تدخل السوق أو تدخل المستشفى، فما أن تغض بصرك حتى تشعر أن هامتك فوق مستوى هذه الأجسام التي أمامك، أجسام حرم الله عليك أن تنظرها، فأنت ترتفع بنفسك، تشعر في نفسك بعزة، وتشعر في خطواتك بسمو؛ لأنك اتبعت أمر الله جل وعلا. كذلك ينبغي للإنسان ألا يتهاون بالنظرات؛ لأن فتنة النساء أولها النظرة. كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر ويقول ابن القيم مما أودعه في كتابه: إغاثة اللهفان، قال: وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر إذا كنت تقدر على هذه المرأة التي أنت تراها فتذكر أنها ليست بحلال لك، والنظر لا يشفي غليلك؛ إذاً ستتعب قلبك، وتنهك فؤادك، ولا تخرج بنتيجة، وقال عبد الله بن المبارك: اترك فضول النظر توفق إلى الخشوع، وهذا والله حاصل، فمن غض بصره وجد حلاوة في قلبه كما في الحديث (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركه مخافة الله؛ أورثه الله حلاوة يجدها في قلبه إلى يوم القيامة). فالرجل والمرأة كل منهم مأمور بغض بصره. فإذا عرفت ذلك فإنك تغض نظرك عن المرأة، سواء رأيتها في المستشفى، أو في السوق، أو في أي طريق، أو في التلفاز، بعض الناس يقول: ليس فيها شيء، لا تصبحوا معقدين أنتم يا المطاوعة، ففلم السهرة برنامج ممتاز، وفيه بعض الممثلات، ونحن قاعدين نشرب الشاي أو نتعشى وليس في ذلك حرج، لماذا هذا التعقيد كله؟ نقول: أمر الله ليس فيه تهاون: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:31]. أقول لك شيئاً: لو قلنا لك: إن رجلاً ينظر إلى زوجتك من خلال زجاجة، وابنتك وأختك يتفرج عليها هذا الرجل، فهل توافق؟ وأين الحمية والدين؟! أليس في قلبه إيمان؟ كذلك أنت أين الحمية والدين؟ أما أولئك الممثلات العاهرات الفاجرات، اللائي لا يخرجن إلى مستوى النجوم ومستوى التمثيل إلا بعد أن تباع الأعراض، والله ما تصعد ممثلة ترونها إلا بعد أن يخلو بها المخرج، والممثل، وصاحب السيناريو، والمونتاج، والمكياج، والماكيير، والباذيكير إلى غير ذلك، كل منهم يأخذ نصيبه منها، لو كانت امرأة عفيفة ما عرضت هذا اللحم والزند والساق والوجه والنحر وغيره لآلاف المتفرجين، لكن المصيبة أن هؤلاء ينسبون إلى الإسلام، نسأل الله أن يبصر الجميع بدينهم الحق. فغض البصر ليس فقط في الشارع أو في المستشفى أو عن بنات الجيران، لا، غض البصر عن الصورة في المجلة وفي التلفاز، هذا أمر الله جل وعلا، ومن الشباب من تتعجب منه، يقول: فلان استقام والتزم وهداه الله، يا أخي! هل أنت تصبر، ولا تشاهد التلفاز؟ وهل هو طعامي وشرابي؟ وهل هو نفسي؟ وهل هو تسبيحي؟ وهل هو ذكري وعبادتي؟ لا وألف لا، وإذاً أنا في غنىً عنه بالكلية، إذا حصل لي من هذا التلفاز ضرر فإخراجه من البيت أولى، إذا تحقق لي الضرر من وجوده فإخراجه من البيت أولى، أما إذا كنت تقول: والله أنا محتاج إليه، أتابع الأخبار، لي وضع معين، وأتحكم في الجهاز فأنت وشأنك هو جهاز كسائر الأجهزة، إما أن تسمع محاضرة أو أغنية، فإذا استمعت فيه واستفدت منه فيما ينفعك فأنت وشأنك فيما ذكرت.

المخرج من الفتن

المخرج من الفتن Q يقول السائل: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فالفتن كثيرة كثيرة جداً، و Q وما هو الحل والخلاص من هذه الفتن، سائلك بالله إلا أجبتنا عنها وجزاكم الله خير الثواب؟ A من سألكم بالله فأجيبوه، ولا يسأل بوجه الله إلا الجنة، الفتن لا شك أنها كثيرة، والعصمة منها كما قلنا بالتمسك بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا بد من معين يعينك على حفظك من الفتن؛ لأن الفتن متجددة بألوان براقة، دعايات وأشكال وألوان، وزخرفة وبهرجة، وأشياء متقلبة ينساق الناس وراءها، حتى أن بعضهم لا يعود يقيم لدينه وزناً أمام الفتن التي يراها. لذلك ينبغي أن نقول للإنسان: اعلم أن الله خلقك لعبادته، وكل أمر أشغلك عما خلقت له، فاعلم أنه فتنة، واعلم أن كل أمر أعانك على ما خلقت له، أو كل أمر يؤدي بك إلى أن تثبت أو تعين أو تهدي أو تدعو إلى ما خلقت له، فهذا أمر فيه خير إن شاء الله، لكن مع كثرة هذه الفتن لا ينجي منها إلا اعتزالها، ليس أن تذهب تضع لك خيمة في كيلو أربعين على طريق خريس وتقول: أنا معتزل الفتن، هذا من الحماقة، هذا من السفاهة، هذا من الجهل، لا أحد يظن أن هذا هو المنجى الآن، لا يزال في الناس بقية خير، لم ترفع السيوف بعد في وجه البعض، ولن يكون ذلك بمشيئة الله، مادام الناس على إمام واحد، وولاء وسمع وطاعة لكتاب الله وسنة رسوله، وأئمة المسلمين. لكن اعتزال الفتن، مثلاً فتنة الفواحش في دول الخارج، يأتي إنسان يقول: والله أنا سأسافر، فما هو الداعي إلى السفر؟ والله ما لي داعي إلا أن أتمشى، وأنا أحب أن أتعرف على كل شيء، وأنا واثق من نفسي أني لن أقع في فاحشة، نقول: لا. يا أخي، لست أنت الذي تمتحن إيمانك، لكن إذا عرضت المحنة والفتنة والابتلاء على إيمانك فأظهر صدقه، لكن إنسان يقول: أنا أسافر للخارج، إلى دول مشهورة بالدعارة والفساد، ويقول: والله أنا لم أذهب لأفسد؛ نعم. هناك جماعة يفسدون، لكن أنا ليس لي دخل بهم، ثم بعد ذلك تقول: أنا أثبت، لا. العصمة من الفتن بالابتعاد عنها، أنتم أين ذاهبون؟ ذاهبون مكة، الصلاة بمائة ألف صلاة؟! ذاهبون المدينة الصلاة بألف صلاة، ذاهبون لطلب علم! أليس هناك هدف إلا معصية الله جل وعلا؟ عليك الوزر في صحبة من يسافر لذلك، ولا يجوز لك أن تسافر مثل هذا السفر، لأن العصمة من الفتنة أن تجتنبها، وأن تبتعد عنها. أما إنسان يقول: لا، أنا أسافر وأعصم نفسي فحاله: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء شخص جئنا وكتفناه بملابسه، ورميناه في البحر، وقلنا له: لا يأتي فوق ثوبك ماء، أيعقل هذا الكلام؟ لا يعقل هذا الكلام. نلقيه في البحر ونقول له: لماذا في ثوبك ماء؟! وكذلك الذي يزج بنفسه في الفتنة، ثم يقول: أنا ما يأتيني شيء، لا، كثير من الشباب يمن الله عليه بالهداية، ويبقى له شلة من الجلساء السابقين، يقول: أنا لم أعد أدخن مثلهم، ولا ألعب البلوت مثلهم، لكن فقط آتي لأحضر الجلسة، انظر يا أخي! إن المرء من جليسه، والطبع استراق، والله ليعودن تأثيرهم عليك من جديد. فالعصمة من الفتن بكتاب الله وسنة نبيه، واعتزال الفتنة، فبدلاً من الجلوس في الشيشة والقهاوي اجلس في حلقة من حلق الذكر، وروضة من رياض الجنة، وبدلاً من ضياع الوقت في السهر زوجتك أولى بك، أطفالك أولى بك، وحديثك معهم أولى بك وهو عبادة، ورضاً لله جل وعلا، وكسب لسعادتك في حياتك الزوجية، بدلاً من ضياع الوقت واللف والدوران يميناً ويساراً، اذهب فاشتر لك شحنة بطاط أو بطيخ وبعها لتعود بكسب حلال، وقد آجرك الله على ما فعلت، وهذه من أعظم النعم. بدلاً من ضياع الوقت في الأفلام والمجلات الخليعة، استمع إلى الأشرطة النافعة، الجلساء الطيبين الصالحين، المحاضرات، المنتديات النافعة، ففي هذه خير عظيم، فالاعتصام بالكتاب والسنة، والابتعاد عن الفتن كله مما يرضي الله جل وعلا، ولذلك الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً، وجاء إلى راهب، وقال: هل لي من توبة؟ قال: لا، فذبحه وقال: وأنت تمام المائة، ثم ذهب إلى آخر، قال: هل لي من توبة؟ قال: نعم. من ذا الذي يغلق باب التوبة؟ لا يمكن أحد أن يغلق باب التوبة، إني أوصيك أن تلحق بأرض كذا وكذا، فإن فيها أقواماً يعبدون الله، جعله يترك أرض الفتن والمعاصي والجرائم، ليلحق بأرض فيها من يطيع الله، فمن ضعفت نفسه عن محاربة ومجاهدة الفتن من حوله؛ فعليه أن يعتزل مجتمعه وجلساءه وأصدقاءه وزملاءه من معاملاته والوسط الذي يعيش فيه. والله إذا كان جيرانك من شلة السوء فلك أن تبيع هذا البيت، وتنتقل إلى حي فيه من الصالحين من تجاورهم فيكون جوارك معهم على ما يرضي الله جل وعلا حتى تلقى الله، وإنما هي سنوات، ونفس يمضي ويعود، حتى تنتهي الحياة، وتتوقف ضربات القلب، وفجأة إذ بالإنسان ينتهي، فاحرص على ألا تكون فجأتك وساعتك في معصية اجعلها في طاعة الله.

حكم اللعب بالبلوت

حكم اللعب بالبلوت Q يقول السائل: فضيلة الشيخ، أما بعد: فأنا أحبك في الله، وأخبرك بأني شاب مغرم بلعبة البلوت، فما حكم لعبة البلوت؟ وما نصيحتك لي بذلك؟ A والله يا إخوان الناس في هذا الزمان فتنوا بما ضيع أوقاتهم، البلوت هذه فتنة، فلم السهرة فتنة، القهاوي هذه فتنة (وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) البلوت تفتتح بحمد الله والصلاة على نبيه؟ أجيبوني -يا إخوان- نعم أو لا؟ لا والله. ألبلوت فيها تسبيح وتهليل؟ لا. لا، البلوت فيها حسنات؟ لا، هل هي حق أم باطل؟ {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32]. كأن الإنسان إذا لم يلعب بلوتاً يريد أن يقطع الأبهر، وشريانه الأكبر في قلبه، سبحان الله العلي العظيم! هل لهذا خلقت؟ (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه) يا عبد الله! فلان بن فلان -يوم القيامة- أين أمضيت وقتك؟ يا رب! غلبناهم في البلوت خمسين مرة، أهذا جواب يقال لله؟! أهذا عمل يقابل به الله يوم القيامة؟! والله إن الإنسان ليستحي أن يلقى ربه بخزي من الأعمال، وندامة في خلقه ونفسه إذا قابل ربه بهذا العمل. طول النهار عبادة ولم يبق إلا هذا الوقت لكي يقضيه في البلوت؟!!! (حشفاً وسوء كيلة) طول النهار والإنسان في غفلة وفي بلوت يجعله متأخراً عن صلاة الفجر، زوجته المسكينة تتقلب في فراشها، كلما سمعت الباب قالت: وصل ما وصل؛ مصيبة! يأتي الصباح فتقول: قم اذهب بأولادك المدرسة، فيقول: سهران. أين سهران، أكنت تتهجد؟! لا. في البلوت. هذا الطفل يحتاج مراجعة المستشفى. سهران. أين سهران؟! في البلوت. هذا الأمر في المنزل يحتاج إلى إصلاح. دعوه ينام؛ لأنه أمس ساهر في البلوت. هذا لا يرضي الله جل وعلا. يا إخوان! الكلام في البلوت وفي كثير من التوافه التي وقع فيها كثير من الشباب، والله ليس البحث في جزئية البلوت، وإنما البحث في هذا القلب، هل استعبد القلب لله أم لا؟ هل عبد القلب لله أم لا؟ هل وظفت الجوارح في مرضاة الله أم لا؟ ثم بعد ذلك الكلام في البلوت فرع عن هذا، إذا صلح القلب وسلم وانقادت الجوارح لطاعة الله، لن يوجد عندك وقت لهذا البلوت وغيره، الواجبات أكثر من الأوقات، لكن لأن القلب سقيم، وجدت فجوات ودكاكين مفتوحة في القلب وفارغة، فلا عجب أن يدخلها الشيطان وأن تسكنها الأهواء والفتن. أما إذا امتلأ القلب بطاعة الله، فلا مكان لمعصية الله، إذا امتلأ الكأس بماء عذب زلال، فلا مكان لأن نضيف عليه ماءً أجاجاً ملحاً، لكن إذا كان القلب فارغاً، ضع في القلب بلوتاً وسهراً وشيشةً، وضع كل ما يتعاطاه الناس ويتداولونه في هذا الزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

حكم المشاركة في الشركات المساهمة

حكم المشاركة في الشركات المساهمة Q السائل يقول: فضيلة الشيخ! ما حكم الاشتراك في الشركات المساهمة، وهل يدخل فيها الربا، أفتونا أفادكم الله عز وجل؟ A الشركات المساهمة أنواع، فأما شركات تتعاطى وتتعامل بأعمال ربوية، فهذه لا تجوز، أو شركات خلت من هذه المعاملات فالمساهمة فيها جائز والله أعلم.

آخر الأحداث في أفغانستان

آخر الأحداث في أفغانستان Q السائل يقول: فضيلة الشيخ! بعض الإخوة يطلب من فضيلتكم أن تتكلمو عن آخر مجريات الأحداث في أرض أفغانستان المسلمة، لعل الله عز وجل أن يفتح بهذه الكلمة قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، فأفتونا أفادكم الله؟ A والله يا إخوان إن الحديث عن الجهاد والمجاهدين قد كثر وطال وتعدد وتنوع، أفغانستان أرض ملغمة، وبستان أُحرق، وبهيمة أُهلكت، ورجل قطعت، وعين سملت، ويد شلت، وطفل يتيم يصيح أين أبوه، وامرأة أرملة، وعجوز ضعيفة، وكهل لا حول له ولا قوة، هذه أفغانستان، زر، اذهب، انظر، اقرأ، هذا وضع أفغانستان، الأراضي مليئة بالألغام، المستشفيات مليئة بالمشوهين والمعوقين ومقطعي الأيدي والأرجل، الأيتام بالمئات بل بعشرات الآلاف، النساء الأرامل، الثكالى الشيوخ البيوت مهدمة، قد أهلك الحرث والنسل، وأفسد في الأرض، هذا وضع أفغانستان. تدبيج الخطب والعبارات، والله يا إخوان: لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان إن كان في القلب إسلام وإيمان، لا يسعنا إلا أن نخصص من رواتبنا دخلاً شهرياً للمجاهدين، الذي يؤلمه ما يدور لإخوانه المساكين في أفغانستان فلا يسعه إلا أن يخصص لهم دخلاً شهرياً في أفغانستان، نخصص راتباً للخادم أو الخادمة على أساس أن يلمع الأبواب والزجاج ندفعه شهرياً، ولا نستطيع أن نلمع قضية إسلامية، لا نثبت ولا نصمد أمام دعم شريعة وعقيدة ونظام ودولة إسلامية تقف أمام المد الشيعي، والشيوعي، والوثني، دولة أفغانستان إذا قامت دولة سنية، تقف أمام المد الشيعي في إيران، والمد الوثني في الهند، والمد الشيوعي في روسيا، مصلحة قيام أفغانستان أعظم مصلحة للمسلمين. فلا أقل من أن ندعمهم بأموالنا، لا أقل من أن نهتم بهم، وبالمناسبة -يا إخوان- ففي هذا الزمان الذي ظن الناس أنه سيضيع فيه الدين بالكلية عاد الناس إلى أصل الدين وهو الجهاد، وعلم الناس وعلمت دول العالم ودول الكفر العظمى أن المسلمين بدءوا يفكرون بالجهاد، وطبقوه عملياً وسيلة لاسترداد أراضيهم، ستين سنة مفاوضات مع بريطانيا وإسرائيل ما أرجعت فلسطين، هل نفعت المفاوضات؟ قرار الأمم المتحدة رقم (242) التراجع إلى ما قبل حدود (67م) الاعتراف بحدود (48) إقامة دولة في الضفة والقطاع، كلام جرائد لم نر فعلاً أبداً، لكن الجهاد في سبيل الله هو الذي يفرض. لما قامت حركة حماس في فلسطين انظر العجائب، لكن هناك عدم العلم الإعلامي، نحن لا ندري ماذا يدور الآن في فلسطين إلا من خلال بعض الأخبار البسيطة التي تصلنا، وما سوى ذلك لا نرى كل شيء بالتفصيل، الآلاف والملايين يذبحون ويقتلون في العالم، في دولة شرقية أحد الرعايا الأمريكان صدم كلبه، فتدخل السفير الأمريكي في تلك الدولة، وتابع القضية حتى حوكم الرجل، ودفع الغرامة والعقوبة، لماذا يدهس كلب الراعي الأمريكي، أصبح المسلمون أهون من الكلاب، لا حول ولا قوة إلا بالله! (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟ قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير، لكنكم غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا) أصبح الريال أهم من عشر رصاصات في قلوب الشيوعيين، الجيب هذا أحب إلينا نسقطه في الخبت، والله لو كان في القلب حياة لأمسكت راتبك وقلت: أين المجاهدون في العالم؟ انطلاق الجهاد في إريتريا المسلمة، إريتريا الآن عجزوا سنين طويلة، بناتهم يشردن ويغتصبن، ونساؤهم ينتهكن، عجزوا وهم يطالبون، يا مجلس الأمن! يا هيئة الأمم! المحافل الدولية! العالم! كلب يتدخل فيه السفير، إن مئات من البشر يموتون ولا أحد يتدخل، لم يلتفت إليهم أحد، فلم يروا إلا الجهاد سبيلاً لنصرة قضاياهم، فانطلقت الآن شرارة الجهاد في إريتريا. في الفليبين من سنوات طويلة، يوجد جبهة إسلامية في مندينار، وفي أفغانستان وفي فلسطين. أعداء الإسلام مستعدون لدعم المجاهدين حتى يقيموا دولة ويقفلوها عليهم، لو كان الهدف إقامة دولة سنية وتقف، انتهى الأمر، لكن الخطورة التي يسعى أعداء الإسلام لمناوأة ومعاداة الجهاد بسببها أن تنتشر عدوى الجهاد في العالم، فـ أفغانستان حدودها الشمالية المتاخمة لـ روسيا، قبائل الأوزبك والطاجيك المنتسبة للدول الشيوعية تقوم بالجهاد ضد الشيوعيين، وجميع الأمم والأقليات والشعوب المستضعفة تبدأ تنادي بالجهاد سبيلاً لتحقيق مطالبها ورغباتها، هذه العدوى الذي يخاف منها أعداء الإسلام. ولذلك يا إخواني ينبغي أن تخصص شهرياً مائة ريال أو خمسين ريالاً للمجاهدين في أفغانستان، وخمسين ريال للمتضررين في أفريقيا، للمسلمين في الفليبين لـ أريتريا، لو كل مسلم يدفع مائة ريال لحققنا شيئاً كثيراً، لو يتعطل المكيف، أو أتفه الحاجات الكمالية في البيت فإننا ندفع الآلاف حتى نصلحه، إذا انطفأت الكهرباء عشر دقائق، خرج الناس إلى الشوارع وأمرهم عجيب، فأين أنت من الذي يعيش بدون كهرباء ولا ماء ولا أمن ولا طمأنينة. فيا إخوان لا أقل من أن ندعم إخواننا في كل موقف ومناسبة، علم أولادك بدلاً من أن تعطيه عشرة ريال، أعطه اثنا عشر ريالاً، تقول له: خذ ريالين للمجاهدين، وعشرة لك، ازرع في قلبه حب الجهاد والمجاهدين، بقي من مصروفه شيء، تبقيه في حقيبتك أم تدفعه للمجاهدين؟ ازرع في قلبه حب الجهاد والمجاهدين، ازرع في قلبه حب البذل في سبيل الله، ازرع في قلبه حب شراء الجنة، بالنفس والنفيس والمال وكل شيء، فبذلك تنتصر الأمة. انتصر الرسول صلى الله عليه وسلم بأقوام افتدوا وبذلوا دماءهم وأموالهم وأرواحهم في سبيل الله، نحن نريد الجنة ولكننا لا نريد أن نضحي بأنفسنا، لا، الجنة تريد عملاً وتضحية وأداء، فلا أقل من أن نتبرع لإخواننا، وأرجو أن يقف عند الأبواب من يجمع تبرعاتكم جزاكم الله خيراً، ومن ثم تسلم إلى إمام المسجد وهو بدوره ينسق تسليمها إلى الجهات المعنية وجزاكم الله خيراً.

اعرف عدوك

اعرف عدوك إن العداوة سنة ماضية، ووجود الأعداء أمر محتوم فهناك عداوة الشيطان، وعداوة الإنسان نفسه لنفسه، وعداوة الزوجة والبنين والبنات هذا ما تحدث عنه الشيخ، ثم تحدث عن درجات العداوة، وذكر بعضاً من صورها، ثم ذكر أن وجود العداوة لا يضرنا شيئاً ما دمنا واثقين بالله وبنصره.

التذكير بعظمة الله تعالى وقوته

التذكير بعظمة الله تعالى وقوته الحمد لله، الحمد لله الذي لم يزل بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه وتعالى جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله إلى الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً. أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يا أهل هذه البلدة الطيبة! يا أهل القويعية! علم الله أنا نحبكم فيه، وعلامات المحبة بادية واضحة، ولعل التكرار على التقصير منا قد ظهر، وعلى أية حال فأقول كما قال القائل: يا رب لا تحرمني حبهم أبداً ويرحم الله عبداً قال آمينا إني والله أحبكم في الله، وما أرى الخطى في الطريق إليكم إلا كماءٍ عذبٍ رقراقٍ تدفق إلى قاعة من الصفاء والمودة، أسأل الله أن يجعل اجتماعكم وسعينا إليكم وجلوسنا وحديثنا وفائدتنا منكم أن يجعلها خالصةً لوجهه، كما أسأله سبحانه وتعالى ألا يجعل عملنا هباءً منثوراً، وأسأله بأسمائه وصفاته ألا يجعل أعمالنا كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً، وأسأله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ألا يجعل أعمالنا كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف. أيها الأحبة: لا تَنْفعِ اللهَ أعمالُنا، ولا كلامنا واجتماعنا، فالله غنيٌ عنا، كما قال ربنا في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما ضرني ذلك شيئاً يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما نفعني ذلك شيئاً يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ منكم، ثم اجتمعوا في صعيدٍ واحدٍ، فغفرت لهم، ثم سألوني، فأعطيت كل واحدٍ مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً). الله الغني، الله القوي، الله الجبار، الله القهار، الله المدبر، الله المتصرف، مكور الليل على النهار، مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ما يعبأ الله بكم، {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} [النساء:147]، {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77]، {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [محمد:38] وإن تتولوا لا تضروه شيئاً. يا عباد الله! فلنتذكر عظمة الله، ولنذكر عز الله وذلنا، وقوة الله وضعفنا، وغنى الله وفقرنا، وقوة الله ومسكنتنا، فإن هذا من أعظم أبواب العبودية. من أعظم أبواب العبودية -أيها الأحبة- أن نشهد الفرق في عظمة الخالق وانحطاط المخلوق، وقوة الخالق وذلة المخلوق، فمن تأمل هذا استحى من ربه، ومن عرف ذلك استحى من خالقه، ومن عرف ذلك كان لله في قلبه قدر ووقار، ولذلك قال نوح: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13] لقد كان عدم الوقار في قلوبهم لله سبباً أدى بهم إلى أن استغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكباراً، ولم يستجيبوا بعد أن دعاهم سراً وجهاراً وليلاً ونهاراً. أيها الأحبة: لا أطيل في هذه المقدمة، ولكن أود أن نشهد في كل مقام عظمة ربنا وذلنا وضعفنا اللهم إنا نتوسل إليك بقوتك وضعفنا، اللهم إنا نرجوك بقوتك وضعفنا، اللهم إنا نرجوك بحلمك وعلمك وقوتك، نسألك اللهم بعلمك الذي لم يسبق بجهلٍ، ولا يلحقه نسيان، ونسألك اللهم بحياتك التي لم تسبق بعدمٍ، ولا يلحقها فناء، نسألك اللهم بقيوميتك التي لا سنة فيها ولا نوم، نسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى في هذه الحلقة المباركة، والروضة الطيبة من رياض الجنة، إلا غفرت ذنوبنا، وسترت عيوبنا، وقضيت حاجاتنا، وكشفت ضرنا، وأجبت دعاءنا، وهديت ضالنا، اللهم من كان في هذا المسجد على ضلالة فاهده، اللهم من كان في هذا المسجد على بلوى فارفع عنه، اللهم من كان في هذا المسجد على مصيبة فاجعله يقلع، اللهم من كان في هذا المسجد على شر فاجعله ينزع، اللهم من كان في هذا المكان على أمر لا يرضيك فاصرفه عنه، واصرفه إلى مرضاتك يا رب العالمين.

التذكير بنعيم الجنة

التذكير بنعيم الجنة أحبابنا: من نحن بلا ربنا؟ من نحن بلا ديننا؟ من نحن بلا رسولنا؟ حياتنا هذه اجتماعٌ ينتهي إلى الفراق، ولذة تكدرها الأسقام، العافية والصحة يهدها المرض أرضاً، ويطرحها طولاً وعرضاً، قوتنا تفنى، وتبقى قوة الله لا تفنى أبداً، الشراب الذي نتمناه يتحول بولاً لا نطيق سماعه ورؤيته، والطعام الذي نأكله ينتهي إلى عذرة لا يطيق الرجل سماع اسمها وذكرها. تفكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراً جلل تفكر إذا أردت أن تعرف حقيقتك يا مذنباً يا ضالاً يا مقصراً يا متردداً، يا من تقدم خطوةً في الهداية وترجع خطوتين، يا من تشاور نفسك هل تلتزم أو لا تلتزم؟ هل تدعو أو لا تدعو؟ هل تستقيم أو لا تستقيم؟ تنصر دين الله أو لا تنصر دين الله؟ قبل هذا اسأل نفسك: من أنت؟ وما هي حياتك؟ فحينئذٍ والله لن تستكثر ما بذلته من نفسك ونفيسك، وغاليك ورخيصك، وأنت وأهلك وبيتك ومالك، لا تستكثرها لجنة عرضها السماوات والأرض، يقال لأهلها: خلودٌ ولا موت، ويقال لأهلها: يا أهل الجنة! إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، لا يمكن أن يأتي الطبيب ليأخذ عنك الضغط، أو يرى مقياس السكر، أو يرى نسبة الكوليسترول، أو يرى فيك صداعاً، أو يرى فيك فشلاً كلوياً، أو ضعفاً في البصر، أو آلاماً في الرأس، أو ضعفاً في الأعصاب، أو وجعاً في المفاصل، أو بلاءً في فقار الظهر، لا والله يا أهل الجنة! إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً صحة دائمة لا تنقطع أبداً، عافية مهما بذلت فيها من العمل وأي عملٍ لك؟ عملك في لذتك، شغلك فيما تتلذذ به، إننا حتى لذاتنا تتعبنا، حتى اللذات تؤذينا، حتى ملذاتنا تقتلنا، لذتنا في الشراب إذا زاد آلم أجوافنا، ولذتنا في الطعام إذا زاد قتلنا، ولذتنا في كل شيء تنتهي إلى ضعف، أما لذاتنا في الجنة -نسأل الله أن نكون وإياكم من أهل الجنة- فلذات لا تنقطع أبداً يا أهل الجنة! إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً لن ترى في الجنة حدباً يتوكأ على عصا، لن ترى في الجنة ضعيفاً قد هدته السنون، مع أن النعيم في الجنة مقيم، قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108]، الله أكبر! سنين طويلة لا يتحول سواد الشعر إلى شيب، ولا طول القوام إلى انحناء وحدب، سنين طويلة لا تتجعد فيها البشرة، ولا تضعف فيها الأبدان أبداً، هذا نعيم أهل الجنة (إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وأن تسعدوا فلا تشقوا أبداً). الله أكبر! اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك ألا تحرمنا الجنة، اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك ألا تحرمنا جنتك يا رب العالمين، اللهم هديتنا إلى الإسلام وما سألناك، فأعطنا الجنة وقد طلبناك ورجوناك. أيها الأحبة: ينبغي أن نعرف مقامنا في ضعفنا وذلنا وهواننا، وأن نعرف مقام الله في عظمته وربوبيته وألوهيته وكمال أسمائه وصفاته.

وجود الأعداء وكثرتهم

وجود الأعداء وكثرتهم أحبتنا في الله: حديثنا: اعرف عدوك. من هو العدو؟ لاشك أن الله جل وعلا قد ذكر وسمى جملةً من الأعداء في القرآن، فقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15]، {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ} [التغابن:14]، فجعل من المال والولد عدواً، وقال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:82].

عداوة الشيطان

عداوة الشيطان قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} [فاطر:6]، هذا الشيطان الذي يدعو كل واحد فينا، والله ما فينا أحد ما دعاه الشيطان، أنتَ وأنتِ، ومن يسمع ومن تسمع، كلٌ دعاه الشيطان، إما في ليل أو في نهار، أو في ظلمة أو في ضوء، أو في صيف أو في شتاء دعاه الشيطان، ومنا من لا يزال الشيطان يدعوه، ولكن الشيطان -كما تعلمون- خذول، الشيطان يخذل أصحابه؛ لأن الشيطان حينما يتحاجون في النار يقف خطيباً على أهل النار ويكلمهم، قال جل وعلا: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:22]، الشيطان يأتي ويعترف، عدونا يأتي يوم القيامة ويعترف، ويجلس خطيباً عند أهل النار ويقول: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم:22]. ولماذا نطيع الشيطان؟ والله يخبرنا أنه سيقف ويقول لمن تبعه، ويقول لمن انقاد معه، ويقول لمن وافقه: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم:22]، والله ما جررت أحداً بحبل حتى أخرجته من المسجد، أو أجلسته في فراشه حتى لا يصلي الفجر مع الجماعة، أو أرغمته حتى يشتري شريط الغناء، أو سقته حتى يتفرج على فيلم الفيديو، أو سحبته حتى يساهم في بنك ربوي: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22]، مجرد أن عرضت صورة وزينتها في مخيلتكم؛ فقبلتموها وأتيتم إليها، وسعيتم حثيثاً نحوها، نغمة اجتهدتم في طلبها ورددتموها وسمعتموها، وضيعتم كتاب الله من أجلها، يقول الشيطان: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم:22]، وكفى أن هذا الوعد وعد الحق {وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} [إبراهيم:22] لا أنقذ أحداً أبداً، هكذا شأن الشيطان {قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16]، لكن متى؟ عندما يقع الفأس في الرأس كما يقال، بعد أن يقع المحذور، وينتهي المقدور، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.

العداوة سنة ماضية

العداوة سنة ماضية أيها الأحبة: إن العداوة موجودة عداوة من الشيطان، وعداوة من الإنسان للإنسان، وعداوة من البنات والبنين والزوجات، وعداوة من الأموال، وعداوة في كل شيء، وإننا يوم أن نقول لرجل: إن عدواً يتربص بك الدائرة عند الباب، ثم ترى هذا الرجل يخرج يقلب كفيه وينظر في عطفيه غير مبالٍ بما حذر منه، نرى فيه لوثة من الجنون، لأن عدواً يتربص به فلا يستعد لمواجهته فما بالنا؟ وأي لوثة بلغت في ضعف إيماننا حتى أصبحنا نتقلب في أحوال ربما قادتنا فوق المعصية إلى فتن عظيمة من غير أن نأخذ سلاحاً نتقي به العداوة؟ أيها الأحبة: لا أحد يسلم من العداوة أبداً، لا تظنوا أن أحداً يسلم من العداوة ليس يخلو المرء من ضدٍ ولو حاول العزلة في رأس الجبل إن نصف الناس أعداءٌ لمن ولي الأحكام هذا إن عدل هذا الكلام يقال للقضاة أيضاً، القاضي العادل نصف الناس أعداءٌ له الذين حكم عليهم. إن نصف الناس أعداءٌ لمن ولي الأحكام هذا إن عدل هذا مع أنه قضى فعدل، ومع ذلك الناس أعداء له. وقال الآخر: لو كنت كالقدح في التقويم معتدلاً لقالت الناس هذا غير معتدل لو كنت في قمة الاعتدال كالقدح، لقالت الناس: هذا إنسان غير معتدل، وما يسلم أحد من عداوة أبداً، وكما قال موسى عليه السلام: يا رب! إن بني إسرائيل يؤذونني. فقال له: يا موسى! قد سألت لنفسك ما لم أجعله لنفسي، ألم تقل اليهود: يد الله مغلولة؟ ألم تقل اليهود: إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء؟

العداوة ليست دليلا على الضعف

العداوة ليست دليلاً على الضعف إذاً: العداوة لا يخلو منها أحد وحتى الله جل وعلا له أعداء، وليس هذا أمراً وقهراً وجبراً عليه، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ولكن لحكمة أرادها الله جل وعلا، إذاً فلا تجزع إذا قيل لك: إن لك أعداء، الله أعلم بأعدائكم؛ ووجود الأعداء ليست مشكلة كبيرة جداً، المشكلة ضعفك أمام الأعداء، المشكلة أعداءٌ يجهزون، ونفسٌ لا تبالي، أعداءُ يخططون، وشخصٌ نائم، أعداءٌ يتابعون، وشخصٌ متساهل، أعداءٌ ينظمون، وشخصٌ متكاسل، هذه هي البلية، أما وجود العداوة فليست بخطر، وليست دليلاً على الضعف، الله جل وعلا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} [الأنفال:60]، فبين الله أن له أعداءً، وهل يعني كونهم أعداء لله أن الله ضعيف؟! حاشا وكلا! وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. إذاً: فليس وجود العداوة دليلاً على ضعف، بل ربما كانت العداوة دليلاً على قوتك؛ لأن الذي ليس له أعداء هذا دليل على ضعفه، قال القائل: قُبيلةٌ لا يغدرون بذمةٍ ولا يظلمون الناس حبة خردل إنهم مسالمون، وهذا يدل على أنه ليس لهم أعداء، وهو دليل على ضعفهم، لكن على أية حال الإنسان لا ينزعج من العداوة، فالعداوة موجودة، والعداوة قائمة، والشر موجود حتى في أنفسكم وفي نفسي، كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب قال: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) أنفسنا هذه فيها شر مستطير، قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10]، فالشر موجود، طريق الخير وطريق الشر، والذي يقول: ليس عندي إلا الشر، نقول: كذبت، عندك خيرٌ وشر، فإن أسلمت الزمام لداعي الشر، والنفس الأمارة بالسوء، وجعلت الشح مطاعاً، والهوى متبعاً، والدنيا مؤثرةً، وتبعت ما تزين لك وتزخرف لك؛ أصبح جانب الشر فيك عظيماً جداً، وإن خالفت ذلك؛ أصبح جانب الخير عظيماً جداً.

عداوة الإنسان لنفسه

عداوة الإنسان لنفسه إذاً: فلا تنزعج من وجود العداوة، ولا تعجب، فالعداوة موجودة من نفسك لنفسك عداوة من نفسك لأذنك، وعداوة من نفسك على لسانك، وعداوة من نفسك لعينك، وعداوة من نفسك لفرجك، وعداوة من نفسك لجيبك عداوة من نفسك لأذنك؛ أن تصرفك عن سماع ما ينفعك إلى سماع ما يضرك. حب الكتاب وحب ألحان الغناء في قلب عبدٍ ليس يجتمعان والإناء إذا ملأته تراباً لا مكان للماء فيه، والقلب إذا ملأته بالملاهي لا مكان للذكر فيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فإذاً هناك أولاً: عداوة من نفسك لنفسك في أذنك بسماع كل شر، وكما قال ابن القيم في الجواب الكافي: ثم يعقد الشيطان عرشه-أي: كرسيه- ويدعو جنده من الجن والشياطين، ويقول: عليكم بثغر الأذن، فلا يدخل معه شيء يطردكم عمَّا تربعتم إليه، فإن غلبتم، فجاهدوا حتى لا يصل ذكرٌ إلا ضعيفاً لا يؤثر، وعليكم بثغر العين، فاجعلوا نظرها تلذذاً لا تفكراً، واجعلوا نظرها باباً إلى رسم الأماني والخيال، بتصرف وبمعنى كلام ابن القيم رحمه الله. فإذاً من نفسك شرٌ على عينك أن تنظر إلى هذه الصور، وأن تنظر إلى ما حرم الله جل وعلا، وكم من رجلٍ قتل نفسه بسلاحه، هل رأيت رجلاً أخذ المسدس، ثم قلب فوهة المسدس، أو الرشاش، ثم وجهها إلى قلبه، ثم أطلق النار، نعم، ذلك الذي قتل نفسه بلحظه. يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً أنت القتيل بما ترمي فلا تصبِ فالإنسان هو الذي يقتل نفسه بنفسه، وتعرفون الأبيات التي يقول فيها القائل: وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ من الناس من إذا رأى صورة حرام جعل رجله وعينه ويده وشعر رأسه، جعل كل ذلك عيناً تلتهم الصورة، وتتأمل هذا المنظر بفتنة وشهوة واجتهاد، مسكين لا يدري أنه يقتل نفسه، ولو أن هذا المسكين يوم أن رأى صرف بصره، ولو أن هذا المسكين تأمل جميع صنع الله جل وعلا، الله سبحانه وتعالى يقول: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا} [محمد:10]، فالنظر مطلوب، الله جل وعلا ما خلق عينك حتى تجعل عليها نظارة سوداء لا تبصر بها أبداً، إنما خلق العين لكي تنظر بها وتتفكر. فيا أخي الكريم! تفكر كيف رفعت السماء بغير عمد؟ ولو دخلت صالة من صالات القصور الضخمة، فوجدت مائة متر بلا عمود واحد، لهالك الأمر في دقة الإنشاء والتصميم، وتقول: كيف وجدت صالة مائة متر مربع ليس فيها عمودٌ واحد؟! فيا حبيبنا! انظر إلى السماء التي رفعت بغير عمد! وإذا رأيت قنديلاً عظيماً جداً يضيء في بلد، ومفتاحه في بلد آخر، تعجب من هذا الأمر! ولكن انظر إلى هذه الشمس التي هي سراج تنير الدنيا كلها، وما جاءت شاحنات تعبيها بالبترول من أجل أن تشتعل، وما جاءت جهات معينة تعطيها الوقود، بل خلقها الله جسماً مضيئاً، فلماذا لا تتفكر وتتدبر؟! {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]، لماذا لا تتفكر وتتدبر أيضاً في نفسك؟! أنت يوم أن كنت جنيناً صغيراً في بطن أمك، وأول ما يكون الإنسان في رحم المرأة يكون نطفة، ثم يكون علقة، ثم مضغة، ثم هذه المضغة تبدأ تأتيها الخلايا بأمر الله تتخلق فيها، وإذا بلغت الأشهر نفخت فيها الروح، ثم أخذت تنمو، فذهبت خلايا لتبني الأذن، خلايا مفصلة لإيجاد الزاوية التي فوق الأذن بالضبط، شحمة الأذن وزاوية، وشيء من المادة شبه العظمية الرقيقة جداً، كل خلية تذهب لتعطي هذا الدور في نفس المكان، وخلية تذهب لإنبات الشعر على العين والجفن، وخلية تذهب لإيجاد الطبقة الرقيقة على الشبكية أو القرنية، وخلية تذهب لبناء الشفة الرقيقة، وخلية تذهب لبناء العظم الصلب فيا إخوان: هل رأينا يوماً رجلاً نبتت أذنه في ركبته؟! أو رأينا رجلاً نبتت عينه في ظهره؟! أو رأينا رجلاً ظهرت أنفه في ساقه؟! هذه الخلايا ما الذي دلها وأعطاها مخططاً لكي تتجه الخلية رقم كذا إلى الموقع كذا، وتباشر العمل في مكان كذا! هذا هو التفكر، لكن عداوة الشيطان، والشر والأعداء من نفسك ومن أعدائك، وأولهم الشيطان، يصرفك عن تدبر ما ينفعك إلى إشغالك بما لا ينفعك، وأقل الأحوال أن تشتغل بالتافه عن العظيم، وبالحقير عن الجليل، والآن انظر إلى رجلين: أحدهم قد شنف آذانه، والآخر يسمع أغنية للمطرب الفلاني ويرددها: يا ليل يا عين، يا ليل يا عين، يا ليل يا عين، وانتهى الليل، وما رأينا ليلاً ولا عيناً، وبعد ذلك كتبت سيئات، وقام مهموم القلب في حسرة وقلق، وبمقدار سماع ذاك للأغنية انظر إلى رجل أخذ يسمع كلام الله، أو يتلو كتاب الله، له بكل حرف حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف.

العداوة الزوجية

العداوة الزوجية إذاً: فأعداء الإنسان كثر، وأول العداوة ما كان في النفس، وتحقيقاً لهذا المعنى من العداوة في النفس أيضاً الزوجة فيها عداوة، وكما في الحديث: (إذا بنى أحدكم بجارية أو زوجة أو أمة، فليضع يده على ناصيتها، وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه) أيضاً في الزوجة عداوة، وفيها شر، وربما يتوجه إليك، ويتسلط عليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وما أكثر الذين ظهرت عداوة زوجاتهم لهم! وليس من شرط العداوة أن يعلو فيها الصراخ، وأن يطول النياح، وأن يكثر العويل، وأن يظهر البكاء، وأن تصل الخصومة إلى المحاكم، قد تكون العداوة كما قال الشاعر: قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هي قد تبقى العداوة متمكنة مستحكمة قاتلة مؤذية، وظاهرها جمال، وظاهرها لذة، وظاهرها صحة، ولذلك بعض الأمراض حينما ترى وجه صاحبها، تقول: ما شاء الله ما هذه العافية؟ ومثاله مادة اسمها (الكورتيزون) هذه مادة يحذر الأطباء المتخصصون من الإغراق في استعمالها، أو استعمالها بلا استشارة، هذه المادة عجيبة جداً، وهي مادة عدوة للإنسان، مادة خطيرة للإنسان، بمجرد أن تدخل عضوه تعطي إفرازات وتقوم بوظائف صناعية، وتعطل الجهاز الذي يعطي الوظيفة الطبيعية، ثم بعد ذلك يظهر على الإنسان صحة في الوجه غير طبيعية، يبدأ وجهه كالمشرق، يسمونه في المصطلح الطبي ( Face Moon ) وجه القمر، ثم يكبر يكبر، وينظر إلى الرجل كأنه ازداد عافية، وازداد صحة، وحقيقة الأمر أن الرجل تتعطل أجهزته الصحية الحقيقية التي تؤدي الوظائف الطبيعية، وهذا السم القاتل (الكورتيزون) يعطي نتائج كذابة في الظاهر قاتلة في الباطن. إذاً: ليس من شرط العداوة أن يكون لها صياح وصراخ وعويل وبكاء، ولأجل ذلك كم رأينا من رجل ظهرت عداوة زوجته عليه! وكم من امرأة رأينا عداوة زوجها عليها! مع أن ظاهر عش الزوجية المحبة، لكن دلائل العداوة أن الفتاة دخلت على ذلك الزوج وكانت محجبة، فأصبحت سافرة، كانت عفيفة الأذن لا تسمع إلا القرآن، وكلام الله وكلام رسوله، والخطب والمحاضرات والأمور النافعة، فأصبحت مطربة من المطربات، مغنية من المغنيات كانت حسيرة الطرف كسيرة الطرف لا تمد عينها إلى أحدٍ أبداً، فلما تزوجت بذلك العدو، ليس عدواً بالشجار والقتال، وإنما عداوة نفسها، وعداوة شيطانه عليها؛ جعلتها تنتقل إلى مرحلة ضعف، ومرحلة انهيار، وتحول خطير جداً والعكس كذلك كم من شاب عرفناه كان مستقيماً، فلما تزوج انقلب بعد زواجه بعداوة خفية، وظاهرها التعلق والمحبة والتفاني والتعاطف، انقلبت المسألة إلى أن الشاب أصبح يحلق لحيته، ويسبل ثيابه، ويسمع الأغاني، وقطع جلساءه الطيبين بعد أن كان يجلس مع الصالحين، وأصبح عدواً للأبرار بعد أن كان دفاعاً وحصناً منيعاً يدافع عنهم في كل ميدان.

الشيطان يجري في الإنسان مجرى الدم

الشيطان يجري في الإنسان مجرى الدم إذاً: هذا معنى الآية، وما ذاك إلا لوجود العداوات السرية المتمكنة فينا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لما كان خارجاً من معتكفه يقلب صفية بنت حيي إلى منزلها، ورأى اثنين من الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنها صفية، قالوا: سبحان الله! يا رسول الله! -أي: نحن نشك فيك- قال: خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئاً، إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم). إذاً: فما ظنك بعداوة واحد قد دخل في عروقك، وقد دخل بين عصبك وعظمك، لا تنتظر أن يأمرك بخير أبداً، قال صلى الله عليه وسلم: (ما منكم إلا وله قرين، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا إنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم). أيها الأحبة: إذا تحققنا من وجود العداوة في شرور أنفسنا، وأموالنا، وأولادنا، فيمن حولنا، في اليهود والنصارى، في الشيطان، فيمن يزينون شياطين الجن والإنس {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112] فكل يشعر أن كل ما حوله عداوة، وقد يقول أحدكم: والله الشيخ حقيقة شحننا شحنة بحيث لو يقرب أحد منا لقال: ابعد يا عدو، لا تقترب يا عدو!! لا، نحن لا نقول: كل من نظرت إليه تقول له: قبحك الله أيها العدو، قاتلك الله! ابتعد وإلا سوف أطلق عليك النار، نحن لا نقول هذا الكلام، لكن أقول: تأكد أن في النفس عداوة كامنة ربما كان حالها معك ظاهرة، وربما كان حالها معك جامدة، وربما كان حالها معك متحركة، المهم أن الفتيل موجود، والمسألة قابلة للاشتعال في أي لحظة، فإذا تحقق هذا الأمر عندك، وأن المسألة موجودة، أخذت حذرك في كل مقام ومكان وزمان.

درجات العداوة

درجات العداوة

الإبادة بالإحراق في جهنم

الإبادة بالإحراق في جهنم أخي الحبيب: أما عن درجات العداوة فلا شك أن عدوك يبدأ أولاً بمحاولة إبادتك عن الوجود إبادة كلية، وأي عداوة أخطر من عداوة إنسان لنفسه عداوة شيطان ونفس أمارة بالسوء تجرُّ صاحبها إلى جهنم، هل هناك إبادة أعظم من نار جهنم؟ {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:19 - 21]، هل هناك عداوة أشد وأخطر من عداوة تنتهي بإحراق الإنسان في جهنم؟ بل عذابٌ متجدد {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56]. أيها الأحبة: لندرك جيداً أن الإبادة هي هدف من أهداف العداوة، فشيطانك الذي هو عدوٌ لك لا يألو جهداً في أن تكون نهايتك إلى النار، ليس من شرط الإبادة أن يبيدك الآن برشاش، أو بطلقة نارية، لكن ما كان أخطر من ذلك أن تكون إبادة دائمة ألا وهي إغراق الإنسان في الذنوب، وقبوله بالهوان، وتدحرجه في المعاصي والمنكرات حتى ربما قاده الأمر إلى موت على فتنة وضلالة، أو كفر، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وحينئذٍ قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود:106]، تصور إنساناً يصيح وينوح ويبكي ويتقطع، زفير وشهيق من شدة العذاب، ومن شدة الألم، قد يتألم الإنسان، ولكن ما يبلغ به الألم، لكن من شدة الآلام {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} [فاطر:37]، ويصطرخون أبلغ من يصرخون، والزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى؛ لأن الاصطراخ فيه نوع إيحاء، أو فيه نوع وصف بأن النار متجلجلة، والصدى فيها متردد، يصيح ويصرخ ذلك المعذب، ثم يعود إليه الصوت في وقت هو يرفع صرخة جديدة ً، هذا العذاب الشديد الذي هو أخطر شيء، وهو هدفٌ من أهداف العداوة {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} [هود:106]. إذاً: ليس من شرط أهداف العداوة الأولى وهي الإبادة أن تكون الإبادة فورية، لكن أخطر من الإبادة الفورية الإبادة طويلة المدى {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:106 - 107]، قد يعاديك إنسان فيقتلك الآن {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران:169]، فليست الإبادة الفورية دليلاً على العداوة في كل حال، أو ربما كانت من طرفك دليل عداوة، لكن ليس منتهاها دليلاً أنك بعداوة نفسك قدت نفسك إلى العداوة، أو إلى مؤداها، ربما كانت هذه طريقاً إلى الجنة والخلود في الجنة، لكن قد تعيش حياة في إضاءة، ونور، وقصور، وطعام، وشراب، وأكل، في بيوت، وأمن، وشيء من الرفاهية والنعيم، لكنها هي طريق إلى إبادة طويلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

الإبادة بالقتل

الإبادة بالقتل إذا لم يستطع عدوك أن يبيدك إبادة كاملة، سواءً كانت إبادة بعد زمن طويل كحرص الشيطان أن يبيد الإنسان في نار جهنم، أو كحرص أعدائك مثل اليهود والنصارى الذين لا يرضون عن أحد أبداً حتى يتبع ملتهم، وسواء قالوا لكم: تعالوا على مائدة الوحدة الوطنية، أو تعالوا -أي: اليهود والنصارى- ننفي الخلافات التي بيننا، ولا يبغض أحدٌ أحداً، أنتم اعبدوا ما تشاءون، والنصارى يعبدون ما يشاءون، والمسلمون يعبدون ما يشاءون، ولا أحد يمد يده على أحد، ولا أحد في الصحيفة ينتقد أحداً، ولا أحد في المجلة ينتقد أحداً، نريد أن نعيش السلام والوئام والحب واللقاء هذا كلام لا ينفع عند اليهود، قال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]، فهؤلاء الأعداء كما قال تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران:119 - 120]، العدو من أهدافه الأولى: الإبادة النهائية، وصورة من صور العداوات ما يحصل الآن لإخوانكم في يوغسلافيا في جمهورية البوسنة والهرسك في العاصمة سراييفو على يد الجيش الاتحادي والصربيين النصارى الأرثوذكس الذين هم الآن على قدم وساق، يقتلون ويذبحون ويشردون، وقد تأكد لدى هيئة الإغاثة الإسلامية أن عدد الضحايا حتى الآن واحد وعشرون ألف مسلم، ما بين طفل وطفلة وعجوز، وكهل كبير، ورجل وامرأة، وفتى وفتاة، واحد وعشرون ألفاً! يا إخوان: والله لو سافر أحدكم من الرياض إلى القويعية، ومشى ورأى عشرة مذبوحين بعد عشرة كيلو، وبعد عشرين كيلو رأى عشرة آخرين، وبعد ثلاثين كيلو رأى عشرة آخرين، حتى وصل الرياض، كان مجموع المذبوحين ثلاثين رجلاً، سوف يصيبك جنون تلك الليلة، ولا تستطيع أن تنام، وأنت تتخيل خمسة رجال وخمس نساء مذبوحين، وثلاثة رجال مقتولين، وهؤلاء مطعونون، وهؤلاء ممثل بهم، وهؤلاء مكبلون، وعليهم آثار الاغتصاب والبلاء والمصيبة، وأيضاً كانت نهايتهم إزهاق أرواحهم يأتيك جنون، فما بالك بواحد وعشرين ألفاً!! تخيل ملء هذا المسجد أكثر من ثلاثين مرة تقريباً مقتولين!! جاء الصربيون في الليلة الأخيرة من رمضان، وأول اثنين خرجوا من المسجد ذبحوهم ذبح الشاة على عتبة المسجد، ثم دخلوا وأطلقوا النار في المسجد، وهرب الناس، فأخذوا يرمون بالقنابل حتى الذي يريد أن يهرب لا يصل إلى الباب، ومات خلق عظيم، والدماء تفوح وتفور، والناس كالغنم التي لم تذكَّ، ترفس في المسجد، ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذا مقطوع وبقي فيه نخاع، وهذا مذبوح وبقي فيه عرق، وهذا مذبوح وبقي فيه عصب، الناس كالمجازر، ثم بعد ذلك دخل الصربيون وأخذوا يتبولون على الجثث، ثم بعد ذلك أخذوا يكشفون عورات المسلمين، ويأخذ السكين أو خلف البندقية ويخط على ظهر المسلم صليباً، يجرد المسلم من ثيابه ويخط على ظهره صليباً! يا إخوان: أي عداوة بعد هذا؟! هل هناك عداوة أشد من هذا؟! لا والله. إن ديننا الحنيف دين عظيم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قرآنه دستوره، قد أوصانا نبينا فيه أن إذا قتلنا كافراً ألا نمثل به فقال صلى الله عليه وسلم: (وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) رحمة حتى في قتل القاتل! رحمة حتى في إزهاق روح المؤذي! الخلاصة أن هؤلاء الأعداء هدفهم بالدرجة الأولى الإبادة، وحينما يأتي علماني، أو فيلسوف، أو خريج هارفارد، أو خريج السربون، أو خريج متشيجن، أو كلورادو، ولا أقول كل خريج، لكن يأتيك إنسان متخرج من هناك، ويضع يداً على يد، أو يضع الشماغ على هذه الطريقة، ويقول: يا أخي! يا متشددون يا مطاوعة يا معقدون! تتوقعون أن الغرب لا يزال يعيش بعقليات البربر وهمجية الوحوش القديمة؟! لا يا أخي، الغرب تطوروا الآن، أصبحوا يتعاملون بالرمز، والاختزال، والشفرة، والنداء، والكود، عالم راقٍ جداً، أنتم لا تزالون تتصورون أن الغرب يذبح وينحر ويقتل، ما هذا التخلف عندكم؟! ونقول لكل من مدح الغرب يوماً، أو أثنى على حضارة الغرب يوماً: انظر ماذا أنتجته حضارة الغرب، من أعلى درجات الرحمة التي بلغت خط الصليب على ظهر المقتول! وقطع ذكر المقتول ووضعه في فمه كما حصل في ذلك المسجد في سراييفو! ويدخل على الرجل من قبل شباب الصرب، فيجدونه مع أولاده، فيربطونه ثم يجردون زوجته، ويفعلون بها وهو ينظر، ثم ينظرون إلى أبيه ويجعلون وجهه مسرحاً لأقدامهم يركلون خده وأنفه بأقدامهم وأحذيتهم. العداوة هدفها الأول هدف إبادة، وأما ما نسمع من بعض الجرائد والمجلات الوافدة أننا ننتظر الوحدة في مجتمع تظلنا فيه سماءٌ واحدة، ونشرب فيه من نهر واحد، ويعيش الجميع على مائدة الوحدة الوطنية، فهذه مسخرة! قرأت ذات مرة في أكثر من مجلة وجريدة أن احتفالاً أقيم يجمع رجال الصليب البابا شنودة ورجال الدين -المفتي والشيخ- ورجال الفكر والسياسة والإعلام في يوم الوحدة الوطنية في إفطار جماعي ضم عدداً في يوم مشهود، افتتح بآيات من كتاب الله جل وعلا، وبماذا افتتح؟ افتتح بقول الله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:71]؟ هل افتتح بقول الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73]؟ هل افتتح بقول الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89]؟ الشاهد أن العداوة، وبالذات عداوة الدين، فإن من عاداك في دينك، فاعرف أن غايته إبادتك، قال الله جل وعلا: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة:8]، فبين أن من قاتلك في الدين، وعاداك في الدين هدفه عداوتك، ولكن من لم يعادك في الدين {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8]، من المنقطعين في الأديرة والصوامع، وغيرهم من الذين ما رفعوا سلاحاً في وجه المسلمين، وقبلوا بالجزية والذلة والصغار، أما ونحن الضعفاء وندعي أننا على وفاق ووئام مع أعدائنا فلا كل العداوات قد ترجى مودتها إلا مودة من عاداك في الدين

الاحتواء والتجيير

الاحتواء والتجيير قلنا: الهدف الأول من العداوة هو: الفتك والقتل وإزهاق الروح والإبادة بكل معانيها. المرحلة الثانية من صور العداوة المغلفة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ظاهرها المودة وباطنها الكراهية عداوة ظاهرها الوئام وباطنها الخلاف عداوة ظاهرها الرفق وباطنها القسوة والوحشية ألا وهي: عداوة الاحتواء والتجيير، وهي ما تسمى بعداوة غزاة الأفكار. إن المسلمين وإن كانت الكثير من دولهم اليوم قد نالت الاستقلال، ورسمت حدودها بعد اتفاقيات سايكس بيكو وغيرها، إلا أنها انتقلت من مرحلة العداوة الصريحة المعلنة عداوة الفتك والإبادة إلى عداوة الاحتواء والتجيير، فبدلاً من أن ينزل عشرة آلاف جندي فرنسي إلى الجزائر يقتلون الناس، خطط المستعمر الكافر أن يوجد من أبناء الجزائر من يحافظ على أرواح الجنود الفرنسيين في قلب باريس، ويقوم الجزائري بقتل الجزائري، والمغربي بقتل المغربي، والتونسي بقتل التونسي، وكلٌ يقتل من بني جلدته، هذه الطريقة التي صرح بها القس صموئيل زويمر في مؤتمر القاهرة عام (1934م) لما عقد المؤتمر في الإسكندرية، وقام المنصرون يعرضون جهودهم، فكلٌ يقول: نصرت كذا ثم عاد إلى الإسلام، ودفعت كذا، وتنصر اثنان ثم عادوا، تنصر ثلاثة ثم عادوا، ولما أنهوا استعراض أعمالهم، وأنهوا استعراض مشاريعهم، قام القس صموئيل زويمر، وقال: اسمحوا لي معاشر القسس والرهبان رجال الكنيسة الأفاضل! إنكم حتى الآن لم تعرفوا مهمة التنصير، إن دورنا أن نخرج المسلم من الإسلام، وليس ضرورة أن ندخله في الكنيسة والنصرانية، إن دورنا أن نعد في بلاد المسلمين عضواً منهم يقاتلهم ويطعنهم، ويؤذيهم، وإن دورنا أن نحافظ على قطرة دم نصراني، فلا تراق هناك، ثم استشهد بقول القائل: إن الشجرة لا يقطعها إلا غصن من أغصانها! العداوة قد تكون في البداية ظاهرة إن الأفاعي وإن لانت ملامسها عند التقلب في أنيابها العطبُ أحياناً تكون العداوة ظاهرة، لكن العداوة الظاهرة -بالمناسبة- تدفع النفس إلى الانتقام، وتدفع المتفرقين إلى الاجتماع، وتدفع الضعفاء إلى جمع الشمل على القوة العداوة الظاهرة تثير في النفس النخوة والحمية والإباء، حتى ولو استشهدوا واستماتوا وقتلوا، لكن العداوة المغلفة التي هي عداوة غزاة الفكر، عداوة الاحتواء والتجيير، فوائدها كثيرة، فإن كانت العداوة الصريحة فيها خسارة أرواح، فإن عداوة الاحتواء والتجيير هي عداوة ليس للأعداء فيها ضحية في روح أبداً، إن تكاليف نقل السلاح وأخطار التدخل السريع قد تكون باهظة جداً، لكن عداوات الاحتواء والتجيير لا تكلف هذا كله أبداً، رب عداوةٍ كانت مباشرة، فالتأم جرحها سريعاً، لكن عداوة الاحتواء والتجيير يطول ويطول علاجها، وشعوب المسلمين اليوم بعد أن جرب الأعداء فيهم عداوة القتل من خلال سنين الاستعمار، والاستعمار -بالمناسبة- حتى الآن لم يعرض عرضاً جيداً حقيقياً، إن الإعلام العالمي لو يسخر لتصوير واقع الاستعمار مع الدول المستعمرة؛ لأصبح الناس يكرهون شيئاً اسمه المستعمر ودول الاستعمار كما يكرهون السم في الطعام، لو صور للناس ما فعل الهولنديون في إندونيسيا، وما فعل الإيطاليون في ليبيا، وما فعل الفرنسيون في الجزائر والمغرب وتونس، وماذا فعل البريطانيون في الهند، وما فعل المستعمرون في كثير من الدول لو صور الإعلام حقيقة ما فعله المستعمرون؛ لأصبح عند الناس حساسية شديدة جداً، لكن الإعلام العالمي لا شك أنه يُخطط ويقاد -إلا ما رحم الله منه- بأيدي يهود، ولأجل ذلك يكون اهتمام الإعلام العالمي بقضايا أخرى تمييع عقائد، وجمع بين متناقضات، وتأليف بين مختلفات، وصرف الناس عن التذكير بأمور أخرى، صرف الناس عن التذكير بأمور ربما كان من غاياتها أو من أهدافها إثارة الناس، أو كانت تؤدي إلى ذلك، هناك فيلم مع أنه لم يخدم من حيث الرسالة الخفية إلا شيئاً قليلاً، وهو فيلم عمر المختار أنتج عليه ملايين، ولعل بعضكم اطلع عليه، وليست هذه دعوة إلى الأفلام، ولكن أقول: احتج من اليهود طائفة، واحتج من المستعمرين طائفة، وقالوا: إن هذا الفيلم يثير الأحقاد علينا! نعم. ولو صورت الحقائق على وجهها الصحيح لرأيتم كيف يكون موقف الناس تجاه العداوة، عداوة التجيير. فالحاصل أن عداوة الاحتواء والتجيير عداوة خطيرة جداً، إذا عجز العدو عن العداوة المباشرة -عداوة الإبادة والقتل الجماعي- ينتقل إلى عداوة الاحتواء والتجيير، وربما لمصلحة وليس لعجز، ومن أجل هذا يكون العدو جاهزاً، يبقى عدونا قابعاً في عاصمته، وعبر أجهزة الدس والمؤامرات والخونة والخيانات تصنع التمثيليات على مسرح الواقع، يمثل الممثلون الذين يعرفون الدور، ويدخل في التمثيلية الذين هم هدف الفيلم بالكامل، ثم تدور الدائرة على الرءوس، ويسدل الستار على المسرحية، ويخرج الجمهور من المسرح، وتفتح صفحة جديدة لقضية جديدة في واقع العالم الإسلامي. إن عداوة الاحتواء والتجيير عداوة خطيراً جداً جداً، ولأجل ذلك كان علينا أن ننتبه لعداوة أعدائنا، وقد ننسى يوماً كنا نسب فيه، أو نشتم فيه عدواً، وصافحناه اليوم، لكن لا يعني ذلك أن عداوته قد زالت من قلبك، أنت لا تقيس الناس على طيب قلبك خاصة أعداء الدين، لا تتصور أنهم ينسون أنك مسلم، قبل كل شيء وأولاً وآخراً أنت مسلم؛ ولأجل أنك مسلم فالعداوة باقية، والتعامل معك بحذر. قيل لرجل من رجالات الساسة: من هو عدوك في المنطقة الفلانية؟ قال: ليس لنا عدوٌ دائم، وليس لنا صديقٌ دائم، إنما لنا مصالح دائمة، فلو كانت القضية قضية عداوة واضحة لعرفناها وفهمناها، لكن العداوة الجديدة عداوة الاحتواء والتجيير أن يستغل أبناء الأمة لكي تطعن الأمة بالسيوف التي صنعتها، وتقتل الأمة بالسلاح الذي أنتجته، ويذبح أبناء الأمة شبابها ورجالها، ويغتصب نساء الأمة أبناؤها وشبابها، هذا ما يخطط له العدو من خلال البرنامج الطويل الذي يسمونه: البطيء المؤكد، برنامج الغزو الفكري الذي أقبل الناس عليه الآن زرافات ووحداناً، فالذي ليس عنده تلفزيون مسكين، والذي ليس عنده فيديو مسكين، والذي ليس عنده أنتل مسكين، ما ركب الأنتل الذي يأتي بـ ( mbc) أو البث المباشر، والذي ليس عنده دش (ستلايت) مسكين ما أتى بالقنوات الأخيرة! ولماذا نذبح أنفسنا بأنفسنا؟! لماذا نقتل أرواحنا بأيدينا؟! لماذا نطعن قلوبنا بسهامنا؟! الناس من عداوة أنفسهم لأنفسهم يجلبون ما يطعنون به أنفسهم، ويتسلطون به على أنفسهم إلا من رحم الله وقليل ما هم.

عداوة التثبيط والإرجاف

عداوة التثبيط والإرجاف إذا عجز العدو عن أن يبيدك إبادة مباشرة، ثم عجز عن احتوائك وتجييرك لكي تكون عدواً لأمتك وأنت في صفوفها، ينتقل إلى مرحلة ثالثة وهي: عداوة التثبيط والإرجاف. تجد إنساناً ليس من شرط أن نكرهه أو نبغضه، لكن هو مصدر عداوة، كيف؟ تجده إذا جلس في مجلس يقول: يا إخوان انتبهوا، إنكم على خطر، كل واحد يدخل في بيته ويسكت ويذكر الله، لا تجتمعوا، اتركونا من الأشياء هذه، رجاءً المدرج الفلاني لا توزعوا فيها أشرطة، الكتاب الفلاني فكونا من شره، يا إخوان! اتركوا هذا العرس يمر على خير، اتركوا هذه المناسبة تمضي على ستر تجد الرجل ليس عدواً يقتل، وليس منافقاً دخيلاً، ولكنه عدو من جهة الإرجاف والتثبيط، إذا رأى ثلاثة يخرجون في رحلة، قال: يا إخواني أين تذهبون؟ دعونا من المشاكل والفتن والمصائب! إذا رأى مخيماً أو معسكراً قال: يا ناس خافوا رب العالمين، نحن آمنون ومطمئنون، أهؤلاء العشرون ذاهبون يتدربون على إنزال مظلي من أجل أن تخاف أنت؟! سبحان الله العلي العظيم! فهذه عداوة الإرجاف والتثبيط، وهذا هو الأمر الذي أريد أن أطيل النفس فيه.

الجمود والخمول

الجمود والخمول أعود من العنصر الثالث لأنتقل إلى النقطة الرابعة، ولا أسميها عداوة، ولكنها نوع من وسائل الضعف والهوان، ألا وهي: الجمود والخمول. تجد إنساناً طيباً، لكنه غبي جهول، وحملٌ وديع، يخاف من الظل، ويفزع من السوط، ويرتاع من الوجبة، وتجده مجرد إنسان صالح وصلاحه لنفسه، ونحن نقول: الله يجزيه خيراً ويثيبه ويحفظه، وندعو لمثل هذا الشاب، وكما جاء في الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) لكن إذا انتشر في الأمة داء الضعف، وداء الهوان، وكلٌ يقول: نفسي نفسي، وتجد الرجل أول من يدخل المسجد، لكن جاره الذي لا يصلي لا ينصحه تجد الرجل يصوم الإثنين والخميس، لكن يرى المتبرجات غاديات رائحات في الطريق ولا ينصحهن تجد الرجل خير من يبذل ويتصدق في سبيل الله، لكنه يرى من الأشياء التي بوسعه وبمقدوره أن يقوم بتغييرها أو إنكارها، أو عمل شيء تجاهها، ومع ذلك لا يعمل، وهذا كما يقال: فيه غفلة الصالحين، ونحن لا نسمي هؤلاء أعداء، بل وجود هؤلاء على مستوى الخير والبركة والصلاح رحمة للأمة، لكن ماذا عليهم لو أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر؟ ماذا عليهم لو قاموا بدورهم وواجبهم تجاه هذه القضية؟ أقول: هذا فريقٌ ليس -والله- من الأعداء، بل نحن نحبهم وندعو لهم، ونرفع بهم الرءوس، ولكن كما قال القائل: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمامِ ألا وهو ذلك الضعف أو الجمود أو الخمول الذي إذا اجتمع الخامل مع الخامل، والضعيف مع الضعيف، والكسول مع الكسول؛ انتشر الداء فيما بينهم، وأصبح المتحرك النشيط بدعاً غريباً عجيباً شاذاً نشازاً في صفوفهم، لأجل ذلك نقول: ينبغي لمثل هؤلاء أن يتحركوا حتى لا يقع أحدهم يوماً ما بضعف أو كسل ربما يقوده، فيكون -ولا حول ولا قوة إلا بالله- شجن أو شوكة أو غصة في نحر إخوانه في المستقبل، وما يدريه قد يكون كذلك، نسأل الله لنا ولكم الثبات.

العداوة بالتخويف

العداوة بالتخويف الصنف الثالث الذي هو صنف المثبطين والمرجفين، الذين لا نقول: إنهم أعداء في ذواتهم وأشخاصهم، لكن هم في الحقيقة يمثلون دور عدو من حيث لا يشعرون، ألا وهم الذين يمثلون دور الإرجاف والتثبيط، وهذه القضية لاحظتها كثيراً في كثير من المناطق، تجد منطقةً الشباب الطيب فيها كثير، الملتزمات فيها كثير، الصالحون فيها كثير، الصالحات فيها كثير، ولكن يوم أن تقول لأحدهم: يا أخي الحبيب! ما الذي يمنعك وما الذي يردك عن أن تقوم بدورك وواجبك تجاه الدعوة إلى الله جل وعلا؟ وأنت قادرٌ أن تتكلم، فإن عجزت عن الكلام فأنت قادرٌ على أن تجمع من إخوانك عدداً تذهب أنت وإياهم إلى درس لأحد العلماء، أو لسماع محاضرة، أو لحضور ندوة، أو لزيارة عالم من العلماء، فإن عجزت عن ذلك فلست بعاجزٍ عن أن تشتري عدداً من الأشرطة توزعها في مناسبات، أو في زواج، أو في لقاء، وإن عجزت عن ذلك فلن تعجز عن كتيبات توزعها في أي مناسبة؛ لعل الله أن ينفع بها فيقول: والله تعب، أنا ليس عندي قدرة على الكلام، لكن عندي جلد فأنا مستعد أن أمر على شباب من الفاسدين المنحرفين يومياً وآخذهم، وأذهب بهم، وأحاول أن أحفظ أوقاتهم من الضياع، وبدلاً من أن يجلسوا مع أهل الشر أضمن لهم الجلوس في أماكن الخير، وبدلاً من أن يسهروا على الفساد أذهب بهم إلى حلق الذكر ومجالس العلماء، وبدلاً من أن يسافروا إلى دول فاجرة أسافر بهم إلى مكة والمدينة، ونزور الشيخ ابن عثيمين في القصيم، ونزور الشيخ ابن باز في الرياض فيقول لك: أنا أقدر على ذلك، أو يقول لك آخر: أنا قادر، عندي خير، وعندي فلوس أن أشتري مائة شريط شهرياً بثلاثمائة ريال، ما أعجز عن توزيعها على أقاربي وجماعتي، أو في مناسبة من المناسبات، أو شباب أعرف عنهم الاجتماع والتسكع في الطرقات، وإشغال بنات المسلمين بالمعاكسات لكن هنا تبدأ صورة العداوة حينما يقول: أنا أقدر أن أدعو لكن أخاف، أنا أقدر أن أوزع شريطاً لكن أخاف، أنا أقدر أن أوزع كتاباً لكن أخاف حسناً! تخاف ممن؟ هذه هي عداوة الوهم، أن الإنسان يتخيل أنه على خطر، وهو ليس على خطر، قيل: إن أحد الأطباء جاءه رجل إذا مشى يطأطئ رأسه، فقال له: ما بك؟ ارفع رأسك. قال: لا، لا، فأخذ يعالجه فوجد أنه مصاب بمرض نفسي، يتوقع أن فوق رأسه جرة كبيرة من الطين من الفخار، ويمشي هكذا ويخاف أن تقع الجرة، حتى جاء أحد الأطباء، وقال: ائتوني به في اليوم الفلاني، فلما دخل كان قد وضع فوق بوابة المدخل جرة، فلما دخل كسر الجرة المعلقة على البوابة، فالتفت الرجل وقال: آه، تصدق يا دكتور هذه الجرة كانت تشغلني سنوات طويلة، ما كنت أستطيع أن أمشي!! والله لا على رأسه جرة ولا هم يحزنون، فالذين يخافون من دور الدعوة، والذين يخافون من المشاركة في الدعوة إلى الله، والقيام بالمشاركة في شرف الدعوة إلى الله؛ هم في الحقيقة مثل الذي يتخيل أن على رأسه جرة فخارية، ولذلك تجد الخوف قد كسر ظهره وأحنى ظهره، فلا يستطيع أن يتصرف أو يتحرك. أقول: يا أخي الحبيب! لماذا الخوف؟ أسألك بالله حينما تشتري مائة شريط من تسجيلات إسلامية وتوزعها، الشريط الذي اشتريته هل أتيت به سراً ما عرف عنه موظف الجمارك في المطار؟ الشريط الذي اشتريته ونسخت منه مائة نسخة هل أتيت به مع باخرة لم تكتشفها خفر السواحل؟ الشريط الذي أنت الآن توزعه هل هو ممنوع؟ أبداً، تجد عند كل تسجيلات إسلامية شريط: احفظ الله يحفظك المحاضر: فضيلة الشيخ الداعية عائض القرني، فسح هذا الشريط من وزارة الإعلام برقم وتاريخ، شريط مفسوح من وزارة الإعلام، قد مرَّ على رقابة ليست رقابتك، وفتحته وأذنت ببيعه، فقل لي بالله عليك: ما الذي يخيفك من شرائه وتوزيعه وإهدائه؟ والله -فعلاً- نحن عندنا وهم أننا نمارس أشياء ممنوعة! وآخر تقول له: الزواج الفلاني سوف يحضر فيه مائتا رجل ومائتا امرأة، فما رأيك أن توزع على النساء كتيب: يا فتاة الإسلام احذري سماعة التليفون، وتوزع على الحضور كتيباً اسمه: العقيدة الصحيحة وما يضادها لسماحة الشيخ ابن باز؟ فيقول: لا والله، أنا أخاف أن يلتفت الناس إليَّ ويقولوا: فلان صاحب توزيع، فلان صاحب نشرة! أنت توزع ماذا؟! هل توزع مخدرات؟! تيكونات؟! كبتل جول؟! كوكائين؟! هروين؟! ماذا عندك؟! توزع كتاباً صدر الإذن بطباعة هذا الكتاب من إدارة المطبوعات والنشر من وزارة الإعلام برقم وتاريخ، ما دام صدر الإذن في طبع وتوزيع ونشر هذا الكتاب، فما الذي يخيفك من الدعوة؟! هنا تظهر عداوة الإنسان لنفسه، عداوة الوهم، أو كما يظن البعض ويقول: والله يا أخي أنا إنسان مراقب، ولأجل ذلك لا أستطيع أن أمارس الدعوة باسم الله عليك أيها المراقب! أين أنت؟ هل أنت في العراق وشياطين البعث تراقبك؟! وافرض أنك مراقب، ماذا يحصل؟ إذا اشتبه رجل الأمن في قضية فمن حقه أن يراقب حتى تتضح المسألة، وأهلاً وسهلاً برجل الأمن، إذا أتى، فافتح له البيت، أنت ما عندك شيء، وقل له: تفضل، مع أن هذا ما حصل، لكن أنا أريد أن أزيل هذه الشبهة والأوهام التي تعلق بها بعض الشباب وقعدوا عن الدعوة، وبعض الناس الذين يرون أن من الاتزان والحكمة والهدوء والرزانة أن الإنسان لا تصير مهمته توزيع أشرطة وكتب وأشياء مثل هذه، هذا من الاتزان والهدوء والرزانة! لا، هذا -يا أخي الكريم- من الخوف والعداوة التي استحكمت بوهم جعلك رعديداً خوافاً، ترغب أن تمارس الخير فتعجز عن فعله، فيا أخي الحبيب! إياك أن تبلغ عداوة نفسك لنفسك، أو عداوة الوهم فيك ومن حولك إلى درجة أن تعطلك عن الدعوة والمشاركة في الدعوة إلى الله جل وعلا.

عداوة الأوهام والخوف

عداوة الأوهام والخوف أيضاً صورة أخرى من صور العداوات: عداوة الأوهام والخوف يأتي إنسان ويقول: والله يا أخي هؤلاء الدعاة أناس طيبون، والشباب الملتزمون أيضاً طيبون جداً، لكن -يا أخي- يقولون: إن عندهم أشياء وما هذه الأشياء؟! هل معهم تحت الأرض طائرات فرلين؟! أو هناك مطار سري في أي مكان؟! هذه مصيبة، فعلاً لما يقول لك: عندهم أشياء، تعال ما هذه الأشياء؟ مدفعية ميدان! صواريخ! مضاد طائرات أباتشي! قاذفة! دبابات! يا أخي الكريم تعال وأخبرني ماذا عندهم، أنا أقول: من واجبك أن توضح كل تساؤل يطرأ في ذهنك، لكن عداوة الوهم والخوف التي تعشعش في ذهنك، وتقول: هؤلاء عندهم، وهؤلاء عندهم، تعال يا أخي ادخل بيتنا، وادخل بيت الشيخ، وادخل بيت فلان، وتعال وستجد فتح الباري لـ ابن حجر، وتحفة الأحوذي، ومعالم السنن للخطابي، وصحيح سن أبي داود للألباني، وشرح الرحبية، وكتاب التوحيد، وكشف الشبهات، ما هي الكتب الموجودة عندك؟! قضية عندهم وعندهم وعندهم هذه من الأشياء التي سمعتها أكثر من مرة عند بعض الناس، ويقول لك: فقط يا أخي ما أدري ما وراء هؤلاء المطاوعة؟ إنها مسألة غريبة ومضحكة وعجيبة! وإني أعجب من أناس تعرفه مرة تلقى معه دكتوراه، أو ماجستير، أو يدرس في جامعة متطورة متقدمة، ويقول: هؤلاء عندهم كذا! تجد الرجل -لو تدخل المعمل- اكتشف أدق الميكروبات، أو لو عمل معادلة حسابية لاكتشف (سين) المجهولة، أو يعمل شيئاً يكتشف العلة بالضبط، لكن أكبر حقيقة لا يعرفها، سبحان الله العلي العظيم! أكبر حقيقة إطار هذا الموضوع تجده لا يراها! إن بعض الناس يصدق فيه ما حصل للطفيل بن عمرو، لما سمع بخروج النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، قيل له: إنك تأتي إلى رجل كلامه السحر، فاجعل في أذنيك الكرسف -وهو القطن- حتى لا يؤثر عليك، فأخذ الطفيل بن عمرو القطن ووضعه في أذنيه، وذهب إلى مكة حتى لا يسمع، ثم قال: أما وإني من أشعر العرب، وأميز سجع الكهان من الشعر وغيره، فلماذا لا أزيل هذا القطن وأسمع، فإن كان ما يقول محمد حقاً قبلته، وإن كان باطلاً رددته؟ فجاء وسمع من النبي، فسمع كلاماً حقاً، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. فنحن نقول للذي قتله الشيطان بعداوة الوهم والخوف والإرجاف والتثبيط (عندهم ما عندهم، وراءهم ما وراءهم): هل هي منظمة سرية؟ ثم إن الدعوة إلى الله جل وعلا بفضل الله ينبغي ألا يوجد فيها حزبية، وأن تخرج عن إطار الحزبية الدعوة إلى الله في المساجد، الدعوة إلى الله علناً، لا يتردد الداعية أن يطرح الحق الذي عنده على الرصيف، أو في مقهى في شيشة، أو في مطعم، أو في مسجد، لأن عنده حقاً لا يتردد في تقديمه، وليس عنده شيء يخفيه أبداً، الحق واضح، وبفضل الله جل وعلا ما قد رأينا محاضرة سرية، وإلى الآن ما رأينا مشروعاً سرياً أبداً، بل يدعى الناس أن يأتوا، ولعلنا نطلع على ما يخطط العلمانيون الذين كانوا كفأر يوسوس خلف حائطٍ، نعم هؤلاء أعداؤكم، ولا تقولوا: ما عندنا أعداء، لنا أعداء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان له أعداء يخططون في الليل والنهار، سراً وجهاراً. إذاً: فالدعاة الذين كلامهم ومحاضراتهم وحديثهم على الملأ في وضح النهار والله ليسوا بأعداء، إنما الأعداء كما قال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} [النمل:48]، الأعداء الذين يتهامسون سراً، ولا ينبغي أن يوجه إليهم الإعلام حتى يفسدوا الأمة، هم يتمنون ذلك، ولا يلزم من كلامي هذا أن يوجد الآن من يفسد، قد يوجد ونحن لا نعلم الغيب، لكن عداوة الإرجاف والتثبيط هذه هي التي قتلت، لذلك أقول: أخي الحبيب! إياك إياك أن تكون عدواً لإخوانك أو لنفسك بعداوة الوهم والإرجاف والتثبيط التي يزخرفها ويزينها ويوسوس بها الشيطان عليك.

هل وجود الأعداء يضرنا؟

هل وجود الأعداء يضرنا؟ ختاماً: هل وجود الأعداء يضرنا؟ لا والله {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:15 - 17] {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل:50 - 51] {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} [الأنفال:36]، كم أنفقت روسيا في أفغانستان من مليارات؟ وماذا كانت النتيجة؟ حسرة التمزق، وحسرة التفكك، وحسرة الضياع التي انتهت إليها تلك الإمبراطورية الهشة على عقيدة مضادة للفطرة، أو على نظرية مضادة للفطرة. إذاً: فوجود العدو لا يزيدنا إلا تماسكاً، ولا يزيدنا إلا إعداداً، ولا يضرنا، وموقفنا تجاه الأعداء أن نعمل ونجتهد، وأن ننشر الخير في مجتمعاتنا يا إخوان! الأعداء يخططون من مبدأ انتج اسمه: تنبؤات المستر أداموت، هذا الفيلم عجيبٌ جداً، والذي أنتج هذا الفيلم ذكي بطريقة عجيبة، أراد من خلاله أن يقول: إن رجلاً اسمه أداموت، تنبأ منذ القدم بوقوع كوارث في العالم فوقعت، وتنبأ بأشياء كثيرة، منها مقتل كذا رئيس أمريكي، فقتل في المكان والزمان الذي حدده، وتنبأ بسقوط شاه إيران؛ فحصل، وتنبأ بـ النازية وهتلر وحصل، وتنبأ بـ موسليني؛ وحصل، وتنبأ بالحرب العالمية الأولى والثانية؛ وحصلت، ثم يقولون: الآن وقد تنبأ بحصول معارك طاحنة ستكون بين رجل يخرج من جزيرة العرب، فيقاتل الغرب، ثم يضرب نيويورك، ثم بعد ذلك تستخدم في هذا الأسلحة الروسية، ويرد على المارد العربي القادم بأسلحة مضادة، ثم يشمل العالم دمار رهيب، ويصيب العالم رعب مخيف جداً. عداوات متطورة، ليست عداوات شتم، ولا عداوات سباب، وللأسف نحن -معاشر المسلمين- حينما نقف في مواجهة عدو، وحينما نثبت في مضادة خطر، تجد أن عندنا سبعين في المائة كلام، وثلاثين في المائة عمل، إلا من رحم الله من المسلمين، لكن الأعداء ما رأينا يوماً زعيماً كافراً يسب ويشتم المسلمين، لكنه يطحن المسلمين طحناً، ويعذب وهو ساكت نعم، العداوة التي تترجم إلى عمل، نحن نريد أن نترجم مواقفنا تجاه الخطر، وتجاه العدو، وتجاه كل شيء يهددنا أن نترجمها إلى عمل، عندنا خطر وافد علينا، نترجم هذا الخطر بالاهتمام بأولادنا، بالاهتمام بالنشء، بالاهتمام بالشريط الإسلامي الاهتمام بالكتاب نشر الخير مضادة المنكر مضادة أهل الفساد مضادة الذين يريدون قلب الهوية من إسلامية إلى علمانية، ومن توحيد خالص إلى شوائب مختلفة، نترجم هذه المواقف إلى برامج عملية فهل تستطيعون؟ وهل تقدرون؟ وهل تفعلون؟ نسأل الله أن نكون من العاملين، وأسأله سبحانه وتعالى أن يكون ما سمعناه حجةً لنا لا علينا، وأنتم -يا أحبابي- ما سمعتموه من حق وصواب فهو من الله وحده لا شريك له، ليس مني، ولا بي، ولا إليَّ، ولا لي، وإن كان خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً على حضوركم، وصلى الله وسلم على محمد.

كشمير ومآسيها

كشمير ومآسيها كشمير مأساة بيّنت الحقد الهندوسي على الإسلام والمسلمين، فيها قصص تقشعر لها الأبدان، وإحصائيات تفوق الخيال. ومن أجل ذلك كان لابد لكل مسلم يعيش قضايا إخوانه المسلمين أن يعلم مآسي المسلمين هناك وماذا يفعل الهندوس بهم، وما هي أساليبهم وسياساتهم للقضاء على المسلمين، وما هو دور اليهود في هذه القضية، وبعد ذلك سيتضح لك أن لا خيار للشعب الكشميري إلا الجهاد والجهاد فقط، فهل سيجدون منكم ناصراً ومعيناً؟!!

لمحة عامة عن كشمير

لمحة عامة عن كشمير الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: حديثنا اليوم رسالةٌ مهمة، وبرقيةٌ عاجلة خطيرة، عن قضيةٍ منسية، أو مجهولةٍ عند بعض المسلمين، صرخات لم نسمعها، حتى رأينا أفواه القتلى مفغورة تدل عليها، وحناجر بُحَّت لم نلتفت لها حتى رأينا بصمات المُدى وآثار السكاكين على حلوق الأبرياء، ودموع سكيبة لم تُمسح حتى سال الدم بدل الدموع على الخدود. ولكنني لما رأيتك غافلاً وقد كنتَ لي كفي وزندي ومعصمي بكيت دماً يوم النوى فمسحته بكفي فاحمرت بناني من دمي فلو قبل مبكاهم بكيت صبابةً لكنتُ شفيتُ النفس قبل التندمِ ولكن بكوا قبلاً فهيَّج للبكا بكاهمْ فقلت: الفضل للمتقدمِ

حال مسلمي كشمير

حال مسلمي كشمير استغاثات تترا من مسلمات تُهتك أعراضهن، ولم يجدن من ينجدهن حتى رأينا جثثهن في النهر شاهدةً على الفرار من الاغتصاب، وبيوت هُدِّمت، ومنازل أحرقت، فلم يُلتفت لدخان الحريق، أو وجبات الجدران والأعمدة حتى رأينا المهاجرين والمشردين والجوعى والعراة، فهل بتنا لا نصدق حفوف المخاطر بنا حتى نرى فعل الطغاة والبغاة في أبداننا! أيها الأحبة: هذا كله في كشمير أرض المستضعفين الذين يقولون: ربنا هيء لنا من أمرنا رشداً، واربط على قلوبنا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.

موقع كشمير

موقع كشمير كشمير أقليم كأنه جنةٌ من جنان الله في الأرض، يجاوره جواراً غاشماً الاستعمار الهندوسي من الجنوب الشرقي، والصين الشيوعية الملحدة من الشمال الشرقي، وما يسمى بـ الاتحاد السوفيتي سابقاً من الشمال الغربي، ودولة الباكستان من الجنوب الغربي. وتمتد حدود هذا الإقليم (جامو وكشمير) مع باكستان إلى أكثر من سبعمائة كيلو متر، بينما الحدود المتاخمة للهند لا تجاوز ثلاثمائة كيلو متر.

أصناف السكان وأعدادهم في كشمير

أصناف السكان وأعدادهم في كشمير وعدد سكان كشمير: اثنا عشر مليوناً، (85%) منهم مسلمون، والبقية سيخٌ وهندوس. أرضٌ ريانةٌ فينانة بحدائقها وأنهارها وجبالها التي يجللها بياض الثلوج، أصبحت الآن إقليماً ملتهباً، حرارةٌ على سطحٍ بارد. وكشمير الآن قسمان: قسمٌ محرَّر. وقسم محتل. يتكون من الوادي الكبير؛ وادي كشمير، وجامو، ولداغ، والغالبية العظمى -كما قلنا- للمسلمين.

تاريخ كشمير مع الإسلام والمسلمين

تاريخ كشمير مع الإسلام والمسلمين ما تاريخ هذه الولاية مع الإسلام والمسلمين؟ في أواخر القرن الرابع عشر قَدِم داعيةٌ مسلم اسمه: بلبل شاه، قدم هذه البقعة الجميلة، فدعا مَلِكَها الذي يسمى: رينجن شاه، فأسلم الملك البوذي، واختار لنفسه اسماً إسلامياً، فتَسمى بـ صدر الدين، وأسلم معه كثيرون من القادة ورجالات الدولة. واستمر الحكم الإسلامي في كشمير حتى سنة (1819م) حيث استولى عليها السيخ. وفي عام (1846م) احتلها منبع كل شر، وأصل كل فتنة، ودعاة كل فرقة، احتلها البريطانيون الإنجليز، ثم قام الإنجليز ببيع الولاية وسكانها إلى طائفة من القبائل الهندوسية والوثنية، واسمها: الدوجرة، باع البريطانيون المسلمين والإقليم الذين يعيشون عليه {بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف:20] بِيْع الرأس المسلم ذكراً كان أم أنثى، صغيراً أو كبيراً بسبع روبيات. وفي تلك الفترة نشأت حركة التحرير لولاية جامو وكشمير، بقيادة مؤتمر مسلمي جامو وكشمير، وكانت تلك الحركة تهدف إلى إنقاذ الولاية المسلمة من براثن الملك الهندوسي هيري سنغ، وانضمامها إلى دولة الباكستان المجاورة، فتحرك العملاء ونشط المفسدون وأسسوا حزب المؤتمر القومي لولاية جامو وكشمير؛ لأجل إفساد عمل المسلمين والسعي إلى انضمام الولاية إلى الهندوس، وهذه مصيبة كل المسلمين في هذا الزمن؛ أن تتسلط الأقليات المنحرفة الكافرة على الأغلبيات المسلمة الصالحة؛ أن يتسلط الكفار على المسلمين، ولا أستثني إلا بقاعاً معدودةً محدودةً على وجه الأرض. لقد تحركت الشبيبة المسلمة في كشمير، واستبسل المسلمون وقاموا بتحرير جزء كبيرٍ من ولايتهم على إثر تلك الإهانات والخيانات، وسَمَّوا ما حرروه: كشمير الحرة، عام: (1947م) واستطاعوا بفضل الله أن يخيبوا وينقُضُوا بمنطق القوة تلك الاتفاقية التي أجراها الملك الهندوسي، والتي تنص على إبقاء وضع كشمير كما هو معلقاً لا يُحسم حسبما وعدوا سلفاً، وما أكثر مواعيدهم، وعدوا أن الشعب الكشميري هو الذي يقرر مصيره بنفسه بأن ينضموا إلى الهند أو إلى الباكستان، ولكن لم يفُوا بهذا. ولم يقف الظلم عند هذا الحد، بل تعدى الملك الهندوسي وتسلط فأبرم اتفاقيةً أخبث من آنفة الذكر بعد فراره على إثر حملات التحرير المسلمة من قبل الشباب المسلم، حيث وقَّع اتفاقيةً بموجبها يضم كشمير إلى الهندوس، والعجيب أن يتم هذا ويجثم الهندوس على صدور المسلمين في المناطق التي لم تحرَّر من كشمير في وقتٍٍ تتابعت فيه تصريحات زعماء الهندوس السابقين واللاحقين، ومن أبرزها: تصريحات عديدة للهالك جواهر لال نهرو، حيث يقول: إن ضم أي إقليم أو ولاية متنازَعٍ عليها ينبغي أن يبت فيها طبقاً لرغبات الشعب، وإن شعب كشمير سوف يقرر مسألة الانضمام إلى من شاء.

خيانة الهندوس لأبناء كشمير

خيانة الهندوس لأبناء كشمير أيها الإخوة: لقد كانت القرارات الدولية المتعلقة بتقسيم منطقة جنوب آسيا عام: (1947م) تنص على: أن تنضم ولاية جامو وكشمير لـ باكستان، وفقاً للقرار القاضي بأن المناطق ذات الأغلبية المسلمة تنضم إلى الباكستان، ولكن وعلى إثر تلك الاتفاقية الزنيمة استعمل الهندوس المحتلون ما ورد فيها، وجعلوا ذلك ذريعةً للسيطرة على الولاية وأهلها، فانتشر الجيش الهندوسي مع جيش الرئيس الدعي الفار، وبتأييد من روسيا، وبدءوا مسلسل القتل والنهب والهتك والحرق على فصول داميةٍ أليمةٍ، لم تنتهِ حتى هذه الساعة. وفي تلك الفترة هرب ما يزيد على نصف مليون مهاجر إلى الباكستان، وقامت الحكومة الهندوسية، فأعلنت خدعةً لمن يريد السفر إلى باكستان أنها سوف تساعده، ولا تمانع من هجرته، فلما اجتمع الأغرار الراغبون في الهجرة فُتحت أفواه الرشاشات على صدورهم ورءوسهم فسقطوا على إثر ذلك، وسقط ما يربو على نصف مليون قتيل ما بين رجلٍ وامرأة، وعجوزٍ ورضيع، وبعد هذا كله رُفعت هذه القضية إلى أروقة الأمم المتحدة (الأمم المتحدة على المسلمين) رُفعت أوراق القضية لتتمطى في أدراج ومقاعد هيئة الأمم ولتعيش مخاضاً أليماً أنتج قراراً مشوهاً، وهو: وقف إطلاق النار في الولاية، وعدم انسحاب الهندوس من أرض المسلمين. وفي عام: (1949م) تم ذلك وليس ببعيد أن يكون هذا القرار وميلاده لَمَّا خيف على الهندوس من حملات المسلمين وجهادهم المستميت، ولَمَّا خُشي أن تسري روح الجهاد في نفوس الناس هناك، ثم أنتجت تلك القرارات التي نصت على إجراء الاستفتاء في الولاية ليقرر الشعب مصيره، ولكن لم يذعن الهندوس لهذا، أو يظهروا جديةً في تطبيق القرار، أو يفوا بوعود زعيمهم جواهر لال نهرو، بل تجاهلوا ذلك كله، واليوم بدءوا ينكرون القضية من أصلها، متجاهلين ما سلف منهم وعنهم؟ وفي عام: (1965م) قرر المسلمون أن يقوموا بالجهاد المقدس ضد الاستعمار الهندوسي، ولما انطلقت شرارة القتال الأولى حمل المسلمون حملاتٍ باسلة أفزعت الهندوس، فلم يجدوا مخرجاً سوى توسيع دائرة المعركة، فلما نشبت المعركة رد الهندوس بهجومٍ شامل استهدف كشمير وباكستان بالدرجة الأولى من أجل خلط أوراق القضية، ومع هذا باء الهندوس بفشلٍ ذريع، وهزائم مخزية، ولما رأى أعداء الإسلام أن الكفة في هذه المعارك لصالح المسلمين تدخَّل الاتحاد السوفيتي سابقاً ليكون حَكَماً في هذه القضية، وكالعادة قُلِبَت الموازين وجُعِل الظالم بريئاًَ، والمظلوم غاشماً معتدياً. وبعدها التفت الهندوس مرةً أخرى التفاتة الذئب إلى فريسته بعد مطاردةٍ مضنيةٍ منهكة، فقام يجر شحنات هوانه والخزي الذي لحقه، لينتقم في أبدان الجياع والعزل والأبرياء من أبناء كشمير المسلمة، وتلكم صورةٌ من صور انتقام الجبناء.

أساليب وسياسات الهندوس

أساليب وسياسات الهندوس ولم يكتف الهندوس بسلوك الطرق العشوائية البربرية لتصفية المسلمين، بل درجوا على الاستفادة من تجارب السابقين، الذين شهد عليهم التاريخ بممارسة تلك الأدوار الدامية الأليمة، حيث أرسل الهندوس خبراء كباراً إلى أسبانيا ليتعلموا من ملفات محاكم التفتيش، وخبراء إلى الاتحاد السوفيتي ليتعلموا من اضطهاد المسلمين في تركستان الشرقية، وليدرسوا السياسات والأساليب التي انتُهجت لإجهاض صحوة المسلمين وتصفيتهم، وكان أول قرارٍ خرجوا به:

نشر الفساد وطمس الهوية الإسلامية

نشر الفساد وطمس الهوية الإسلامية محاربة التعليم الإسلامي، وطمس الهوية الإسلامية، وتشجيع الزواج بالهندوسيات، كل ذلك يسير جنباً إلى جنب مع نشر الفساد، وأشرطة الدعارة، ومواخير الرذيلة، وأماكن الزنا، لإفساد الشعب الكشميري المسلم. لذا دأب الشباب المسلم في كشمير المحتلة على التحذير من الزواج بالهندوسيات، بل والتهديد، ومهاجمة محلات الخمور والفيديو والسينما، مع السعي الحثيث إلى نشر التعليم الإسلامي ولو بأبسط الأساليب للمحافظة على الهوية الإسلامية في المنطقة.

تنشيط العمالة والنفاق بين الشعب

تنشيط العمالة والنفاق بين الشعب وأما سعي الهندوس لشق صفوف المسلمين، وتشجيع وتنشيط العمالة والنفاق بين الشعب، فحدث عن هذا ولا حرج، ولأجل ذلك شجَّع الهندوس قيام حركةٍ في وسط كشمير؛ حركة علمانية يسارية باسم (جبهة تحرير كشمير المحتلة) والتي ربما تكون سبباً في إشعال حربٍ قادمة بين الهند وباكستان، علماً أن أتباع هذه الجبهة العميلة لا يشكلون نسبة اثنين في المائة من كشمير الحرة. أيها الأحبة: وحيث يسعى أتباع هذه الجبهة إلى عبور خط الهدنة الفاصل بين كشمير الحرة وكشمير المحتلة وذلك: لتقوم السلطات الهندوسية بالقبض على زعيم الجبهة العلمانية، ولتصنع منه بطلاً ورمزاً يتفاوض الهندوس معه وليغطَّى بذلك على القيادات الإسلامية، ويسحب البساط منها ويسلط الضوء على العميل اليساري. هذا أولاًَ. وثانيا: ً لإيجاد فوضى لا حدود لها في باكستان حينما تمنع مسيرة عبور الحدود، حتى لا تندلع الحرب من جديد مرةً ثالثة أو رابعة بين الهند وباكستان. ومما لا شك فيه أن هذه سياسةٌ هندوسية غربية لفصل كشمير الحرة عن المسلمين، وصرف الأضواء عن القادات الإسلامية، وقادات الجهاد الإسلامي في كشمير إلى قيادات علمانية، كما حصل في كثيرٍ من البلاد المسلمة التي نالت استقلالها ونشرت نفوذَها على أراضيها.

الدعوة للردة بعد التهديد

الدعوة للردة بعد التهديد لقد دأب الهندوس ومضوا في عرض أفلامٍ على جماعات السكان من الرجال والنساء والأطفال، يخرجونهم ثم يعرضون عليهم أفلاماً تحمل صوراً ومشاهد وثائقية -صوراً حية- مليئة بالذبح والقتل، والتعذيب والإهانات، ثم يقال لهؤلاء العزل بعد مشاهدة المشاهد الحية والوثائقية: هذا جزاء من أصر على الإسلام ولم يعتنق الهندوسية، وبعد ذلك لا يملك بعض الأبرياء العزل والخائفون الجهلة إلا أن يذعنوا ويرتدوا.

محاربة المسلمين ومحاولة إبادتهم

محاربة المسلمين ومحاولة إبادتهم وأما سياسات الهندوس وأساليبهم في القضاء على المسلمين فتتلخص فيما يلي: تغيير المناهج التعليمية في المدارس. إيقاف تدريس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. نشر الإباحية والفساد الخلقي في المعاهد والكليات. تشجيع التبرج والسفور. تشجيع الزواج بين المسلمين والهندوس. تنشيط الخلاف والشقاق في صفوف المسلمين. منع ذبح البقر تقديساً لها. إباحة الخمور والمخدرات. تأسيس دور السينما والملاهي الليلية وحمايتها. المنع من تعدد الزوجات. تحديد نسل المسلمين بنشر كل غذاءٍ ودواء في تركيبه ما يُسبب العقم للرجال والنساء. هذه الأساليب السلمية ظاهراً، وأما أساليب القمع فأستأذنكم في إزاحة الستار عن مشاهد الحزن والأسى كي نسمع ونرى وقود المعركة، وضريبة المواجهة، وثمن العزة. وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ وما هو عنها بالحديث المرجَّمِ آلافٌ من المعتقلين دون محاكمة أو وفق قانون يسمح بذلك. شيوع أعمال العنف. سوء المعاملة لكل مسلم على نطاقٍ واسع مما سبب موت الكثير من الأفراد. وتخصيص الهندوس؛ يخصص الهندوس وقد نطق بهذا أحد الدعاة السلفيين الصالحين المعروفين؛ جاء إلى مسجدنا هنا في ليلةٍ من ليالي رمضان، وأخبر والدموع تترقرق من عينيه، وقال: إن الهندوس الآن حينما يريدون أن يمارسوا نوعاً من الذل والهوان، فإنهم ينزلون في قرية مسلمة وبمكبرات الصوت ينادَى المسلمون في بيوتهم أن افتحوا أبوابكم هذه الليلة لأجل ماذا؟ لكي يدخل عبدة البقر فيزنوا بمن أرادوا، ويغتصبوا من شاءوا، ويشذوا ويلوطوا بمن شاءوا، والويل لمن أغلق بابه، فالموت بإطلاق النار من فوهات البنادق والرشاشات لمن أبدى أدنى مقاومة.

نماذج من القهر والتسلط على الأبرياء العزل في كشمير

نماذج من القهر والتسلط على الأبرياء العزل في كشمير وهاكم نماذج من القهر والتسلط على الأبرياء العزل في كشمير المحتلة: في قرية كنام بوشي بورا، في ليلة الثالث والعشرين من شباط فبراير عام: (1991م) -واسمحوا لي أن أنقل هذه التواريخ بالميلادي- دخل القرية مئاتٌ من جنود الكتيبة الرابعة التابعة للفرقة (68) مشاة، وفي ليلة باردة أُخرج السكان من منازلهم، وأوقف الأطفال والرجال والنساء في ملابس نومهم في العراء، وهم ينتفضون ويقشعرون من البرد، ودقت ساعة الصفر، فدخل الجنود ينهبون ويحرقون ويغتصبون؛ فحطموا الأبواب وطافوا بالبيوت واغتصبوا ثلاثاً وخمسين امرأة؛ أصغرهن: الطفلة ميشرا البالغة من العمر ثلاثة عشر عاماً، وأكبرهن: العجوز جانا البالغة ثمانين سنة، وكل واحدةٍ من الثلاث والخمسين امرأة تعرضت للاغتصاب الجماعي المتتابع المتوالي. وهاكم قصةً أليمةً لمسلمةٍ انتهك الهندوس عرضها، فكتبت هذه الرسالة تقول فيها: نحن أخواتكم بين براثن الجنود الهندوس منذ أكثر من أربعين سنة، تُنتهك أعراضنا ليلاً ونهاراً، يتعاقب عبدة البقر على عوراتنا، غير أننا منذ سنتين بدأ الهندوس في مزيدٍ من هذه الأفعال، وبصفة جماعية ووحشية، وكم انتظرنا من إخواننا في العالم الإسلامي أن يهبوا لنجدتنا كما قام محمد بن القاسم الثقفي لنجدة مسلمةٍ في السند، ولكننا عندما لم نجد ولم نرَ أي استجابةٍ لصرخاتنا ظننا أن المسلمين لا يعرفون عما حدث بنا، ولا يدرون عما حل بنا على أيدي الهندوس فقررت أن أكتب هذه الرسالة. تقول المسلمة المغتصبة الهاربة: قررت أن أكتب هذه الرسالة، وأضعها في عنقي وألقي بنفسي في نهر جيلم لعل جثتي أن تصل إلى كشمير الحرة، أو إلى باكستان، وتصل الرسالة معها إلى إخواننا في العالم الإسلامي. وبالفعل لقد وُجِدت تلك الجثة الغريقة طافيةً على شاطئ النهر، وُجِدَت في كشمير الحرة، ونُشِرت الرسالة في الصحف الباكستانية، ونُشِرت في الصحف الإسلامية، وتُلِيت على أسماع المسلمين وكان ماذا؟ تسعون ألفاً لعمورية التهبوا واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عُصِر الزيتون والعنبُ وأما تصفية قادة المسلمين في كشمير: فقد قتل الشيخ محمد فاروق إمام أكبر مسجدٍ في كشمير، أطلق عليه الرصاص في مكتبه بوابلٍ من الطلقات، وعندما شيع المسلمون جنازته لم يقف الحقد الهندوسي في الحياة، بل تبعه حتى بعد فراق الحياة وبعد الممات، أطلقت الشرطة الهندوسية على مشيعي الجنازة بل وعلى الجنازة فوق النعش نيرانها وقتلت الكثير من مشيعي الجنازة. وأما إخصاء المسلمين وتحديد نسلهم وتهجيرهم وتوطين الهندوس مكانهم كما يفعل اليهود الآن في فلسطين: فحدث عن هذا ولا حرج. أيها الأحبة: لقد نشطت الجمعيات الهندوسية الداعية إلى تكفير المسلمين وردتهم عن دينهم، وكثفت جنودها في كثيرٍ من المناطق التي يسودها الجهل، وحققت بعض ما تصبوا إليه، إذ ارتد حتى الآن أكثر من (مائتي ألف مسلم) حسب الإحصائيات الواردة، ولا يملك المسلمون في الهند إلا القلق والأسى أمام إخوانهم الذين يرونهم يرتدون وهم عاجزون أن يقدموا لهم شيئاً. أما هذه الواقعة التي ستسمعونها الآن فتهيئوا بجأش ربيط، وصبروا مشاعركم لاستماعها: استغاثة إلى الضمير من أحد الكشميريين الذين ابتلوا على أيدي مفترسي الهندوس. يقول المظلوم: في لحظاتٍ غير بعيدة دخلت فرقة من قوات الأمن الحدودية، دخلت بيتي كأنها حيواناتٌ مفترسةٌ من الغابة، وكنت الرجل الوحيد في البيت، أردت الفرار لإنقاذ حياتي ولكن وجدت العافية في إلقاء القبض علي لما رأيت الأسلحة في أيديهم، كنت الرجل الوحيد بين يدي أطفالي وزوجتي، أخرجوني من البيت ثم ربطوا الرباط على عيني، وربطوا يديَّ خلف ظهري وزوجتي وبناتي وأطفالي كلهم ينظرون ويصرخون لهول هذا المشهد، ولكن لم يستطيعوا أن يقدموا شيئاً من شدة الرعب والوحشية، أدخلوني في الشاحنة بعد أن غطوا عينيَّ وربطوا يديَّ، والشاحنة كانت مليئةً بشباب كشمير المسلم، والصراخ والأنين يمزقان نياط القلوب، والجنود يسبون ويضربون بأطراف البنادق، فجأةً علت صرخة مؤلمة حين ضُرِبَت جمجمة المسلم الكشميري بعقب البندقية، فسقط على ظهره مغمىً عليه، ضحك الجنود وقهقهوا؛ لأنهم يتمتعون بهذا المشهد، وكانت الشاحنة تتوجه إلى مقرها المجهول، وما كان لنا إلا أن نتحمل ضربات البنادق، وكان هؤلاء الظالمون يمشون أحياناً على جثث الناس، ثم يدوسون أجسامنا بأحذيتهم، وقفت الشاحنة بعد مسافة استغرقت الساعات، وبدأنا ننتظر مصيبةً جديدةً متوقعة، ما علمنا عن مكان وجودنا إلا بأصوات الطائرات كأننا بجوار مطار سرنغار، كانت أيدينا مربوطة والعيون مغطاة غير مفتوحة، فكيف ننزل من الشاحنة، هذا ما كنت أفكر به حين ضربني أحد الجنود بقدمه وركلني من ظهري فسقطت على كومة الناس كما يلقى كيس الدقيق، ثم تتابع سقوط الآخرين علينا، وأثناء سقوطي شعرت أن في فمي حصاة ملحٍ، نُقِلْتُ في هذه الحالة إلى غرفةٍ حيث وجدت أنني وحيد، وأخرجت من فمي حصاة الملح، ولكنني وجدتها سناً من أسناني فما كان الملح في الفم إلا الدم الذي سال بسبب نزع السن لأن الإصابة كانت شديدة، وفجأةً ضرب أحدهم بساق البندقية على رأسي، فساد الظلام في عيني، ثم وقعت على الأرض مغمىً علي، ولما استعدت الوعي وجدت رجلين، واحداً يمسكني من اليدين، والآخر من القدمين، ونثرا في عيني مسحوق الفلفل فبدأت أتململ من شدة الألم، طلبت شربة ماء، فقيل لي: أتريد ماءً ردد ونادِ وادعُ إلهك الذي تسبح به، ادع إلهك وردِّد كلمةً يرددها المسلمون، يريدونه أن يقول: (لا إله إلا الله) فأخذ يصرخ بملء فيه: (لا إله إلا الله، لا إله إلا الله) فقيل له: قف، فقد دنا وصول الماء إلى فمك، وما هي إلا لحظات إلا وجنديٌ هندوسي يبول في فم هذا المسلم، ثم علقوه من رجله إلى سقف الزنزانة والصرخات كانت ترتفع من كل جانب، يقول: شَمَمْتُ رائحة احتراق اللحم، كانوا يطفئون السجائر في أجسام السجناء، والسجين ينادي بصوتٍ عالٍ: الله الله والجنود يستفسرون منه: أين ولدك يا حمار؟ والشيخ يتضرع إليهم بقوله: ابني لم يعد منذ سنتين ولا أعلم عنه شيئاً، أنا أبٌ لأربع بنات، ارحموني لله، فيرد الهندوسيون بقهقهة وهم يتمتعون بتعذيبه: هل تأتي لنا ببناتك لو أطلقنا سراحك؟ ثم ضرب أحدهم الشيخ بقدمه فيسقطه مغمياً عليه، ثم تنبعث رائحة احتراق الشعر، كان الظالمون الهندوس يحرقون لحية الشيخ، ولما بدأ هذا الحريق يشتعل في لحية الشيخ وبلغ وجهه وأخذ يصرخ تقدم أحدهم يطفئ الحريق ببول يبول به على وجه الشيخ. إلى الآن يقول هذا المسلم: كنت معلقاً وأشعر بأن الدم يجتمع في رأسي ووجهي، وكاد رأسي ينفجر، ولما أفاق الشيخ الذي بجواري من الإغماء، طلب الماء للوضوء، فقال أحدهم: قم وتوضأ بالبول يا حمار. ثم تقدم الوحشيون إلى شيخٍ آخر، وقالوا له: يا حمار لقد قُتِل ابنك، ولو سلمت إلينا بنتك لأطلقنا سراحك، ثم بصقوا على وجه الشيخ واحداً بعد الآخر، ثم مزقوا لباسه وأظهروه يجرون سوءته، ويسألونه ويقولون: أين كلاشينكوف ولدك؟ كان معظم المعتقلين يقضون حوائجهم من الغائط في أحذيتهم، أما الماء فيقدم في الصباح قليلاً وفي المساء قليلاً في آنيةٍ مملوءةٍ ممزوجةٍ مقذرةٍ بالبول والغائط. ولا تسل عن عدد الشيوخ والصالحين المسلمين الذين نراهم يهانون بإظهار عوراتهم وسوءاتهم أمام الآخرين، أنواعٌ وألونٌ من الهوان. وبعد هذا يقول: نقلنا بالطائرة إلى مدينة جامو، وكنا ثلاثين شاباً، بعد الخروج من المطار وصلنا إلى مركز التفتيش، حيث كانت جماعة من المفترسين في انتظارنا. ثم ماذا جرى علينا من أنواع التعذيب بعد ذلك؟ ألقونا في حافلةٍ ونحن في حالة إغماء، وعاد إلينا الوعي حين مررنا من سوق جامو والجيوش يصبون علينا ألوان النجاسة من البول والغائط والماء الفاسد، وهنا ازدحموا وبصقوا علينا وركلونا، وقالوا لنا: مبروك التحرير، خذوا الحرية، وذوقوا لذة الاستقلال. بعد ذلك: وصلنا إلى مركز تعذيبي في جامو وواجهنا أشد أنواع التعذيب في أول وهلة، كووا أجسامنا بقضائب متأججة، وأدخلوا شموعاً مشتعلةً في بطون الشباب، وأنواعاً من الحديد ملتهبة في أدبار الرجال، وكانوا يسوقون الإسطوانات الثقيلة على الأجساد، ومن أنواع الأذى كانوا يجرون الأجفان، والألسنة، والشفاه، وشعر اللحى، وبعد شهرٍ كامل تركونا على شوارع سرنغار في ليلةٍ باردة، سلبوا منا النقود وسلبوا منا كل شيء وبعد ذلك رموا بنا في الشارع، ولما عدنا إلى بيوتنا علمنا أن أقاربنا قد قتلوا، والشباب ألقي القبض عليهم، والنساء المسلمات اغتصبن وانتهكت أعراضهن، وسمعت وعلمت أن كثيراً من النساء ألقين بأنفسهن من سطوح المنازل حفاظاً على أعراضهن في عملية دخول الجنود للقرية، وعملية اغتصاب الأطفال والنساء. لماذا يذبحون ونستكينُ ولا أحدٌ يرد ولا يُبينُ أللإسلام نسبتنا وهذا دم الإسلام أرخص ما يكونُ تغوص خناجر الهندوس فينا وينحرنا التسلط والجنونُ ونحن نغط في نومٍ بليدٍ وتضحك من بلادتنا القرونُ وإن المؤمنين بكل أرضٍ شريدٌ أو سجينٌ أو طعينُ لقد ضاقت سجون الأرض فيهم وما ضاقت بهندوسٍ سجونُ دم الإسلام مسفوحٌ فمن ذا يرد له الكرامة أو يصونُ تحاصرنا المجازر كل يومٍ وتهدم في مرابعنا الحصونُ فكم من مسجدٍ أضحى يباباً وعاث به التهتك والمجونُ نباد نباد والأموال فينا على هلعٍ يضن بها الضنينُ فلا خيل الفتوح ت

إحصائيات الأحداث في كشمير

إحصائيات الأحداث في كشمير عدد الشهداء والقتلى -نسأل الله أن يجعلهم شهداء: (21. 780شهيداً)! والجرحى من الرجال والنساء: (22. 000 جريح)! والطلاب الصغار الذي أحرقوا وهم أحياء في منطقة كبوارة: (220 طفلاً)! و (400) طفلٍ في مدرسةٍ ابتدائية هُدمت المدرسة عليهم! والسجون مليئةٌ بما يزيد على (18. 000) شابٍ، يَلْقَون ألوان التعذيب، والمسجونون غيرهم كثير! وأما الذين أحرقوا: فقد جاوزوا المئات! والمهاجرون: جاوزوا عشرات الآلاف! ومن عزلوا من وظائفهم من المسلمين: جاوزوا الآلاف! وأما اللاتي انتهكت أعراضهن: فقد نِفْنَ على الخمسة آلاف امرأة! عدد النساء اللائي قُتِلن بسبب هتك الأعراض، بسبب توالي الهندوس على فروج المسلمات: مات أكثر من (110) نساء! عدد النساء اللائي هربن وألقين بأنفسهن في النهر: أكثر من (200) امرأة! عدد الحوامل اللائي أجهضن: بلغن (60) امرأة! عدد اللائي توفين خلال عملية الولادة، إذ لا عناية ولا علاج: أكثر من (200) امرأة! عدد الذين قطعوا خصيهم جبراً وقهراً في قرية كيلو بورا: أكثر من (400) شاب، يجرد المسلم، وتُجَر خصيته، وتقطع، ويقال له: حتى لا يخرج من نسلك أو من ظهرك مسلم أبداً! وأما الذين ذبحوا ذبح الشياه أمام الآباء والأمهات: ينيفون على الثلاثمائة شاب! وعدد الأطفال الذين ماتوا بسبب المجاعة والتشرد: أكثر من (230) طفلاً! والمتاجر التي أحرقت: تزيد عن (20. 000) متجر! والمدارس؛ مدارس تعليم القرآن وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تزيد عن (550) مدرسة: كلها أُحْرِقت وهُدِّمت! والأنعام التي أحرقت؛ المواشي، البهائم التي يملكها المسلمون، وهي مصدر رزقهم بعد الله؛ تحرق أمام المسلم، وتتدحرج دمعة المسلم وهو يرى مواشيه وأنعامه تحرق: أكثر من (1000) حيوانٍ وبهيمة! أما الزروع: فقد أتلفوا ما تزيد قيمته على (1000. 000. 000)!

بيان أن الخيار الأوحد للشعب الكشميري هو الجهاد

بيان أن الخيار الأوحد للشعب الكشميري هو الجهاد أيها الأحبة: ماذا عن إخواننا هناك؟ ومنذ أربع وأربعين سنة وأرض كشمير تودع الخضرة وترويها الدماء، وشعب كشمير يئن تحت وطأة الظلم والبغي الهندوسي ولا من سميع أو مجيب. نناديكم وقد كثر النحيبُ نناديكم ولكن من يجيبُ كان لا مناص ولا خيار عن الجهاد على أرض كشمير لإقامة دولةٍ إسلامية، حتى ولو أريقت الدماء، أو تدحرجت الرءوس، فلأن نقدم قرابين النصر والعزة من شباب الأمة لتحيا الأمة عزيزةً أبداً خيرٌ من أن نستسلم للذل والهوان، فتُذْبَح الأجيال تلو الأجيال خوفاً على الحياة، ثم لا نجد الحياة إلا بذلٍ وهوان، وقهرٍ واغتصاب، وهل من سبيلٍ غير الجهاد؟ رغم الوعود الهندوسية ووعود هيئة الأمم الزائفة والقرارات المتحدة ضد المسلمين لم يجرِ استفتاء لأجل مسألة الحكم الذاتي، أو انضمام كشمير لـ باكستان. هنيئاً للعالم بالنظام الجديد! هنيئاً للعالم بـ هيئة الأمم! هنيئاً للمستضعفين بهذه! هنيئاً لأولئك الطواغيت بهذه الأنظمة الجائرة! أيها المسلمون: هل من سبيل سوى الجهاد، وقتل الكشميري قانونٌ هندي؟! وهل من سبيل غير الجهاد، واغتصاب المسلمة الكشميرية أمرٌ عسكريٌ ملزِمٌ للجندي الهندوسي؟! وهدم المنزل، وإحراق الزرع ضرورةٌ تمليها مصالح الوثنيين؟! لأجل هذا بدأ الجهاد في كشمير، وتفجر في مواقع عديدة، والنصر قادمٌ بإذن الله، بدأ الجهاد بوصيةٍ من أمر الله وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وبدأت المواجهة، وكان ذاك ميراثاً ورثه الجيل المسلم في كشمير من شيوخه وعلمائه، أمثال: الشيخ/ نور الدين الداعية والواعظ المعروف ورئيس جمعية أهل الحديث المتوفى عام: (1405هـ). والشيخ/ غلام مباركي. والشيخ/ محمد يوسف شاه. والدكتور/ غلام علي. والشيخ/ أحمد وفائي. والشيخ/ سعد الدين. من المشايخ الذين حملوا لواء الجهاد هناك. وبالفعل وعلى أرض الواقع انطلقت شرارة الجهاد، وذاق الهندوس الألم كما ذاقه المسلمون، وصدق الله: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء:104] {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140]. فبحمد الله وعونه بلغ حتى الآن عدد القتلى من جِيَف الهندوس: ما يزيد على (10. 000) هندوسي. ناهيك عن المغامرات الليلية المثيرة الممتعة في خطف واغتيال القيادات الهندوسية. وأما تدمير المصالح الاستراتيجية للهندوس فحدث عن هذا ولا حرج. لقد كانت استجابة الشعب المسلم في كشمير المحتلة أكبر من الإحصائيات، وأكبر من التوقعات المحتملة، فعلى الرغم من هذه المسلسلات البطشية والاعتدائية اليومية إلا أن جموع المتدفقين في مسيرات عارمةٍ أمام الهندوس يزيدون في بعض الأحيان على ثلاثة ملايين ونصف مليون مسلم يملئون الأزقة والطرقات، ويرفضون الاستبداد الهندوسي، يقفون ليسجلوا مع إشراقة كل صباح في الوادي الكبير أو سرنغار أو غيرها بياناً يبشر بفجر قادم للمسلمين، وخيبةٍ وهزيمةٍ لتأبين وطرد الهندوس. إن المعركة الدائرة التي يقودها المسلمون بقيادة الاتحاد الإسلامي لتحرير كشمير المسلمة والذي يضم إحدى عشرة منظمة إسلامية، قد توحدت في قيادةٍ واحدة ليكسبوا التأييد الشامل من شعب كشمير، الذي وجده قوياً أميناً على حمل هذه الأمانة، وبالفعل تراجع الهندوس وعرضوا عروض الهزيمة والانسحاب، عرض الهندوس على المسلمين في كشمير المحتلة أن يشكل المسلمون حكماً ذاتياً تحت وصاية هندوسية؟ فأبى المسلمون ورفضوا، وأبوا إلا طرد الهندوس والاستقلال التام، وهذا هو الجواب؛ الإباء، الرفض، الامتناع من تقديم وقبول أنصاف الحلول، هذا خيرٌ من العبث في القضية بعد إراقة الدماء. والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السَّلَمِ ولله در القائل: دعموا على الحرب السلام وطالما حقنت دماءً في الزمان دماءُ

نتائج الجهاد الكشميري

نتائج الجهاد الكشميري فكان من نتائج هذا الجهاد أن تألف ستون ألف شاب مجاهد كشميري، ومنذ سنتين ونصف اختفت المؤسسات الحكومية المدنية الهندية على المستويَين: الرسمي، والشعبي في كشمير، وأما الحاكم الهندوسي في كشمير المحتلة فيسكن ويدير الولاية من ثكنةٍ عسكرية لأنه لا يستطيع أن ينزل في المدينة أو أن يسكن في المناطق المدنية. وإن النصر قادمٌ بإذن الله، وبوعد من الله القائل: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5]. وقد ظهرت علامات هذه الهزيمة للهندوس، حتى أمام الغرب الحاقد، فهذا مراسل مجلة التايم الأمريكية يقول في تحقيق نشره: إن الروح المعنوية للجنود الهندوس في تدنٍ وانهيار، الأمر الذي جعل الحكومة تلجأ إلى فتح باب تعاطي المخدرات بينهم للهروب من أزماتهم النفسية. وأما حالات الاستسلام وإلقاء السلاح والهرب فحالات كثيرة ولا غرابة. أقول أيها الأحبة: لا عجب أن يغيبوا بالمخدرات والحشيش عن واقع ما هم فيه؛ لأن من يقدم ليموت ويقتل شهيداً في سبيل الله، ليس كمن يُدْفَع بالتهديد وبالتخدير ليموت في سبيل وثنٍ؛ فَرْجاً كان أو بقرةً أو شُعلةً من نار. أيها الأحبة: والله لو أن ما حل بالمسلمين حل بالنصارى لدقت نواقيس الكنائس، وما كفَّت أجراسها عن العزف، ولما خلع النصارى ثياب الحداد في جميع أنحاء العالم؛ ولكن فليعلم الكفار أن الإسلام قادم، وليعلم الكفار أن العملاق ينتفض ليقوم، وتلك سنة ووعد من الله وعقيدةٌ ننتظر حلولها، إن أدركناها أو سوف يدركها أبناؤنا أو أبناء أبنائنا: (ليُظْهِرَن الله هذا الدين، وليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار حتى لا يبقى بيت مدرٍ ولا حجرٍ إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل).

اليهود وراء كل حدث

اليهود وراء كل حدث أيها المسلمون: لقد بات جلياً واضحاً أن اليهود مع الهندوس ليسوا غصةً في حلوق الدول الإسلامية المجاورة فحسب، بل امتد شرهم -كما هو من قبل- إلى كل منطقةٍ للمسلمين فيها قوة أو طريقٌ إلى القوة، لقد بات جلياً أن الهندوس يقومون بدور السكرتارية المطيعة للخطط اليهودية، ويقومون بتنفيذها أيضا لإيذاء المسلمين وإبادتهم. ولقد ظهرت فضيحةٌ عجيبة؛ كشفت الكوماندوز الإسرائيليين الذين اختطفوا وهم في مهمةٍ لمساندة الجيش الهندوسي، وقد تستر الهندوس عليهم بدعوى أنهم سواح قدموا من تل أبيب؛ ولكن أبى الله إلا أن يكشفهم ويفضحهم، فقد شهد شاهدٌ من أهلها، وأفاد المحللون العسكريون من مصادر عسكرية في لندن وغيرها، أن هؤلاء الكوماندوز تدربوا خمسة أشهر في تل أبيب، ثم توجهوا إلى نيبال والهند ودخلوا حتى في كشمير، ودنوا حتى بلغوا موقعاً قرب المفاعل النووي الباكستاني ومعهم من المتفجرات ما يكفي لتفجير المفاعل من بُعد أو عن طريق الرادار. ولم يعُد اتحاد اليهود مع الهندوس أمراً جديداً فهم يقفون على خطٍ متقدم في مواجهة قضيتين مهمتين: الأولى: يقف اليهود مع الهندوس لتنفيذ أمرين مهمين في كشمير: كسر شوكة المسلمين في كشمير. وفي الهند عامة. والثانية: ضرب المفاعل النووي الباكستاني، الذي صرح رئيس هيئة أركان الجيش اليهودي عام: (1986م) عنه بقوله: إن المفاعل النووي الباكستاني هدفٌ لا بد من ضربه؛ لأنه قوةٌ إسلامية تهدد أمن اليهود. وإلا فما الذي يعنيه أيها الأحبة: وجود (350) رجل كوماندوز يهودي يتعاونون مع الهندوس لضرب المسلمين في كشمير؟! لقد كشفت هذه الحادثة؛ حادثة اختطاف الكوماندوز الإسرائيليين أبعاداً لتعاونٍ وثيق الصلة، ومتين الرابطة بين عُبَّاد العجل وعُبَّاد البقر، بين اليهود والهندوس، ألا وهي: أن وجوداً نشطاً للموساد الإسرائيلي يعمل في الهند على تجنيد العديد من الهندوس وإرسالهم للعمل في البلاد العربية تحت مهنٍ متعددة، ووالله لو يعلم المسلمون ما يسعى الهندوس أولئك الذين ترونهم فتحتقرونهم وتظنون أنهم يهزون رءوساً غبية، لو تعلمون ما تسعى إليه قياداتهم وما يسعون إلى تحقيقه من تنامٍ وسيطرة لما ترددنا لحظة في مقاطعة هذه الشريحة النجسة من البشر؛ مقاطعةً اقتصادية لا تقف عند حد الصادرات الضرورية، بل مقاطعةً عامة، ولا تقف عند حد استيراد السلع منهم بل تتعداها إلى تسريح كل رعاياهم من بلادنا ونستثني المسلمين منهم. هل يعلم المسلمون أن الهندوس يحلمون أن يجعلوا المحيط الهندي من سنغافورة إلى السويس بحيرةً هندية؟! وهل يعلم المسلمون أن الهندوس يسعون ليكونوا قوةً عسكرية يمدها الغرب لتكون عصا التهديد لكافة دول منطقة شرق آسيا؟! وإلا فما الذي يعنيه سكوت الغرب عن أفعال الهندوس؟! وما الذي يعنيه تصريح متعصبٍ هندوسي اسمه الدكتور/ باتين! يقول: إن حاجة الهند إلى البترول تلح عليها بضرورة الالتفات إلى الجزيرة العربية والعراق والخليج وأن الهند قوةٌ بحرية عظيمة، ومن الواجب أن يتحول المحيط الهندي من سنغافورة إلى السويس ليصبح خليجاً تملكه الهند؟ وقد لا يظهر كل ما يضمره الهندوس، قد لا ترونه في لحظةٍ واحدة؛ لأنهم يعملون بالحكمة الهندوسية التي ورثوها عن أبيهم الروحي جوتليه، حيث يقول: إذا أردت قتل عدوك فأظهر له العلاقة، وإذا عزمت على قتله فعانقه ثم اطعنه وحينها اذرف عليه الدموع. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:82]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون. وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

لا خيار إلا الجهاد

لا خيار إلا الجهاد الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: تصبروا ولو تصبب العرق على أجسامكم فقد صُبَّ الرصاص على إخوانكم. قد يقول قائل: لماذا يَزُج المسلمون بأنفسهم في حروبٍ سابقةٍ لأوانها، ومعارك غير متكافئة، أو لا نجد فيها على الأقل أوليات وأسس العمل العسكري، حتى إذا اصطلى المسلمون بلهيب المعركة صاح الصائحون، وناح النائحون، يبكون بالدموع ويتحدثون بالدماء عما حل بهم على إثر تلك المواجهة الجائرة؟ الجواب على هذا أيها الأحبة يتضح حينما نسأل ونقول: وهل ترك الأعداء للمسلمين شيئاً يخافون عليه؟! هل بقيت مساحة لم تلوث بالقتل والسلب والاغتصاب والاعتداء؟! ماذا بقي للمسلمين حتى يحافظوا عليه في كشمير بدعوى العقلانية والاتزان؟! هل بعد ذبح الأئمة، وهدم المساجد، وإخراج الناس، واغتصاب العفيفات حيزٌ لمصلحةٍ أو مكاسب يحافظ عليها المسلمون حتى لا يدخلوا في الجهاد مع أعدائهم؟! وإلى متى العيش في ذلٍ وهوان؟ حتى يخرج الغائب صاحب السرداب. وهل في السرداب أحد؟! وإلى متى هذا كله؟! لأجل هذا لم يكن أمام المسلمين خيار في إعلان الجهاد، حتى ولو أدى وأفضى إلى مُضِي الأرواح والدماء والأشلاء في الطريق؛ لتكون وقود المعركة الحاسم، ومعالم في طريق الفجر المرتقب. وما الذي يضير الأمة أن تبذل العشرات والمئات أو الآلاف من دمائها وأموالها بإرادة واختيار، وعزةٍ واستشهاد؛ ليجني الملايين ثمرة هذا الغرس الطاهر الذي سُقِي بالدماء، ليجنوا ثمرتهم نصراً وتمكيناً، فيعبدوا الله وحده لا شريك له؟! إذا كان الدم في كشمير ثمناً لا بد من تقديمه، ولا بد من بذله ضريبةً على الإسلام، فلأَنْ نبذل الدماء في الوقت الذي نريد، وفي الزمن الذي نريد، وعلى المساحة التي نريد، وفي المعركة التي نريد، خيرٌ آلاف المرات من دماءٍ تسفح رغماً عن أنوف أصحابها. لست بهذه الخطبة أدعو إلى شن هجومٍ شامل، أو حربٍ مباغتة، فهذا أمرٌ يقدره المرابطون عن قرب، المصطلون بجحيم المعركة الملتهبة على ذلك السطح البارد في أرض كشمير، وما أخال أولئك المرابطين قد فعلوا هذا أو أقدموا عليه إلا بفتوى من علماء المسلمين الذين يعنيهم الأمر، يقدرون معها رجحان المصلحة على المفسدة، وأياً كان الواقع في كشمير المحتلة؛ جهاداً، أم إعداداً، أم حرباً شاملة على المشركين والوثنيين، فإننا وإياكم لا نعذر أبداً في الإعداد للمعركة قبل بدايتها، وما دامت قد بدأت فهذا يحملنا مسئولياتٍ جسام أن نتخذ مواقعنا في كل مكانٍ منها.

دعوة للمشاركة في الجهاد الكشميري

دعوة للمشاركة في الجهاد الكشميري أيها المسلمون: لسنا بهذا ندعو كل أقلية مسلمة أن تزج بنفسها في أتون الصراعات ولهيب المواجهات، تحت حماس العاطفة، وجبال الأمل التي ربما ذابت على طول الأمد، وحرارة المعارك. ولكنا نقول: هل انتظمت فينا واطردت آلية المساندة للجهاد، وآلية الإعداد للمعركة قبل نشوبها؟! هل بدأنا بتجهيز الغزاة؟! هل أعددنا قوائم الكفالات والرعاية للأرامل والأيتام الذين يتزايدون حتى الآن نتيجة حرب العصابات؛ فإذا تضاعفت الأرقام بعد المعركة لا نجد حرجاً في استيعاب المزيد؟! هل رُتِّبت وأُعِدت خطوط الإمداد والمساندة بتكوين مخازن الذخيرة، ومواقع التدريب، ومراكز العمليات هناك؟! هل فتحت المكاتب الإعلامية للقضية الكشميرية في كل عاصمةٍ ومدينةٍ من مدن العالم الإسلامي؛ ليكون المهتمون بالقضية على علمٍ وصلة بآخر تطوراتها وأنبائها؟ ألا تحنكنا التجارب؟! أليس لنا في الجهاد الأفغاني والبوسنوي دروسٌ وعظات؟! هذا جهاد، وهذه عقبات منها: التعتيم الإعلامي، وحاجات منها: الحاجة الشديدة إلى السلاح والدعم المتواصل. وإنا نخشى أن تقطف الثمار. فإلى كل مسلمٍ ومسلمة: نرجو منكم الدعاء! وإلى كل إعلاميٍ وصحفي من تليفزيوني وإذاعي: ماذا قدمتم لـ كشمير؟! هل من ندوة؟! هل من تقرير؟! هل من تغطيةٍ دوريةٍ لهذه القضية؟! إلى كل معلمٍ ومعلمة: هل شرحتم للطلاب والطالبات قضية كشمير؟! إلى كل نادٍ أدبي: أين شعركم ونثركم، وقصتكم ورواياتكم ومقالاتكم عن كشمير؟! إلى كل نادٍ رياضي: هل خصصتم شيئاً لـ كشمير؟! إلى كل جريدةٍ أو مجلة: أين زاوية كشمير الدائمة في مجلتكم؟! إلى كل خطيبٍ وإمام: هل أسمعتم المصلين وراءكم شيئاً عن كشمير؟! إلى رب كل أسرة: هل جعلت صندوقاً صغيراً لتجعل القضية في نفس أبنائك؟! إلى المسئولين عن اللجان الثقافية في الجامعات والكليات والمعاهد؛ إلى المسئولين عن مكاتب الدعوة: هل أعددتم ندواتٍ ومحاضراتٍ عن كشمير؟! هل استضفتم أحداً من أبناء كشمير ليشرح القضية وآخر ما وصلت إليه إلى المولعين بالسياحة والسفر؟! هل زرتم كشمير الحرة الآمنة؛ لتطلعوا عن قرب حال إخوانكم في كشمير المحتلة، فتكون أموالكم دعماً ولو غير مباشر؟! أيها المسلمون: وما لكم لا تبذلون؟! {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) [النساء:75]؟! ما لكم لا تنفقون؟! ما لكم لا تجهزون الغزاة؟! ما لكم لا تمدون بالسلاح والعتاد؟! أيها المسلمون: إن تحرير كشمير من أيدي الهندوس، وطرد عُبَّاد البقر من أراضيهم ليس أمراً مستحيلاً أو معجزاًَ! أيتحرر الصرب من اتحاد يوغسلافيا ويبسطو نفوذهم، ويُحْكَم على المسلمين في كل مكان بأن يبقوا أذناباً وأذلاء تحت الوثنيين؟! لقد خرجت روسيا وانسحبت من أفغانستان! ولقد انسحب الأمريكان من فيتنام، ولم يكن للفيتناميين من عقيدةٍ حقة سوى إيمانهم بعدالة قضيتهم! فما بالكم بـ كشمير وقد اجتمع فيها شرعية الجهاد، وعدالة القضية؟! وتصرخ كشمير، وتئن كشمير، وتبكي كشمير؛ إذ يطول فيها ليل الذل! وبعد هذا كله، هل نجد لها موقعاً من اهتمامنا، ومكانا ًمن عطفنا ونجدتنا؟! هل تجد المساجد والمآذن والمنابر من يثأر؟! هل تجد العفيفات من ينتصر؟! هل يجد الأبرياء من يهب؟! هل لليتامى والأرامل والأيامى من يمسح الدموع، ويضمد الجراح، ويوقف النزيف؟! أمسى يكون حالنا كما قال القائل: فلا الأذان أذانٌ في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذانُ أيها المسلمون: أتُسْبَى المسلمات بكل أرضٍ وعيش المسلمين إذاً يطيبُ؟! أيها المسلمون: إن كان للمسلمين في كشمير أمل فلن يكون لهم أملٌ في نصرٍ أو تمكين إلا بالله وحده ومددٍ من عنده أولاً، ثم في إخوانهم المسلمين. لن يكون للمسلمين في كشمير أملٌ في الشعوب الوثنية، أو البوذية، أو النصارى واليهود، وإنما أملهم في المسلمين، وأنتم يا أهل هذه البلاد أَمْثَلُ المسلمين طريقة، وأهداهم سبيلاً. لئن كان للمسلمين في كشمير أملٌ في عقيدةٍ تخلِّصهم من هذا الظلم والعدوان، فلن يكون أملهم في صلبان الكنائس، أو الهيكل المزعوم، أو الغائب المنتظر، وإنما أملهم في عقيدة التوحيد النقية. وأنتم يا أهل هذه البلاد! مهبط نزولها، ومقر تجديدها، ومختبر نقائها وصفائها. لئن كان للمسلمين في كشمير أملٌ في قوةٍ مالية، فلن تكون آمالهم في جياع الصومال أو مشردي البوسنة، أو اللاجئين في طاجاكستان، وإنما أملهم بعد الله فيكم يا من تملكون الفضل من الأموال. ولئن كان للمسلمين في كشمير أملٌ في قائدٍ مسلم أو زعامة موحدة فلن تكون إلا في حاكمٍ مسلمٍ، وزعيمٍ موحد يخدم الحرمين ويحدب عليهما، لن يكون أملهم إلا في زعيمٍ مسلم، وعلماء مسلمين، ودعاةٍ مسلمين، لن يكون أملهم بعد الله إلا في قائدٍ مسلم يخدم الحرمين ويحدب عليهما، ولن يكون إلا فيمن جعل العقيدة الإسلامية شعاره ودثاره. ومن هذا المنبر أرسلها برقيةً عاجلةً دامية إلى ولي أمرنا وولاة أمرنا، وإنا على ثقةٍ بالله أن صدورهم لن تضيق بـ كشمير فلن يضيق صدركم يا ولاة الأمر! في هذه البلاد بقضية كشمير وقد اتسعت قبلها لقضية أفغانستان. وما الصلح الذي حصل للمجاهدين في مكة المكرمة إلا ثمرةٌ من ثمرات سعيكم المباركة، لقد اتسعت صدور ولاة الأمر هنا للمسلين وقضية أفغانستان على مدى ثلاثة عشر عاماً، واتسعت صدورهم لجراح البوسنة والهرسك، واتسعت صدورهم لجياع الصومال وما حل بهم وما ينتظرهم. فأملنا يا ولاة الأمر! في هذه البلاد أن تجعلوا لهذه القضية من صدوركم نصيباً ومكاناً، وأملنا أن يكون لخادم الحرمين وللعلماء والدعاة ولكم أيضاً أجر كل يتيمٍ كفله كافل، وأجر كل أرملةٍ عالها عائل، وأجر كل مَدْرَسة تُلِي فيها كتاب الله، وعُلِّم فيها توحيد الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن قضية كشمير قضيةٌ كبيرة تحتاج إلى رجلٍ كبير، وقلبٍ كبير، وهَمٍّ كبير، ولن يُعْدَم ذلك فيكم. أيها المسلمون: دعوةٌ صادقة؛ قاطعوا المنتجات الهندية، قاطعوا منتجات الهندوس، وقاطعوا العمالة الهندوسية، واللهِ لو سُرِّحت العمالة بعد إعطائها أجرها حتى لا نظلمها في ذلك، فأصبحت غداً على أرصفة كلكتا وبومباي، لو سُرِّحت هذه العمالة وطُرِد الهندوس، وقاطعنا الإنتاج الهندوسي -والله- لأخضعناهم رغم أنوفهم أن يلتفتوا للمسلمين، وأن يوقفوا مسلسل الذبح والقتل. أيها الأحبة: رسالةٌ إلى أثرياء المسلمين: شعب كشمير يناديكم، يستعد ببذل دمه وروحه، وأبنائه وفلذات أكباده، ولا يريد منكم سوى المادة! ما ظنكم يا إخواني! لو أن أثرياءنا وتجارنا اجتمعوا اجتماعاً واحداًَ فبذلوا عن قوس واحدة، ورموا عن قوسٍ واحدة هذه القضية بجميع جوانبها، ألا ترون أن ذلك يحقق خيراً؟! إن أموال الأثرياء قد تكون بإذن الله وأموالكم أيضاً من عوامل الحسم وتقرير المصير المنشود لإخواننا بعد رحمة الله. ختاماً: إن (650. 000) جندي، وحَضْرَ التجوُّل اليومي، وحَضْرَ التجول الطارئ لمددٍ قد تصل لأسابيع، وإن الاغتصاب، والقتل، والتجويع، وقطع المصالح، وإذاقة الشعب الهوان، كل هذا لن يقف في وجه الإرادة الصادقة، والحتمية المقبلة بإذن الله، وهي: أن كشمير ستطرد الهندوس في يومٍ {مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء:51]. إن هذه الأحداث ربما كان فيها الخير للمسلمين: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:216] {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19]. إن المصادمات الأولى بين المسلمين والهندوس قبل انفصال باكستان كانت سبباً في استقلال باكستان، ولعل المصادمات الحامية الآن بين الكشميريين والهندوس سبب لتفكك الهند بأسرها، كما تفكك الاتحاد السوفيتي! وقد يقول أحدكم، أو يقول من يسمع هذا الكلام: إني لا أقدر أن أقدم شيئاً! أقول لك: أخي الحبيب! لا تنس كشمير وأهلها وأبطالها وشبابها المجاهدين بالدعاء؛ في سجودك، وفي السحر، والوتر، وإنك تملك بعد هذا شيئاً كثيراً؛ تستطيع أن تجمع التبرعات، وتستطيع أن تنشر هذه القضية بنشر كل كتابٍ أو مطويةٍ أو منشورٍ أو خطبةٍ عن هذه القضية، فإن نشر ذلك مما يخدم هذه القضية المنسية. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم دمر أعداء الدين. اللهم انصر المسلمين في كشمير، اللهم انصر المسلمين في كشمير، اللهم انصر المسلمين في كشمير. اللهم اربط على قلوبهم. اللهم آمن روعاتهم، واكفل ذرياتهم، واستر عوراتهم. اللهم أهلك الهندوس الوثنيين. اللهم أحصهم عدداً، واجعلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً. اللهم فكك اجتماعهم. اللهم فرق شملهم. اللهم اجعل سلاحهم في نحورهم. اللهم اجعل الدائرة عليهم. اللهم

من هنا نبدأ

من هنا نبدأ ما هي نقطة البداية؟ وما هي الخطوات التي تليها؟ وما هي مقدمات هذه البداية؟ أسئلة محورية لهذه المادة فصل فيها الشيخ غير مكتف بالكلام النظري، بل ومقدماً برنامجاً عملياً مقترحاً لهذه البداية.

مقدمات من أين نبدأ

مقدمات من أين نبدأ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحمد الله إليكم الذي هو أهلٌ للحمد على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأسأله في مستهل اجتماعنا ولقائنا هذا أن يجعل لي ولكم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل فاحشة أمناً، نسأل الله جل وعلا كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسأله سبحانه وتعالى العزيمة على الرشد، والسلامة في الأمر كله، كما نسأله أن يحبب إلينا دينه، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار كلمته، وأن يرفعنا وإياكم بطاعته، وألا يخزينا أو يذلنا بمعصيته، وأن يبارك لنا فيما أباح لنا. أيها الأحبة في الله: لا أشك أن من بينكم من هو أجدر بالحديث في هذا الموضوع، ولكن نعاتب أنفسنا بتقصيرنا في أمر دعوتنا، ونلوم أنفسنا بأننا ندَّعي ما ليس لنا. وكلٌ يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك قد يسميك بعض إخوانك داعية، وأنت لا تعطي دعوتك إلا فضول الأوقات، ووالله لو قام في المنابر أبناؤها ورجالها لما وقفنا فيها، ولو قام في الساحة علماؤها لما قام أبناؤها، ولكن إذا غاب من تقوم به الكفاية انتقل الأمر إلى من ينوب عنه، وهذا زمنٌ صيَّر التلميذ أستاذاً، وكما قال سفيان الثوري أو سفيان بن عيينة رحمهما الله: خلت الديار فساد غير مسود ومن الشقاء تفردي بالسؤدد إننا نعلم أن في صفوفنا رجالاً هم أعلم منا، ونحسبهم ولا نزكي على الله أحداً على قدرٍ من التقى والصلاح، والعلم والفقه والاجتهاد، ولكننا نلومهم أيضاً بأن الكثير قد استعذب الخلوة بالكتب، وتلذذ بالمناجاة دون الاختلاط بالناس، ووجد حلاوة العزلة في البعد عن رؤية المنكرات وأصحابها، وهذا مسلكٌ سهل يسير على النفوس؛ أن تخلو في عزلتها وأن تستعذب جميل الألفاظ والعبارات، والأبيات والنكات والنوادر في الكتب، بعيداً عن الإنكار، ومواجهة الإنكار، ومواجهة أصحاب المنكر، وما يوسوس به الشيطان ويعد به ويخوف به: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]. عفواً أيها الأحبة! أن نبدأ بهذا العتاب، ولكن كما يقول القائل: فإذا صرخت بوجه من أحببتهم فلكي يعيش الحب والأحباب ويبقى الود ما بقي العتاب لابد أن نكون صادقين حتى في عتابنا، والله جل وعلا كما قال في محكم كتابه: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:8] فليس الصدق وحده هو نهاية المطاف أو منتهى الأمر، لا والله. بل حتى الذين ظهر منهم الصدق أو ادعوا الصدق سيسألون عن صدقهم، فما بالكم بغيرهم؟! نسأل الله جل وعلا ألا يفتننا وألا يفتن بنا، وألا يجعلنا وإياكم فتنةً للقوم الظالمين.

وجود الغيرة لدين الله

وجود الغيرة لدين الله أيها الأحبة: أوان الشروع في المقصود بدأ، وأقول بتوفيق الله: الغيرة موجودةٌ لدى كثيرٍ من الشباب الصالحين، وحسبك أن ترى دليلاً على الغيرة، أن تجد من يطرق بابك، يكاد أن يكسر أقفاله، فإذا سمعت هذا الطرق الشديد، ظننت أن حريقاً حل بواحدٍ من بيوت أهل الحي، وإذا أزعجك تعليق المنبه ظننت أن الأمر قد انتهى، وأن الكيل قد طفا، وأن الطوفان قد فاض على البسيطة، فإذا فتحت بابك وجدت شاباً غيوراً مخلصاً صادقاً يهز يده في وجهك ويقول: رأيت منكراً في مكان كذا، ورأيت منكراً في مكان كذا، أين المغير؟ أين المنكِر؟ أين من يقول كلمة الحق؟ أين من يتقي الله؟ أين من ينطق بالحق فلا يخشى في الله لومة لائم؟ فحينئذٍ تحمد الله جل وعلا. وما أكثر أن ترى هذه الصورة في مسجدك أو في بيتك، أو في اجتماعك مع إخوانك، تحمد الله جل وعلا على أن الغيرة لا زالت باقية، وهذا دليل حياة القلوب، وإلا لو كانت القلوب قد ماتت في مجموع الأمة لما وجدت من ينزعج من هذه الصورة، ومن هذه الحال؛ لأن الهوان إذا حل بالنفس لا تجدها تعرف معروفاً، أو تنكر منكراً: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرحٍ بميتٍ إيلام فالحاصل أيها الإخوة! أن الغيرة موجودة لدى كل واحد منكم، التمعُّر، الغضب، الانزعاج، التقلب، التغير موجودٌ لدى كل واحد منكم حينما يرى منكراً من المنكرات، وكما في الأثر: "يكاد في آخر الزمان يذوب قلب المؤمن، كما يذوب الملح في الماء، قيل: لِمَه؟ قيل: مما يرى من المنكر فلا يستطيع تغييره" وهذا والله شعورٌ يطوف ويلم بكل واحدٍ منا ومنكم -أيها الأحبة! - ولكن ليبتلي الله ما في قلوبكم، وليمحص ما في صدوركم، وليتخذ منكم شهداء، ليثبت الذين يرجون الحب والإخلاص للدعوة، والذين يرجون منازل الدعاة، ومجاورة النبي صلى الله عليه وسلم في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر.

الدعوة خير من العبادة

الدعوة خير من العبادة لا يستوي الذين لا يجدون في واقعهم شيئاً من آلام المعاناة، وحسرة في رؤية المنكر، أو الضعف أو العجز في بعض الأحيان عن تغييره مع الذين لا يلتفتون قليلاً ولا كثيراً، أقول: حتى ولو كانوا ممن صنفوا الكتب أو قاموا الليل وصاموا النهار، واجتهدوا في الهواجر، وقاموا ليالي الشتاء لا يستوي أولئك مع الذين تتغير وجوههم لرؤية المنكرات في هذه الأرض. إن العبادة أمرٌ قاصر، لا تحتاج فيه إلى مواجهة، ولا تحتاج فيه إلى كثير من المعاناة، أسهل ما عليك أن تأكل لقمة السحر، ثم تضع رأسك على وسادتك، ثم تصلي تتقلب بين بيتك ومسجدك، ثم تعود لتفطر هنيئاً مريئاً، لا تجد شيئاً قد غير ما أنت فيه، أسهل ما عليك أن تفتح كتابك في مكتبتك فتقرأ وتلخص وتجمع، وتُخَرِّج وتُحقق، وهذا خيرٌ عظيم. وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمة من الذين يبكى عليهم. ولكن أيها الإخوة! لا يستوي هؤلاء مع الذين يجمعون مع هذا الدعوة والإنكار والتغيير بقلوبهم وبألسنتهم وبأيديهم حسب الضوابط الشرعية المرعية. إذاً أيها الإخوة: ينبغي أن نعلم أولاً: أن الناس يتفاضلون في دين الله جل وعلا، ليس بقدر عبادتهم في شكلها أو طولها، أو قصرها، وإنما يتفاضلون بحسب ما يقوم في قلوبهم، ولذلك لما ورد عن أبي بكر رضي الله عنه: (أنه لو وضع إيمان الأمة في كفة ووضع إيمان أبي بكر رضي الله عنه في كفة لرجح إيمان أبي بكر بسائر إيمان الأمة) وكيف يرجح إيمان أبي بكر بسائر إيمان الأمة؟ هل يستطيع أبو بكر أن يصوم رمضان بقدر صيام الأمة أجمع؟ هل يستطيع أبو بكر أن يحج ولو في كل لحظة فضلاً عن مرةٍ في كل سنة بقدر حجات أفراد الأمة أجمع؟ لا. ولكن [أَمَا إنه ما سبقهم بكثير عمل، ولكنه بشيءٍ وقر في قلبه] ولما وقر هذا الأمر في قلبه استحق كرامةً ومنزلة من عند الله، والفضل لله أولاً وآخراً. (لما تلا الرسول صلى الله عليه وسلم قول الله جل وعلا: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! ما أحسن من يقال له هذا، فقال صلى الله عليه وسلم: إنك يا أبا بكر! ممن يقال له هذا عند موته). وفيه نزل قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:17 - 21]. قد يكون الإنفاق يسيراً، لكن الإنفاق في مواجهة المجتمع الجاهلي في بداية الدعوة يكون صعباً جداً، لا سيما وأنت في موقف الضعف، والجاهلية في موقف المنتصر، ويعتق عبداً من عباد الله بلال بن رباح لكي ينضم إلى معسكر الإيمان، الحالة حينئذٍ صعبة جداً. قد تقول خطبة عصماء في مشهد جمعٍ غفير، ولكن قد تكون كلمة مكونة من سطرين أو من حرفين أبلغ وأعظم وأقوى وأقبل عند الله حينما تكون في موقفٍ فيه الخوف على الروح والنفس، والخوف على الرزق، أو في مواجهة إمامٍ جائر، ينبغي أن يعلم هذا جيداً.

الدعوة ليست حكرا على أحد

الدعوة ليست حكراً على أحد ومن هنا نقول لإخواننا في الله: بوسع كل واحدٍ منكم أن يبدأ، وعنوان المحاضرة (من هنا نبدأ) اخترت هذه العبارة لأقول لكل واحدٍ: من هنا تبدأ، من مكانك، من بيتك، من موقعك، من عملك، من وظيفتك، من الحي الذي تسكن فيه، من الجهة التي تأوي إليها، من هنا تبدأ. وبفضل الله جل وعلا، ومن عظيم وواسع منه وكرمه أن هذا الدين لا يحتاج إلى تصريحٍ حتى تكون واحداً من الدعاة إلى الله فيه، لا يحتاج إلى أن تنال اجتياز المقابلات الشخصية، وإنما تحتاج أن تعلم ما تدعو إليه، قال صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءاً سمع منا مقالةً فوعاها، فبلغها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع) وهذه مسألة عظيمة (ومن دعا إلى هدى فله أجره، وأجور من عمل به إلى يوم القيامة) ولم يشترط لهذا الداعية أن يكون على هذا القدر، أو المكانة أو المجموع قل أو كثر فيما يحفظ أو يروي أو يفقه أو يعلم، وإنما يكفي أن يدعو ولو إلى مقالة واحدة يدعو إليها يريد بذلك وجه الله جل وعلا.

الأوهام العنكبوتية

الأوهام العنكبوتية في حقيقة الأمر -أيها الإخوة! - كثيرٌ من شبابنا، كثيرٌ من أحبابنا، كثيرٌ من إخواننا -ولعل من بينكم من هو منهم، أو أكون أنا منهم- يبني حول نفسه أوهاماً من خيوط العنكبوت، ويظن أنه إذا تحرك فإن عشرات الأعين تراقبه، وآلاف الأجهزة ترصد حركته، ومئات الناس يسجلون ما يفعل خطوة خطوة، وهذا مما يصدق فيه قول الله جل وعلا: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] يصور لك الشيطان أنك حينما تريد أن تقف على قارعة الطريق وتجد شباباً تريد أن تجلس معهم، فتعطيهم كلمتين، وليس من شرط هذه الكلمة أن يقبلوها، أو يستجيبوا أو يهتدوا، أو يلتزموا بأول وهلةٍ أنت تخاطبهم أو تكلمهم فيها، لا. يظن البعض أنه لو أراد أن يقدم شريطاً أو أراد أن يقدم هدية أن حوله عشرات الأجهزة تراقبه وترصد حركته، ولذلك تجد بعضهم يقول: لا. أنا أختار أسلوباً آخر، أو أنا من الناس الذين لا أرى هذا المنهج، أو هذه الطريقة وهلم جراً. وليت عدم رؤيته لهذا الأمر من اجتهادٍ توصل إليه بعد باعٍ طويل في علمٍ وفقه، وليس كذلك إلا أنه يظن أن حركاته وسكناته مراقبة ومتابعة، وهب أنك توبعت وروقبت في كل صغيرة وكبيرة، هل سيصدك هذا عن الدعوة إلى الله جل وعلا؟ هل سيردك هذا عن الدعوة إلى الله جل وعلا؟ هل هذا سوف يمنعك أن تنال حظك في منازل الأبرار والشهداء والصديقين والصالحين عند الله سبحانه وتعالى؟ إذاً: لماذا نبني هذه الخيوط، يقول لي ذات مرة شاب من الشباب الصالحين: أنا رأيت أربعة رجال يراقبونني، فسقطت ضحكاً، من أنت حتى يراقبك أربعة، أو واحد أو نصف واحد أو امرأة أو نصف امرأة؟ لماذا تخلق حول نفسك هذا الوهم العنكبوتي الذي لا حجة لك به؟ هل عشت في مجتمع الثورة البلشفية؟ أم أنك تعيش في لينين قراد أو تعيش في المجر، أو في دول الكتلة الشرقية قبل تحول الوضع الشيوعي؟ لماذا تخلق هذا الوضع حول نفسك؟ لست بحاجة أن تتصور هذا، ولكن الشيطان سول لك وخيل، وجعلك تتصور أنك تعيش في هذه الدائرة، وبالمناسبة هذا من الأساليب النفسية التي يؤثر بها على دعاة الإسلام في بعض بلدان العالم، ويسمونها بالمضايقة النفسية أو بعبارة تشابه هذا المعنى، يبدأ الإنسان يتضايق، يرفع السماعة يخشى أن يقول كلمة، يخرج من البيت يخشى أن ينظر إليه أحد، يمد شريطاً يتوقع أن الكاميرا قد صورته، يقرأ كتاباً يظن أنه قد حقق به وهلم جراً!! إن الله جل وعلا قد خلقك حراً، وأبقاك حراً، بل ولعن من أراد أن يجعلك رقيقاً: (ثلاثة لعنهم الله جل وعلا -وذكر منهم- رجلٌ باع حراً فأكل ثمنه) أنت تعيش حراً وستمضي حراً، وستفضي إلى الله حراً، فلا تخلق حول نفسك هالة من الأوهام العنكبوتية التي تتخيل أو تتوقع بها أنك يوم أن تفعل شيئاً في دين الله جلا وعلا سوف تنتهي من قائمة الناس الأسوياء وغيرهم، ربما يأتيك الشيطان ويقول لك: لا حرج. ولكن هذا قد يعرقل مواصلة سيرك الوظيفي، إذا كنت رجلاً طموحاً في الوظيفة وترغب أن ترشح لأعلى المراتب، فانتبه، قف عند حدٍ معين، لا تتمادى بوضع معين حتى تستطيع أن تصل يوماً ما. وأقول: ربما يكون الإنسان على خطرٍ في معتقده إذا أوغل في هذا الظن واعتقده، وظن أن الخلق يستطيعون أن يكفوا أو يمنعوا رزقاً قسمه الله له. وكما في حديث ابن عباس الذي تحفظونه: (يا غلام! احفظ الله يحفظك -إلى أن قال- واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) إذا كان الإنسان يخشى على رزقه، فالله جل وعلا هو الذي خلقك وتكفل برزقك: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود:6] وكما في الحديث: (جاءني جبريل ونفث في روعي: يا محمد! إنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها) والله لو بقي لك في الدنيا عشرة ريالات لتقاتلت الدنيا حتى تصل: (لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب) ما قال: تشاحوا، تخوفوا، خافوا على الطلب، بل أجملوا في الطلب، أدنى أمرٍ من أمور بإذن الله جل وعلا يكون سبباً لوصول ما كتبه الله جل وعلا لك. وإذا كان الخيط العنكبوتي الذي ينسجه الشيطان حولك أيها الأخ المسلم بأنك ربما تموت أو ربما ينتهي أجلك، أو ربما تخترم روحك قبل بلوغ أجلها، فهذا أخطر من الذي قبله، أن تعتقد أن قوةً من قوى البشرية تستطيع أن تخترم من أجلك يوماً أو ساعة واحدة قبل تمام أجلك، وكما كان الإمام علي رضي الله عنه يردد أبياته المشهورة: أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا يقدر أم يوم قدر يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر فلماذا التخوف إذاً؟ أقول: إن كثيراً من الشباب تجد فيهم عزوفاً عن الدعوة إلى الله جل وعلا، ليس كرهاً في الدعوة، وربما ليس عجزاً أو ضعفاً، بل هو قادر، ولو ناقشته لوجدته أفقه منك أيها المحاضر! وأعلم منك أيها الخطيب! وأصلح منك أيها المتكلم! وأجدر وأقدر في مخاطبة الناس، ولكن فيه أمرٌ لا زال ممسكاً به لم يجعله ينطلق في عالم الدعوة إلى الله جل وعلا، ألا وهو الخوف أو الأوهام العنكبوتية التي نسجها حول نفسه، إما على خطرٍ وإما على رزقٍ وإما على موت. أقول: ليس هذا مجال تفصيل، وهذه الأمور كلها بيد الله، ولكن هذا واحدٌ من الأسباب التي تجعل كثيراً من الشباب يا للأسف يعزف عن هذا الأمر.

مشكلات في طريق الدعوة

مشكلات في طريق الدعوة الأمر الآخر: أن بعضهم على مقدرة بالغة، جميلة جليلة طيبة، ومع ذلك: أزف الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد يا فلان! انطلق، يا فلان! ادع إلى الله جل وعلا، يا فلان! انظر أعداء الله جل وعلا، هذا سافل ساقط خبيث حقير حداثي، جرثومة حداثية تبدأ تنشر قصيدة، يأتي من بعده بالتلميع والتعقيب وتسليط الأضواء، والشرح والاختصار، والتحقيق والتخريج فيجعل من كلمة الساقط التافهة مطولة من المطولات. وأنت يا من تملك هذا! يا من تقدر على أن تأتي بالكثير الكثير! لا تزال تظن أنك لم تستطع، لم تقدر، ولذلك لما تأملت ذات مرة وكنت في زيارة لطلاب جامعة الإمام في السكن الجامعي، فلما نزلنا إلى صلاة المغرب في المسجد، وإذ بالمسجد يمتلئ قرابة ألفي شاب، الله أكبر! جامعة إسلامية وكل هؤلاء أغلبهم قد اجتاز المعاهد العلمية ونال حظاً وافراً من العلوم الشرعية، والأحكام الفرعية، والأصول والفقه، والتفسير، ولا تجد من بين هؤلاء كما في البخاري: (الناس كإبلٍ مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) لا تكاد تخرج من قرابة المائة طالب من ذوي التخصصات الشرعية واحداً أو اثنين أو ثلاثة، كلهم صالحون وعلى درجة من الصلاح والتقى، من قيام الليل، من صيام الإثنين والخميس، لكن أين أثرهم في الدعوة؟ أين بصماتهم في واقعهم؟ أين جهودهم في مجتمعاتهم؟ لا توجد. وربما بعضهم من أهل منطقة نائية تبعد عن المدينة أو العاصمة أربعمائة كيلو، ثلاثمائة كيلو، قرية بعيدة جداً، وإذا جاء الخميس أو الجمعة أو يوم الأربعاء تجده أول من يخرج من الكلية لزيارة أهله والمكوث معهم بقية الأربعاء والخميس والجمعة، وربما جاء فجر السبت أو مساء الجمعة ما نقل إلى قريته شريطاً أو كتاباً واحداً، وما أقام في قريته درساً واحداً، ما دعا إلى الله جل وعلا في قريته، يذهب ويأوي فقط، تغدو خماصاً وتروح خماصاً، يعني: يذهب جائعاً ويعود جائعاً، أو ربما يروح بطاناً أي: مليئاً لكنه لا ينفق ولا يعطي مما عنده شيئاً، لماذا البخل؟ أهو غرورٌ أم احتقارٌ للذات، إن كان غروراً، أو أن قريتك أو أن مجتمعك حتى ولو كنت في هذه المدينة، أو الحي الذي تسكن فيه ليس بكفءٍ أن تدعوهم إلى الله، أو قد اكتملت جوانب صلاحهم واستقامتهم فليسوا بحاجة إلى طرح مواضيع تنفعهم، أو أنه احتقارٌ للذات، فترى أنك لست بشيء أبداً. أما إذا كانت المشكلة (مشكلة احتقار الذات) مشكلة نفسية، فهذه تحتاج إلى وقتٍ طويل، وربما بعضهم اجتهدت في زيارته، وبعضهم والله زرته في بيته مراراً: يا فلان! والله إني أجدك أفصح مني، وأفضل مني، وأحسن مني، وأحفظ مني، وأرى لك مكاناً وموقعاً ومنزلاً، لو نزلت الميدان لنفع الله بك خلقاً عظيماً، فيقول: لا، لا يزال. تقنعه: الذي يقصرني هل يقصرك؟ فصاحة، هل يقصرك معلومات؟ يقول: أنا عندي معلومات أكثر منك، هل يقصرك مقدرة؟ يقول: ربما أنا أكثر جلداً منك، إذاً: ماذا تنتظر؟ يقول: فقط الناس لا يعرفون هذا الشيء ولا يعترفون بهذا الشيء، أو لا يسلمون لي بهذا الشيء، هنا خطرٌ من أمرين: الأمر الأول: أن المشكلة النفسية لا تزال قائمة. والأمر الثاني: أنك تريد أن يجتمع الناس لك كما يجتمع الناس لـ ابن عثيمين وابن باز حينما تلقي محاضرة. ابدأ ولو لم يحضر معك إلا خمسة، سبعة، عشرة، عشرون مائة، المهم ابدأ، وثق بنفسك تمام الثقة، والله جل وعلا حينما يعلم منك الإخلاص والصدق في هذا الطريق سيجمع الناس لك، وسييسر لك وإن لم يحضر معك إلا أربعة، فربما سجل كلامك، وانتقل إلى أضعاف الذين حضروا معك، فنفعهم بإذن الله واهتدى من اهتدى بسبب كلامك هذا ولم تشعر بذلك، ولم تر ذلك إلا في موازين أعمالك يوم القيامة: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] تأتي يوم القيامة وأنت تنظر: يا ربِّ! حسناتي قليلة، يا ربِّ! هفواتي كثيرة: إلهي لا تعذبني فإني مقرٌ بالذي قد كان مني يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني خائف على نفسك، فإذا البشارة تأتيك في سجل أعمالك: أبشر يا فلان! فقد تقبل الله هدايتك، أو كلمتك أو نصيحتك، أو دعوتك أو محاضرتك، فهدى الله بها فلاناً وفلاناً وفلاناً، وهاهم في موازين أعمالك، فيطيش ميزانك بالحسنات فتكون من أهل الجنة بسبب هذه الكلمة التي ربما ما حضرها إلا أربعة أو خمسة. أيها الإخوة: ينبغي أن ندرك هذا الأمر جيداً، يقال: إن أحد السلف -ولا يحضرني اسمه الآن- ألف منظومة لا أدري أهي الشاطبية أم الرحبية أم كتاباً غيرهما، لما ألفها في نفسه سراً جعلها في رقعة ورمى بها في البحر، وقال: اللهم إن كانت خالصةً لوجهك فانفع بها، وإن كانت غير ذلك فلا تجعل بها لبشر حظاً ولا نصيباً. فكتب الله لهذه الرقعة أن تطفو ووجدها قومٌ في مركب، فأخذوها وتناقلوها، وما زال الناس يحفظونها ويتدارسونها إلى يومنا هذا، فكلمة الحق حينما تقولها تريد بها وجه الله جل وعلا، والنصيحة والدعوة إلى الله؛ حينما تبذلها تريد بها وجه الله فأنت أديت ما عليك أولاً. وثانياً: لن تكون أفضل من الأنبياء والرسل، كما في الحديث الصحيح: (وعرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط، ورأيت النبي ومعه الرُهيط، ورأيت النبي ومعه الرجل، ورأيت النبي ومعه الرجلان، ورأيت النبي وليس معه أحد) الله أكبر! نبي مؤيد بالوحي والعصمة والمعجزة ولا يأتي معه يوم القيامة أحد، فما آمن معه من قومه إلا قليل: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38] وهم قلة، ومع ذلك هل ضاعت ثمار دعوته؟ هل ضاعت أجور أعماله وسعيه؟ لا والله. إذاً أيها الأحبة: لابد أن نفقه أننا ينبغي أن نبدأ حتى لو كانت البداية مع الجيران في أربعة أشخاص، أو بخمسة أشخاص، ثم قليلاً قليلاً، وإذا كان الإنسان صادقاً مديماً على ما يعمل، مخلصاً لما يعمل، بإذن الله سيأتي اليوم الذي يكون له شأن، ويهتدي على يديه الخلق العظيم. المشكلة الثانية التي هي مشكلة العقدة النفسية: واسمحوا لي أن أضرب هذا المثل الذي ربما ضربته في أكثر من مكان، يقولون: إنه يوجد رجل كان يعتقد -عنده مشكلة نفسية- عن نفسه أنه حبة شعير، رجل بطوله وعرضه كان يعتقد عن نفسه أنه حبة شعير، ولذلك لا يزور أناساً عندهم دجاج، أو أحداً عنده حمام، لماذا؟ يعتقد عن نفسه أنه حبة شعير وأن الدجاجة أو الحمامة سوف تأكله، فعالجوه، وأقول: حبة الشعير الآن هو بعض إخواننا الذين عنده خيرٌ عظيم لكنه يعتقد أنه ليس بشيء، فهذا رجل لكنه يعتقد أنه حبة، فعالجوه ثلاث سنوات في علاج نفسي واختبارات نفسية حتى تماثل للشفاء وشفي بإذن الله، فلما جاء أوان خروجه من المستشفى، قالوا: هاه يا فلان! بشر اقتنعت أنك رجل، اقتنعت أنك إنسان، ولست بحبة شعير؟ قال: نعم. أنا اقتنعت لكن أقنعوا الدجاج. وهذه مشكلة أن نبدأ ننفخ في شخصية: يا فلان! فيك خير، يا فلان! عندك نفع، يا فلان! عندك مقدرة، يا فلان! عندك معلومات، يقول: أنا مقتنع لكن أقنعوا الناس أيستمعوا إليَّ، أقنعوا الناس أن يستفيدوا مني، اقنعوا الناس أن يتجمهروا لي. يا أخي! أنت ابدأ، دعنا من عقدة الدجاجة والشعيرة هذه، فبإذن الله من سار على دربٍ في إخلاصٍ وصل إلى عاقبة حميدة.

الدعوة لصيقة المعاناة

الدعوة لصيقة المعاناة أيها الإخوة: نقطة أخرى، يظن البعض أن الدعوة تبدأ ومن أول لحظة يرى فيها بنوك الربا تدكدكت على أمها، أي أنه: يظن أنه لم يكن هناك بداية للدعوة، إلا إذا رأى البنوك الشامخة للربا تدكدكت وأصبحت رماداً، وإذا رأى المنكرات كلها قد جابت وانتهت، واضمحلت وتلاشت وفنيت، ومحلات الفيديو والأغاني قد أغلقت وشمعت بالشمع الأحمر، والاختلاط أصبح أبغض ما يكون إلى الناس، والله يا أخي! إذا كنت تظن أنك لن تبدأ بالدعوة إلى الله إلا حينما ننتهي من الربا، وننتهي من الاختلاط ومن الغناء والملاهي، وننتهي من العلمانيين ومن الفساق والفجرة، وأعداء الدعوة الذين يبغضون الحق، فما الحاجة إلى الدعوة أصلاً؟ إن الحاجة تبدأ في هذه الظروف الصعبة التي تجد فيها الربا شامخاً، وتجد فيها الاختلاط يشق طريقه، وتجد فيها الفساد ينخر في المجتمع، وتجد فيها المنافقين يتسللون إلى بصفوف الأمة، حينئذٍ تكون المسئولية أعظم، والواجبات أكبر، والأمانة أخطر، وتتعلق بالأعناق بقدر كل واحدٍ في موقعه ومكانته. تجد بعضهم يقول: متى يأتي اليوم الذي نجد فيه هذه البنوك كلها أصبحت مصارف إسلامية؟ ومتى يأتي اليوم الذي نجد فيه كل هذه المحلات التي تبيع الملاهي والأفلام الخليعة، وتمارس الترويج للدعارة والزنا والفساد قد انتهت؟ ومتى نجد الاختلاط قد انتهى؟ ومتى ومتى؟ فهو يعيش على هذه الآمال ويعيش على هذه الأماني، لا والله، لسنا بحاجةٍ إلى من يضيع أوقاته وأثمن ساعات حياته التي هي لحظة شبابه، ولحظة حرقته، ولحظة حماسه، لمجرد الآهات والأماني، كلٌ يحسن الآهات: ولست بمرجعٍ ما فات مني بليت ولا لعل ولا لو اني لو أني قلت كذا لفعلت كذا، لو أني كنت كذا لفعلت كذا، أو لعل الأمر كذا، أو ليتني فعلت كذا، كلها لا تجدي في الدعوة شيئاً، أنت صادق فشق طريقك برائحةٍ طيبة ولو كان نتنُ النجاسات من حولك، تشق طريقك ولو على خيطٍ رفيع، ولو كانت الأشواك عن يمينك ويسارك، تشق طريقك وأنت ترجو حسن العاقبة والخاتمة من عند الله سبحانه وتعالى، ووالله إن لنا في رسول الله أسوةً حسنة كما قال الله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21] من كان يرجو بعمله أن يلقى الله جل وعلا راضياً عنه {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21] أن يكون يوم تكور الشمس، وتنكدر الجبال وتنفطر السماء، وتسجر البحار وتمد الأرض، من كان يرجو في ذلك اليوم من أهل الكرامة ومجالس النور؛ مع الأنبياء والشهداء، مع الذين هم في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، فليبدأ طريقه منذ هذه الأيام، من هذه اللحظة التي يرى فيها أن الحق والباطل أصبح يعيش مواجهة، لم يعد هناك غزل يعيش في الكواليس أو عمل في الخفاء، لا. فليبدأ طريقه صريحاً واضحاً ولا يهدأ له بال، ولا تكتحل له عينٌ بنوم، ولا يلذ بطعام وشراب إلا وهو يمارس هذا العمل، ويجتهد فيه بإذن الله سبحانه وتعالى.

إصلاح النفس نقطة البداية

إصلاح النفس نقطة البداية هذه أيها الإخوة! مقدمات من أين نبدأ، هذه مقدماتنا والبداية فيك أنت. دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تبصر وتحسب أنك جسمٌ صغيرٌ وفيك انطوى العالم الأكبر البداية منك أنت، إذا زالت الأوهام وتحررت منها، ومزقت الخيوط العنكبوتية، وما نسجت دودة القز على جسمك وثوبك وعن يمينك وعن يسارك من هذه الأوهام التي كبلتك واستطعت أن تمسح الزجاج أمام عينيك، وأن تزيل بحرارة اليقين هذا الضباب المتكاثف في طريقك حينئذٍ ستبدأ. والبداية كما قلت فيك أنت، فإذا بدأت بحق فاعلم أن الله جل وعلا قد قال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195] سواء كان الداعية في هذه الظروف أو في غيرها رجلاً أو امرأة، ذكراً كان أم أنثى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195]. أيها الإخوة: نقول: فلان رجل لا يضيع المعروف عنده، فلان رجلٌ بذول معطاء، كريم سخي، حينما تعامله بالهدية يردها بأضعافها، أفتظنونه أكرم من رب العالمين؟ جل ربنا أن يعامله العبد نقداً فيجازيه نسيئة، الله جل وعلا أكرم الأكرمين، ومن كرمه أن سيئاتك لا يكتبها عليك إذا هممت بها ولم تفعلها، ومن كرمه أن نياتك بالحسنات تكتب لك وفعلك بالحسنات يضاعف لك إلى عشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261] أكرم الأكرمين: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة:7] الذرة لا تضيع عند الله من الخير، فلماذا تتردد في البداية؟ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] إذاً فلا تخش شيئاً، بعض الناس يقول: من الذي ينظر؟ من الذي يجازي؟ من الذي يكافئ؟ أعملنا؟ وكما قلنا ليس من شرطك أن تهتدي البشرية على يدك، أو أن ترفع برقيات الشكر والثناء لك أنها هداها الله على يديك، فلست أفضل من الأنبياء الذين يأتون يوم القيامة وأحدهم معه الرُهيط، وآخر معه رجل ورجلان، وآخر ليس معه أحد. ثم أيضاً الله جل وعلا بيَّن لنا وظيفة الداعية: إنما أنت منذر، ليست النتيجة عليك: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7] {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:15] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] واستمر حتى تجد النتيجة؟ لا. ما طلبت منك ذلك لكن بلغ، إنما عليك البلاغ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]. فيا أخي المسلم: لست بحاجةٍ أن تضمن النتائج، أو أن تعلق عملك على تكوين النتائج. نعم. إذا كان موقف من المواقف من خلال حكمتك في الدعوة، أو حكمة من تستشيرهم في الدعوة إلى الله ظهر لك أن المنكر الذي ستغيره يفضي إلى منكرٍ أكبر فقف، أو يفضي إلى منكرٍ يساويه فتوقف، ولكن إذا كنت تظن أن سعيك يقلل المنكر، ففي هذا خيرٌ عظيم، وهذه مشكلة نواجهها أحياناً مع بعض إخواننا ولنكن صرحاء، حينما تقوم بعمل معين في مجال معين، وأنت تعرف أن هذا المجال الذي ستدخل فيه: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219] المسألة فيها أخذ وعطاء، مختلطة، فيها مصالح وفيها مفاسد، إذا غلب على ظنك أن هذا أفضل مكانٍ تعمل فيه وتنتج فيه، وتقدم نتائج إيجابية فيه، وسيكون حصيلة عملك التقليل من المنكر، فنقول: هذا خيرٌ عظيم، لا نظن أن المنكر بمجرد أدنى سعي منك سينتهي إلى غير رجعة، أو سيزول إلى غير بدل، لا. قد يزول المنكر، لكن إلى بدلٍ أضعف منه، فيأتي آخر يتدخل في الوضع، فيزول المنكر إلى ما هو أضعف منه حتى يصبح المنكر شيئاً قليلاً لا يكاد يرى بل يضمحل وينتهي إلى غير رجعة. فلابد أن نتصور هذه المسائل لكي لا نضعف حينما نريد أن نعمل، وكثير من الناس يقول: أغلقت السبل والأبواب، ما عاد هناك أمل، العلمانية تفرق، الفساد ينتشر، الواقع إلى جهنم وساءت مصيراً، الناس قد ضلوا ضلالاً بعيداً، وتجده مسكيناً كما في الحديث: (من قال هلك الناس فهو أهلَكَهم أو أهلَكُهم) فيصبح لا يرى إلا ظلاماً، ولا يرى إلا شراً، ولا يرى في الناس إلا جانب الشر، وهذه مصيبة نفسية عند بعض إخواننا أهل الخير، أن تجد الإنسان حينما يرى رجلاً في يده السيجارة وهو متوجه إلى المسجد، ينظر إلى السيجارة ولا ينظر إلى ذهابه إلى المسجد، لماذا لا تنظر فقط إلا بالعين التي تبصر المعصية؟ ولماذا لا تستعمل العين الأخرى فتنظر إلى جانب الطاعة؟ ولماذا لا تجتهد وتحول عينيك إلى جانب الطاعة، فتتسلط على هذا الجانب بالموعظة، بالنصيحة، بالكلمة، بالابتسامة، باللباقة، بالرفق، بلين الجانب، بالتواضع، بخفض الجناح، بما شئت حتى تستطيع أن تقضي على المنكر الذي بيدك؟ أما أن تعيش ناظراً إلى معاصيهم فلا، والله إني أعجب أحياناً، وأمل -لا أكتمكم- من مجالسة بعض إخواني، تجد إذا جلست معه لا يُسمعك إلا ما يحطم نفسيتك، لا يُسمعك إلا ما يجعلك تتحطم، لا. تعيش في جو هذا كذا، هذا صار كذا، اختلاط، فساد، منكر، نشرة، مجلة، مقالة إلخ، فتجد أنك أينما التفت يميناً يساراً، فوق تحت، أمام خلف، تجد أنك محاط بالمعاصي ويخيل إليك الشيطان. لماذا العبث؟ ولماذا مكانك سر؟ ولماذا الجنون هذا؟ انتهت المسألة فالمنكر استحوذ على الوضع من جميع جهاته، ما عاد هناك حاجة لأن تعمل، ما عاد بيدك شيء؟ وهذا هو ما يريده الشيطان؛ أن يجعلك تقنط، وتيأس من رحمة ومن روح الله، ثم لا تبدأ تقدم شيئاً، وينعكس هذا عليك؛ ترى منكراً: ما رأيت إلا المنكر هذا، يحلو لك: رأينا أكبر، وترى منكراً آخر: رأينا ما هو أكبر، وترى مصيبة أخرى: يا شيخ! سيذبحنا العلمانيون، ما عاد هناك أمل لأن تصلح الأحوال وهلم جراً، لا والله. إن وقفة الشاب الغيور المناصح المخلص، الذي يغار على حرمات الله بالاتصال بالعلماء، بطلبة العلم، بالآمرين بالمعروف، كتابة مقالة، كتابة برقية، مناصحة مسئول، التردد في هذا الأمر، والله إنه يشغلهم. ثم يا إخواني! {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء:104] والله إن أهل الباطل، والله إن العلمانيين يتقلبون أسىً ومضضاً ومرضاً لا تشعرون به، حدثني أحد الإخوة وكان في مكانٍ بالقرب من واحدٍ من العلمانيين الذين أخزاهم الله وفضحهم، فقال: إنه لما علم بكذا وكذا سقط مريضاً أياماً عديدة، الله أكبر! والله أيها الإخوة! إن لدعائكم على أهل الباطل في الليل لآيات بينات واضحات، وإن لسعيكم في مقارعة المنكر وأهله لأثراً بالغاً عظيماً، الله جل وعلا يبتليكم وهو بأمره بكلمة (كن) يحول الأمور رأساً على عقب، ولكن حتى ينظر هل تقوم أنت أيها الداعية! أو أيها المسلم! أو أيها الملتزم المتدين بواجب الدعوة! هل وقف التزامك عند توفير لحيتك وتقصير ثوبك فقط؟ أم أصبحت أيضاً تتمعر وتتغيض وتتقلب وتنكر المنكر لأن فيه مخالفة ومعصية لله؟ لو وقف إنسان وقال: يا فلان! من أي قبيلة أنت؟ قلت: من قبيلة بني فلان، قال: اللعنة!! هل تسكت؟ لا. لن تسكت، ستذب عن عرضك وعن قبيلتك وجماعتك، وربما وصل الأمر إلى الثأر والدم، وهو عند من يفتخر بعظمٍ نخر أصبحت الأنهار تجري دماءً عصبية للقبيلة والأرومة، ولكن حينما يكون الأمر لدين الله، ما كأن الأمر يعنيك. يقاد للسجن إن سب الرئيس وإن سب الإله فعند الناس أحرار لا ينبغي أن يكون هذا الميزان أبداً، أبو هريرة رضي الله عنه كانت أمه قبل أن تسلم على الجاهلية والكفر، وكان إذا دعاها: يا أمه! يا أميمه! أسلمي وآمني وصدقي بنبوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فكانت ربما شتمت أبا هريرة وسبته وطردته، وذات يومٍ جاء وقال: يا أماه! إلى متى وأنتِ حكامة في ضلالك، ألا تصدقين بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم؟ ألا تشهدين أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟ فقامت أمه وسبته وسبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى الأمر بالنسبة لـ أبي هريرة؟ جاء ينتفض إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي: يا رسول الله! -ماذا بك يا أبا هريرة؟ - قال: كنت أحتمل ما ينالني، أما وقد سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أرضى بهذا ولا أحتمل، يا رسول الله! ادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهد أم أبي هريرة إلى دينك) فعاد أبو هريرة إلى البيت، فلما سمعت بقرع نعاله، قالت: على رسلك يا أبا هر! فعجب، وإذ بخرير الماء يسمعه، وإذ بها تغتسل، فلما فرغت قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. أن يتغير الإنسان ويتمعر، وأن يضيق لأن دين الله يخالف فيه ما يخالف أو ينتهك فيه ما ينتهك، هذا هو الأمر، ولذلك علل نوح عليه السلام الضلال والبعد والإمعان والإصرار من قومه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً} [نوح:5] بعض الناس مزاجه لا يفتح إلا في الليل، فلابد أن تزوره في الليل، أما في النهار فليس عنده استعداد أن يقبل الدعوة، مزاجه على الرصيف في الليل يقبل الدعوة، فلا حرج أن تزوره في رصيفه العادي، ومن الناس من لا يقبل الزيارة والدعوة إلا في النهار، وفي الليل كالدجاجة ي

تغيير الوضع

تغيير الوضع ثم أيها الإخوة: البداية من هذه النفس، هل تكتفي بصلاح نفسك؟ أنت قد صلحت، وأن يقال: أسلم فحسن إسلامه، تفقه فزاد فقهاً وعلماً، كثيرٌ منا معلوماتنا في العام الماضي هي نفس معلوماتنا هذه السنة، وهي معلوماتنا بعد سنتين وبعد ثلاث سنوات إن كنا من الأحياء، لا تجد الإنسان يطور في برنامجه شيئاً، أو يحاول أن يغير من وضعه، تمر السنون الطوال وهو لا يزال على ركعة واحدة وتراً، تمر السنون الطوال وهذا شأنه لا يعرف إلا ست شوال فقط، تمر السنون الطوال وهو لا يعرف من النوافل إلا مسائل محدودة، أين مجاهدة النفس ولو رويداً رويداً، ولو قليلاً قليلاً؟ وسترى حسن عاقبة هذا، وستجد له أثراً إذا أنت أخذت النفس على رياضة مستمرة ولو تدريجية، بعض الناس ربما صام الشهر كله، أو صامه إلا قليلاً ثم انقطع مرةً واحدة، أو ربما قام الليل كله، ثم فاتته صلاة الفجر في أيامٍ متتابعة، أو تجده ربما انكب على محاضرات مدداً طويلة، ثم انشغل بعد ذلك بمجالس لهوٍ وغفلة، وتجد المنحنى البياني بالنسبة لاستقامته في هبوط وصعود، مرة طائراً فوق، ومرة نازلاً تحت. المعروف أن الإنسان المستقيم الداعية، الخط البياني بالنسبة في الارتفاع، يحصل زلة ولكنه يرجع من جديد إلى ارتفاع، رب ذنبٍ أورث توبةً فأورثت عملاً وندماً واجتهاداً وعزيمة، قال ابن القيم: سألت شيخنا ابن تيمية عن الحديث: (ما يقدر الله لعبده قدراً إلا كان له به خير) قال: أليس الله يقدر الشر؟ قال: بلى. -المعصية أليست من قدر الله؟ بلى. المعصية من قدر الله- قال: إذاً كيف يكون للإنسان فيها خير، قال: بما يتبع ذلك من الذل والندم والانكسار، والإكثار من الحسنات الماحيات لهذا.

العلاقات المتبادلة

العلاقات المتبادلة ثم بعد ذلك أيها الإخوة! البداية بعد هذه النقطة في علاقتي بكم وعلاقتكم بي، تستمر علاقاتنا وصحبتنا على وتيرة واحدة، حيا الله فلاناً، أهلاً وسهلاً، حيا الله الداعية، حيا الله الشيخ، حيا الله فلاناً، حيا الله فلاناً، وأين نقدنا لبعض؟ أين الذين تواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر؟ أحد جاء وأمسك فلان بن فلان قال له: اتق الله، لقد فعلت كذا، فإن كان فعلاً قد فعله، قال: أستغفر الله وأتوب إليه، وإن كان لم يفعله قال: لم أفعله وجزاك الله خيراً حذرتني منه، قال ابن القيم: ومن مساوئ الخلطاء أو المجالس أن تجد بعضهم يتزين لبعض، وهذا أمر ملاحظ، تجد الواحد يجلس في مجلس، والله يا فلان ما مثلك! وأنت حقيقة ما بعدك، ثم نجلس فرشاة في بعض، كل واحد يمدح الآخر، ونقوم وكأن الواحد منا إبراهيم الحربي، وإبراهيم النخعي، وسفيان بن عيينة، وإسحاق بن راهويه ما شاء الله بلغنا قمة الأمر، أين المناصحة فيما بيننا؟ أين التواصي فيما بيننا؟ بالأمس وقت صلاة الظهر ولعل الكثير منكم حضر جنازة أبي عبد الملك الأخ في الله إبراهيم الشارق، أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة، أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة، كان صديقاً محباً، ربما زارني في سرٍ وزرته في سر، وجلسنا لوحدنا، وجلوسي معه وجلوسه معي على انفراد أكثر من جلوسنا على اجتماع، فكان الشيخ محمد الفراج جزاه الله خيراً يستغل فرصة اجتماع الشباب من أجل الصلاة على الجنازة ومن ثم التشييع واتباعها، فذكر كلاماً، والله قال كلمة تمنيت أني كنت الجنازة، والله أيها الإخوة! قال: وقد عرفنا الأخ إبراهيم عفيف اللسان عن الغيبة والنميمة، الله أكبر! أيها الإخوة! من يجد هذه المنقبة؟ هي مسألة سهلة، قد يقول واحد: ظنناك ستمدحه بأنه حفظ الصحاح أو السنن، أو القرآن بسبع قراءات، هذه خير، ولكن العفة عن الغيبة والنميمة أخير وأعظم، من منا أيها الإخوة! في تهذيبه وانطلاقه بالدعوة من نفسه، يبدأ مع إخوانه، فإذا بدأت أتكلم في عرض فلان قال: ما أنت بالشيخ سعد، أنت أقل من الأخ سعد، اصمت هذه غيبة، إن شئت قلها صراحة، إن شئت قلها بتورية، إن شئت قلها كناية، إن شئت أومئ ببصرك، إن شئت خذني على انفراد، إن شئت انصحني بأي طريقة، المهم ألا نسكت عن بعض، وألا يجامل بعضنا بعضاً. من هنا نبدأ أيها الإخوة! أن نكون صادقين في علاقاتنا، ألسنا نتحاب في الله؟ ألسنا ندعي أن العلاقة والرابطة بيننا هي الحب في الله والبغض في الله؟ فلماذا إذاً يتزيا ويتزين ويتجمل بعضنا أمام بعض بالمديح المتبادل؟ ربما تفعل خيراً فتسمع ثناءً، وتلك عاجل بشرى المؤمن كما في الحديث، لكن والله يا أيها الإخوة! إن الإنسان يأتيه الشيطان، وأيضاً يحاسب نفسه، يقول: الله أكبر! مر شهر كامل ما واحد من إخوانك دس لك رسالة تحت الباب ينصحك، ما شاء الله، أنت الكامل!! أنت المثل الأعلى، والقدوة الأسنى!! ما فيك خطأ أبداً!! رغم مجالساتك وكثرة حديثك ولقائك وكلامك، ما نصحك أحدهم، وما أهداك عيباً من عيوبك. لماذا؟ لأننا نكره أن ينصحنا إنسان في عيوبنا، نحب المديح، نتلذذ له: جزاك الله خيراً، أحبك الله كما أحببتني فيه وهلم جراً، لكن نصيحة، يا أخي! بعض الناس معقد، بعض الناس ما يفهم. أعجبني ذات مرة أحد الإخوان، قلت له: أتمنى أن أكون ممن حفظ القرآن كله عن ظهر قلب كسائر الحفاظ، قال: تريد أن تحفظ القرآن وأنت تجمع في حياتك بين شغل الدنيا والآخرة؟ لا يمكن أن تحفظ إلا إذا تفرغت للآخرة تماماً، أعجبتني هذه الكلمات، والله تلذذت بها، قلت: يا أخي! الله يجزيك خيراً، لطالما اشتقت أن أسمع كلمة كهذه، لو كان غيره: لا يا أخ سعد! أنت مشغول في الدعوة، وهؤلاء الإخوان يشغلون وقتك وأنت وأنت وهلم جراً، وأخذ كل واحد منا يلمع ويرقع ويزين للآخر، لكن الصدق في العلاقة هو خير ما نربي به بعضنا البعض.

الشعور بالمسئولية

الشعور بالمسئولية أقول أيها الأحبة: إن البداية تبدأ من كل واحدٍ منا أن يشعر بأن له قدرة، وله مكانة وله منزلة، ولابد أن ينطلق ويبدأ، وأحب دائماً إذا طرحت موضوعاً أن أقدم مشروعاً، ومشروعنا أيها الأحبة! تحت التجربة، وقد أثبت بفضل الله جل وعلا نتائجه الإيجابية. هذا المشروع بدأ بحيٍ من الأحياء، كان قبيل انفجار أزمة الخليج، ومع مواكبة الوضع في الأزمة وانتهائها بفضل الله جل وعلا، نسأل الله أن يجعل العواقب حميدة، ألا وهو أن المجالات عديدة وواسعة وخصبة، ولو أن كل واحد منكم، وأنا أخاطب الآن كل واحد منكم عرف أنه ينتمي إلى مسجدٍ -أقرب مسجد له في الحي- أنت تنتمي إلى جماعة بحكم أنك من جماعة هذا المسجد، تعد الشباب الطيبين الذين هم من أهل الحي، وكل الشباب المصلين على مستوى جيد من الخير والصلاح والاستقامة، تجمع هؤلاء الأخيار الأبرار، تقول: تعالوا أيها الإخوة! هذا الحي كم فيه من بيت؟ مثلاً قرابة مائتا بيت، اعتبر فقط أننا في قرية ليس فيها إلا مائتا بيت نريد أن نتعهد هذه البيوت بالدعوة والنصيحة بمختلف الأساليب، وقد طبق هذا البرنامج مجموعة من إخوانكم جزاهم الله خيراً على حي من الأحياء، أنت يا فلان! في الجهة الفلانية، البلكة التي تسكن فيها فيها عشرة بيوت، بيت فلان وفلان وفلان، كم عدد أولاد الحي؟ فلان كذا وفلان كذا وفلان كذا، وأنت في البلكة الفلانية، وأنت في البلكة الفلانية وهلم جراً، أول قرار: نجتمع أسبوعياً نحن شباب الحي، أو شباب المسجد، وهذه الفكرة لابد من نقلها وتوزيعها وانتشارها في مختلف أحياء مدينة الرياض ومن ثم في جميع مدن المملكة، بل في العالم الإسلامي كله. أي أن يبدأ الإنسان بمن حوله، ثم تحدد أنت وإخوانك يوماً من الأيام تجتمعون فيه أسبوعياً بعد صلاة المغرب، وإذا أحضرت من المكتب العقاري (الكروكي) المختص بالحي: يحد الحي الشارع الفلاني شمالاً، ويحده جنوباً شارع العشرين، وشرقاً السوق الفلاني، هذا الحي أمامك في ورقة، الحي بين يديك في ورقة، هذا الحي فيه بيوت آل فلان وآل فلان، ادرس أحوالهم، طبعاً أنت لا تعرفهم كلهم، لكن أنا في طرف هذا الحي، وأعرف الذين هم بجواري، وأنت في طرف هذا الحي وتعرف الذين هم بجوارك، أنا بجواري أناس لا يصلون الفجر، بجواري أناس أرى منهم تساهلاً، أجد الموسيقى صاخبة مزعجة في بيتهم، أجد هناك تساهلاً وتبرجاً في وضعهم، وأنت ماذا ترى؟ قال: أرى أناساً يدخلون في أوقات متأخرة، وأجد أموراً أعرف شيئاً منها وأشك في بعضها.

أهمية التخطيط والعمل الجماعي في الدعوة

أهمية التخطيط والعمل الجماعي في الدعوة إذاً: من هنا نبدأ، كل واحد منكم يستطيع أن يبدأ بداية متواضعة جيدة نافعة، من هذا الحي الذي بين يديك، ماذا نفعل؟ إخوانكم جزاهم الله خيراً قالوا: أولاً نريد أن يعرف أبناء الحي وأصحاب البيوت والمنازل أننا شباب المسجد، أننا بالتعاون مع إمام المسجد، مع إمام الجامع يهمنا أن نتعرف على جميع البيوت في الحي، ورسالة ودية أخوية: جارنا الحبيب، لعلك غافلٌ عنا، ونحن غافلون عنك، لعلك تمر فلا تعرفني، وأمر فلا أعرفك، لعلك تحتاجني في وقتٍ أشد ما تكون فيه محتاجاً إلى من يسعفك أو يعينك، أو ينقذك أو يقوم بحاجة أهلك في غيبتك فلا تجد أحداً، إني أخوك في الله، ومحبك في الله، وجارك في الحي فلان بن فلان، هذا اسمي وهذا عنواني وهذا رقم هاتفي. رسالة أخوية، أسلوب من أساليب الدعوة، ثم ماذا بعد ذلك؟ الرسالة الثانية مظروف، مظروف نضع فيه الرسائل، لكنه ظرف كبير ونفس شباب الحي العشرة أو الإثنا عشر كل واحد منهم يتبرع من جيبه أو يحضر من المحسنين بعض المال، ثم نشتري قرابة مائة وخمسين شريطاً، ونضع في كل ظرف شريطاً، ومع كل شريطٍ رسالة قيمة وكتيباً، إذا كان الزمن قرب الحج كتاب عن الحج وشريط عن الحج والأضاحي، وفضل العشر من ذي الحجة، وكل بيت في الحي تستطيع أن تطرق الباب: السلام عليكم جارك فلان، هدية جماعة المسجد، تفضل، فتستطيع أن تغطي الحي بهذا، بعد ذلك انتهى الحج، وجرت عادة هؤلاء الشباب أن يخططوا لهذا العمل، يعني يوزعوا كل خمسة عشر يوماً على أعضاء الحي أو على بيوتات الحي شريطاً وكتاباً في الشهر مرتين، انتهى الحج توشك السنة الهجرية أن تنتهي، كتيب وشريط عن محاسبة النفس. وأقول أيها الإخوة! خذوا هذا البرنامج وطبقوه، اكتبوه معكم، اجتهدوا في تطبيقه، فلعل الله جل وعلا أن يوقظ به مجتمعنا من الإثم، أن يرفع به المصيبة عن الأمة، أن يدفع به البلاء عن الأبناء والآباء والأمهات، والكبار والصغار، هذا وجهٌ من وجوه الدعوة، وأسلوبٌ من أساليبها وفيه خيرٌ عظيم، والله كنت أسمع في الحي الذي أنا فيه من بعض الجيران موسيقى وأغاني مزعجة، فلما قام الشباب في الحي جزاهم الله خيراً وبدءوا بهذه الطريقة؛ وزعوا على كل بيت كل أسبوع الظرف هذا وفيه شريط وكتيب، إذ بي أسمع تارة صوت القرني يجلجل، وتارةً مواعظ الحماد تجلجل، وتارةً خطب القطان تجلجل، قلت: اللهم لك الحمد، الناس بخير، الناس عندهم استعداد، الناس -أيها الإخوة! - وبالذات النساء في البيوت أرق أفئدة، أقرب عواطف، يتأثرن بسهولة، وربما التزمت واستقامت وتابت، واجتهدت في الطاعة قبل الرجل، وأعرف هذا جيداً، بعض البيوت الأب الأشهر الطويلة يقضيها في مانيلا وفي بانكوك وفي البيت الفتاة التي تحفظ القرآن وتملأ البيت بذكر الله، وتعليم أخواتها الدين والستر والحجاب. فيا أيها الإخوة! لماذا نحرم أنفسنا؟ الكثير منا لم يجرب يوماً ما أن يكون داعيةً في الحي، أنا لا أريدك أن تسافر إلى جدة والدمام والشرقية وتلقي بها المحاضرات وتجمع الجماهير من كل مكان، لا. أريد كل واحد منكم أن يبدأ التجربة في الحي، من هنا نبدأ، ومن الحي ننطلق. ثم ماذا بعد ذلك؟ قام إخوانكم الشباب جزاهم الله خيراً، وأقول هذا بكل علنية، بكل صراحة، لا أخشى في ذلك شيئاً؛ لأنه ليس أمر يخشى منه، بعض الناس يقول: لا. كيف تنشر أسلوبك في الدعوة، وتخطيطك للدعوة؟ هل أنا في دولة بلشفية؟ من أين جاءتني أفكار تجعلني أضع وأدس الحق الذي مكانه المقل والجبين والرءوس تحت الكواليس؟ من أين جاءني هذا الوهم الذي جعلني أنسج خيوطاً عنكبوتية حول نفسي، ولا أصارح وأعلن بدعوتي في منهجي وفي أسلوبي وطريقتي؟ لست بحاجةٍ إلى هذا، أنا لا أعيش بدولة كافرة؛ شيوعية أو بلشفية، أو بعثية؟ لا. أنت في أمة مسلمة، فإياك إياك أن تحقق ظن إبليس فيك، فمن ثم يستطيع أن يقيدك ويكبلك وتظن أنك عاجز. ماذا بعد ذلك؟ قام الشباب جزاهم الله خيراً وكل هذا أنا فيه شاهد عيان، فأنا أصف ما رأيت لا أصف ما نقل إليَّ، بعض الشباب رتبوا محاضرة، كتبوا إلى مركز الدعوة الإذن بمحاضرة، ولكن اجتهدوا أن تكون المحاضرة مخصصة لأهل الحي، إذا حضر أحد من حيٍ آخر فلا مانع، لكن اجتهدوا أن تكون المحاضرة لأهل الحي، جاء الإذن من مركز الدعوة بإقامة المحاضرة، فأرفقوا مع الإذن دعوة -صوروا هذا الإذن بعدد بيوتات الحي وصوروا مع الإذن دعوة-: جارنا العزيز! ندعوك ونتشرف بدعوتك لحضور هذه المحاضرة بالوقت الفلاني بحضور إمام المسجد، ووجهاء وكبار الجماعة في المسجد، نرجو أن نحضر سوياً، ووزعت الدعوة والإذن من مركز الدعوة مع دعوة إمام المسجد أو الجامع، مع شباب جماعة الحي إلى كل بيت، مع المظروف الذي تعودنا أن نضع فيه شريطاً ورسالة، ثم اجتمع الجيران في الوقت المحدد، وكان الحديث عن حقوق الجوار، اجتمع الجيران وإذا بنا نرى وجوهاً ما كنا نراها، وهذا يعني أن لنا جيراناً عندهم الاستعداد أن يشاركونا. نعم. رأينا وجوهاً متباينة مختلفة ليست على مستوى واحد من الصلاح، لكن الإطار العام فيهم: حب الخير، فيهم حب حقوق الجوار، التعاون، التناصح، التآلف، التقارب، فبدأ إمام المسجد مع ضيوف الندوة يتناقشون في قضية الجوار: نحن جيران الآن، أول مشكلة تواجهنا أطفالنا في الحي، لماذا يتعلم الطفل في الحي ألفاظاً بذيئة، نناقش هذه المشكلة يا جيراننا! ما رأيك يا أبا فلان؟ فهل من شرط الندوة: وأما الآن يتقدم فلان، ثم يقوم فلان، ويسكت الجمهور، ثم ينتهي ويقدم الأسئلة؟ لا. ممكن أن يتناقش أهل الحي في اجتماع شهري، أو كل شهرين، المهم أن شباب الحي بدءوا يعملون فأنتجوا، ماذا تبع ذلك؟ تبع ذلك أن أصبح عدد العاملين في الحي بدل أن كانوا ثمانية شباب وهم الذين قاموا بالفكرة، أصبح عدد الدعاة في الحي أكثر من خمسة وعشرين أو ثلاثين شاباً، وهؤلاء لم يقف حد الواحد منهم عند مسألة نفع الجيران أو العمل مع الجيران فقط، لا. بل أصبح الواحد منهم يتطعم ويتلذذ حلاوة العمل في الدعوة إلى الله جل وعلا، فلما وجد أثر الشريط والكتيب على بيته وجيرانه، وأثر الرسالة والاجتماع أصبح يدعو زملاءه في العمل ويتناقش معهم، ويعطيهم الأشرطة، ويواعدهم بالذهاب إلى المحاضرة، ويخرج معهم الرحلة، يرتب معهم العمرة، يخطط معهم الذهاب في رحلة للحج وهلم جراً، ومن ثم استطاع هؤلاء أن يقدموا أنموذجاً جيداً، فنحن أيها الإخوة! وشباب الصحوة في مختلف أنحاء الجزيرة عددٌ لا يحصيه إلا الله، عدد هائل كبير جداً، لكن حقيقة الأمر أشبههم برجل عنده ألف عامل، وكلهم ما شاء الله يلبسون الزي الرسمي للشركة، افرض هذه الشركة شركة دعوة، وزي الشركة البدلة الكاملة مكتوب على صدر العامل (دعوة) فتجد رئيس الشركة قد وظف مائتي عامل، ثمانمائة عامل مكملين بالزي لا أحد يمارس أي نشاط أو أي دور أو وظيفة في الدعوة، فأقول: هذا ينطبق على كثيرين من شباب الصحوة، تجده ملتزم الزيِّ الكامل؛ السمت، توفير اللحية، تقصير الثوب، الحرص على أمور طيبة، تجد الرجل متصفاً بالزي المناسب أو المطلوب شرعاً في هذه المهمة، لكن أين العمل؟ أين الخطوات الإيجابية؟ لا تجد شيئاً أبداً، لماذا يا أخي؟! أليس القادة، أليس الدعاة يقولون للناس: تعالوا نقودكم إلى نهج الخير والصلاح؟ جاء العامة والناس والتزموا، قالوا: يا الله! ها قد جئناكم ولحقناكم؛ وفرنا لحانا، وقصرنا ثيابنا، واستقمنا، أعطونا الجديد، مما عندكم، نقول: تعال وقف جنبنا، والحقني وقف جنبي ما استطعت، إذاً أن أقدم معه شيئاً ووقفت أنا ومن أدعو في خطٍ واحد، وهنا يكمن الخطر، ربما ضياع البرنامج أو عدم وجوده هو الذي يشغل هذه النفوس، يردها إلى انتكاسة، إلى انحرافٍ بعد استقامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فالمسألة -أيها الإخوة! -: حساسة جداً جداً، يتطور الأمر، بدأ عند هؤلاء الشباب لما كثروا بعد أن كانوا في البداية ثمانية، أصبحوا قرابة خمسة وعشرين أو ثلاثين داعية، لما كثروا ماذا حصل؟ قالوا: الآن ما شاء الله صرنا كثرة، كم عدد محلات الفيديو عندنا في الحي؟ عندنا ثلاث محلات فيديو، ما رأيكم أن ننقسم إلى ثلاث مجموعات؟ المجموعة هذه تزور المحلات يوم السبت، وهذه تزور المحلات يوم الإثنين، وهذه تزور المحلات يوم الأربعاء، لا صراخ ولا زعاق ولا تعويل، ولا صياح ولا نياح، تدخل على صاحب المحل: السلام عليكم، كيف الحال؟ (عساك طيب؟) (ويش لونك؟) إنَّا والله جيرانك في هذا الحي، وتفضل هذه رسالة، رسالة التنبيه بخطر، أكل الحرام، شرب الحرام، ما ظنك لو مت وأنت في هذا المحل؟ ما ظنك لو مت: هلك هالك عن خمسة آلاف شريط فيديو وستين جهاز GVC، وثلاثين جهاز سوني، هذه التركة، والمسألة من ستة، للأم السدس أم كيف نفعل بها؟ لو مت؛ أيسرك أن تلقى الله وهذه تركتك. أيها الأخ! ربما لا تجد في السوق كتيباً أو رسالة مناسبة لصاحب محل فيدو أو محل أغاني، لكن إذا لم توجد رسالة جاهزة، اجتمع أنت وإخوانك وصوغوا رسالة بهذا الموضوع حساسة جميلة، اعرضوها على أحد طلبة العلم يُحبِّرها لكم، ثم تطبعها أنت، وربما تأخذ بها الإذن، وقد لا تحتاج إذناً وتوزعها أول ما تزور صاحب المحل، أو تكتبها رسالة خطية: تفضل يا أخي! هذه رسالة أرجوك، لست أرجو منك إلا أن تقرأها في لحظةٍ من هدوء نفسك وفراغها. فيا أيها الإخوة! أصبح العمل متطوراً، بدل أن كان عمل جيران فقط، تطور إلى مسألة دعوة الوجوه الموجودة، وأضرب لكم مثالاً: واحد من الشباب الذين يعملون معنا في الحي جزاهم الله خيراً، قال لي: أريدك، قلت: ماذا عندك؟ قال: هناك شاب يعمل في بنك يريد أن يتوب. المسألة تطورت، الدعاة بدءوا يدخلون البنوك، كيف ندخل إلى هذا الشاب؟ قلت: ابحثوا عن شاب كان يعمل في بنك فتاب إلى الله، وائتوا به معنا، فأخذنا هذا الشاب الذي كان يعمل في بنك من البنوك، ثم التقينا بهذا الشاب الذي لا يزال يعمل في البنك، وبدأنا نتحدث ونتكلم وهلم جراً، حتى دار الكلام عن العمل، فقال: والله إني أريد ترك العم

التوازن في الحكم على الآخرين

التوازن في الحكم على الآخرين إن مشكلتنا دائماً أننا نريد من يتعامل معنا أن يوافقنا بكل شيء، أنا أعرف رجلاً -ما شاء الله- ثرياً جداً، لكن شيء اسمه شريط إسلامي، يقول: هذا لا اعترف به، لا أعبره، أقول له: قاتلك الله، وكفانا الله شرك، وأنت وأنت إلخ؟ الرجل يبذل ويتفانى في طبع الكتب باللغات الأجنبية التي تدعو الكفار إلى الإسلام، أليست هذه خصلة إيجابية ينبغي أن أحبها في الرجل، وينبغي أن أستغلها فيه؟ نعم. أم لكونه لا يحب الشريط، أو في ذهنه تصور معين يحتاج ربما إلى أشهر لإصلاح هذا التصور الذي رسخ في ذهنه، ربما تَكَوَّنَ هذا التصور خلال سنوات عدة، أو خلال أشهر، أتريد أن يتغير تصوره في خلال جلسة أو جلستين معك؟ لكن عنده جانب إيجابي، ألا وهو حب طباعة الكتب باللغات الأجنبية من أجل دعوة الكفار إلى الإسلام، أفلا تستغل هذا الجانب؟ بلى والله. إذاً فيا إخواني: نحن في الحقيقة عندنا الارتجالية، الإنسان إذا قلت له: اتق الله، وقع يبكي ويصبح يعد ذنوبه، ورجعنا على توبة صادقة، وإلا فلا فائدة، لا يا أخي! قد لا يتوب لا في المرة الأولى ولا الثانية، ولا في الثالثة ولا الرابعة، لكن مثلما يقول العوام: الناقوط يخرج الحجر، الناقوط جربه نقطة نقطة ماء، تجد على مر الأيام والأشهر منذ مكان الحجر، يعني النقطة تسقط على هذا المكان في الحجر، فإذا بها قد أحدثت فيه فجوة أو خرقاً، أو مساماً معيناً، فأنت تحتاج إلى هذا التخطيط طويل المدى. المسألة الأخرى: أيها الأخ الكريم! قد لا تستطيع أن تجعل مجتمعك يخلو من المعاصي والمنكرات لأول وهلة. لكن كما قال الله جل وعلا: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33] فقد يوجد من يحاجك ويجادلك في الربا، لا يمكن أن توجد أمة إلا بقوة، ولا قوة إلا ببنوك، ولا بنوك إلا بفوائد، كما يقول الملهم صاحب النظرية الاقتصادية، لكن إذا أنت تتمنى أن الله جل وعلا يبعد عن أمتك وعن بلادك شؤم الربا: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] إذا تمنيت هذا ولم يتحقق فإنك تستطيع أن تحقق إثبات خطر الربا في كل مقام، في كل مناسبة، في كل خطبة، في كل منتدى، في كل لقاء، في كل مقالة، استغل كل ما يمكن أن يقع بين يديك؛ مقالة، إذاعة، تلفاز، أي شيء تستطيع من خلاله أن تحذر من خطر هذا الشيء الذي لم تستطع تغييره، ما استطعت أن تغير الربا، هل يعني ذلك أن تسكت، لم تعد تذكر بخطر الربا وشؤمه على الأمة، وأنه لعنة وبوار وهلاك؟ لا. لابد أن تذكر: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33] تأتي بالحق وتبينه، وتفسره وتوضحه؛ تبين خطر الربا، خطر الاختلاط، خطر الفواحش، خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا. إذاً: أيها الأحبة: باختصار: كل واحد منكم يعتبر نفسه الوحيد في الحي، لا تنتظر أن يأتي أحد يطرق الباب يقول: فلان! تعال لكي نبدأ، اعتبر نفسك أنت الوحيد، فإذا اعتبرت هذا الأمر تحركت لكي تدعو جارك، وإذ بجارك يقابلك تحرك ليدعوك، فالتقيت أنت وإياه، والتقيتم بمجموعة شباب، وجلستم في مجلس أسبوعي لكي تخططوا لهذا الحي. أنا أقول لكل واحد منكم الآن: كم لك سنة وأنت ملتزم؟ أربع سنوات، خمس سنوات، ماذا قدمت للحي الذي أنت فيه؟ هل وزعت على جيرانك أشرطة أو كتيبات؟ هل جمعت أفراد الحي بمناسبة عامة؟ ألسنا نجتمع في العيد؟ أمر ليس غريب، إذا جاء العيد كل واحد منا يأتي بعيده معه، هذا يأتي بقرصان، وهذا بجريش، وهذا بدجاج، وهذا بغنم، وهذا بلحم جزور، وصفوا أصنافاً، وجلس الجيران وكلٌ يذوق من عيد فلان قليلاً، ما المانع أن نجعل لنا عيداً شهرياً؟ واحد يقول: والله فلان ابتدع علينا عيد النيروز، وإلا عيد الفصح، لا. أقول: لقاء شهري يجمع الجيران في مكان معين، في فناء المسجد، في المكان الفلاني، ويجتمع الجيران، يتحدث بعضهم مع بعض، نفكر ما هي المشاكل التي عندنا، ما هي القضايا التي نواجهها في المجتمع، أطفال الحي ماذا يواجههم، النساء في الحي ماذا خططنا لهن، هل استطعنا أن نرسل كل شهر شريطاً يتعلق بالمرأة، هل رتبنا محاضرة للنساء، نجعل في ليلة من الليالي حراسات على أبواب المسجد، نستأذن باستضافة داعية من الداعيات، ندعو جميع نساء الحي فيحضرن المسجد، وتلقي فلانة محاضرة: ماذا ينبغي على المرأة أن تفعل. هذه أيها الإخوة! مجالات نحن في غفلة عنها، وأنا أظن كما قلت في بداية المحاضرة أننا إن لم نر الربا يسقط، والاختلاط ينتهي، ومحلات الفيديو تغلق، إذا لم نر هذا فلا نعمل لا. نريد العمل، من كل مستوى ومن كل لحظة، ومن كل مرحلة، وثقوا بالله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور:55] والله لتجدن الحق مستخلفاً: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} [القصص:5] وعد ما أنت مستضعف، من باب أولى أن تمكن، ومن باب أولى أن تجد للحق تمكين وقوة وقدرة: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5] فلماذا هذا الضعف؟ ولماذا هذا التكاسل؟ لماذا هذا الخور؟ لماذا هذا الجمود أيها الإخوة؟! كل واحد منكم أخاطبه، وكل واحد منكم أشهد الله عليه أنه عرف وعلم وسمع ودرى وخبر، وأشهد الله على كل من سمع هذا الشريط أن يتقي الله في نفسه، وأن يبدأ ولو بخطوة واحدة إلى الأمام، ما أكثر ما جلسنا في المجالس نسب العلمانيين والفساد والمنكرات، وما أندر ما نجد من كل من سب أولئك كلهم يقوم بخطوةٍ إيجابية (لأن توقد شمعةً في الظلام خيرٌ من أن تلعن الظلام ألف مرة). أسأل الله جل وعلا أن يثبتني وإياكم، أسأل الله أن يثبتنا، أسأل الله أن يثبتنا، أسأل الله أن يثبتنا، وألا يكلنا إلى أنفسنا، اللهم اقبضنا إليك هداةً مهتدين، راضين مرضيين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم لا تفتنا، اللهم لا تفتنا، اللهم ولا تفتن بنا، ولا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، اللهم توفنا من غير انتكاسة أو ضعف، أو تقلب حال أو حورٍ بعد كور، أو ضلالة بعد استقامة، أو زيغٍ بعد هدى، نسألك اللهم الثبات إلى أن نلقاك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الشاب المبارك

الشاب المبارك شبابنا اليوم -إلا من رحم الله- مالوا عن الهدف الذي خلقوا من أجله وهو عبادة الله، ولقد نزعت البركة من شبابنا اليوم -إلا من وفقه الله- فلا تكاد تجد شاباً تعتمد عليه في نصرة هذا الدين. فنحن اليوم نبحث عن الشاب المبارك المبارك في وقته وعمره وهمه وفكره وعمله. وقد تحدث الشيخ عن هذا الموضوع وأفاض، وحث الشباب على علو الهمة.

مقدمة عن مجالس الذكر

مقدمة عن مجالس الذكر إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فأيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وإني لأسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء الذي ما ظننت أن حضوره بهذا العدد المبارك ألا يدع لإخواننا الحاضرين ذنباً إلا غفره، ولا هماً إلا فرجه، ولا ديناً إلا قضاه، ولا توبةً إلا قبلها بمنه وكرمه إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتنا في الله: وأنا في الطريق إليكم تجولت بفكري في كثير من المجالس والاستراحات والمناسبات والرَّدَهَات وأماكن اللقاء والاجتماع، فرأيت الناس لا يخرجون في لقاءاتهم عن أمور، لقاؤكم هذا هو أجَلُّها وأكرمُها وأشرفُها وأعلاها منزلةً وأكرمُها جناباً عند الله سبحانه وتعالى، وما ذاك إلا أنكم اجتمعتم على غير أنساب بينكم، ولا مصالح تجمعكم، ولا مقاصد من حطام الدنيا الفاني ألفتكم، وإنما جمعكم جميعاً أن تمجدوا الله وتثنوا عليه، وتحمدوه وتكبروه وتسبحوه، وتتفكروا فيما شرع الله لكم أن يتفكر فيه، وأن تصلوا على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تتذاكروا حديثه وسنته وأثره وسمته وهديه صلى الله عليه وسلم، فمن ذا يقول أن ثمة مجلس أرقى وأجل وأكرم وأكمل من مجلسكم هذا؟! ليس على وجه الأرض مجلس أجل وأعلى من مجلسٍ يُذكر الله عز وجل فيه ويُصَلَّى فيه على رسوله صلى الله عليه وسلم، ويكون الحديث مرتبطاً بالوحي المعصوم بكلامه سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. ثم يا أيها الأحبة: لما أكرمكم الله بالاجتماع على هذه المقاصد وطهَّر مجالسكم من مقاصد دنيئة أو تافهة أو ليست بشيء يذكر؛ عندما اجتمعتم إليه تذكّروا أن الله سبحانه وتعالى قد أكرمكم بهذا وفضلكم على كثير ممن خلق تفضيلاً. ما أكثر الشباب! ولكن أين هم؟! ما أكثر الرجال! ولكن أين هم؟! ما أكثر المجالس! ولكن ما هي؟!

الناس كإبل مائة

الناس كإبل مائة إذا تأملتم قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري هو من جوامع الكلم ومن جوامع الحكم التي خُصَّ بها نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا واضح جلي. أنت تعد الكثيرين من الناس، ثم إذا أردت أن تخرج من بينهم واحداً يُعْتَمَد عليه بعد الله في الشدائد، أو يُعَوَّل عليه بعد الله في الملمات أو يُدَّخَر عند الكربات لم تجد أحداً، وما ذاك إلا أن الناس أعداد كالأصفار إلا النوادر منهم الذين هم كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة). كم عدد الشباب! وانظر من هم الصالحون من بينهم، كم عدد الشباب الذين يملئون الشوارع ذهاباً وإياباً وغدواً ورواحاً! ولكن من هو الذي يكون بركة على نفسه وبركة على أهله وعلى أسرته ومجتمعه؟! الكثير من شبابنا اليوم كما قال الأول: وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفعٌ وموتك فاجعُ الآن لو سمعنا صوت فرامل سيارة على الشارع فكلنا تنصرف رقبته باتجاه الشارع، وأسماعنا تنصت، وتبدأ الخيالات تتصور أهو حادث انقلاب سيارة، حالة تصادم، وهل سلموا، أو لم يسلموا، وافترض مثلاً أن رجلاً جاء إلينا وقال: يا ناس! يا شباب! يا من اجتمعتم في هذا المكان! يوجد شاب نزل من سيارته، أو فحط بسيارته، أو صارت عنده مشكلة وهو الآن في حالة نزيف ونريد منكم أن تنقذوه؛ هل سيتردد منكم أحد أن يتبرع بقطرات من دمه لإنقاذ حياة هذا الشاب؟ A لا. كلنا بحكم إسلامه، بحكم أنه محسوب على الإسلام والمسلمين قد يكون اسمه: عبدالله أو عبد الرحمن أو عبد العزيز أو عبد الملك أو أي اسم من الأسماء، ولإسلامه خرجنا نسعفه نريد أن ننقذ حياته، ثم لما تبرع هذا الجمع بدمه لهذا الشاب الذي نزف بعد الحادث ودبت الحياة إلى جسمه من جديد، هنا نسأل هذا الشاب ونسأل أنفسنا: ماذا قدم هذا الشاب في طاعة الله عز وجل؟ ماذا قدم لدين الله سبحانه وتعالى؟ ماذا قدم لنفسه في مرضاة الله؟ ماذا قدم لوالديه؟ ماذا قدم لأمته لمجتمعه لدعوته لعقيدته لدينه؟ الجواب كما قال الأول: وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفعٌ وموتك فاجعُ يوم أن صار عليه الحادث فُجِعنا وهرعنا وذهبنا نتبرع له من أجل إنقاذ حياته، ولما أنقذنا حياته ما وجدناه قد نفعنا بشيء، بل ربما لم يسلم الناس من شره، بل ربما عاد مصيبة وشؤماً وشراً وبلاءً على نفسه يوبقها ويهلكها بالذنوب والمعاصي، وعلى والديه بالعقوق وعلى رحمه بالقطيعة وعلى جيرانه بالإساءة وعلى دينه باللامبالاة وعلى المسلمين بعدم الاهتمام، وقس على ذلك صوراً وأمثالاً من اللامبالاة التي نجدها في شبابنا، ويعدون على أمة الإسلام، نحن حينما نقول: عدد المسلمين مليار ونصف مليار، أي: ألف مليون وخمسمائة مليون مسلم هل كل هؤلاء هم الذين تمتلئ بهم المساجد؟! هل كل هؤلاء هم الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً؟! هل كل هؤلاء يتحاكمون إلى شريعة الله عند الشجار والنزاع؟! هل كل هؤلاء هم البررة الأطهار الأخيار الأبرار هل هل إلخ؟! لا. القلة من هؤلاء بل لا تكاد توجِد من الألف واحداً، وكما قال الشاعر أولاً: يا ألف مليار وأين هم إذا دعت الجراح هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح يعني: ينادي المسلمين. يا ألف مليار وأين هم إذا دعت الجراح هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح هل نجد من ألف مسلم مسلماً واحداً؟! هل نجد من ألف شاب شاباً واحداً؟! هل نجد من آلاف المتسكعين والضائعين والمفسدين والفاسقين واللامبالين والعابثين والهازلين؛ هل نخرج واحداً من أمة الإسلام نقول: هذا هو الجاد بين الهازلين! هذا هو العابد بين الضائعين! هذا هو المجاهد بين المستسلمين! هذا هو الصابر بين المتسخطين؟! ستجد حتى الواحد من الألف لا يكاد يوجد، وتجد من جوامع كَلِمِه صلى الله عليه وسلم هذا الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عمر: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة). إذاً نحن نبحث عن الشاب المسلم المبارك، أما ذلك المسلم الذي يُحسب ولا ينفع، يُعد ولا يشفع، إن أصيب قيل: أيها الناس! أعطوه، وإن جاع قيل: أيها الناس! أطعموه، وإن ظمئ قيل: أيها الناس! اسقوه، وإن عري قيل: أيها الناس! اكسوه، إلى غير ذلك، هؤلاء ماذا يقدمون؟! تجد الواحد منهم كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12]. إذا الواحد منهم في لحظة خطر ومرض وأنين ووجع وألم وسقم ويئن: آه آه من الأمراض يقول: يا ألله، وفي تلك اللحظات ربما يلتفت يتوضأ ليصلي، ربما يحاسب نفسه ويعد نفسه أن يستقيم؛ لكن: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ} [يونس:12] لما رفع الله عنه البلاء وكشف عنه الداء وجرت العافية في دمه: {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12] ما كأن مصيبة أصابته، بل تجده يبارز ربه بألوان الذنوب والمعاصي، وتلك -وايم الله- من أعظم المصائب. أحبتنا! نحن نريد من هؤلاء الألف: الشاب المبارك الذي ينفع الله به كما قال عيسى عليه السلام، أو كما أخبر سبحانه في سورة مريم عن عيسى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَمَا كُنتُ} [مريم:31] نحن نريد ذاك الشاب المبارك أينما كان، المبارك في مسجده المبارك في مدرسته المبارك في تعليمه المبارك في حيه في أسرته في عمله في تجارته في ذهابه وإيابه، هذا هو الذي نريده، أما هذه الأعداد فماذا تقدم؟ أما أن نجد صوراً بلا حقائق فماذا تنفع الصور بلا حقائق؟!

شبابنا اليوم وحقيقة إسلامهم

شبابنا اليوم وحقيقة إسلامهم أبو الحسن الندوي رحمه الله من علماء الإسلام؛ كتب كتاباً وهو من الكتب الفكرية النافعة، ونحن إذ نوصي الشباب أن يقرءوا القرآن وتفسيره والسنة وشروحها؛ لكن أيضاً نوصي بقراءة بعض الكتب التي تنفع؛ يقول: إن الصور لا تغني من الحقائق شيئاً، تجد الطفل الصغير يدخل في متحف من المتاحف فيجد أسداً محنطاً فيدخل الطفل يده بين فكي الأسد، بل يتحسس أنياب الأسد بأنامله، بل وتجد هذا الطفل يمتطي صهوة الأسد ويتمسك بلمته ولا يخشاه ولا يخافه، سبحان الله! أسد سبع مفترس مخيف، لو زأر لاهتزت القلوب من زئيره، كيف هذا الطفل يحوم حوله! وربما يستلقي تحته! ما الذي حدث؟! الجواب واضح: لأن هذا الأسد صورة، لكن دع قطاً يدخل فجأة، تجد هذا الطفل يصرخ، بل لو وجد وَزَغَاً أو صرصاراً أو خنفساء تجد هذا الطفل يخاف ويصرخ ويهرع، سبحان الله! هو يتقلب على الأسد والآن يخشى من صرصار أو خنفساء أو غيره، الجواب واضح: لأن هذا حقيقةُ صرصارٍِ، حقيقة خنفساء، حقيقة قط، أما هذا الأسد فهو صورة. فكثير من شبابنا اليوم هم صور والحقائق تكاد تكون قد انطمرت، نحن لا ننفي عن حقيقة الإسلام حتى لا يقول أحد: إن هؤلاء الشباب يكفرون الناس، أو هؤلاء الشباب ييئسون من صلاح الناس، لكن نقول كما قال تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] من كثرة ما كسبوا من السماع والرؤية والكلام والغفلة والقعود عن الصلوات، والبخل في الصدقات وو إلى غير ذلك، تراكم على أنفسهم طبقات من المنكرات أصبحت الحقيقة مندرسة مطمورة مختفية تحت طبقات الذنوب والمعاصي. حقيقة الإسلام الموجودة عند الشباب هي مستقرة في القلوب، ولا أحد يكفرهم؛ لكن أين أثرها في الأمر بالمعروف في النهي عن المنكر في الاستقامة في الصلاة في الطاعة في العبادة في الدعوة؛ في السمت الحسن: في في إلى آخره، لا تجد لها أثراً، ولما غابت الحقائق أصبح هذا الكم الكبير لا يؤثر ولا يضر شيئاًَ. الآن أعداء الإسلام هل يخافون من الصائعين الضائعين من المسلمين؟! هل يخافون من الذين يتسكعون فيما يسمى بالفيديو كليب والأغاني وملاحقة الماجنات والراقصات؟! هل يخاف أعداء الإسلام من الذين يقضون حياتهم مع العراة والكاسيات العاريات والمعاكسات والضياع؟! لا يخشى أعداء الإسلام من هؤلاء، يخشى أعداء الإسلام من مسلمٍ حقيقي يعرفون أنه يحمل هماً للإسلام وينتظر موعداً لنصرة الإسلام، فهذا هو الشاب الذي يخشاه أعداء الأمة.

بركة الشباب

بركة الشباب أحبتنا في الله: كل واحد منكم يمكن أن يكون هماً يؤرق الكفار، كل واحد منكم يمكن أن يكون قَلَقاً لا يغادر عقول الكفار، كل واحد منكم يمكن أن يكون عدداً صحيحاً وليس صفراً على الشمال، وذلك إذا صدقت نيته مع الله عز وجل إذا صدق إقباله على دين الله إذا صدق طلبه للعلم في مرضاة الله إذا صدق اتباعه لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صدق سعيه في الدعوة إلى الله وبيان الحق وتوضيحه وسهولته لعباد الله عز وجل أما ما سوى ذلك فكما قال الأول: فحسبك خمسة يُبْكَى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه

ابن باز وبركة عمره

ابن باز وبركة عمره الشيخ ابن باز لما توفي -أسأل الله أن يجعله مع النبيين والصديقين والشهداء وأن يجمعنا به وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ لأنكم ولأننا جميعاً نحبه في الله، والله قد وعد المتحابين في الله كما في الحديث الصحيح في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله- سماحة الشيخ ضجت الدنيا عليه في أنحاء العالم في أوروبا وأمريكا وأفريقيا وقارة آسيا وصُلِّي عليه صلاة الغائب وهو رجل واحد؛ لكن لما كان يحمل هموم أمة ولما كان أمة، لما كانت نفسه أمة في رجل، ولما كان صادقاً مع الله سبحانه وتعالى جعل الله شأنه هماً في عقول العرب والعجم والسود والبيض والسمر والصفر وغيرهم، حتى الآن المجالس وهي تتحدث في مناقبه، وعلمه، وعفوه، وكرمه، وجوده، وحلمه، وفضله، وإلخ، كيف؟ لما أصبح رجلاً مباركاً، والبركة أمر مطلوب، وإلا فالعدد بدون بركة لا فائدة منه، لو قال لك رجل: أسأل الله أن يرزقك عشرين ولداً، وأسأل الله ألا يبارك في واحد منهم، هل تسرك هذه الدعوة؟! هل يسرك أن يكون لك عشرون ولداً ليس في أحدهم بركة؟! لا والله، بل كلهم عبء عليك صرف، ونفقات ومشكلات، وكل يوم من أجل هذا جارُّون بك إلى المخفر أو إلى الشرطة أو إلى العسكر، أو يميناً أو شمالاً، هذا دَعَسَ، وهذا صَدَمَ، وهذا اخَتَطَفَ، وهذا ضَرَبَ، وهذا آذَى، وهذا سَرَقَ، لكن يسرك أن يكون لك ولو ولدٌ واحدٌ قد بارك الله فيه، ذكراً كان أو أنثى: {لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً} [النساء:11]. إذاً البركة في الشاب مطلوبة، لو أن واحداً قال: أسأل الله أن يرزقك مائة مليون، وأسأل الله ألا يبارك لك فيها، يمكن أن تنفق كل هذه الملايين في ترميم المصائب والمشكلات التي صارت كالسيل المنهمر المتتابع على أم رأسك، فلا تتلذذ من هذه الأرقام والملايين في شيء أبداً. لو قيل لك: نسأل الله أن يعطيك كذا وكذا وكذا، كم من شاب قال: آه، لو تزوجتُ فلانة الفلانية التي يصدق عليها قول الشاعر: عراقية العينين نجدية الحشى حجازية الأطراف هندية الشعرِ الجميلة الممتازة هذه لو تزوجتُها لدخلتُ السعادة من أوسع أبوابها، وهب أنك تزوجتها ولم يكتب لك بركة فيها، ما الذي يكون؟ ستكون آخر عهدك وعلمك بالسعادة، تقول: الله قبل أن أرى هذا الوجه القَذِر كنت أنام مرتاحاً، وأستيقظ مرتاحاً، وآكل مرتاحاً، وأخرج مرتاحاً، لما دخلت هذه الجميلة الكحيلة العسيلة النحيلة ال ال إلى آخره ضيَّعَت علينا السعادة وأصبح لا هم لنا إلا حل مشكلاتها، يوم ذاهب بها إلى أهلها، ويوم آتٍ بها، ويوم نوصلها، وهذه حياتك معها.

كن رجلا مباركا

كن رجلاً مباركاً ليست القضية أن تملك أموالاً أو أولاداً أو زوجاتٍ بل القضية أن تكون رجلاً مباركاً ينفع الله بك أينما كنت، ومستحيل أن تكون فيك بركة إلا إذا تمسكت بشرع الله ودينه وسنة نبيه، هل يمكن أن تكون البركة في معصية الله؟! هل يمكن أن تكون البركة في الإعراض عن ذكر الله؟! هل يمكن أن تكون البركة في شخص لا يشهد الصلاة مع الجماعة؟! هل يمكن أن تكون البركة في عاقٍ لوالديه أو قاطع لرحمه أو آكل للحرام أو متربص بالناس، يريد أن يقفز إلى حرمات يسخطها الله ولا يرضاها فهل يمكن في هذا بركة؟! A لا. إذاً لينظر كل واحد منا موقعه، نحن لن نتكلم اليوم لنقول عن الناس فيهم وفيهم، نريد أن نتكلم عن أنفسنا: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]. دواؤك فيك وما تشعرُ وداؤك منك وما تبصرُ وتحسب أنك جسم صغير وفيك انطوى العالم الأكبرُ إن الله تحدى بك خلقه، وإن الله قد جعل فيك معجزات عظيمة وقال سبحانه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ} [فصلت:53] في الكون {وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:53]. هذه النفس التي أنت تتنقل بها إن شئت أن تقول: إنها ثروة فهي ثروة، بعض الشباب يقول: أنا فقير أنا مسكين أنا ما عندي في الرصيد ألف ريال أنا أنا أنا أنا! أجل أيها الشاب الفقير الذي لا ترى نعم الله إلا في المال! أيها المسكين لا يرى أن النعمة إلا في النقود! أيها المسكين الذي لا يعرف أن النعمة إلا في كذا! هل تريد أن ننزع منك الكبد ونعطيك ملياراً مقابلها، هل تريد أن ننزع منك يديك لتبقى معوقاً عن الحركة بهما ونجعل الملعقة في فمك؟! هل تريد أن نعطيك ونعطيك؟! لا. لا تقبل بذلك. إذاً أنت بنك متحرك، يداك مليارات، ولا ترضى أن تباع بمليارات، رجلاك بالمليارات، وأسأل الله أن يخلف على إخواننا الذين فقدوا من عافيتهم ما فقدوا بقضاء الله وقدره وأن يرزقهم الصبر والاحتساب حتى يكون مآلهم الجنة، وبشراهم عند الله إن صدقوا الاحتساب بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، هل تريد أن تباع العين والأخرى بمليار ومليارات. إذاً لا تنظر إلى المال فأنت عندك من الأموال في بدنك ما الله به عليم، ولا تنظر إلى الجاه أو المنصب فكم من أناس قد بلغوا فيها ما بلغوا وما نفعوا، ورب أناس ليس لهم في الأرض مناصب ولا مراكز ولا جاه ولا أحساب ولا أنساب نفع الله بهم نفعاً عظيماً.

هل أنت ممن يبكى عليه إذا مات؟

هل أنت ممن يبكى عليه إذا مات؟ يقول ابن أدهم رحمه الله: إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه وموت فتىً كثير الجود مَحْلٌ فإن بقاءه قَسْمٌ ونعمه وموت العابد القوَّام ليلاً يناجي ربه بكل ظلمه وموت الفارس الضرغام هدمٌ فقد شهدت له بالنصر عزمه فحسبك خمسة يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه أنت أنت، هل تستطيع أن تقول إنك ممن يُبكى عليه، ويُذكر بخير بعد موته؟! أم أن يقال: والله مسكين، ظاهرة طبيعية كوجود أي كائن حي وجد على الدنيا فترة ثم انتهى واختلط ترابه ودمه وجسمه ومخه ولحمه وعظمه بالأرض ولم يحقق أي شيء، لكن تستطيع أن تكون عالماً تستطيع أن تكون مربياً تستطيع أن تكون مجاهداً تستطيع أن تتولى مهمة، لا يُشترط أن تكون حاكماً تحكم البلاد طولاً وعرضاً، وقد تكون كذلك، وقد تكون مسئولاً في أي قضية من القضايا في أي جانب من الجوانب فينفع الله بك نفعاً عظيماً، قد تستطيع أن تكون عابداً قواماً مجاهداً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر فحينئذ تكون من هؤلاء الذين: فحسبك خمسة يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه مشكلة شباب الإسلام اليوم وأقولها بكل مرارة أن كثيراً من الطيبين أصبحوا أعداداً لا حقيقة لها، نعم جزاه الله خيراً على تدينه واستقامته لكن ماذا يقدم؟! ماذا يجدي؟! لا دعوة، لا أَمْر بمعروف ولا نَهْي عن منكر، لا نَفْع ولا تربية، بل غفلة مطبقة وفيه من الضعف والخور والجبن والكسل ما الله به عليم. والعجيب كما قال أبو بكر الصديق لـ عمر بن الخطاب: [أجبار في الجاهلية، خوار في الإسلام] لما كان قبل استقامته وقبل توبته كان لا يدع شراً إلا ركبه، ولا فتنة إلا وقف على رأسها، ولما مَنَّ الله عليه بالهداية أصبح حملاً وديعاً وظبياً جهولاً، لا يقدم ولا يؤخر، أين تلك الشيطانية أين تلك العربجة! أين تلك الشدة! أين ذاك الحماس! أين ذاك النشاط! أين تلك الهمة التي تقطع المسافات الطويلة ذهاباً وإياباً؟! أولاً قبل أن يهتدي الرجل يضرب له واحدٌ فقط ضربتين ببوق السيارة إلا والغترة على جنبة. إلى أين؟ قال: الذي تريد، إن أردت الطائف هيا نذهب. لا توجد مشكلة، الآن يأتي أحد إخوانه: يا أخي الحبيب! هيا بنا إلى محاضرة درس دعوة. يا شيخ! مريض، دعني هذه الأيام، دعنا مرتاحين عند هذا المكيف. يا بن الحلال! هيا نمشي، عندنا عمل ودعوة، مكتب الجاليات يحتاج إلى أناس يتابعون هؤلاء المسلمين الجدد. والله -يا أخي- لا أعرف لهذا الشيء. يا أخي! عندنا مجال دعوي آخر لنشارك فيه. والله يا أخي أخاف. ثم يصبح همه ماذا يقول الناس فيه، وإذا وجدت الشاب يهمه رأي الآخرين فيه فاعلم أنه قد احترق. يا أخي الحبيب! كن مثل المتنبي: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصمُ يقول: أنا أقول الكلمة أفجرها، أرمي بها بين الناس ثم أنام.

نريد دورك أيها الشاب

نريد دورك أيها الشاب نريد أن يكون لك فعل، نريد أن يكون لك دور في بعض مكاتب الدعوة، كان المكتب ميتاً جاء شاب واحد فكأنما نفخت فيه الروح من جديد مع أنه ما زِيْد في دخلها ولا في مساعداتها ولا في طباعة كتبها ولا ولا؛ لكن جاءها شاب مبارك، فنفع الله به. ولذا فإننا نقول: البركة أمر مطلوب، حتى أنك تلاحظ مسألة البركة في عبادتك إذا أثنيت على الله: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، بل في طعامك، فإذا مد الإنسان يده إلى الطعام قال: باسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، تسأل الله البركة في اللقيمات لأن الله إن جعل فيها بركة كانت سبباً في نشاطك على العبادة، وكانت سبباً في قوتك على الطاعة، وإن كانت مجرد ملء بطون ودورة هضمية انتهت بلا فائدة، بل إنك إذا دُعيت إلى مأدبة عند قوم ثم أحببت أن تدعو لهم بما جاء في السنة، تقول: اللهم اغفر لهم وارحمهم وبارك لهم فيما رزقتهم. نلاحظ -يا أحبابي- أن البركة أمر مطلوب، نحن نريد أن نكون مباركين كما أن الإنسان يدعو بالبركة في الطعام والشراب، بل إذا هنَّأت أحداً بالزواج وعلمتَ أنه عُقِدَ له على امرأة قلت: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير، تدعو بالبركة له، وتدعو بالبركة عليه، وتسأل الله أن يجمع بينه وبين زوجته بخير؛ لأن اللقاء بينهما إذا لم يكن مباركاً، من أول أسبوع فسوف يصدر صَك طلاق لها. والسبب في كثير من مشكلات الطلاق -هذه تحويلة عاجلة- أن الكثير يتزوج ليس لقصد العفاف: (ثلاثة حق على الله عونهم ومنهم: الناكح يريد العفاف) أقول: هذه من الأسباب، ليس كل من طلق معناه أنه لا يريد العفاف؛ لكن من أسباب فشل كثير من الزيجات أن كثيراً منهم يتزوج ولم يكن مريداً حقاً شرع الله في العفاف.

نبحث عن الشاب المبارك

نبحث عن الشاب المبارك مسألة البركة مهمة، في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أم هانئ! اتخذي غنماً فإن فيها بركة) هذا ملاحظ! البركة اليوم تجدها في هذه الغُنَيْمات، الشاة تنتج واحداً أو اثنين، إذا سمعنا والله أن هناك نعجة أنجبت ثلاثة لصار شيئاً ورقماً قياسياً، وتسجل مع النعجة (دوللي) المشهورة بالاستنساخ، تسجل في الأرقام القياسية معها، ومع ذلك الناس من آدم إلى يومنا هذا وهم يذبحون في هذه الغنم وهذه النعاج ويأكلون، وما انتهت هذه الغنم؛ لأن الله جعل فيها بركة، الكلبة كم تنجب؟ تنجب تسعة، ولذلك تجد أثداء الكلبة كلها مقسمة (سنترال) على أساس أن تجعل أبناءها يشبعون، فالقضية هي أنها ما فيها بركة، ولذلك تكاد تنقرض الكلاب وقليلة ونادرة جداً، فلما كتب الله البركة في الغنم: (يا أم هانئ! اتخذي غنماً فإن فيها بركة) جعل الله فيها البركة، الناس يأكلون ويضحون ويهدون، ومع ذلك الغنم متوفرة وموجودة، لو أن الناس يأكلون في الكلاب ربع أكلهم في الغنم لانقرضت؛ لأنها ما جعل الله فيها بركة. بعضاً من الكوريين جاءوا عندنا في المملكة، يوم أن اشتغلوا في الدَّهْن، واللحام، والأشجار، فانتهت الكلاب والحمير عن بكرة أبيها، ابحث الآن على حمار وكلب، لا تجد أبداً إلا ممن قال الله فيه: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الأعراف:179]. فيا أحبابنا: نحن نريد الشاب المبارك. نريد الشاب الذي يتسع صدره لإخوانه. نريد الشاب الذي يصلح بين الناس. نريد الشاب الذي يملأ وقته بما ينفع. نريد الشاب الذي يغار على دينه. نريد الشاب الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. نريد الشاب الذي أمله في جنة عرضها السماوات والأرض. نريد نريد إلى غير ذلك، كل هذا هو الذي نتمناه. وأنا واثق أن كل واحد منا لو نفض عنه غبار النوم وجدد الثقة بنفسه وأنه قادر على أن يحدث شيئاً، والله لَيُحْدِثنَّ، والله لَيَفْعَلَنَّ، والله لَيَعْمَلَنَّ ولَيَسْتَطِيْعَنَّ، ولكن من الذي يبدأ بأول خطوة على الطريق؟! الشباب بين مصيبتين: بين احتقار الذات. وبين غرور النفس. فالمغرور مسكين يظن أنه يفعل كل شيء وهو لا يفعل شيئاً. والذي يحتقر نفسه لا يستطيع أن يتحرك خطوة، ونحن نقول: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء:29]. نريدك وسطاً: فلا تك فيها مُفرِطاً أو مفرِّطاً كلا طرفَي قصد الأمور ذميمُ نريد الشاب المعتدل المتوسط الذي يعيش بنفس طويلة المدى.

ظاهرة الانتكاس عند الشباب

ظاهرة الانتكاس عند الشباب بعض الشباب عنده شيء من التدين والاستقامة ولكن مثل علب الجبن والمربى تاريخ الصلاحية منتهية، متدين لمدة سنتين بعد سنتين تلقاه متسكعاً، وهذه مشكلة كثير من الشباب، أنه يوماً من الأيام كان من خيرة الشباب والآن تكاد ترجوه أن يشهد الصلاة مع الجماعة فلا يشهد، فهل وُجِد للتدين تاريخ صلاحية؟! نعم وُجِد عنده تاريخ صلاحية للتدين، من أين جاء تاريخ الصلاحية في التدين؟! فساد البدايات، (من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة) لما كانت البداية فيها خلل ودخن، فيها خور وضعف، فيها حماس وعاطفة من دون علم ومن دون اجتهاد، التزام لمدة سنتين وانتهت مدة الصلاحية وانتهى الموضوع. بعض الشباب عهدك به كذا ثم تقابله حليقاً، عهدك به كذا ثم تجده -والعياذ بالله- في منتهى ألوان المعاصي، بل وتجده مصراً ولا يعترف بالتقصير ولا يفكر أن يتوب، ما الذي غيره؟! ما الذي أصابه؟! هل نام متديناً فأصبح فاسقاً؟! هل أصبح صالحاً وأمسى مجرماً؟! لا. لكن هناك أمور ينطوي عليها بعض الشباب في سلوكه، ولا يعلم كالانحراف في المباني الطويلة، الآن عمارة المملكة أو العمارة الخيرية الطويلة التي في شارع الثمانين، لو يوجد انحراف سنتيمتر واحد في القاعدة في الدور رقم (35) أو (40) تسقط، قد لا تسقط في الدور الأول، ولا يظهر الميل والانحراف في البناء في الدور الثاني ولا الثالث ولا الرابع ولا العاشر لكن في الدور رقم كذا، فكذلك بعض الشباب قد يقع في انحراف، منهم مَن أساسه فيه ميل قوي لكنه غير ظاهر ثم ينحرف سريعاً، سنة سنتين وينتهي، والبعض ثلاث سنوات. يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، نسأل الله بمنه وأسمائه وصفاته أن يثبت قلوبنا على طاعته. أقول: من مشكلات الشباب: عدم البركة عدم الإنتاج عدم العمل، أيضاً محدودية تاريخ الصلاحية، أو كمسحة طبية قد كُتِب عليها: صالحة للاستعمال لمرة واحدة فقط، بعض الشباب يمكن أ، يقرأ كتاباً واحداً وكفى، ربما يحفظ سورة واحدة وينتهي، جزء واحد وينتهي، دورة علمية واحدة وينتهي، لا يشعر أنه سيستمر في الطلب تلميذاً، ويستمر في الدعوة داعية، ويستمر في التعليم معلماً، ويستمر في الصدقة متصدقاً، ويستمر في المشاركة منتجاً معلماً، في أي مجال لا بد أن تستمر. كثير من المسلمين اليوم تقول له: يا أخي! المسلمون في كل مكان، المسلمون في كشمير، المسلمون في كذا، قال: يا أخي! أنا تبرعت لـ أفغانستان وانتهت القضية، فعلاً صالح للاستعمال لمرة واحدة فقط. فأنا أقول لهؤلاء الشباب: اتقوا الله في أنفسكم، واعتنوا بالبدايات فإنها مهمة. وكل امرئ والله بالناس عالمٌ له عادة قامت عليها شمائلُهْ تعوَّدها فيما مضى من شبابه كذلك يدعو كلَّ أمرٍ أوائلُهْ نحن الآن في مرحلة الذي دنا من الأربعين يتذكر أياماً كان عمره فيها ثمان عشرة أو تسع عشرة سنة يقول: يا ليتني ضاعفتُ الجهود في تلك السنوات، قبل أن أُبْلَى بالزوجات والأعمال والمسئوليات والتربية والواجبات الوظيفية، والمهمات الرسمية، وو إلى غير ذلك، الكثير منكم قادر على أن يتفرغ وهي فرصة جميلة، بل إنك تجد نفسك أغلب جوانب العطاء والقدرة على البذل دعوياً وفكرياً وعلمياً وثقافياً هي من حصيلة أيام الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، والخامسة والعشرين، والثلاثين، وغيرها؛ لكن لما كبر الإنسان، وتقدمت به السن وتحمل مسئوليات وغير ذلك يكون العطاء أقل من ذي قبل؛ لكن المهم أن تستمر في العطاء، لكن مشكلتنا مشكلة الذي أعطى مرة واحدة وتوقف: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى} [النجم:33 - 34] أعطى لنا قليلاً ووقف. يا أخي الحبيب! لماذا تعتبر نفسك كأي منتج غذائي قد كُتِب عليه تنتهي الصلاحية في عام (1422هـ) بعض الشباب يظن أن تركه للمعاصي يكفي، لا. لا بد مع ترك المعاصي أن تفتح صفحات بل مجلدات لتهذيب النفس وطلب العلم والمجاهدة والدعوة إلى الله. أحد الشباب الذين تركوا الفن ذات يوم كنا معه في مجلس وكان معجباً لثناء الحاضرين عليه أنه ترك الفن، قلت له: أخي الحبيب! لاحظ ترك الفن فقط هي إزالة للحدث، أما الوضوء فلم تتوضأ بعد، الآن واحدٌ نريد أن نأمره ليصلي، ثم قال: عن إذنك، أنا أريد أن أذهب -أجلكم الله والسامعين بالعبارة العامية- أريد أن أذهب لأطيِّر الشرر. ذهبَ وطيَّر الشرر، رفع الحدث أزال الحدث هل كونه أخرج البول من جسده واستجمر بعد ذلك أو استنجى هل هذا كافٍ للصلاة؟ أجيبوا لا. لا يكفي، ما الذي بقي عليه؟ بقي الوضوء، كذلك تركه للفن كرفع الحدث وإزالة الخارج من الدبر أو القبل؛ لكن بقي الوضوء، أن تسبغ على نفسك العمل الصالح كما تسبغ الماء على أعضائك بالوضوء، أن تسبغ على نفسك العمل والعلم والعبادة والمجاهدة والصبر والدعوة والاستقامة هذا هو الأمر المطلوب، فكثير من الشباب يقول: الحمد لله، أنا كنت فناناً، وتركت الفن وانتهت القضية، لا. ما انتهت القضية، أمامك مشوار طويل، ولكن خذ هذا المشوار بهدوء.

أخطاء عند الشباب

أخطاء عند الشباب

اليأس من واقع الأمة عند الشباب

اليأس من واقع الأمة عند الشباب إن التائب يظهر التقوى، ولا يرضى القضاء، تجد بعض الشباب يستقيم ثم فجأة يريد أن يصلح الكرة الأرضية ابتداءً بـ جزر هاواي وانتهاءً إلى مكة؛ لأن طرف الكرة الأرضية: جزر هاواي في المحيط، والطرف المقابل: مكة المكرمة، ونبدأ بـ مكة أكرم نقول: مكة طرف وجزر هاواي ثانٍ، فيريد أن يصلح الكرة كلها بين عشية وضحاها، ثم يقول: لا يمكن أن تصلح الناس تصلح، وجهود الأعداء والكفار والقنوات الفضائية والخلاعة في الإنترنت وو إلى آخره، كيف نستطيع أن نصلح الناس؟! لا يا أخي الحبيب: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} [النساء:94] في أيام كنت وأنت غير مستقيم بل كنت من قادات الضلالة، بل كان البعض لا يطمع في استقامتك فانظر كيف مَنَّ الله عليك بالهداية! إن الله قادر -وهو الذي هداك- أن يهدي غيرك، ولا تستبعدنَّ على ضال هداية، ولا تأمننَّ على مهتدٍ ضلالة، قد تجد خطيباً يبكي في المنبر فيكتب الله عليه أن ينحرف، نسأل الله السلامة، ونسأل الله الإخلاص، وسداد القول وإخلاص العمل، والإنسان لا يدري. يقول أحد السلف: لا تعجب بثناء الناس، فإن الله ينصر الدين بالرجل الفاجر. وقد قال الله في المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4]. لا تغتر بنفسك -يا مسكين- أياً كان موقعك، لا تدري بِمَ يُختم لك، فالإنسان على خطر وعلى مخافة. الشاهد: لا تستبعدنَّ على ضال هداية، قد تجد واحداً مجرماً في زنزانة انفرادية من أجل مخدرات، فيخرج فيهديه الله وينفع به خلقاً عظيماً، وقد تجد إنساناً ربما يشار إليه بالبنان فيكتب الله عليه انحرافاً ولا حول ولا قوة إلا بالله! يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك. وفي الحديث: (إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وإن القلوب أشد تقلباً من القدر في غليانها) فمن الذي يأمن على نفسه؟! لذا أقول لهذا الشاب: خذ نفسك بالهدوء وبالطمأنينة وبطول النَّفَس، وإياك واليأس والقنوط، وقد يأتيك الشيطان عند أدنى هفوة أو أدنى زلة ويقول: من الآن جادة الطريق طويلة فلن تستطيع أن تستمر، فأرح نفسك من اليوم قبل أن تنحرف بعد سنتين، كما قالوا: (طيِّنها وعطِّنها من الحين)، من أول شهر أو ثاني شهر، لا. لئن أغواك جليس سوء أو قادتك محنة، أو وقعت بك رِجْل في زلة فعليك أن تبادرها بالتوبة كما قال تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. الصحابة الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم أخطاء ما قال: لا أرى وجهك، كفى. انتهت قضيتك، اخرج من الصحوة، واخرج من الدعوة، واخرج من الصحابة، لا. بل أمره بالتوبة والإنابة والرجوع إلى الله سبحانه تعالى، والإكثار من الصالحات والحسنات الماحية للسيئات، هذه من أهم الأمور يا أحبابي، أما أن يريد الإنسان أن يهتدي الكون في لحظة، لو سأل نفسه: ما هو المشوار الذي قطعه حتى يهتدي، إن تجد أخاك في الله جزاه الله خيراً أهدى لك، ثم زارك، ثم سافر بك، ثم حج معك، ثم اعتمر، ثم ثم ورويداً رويداً حتى مكن الله الهداية في قلبك، وقد كنت من قبل تتأذى منك البهائم قبل البشر، فكذلك أعطِ الناس فرصة، المشوار والفرصة التي مررت بها حتى بلغت الهداية أعطِها الآخرين حتى يهتدوا، أما أن تقول: الدنيا خربة ضائعة ما فيها صالح، الدعوة فالتة، لا يمكن أن يهتدي أحد، ثم تذهب وتجلس في شِعبٍ من الشعاب أو جبل من الجبال وتقول: لم يعد في الناس خير، انظر إلى نفسك كيف منَّ الله عليك بالهداية، وأعطِ الناس نفس الفرصة لتجد أن الله سبحانه وتعالى سوف يهديهم. أقول هذا الكلام لأني وجدت بعض الشباب بين اثنين: إما أنه يئس من صلاح الناس فاعتزل وأصبح كما قلتُ حملاً وديعاً وظبياً جهولاً، ما عاد يريد أن يرفع طرفه عن الأرض أبداً، تقول له: يا أخي! مُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر وادعُ إلى الله يقول: يا أخي! ضائعة، فقط، دع المهدي ينزل، دع المهدي ينزل، دع الريح التي تهب وتقبض أرواح المؤمنين وتريحنا من هذا الفساد كله، متى يطلع الدجال ويذبحه عيسى بن مريم وننتهي من القضية؟ لا. بل لا بد أن تصبر: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:120] هذا شخص هذا حاله.

اليأس من الاستمرار على الاستقامة

اليأس من الاستمرار على الاستقامة وآخر تجده قال: أوه! المسألة طويلة، وأنا ربما تقع مني زلة، ربما ربما إذا متنا الآن لعلنا نسلم منها. لا يا أخي الحبيب! استمر والمشوار طويل طويل طويل جداً، الاستقامة ليست مرحلة جامعية (أربع سنوات) وتأخذ شهادة، الاستقامة ليست دورة عسكرية أربع سنوات وتأخذ رتبة أو نجمة، الاستقامة كما قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] يعني: الموت: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود:112] (سددوا وقاربوا). انظر سماحة الشيخ ابن باز، هل جاءه الناس بالبشائر والأخبار السارة؟ لا. يا شيخ المنكر الفلاني. أعطونا نكتب. يا شيخ صار للمسلمين مذبحة في الفليبين. أعطونا نكتب لهم فتوى يُتَبَرَّع لهم. وربما الشيخ يفعل أموراً لا يطلع عليها الناس، تخص جهات عليا. يا شيخ، وقع كذا، نُشر كذا، صار كذا. طول نَفَس. فأنت أعطِ نفسك الاستقامة والالتزام والنَّفَس، أما أن تتراكم عليك صور الفساد والمنكرات وتتخوف، فيأتي الشيطان ويقول: مساكين، خمسمائة مطوع قاعدون في استراحة والقنوات الفضائية تبث للملايين، شيخ قاعد يصرخ في المنبر والقنوات الفضائية تخاطب مئات الملايين، شبكة الإنترنت تتعامل مع سبعمائة مليون وهذا المطوع أبو شريط، يحسب أن شريطه يصلح العالم، نعم. إنها كلمة لكن تقلب العالم كله، النبي صلى الله عليه وسلم بم دعا الناس؟ بإنترنت؟! بقنوات فضائية؟! بمؤتمرات دولية؟! جَمَعَ مجموعةً من قريش، وناداهم بطناً بطناً، فخذاً فخذاً، قال: (واصباحاه! فجاءوا، وقال: هل جربتم علي من كذب قط؟ قالوا: لا يا محمد! ما جربنا عليك كذباً قط، قال: قولوا كلمة واحدة تملكوا بها العرب وتدفع لكم بها جزية العجم، قالوا: وأبيك عشراً -نعطيك عشراً- قال: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: تباً لك! سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟). وانطلقت كلمة (لا إله إلا الله)، وما زالت تجوب أقطار الدنيا حتى لا يبقى بيت حجر ولا مدر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الشرك وأهله، فلماذا تيئس، هي كلمة. إبراهيم عليه السلام لما قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج:27] قال: يا رب! من يسمع؟ قال الله: أذن وعلينا البلاغ، فجاء الناس من كل فج عميق، وعلى كل ضامر، وزرافات ووحداناً. والله إن الإنسان إذا شاهد في التليفزيون أحياناً مشاهد الباخرات والحجاج ينزلون منها، والطائرات والحجاج ينزلون منها، والسيارات وهي تنزل بالحجاج يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، لقد نادى إبراهيم فتكفل الله بالبلاغ، أنت ادعُ إلى الله والله يتكفل بالبلاغ، لا يأتيك الشيطان ليقول لك: يا مسكين! ماذا تفعل؟! بعض الشباب عنده عدم صبر وإنما النصر صبر ساعة، يعني: حتى الفرح بنتائج الدعوة، والفرح بهداية الناس، والفرح بصلاح الخلق لا يمكن أن يتم خلال يوم وفي عشية وضحاها. مات صلى الله عليه وسلم والمسلمون في عهده يوم موته أقل من عدد المسلمين في عهد أبي بكر، وفي عهد عمر. إذاً أنت اغرس هذه الكلمة، وبلغ وستجد من يحملها عنك. اليوم هذا اتصل بي شاب من أمريكا من مدينة اسمها أورنج كاونت في لوس أنجلوس، يقول: أنا سمعت شريطاً لأحد الإخوان، أحد المشايخ جزاه الله خيراً، ومنَّ الله عليَّ بسببه واستقمتُ وتبتُ، وأنا مع فلان وفلان وفلان وفلان من الصالحين -وسَمَّى بعضهم ممن يعيش معهم في لوس أنجلوس - بماذا تنصحني؟ قلت: سبحان الله! هذا الشريط أنا معرفتي به قديمة، نعم. لأنها كلمة ينفع الله بها، وتبقى الكلمة ولها قوة ولها أثر، ولا تتهاون بالكلمة، شهادة الزور كلمة، والسب كلمة، والشتم كلمة، وإفساد ذات البين كلمة، وتقوى الله وذكره كلمة، وإصلاح ذات البين كلمة، والشهادة بالحق كلمة، والدعوة إلى الله كلمة. إذاً لا تتساهل بالكلمة، قلها مخلصاً تريد بها وجه الله عز وجل وينفع الله بها ويبلغ بها أقواماً: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم:24 - 25] وهذا الفرق بين الكلمة الميتة والكلمة المباركة. حفلة غنائية يجتمع فيها خمسة آلاف، أربعة آلاف، هي كلمات، لكن تنتهي بآثار الفسق عليهم، ولم يكن لها مزيداً إلا في ضلال؛ لكن كلمة الحق بعد حين. الآن لو تأتي لك بكلمات المفسدين وغيرهم من الكلمات القديمة من أغانيهم، لقيل: أوه، هذا قديم، هذا مات، الآن شبع منه الدود، اليوم تجد هناك أغانٍي جديدة وخرجت استريوهات جديدة، وأشياء لم نعد نعرفها، في الأول كنا نكلم الشباب، يوم أن كنا نعرف، أما الآن كبرنا وعند الشباب أشياء كثيرة الآن لا نعرفها. لكن انظر كلمات ابن تيمية في القرن السابع ولا تزال تتجدد؛ لأنها كلمة حق وانتشرت في الماضي. الشيخ ابن باز لما قال له أحد الموريتانيين: يا شيخ! كيف تصبر على هذا الجهد والضيوف والأعمال والفتوى والتعليم والدعوة وأنت في عشر التسعين! يقول: بعد أن ألححتُ عليه، قال: يا بني! إن الروح إذا كانت تعمل فالجوارح لا تكل. انظر نفسك الآن حين تحضر حفل تخريجك من الجامعة لتكرم بأنك حصَّلت الدكتوراه أو الماجستير، وتقف ويُشار إليك ويقال: والله هذا فلان بن فلان يتخرج إلى آخره والله تقف ساعة لا تشعر، لأن روحك هي الواقفة وليست أقدامك، فلا تشعر بالتعب، لكن دع الإمام يقرأ: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:1] في الفجر، ستقول: لا نريد، وربما تترنح في الصلاة، لماذا؟ لأن الروح ما وقفت، وقفت الأقدام فترنَّح، نحن نريد أن تقف الروح وأن تعمل. كلام ابن تيمية، وكلام الإمام أحمد، وكلام الحسن البصري، وكلام الله عز وجل كَلِمُه طيب، أطيب الكلام (إن خير الكلام كلام الله) - باقٍِ ومعجزةٌ تتجدد وتفجر في الناس الطاقات، وتقمع الباطل، وتحرك الشعوب، وتخمد شعوباً وتحرك أمماً، وتطفئ أمماً؛ لأنها كلمة حق. فأنت -أخي الكريم- إياك أن تتهاون بالكلمة أو تظن أن الكلمة لا تنفع، رُبَّ مدرس يلقي كلمة في فصل فيه عشرون طالباً ثم يخرج الله من هؤلاء الطلبة داعية يغير الله به وجه أمة، وهي كلمة، وما كان لهذا الداعية أن يغير وجه أمة إلا بكلمة من هذا المدرس، فلا تتساهل أو يغلبك الشيطان في الباطل. الحديث ذو شجون، ووجوهكم بعد فضل الله يستلهم منها المتحدث كثيراً من الأفكار والأحاسيس الطيبة. وسؤالي وإلحاحي على الله عز وجل بمنِّه وكرمه وجوده وأسمائه وصفاته أن يبسط لي ولكم في عافية أبداننا، وسداد أقوالنا، وإخلاص أفعالنا، وسعة أرزاقنا، وصلاح ذرياتنا، وسداد أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. وأسأله سبحانه أن يثبتنا وإياكم على طاعته. ونسأله سبحانه ألا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا. ونسأله سبحانه أن يتوفانا على أحسن حال ترضيه عنا. اللهم توفنا على أحسن حال ترضيك عنا، شهادةً وسجوداً وركوعاً، وعبادةً، وطاعةً لك يا رب العالمين. اللهم لا تقبض أرواحنا على فاحشة ولا تقبضها على خزي ولا تقبضها على معصية. اللهم من كان فينا مذنباً فاغفر ذنبه واستر عيبه، ومن كان تائباً فاقبل توبته، ومن كان مفرطاً فأعنه على نفسه يا رب العالمين، ومن كان داعياً فسدده، ومن كان صادقاً فثبته يا رب العلمين. اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آله وصحبه. وجزاكم الله خير الجزاء.

الأسئلة

الأسئلة

الفتور وعلاجه

الفتور وعلاجه Q ما هو علاج الفتور؟ A الفتور يطرأ على كثير من الناس، بل قلَّ أن يسلم منه أحد، ولكن للنفس نشطة وفترة. وينبغي للإنسان -إذا فتر- ألا يسمح للفتور أن يتجاوز حد ترك الواجبات، بمعنى: أنه قد يفتر الإنسان؛ لكن لا يكون هذا الفتور إلى حد ترك الصلاة مع الجماعة، أو ترك السنن المؤكدة، كالوتر، والرواتب، أو الوقوع في الفواحش والمنكرات والمعاصي. لكن في النشاط بعض الليالي يجد في نفسه نشاطاً فيصلي أحدى عشرة ركعة، بعض الأيام يصوم كثيراً أو يقرأ من القرآن كثيراً لكن قد يفتر. وخير ما يعينك على مجاهدة الفتور: هذه الوجوه الطيبة: قد يقول بعض الشباب: أنا أخشى على نفسي النفاق. نقول له: كيف؟ يقول: يا أخي! إذا جئت مع الطيبين أجد نفسي متحمساً، ولو قالوا نصوم السِّنة كلها لصمنا، ولو قالوا: نقوم الليل كله لقمناه، وو إلى آخره، ولكني آتي في البيت ربما لا أصلي كذا، ولا أوتر بكذا، وربما يجاهدني أهلي في بعض الصيام، أو في بعض العمل. أقول لك: لا يقولن لك الشيطان: هذا نفاق، بل ذلك من تشجع النفس وحماسها ورغبتها في الحق، إذا كثر الأخيار خنس الشيطانبإذن الله من مجالس الذكر، لكن الإنسان حينما يخلو يجثم الشيطان عليه. فخير ما لك هو قول الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28]. يا إخوان! لا تظنوا أن أحداً يسلم من الفتور خاصة إذا بَعُد عن أحبابه في الله، حتى الدعاة إلى الله الذين قد يدعون ويذكرون الناس هم أنفسهم لو انقطعوا عن الناس في أمر الدعوة لأصابهم من الفتور ما يصيبهم، ولذلك لا تقل: أنا سأذهب أقول للشيخ الفلاني: تعال لتلقي علينا محاضرة، وهو راعي الفضل، لا. اذهب قل له يلقي محاضرة وأنت راعي الفضل عليه بعد الله، لأنك كما يُذَكِّرك أنت تذكره، كما يدعوك أنت تدعوه، كما يعينك أنت تعينه، وإن كانت القضية قد لا تكون ظاهرة لديك. المسألة الثانية: كثرة ذكر الله عز وجل:- أكثر من ذكر الله، أكثر من الاستغفار، أكثر من التسبيح، أكثر من التهليل، حتى لو جعلت في يدك شيئاً يذكرك بالله. الشيخ ابن عثيمين سئل ذات مرة في (نور على الدرب) -وأوصي الشباب أن يستمعوا لهذا البرنامج كثيراً- سئل سماحة الشيخ ابن عثيمين عن رجل يستخدم السبحة، يقول: وأنا لا أعتقد أن فيها مزيد فضل؛ ولكنني أعدُّ بها العدد. فقال الشيخ: لا بأس باستخدامها، والتسبيح بالأنامل أولى، إذا كانت هذه السبحة -مثلاً- تذكرك، بعض الناس يدخل يده يجد السبحة يخرجها، ثم يقعد يسبح: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، طبعاً التسبيح ليس بالحبوب، التسبيح باللسان والقلب، لكن وجودها في يديك يذكرك التسبيح، فلا حرج، وكثير من الشباب ينكر على الذين يأخذون السبحة، وهذا من الجهل، وينبغي ألا ننكر على أحد إلا ومعنا دليل، أو نعرف فتوى من إمام يحتج به في الإنكار، أما أن ننكر ونتعوذ منه! ونظل ننكر عليه، فلا. يقول الشيخ: إلا أن تخشى على نفسك الرياء. ابن حجر العسقلاني رحمه الله تكلم عن (لا إله إلا الله) قال: وهي الكلمة التي تستطيع أن تقولها دون أن يدرك جليسك حركة شفتيك. أطبق الآن بين شفتيك، وقل: (لا إله إلا الله)، يمكن أن تقولها دون أن يشعر الذي بجوارك أنك تقول: (لا إله إلا الله)، وهذه من نعم الله أنك تستطيع أن تستمر في الذكر، وكلمة (لا إله إلا الله) من أجلّ الذكر، بل لو وُضِعت السماوات وعامرهن غير الله في كفة والأراضين معها، و (لا إله إلا الله) في كفة لرجحت بهن (لا إله إلا الله). فالذكر مما يعين القلب على الحماس واللذة والأنس بالطاعة والعبادة مع مجالسة الأخيار ففيها -بإذن الله- خيرٌ كثير. لعلي أكتفي بهذا السؤال. واستأذنكم للسلام على بعض الإخوة. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

فلتكن أعيننا باصرة

فلتكن أعيننا باصرة إن لكل أمة أعداء وأصدقاء، وفيها منافقون هم شر الخلق قاطبة، يندسون في الصفوف فيهلكون الأمة ويدمرون ثرواتها، ويضيعون أمنها، ويهدمون بنيانها، ويفرقون جمعها، ويشتتون شملها، هم أساس الخراب والوبال في المجتمعات والشعوب، لهم أساليب ملتوية وطرق عدة في الدسيسة، يلبسون لكل حادثة لبوساً، وعند ذلك يجب على الأمة الإسلامية أن تعي خطر هؤلاء؛ لتكون حذرة يقظة من كيد أعدائها.

المنافقون شر الخلق قاطبة

المنافقون شر الخلق قاطبة الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله على نعمٍ لا تحصى وآلاءٍ لا تنسى، الحمد لله الذي خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مئوي، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر:22]. {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:23]. {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر:24]. هو الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، هو الله الخالق الرافع الباسط، هو الله الذي لا إله إلا هو لا شريك له في ربوبيته فلا مدبر لهذا الكون معه، هو الله الذي لا إله إلا هو لا شريك له في ألوهيته، فلا تجوز العبادة إلا له، ولا التوكل إلا عليه، ولا الاستعانة إلا به، ولا الحاجة إلا فيما عنده، ولا الذبح إلا له، ولا النذر إلا له، ولا الحلف إلا به، ولا يجوز صرف صغيرٍ ولا كبيرٍ من العبادة إلا له، هو الله الذي لا إله إلا هو واحدٌ في ألوهيته فلا يجوز التحاكم إلى غير شرعه، هو الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، ليس كمثله شيء هو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من وطأت قدمه الثرى، وخير من ركب المطي وخير الخلق قاطبة، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، لم يعلم سبيل خيرٍ إلا دلكم عليه، ولم يعلم سبيل شرٍ إلا حذركم منه، ترككم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، أشهد الخليقة عليكم أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأشهد الخلق يوم الحج فقال: (ألا هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم، فقال: اللهم فاشهد) أعادها عليهم ثلاثا. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى واعلموا أن الخلق أهون على الله إن هم كفروا بنعمه وإن كانوا في أعظم منزلة عنده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] معاشر المؤمنين! يا رجال العقيدة يا شباب الأمة! أيها الغيورون على بلادكم! أيها الغيورون على أمتكم! اعلموا أن لكل أمة أعداء وأصدقاء وبينهما منافقون، إن لكل أمة أحباء وأهل ضغينة وأحقاد وبين هؤلاء منافقون، والمنافقون هم شر الخلق قاطبة، إن الذي يظهر عداوته صراحة لا تحتاج إلى دليلٍ لتحديده ومعرفته، لكن المصيبة مصيبة المنافقين الذين {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:6] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة:13]. إذا قيل لهم: لا تفسدوا في الأرض، لا تفسدوا الأرض بعد إصلاحها: {قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] أولئك المنافقون لا سبيل لكم إلى معرفتهم؛ لأن الله وحده هو الذي يعلم السرائر، لأن الله وحده هو الذي يعلم بواطن القلوب، فليس بسهولة الأمر أن تعرف من هو المنافق بين الناس ولكن لهم علاماتٌ وأمارات {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30] كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المنافقين في المدينة، ومع ذلك كان يعاملهم بالظاهر، بظاهر ما يعلنون ويترك سرائرهم إلى الله جل وعلا، وكان أمين سره صلى الله عليه وسلم في معرفة المنافقين حذيفة بن اليمان، وأعجبوا يوم أن جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلحق حذيفة يرجوه ويسأله: [يا حذيفة! أسألك بالله هل عدني رسول الله من المنافقين؟]. الله أكبر -يا عباد الله- رجلٌ يسلك وادياً فيسلك الشيطان وادياً غيره، رجلٌ يوافق قوله حكم كتاب الله، رجلٌ يفرق الشيطان منه، رجلٌ أعز الله به الإسلام وأهله يسأل حذيفة خوفاً على نفسه، ليس في نفسه عجب ليس عنده إعجاب بنفسه يسأل حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: [أسألك بالله يا حذيفة هل عدني رسول الله من المنافقين؟ ويقول حذيفة: لست منهم يا عمر ولا تسألني بعدها ولا أخبر أحداً بعدك].

خطر النفاق على الأمم والمجتمعات

خطر النفاق على الأمم والمجتمعات عباد الله! إذا علمنا أن لكل أمةٍ أحباباً أهل ولاء وصدق، وأهل دعوة وإخلاص، وأهل معاملةٍ صادقةٍ مع الله جل وعلا، ولكل أمةٍ أعداء قد ظهرت عداوتهم وبانت وانكشفت وسفرت، ومنافقون يندسون بين هؤلاء وهؤلاء. إن الله جل وعلا ذكر المؤمنين في أربع أو خمس آيات، ثم ذكر الكافرين في آيتين، ثم ذكر المنافقين في ثلاثة عشر آية، لأن النفاق أخطر شيءٍ على الأمة، وأفتك داءٍ يهلك الأمة، يدمر ثرواتها ويضيع أمنها ويهدم بنيانها ويفرق جمعها ويشتت شملها. فيا عباد الله: انتبهوا لأنفسكم ولمجتمعكم جيدا، وانظروا بثاقب البصر والبصيرة ولا تظنوا أن مسئولية الحفاظ على أمن المجتمع وأمن الأمة، الأمن النفسي والأمن الفكري، والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي، لا تظنوه مسئولية فئة معينة بل هو مسئولية كل واحد منكم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) فإذا كل واحدٍ منا قام بما عليه حينئذٍ عم الرخاء، وشمل الأمن، وشاعت الطمأنينة، وحينئذٍ يخنس المنافقون فلا يستطيعون أن يتنفسوا على السطح، لا يستطيعون أن يظهروا، لماذا؟ لأن الحجة بينة والمحجة واضحة ولا يستطيع أحدٌ أن يخالف ما اجتمعت عليه الأمة عامتها وعلماؤها وأمراؤها وولاتها، لا يستطيع أحدٌ حينما يجد الأمة على قلب رجلٍ واحد، لا يستطيع أن يتسلل في صفوفها، ولكن يوم أن تكون الأمة على فئاتٍ وطبقاتٍ ومستوياتٍ واتجاهاتٍ ومذاهب شتى، حينئذٍ يدخلون من كل باب، ما دخل الأعداء من أبوابنا وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا وأخطائنا. فيا معاشر الأحباب! أوصيكم في أنفسكم وفي مجتمعكم خيراً، ألا تجعلوا لمنافقٍ دسيسةً في صفوفكم. أيها الأحبة في الله: حينما يريد المنافقون أن يحدثوا أمراً فلا يستطيعون أن يعلنوا هذا الأمر بصريح العداوة وبصريح البغضاء والكراهية للأمة، وإنما يلبسون لكل حادثةٍ لبوسا؛ يلبسون أموراً لعلها أن تبهرج على أبصار بعض السذج والغوغاء، وحينئٍذ تقع المصيبة في أن المجتمع يبقى ساذجاً بسيطاً أبلهاً عن حقائق ما يراد وما يدبر له. إن أعداء المجتمع وأعداء الأمة في كل زمنٍ موجودون من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة، وهؤلاء الأعداء يوم أن يُحدثوا في المجتمع حدثا ًيجعل الأمن النفسي في أخذٍ ورد، ويجعل الطمأنينة تتغير، ويجعل أحوال الناس في أحاديث شتى، بدلاً من أن تكون أحاديثهم وهمومهم وأفكارهم، وتوجههم وأنشطتهم، منسجمةً متمازجةً متناغمة مع هموم مسئوليهم، وولاة أمرهم؛ يصبح المجتمع على فئاتٍ وعلى أحزاب شتى. أقول أيها الأحبة! حينما تخرج في المجتمع ظاهرةٌ من ظواهر الفساد يتحرك الأغيار، الذي في قلبه غيرة، الذي يقول: كيف نعصي الله وقد أنعم علينا بهذه النعم؟ الذي يقول: كيف نرضى بالمعصية ونحن نرى الناقلات والشاحنات تتسابق إلى أسواقنا لتنثر فيها خيرات بلدانها؟ الذي يقول: كيف ونحن نرى هذه النعم في مختلف المجالات؟ هل نقابلها بالمعصية؟! هل نقابلها بالمنكر؟! هل نقابلها بما لا يرضي الله جل وعلا؟ يتحرك الأغيار يتحركون غيرة لله فيتصلون بولاة أمرهم، ويتصلون بعلمائهم، ويتصل بكل مخلصٍ في أمتهم لا يخفون شيئاً تحت الظلام أبداً، وإنما يظهرون أمام الخليقة أجمع؛ لكي يعالجوا أمرهم فيما بينهم ولا حاجة إلى إعطاء أي أمرٍ أكبر من حجمه، فلكل أمرٍ ما يناسبه من الاهتمام والإنكار. نقول أيها الأحبة: حينما يظهر مظهرٌ من مظاهر الفساد والمنكرات إلى درجةٍ يكون خطراً على الأمة؛ يتحرك الأغيار والصالحون، وليس الصالحون وحدهم يتحركون، بل ولاة الأمر أول من يتحرك، وأجهزة الأمن أول من يتحرك، وكل من يرى في نفسه مسئولية أمن مجتمعه يتحرك أيضاً، ليس حركةً فوضوية عشوائية، وليست حركة متهورة متشنجة، بل حركة طبيعية، لبيان هذا المنكر ولبيان مخاطره وعلاجه، وإيجاد البديل المناسب من شرع الله الذي ما فرط الله فيه من شيء، وحينئذٍ حينما تتحرك العواطف ويلتهب الحماس في تغيير أمرٍ من الأمور يندس المنافقون في هذه الصفوف، لماذا؟ لكي يستفيدوا حتى من هذا التفاعل يريدوا أن يسجلوا على المجتمع أمراً مما يريدون، وحينئذٍ أقول لشباب المجتمع أجمع، وأقول لكم يا رجال الإسلام أخاطب كل واحدٍ منكم ولا أفرق بين صفٍ وصف، ولا أفرق بين من كان في أول هذا المسجد وآخره، أخاطبكم جميعاً فأقول: قد يندس بين الصالحين والغيورين من يلبس لباسهم، ويتزيا بزيهم، يريد أن يحقق فساداً حتى يبقى الأغيار في حرج، ويبقى المخلصون في حرجٍ أمام المجتمع بأسره، وإن كنت صريحاً سأضرب المثل بالمنشورات، إنما يفعله الذين يكتبون أول ما يكتبون، ويسجلون أول ما يسجلون ويبدءون أي ظاهرةٍ من الظواهر التي تحتاج إلى علاج، يبدءون علاجها بكتابة المنشور ثم دسه تحت الأبواب أولئك لا يعرفون عزة الحق، ولا يعرفون نور السنة، ولا يعرفون مكانة الإسلام، فهم على خطرٍ عظيم لأن المنكر منكرٌ في كتاب الله جل وعلا، والحق حقٌ في كتاب الله جل وعلا، فما كان حقاً فليس الطريق إليه أن يدس تحت الأبواب، وليس الطريق إليه أن يوضع في بعض الأماكن التي لا يليق ذكرها، وإنما الحق مكانه على الرءوس والمقل على الصدور، أن يقدم جلياً عزيزاً واضحاً، لا أن يقدم بسرٍ وخفية.

المنشورات أسلوب من أساليب النفاق

المنشورات أسلوب من أساليب النفاق أقول أيها الأحبة: إن من المخاطر التي يتجسس بها المنافقون: قضية المنشورات هذه، نعم، قد يوجد من يظن أنه يخدم الإسلام والمسلمين ولا يعد هذا من المنافقين، أقول: قد يوجد وهم ندرةٌ وقلة، من يظن أنه يحسن صنعاً فيطّبق هذا العمل أو يسلك أسلوب المنشور كطريقٍ إلى إنكار المنكر، قد يوجد من يفوته وضوح الحق في هذه المسألة وحينئذٍ نقول لكل مسلمٍ ولكل غيورٍ ولكل حبيبٍ وعزيز: ينبغي أن تعرف عن الطريق إلى الحق أنه على الرءوس والمقل، وليس بالدسيسة والخفية، هذه مسألة مهمة، ولماذا أيها الأحبة نصرح بهذا الأمر؟ والله ثم والله ما قلت هذا إلا غيرةً على أحبابي ونفسي وإخواني وجميع أفراد مجتمعي، حتى لا يسلك أحدهم سلوكاً يظن أنه يحسن صنعاً وهو يخطئ فعلا، يظن أنه على جادة من الصواب وهو على غير الصواب، يظن أنه على الحق وهو على غيره. فلنفرض مثلاً: أن ظاهرةً من الظواهر بدرت فظن البعض أن المنشور يعالجها، فأخذنا ننشر هذا الأمر وكان المنشور فيه معلومات صحيحة، ثم ظهرت ظاهرةٌ ثانية فنزل المنشور فيه معلومات صحيحة، ثم ظاهرةٌ رابعةٌ وخامسةٌ وسابعة وكلها فيها معلومات صحيحة، حينئذٍ الذين يرصدون حركة الأغيار في المجتمع، والذين يرصدون حركة الغيورين المخلصين في المجتمع، يعرفون أن المجتمع قد تهيأ نفسياً لما يسمى بالمنشور، وأصبح المنشور هو الذي يوجههم؛ أصبح المنشور هو الذي يوجهني ويوجهك حينما نرى سبعة أو ثمانية من المنشورات كلها صحيحة، حينئذٍ يأتي المنشور الثامن أو المنشور التاسع بمعلومات كاذبة، وتوجيهاتٍ خطيرة، فحينئذٍ لما تعودناه من أن المنشورات السابقة كانت صحيحة وسليمة، نظن أن المنشور الثامن والتاسع الذي فيه معلومات خاطئة وتوجيه خطير نظن أنه منشورٌ سليم أيضاً، فحينئذٍ قد يبادر إلى تطبيقه والاستجابة له من لا يفقه أبعاد هذا الأمر، ثم تحدث الكارثة، ويصبح بعضنا يؤذي بعضاً، صالحٌ يؤذي صالحاً، مواطنٌ يؤذي مواطناً؛ بتدبير دسيسة منافق من المنافقين عود من حوله على أسلوب المنشور سبع مرات وثمان مرات تعويداً وتهيئة نفسية بمعلومات صحيحة ثم جاء المنشور التاسع والعاشر بطامةٍ خطيرة، وحينئذٍ لا تسأل عن هلكة أفراد المجتمع.

أهمية معرفة طرق الحق

أهمية معرفة طرق الحق ومن هنا نقول: لا بد أن ننضبط، ونعرف للحق طرقه، وما عرف أن المنشور من سابق عهد الدعوة إلى يومنا هذا إلا أسلوب من أساليب الدعوة، نعم، قد يقول بعضكم: لا بد من التشهير بأهل الفسق، والفاسق لا غيبة له، أقول: أنا أوافقك على أن من عرف بفسقه وعرف بإفساده سواءً في فكره وفي كتاباته وفي تحركاته، من عرف بفسقه وعداوته للمجتمع أوافقك أنه لا بد من تشهيره ولا بد من التحذير من فسقه، ولكن من الذي يقرر هذا؟ هل أقرره أنا؟ أم تقرره أنت؟ إذا قرر عالمٌ من علماء المسلمين الذي يعتد بعلمهم وفتواهم في هذا الأمر، حينئذٍ نقول: نعم يشهر بهذا، أما أن أحكم أنا بأن فلاناً فاسق وإن كان فاسقاً، وليس عندي فتوى تجعلني أشهر وأحذر من فسقه على الملأ، وقد أحذر من فسقه في أمري بخاصة نفسي فيمن دوني، لكن أن أنشر عنه منشوراً أو أتكلم به على المنبر، لا. لا بد من فتوى، فلو أفتى سماحة مفتي الديار السعودية أن فلاناً بن فلان فاسقٌ يشهر به، والله لمزقنا جلده أمامكم وأمام كل مجتمع، لكي نبين خطره وفساد مذهبه، وخبث طويته وفساد عقيدته وأسلوبه. أما أن نجعل أنفسنا باجتهاداتٍ ضعيفة وعلمٍ قليل، وتجربةٍ قصيرة، أن نجعل أنفسنا حاكمةً على البشر فنشهر بمن نريد، هذا أمرٌ لا يصح أبداً، وأقول هذا الكلام وأنا أعرف -أيها الأحبة- أن مجتمعنا لم يصل إلى هذه المرحلة، أقول هذا الكلام وأنا أعرف أن الصالحين وعامة أفراد المجتمع لم يصلوا إلى هذه المرحلة، ولكن نحذر أنفسنا قبل أن ينجح المنافقون في تحقيق ما يدبرونه وما يريدونه، قبل أن نقع كما يقول القائل: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا أيها الأحبة: نحذر من الشر قبل وقوعه، والوقاية خير من العلاج. أيها الإخوة في الله: إن من واجبنا تجاه الأحداث التي تخالف شرعنا وتخالف قرآننا، وسنة نبينا، من واجبنا أن ننكرها، ولا يجوز لمسلمٍ أن يحب ما حرم الله، ولا يجوز لمسلمٍ أن يكره ما أحب الله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9] إن محبة ما يكرهه الله، وكراهية ما أحبه الله من الأمور العشرة التي تخرج من الملة، كما ذكرها إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نور الله ضريحه وجمعنا به في الجنة. أيها الأحبة في الله! يوم أن نقول: إن من واجبنا أن نكره ما كره الله، وأن نحب ما أحب الله، وأن نجرم ما جرم الله، وأن نستحسن ما ندب الله إليه، من واجبنا تجاه أي مخالفة أمام هذا الأمر ألا نتصرف تصرفاتٍ فردية، نحن مجتمعٌ مسلم، وحينما أقول: صحوةٌ مسلمة فإني أقصد المجتمع كله؛ لأن مجتمعنا بفضل الله جل وعلا وإن وجد في بعض أفراده شيءٌ من الذنوب أو المعاصي أو التقصير فإنه لم يبلغ مبلغاً أصبح فيه ديوثاً، أو يرضى بالعار والمجاهرة بالفسق في بيته وأهله. أقول: لا نزال بخير فحينما نكون يا أهل الصحوة صحوة الأمة الإسلامية في شعب هذه الجزيرة وفي بقية المسلمين في العالم، صحوة الأمة الإسلامية يوم أن تنكر أمراً أنكره الله، إنها لا تبادر بتصرف فرديٍ من ذات نفسها، وإنما ترفع هذا إلى علمائها لتعرف ما الطريق إلى علاج هذا الأمر؟ إن الإستحسان ليس من أدلة التشريع ولا يلزم وخاصةً في أمور الشريعة، قد تستحسن أمراً من أمور الدنيا فتطبقه، أما أمور الشرع فليس استحسانك لشيء دليلك على جوازه، ليس استحسانك لشيء دليلٌ لك على الإذن بفعله والتصرف فيه إذاً ما الذي يأذن لي بالتصرف فيما أريد؟ يأذن لي العلماء الذي يقولون: إن هذا أمرٌ واجب، أو أمرٌ يجوز أو أمرٌ لا يجوز. إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا أخشى -أيها الأحبة في الله- أن نكون كمن قال فيه القائل: رام نفعاً فضر من غير قصدٍ ومن البر ما يكون عقوقا فمتى يكون العمل والتصرف في محله؟ إذا كان عليه نورٌ من الكتاب والسنة، واجتهاد أهل العلم. أحبتي في الله! يوم أن استقمت على دين الله أو استقمت أنت على دين الله من خمس سنوات، أو سبع سنوات، أو عشر سنوات هل ستكون أتقى لله وأعلم بالله وأغير على دين الله من سماحة مفتي هذه البلاد الذي شابت لحيته في الإسلام؟ الذي بلغ الثمانين من عمره؟ أسأل الله أن يمد لنا في عمره، أسأل الله أن يبقيه رحمةً للمسلمين، أسأل الله أن يتمم النعمة على الأمة به، أسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية، اللهم بارك في وقته اللهم بارك في ذهابه، اللهم بارك في إيابه، اللهم بارك في حركاته وسكناته وفي صمته ونطقه، اللهم بارك في إشارته وكلمته وفي كل حالٍ من أحواله. ويا أهل هذه البلاد! والله إن من نعم الله عليكم هذا العالم الجليل، وهذا الرجل الذي أنعم الله به على الأمة وبغيره قبله، ومن نعم الله على هذه الأمة أن أنعم عليها بولاة أمرٍ يخافون الله، وأنعم الله على هذه الأمة بمجتمعٍ لا يزال يرفع الإسلام وبولاة أمر لا يزالون يعلنون العقيدة ويعلنون الشريعة بدلاً من أولئك الذين يحكمون الكتاب الأخضر، والنظرية الاشتراكية، والفكر البعثي، والنجاسة الثقيلة، إنها من أعظم النعم علينا في هذا الزمان. أقول أيها الأحبة! إن من واجبنا ومن واجب الغيورين والمخلصين منا ألا يبقوا جامدين أو كسالى، لا أقول هذا الكلام؛ لكي يضع كل منا يده تحت رأسه أو يتوسد وسادته ثم يقول: قد انتهى الأمر وليس لي، لا، نريدك أن تعمل وكأن ليس في المجتمع إلا أنت من حيث الحماس والمتابعة وعدم البرود، وعدم الفتور، ولا نريد أن تتصرف إلا بإذن شرعي وبفتوى شرعية؛ حينئذٍ تكون حركة كل واحدٍ منا تخدم أهدافنا والأسس التي قامت عليها بلادنا، وتخدم ما نريده وما نصبوا إليه من تحقيق الأمن والطمأنينة في هذا المجتمع. أيها الأحبة في الله! أوصيكم ونفسي بالالتفاف حول العلماء، الذين بلغوا في السن عتيا، أوصيكم ونفسي بالالتفاف والقرب والدنو والصلة بالعلماء؛ فإن أولئك لا يصدرون الفتوى إلا عن أمرٍ أو نهيٍ أو دليلٍ من عند الله جل وعلا، ولا يمكن أن يستحسنوا إلا ما استحسنه الله، ولا يصوبوا إلا ما صوبه الله، ولا يخطئوا إلا ما خطأه الله؛ وحينئذٍ نعبد الله على بصيرةٍ وندين الله بكل عملٍ من الأعمال التي نعملها. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

الحذر واليقظة من كيد الأعداء

الحذر واليقظة من كيد الأعداء الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! قد يسأل بعضكم فيقول: هل نفهم من كلامك أنه حينما نرى كلاماً يخل بالدين والعقيدة في مجلةٍ نتركه ولا نذكره؟ هل نفهم من كلامك حينما نرى كاتباً أو مفكراً أو فاجراً أو فاسقاً كتب شيئاً يخل بأركان الدين وأصول العقيدة، وخصائص الأمة أن نسكت عليه ولا نذكره؟ لا. لا تفهموا من كلامي هذا وإنما نريد أن نفهم أن نبقى أعيناً ساهرةً، وعيوناً باصرة، وجهداً متأملاً متثبتاً لمعرفة ما يراد بنا، وما يراد بأخواتنا وبناتنا، وما يراد بشبابنا، وما يراد بثرواتنا، وما يراد بأمتنا ما الذي يكاد لنا ولعلمائنا ولولاة أمرنا، نريد أن نبقى أعيناً ساهرة، وأعيناً باصرة، فإذا وجدنا ما يخل بذلك من شيء أخذناه ورفعناه إلى عالمٍ من العلماء، وحينئذٍ تبرأ الذمة. وأقول لكم: يا شباب الإسلام! قد يظن البعض أن العلماء لا يقدمون شيئا، قد يقول البعض: إن العلماء لا يفعلون شيئا. والله أيها الأحبة -وهذه نعمة من الله- إن علماءكم لعلى صبرٍ وجلدٍ، وعلى تحملٍ فيما يلقون ويسمعون ويرون من كثير من يتصل بهم من الغيورين والمخلصين، وهم يبذلون بذلاً حثيثاً لمعالجة هذه الأمور بالطرق الشرعية، ولكن هل من شرط ما يعمله العلماء أن يعلمه العامة؟ هل من شرط كل عملٍ يعمله العالم أن يعرفه العامة والخاصة، والصغير والكبير على حدٍ سواء؟ لا، يكفي منك إذا وجدت ما يخالف أو يناقض أو يخل أن تذهب بما رأيته -في أي شيءٍ كان- ثم تعرضه على عالمٍ من العلماء وتقول له: اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد اللهم إنها من رقبتي إلى رقبتك، وحينئذٍ تبرأ ذمتك بإذن الله إذا كان هذا غاية ما تستطيعه وإن كان بمقدورك أن تتصل بمسئولٍ أو وليٍ من ولاة الأمر، أو علمت أن غيرك قد كفاك أو بلغ عنك هذا الأمر فحينئذٍ بلغ الأمر وقامت الحجة وبقيت في رقاب العلماء. الذي نريده أيها الأحبة: ألا نكون في خللٍ من تصرفاتنا وسلوكنا وفي المقابل أن نكون على برودٍ وجمود، لا نريد هذين الأمرين أبداً، إنما نريد عملاً دءوباً ورصداً مستمراً، وأدعوكم أن تفتحوا أبصاركم جيداً لكل ما يدبره أعداؤكم، ولكل ما يخطط الأعداء؛ لأننا لا نشك أن في كل مجتمعٍ عدوٍ وصديقه منافق، فلا بد أن تنتبهوا لهذا الأمر وحينئذٍ أيها الأحبة: بلغوا ما ترونه إلى العلماء وإلى ولاة الأمر، هذا سبيل عليه من الحق دليل، وعليه من الشرع برهان، وما سواه فإنا نشك في وجود ما يدل عليه، ائتوني بدليلٍ على المنشورات، أعطوني دليلاً على هذه المنشورات! لا دليل عليها أبداً، وأقول هذا الكلام وأعيد وأزيد أننا ما بلغنا هذه المرحلة، ولكن أحذر من أن يندس في صفوفنا من يجعل أسلوب المنشور من أساليب الدعوة، لا وألف لا، ليس من أساليب الدعوة إلى الله، وإذا احتاجت الأمة أن تشهر بفاسقٍ من الفاسقين أو أن تحذر بمجرمٍ من المجرمين فحينئذٍ حينما يظهر عليه فتوى، والله لا يرحم عرضه في مجلسٍ ولا منبرٍ أبدا، ولكن من الذي يفتي بتشهيره من الذي يفتي بالحديث عنه، من الذي يتكلم عنه؟ من عرفناه بعلمه وتقواه وسابقته في دين الله جل وعلا. أيها الأحبة في الله! أسأل الله أن يرشد هذه الصحوة وأن ينفع الأمة بها، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك فيها إننا لفي خيرٍ عظيم، وعلى خطرٍ عظيم، فنحتاج أن نجعل خيرنا في مواجهة هذا الشر، وأن نجعل صلاحنا في مواجهة الخطر، بالأساليب التي تحفظ لأمتنا ولمجتمعنا التوازن الذي نريده ونرغبه فيه على كل حالٍ من الأحوال.

المعركة بين الحق والباطل صريحة وطويلة

المعركة بين الحق والباطل صريحة وطويلة أيها الأحبة في الله: أيها الإخوة الغيورون! يا رجال الإسلام! ويا حماة العقيدة! آن لكم أن تعرفوا الحرب صريحة، آن لكم أن تعرفوا أن العداوة عداوة العقيدة، آن لكم أن تعرفوا أن أعداءكم والله لا يغبطونكم على سياراتكم، ولا يغبطونكم على قصوركم، ولا يغبطونكم على مفارشكم ومآكلكم ومطاعمكم وإنما {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:105] ود الذين كفروا: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران:119]. أنتم أمام الأعداء، وأمام المنافقين، فإن مسئولية الوقوف ووحدة الصف واجتماع الشمل ووضع الأيدي مع العلماء وولاة الأمر وتثبيت الصف من واجبات كل مسلمٍ منكم، ولا تظنوا أن الغيرة على المجتمع وظيفة من لبس مشلحاً أو تخرج من كلية الشريعة، أو أصبح داعيةً، أو خطيبا، إنها مسئولية كل واحدٍ منكم، إنه مسئولية من كان ملتحياً ومن كان حليقا، مسئولية من أسبل ومن قصر، مسئولية من كان سابقاً بالخيرات ومن كان ظالماً لنفسه، ومن كان مقتصدا، إننا لا يمكن أن نجمع مع تقصيرنا في حق أنفسنا تقصيراً في حق أمتنا، وفي حق ولاة أمرنا من علمائنا ومسئولينا، لا والله لا بد أن نكون على مستوى الصراحة، وأن نكون على مستوى القوة وأن نحذر من كل ما يدبر ومن كل ما يحاك لهذه الأمة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك وباسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، أن تحفظ علماء المسلمين وأن تحفظ ولاة أمر المسلمين. اللهم اجمع شملنا، اللهم لا تفرق جمعنا، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمعنا وإياهم على ما يرضيك يا رب العالمين. اللهم اجعلهم ممن قال فيهم نبيك: (خير أئمتكم الذين تدعون لهم ويدعون لكم) اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأراضين بقدرتك. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تحمي أعراض المؤمنين، اللهم احفظ أعراض المؤمنين، واحمِ حوزة الدين، واهد شباب المسلمين، واستر على بنات المؤمنين، واستر زوجات المؤمنين يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان. أيها الأحبة! عودٌ على بدء، إنما يدور وما يتفجر من البلونات الشفافة أمام المجتمع؛ لتشغل أنظاركم وأنظار الغيورين عن القضايا الخطيرة والقضايا الكبرى لأمرٌ مستهدف، وأريد بهذا أن أقول: إن معركة الحق طويلة مع الباطل وقديمة أيضاً، وليست مواقفنا مع الباطل ومع الأعداء ومع المنافقين في موقفٍ أو موقفين، بل لا نزال في مواقف مع الأعداء إلى أن نموت ونلقى الله جل وعلا. فينبغي إذا عرضت لنا مشكلة أو ظهرت لنا ظاهرة ألا ننصرف بكليتنا وبجهدنا، وصغيرنا وكبيرنا، فننشغل بها عن غيرها من الأحداث والمخاطر. إن الذين يتفننون في الجريمة، إذا أرادوا أن يسرقوا بنكاً فجروا سيارةً فانشغل الشارع بهذه السيارة المتفجرة واتجهت الأنظار إلى هذه السيارة المتفجرة ثم ذهب اللصوص وسرقوا البنك بأكمله، فلا نريد أن ننشغل -أيها الأحبة- بقضيةٍ جانبيةٍ، وإن كانت مهمة، لا نريد أن ننشغل بها انشغالاً كاملاً، فتأخذ جهدنا ووقتنا وتفكيرنا وننسى ما أمامنا من المعارك القادمة مع الباطل والمنافقين، أريد أن نكون على مستوى الوعي، نريد أن نكون على مستوى الفهم وأن نتعامل بطول النفس وطول الحبال، والمدى الطويل، والمعركة الطويلة إلى أن نلقى الله جل وعلا وما غيرنا وما بدلنا وما أشركنا، فلا يفوتنكم هذا الأمر يا شباب الإسلام، ويا رجال الإسلام لا ننشغل بكليتنا في أي قضية، وإن كانت مهمة فننشغل بها وحدها عن سائر ما يدبر ويخطط للأمة. هل ما يراد بكم من قبل أعدائكم ومن قبل المنافقين هو حدثٌ واحد وسلمتم فيما بقي؟ هل تظنون أن الحياة مجرد هذه المشكلة وما بعدها كلها زهورٌ وأنهار ولن يكون فيها حدثٌ أو مشاكل؟ لا. والليالي من الزمان حبالى مثقلاتٍ يلدن كل عجيب طبعت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار لا نظن أن الحق والباطل يقومان في معركةٍ واحدة ثم ينتهي النصر للحق ولا يعود للباطل حركةٌ من جديد، لا، فلا نريد أن نشغل بمسألة وإن كانت مهمة فننشغل بها كلنا. انظروا ماذا شغلت به الأمة، لقد شغلت عن المجاهدين، شغلت عن الجهاد في أفغانستان، وشغلت عن قضايا كبيرة وخطيرة، وشغلت عن البحث والاستمرار في معرفة الفكر البعثي، وأذناب البعث ومن ينتسبون إلى البعث، ومن يتسللون في الصفوف من البعثيين، قد شغلت الأمة بظاهرةٍ معينة عن خطرٍ كبير. وهل الأعداء البعثيون وحدهم؟ لا. الأعداء أصنافهم كثيرة، درجاتهم مختلفة، مراتبهم مختلفة، إذاً فلا ينبغي أن ننشغل بظاهرةٍ معينة، ولنجعله نظاماً كما تجري المعاملة في الدائرة الحكومية، ظهرت ظاهرة تقدم إلى العلماء وإلى ولاة الأمر، ويتخذ بشأنها ما يتخذ، ثم نستقبل أي جديدٍ أمامنا.

التثبت والبينة قبل الحكم

التثبت والبينة قبل الحكم نسأل الله أن يجعل بلادنا هادئةً آمنةً مطمئنة، ولكن لا يمكن أن يتحقق لكم هذا وهو لم يتحقق لرسول الله، لم يتحقق هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم منذ أن قامت دولته إلى أن مات والمؤامرات تلو المؤامرات على دولته، والوحي يتنزل عليه والله يقول له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]. لقد أعطاه الله ضماناً بأن يعصمه من الناس ومع ذلك والوحي يتنزل والمعجزات قائمة والله حافظه ومع ذلك فلا زالت المؤامرات تلو المؤامرات في دولته وفي بلاده، أفتريدون أن تبقى أمتكم وأن يبقى مجتمعكم بحالٍ أفضل من حال الرسول صلى الله عليه وسلم، فيبقى سليماً نظيفاً نقياً من أي صغيرةٍ أو متوسطةٍ أو كبيرةٍ من الجرائم والمصائب؟، لا، ولكن إذا أردنا أن نقول لا نريد جريمة في المجتمع، ولا نريد أن تظهر في المجتمع جريمة فقد طلبنا مجتمعاً أفضل من مجتمع النبي، لأن مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم ظهرت فيه الجريمة وظهرت فيه المشكلة وظهرت فيه الأمور الخطيرة وعالجها النبي صلى الله عليه وسلم واستقبل ما بعدها، فنحن لا نقول أو نطلب مستحيلاً نقول: نريد مجتمعاً لا يوجد فيه جريمة ولا مشكلة ولا ظاهرة خطيرة، بل نريد مجتمعاً رجاله يقظون نريدكم على أتم حال الأهبة والاستعداد واليقظة، نريد العين الساهرة لمتابعة كل دقيقةٍ وجليلة، وما عرفتموه خاصةً بالوثائق والبيّنات، نعم يوجد في المجتمع من يندس، لكن من يقيم للبينة على أن هذا كذا؟ من يقيم للبينة على أن فلاناً شيوعي؟ من يقيم البينة على أن فلاناً كافر؟ من يقيم البينة على أن فلاناً عنده وعنده؟ لا أقبل كلام المنشور فيه، ولا تقبلون أنتم كلام المنشورات فيه، لكن نريد البينة فإذا ثبتت البينة من شهود العدل أنه قال أو تلفظ أو نطق أو كتب في رسالته الجامعية أو قرر أو كتب كتابةً ووقع عليها فحينئذٍ تثبت وتحكم وتجزم بأنه يعتقد ما يقول، وتجزم بعد مناقشته ومناقشه من لهم الفكر والعلم والتقى والسابقة، يحددون موقفه ويصنف وحينئذٍ شأنه مع المحاكم الشرعية، نريد أن نتثبت في كل حكمٍ نطلقه وفي كل أمرٍ نطلقه، أعيد وأزيد، هذا لم يقع منكم ولم يقع من شباب الإسلام، وإنما نراه من منشورات ظهرت بأسماء أو بغير أسماء إني أبرئ نفسي وأبرئ شباب الصحوة، بل إن التهمة أصلاً أو إن الفكرة أصلاً لا تتوجه على الشباب الغيورين فيها وإنما على مفسدين قد يشعلون الفتيل حتى يأتي ساذجٌ يوصل آخره إلى محل الانفجار. فأقول: احذروا من هذا ولا تجعلوا القرود التي تتقلب على أغصان الأشجار بالغابة تمتطي صهوة الحصان الأصيل، صحوتكم حصانٌ أصيل، قد يمتطيها قردٌ على غصن شجرة، فانتبهوا ألا يقف على سروج الخيل الأصيلة من القرود والمنتفعين والانتهازيين والمستغلين. اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك أن تحفظنا وأن تبصرنا وأن ترزقنا خير العمل وخير الاستقامة. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعا سحاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار، اللهم اسقِ العباد والبهائم والبلاد. اللهم إن كثرت ذنوبنا فإن عفوك أكثر، وإن كبرت معاصينا فإن رحمتك أكبر. اللهم تغمدنا برحمتك، اللهم بعفوك لا بأعمالنا، اللهم بمنك لا بسعينا، اللهم بجودك لا بمساعينا، نسألك اللهم أن تتغمدنا برحمتك يا ربنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك. عباد الله! إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

دروس وعبر

دروس وعبر الأمن نعمة من نعم الله العظيمة، ينتج عن اختلاله كثير من المفاسد، لذا كان من الواجب على الناس حمد الله وشكره على نعمة الأمن. وهذه الدروس والعبر مأخوذة من حرب الخليج، حيث ألقيت هذه المحاضرة بعد هدوء عاصفتها، فجاءت هذه المادة لتسلط الضوء على ما جرى، ولتؤصل لبعض ما حدث.

نعمة الأمن وأثرها على الناس

نعمة الأمن وأثرها على الناس الحمد لله منشئ السحاب، منزل الكتاب، وهازم الأحزاب، وخالق خلقه من تراب، الحمد لله حمداً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجه الله وعظيم سلطانه، الحمد لله الذي كشف الغمة عن المسلمين، الحمد لله الذي تتابعت نعمه على عباده المؤمنين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا معبود بحقٍ سواه، نحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، بالأمس كنا خائفين واليوم نصبح مطمئنين من الذي جعل هذه الحالة في القلوب يا عباد الله؟ أليس ربكم جل وعلا؟ اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد وحدك لا شريك، اللهم لك الثناء الحسن، اللهم لك الشكر وحدك لا شريك لك. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فلا نجاة والله إلا بها، ولا طمأنينة إلا بها، ولا عز ولا تمكين إلا بها، اتقوا الله تعالى حق التقوى، ولا تموتن إلا عليها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. عباد الله: انظروا حالكم بين الأمس واليوم، كثيرٌ من الناس سافر عن أرضه، وترك بيته وودع مهبط رأسه، وذهب يميناً أو يساراً، قريباً أو بعيداً، خوفاً على نفسه، لقد انتهت تعلقاته وارتباطاته بثروته وماله وبيته وداره، وأصبح لا يفكر إلا بنفسه ترك بيته، ترك قصره، ترك ذلك المكان الذي مكث مدة طويلة وهو يشاور الأصحاب، ويستشير الأحباب، من أجل تحديد موقعه، على ربوة أم هضبة، على جهة أم جهتين ما واجهاته، ما أنواع الرفاهية فيه، تركها لكي يعيش في شقة ضيقة؛ لأن نعمة الأمن في نفسه تزعزعت قليلاً، والآن بحمد الله جل وعلا عاد الذاهبون آيبين، ورجعوا إلى بيوتهم مطمئنين. من الذي قذف الطمأنينة في القلوب؟ أليس الله جل وعلا؟ اللهم لك الحمد على كل حال. والله لقد مرت بالناس أيام وليالي ما كان الناس يفكرون إلا بأنفسهم، وإذا سمعوا صيحة صاحت قلوبهم واختلفت أفئدتهم النوافذ مغلقة، والأبواب محكمة، والأعناق مشرئبة، والأفئدة تنظر، والأعين تبصر، هل يزول الخطر أم لا؟ {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77] نسأل الله جل وعلا أن يكون كشف هذه الغمة سبباً في مزيدٍ من الذلة بين يديه، والانكسار إليه والحاجة إليه، والخشوع له، والتضرع بين يديه سبحانه وتعالى.

الذكر والشكر عند حلول النعم

الذكر والشكر عند حلول النعم أيها الأحبة: إن في هذا الدين سنة عظيمة وهي أن تختم العبادات بالذكر والشكر والتسبيح، فما بالكم باندفاع النقم وحلول النعم! فهي أولى بالشكر والتسبيح، يقول الله جل وعلا في صيام شهر رمضان: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:185] تختم العبادة بالذكر والتكبير، ويقول جل وعلا في الحج: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة:200] وفي المجالس في ختامها تختم بالكفارة (سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك) وإذا عاد الإنسان من سفره كبر مهللاً وحمد الله: (آيبون تائبون لربنا حامدون) فما من أمرٍ من أمور العبادة فضلاً عن أمور الدنيا إلا ونجد أن الشريعة قد وجهتنا إلى أن نختمه بالذكر والشكر، والتكبير والتعظيم، والتسبيح والثناء، والتمجيد لله جل وعلا وحده لا شريك له، فما بالنا وقد دحر الله أعداء المسلمين من البعثيين! ونسأل الله أن يدحر بقية أعداء المسلمين على وجه هذه الأرض، وألا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وألا يجعل للفاجرين على المتقين دليلاً. أيها الأحبة في الله: ينبغي أن نعلم أن أيامنا هذه أيام شهرٍ كريمٍ وما بعده أكرم منه، وأيامنا هذه أيامٌ نعمة حلت بالمؤمنين باندفاع واندحار عدوهم البعثي وانهزام فلوله وتحطم راياته، وانكسار آياته، فهي -والله- أحوج بالشكر والثناء والتعظيم لله جل وعلا، أما أن تكون أمة الإسلام كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12] غناء وتطبيل وتزمير!! ينبغي للأمة أن تتقي الله في نفسها، وأن تتذكر قبل أيامٍ قليلة كيف كانت الوجوه تتغير، وكيف كانت الأفئدة تتطاير، وكيف كان الذعر والقلق يملأ الرجال والذرية والنساء، ينبغي ألا نكون من أولئك الذين قال الله فيهم: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] نعوذ بالله من ذلك! ونعوذ بالله أن نخادع الله وهو يخدع المنافقين والكافرين والعابثين بأمرٍ يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، كانت مرحلة مشنشنة فاضحة مصفية للنفاق والمنافقين، وظهر الذين يستغلون الفرص، وظهر الذين أصبحت علاقاتهم مصلحية، وظهر ما يسمى بوحدة الأمة العربية وإخواناً جعلتهمُ سهاماً فكانوها ولكن في فؤادي وإخواناً حسبتهمُ دروعاً فصاروها ولكن للأعادي

الحاجة إلى فتح صفحة جديدة

الحاجة إلى فتح صفحة جديدة والآن تصيح الإذاعات التي كانت بالأمس تقول متفرجة شامتة على المسلمين: ضربت مدينة الرياض بصواريخ أسكود، ضربت مدينة الشرقية بصواريخ أسكود، ضربت مدينة كذا بصواريخ، والآن ينبغي أن نعود إخوة كما كنا، وأن ننسى الماضي وأن نفتح صفحة جديدة، صفحة جديدة على ماذا؟! أن نضع في جعبنا العقارب والحيات، والدواب والثعابين، ثم نقول: نفتح جعبة جديدة أو صفحة جديدة! لا، نفتح صفحة جديدة ولكن على الإسلام، على التوحيد، على تحكيم كتاب الله، على الوقوف لقضايا المسلمين في شرقها وغربها، لا أن تكون المصائب هي التي تكشف الخبايا. أيها الأحبة في الله: ومرت أيامٌ علم الله أحوال الخلق فيها، وكلٌ منكم قد ناله ما ناله منها، فالخطاب أولاً لكم أنتم أن تتقوا الله جل وعلا، وألا تكون ذنوبنا سبباً في شؤم بني المسلمين أجمعين، وألا تكون غفلتنا سبباً في هلاك الصالحين (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا كثر الخبث). أيها الأحبة: هي مسئوليتكم أنتم لكي تفتحوا صفحة جديدة، وتودعوا زمن الهزل والغزل. اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل ودع الذكر لأيام الصبا فلأيام الصبا نجمٌ أفل إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذتها والإثم حل لا تقل أصلي وفصلي أبدا إنما أصل الفتى ما قد حصل ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل

أهمية استلهام الدروس والتفكر في النعم

أهمية استلهام الدروس والتفكر في النعم البطولة والنصر بالتقوى واللجوء إلى الله جل وعلا، وحبذا أن تكشف الأمة أوراقها، وأن تدرس ما حصل لها من العبر والعظات في هذه المصيبة التي حصلت لأمة المسلمين أجمعين في هذه الأيام التي مضت. أولها: لقد ظهر ضعف المسلمين، وهذا أمرٌ لا نسوقه على وجه الشماتة أو على وجه الفرح، وإنما نسوقه لكم لكي يجند كل واحدٍ منكم أبناءه، ولكي يعد كل واحدٍ منكم نفسه، لكي يكون جيشاً احتياطيا، وجندياً على أهبة الاستعداد حال الطلب، لكي تكون أمة الإسلام مستغنية عن غيرها بحالها نعم، ظهر ما نحن فيه، وظهرت علاقاتنا وظهرت صداقاتنا، فحاجتنا أن نستلهم الدرس منها، وقد انتهى ذلك الوقت الذي كان الكثير يخاف على ولده من الجندية والعسكرية، بل لابد ولو بذلنا كل الأسباب من أجل أن يتجند أبناؤنا وأن يتطوع أبناؤنا، ولقد رأينا فيكم وفيهم خيراً كثيراً بإذن الله، لقد ظن أعداء الإسلام أن أبناء هذه الجزيرة لن يستطيعوا أن يقفوا على ميادين التدريب والجندية، أو لن يرغبوا في أن يتسابقوا إلى ميادين الجهاد، بعد أن ملئوا مدرجات الملاعب، أو بعد أن جلسوا على الأرصفة، وهاهم يثبتون خيبة ظن أعدائهم بهم ويقولون: خسر رهانكم، وخابت ظنونكم، وحنثت يمينكم، هؤلاء شبابنا عادوا أقرب إلى الله من ذي قبل، وعادوا أصدق مع الله من ذي قبل. فيا شباب الإسلام مزيداً من بذل الطاعة لله جل وعلا، والوعي لواقعكم وما يدور حولكم وما يراد بكم.

زوال النعم بالمعاصي

زوال النعم بالمعاصي ومن دروس هذه المحنة: أن النعم لا تدوم من سره زمنٌ ساءته أزمان يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا أي مصيبة حلت بأحبابنا وإخواننا في الكويت، ناموا آمنين، فأصبحوا مشردين، هذه الدنيا لا يعول عليها، ولا يُطمئن إليها، ولا يوثق بها، فاعتبروا يا أولي الأبصار! ليست أمة دون أمة تحرم على الغزو والاجتياح، أو البلاء والعقوبة والمصيبة، نسأل الله ألا يحل بنا ما حل بإخواننا، ونسأل الله جل وعلا أن يجبر كسرهم وأن يشفي مريضهم، وأن يرد أسيرهم، وأن يجبر كسيرهم اعتبروا بهذه الدنيا. أما الذين يمشون ولا يزالون في ترف المراكب ولهو الدور وعبث الدنيا والغفلة عن عبادة الله، فليتقوا الله جل وعلا، وليتذكروا أن الذنوب لها شؤم، وأن شؤمها يحل عاجلاً وآجلاً، وليس كما يظن بعضهم: إذا لم يغبر حائطٌ في وقوعه فليس لهم بعد الوقوع غبارُ لا، الذنوب والمعاصي لها شؤمٌ يحل عاجلاً أو آجلاً، وإن الأمة إذا عصت الله على بصيرة واستمرأ الناس المعصية، ورأوا المعصية، وشاهدوا المعصية، وجالسوا المعصية، وخالطوا المنكر واستمرءوه؛ أوشك أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده، وهانوا على الله لما فتحت المدائن بكى أبو ذر، فقيل له: ما يبكيك يا صاحب رسول الله؟ فأخذ يبكي ويقول: ما أهون الخلق على الله إن هم عصوه! بالأمس كانوا ملوكاً في مناصبهم واليوم هم في بلاد الأرض عبدانُ إن الأمة إذا عصت الله على بصيرة، فإن سنة الله لا تتغير فيها أبداً، ولنتذكر ما حل بالمسلمين في بغداد، ما حل بالمسلمين أيام التتار والمغول، وتلك الحوادث التي لا يمكن أن ينساها التاريخ، ماذا حل بالمسلمين؟ قال أهل التاريخ: لقد قتل من المسلمين ألف ألف مسلم على أيدي المغول والتتار، أي: مليون مسلم، وقيل: ثمانمائة ألف مسلم، كيف يقتلون وهم يصلون ويسجدون ويصومون مثلكم؟ ولكن لما انتشرت المعاصي وظهرت المعاصي وأصبح الناس يفاخرون بها، وإذا قام قائمٌ لله بحق، أو رجلٌ يدعو إلى الله على بصيرة، أو غيورٌ يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر؛ قيل: اخرج، أنت مطوع، معقد، مسكين، يتدخل في شئون الآخرين، متشدد، لا يعرف أساليب الدعوة، لا يعرف التغيير، وأخذوا يرمونهم بمختلف الأساليب، ولقد جاء إليَّ ذات يوم رجلٌ -أسأل الله لي وله الهداية- يشكو إليَّ شاباً، يقول: هذا لا يعرف الدعوة ولا يعرف أساليب الدعوة، وأصبح يحدثني حديثاً عن شاب في الإسلام وشاب في الدعوة وشاب في تغيير المنكر والأمر بالمعروف، فقلت له: أما تستحي أن تتجرأ بهذا الأسلوب على رجلٍ أنا أحسبه أتقى منك؟ أما تستحي أن تتكلم في أساليب الدعوة وأنت ليس فيك شيءٌ من سمات الدعوة إلا أقل القليل؟ فينبغي -أيها الأحبة- إن لم نكن جنوداً للحق أن نكون أنصاراً له، وإن لم نكن أنصاراً أن نكون مؤيدين بالدعاء له. لا خيل عندك تهديها ولا مالُ فليسعف النطق إن لم تسعف الحالُ (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). إننا نعلم أن للمصائب ارتباطاً وثيقاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا الأمة لم تكن آمرة أو ناصرة أو مؤيدة أو داعية أو محبة؛ فإنها على خطرٍ عظيم، وكل واحدٍ منا ينبغي ألا يحرم نفسه واحدة من هذه المنازل، إما أن يكون داعياً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، أو نصيراً أو مؤيداً أو على الأقل صامتاً، ألا يتناول الدين بلسانه، وألا يتناول أهل الدين بلسانه؛ لأن من أحب قوماً حشر معهم، فلا أقل من أن تحب الأبرار والأطهار والأخيار لتكون معهم يوم القيامة جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! المرء يحب القوم ولمَّا يلحق بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت يوم القيامة). فهذا درسٌ من الدروس ألا نثق بالدنيا، وألا نطمئن بها وإليها، وأن نعرف أن ترك المنكرات وخذلان أهل الأمر بالمعروف سببٌ من أسباب المصائب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

دور العلماء عند المحن

دور العلماء عند المحن ومن الدروس والفوائد: أن للعلماء -أمد الله في عمرهم، وبارك في أوقاتهم، وحفظهم بحفظه وعنايته- أن للعلماء دوراً عظيماً في شرعية القتال، وبيان ما يكون من القتال جهاداً، والله إنه موقفٌ لن ينساه التاريخ أبداً لعلماء المملكة وعلى رأسهم سماحة الشيخ ابن باز، الذي وضح ذلك الضلع الخطير من هذه القضية الذي يتعلق بالجهاد في سبيل الله جل وعلا، وهذا دليل على دقة الوعي ودقة الفهم، لا كما يقول بعض السذج: علماؤنا لا يفقهون في السياسة شيئاً من الذي يفقه في السياسة إذاً؟ الذي لم يعرف الالتزام إلا من خمس سنوات أو عشر سنوات؟ شابوا في الإسلام وشبوا ونشئوا وكبروا عليه ولا يعرفون في السياسة قليلاً ولا كثيرا؟! لقد برز دور العلماء في هذه المرحلة، وحصل ما حصل، خاصة بوجود القوات الأجنبية، ومع ذلك كان رأيهم واضحاً بفضل الله جل وعلا، واطمأنت الأمة إلى رأيهم، وعرفت صواب رأيهم، ومصداقية تفكيرهم، وعرفوا أنهم هم أرباب السياسة، وهم دهاقينها وهم أساتذتها، كما يقول الشيخ الدوسري رحمه الله، أسأل الله أن يملأ قبره روضة وريحاناً: (لا إله إلا الله) من لامها إلى هائها سياسة.

نهاية ما جمع من الحرام

نهاية ما جمع من الحرام كذلك أيها الأحبة: ظهر في هذه المحنة العظيمة أن ما جمع من الحرام ينتهي بمحق، كم خسرنا في هذه الحرب أفراداً ومؤسساتٍ وشركات خسرت خساراتٍ عظيمة لا يعلمها إلا الله جل وعلا! كلها خسرت وانتهت وذهبت في هذه الحرب {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] ما تجمعه من الربا أياً كنت فرداً أو صغيراً أو كبيرا، فإن الله يمحقه، والمحق قد أخبر الله به، أما كيفيته فالأمر إلى الله جل وعلا، زلزالٌ أو بركانٌ أو أمراضٌ أو حربٌ أو مصيبة، المهم {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276]. كم أنفق على هذه الحرب من الأموال الطائلة الكثيرة! ونحن نسأل الله أن يكون ما أنفق فيها دفعاً عن المسلمين لأنواع البلاء، وتطهيراً للمسلمين من المتشابهات والمختلطات، وإنا على ثقة أن الدعاء كان أعظم سلاحٍ قاتلنا به الأعداء، والله إنا على ثقة أن الدعاء كان أعظم سلاحٍ قاتلنا به الأعداء، ثم بعد ذلك بهذا الدعاء سخر الله للمسلمين من هم أقوى منهم، وبهذا الدعاء {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال:17] وبهذا الدعاء {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] وبهذا الدعاء كان المقدور لطيفاً وكان سهلاً ميسوراً على أمة المسلمين فيما أصابهم، فلنكن صرحاء مع أنفسنا، صادقين، حتى في الاستفادة من تجاربنا، وفي هذه الحرب جربت أسلحةٌ جديدة لأول مرة، فكانت درساً لشركات الأسلحة التي كانت تنتظر فرصة أو لا تنتظر، المهم كانت تتمنى يوماً تقيم فيه أسلحتها وتعرف مواطن السلب والإيجاب، والزيادة والنقص، والنفع والضرر في هذه الأسلحة التي صنعت، فكان من عبر هذه الحرب أن جربت فيها أسلحة جديدة، واستفاد منها من كان عاملاً، وهي سنة كونية، إن من يعمل يجد نتيجة، حتى لو كان يهودياً، حتى لو كان نصرانياً، حتى لو كان بوذياً، حتى لو كان مجوسياً، إن من يعمل يجد نتيجة، فأمة الإسلام إن تعمل وتكن على مستوى العمل ستجد نتيجة، كيف لا والله يؤيدها ويسددها بمنٍ وعونٍ وتوفيقٍ منه.

أثر الدعاء في صد العدوان

أثر الدعاء في صد العدوان كذلك أيها الأحبة: كما قلنا، بهذا الدعاء الذي هو أعظم سلاحٍ نزلنا به هذه المعركة دفع الله أنواع البلاء، وأنتم ترون كم أسقط على المملكة من صاروخ أسكود، صاروخ يسقط في طريق الخدمة فلا ينحرف يميناً لكي يهدم الأسواق والمباني والمحلات التجارية، ولا يسقط يساراً فيقع في الخط الدائري فتحصل الحوادث المرورية، وصاروخ آخر يقع في شارعٍ في أحد الأحياء لا ينحرف يميناً فيصيب مبنى ولا ينحرف يساراً فيصيب بناية، وصاروخ آخر يسقط على بناية بطريقة قوسية أو وترية، حتى تكون الأنقاض محتوية داخل البناء، ولو ضرب من جهة لمال على الأخرى، ولو ضرب من أخرى لمال على التي تليها، حتى تكون الإصابة أقل ما تكون، ويوم أن سقط صاروخ أسكود آخر مات فيه ثمانية وعشرون قتيلاً وحوالي تسعين جريحاً، نحن لا نقول هذا شماتة، ولا نقول هذا فرحاً، وإنما نقول: اعتبروا، فإن هذا الدين وهذا التوحيد وهذا الدعاء، هو الذي جعل هذه الصواريخ تحملها الملائكة يمنة ويسرة حتى تقع بها في موقعٍ بعيدٍ عنا: {قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء:42] {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام:61] {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار:10] هذه آياتٌ قرآنية وجدناها آيات واقعية فعلية وعملية، وانظروا كم سقط على أبناء القردة اليهود من الصواريخ، انظروا كم سقط عليهم من الصواريخ، وماذا أحدثت ودمرت في أرضهم وبلادهم، ما الفرق؟ هل الصاروخ الذي أطلق على اليهود صاروخٌ يختلف عن الذي أطلق على المسلمين؟ بل والله كانت أشد الصواريخ فتكاً تلك التي أطلقت علينا؛ لأنها أبعد مسافة وحملت بوقودٍ أكثر، ومع ذلك فإن الله دفع البلاء بمنه وفضله ولله الحمد والمنة.

ضرورة الاستعداد للحرب

ضرورة الاستعداد للحرب ثم أيضاً من هذه الدروس: أن الاستعداد للحروب أصبح أمراً طبيعياً، أصبح كل واحدٍ يحدث نفسه أن يكون جندياً، أن يخرج إلى الجبهة، أن يتطوع، أن يتسلح، أن يقتني السلاح، أن يتعامل مع السلاح، وقد انتهى ذلك الزمن الذي كان الناس لا يعرفون فيه حمل السلاح، وأيضاً شهادة جليلة لشباب هذه الأمة في صدق تجاوبهم لحفظ الأمن والحرص على أمن المسلمين، حيث ترون في مختلف الساعات واللحظات ليلاً ونهاراً هؤلاء الشباب الذين يقفون على الشوارع، ومداخل الطرق، والله ما مررت بشابٍ إلا دعوت له، ونسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجعل لهؤلاء الشباب الذين تطوعوا في هذا الأمر، وكانت نيتهم صادقة مخلصة، أسأل الله أن يجعل لهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، اللهم لا تدع لهم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مرضاً إلا عافيتهم منه، ولا حاجة إلا قضيتها، ولا أيماً منهم إلا زوجته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، هذه هديتنا لإخواننا ولشبابنا ولأبنائنا المتطوعين، هديتنا لهم الدعاء في ساعة من ساعات الإجابة، يوم يقوم الخطيب على المنبر، نسأل الله ألا يحجب دعاءنا لهم، ونسأل الله أن يمن عليهم بالهداية والاستقامة والصلاح، وأن يحبب إليهم الدين، وأن يكره إليهم الذنوب والمعاصي، وأن يبارك لهم فيما أباح لهم بمنه وكرمه. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

دور الإعلام في توجيه الناس

دور الإعلام في توجيه الناس الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

الدور التضليلي للإعلام

الدور التضليلي للإعلام أيها الأحبة في الله: ومن دروس هذه الفتنة والمحنة: دور الإعلام الخطير في توجيه الأمة، فإن الإعلام البعثي انظروا كيف عبث بالمسلمين، ودبلج صوراً حول البيت الحرام يطوف بها العراة والكفار، وقال للناس: انظروا إن هذه البلاد قد جعلت الكفار في مكة ويطوفون بالبيت الحرام، فصدق ذلك الهمج والغوغاء، ومتى كانت وسائل الإعلام مصدراً من مصادر الفتوى، ومصدراً من مصادر توجيه المسلم في شريعته؟! لكن أن يخرج عالم ويُبين في هذه الوسيلة موثوق بعلمه، فهذا أمرٌ آخر، أو أن يقول للناس أموراً تتعلق بالدين، من كان يغني للبعث: آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما لهُ ثاني فذلك غباءٌ من شعوب المسلمين إلا من رحم الله منهم، كان للإعلام دورٌ خطير، ضللت كثيرٌ من الشعوب والجماهير بهذا الإعلام.

الحاجة إلى توجيه الإعلام لخدمة الإسلام

الحاجة إلى توجيه الإعلام لخدمة الإسلام ونحن بحاجة إلى أن نسخر إعلامنا في دعوة الناس إلى الله، نحن بحاجة إلى أن نسخر هذا الإعلام إذاعةً وتلفازاً وصحافةً لكل ما يرفع هذا الدين ويرفع لواء الإسلام، ويعز الأمة ويبين حقائق مواقفها من أعدائها، نحن بحاجة إلى إعلامٍ واضح جلي نقي يعرف أهدافه، ويعرف أسسه، ويعرف مبادئه، ويعرف منطلقاته وتوجهاته، إن الإعلام الذي يبحث عن رضا الجماهير ذلك إعلامٌ ينقاد للجماهير، وأما الإعلام الذي يصنع الأمة ويصنع الجماهير ويربي الجماهير هذا هو الإعلام الذي ينبثق من الأمة الواحدة {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:52]. إن الإعلام في دول الغرب ودول الكفر إعلامٌ ينطلق من الديمقراطية، فما تريده الجماهير يكون حكماً ونظاماً وقانوناً، وما تريده الجماهير إعلاماً يكون إعلاماً، لكن الدول المسلمة قد علق الله الأمانة في رقاب ولاة أمورها، قد علق الله الأمانة والعهد والميثاق الغليظ على عواتقهم من أجل أن يصنعوا الأمة، وأن يحكموا فيها كتاب الله، وأن يقوموا فيها بالعدل، وأن يصنعوا جماهيرهم، وأن يربوهم، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] شأننا في بلادنا في إعلامنا يختلف عما يكون عليه الأمر في بلاد الكافرين أو دول الديمقراطية، أو كما يسمونها.

من دروس الفتنة كشف العداوات والصداقات

من دروس الفتنة كشف العداوات والصداقات كذلك أيها الأحبة: كشفت الصداقات والعداوات من الدول المجاورة، وكنا نظن أننا نضع أجنحة الأمان في روابط أقمناها أو أقيمت مع أناسٍ، ومن خدعنا بالله انخدعنا به، ولكن: جزى الله الشدائد كل خيرٍ عرفت بها عدوي من صديقي وظهرت هذه العداوات في أحلك الظروف وأشد الساعات خطراً على أمتنا، وهذا درسٌ لكي تعتبر به الأمة، وتعرف أن العلاقة التي تكون سبباً من أسباب التمكين والتأييد والاجتماع والقوة هي العلاقة التي تبنى على الحب في الله والبغض في الله، العلاقة التي تقوم على روابط العقيدة والدين، أما أن يجمعنا بدولة من الدول روابط العروبة والرقعة الجغرافية والدم أو اللون، فهذه روابط انتهت واتضحت عداواتها، وقد أفلست الشعارات التي قيدت بها أمة الإسلام، قاد الأمة عبد الناصر فيما مضى فأورثها نكبة عظيمة لا زالت تعاني من ويلاتها وهي حرب (67م)، ثم رفع شعار البعث والعلمانية، وماذا كان وراءه؟ مصيبة لا يعلمها إلا الله، بسبب تجمع هذه الأمة ولا أقول: كل الأمة، لكن تلك التي طبلت ودندنت وراء هذا الطاغية الفاجر الذي أورث قومه بواراً {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28] لقد مزقت تلك المذاهب شملنا، مذاهب البعث ومذاهب العلمانية، والنظريات المستوردة والقومية، وكل نظرية لم تكن مستنبطة من كتاب الله وسنة نبيه فإن حظ الأمة فيها الهلاك، وحظ الأمة فيها الفشل، وحظ الأمة فيها الذلة والهوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! ونسأل الله جل وعلا أن يصلح أحوال المسلمين. هكذا مزقت الأحزاب أبناء العروبة الأحزاب، الأنظمة الحزبية، الأنظمة السياسية الحزبية التي تحكم أمة الإسلام بغير كتاب الله، وبغير شرع الله هكذا مزقت الأحزاب أبناء العروبة وادعتهم في مجالاتٍ من الذل رهيبة لقد انقادوا لهذا الباطل الخداع واستحلوا نعيبة وكتاب الله دنيا في الورى جد رطيبة كتاب بين أيديهم يدَّعونه أولئك، فلماذا لا يعودون إلى الله؟ وإن كتاب الله أوثق شافعٍ وأغنى واهب متفضل، لكنهم يهجرون القراح إلى النتن، ويهجرون الطهارة إلى النجاسة، ويهجرون العزة إلى الذلة، ويهجرون الكرامة إلى الهوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

معرفة الشارع العربي والإسلامي

معرفة الشارع العربي والإسلامي كذلك أيها الأحبة: من دروس هذه الفتنة: أننا عرفنا ما يسمى بالشارع الإسلامي أو الشارع العربي، وهذه مسألة ينبغي ألا نقيم لها كثيراً، هذا الشارع الذي يمثل كثرة في هذا الزمان، يقول الله جل وعلا: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] كثرة الشارع الإسلامي والشارع العربي هي تلك الشوارع الغوغائية التي كانت تطبل وتظهر وتخرج بهذه المظاهرات، كيف كان موقفها لما أعلن انسحابه، ثم أعلن ضعفه، ثم أعلن تنازله، ثم أعلن استسلامه؟ لكي يقول: انطلت اللعبة على هذه العقول لمدة خمسة وأربعين يوماً، أو سبعة وأربعين يوماً، الشارع الإسلامي ماذا وجدنا؟ إلى متى وأمة الإسلام تقاد بهذه القيادات المطبلة المطنطنة؟ في يومٍ من الأيام طبلت دولٌ غير هذه البلاد لطاغية قام في واحدة من الدول الأفريقية، وقالوا: عادت الخلافة من جديد، وواحدٌ من طواغيت الأمة جاءه العلماء بعد الاستقلال وحرب الفرنسيين، وقالوا: سمعنا أن لك اتصالاً بالفرنسيين، فقال: لا، أنا سأترك هذا الأمر كله، حررت البلاد وأنا أعود إلى مكتبي (مكتب المحاماة الصغير)، ولما طرقوا عليه الباب قال خادمه: إنه الآن يتوضأ ليصلي ركعتي الضحى، ولما جلسوا معه، قالوا: سمعنا أنك ستتركنا يا سيدنا الحبيب، قال: أنا لا أريد الرئاسة والزعامة، وكان يرتب ترتيباً استعمارياً عدوانياً، فلما تولى السلطة شنق العلماء وذبحهم وقتلهم، وهكذا تنخدع شعوب المسلمين بطاغية وراء طاغية. كم عدد الذين طبلوا لـ جمال عبد الناصر؟ طبلت الملايين، من الصباح: ناصر كلنا بنحبك ناصر، ونعيش ونقلك: ناصر، يا حبيب الكل يا ناصر، وأصبحت الأمة تصيح في ناصر ناصر، وماذا قدم لها ناصر؟ كانت القاهرة تغسل بالصابون من ثراءٍ ونعمٍ فيها، والآن أصبحت فقيرة مسكينة، لما أمم أملاكها وعسف المزارعين على أسلوب الاشتراكية في اقتصادها، ماذا حقق لها ناصر؟ أيتها الجماهير اتبعي ناصر وانظري ماذا سيقول لك جمال عبد الناصر؟ {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:22]، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:54] ومن وجد عقولاً غبية وأفئدة سخيفة مثلها فليست الملامة عليه، الملامة على هذه العقول السخيفة التي تتبع كل ناعق.

بعض أخطاء الحركات الإسلامية

بعض أخطاء الحركات الإسلامية والله لو قلنا لتلك الدول التي وقفت سواء كانت حركات إسلامية، ولست بهذا أعادي الحركات الإسلامية، بل أنا أسأل الله أن يسددها وأن يصوبها، تلك الدول التي فيها ما يسمى بالحركات الإسلامية، لو قلنا لهم: إن بلادكم ستغلق الدكاكين وقت الصلاة، وستحكم كما يحكم عندنا بالشريعة، وسوف تترك القوانين الوضعية، وسوف يقتل القاتل، ويقطع السارق، ويفصل التعليم في الجامعة والثانوي بين البنات والبنين، وسوف يجعل لكم جهاز في الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسوف يجعل الدعاة يتكلمون، وسوف تفتح مراكز الدعوة في كل مكان؛ لقالوا: نعم، هذه الخلافة التي كنا ننتظرها، هذه الخلافة، لو أن هذه الأوضاع طبقت في هذه الدول لقالوا: عادت الخلافة وظهر المهدي في آخر الزمان، وأما بالنسبة لنا فلا تعتبر دولة إسلامية، لماذا العداء للسعودية؟ لماذا العداء لنا؟ هل العداء لملابسنا؟ لماذا هذا العداء؟ أهم قومٌ مثلونا خارج بلادنا؟ أم شبابٌ رأوا في سلوكهم جنوحاً وانحرافاً فظنوا أن كل السعوديين هكذا؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! تلك الشعوب التي طبلت والحركات التي دندنت خلف هذا الظلم وهذا الطغيان ساذجة غبية، ولا عجب في ذلك؛ فتلك الحركات التي تنتسب إلى الإسلام، وفيها حركاتٌ إسلامية، وفيها جماعاتٌ عظيمة من الشباب الصادق المخلص المجاهد التقي النقي ولكن فيه غباء، ومن أين أتى الغباء؟ من القيادات، من أين هذه القيادات؟ هندسة زراعية يقود حركة إسلامية! هندسة نفطية يقود حركة إسلامية! إن الحركات الإسلامية إذا أريد لها أن تسير في مسيرٍ صحيح فليقدها العلماء الشرعيون الذي حفظوا المتون، وفقهوا السنن، وأحاطوا بالأحاديث، وعرفوا أصول الفقه والقواعد الفقهية، والناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام والخاص، وجميع أحكام الدين، لا تعجبوا أن تروا هذا الانحراف في مسار بعض الحركات الإسلامية، لماذا؟ حينما يكون الذي يقود الحركة دكتوراه في الفلسفة، بروفيسور في الهندسة، دبلوم في الزراعة هذا يصلح مزارعاً أو يقود مزارعين، أما أن يقود حركة إسلامية بأكملها فلا. يشارك في حركة، نعم يشاور في أمرٍ، نعم ويستفاد من عقله، لكن أن تكون الحركة كلها تنقاد -ولا أقول: كل الحركات بل بعضها- تنقاد بهذا الفكر الزراعي أو الهندسي أو الفلسفي فلا، إن هذا أمرٌ من أمور الدين، ولا يقوم أمور الدين إلا على العلم الشرعي والفقه الحقيقي، أسأل الله جل وعلا أن يدفع البلاء عنا أجمعين.

مكانة المملكة في نفوس المسلمين

مكانة المملكة في نفوس المسلمين ومن دروس هذه المحنة: حساسية مكانة المملكة في نفوس العالم الإسلامي انزعجت كثيرٌ من الشعوب لما جاءت القوات الأجنبية، وهذا الانزعاج مختلف المذاهب متعدد الأهداف، ولكن بعضاً منهم انزعج لأن للمملكة في نفسه منزلة وخاصية معينة. يقبلون -مثلاً- أن تحصل المنكرات، أن يقع الانحراف، أو تحصل المصائب في أي دولة أخرى؛ لكن في المملكة العقول لا تقبل هذا، وهذه نعمة عظيمة أن لهذه البلاد قداسة في نفوس المسلمين ولله الحمد والمنة، ولا نقول هذا نفاقاً، معاذ الله! ولكن التوحيد فضله عظيم التوحيد -يا عباد الله! - ألا تجد قبراً يعبد! ألا تجد ضريحاً يذبح له! ألا تجد مزاراً يتقرب به! ألا تجد ولياً يقبل الناس ظهر يده علناً ويقولون: مدد، أو ادفع لنا الكربات واجلب لنا الحاجات! التوحيد شأنه عظيم، ولأجل هذا التوحيد أودع الله هذه المكانة للمملكة في نفوس المسلمين في مختلف دول العالم بفضل الله جل وعلا، فالناس قد يقبلون الانحراف في كثيرٍ من الدول ويستسيغونه ويتصورونه أما في المملكة فلا، ولأجل ذلك فإن بعض الذين انزعجوا من وجود القوات الأجنبية كان انزعاجهم انزعاج الشفقة والخوف والمحبة لحساسية مكانة المملكة في نفوسهم أجمعين، ثم إن الأحداث صنعت الرجال، وأخرجت المتوكلين من غيرهم.

من الدروس: التوبة والرجوع إلى الله تعالى

من الدروس: التوبة والرجوع إلى الله تعالى ومن فوائد هذه الأزمة: أن كثيراً من الناس عادوا إلى الله جل وعلا، من أبناء الجزيرة وأبناء الكويت، إنني لا أعتبر للكويت نصراً تاماً حتى تحكم شريعة الله، حتى تحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الانتصار على البشر نوعٌ من النصر، ولكن الانتصار على الجاهلية والانتصار على الشيطان والانتصار لتحكيم كتاب الله وسنة نبيه، هذا أمرٌ أصعب وأخطر، فنسأل الله جل وعلا كما رد بلادهم إليهم، ونسأل الله جل وعلا كما نصرهم على أعدائهم البعثيين أن ينصرهم على الشياطين، التي تؤزهم إلى الكفر أزاً وتدفعهم إلى الجاهلية دفعاً {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] ذلك الشيطان الذي يصور في النفس خطر تحكيم الشريعة، نسأل الله أن ينصرهم بتحكيمها أيضاً.

واجب كشف المصائب في وقتها

واجب كشف المصائب في وقتها كذلك أيها الأحبة: لقد آن لنا أن نفضح كل جريمة في وقتها، لقد لامنا الناس في المجالس وقالوا: أنتم الخطباء لماذا سكتم عن حلبجة؟ لأجل من سكتم؟ فما كان منا إلا أن وقفنا بين موقفين أحلاهما مر، أن نقول: لا نعلم، فكيف يكون لخطيبٍ يأخذ من وقتكم ساعة لا يعلم شيئاً عن مذابح المسلمين؟ أو أن نقول: علمنا وسكتنا، فما هو جوابنا أمام الله ولو بدعوة في ساعة إجابة أن ندعو الله أن يرفع البلاء عن المسلمين ولا حول ولا قوة إلا بالله؟ فمن واجب الأمة ومن دروسها في هذه المحنة: أن تكشف المصائب في وقتها، وأن تبينها على الأقل أن يتعاطف الناس ولو بالدعاء بظهر الغيب مع إخوانهم وجميع المسلمين.

حول القوات الأجنبية

حول القوات الأجنبية أيها الأحبة: واستطعنا أخيراً أن نصل إلى هذه الساعات التي اطمأنت فيها القلوب بعد محنة دامت أياماً، نسأل الله ألا يفرح على المسلمين عدواً، وألا يشمت بالمسلمين حاسداً، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، الحمد لله أولاً وآخراً لقد كان استدعاء القوات خيراً اختلفت فيه الأمة، فكان خيراً لدفع أعظم الضررين وأكبر المفسدتين، وقد كانت الحرب خيراً وارتاعت منها الأمة، وكانت الحرب البرية خيراً وارتاعت الأمة {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19] {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216]. وربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سببٌ ما بعده سبب وأثني وأعقب على كلمتي هذه لما قلت في القوات: إنها خير نعم، حقق الله منها خيراً، ونسأل الله أن يدفع عنا منها الشر، لأنه ما من نفسٍ بشرية إلا وفيها شر، حتى أنتم فيكم شر، والرسول يقول: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) والسنة جاءت بأن الإنسان يضع يده على ناصية الزوجة يوم أن يبني بها ويقول: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه) فدل على أن الزوجة فيها شر، والله يقول: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ} [التغابن:14] ففي المال والولد عداوة، فليس من العقل أن نقول: إن القوات الأجنبية كلها خير، بل فيها خيرٌ وفيها شرٌ، نسأل الله أن يتمم لنا خيرها، وأن يسخر لنا ما فيها من الخير، وأن يدفع عنا ما فيها وما في غيرها من الشر بمنه وكرمه. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم وحد صفنا، اللهم اجمع شملنا وكلمتنا وصفوفنا وأفئدتنا، اللهم اهد ولاة أمرنا، اهد ولاة أمرنا، اهد ولاة أمرنا، اهد ولاة أمرنا، وارزقهم البطانة الصالحة، ولا تفرح بنا ولا بهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ربنا سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، يا رب العالمين، يا أرحم الرحمين. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان.

الخطر الحقيقي

الخطر الحقيقي إن الخطر الحقيقي الذي يواجه الأمة هو تفرق المسلمين وقتل بعضهم بعضاً، وليس الخطر في تكالب الأعداء وحشدهم لقواتهم، أو خطر الزلازل والبراكين أو (الكوارث الطبيعية)؛ لأن الله وعد نبيه أن هذا لن يكون مع تمسكنا بالدين، ومن الأخطار التي وقعت فيها الأمة خطران: الربا، ومماطلة الضعفاء والمساكين، وهضم حقوقهم.

حفظ الله لعباده المؤمنين

حفظ الله لعباده المؤمنين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بهذا الدين، واعلموا أنه لا عز ولا نصر ولا تمكين إلا به. عباد الله: إن الله جل وعلا يقدر المقادير بقضاءٍ وقدر، ويجعل القدر بعدلٍ وحكمة ورحمة، والعباد أمام مقادير الله جل وعلا، بين متعظٍ متدبر ومتأملٍ متفكر، وبين لاهٍ غافلٍ ساه. فيا عباد الله! إن المحنة التي مرت بالمسلمين لجديرة في أن يستلهم الناس من أحداثها ومقدماتها وواقعها ونتائجها أكثر أنواع العبر في مختلف الميادين والمجالات. عباد الله: لقد كان أعداء الإسلام ممثلين في البعثيين والعلمانيين، الذين طبلوا لهذا القائد البعثي في زمن سلطته وشهرته، والذين تابع بعضهم تطبيلاً وتزميراً له كانوا معه ومع حزبه يراهنون على مجتمعكم، أن هذا المجتمع سوف يتفكك وسينقسم ويتناثر ويصبح كل حزبٍ فيه بما لديهم فرحون، ولكن بحمد الله ومنه وفضله لم ينالوا ولم يجدوا ولم يروا مما أملوا شيئاً، على الرغم من أنهم أجلبوا وأرعدوا وزمجروا عبر إذاعاتهم وعبر أصواتهم وعبر المأجورين المسخرين للإشاعة وعبر كثيرٍ من العقول المأجورة، والأقلام المسعورة، والحناجر المستوردة، رغم هذا كله لم ينالوا ولم يستطيعوا أن يجدوا في هذا المجتمع بمن الله وفضله نافذة يتسللون من خلالها أو باباً يدخلون خلسة منه، واعلموا -يا عباد الله- أنه لا بحولكم ولا بطولكم ولا بجنسيتكم ولا بأموالكم ولا بنعمكم وأموالكم نلتم هذا، ولكن هذا كله من فضل الله، بل الله يمن عليكم وهو المتفضل عليكم أولاً وآخراً، ظاهراً وباطناً، فالحمد لله على هذه النعمة، إن أي مجتمعٍ يواجه غزواً خارجياً بالحرب، وداخلياً بالإشاعة أو عبر الأصوات المتسللة، وعبر موجات الأثير، يوشك أن تجد الإشاعة والمقالة فيه وسطاً مناسباً. أما في هذا المجتمع بمن الله وفضله لم تجد تلك الإشاعات ولم تجد تلك الأصوات النتنة التي دأبت على إثارة النعرات، واستغلت أموراً كثيرة، لعلها أن تجد باباً يكون بداية الانقسام أو الحزبية، ومع هذا باءت بالفشل، وإني لأعزو هذا بمن الله وفضله أن الله جل وعلا قد ثبت هذه البلاد بالجبال الشامخات الراسيات من العلماء الذين يدينون لله جل وعلا في فتواهم وفي قولهم وفي مواقفهم ويدركون الحكمة والسبيل حسب المصالح الشرعية. أيها الأحبة: لقد كان خطراً عظيماً على أمة الإسلام، ولكن ما هو أعظم خطرٍ يواجه الأمة؟ والله إن الأمة لو حشد عليها أضعاف أضعاف ما حشد، فإن هذا ليس بخطرٍ بالنسبة إلى الأمر الذي يهلكها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين، سألت ربي ألا يسلط على أمتي عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله جل وعلا ألا يسلط علينا عدواً كافراً يهودياً أو نصرانياً، سأل الله ألا يتسلط علينا عدوٌ بحربٍ عسكرية، أو اجتياحٍ غاشم، فأجاب الله جل وعلا هذه الدعوة، والأخرى يقول عليه الصلاة والسلام: (وسألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامة) أي: إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله ألا يتسلط على هذه الأمة جدبٌ، أو قحطٌ، أو زلازل، أو براكين، فتهلك الأمة عبر هذه الكوارث الخطيرة، فأجابه الله جل وعلا، وسأل النبي ربه الثالثة وهي التي لم تجب؛ لأنها علقت بنا، ولأنها ارتبطت بنا، وهي متمثلة في سلوكنا وعلاقاتنا والتزامنا وعضنا بالنواجذ على شرع ديننا، سأل النبي ربه الثالثة (ألا يجعل بأسهم بينهم) فلم تكن هذه كالتي قبلها. أيها الأحبة: إن أخطر خطرٍ وأعدى عداوة تلك التي تنشأ في صفوفنا، تلك التي تنبعث من بيننا، أما أن يأتي زلزال أو بركان أو كارثة تأخذ الأمة أجمع، فهذه لن تكون، واطمئنوا وقد تكفل الله بإجابتها لنبيكم، أو أن عدواً يتسلط عليكم فيجتاحكم هذه لن تكون بمن الله وإذنه، يوم أن تكون الأمة على هذا المستوى الذي ينبغي أن تصل إليه بالإعداد وأخذ الأسباب، أما أن ينشأ خللٌ وانشقاقٌ وانقسامٌ وهلكةٌ بسبب هذه النفوس، فهذا وارد وممكن.

بماذا ننافس أعداءنا؟

بماذا ننافس أعداءنا؟ إذاً أيها الأحبة: هذا يجعلنا نجمع صفوفنا، ونوحد شملنا، ونثبت رابطي الجأش على أمرٍ يرضي الله جل وعلا. إننا لن ننافس أعداءنا بالتعداد، إذا كان الكفار في مختلف دول الغرب ودول الشرق مئات الملايين، والواقع يشهد إمبراطوريةً بدأت تذوب وتضمحل؛ فإن هذا تمهيدٌ لإمبراطورية أوربية جديدة، الأوربيون ينافسون الأمريكان، ويريدون أن يقفوا موقف الند للند على الأقل ألا تستأثر القوة الأولى في العالم -في حد زعمهم ومقاييسهم- ألا تستأثر بمصالح الشعوب وخيراتها، فلابد من منافس يشارك في القسمة، ومن أجل هذا بدأت أوربا تنزع الخلاف، وتزيل أسباب الانقسام، كانت كتلة شرقية وغربية، فبدأت كلها تتوجه وتتحد تحت كتلة غربية واحدة، وصدق الله العظيم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73] ظهرت الولاية بين الألمان الغربيين والألمان الشرقيين، أزاحوا الستار والجدار بينهم، هدموا سور برلين، ووحدوا عملتهم، وشكلوا دولةً واحدة، ولا يزال الأوربيون الآن يسعون لمزيدٍ من الوحدة، ولذلك فإن في مخططهم واستراتيجياتهم، أن تكون أوربا عام 2000م هي أوربا الموحدة، أو دولة أوربا الواحدة، وعاصمتها بروكسل في بلجيكا، يريدون أن تكون قوة أوربية من بداية أول شبرٍ في قارة أوروبا إلى آخرها تكون دولة واحدة، وإن اختلفت شيئاً يسيراً في قوانينها الداخلية أما في الدفاع والخارجية والمواقف الخطيرة فستكون دولة واحدة تعدادها يقارب 320 مليون نسمة دولة واحدة، يكون عدد سكانها 320مليون نسمة أو أقل من هذا قليلاً لينافسوا الأمريكان في عددهم 240مليون نسمة تقريباً، وماذا وراء هذا؟ أخرجوا لنا من أمة الإسلام مائة مليون على قلبٍ واحد، على هدف واحد، المسلمون عددهم في هذا الزمان مليار مسلم، أين هم إذا دعت الجراح؟ إسلام بالهوية، وبالإقامة، وبالحفيظة، وإسلامٌ بالتابعية، وبالجواز، أو بأي وثيقة رسمية، أما أن تريد هذا العدد بحقيقته، فلن تجد إلا ما شاء الله: يا ألف مليار وأين همُ إذا دعت الجراح؟ هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح من كل ألفٍ واحداً نغزو بهم في كل ساح الكفر جمع شمله فلم النزاع والانتطاح؟ من خان حي على الصلاة خان حي على الكفاح شعبٌ بغير عقيدة ورق تذريه الرياح إن كنا نظن أننا بالتعداد سوف ننافس الغرب، فإن تعداد الغثاء من المسلمين الذي نشهدهم في هذا الزمان لا يقدم ولا يؤخر، بل هو زبد {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} [الرعد:17] ولا يبقى إلا أقل القليل منه، وإن كنا نظن أننا ننافس الغرب بالأسلحة، أو بالتقنية أو بالتكنولوجيا، أو بالاختراع أو بالتطوير، فلنكن صادقين مع أنفسنا، نحن أممٌ متخلفة مستهلكة أمام الغرب المنتج المخترع المفكر المصدر، وهذا يعود لأسباب كثيرة لعل دورة الحضارة عبر عنصر الزمن واحدٌ من أسبابها أو من أهم أسبابها، ولكن أيها الأحبة! بماذا ننافس أعداءنا؟ بالتعداد؟ هم أكثر منا، ولن نجتمع على أهدافنا ومبادئنا كما اجتمع الكفار على أهدافهم ومبادئهم، وهذه من الجراح والمصائب والآلام، ولكن حينما يكون الطبيب صادقاً، فليصدق في تشخيص المرض، وليكن صادقاً في بيان موضع العلة وأعراضها ومظاهرها، ولن نكون أقدر منهم في مجال تطوراتهم واختراعاتهم، على الرغم من أن من شبابنا وأبنائنا من استطاع أن يقود الطائرة ويعرف أن يصلح بعض أجهزتها في الاتصالات والرادار والمعدات والميكانيكا، وأشياء معقدة، ولا يزال أبوه يرعى الغنم، هو ابن البادية، وابن الحقل والقرية والمزرعة، وابن المدينة الصغيرة المتواضعة، ومع ذلك تجده ولداً ذكياً مستوعباً لآخر ما وصلت إليه الحضارة، لكن هل وصل إلى درجة الإنتاج؟ هل وصل إلى درجة الاختراع؟ هل وصل إلى درجة التطوير؟ أقول: البعض قد وصل إلى هذا وهم قلة، وفي هذا يعجب أحد البريطانيين لما رأى عدداً من أبنائكم في هذه المعركة الماضية يبدي تفوقاً في سرعة الاستيعاب، والدقة في التصويب، والتخطيط والبرمجة، قال: عجباً لهؤلاء! لا يزالون أبناء بادية ومع ذلك ينافسوننا ونحن من صنعنا هذه الطائرة في إعداد الحسابات اللازمة لبرمجة عملها وتحديد أهدافها، فقلنا وقلت لهم: أخبروهم أن هذا عقلٌ لا يزال بكراً لم تستهلكه الخمرة، وهذه قوى لا تزال شابة لم يستهلكها الزنا والإباحية والانحطاط، فليس غريباً أن يستوعب هذا، ولكن أيها الأحبة! لا نزال نعيش واقعاً نحتاج فيه أن ننافس، فإن كنا نريد أن ننافس بالتعداد، فهم أكثر منا، وإن أردنا أن ننافس بالتقنية والاختراع، فهم أكثر تقدماً منا، إلا أمراً واحداً أن ننافس بهذا الدين، ونقول هذه ليست مقولة المضطر إليه الذي لم يجد ما ينافس به إلا الدين، فلو وجد حضارة لنافس بها وترك الدين، أو لو وجد تجمعاً نافس به وترك الدين، لا، بل نقوله ونرفعه وننافس به ابتداءً وانتهاءً أولاً وآخراً ظاهراً وباطنا، الله جل وعلا قد تكفل لكم {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38] آمنوا حقيقة الإيمان، ولا تنزعجوا من عدد عدوكم، ولا تنزعجوا من أسلحته، فالله يدافع عنكم، {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار:10] {قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء:42] لا حافظ إلا الله. وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان أيها الأحبة: إذا كنا نعرف ألا نجاة للمسلمين إلا بهذا الدين، فلننظر واقع المسلمين، أهم على مستوى من الإيمان، وإثباته بالبرهان، حتى يصلوا درجة يعصمهم الله من غيرهم، ويدافع عنهم ويسخر لهم، ويغير السنن والقوانين لهم، هذه هي الحقيقة التي ينبغي على كلِّ قرد أن يجيبُ نفسه، هل يرى نفسه على مستوى الإيمان الذي به يحفظ الله الأمة؟ اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، ولا تؤاخذنا بما فعلنا، ولا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

لا ننافس أعداءنا بغير ديننا

لا ننافس أعداءنا بغير ديننا الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: قلنا فيما سبق: إننا لن ننافس أعداءنا بعددنا ولا باختراعنا، وإنما ننافسهم بديننا، ونقارعهم بديننا، ونرعبهم بديننا، ونقتلهم بديننا، وبغير ذلك لن نستطيع أن ننافس شيئاً، من ظن أننا سننافس بغير هذا الدين، فهو يعلق الأمة بالمذلة، ومن ظن أننا سننافس ونبقى أعزاء كرماء أقوياء بغير الدين فإنه يعلق نفسه وأمته بالمذلة. أيها الأحبة: لما ذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وكان يلبس ثياباً مرقعة فيها ثماني عشرة رقعة، وهو الخليفة- على حمارٍ أهزل، التفت إليه أحد الصحابة، ولعله أبو عبيدة قال: [يا أمير المؤمنين! لو لبست حلة غير هذه وركبت برذوناً بدلاً من هذا الحمار] لأنك تقدر الآن لتتسلم مفاتيح بيت المقدس أمة اليهود التي سبقت أمة الإسلام في وجودها وحضارتها وما عندها، [لو أنك يا أمير المؤمنين! لبست حلة بدلاً من مرقعتك هذه وركبت برذوناً بدل هذا الحمار، فالتفت إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: يا أبا عبيدة! لو قالها غيرك لأوجعته ضرباً، نحن أمةٌ أعزنا الله بالإسلام، فمهما أردنا العزة بغيره أذلنا الله] تكون كل درجة في غير هذا الدين موصلة إلى العزة سلماً إلى الذلة باتجاه معاكس، وكل خطوة غير مرتبطة بالدين في سبيل العزة خطوة إلى الوراء بالمذلة والهوان، هذه حقيقة لم يثبتها واقع النصوص فقط أو الآيات والأحاديث، بل أثبتها الواقع، فأخبرونا ماذا قدمت القيادات لأمة الإسلام بعد سقوط الخلافة وانقسام الدول في محاولاتٍ لإعادة بعث الأمة من جديد، كل محاولة نشأت وجعلت غير الإسلام وسيلة وغير التوحيد هدفاً وعقيدة؛ فهي لا تزيد الأمة إلا خبالاً وضعفاً.

من أسباب الهلاك والزوال

من أسباب الهلاك والزوال أيها الأحبة: إن أمة الإسلام على خطرٍ عظيم من أمور عديدة، وأذكر من أخطرها أمرين خطيرين جداً، هي من أسباب الهلاك والزوال، ومن أسباب النقمة والعقوبة، وزوال النعم، وزوال الخيرات والأمن والطمأنينة.

الربا

الربا أولها: الربا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278 - 279] إن لم تأبهوا بهذا الخطاب، وتتداركوا أوضاعكم، إن لم تصلح الأمة الإسلامية أحوالها؛ ((فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا)) إيذان وإعلان وإخبار {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} والحرب من الله ورسوله لا تسأل عن كيفيتها، ولا تسأل عن صفاتها، ولا تسأل عن وضعها وحدودها وزمنها ومواقعها، قد تكون الحرب في شرايينك، وقد تبدأ الحرب في دماغك أو في أطرافك، أو في بيتك أو في بلادك، أو في أمنك، وطمأنينتك، في كل شيء، إن أمة الإسلام مأمورة أن تنتبه لهذا الخطر، فكثيرٌ من المسلمين كأنه كبر وسادته ولين فراشه، فقد انتهت فتنة العراق وأزمة حزب البعث، وليس على كاهل الأمة من ذنب تخشاه، أو مصيبة تخافها، لا، إن الربا من أخطر ما يواجه أمة الإسلام، وإنا كنا نسأل الله جل وعلا أن ينصرنا وأن يسخر لنا من هو أقوى منا ونحن ننظر بعينٍ هكذا إلى الربا ونقول: نسأل الله أن يعفو عنا، ونسأل الله أن يجعل ما استقبل من أيامنا بداية لتحقيق شرعه وأمره ونهيه في التجنب والخلاص من هذه المصيبة العظيمة.

المماطلة في أداء الحقوق

المماطلة في أداء الحقوق المصيبة الثانية هي: أننا لا نصدق حينما نوفي الناس بحقوقهم، قد يقول البعض: كنا نظنك ستتكلم عن أفلام الفيديو، أو كنا نظنك ستتكلم عن محلات الأغاني، أو كنا نظنك ستتكلم عن التبرج والسفور، هذه من المصائب، لكن من أعظم المصائب ألا ينال الضعيف حقه إلا بعد إلحاحٍ شديد، وهذه من أخطر المصائب، عاملٌ عندك مستخدمٌ لديك، فقيرٌ بين يديك تماطله في حقه لأنك قوي، هذه مصيبة عظيمة، ولو كان الذي يواجهك قوياً لأعطيته الحق مرغماً أنفا، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن من أسباب الهلاك (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) فاطمة أم الحسن والحسين، سيدة نساء أهل الجنة لو سرقت لقطع النبي صلى عليه وسلم يدها، والنبي حينما عبر بالسرقة لم يقصد ذات السرقة فحسب، بل أراد السرقة وأراد كل المعاملات التي لا ينتصف للمظلوم فيها، ولذلك فإن الظلم مرتعه وخيم، ودعوة المظلوم مستجابة. فما من يدٍ إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنمِ أحبتنا في الله: خذوها نصيحة لأنفسكم وناصحوا بها في جميع مجالات حياتكم من لزمه الحق فليؤده، من لزمه الحق فلا يماطل، ومن وجب الحق بذمته بصكٍ شرعي أو بتحاكمٍ إلى من يرضى حكمه فيهما هو في حكم الله جل وعلا، فليؤد الحق راغماً مذعناً ذليلاً لحكم الله جل وعلا، وبغير هذا فلا نجاة. إن الأمم لا تعيش إلا بالعدل، وإذا لم تؤد الحقوق، فهذا ظلم والظلم مرتعه وخيم، وعاقبته أليمة {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] هل يكفي أن نذهب إلى المحكمة ونتحاكم؟ لا. {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء:65] لا تنزعج ولا تحرج ولا تتغير يوم أن تمثل وأنت فلان بن فلان أمام القاضي مع المسكين الفقير المهين، لا تجد في نفسك حرجاً، وماذا بعد ذلك؟ أن تسمع فقط بعد الوصول إلى المحكمة؟ {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ َ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] تسليماً، تسليماً، تسليماً، كررت بالمفعول المطلق الدال على منتهى الأداء والمتابعة والقيام والاستمرار في أداء الحق، وبغير هذا فلن يكونوا مؤمنين، وإن لم يكونوا مؤمنين، فلن يدافع الله عنهم، وإذا لم يدافع الله عنهم، فسوف يتسلط عليهم أعداؤهم، وإذا تسلط الأعداء برقبة مؤمنٍ أو مسلمٍ، فلا تسأل عن هلكته ولا حول ولا قوة إلا بالله. هاتان مصيبتان، والمصائب جمة، لكن ولست بهذا أحدد أرضاً بعينها أو بلاداً بعينها، بل أخاطب أمة الإسلام في شرقها وغربها، الربا والعدل في أداء الحقوق، يقول ابن تيمية: إن الله لينصر الحكومة الكافرة العادلة، ولا ينصر الأمة المسلمة الظالمة، هذه من أعظم المخاطر. فيا عباد الله: نصيحة لمن تورط في الربا أن يقلع، وانصحوا من تعرفون، ومن تورط في حقوق الناس، فليتق الله، ولا يقل أعرف واحداً، أو لي واسطة، أو أتردد يمنةً ويسرة، أو لا يستطيع أحدٌ أن يلزمني بتنفيذ هذا الصك، أو الحكم، نستطيع أن نلزمك بهذا الشرطي الذي بين أضلاعك، بهذا الجندي الذي في قلبك، نلزمك بالإيمان الذي أنت تخضع وتدين لله به، فإن كنت مؤمناً فأذعن، إن كنت مسلماً فسلم، وإلا فالدعاوى إن لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياءُ دعاوى الإيمان، ودعاوى الانقياد، والإنسان إذا قيد وأمر بتطبيق حكم الله، قال: لا. اشكني، فإذا شكوته، لم يصدر الحكم، فإذا صدر الحكم، اعترض، فإذا قطع بالحكم، نقض، فإذا صدق الحكم يمنة ويسرة وعبثاً والمسكين يبكي؛ لقمته، حقوقه، ماله، بضاعته، فلا يجد إلا باباً يطرقه وسط الليل بعد أن يهجع الناس ويطيب نوم الخاسرين، يدعو ربه: اللهم إني مظلومٌ فانتصر، اللهم إني مظلومٌ فانتصر، اللهم إني مظلومٌ فانتصر، اللهم غلبني بحوله، اللهم غلبني بقوله، اللهم غلبني بطوله، اللهم غلبني بقوته، أما أنا فلا حول لي ولا قوة ولا طول إلا أنت، يا حي يا قيوم، وحينئذٍ تنفتح أبوب السماء بالمدد طامة على قلب الظالم، ومصيبة على ماله وثروته وكل ما يملك ولا حول ولا قوة إلا بالله. أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وأن يجعلنا للحق مسلمين مذعنين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم لا تحجب دعاء المسلمين فيه، اللهم انصرنا، اللهم ثبتنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم أصلح جليسهم، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم قرب لهم من علمت فيه خيراً لهم، وأبعد عنهم من علمت فيه شراً لهم. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في جميع الأرض يا رب العالمين، اللهم انتقم للمسلمين من التاميل في سرلنكا، أقول هذا الدعاء وأقوله في الجمعة الماضية، لأنه وصلني مجموعة من الصور التي ذبح المسلمون فيها في سرلنكا، مذابح صفٌ كامل كله موتى، أكفانٌ مغطاة، وأناسٌ دماؤهم ترشق الجدران يرفسون متشحطين بالدماء، لا تزال المعركة على الإسلام قائمة، لا يزال المسلمون مستضعفين ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلذلك ندعو لهم، اللهم فانتقم لهم من الهندوس، اللهم انتقم من جميع أعدائهم يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك هذا الشهر الكريم على توبة صادقة، اللهم بلغنا هذا الشهر الكريم على مغفرة منك لذنوبنا، وعفوٍ منك لسيئاتنا، وأعنا على صيامه وقيامه، واجعل لنا فيه أوفر الحظ والنصيب، اللهم اجعلنا ممن يصوم شهره، ويفوز بليلة قدره، ويستكمل أجره بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم بارك لنا فيما آتيتنا ولا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتا فجازه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفواً وغفرانا، اللهم وسع لهم في لحودهم، ونور قبورهم، وافتح لهم أبواباً إلى الجنان، واجمع شملنا بهم في عليين يا أرحم الرحمين. اللهم اهدِ شبابنا، اللهم اهدِ شبابنا، اللهم بغض إلى نفوسهم الطرب واللهو، والمعازف وأدوات الشيطنة واللهو، وحبب إليهم الإيمان والدعوة والحكمة والمواعظ الحسنة، اللهم اجعلهم هداة مهتدين، اللهم اهدِ بناتنا، وأصلح نساءنا، واهد زوجاتنا، وجنبهم الاختلاط والتبرج والسفور، اللهم جنبهم الاختلاط في الوظائف، وجنبهم الاختلاط في التعليم، ومن أراد بهم سوءاً فافضحه بين الخلائق، اللهم ما علمت في علمانيٍ سوءاً يدبر ويخطط للمسلمين سوءاً، اللهم افضحه على أشد خزية، وافضحه على أشد عار، وافضحه على أشد مصيبة، حتى يفطن المسلمون لشره يا من لا تخفاه خافية. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فيروس الوقت

فيروس الوقت تحدث الشيخ -حفظه الله- عن بلية ابتلى بها كثير من المسلمين اليوم، ألا وهي السهر القاتل إلى أوقات متأخرة من الليل، وذكر أن من مفاسد هذا السهر تضييع العبد للأوقات الفاضلة بل وزيادة على ذلك؛ تركه لصلاة الفجر جماعة، وإهماله لأهل بيته وتضييعه من يعول، ولكن في مقابل أولئك وجد من يتقلبون على فرشهم شوقاً إلى الوقوف بين يدي ربهم جلَّ وعلا.

مفاسد السهر الطويل

مفاسد السهر الطويل إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: لقد ابتلينا في هذا الزمان ببلية أفسدت علينا أوقاتنا، وضيعت علينا ساعاتنا، وأشغلتنا بأدنى الأمور دون أعلاها، وكثيرٌ منا خادع نفسه وظن أنه يحسن فيما يفعل صنعاً، لقد ابتلي الكثير منا ببليةٍ جعلته يهجر أولاده وزوجه، ويضيع بيته، وينام عن فريضة ربه، لقد ابتلي كثيرٌ من المسلمين بهذه البلية إلى درجةٍ أفسدت عليه صلاته ودنياه، جعلته كسولاً متأخراً، متواكلاً، لا تراه إلا في مؤخرة الركب أو ذنب القافلة، وإنها لبليةٌ لم تفرض نفسها علينا ولم ترم بجرانها على صدورنا، وإنما باختيارنا فعلناها وبإرادتنا زاولناها، وباختيارنا أن نقلع عنها وأن نهجرها ونتركها، ويبقى من احتاج إليها بحدود إرادته، وبقدر ضرورته حينما تكون المصلحة راجحة والمفسدة غائبة، أتدرون ما هذه البلية؟ يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [يونس:67] ويقول عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [الروم:23] ويقول عز وجل أيضاً: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} [غافر:61] ويقول عز وجل أيضاً: {أَلَمْ يَرَوْا أنا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النمل:86] ويقول عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً} [الفرقان:47].

تضييع المرء لمن يعول

تضييع المرء لمن يعول أيها الأحبة: لعلكم من خلال هذه الآيات البينات الواضحات عرفتم ما هي البلية التي ابتلي بها كثير من الناس باختياره؛ ألا وهي السهر بالليل، ومكابدة المجالس، ومتابعة المواعيد واللقاءات إلى وقتٍ متأخر لا يأوي الواحد فيه إلى بيته إلا بعد أن يمضي الليل نصفه أو أكثر من نصفه، ثم يعود الواحد إلى بيته وقد طال على أبنائه السهاد، يرجون أباهم أو وليهم أن يقدم عليهم لحظةً أو لحظاتٍ يجلس فيها يسأل عن دروسهم، يتفقد حاجاتهم، يوجههم أو يؤدبهم، يعلمهم أو يربيهم، يمازحهم أو يلاعبهم، يضاحكهم أو يداعبهم، ينتظرون أباهم ليروا ابتساماته مشرقةً في وجه زوجته وأطفاله، ولكن حتى إذا استيئسوا من مجيئه وغلبهم السهاد وأسلمهم الرقاد؛ ناموا يائسين من عودة أبيهم إلا في وقتٍ متأخرٍ من الليل. فإذا جاء ذلك الرجل أباً كان أو شاباً أو عازباً أو متزوجاً، إذا عاد وقد أسلم القوم أعينهم لنومٍ سبات، جاء وحده يتسلل لواذاً، يلتفت يمنةً ويسرة، ثم رمى بجنبه على فراشه، قد أنهكه الإعياء والتعب والسهر، وأنى له أن يتوضأ قبل نومه بعد سهرٍ طويل، الغالب فيه القيل والقال، وأنى له أن يصلي ركعاتٍ بخشوعٍ وهجوعٍ بعد سهرٍ طويل الغالب فيه الكلام في الأعراض، أو في علان وفلان، وأنى له أن يسجد ويقنت وأن يوتر ويدعو بعد سهرٍ طويل الغالب فيه -إلا من رحم الله- النظر إلى الأفلام والشاشات والمسلسلات عبر مختلف القنوات، فيرمي بنفسه ضجعة الغافلين، فينادى للصلاة: حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خيرٌ من النوم، فلا تجد إلى أذنه سبيلاً، وأنى لها أن تجد السبيل إلى أذن الساهر اللاهي الغافل وقد ملأ فؤاده وقلبه البارحة بألوان الصور ومختلف الكلمات الساقطة، والعبارات الرديئة، أو الكلام فيما لا يعنيه، أو الاشتغال فيما لا ينفع دينه ودنياه، وأنى لها كلمات النداء أن تجد إلى أذنه وقلبه سبيلاً وقد عقد الشيطان على قافيته عقداً ثلاثاً، وقال له: عليك ليلٌ طويلٌ فنم، وربما جاءت أمه العجوز، أو أمه الفتية، أو والده يوقظانه للصلاة، فيخور كما يخور الثور عند المذبح، يتقلب يمنةً ويسرة، فلا يبرحان يفارقانه، أو لا يلبثان يفارقانه حتى يعود في غطيطه ونومه وسباته، في نومةٍ طويلةٍ سبقتها معصيةٌ أو لهوٌ أو غفلة، ومرت بقعودٍ عن ساعات فضيلة، واكتنفتها معصية وهي ترك صلاة الفجر، تركها إثم عظيم، ولكم أن تحسبوا نسبة الحاضرين الصلوات إلى الذين يشهدونها صلاة الفجر، أين المصلين في صلاة الفجر؟ هل زاغت عنهم الأبصار؟ هل تخطفتهم سهام المنون؟ هل نزلت بهم المقادير فأعاقتهم عن القيام والخروج إلى العبادة؟ أهم من ذوي الأعذار؟ A لا، ولكنه السهر، ولكنه الحديث الطويل والقيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال، وما أكثر الذين يسهرون! لو دعوا إلى حلقة من حلق الذكر لأبوها، ولو دعوا إلى شفاعةٍ أو نجدةٍ لمسلمٍ لتثاقلوا وقعدوا عنها، ولو دعوا إلى أمرٍ رشيدٍ لسوفوا وعللوا، ولكن السهر للكلام والقيل والقال والسماع والمشاهدة والرؤية وتتبع القنوات والمسلسلات والأفلام تهون فيه الساعات، أما إذا دخل في السهر لعب الورق ذلك الفيروس الذي يسري في دماء بعض الناس سرياناً يجعله يكابد السهر ويغالب النوم ويصارع السنة، وربما غسل وجهه مرتين أو ثلاثاً من أجل أن ينشط على جودة لعبه حذراً من أن يفوقه اللاعبون أو يغلبوه.

فوات أفضل أوقات العبادة عليهم

فوات أفضل أوقات العبادة عليهم أما العبادة أين الذين: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] لأنهم يعملون بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها، نعم قد يزور الواحد شيئاً من الساعة تزيد أو تنقص قليلاً إجابة لدعوة، زيارةً لمريض، إعانةً لذي حاجة، قياماً بواجب، عملاً بأمر فيه مصلحة، لا بأس، أما أن يمر بعد العشاء ثلاث ساعات وأربع ساعات وخمس ساعات والواحد يجول الطرقات والأسواق والممرات والمجالس وغيرها حتى يأوي إلى بيت قعيدته الحسيرة الكسيرة، فإذا أقبل إليها وهي تنتظر وجهاً مشرقاً، أو جبيناً طلقاً، أو ابتسامة ولو متواضعة، أعرض ونأى بجانبه، وجعل وجهه إلى جدارٍ حتى يقول لها: لا تسألي أين كنت البارحة. إن هذا بلاء وداء عضال ومرضٌ خبيث، إن كثيراً من الذين فشلوا في دراساتهم ليس بغباء في عقولهم، ولا بقصورٍ في إدراكهم، ولا بعجزٍ عن أن يبلغوا ما بلغه المعلمون من أترابهم وأمثالههم، ولكنه السهر أشغلهم بالليل فتثاقلوا عن طلب العلم في الصباح، فتعلموا على وسادة الغفلة، وعلى فرش اللهو، ثم إذا أصبح أحدهم تعلل بالمرض والتعب والألم وما إلى ذلك، فإذا جاء آخر العام تأوه وعض أصابع الندم: ومن زرع البذور وما سقاها تأوه نادماً وقت الحصاد وإن آخرين فصلوا من أعمالهم، وما كان ذاك بسبب قصورٍ أو ضعفٍ في العلم والإدراك، ولكنه السهر يجاملون بعضهم، تعال يا فلان! اجلس معنا، لا يضرك، ساعة، تعود بعد قليل، فيئوب إلى بيته متأخراً، وعن صلاة الفجر يقعد على فراشه، وفي صبيحة يومه يسلم جنبه لنومٍ عميق يترك فيه عمله، فيتكرر هذا التأخر وهذا الكسل، ويكذب في اليوم الأول بعذرٍ مفتعلٍ مفترى، ويكذب في الثاني، ويفتري في الثالث حتى تنتهي الكذبات وتنتهي الأعذار، ثم لا يلبث أن يسلم نفسه لاستسلام لقرارٍ خطير وهو فصله والسبب هو: السهر! لذا أيها الأحبة! وهذا الأمر قد يشترك فيه كثيرٌ من الناس حتى من الصالحين أو ممن يذكرون بصلاح، فإن البعض هداهم الله يسهرون سهراً ربما أفضى وأدى إلى ترك صلاة الفجر مع الجماعة، إن بعضهم لا يتركها قاصداً ولا مختاراً، ومعاذ الله أن يكون ذلك منه، ولكنه يجني طائعاً ومريداً مختاراً في هذا السهر، وإنك لا تجني من الشوك العنب، أتريد أن تسهر الليل كله في قيل وقال، وسمرٍ وحديثٍ لا ينتهي، ثم تسلم جنبك بعد تعبٍ من نهارٍ وليلٍ طويل إلى فراشٍ تريد بعده أن تستيقظ نشيطاً لصلاة الفجر؟! هيهات ما أبعد ما تكابد!!

فوات دنياهم عليهم

فوات دنياهم عليهم أيها الأحبة! إن الله عز وجل مَنَّ علينا بليل ونهار: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [القصص:71 - 72]. إن هذا الليل والنهار قد فصل الله فيه الأحوال والأحكام، وجعل الليل سكناً والنهار معاشاً، جعل الليل راحة وطمأنينة وجعل النهار مرتعاً خصباً للأعمال، وبذل الأسباب في طلب الرزق، وإن من اعتاد سهر الليل بدون عبادة أو دون حاجة، فقد خالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، إنه لا يزال -وقد يعد هذا ضربٌ من أضرب الخيال- ولله الحمد والمنة في مجتمعنا هذا أناساً إذا أوى العابثون واللاهثون والغافلون إلى فرشهم، فحينها يعرف أقوامٌ بأنهم انتصبوا في تهجد {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:16] يتقلبون على الفرش إذا مضى نصف الليل كما تتقلب الحبة على المقلاة، كأنما الواحد على جمر أو حديدة محمية، ولا يطيب له نوم أو تغمض له عين أو يهدأ له بال، حتى ينهض ويجافي مضجعه ويتوضأ ثم يقبل بوجهه إلى ربه راكعاً ساجداً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، ولله الحمد والمنة إن أناساً لا يزالون في هذا المجتمع وهم بإذن الله بركة لهذه الأمة، وبرحمة الله خير لهذه الأمة، ولولا شيوخٌ وعجائز ركع، وبهائم رتع، وأطفال رضع؛ لأصاب القوم من البلاء ما الله به عليم، ولكن بعد رحمة الله مما يدفع البلاء عن الأمم كثرة الصالحين، والعناية بهذا الأمر. أيها الأحبة! إن هذا النوم جعل الله فيه من الوظائف العظيمة الشيء الكثير، ولكن الذين يصرون على السهر ويخالفون سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وينامون عن صلاة الفجر مع الجماعة فيصلونها بعد طلوع الشمس: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5] إنهم لا يتركونها ولكنهم يؤخرونها عن وقتها توعدهم الله بويل وهو عذابٌ شديد. إن السهر أيها الأحبة يحرم العبد فضائل الصلاة مع الجماعة، وتعلمون أن من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله، وقيام الليل يطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار كما في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ثم أيها الأحبة! إن في هذا السهر من تعويد النفس على الاهتمام بالسفاسف، والاشتغال بما لا ينفع، وتضييع الخير الكثير الذي جعل بركة للأمة في بكورها ما الله به عليم، هل وجدتم الساهرين يغدون مع الطيور في الصباح الباكر طلباً للبركات والخيرات والأرزاق؟ (بورك لأمتي في بكورها) وفي بداية كل أمر خير، لكن الساهرين يحرمون من هذا.

لا بأس بالمباح في حدود

لا بأس بالمباح في حدود فيا أيها الأحبة! لو سألنا أنفسنا ما الذي نجنيه من هذا السهر؟ سيجيب البعض قائلاً: إنها مناسبات ولقاءات ومواعيد نضطر لإجابتها، أقول أيها الحبيب: ليس من ضرورة هذه المناسبات إن كان لا بد منها أن نسهر فيها إلى آخر الليل، ساعة أو ساعة ونصف بعد صلاة العشاء، ثم عد إلى بيتك كما يعود الجنود إلى ثكناتهم، ثم عد إلى دارك وسابق الساعة بدقائقها حتى تدرك من أطفالك لحظاتٍ قبل أن يناموا ويبيتوا، إن كثيراً من الآباء هداهم الله ربما لا يرى أولاده في الليل والنهار إلا لحظة من العصر، أو عند الغداء، وما ذاك إلا لأنه نائم وقت خروجهم للمدارس، ويعود وقت الظهيرة أو عند العصر من عمله، وبعضهم ربما كان نائماً، ثم يخرج بعد العصر إلى مجالسه وصداقاته فيسهر ويعود إلى بيته وقد وجدهم نائمين، فبالله متى يربيهم؟ متى يوجههم؟ متى يعلمهم ويرشدهم؟ ناهيك عن كثيرٍ من الآباء الذين سيان عندهم إن صلى الولد في المسجد أو صلى في البيت، أو صلى الصلاة أو لم يصلها ألبتة، وبعضهم يقول: لا زال صغيراً لا زال ضعيفاً لا زال مسكيناً. وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

ما يحرم منه ساهر ليله

ما يحرم منه ساهر ليله الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: إن الذين يسهرون هذا الليل ويضيعون فضائل القيام وشهود الفجر مع الجماعة، ويضيعون الصباح الباكر وما فيه من الخيرات والأرزاق والبركات، ليحرمون في الليل ويحرمون في النهار حرماناً كثيراً لا يساوي جزءاً صغيراً مما يحققونه بوهمهم في سهر الليل أوليس الله عز وجل يتنزل في ثلث الليل الآخر، فيقول لعباده وهو أعلم: (يا عبادي هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟) الكثيرون يحرمون هذا، ونعوذ بالله أن نكون من أولئك. أيها الأحبة: إن هذا السهر بلية ومصيبة، لو عرض للواحد فائدة في صباح يومه لحرمها بسبب سهره، لو عرض له رزق من الأرزاق لحرمه بسبب سهره، ولو ذهبنا نعد ونحصي آفات السهر لوجدنا أنها كثيرة لا يحصيها مقام، ولكن هناك سهرٌ أو نوع مكابدة لليل في باب العبادة نقوله لعلنا أن نبلغ مقام الذين بلغوه أو درجاتهم، ألا وهو القيام، ألا وهو التهجد، ألا وهو سؤال الله عز وجل، والإلحاح والخضوع والتضرع والإنابة لوجهه سبحانه وتعالى، يقول ربنا: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] لما قرأها حبر الأمة عبد الله بن عباس قال: [ذاك عثمان بن عفان]. فهل لنا أيها الأحبة أن تتجافى جنوبنا عن المضاجع ولو لحظات يسيرة، ولو بمجاهدة وتدريبٍ يسير، دقائق، ثم بضع الساعة، ثم جزء الساعة، ثم ما كتب الله لعلنا أن ننال شرف القائمين: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] يكابدون القيام والتهجد، وبعض السلف إذا انتصف الليل قام يلطخ فخذه، ويضرب ركبه، ويقول: إن الدواب إذا كلت بأصحابها عن بلوغ الغاية ضربوها حتى تبلغ بهم الغايات، والله لأضربنك حتى أبلغ الغاية والأمان، يخاطب ركبه ويخاطب أقدامه، كما يخاطب صاحب الدابة دابته! {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:16 - 17] لما أخفوا العبادة فلا تسل عما أخفى الله لهم من النعيم، لما جعلوا حظهم من العبادة السرية العبادة في وسط الليل، لما جعلوا حظهم منها طاعة وإنابة لله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]. ثم أيها الأحبة: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} [الجاثية:21] أتريد سهراً وغفلة ولهواً وقيلاً وقالاً، وانشغالاً ونوماً عن صلاة الفجر، وتكاسلاً وضياعاً للعمل من يوم غد، ثم تريد كرامة ومنزلة وأجراً وثوابا؟! هل تستوي هذه مع من يأوي إلى بيته فيقوم بحق أولاده وزوجه ويعطي بدنه نصيبه، ويصلي ما كتب الله له قبل ما ينام أو بعد أن ينام، وينهض لصلاة الفجر حاضراً نشيطاً خاشعاً متدبراً متأملاً مستفيداً من صبيحة يومه، منتجاً فعالاً نشيطاً في عمله طيلة يومه، هل يستوي هذا وذاك؟! {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} [الجاثية:21]؟ A لا: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18] لا يستوون، وإن الكثير سيقولون: ما أجمل أن نترك السهر وأن نهجر المواعيد الكثيرة التي لا حاجة لنا بها بعد العشاء! إلا أننا نواجه بالإحراج. فأقول: إن كان الموعد لا بد منه فاستعن بالله وأجب، ولكن بحدوده وضوابطه وبقدر الفائدة المرجوة منه، ثم أيها الأحبة: لماذا نحرج الناس إذا دعوناهم؟ ولماذا نحرج أنفسنا إذا دعينا؟ فتضيع ساعة أو أكثر من ساعة قبل بداية الاجتماع، وساعة تضيع أو أكثر بعد نهاية الاجتماع أو اللقاء؟ وليس من شرط كل اجتماع أن تمد فيه الموائد، ولو سئل المدعوون شيئاً من المال يشبعون وغيرهم جياع، يتقلبون على الجمر ويتلذذون باصطلاء النار وغيرهم يموتون في البرد والزمهرير؟ لو سئلوا شيئاً من المال -لعلهم ألا ينسوا إخوانهم في المجالس- لقال قائلهم: أدعوتنا لتكرمنا أم لتستجدينا وتسألنا؟ أقول أيها الأحبة: إن كان لا بد من اللقاء فليكن بحدوده، ولنتعود احترام الأوقات. والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يضيع إن من الناس من يدعوك ليهينك ولا يكرمك! كيف؟ يدعوك بعد العشاء، فإذا انصرفت من المصلى إلى مكان الدعوة، نعست عيناك مراتٍ ومرات، وتمايلت رقبتك انتظاراً لضيفٍ أو ضيوف يدعون، تنتظر ساعة ونصف الساعة فإذا جاء الضيف أو من دعي القوم على شرفه بدءوا يقبلون ويدبرون ويخرجون، ثم خذ ساعة وساعتين بعد ذلك، هذه إهانة وليست كرامة، إن كنت تدعو أحداً لتكرمه فاحترم وقته، الدعوة في الساعة الفلانية، والعشاء في الساعة الفلانية، ومتى ما طاب لك الانصراف فانصرف، أما ما نفعله الآن فنحن والله نهين بعضنا، ونؤذي بعضنا، ويضايق بعضنا بعضاً، ما الذي يمنعنا أن نكرم أنفسنا وأن نحفظ أوقاتنا، وأن نعتني بها، فنجمع بين هذه وتلك، لا شيء يمنعنا سوى المجاملات، أما الذين لا يزالون يتلذذون بالسهر فسيأتي يومٌ يندمون على ما ضيعوه من الساعات. إن الدقيقة لا يمكن أن تردها البشرية ولو اجتمع فيها الجن والإنس وكان بعضهم لبعضٍ ظهيراً. إذاً أيها الأحبة: وداعاً لسهر الليل، وطلاقاً لسهرٍ لا فائدة منه، وهجراً لهذه المجالس التي ليس فيها إلا آخر الأخبار والقيل والقال وما لا فائدة منه أبداً، والعودة المبكرة إلى المنازل، العودة إلى الأطفال والذرية، العودة إلى الأولاد والزوجات، العودة إلى قراءة شيءٍ من القرآن قبل النوم، وقراءة كتابٍ قبل النوم، العودة إلى الطمأنينة في البيوت، إن من الناس من لا يحلو له بعد العشاء إلا أن يجوب الطرقات والدنيا، والأكل في المطاعم، والذهاب والغدوات والروحات، وما لا فائدة منه ألبتة. والله لو طبقنا هذا، لوجدنا أثره في بيوتنا وأولادنا وزوجاتنا وتربية أبنائنا وأعمالنا وصحة أبداننا، وطاعة ربنا قبل ذلك، والقيام بأعمالنا في صبيحتها. اللهم بارك لنا في أوقاتنا، وانفعنا اللهم بما علمتنا، وارزقنا اللهم العمل بما علمنا، اللهم ثبتنا على دينك إلى أن نلقاك، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم ولِّ علينا خيارنا واكفنا شرارنا، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مرضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته بمنك وكرمك يا رب العالمين. اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم إنهم عراةٌ فاكسهم، اللهم إنهم جياعٌ فأطعمهم، اللهم إنهم ظمأى فاسقهم، اللهم إنهم حفاةٌ فاحملهم، اللهم إنهم مستضعفون فانصرهم، اللهم أنزل عليهم نصرك، وأنزل بأعدائهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم انصر المسلمين في أرومو وكشمير وطاجكستان، والفليبين وإريتريا، وفلسطين وفي سائر البقاع يا رب العالمين، اللهم عليك بالصرب، اللهم عليك باليهود، اللهم أحصهم عدداً، واجعلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحدا، وأرنا فيهم عجائب قدرتك يا رب العالمين، اللهم مكن لـ أهل السنة في كل مكان، اللهم مكن لأهل الحق في كل مكان، اللهم مكن لأهل الهدى في كل مكان، واقمع اللهم راية الكفر والزيغ والفساد والطغيان بقدرتك يا جبار السموات والأرض. اللهم صلّ على محمدٍ وآله وصحبه.

يوم يقوم الناس لرب العالمين

يوم يقوم الناس لرب العالمين إن الله سبحانه وتعالى قد ذكر يوم القيامة في كتابه الكريم، وما فيه من أهوال عظام، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حال الناس يوم القيامة، وما هم فيه غم وكرب، ذاكراً لهم شفاعته لهم لفصل القضاء بين العباد، وأخبر عما يكون من مشاهد ومواقف مع رب العالمين، كالحساب، والعرض، والجدال، وشهود الأعضاء، ونشر الصحف، وانتشار الفضائح وغير ذلك.

أهوال من يوم البعث والنشور

أهوال من يوم البعث والنشور الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجا ًوقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق كل شيءٍ فقدره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، لم يعلم طريق خير إلا ودلنا عليه، وما علم سبيل شرٍ إلا وحذرنا منه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70]. معاشر المؤمنين: إن لنا موعداً مع الأولين والآخرين، إن لنا موعداً مع السابقين واللاحقين، إن لنا موعداً مع الذين مضوا والذين يقدمون، سنجتمع نحن وإياهم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، سنجتمع في يومٍ أمام رب العالمين، يوم ينزل الجبار للفصل والقضاء بين العباد: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] وفي ذلك اليوم: {تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] وفي ذلك اليوم تطوى السماء كطي الكتب، ويقول الجبار عز وجل: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104].

اضطراب الموازين

اضطراب الموازين ذلك اليوم يا عباد الله: {كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الإنسان:7] وكان {يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} [الإنسان:10] في ذلك اليوم: {فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] في ذلك اليوم ترى الولدان شيباً و {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. ذلك يوم الحاقة، ذلك يوم الواقعة، الخافضة، الغاشية، الرافعة. ذلك اليوم: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] السماء تنشق وتنفطر، والنجوم تنتثر وتنكدر، والجبال تسير، والشمس تكور: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:88]. {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً * وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً} [طه:102 - 108]. في ذلك اليوم يوم ترى الأرض بارزة، ويحشر الله الأولين والآخرين فلا يغادر منهم أحداً: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ} يعني: جئتمونا حفاةً عراةً غرلاً: {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:48 - 49]. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] الأرض تمد، وتلقي ما في جوفها وتتخلى عنه، وترج والأرض ترج، والنوق العشار تعطل، والقبور تبعثر، والنفوس تزوج، والصحف تنشر، ذلك يوم الفصل: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً} [الطور:9 - 10] ذلك اليوم: {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37] ذلك اليوم: وقال كل خليلٍ كنت آمله لا ألهينك إني عنك مشغول

تشخص أبصار المجرمين ويقضى بينهم بالحق

تشخص أبصار المجرمين ويقضى بينهم بالحق {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلاَّ لا وَزَرَ} [القيامة:7 - 11]. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] يوم تشخص فيه أبصار المجرمين والظلمة والطواغيت الذين آذوا عباد الله فتراهم: {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ} [إبراهيم:43 - 44]. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} [الجاثية:28] {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الزمر:69] وأشرقت الأرض بنور ربها، وقضي بين الخلائق بالحق، ولا يظلم أحدٌ فتيلاً.

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء

شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] ودعاء النبيين: يا رب! سّلَّم سَلِّم، وقد حل كربٌ، وبدا خطبٌ، وظهر أمرٌ عظيم، يجول الخلائق ويموج يومئذٍ بعضهم في بعض، فيفزعون إلى الأنبياء، يفزعون إلى أولي العزم من الرسل يسألونهم الشفاعة لهم ليخفف الله عنهم هذا الموقف والكرب والخطب في ذلك اليوم العظيم، فيتدافع الرسل هذه الشفاعة وكلٌ يقول: (إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قط قبله مثله) يتدافع أولوا العزم الشفاعة إلى أن تبلغ سيد الأولين، وإمام الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: (أنا لها، أنا لها) ذلكم المقام المحمود والوسيلة والدرجة العالية الرفيعة، فيخر صلى الله عليه وسلم ساجداً عند عرش ربه، ويفتح الله عليه بمحامد لم يكن يعلمها أو يعرفها من قبل، حتى يقول الجبار جل وعلا: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه، فيشفع ويقول: (يا رب! أمتي أمتي). {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] في ذلك اليوم لا ينفع الأغنياء غناهم، ولا الأثرياء ثراهم، ولا الملوك ملكهم، ولا الوزراء وزارتهم، ولا الأمراء إمارتهم، ولا كل صغيرٍ وكبير ينفعه ما كان عليه إلا من قام فيه بأمر الله، واستجاب فيه لشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] لا تنفع شفاعة أحدٍ لأحد: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} [طه:109]. (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] نحن وإياكم واحدٌ من اثنين إما: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:38 - 39] أو: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس:40 - 41].

استلام الصحف باليمين أو الشمال

استلام الصحف باليمين أو الشمال {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ} [إبراهيم:48 - 50]. في ذلك اليوم حال كل واحدٍ منا يصفه الله عز وجل فيقول: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13 - 14] {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:41 - 72]. يوم القيامة: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:17 - 29].

اصطفاف الملائكة وندم المفرطين

اصطفاف الملائكة وندم المفرطين {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] يقوم الروح والملائكة صفاً صمتاً سكوتاً: {لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً} [النبأ:38]. وفي ذلك اليوم: {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [النساء:42] ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزمر:47 - 48]. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود:105]. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] يبعث الله من كل أمة شهيداً: {ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ * وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [النحل:84 - 85]. {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} تجادل عن نفسها فقط، لا تجادل عن أمٍ ولا أبٍ، ولا خليلٍ ولا صديقٍ، ولا قريبٍ ولا شفيعٍ: {يَومَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [النحل:111].

يعض الظالم على يديه ويتذكر ما قدم

يعض الظالم على يديه ويتذكر ما قدم {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة:48]. وفي ذلك اليوم: {يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:27 - 28]. في ذلك اليوم: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً} إنا جنودٌ لكم، إنا أتباعٌ لكم، إنا قافية من بعدكم: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:21] ولكن يتبرأ الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبَعوا، وفي ذلك اليوم: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. يوم تحدث الأرض فيه أخبارها، ويصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم، ويكشف عن ساق فيدعى الجميع إلى السجود فلا يستطيع الكافرون والمنافقون سجوداً، بل تعود ظهورهم طبقاً واحداً كظهور البقر. ذلك اليوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى، يتذكر الإنسان ما سعى ولا ينسى شيئاً ولا ينكر قليلاً ولا كثيراً. {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] تأتي كل نفسٍ ومعها سائق وشهيد. في ذلك اليوم يكشف عن النفوس الغطاء، ويصبح البصر حديداً، ويقال لجهنم: {هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30]. في ذلك اليوم يحشر المجرمون زرقاً يتخافتون بينهم، وقد نسوا عمراً طويلاً، وليالي ساهرة، وأياماً ماجنة، وملذاتٍ تقلبوا فيها، فيقول بعضهم لبعضٍ: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً} [طه:103] تصبح هذه الدنيا بما مر فيها من مالٍ ونعيمٍ وملذاتٍ وشهوات كأن لم يلبثوا فيها إلا ساعةً من نهار أو يوماً، ويقول أمثلهم طريقة: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً} [طه:103].

فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم

فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم في ذلك اليوم: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] وفي ذلك اليوم: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41] {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:39] في ذلك اليوم: {تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران:30]. ويوم يوضع الكتاب وترى المجرمين مشفقين مما فيه، وقد فزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا عاقبة إلا لمن ثقلت موازينه، فتنقطع الأنساب، وتنتهي القرابات، وتنتهي العصبيات والعروبة والقبليات: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:101 - 104]. وفي ذلك اليوم ترى ثلة من الأبرار، وجماعة من الأخيار: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد:12]. مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إذا كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور وإذا البحار تفجرت من خوفها ورأيتها مثل الجحيم تفور وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير وإذا العشار تعطلت وتخربت خلت الديار فما بها معمور وإذا الوحوش لدى القيامة أحشرت وتقول للأملاك أين نسير وإذا تقاة المسلمين تزوجت من حور عينٍ زانهن شعور وإذا الوئيدة سئلت عن شأنها وبأي ذنبٍ قتلها ميسور وإذا الجليل طوى السماء يمينه طي السجل كتابه المنشور وإذا الصحائف نشرت فتطايرت وتهتكت للفاجرين ستور وإذا السماء تكشطت عن أهلها ورأيت أفلاك السماء تمور وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتىً على طول البلاء صبور وإذا الجنين بأمه متعلقٌ يخشى القصاص وقلبه مذعور هذا بلا ذنبٍ يخاف جنايةً كيف المصر على الذنوب دهور؟!! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

مشاهد من يوم القيامة

مشاهد من يوم القيامة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضَّوا بالنواجذ على العروة الوثقى: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]. اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها؛ وكل محدثةٍ بدعة؛ وكل بدعةٍ ضلالة؛ وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يدُ الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: أليس من واجبنا أليس من الأولى بنا أليس من المفترض علينا -ما دمنا نوقن بالوقوف في ذلك اليوم الذي يحشر فيه الخلائق والأولون والآخرون وسنكون من بينهم- أن نعرف أحداث ومعالم ذلك المشهد؟ أليس من واجبنا أن نتصور ذلك العرض، وأن نتخيل أين يكون موقعنا مع أي فريقٍ، ومع أي ثلةٍ، وفي أي جماعة؟ ألا فاعلموا يا عباد الله أن شر من يحشر يوم القيامة هو من يحشر على وجهه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله! كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادرٌ على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟) قال قتادة: [بلى وعزة ربنا] متفق عليه.

حشر الناس حفاة عراة غرلا

حشر الناس حفاة عراة غُرلا واعلموا أيها الأحبة أننا وإياكم سنقف ونحشر حفاةً عراةً، حتى ما قطع من الإنسان في ختانه سيعود عليه مرة أخرى، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس حفاةً عراةً غرلاً، فقلت: الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟! - عائشة رضي الله عنها تتخيل الخجل العظيم في ذلك الموقف، أن تحشر النساء عراة والرجال ينظرون إليهن، وأن يحشر الرجال عراة والنساء ينظرن إليهم- فقال صلى الله عليه وسلم: الأمر أشدٌّ من أن يهمهم ذلك) الأمر أعظم من أن يفكر رجلٌ في عورة امرأة، أو أن تفكر امرأة في عورة رجل، والحديث رواه البخاري ومسلم، والأغرل هو: الأقلف.

محاسبة الله عز وجل للعباد على النعم

محاسبة الله عز وجل للعباد على النعم قال صلى الله عليه وسلم: (إنه لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن شبابه فيما أبلاه) رواه الترمذي. فيا عباد الله: سَنُسأل عن هذه الأموال، وعن هذا العمر، وعن هذه العافية، وعن هذا الشباب، فالواجب أن نجتهد في الحسنات الماحية للسيئات، إذ أن كثيراً من الناس قد اختلطت عليه أمور دنياه؛ فلا يعرف حلاله من حرامه، وقد اختلطت عليه أعماله فلا يدري أي عملٍ أكثر قدم، هل الصالحات أكثر أم السيئات؟! ولكن يا عباد الله! كما يقول الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] فأكثروا من الحسنات، ومن أحدث سيئة فليتبعها حسنة، فإن ذلك سببٌ لأن تمحى بإذن الله عز وجل. ألا وإن العباد في ذلك اليوم يسألون عما تمتعوا به حتى شربة الماء البارد، وفي الحديث أن الله يسأل عباده يوم القيامة عن النعيم الذي خولهم إياه حيث قال عز وجل: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] والنعيم: شبع البطون، وبارد الماء، وظل المسكن، واعتدال الخلقة، ولذة النوم، قال سعيد بن جبير: حتى عن شربة العسل، وقال مجاهد: عن كل لذةٍ من لذات الدنيا سيسأل الله العبد عن شكرها. أيها الأحبة: إن من الناس من يتقلب في النعم، ولكن تراه من الجاحدين الذين لا يدعون إلا بالويل والثبور، وقليلٌ من عباد الله الشكور. سأل رجلٌ عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: [ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكنٌ تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادماً، قال: فأنت من الملوك] أخرجه مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك، ونروك من الماء البارد؟!) رواه الترمذي. ستسأل عن عينين أبصرت بهما فلم تكن كفيفاً أعمى، وتسأل عن أذنين سمعت بهما فلم تكن أصماً، وتسأل عن لسانٍ نطقت به فلم تكن أبكماً، وتسأل عن يدين ورجلين فلم تكن معوقاً أو مشلولاً، فهل أعددت لهذه النعم شكراً؟ وهل أعددت يا عبد الله! لهذا السؤال جواباً؟ وإن أول ما نحاسب عليه من العمل الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟ ثم يكون عمله على ذلك) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة.

تكليم الله عز وجل للعباد

تكليم الله عز وجل للعباد ألا وإن من مشاهد يوم القيامة: أن الله عز وجل القوي يكلم عبده الضعيف، العزيز يكلم عبده الذليل، الغني يكلم عبده الفقير، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر العبد أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة) رواه البخاري ومسلم.

بعث العباد على ما ماتوا عليه

بعث العباد على ما ماتوا عليه ألا وإن العباد يوم القيامة يبعثون على ما ماتوا عليه؛ فمن مات سكراناً بعث مختلطاً، ومن مات غافلاً بعث مع الغافلين. {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] فمن أحب قوماً حشر معهم، ومن أحب أهل الضلالة حشر معهم، ومن أحب أهل الربا حشر معهم، ومن أحب أهل الفساد والزنا حشر معهم، ومن أحب أهل المعاصي حشر معهم، ومن أحب العلماء والأتقياء حشر معهم، يبعث كل عبدٍ يوم القيامة على ما مات عليه، أي: على الحال التي مات عليها من إيمانٍ أو كفرٍ أو يقينٍ أو شكٍ أو عملٍ صالحٍ أو فاسد، فالذي يموت وهو محرم، يبعث يوم القيامة وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ومن قتل أو مات شهيداً يبعث يوم القيامة له جرحٌ يثعب دماً، علامة افتخار بين الخلائق، اللون لون دمٍ والريح ريح مسك.

دنو الشمس من الخلائق قدر ميل

دنو الشمس من الخلائق قدر ميل تدنو الشمس كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه المقداد بن الأسود: (أن الشمس تدنو يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، قال سليم بن عامر -وهو الذي يروي عن المقداد بن الأسود - فوالله ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة الأرض؟ أو الميل الذي تكحل به العين؟ قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يكون عرقه إلى ركبتيه، ومنهم من يكون عرقه إلى حقويه- أي: مشد الإزار عند الخصر- ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، وأشار صلى الله عليه وسلم بيده إلى فِيه) رواه مسلم.

أقسام الناس في الحساب

أقسام الناس في الحساب ألا وإن من الناس من يكون حسابه بين يدي الله: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] من يكون حسابه عسيراً، وهؤلاء هم الكفرة المجرمون الذين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، وتمردوا على شرع الله، وكذبوا رسل الله، وكذلك عصاة الموحدين قد يطول حسابهم ويعسر بسبب ظلمهم وعِظم ذنوبهم. ومن الناس من يدخلون الجنة بغير حساب، أسأل الله بأسمائه وصفاته وفضله الذي لا يضيق به ذنوب خلقه، أسأل الله أن يجعلنا منهم. ومن الناس من يحاسب حساباً يسيراً، وهؤلاء لا يناقشون الحساب ولا يدقق معهم ولا يحقق معهم، وإنما تعرض ذنوبهم عرضاً، ثم يتجاوز الجبار عنهم عز وجل، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس أحدٌ يحاسب يوم القيامة إلا هلك، فقالت عائشة: يا رسول الله! أليس قد قال الله: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:7 - 8] فقال رسول الله: إنما ذلك العرض، وليس أحدٌ يناقش الحساب يوم القيامة إلا هلك) رواه البخاري ومسلم. ألا واعلموا يا عباد الله: أن الله عز وجل يعرض ذنوب العبد عليه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يُدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره، فيقول الله لعبده المؤمن: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟) سوف نُذَكر بذنوبنا في ساعتها ولحظتها وزمانها ومكانها وحالها ومن كان معنا وأعان عليها أو خطط لها (أتعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم أي رب أعرفه، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى العبد في نفسه أنه قد هلك، يقول الله عز وجل: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته بيمينه، وأما الكافرون والمنافقون فيقول الأشهاد: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18]) رواه البخاري ومسلم.

شهود جوارح العبد عليه

شهود جوارح العبد عليه يجري بين العبد وربه حوار تشهد فيه عليه جوارحه، فعن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال: (هل تدرون مما أضحك؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول العبد: يا رب! ألم تجرني من الظلم؟ فيقول الله عز وجل: بلى، فيقول العبد: إني لا أرضى على نفسي إلا شاهداً مني -أي يقول: إني لا أرضى أن يشهد علي أحدٌ لا ملك ولا قريبٌ ولا بعيد ولا أرضٌ، وإنما أرضى أن يشهد علي شاهدٌ من نفسي فقط- فيقول الله: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، ثم يختم على فيه، فيقال لأركانه -أي: لجوارجه-: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلى بين العبد وبين الكلام، فيقول العبد لجوارحه: بعداً لكنَّ وسحقاً فعنكن كنت أناضل) رواه مسلم. ويبلغ الأمر أشده، والمخاصمة ذروتها عندما يخاصم العبد ويجادل وينازع ويلوم أعضاؤه، قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت:19 - 21].

فضيحة أهل الغلول على رءوس الأشهاد

فضيحة أهل الغلول على رءوس الأشهاد وفي ذلك اليوم: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] تظهر طائفةٌ من الناس تفوح فضائحهم وتظهر كبائرهم، فأولهم: أهل الغلول؛ والغلول هو: الأخذ من أموال المسلمين بغير وجه شرعي، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [آل عمران:161] قال القرطبي: أي: يأتي بما غلَّ يحمله على ظهره، وعلى رقبته، يعذب بحمله مرعوباً بصوته، موبخاً بإظهار خيانته على رءوس الأشهاد. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا وفصله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره، ثم قال: (لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعيرٌ له رغاء فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ له حمحمة فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاةٌ لها ثغاء فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفسٌ لها صياح فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رأسه رقاعٌ تخفق فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت- أي: ذهب وفضة- فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك) متفق عليه وهذا لفظ مسلم، فهذه فضيحة أهل الغلول الذين ينهبون من أموال المسلمين عامة ومن الغنائم قبل قسمتها.

قوم لا ينظر الله إليهم يوم القيامة

قوم لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ومن الأمور التي يهول لها الإنسان، ويشتد الأمر عليه بها: أن من العباد من لا يكلمهم الله، ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم، ويعذبهم بأن يصرف وجهه الكريم عنهم: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذابٌ عظيم، قلت: يا رسول الله! من هم خابوا وخسروا؟ قال: فأعادها رسول الله ثلاث مرات ثم قال: المسبل، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان) رواه مسلم. ومن الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: (شيخٌ زانٍ، ورجلٌ اتخذ الأيمان بضاعةً يحلف في كل حقٍ وباطل، وفقيرٌ مختالٌ يزهو -أي: عائلٌ مستكبر) والحديث رواه الطبراني في الكبير، وممن لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم (رجلٌ على فضل ماءٍ بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجلٌ بايع رجلاً بسلعة فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه) وما أكثر الذين يحلفون بالله أنهم اشتروا بكذا، أو باعوا بكذا، أو أعطوا في سلعهم كذا، فإن أولئك ممن لا ينظر الله إليهم (ورجلٌ بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا؛ فإن أعطاه منها وَفَّى، وإن لم يعط لم يف) متفق عليه، ومن الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال، والديوث الذي يرضى في أهله الفاحشة.

خوف الكافرين وفزعهم وأمن المؤمنين واطمئنانهم

خوف الكافرين وفزعهم وأمن المؤمنين واطمئنانهم ألا واعلموا يا عباد الله: أن هناك الكثير ممن يفضحون بأعمالهم يوم القيامة، فالذين يمنعون زكاة الذهب من هؤلاء يصفح لهم على جلودهم، ويحمى به على جنوبهم وظهورهم ويكوون به، وما منعوا زكاة بقرٍ ولا غنمٍ ولا إبل إلا بطح لها بقاعٍ قرقر، ثم تأتي عليه تطؤه بأظلافها، فإذا قضى آخرها رُدَّ عليه أولها، حتى يقضى بين الخلائق، فَيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. ويوم القيامة طائفةٌ من الأتقياء، طائفة من الأبرار والأخيار يقال لهم: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:68 - 69] والسبب في أنهم أمنوا واطمأنوا يوم فزع الناس: أن قلوبهم في الدنيا كانت عامرةً بالخوف من الله، فرد الله عليهم هذا الخوف جزاءً بطمأنينةٍ وأمنٍ يوم القيامة، أليسوا يقولون: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} [الإنسان:10]، فكان جزاؤهم: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:11 - 12] قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يومٌ أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يومٌ أجمع فيه عبادي) رواه أبو نعيم في الحلية (ومن كظم غيظه؛ خير يوم القيامة في الحور العين). أما الشهداء فلهم عند الله كرامةٌ عند موتهم ويوم القيامة، والمرابطون كذلك يغدى عليهم بأرزاقهم، ويراح عليهم من الجنة حتى يبعثهم الله ويكرمهم. والذين ييسرون على المعسرين فإن الله يتجاوز عنهم يوم القيامة، والذين يفرجون كربات المسلمين ويسترون المسلمين فإن الله يسترهم ويفرج كربهم، وكذلك من أنظر المعسرين فإنه يوم القيامة في ظل عرش الله. ألا وإن سبعةً أيضا ممن يطمئنون في ذلك الفزع، قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشابٌ نشأ في عبادة ربه، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه. ألا فلنستعد لذلك اليوم الذي سنقف له ونمضي فيه ولا تغرنا دنيانا؛ فإن أقواماً ملكوا أكثر مما ملكنا، ونعموا أكثر مما نعمنا، وأوتوا أكثر مما أوتينا، وهم رهائن وأسرى القبور واللحود، وسنقف وإياهم يوم القيامة، فالعاقل لا يغتر بدنياه منشغلاً عن آخرته، واستعدوا وأعدوا لذلك اليوم عملاً، ولذلك السؤال جواباً، ولذلك الحساب ما يدفعه؛ عسى الله أن يتجاوز عنا وعنكم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت العظيم الحليم، رب العرش العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، يا ودود يا ذا العرش المجيد! يا مغيث الملهوفين! ويا نصير المستضعفين يا رب العالمين! إنك تعلم أن إخواننا في البوسنة والهرسك قد حوصروا حصاراً عظيماً، وقد عجز المسلمون قاطبةً أن يفعلوا أمام هذا الحصار شيئاً، اللهم قل الناصر، وضعف المعين، ولم يبق لنا إلا وجهك يا رب العالمين! اللهم أنزل بأسك الذي لا يرد على الصربيين، اللهم أنزل بأسك الذي لا يرد على المجرمين، اللهم أنزله على الصربيين، اللهم ضعف الجنود واستضعفوا، ولم يبق إلا ما عندك وجندك الذين لا يعلمهم إلا أنت يا رب العالمين! اللهم إن الأمر قد عظم وتفاقم، وإن الخطب جلل، وإن العقلاء حيارى، وإن المسلمين عاجزون أن يفعلوا لإخوانهم شيئاً، اللهم إنهم عبادك فلا تسلمهم إلى الضعفاء يا رب العالمين. اللهم إنهم يشهدون أن لا إله إلا أنت وأن محمداً عبدك ورسولك اللهم لا تسلمهم إلى خلقك المساكين، اللهم لا تسلمهم إلى الضعفاء، اللهم لا تسلمهم إلى المفرطين والمرجفين إلى من تكلهم يا رب العالمين! إلى عدوٍ يتجهمهم أو ضعيف يتملك أمرهم، أو من لا حيلة له عليهم. اللهم انصرهم بنصرك، اللهم انصر المسلمين في البوسنة، اللهم إن المسلم تغتصب زوجته ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، ويفعل الفاحشة بولده فلا يفعل شيئاً، وينهب ماله، ويحرق داره، ويسرق حرثه وماشيته، فلا يملك إلا أن يقول: يا الله وإنك قلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات:75] اللهم إنهم يدعونك ونحن ندعوك أن تفرج كربهم، اللهم فرج كربهم، اللهم فك الحصار عنهم، اللهم إن ثمانين ألفاً من المسلمين يحاصرون يوشك أن تجري الدماء في شوارع بيهاتش، اللهم رحمتك بهم، اللهم رحماك بالأطفال وبالعجائز والشيوخ الركع، اللهم رحماك بالأيامى، رحماك بالثكالى، رحماك بالمستضعفين، اللهم أهلك الصربيين بالكروات، وأهلك الكروات بالصربيين، واجعل كيدهم في نحرهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم، اللهم سلط عليهم جنودك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم. اللهم لا نملك إلا الدعاء، وهذا الدعاء وعليك الإجابة يا رب العالمين! اللهم انصر المسلمين، اللهم وحد صفهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد كلمتهم، اللهم إنهم حفاةٌ فاحملهم، وعراةٌ فاكسهم، وجياعٌ فأطعمهم، وعطشى فاسقهم، ومستذلون فانصرهم يا رب العالمين! يا أرحم الراحمين! يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم إنا نذكر ما حل بنا يوم أن سلط البعث صواريخه علينا فانقلب ليلنا نهاراً، وانقلب نهارنا فزعاً، وخلت الطرق، وهرب الناس، وإن ما بإخواننا أشد من ذلك وأضعاف أضعافه، اللهم عجل نصرك! اللهم عجل فرجك! اللهم عجل تأييدك! اللهم أنزل جنودك يا رب العالمين! يا أرحم الراحمين! اللهم صلّ على محمدٍ وآله وصحبه، وأقم الصلاة.

قدر الأمة

قدر الأمة كثيرة هي الشعارات التي ترفع، ولكن قليل هي الصحيحة منها. كثير هم من يسيرون وراء الراية الكاذبة، ولكن صحيح القول وسلامة المنطق تلزمنا أن نعتقد أن ما نسمعه من أولئك إنما هو عن جهل، أو هم مرتزقة يستطيعون أن يسوقوا الآلاف من الرعاع؛ ليجولوا بهم الشوارع بشعارات جوفاء. ومهما رفعت من رايات فلن تنتصر إلا راية تحمل شعار: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

شعارات كاذبة ورايات خادعة

شعارات كاذبة ورايات خادعة الحمد لله الذي بأمره تنسف الجبال نسفاً، فتكون قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، الحمد لله الذي تكون الأرض قبضته يوم القيامة والسماوات مطوياتٌ بيمينه، الحمد لله الذي بأمره تنكدر النجوم وتنفطر السماء وتسجر البحار وتفجر، الحمد لله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ واحدٌ في ربوبيته، فهو المدبر المتصرف ولا مدبر ولا متصرف في هذا الكون معه، واحدٌ في ألوهيته فالسجود له والتوكل عليه والإنابة إليه، والحلف والاستعانة به وحده سبحانه، ولا يجوز صرف صغيرٍ من العبادة ولا كبيرٍ منها إلا لوجهه سبحانه، ومن صرف لغيره من ذلك ولو كان صغيراً فقد أشرك، واحدٌ في أسمائه وصفاته: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].

طاغية يرفع شعار الحرية

طاغية يرفع شعار الحرية معاشر المؤمنين: إن طواغيت هذا الزمان، وظلمة هذا العصر من الذين تسلطوا على رقاب شعوبهم فساموهم ألوان الهوان، وساموهم أنواع الخس والعذاب، وجروهم إلى عداوة الدنيا بأجمعها، ولا يخفاكم شأن هذا، إنه شقي العراق ولعل قول الله جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم:28 - 29] لعل هذه الآية ممن ينطبق فيه، وقول الله جل وعلا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204 - 206]. هذه والله أيضاً مما ينطبق على حال ذلك الشقي الطاغية، الذي رفع شعارات جوفاء، ظاهرها الحرية، وباطنها الظلم والاستعباد، ظاهرها المساواة وباطنها العنصرية، ظاهرها الاشتراكية وباطنها الأثرة والسرقة والاستبداد، وأخبث من هذا وأفجر أن يرفع لواء الجهاد من لا يُحكِّم شريعة الله، وأخبث من هذا وأفجر من يرفع راية الجهاد زوراً وبهتاناً، من تعبد القبور في بلاده ويسجد لها ويطاف بها ويذبح لها وينحر لها ويتجمع الناس عندها، ويسألونها تفريج الكربات وجلب الحاجات، ومع هذا يرفع شعار الجهاد وراية الجهاد، أخبث من هذا وأفجر أن يرفع هذه الراية من يحكم القوانين الرومانية الوضعية، أخبث من هذا وأفجر من يعدم أربعمائة شابٍ جمعوا تبرعاتٍ لـ أفغانستان أو كانوا عندهم شيءٌ من التوجه إلى الجهاد في أفغانستان فأعدموا عن بكرة أبيهم، أخبث من هذا وأفجر أن يرفع راية الجهاد من يصنع الخمور في بلاده ويفاخر في تصنيعها معتقةً ينافس بها أنواع الخمور المصنعة في مختلف البلدان، أخبث من هذا وأفجر أن يرفع راية الجهاد من يقتل العلماء غيلةً وعدواناً وظلماً وفجوراً، أين شعوب المسلمين؟ أين الشارع الإسلامي؟ ذلك الذي يسمى شارعاً وليس فيه إلا ذكورٌ لا رجال، كيف يطبلون وراء هذا الطاغية. وإن من صحيح القول وسلامة المنطق أن نعتقد تمام الاعتقاد أن ما نسمعه من أولئك الذين يسيرون خلف هذه الراية المزيفة إما جهلةٌ لا علم لهم بأدنى حقائق الأمور، ولا ربط عندهم في سباق الأمور ولحاقها، وإما مرتزقة تستطيع أن تسوق الآلاف، بل مئات الآلاف منهم يوم أن تتجول في أحيائهم وتعطيهم قطع الدنانير والدريهمات ليخرجوا لك في مسيرةٍ يؤيدونك فيما تريد.

جماهير المظاهرات لا عقول لها

جماهير المظاهرات لا عقول لها إنها لمن مصائب الأمة أن تغتر الأمة وأن يقل الفهم والوعي عند رجالها إلى حدٍ أصبحوا يظنون أن هذا الرجل أصبح رافعاً لراية الجهاد حقاً بلا ريب، معاذ الله من هذا الهراء! وعياذاً بالله لعقول المسلمين أن تقع في هذا! إن الجماهير لا عقول لها، إن الغوغاء لا عقول لها، إن المظاهرات لا عقول لها، إن المسيرات لا عقول لها، واحدكم لو دخل في مظاهرةٍ أو مسيرةٍ قوامها أربعة آلاف أو خمسة آلاف ثم أصبحت هذه المسيرة تردد شعاراً معيناً، ولو كان في قلبه أن يخرج لهذه المسيرة لغرض غير هذا، فيسجد نفسه لا محالة يردد شعار المسيرة كالببغاء، ويقلد كالقردة خلف قائد المسيرة بعبارات وشعارات وألفاظ ومنطقٍ أجوف لا يدري ما معناه، هذا أمرٌ مجربٌ مشاهدٌ ملحوظٌ، ومن خبر الناس وعرفهم وحادث من يعيشون في تلك البلدان التي تطبق هذا النوع من المسيرات والمظاهرات عرف أن الغوغاء لا عقول لها، والجماهير ساذجةٌ بسيطة لا عقول لها يوم أن تخرج بالجموع وتردد ما تعقل وما لا تعقل. وهنا اسمعوا أحسن الكلام، يقول الله جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ:46] أي: الذين يرددون ويسيرون خلف الجموع لا يتفكرون أبداً، ويوم أن يقومون مثنى وفرادى ويتفكرون ما يردد في هذه المسيرة، ويردد في تلك المظاهرة يدركون ويعلمون أنهم يرددون ما لا يفقهون وما لا يعقلون، ولكن: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]. إن عامة الناس يوم لا ينتبهون إلى الحق بعد بيانه لا يضرون الأمة شيئاً، ذلك أن الله جل وعلا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين في سنته أنه قد تضل أمم عن الحق قاطبة فلا غرابة: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] ذلك أن العبرة ليست بالجموع، وإنما العبرة بالعقول، فلا تذهب أنفسكم حسرات ولعل أحدكم باخعٌ نفسه على آثارهم أن يخرج عددٌ من المسلمين في جهلٍ وغباء يرددون شيئاً من هذه الشعارات الجوفاء، لا. يوم أن تظهر الحجة وتبين المحجة حينئذٍ يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.

ما قدر الله إلا بحكمة ورحمة وعدل

ما قدر الله إلا بحكمة ورحمة وعدل أمة الإسلام: ينبغي أن نحمد الله على كل حال، ولو كنا في حال الحرب، ولو كنا في حال الدماء، ولو كنا في حال التضحيات، نحن أمةٌ تحمد ربها على كل حال، الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، كيف لا نحمده في هذا القدر العظيم الذي ما تخلفت عنه حكمته جل وعلا، وهل تظنون أن قدر الحرب قدرٌ لا حكمة فيه؟ تعالى الله عن ذلك، من قال: إن هذه الحرب بغير قدر فقد كفر ومن قال: إنه قدرٌ بغير حكمة فقد كفر، إن المؤمنين يؤمنون بأن قيام الحرب بقدر: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] ويقول تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] هذه الحرب مقدرة. إذاً: في صميم عقيدتنا أن ما يدور الآن بقضاءٍ وقدر. والقضايا بقضاءٍ وقدر والليالي عبرٌ أي عبر وبعد ذلك أتظنونه قدرٌ بغير حكمة؟ لا. يقول ابن تيمية: " إن الله جل وعلا ما قدر في الكون قدراً إلا وله سبحانه فيه تمام الحكمة، لأن الله سبحانه لا يقدر عبثاً، وما يقدر قدراً إلا وله فيه تمام العدل لأن الله لا يقدر ظلماً، وما من قدرٍ يقدره في الكون إلا وله فيه تمام الرحمة، لأن الله رحمته سبقت غضبه ورحمته وسعت كل شيء ". فالحمد لله على قدر الله في سلمٍ أو حرب، وأمة الإسلام ينبغي أن تواجه قدرها، ألم يواجه النبي صلى الله عليه وسلم قدر بدر والصحابة يودون أن غير ذات الشوكة تكون لهم، ألم يواجه قدر أحد وقد كسرت ثنيته وشجت رباعيته ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم، واجه قدره وهو المعصوم صلى الله عليه وسلم. وهكذا واجهت الأمة قدرها في خندق الأحزاب وبني قريظة وبني النضير وبني المصطلق، في جميع الغزوات واجهت الأمة قدرها وكان شأنها خيراً، وباءت وعادت بالخير والفضل، وانقلبت بفضل من الله ورضوان لم يمسسهم سوء، من مات منهم لم يتجاوز يومه وإنما أكرمه الله بموته شهيداً، ومن عاد منهم عاد سعيداً ما رضي بالذل والهوان خوفاً على النفوس والأرواح؛ القادسية وحروب الردة وقتال المرتدين من مانعي الزكاة، واليرموك، وبلاط الشهداء، وعين جالوت، وكل معارك الإسلام خاضتها أمة المسلمين وخاضها قادتهم مستسلمين راضين يحمدون قدر الله جل وعلا فيهم، فلماذا تتردد الأمة أو يصيب بعض أبنائها شيئاً من الألم أو من الحسرة على هذا الحال؟ لا والله. بل نحمد الله جل وعلا، وشأن أمة الإسلام يوم أن تواجه هذا القدر وهي تذكر قول الله جل وعلا: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} [النساء:104] لأن المعركة فيها جراح وقتلى ودماء، ولكن أمة الإسلام تتذكر قول الله جل وعلا: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]. يا أمة الإسلام: ينبغي أن نحمد الله جل وعلا، وأن نعيش غاية الأمن وغاية الطمأنينة في النفوس قبل البيوت، وفي البيوت قبل الأحياء، وفي الأحياء قبل المجتمعات، وفي المجتمعات قبل الدول، وفي الدول قبل سائر الأمور جميعاً. نحن أمةٌ ما خرجت عن قدرها فلماذا هذا الجزع؟ ولماذا هذا الهلع؟ ولماذا هذا الخوف؟ خرجنا إلى الموت شم الأنوف كما تخرج الأسد من غابها نمر على شفرات السيوف ونأتي المنية من بابها ونعلم أن القضا واقعٌ وأن الأمور بأسبابها ستعلم أمتنا أننا ركبنا الخطوب حناناً بها فإن نلق حتفاً فيا حبذا المنايا تجيء لخطابها وكم حيةٍ تنطوي حولنا فننسل من بين أنيابها هذا نشيد أبنائكم، وهذا شعار سلفكم، فلماذا تتردد الأمة عن مواجهة أقدارها بكل صبرٍ وشجاعة، هل ظننتم أن الجبن يطيل في الأعمار؟ أم أن الشجاعة تقصر في الأعمار؟ فلسنا على الأعمار تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما ترددت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما ويقول سعد رضي الله عنه: [احرص على الموت توهب لك الحياة]. عبد الله بن رواحة رضي الله عنه لما خرج إلى المعركة ووجد في نفسه شيئاً لا يذكر قال: أقسمت يا نفسي لتنزلنه لتنزلنه أو لتكرهنه قد أجلب الناس وشدوا الرنة ما لي أراك تكرهين الجنة يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حِمام الموت قد صليت وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلِ فعلاهما هديت يا حبذا الجنة واقترابها طيبةً وباردٌ شرابها والروم روم قد دنا عذابها ونحن نقول: والبعث بعثٌ قد دنا عذابها كافرةٌ بعيدةٌ أنسابها عليَّ إذ لا قيتها ضرابها يا معاشر المؤمنين: نحمد الله جل وعلا على كل حال، عجباً لكم! عجباً لكم! عجباً لكم! بقول نبيكم صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إنه أمره كله له خير: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) ففي كل الأحوال أنتم على خير وفي خير وبخير، نحمد الله جل وعلا على مقاديره، ونسأله اللطف والعون والنصر والثبات والتأييد. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم احمِ حوزة الدين، واحفظ أرواح المؤمنين، واحقن دماء المسلمين، اللهم أهلك البعثيين، اللهم أهلك طواغيت البعث وحرسهم الجمهوري، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم لقد ضجت الحيتان من بغيهم، وضجت الطيور من ظلمهم، وفزع الأطفال من فعلهم، اللهم فأفزعهم وسلط بعضهم على بعض، واقتلهم بأيديهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

أكلة تداعت إلى قصعتها

أكلة تداعت إلى قصعتها الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة؛ وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك! معاشر المؤمنين: حينما تدلهم الخطوب، وحينما تختلف الأقوال والآراء، ينصر الله أمة الإسلام بسديد القول من صالح العلماء في هذه المعركة الدائرة التي اختلطت فيها المصالح الدولية، واختلطت فيها الأهداف المختلفة، ووجب فيها الجهاد في سبيل الله جل وعلا. يعيش بعض شباب المسلمين حيرةً لا يعرفون وجه الجهاد في هذا الأمر، ألا فاعلموا يا شباب الإسلام! ألا فاعلموا يا أمة الإسلام! أن الحرب الدائرة فيها جهادٌ في سبيل الله وبيان وجهه يأتي، وفيها مصالح دولية؛ مصالح لنا ومصالح لغيرنا، وقد انجلى الصبح لذي عينين، وفيها نعمة من الله بقهر وتفتيت قوةٍ غاشمةٍ ظالمة، لا ينتظر بديلاً لها حكومةً صالحة، إنما البديل أخبث من ذي قبله، أو يكون مساوياً له، أو على الأقل لا رحمة للإسلام والمسلمين في بقاء قوته: البعث بعثٌ في العراق وغيره تتواصل الأسباب بالأسباب أما وجه المصالح الدولية فلا يخفاكم أن هذا الذهب الأسود الذي جعله الله متدفقاً في بلادكم الذي جعله الله في أرضكم ولو شاء الله لجعله بعيد المنال عنكم: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:30] إن هذا الذهب المتدفق في أرضكم تعلقت به مصالح الأمم أجمع؛ أليس من الحكمة أن يحرص كل ذي مصلحةٍ على أن يحافظ على مستقبل حضارته ومصير أمته كافرةً كانت أو مسلمة؛ لأن الحياة مطلبٌ لجميع من دب على وجه الأرض سواء من البشر أو من البهائم أو من الحيوانات والحشرات، الحياة مطلبٌ طبيعي. وأما تفتيت هذه القوة فإننا نسأل الله جل وعلا أن يكون فيه خيراً للإسلام والمسلمين؛ لأننا وقد تكشفت لنا عداواتٌ مختلفة لا نرى في بقاء قوةٍ غاشمةٍ ظالمة صلاحاً للإسلام والمسلمين، وليطبل من يطبل، وليطنطن من يطنطن، وليردد من يردد في مختلف الجرائد والمجلات والإذاعات ووسائل الإعلام، ليقولوا ما يقولوا، ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، والله لو أن أولئك الذين أخذوا يبكون على قوة العراق، ويذرفون دموع التماسيح على آلتها العسكرية لو أنهم قتلوا يوماً ما بها، لو أنهم انتهكت أعراضهم بها، لو اغتصبت بناتهم بها، لو دنست أراضيهم بها، لو سفكت دماؤهم بها، لو أهينت كراماتهم بها، لقالوا أبيدوا العراق ومن على وجه العراق أجمع، ولكننا نقول: نسأل الله أن يحفظ دماء الأبرياء من العزل المدنيين، وأن يهلك هذه القيادة الغاشمة الظالمة، وحزب البعث معها وحرسها الجمهوري الذي تسلط في هذا الزمان. هذا شأن المؤمنين وهذا شأن المسلمين: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46] لا تقلدوا ولا تتبعوا صوت الناعقين في الإذاعات والمجلات والصحف ووسائل الإعلام، لا تفكروا مثنى وفرادى: {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ)) [سبأ:46] هذه أحوالٌ ينبغي أن يقدم الفكر فيها على العاطفة، حينما نسمع مسيرةً قامت تأييداً للمجاهد العدل الأكبر الذي أصدر خمسةً وثلاثين ألف تصريح لبارات الخمر في العراق، أهذا مجاهدٌ تمشي مسيرةٌ في تأييد شأنه، لو قلنا لأولئك الذين خرجوا في هذه المظاهرة: هل فيكم واحدٌ انتهكت بكارة بنته ظلماً وعدوانا؟ لا. لو قيل لأحدهم هل أهينت كرامتك في بيتك؟ هل فعلت الفاحشة بك أمام زوجتك وبناتك كما فعل أولئك بالكويتيين أو ببعضهم أو بالمستضعفين في بلادهم؟ ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، لا يمكن. إذاً: فالذين يرددون ويطنطنون ما ذاقوا حرارة المأساة، وما مشوا على جمر المحنة وآلام الظلم والبغي والعدوان، إذاً فلماذا نردد ما لا نعقل ونقف موقفاً لا نتصور حقيقته، لو أريد لكل واحدٍ من أولئك الذين ساروا أو أيدوا في أنفسهم أو في إذاعاتهم أو في فكرهم لو قيل لأحدهم: جرب لوناً أو صنفاً أو طعماً من ألوان هذه المصيبة التي نزلت بإخواننا الكويتيين لما استطاع أن يطيق هذا، لوجه من يا طاغية العراق! أطفالٌ يموتون في الصحراء عطشى؟ أهذا لوجه الله؟ لوجه من يا طغاة البعث! نساءٌ عفيفاتٌ مستوراتٌ ينتهكن ويغتصبن؛ لوجه من يا طغاة البعث! تسرق ثروات أمة ويعلق أبناء المقاومة فيها على الرافعات كالمشانق؟ لأجل من؟ ولوجه من؟ نعم. للبعث الذي يقول قائله: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثان هكذا الذين يقول قائلهم: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمةً وسيروا بجثماني على دين برهم حتى لو كنت نصرانياً أو يهودياً: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمةً وسيروا بجثماني على دين برهم سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم فقد مزقت هذه المذاهب شملنا مذاهب الشريعة مذاهب الفقه مزقت شملهم، من الذي يجمعهم ركن الوحدة في فقه البعث وعنصر الملة. فقد مزقت هذه المذاهب جمعنا وقد أودعتنا بين نابٍ وميسم

أمم تقتسمنا ونحن نستجدي في غفلتنا

أمم تقتسمنا ونحن نستجدي في غفلتنا يا أمة الإسلام: متى نفيق من الغفلة؟ متى نعمل هذه العقول؟ متى نسخرها لكي تتأمل، إننا لا نؤمر بأن نسلم بكل ما نسمع أو نقرأ؟ لكننا نؤمر أن نتدبر، وأن نتأمل، وأن نكون قوامين بالقسط شهداء لله، ولو على أنفسنا أو الوالدين أو الأقربين، هذا واجبنا. وأما وجه الجهاد في سبيل الله: فأسألكم يا شباب المسلمين! لو أن البعثيين معاذ الله من ذلك! استحلوا قطعةً من أرضكم وبلادكم، أو مكثوا بعد احتلالٍ أو دخولٍ في قطعةٍ من أرضكم وبلادكم، هل ستقتلون القاتل في تلك القطعة؟ أم يحال إلى المحكمة الوضعية القانونية؟ هل ستقطعون يد السارق في تلك القطعة؟ أم يحال إلى المحكمة الوضعية؟ هل سترجمون الزاني؟ هل ستجلدون الشارب؟ هل سيسمح البعث للدعاة أن يلقوا الدروس والمحاضرات والندوات؟ هل ستكفلون الأيتام في تجمعاتكم وتبرعاتكم؟ هل ستدعمون الجهاد في أفغانستان؟ هل ستجعلون حلق الذكر في مساجد تلك البقعة؟ لا. والله لو حكم البعث أرضاً أو شبراً من الجزيرة ما قطعت فيها يد سارق، وما قطعت فيها رقبة قاتل، وما أقيم فيها حدٌ، وما أذن فيها لداعيةٍ أن يتكلم أبداً، فضلاً عن دعم قضايا المسلمين ومشاريعهم، أليس في صد هذا العدوان جهادٌ في سبيل الله؟ إذاً ما يكون الجهاد إذا لم يكن دفع العدوان الذي يمنع بيوت الله أن يرفع فيها اسمه؟! إذا لم يكن صد العدوان البعثي الكافر عن أرض المسلمين، أرض الموحدين، الدعاة العلماء، سائر الناس، حتى العصاة فيهم، فيهم خيرٌ كثير حتى عصاة أمتنا، عصاة شبابنا، أقول: فيهم خيرٌ كثير؛ لأن معاصيهم ما جاوزت حدود فرعية بغير تهاونٍ بالمعصية أو رضاً بها أو إقراراً بفعلها، فكل معصيةٍ عليها جزاؤها وعقابها، ولكن حتى وإن فعلت فإن هذه المعصية لا تساوي أضعاف الكفر والإلحاد المضاعف من أولئك. فيا أمة الإسلام: اعقلوا وتأملوا وتدبروا وتفكروا واعرفوا حقيقة ما أنتم عليه، هذا جهادٌ في سبيل الله. أعود إلى ما قلت: يوم تدلهم الخطوب وتفتن العقول بالآراء والأقوال يوقظ الله الأمة بصالح علمائها، يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -أسأل الله أن يمد في عمره قولوا: آمين، وأن يبارك في حياته، وأن يجعل نومه ويقظته وذهابه وإيابه وفكره وصمته ونطقه في موازين أعماله- قال: هذا جهادٌ لا شك فيه وما عندي فيه شكٌ أبداً. هكذا يوقظ الله الأمة برأيٍ سديد، وقولٍ سديد من صالح، بل من أتقى أو من تقاة علمائها، وقال متع الله بحياته وإياكم على طاعته قال: إن قول الله جل وعلا: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9] قال: هذا قتال طائفةٍ مؤمنة مع مؤمنةٌ، مؤمنةٌ بغت على مؤمنة، أما هذه فطائفةٌ كافرة، وجب جهادها ابتداءً لا رداً أو دفعاً للعدوان، فما بالك إذا حشدوا الحشود عليك وقد يقول قائل: وما شأن الجهاد في الكويت؟ نقول: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات دون ماله فهو شهيد) بلى. ألم يقل (من مات دون عرضه فهو شهيد) بلى. جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجلٌ يريد أن يأخذ مالي، قال: امنعه، قال: فإن أبى؟ قال: قاتله قال: فإن قتلته؟ قال: هو في النار، قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت في الجنة). إذاً: لأهل الكويت أن يجاهدوا لرد أموالهم، لرد أرضهم، لرد ثرواتهم، لرد مآذنهم ومساجدهم، وجمعياتهم التي كانت رئةً يتنفس منها الجهاد في أفغانستان والعمل الإسلامي في أفريقيا، جهادٌ في سبيل الله لأهل الكويت أن يعودوا لرد حقوقهم وثرواتهم ومقدراتهم، حتى لا يقول أحدٌ: هذا جهادٌ في حقنا وليس جهادٌ في حق أبناء الكويت، نعم. أليس لهم أراضٍ وممتلكاتٌ وثرواتٌ وبيوتٌ وضيعاتٌ وأوطانٌ ديست ودنست بأولئك الأزلام البعثيين، ألا يكون هذا جهادٌ في حقهم؟ وبعد أن يستردوا أرضهم ويشفوا صدورهم؛ لأن مثل هذه الأمور لا يشفيها إلا الانتقام بالدم: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:14] ما لم يشبع الكويتي مسلماً وغير الكويتي من دم البعثي الحاقد الفاجر البعثي، لا أقول العراقي الساذج البسيط الذي هو من عامة أبناء المدن أو من قراها وضيعاتها، ذلك البعثي الذي تطوع في هذه القيادة الظالمة الغاشمة، أو في الحرس الجمهوري، أو في حزب البعث ما لم يشبع من دمه لا يشفى قدره أبدا. يقول لي أحد الشباب المجاهدين في أفغانستان: قتل صديقٌ لي في أحد العمليات ونحن في اقتحام على أحد المراكز الشيوعية؛ نفذت ذخيرته فالتف عليه الشيوعيون وجعلوا يجعلون سكين الرشاش في صدره وقتلوه قتلةً شنيعة، قال: علم الله أن في قلبي شيئاً لا أعرف ما الذي يذهبه حتى أظفرني الله ذات يوم في عمليةٍ جهاديةٍ ناجحة اقتحمنا فيها مركزاً من مراكز الشيوعيين قال: ذبحت فيهم عدداً بيدي وآخرين بالرشاش، فلما رأيت دماؤهم تتقلب أمامي وجدت راحة وطمأنينة وذكرت قول الله جل وعلا: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:14] يشفون صدورهم القتل أمثال القتل، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:179]. فيا معاشر المؤمنين: ينبغي ألا نقع في الإرجاف أو في تثبيط الأمة، ونحن نعلم أننا في جهادٍ مشروع في أي حالٍ من الأحوال، أنا لا أقول إن ما يدور الآن كلها أوضاعٌ صحيحة سليمةٌ 100%. لكن إن ما يدور الآن وبقدر الله أراه أهون الشرور على الأمة أن تعيش ما تعيشه الآن. نسأل الله أن يدفع البلاء وأن يبصر أمة الإسلام وشبابها بحقيقة مواقفها وما يراد بها وما يدبر لها. اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المرابطين، اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر شبابنا ورجالنا وجنودنا في القوات الجوية والبحرية والبرية، اللهم أنزل السكينة في قلوبهم، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم ثبت أقدامهم. اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وشمائلهم، ومن فوقهم، ونعوذ بعظمتك اللهم أن يغتالوا من تحتهم. اللهم احفظهم. اللهم ارزقهم الاحتساب وطلب الأجر والثواب، اللهم اجعل من مات منهم شهيداً ومن عاش منهم سعيداً، اللهم أهلك البعثيين، اللهم أحصهم عدداً، واجعلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً. لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم سلط على أعدائنا، اللهم اجعل سلاحهم في نحورهم، واجعل كيدهم على صدورهم، اللهم اخسف الأرض بهم، اللهم سلط بعضهم على بعض، اللهم واقتلهم بأيديهم، اللهم خرب بيوتهم بأيديهم، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك. ربنا اكشف عنا البلاء إنا مؤمنون، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم مزقهم كل ممزق، حسبنا الله ونعم الوكيل، نستغفر الله ونتوب إليه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا واغفر لنا وانصرنا وثبتنا وأعنا وأكرمنا وأهن أعدائنا. اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك وعظمتك أن تعيذ جنودنا وأبناءنا وذرارينا من شر ما نجد ونحاذر، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما يلج في الأرض، ومن شر ما يخرج منها بقدرتك التي لا يعجزها شيءٌ في الأرض ولا في السماء. ربنا انصرنا على القوم الكافرين، اللهم انصرنا على القوم الكافرين، اللهم انصرنا عليهم، اللهم عجل نصرك لنا، اللهم عجل هلاكهم يا رب العالمين! يا أرحم الراحمين! برحمتك نستغيث، اللهم لا تكلنا إلى طائراتنا، اللهم لا تكلنا إلى دباباتنا، اللهم لا تكلنا إلى قواتنا وبارك لنا فيما آتيتنا، وانفعنا بما عندنا، ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك يا رب العالمين! اللهم آمن روعاتنا، اللهم آمن أنفسنا، اللهم نسألك الطمأنينة في نفوسنا وبيوتنا ومجتمعاتنا وبلادنا وبلاد المسلمين أجمعين، اللهم استر عوراتنا، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين! اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم من علمت فيه خيراً لهم ولأمتهم فقربه منهم وبارك فيه يا رب العالمين! ومن علمت فيه شراً لهم ولأمتهم فأبعده عنهم وافضحه على رءوس الخلائق يا رب العالمين! الله سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا واحفظنا وانفعنا وبارك لنا وفينا وحولنا وادفع عنا البلاء في كل وقتٍ وفي كل حين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم اجمع شمل قادتهم، اللهم ألف قلوبهم وثبت أقدامهم، وانصرنا وإياهم يا رب العالمين! وانصر جميع المجاهدين في فلس

المجاهدون في أفغانستان

المجاهدون في أفغانستان وضح الشيخ في هذه المادة أحوال الجهاد والمجاهدين في أفغانستان، من حيث قلة عددهم وعتادهم، والمؤامرة الدولية عليهم، وغدر الروس بهم، وناشد المسلمين في نهايتها أن ينصروهم بما يستطيعون.

أحوال الجهاد في أفغانستان

أحوال الجهاد في أفغانستان الحمد لله القائل في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة:73]. أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل، والند والنظير، ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم البعث والنشور. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: لا يخفاكم أن الجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس عبادةٌ من أَجَلِّ العبادات في هذا الدين، بل هو ذروة سنامه التي بها يجد المسلمون حلاوة العزة، وَصِدْقَ الوعد من الله جل وعلا بالعز والنصر والتمكين، يقول سبحانه: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:14 - 15]. ولما طال انقطاع العهد واتصال البعد عن الجهاد في سبيل الله من الأمة الإسلامية في هذا العصر حقبةً طويلةً من الزمن، اطمأن أعداء الإسلام فيها إلى تدبير مخططاتهم، وأمنوا بأس المسلمين وشوكتهم خلالها، ولئن طال ذلك فإن فجراً بالجهاد قد لاح وظهر، وإن رايات العزة والكرامة قد رفعت ورفرفت على أرض أفغانستان المسلمة، تلك الأرض الجريحة التي جُرحت بمناجل الشيوعية، وضربت بمطارق الإلحاد، لكن ذلك لم يزد المجاهدين إلا قوةً وصلابة. أيها الأحبة في الله! يا معاشر المسلمين المطمئنين الوادعين في أوطانكم! المتلذذين بألوان النعم في بيوتكم ومفارشكم ومراكبكم ومآكلكم ومشاربكم! يا معاشر المؤمنين: هل تظنون أن إعلاء راية الجهاد أمرٌ هينٌ أو يسير؟ هل تظنون أن جهاد الكفار، أن جهاد أعداء أمة الإسلام يتحقق بالصيحات والشعارات والمنظمات والسب والشتائم؟ لا. وألف لا. إن إعلاء راية الجهاد -يا عباد الله- يعني التضحية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى؛ التضحية بالنفس والنفيس، التضحية بالأموال وبالأوطان وبالأولاد، والتضحية بالذرية، والتضحية بالشرف وبالنعيم.

تضحيات المجاهدين

تضحيات المجاهدين أيها الأحبة: منذُ سنواتٍ تسع، وأحبابكم الذين رسموا صور العزة في جبين هذا الزمان، أحبابكم المجاهدون في أفغانستان، الذين تجافت جنوبهم عن سهل الأرض إلى وعر الجبل، بعد تدخلٍ شيوعيٍ أطاح بحكوماتهم، وأحلهم أحزاباً شيوعيةٍ مستبدةٍ غاشمة أتت على الأخضر واليابس، واعتدت على الزوجات، والمحارم والنساء والذريات، وأذنت للعدو الروسي والحاقد الشيوعي أن يتدخل في أرضها، وأن يحل بساحتها فساء صباحها، وادلهم ظلامها، لقد رفعت راية الجهاد في أفغانستان مقرونةً بالتضحيات، أتدرون ما هي التضحية؟ إنهم الشهداء إنهم المهاجرون إنهم الجرحى إنهم المشوهون والمعاقون لقد سقيت أرض الجهاد في أفغانستان بدماءٍ زكية، دماء مليون وسبعمائة ألف شهيد، نحتسبهم عند الله من الشهداء، وغرست أطرافهم وأشلاؤهم، أيديهم وأرجلهم المبتورة والممزقة تربة أرض الجهاد، حتى إذا جاء الأبناء ليزرعوا وحفروا الأرض ووجدوا رِجلاً أو قدماً، أو وجدوا شلواً ممزعاً، علموا أن البلاد حررت بالتضحية، وحررت بالدماء والأشلاء. لقد هاجر الضعفاء والعزّل والأبرياء، هاجروا عن البيت والأرض والوطن، فالحال الآن في أفغانستان تنبئك به الملامح والقسمات قبل أن تتلفظ الشفاه بالكلمات، فما من بيتٍ إلا وقدّم أباً أو أماً، أخاً أو طفلاً، ففي كل بيتٍ مأتم، ومن كل دارٍ فقيد.

غدر الروس بالمجاهدين والمؤامرة الدولية ضدهم

غدر الروس بالمجاهدين والمؤامرة الدولية ضدهم أيها الأحبة في الله: الحال في أفغانستان بقدوم هذا الشتاء خاصة، مؤلمةٌ مؤلمةٌ والله جداً، خاصةً وأن القوى العالمية تمارس لعبةً من نوعٍ قذر لقطف ثمرة الجهاد، وإغلاق خطوط الرجعة على المجاهدين لقتلهم وتدميرهم في مواقعهم وثكناتهم، ولكن يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، منذُ أن أعلنت اتفاقية جنيف، وتناقل الناس أنباء انسحاب الجيش الروسي، تلك الأنباء الكاذبة، ومتى وعدت روسيا فأوفت؟! ومتى عاهدت فنفذت؟! ومتى تكلمت فصدقت؟! منذُ أن تناقل الناس أنباء انسحاب الجيش الروسي، تلك الأنباء الكاذبة، ظن الكثيرون من المسلمين، أن ساحات الجهاد خلت من القصف والنار، وأن الرصاص قد هدأ زئيره، وأن المدافع قد كممت أفواهها، وأن المجاهدين قد عادوا إلى حياة الاستقرار والطمأنينة، ولم يبق إلا أن يدخلوا عاصمة الوطن كابول. هكذا ظن من انْطَلَتْ عليه اللعبة والحيلة، ولقد انطلت والله، أتدرون إلى أي حدٍ وانطلت ومضت هذه اللعبة علينا معاشر المسلمين؟ لقد قل دعم المسلمين لإخوانهم المجاهدين في أفغانستان بعد أن أعلنت أنباء الانسحاب الكاذبة، قل الدعم وانخفض إلى نسبة 50% أي نصف الدعم الذي كان يتلقاه إخوانكم منكم! مضى وذهب نصفه من جراء كذبةٍ ولعبةٍ دولية في ظروفٍ إخوانكم فيها أحوج إلى الدعم أضعاف أضعاف ما كانوا عليه من قبل، لئن كانوا يتلقون دعمكم فيما مضى، فإن قتالهم كان على جبهاتٍ بعيدة، أما الآن وقد انخفض دعمكم، وقلت معونتكم، فإنهم الآن يمارسون حرب المدن، أخطر أنواع الحروب، إنهم الآن يشهدون فتوحاتٍ كثيرة وانتصاراتٍ عظيمة، مع تضحياتٍ هائلة وأخطر من هذا كله -يا عباد الله! - انخفاض نسب المؤن والأغذية الموجودة في المنطقة إلى حدٍ ينذر بالخطر والكارثة، إلى درجة أن الاتحاد السوفيتي ما عاد يدعم كل أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم، بل اكتفى بدعم الجيش الروسي والجيش العميل فقط، هذا فيما يتعلق بالمؤن والأغذية. أما السلاح والرصاص! أما النار والدمار!! ففي كل شبرٍ لغم، وفي كل أرضٍ مدفع، وفوق كل سماءٍ طائرة. أيها الأحبة: ماذا عن المؤامرة الدولية على قضية الجهاد في أفغانستان؟ لا زالت روسيا تخالف بنود اتفاقيتها مخالفةً واضحة كالشمس في رابعة النهار، فالطائرات تقلع من مطارات الاتحاد السوفيتي، وتضرب القرى والمدن المليئة بالأبرياء والأطفال، والعزل والعجائز، والشيوخ والمرضى، وحسبكم ما سمعتم خلال عشرة أيام: أن قريةً من قرى قندهار ضربت بصواريخ اسكود بعيدة المدى، راح ضحية ذلك القصف ما يزيد على ثلاثمائة نسمة بريئة؛ بين امرأة وفتاةٍ، وطفلٍ وشيخٍ وعجوز، بل وأسوأ من هذا أن الروس قد أرسلوا ثلاثين طائرة من طراز ميج 27 تضرب القرى والمدن ومواقع المجاهدين من بعد 240 كيلو متر، أسقط المجاهدون منها حتى الآن طائرتين فقط، أما تلك الصواريخ؛ صواريخ اسكود، فقد استخدم الروس منها لضرب جاج من جديد، ولضرب كولر وباجور وجلال آباد، استخدموا عشرين صاروخاً لضرب هذه المناطق الصغيرة.

احتياج المجاهدين للعدة والعتاد

احتياج المجاهدين للعدة والعتاد أيها الإخوة في الله: إن إخواننا في أفغانستان يخاطبون فينا الولاء لدين الله، يخاطبون فينا الولاء لجند الله، يخاطبون فينا البراءة من أعداء الله، إنهم يخاطبون فينا حمية المسلم لأخيه، إنهم يدعوننا من قعر أوديةٍ من الدماء سالت، ويدعوننا باسم أشلاءٍ من الأبدان تطايرت، ويدعوننا من جماجم إخوانكم التي داستها المجنزرات، ووطأتها الدبابات، إنهم ينادونكم بدموع اليتامى التي بلت الثرى، ولم تجد يداً حاميةً تتلقف دمعةً أو تمسح رأس يتيم، هل من الحمية والشيمة هل من النخوة والإباء هل من الكرم والجود أن نتفرج على كربتهم؟ أن نشاهد أفلام أحداثهم فقط؟ يقول سيد: إن الذي يتفرج على كربة أخيه يدفع الغرامة ضعفين. فلا تتفرجوا معاشر المسلمين، من لإخوانكم بعد الله إلا أنتم من للثكالى إذا ناحت نوائحها من للجراح التي استشرت بوادينا من لليتامى إذا سالت دموعهمُ على الخدود وقالوا من يواسينا أتتركون إخوانكم الذين يصيحون؟! الذين يصرخون؟! الذين يئنون ويتأوهون؟! يصيحون قائلين: أنموتُ في كف اللئام وأنتمُ حولي ولم يهززكم استنجادي ونبيتُ لا ندري أنصبح بعدها أم أن عين الموت بالمرصادِ يا نائمين على الحرير وما دروا أنَّا ننام على فراش قتاد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ * إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:35 - 38]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

وجوب مناصرة المجاهدين في أفغانستان

وجوب مناصرة المجاهدين في أفغانستان الحمد لله منزل الكتاب، وهازم الأحزاب، ومنشئ السحاب، وخالق خلقه من تراب، نحمده سبحانه لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه مآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلاله، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: إن الأوضاع الدولية المحيطة بـ أفغانستان، لهي والله لا تبشر بخيرٍ في هذه الأيام، فأنتم تعرفون دولةً كانت هي المنفذ والمعبر الرئيسي لدخول المؤن والعدد والعتاد لإخوانكم المجاهدين، قد تغير نظام الحكم فيها، ونسأل الله جل وعلا ألا يكون هذا التغير سبب شؤمٍ أو نذير خطرٍ على إخواننا في أفغانستان، وإن كنا لا نشك أن من سلف خير ممن أتى، إن حكومة ضياء الحق رحمه الله رحمةً واسعة، وأدخله فسيح جناته، ورفع منازله وعظم أجره، ونور ضريحه، إن ذلك الرجل كان أُماً حانيةً على الجهاد، وأباً شفيقاً بالمجاهدين، وكانت أرضه مأوى للمهاجرين، والضعفاء والأبرياء والمساكين، والآن لا ندري ما هو شأن أولئك بعد أن تغير النظام هناك، إلا أننا لا نجزم بشرٍ أو بخير، ونسأل الله جل وعلا أن يحسن الأوضاع لصالح إخواننا المجاهدين. أيها الإخوة: من لإخوانكم إلا أنتم، أتنتظرون الدعم من دولةٍ وثنية مجاورة؟! أننتظر الدعم لإخواننا من دولةٍ وثنية؟! أو من دولةٍ شيعية؟! أو من دولةٍ روسية؟! أو من دولةٍ مضطربة؟! والله ثم والله! ووالله وتالله وبالله! ليس لإخوانكم بعد الله إلا أنتم، إن كانوا في خيرٍ فالفضل لله وحده، ثم لدعمكم، ثم لوقوفكم، ثم لجهادكم بأموالكم وأنفسكم، فلا تتركوا إخوانكم في نهاية المطاف، وخاتمة المصير، لا تبخلوا معاشر المؤمنين، فإن واقع التبرعات يشهد أنها انخفضت إلى حد النصف -ولا حول ولا قوة إلا بالله- في ظروفٍ تخلت فيها الدول أجمع إلا هذه الدولة، في ظروفٍ تخلت فيها فيها الأمم أجمع إلا هذه الأمة، نسأل الله جل وعلا أن يجعل ذلك في موازينها ورفعةً لدرجات ولاة أمرها وحكامها، ودفعاً للبلاء عن المسلمين أجمعين. أيها الأحبة: الطقس بارد، والجليد شديد، والثلج منهمر، والدماء لا زالت تسيل، والمدافع لا زالت تتحدث، والنيران لا زالت تنثر حممها على المخيمات والأبرياء والمدن، لا زال الجهاد بل عاد أشد مما مضى، وهي شنشنة أخزمية، وهي طريقةٌ معروفة في بداية الشتاء من كل فصل، ينزل الاتحاد السوفيتي جام غضبه، وحمم نيرانه على المجاهدين في الظروف الباردة التي لا يستطيعون أن يتنقلوا فيها بطلاقة. فيا عباد الله: إن إخوانكم بأمس الحاجة؛ ما ظنك بريالٍ تدفعه يموت به شيوعيٌ من الملاحدة، ما ظنك بدينارٍ تقدمه يبني ثكنة لإخوانك المجاهدين، ما ظنك بقرشٍ تقدمه يقدم لقمةً لجائع من الجائعين، ولمهاجرٍ من المهاجرين. أيها الأحبة في الله: إن الذين يتفرجون على كربة إخوانهم يدفعون الغرامة ضعفين، فلا تتفرجوا فتدفعوا، ولا تسكتوا فتبتلوا، وتذكروا قول الله جل وعلا: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]. ساعدوا إخوانكم وتذكروا قول ربكم: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] الزمان دُولة، والأرض دول، والأمم دول: لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسانُ هي الحياة كما شاهدتها دولٌ من سره زمنٌ ساءته أزمانُ وهذه الدار لا تبقي على أحدٍ ولا يدوم على حالٍ لها شانُ يا راتعين وراء البحر في دعةٍ لكم بأوطانكم عزٌ وسلطان أعندكم نبأٌ عن شأن إخوتنا فقد سرى بحديث القوم ركبانُ يا رب أمٍ وطفلٍ حيل بينهما كما تفرق أرواحٌ وأبدانُ وطفلة ما رأتها الشمس إذ بزغت كأنما هي يا قوتٌ ومرجانُ يقودها العلج للمكروه مكرهةً والعين باكيةٌ والقلب حيرانُ لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ أناسٌ يسهرون على الأفلام والمسلسلات، وأناسٌ يبيتون على قصف المدافع والطائرات. أناسٌ يتقلبون في الحرير، وأناسٌ يتلمظون أشواك القتاد. أناسٌ يشكون التخمة، ويعالجون أمراض السمنة، وأناسٌ يتضورون جوعاً، ويموتون ضمأً. أناسٌ يصمتون العرق عن جباههم من كثرة ملابسهم، ومشالحهم، وكنابلهم، وبطانياتهم، ومفارشهم، وأناسٌ يتقلبون في البرد القارس. أناسٌ يضيعون في دورهم ومنازلهم وقصورهم، وأناسٌ تخرق الريح جنبات خيامهم. عباد الله: أين قلوب المؤمنين عن واقع الجهاد؟! أين قلوب المسلمين عن إخوانهم؟! والله ثم والله! إن واحداً ممن أصيب جاء إلى هنا ليعالج -من يومين فقط، يوم الأربعاء، قبل أمس بالضبط- فجاءه الخبر أن أسرته قد ماتوا جميعاً من جراء قصف الطائرات، أمه وأبوه وإخوانه، الأطفال والبنات والفتيات، فلم يستطع أن يبقى، ويصيح ويقول: أخرجوني سأعود إلى أرض الجهاد، لا أريد علاجاً، لا أريد دواءً، لا أريد مئونةً، أريد أن أريق الدم على أرض الجهاد. إن إخوانكم في شأنٍ وفي محنةٍ وفي كربةٍ عظيمة لا يعلمها إلا الله، إن كنتم تتألمون لواحدٍ ممن تعرفونه وهو مسجون هناك أو سجينٌ هنا، فإن السجين هنا، إن كان لحقٍ أو لغرامةٍ مالية لا خوف على روحه؛ ولا يموت جوعاً ولا يشكو برداً، أما أولئك والله فمن كل شيءٍ يشكون، ومن كل صغيرٍ يتألمون، ولكل قليلٍ يحتاجون؛ بحاجةٍ إلى الدواء، بحاجةٍ إلى الكساء، بحاجةٍ إلى الطعام، بحاجةٍ إلى كل جهدٍ منكم يا عباد الله. ما بالنا وما حالنا، يسألنا الله جل وعلا في زمان عطّل فيه الجهاد، ورفع الأفغان فيه راية الجهاد: يا عبادي! ماذا قدمتم لإخوانكم؟ ما هي حميتكم لأبناء دينكم؟ فنقول: ضاعت الليالي في المسلسلات، أم مضت في المباريات، أم انتهت في المأكولات والمشروبات، يا خزية الجواب؟ ويا ضيعة السؤال! ويا محنة الإجابة! يوم نسأل عن إخواننا أمام الله جل وعلا. أيها الأحبة: والله إنها لأحوالٌ دامية، لقد ذهبت إلى إخوانكم في بداية محرم الذي مضى، والله ما كنت أحب أن أخبركم بهذا، لكن الواقع يشهد أن الجراح أليمة، كيف ينتقلون بمدفعيةٍ صغيرةٍ إلى جبهةٍ من الجبهات، يفككونها قطعةٍ قطعة، ويحملونها على أكتافهم، ويمشون على الجبل سبع ساعاتٍ يوماً، ويوماً وليلة، لكي ينصبوا المدفعية الصغيرة التي تطلق شراراً صغيراً، يحاربون به طائرة الميج، أو طائرة السوخوي، أو صواريخ اسكود، إن الكفة ليست متوازنة، لكنها من عند الله راجحة ومنتصرة وغالبةٌ وقوية، في فجر هذا اليوم، اتصل مندوب الجهاد للشيخ سياف وسأله عن الأوضاع، قال: والله! إن أوضاعنا سيئة، وأحوالنا والله سيئةٌ جداً، لكننا في أتم الثقة أن إذا انقطعت أسباب البشر انفتحت أسباب السماء، وإذا أغلقت أبواب البشر انفتحت أبواب الدعاء، وإذا انقطعت المؤن من الأرض توالت المؤن من الله جل وعلا. وهذا يقوله بلسانه، وهذا امتحانٌ لنا ولإخواننا. نعم أيها الأحبة: إنه امتحان للمجاهدين في ثباتهم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]. أيها الأحبة: إنني أدعوكم وأخاطبُ فيكم حمية الإيمان، وأخاطب فيكم فطرة الإسلام، وأخاطب دماً أصيلاً ينبض في قلوبكم، ويجري في عروقكم، أن تنفضوا جيوبكم لإخوانكم، وأن تقدموا دعمكم وتبرعاتكم، ومن لا يجد اليوم شيئاً فليأتِ به في غد، ومن لم يجد في غد فليأتِ به بعد غد، إننا في حالة نفير، إننا في حالة استنفار، إنها حالة طوارئ، فكلٌ يقدم لإخوانه، ووالله لا خير فينا إن لم نقف لإخواننا، كم بذل النصارى لنصرانيتهم؟ كم بذل اليهود ليهوديتهم؟ كم بذل الفجار لفسقهم؟ كم بذل الكفار لفسادهم؟ ماذا تبذلون لدينكم؟! ماذا تقدمون لإخوانكم؟ ماذا تقدمون من مالكم؟ أيكون الريال أغلى من روح تطير في سبيل الله؟! أيكون الدينار أغلى عليكم من الأشلاء والأيدي والأرجل والأقدام؟! أتنتهك النساء، أيفعل الزنا بالبريئات جهاراً نهاراً وأنتم ها هنا في دعةٍ واستقرار؟!! فاتقوا الله في حال إخوانكم، ولتسألن والله عنهم. اللهم انصرهم، اللهم انصرهم، اللهم انصرهم، اللهم أنزل السكينة على قلوبهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم انقطعت أسبابنا وبقيت أسبابك يا رب السماوات والأرض، اللهم أغلقت أبوابنا وتفتحت أبوابك يا رب السماوات والأرض، اللهم انقطع الأمل في كل مخلوق، والأمل فيك باق لا يزول يا رب العالمين، اللهم لا تكل إخواننا إلينا، اللهم لا تكلهم إلى بشر، اللهم كلهم إلى قوتك ودعمك وفضلك ومنّك يا رب العالمين، اللهم إنَّا نشكو إليك قلة حيلتهم، وفقر جيوبهم، وضعف أبدانهم، وقلة سلاحهم، وندرة طعامهم وشرابهم، والبرد القارس في بلادهم، اللهم آمن روعاتهم، وثبت أقدامهم، واجمع شملهم، ووحد صفوفهم، اللهم عجل بشائر نصرهم، اللهم أهلك عدوهم، اللهم عليك بـ الملاحدة الذين لا يعترفون بوجودك، اللهم عليك بالشيوعيين وأذنابهم، اللهم عليك باليهود وأعوانهم، اللهم ارفع الكربة عن إخواننا في أفغانستان، اللهم عجل نصرهم، وأقم دولتهم. أيها الأحبة: إنها الضربة الأخيرة! إنها الهجمة الخاتمة! إن لم نقف معهم فمن يقف معهم؟؟! اللهم انص

ما يطلبه المستمعون

ما يطلبه المستمعون يقول الشيخ واصفاً درسه: لما قلَّبت وفكرت، تذكرت أن عندي أسئلة طالما ضاق الوقت عن الإجابة عليها في نهاية بعض المحاضرات فقد جمع الشيخ هذه الأسئلة وأجاب عنها، وهي آيات وأحاديث، ونصيحة ومواقف محرجة، وقصائد على رأسها النونية لابن القيم.

الدنيا دار ممر إلى الآخرة

الدنيا دار ممر إلى الآخرة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة في الله! أسأل الله جل وعلا أن يحرم وجوهكم على النار، وأن يجمعنا وإياكم في دار كرامته ومستقر رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه. ما أطيب هذه الليالي، وما أجمل هذه الأمسيات التي تزدان بهذه الوجوه المؤمنة الطاهرة، وتجتمع بهذه القلوب العبقة بالمحبة والمودة والأخوة في الله ولأجل الله، ما اجتمعتم على وترٍ ولا نغمٍ ولا عزفٍ ولا طربٍ ولا لهو، وإنما اجتمعتم على محبة وأخوة، تتلون كلام الله، وتسمعون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسائل يجاب، وضالٌ يهدى، وجاهل يعلم، ومستفيد يفيد، وهكذا مجالس المؤمنين. إن هذه الساعة التي نجلسها -أيها الأحبة في الله- ستمر عليكم في هذا المخيم، وستمر على مخيماتٍ كثيرة سواء أكانت في جدة أو الرياض أو مكة أو في أي مدينة أو مكان، وستشهد تلك الساعات على أصحابها إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فطوبى لعبدٍ جاهد نفسه حتى غابت شمس يومه بعملٍ صالحٍ يشهد له لا عليه، وهنيئاً لعبدٍ غلب شهواته وقاد نفسه إلى مرضاة ربه عز وجل حتى يلقى الله، وما أحقر وأصغر أقل أيام هذه الدنيا، وما هي إلا سويعات حتى نلقى الله جل وعلا. قيل لإمام أهل السنة الجهبذ الجليل العظيم أحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله! هلا ابتغينا لك حذاءً غير هذه فقد انقطع شسع نعلك، فقال أبو عبد الله: يا بني! طعامٌ دون طعام، وحذاءٌ دون حذاء، وشراب دون شراب، ولباس دون لباس، حتى نلقى الله جل وعلا. ولما سأله ولده وقد رأى ما حل به من العذاب في ثباته في المحنة بالقول بخلق القرآن، قال: يا أبت! أنت إمام السنة فمتى الراحة؟ فقال: يا بني! الراحة عند أول قدمٍ نضعها في الجنة. أيها الأحبة: هذه مقدمة يسيرة وقصيرة، وهذا أوان الشروع في المقصود، فلقد اختار الإخوة عنواناً عجيباً غريباً، ولما قرأت الإعلان في أحد المساجد ضحكت كثيراً ودهشت كثيراً وعجبت كثيراً "ما يطلبه المستمعون" هذا برنامج يذاع بعد الظهر في الساعة الواحدة والنصف لعددٍ من الذين يطلبون عدداً من الأغاني والأغنيات، ويهدونها إلى الأصدقاء والصديقات والزملاء والزميلات، فلانة بمناسبة وضع مولودها، والأخرى بمناسبة إنجابها ابنتها، والثالث بمناسبة تخرجه من الكلية، والرابع بمناسبة عقد الخطوبة، والخامس بمناسبة شراء السيارة، والسادس بمناسبة بيع البيت، والسابع القضية أيها الأحبة: أن ما يطلبه المستمعون موضوعٌ غريب وعجيبٌ جداً، ولكن لما قلبت النظر، وفكرت كثيراً؛ تذكرت أن عندي عدداً من الأسئلة التي طالما ضاق الوقت عن الإجابة عليها في نهاية وختام بعض المحاضرات، فأعود بأسئلتي في جعبتي وأقلب الأسئلة في البيت فإذ بي أجد في الأسئلة سائلاً يقول: أريد منك أن تسمعنا آيات من القرآن، وآخر يقول: نريد أن تسمعنا شيئاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة يرغب أن يسمع حديثاً كان له أثر في حياتي، وثالث يسأل عن موقف محرجٍ وغريب وعجيب، ورابع يسأل عن أبيات من أعذب الشعر، وخامس يسأل نصيحة معينة، فجمعت هذه الأسئلة فقلت: هذا ما يطلبه المستمعون! نعم. إن ما تسمعونه اليوم هو مجموعة من الطلبات التي جمعتها في ختام كثيرٍ من المحاضرات التي ضاق الوقت عن الإجابة على كثيرٍ من الأسئلة في ختامها، ولأجل ذلك فاسمعوا واصبروا وأعانكم الله على ما تسمعون، ويكفيك من شرٍ سماعه.

آيات من كتاب الله

آيات من كتاب الله أولاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ * وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ * أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:76 - 90].

من أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم

من أحاديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم ثانياً: حديث من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم له أثر بالغ عظيم في نفسي وفي نفس كل مسلم، وأنتم من أحبابنا الذين يتأثرون بكلام الله ورسوله، ذلكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جاءني جبريل وقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس). وحديث آخر عذب جميل من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم يرويه ابن ماجة في سننه، قال صلى الله عليه وسلم: (من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره، وفرق عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله له شمله، وحفظ عليه ضيعته، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة) حديث عظيم يخاطب وينادي كل شاب أشغله أمر المستقبل، وأهمه أمر الرزق. أخي الكريم: إن كنت على وجلٍ من الرزق فإن الرزق محتوم ومعلوم ومكتوب منذ كنت في بطن أمك، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك بكتب أربع كلمات: برزقه وأجله وشقي أم سعيد). الرزق معلوم فلا تجزع، والرزق مقسوم فلن تمنع. واعلموا -أيها الأحبة- أن من أصبح وهمه رضا الله والآخرة وما يرجو به وجه الله، فإن الله سيجمع له ما تشتت، وتأتيه الدنيا راغمة، ومن أصبح وهمه الدنيا فلن يأتيه أكثر مما قسم له، ويشتت عليه أمره ويصبح عبداً لهذه الدنيا وما كانت الدنيا يوماً راغمة.

نصيحة إلى كل شاب غافل

نصيحة إلى كل شاب غافل ثالثاً: أيها الأحبة في الله! أيها الشاب الذي سمع كثيراً عن الملتزمين والمتدينين والصالحين، هؤلاء هم إخوانك تسمع منهم الآية فيخبتوا ويخضعوا ويخشعوا لسماعها، ويسمعون الحديث فيستنبطون فوائده ومسائله، وتسمع منهم الكلمة الطيبة وترى في مُحيَّاهم علامات البشر والسماحة، وترى البسمات المنطلقات بكل تواضع ولين ومحبة في الله ولله: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق). وإلى ذلك الشاب الذي أعرض ونأى بجانبه، إلى ذلك الشاب الذي قيل له: تعال فاسمع محاضرة قال: لا حاجة لي بهؤلاء المعقدين والموسوسين. إلى ذلك الشاب الذي قيل له: تعال واسمع نصيحة واحضر مجلساً واقرأ كتاباً واكتب كلمة نافعة، قال: إني عنهم مشغول، ويدعي أنه في شغلٍ أهم من شغل الآخرة. أيا من يدعي الفهم إلى كم يا أخا الوهم تعبي الذنب والذم وتخطي الخطأ الجم أما بان لك العيب أما أنذرك الشيب وما في نصحه ريب ولا سمعك قد صم أما نادى بك الموت أما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت فتحتاط وتهتم فكم تسدر في السهو وتختال من الزهو وتَنْصَبُّ إلى اللهو كأن الموت ما عم وحتى مَ تجافيك وإبطاء تلافيك طباعاً جمعت فيك عيوباً شملها انضم إذا أسخطت مولاك فما تقلقُ من ذاك وإن أخفق مسعاك تلظيت من الهم وإن لاح لك النقش من الأصفر تهتش وإن مر بك النعش تغاممت ولا غم تعاصي الناصح البر وتعتاص وتزور وتنقاد لمن غر ومن مان ومن نم وتسعى في هوى النفس وتحتال على الفلس وتنسى ظلمة الرمس ولا تذكر ما ثم ولو لاحظك الحظ لما طاح بك اللحظ ولا كنت إذا الوعظ جلا الأحزان تغتم ستذري الدم لا الدمع إذا عاينت لا جمع يقي في عرصة الجمع ولا خال ولا عم كأني بك تنحط إلى اللحد وتنغط وقد أسلمك الرهط إلى أضيق من سم هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم ومن بعد فلا بد من العرض إذا اعتد صراطٌ جسره مد على النار لمن أم فكم من مرشدٍ ضل ومن ذي عزة ذل وكم من عالمٍ زل وقال الخطب قد طم فبادر أيها الغمر لما يحلو به المر فقد كاد يهي العمر وما أقلعت عن ذم ولا تركن إلى الدهر وإن لان وإن سر فتلفى كمن اغتر بأفعى تنفث السم وخفض من تراقيك فإن الموت لاقيك وسارٍ في تراقيك وما ينكل إن هم وجانب صعر الخد إذا ساعدك الجد وزم اللفظ إن ند فما أسعد من زم ونفس عن أخي البث وصدقه إذا نث ورم العمل الرث فقد أفلح من رم ورش من ريشه انحص بما عم وما خص ولا تأس على النقص ولا تحرص على اللم وعاد الخلق الرذل وعود كفك البذل ولا تستمع العذل ونزهها عن الضم وزود نفسك الخير ودع ما يعقب الضير وهيئ ركب السير وخف من لجة اليم بذا أوصيك يا صاح وقد بحت كمن باح فطوبى لفتى راح بآدابي يأتم أيها الشاب: لم تسمع في مجالس الخير إلا من هذه النصائح والمواعظ والفوائد. المواعظ سياط القلوب تناديك لتخرجك من غفلة السادرين، ولتوقظك من سبات النائمين، فما الذي يحول بينك وبين التوبة، وما الذي يمنعك من الهداية، وما الذي يردك عن الاستجابة، وما الذي يردك أن تعود إلى الله فتنقلب إلى أهلك ضاحكاً مسروراً فرحاً بتوبتك، وتروح إلى ملاهيك وأشرطتك وما عندك من أمور اللهو فتنقض عليها جذاذاً ولا تدع منها شيئاً أبداً؛ توبة وعوداً ورجوعاً إلى الله جل وعلا.

لا تساوي بين الأعمى والبصير

لا تساوي بين الأعمى والبصير أخي الكريم: هل تعرف الفرق بين المهتدين والضالين؟ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} [الرعد:16]؟ أخي الكريم: ألم تسمع قول الله جل وعلا: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] حياة الصالحين في تهجد الليل أتكون كحياة الفاسقين في كئوس الخمر؟ حياة الذين يقرءون القرآن آناء الليل ساجدين قائمين يرجون الآخرة ويرجون رحمة ربهم ويخشون سوء العاقبة، أتكون كمن يسدرون ويسهرون الليالي على قنواتٍ مختلفة ومحطاتٍ ما عرضت أمام أعينهم إلا الصور العارية، والمنكرات السارية، والأمور التي لا ترضي الله جل وعلا {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19] أيستوي ذلك الصالح مع الطالح؟! أيستوي الفاسق مع البر؟! أيستوي الطيب مع السيئ؟! {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9]؟! أخي الكريم: هل تعرف الهداية: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد:14] هل يستوي من يمشي على صراطٍ مستقيم ومن هو منحرف عنه؟ {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22]. أتظن أن الصالحين كالطالحين في حياتهم ومماتهم وليلهم ونهارهم؟!! {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28] {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18].

قل: سمعنا وأطعنا

قل: سمعنا وأطعنا أخي الكريم: إن أسلمت فقد اهتديت، وإن سلمت الأمر لربك فقد اهتديت، وإن قلت: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فقد اهتديت، وإن قلت: لا خيرة لي بعد أمرك يا رب وأمر رسولك صلى الله عليه وسلم فقد اهتديت. وإن انصرفت ذات اليمين وذات الشمال وازور بك الأمر يمنة ويسرة فاعلم أنك على خطرٍ عظيم {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة:137] {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] من هم المهتدون؟ من هم الذين جاوزوا أطباق الثرى والثريا بمنة الله عليهم بهذه الهداية؟ المهتدون هم {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:3 - 5] المهتدون {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. فما أسباب هدايتهم؟ كيف اهتدوا؟ وكيف تميزوا؟ وكيف سادوا؟ وكيف سبقوا؟ وكيف نالوا؟ وكيف تقدموا؟ والله ما نالوا ذلك بمعادلاتٍ معقدة، ولا مشروبات عجيبة، ولا كبسولات غريبة، إنما نالوا الهداية بالطاعة، سمعوا قول الله فقالوا: سمعنا وأطعنا، سمعوا قول الله فقالوا: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51]، ما اختاروا لأنفسهم خيرة بعد أمر الله، ما اختاروا أمراً بعد أمر الله، ما قالوا: نقلب أو نفكر أو ننظر نتوب أو لا نتوب، نقلع عن الذنوب أو لا نقلع، نعود عن المعصية أو لا نعود، أبداً {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]. والله ما اختاروا شيئاً بعد أن سمعوا كلام الله وكلام رسوله، هكذا اهتدوا، وهكذا أصبحوا في عداد المهتدين. {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور:54] {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف:158]. يا أيها الشاب! أتريد الهداية؟! ارم بنفسك بين يدي خالقك. أتريد الهداية؟! اسجد نادماً، اخضع نادماً، ابك لله نادماً على ما فعلت، فإن ربك قريب ولا تحتاج توبته إلى اعترافٍ أو إلى قاضٍ أو إلى أحدٍ لتعترف بين يديه وإنما هي بينك وبين الله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

والذين اهتدوا زادهم هدى

والذين اهتدوا زادهم هدى أيها الأحبة: ولما اهتدوا زادهم الله هدىً، أولئك الذين سلكوا طريق الهداية لما اهتدوا زادهم وآتاهم تقواهم، لقد نالوا الهداية بالانقياد وبالاستجابة وبقول: سمعنا وأطعنا {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. أما أولئك الذي ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، أما الذين ينهون عن الحق وينأون عنه، أما الذين لم يكفهم أن يحملوا ذنوبهم بل حملوا ذنوب غيرهم: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:25] أولئك كيف ضلوا؟ وكيف ضاعوا؟ وكيف حادوا عن جادة الصراط؟ وكيف ضلوا عن سواء السبيل؟ لقد ضلوا يوم أن زين لهم الشيطان أعمالهم، قال الله عز وجل: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} [النمل:24] والشيطان لا يريد بهم خيراً لما زين لهم، ذلك كما قال الله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:60]. نعم لقد ضلوا بجليسٍ دعاهم إلى المعصية، ودعاية زخرفت لهم المعصية، وخيالٍ خيل لهم المعصية، ثم جلسوا يتنادون يظنون أنهم في سعادة ولكن يوم القيامة يلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض، ويسب بعضهم بعضاً، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27 - 29]. نعم. لهم قادة في الباطل فاتبعوهم، وجعلوا لهم رءوساً في الشر فانقادوا لهم، وحسبوا أنهم يهدونهم إلى صراطٍ وهم يضلونهم إلى سوء العذاب ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما ينفعهم قولهم يوم القيامة: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:67] ثم يدعون على من قادهم إلى الضلالة فيقولون: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:68]. أولئك مساكين قد غرهم كثيرٌ من الناس، وبعض الضالين إذا ناقشته في ضلاله وفي معصيته، قال لك: أكثر الناس هكذا، وأكثر الناس يفعلون هكذا، وهل الكثرة حجة؟ وهل العوام حجة؟ وهل الطغام حجة؟ وهل الفئام حجة؟ أوليس الله جل وعلا يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] لقد اتبعت الكثرة وما ذاك إلا لهوى في النفس، ومن تبع هواه فقد ضل والله جل وعلا يقول: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:50]. يا أخي الحبيب! إن طائفة من الشباب ضلوا باتباع سادة في الشر والباطل، وضلوا بسبب جلساء زينوا لهم المعاصي، وضلوا بسبب العناد والإمعان، وضلوا بسبب التكبر، بعضهم يتكبر على الحق والانقياد له، بعضهم يقول: وإذا التزمت أفأجلس مجالس هؤلاء الضعفاء أو أكون في زيهم وسمتهم، أو أحرم نفسي ما عودت نفسي عليه، لقد عود نفسه ألواناً من المنكرات ولا يريد أن يتركها، تكبر عن أمر الله وأمر رسوله. والله جل وعلا توعد الذين يتكبرون عن الانقياد للحق بأن يصرف قلوبهم عنه، قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146]. أولئك الذين أسرفوا في الضلالة فأضلهم الله: {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ} [غافر:34] ولما أعرضوا عن ذكر الله قيض لهم شيطاناً وهو قرين لهم يقودهم ويصدهم ويغريهم ويخادعهم ويقول لهم: إنكم على حق، وصدق الله حيث قال: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:26 - 38]. أيها الأحبة: إن بعض الشباب الذين ضلوا وأمعنوا في الضلالة قست قلوبهم وطال عليهم الأمد، والله يناديهم فيقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. قال مالك بن دينار: ما ضرب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب. فيا أيها الشاب الذي ضل وزل وقسا قلبه: عد إلى الله فإن الله يفرح بتوبتك فرحاً عظيماً. أخي الحبيب: والله لو اتبعت أمر الله وهدى الله فلن تجد ضنكاً ولا ضيقاً ولا سقماً ولا مرضاً: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:123 - 126].

اللذة الحقيقية في طاعة الله

اللذة الحقيقية في طاعة الله أيها الشاب: والله إن عملت صالحاً فإنا نبشرك ونهنئك ونقربك إلى حياة طيبة هي من عند الله بشارة صادقة ليست من عندي ولا من عند شيخٍ قريب ولا بعيد، يقول ربك الغني عنك: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. أيها الأحبة: إن الذين ذاقوا لذة الهداية يتحدون أعظم الناس في لذاتهم، يقول واحدٌ ممن أدركوا حلاوة الإيمان: والله لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا بالسيوف. ويقول آخر: إنه ليمر بالقلب أوقاتٌ يرقص فيها طرباً. ويقول ثالث: إنه لتمر بي أوقات من لذة الهداية والخشوع والمناجاة أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيشٍ طيب. انظر إلى الذين ذاقوا لذة الهداية سموا، وارتفعوا، وتجاوزوا حدود الملذات القريبة، بل أصبحوا يجدون اللذة حتى لو كانوا في المحنة وفي بلاء عظيم. هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما سجن في دمشق في سجن القلعة، قال: ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري، أينما كنت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة. وكان يقول رحمه الله في مجلسه وهو في سجن القلعة: لو بذلت مثل هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة، وما جزيتهم -الذين تسببوا في حبسه- على ما تسببوا إلي فيه من الخير. ويقول ابن تيمية: المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه. واعجبوا إلى هذا العالم الجهبذ شيخ الإسلام ابن تيمية، يقول وقد سجن في الإسكندرية فكتب رسالة يقول فيها: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] يحدث عن نعمة وهو في السجن، يحدث عن نعمة وهو في القيد، يحدث عن نعمة وهو في الأغلال، لو أن أحداً قرأ رسالته ولم يعلم أنه في سجن لقال: إنّ هذا قد زوج أجمل النساء، وأسكن أفضل القصور، وأركب أفخر المراكب، وقدمت له خيار وكرائم الأموال، لكنه يقول وهو في سجن الإسكندرية: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11]. يقول: والذي أعرف به الجماعة أحسن الله إليهم في الدنيا والآخرة وأتم عليهم نعمته الباطنة والظاهرة، ويقول ابن تيمية أيضاً: والله الذي لا إله إلا هو إني في نعمة من الله ما رأيت مثلها في عمري كله، فقد فتح الله عليَّ سبحانه وتعالى من أبواب فضله ونعمته وخزائن جوده ورحمته ما لم يكن في البال، ولم يدر في الخيال، هذا ويعرف بعضها بالذوق من له نصيبٌ من معرفة الله جل وعلا وتوحيده وحقائق الإيمان، وما هو مطلوب الأولين والآخرين من العلم والإيمان. ثم يقول شيخ الإسلام: فإن اللذة والفرحة والسرور وطيب الوقت والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه إنما هو في معرفة الله سبحانه وتعالى، وفي توحيده والإيمان به، وانفتاح الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية. أيها الأحبة في الله: هكذا ذاقوا الهداية فأصبحت السعادة لا تفارقهم في قصرٍ أو سجن، في سعةٍ أو ضيق، ركبوا أطيب المراكب أو مشوا حفاةً، لبسوا الخز والحرير والثياب أو مشوا بأقل من ذلك أو أدنى منه.

احفظ الله يحفظك

احفظ الله يحفظك إن الهداية شأنها عظيم، يحفظ الله بها عبده: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] قال ابن عباس: [هم الملائكة يحفظونه بأمر الله جل وعلا]. أيها الشاب: إن اهتديت فأنت بإذن الله في عصمة بعد الهداية وملازمة إخوانك والحرص على طلب العلم ومجالس الذكر، وأنت بإذن الله في حصنٍ حصين ومكانٍ أمين بعيدٍ عن الشبهات والشهوات، قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24]. أيها الأحبة أيها الشاب: إن اهتديت فأنت معك فئة لا تغلب، وحارسٌ لا ينام، وهادٍ لا يضل. وقال قتادة: [من يتق الله يكن معه، ومن يكن معه نجاه:] {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128] الهداية ستجعل عافيتك قوية، وحواسك نافعة، وجوارحك بإذن الله تنفعك حتى آخر لحظة من حياتك. كان العلامة القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري الشافعي المتوفى سنة (450هـ) قد جاوز المائة من عمره وهو ممتعٌ بقوة وعقل، فوثب ذات يوم وثبة شديدة، فعوتب في ذلك وقالوا له: كيف وثبت هذه الوثبة وعمرك قد جاوز المائة؟ قال: هذه جوارح حفظناها عن معصية الله في الصغر، فحفظها الله لنا في الكبر. هذه الهداية أيها الشباب! فأقبلوا وأقدموا عليها، ووالله إن المحروم من حرم الهداية وأعرض عنها. نقول: هذا عسلٌ مصفى، فيقول بعض من أريدت به الضلالة أو اشتهى الضلالة: لا. أريد ماء مكدراً نجساً مخلطاً. يقال: هذا عودٌ طيبٌ طاهرٌ ورائحة طيبة، فيقول: لا. أريد رائحة فيها نتنٌ وفيها ذخرٌ ونجاسة. يقال: هذه رفعة، فيختار ذلة. يقال: خذ كرامة، فيختار هواناً. يقال: خذ خيراً كثيراً، فيختار شراً وفيراً ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الأحبة: إن لذة الحياة وجمالها وقيمة السعادة وكمالها لا تكون إلا في طاعة الله التي لا تكلف الإنسان شيئاً سوى الاستقامة على أمر الله وسلوك طريقه ليسير المهتدي بعد ذلك مطمئن الضمير، مرتاح البال، هادئ النفس، دائم البشر، طلق المحيا، وأبشر والله لو صممت وعزمت واجتهدت وحرصت على الهداية فإن الله يدنيها إليك، ويقربها بين يديك. أخي الكريم: إنك إن أعرضت عن الهداية واخترت الضلالة فلا تزال في نكدٍ وكبدٍ وضيقٍ وانقباضٍ وشكٍ، وانظر إلى أحوال الضالين الذين دعوا فلم يستجيبوا، ونصحوا فلم ينتصحوا، وأهدوا الشريط فلم يسمعوه، وقدم لهم الكتاب فلم يقرءوه، ودعوا إلى المحاضرة والمخيم والندوة والفائدة فلم يلتفتوا إليها، انظر ما هم فيه من حال: سهرٌ على معصية، نومٌ عن صلاة الفجر، تفوتهم المنافع والأرزاق، في الصباح في شقاقٍ مع أزواجهم، في مصائب، المعاصي تقودهم رويداً رويداً، فمجلس لهوٍ فدخانٍ فمخدراتٍ فمسكراتٌ ثم سرقة ثم معصية ثم قطع طريق وما أكثر الذين لم يعرفوا أنهم قد ضلوا وزلوا إلى أن أوشكت أن تطير رقابهم في ساحات العدل. هذه نصيحة قد طلبت مني فأنا أقدمها لكم وأقول لكل مهتدٍ: اثبت {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} [هود:112] وأقول لكل ضال: عد إلى الله عد إلى ربك وأذكرك بقول الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53].

موقف محرج

موقف محرج رابعاً: أنتقل بكم بعد ذلك أيها الأحبة إلى الفقرة الرابعة من برنامج " ما يطلبه المستمعون " وهي فقرة غريبة طالما سئلت عنها، وهي: أي موقف محرجٍ مر عليك؟ المواقف الحرجة كثيرة: وأختار منها موقفاً غريباً، أنتم تعرفون شريط (حاولنا فوجدنا النتيجة)، هذا هو حلقة ثانية بعد شريط (حاول وأنت الحكم) صليت ذات يومٍ في مسجدٍ من المساجد فقام شابٌ عليه سيما الخير، وأخذ ينصح الناس ويعظهم ويأمرهم ويدعوهم إلى الله جل وعلا، ويحثهم على التوبة ويقربها بين يديهم، قال: وإني أنصحكم بسماع شريط (حاولنا فوجدنا النتيجة) فإن فيه قصة ثلاثة كانوا فجاراً فساقاً عصاة، منهم: سعد البريك وصالح الحميدي وفهد بن سعيد، وإن الله مَنَّ عليهم بالتوبة والهداية، لقد كانوا مجرمين وقطاع طرق وفجرة وكانوا وكانوا وأخذ يرمينا بأخبث الصفات وأقبح العبارات. وأنا إن خرجت من المسجد قال الناس: نعم. إذاً كان مجرماً من قبل ولذلك خرج، وإن جلست في المسجد أخذ الناس ينظرون إلي، وأنا في حرجٍ عظيم، وإن قمت أقاطعه أخشى أن أحرجه وأحرج نفسي معه. فسكت حتى انتهى ثم أمسكت به فيما بعد، وقلت له: هل تعرف أن سعد البريك كان مجرماً من قبل؟ قال: هكذا فهمت من الشريط. فقلت: والله يا أخي الكريم! على أية حال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له، لكن اعلم أن الله سبحانه وتعالى مَنَّ علينا بنعمة العقل والرشد والتمييز ونشأنا في أسرة طيبة، وبتربية أبٍ أسأل الله أن يحرمه وإياكم وآباءكم على النار، ومنذ الصغر ما عرفنا -ولله الحمد- ضلالة مما ذكرت أو جريمة كما وصفت، أو قطع طريق أو فسقاً كما ذكرت، ولكن يا أخي الكريم تثبت ولا ترم إخوانك بما لا تعلم، فهذا من المواقف المحرجة.

أبيات نبطية في الجهاد

أبيات نبطية في الجهاد أحد الإخوة طلب مني أن أسوق له قصيدة كنت قد تمثلت ببعض أبياتها، وهي قصية نبطية ولكنها جميلة، كان يرددها رجلٌ يقال له: أبو طارق، وقد قتل في أفغانستان رحمه الله في تلك الأيام العصيبة العظيمة التي كان الروس فيها ينزلون إنزالاً مظلياً على المجاهدين، عندما كان المجاهدون قد طردوا ودحروا الروس والشيوعيين، تقول هذه القصيدة: يا عرب يا عجم يا ترك يا بربر يا حماة العقيدة دينكم واحد راية الحق والتوحيد لا تقهر ارفعوها وحطوا راية الجاحد وحدوا صفكم واقضوا على المنكر واستعيدوا لنا تاريخنا الخالد شعبنا الأفغان يسقي الروس موت احمر واكتسح كبرياهم شعبنا الصامد يا سمرقند يا القوقاز أقولها كذا بنفس اللغة؛ لأن الشاعر كان من أهل اليمن، أسأل الله أن يدخله الجنة، يقول: يا سمرقند يا القوقاز قم وازأر يا بخارى بلاد العالم الماجد شعبنا بعد غفلة صابته فكر واكتشف ما جناه الكافر الحاقد والجهاله من الطاغوت والعسكر تمنع اللي صحا لا ينبه الراقد من تجرأ وقال الحق في المنبر قالوا إنه عدو الناس والقايد من دعا للخلاعة عندهم يذكر مذهب الكفر لا ناقص ولا زايد يا بني ديننا حكم من بلاد ابتر بدلوا ديننا بالمذهب الفاسد يا بني ديننا صوت الندا يزأر شعبنا كم تكبد ظلم ويكابد واحمل السيف والصاروخ والخنجر والمجاهد بحق أفضل من القاعد والطواغيت ولىَّ شرهم وادبر راح وقت العمالة والله الشاهد صبح الإسلام عقب الليل قد نور والخلافة على منهاجها الراشد يا عرب يا عجم يا ترك يا بربر يا حماة العقيدة دينكم واحد من أجمل ما سمعت من الشعر النبطي الذي يثير الشباب إلى الحماس في الجهاد في سبيل الله جل وعلا.

مواقف محرجة أخرى

مواقف محرجة أخرى كذلك مما يطلبه المستمعون وهو موقف غريب عجيب في إحدى المحاضرات الشيخ يوسف يذكرني بأحد المواقف لعله كان قد سمع به. نعم. يا أخي الكريم! في إحدى المحاضرات يمكن أن نقوله من المواقف المحرجة: كنا في مسجدٍ وتعرفون الشباب من حماسهم يتقدمون ويتحلقون حول المحاضر حتى يصبح الذين في الصف الأول يصبحون في الصف الثاني أو الثالث يعني يتقدم على الصف الأول صفان من الشباب ويتحلقون حول الإمام، فلما انتهت المحاضرة وجاء المؤذن ليقيم الصلاة إذ بالمؤذن بينه وبين الميكرفون تقريباً حوالي صفين من الشباب فقال: (هو دين ولا تين)؟ كنا في الأول وصرنا في الثالث، فحقيقة مكثت أضحك هنيهة من هذا المثل الجميل (هو دين ولا تين)، قلنا له: في الحقيقة إنه دين بإذن الله جل وعلا، والمحاضرة من الدين. كذلك من الأمثال الجميلة التي يمكن أن يضرب بها المثل لبعض الشباب، ولو كنا في مجلس لربما تأدبنا أو كان من واجبنا أن نتأدب في المسجد، لكن ما دمنا في الخلاء فلا بأس أن نمرح ونضحك معكم، وأسأل الله أن يجعل ذلك في موازين أعمالنا وإياكم جميعاً في الحسنات بإذن الله. في إحدى المحاضرات كنا نضرب مثلاً لبعض الشباب الذين يقولون: إننا لا نستطيع أن نترك هذا المنكر أو لا نترك هذه الخطيئة. فنقول لهم: يا أخي الكريم! يا أخي الشاب! إن المعصية جزء كبير منها نوع من التعود، حتى إن بعض الشباب أصبح يمارس المعصية دون لذة بالمعصية ولكن لمجرد التعود عليها، فتجده والعياذ بالله يمعن في المعصية مرة ومرتين وثلاث وأربع وربما الأولى فيها لذة، ولكن الثانية والثالثة والرابعة هي في الحقيقة من باب التعود، ومن تعود على شيء والعياذ بالله وخاصة من أمور الشر فإنه يصبح مدمناً له فيفعله وربما مات عليه وإنا لله وإنا إليه راجعون. على أية حال يضرب مثلاً قد يكون حقيقياً والظاهر أنه من باب الخيال أو الدعابة على أن التعود له أثرٌ عظيم حتى على البهائم: فيروى أن رجلاً كان عنده حوش، وكان في هذا الحوش أنواعٌ مختلفة من الغنم، نعيمي وبربري وعنز وأشكال مختلفة، وعددٌ لا بأس به من هؤلاء، فذات يوم تسلط بعضهم على بعض يتناطحون ويتسابون ويتشاتمون حتى ارتفع صوت رغائهم وقلبوا القدور وآذوا الجيران، فالتفت الرجل يطل من صفحة الدار على غنمه فوجدهم في معركة عظيمة، وأراد أن يسكتهم فما استطاع أن يصل إلى ذلك سبيلاً، فقام من شدة غيظه وحنقه على غنمه أن قام وفتح البوابة وركبهم جميعاً في (الونيت) وراح يفحط بهم ويدور ويرقى بهم محطات ويريد أن يقلبهم يميناً ويساراً وفرامل وسحب جلنط، (حاس بهم حوساً) حتى داخت رءوس الغنم وجاء بها في الليل وفتح الباب وكل واحد قد مسك جداراً ونام، ما استطاعوا أن يطيقوا شيئاً بعد تلك التجزيعات والتفحيطات والجلنطات ونحو ذلك، فلما جاء من الغد ما سمع للغنم صوتاً أبداً لا طبيعي، ولا صوت إزعاج، فقام وطل عليهم من السطح لينظر أين هن فلم يجدها في الحوش، فالتفت إلى الشارع فوجدها قد ركبت في السيارة ينتظرنه. فعلى أية حال: من تعود على شيء أدمنه، حتى الغنم تعودت التفحيط وأصبحت تخرج من الحوش لتنتظر ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله، وينبغي أن تبلغوا عن مثل هؤلاء إذا رأيتموهم. وهذا المثال أيضاً أو هذه الطرفة تضرب في شأن الذين كانوا فنانين وتركوا الفن ولكن لا يزال بعض أتباع الفنانين مصرين على الفن، تجد حتى هذا في الشيوعية والصنم الشيوعي هوى، الشيوعية سقطت، والفكرة انهارت وما عاد لها مبادئ وأسس، وتجد الناس لا يزالون يترنمون بـ الشيوعية. كذلك بعض أهل التمثيل والسينما تابوا وعادوا ورجعوا ولا يزال بعض أتباعهم يمجدون السينما والتمثيل ويصيحون عليها مرات ومرات، فبهذا الأمر يضرب مثلٌ غريب. يقال: إن ثلاثة كانوا في مطعم وأحدهم يتأهب للسفر، فجلسوا في هذا المطعم يأكلون ريثما يحين موعد انطلاق القطار، فما هي إلا لحظات حتى سمعوا صافرة القطار وهو يوشك أن ينطلق ويتحرك، فما كان من هؤلاء الثلاثة إلا أن أسرعوا سرعة عظيمة يريدون أن يلحقوا بالعربة، فركب اثنان منهم ورجع الثالث يضحك ضحكاً غريباً يقهقه، فقابله رجل وقال: لماذا تضحك؟ قال: أصلاً أنا الذي سأسافر وهؤلاء جاءوا لكي يودعوني. فعلى أية حال: هذا الذي هو صاحب الفن قد رجع تائباً لكن المودعين قد ركبوا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أبيات في وصف الجنة وحورها من النونية

أبيات في وصف الجنة وحورها من النونية سابعاً: أخيراً: أيها الأحبة نختم هذه الجلسة الطيبة معكم بواحدة من قصيدتين ولعلها هي من أكثر الطلبات التي وردتني في الأسئلة وهي من قصيدة النونية الشافية الكافية لـ ابن قيم الجوزية رحمه الله، وقصيدة أخرى بعنوان: خل ادكار الأربع والمعهد المرتبعِ والظاعن المودع وعدِّ عنه ودعِ واندب زماناً سلفا سودت فيه الصحفا هذه قصيدة جميلة جداً لكن أحيلكم إلى شريط بعنوان: (الغنيمة الضائعة) فقد ذكرت هذه القصيدة بكاملها أو أغلبها، ولعل الوقت لا يسمح بذكرها تامة. أختم هنا بشيءٍ من أبيات ابن قيم الجوزية رحمه الله من النونية الشافية الكافية: يقول فيها رحمه الله: سبحان ذي الجبروت والملكوت والـ إجلال والإكرام والسبحان والله أكبر عالم الإسرار والـ إعلان واللحظات بالأجفان والحمد لله السميع لسائر الـ أصوات من سرٍ ومن إعلان وهو الموحد والمسبح والممجد والحميد ومنزل القرآن والأمر من قبل ومن بعد له سبحانك اللهم ذا السلطان

دعوة إلى طالب الجنة

دعوة إلى طالب الجنة ثم يدعو ابن القيم إلى المسابقة إلى طلب الجنة وأنتم أيها الأحبة تعلمون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) وإن مما يطيب نفس المؤمن والمؤمنة، والرجل والمرأة، والذكر والأنثى؛ أن الجميع الذين يطمعون بالجنة بإذن الله، سيجدون نعيماً ولذة عظيمة تنسي كل ملذات هذه الدنيا، وتنسي شقاء الدنيا أيضاً كما في الحديث: (يؤتى بأشد أهل الدنيا بؤساً فيغمس في الجنة غمسة واحدة فيقول الله: يا عبدي هل مر بلك بؤسٌ قط؟ فيقول: لا يا رب ما مر بي بؤسٌ قط) فينادي ابن القيم الخاطبين الراغبين في الجنات: يا خاطب الحور الحسان وطالباً لوصالهن بجنة الحيوان لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت بذلت ما تحوي من الأثمان أو كنت تدري أين مسكنها جعلت السعي منك لها على الأجفان ولقد وصفت طريق مسكنها فإن رمت الوصال فلا تكن بالواني أسرع وحث السير جهدك إنما مسراك هذا ساعة لزمان فاعشق وحدث بالوصال النفس وابذل مهرها ما دمت ذا إمكان واجعل صيامك قبل لقياها ويو م الوصل يوم الفطر من رمضان ونحن بحلول شهر رمضان أو بقرب حلول شهر رمضان ينبغي أن نستعد بأن نبني أعمالاً صالحة على توبة صادقة؛ فإن الذي يبني أعمالاً مخلطة أو أعمالاً على ذنوبٍ ومعاصٍ، كمن يبني داراً على شفا جرف هار فيوشك أن ينهار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لا يلهينك منزلٌ لعبت به أيدي البلى مذ سالف الأزمان فلقد ترحل عنه كل مسرة وتبدلت بالهم والأحزان سجن يضيق بصاحب الإيمان لكن جنة المأوى لذي الكفران سكانها أهل الجهالة والبطـ ـالة والسفاهة أنجس السكان أي: المشغولين بحطام الدنيا المعرضين عن أمر الله. والله لو شاهدت هاتيك الصدو ر رأيتها كمراجل النيران ووقودها الشهوات والحسرات والـ آلام لا تخبو مدى الأزمان أبدانهم أحداث هاتيك النفو س اللاء قد قبرت مع الأبدان أرواحهم في وحشة وجسومهم في كدحها لا في رضا الرحمن لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم فقد ارتضوا بالذل والحرمان هربوا من الرق الذي خلقوا له فبلوا برق النفس والشيطان لو ساوت الدنيا جناح بعوضة لم يسق منها الرب ذا الكفران لكنها والله أحقر عنده من ذا الجناح القاصر الطيران يا عاشق الدنيا تأهب للذي قد ناله العشاق كل زمان أو ما سمعت بل رأيت مصارع الـ عشاق من شيبٍ ومن شبان

ما أعد الله لساكني الجنة فيها

ما أعد الله لساكني الجنة فيها ثم يقول في وصف الجنة التي أعدها الله للمتمسكين بالكتاب والسنة الملتزمين بأمر الله وأمر رسوله: هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعميها باقٍ وليس بفان درجاتها مائة وما بين اثنتين فذاك في التحقيق للحسبان مثل الذي بين السماء وبين ها ذي الأرض قول الصادق البرهان لكنَّ عاليها هو الفردوس مس قوفٌ بعرش الخالق الرحمن أبوابها حقاً ثمانية أتت في النص وهي لصاحب الإحسان ولسوف يدعى المرء من أبوابها جمعاً إذا وفى حلى الإيمان منهم أبو بكر هو الصديق ذا ك خليفة المبعوث بالقرآن هذا وفتح الباب ليس بممكنٍ إلا بمفتاحٍ على أسنان مفتاحه بشهادة الإخلاص والتـ توحيد تلك شهادة الإيمان أسنانه الأعمال وهي شرائع ال إسلام والمفتاح بالأسنان هذا ومن يدخل فليس بداخلٍ إلا بتوقيعٍ من الرحمن لا تلغين هذا المثال فكم به من حل إشكال لذي العرفان وكذاك يكتب للفتى لدخوله من قبل توقيعان مشهوران هذا وأول زمرة فوجوههم؛ هذه أول زمرة تدخل الجنة يذكر ابن القيم صفاتهم يقول: هذا وأول زمرة فوجوههم كالبدر ليل الست بعد ثمان السابقون هم وقد كانوا هنا أيضاً أولي سبقٍ إلى الإحسان والزمرة الأخرى كأضوء كوكبٍ في الأفق تنظره به العينان أمشاطهم ذهب ورشحهم فمسك خالصٌ يا ذلة الحرمان ويرى الذين بذيلها من فوقهم مثل الكواكب رؤية بعيان ما ذاك مختصاً برسل الله بل لهم وللصديق في الإيمان هذا وأعلاهم فناظر ربه في كل يومٍ وقته الطرفان لكن أدناهم وما فيهم دني إذ ليس في الجنات من نقصان فهو الذي مسافة ملكه بسنيننا ألفان كاملتان فيرى بها أقصاه وحقاً مثل رؤ يته لأدناه القريب الداني أو ما سمعت بأن آخر أهلها أي: آخر من يدخل الجنة من أهل الجنة وآخر من يخرج من النار. أو ما سمعت بأن آخر أهلها يعطيه رب العرش ذو الغفران أضعاف دنيانا جميعاً عشر أمـ ثالٍ لها سبحان ذي الإحسان ألوانهم بيضٌ وليس لهم لحى جعد الشعور مكحلو الأجفان هذا كمال الحسن في أبشارهم وشعورهم وكذلك العينان

رؤية الله عز وجل

رؤية الله عز وجل أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن ينظرون إلى وجهه الكريم، وألا يجعلنا من الذين يحجبون عن رؤية وجه ربهم جل وعلا: والله لولا رؤية الرحمن في الـ جنات ما طابت لذي العرفان أعلى النعيم نعيم رؤية وجهه وخطابه في جنة الحيوان وأشد شيء في العذاب حجابه سبحانه من ساكني النيران وإذا رآه المؤمنون نسوا الذي هم فيه مما نالت العينان فلهم نعيمٌ عند رؤيته سوى هذا النعيم فحبذا الأمران والله ما في هذه الدنيا ألذ من اشتياق العبد للرحمن وكذاك رؤية وجهه سبحانه هي أكمل اللذات للإنسان

ريح الجنة وأرضها

ريح الجنة وأرضها والريح يوجد من مسيرة أر بعين وإن تشأ مائة فمرويان قد أفلح العبد الذي هو مؤمن ماذا ادخرت له من الإحسان فيها الذي والله لا عين رأت كلا ولا سمعت به الأذنان كلا ولا قلبٍ به خطر المثال له تعالى الله ذو السلطان وبناؤها اللبنات من ذهبٍ وأخـ ـرى فضة نوعان مختلفان وقصورها من لؤلؤ وزبرجدٍ أو فضة أو خالص العقيان والأرض مرمرة كخالص فضة مثل المراة تنالها العينان غرفاتها في الجو يُنْظَرُ بطنها من ظهرها والظهر من بطنان للعبد فيها خيمة من لؤلؤٍ قد جوفت هي صنعة الرحمن ستون ميلاً طولها في الجو في كل الزوايا أجمل النسوان أين الشباب العزاب الذين ينظرون إلى النعيم؛ نعيم الجنة سبعون حورية يا إخوان، أين الشباب الذين يريدون أن يخطبوا إلى الرحمن الحور العين مهرها العمل الصالح: ما في الخيام سوى التي لو قابلت للنيرين لقلت منكسفان لله هاتيك الخيام فكم بها للقلب من علقٍ ومن أشجان فيهن حورٌ قاصرات الطرف خيـ رات حسان هن خير حسان أشجارها نوعان منها ما له في هذه الدنيا مثال ثان يكفي من التعداد قول إلهنا من كل فاكهة بها زوجان يا طيب هاتيك الثمار وغرسها في المسك ذاك الترب للبستان بل ذللت تلك القطوف فكيفما شئت انتزعت بأسهل الإمكان أو ما سمعت بظل أصلٍ واحدٍ فيه يسير الراكب العجلان

الغناء والطرب واللذة في الجنة

الغناء والطرب واللذة في الجنة قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان فتثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان يا لذة الأسماع لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان أو ما سمعت سماعهم فيها غناء الحور بالأصوات والألحان واهاً لذياك السماع فإنه ملئت به الأذنان بالإحسان واهاً لذياك السماع وطيبه من مثل أقمارٍ على أغصان واهاً لذياك السماع فكم به للقلب من طربٍ ومن أشجان وهذا السماع كما في الحديث: (إن في الجنة لمجتمعاً للحور العين يرفعن بأصواتٍ لم تسمع الخلائق بمثلها، يقلن -ويغنين الحور العين- نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبئس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له) ثم يقول ابن القيم: نزه سماعك إن أردت سماع ذياك الغنا عن هذه الألحان لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحرم ذا وذا يا ذلة الحرمان إن اختيارك للسماع النازل الـ أدنى على الأعلى من النقصان والله إن سماعهم في القلب والإ يمان مثل السم في الأبدان والله ما انفك الذي هو دأبه أبداً من الإشراك بالرحمن فالقلب بيت الرب جل جلاله حباً وإخلاصاً مع الإحسان فإذا تعلق بالسماع أصاره عبداً لكل فلانة وفلان حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعان ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بشرائع الإيمان واللهو خف عليهم لما رأوا ما فيه من طربٍ ومن ألحان

أنهار الجنة ومأكل أهلها ومشربهم

أنهار الجنة ومأكل أهلها ومشربهم أنهارها في غير أخدودٍ جرت سبحان ممسكها عن الفيضان عسل مصفى ثم ماءٌ ثم خمـ ر ثم أنهار من الألبان وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم ولحوم طيرٍ ناعم وسمان لحمٌ وخمرٌ والنسا وفواكه والطيب مع روح ومع ريحان يسقون فيها من رحيقٍ ختمه بالمسك أوله كمثل الثاني هذا وتصريف المآكل منهم عرقٌ يفيض لهم من الأبدان كروائح المسك الذي ما فيه خلـ ـط غيره من سائر الألوان فتعود هاتيك البطون ضوامراً تبغي الطعام على مدى الأزمان يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن أهل الجنة يأكلون ويشربون: فهل يأكلون عن جوع ويشربون عن ظمأ؟ قال: لا، ولكن لكي ينالوا لذة الأكل فقط، ولذة الشرب، وإلا فإن في الجنة لا يجوع أحدٌ ولا يظمأ ولا يعرى، ولكن لأجل لذة الأكل والشرب.

لباس أهل الجنة

لباس أهل الجنة ثم يقول ابن القيم: وهم الملوك على الأسرة فوق ها تيك الرءوس مرصع التيجان ولباسهم من سندسٍ خضرٍ ومن استبرق نوعان معروفان ونصيف إحداهن وهو خمارها ليست له الدنيا من الأثمان والفرش من استبرق قد بطنت ما ظنكم بظهارة لبطان مرفوعة فوق الأسرة يتكي هو والحبيب بخلوة وأمان يتحدثان على الأرائك ما ترى حبين في الخلوان ينتحبيان هذا وكم زريبة ونمارق ووسائدٍ صفت بلا حسبان

وصف الحور العين

وصف الحور العين ثم يقول في صفة عرائس الجنة، وحسنهن وجمالهن ولذة وصالهن ومهرهن: يا من يطوف الكعبة الحصن التي حفت بذاك الحجر والأركان من قاصرات الطرف لا تبغي سوى محبوبها من سائر الشبان يا مطلق الطرف المعذب في الأُلى جردن عن حسنٍ وعن إحسان لا تسبينك صورة من تحتها الد اء الدوي تبوء بالخسران فانظر مصارع من يليك ومن خلا من قبل من شيبٍ ومن شبان إن كان قد أعياك خودٌ مثلما تبغي ولم تظفر إلى ذا الآن فاخطب من الرحمن خوداً ثم قدم مهرها ما دمت ذا إمكان ذاك النكاح عليك أيسر إن يكن لك نسبة للعلم والإيمان والله لم تخرج إلى الدنيا للذة عيشها أو للحطام الفاني لكن خرجت لكي تعد الزاد لـ لأخرى فجئت بأقبح الخسران أهملت جمع الزاد حتى فات بل فات الذي ألهاك عن ذا الشان والله لو أن القلوب سليمةٌ لتقطعت أسفاً من الحرمان لكنها سكرى بحب حياتها الد نيا وسوف تفيق بعد زمان فاسمع صفات عرائس الجنات ثم اختر لنفسك يا أخا العرفان حورٌ حسانٌ قد كملن خلائقاً ومحاسناً من أجمل النسوان حتى يحار الطرف في الحسن الذي قد ألبست فالطرف كالحيران ويقول لما أن يشاهد حسنها سبحان معطي الحسن والإحسان والطرف يشرب من كئوس جمالها فتراه مثل الشارب النشوان كملت خلائقها وأكمل حسنها كالبدر ليل الست بعد ثمان والشمس تجري في محاسن وجهها والليل تحت ذوائب الأغصان فتراه يعجب وهو موضع ذاك من ليل وشمس كيف يجتمعان فيقول سبحان الذي ذا صنعه سبحان متقن صنعة الإنسان وكلاهما مرآة صاحبه إذا ما شاء يبصر وجهه يريان فيرى محاسن وجهه في وجهها وترى محاسنها به بعيان حمرُ الخدود ثغورهن لآلأً سود العيون فواتر الأجفان والبرق يبدو حين يبسم ثغرها فيضيء سقف القصر بالجدران ولقد روينا أن برقاً ساطعاً يبدو فيسأل عنه من بجنان فيقال هذا ضوء ثغرٍ ضاحكٍ في الجنة العليا كما تريان يلمع برقٌ في الجنة فيسأل أهل الجنة: ما هذا البرق؟ ما هذا الضوء الذي خطف الأبصار؟ فيقال: هذه حورية لواحد من أهل الجنة العليا ابتسمت لزوجها في الجنة، فلمع ذلك البرق أو ظهر ذلك الضوء. لله لاثم ذلك الثغر الذي في لثمه إدراك كل أمان ريانة الأعطاف من ماء الشبا ب فغصنها بالماء ذو جريان لما جرى ماء النعيم بغصنها حمل الثمار كثيرة الألوان والقدر منها كالقضيب اللدن في حسن القوام كأوسط القضبان في مغرس كالعاج تحسب أنه عالي النقا أو واحد الكثبان لا الظهر يلحقها وليس ثديها بلواحق للبطن أو بدوان لكنهن كواعبٌ ونواهد فثديهن كألطف الرمان والله جل وعلا يقول: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:33] والجيد ذو طولٍ وحسنٍ في بيا ض واعتدالٍ ليس ذا نكران يشكو الحلي بعاده فله مدى الـ أيام وسواسٌ من الهجران والمعصمان فإن تشأ شبههما بسبيكتين عليهما كفان كالزبد لين في نعومة ملمسٍ أصداف در دورت بوزان والصدر متسع على بطنٍ لها حفت به خصران ذات ثمان وعليه أحسن سرة هي مجمع الـ خصرين قد غارت من الأعكان حق من العاج استدار وحوله حبات مسكٍ جل ذو الإتقان قاما بخدمته هو السلطان بيـ نهما وحقٌ طاعة السلطان ثم استحيا ابن القيم رحمه الله وقال: وإذا انحدرت رأيت أمراً هائلاً ما للصفات عليه من سلطان وهو المطاع أميره لا ينثني عنه ولا هو عنده بجبان وجماعها فهو الشفاء لصبها فالصب منه ليس بالضجران وإذا يجامعها تعود كما أتت بكراً بغير دمٍ ولا نقصان فهو الشهي وعضوه لا ينثني جاء الحديث بذا بلا نكران ولقد روينا أن شغلهم الذي قد جاء في "يس" دون بيان شغل العروس بعرسه من بعد ما عبثت به الأشواق طول زمان بالله لا تسأله عن أشغاله تلك الليالي شأنه ذو شان واضرب لهم مثلاً بصبٍ غاب عن محبوبه في شاسع البلدان والشوق يزعجه إليه وما له بلقائه سببٌ من الإمكان وافى إليه بعد طول مغيبه عنه وصار الوصل ذا إمكان أتلومه إن صار ذا شغلٍ به لا والذي أعطى بلا حسبان يا رب غفراً قد طغت أقلامنا يا رب معذرة من الطغيان أقدامها من فضة قد ركبت من فوقها ساقان ملتفان والساق مثل العاج ملموم يرى مخ العظام وراءه بعيان والريح مسكٌ والجسوم نواعمٌ واللون كالياقوت والمرجان وكلامها يسبي العقول بنغمة زادت على الأوتار والعيدان وهي العروب بشكلها وبدلها وتحببٌ للزوج كل أوان وهي التي عند الجماع تزيد في حركاتها للعين والأذنان لطفاً وحسن تبعلٍ وتغنجٍ وتحببٍ تفسير ذي العرفان يقول الله: {عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:37] أتراب سنٍ واحدٍ متماثلٍ سن الشباب لأجمل الشبان بكرٌ فلم يأخذ بكارتها سوى الـ محبوب من إنس ولا من جان يعطى المجامع قوة المائة التي اجـ ـتمعت لأقوى واحد الإنسان وأعفهم في هذه الدنيا هو الـ الأقوى هناك لزهده في الفاني فاجمع قواك لما هناك وغمض الـ عينين واصبر ساعة لزمان ما ها هنا والله ما يسوى قلا مة ظفر واحدة ترى بجنان وإذا بدت في حلة من لبسها وتمايلت كتمايل النشوان تهتز كالغصن الرطيب وحمله ورد وتفاح على رمان وتبخترت في مشيها ويحق ذا ك لمثلها في جنة الحيوان ووصائف من خلفها وأمامها وعلى شمائلها وعن أيمان كالبدر ليلة تمه قد حف في غسق الدجا بكواكب الميزان

مقابلة المسلم زوجته في الجنة

مقابلة المسلم زوجته في الجنة حتى إذا ما واجهته تقابلاً أرأيت إذ يتقابل القمران فسل المتيم هل يحل الصبر عن ضمٍ وتقبيلٍ وعن فلتان وسل المتيم أين خلف صبره في أي وادٍ أم بأي مكان؟ وسل المتيم كيف حالته وقد ملئت له الأذنان والعينان من منطقٍ رقت حواشيه ووجه كم به للشمس من جريان يتساقطان لآلئاً منثورة من بين منظومٍ كنظم جمان وسل المتيم كيف مجلسه مع الـ محبوب في روحٍ وفي ريحان وتدور كاسات الرحيق عليهما بأكف أقمار من الولدان يتنازعان الكأس هذا مرة والخوذ أخرى ثم يتكئان فيضمها وتضمه أرأيت معشوقين بعد البعد يلتقيان غاب الرقيب وغاب كل منكدٍ وهما بثوب الوصل مشتملان أتراهما ضجرين من ذا العيش لا وحياة ربك ما هما ضجران ويزيد كلٌ منهما حباً لصا حبه جديداً سائر الأزمان ووصاله يكسوه حباً بعده متسلسلاً لا ينتهي بزمان فالوصل محفوف بحبٍ سابقٍ وبلاحقٍ وكلاهما صنوان

تنبيه إلى كل ناعس بأن يتيقظ

تنبيه إلى كل ناعس بأن يتيقظ يا غافلاً عما خلقت له انتبه جد الرحيل فلست باليقظان سار الرفاق وخلفوك مع الألى قنعوا بذا الحظ الخسيس الفاني ورأيت أكثر من ترى متخلفاً فتبعتهم ورضيت بالحرمان لكن أتيت بخطتي عجزٍ وجهل بعد ذا وصحبت كل أمان منَّتك نفسك باللحاق مع القعود عن المسير وراحة الأبدان ولسوف تعلم حين ينكشف الغطا ماذا صنعت وكنت ذا إمكان بالله ما عذر امرئ هو مؤمنٌ حقاً بهذا ليس باليقظان لكن قلبك في القساوة جاز حد الصخر والحصباء في أشجان لو هزك الشوق المقيم وكنت ذا حسٍ لما استبدلت بالأدوان أو صادفت منك الصفات حياة قلب كنت ذا طلب لهذا الشان يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها إلا أولو التقوى مع الإيمان يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ بين الأراذل سلفة الحيوان يا سلعة الرحمن أين المشتري فلقد عرضت بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن هل من خاطبٍ فالمهر قبل الموت ذو إمكان يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ خطاب عنك وهم ذوو إيمان يا سلعة الرحمن لولا أنها حجبت بكل مكاره الإنسان ما كان عنها قط من متخلفٍ وتعطلت دار الجزاء الثاني لكنها حجبت بكل كريهة ليصد عنها المبطل المتواني وتنالها الهمم التي تسمو إلى رب العلى بمشيئة الرحمن فبأي وجه ألتقي ربي إذا أعرضت عن ذا الوحي طول زمان يا معرضاً عما يراد به وقد جد المسير فمنتهاه داني دع ما سمعت الناس قالوه وخذ ما قد رأيت مشاهداً بعيان والله لو جالست نفسك خالياً وبحثتها بحثاً بلا روغان تالله لو شاقتك جنات النعيم طلبتها بنفائس الأثمان رحم الله ابن القيم رحمة واسعة، كان شاعراً بليغاً فصيحاً أجاد وصف الجنة وحورها ونعيمها، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة، وعذراً على الإطالة عليكم، وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

الأسئلة

الأسئلة

مراجع لحياة ابن القيم ونونيته

مراجع لحياة ابن القيم ونونيته Q ما هو المرجع الذي تدلنا عليه للتعرف على حياة ابن القيم؟ وآخر يقول: أين نجد هذه القصيدة؟ A أما حياة ابن القيم رحمه الله فتجدها مصنفة أو تجدها منثورة ربما في بعض أو في مقدمة كثيرٍ من كتبه مثل الذين حققوا زاد المعاد في هدي خير العباد، وربما في بعض طبعات طريق الهجرتين، وفي كتاب الروح وحادي الأرواح، وكثيراً من مقدمات كتبه تجد ترجمة لحياته رحمه الله. وأما هذه القصيدة فهي في آخر الكتاب الموسوم المعروف بـ الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، وهو كتابٌ جميلٌ جداً ويقرأه كثير من طلبة العلم، إذ إنه كله في العقائد والتوحيد والشرائع والأحكام وفي الرد على طوائف الضلال، خاصة الذين ضلوا في بعض الصفات ضلالاً بعيداً.

نصيحة للمبتدئ بطلب العلم

نصيحة للمبتدئ بطلب العلم Q أنا شاب في بداية الطريق المستقيم وأرغب -إن شاء الله- في علم الفقه فما نصيحتك لي؟ A ننصحك يا أخي الكريم بأن تأخذ العلم بمسائله المختصرة الصغيرة ثم الوسطى ثم الكبيرة منها؛ لأنه ليس من صالح المبتدئ أن يبدأ بالمطولات، وطريقة علماء هذه البلاد خاصة وكثيرٌ من أهل العلم من غيرهم عامة أن يبدأ المبتدئ بالمختصرات ثم بالشروح ثم بالمطولات، وعليك أن تحضر حلقة أو حلقاتٍ باستمرار، وأن يكون كتابك معك، وقلمك الذي تضيف فيه الفوائد على كتابك الذي تقرأ فيه، مستمعاً مراجعاً قبل الدرس مستذكراً قبله ومتأكداً بعده، فإن في ذلك خيرٌ عظيم بإذن الله وهذا الذي ننصحك به.

التوبة من عقوق الوالدين

التوبة من عقوق الوالدين Q بت البارحة خارج البيت في المخيم -ليس هذا المخيم- مع شباب عصاة، وأبي وأمي غاضبين فبماذا تنصحني؟ A يا أخي الكريم! الأولى أن تقول: ربما جالست أقواماً عصاة فلم يكون سهرك معهم على طاعة الله، ولا أقل من أن يكون في ذلك معصية لله، فأنت أغضبت الله قبل أن تغضب والديك، وهذا مما يجعل الإثم متضاعفاً، فتب إلى الله وإياك بأن تسهر أو تخلو أو تبقى أو تمكث مع أناسٍ يعينونك على المعصية، زد على ذلك أن والديك ساخطون عليك، فاتق الله واطلب منهم الرضا واطلب من ربك التوبة والمغفرة؛ فإن الله غفور رحيم إذا صدقت منك التوبة.

نصيحة لمن يعارض والده ذهابه للمحاضرات

نصيحة لمن يعارض والده ذهابه للمحاضرات Q أنا شاب أحب حضور المحاضرات ولكن الوالد يرفض ذلك، فهل ذلك من عقوق الوالدين؟ A على أية حال يا أخي لعل والدك لا يعلم ما يدور في هذه المحاضرات، فلك أن تستضيف أحد المشايخ أو العلماء لإقناع والدك وزيارته وتطييب قلبه وطمأنت نفسه، فإن النفس إذا اطمأنت رضيت وسمحت وأذنت بذلك، ولا نظن أن والدك يشتهي لك الشر ويحجبك عن الخير ويحرمك منه، لكن ربما في نفسه شبهة أو أمرٌ لم يتضح، فلا بد من إزالة الشبهات، وإذا عرف السبب بطل العجب.

علاج العادة السرية

علاج العادة السرية Q أعمل العادة السرية فما هو الطريق لترك هذه العادة؟ A الذين يكثرون أو يقعون في هذا سبب ذلك أمور: أولاً: أنهم يجالسون من يتحدث بهذه الأمور فيعدي بعضهم بعضاً بهذا الأمر. ثانياً: كثرة التفكير في هذه القضية، وكثرة التخيل لما يتعلق بها وذلك مما يقودهم إليها، وعلى هذا الشاب أن يستعين بالله وأن يجد في طلب الزواج، فإن عجز عن ذلك فعليه أن يشغل نفسه بما ينفعه؛ فإن من اشتغل بالمهمات والعظائم انصرف عن مثل هذه الترهات والسفاهات.

الوسيلة الناجحة في حفظ القرآن والسنة

الوسيلة الناجحة في حفظ القرآن والسنة Q إني أحبك في الله يا شيخ، وأرجو منكم أن تبينوا لنا طريقة لحفظ القرآن والحديث؟ A أظن أن الشيخ عائض القرني حفظه الله سئل ذات يوم: ما هي المأكولات التي تعين على الحفظ؟ فقال: نحن لا نقول: إن الباذنجان والبقدونس والبطاطا والبصل مما يعين على الحفظ، ولكن الذي يعين على الحفظ بحقٍ وحقيقة هو تقوى الله جل وعلا: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] ويقول الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال: اعلم بأن العلم نورٌ ونور الله لا يؤتاه عاصي فإن من بركات الطاعة أن الإنسان يبارك له في حفظه ويبارك له في علمه، وإذا قرأ شيئاً حفظه، وإذا قرأ شيئاً أدركه واستفاد منه، وإن من شؤم المعصية أن يتفلت على الإنسان علمه، ومن ذلك كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

ما يكون للنساء في الجنة

ما يكون للنساء في الجنة Q إن ذكر الحور العين يجعل من النساء من يغار، فبماذا توجه الأخوات المسلمات؟ A نقول لأخواتنا: إن الله جل وعلا قال: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف:71] أي: للرجال والنساء والذكور والإناث ما يشتهون من تمام اللذات، المهم أن نصل الجنة، إذا دخلنا الجنة انتهت القضية، فيتلذذ الإنسان بأنواع اللذات وأعلاها النظر إلى وجه الله جل وعلا، فنسأل الله أن يهدينا إلى عملٍ صالح، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يتوفانا عليه، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله، قيل: وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه إلى عملٍ صالح ثم يتوفاه عليه). أسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى عملٍ صالح، وأن يتوفانا عليه وهو راضٍ عنا. ويقول كذلك فضيلة الشيخ جابر جزاه الله خيراً: إن غيرة النساء منزوعة تماماً، لا تنزعج الواحدة تقول: زوجي معه سبعون حورية وأنا ما أطقت جارة واثنتين، فلتعلم أن لها تمام لذتها وله تمام لذته والغيرة منزوعة تماماً. وأذكر أنني حدثت زوجتي عن حور الجنة، فقالت: والله لو رأيتك معها لأقطعك أنت وهي. لا حول ولا قوة إلا بالله، والمجالس بالأمانات.

وجوب إزالة الريبة عن النفس

وجوب إزالة الريبة عن النفس Q في هذا المخيم وفي هذه الليلة سمعت البعض يضحكون ويتهامسون عندما يسمعون اسم العائلة أو اللقب لبعض الناس ويقع كثيرٌ في هذا، فهل تتفضلون في توجيه كلمة نصح لمثل إخواننا الشباب هداهم الله؟ A على أية حال من الجهل وعلامات الجهل أن بعض الناس ربما لا يلفظ اسم المرأة أو اسم البنت وهذا والله جهل عظيم؛ النبي صلى الله عليه وسلم لما زارته صفية بنت حيي وكان معتكفاً فلما خرجت قام ليقلبها أي: ليوصلها إلى البيت، فمر اثنان من الصحابة فقال: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي، قالوا: سبحان الله! حتى أنت يا رسول الله -أي: أنشك فيك يا رسول الله؟ - قال: نعم، إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) فلو كان ذكر اسم المرأة عيباً لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنها صفية. مع أنه ليس هناك داعٍ أصلاً لأن يسأله أحد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم خشي أن يقذف الشيطان في قلب الصحابيين أمر سوء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه دليل على أن دفع الريبة مشروع، أن من حامت حوله ريبة فعليه أن يظهر من الكلام أو الرد أو القول ما يطرد به الريبة.

طاجكستان ومآسيها

طاجكستان ومآسيها إن طاجكستان ما هي إلا صورة لمأساة من مآسي المسلمين المتتابعة، ونكبة من نكباتهم المتلاحقة، وضربة من الضربات الموجعة التي سددها أعداء الله إلينا بغضاً وحقداً. ولن يكون المخرج من هذا إلا بقوله صلى الله عليه وسلم: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) بأن نكون يداً واحدة على عدونا، مجاهدين في سبيل ربنا.

قوة رابطة العقيدة

قوة رابطة العقيدة الحمد لله؛ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: اسمحوا لي اليوم أن أنقلكم من لين الفرش، إلى تربةٍ وتضاريس صعبة، اسمحوا لي أن أنقلكم من هذه المخازن المليئة بالأطعمة إلى القفار وكهوف الجبال التي لا تجد فيها من الزاد إلا قليلاً، ومن الشراب إلا مكدّراً، اسمحوا لي اليوم أن أنقلكم من هذا الوضع الآمن نقلةً تخيليةً تصوريةً لواقعٍ قائمٍ الآن، إلى إقليمٍ خائف، إلى إقليمٍ جزع، واسمحوا لنا أن ننقلكم في وقتٍ قل فيها المخبر، وندر فيه المعلِم عن أحوال المسلمين. أيها الأحبة: حديثنا اليوم عن مأساة إخواننا في طاجكستان، ولماذا الحديث عن طاجكستان؟! فهل تجمعنا بهم علاقة دم، أم لغة، أم رقعةٌ جغرافية؟! كلا وألف كلا، ولكن تربطنا بهم علاقةٌ هي أعلى وأقوى وأرسى وأثبتَ من الدماء والتضاريس واللغات، هي علاقة العقيدة، هي رابطة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله: وحيثما ذُكر اسم الله في بلدٍ عددت أرجاءه من لب أوطاني نعم تنتهي الدماء، وتفنى التضاريس، وتذوب العلاقات الدموية والعرقية؛ لتنصهر في بوتقة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، وهل نفعت علاقات اللغة بين المسلمين يوم أن تسلط البعث على جيرانه؟! وهل نفعت علاقات الدم بين الأمم يوم أن تسلط العفالقة على المسلمين في الكويت؟! وهل نفعت علاقات التضاريس يوم أن تسلط البغاة الطغاة على إخوانهم، أو على جيرانهم؟! إن كل علاقةٍ زائلة وذاهبة ومضمحلة؛ لتعلن أن كل علاقةٍ لا تبنى على لا إله إلا الله محمداً رسول الله فهي وهمية زائلةٌ منقضية، وكل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. ما كان من علاقة مرتبطة بالله فهي باقية، وما كانت بغير ذلك فهي زائلةٌ فانية. إن علاقة العقيدة هي التي جعلت سلمان الفارسي من آل البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: (سلمانُ منا آل البيت). إن علاقة العقيدة هي التي جعلت بلالاً الحبشي يتصدر المجلس بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصناديد قريش الذين هم من سواء قريش وجرثومتها وأرومتها يقصون ويبعدون، بل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:1 - 3]. سيصلاها ولو كان قرشياً، سيصلاها ولو كان من سادات قريش، سيصلاها ولو ربطته بالقرشيين والعرب علاقة الدم، أو اللغة، أو التاريخ، وسيمشي بلال في الجنة ولو كان بعيداً، ولو كان أسود، ولو كان مفلفل الرأس، ولو كان حبشياً؛ قال صلى الله عليه وسلم: (يا بلال: إني سمعت دف نعليك في الجنة فأي عملٍ عملته لتنال ذا؟ فقال يا رسول الله: أما إني ما توضأت وضوءاً إلا صليتُ بعده ركعتين). هذه رابطة العقيدة، جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدني صهيباً الرومي وسلمان الفارسي، وبلالاً الحبشي ويتوعد أبا لهب وأبا جهل، ويتوعد عقبة، وشيبة وعتبة ويتوعد غيرهم، وقال: (اقتلوه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة) ينبغي أن نرتفع عن العلاقات الضيقة، وأن نسمو بأنفسنا عن العصبيات والقبليات لتربطنا علاقة العقيدة، ومن هذا المنطلق ننتقل بكم اليوم إلى طاجكستان. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء:75].

ماذا تمثل مأساة طاجكستان

ماذا تمثل مأساة طاجكستان أيها المسلمون: إن إخوانكم في طاجكستان ليصورون مأساةً من المآسي المتتابعة، ونكبةً من النكبات المتلاحقة، وضربةً من الضربات الموجعة التي سددها وساقها أعداء الله بغضاً وحقداً وكرهاً لله ورسوله وقبلة المسلمين، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه صورةٌ لأبٍ طاجيكي أمام زوجة مهيضة الجناح، وطفلةٍ تتكئ بيمينها على عكازٍ تأبطه صدرها، وطفلٌ يصيح يريد قطرة حليبٍ فلا يجد، وفتاةٌ طاجيكيةٍ كانت عذراء فانتهكها المجرمون، وقد وضع الأب رأسه بين رجليه، وقعد قعدةً توحي بكل ألمٍ وحسرةٍ ومرارة، وكأني به يردد قائلاً: فلو أبصرتني والليل داجٍ وخدي قد توسط بطن كفي ودمعي يستهل من المآقي إذاً أبصرت ما بي فوق وصفي أيها الأحبة: لكل أُسرةٍ حكاية، ولكل عائلةٍ رواية، ولكل مهاجرٍ أعجوبةٌ وأعاجيب، فلماذا لماذا ينسى هؤلاء في زمنٍ ارتبط العالم ببعضه، وأصبحت الكرة الأرضية كقريةٍ صغيرة، لو أنجبت بقرةٌ هولندية انتاجاً عجيباً، أو عجلاً غريباً لعلم به العالم بأسره، أما مآسي المسلمين الطاجيك، فلولا فداحة الخطب، ولولا كثرة الدماء، ورسائلك ينقلها نهر سيحوت، لما سمعنا عنهم من الأخبار إلا قليلاً. وحق لهم أن نهتم بهم؛ لأنهم حفظوا القرآن في الأقبية والسراديب وتحت الأرض؛ في زمنٍ كانت حيازة المصحف عقوبتها الإعدام! في زمنٍ تعلم اللغة وتعليمها كانت عقوبته السجن والأعمال الشاقة، في زمنٍ من عرف فيه بالدعوة إلى الله فعقوبته المقصلة، والمشنقة والزنزانة الانفرادية. فإني لأثق أن كثيراً من المسلمين لا يعرفون أين تقع طاجكستان. إنها في الجزء الجنوبي الأقصى لما يسمى بـ الاتحاد السوفيتي سابقاً، على مساحةٍ تبلغ مائةً وثلاثة وأربعين ألف كيلو متراً مربعاً، وحدودها من الشمال الشرقي آسيا الوسطى، وأوزبكستان، وكرغيزيا، كل هذه تحدها من الشمال، والشمال الشرقي، ولها حدودٌ طويلة مع أفغانستان، والصين من الجهات الجنوبية.

ما تعيشه طاجكستان من مأساة حالية

ما تعيشه طاجكستان من مأساة حالية في تلك البقعة، وفي زمنٍ يسير بإمكانكم أن تدرسوه وتقيسوه، من بداية التحول في الاتحاد السوفيتي إلى أيامٍ قليلة، تسلط بقايا الشيوعيين -ومن ظن أن سقوط الشيوعية يعني قيام الإسلام في روسيا فهو واهمٌ لا محالة، لقد سقط وتحطم الجبل الشيوعي، ليتحول إلى صخراتٍ شيوعية، لقد تحطم ذلك الكثيب العظيم من الشيوعية، ليتحول إلى حفناتٍ شيوعية - وكلُ حفنةٍ تسلطت على رقاب كثيرٍ من المسلمين، فلم يتغير الوضع كثيراً، كما تفاءل وظن كثيرٌ من المسلمين. وبعد أن تحولت الأوضاع هناك ظهر المسلمون على السطح، وتنفسوا الصعداء، والتفتوا يمنةً ويسرةً أهي أحلامٌ يرونها في المنام، أم حقيقة واقعٍ تأذن لهم بأن يخرجوا لهم مدارس القرآن من الأقبية إلى سطح الأرض، وأن يخرجوا كتب اللغة من السراديب إلى صالات الدراسة، وأن يخرجوا بجموعهم ليصلوا جماعات، وليمشوا في الطرقات، معلنين دينهم لا يخافون أبداً، خرج المسلمون وما إن خرجوا ليحكموا أنفسهم بما نصت عليه مواثيق تلك البلاد بعد سقوط الشيوعية بعودة الديمقراطية، وأن الأحكام للأغلبية؛ إذ بأقليةٍ شيوعية تعود من جديد لتجثم على صدور المسلمين، ولتسن المطرقة ولكي تسن المنجل من جديد وتضرب بالمطرقة لتعيد عهداً جديداً للشيوعية، وفي تلك الفترة إلى يومنا هذا، في ظل هجماتٍ مسعورة، وحركاتٍ وحشية، أحرق أكثر من مائة وخمسين ألف منزل، وقتل أكثر من خمسة وعشرين ألف مسلم، وأما القتلى في نواحٍ مختلفة ممن يعرفون ومن لا يعرفون فقد بلغوا أكثر من مائتي ألف نسمة، خمسة وعشرين ألفاً في معارك المواجهة، في القتال الدائر الشديد الذي حمي وطيسه وجهاً لوجه بين المسلمين وبين الشيوعيين من الطاجيك، ومن ساعدهم من الأوزبك، وأما ضحايا القصف العشوائي والتشريد والهجرة إلى المجهول فقد بلغوا مائتي ألف نسمة، والمفقودون أكثر من مائة وخمسين ألفاً، لكي تظهر صفحةً جديدة، وتعلن هجرةً جديدة للمسلمين، بلغ عدد المهاجرين حتى الآن أكثر من نصف مليون لاجئ، كلهم هربوا ولجئوا إلى الحدود الشمالية؛ أو إلى الحدود الجنوبية بالنسبة لهم، إلى شمال أفغانستان في مناطق قندوز وبلخ وغيرها.

سر اهتمام الروس بطاجكستان

سر اهتمام الروس بطاجكستان ولماذا اشتدت ضربة الشيوعية على طاجكستان بالذات؛ أوليست كل ولايات ومدن الاتحاد السوفيتي مليئةٌ بالمسلمين؟ بلى. إنها مليئة، ولكن نالت هذه مزيداً من الضربات، ومزيداً من الاهتمام بالإيلام والإيجاع، لأن طاجكستان تحتل المرتبة الثانية بعد روسيا من حيث الاحتياطات المطلقة للموارد المائية، ولأن طاجكستان غنيةٌ بالثروات الطبيعية، ولأن طاجكستان يقبع تحت أراضيها مخزونٌ عظيمٌ من اليورانيوم، ربما شكل قرابة ثلث اليورانيوم في الاتحاد السوفيتي كله، لأن طاجكستان بوابة وممرٌ ومعبر من طريقه يمكن أن تدخل قوافل الدعوة والدعاة إلى الله إلى سائر الجمهوريات، لأجل هذا كله، اهتم بها الروس ليعودوا وليعيدوا تمثيلية جديدة، بل مأساةً جديدة، تذكر بدخول الاتحاد السوفيتي على دباباته المدججة المليئة بالجنود، وعرباته المليئة بالألغام وبالغازات السامة، ليعيدوا هذا المشهد من جديد، يوم أن دخلوا إلى كابل، يعيده الروس الآن لكي يضربوا فيه حركةً إسلاميةً في طاجكستان. أيها الأحبة: كلكم يعلم أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتمزق أوصاله، وانقلاب ذلك الدب الجاثم على صدور المسلمين، قامت حركاتٌ إسلامية وجدت متنفساً يدعوها إلى أن تتحرك، ومن ثم قامت مجموعةٌ إسلامية، سمت نفسها بـ النهضة الإسلامية في طاجكستان، والتي سرعان ما اكتسحت وكسبت تأييد الشعب بأكمله، ثم بدأت لتضغط على الشيوعيين، وبمقتضى ميثاق النظام السوفيتي بعد سقوطه، وبمقتضى الميثاق الذي شمل تلك البقاع أن الأغلبية تحكم نفسها، وتحدد اتجاهها، أرادوا الإسلام، لأن الأغلبية مسلمون، وأرادوا الإسلام لأن الجميع يطالبون بالإسلام، ولكن سرعان ما عادت المطارق من جديد لتضربهم. فبعد الإطاحة بالحكومة الشيوعية، ورئيس البرلمان الشيوعي السابق المدعو كنجايف، شعرت قوى الاستكبار العالمي بخطورة الوضع على مصالحها الحيوية في المنطقة، خاصةً إذا علمتم أيضاً أن طاجكستان تحتوي على ثلث احتياط اليورانيوم الخصب والمخصب للاتحاد السوفيتي، ويقع في تلك البقعة أكبر ثلاثة مصانع مخصصة لإشباع اليورانيوم في الاتحاد السوفيتي. ونظراً لهذا الموقع الجغرافي الفريد، وتلك الثروات الضخمة للدولة الطاجيكية، فهي إلى ذلك تقع إلى شمال أفغانستان التي تشهد مخاض وجود دولةٍ إسلامية في أفغانستان، نسأل الله أن يجمع شمل قادتها، وأن يقيمها على أسسٍ متينةٍ من الكتاب والسنة، إن قرابة خمسة ملايين طاجيكي يمكن أن تكون مع أفغانستان دولةً واحدةً قوية، وإذا علمنا أن أفغانستان لا زالت حديثة العهد والتجربة بمعارك قابلت فيها ألوان الجيوش، واستخدمت وتدربت وتعاملت مع كثيرٍ من الأسلحة، فإذا أضيفت قوة الأفغان مع تجربتهم العسكرية التي دامت ثلاثة عشر عاماً مع الثروات الموجودة في طاجكستان أدركت أن قيام وحدةٍ بين هاتين الدولتين يمكن أن يشكل اكتساحاً عريضاً خطيراً ليطيح ببقية ولاياتٍ روسية، سيما وأن فيها مئات الملايين من المسلمين الذين يتمنون السلاح ونفس الحرية لتحكم بلادهم بالإسلام.

مكر الشيوعيين وأعوانهم

مكر الشيوعيين وأعوانهم أيها الأحبة: لذا رأى الشيوعيون أنه لابد من القضاء على المسلمين في مهدهم، ولابد من وأد حركتهم قبل ميلادها وقبل اشتدادها وقوتها، وهكذا بدأت عملية تصفية الإسلاميين والموالين لهم في منطقة كولاب من قبل العناصر الشيوعية العائدة بعد هزيمتها في المواجهة مع الإسلاميين في الساحة العامة في العاصمة الطاجيكية، دوشنبه، وذلك بدعمٍ من قواتٍ روسية متواجدةٍ في المنطقة، وأعجب من ذلك أن قوى أجنبية كانت ترقص وتفرح وتضحك وتهزأ بحال الاتحاد السوفيتي وهو يسقط، إذ بتلك القوى من جديد تعود لتدعم الروس لضرب المسلمين في دوشنبه، ولضرب المسلمين في طاجكستان، لقد هبطت طائراتٌ أجنبية فخمة مدججة مطورة، كلها تحت غطاء المساعدات الإنسانية وهي تحمل في ثناياها الألغام والقنابل والصواريخ لأجل من؟ وفي سبيل من؟ ولأجل غاية من؟ لأجل قتل كل مسلمٍ يقول لا إله إلا الله، لأجل قطع كل حنجرة يخرج منها صوت لا إله إلا الله، لأجل ضرب كل هامةٍ تسجد لله، لأجل قطع كل يدٍ ترتفع مكبرة لله، لقطع كل رجلٍ تشمي إلى بيوت الله، تكالبت وتواترت وتوافدت قوى الروس، والقوى الأجنبية لضرب المسلمين في طاجكستان. وقد اعتمدت تلك الطائرات الأجنبية على التعامل مع أصحاب السوابق الإجرامية الخطرة الذين أطلقوا من سجون طاجكستان، وسلحوا تسليحاً خطيراً، وأفرج عنهم، بعد أن كانت عقوباتهم السجن مدى الحياة أو الإعدام، أفرج عنهم من جديد وسلحوا من أجل أن يعطوا مكافأة مقابل قطع كل رقبة وانتهاك كل عرض، وبقر بطن كل حامل، وتدمير كل بيت، وإحراق كل زرعٍ وإتلاف كل ماشية. بهذا عادت روسيا من جديد لتتعامل بمنطق المطرقة والمنجل، وتناست البروستريكيا أو إعادة البناء، أو التعامل المفتوح، والتعامل مع الأقليات، وسماع الرأي الآخر، لأجل ذلك أيها الأحبة: هاجر كثيرٌ من المسلمين بعد معارك دامية، وبدأ الهجوم الشيوعي المركز على كورجان، واحتلت ولا تزال تحت معارك طاحنة، يحاول المسلمون أن يستولوا عليها من جديد. أيها الأحبة: وكما سبق ذكره، بعد أن تولى المسلمون زمام الأمور في بداية الوضع وطردوا الشيوعيين في البداية، عادت من جديد قوى الشر، لتعين الشيوعيين لضرب المسلمين، وكانت نتيجة تلك المواجهات فقط، أكثر من قتل اثنين وعشرين ألف مسلم، وهدم بيوتهم، وانتهاك أعراضهم. هكذا أيها الأحبة حصل للمسلمين ما حصل، وأصبحت مصيبةً عظيمةً، هرب كثيرٌ من المسلمين وفروا إلى النهر، ولم يجدوا ما يعبرون به، فمنهم من عبر النهر مفضلاً محاولةً فيها احتمال النجاة (1%)، واحتمال الغرق والهلاك (99%)، وإذا علمت أن القناصة الشيوعيين لحقوا المسلمين وقتلوهم وهم يسبحون في النهر، وهم يملكون هذه الأسلحة الدقيقة التصويب، الدقيقة الفاعلية، حيث قتل كثيرٌ منهم وهو هاربٌ والآخر قتل وهو يسبح، وفي أيامٍ جاء شهود عيان وقالوا: إن بعض الأيام يرى فيها النهر يمشي بكتلٍ حمراء من الدماء، وهي دماء الذين قتلوا أثناء هروبهم بالسباحة، أو على قاربٍ صغير، وإن الواحد قد يعدها من الخيال، لولا شهود العيان، ولولا ركبانٌ تواترت أنباؤها وجاءوا بمثل هذه الأمور.

أعمال هيئات الإغاثة النصرانية

أعمال هيئات الإغاثة النصرانية أيها الأحبة: هكذا يعيش المسلمون في قسوةٍ أمام بقايا الشيوعية، الذين تعاملوا في أفغانستان، لا تظنوا أن الأوضاع في أفغانستان قد حولت الشعب إلى مسلمٍ، أو إلى شعبٍ مسلمٍ سنيٍ صريحٍ صحيح، بل لا يزال في أفغانستان وخاصةً في بعض مناطق الشمال، شيوعيون تعاملوا مع الروس، وقاموا بمحاصرة المهاجرين من أجل أن يقولوا للجمعيات العالمية إن لدينا لاجئين كثر، فلتهبط طائرات الإغاثة هنا، لكي نطعم هؤلاء اللاجئين، وبالفعل هبطت طائرات الإغاثة، من دولٍ مختلفة لإغاثة هؤلاء اللاجئين، ولكن كان اللاجئون مجرد وسيلة لهبوط الطائرات، ولما أفرغت شحناتها الإغاثية، أخذت مواد الإغاثة وبيعت في الأسواق من جديد، ليعود المسلمون يستسقون الظمأ، ويأكلون الجوع، ويعتصرون الألم. هكذا يصبح المسلمون ألعوبةً في أيدي هؤلاء الظلمة، ويصبح المهاجرون ورقةً رابحة من حاصرها واستولى عليها نال كثيراً من الإغاثات والمؤن. أيها الأحبة: إن واقع المسلمين هناك يحتاج إلى لفتةٍ إعلامية، ولفتةٍ إغاثيه، ووقفةٍ إسلامية، وحسبكم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه) ولا يخفاكم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). فإن عضونا في طاجكستان يشكو فهل تداعى له سائر الأعضاء في مختلف البلدان؟! إن عضواً من المسلمين في طاجكستان ينزف، فهل تداعى له سائر الجسد في مختلف البلدان؟ إن عضو المسلمين في طاجكستان يشكو من الجراح والجوع والفقر والألم، فهل تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر؟! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

الجهاد في طاجكستان

الجهاد في طاجكستان الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلاله، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: إننا نعلم سراً حقيقياً واضحاً جلياً لمن ألقى السمع وهو شهيد، وهو أن هذه الهجمة المسعورة الشرسة إنما أرادت أن تئد حركة الجهاد من جديد في تلك المنطقة، إن كثيراً من شباب المسلمين قد هجروا حياة الدعة والنوم والراحة، وانخرطوا في حركاتٍ إسلامية في طاجكستان كما انخرطوا في أفغانستان! إن أفغانستان التي تشهد جبالها وهضابها ووديانها على دماء وأشلاء وجماجم كثيرٍ من بلاد المسلمين على مختلف الدول: من الخليج وغير الخليج، من هذه الجزيرة، من هذه البلاد المباركة، ومن بلدان آسيا وأفريقيا قد ذهبوا وجاهدوا في أفغانستان، وإن طاجكستان الآن تشهد وفوداً متتابعةً متواترة لإعادة الأمجاد من جديد على أرض طاجكستان، ومنذُ أيامٍ قليلة قتل سبعةٌ من الشباب العرب، وفيهم جملةٌ من شباب السعودية والخليج، إن هذا لمما يدلل أن في الزوايا خبايا! وأن بني عمك فيهم رماح، وأن شباباً إذا نودوا ودعوا إلى قمم العلياء وذرى المجد تركوا وودعوا وطلقوا حياة الدعة والراحة، وعادوا ليموتوا في سبيل الله، ولو لم يكن لهم إلا نصرة المظلوم -ودفع العدوان يعتبر نوعاً من الجهاد في سبيل الله- لكفاهم ذلك. قد يقول قائل: ومن يضمن أن تعود طاجكستان دولة إسلامية (100%) حتى يقاتل شبابنا هناك؟ نقول: إن القتال لإقامة دولةٍ إسلامية على أي بقعةٍ من البقاع إذا واتت الظروف لهو ضربٌ من ضروب الجهاد، وإن القتال أيضاً لدفع العدوان ونصرة المظلوم؛ هو أيضاً نوعٌ من أنواع الجهاد، قتيله بإذن الله شهيد، والمجاهد فيه والمرابط على أجرٍ عظيم. أيها الأحبة: بكل عبارةٍ صريحة، لم تتلق قضية الطاجيك اهتماماً في الإعلام العالمي، لماذا؟ هل تريد دوائر الإعلام العالمية الضخمة ذات الشبكات والمراسلين المتفرقين في أنحاء العالم أن يبعثوا جذوة الجهاد من جديد؟! لا والله. بل يتمنون أن ينشروا كل خبرٍ إلا عن الجهاد! وكل حادثةٍ إلا عن المجاهدين! وكل الغرائب إلا عن كرامات الله لعباده المجاهدين! فيا أيها الأحبة! افهموا هذا السر، واعلموا أن الوضع هناك هو نوع جهادٍ في سبيل دفع العدوان ونصرة المظلوم، فإذا أضفنا إلى ذلك أن من اهتم بالقضية الأفغانية دعوةً أو متابعةً أو مشاركة، قد استفاد من أخطائه هناك، لينشر الصواب في طاجكستان، فحينئذٍ تكون تجربةً نافعة بإذن الله. وإن مما نعلمه أن مما يميز طاجكستان أنها تحت قيادةٍ واحدة، ولا يوجد أحزاب متعددة تتقاسم القوة، أو تتصارع عليها، بل هناك أميرٌ معلومٌ مشهورٌ للمجاهدين، ودونه الضباط والمهندسين وأساتذة الجامعات والمعلمون، كلهم حوله ومشورته، والعسكريون يعملون بأمره، فهذا مما يشجع ويبين أن الانطلاقة تكون واحدة في ظل قيادةٍ واحدة، لنصرة إخواننا هناك.

أحوال اللاجئين الطاجيك

أحوال اللاجئين الطاجيك أيها الأحبة: أعود بكم من جديد إلى اللاجئين الذين يعيشون في خيامٍ بالية، لا تقيهم حر الصيف، ولا برد الشتاء القارس، بالرغم من النداءات العديدة، والصرخات والصيحات، فإن جهود الإغاثة لا تزال قاصرةً عن تقديم ما حرموه، حتى ولو على الأقل أن يحصلُ على الخبز فترةً ولو متتابعة، إن مخيمات اللاجئين عبارةٌ عن أماكن يقيم فيها المسلمون، وهي في غاية السوء، وذلك لقلة ذات اليدِ من الأموال، ولا يوجد بها عنايةٌ صحية، أو أدويةٌ أو أغذيةٌ كافية. والمتأمل في أوضاع اللاجئين يعجب! كيف اهتمت المنظمات العالمية التي تعنى وتعلن وتدعي اهتمامها باللاجئين في أنحاء العالم؛ كيف اهتموا باللاجئين في مواطن كثيرة وأهملوا اللاجئين قصداً وعمداً في طاجكستان؟ وما ذاك إلا ليضطروهم إلى أن يعودوا من جديد للدخول في طاجكستان! هكذا يراد بالمهاجرين الذين هربوا من طاجكستان، يراد بهم في ظل الإهمال، وفي ظل عدم العناية، وفي ظل تجاهل أوضاعهم من قبل كثيرٍ من هيئات الإغاثة والمنظمات العالمية، يريدون أن يضطروهم ليقولوا: ما دام الموت هاهنا على العراء، وعلى جليد الشتاء، وقلة الغذاء والدواء، فلأن نموت في طاجكستان خيرٌ من أن نموت بعيدين عنها، فيضطروهم للعودة من جديد، ومن ثم تنتظرهم بنادق القناصة، وأجهزة الدمار الشامل التي تذبحهم ذبحاً جماعياً، وتتخلص من المسلمين تخلصاً تاماً. لقد اطلع شهود عيان على حجم المقابر التي يدفن فيها اللاجئون الطاجيك ذويهم وأسرهم وأبناءهم، فوجدوا أن مساحاتٍ غريبة شاسعة كبيرة توضح وتشهد أن عدد الوفيات بين الطاجيك كبيرٌ جداً بسبب انتشار الأمراض والأوبئة، فضلاً عن قيام بعض عملاء الشيوعية بوضع السم في مياه الآبار وبكميات محسوبة للقضاء على المسلمين بالتدريج، المسلمون مستضعفون، والمسلمون مستهدفون، والمسلمون مساكين، ومن لهم إلا الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله. إن أكثر من مليون شخص لجئوا إلى الجبال، وتحصنوا بها داخل طاجكستان يتلحفون بالجليد، وليس هناك منظمات دوليةٌ أو إقليمية تقدم لهم يد العون في تلك المناطق التي لجئوا إليها. لكنهم يفطرون على قصف الطائرات، ويمسون على ضرب المدفعية، وآخرون لجئوا إلى الدول المجاورة الشيوعية، خاصةً أوزبكستان، وغيرها من دول الاتحاد السوفيتي السابق.

الكفر ملة واحدة

الكفر ملة واحدة أيها الأحبة: إن إخوانكم ينتظرون يد الإحسان لتمتد إليهم، إن إخوانكم ينتظرون من يعينهم في الوقت الذي قامت حكومة الطاجيك الشيوعية تؤيدها حكومة الأوزبك، بتوزيع الأسلحة على الموالين في المنطقة الجبلية للحيلولة دون سيطرة المسلمين على مناطق الجبال، وما زالت كما قلت حملاتٌ ليست من الطيران الطاجاكي الشيوعي، بل حملاتٌ بالطيران من الجيش الأوزبكي: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73]. لما أصيب الشيوعيون الطاجيك بهذه الضربات والمواجهة من قبل المسلمين قام الشيوعيون الأوزبك ليساعدوهم ويساندوهم بطيرانهم وأسلحتهم وكل ما لديهم؛ فيا ترى هل يقف المسلمون أمام ومع المقاومة الإسلامية التي ما زالت مستمرةً في الجبال؟ وإني أبشركم بما لقيناه من سفراء إخوانكم -لقيناهم هنا- وبما قرأناه من رسائل بعثوا بها إلينا، يقولون: إننا مصممون على مواصلة القتال أمام الطاجيك أشد وأطول من تصميم الأفغان، يوم أن طردوا الروس وأخمدوا الشيوعية! وهذه بشارةٌ عظيمة. إن الأفغان بدءوا بزجاجات الموليتوف الحارقة، زجاجةٌ مع قليلٍ من المواد الغازية والبنزين يضربون بها الدبابة، وخناجر مثلمة، وسيوفٍ قصيرة، وبنادق صيد لا تحمل إلا طلقةٌ أو طلقتين، وها هم الآن يتربعون على الطيران والمدفعية، ويطيرون بالطائرات التي يقصفون بها، ويركبون المروحيات التي كانت تطاردهم وتمشطهم سابقاً، ويمشون على الدبابات التي حاصرتهم زمناً طويلاً: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105] {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5]. من أراد وجه الله وجاهد في سبيل الله فستكون له الدولة والغلبة بإذن الله جل وعلا، فإن إخوانكم في طاجكستان قد عقدوا الخناصر، وتعاهدت أيديهم، وصدقت قلوبهم بإذن الله على مواجهة الشيوعية حتى يحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وإنهم ليرون ضغوطاً أجنبيةً غريبة على حكومات مجاورة من أجل أن تمتنع تلك الحكومات المجاورة من مساعدة اللاجئين، خشية أن ينفجر الجهاد من جديد في طاجكستان. إن مواقع العالم الإسلامي ملتهبة، ويوشك أن يلتقي الماء على أمرٍ قد قُدر، يوشك أن تنفجر حركاتٌ جهاديةٌ من جديد، في خمس أو سبع مواقع في العالم، ليلتقي المسلمون على قلبٍ واحد في يومٍ من الأيام. هذا ما يخافه الغرب، وهذا ما يخشاه الكفار: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]. وإنكم لا تطئون موطأً يرضي الله إلا أغاظهم، ولا تمشون خطوةً في سبيل الله إلا أحرقت قلوبهم، فتقربوا إلى الله بالوقوف أمام الكفار، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:14].

صورة لحجم معاناة المسلمين الطاجيك

صورة لحجم معاناة المسلمين الطاجيك أحبابنا: أما أطفالنا، أما أبناء إخواننا المجاهدين، أما فلذات أكباد الطاجيك الأطفال، فإن حالات الوفيات اليومية متتابعة، نظراً لسوء التغذية، وكثرت حالات إجهاض الحوامل لنقص التغذية، وأكثر الأمراض انتشاراً: الحصبة والدفتيريا، والتهاب الكبد، وإن كثيراً منهم لبأمس الحاجة إلى مواقع مؤقتة ولو من الجريد وغيره، حتى يجتمع فيها الأطفال، فيتعلموا كلام الله ورسوله، ويتعلموا أمور الدين، قبل أن تتربع بينهم الجمعيات التنصيرية، فتعلمهم التنصير والعياذ بالله. فيا أحبابنا عليكم بمساعدة إخوانكم، فإنهم يحتاجون للباس والطعام والغذاء والدواء والسلاح، والمشاركة بالنفس وبالمال، فاستعينوا بالله، وإذا علمتم أن دوائر غربية قدمت واحداً وثلاثين مليون دولار لمساعدة المهاجرين الطاجيك الذين وصلوا إلى أوزبكستان! وهل واحد وثلاثين مليون دفعت حتى يحافظ على أبناء المسلمين؟! إذا كان القصد المحافظة فلماذا يقتلون بالطرف الآخر؟! دفع واحد وثلاثون مليوناً من أجل أن ينصروا، من أجل أن يقولوا إن الله ثالث ثلاثة، من أجل أن يقولوا: المسيح ابن الله، من أجل أن ينصروا ولا يعترفوا بمحمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم! فيا أحبابنا: إنهم ينتظرونكم، وتعلمون الحديث: (أن رجلاً زار أخاً له في الله، فأرصد الله على مدرجته ملكاً فقال الملك للرجل: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في الله، فقال الملك: وهل لك من نعمةٍ تردها عليه؟ قال: لا، ولكنني أحببته في الله) فهل منا من يزور إخوانه الطاجيك في الله؟! هل منا من يمشي خطواتٍ يحتسبها لوجه الله بما يحمل من علمٍ أو طبٍ أو صيدلة، أو هندسة أو تجربة، أو تدريب ليساعدهم فإنه سيكون له أجرٌ عظيم بإذن الله جل وعلا.

الهجوم خير من الدفاع

الهجوم خير من الدفاع أيها الأحبة: لا مزيد على ما ذكرت في هذا المقام، وإن أحوالهم من تأملها ودرسها من خلال تقاريرهم ورسائلهم، لهي والله تنبئ بشناعة أحوال ما فعل الشيوعيون بهم، وإن ذلك يعني أن الشيوعية لا زال لها أذنابٌ يعملون، ولا زال لها عملاء يتحركون، وما زال وراء الشيوعيين شيوعيون آخرون: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال:60] فعليكم بهم، وأعينوا إخوانكم. إن وقفة العالم الإسلامي مع إخوانه المسلمين في أفغانستان جعلت مخططات الغرب تجاه المسلمين تتقهقر إلى الوراء شيئاً كثيراً، وإن وقفتكم لهؤلاء تجعلهم يتأخرون إلى الوراء شيئاً كثيراً. وإن دعم المسلمين على سبيل المثال: للبوسنة والهرسك لأجل قيام ولو دويلةٍ إسلامية في قلب أوروبا، ليشغل أوروبا بنفسها عن أن تنشغل ببلاد المشرق وما تصدره إليه من الفساد والإلحاد، والجريمة والتغريب؛ فهكذا ينبغي أن تكون الضربات متكافئةً قدر الإمكان، وما أمرنا إلا أن نعد ما استطعنا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [الأنفال:60]. لو أن كل قوىً أرادت بالمسلمين سوءاً أشعلنا وفجرنا بين ربوعها وفي قلبها وفي وسط أراضيها قنبلةً تنشغل بها، لعاد أولئك ينشغلون بأنفسهم، عما أرادوا ويدبرون لإخواننا في كل مكان. نسأل الله بمنه وكرمه أن ينصر إخواننا المجاهدين الطاجيك، اللهم انصرهم، اللهم انصرهم، اللهم عجل نصرهم، اللهم سدد رصاصهم، اللهم أقم على الكتاب والسنة دولتهم، اللهم اجمع شملهم، ووحد صفهم، واقهر عدوهم، اللهم احفظ أطفالهم، اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، وسدد قادتهم، اللهم لا تجعلهم يتفرقون، اللهم لا تجعلهم متفرقين، اللهم أعنهم بعونك، وأمدهم بنصرك، وأيديهم بتأييدك، وزلزل الأرض من تحت عدوهم.

الشعارات الزائفة

الشعارات الزائفة تحدث الشيخ حفظه الله عن موضوع ينخدع به العوام من الناس، ألا وهو الشعارات البراقة التي يرفعها الزنادقة وأهل الكبر؛ ليضلوا بها الناس، ومن ذلك شعارات حزب البعث. ثم تحدث عن ما فعله حزب البعث في أهل الكويت، وقبل ذلك في مسلمي العراق وأهله تحت شعارات القومية التي يتشدق بها، ثم هو يزعم الجهاد عبر إذاعات وأقلام وأفواه مأجورة!

أنواع من الابتلاء

أنواع من الابتلاء الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، القائل في محكم كتابه: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:97 - 99]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبتلي عباده بالسراء والضراء ليشكروه وليتضرعوا بين يديه، وأشهد أن محمداً عبده رسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق تقاته، وتتبعوا أسباب رضاه واجتنبوا أسباب سخطه، واعلموا أن التقوى سبب تفريج الكربات ودفع المحن والملمات {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]. معاشر المؤمنين: لا يخلو زمن من الأزمان إلا وفيه ما فيه من مصائب الزمان ونوائب الحدثان: والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيب وليست أمة من الأمم مخصوصة بنوع من البلاء دون غيرها حتى يأمن الآخرون فجائع الدهر: فجائع الدهر ألوانٌ منوعة وللزمان مسرات وأحزان وكلٌ ينال حظه من هذا الابتلاء ومستقل ومستكثر {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] وقديماً قيل: رب قوم أصبحوا في نعمة زمناً والدهر ريان غدق سكت الدهر زماناً عنهم ثم أبكاهم دماً حين نطق وقال الآخر: إذا ما الدهر جر على أناس حوادثه أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا معاشر المؤمنين: وقد تبتلى بعض الأمم بالسراء ويبتلى غيرها بالضراء {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35] وكل أمر بتقدير الله جل وعلا وتدبيره وبالغ حكمته، وفيه حصاد العباد بما كسبته أيديهم ويعفو ربنا برحمته عن كثير: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم وقد تكون المصائب مرة: فتكون للجاهلين علماً، وللغافلين عظة وعبرة {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:15]. معاشر المؤمنين: إن ما يدور اليوم في منطقة الخليج، وما فعله البعثيون في المسلمين في الكويت لا يغيب على فكر مسلم غيور على دينه وعرضه، ولكن الجهل كل الجهل أن نفسر الأحداث والوقائع بالأسباب المادية فنظن أنها مشكلة حدودية، أو بسبب تضاعف قروض مالية ناسين أو متناسين أن ما أصابنا {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11] اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن تحول عافيتك. معاشر المؤمنين: وقبل أن نخوض في وصف الأحكام وأخذ الدروس والعبر منها أود أن أعرف وأن يعرف الكثير من المسلمين من هم البعثيون؟ وما هو حزب البعث؟

عقائد حزب البعث

عقائد حزب البعث حزب البعث أنشأه رجل نصراني يقال له: ميشيل عفلق نصراني لا يعرف له أصل، وهذا النصراني كان منشقاً عن الشيوعيين الملاحدة، إلا أنه أراد أن يقوم بحزب وجعل شعاره: (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) المهم أن يجتمع العرب تحت لواء هذا الحزب أياً كانت دياناتهم، وأياً كانت عقائدهم ومذاهبهم، وهم يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له منزلة إلا لأنه عربي فقط أما أن منزلة النبي بأن الله شرفه بالرسالة، وأكرمه بالنبوة، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين؛ فذلك أمر لا يلتفتون إليه، ولا يعولون عليه، ولا يقيمون لهذا وزناً. وهذا البعث يجمع مخازي المذاهب والأفكار كلها، فحقيقة حزب البعث تقوم على ثلاثة مسائل: الأولى: أنه حزب علماني. الثانية: أنه اشتراكي. الثالثة: أنه قومي. ولا أقول هذا الكلام لأننا في مقام العاطفة أو نقد العدو، وإنما نقول: ارجعوا إلى وثائق البعث وما كتبه البعثيون بأنفسهم، وما أعلنوه في مؤتمراتهم ولقاءاتهم لتجدوا أن هذا الكلام يعترفون به ويقرون به أولاً وآخراً.

علمانية حزب البعث

علمانية حزب البعث وأما علمانية حزب البعث فحقيقتها: فصل الدين عن الدولة، ويعني ذلك: أن تسير أمور الدولة بما يوافق المصالح المادية والاستراتيجيات التوسعية أياً كان هذا الأمر حلالاً أو حراماً. وإن سألتم عن الدين يقولون: الشخص نفسه له أن يمارس حدوده أو ما أراد من أموره الدينية في حدود شخصه فقط، وليس له أن يجتمع مع أحد باسم الدين، أو يتعاون مع أحد باسم الدين، أو يلتقي مع أحد باسم الله، وإنما غاية الدين عند البعثيين أن تتناول ما تشاء، أو تشرب ما تشاء، أو تأكل ما تشاء، أو تلبس ما تشاء، أو تفعل ما تشاء، فأنت لك الحرية فيما يتعلق بشخصك فقط، وأما ما يربطك بالآخرين وما يجمعك مع الآخرين فلا يسمح البعثيون بهذا؛ يظنون أنه تدخل من الدين في أمور الحياة، وعلمانية الحزب تمنع ذلك على من أراد أن يفعل منه شيئاً.

شعار القومية عند البعث

شعار القومية عند البعث الأمر الآخر يا عباد الله! أن حزب البعث قومي، ومعنى قوميته: أنه للعرب وحدهم فقط، وما سوى ذلك من المسلمين فلا يقيم هذا الحزب لهم وزناً، بل إن البعث لا يقيم للإسلام وزناً وإنما يقيم الوزن للعرب لكونهم عربا، ويمكن أن ينطوي تحت لواء البعث العلماني والشيوعي والنصيري والدرزي والخبيث والرافضي والقادياني وكل من له بدعة، المهم أن يكون عربياً سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو وثنياً مشركاً أياً كان لا يلتفت لهذه الأمور فقط وإنما هو حزب عربي. فمن كان عربياً فالحزب يعترف به ويتعامل به، ومن لم يكن كذلك فلا يقيم الحزب له وزناً، وهذا الكلام متناقض مع ما يفعله البعثيون اليوم، أليس جيرانهم من أهل الكويت وغيرهم من العرب؟ فلماذا يفعلون بهم هذا؟ نعلم من هذا أن هذه شعارات زائفة براقة يخدعون فيها سذج الناس وبسطاء الخلق ليجرّوهم للانضمام تحت هذه الأحزاب، وما سوى ذلك فإن الحزب كله جامع لحقد يهودي ونصراني وعلماني وإلحادي وشهوات شخصية بشرية بحتة لا يلتفت إلى ما سواها. الأمر الثالث من أركان هذا الحزب: أنه اشتراكي: فيقولون بمبدأ حزبهم أنه لا يجوز أن تكون السعودية مثلاً غنية والبعثيون فقراء، أو أن يكون الكويتيون أغنياء والعراقيون فقراء، أو لا يكون أهل الخليج أغنياء والعراقيون فقراء، بل إن الحزب يجمع على شعار الاشتراكية، ويعني هذا: أن يشترك العرب كل العرب بما فيهم من اليهود والمجوس والنصارى والعلمانيين والإلحاديين والقاديانيين والبعثيين والنصيريين والدروز وكل الطوائف الضالة الكافرة كلهم يتمتعون بخيرات الأمة العربية. الأمة العربية -يقولون- لابد أن تقسم خيراتها على جميع أبناء الأمة العربية، وكذبوا وخسئوا، لو صدقوا في ذلك لكانت خيرات العراق تعود على أبنائها، ولكن قيادة البعث ثرية غاية الثراء، وبقية الشعب في منتهى الفقر والذلة والمسكنة وقلة الحال وذات اليد، فهذه الشعارات ساطعة براقة، فهذه شعارات زائفة يرفعونها ليخدعوا بها السذَّج والبسطاء. والمصيبة كل المصيبة: أن أبناء المسلمين أو من شبابهم يوم أن يسافر إلى بعض دول الخارج أو يوم أن يكون منحلاً من دينه غير ملتزم بأوامر ربه؛ تجده يدخل هذه الأفكار، وتداعبه الأحلام الماسية، يظن أنه سينعم يوماً ما بأهداف البعث وما يعدونه به، وما علم أنهم يستخدمونه مطية لكي يصلوا به إلى ما يريدون وما يشتهون، ثم بعد ذلك جزاؤه أن يرمى أو أن يقتل، وما أكثر البعثيين من أبناء الحزب الذين اختلفوا مع قادتهم فقتلوا وصفوا، وحسبكم أن مائة وعشرين ضابطاً من ضباط الحزب وبعضهم من العراقيين لما تناقشوا في قضية غزو الكويت كان مآلهم أن يقتلوا وفتحت الرشاشات على صدورهم قبل لحظات الغزو، أفبعد هذا ينخدع مسلم بهذه الشعارات البراقة، وهذه المناهج الزائفة؟ والله إن أمة العرب كانت أهون على الله من الجعلان والجنادب والجراد والخنافس، وليس لأمة العرب وزن إلا بالإسلام؛ فمن أراد أن يرفع العرب لأنهم عرب فإن أبا لهب وأبا جهل وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط من أصلاب العرب ومع ذلك فإنهم في الدرك الأسفل من النار.

العرب بين الإسلام والبعث

العرب بين الإسلام والبعث إن العرب ليسوا بشيء ما لم يكونوا بالإسلام؛ فإن قاموا في الإسلام فهم وغيرهم من أمم العالم شرقيه وغربيه يتنافسون في هذا الدين وكلاً ينال حظه منه. أليس البخاري من بخارى؟ أليس أبو داود من سجستان؟ أليس الترمذي من ترمذ؟ أليس علماء الإسلام كلهم من مختلف بلاد العالم؟ ما الذي رفعهم: هل رفع البخاري أنه عربي؟ هو من بخارى، هل رفع الترمذي لأنه عربي؟ هو من ترمذ، هل رفع مسلم بن الحجاج أنه عربي؟ بل هو من نيسابور، إذاً ما الذي رفعهم؟ رفعهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أراد أن يرفع في العرب راية القومية فرايته فاشلة، وهذه الراية يا عباد الله سبق وأن صفقت لها سذج الجماهير وبسطاء الناس أيام جمال عبد الناصر وما ذلك علينا ببعيد، قام الناس يريدون أن يجعلوا للأمة زعامة عربية يجتمعون باسم العربية، وينضوون تحت لواء العرب، وتجمعهم الرابطة العربية، ولكن حتى هذه الرابطة العربية تنقسم أقساماً فيما بينها، فالمصريون وهم عرب يختلفون فيما بينهم هؤلاء عرب من هذه وهذه، فالعراقيون وهم عرب يختلفون فيما بينهم، والنجديون وهم عرب ينقسمون فيما بينهم، واليمنيون وهم عرب ينقسمون ويتفرقون فيما بينهم؛ إذاً فرابطة العربية رابطة لا تنضبط ولا يمكن أن ينضوي تحت لوائها ولو عشرة أشخاص؛ لأن كل واحدٍ منهم ينزع إلى قبيلة. فإذا كنت تتفاضل على هؤلاء بأنك عربي فالعرب بعضهم قد يرفعونها عصبية فيتفاضلون فيما بينهم بقبائلهم، والقبيلة الواحدة يرفعونها عربية فيختلفون فيما بينهم بتفاضل أفخاذهم على بعض، والفخذ الواحد يتنازعون فيما بينهم بتفاضل كل أسرة وعائلة على بعض. إذاً: فالعربية ليست رابطة، إنما الرابطة الإسلام، إن الذين يطبلون وينعقون في هذه الإذاعات البعثية يريدون أن يجمعوا الأمة تحت لواء العرب هذا لواء فاشل، هذا لواء مدحور، هذا لواء مستهلك أراد عبد الناصر أن يجمع العرب به ففشل، وانكشفت أطماعه، وأخزاه الله، وولى إلى قدر الله نسأل الله أن يجازيه شر ما جزى طاغية في فعله، ألم يعذب المسلمين وهم عرب؟ ألم يقتل الإخوان المسلمين؟ ألم يشنقهم في السجون؟ ألم ينصب لهم ساحات الإعدام؟ ومع ذلك ما نفعهم أنهم عرب بين يديه؛ إلا أن حقيقة الأمر تعود إلى حقد الإلحاد وإلى بغضائه وكراهيته في العقيدة. فينبغي -يا معاشر المؤمنين- حينما نقع في مصيبة من المصائب ألا نفزع لكي نسمع التحليل الاخباري من إذاعة لندن أو نسمع إذاعة مونتكارلو أو أي إذاعة بل نفزع إلى كتاب الله، ماذا يقول الله جل وعلا؟ {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} [النساء:83] لو أن كل حدث نرده إلى كتاب الله وسنة رسول الله لعلمه الذين يستنبطون الفقه ويعرفون أحكام الشريعة لا أن نصدق ما تقوله الإذاعات، وحسب مسلم جهلاً وغفلة وبلاهة وسخافة أن يأخذ الفكر من هذه الإذاعات. إن الإذاعات التي تطنطن وتطبل من هذه الأحزاب الضالة والله ما تبني في مسلم شهامة، ولا ترفع فيه كرامة، ولا تجعل له من الدين آية أو راية هذه حقيقة البعث حزب علماني، فصل الدين عن الدولة، لا مكانة للقرآن والسنة فيه، حزب قومي يجمع العرب أياً كانوا يهوداً أو نصارى أو مجوساً أو دروزاً أو بعثيين المهم أنهم عرب، حزب الاشتراكي لا بد أن تنتزع رصيدك الذي في البنك وأقسمه فيما بيني وبينك وأنت يا من تملك السيارتين لا بد أن تقسم بيني وبينك هذه مزاعمهم، وهذه أفكارهم، فهل بعد هذا يظن مسلم أن هذه العناصر التي يرفعها هذا الحزب ليست معقولة فعلاً فضلاً أن تطبق واقعاً، لا يمكن أن نتصور أن نستطيع أن نجمع أمة على رباط علماني قومي اشتراكي. أليست لبنان أريد لها أن تكون دولة اللبنانيين أجمع بما فيهم الدروز، وبما فيهم المليشيات المسيحية، وبما فيهم النصرانية وبما فيهم مختلف الطوائف؟ هل استطاعت لبنان أن تجمع دولة واحدة تحت جنسيات وعقائد مختلفة؟ لا؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال:39] لأن الفتنة في بقاء هذه المذاهب، وفي مدى بقاء هذه الجنسيات، وفي بقاء هذه الأحزاب والتيارات: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:39] حينما يكون الدين لله، والحكم لله، والأمر لله، والتشريع لله، حينئذٍ تستقر الأمة، أما أن يراد لأمة من الأمم أن تكون دولة وتحتها أحزاب مختلفة وترفع شعارات متباينة، تريد أن تجمع الناس خليطاً مزعجاً مشتركاً من العقائد والمذاهب والتيارات؛ هذا لا يمكن أن يتحقق تخيلاً فضلاً أن يطبق واقعاً.

زعم البعث للحرية

زعم البعث للحرية معاشر المؤمنين: ويزعمون خداعاً للسذج والبسطاء: أن هذا الحزب يرفع شعارات الوحدة والحرية، ولذلك انخدع بهم وانكشف من انكشف معهم من أذنابهم في الجنوب والشمال وعرفوا على حقيقتهم، ولكن اعلموا وخذوها قاعدة: (إن الذي ليس على دينك لا يعينك) قالتها العوام والعجائز والشيوخ. والله هذا أمر حقيقي، ظننا أن بعض الأمم يمكن أن يجدي فيها المعروف وبسط المعونات والمساعدات، وفي هذه اللحظات الحرجة نجد النكوص والغدر بالعهود والمواثيق ولكن حسابهم مع الله قريب، نسأل الله أن يرينا فيهم أسوأ ما رأيناه.

سفاح يعظ جنوده بالجهاد في سبيل الله

سفاح يعظ جنوده بالجهاد في سبيل الله معاشر المؤمنين: وأما ما رفعه ذلك الطاغية البعثي -الذي يجلّ المنبر عن ذكر اسمه- وحزبه أولاً: الجهاد في سبيل الله عبر إذاعة مستأجرة بالأموال، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، إذاعة استأجرت حناجر بالأموال، وأقلاماً بالأموال لتكتب عن الصف ولتطنطن في الإذاعات، وماذا بعد ذلك يا عباد الله؟ أخذوا يرفعون شعار الجهاد في سبيل الله وتحرير الحرمين، وعجبت يوم أن سمعت هذا: خرج الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا ومضى في التو يمضي ويسب الماكرينا يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا أصبح فرعون واعظاً! متى عرفت الثعالب بالأمانة؟! متى عرف فرعون بالوعظ والإرشاد؟! أفي هذه اللحظات خرج ذلك الطاغية البعثي يصيح عبر الحناجر المأجورة والأقلام المستأجرة يرفع نداء الجهاد في سبيل الله، هل يرفع نداء الجهاد في سبيل الله الذي قتل الأكراد في كردستان، منطقة يسكنها الأكراد السنة تتنازعها خمس دول، إقليم يتاخم الاتحاد السوفيتي، وإقليم يتاخم تركيا، وإقليم يتاخم سوريا، وإقليم يتاخم العراق، هذه الأقاليم المتاخمة في وسطها بلاد اسمها كردستان أغلبهم من السنة، هؤلاء كان عدواً لدوداً لذلك الطاغية المجرم، ولما أراد أن يفتك بهم ماذا فعل؟ أرسل الطائرات فضربتهم وجعلت بلادهم خراباً بل قاعاً صفصفاً كأنه ليس بها على ظهر الأرض أحد، ولما فر من فر من النساء والأطفال والعجائز والشيوخ قابلتهم الناقلات والشاحنات التي تحمل المواد الغذائية، ففرغت المواد الغذائية هذه الناقلات وحمل فيها الأطفال والعجائز والأرامل والشيوخ، فلما بلغه الأمر قال: الآن الفرصة! اضربوهم وهم في صناديق الشاحنات، فتوجهت الطائرات وأنزلت قذائفها على كل شاحنة تمتلئ بالبشر، وعندي صور تدل على هذا، لا أقول هذا جزافاً لا والله بل عندي صور ورأيت فلماً مصوراً من التلفزيون الاسكندنافي من أوروبا نقل عبر الأقمار الصناعية في هذه المذبحة التي بلغ عدد ضحاياها أكثر من ثلاثمائة ألف. هل الذي يفعل هذا يرفع الجهاد في سبيل الله؟! هل الذي يفعل هذا بالمسلمين يرفع الجهاد في سبيل الله؟! هل الحزب يحرق عالماً من علماء العراق بالنار لما امتنع من أن يؤيد الاشتراكية والبعثية؛ صبوا عليه البنزين وأحرقوه بالنار، هل يرفع الجهاد من يفعل هذا؟ كيف تنطلي على أمة المسلمين هذه الألاعيب وهذه الحيل؟! إن كثيراً من الأمم قبلهم قد رفعوا شعار الإسلام ليصلوا في ذلك إلى أطماعهم ومؤامراتهم ومع ذلك ما كان العلماء والفطناء والأذكياء يغفلون عن هذه الشنشنة الأخزمية التي عرفت من أولئك الفجار الذين يتلاعبون بعقول الأمة، ولكن الحقيقة تفرض نفسها إن الإعلام يعبث بالشعوب، ولذلك لما رفع ذلك الطاغية شعار الجهاد في سبيل الله تطوع عدد من السذج في بعض البلدان المجاورة وقالوا: نحن جنود لهذه الطائفة، وإن كنت تريد أن تغزو إسرائيل أليست إسرائيل جارة للبعثيين، لماذا لم ينل إسرائيل طلقة رشاش واحدة؟ إن كنت تريد الجهاد فالميدان قريب ولا يحتاج إلى مسافة، وهل رفع الجهاد إلا في هذه اللحظة التي دخل فيها جنودهم وسرقوا الأموال وخوفوا الآمنين وشردوا المطمئنين؟ كيف تنطلي على العقول لعبة ما يسمى بالجهاد في سبيل الله. إننا أولى أن نرفع هذه الراية، وإننا أولى بها أن نعلن الجهاد في سبيل الله ضد البعثيين الملاحدة الكفار، ولا طمأنينة إلا برفع راية الجهاد في سبيل الله: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا) (وما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا) فالجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة: (إذا رضيتم بالزرع، وتبايعتم بالعينة، وتبعتم أذناب البقر؛ سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم). والله ثم والله ثم والله إن ما حل بـ لبنان والكويت وأفغانستان وكشمير ليس ببعيد أن يحل بنا ما لم نجاهد في سبيل الله {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] ماذا يفعل الإعداد؟ {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} [الأنفال:60] {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ} [الأنفال:60]. نعم يا عباد الله! إن الإعداد يوم أن تعلم الشعوب المجاورة أن الشعب السعودي شعب مجند، مدرب، يحمل السلاح ويعرف إطلاق النار، ويلبي نداء الجهاد، وفي أي لحظة يقدم كفه على روحه وليمت من يمت وليقتل من يقتل هكذا تبقى الأمة: وفي القتلى لأقوام حياة وفي الأسرى فدىً لهم ورق ما لم تقدم الأمة ثمناً للأمن والرخاء والطمأنينة من فلذات أكبادها وإلا فإن دورة الحياة دائرة، دورة الأمن والرخاء والطمأنينة تدور دورة، ثم تنتهي بخلود الناس وتوجههم إلى الترف والرفاهية والعبث بملذات الدنيا، لا نريد هذا نريد أنفسنا وشبابنا يقفون في أي لحظة وهم مستعدون أن يتوجهوا إلى الجبهات كلٌ يعرف ثكنته وقائده ومهمته؛ بهذا تحفظ الأمة نفسها. والله يا عباد الله! لا يحفظ البيت إلا صاحبه، ولا يحفظ الدار إلا بانيها، وإننا نسأل الله جل وعلا أن يجعل في هذه الأمة خيراً وبركة، ولا يزال فيها كثير من الخير بل الخير كله إلا ما شاء الله بما كسبت أنفسنا، نسأل الله أن يبارك لنا في ذلك، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. ثم اعلموا يا عباد الله! أن الذي يرفع هذا اللواء ليحرر فلسطين ليس هو ذلك الذي جاء بالحديث في آخر الزمان: (تقاتلون اليهود حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم ورائي يهودي تعال فاقتله) ولم يرد في الحديث يا بعثي ورائي يهودي تعال فاقتله فماذا يرجى من هذه الدعايات المضللة التي تغني صباح مساء: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني هل ينتظر من هؤلاء الملاحدة أن يرفعوا للإسلام راية أم أن يجاهدوا في سبيل الله؟ إذاً: فاعرفوا ذلك معاشر المسلمين، أما دعواه أنه سيضرب إسرائيل فوالله ثم والله: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع والله لا يستطيع ولا يجرئ على غزو اليهود إلا مسلم يتحرك بذلك؛ ليس لأجل العرب وإنما لله ولأجل الله وفي سبيل الله ولإعلاء كلمة الله، وأما ما سوى ذلك فلن يستطيع بأي حال من الأحوال. معاشر المسلمين: إن الذي يرفع راية الجهاد ليس هو الذي يفرض عقوبة الإعدام على من يدخل أشرطة إسلامية في البلد، إن من وجدت في حوزته أشرطة إسلامية من الخطب والندوات والمحاضرات لعدد من العلماء عقوبتها الإعدام، فهل الذي يرفع الجهاد في سبيل الله يعاقب بالإعدام على هذا؟ كذلك: هل الذي يرفع راية الجهاد في سبيل الله يقتل آلاف المسلمين، ويجعل عقوبة المحافظة على الصلاة مع الجماعة بانتظام أن يكون صاحبها مشبوهاً يتابع ثم يعاقب بالسجن والأعمال الشاقة؟ أهذه صفات وسمات من يرفع راية الجهاد في سبيل الله؟

العبرة من حادثة غزو صدام للكويت

العبرة من حادثة غزو صدام للكويت واعلموا يا معاشر المسلمين: أن الأمة ما لم تستفد من هذه الحادثة درساً وعبرة وآية عظيمة فمتى تعتبر إذاً؟ متى نعتبر إذا لم نعتبر بالمسلمين ولما حصل لإخواننا وجيراننا، واعلموا أنها ليست الأولى، إن ما فعل بالكويتيين فعل بالأفغان نقطة نقطة دقة بدقة. والله إن ما فعل بالكويتيين فعل بالأفغان، أخرجوا من ديارهم، وقتلوا، وشردوا، وحملت بناتنا، ورمين عرايا من على الطائرات، وعلق الأطفال في أغصان الشجر، وسلخوا كما تسلخ الشياه، وتسلخ فروة الرأس من الجمجمة ألوان من التعذيب، في منطقة من مناطق بنشير في الشمال فيها خمسمائة مسلم دكدكتها الطائرات وانتهت وليس لها وجود أبداً. إن ما يفعل بـ الكويت سبق وأن فعل بـ أفغانستان وفعل بالمسلمين السنة في لبنان، ولكن هل نعتبر يا معاشر المسلمين؟! مع أننا على أمل وثقة بالله أن الله جل وعلا سيرفع هذا العدوان، وستعود الكويت لأهلها ولأبنائها ورجالها، وعسى الله أن يجعلها بعد ذلك دار عز وتحكيم لكتاب الله وسنة نبيه ووحدة على كتاب الله وسنة نبيه لإعلاء الدين والأمة. معاشر المسلمين! إن ما حل بالمسلمين بـ الكويت لا يمكن أن ينساه التاريخ وسيبقى في سجل التاريخ مدوناً حرفاً حرفاً، فصلاً فصلاً، مشهداً مشهداً؛ لأن الناس أصبحوا يشكون هل هم في حلم أم في يقظة، إن منهم من يقول: هل أنا الآن في أحلام على فراش أم أنا في يقظة أتعامل مع الأحداث وأنا حي يقظ؛ من شدة الهول والفاجعة في مرارة المأساة. وهذه أمثلة ورأيتم عبر الشاشات والتلفاز والإذاعات وسمعتم ما حصل وما ذكره إخواننا نسأل الله أن يفرج وأن يرفع البلاء عنهم: سيارة خرجت في ثمانية عشر شخصاً، رب أسرة مع أسرته وأولاده وبناته يتوجه فراراً بعرضه -لأنهم بدءوا بالأعراض قبل الأموال- وبدينه وبنفسه وما الذي حدث؟ وجد المنافذ الحدودية مغلقة، فسلكوا الطرق البرية فتعثرت السيارة في الرمال، ولم يكن حولهم من يسعفهم حتى جاء رجال الإغاثة؛ فوجدوا من في السيارة ما بين طفل وأم وبنت قد ماتوا ثمانية عشر ماتوا من الجوع. وليسوا وحدهم يا عباد الله! بل الذين ماتوا كثير لكن هذه الحادثة مات بها أقوام من العطش والجوع في الرمال بسبب من؟ ولوجه من؟ ولأجل من؟ ولمصلحة من؟ لهذه النزوات البعثية الحاقدة على الإسلام والمسلمين. وما حال المسلمين في تلك اللحظات، اجتاحوا وفي المستشفيات نساء يلدن؟ يعانين آلام الطلق والولادة، اجتاحوا المدينة وفي المستشفيات من المعوقين والمشلولين والذين هم في غيبوبة الذاكرة أخرجوهم ورموا بهم في الطرقات والشوارع منهم من مات في مكانه، ومنهم من جاء من يسعفه لأجل من؟ ولوجه من؟ وفي سبيل من؟ هذا سؤال لا يوجد له جواب أبداً في هذه اللحظات، هناك من كانوا يغسلون موتاهم، هناك من كانوا يدفنون موتاهم، هناك من كانوا يشهدون جنائزهم، مصيبة لا تعدلها مصيبة، أناس قد أمسوا آمنين فأصبحوا مشردين، أناس أمسوا أغنياء فأصبحوا فقراء، أمسوا مجتمعين وأصبحوا مشردين، كل هذا لمن؟ لا تجد جواباً إلا أنه إشباع لهذه النزوات التوسعية البعثية الحاقدة على الإسلام والمسلمين. والآن في هذه المدينة مزارع خاوية ليس فيها إلا الهزال من الشياه والماعز، وفيها قصور تعبث بها الريح وتصفر في ردهاتها وجنباتها، لماذا شردوا أهلها؟ لماذا طردوا عنها؟ لوجه من؟ ولمصلحة من؟ كلها مصيبة من أعظم المصائب. ومما يدلكم على أنه عدوان مادي توسعي حاقد: أن أحد إخواننا من رجال الإغاثة قابل أسرة كويتية ملطخة بالدماء، فقال: ما الذي بكم؟ قالوا: كان معنا رجل ومعه ساعة ثمينة، فقال الجندي الحاقد: أعطيني الساعة، فرفض أن يسلمها له؛ ففتح الرشاش على جسمه وصدره، ثم تناثر دمه حتى لطخنا كما ترى والحال هذه، كل هذا لا تجد له جواباً إلا أن أولئك اجتمعوا على الكفر والباطل، ونحن يا أمة الإسلام ينبغي أن نجتمع على راية التوحيد وكلمة الإيمان. إن ما حل لم يحل بالكويتيين وحدهم بل حل بالمسلمين أيضاً قبلهم، ومع ذلك فهل نعتبر؟ هل نجد من هذا عبرة؟

الثقة بالله رأس كل شيء

الثقة بالله رأس كل شيء أعود بعد ذلك إلى فصل خطير من هذه القضية ألا وهو: مشاركة القوات الأمريكية لا أقولها معترضاً لا، وإنما أقولها سائلاً الله عز وجل أن يجعل مجيئهم سخرة لنا، نسأل الله أن يسخرهم لنا، وأن ينفعنا بما عندهم من علومهم وأن يدفع البلاء عن المسلمين أجمع هذه القضية صار فيها هرج ومرج، ولكن فلنفهم جيداً أن الأمريكان أهل كتاب نصارى أما البعثيون الذين يقولون: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له فإنهم لا يؤمنون بالله فهذه استعانة بنصراني على ملحد بعثي غاشم، افهموها جيداً ولا تعبث بكم الأهواء والأفكار أو حديث المجالس واللقاءات الخاصة، وبعضكم لا يدري كيف يحلل الوضع جيداً. والأمر الآخر يا عباد الله! أن الناس كانت أيديهم على قلوبهم من الفزع والخوف والقلق قبل وصول القوات الأمريكية، فلما وصلت اطمأنوا جميعاً! نحن لا ننزعج من وصولها ولكن ننزعج من أن الناس ارتبطوا بهذه القوة ولم يرتبطوا بالله، هنا الخطورة. يوم معركة بدر كم كان عدد الصحابة؟ وكم كان عدد المشركين؟ كان عدد الكفار ثلاثة أو أربعة أضاعف المؤمنين، ومع ذلك القلة المؤمنة انتصرت على الكثرة الكافرة، ويوم حنين كان عدد الصحابة اثنا عشر ألفاً وعدد الكفار ثلاثة آلاف فهزم المسلمون في البداية ففي بدر كان المؤمنون قلة والكفار كثرة فانتصروا؛ لأنهم تعلقوا بالله تعلقاً وقطعوا الأمل بما سواه فنصرهم الله جل وعلا وما النصر إلا من عند الله {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]. عدد الصحابة اثنا عشر ألفاً وعدد الكفار ثلاثة آلاف فانتصر الكفار في البداية. إذاً: هل الذي يحقق النصر هو القلة والكثرة أم الله جل وعلا؟ إنه الله جل وعلا؛ فلنرتبط بالله، ولنعلم أن الأمر بالله، ولنلح بالدعاء وسؤال الله جل وعلا أن يهلك هذه الأمة الظالمة الفاسدة. ومن المصيبة أن من شبابنا أو رجالنا -ولا أقول كلهم- من يجلس يحلل الأحداث على ضوء ما يسمع من الإذاعات والنشرات والتحليلات وعلى ضوء ما عند الدول والقوات والعدد والعتاد، وينسى أن يجعل الأحداث مرتبطة بمن أحدثها ومن قدرها ومن خلقها ومن له المشيئة والحكمة البالغة فيها. مثال ذلك: شخص في هذا المكان فلا يرى مخرجاً إلا مع هذه الأبواب المفتحة، أما المسلم فيرى في كل نسمة وذرة من هذا المسجد مخرجاً له لماذا؟ لأنه يرتبط بالله والله قادر أن يفتح له أبواباً عديدة. فينبغي أيها الأحبة ألا نظن أن النصر، أو هزيمة الكفار البعثيين، أو أن خلاص الأمة من هذه الأزمة مرهون بهذه الأمور التي نراها ونسمعها في الأحداث والتحليلات، بل إن لله أمراً لا نعلمه: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:52] فعند الله أمر لا تعلمونه، فاسألوا الله هذا الأمر الذي به الفرج والنصر والعزة وما ذلك على الله ببعيد. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

دعوة لمساعدة أهل الكويت في محنتهم

دعوة لمساعدة أهل الكويت في محنتهم الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2] وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المسلمين: إن واقعنا الآن يحتاج إلى نجدة، ويحتاج إلى نخوة، ويحتاج إلى إيثار، ويحتاج إلى تضحية لنقف مع إخواننا أبناء الكويت؛ علنا أن نجزيهم أحسن ما صنعوا بالمسلمين في أفريقيا، إن المعروف لا يضيع، وذلك مثل: لجنة الدعوة الإسلامية، وهي لجنة كويتية ذات أعمال إسلامية نافعة رائعة، ولجنة مسلمي أفريقيا، لجنة كويتية لها نشاط لا يمكن أن ينكر في بلاد أفريقيا. إخواني! إن أبناءنا وأمهاتنا وأصهارنا وأنسابنا وأقاربنا وأحبابنا الدعاة إلى الله الصالحين من أهل الكويت! إن للجميع حقاً علينا فلا بد أن نقوم به، وذلك بالمشاركة في أعمال الإغاثة، وهذا أوان بذل المقصود والمطلوب؛ فمن تأخر عن هذا الصيف ضيع اللبن! إذا لم تفزع الآن فمتى تفزع؟ إذا لم تتحرك الآن فمتى تتحرك؟ متى تهب لنجدة إخوانك؟ إن هيئة الإغاثة الإسلامية المتفرعة عن رابطة العالم الإسلامي وهي تقع على الخط الدائري في الجهة الشرقية من الخط الدائري بعد مسجد الرسي تستقبل جميع تبرعاتك، وإخوانكم وأحبابكم في هذا المسجد ومحدثكم إلى الله الفقير إلى الله عضو فيها نستقبل تبرعاتكم ومعوناتكم، وسنجعل على الأبواب من يجمع التبرعات الآن؛ فرجائي أيها الأحبة أن تهبوا لنجدة إخوانكم وأن تفزعوا لمساعدتهم وأن تبذلوا بذلاً سخياً طيباً {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:267] ينبغي أن نبذل وألا نخشى فقراً {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} [البقرة:268] فمن أنفق أُنفِق عليه، ومن تصدق تُصدق عليه، والصدقة تدفع الخطيئة وتدفع البلاء وتطفئ غضب الرب. والأمر الأهم من هذا أيضاً: الدعاء الدعاء يا عباد الله! اجتهدوا في الفجر وفي صلاة الوتر وفي جميع الصلوات أن تسألوا الله جل وعلا لإخوانكم أن يفرج الكربة، وأن يرد الأهل إلى ديارهم وبيتهم، وأن يعزهم، وأن يجمع شملهم من جديد، وإلا فإن المصاب ليس بهين أبداً، كل واحد منكم: ما شأنك الآن لو أنك الآن لا تعرف أين زوجتك؟ أو أنت لا تعرف أين أختك أو بنتك؟ أو أنت لا تعرف أين ولدك، أو لم تجد بيتاً تسكنها، أو لا تجد مالاً، أو سيارتك واقعة أمامك لا تجد مالاً تشتري به وقوداً تقودها؟ الأمر ليس بهين طفلٌ يبكي يريد حليباً وليس في جيبك ريال، ماذا تفعل أمام هذه المصيبة؟! وأم جف ثديها بهول الفاجعة، ماذا تفعل أمام هذه المصيبة؟! أو بنت انتهك عرضها وأنت ترى ماذا تفعل أمام هذه المصيبة؟ هذه تحتاج إلى فزعة ونجدة فافزعوا وابذلوا لوجه الله جل وعلا والدعاء الدعاء. وأوصي الإخوة الذين يقومون على أعمال الإغاثة في المدارس أن يطلبوا من الساكنين في المدارس من إخواننا الكويتيين والساكنين في مختلف المساكن والمجمعات أن يقوموا قبل الفجر بساعة وأن يسألوا الله أن يفرج كربتهم، والله هذا هو السلاح، الذي به ترد الحقوق، وبه يشفي الله صدور المؤمنين من الكافرين، وبدون هذا إن نحن نتكل على قوة فإن القوة خذلت المؤمنين والرسول معهم، الكثرة ينبغي ألا نتكل عليها بل نعتمد على الله جل وعلا ثقة بالله وثقة بنصر الله {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:7] {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40] من هنا نجد طريق النصر، البذل والإيثار والدعاء والتقرب إلى الله بترك الذنوب والمعاصي. إن من شبابنا من لم يزالوا في غفلتهم وكأن شيئاً لم يكن، لا زالت شلل البلوت تجتمع، ولا زال بعضهم يجتمعون على الطرب، ولا زال بعضهم يسهرون، ولا زال بعضهم يسمعون ويغنون وكأن شيئاً لم يكن، والله إن الأيام تدور، وكلٌ ينال حظه؛ لكن ينجي الله الذين آمنوا والذين اتقوا {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ} [الزمر:61]. فبإذن الله جل وعلا إذا حصل هذا الإيمان، وهذه العودة والتوبة والتقرب إلى الله بترك الذنوب والمعاصي فأبشروا بالفرج عاجلاً غير آجل، وثقوا بالله فإن من وثق ولجأ وتوكل على الله فإن الله لا يخذله. أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أهلك البعثيين، اللهم اهلك طواغيت البعث، اللهم احصهم عدداً، ولا تغادر منهم أحداً، واجعلهم بدداً. اللهم زلزل الأرض تحتهم، وأنزل عليهم طيراً أبابيل من فوقهم، اللهم اجعل الرعب عن يمينهم والخوف عن يسارهم، اللهم اجعل شبح الموت في وجوههم، وأهلكهم بعزتك وما ذلك عليك بعزيز يا رب العالمين. اللهم لا تجمع للبعثيين شملاً، اللهم لا توحد لهم صفاً، اللهم لا ترفع لهم راية، اللهم شتت لهم ما تجمع وفرق لهم ما تألف، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك. اللهم أخرجوا المشلولين، اللهم أخرجوا المكفوفين، اللهم فعلوا بالنساء الحبالى وحديثي الولادة فعلوا بهم مالا يفعله يهودي ببشر، اللهم فأرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أخزهم، اللهم رد كيدهم في نحورهم. اللهم احفظنا بالإسلام، اللهم توكلنا عليك وحدك لا حول ولا طول ولا قوة إلا بك وحدك لا شريك لك، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت الأول والظاهر والباطن، وأنت على كل شيء قدير، اللهم إليك أنبنا، وبك اطمأننا، وإليك توجهنا، فلا تخذلنا يا ربنا. اللهم إنا نسألك أن تؤمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم اجمع شملهم، اللهم أدم عزهم ورفعتهم وكرامتهم، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، اللهم لا تشمت فيهم حاسداً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك. اللهم ارحم المستضعفين.

الخطر القاتل

الخطر القاتل إن الله سبحانه وتعالى حرم الزنا وحرم دواعيه، فقال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) وجعل سبحانه حداً لذلك، ولكن إذا كانت أمة بأكملها تحاد الله ورسوله وتجاهره بالمعاصي فإنها تهون على الله، ويرسل عليها أضعف مخلوقاته من الفيروسات والأوبئة، ولا يوجد علاج لذلك إلا اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

عاقبة من أعرض عن ذكر الله وطاعته

عاقبة من أعرض عن ذكر الله وطاعته إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ويقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. أيها الأحبة في الله: يقول الله جل وعلا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قومٍ حتى أعلنوا بها، إلا ابتلاهم الله بالأوجاع والطواعين التي لم تكن في أسلافهم). أيها الأحبة: نقول هذا الحديث تمهيداً أو مقدمةً لما هو حدث الأسبوع، حيث إن منظمات الصحة العالمية قد جعلت يوماً مضى في الأسبوع المنصرم هو يوماً عالمياً لمكافحة مرض الإيدز، والعجب -يا عباد الله- أن تلك الأمم التي فتحت فنادقها، وشركات السياحة فيها، وشواطئها، وأماكن اللهو والدعارة فيها، هي التي تدعو إلى ذلك، فسبحان الله العلي العظيم عما يصفون ويفعلون من التناقض والعجب العجاب فيه!! أيها الأحبة: لا شك أنكم تعلمون أننا في زمنٍ تيسرت فيه سبل الفواحش، وتنوعت فيه أسباب الفاحشة، وتعددت فيه مظاهر الفساد، وكل هذا والله لبعد الأمم عن كتاب الله وسنة نبيه، وصدق الله جل وعلا حيث يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] أولئك الذين يظن بهم ضعاف الناس، وجهلة الخلق، وغوغاء الشعوب، يظنون أنهم أهل الحرية، وأهل الانفتاح، وأهل التقدم والمدنية، أولئك والله يعيشون أمراضاً لا حصر لها، وأنواعاً من البلاء لا يحصيها إلا الله، وما ذاك إلا لبعدهم وإصرارهم وصدهم عن كتاب الله وسنة نبيه، فهم ينهون وينئون عن شرع الله، فحسبهم ما أصابهم في الدنيا ولهم من الله في الآخرة عذابٌ عظيم. أما ذلك المرض الذي توافرت فيه جهود منظمات الصحة العالمية، لكي تجعل يوماً مضى في الأسبوع المنصرم لمكافحة الإيدز وما أدراك ما الإيدز.

طرق انتشار فيروس الإيدز

طرق انتشار فيروس الإيدز تقول نشرة أصدرتها وزارة الداخلية ممثلة في مستشفى قوى الأمن بـ الرياض: إن سبب مرض الإيدز هو فيروسٌ صغيرٌ جداً، وتذكروا قول الله جل وعلا: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31] أتظنون أن الله يعجزه عن الخلق شيء، لا. والله إن الله جل وعلا بأمره وبإرادته وبمشيئته لو شاء أن يهلك الخلق بأدنى فيروسٍ صغير لا تراه حتى أجهزتهم ومكبراتهم وميكروسكوباتهم، أو ما ملكوه من وسائل التنظير والتكبير، فسبحان الذي لا يعجزه شيء! تلك الأمم التي ملكت أنواع المدمرات، وأصناف الطائرات، وأدق المخترعات، وأبدع المكتشفات، ومع ذلك عجزوا أن يجدوا علاجاً لفيروسٍ لا يرى بالعين المجردة، إن الفيروس أصغر بمرات كثيرة من المكروب، فسبحان الله العلي العظيم! كيف هانوا على الله حتى أهلكهم بأدنى وبأصغر جندٍ من جنوده فلا تأمنوا مكر الله! ولا تأمنوا عقوبة الله جل وعلا بأممٍ عاندت شرعه، وأصرت على محاربة دينه ودعاة شرعه. أيها الأحبة: تقول هذه النشرة التي أصدرها مستشفى قوى الأمن بـ الرياض: إن سبب مرض الإيدز هو فيروسٌ، وينتقل هذا الفيروس عن طريق الإبر الملوثة، وحقن المخدرات، فليعلم الذين يتهاونون بالمخدرات ابتداءً بمقدماتها، من أنواع العطور أو الكولونيات أو نحو ذلك، فليعموا أن نهاية المطاف، وأن غاية المصير هي المصيبة والطامة الكبرى التي لا علاج لها على الإطلاق. وينتقل هذا الفيروس أيضاً عن طريق الاتصالات الجنسية الغير المشروعة، وينتقل فيروس الإيدز عن طريق اللواط -عافانا الله وإياكم- ويمكن أن تنقل هذا الفيروس أمٌ مصابةٌ إلى وليدها، وإننا والله نقول: يا مصيبة بعض الفتيات وبعض الزوجات وبعض النساء من أزواجٍ لا يخافون الله جل وعلا! ولا يراقبونه حينما يسافرون إلى الخارج! فأيما جنبٍ وجدوه ناموا معه! وأيما فراش ووجدوه مريحاً التحفوا به! وأيما فاحشة وجدوها وقعوا بها! فما حال امرأة يعود ذلك الزوج النتن الذي حمل بأصناف هذا الفيروس، الذي حمل هذا الوباء، يعود إلى بلاده لكي يضاجع زوجته فينقل إليها هذا المرض الخبيث! إنها مصيبة وطامة وبلية عظيمة، فتنبهوا -يا عباد الله- تنبهوا يا أولياء الأمور! تنبهوا يا من لكم ولاية على البنات والفتيات! لا تزوجوهن إلا من عرف منه الصلاح والاستقامة والطهر والعفاف. وينتقل هذا الفيروس عن طريق نقل الدم الملوث، ويؤدي في نهاية الأمر وخاتمة المطاف، يؤدي هذا المرض بصاحبه إلى الهلاك بعد انهيار مقاومة المريض، وتحطم جهاز المناعة؛ فإذا تحطم جهاز المناعة في البدن لا تسل عن جيوش الميكروبات، ولا تسل عن أنواع الفيروسات التي تهاجم البدن، ولا يجد البدن بعد ذلك قوة أن يدافعها أو أن يصدها، ثم بعد ذلك يأتيه الموت رويداً رويداً، يوماً بعد يوم، ساعة بعد ساعة، لحظة بعد لحظة، دقيقة بعد دقيقة، بدلاً من أن يموت مرة واحدة يموت مرات عديدة، وينال آلاماً عظيمة؛ جزاءً بما جنت يداه: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:33]. بينت تلك النشرة أن أكثر الناس عرضة للإصابة بالإيدز هم الشواذ جنسياً، والزناة، والذين يتعاطون الخمور والمخدرات والمسكرات، والذين يعاشرون البغايا والمومسات. فيا عباد الله: كم من أولئك الذين يتقلبون في أحضان الفاجرات والكافرات في دول الشرق والغرب في دول الكفر، كم ينقلون! وكم ينشرون! وكم يوزعون أذناباً وإنتاجاً لهذا الفيروس حينما يعودون إلى دولهم وبلدانهم! أسأل الله جل وعلا أن يحفظنا وإياكم من الفواحش والمنكرات ما ظهر منها وما بطن، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

تناقض الدول الأوروبية والغربية

تناقض الدول الأوروبية والغربية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: العجب والغرابة كل الغرابة أن الدول الأوربية والغربية والشرقية التي تعاني من انتشارٍ ملحوظٍ لفيروس الإيدز في فئاتٍ عديدة وطبقاتٍ مختلفة من شعوبها، وأبناء مجتمعاتها، هي التي تدعو إلى مكافحة هذا المرض، فسبحان الله العلي العظيم! كيف يرخصون ويسمحون بفتح أماكن الدعارة والفساد وبارات الخمور، ثم بعد ذلك يدعون إلى مكافحة هذه الأوبئة، وإلى محاربة هذه الأمراض، فأولئك موقفهم تجاه شعوبهم كقول القائل: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء عجباً والله لهم! وأعجب من ذلك بعض ضعفاء البصيرة من المسلمين، الذين يمجدون دول الغرب على ما تدعو إليه من هذه المؤتمرات وتلك الندوات، بأنها الأمم التي تحارب الفيروسات في وقتٍ مبكر، وأنها الأمم التي تحارب المكروبات بطريقة علمية مبتكرة، وبأجهزة دقيقة حساسة، عجباً لأولئك في تطورهم! وعجباً لتلك الدول في واقعها، كيف ذلك الواقع المتناقض والحلول المتناقضة، والانفصام بين القول والعمل! يرخصون بالفساد، ثم بعد ذلك يدعون إلى محاربة ما ينجم عنه، فأولئك مهما طال المغرورون عنهم عجباً واستغراباً بما هم فيه من الحال أو عقد الندوات والمؤتمرات أولئك يصدق علهم قول الشاعر: بنى مسجداً لله من غير حله فكان بحمد الله غير موفقِ كمطعمة الأيتام من كسب عرضها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي لهم الويل، ولهم الثبور، وعليهم من الله ما يستحقون، لا يفتحوا أبواب الدعارة، ولا يرخصوا بأماكن البغاء، ولا يقننوا أساليب الفاحشة، ثم بعد ذلك هم في حلٍ ألا يعقدوا المؤتمرات والندوات عن هذا البلاء وعن هذا المرض، وما جناه وما أظهره إلا فعلهم وما كسبته أيديهم.

العلاج الناجح والحقيقي من الأمراض والأوبئة

العلاج الناجح والحقيقي من الأمراض والأوبئة عباد الله: إن العلاج كل العلاج هو في دين الله جل وعلا، هو في شرع الله، هو في قول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:5 - 6]. إن العلاج كل العلاج والدواء كل الدواء في قوله سبحانه وتعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً} [النور:33]. في دولة بريطانيا عقد اجتماعٌ كبير ضم عدداً من الشخصيات واللوردات، وأخذوا يناقشون هذا المرض الذي سرى في الجيل البريطاني، وشباب لندن، والدول الغربية عامة، ثم قامت امرأة وقالت: إني أقترح عليكم علاجاً، فأرهف القوم أسماعهم، وشخصوا بأبصارهم إليها، قالوا: ما الذي عندك في هذا الحل؟ قالت: العلاج هو الحل السعودي قالوا: وما تعنين بذلك؟ عنت بذلك أن من زنا أن تطبق عليه حدود الله جل وعلا، وأن تمنع أبواب الفساد والدعارة، فالحمد لله -يا عباد الله- أن جعل بلادكم قدوة ونبراساً وقنديلاً ومشعلاً تستضيء به الأمم عامة، وتخرج به من الظلم أممٌ تاهت في دياجير الظلام، وحنادس الظلمة. فيا عباد الله: اعرفوا قدر بلادكم، وقدر الطهر والعفاف فيها، وحاربوا كل دعوة تدعو إلى هتك حجب الحياء، ونابذوا كل مقولة تدعوا إلى الاختلاط، ونابذوا كل دعوة تسمح أو تتهاون في فتح أي نوعٍ من أنواع الفساد صغُر أو كبُر. واعلموا -يا عباد الله- أن ما يُحذر منه لا يعني بالضرورة أن ما هو موجود، ولا يعني أيضاً أن الأعداء لا يفكرون في غزو الأمة به، فكونوا على مستوى الفهم، وعلى مستوى الوعي، وعلى مستوى الإدراك لما يريده أعداء الإسلام منكم. عباد الله: إن دين الله جل وعلا يوم أن شرع حد الزنا أمر قبل ذلك بغض البصر، وأمر قبل ذلك النساء أن يقرن في بيوتهن، وأمر قبل ذلك بالحجاب، وأمر قبل ذلك بالحياء والفضيلة، ثم بعد ذلك يزيد حد الزنا عقوبة لمن تسور جدران الفضيلة، وحجب الحياء، غير مبالٍ بالأبصار، غير مبالٍ بالحجاب، غير مبالٍ بالحياء والطهر والعفاف. إن شريعة الإسلام يوم أن شرعت حد السرقة، قررت قبل ذلك الأمر بالزكاة، والأمر بالصدقة، وكفالة أفراد المجتمع، وحث الناس على التوسعة لبعضهم البعض، ثم بعد ذلك جاءت العقوبات لمن خالف تلك الحجب، وتسور تلك الجدر. أما الحلول الغربية المتناقضة فهي والله في غاية التناقض، وفي غاية الانفصام، من جهة يفتحون أبواب الدعارة والفساد، ومن جهة يدعون إلى علاج الأوبئة والأمراض، إنها أممٌ تتخبط في ألوان الضلالة، وأصناف الجهالة، ولا حل ولا علاج لكل أمة في هذا الزمان، وفي كل مكان وزمان إلا بكتاب الله وسنة نبيه. إن الطهر إن الحياء إن العفاف لهو خير ما يحفظ الإنسان، وبقدر حفظك -أيها الرجل- نفسك يحفظ من دونك، وبقدر بعدك عن الوقوع في حرمات الله جل وعلا، يكون ذلك سبباً لبعد الناس عن أن يجترئوا عليك أو على محارمك وقديماً قال الشافعي رحمه الله: من يزنِ يُزنَ به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهمِ إن الزنا دينٌ فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ فيا عباد الله: احفظوا بيوتكم، واحفظوا أنفسكم، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، ومكنوا الحياء في بناتكم وأولادكم، ومكنوا الحجاب في نسائكم تسدوا بذلك معروفاً لمن دونكم، وتحفظوا بذلك مجتمعكم. أيها الأحبة في الله: إن هذا الفيروس قد انتشر انتشاراً عظيماً، وشاع في دول الغرب شيوعاً ذريعاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ففي أمريكا وحدها في سنة من السنوات سبعة وعشرون ألف مصاب بهذا الفيروس، مات منهم ستة عشر ألف، ومعدل الوفيات نتيجة هذا الفيروس مائتين وعشرين رجل يموتون أسبوعياً، والدراسات والإحصائيات تقول: إنه خلال أشهرٍ عديدة قادمة سيكون معدل الوفاة من جراء الإصابة بهذا الفيروس ألف شخصٍ يموتون في الأسبوع الواحد. فانظروا إلى عظم الجريمة، وانظروا إلى هوان الخلق على الله يوم ألا يبالوا بمحارمه، ويوم أن ينتهكوا حدوده فاحفظوا الله يحفظكم، احفظوه جل وعلا في أمره وفي نهيه، احفظوا الله جل وعلا يحفظكم، احفظوا الله في كل آنٍ، وفي كل زمان، وفي كل مكان، تجدوا الله تجاهكم، ومن لم يحفظه الله فلا حافظ له، ومن يضلل الله فلا هادي له. أسأل الله جل وعلا أن يحفظنا جميعاً، وأن يحفظ شبابنا، وأن يمنَّ على هذه البلاد بالطهر والعفاف والحياء، وأن يبعد عنها وأن يقهر فيها كل دعوة إلى الاختلاط والتبرج، أو إلى تيسير وسائل الاتصال التي لا تنبغي ولا تليق في مجتمعات المسلمين خاصة، وفي غيرها من المجتمعات عامة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، يا سميع الدعاء! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم احفظ إمام المسلمين، وإخوانه وأعوانه وثبتهم على الحق يا رب العالمين! اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم، اللهم سخر لنا ولولاة أمرنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم اجعل لنا من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كلِ بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولاهماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا أيماً إلا زوجته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم انصر عبادك الموحدين، وانصر جندك المجاهدين، اللهم انصر جندك المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، وفي فلسطين وفي الفلبين، وفي سائر أرضك يا رب العالمين! اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً، سحاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، اللهم إنا خلقٌ من خلقك وعبيدٌ من عبيدك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك ورحمتك يا رب العالمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

سفينة المجتمع

سفينة المجتمع إن المجتمع كالسفينة، تحتاج إلى ربان ماهر يقودها إلى برِّ الأمان، فكيف إذا كان هذا المجتمع هو أمة الإسلام؟! وقد تحدث الشيخ عن المجتمع الإسلامي وعن الأخطار التي تعترضه، وكيف يمكن له أن يتجنبها وينجو منها، وعماد ذلك كله هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

حاجة السفينة إلى ربان ماهر

حاجة السفينة إلى ربان ماهر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله جل وعلا أن يثيبكم خير الثواب، وأن يجزيكم أطيب الجزاء على حضوركم واستماعكم، ونسأله جل وعلا في مستهل هذا اللقاء أن يسددنا في القول، وأن يخلص لنا ولكم العمل. عنوان هذه الكلمة التي اختار الإخوان عنوانها: (سفينة المجتمع) وهذا عنوان حَمَّال ذو وجوه، فلك أن تتكلم عن سفينة المجتمع وما يتعلق بالأمن والأمان في هذا المجتمع، والمخاطر التي تخترم الأمن وتهدد الطمأنينة، ولك أن تتكلم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي جاء فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة) الحديث. ولك أن تستنبط من هذا العنوان معاني عديدة، وحسبنا أن نشير إلى ما أشار إليه الحديث الشريف؛ فهو أقربها إلى الأذهان، وهو من درجات الإيمان، ومن أهمها ومن أحوج ما تحتاج إليه الأمة في هذا الزمان. أيها الأحبة في الله: إن المتأمل في حال البشر تماماً يراهم مثل أقوام ركبوا السفن: فمنهم من ركب سفينة متينة، وأبحر باتجاه أمواج متلاطمة لا توصله إلى بر الأمان، بل سرعان ما تنكسر خشبته وتتحطم ألواحه ويتيه الربان ويضيع الركب، ولا تسأل عن هَلَكَة القوم بعدئذ؛ فالسفينة لا تغني قوتها ولا صلابتها عن أن يبحر بها ربان ماهر قادر يبحر بها ويتجافى ويتحاشى أمواجاً لا يطيقها، ويأخذها ذات اليمين تارة وذات الشمال تارة، يمشي بها الهوينا حينما يتعثر السير، ويجدُّ بها إذا وجد طريقاً ميسراً، ونصَّ وأسرع في سيره حتى يبلغ بأهلها. وقوم ركبوا سفينة ضعيفة فلم تقاوم أدنى موج من أمواج البحر فانكسرت بأصحابها. وأقوام ركبوا سفينة متينة وسار بهم ربان ماهر قادر خرِّيت مجرب، وسار وأبحر بهم إلى بر الأمان بإذن الله، فأولئك هم الذين أنعم الله عليهم من أهل الصراط المستقيم: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]. وإن تشبيه الناس في هذا المجتمع كقوم على سفينة لتشبيهٌ بليغ وجميل جداً؛ إذ أن الناس قد أبحرت بهم سفنهم من أول يوم وُجِدوا وخُلِقوا ونزلوا على وجه هذه الأرض، وكلنا أيها الأحبة قد ركب هذه السفينة، فهي تمخر بنا عباب السنين والأعوام. والليل فاعلم والنهار كلاهما أرواحنا فيها تعدُّ وتحسبُ إن الجديدين إذا ما استوليا على جديدٍ أسلماه للبلى منع البقاءَ تقلبُ الشمس وخروجُها من حيث لا تمسي وبزوغُها صفراءَ صافيةً ومغيبُها حمراء كالوَرْسِِ نحن قد أبحرت بنا السفن: فمنا من قطع من الرحلة عشرين أو ثلاثين أو أربعين، ومنا من هو الآن على شاطئ النهاية، وبعد النهاية -نهاية الدنيا- يستمر ويمضي في برزخ إلى أن يبعث يوم القيامة. فنحن في سفينة ماخرة بنا إلى الدار الآخرة؛ فيا ليت شعري أين يكون الشاطئ وأين يكون بر الأمان؟! وأين الجودي الذي تستوي عليه هذه السفينة؟! قال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة -أي: ضربوا القرعة بينهم، والسهمان أو ضرب القرعة من الأمور التي يُلْجَأ إليها عند تساوي الأمور- فكان لبعضهم أعلاها وكان لبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء -أي: طلبوا السقيا وأرادوا الماء- مروا بالذين من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا هذا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن هم تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً) هذا الحديث عند البخاري رحمه الله، وهو حديث عظيم وفيه من الفوائد المستنبطة الجليلة العظيمة الكثير: فمنها: جواز ضرب الأمثلة. ومنها: البيان والتوضيح. ومنها: جواز القرعة. إلى غير ذلك.

مجتمعات تقاذفتها أمواج البحر

مجتمعات تقاذفتها أمواج البحر أيها الأحبة في الله: ينبغي أن نعلم تماماً أن سفينة مجتمعنا هي ماضية بنا وكل واحد منا عضو في هذا المجتمع، ومجموعنا نكون مجتمعاً واحداً وكلنا سائرون في هذه الدنيا إلى دار أخرى؛ ولكن من المهم تماماً أن نعلم أن كثيراً من الناس ربما تحطمت بهم السفينة قبل أن يبلغوا شيئاً من عمق البحر أو قبل أن تمخر بهم السفن في عرضه وطوله. أعني بذلك: مجتمعات نشبت فيها الفتن وكثر فيها القيل والقال، وضاعت فيها المناهج، واختلطت المبادئ، وضيَّع القومُ صراطاً مستقيماً مبيناً قويماً، وأصبح الدليل حيران. تاه الدليل فلا تعجب إذا تاهوا أو ضيَّع الركبَ أذنابٌ وأشباهُ أيها الأحبة: إننا يوم أن ننظر إلى سفنٍ اجتماعية عبارة عن مدن أو مجتمعات أو دول: فمنها: مَن يتخبط ذات اليمين وذات الشمال. ومنها: مَن هم ضاربون في أعماق الرذيلة والفساد والضلالة والانحراف {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:104]. ومنهم: مَن تحطمت بهم السفن، وتكسرت بهم الألواح، وكثر الغرقى، ولم يُسمع لصائحهم صيحة، ولم يَستجب لمناديهم أحد. فهذه مجتمعات: منها: مَن ضلَّ وتحطم وانتهى وانكسر. ومنها: مَن ما يزال قائماً. ومنها: مَن ينازع سكرات النهاية يوشك أن يفارق هذه الدنيا. تأملوا مثلاً فلسطين التي هي مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الأقصى: إنك يوم أن تتأمل أحوال إخواننا المسلمين في فلسطين وقد مضوا ستين عاماً قد انكسرت سفينة مجتمعهم، ولسنا بصدد البحث عن أسباب كسر هذه السفينة؛ لكنك تجد قوماً لا سفينة لهم؛ بمعنى لا مجتمع أو لا كيان يحميهم ويجمعهم ويوحدهم ويمثلهم إلا ما كان من أمرٍ تعلموا حكم الإسلام فيه قبل أشهر أو أسابيع معدودة. وعلى سبيل المثال أيضاً: تطاولت يد الشيوعية على مجتمع المسلمين في أفغانستان فحطمت، وتصارعت أمواج الشيوعية مع سفينة ضعيفة في المجتمع الأفغاني، وما زال الناس يرون لوحاً منكسراً يتعلقون به، أو شراعاً يُمَدُّ ليدفع هذه السفينة شيئاً ما، وما زالوا يصارعون وينازعون الأمواج حتى بلغوا إلى قريب من شاطئ الأمان وبر النهاية، وليست هذه هي النهاية إنما النهاية أن يُحَكَّم كتابُ الله وأن تُطَبَّق سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعلو التوحيد ولا يعلو شرك عليه بأي حال من الأحوال. ولك أن تتأمل مجتمع أو سفينة إخواننا في البوسنة والهرسك وهي قد تحطمت على يد الصرب وما بقي إلا أقل من ألواح؛ بل أدنى من عيدان هشة تعلق بها من تعلق، فالقوم في محنة لا يعلمها إلا الله، نسأل الله أن يفرج كربتهم، وأن يعجل نصرهم، وأن يكسر أعداءنا وأعداءهم. وخذوا أيضاً الصومال وكيف انهار ذلك المجتمع، وكيف تحطمت تلك السفينة، فالناس الآن إما في سفينة يبحرون بها على خطر ووجل، وإما أقوام صارعوا أمواجاً عنيفة متلاطمة عنيدة فكسَّرت سفنهم، وبقي البقية منهم ينازعون البقاء، ويعالجون السباحة لبلوغ بر الأمان على ألواح هشة. ونحن في هذه البلاد وفي هذا المجتمع نعيش على سفينة حسبنا من الخطر أن اسمها سفينة، وحسبنا من الخطر أننا في بحر تتلاطم أمواجه، وحسبنا من الخطر أننا نعالج ونواجه قوىً تتربص بنا في داخل أرضنا ومن خارجها. وإني أقف وقفة يسيرة أمام بعض أحبابنا الذين ينزعجون عند مثل هذا الكلام، حينما نتكلم عن الأعداء وعن الشر، وعن المتربصين والعلمانيين، وعن الفجرة وعن الذين يتمنون البلاء والفتنة والشر بهذا المجتمع، إني أقول لأولئك: لا تزعجكم هذه العبارات فإنها موجودة مذ وجد أفضل الخلق وأفضل المجتمعات وأفضل الأجيال، بل إن من تأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في مستهل خطبته: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) فالنفس فيها شر فكيف ينكر أحد وجود شر في بيته أو في مجتمعه، أو وجود خطر من شر يحوم حوله. وأيضاً كما جاء في السنة: (أنه من بنى بامرأة فله أن يضع يده على ناصيتها ويقول: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جُبِلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جُبِلت عليه) فأنفسنا فيها شرور نسأل الله أن يعيذنا منها، وزوجاتنا فيهن شرور نسأل الله أن يدفع شرهن عن أنفسهن وعنا، وأموالنا وأولادنا: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] ففي أموالنا أعداء، ومن أولادنا أعداء، ومن بيننا أعداء؛ فكيف ينزعج البعض حينما يسمع كلمة الشر والعداوة، والتخطيط والمكيدة، والمنافق والمتربص وكلها موجودة؛ ولو خلا منها مجتمع لخلا منها أفضل مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم.

علاج العطب الحاصل في السفينة

علاج العطب الحاصل في السفينة أيها الأحبة: إذا تأملنا هذا وأدركناه فإننا نعالج هذه القضية بأمور، أهمها: شعورنا أننا على خطر. إن من استعرض الوسادة، وغَطَّ في النوم، وأشغله السبات، وعلا شخيره، وعاش في أحلام خيالية، وظن أنه بمأمن من العوادي والغوادي والمتربصين وغيرهم؛ فإنه يوشك أن يهلك لا محالة. أما الذين يعملون وينكرون ويجاهدون، ويستعينون ويناصحون؛ فأولئك نسأل الله أن يسددهم وأن يكونوا على خير عظيم. أقول: إننا في سفينة تربص بها الأعداء في الداخل والخارج فلننتبه لها، وإن كان في السفينة شيء من سوس نَخَرَ في بعض ألواحها إن كان في السفينة مَن يحاول أن يخرقها لتغرق بأهلها إن كان في السفينة شيء من الخطأ والخلل؛ فإن ذلك لا يعني أن نرضى بخرقها، أو أن نستسلم لمن أراد فسادها، أو أن نخضع لمن أراد أن يضيع ربانها وهم قادتها وولاة أمرها وعلماؤها. أيها الأحبة: ينبغي أن نستشعر هذا المعنى، أنت يوم أن تتأمل أحوال المسلمين: إما أن تجدهم مسلمين بلا بلد بلا دولة بلا سفينة بلا كيان بلا مجتمع. أو تجدهم مسلمين تحت ضغط وقهر واستبداد وأحكام مؤبدة، وأعمال شاقة، وأغلال وزنازين وسجون وشرور وآثام لا يعلم حدها وحصرها إلا الله جل وعلا. أو أن تجد مجتمعاً كمجتمعنا هذا فيه خير كثير وفيه شر أيضاً نسأل الله أن يدفعه عنا، ولكن من المهم أن نعلم وأن نحقق هذا: أننا من أقل بلاد الله شراً، ومن أكثر بلاد الله خيراً. إذاً فسفينتنا من أفضل السفن ولا يعني أنها سلمت من العوادي، ولا أنها في مأمن ومنجى من الخطر فكل عاقل ينتبه ويحذر. أيها الأحبة: ما دمنا في هذه السفينة التي ننعم في ظلها وأمنها ووارف خيراتها ونعيمها، وما يُجْبَى إليها من الثمرات من المشرق والمغرب، وما فيها من النعم والأمن والطمأنينة، وما فيها من أمور تسهلت لكثير بل لجل الناس إن لم يكونوا كلهم؛ فنحن من المهم أن نحافظ على هذه السفينة؛ لما فيها من الخير الكثير؛ والفضل الوفير، وأفضل الخير فيها أنك لا تجد قبراً يُعبد من دون الله، ولا تجد ضريحاً يُطاف به، أو ولياً يُعتقد بأنه يدفع شراً أو يجلب نفعاً. أعني بذلك أن من أعظم حسنات هذه السفينة التي نحن فيها سلامة المعتقد والتوحيد، وهذا خير عظيم، كما أن فيها من المصائب وأنواع البلاء والكبائر والمنكرات ما ربما يَرِد الحديث عنه. أيها الأحبة: ما هي الأمور التي تكدر على هذه السفينة هادئ إبحارها؟ ما هي الأمور التي هي نذر شر بأمواج قد تواجه هذه السفينة وربانها؟ ما هي الأمور التي ربما كانت سبباً في أن يتصارع الناس وسط السفينة ويتنازعون فيها. إن الشر والشرور التي تحيط بالسفن الماخرة على بحار المحيطات المتلاطمة بأمواجها العاتية ليست شروراً بالضرورة، قد تكون من حولها، أو من حيتان تقلبها من أسفلها من أعماق البحار، أومن قرصان أو قناصة أو قطاع طرق، بل قد يكون الشر من أبناء السفينة في وسطها لو تعاركوا وتصارعوا وتنازعوا واختلفوا، ثم دب الفشل فحينئذ ينشغل الربان عن سفينته ويشتغل القوم بعضهم ببعض، وحينئذ: ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيَها الأسدُ حينئذ لا يدري الربان بم يشتغل! أهو بأن يهدي سير السفينة إلى بر أمانها، أم يعالج أوضاع أهلها من داخلها وهذه إشارة: تكفي اللبيب إشارة مرموزة وسواه يُدعى بالنداء العالي أيها الأحبة: أتحدث عن مجتمعنا هنا لأنه ليس من الحكمة أن نجتمع مثلاً هنا في ظهرة البديعة في الرياض، ثم نتكلم عن أوضاع الصين، أو كمبوديا، أو السلفادور والبوريساريو، إن حاجة الناس أن يتحدثوا وأن يجتمعوا للحديث عن أوضاعهم وعن مجتمعهم وحاجاتهم وما يهمهم من الأخطار التي تحيط بهم، وليس من الحكمة أن نتحدث عن أخطار في مجتمعات بعيدة، ونحن نعالج ونرى ونجاهد ونصارع أخطاراً ومنكرات تحيط بنا، وحاجة الناس أن يسمعوا ما يتحاجون إليه لا ما يشتهيه متحدث وغيره.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذه سفينتا فما الذي يهددها وما الذي يكدرها؟ إنها المنكرات والمعاصي؛ إن كل جنوح أو ميل أو انحراف أو بُعد خاصة حينما يكون عمداً -ومعاذ الله أن يوجد هذا- أو ميل عن صراط الله المستقيم عن الشريعة القويمة والمحجة المستقيمة؛ عن هذا الدين الذي أتمه الله وأكمله؛ إنما هو بُعد بهذه السفينة عن سيرها الهادئ إلى شعاب مرجانية وصخور شرسة تحطم هذه السفينة وتُفني وتكسر ألواحها، فالمنكرات بأنواعها من أخطر الأمور على هذه السفينة. وعلاج هذا كله هو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حاجة السفينة وحاجة أهلها أن تُهْدَى وأن تسلك سبيل المعروف، وأن تقاوم وتجانب وتجافي طريق المنكر، فما هو المعروف؟ وما هو المنكر؟

المعروف والمنكر

المعروف والمنكر هل المعروف ما تعارفنا عليه؟ وهل المنكر ما اتفقنا على إنكاره؟ هل المعروف ما رآه فلان وعلان؟ وهل المنكر ما أنكره فلان وعلان؟ كلا ولا وألف لا، إنما المعروف ما كان معروفاًَ في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، والمنكر ما كان منكراً في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا من جميل خصال وسمات منهج أهل السنة والجماعة الذي يقرر فيه أئمة السلف وعلماء الملة والشريعة: أن التحسين والتقبيح ما هو إلا من جهة الشرع لا من جهة العقل، أما المعتزلة والمناطقة والفلاسفة والمتكلمون فإنهم يقولون بالتقبيح والتحسين العقليين، يعني: ما كان في العقول حسناً فهو حسن، وما كان في العقول قبيحاً فهو قبيح، وهذا قد جعلهم يضلون ضلالاً بعيداً، وقادهم إلى التعطيل والتشبيه والضلال في باب الأسماء والصفات، بل قاد كثيراً من متقدميهم ومتأخريهم إلى إنكار صريح السنة بحجة أنه خبر آحاد، وقاد بعضهم إلى نفي المتواتر من الدين بتأويلٍ لا مسوِّغ له ولا قرينة تصرف إليه، وكلكم تعلمون هذه المسائل. إذاً: فالمعروف ما كان معروفاً في كلام الله ورسوله، والمنكر ما كان منكراً في كلام الله ورسوله؛ إذ لو أن الأمر اعتبر فيه ما اجتمع عليه الناس لكان اجتماع الناس في زمن أو في مكان على منكر من المنكرات واعتباره معروفاً يحوِّل الحرام حلالاً والحلال حراماً. انظر إلى بعض مجتمعات المسلمين فضلاً عن مجتمعات الكفار كيف ينظرون إلى أن فعل المرأة بتبرجها وكونها حاسرة عن شعرها، مُبْدِية صدرها، حتى أبانت ذراعيها وشيئاً من ساقيها، يرونه مما تعارف عليه الناس بل وربما أُنْكر على مسلمة تحجبت وغطت وجهها وسترت يدها وساقها ونحو ذلك. هل اجتماع الناس في بلد من البلدان ولو سميت إسلامية نسبة إلى تعداد المسلمين وإن كانت أنظمتها ضالة ظالمة، هل اجتماع الناس على أمر كهذا يغير مسألة التبرج من كونها حراماً ومنكراً إلى المعروف والحلال؟! لا وألف لا، بل في كثير من المجتمعات يُعَد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاته تدخلاً وعدوانية وفضولية، بل وربما عوقب الإنسان لأنه أمر أو نهى، وربما تعارف الناس على مثل هذا، فكون الناس تعارفوا على ترك الأمر بالمعروف، واعتبار القيام به فضولية وتدخلاً في شئون الآخرين فإن ذلك لا يغير حقيقته. إذاً: فالمعروف معروف بكلام الله وكلام رسوله، والمنكر منكر بكلام الله وكلام رسوله في كل زمان وفي كل مكان؛ إذ أن الذي خلق العباد هو الذي أنزل الكتاب، وهو الذي شرع الشرائع، وهو الذي سن الأحكام، وهو الذي أحل الحلال وحرم الحرام: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. إن ربنا جل وعلا يوم أن شرع في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم صنوف وألوان وأحكام الحلال والحرام شرعها للبشر في كل زمان ومكان؛ فلا يتغير المنكر بل يبقى منكراً إلى يوم القيامة، ولا يتغير بل يبقى المعروف إلى يوم القيامة، وقد ضل وجهل وسقم من ظن أن الأمور يمكن أن تتحول من كونها معروفاً إلى منكراً ومن كونها منكرةً إلى المعروف، بل إنما الذي يتغير أنواع من المباحات ربما تكون في بعض الأحيان لمصلحة العباد أن يُمْنَعوا من شيء منها، ولمصلحة العباد أن يؤمروا أو يجبروا على شيء منها؛ مما يقدره العلماء ومما تقتضيه المصالح المرسَلَة والمصالح الشرعية المرعية. إذاً: فأول قاعدة في هداية هذه السفينة وسيرها المطمئن إلى بر الأمان أن نعرف أن حاجتها إلى إقرار المعروف والعمل به ومعرفة المنكر والحذر منه، والمعروف ما كان معروفاً في الكتاب والسنة، والمنكر ما كان منكراً في الكتاب والسنة، حتى ولو أجمع الناس وأطبقوا على خلافه.

أمثلة للمعروف والمنكر

أمثلة للمعروف والمنكر على سبيل المثال: خذ بلية من البلايا، ومصيبة من المصائب، وفتنة من الفتن التي ابتُلينا بها في مجتمعنا هذا، نسأل الله أن يدفع عنا شرورها وغوائلها ومغبتها ألا وهي: قضية الربا؛ إن كثيراًَ من الناس قد وقعوا في الربا بحجة أنه قد انتشر، أو بحجة أنه لا سلامة منه، أو بحجة أي مقولة تقال، المهم ينبغي أن نعرف أن الربا خطر وأنه من أخطر معاول الهدم والكسر لهذه السفينة، كيف لا والله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278 - 279]؟! فالربا كبيرة وخطر: (لعن الله آكل الربا ومُوْكِلَه وكاتبه وشاهديه) لا أحد ينازع في هذه القضية حتى لو تعامل بها مَن تعامل، أو ضل بها مَن ضل، أو تأول مَن تأول؛ إذ أن مصيبتنا في هذا الزمان أن أقواماً أخذوا يلتوون ويسلكون أذناب الثعالب في الدخول إلى عقول السُّذَّج والبسطاء والغوغاء يقولون لهم: إن الربا الحرام ليس هو الربا الذي يتعاطاه بعض الناس في هذا الزمان، ولو سُلِّم هذا الأمر وانطلت مثل هذه الحيل لجاء اليوم الذي يقال فيه إن الزنا الذي يوجد في بلاد الغرب ليس الزنا المحرم، وإن الشرك الذي يُعبد فيه أصحاب القبور، ويعتقد فيه بنفع ودفع الأولياء وضرهم ليس هو الشرك المقصود، ولا تستقر حينئذ للأمة أحكام، ولا تُفْهَم شريعة على مثل هذا التأويل أو سوق هذه الحيل والأباطيل.

وجوب التسليم لأمر الله وأمر رسوله

وجوب التسليم لأمر الله وأمر رسوله أيها الأحبة في الله: ما دمنا قد علمنا أن المعروف معروفاً والمنكر منكراً بكلام الله وكلام رسوله، فإن أول ما يتعلق بنا ونحن من ركاب سفينة المجتمع هذه؛ أن نعلم أن من واجبنا الإذعان والانقياد؛ فالأصل في كل مسلم أن يقبل الحق وأن يعمل به؛ والأصل في كل مسلم أن يرد المنكر وأن يزجر عنه دون عناد أو جدال، حتى إن علم الحكمة أو جهلها، إن فهم المقصد أو غاب عنه؛ فواقع المسلم وأصل المسلم أن يقبل الحق وأن يقول فيه: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]. الأصل في المسلم أن يكون مستجيباً منقاداً مخبتاً لأمر الله وأمر رسوله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51] أين نحن من: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51] أين نحن من (ليس لنا الخيرة في أمرنا هذا) ما دام الأمر قد ورد من عند الله، والنهي قد جاء من وحي يُوْحَى مثل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ينبغي لنا إلا الاستجابة. إنك تعجب من مسلم تقرر له القاعدة في أن الربا محرم، أو أن هذا الأمر لا يجوز، أو أن هذه المسالة لا تجوز ثم يقول: ولكنهم في الغرب اكتشفوا، ولكنهم في الشرق علموا، ولكنهم وصلوا ودخلوا وقرروا! بل وأعجب من هذا أن تجد مسلماً يسلِّم بل يعتقد بل يؤمن بل يوقن أن شجرةً بعرض هذا العمود قد كتب عليها أحد علماء الآثار أن هذه الشجرة عمرها ثلاثة آلاف سنة، فيصدق وينقل هذا الخبر للناس مع أن المكتشف ليس عنده سند متصل ممن غرس هذه الشجرة إلى هذا الزمان حتى يُعْرَف أن عمرها ثلاثة آلاف سنة أو ألف أو خمسمائة سنة! وربما أخرجت أحفورة من الأحافير أو قطعة أثرية من الآثار ويَكتب باحثُها: مائة سنة، أو ثمانمائة سنة، فيسلِّم بعقله مستجيباً، ولو ناقشه أحد لقال: ألا تسلِّم لأهل العلوم في علومهم؟! ألا تسلِّم لأهل الفنون في فنونهم؟! ألا تسلِّم لأهل الطب في طبهم؟! لماذا لا تسلِّم لذوي الاختصاص؟! فإذا قيل له: قال الله وقال رسوله، قال: لماذا؟ وكيف؟ ولعلل! ويمكن! وربما! وأين؟ وأتى لك بجميع أدوات الاستفهام والحذف والجر والإضافة غير مستجيب لأمر الله وأمر رسوله! فأين استجابته بالتصديق الموقن فيما يتعلق بشجرة عمرها ثلاثة آلاف سنة؟! وأين استجابته لقطة أو لاكتشاف أثري بيد واحد من علماء الآثار من استجابته لكلام الله وكلام رسوله؟! شتان ما بين هذا وهذا! إن من المصائب في هذه السفينة التي نبحر بها ونمخر عباب البحر المتلاطم بالأمواج فيها، أن تجد من أبنائنا من لا يزال ينخر بل يخرق في لوح السفينة، وإذا قيل له: إن مضيك في هذا الخرق يحدث فجوة تغرق هذه السفينة؛ فتجده ينازع ويجادل ويناطح ولا يستجيب أبداً ويستجيب لأمور لا دليل عليها من عقل. إن القضية تتعلق تعلقاً أصلياً بمسألة العقيدة، وكيف يكون تعلقها؟ انظر أخي الكريم إلى مريض من المرضى يشكو علة من العلل وسقماً من الأسقام وداءًَ من الأدواء، ثم يُذكر له طبيب ماهر بارع خبير بأمراض الأبدان، فتجده يذهب إليه ويبوح بأسراره، ويكشف علته، ويصف أعراضها وحالها وأوصافها فيقول الطبيب: افتح فمك، مد يدك، ارفع رجلك، انزع ثيابك، خذا هذا الشراب، وخذ هذا الدواء، وامتنع من الطعام، وكُلْ هذا الطعام، فتجده مستجيباً حتى لو جُعِل الحديد والإبر في بدنه لقال: هذا من حكمة هذا الطبيب الذي عرف هذا الدواء لذلك الداء في ذلك الموضع في تلك الساعة في ذلك المكان، استجابة لا ينازعها تردد أبداً، لماذا استجاب؟! لأنه أيقن وعلم علماً لا جهل فيه، ويقيناً لا شك يخالطه؛ أنه ذاهب إلى طبيب ماهر قد سلَّم لعلمه وحكمته فكان نتيجة تسليمه استجابة لا تردد فيها بأي حال من الأحوال، فإذا قيل له: هذا أمر الله وأمر رسوله ربما وجدت تردداً وعناداً، واختلافاً وإصراراً، وتعليلاً وتأويلاً وغير ذلك! {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

وجوب تقدير الله حق قدره

وجوب تقدير الله حق قدره أتظنون أن الله حرَّم الحرام عبثاً؟! أو أمر بالواجب عبثاً؟! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً! {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون:115]، {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:36]. إن الإنسان ما خُلِق عبثاً، وما أُمِر عبثاًَ، وما نُهِي عبثاً، ما أُمِر بالشرع عبثاً، وما نُهِي عن أمر عبثاً، بل كل أمر فيه حكمة، وكل ندب فيه حكمة، وكل زجر فيه حكمة، فمن سلَّم لحكمة الله أورثه ذلك وقاراً وهيبةً وإجلالاً لله، ولأجل ذا قال نوح عليه السلام لقومه لما وجد عنادهم وإصرارهم، ووجدهم يستغشون ثيابهم، ويضعون أصابعهم في آذانهم، ويصرون إصراراً، ويستكبرون استكباراً، جعل المعول في هذا كله أنهم لا يعرفون لله قدراً ووقاراً، فقال: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13] لو كنتم تعظمون الرب حق التعظيم، وتجلونه حق الجلالة، وتخشونه حق الخشية، وتهابونه تمام الهيبة، وتراقبونه حق المراقبة، لأورث ذلك استجابة لأنبيائه ودعاته ورسله؛ ولكن لما غاب التعظيم والوقار فلا تسل عن ألوان المعاصي، ولأجل ذلك كان العلم الخشية: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. كفى بخشية الله علماً: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] مَن كان بالله أعرف كان منه أخوف، ولما جاء الثلاثة النفر إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته وكأنهم تقالُّوها، قال أحدهم: (وأين نحن من رسول الله وقد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فلا آكل لحماً، وقال الآخر، لا أستظل ظلاً، وقال الآخر: لا أطأ فراشاً ولا ألتذ بنوم، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم غضب واحمر وجهه وخطب الناس وقال: ما بال أقوام يرغبون عن سنتي إلى أن قال: أما إني لأَعْلَمُكُم بالله وأخشاكم له) فترتب الخشية على العلم. لذا حاجتنا أن نعلم لله عظيم وقاره وعظيم قدره: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. إننا بحاجة قبل أن ننذر العصاة وأن نذكرهم أن نعرفهم من هو الرب الذي عصوه! ومن هو الرب الذي خالفوا أمره! إذ أن من عصاك ولا يعرف قدرك لا يبالي بما استمر عليه من المعصية، فالحاجة ماسة إلى إنكار المنكر مع بيان عظمة الرب جل وعلا لهؤلاء الخلق جميعاً. نقول: إن الأصل في كل مسلم أن يقبل الحق مستجيباً له على أية حال.

من نأى عن الكتاب لم يزدد إلا ضلالا

من نأى عن الكتاب لم يزدد إلا ضلالاً العجب أيها الأحبة! أنه يوجد من -ولعلهم أقل من البعض- من يعتقد أن المجتمع كافر، وأن النظام كافر، وأن الدولة كافرة، بحجة وجود بعض المعاصي والمنكرات والكبائر، وسيأتي الكلام على هذه المسألة. وقد وجدت شيئاً من هذا الضلال المبين لما كنت في سفر قبل شهر تقريباً في أمريكا، فوجدت أناساً قد تخبطت بهم المناهج وضاعت بهم السبل؛ ولا غرابة! فمن طلب الحق بغير منهج أهل السنة والجماعة فقد ضل ضلالاً بعيداً مهما أعمل عقله وأجال فكره: نهاية إقدام العقول عقال وآخر سعي العالمين ضلالُ وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية مسعانا أذىً ووبالُ ولم نستفِد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وجدنا أقواماً ما قادهم طول البحث والحوار والجدال على منهج غير قويم إلىصراط مستقيم، بل قادهم إلى مزيد ضلال وبعد، ولا حول ولا وقوة إلا بالله! الأمر الآخر أيها الأحبة: نحن يا من نعيش في هذه السفينة ويهمنا شأنها، ونعلم أن هذه السفينة بحُكَّامها ودُعاتها وعلمائها وقادتها ونحن معهم فيها إن غرقت غرقنا جميعاً وإن نجت نجونا جميعاً، فالعاقل ينتبه إلى مثل هذه المسائل حتى يكون الإصلاح بطريقة تصلح لوحاً ولا تخرق أمراً، بطريقة ترد المنكر وتدفعه بغير أن يضطرب الطريق أو يتصارع الناس داخل السفينة.

المنكر في كل زمان والمعروف كذلك

المنكر في كل زمان والمعروف كذلك هذه السفينة؛ ألا وهي مجتمعنا لا نتصوره مجتمعاً ملائكياً يخلو من الخطيئة والمعصية، إن من أراد مجتمعاً إسلامياً لا معصية فيه قد طلب مجتمعاً أفضل من مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا محال بكل حال، يقول صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) فلا يمكن أن يأتي أحد ليجعل أو ليصنع من مجتمع خيرية تحاكي -فضلاً أن تكون أفضل- أو تضاهي مجتمع النبوة أو مجتمع الخلافة الراشدة، أو القرن الأول والثاني والثالث، ينبغي أن نفهم هذا تماماً، ولكن إذا علمنا أن صلاح المجتمع وصلاح أهل السفينة لا يعني بالضرورة سلامة أهلها من وقوع وحصول بعض المعاصي والمنكرات؛ إذ لو تأملت مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم لوجدت فيه من زنا فرجم، ومن زنا فجلد، ومن سرق فقطع، ومن زنت فرجمت، بل ومن خان خيانة عظمى، ومع ذلك فإن المنهج القرآني والمنهج الإسلامي الشرعي جاء ليحفظ لكلٍ حسناته؛ إذ أن السيئة لا تلغي الحسنات ولكن الحسنات تمحو السيئات، هذا أمر ينبغي أن نفهمه تماماً. على سبيل المثال: حاطب بن أبي بلتعة لما بعث بكتاب في قرن امرأة إلى قريش ليخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يصبِّحهم ويمسِّيهم، هذا في المصطلح السياسي المعاصر يسمى الخيانة الكبرى، إفشاء أسرار الجيش والدولة، حاطب بن أبي بلتعة قد أرسل مع ضعينة إلى أهل مكة رسالة تخبرهم أن النبي سيغزوهم، فجاء الوحي وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فبعث علياً وآخر من الصحابة وقال: ستجدون الضعينة في مكان كذا خذوا منها الكتاب، فلما أسرعوا وجدُّوا في السير وبلغوها حيث وصف وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا لها: [أخرجي الكتاب، قالت: ما معي من كتاب، فقالوا: لتُخْرِجِنَّ الكتاب أو لننزعن الثياب] فقامت فأخرجت كتاباً من ضفائرها، ثم جيء بـ حاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر بن الخطاب شهيد المحراب، الإمام الأواب، الفاروق الذي يهابه الشيطان؛ يتطاير غيظاً وحنقاً على من فعل هذه الفعلة، فقال عمر رضي الله عنه: نافق يا رسول الله، فدعني أقطع رأسه، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عمر! وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم إني قد غفرت لكم). انظروا إلى هذا العدل النبوي؛ تذكر حسنة عظيمة أمام سيئة عظيمة، حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وأرضاه من صحابة رسول الله أفشى أسرار الدولة، أفشى أسرار المصطفى صلى الله عليه وسلم، فجاء من يظن أن عقابه أن يقطع رأسه، ولكن من يتكلم بالوحي الذي لا ينطق عن الهوى يتكلم بهدي مبين وشرع من عند رب العالمين، يذكر حسنته عند سيئته هذه، هذا هو المنطق وهذا هو الواجب، إذا أردنا أن نعاقب فعلينا أن نذكر الحسنات والسيئات، إذا أردنا أن نجازي فلنذكر الحسنات والسيئات، لا أن ننظر بعين مغضية عن السيئات أو بعين مسرفة في الحسنات أو العكس، لابد أن ننظر بعين متوازنة إلى مجتمعنا وإلى أفرادنا وأئمتنا وعلمائنا وقادتنا وحكامنا حتى نعرف مقدار الخير الذي نملكه وحجم الشر الذي نخشاه على ولاة أمرنا ومجتمعنا وأنفسنا.

حاجتنا إلى المنهج القرآني العادل

حاجتنا إلى المنهج القرآني العادل هذا العدل الرباني العظيم وإن كان هذا نوع استطراد عن موضوع المحاضرة لكن لا بأس؛ لأننا أيها الأحبة ربما أسرفنا شيئاً ما في بعض المواضيع فأسهبنا وتعمقنا في ذكر منكرات وسيئات ومعاصٍ ونسينا أن في مجتمعنا حسنات، وربما ابتلينا ببعض المنافقين والمداهنين الذين أخذوا يزيدون ويبالغون ويذكرون الحسنات حتى ظن بعض الناس أنه لا يوجد ولا يتصور أن يوجد على وجه الأرض مجتمع أفضل منا، أو يظن البعض أن صورة مجتمعنا هذه هي صورة شرعية مطابقة للكتاب والسنة على درجة (100%) وهذا أمر لا يجوز، حاجتنا أن ننظر بعين العدل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء:135]، {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]. حاجتنا أن ننظر بالمنهج القرآني، اقرأ من أول سورة آل عمران: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران:71] {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران:99] {هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ} [آل عمران:66] خطاب وعتاب وكلام شديد على أهل الكتاب، ثم بعد ذلك يأتي قول الله: {لَيْسُو سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران:113] انظر إلى هذا العدل القرآني حتى مع الذين قالوا: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] وقالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30] وقالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30] وانظر نفس العدل وذات العدل من رب العالمين: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40] {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً} [يونس:44]، وكما يقول ربنا عز وجل في الحديث القدسي: (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً) انظر هذا العدل حتى مع الذين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] وحتى مع {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [آل عمران:181] قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ} أي: جبل من الذهب {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً} [آل عمران:75]. نحن بحاجة إلى الوسطية والاعتدال في منهج الدعوة في الأمر في النهي في الإنكار في النصيحة في الموقف في كل شئوننا، وحينئذ نضمن بإذن الله سلامة سفينتنا، ومضي إبحارها على طريقة متواترة توصلها بإذن الله جل وعلا إلى بر الأمان وشاطئ السلامة. أيها الأحبة: أعود إلى أصل الموضوع لأقول: إن من يعتقد أن أهل السفينة ومجتمع السفينة ينبغي أن يكون مجتمعاً لا معصية فيه، أو لا يتصور أن توجد فيه الخطيئة فقد ضل ضلالاً بعيداً، ولو كان المقصود في الناس والحال التي عليها ولأجلها خلقوا أن يوجدوا على وتيرة لا معصية فيها ولا ذنب لَمَا كانت ثم فائدة عظيمة أو حاجة بليغة إلى آيات التوبة والاستغفار. الصحابي الذي جاءته امرأة وكان تماراً في المدينة وقد أعجب بجمالها فقالت المرأة وهي قد قدمت لشراء التمر: هل عندك تمر أجود من هذا؟ قال: نعم. في البيت أجود منه، فلما خلا بها في داره أو أغلق الباب وأوصده دونها كأنه مَسَّ شيئاً من جسدها، ولم يبلغ معها ما يوجب حداً، قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان الذي فسره في الحرم المدني، ولستُ أدري هل هذا مذكور في الأضواء أم لا، قال: لعله كان بينه وبينها شيء من الضمِّ أو التقبيل أو نحوه وأمر لا يوجب الحد، فلما حصل ما حصل ندم الرجل وعاد نادماً آيباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك، فما لبث النبي حتى تغشاه الوحي وأنزل الله جل وعلا آية مدنية في سورة مكية في سورة هود: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. إن ذلك الصحابي يوم أن أذنب ذلك الذنب لم يُنْفَ من المجتمع، ولم يُصَنَّف مذنباً، ولاحظوا هذه المسألة الخطيرة التي بلي الناس بها في هذا الزمان عند أدنى ذنب أو خطيئة أو زلل أو خطل ونحوه فإنه سرعان ما يصنَّف ولا يُلْتَمَس له عذر، ما صُنِّف مذنب في عصر الصحابة ولا عصر النبي صلى الله عليه وسلم بل يقال: مخطئ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر:32]. الناس واحد من ثلاثة: إما سابق بالخيرات. وإما مقتصد. وإما ظالم لنفسه. هكذا ينبغي أن ننظر في تعاملنا مع بعضنا ونحن في وسط هذه السفينة التي تمخر بنا عباب بحار مليئة بأمواج خطيرة ومتلاطمة.

حاجتنا إلى الحفاظ على أمن الأمة

حاجتنا إلى الحفاظ على أمن الأمة أيها الأحبة! وما دمنا قلنا إن هذه السفينة تعالج أخطاراً في داخلها، وتواجه أعاصير وأمواجاً من خارجها فإن سلامتها وأمانها واطمئنانها يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلكم سبب خيريتها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110]. هذه الصفة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي سبيل الأمان للسفينة، هي سبيل دفع الأمواج عنها وحفظ أهل السفينة وإصلاح شأنهم، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبيل اكتسابها الخيرية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من دلائل بل من أوضح سمات أهلها: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [التوبة:71]. إذاً: نحن بحاجة إلى أن نشعر بالمسئولية، المدرس بحاجة إلى أن يشعر بها، المعلمة بحاجة إلى أن تشعر بهذه المسئولية وأن تتحملها، وأن تنظر وتتأمل حجم الخطر، ولك أن تتأمل الشيء عند فقده، وإذا أردت أن تعرف قيمة نعمة الأمن التي أنت فيها، فتخيل أنك ذات ليلة تبيت بلا أمن فهل تجد طريقاً سابلة؟ هل تطمئن على دار؟ هل تطمئن على مال؟ هل تخرج من بيتك آمناً على أهلك؟ هل تظن مصالحك ماضية؟ هل وهل وهل؟ انظر كل أمر من أمورك منذ أن تبدأ الصباح إلى أن تنتهي، نريد أن نشعر بحجم المخاطر التي تكتنف هذه السفينة؛ إذ أن شعور الإنسان فرع عن تصوره، إن الذي لا يتصور شيئاً لا يشعر تجاهه بقليل ولا بكثير، لكن تصور الأمر حق التصور هو الذي يجعلك تقدره. خذ على سبيل المثال: أنك في انعدام أمن وخلل اقتصادي وسياسي، يؤذن للفجر فهل ستسمع الأذان أم لا؟! هل ستخرج إلى المسجد لتصلي مع الجماعة أم لا؟! وإذا خرجت هل ستأمن على أهل بيتك أم لا؟! وهل ستبيت متوسداً سلاحك أم لا؟! وهل ستجد من الذخيرة ما تكفي هذا السلاح أم لا؟! تخيل أنك خرجت من البيت معك سيارتك لو اختل الأمن ربما وجدت الوقود يوماً ويومين وثلاثة ثم تصبح سيارتك كقطعة من الأحجار، هل ستجد أن مصالح الناس في وظيفتك ووظائفهم مستمرة أم لا؟! هل ستجد أن الأرزاق التي تُجْلَب إلى بلادك ستصل أم لا؟! هل ستجد ما تطبخ وتنضج به هذه الأمور أم لا؟! يا إخوان! لما فوجئنا بانقطاع التيار الكهربائي قبل شهر تقريباً أو شهر ونصف، الناس ضاعت حيلهم، الطيب منهم من وجد شمعة يستضيء بها في دهاليز بيته المظلمة. إذاً ينبغي أن تعلم حجم المخاطر التي تكتنفك من كل جانب، وهذا يحملك مسئولية أن تحفظ بيضة الأمة، إن هناك مسئولية يشترك فيها الحاكم والأمراء والجنود والشرط والعسكر والعلماء والدعاة والعوام والرجال والنساء ألا وهي: مسئولية الوعي الأمني المحافظة على استراتيجية الأمن البعيدة حتى يستمر للناس استقرار دينهم وعبادتهم وصلاتهم وأذانهم وكثير من أحوالهم، فلو اختل على الناس شيء من هذا -لا حول ولا قوة إلا بالله، ومعاذ الله أن يكون ذلك- فلا تسَل عن هَلَكَة القوم وضيق أمورهم ومعاشهم وأرزاقهم. أقول: إذا شعرنا بحجم هذه المسألة وتصورنا حجم حاجتنا إلى ما نحن نرفل فيه وحاجتنا إلى استمراره، فإن ذلك يحملنا المسئولية إلى أن نتحمس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأجله، من دخل سوق خضار فوجد ألوان الأرزاق والخيرات والناقلات من جميع ثمار البلدان تُجبَى إلى بلدنا هذا فليعلم أن من أهم الأمور التي تضمن استمرار هذه الناقلات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أكبر أمر وأصغر أمر: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] لم يلبسوا إيمانهم بالشرك، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا يمتنع أن يندرج في معنى الآية: الظلم بأنواعه، الظلم العظيم الكبير الذي جاء في معنى قول العبد الصالح: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] وظلم العباد بعضهم بعضاً بما ينالون من أعراض وأموال ودماء بعضهم البعض وظلم العبد نفسه بالمعاصي والسيئات والكبائر والمنكرات. إذا أردنا مزيداً من الأمن والطمأنينة فعلينا بمزيد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إذا أردنا مزيداً من تفجر الخيرات من وسط الأرض من بترول وذهب ومعادن: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} [الأعراف:96] فمزيد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إذاً سلامة السفينة من فتنة في داخلها ومن أمواج تتلاطم حولها تكون بالعناية بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر. كيف تتحطم سفن مجتمعات تحطمت أو هي في سبيلها إلى التدهور والانهيار؟! أيها الأحبة إذا ترك الأمر والنهي تحطمت وضاعت السفن بل حلت اللعنة: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:78 - 79] لأجل أنهم تركوا صمام الأمان، وضيعوا مقود الهداية لهذه السفينة وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حل بهم ما حل مما سمعناه وقرأناه. {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:13]. {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر:6 - 12] كثر الفساد، ولم يوجد الإنكار، {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:13]. {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل:112] قد يكون هذا من كفر الجحود وعدم شكر النعم، وربما استخدمت النعم في المعاصي فماذا كان؟ {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. قال بعض العلماء: ذُكِر الجوع والخوف في معنى اللباس أي: فُصِّل عليهم الخوف كما تفصَّل الأكمام على الأيدي، والسراويلات على الأرجل، والثياب على الأبدان، فُصِّل الخوف تفصيلاًَ وفُصِّل الجوع تفصيلاً لما ترك أمان الأمة ونجاة السفينة وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولما عجبت عائشة رضي الله عنها كما في الحديث الصحيح عند مسلم وغيره: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يجر إزاره، وقد احمر وجه غضباً، قال: الله أكبر! ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتِح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج إلخ الحديث، فقالت عائشة: يا رسول الله! أنَهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم. إذا كثر الخبث). والخبث هو: الزنا ودواعيه، الأفلام، المسلسلات، الأمور التي تجر إلى الاختلاط، الأمور التي تدعو إلى الفواحش، الأمور التي تدعو إلى المعاصي، كل هذه من الأمور الخطرة التي هي سبب هلاك الأمة سبب تحطم السفينة سبب قوة الأمواج التي تكسر هذه السفينة سبب اشتعال الفتن بين أهل السفينة في داخلها، وكما قلت لا يشترط أن تُكْسَر السفينة بموج أو عاصفة تجاه شعاب مرجانية تحطمها، بل ربما تحطمت السفينة وهي على بحر قد ركدت أمواجه؛ نتيجة فتنة وخلاف وشر مستطير بين أهلها ولا حول ولا قوة إلا بالله! ويؤيد هذا المعنى قول الله جل وعلا: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} [الأنعام:65]. حينما تُغْرِق الأمة في المنكرات والمعاصي والضلالة فربما عُذِّبت وعوقبت بأن يضرب بعضها ببعض ويُلْبسوا شيعاً وفرقاً وجماعات شتى، ثم يضلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله ضلالاً بعيداً. إذاً: فانتشار المنكر، وشيوع الفاحشة وانحصار الخير، من أخطر الأمور التي تهدد الأمة، ليس فقط وجود المنكرات بل إذا وجدت في الأمة ضعفاً في الخير والدعوة والحماس للخير والبذل له فاعلم أنها على خطر؛ لأن القضية لا تقف عند حد معين: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:37] لا يوجد مرحلة بين المرحلتين ومنزلة بين المنزلتين كما عند المعتزلة، لا. إما أن نتقدم في خير وربما إن لم نحقق التقدم في الخير ربما وقع الإنسان في تراجع إلى المنكر، ولا حول ولا قوة إلا بالله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:37].

انتشار الخير وانحصار الشر دليل على البقاء

انتشار الخير وانحصار الشر دليل على البقاء أيها الأحبة: إن الخطر على سفينة المجتمع قد لا يكون بكثرة الشر، بل إن انحصار الخير أيضاً من المخاطر التي ربما كانت سبباً في حلول مزيد من الشرور والآثام، ولا تقف الأمور عند حد معين، فينبغي أن نعلم تماماً أن حاجة الأمة إلى المزيد والبذل والمواصلة والعطاء الدائم المستمر حتى وإن انخفض منحنى بذل الأمة ودعمها شيئاً لا بد أن يستمر، المهم ألا يتوقف الخير بأي حال من الأحوال، وهذا يعني أن الخير لا بد أن يظهر وأن يفشو. ومن علامات ظهور الخير وفشوه: نشاط جلي في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا وَجَدْتَ في الأمة نشاطاً جلياً واضحاً في الدعوة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فاعلم أنها دلالة خير، وإن وَجَدْتَ الخير يخبو والإنكار ينتهي أو يقل أو يضمحل فاعلم أنها قرينة شر ولا حول ولا قوة إلا بالله. لذلك يقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز في هذا المعنى في رسالته إلى واليه على المدينة، قال: [وليفشُ العلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً] إذا قَلَّ الخير واضمحل حتى أصبح رجل خير أو داعية خير لا يمكن أن يعلم أو يتعلم أو ينفع إلا سراً فهي دلالة شر، أما إذا كان الخير ظاهراً والعلم منتشراً وظاهراً فهي دلالة خير، وهذا مما يحمِّل الأمة مسئولية الإعلان بالخير في كل مكان، حتى ولو لم يجتمع لك إلا واحد أو اثنان أو ثلاثة، المهم أن تعلم أن الخير ممكن وميسَّر ومستمر. وعند هذه النقطة اسمحوا لي أن أعاتب بعض الذين قد نسجت العناكب على عيونهم وعقولهم خيوطاً، وكبَّلتهم عن التفكير، وقعدت بهم عن المضي في الدعوة إلى الله جل وعلا بحجة أنهم يخافون، إني أعلم أن أناساً يخافون من الدعوة إلى الله، والانتماء إليها، والانخراط في سلك الدعوة والعلماء والدعاة، ومناصحة الناس، ومخالطة الولاة، ومناصحة كل بقدر ما يحتاج، والثناء على كل بقدر ما يستحق، أناس يخشون من هذا ويهابونه هيبة عظيمة؛ لماذا؟ بحجة أنه خائف، ما الذي عندك؟ الله أعلم! إني أعجب من أناس ربما بعضهم لم يكتفِ بأن ينأى بل نهى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام:26]. في منطقة من المناطق شكى عدد من الشباب أن آباءهم يمنعونهم من الدعوة إلى الله والمشاركة فيها، والاشتراك في بذل الخير؛ سواء كان توزيع شريط أو طباعة كتاب أو اشتغال بأمر من أمور الدعوة، فإذا خاطب الشباب آباءهم وقالوا: لماذا تمنعوننا؟ قالوا: نخاف عليكم. مم تخافون عليهم؟! هل في مراقدهم طائرات؟! وهل في وسائدهم متفجرات؟! وهل في مطابخهم بارجات ومدمرات؟! أمر عجيب جداً من أناس يخافون من الخير وهم لم يفعلوا للخير خطوة واحدة، يا أخي! مم تخشَ منه؟! هل قيل لك: وزع شريطاً ممنوعاً؟! إن الذي يتبنى توزيع الأشرطة الممنوعة لَهُوَ على خطأ كبير جداً، لكن عندك آلاف الأشرطة المسموحة، اشتغل وانشط، وامضِ وصِلْ، وأعطِ ووزع وانشر منها ما استطعت من خير فهذا من ضمانات وروافد استمرار الدعوة إلى الله جل وعلا، الكتاب الذي توزعه هل طبع في مطبعة يهودية أو مطبعة بعثية أو ضالة، طبع في بلاد مسلمة تحت رقم وتصريح من وزارة الإعلام، هل تتصور أن يوجد تناقض بأن الوزارة تسمح بطبعه ثم يُمْنَع من توزيعه، لا يمكن أن يُتَصَوَّر مثل هذا التناقض. إذاً: فمن واجبك أن تنشط في الدعوة إلى الله، ولا تخشَ شيئاً، ولا تهب من قليل ولا كثير، إنك تعجب من بعض الشباب إذا كلمته قال: أنا مراقَب، وقلتُ هذا مراراً في أكثر من محاضرة، يا فلان ادعُ إلى الله، يا فلان أعطِ جارك شريطاً، يا فلان أعطِ طلابك شيئاً ينتفعون به، يا فلان إذا جاءك أقاربك وزع عليهم من الكتيبات والأشرطة، قال: أنا أخشى أن أراقَب، وممن تراقَب؟ ثم ماذا يعني؟ افترض أن ما تَوَهَّمْتَه صحيح: إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدَّق ما يعتاده من توهُّمِ هب أنك مراقَب، ثم ماذا؟ الحمد لله أنك مراقب، وأن صفحتك بيضاء. يا أخي الكريم، ويا إخوتي الأفاضل، ينبغي أن نمارس الدعوة كما نشرب الماء يوم (1) شوال، هل يجوز لأحد أن يصوم يوم العيد؟ لا. ينبغي أن تمارس العمل الدعوي كما تمارس شرب الماء في نهار (1) شوال، في نهار يوم العيد لا بد أن نلغي عن أنفسنا عقدة الخوف من الدعوة إلى الله جل وعلا، وإن كثيراً يملكون قدرة على الخطابة، ومواهب شعرية، وأقلاماً نثرية، وكلمات جيدة، وأساليب نافعة، وحوارات مقنعة، وخيراً كثيراً ينفع في الهداية والدعوة، ولكن تبقى العقدة: أخاف وأخشى وو إلى آخره. يا أخي! مِمَّ تخش، اتقِ الله وتحرك وانفع هذه الأمة التي هي بحاجة إليك في الداخل وفي الخارج. كذلك أيها الأحبة حينما تترك الأمةُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنها على خطر عظيم، ولأجل ذا تتضح مثل هذه المعاني في قوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود:116] إلى أن قال ربنا جل وعلا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117] نريد السلامة والأمن والطمأنينة والنعم والخيرات والنجاة من الهلكات والدركات؟ الأمر بالمعروف، الإصلاح، الدعوة بأساليبها وضوابطها.

المنكرات التي تعيشها المجتمعات

المنكرات التي تعيشها المجتمعات ثم إن المجتمعات في هذه السفينة: فيها منكر خفي. وفيها منكر جلي. فأما المنكرات الخفية:- فهي ما يفعله الناس سراً، فلا يجوز لأحد أن يتلصص على أحد، بل لو علمتَ وأنت من سائر الناس رجلاً يستتر بمعصية من المعاصي فإن المشروع لك أن تناصحه ما استطعت في ذلك سراً، إلا إذا جاهر أو جعل من بيته وكراً ومركزاً لتصدير الفساد وتجميعه فحينئذ أصبح من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فالواجب إبلاغ المسئولين أو الهيئات عنه. المنكرات الخفية شيء والمنكرات الظاهرة شيء. أخطر ما يواجه السفينة المنكرات العلنية الظاهرة، إذ أن فعل أصحابها لها دون خوف من الله ولا حياء من خلقه وسكوت الباقين عنها أمر خطير، قال ربنا جل وعلا: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] في الظلم الجلي، في المنكرات الواضحة، إلا إذا كان في الأمة من يناصح، فحينئذ يدفع الله البلاء عن الأمة بفضل منه ومِنَّة، ثم بغيرة وإنكار أهل الغيرة. بوب الإمام مالك رحمه الله في الموطأ: باب ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة، وذكر أثراً عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، قال فيه: [إن الله لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عُمِل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم] ويؤيد ذلك بل دليله حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو عند الترمذي، والإمام أحمد، عن حذيفة بن اليمان قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لتأمرن بالمعروف، ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم). أيها الأحبة: هذه من المصائب الخطيرة التي تنذر بهلاك السفينة حينما يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإننا في هذا المقام لنسجل بكل فخر واعتزاز أن بلادنا هذه هي البلاد الوحيدة التي بها جهاز مسئول رئيسه برتبة وزير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحاجتنا أن ندعمه وأن نؤيده بالتسديد والنصيحة والرأي والفكرة، ولا يعني ذلك حينما يوجد جهاز أن المنكر انتهى، لا. يوجد جهاز فيه خير كثير، ويوجد منكر نخشى منه شراً مستطيراً، ولكن واجبنا أن نثني على هذا وأن ندعمه ونؤيده ونسدده، ونجتهد في مناصحة أهل المنكر حتى تسلم الأمة من غوائل هذه المنكرات وسوء مغبة أمورها. أود أن أختصر هذه البقية حتى يكود باقي الوقت للأسئلة. أيها الأحبة: إن التساهل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خطير جداً جداً، ويورث في الأمة البطالة والفساد والانحراف، وانتشار أمراض اجتماعية، وأحقاد وحسد وتباغض وتنابذ، وأمور لا تُحمد عاقبتها، لماذا؟ لأن الناس إذا تركوا إنكار المنكر، معنى ذلك أنهم قد رضوا بواقعهم، إذا رأيت من لا يرضى أن يُنْكَر منكراً ولا يتكلم عن منكر؛ فاعلم أنه قد رضي بواقعه رضىً لا يَوَدُّ أن يغير من حاله، نعم كونك ترضى عن نفسك وترجو المزيد هذا شيء؛ لكن الرضا الذي ليس بعده شيء ولا تتوقع أنه يمكن أن تحقق شيئاً أفضل منه هذا هو الخطر. إذاً: فترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خطر، أو نذير شؤم أن يرضى الناس وأن يطمئنوا بما عندهم، وأن يسكتوا عن إنكار منكرات مختلفة. أما بقية المسائل فلعلها لمحاضرة قادمة، ألا وهي فيما يتعلق بمراتب الإنكار، ووسائل الإنكار، ومقاصد الإنكار، وحقوق المنكرين، أو حقوق المحتسبة القائمين على مثل هذا، ومعوقات في هذا الطريق، لعل أن يكون نصيبها في محاضرة أخرى بإذن الله تعالى. أسأل الله جل وعلا أن يجعل هذه الكلمات خالصة لوجهه، وأن ينفع بها قائلها وسامعها، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بيان لابن باز بشأن البدع

بيان لابن باز بشأن البدع عفواً! فضيلة الشيخ/ محمد بن إبراهيم الشعلان طلب مني قراءة هذه الرسالة من سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، وإدارات البحوث العلمية والإفتاء سماحة الوالد الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز متع الله به على طاعته. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد اطلعتُ على نشرة مصدَّرة بما نصه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي! لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء، وهي: قراءة القرآن كله. والتصدق بأربعة آلاف درهم. وزيارة الكعبة. -هذه وصية مكذوبة وخرافة من الخرافات التي يرددها ويروجها بعض الضلال والجهلة والمساكين والسذج والبسطاء، فأرسل سماحة الشيخ رسالة للتحذير من هذا وهي: يا علي! لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء: قراءة القرآن. والتصدق بأربعة آلاف درهم. وزيارة الكعبة. وحفظ مكانك في الجنة. وإرضاء الخصوم. إلى آخر ما تضمنته النشرة. يقول سماحة الشيخ: ولكون ما تضمنته هذه النشرة لم يرد في كتاب من كتب الحديث المعتمدة بل هو من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نص بعض أهل العلم رحمهم الله على أن الوصايا المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوصى بها علياًَ وكل ما صدر بياء النداء من الرسول لـ علي كلها موضوعة، ما عدا قوله صلى الله عليه وسلم: (يا علي! أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي). وممن نصَّ على ذلك الشيخ/ ملا علي القاري في كتاب الأسرار المرفوعة بالأخبار الموضوعة المعروف بـ الموضوعات الكبرى، والشيخ/ إسماعيل العجلوني في كتابه كشف الخفاء ومزيل الإلباس. ولذلك فإني أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بهذا الحديث وأمثاله من الأخبار الموضوعة، أو العمل على طبعها، أو نشرها بين المسلمين؛ لما في ذلك من تضليل العامة والتلبيس عليهم، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وُعِدَ المتعمد له بالوعيد العظيم، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن كذباًَ عليَّ ليس ككذب على غيري، من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). وقال: (من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين). وفي الأخبار الصحيحة عن الرسول صلى الله عليه وسلم والمدونة في كتب الحديث المعتمدة من الصحاح، والسنن، والمسانيد غنية لمن وفقه الله إلى الخير عن اللجوء إلى أخبار الكذابين والوضاعين -يعني: فيما صح من السنة غنية عن الأحاديث الموضوعة وغيرها-. أسأل الله أن يرزق الجميع العلم النافع والعلم الصالح، ويجنب الجميع طرق الضلال والانحراف إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مفتي عام المملكة العربية السعودية.

الأسئلة

الأسئلة

طلب تسجيل النونية على شريط

طلب تسجيل النونية على شريط Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخبرك أني أحبك في الله. أما بعد: فقد سمعت لك محاضرة بعنوان: (دار المتقين) وذكرت أبياتاً من نونية ابن القيم رحمه الله وكانت مؤثرة جداً فحبذا لو كانت النونية كاملة بصوتك يا شيخ، وأسأل الله أن ينفعنا وإياك بها وجزاك الله خيراً؟ A لعل الله يسهل اختيار شيءٍ من أبيات النونية وتُسَجَّل في شريط، أسأل الله أن ينفع بها قائلها وسامعها.

علاج إطلاق البصر

علاج إطلاق البصر Q إيماني ينقص، وذلك أنني أطلق بصري في النظر إلى النساء، رغم أنني متزوج فما هو الحل؟ A الحل جلي وهو أن تكف عن هذا المنكر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30]، {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] غض البصر أمر مطلوب من الرجال والنساء على حد سواء: وكنتَ متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعَبَتْكَ المناظرُ رأيتَ الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنتَ صابرُ إطلاق البصر أمر يمرض القلب ويجعل الإنسان في وحشة وقسوة، حتى إذا صلى لم يجد لذة لآية، ولذلك قال ابن المبارك: [واترك فضول النظر توفق إلى الخشوع].

الصلاح والفساد في كل زمان ومكان

الصلاح والفساد في كل زمان ومكان Q يؤسفني أن أقول: إنني خرجت من المحاضرة بشعور أن مجتمعنا جيد وأنه أفضل الموجود، ووقوع المعاصي فيه أمر طبيعي، فالمحاضرة شدَّدَت كثيراً على وجود الصلاح، ولم تبيِّن مثل ذلك عند الفساد، فأين العدل في المحاضرة؟ A أظن أن هذا الشعور لا يولد الإنكار والأمر بالمعروف، وكما أظن أنه من الأفضل أن نوازن في ذلك كما طلبتَ، ولو أن صاحبنا انتظر حتى تنتهي المحاضرة لسمع العدل الذي يرجوه. لا تعجلن برد شيء لم تحط علماً به هذه من المشكلات التي ربما واجهتنا من بعض أحبابنا وإخواننا، وإني أدعوكم أن تؤمنوا: أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة، وأن يوفقه، وأن يصلح قلبي وقلبه، من واجبنا أن لا نحمل في قلوبنا على أحد؛ لكن عند بعض الشباب مشكلة، إن لم تبدأ (بشرشحة) المجتمع على الطريقة التفصيلية وإلا فلن يطرب لنغمة أنت تعزف عليها، لا، إن حاجة الأمة أن تنظر بميزان عدل كما قلنا، ولو خرج كل مَن في المحاضرة ولم يبقَ إلا واحدٌ فإن هذا المنهج أُدِيْنُ لله جل وعلا به، وأتعبد الله به، وعرفته من سماحة الشيخ ابن باز ولن يغيره أن يخرج واحد. والحمد لله أنه لم يخرج من المحاضرة إلا واحدٌ وبقية أهل المسجد جالسون مستمعون فهي شهادة ممن بقي، وأسأل الله أن يرد من خرج ثانية.

دعم أهل الباطل لباطلهم وتقاعس المسلمين عن حقهم

دعم أهل الباطل لباطلهم وتقاعس المسلمين عن حقهم Q إن الدعم المستمر من أصحاب المصانع والشركات في أمريكا وأوروبا لليهود، وإن أحدهم يقوم بشراء قطعة أرض لإقامة كنيسة وغير ذلك، لكن هنا مع الأسف أصحاب الشركات والمصانع لا يقدمون إلا القليل، وفي مناسبات معينة؟ A على أية حال: البذل في سبيل الدعوة ونشر الخير من الأمور المهمة ومن واجبات المسلمين، وليس هذا تفضلاً منهم بل هو مما أوجب الله عليهم، لكن من حُرِمَ ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنما يجمع أرقماً في رصيده. أنت حينما تناقش رجلاً من الأثرياء يملك عشرة ملايين، أو عشرين مليوناً، أظن لو نقصت مليون ما غيَّرَتْ من ملابسه ولا من سيارته ولا من طعامه ولا من شرابه، القضية هو اختلاف الأرقام في الرصيد، وطباعة كشف الحساب الدوري بصيغة جديدة لا أقل ولا أكثر، كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268]. إننا بحاجة إلى أن نواصل الزيارة والمقابلة لأصحاب الأموال والمؤسسات والشركات لنقول لهم: إن الريالات التي تملكونها لو أنفقتم الكثير منها أو شيئاً منها ليس بالكثير لغيرتم، بل إن بعض المسلمين لو أنفق زكاته لأحدثت انقلابات في دول مختلفة. أنا أعلم أن بعض البلدان التي يؤذى فيها المسلمون لو صُرِف إليها زكاة واحد من التجار الذين يعدُّون لغيرت الأحوال بإذن الله فيها، لا أقول الأمور كلها؛ إذ الأموال ليست كل شيء، الرجال هم العملة النادرة الصعبة التي نحتاج إليها في كل مكان. لأجل ذلك حينما يدبر بعض أصحاب المؤسسات إلى شراء القصور وشراء الاستراحات أو إلى أماكن مختلفة في أوروبا وغيرها ويعرضون عن المشاركة في الجهاد أو الدعم فليس هذا يعني أن ننتقدهم بل ننتقد هذا الفعل؛ الإعراض عن البذل في الخير منتقد، ولكن الخطوة التي هي أهم أن نواصلهم بالزيارة والعطاء. والشيء بالشيء يُذكر: حدثني أحد الإخوة عن رجل ممن يسمونهم مِلْتِيْمِلْيونير، قال: إنه ذهب إلى مدير أعماله وقال: إنك تعلم أن فلاناً قد جاوز السبعين، وأعمار الأمة بين الستين إلى السبعين فانصح فلاناً أن يجعل ربع أو ثلث ماله في مكافحة التنصير، فهذا ينفعه، أما إن مات فيقتسمه أربعة أو خمسة من الورثة، وقد جمع مالاً يحاسب عليه ولم يوصِ بشيء منه لله ورسوله، فضحك مدير أعماله وقال: عساه أن يقوم بأدنى الواجبات فضلاً عن أن يقبل بهذا كله. على أية حال: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:3] لعل الله أن يهديه، لعل الله سبحانه وتعالى يمنُّ عليه في آخر حياته -والأعمال بالخواتيم- فيوصي بشيء من هذه الأموال في سبيل الله جل وعلا. إذا أردت يا أخي الحبيب أن تعرف أهمية وخطورة أموال المسلمين وأثرها في مجتمعات لو سُخِّرت الأموال فيها لنفعت خذ الدليل الإحصائي السنوي لمؤسسة النقد العربي السعودي، اجمع ودائع البنوك، واضربها في اثنين ونصف في الزكاة، وانظر كم يطلع عندك من مليار، لو صُرِفَت المليارات على الفقراء في الداخل والخارج لما بقي في الداخل فقيراً ولا محتاجاً.

صرف بطاقات فورية من بنوك ربوية

صرف بطاقات فورية من بنوك ربوية Q فضيلة الشيخ: أشهد الله على محبتكم فيه، ما رأيكم في من فتح حساباً في شركة الراجحي المصرفية، وأخذ بطاقة صرف فورية، فهل في صرفه من أي بنك آخر إثمٌ أم لا؟ والله يحفظكم. A الذي يظهر إن شاء الله أن ليس في هذا حرج.

فشو الشرك في العالم الإسلامي

فشو الشرك في العالم الإسلامي Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحياناً يا فضيلة الشيخ! تتكلم عن الدول الإسلامية غير المملكة وكأنها لا يوجد فيها توحيد، وأن التوحيد تفرد به أهل هذه البلاد، وهذا يغضب بعض الإخوة الأفاضل من البلاد الأخرى، وأدعو الله تعالى أن لا تفهم كلامي فهماً خاطئاً، فإني والله أحبك في الله، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن هناك بلاداً فيها صحوة طيبة ودعوة إلى التوحيد والإسلام؟ A يا أخي الكريم! لو لم نعتقد ونتيقن ونعلم أن في كثير من البلدان صحوة سلفية صحيحة مسدَّدة راشدة لما سافرنا وقابلنا وزرنا وتعاونا مع أحبابنا. نحن نعلم في كثير من البلدان مثلما تقول من الخير والصواب والهدى؛ لكن نحن ننتقد ما يوجد من الشرك الواضح الصراح فيها؛ لكن حينما نذكر شركاً موجوداً أو كفراً بواحاً هل يعني ذلك أن ننكر وجود طائفة على منهج سليم وصراط مستقيم؟! لا وألف لا، بل نعلم أن في كثير من البلدان من العلماء والدعاة والأبرار والأخيار من نحسبهم ولا نزكي على الله أحداً من ذوي الخير وأهل الخير والدعاة إليه.

حكم من يرغم زوجته على التبرج

حكم من يرغم زوجته على التبرج Q رجل تزوج منذ زمن من امرأة تخاف الله وملتزمة بأوامره، وما كان منه إلا أن أمرها بصفات منها: أن تظهر بعض جمالها! أرجو التوجيه وشكراً! A كان عليه أن يخوفها بالله جل وعلا، وأن يكثر من ذلك وأن يبين لها أن ما كانت سبباً فيه بفتنة شاب من الشباب أو ضلالته أو وقوعه في الفاحشة فربما لَحِقَها إثم ووزر بسبب ذلك و (من دعا إلى ضلالة فعليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة).

هيئة الحجاب الشرعي

هيئة الحجاب الشرعي Q وهذا يسأل عن النقاب الذي انتشر بين بعض النساء هداهن الله؟ A بالنسبة لمسألة النقاب فالمسألة مرتبطة بالمقاصد: إذا كان مقصد المرأة أن تبصر بوضوح فلها أن تفتح شيئاً يسيراً بقدر بؤبؤ العين أو حدقتها، لا بقدر ما يبين رمشاً وجفناً وحاجباً وشيئاً من الخد والأنف والجبين فهذا ليس بنقاب بل هذا فتنة والعياذ بالله، تحدٍّ، بل استفزاز -بالعبارة الصريحة- لبعض الضعفاء والمساكين. وربما يكفي في النقاب أن تخرج عيناً واحدة، لا يلزم أن تخرج الثنتين جميعاً، أما ما يفعله كثير من النساء الآن وللأسف أنك تجد بعضهن مع زوج فيه خير وصلاح، لكن قد بدا من أعلى الحاجب إلى أدنى الخد شيء كثير، فهذا فتنة وعليها وعلى زوجها أن يتقيا الله جل وعلا.

سفينة بدشوش تغرق

سفينة بدشوش تغرق Q ما رأيكم في السفينة التي فيها دشوش؟ A يبدو أن أصحاب السفينة يتفرجون يا أخي، إذا كانت هذه السفينة فيها دشوش! على أية حال: الله المستعان! يا أخي الكريم: هناك مخاطر، لا شك أن هذا الدش خطر عظيم، لن نمر عليه مرور الكرام حتى نتساهل به أو نظن أنه يسير؛ بل منذ يومين فقط جاءني شاب وأخبرني بقصة آلمتني وهي: أن شاباً وقع على أخته بسبب مثل هذه الدشوش، وطلب مني أن أفصلها في خطبة جمعة، قلت: اعذرني من مثل هذا الكلام، فإنه لا يقال بالتفصيل على منبر جمعة؛ لكن يذكر مغبة مثل هذا الأمر. آخر يذكر عن أخت صغيرة له، أنها تعمل حركات خليعة، فلما سئلت إذ بها لا تعلم ما تفعل، وإنما قالت: رأيت في القناة الفلانية. نعم، هذه الدشوش قد فتحت الشر على الناس من أبوابه. فنسأل الله أن يجنبنا شرها، وعلينا أن نناصح من رأيناه قد ركبها، وإن احتج بالأخبار فهناك أجهزة الإذاعة والراديو تأتي بالأخبار، ثم ماذا إذا علمت الأخبار؟! بعض الناس يقول: أنا والله ما عندي وما لي حاجة في الصور، لو سلمنا أنك صادق فيما تدعي وتزعم؛ ماذا وراء الأخبار؟! هل تخرج قوات الأمم المتحدة من الصومال؟! هل تتدخل في مفاوضات السلام في البوسنة؟! هل تغير شيئاً من الأوضاع في كمبوديا؟! تسمع من الأخبار ثم تعود إلى فراشك كالفرخ المضروب، ما عندك أي حس، ما عندك أي قدرة أن تفعل شيئاً. فإذاً الأخبار التي تهمك أخبار المسلمين، ينبغي عليك أن تدعو لهم، وأن تبذل لهم، أما هذا الهراء الذي يدعيه بعض الناس، نعم قد أستثني أناساً ربما في دوائر عسكرية وسياسية في مركز العمل نفسه، ضرورة العمل الأمني تستدعي أن يعرفوا ماذا عند الدول الأخرى، ماذا تقول أخبار الدول الأخرى، ماذا تقول إذاعات الدول الأخرى، استراتيجيات وأعمال أمنية للمختصين أن يفعلوا بهذا؛ لكن أن يوجد هذا عند الناس جميعاً، بل ويتباهى بعضهم بدشين وثلاثة وأربعة، وبعضهم إذا قلت له، قال: يا أخي! أنت تفكر بعقلية العصر المتخلف، لماذا لا تقنعنا بأن نأتي بالبديل الذي نقنع به الغرب ويسلمون، ما هذا الكلام الفارغ، أنت ما استطعت أن تعبئ الإعلام تعبئة كاملة في دول إسلامية فضلاً عن أن تجادل الغرب بأمور تصرفهم عن خطوات بل عن سنين تقدموا فيها هناك، نحن بحاجة أن نكون موضوعيين في مثل هذه القضية، والسفينة فيها دشوش، وفيها ما هو شر من الدشوش، وفيها خير كثير، نسأل الله أن يكثر الخير وأن يزيده وأن يمحو الشر وأن يبعده.

هجران من يمتلك دشا

هجران من يمتلك دشاً Q لي قريب قد ركب على سطح داره دشاً، ولقد حاولت نصحه ولكن دون فائدة، فقررت قطعه من الزيارة، وأنا منذ ركبه لم أزره، فما رأي فضيلتكم جزاكم الله خيراً؟ A هذا يرتبط بالمصلحة، إذا رأيت أن قطيعته تجدي وتنفع بإذن الله فأنت محق، محمودٌ فعلُك في قطيعته، وإذا رأيت أن قطيعته ربما أحدثت له زيادة دشوش أخرى بل ترويج أو نشر أو زيادة فعليك أن تنكر ما ترى من فعله وأن تستمر في مناصحته بالخير الذي تستطيعه: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20]، {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7]. وفضيلة الشيخ يؤشر أن الوقت انتهى. فنكتفي بهذا. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. نسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر الشرك والمشركين، وأن يؤمِّنَنا في دورنا، وأن يصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأن يجمع شملنا وحكامنا ودعاتنا وعلماءنا، وألا يفرح علينا عدواً، ولا يشمت بنا حاسداً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الموت

الموت الموت حقيقة غفل عنها كثير من المسلمين، فتراهم في دنياهم غافلين، قد ألهتهم الدنيا بما فيها من متاع وزخرف، فأصبحوا يتسابقون إليها ليلاً ونهاراً حتى غفلوا عن آخرتهم والإعداد لها، وما علموا أن في الآخرة أموراً تشيب لها الولدان، وتضع كل ذات حمل حملها فالله الله في التوبة والرجوع إلى الله.

حقيقة الموت

حقيقة الموت إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! هناك ساعةٌ يحب ذكرها الأخيار، ويشتاق لما بعدها الأبرار، ويكره سماعها المترفون والفجار، هناك ساعة لا بد لكل عبد أن يلجها وأحداثها، وما قبلها وما بعدها، وربما كانت بدايةً إلى خلود أبدي، وربما كانت نهاية إلى شقاء سرمدي، تلكم ساعة لا يغفل عنها العقلاء، ويتذكرها أولوا الألباب، ويستعد لها أولو الحجى، وتلكم ساعة يغفل عنها الذين أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، وأعطوا النفوس أمانيها، وأسلموها لأهوائها، وانقادوا لشهواتها. هذه الساعة يا عباد الله! جاء جبريل عليه السلام مذكراً إمام الذاكرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، إذ يقول الحبيب المصطفى: (جاءني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس). أيها الأحبة! لا أظن واحداً منكم قد خفيت عليه بعد هذه الساعة، فهي ساعة المنية، فهي ساعة الأجل، وهي ساعة الموت، يوم يبكي الأحباب، ويعجز الأصحاب، ويحار الأطباء، ويطرق العقلاء، ويدرك القوم أن الذي بين أيديهم ليس له نجدة، وليس لرقبته خلاص، ولا لأمره فكاك؛ إلا برحمة من الله ثم ما قدمه من عمل صالح. في تلك الساعة يستوي من يموت في قصر منيف، أو يموت في حجرةٍ ضيقة، ويستوي من يموت وقد خلَّف أموالاً طائلة، وربما سعد من مات ولم يخلف ريالاً ولا ديناراً، يستوي من يموت وحوله ولد وزوجة، ومن يموت وحوله حشم وخدم، إذ الكل عاجز أن يقدم لهذا الطريح شيئاً. كتب الموت على الخلق فكم فل من جيش وأفنى من دول أين نمرود وفرعون ومن ملك الأرض وولى وعزل إنه الموت: هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في السما وفي علمنا أنا نموت وتخرب أيها الأحبة في الله! الموت على وضوح شأنه سرٌ من الأسرار تحير به الألباب، وأذهلت به العقول، واندهش له الأطباء. الموت كلمة ترتج لها القلوب، وتقشعر منها الجلود، ما ذكر في قوم فيهم بقية من إيمان إلا ملكتهم الخشية، وأخذتهم العبرة، وأحسوا بالتفريط، وشعروا بالتقصير، فندموا على ما مضى، وأنابوا إلى ربهم. ألا وإن نسيان الموت وتناسيه، وكراهة ذكره والتشاغل عن أمره بلاء عظيم، وشر مستطير، فما نسي الموت أحدٌ إلا طغى وبغى، وما غفل عن الموت امرؤ إلا غوى، وحري بكل مسلم أن يتذكره، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات). الموت: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] أمر كتبه الله في هذه الدنيا، حتى نشتاق إلى دار لا موت فيها: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42] {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19].

الفرق بين المؤمن والكافر في الموت وما بعده

الفرق بين المؤمن والكافر في الموت وما بعده أيها الأحبة! روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا، وإقبالٍ من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس) وهذا الحديث أود يا معاشر الأحبة! أن نسمع كلماته، وأن نتأمل عباراته، ونحن نتخيل أننا متمددون على الفرش، وأننا أهل هذا الحديث، وأننا ممن يخشى سوء ما فيه، ويرجو نعيماً ورد فيه، وأننا أول من يعنى به؛ لأن بعض المصلين يحضر بقالبه، وأما قلبه فلا يزال في بيته، وبعض المصلين يحضر بجسمه، وأما عقله وفكره فلا يزال في دكانه وبيته. والعبرة والتذكرة لمن سمع بأذنه، وأطرق برأسه، وتأمل بقلبه: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] فتخيل نفسك الآن وأنت على فراش الموت، ساعة لك الحق بل عليك بل يجب أن تتخيلها، لو قلنا إنك تسافر إلى بلدٍ بعيدة، لتخيلت وصولك، وتخيلت سكنك، وتخيلت مسيرك، وتلك رحلة لا بد منها، فلماذا تأبى أن تتخيلها؟ لماذا تزور ولا تريد أن تتخيل نفسك في حالها ومآلها؟ أيها الأحبة! قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ على الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ويجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة ورضوان، فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقاء، فيأخذها فإذا أخذها ملك الموت لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منه كأطيب نفحة مسكٍ وجدت على وجه الأرض، ويصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولان: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا. حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان: ما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقته، فينادي مناد من السماء، أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة. قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجلٌ حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الحسن، يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي. وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، نزل إليه ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، يجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرق روحه في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، وتخرج منها كأنتن جيفة وجدت على الأرض. فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح لها، فلا يفتح له، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، ثم تطرح روحه طرحاً، ثم قرأ قول الله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31]. فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك من ربك؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري، فينادي منادٍ من السماء، أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجلٌ قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت، فوجهك الوجه القبيح، الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة) رواه الإمام أحمد. أيها الأحبة في الله! هذا مصيرٌ سنواجهه، وكلٌ سينال من الكرامة أو من الهوان بقدر صلاحه أو فسقه، بقدر إنابته أو مخالفته، بقدر خضوعه لله أو تكبره عن أوامر الله عز وجل. فلماذا الغفلة؟ ولماذا التمادي وقد مر من الأعمار ما مر، وعشنا في هذه الدنيا ما يتذكر فيه من تذكر، وجاءنا النذير؟ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

حال السلف مع الموت

حال السلف مع الموت الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين! لقد كان حال السلف مع أنهم أحسنوا الإعداد، واستعدوا أطيب الاستعداد، كانوا يخافون من الموت، فإذا ذكروا به تذكروا، وإذا زجروا به انزجروا، وإذا وعظوا به اتعظوا، وأما نحن في هذا الزمان، فكم والله رأينا بأعيننا أقواماً غافلين في المقابر يتضاحكون، وإذا مرت الجنائز أمام أبصارهم لا ينتبهون ولا يتدبرون، وإذا ذكر الموت في مجالسهم أعرضوا عن هذا، ولا يحبون من يذكرهم هذه النهاية، لا يحبون من يخبرهم بالحقيقة، لا يحبون من يذكرهم بالأجل، ولكن يعجبهم الذي يخادعهم، ويزور عليهم، ويضحك بعقولهم، ويستخف بأفئدتهم، يحبون الذي يسخر بهم، فيمنيهم فيما يتركون، ويبعدهم عما ينتظرهم ويدركون. لما تولى عمر بن عبد العزيز وخطب خطبة الخلافة، ذهب يتبوأ مقيلاً، أي: يبحث عن ضل ليقيل فيه القيلولة، فأتاه ابنه عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين! من لك أن تعيش إلى الظهر؟ فقال عمر: ادن مني أي بني! فدنى منه فالتزمه، وقبل ما بين عينيه، فقال: الحمد الله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني، فخرج ولم يقل، وأمر منادياً له أن ينادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها. وقال بعض الناس: دخلنا على عطاء السلمي، نعوده في مرضه الذي مات فيه، فقلنا له: كيف حالك؟ فقال عطاء: الموت في عنقي، والقبر في يدي، والقيامة موقفي، وجسر جهنم طريقي، ولا أدري ما يفعل بي، ثم بكى بكاءً شديداً حتى أغشي عليه، فلما أفاق، قال: اللهم ارحمني وارحم وحشتي في القبر، ومصرعي عند الموت، وارحم مقامي بين يديك يا أرحم الرحمين. ودخل المزني عند الإمام الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقال له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟! فقال: أصبحت عن الدنيا راحلاً، وللإخوان مفارقاً، ولسوء عملي ملاقياً، ولكأس المنية شارباً، وعلى ربي سبحانه وتعالى وارداً، ولا أدري أروحي صائرة إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها؟ وقال بعض الحكماء: ما زالت المنون ترمي عن أقواس حتى طاحت الجسوم والأنفس، وتبدلت النعم بكثرة الألبس، واستوى في القبور الأذناب والأرؤس، وصار الرئيس كأنه قط لم يرأس، فمن عامل الدنيا خسر، ومن حمل في صف طلبها كسر، وإن خلاص محبها منها عسر، وكل عاشقيها قد قيد وأسر: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23].

نداء للعودة إلى الله قبل نزول الموت

نداء للعودة إلى الله قبل نزول الموت فيا أيها المسلم! يا تائهاً بوادي الهوى! انزل ساعة بوادي الفكر يخبرك بأن اللذة قصيرة، والعقاب طويل. وا عجباً لمن يشتري شهوة ساعة بالغم والنكد! كانت المعصية ساعة لا كانت، فكم ذلت بعدها النفس، وكم تصاعد لأجلها النفَّس، وكم جرى لتذكارها دمع، أعاذنا الله وإياكم من الغفلة وسوء المنقلب. فيا أيها الأحبة! إلى كل غافل: عد قبل أن تتذكر عند الموت. وإلى كل ظالم: رد الحقوق إلى أهلها قبل أن تقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [المنافقون:10] لترد حقوقاً إلى أهلها. وإلى كل بخيل شحيح أمسك المال عن أوامر الله ومصارفه، نقول له: أنفق قبل أن تقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون:10]. وإلى كل متمادٍ في غوائه، وإلى كل سكران في غيه وغفلته، نقول: عد قبل أن تفيق في معسكر الأموات، نقول: عد قبل أن يكشف عنك بصر حديد: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22] وإلى كل مغرور بجلسائه وخلانه نقول: تيقظ قبل أن يتبرأ بعضكم من بعض فتقول: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:29]. إلى كل من طغى وبغى وغفل وتمادى، إن الموت هو النهاية، وإن الموت هو الغاية، كم تحت هذه الأرض من الأثرياء، ما دفن معهم من ثرواتهم شيء، بل تقاسم ورثتهم أموالهم، وكم تحت هذه الأرض من عالم، ومن صالح، ومن عابد، ومن مجاهد، ومن منفق، ومن حاكم عادل، كم تحت هذه الأرض من أناس مضوا في طاعة الله، فما استطاع أحدٌ أن يقتسم من أعمالهم الصالحة حسنة واحدة. إن الورثة بعدك يتقاسمون أموالك، لكنهم لا يتقاسمون أعمالك، هل سمعتم أن ورثة جاءوا ليقتسموا صيام آبائهم، أو حج أمهاتهم، أو صدقات زوجاتهم وأزواجهم، لا. إنما جاءوا ليتقاسموا أموالهم من بعدهم، أما العمل الصالح فهو لك وحدك، لا شريك لك في هذا العمل، أنت تملكه، والله عز وجل هو الذي يتقبله، حينما تكون نيتك صالحة خالصة، أردت بها وجه الله عز وجل. فيا أيها الأحباب! عوداً عوداً إلى الله، ورجوعاً رجوعاً إلى التوبة، وإنابة إنابة، فإن اللذات التي يتسابق فيها الغافلون لذات زائلة، ويبقى وزرها، وإن التعب والمجاهدة التي يكابدها الصالحون تعباً منسيا، ويبقى أجورها. اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل ودع الذكر لأيام الصبا فلأيام الصبا نجم أفل إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل وافتكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراً جلل اللهم ارزقنا الاستدراك قبل الفوات، والاستعداد قبل الممات، اللهم ثبتنا على طاعتك إلى أن نلقاك، اللهم لا تمتنا على غفلة، اللهم لا تأخذنا على غرة، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم إنا نسألك عيشة هنيئة، وميتة سوية، ومرداً مرضياً، ومنقلباً مرضياً غير مخز ولا فاضح، برحمتك يا رب العالمين، اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد يعز فيها أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم ثبتنا بقولك الثابت في الحياة الدنيا والآخرة. اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم جازهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، وارحمنا اللهم برحمتك إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، اللهم لا تشمت بنا عدواً، ولا تفرح علينا حاسداً، اللهم اجمع شملنا، اللهم اجمع كلمتنا، اللهم وحد صفنا، برحمتك يا رب العالمين. اللهم صلِّ على محمد وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

الكذب

الكذب الكذب آفة تفتك بالمجتمع، تتسلل إلى نقلة الأخبار، وحملة الأفكار، فتؤدي إلى إشكالات كثيرة. لذلك كان التثبت عند سماع الخبر ونقله واجبا، وكاد أن يكون غير المتثبت كاذبا. وفي هذه الخطبة نفي لأي مصلحة مدعاة تأتي من وراء الكذب، وفيها حصر جواز الكذب على ما ورد في الشريعة. كما اشتملت الخطبة الثانية على بعض ما يجب على من حضر مجالس القيل والقال.

محذورات نقل الأخبار

محذورات نقل الأخبار إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين! لقد من الله على أمة الإسلام بصحوة ويقظة بعد غفوة وغفلة، ومن أبرز ملامح تلك الصحوة هذا الجيل العائد إلى الله من كل جهات الدنيا ومجالاتها، وفي شتى وظائفها وتخصصاتها، ولكن ما أحوج هذا الجيل إلى التفكير قبل العمل، وإلى التثبت قبل النقل، وإلى المناصحة عند الزلل: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46]. واعلموا يا عباد الله! أنه إن لم يتناصح المؤمنون فيما بينهم، فلينتقدنهم العدو، وليشمتن بهم الحاسد، وليجدن المرجف إلى عقر دارهم سبيلا، وإن مما ابتلي به كثيرٌ من المسلمين، الفرح والعجلة بنقل الأخبار، ونشرها في المجالس، وجعلها محور الحديث بين القاعدين، ثم لا تسل بعد ذلك عن الزيادات والحواشي والشروح، والدخول في المقاصد والنيات التي لا يعلمها إلا الله عز وجل. عباد الله! لقد تعددت وتنوعت وسائل نقل الأخبار والأقوال، فضلاً عن سرعة وصولها، وبات الخبر الذي يصبح في شرق الدنيا، يضحي في مغربها، والمهم في حديثنا اليوم هو ما الذي يصح، وما الذي يثبت من هذا الكم الهائل من المعلومات، وما تتناقله الألسنة، وقديماً قال العلامة ابن خلدون يرحمه الله: فالتحقيق قليل، وطرف التنقيح في الغالب كليل، والوهم نسيب للأخبار وخليل، والتقليد عريق في الآدميين وسليل. ولما فشا نقل الكلام، ومرض نقل الأخبار، لما فشا هذا الداء العضال في صفوف كثيرٍ من المسلمين إلا من عصم الله ورحم، بتنا نسمع كلاماً ينقل، تثور له ضغائن النفوس، وتتمزق له أواصر الأخوة والمحبة، ومن قدر على العفو، لم يقدر على حفظ المودة من المنغصات، أو تصدع جدرانها. فيا أخي: احرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب إن النفوس إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يشعب

واجب التثبت عند نقل الأخبار وسماعها

واجب التثبت عند نقل الأخبار وسماعها لقد بلغ الداء في فريق من المسلمين، أن بات تصديقهم للقيل والقال في الرجال والأحوال، أسرع من تسلميهم للأمر عن الله ورسوله، ولو أنهم قالوا للناقل والساعي، ولمن جاء يتملق بالحديث أو يتشدق أو يتفيهق به، لو أنهم قالوا للناقل: من أين لك هذا؟ وما مصدر الخبر؟ لأسقط في يد الناقل، ولرأيت كثيراً من الناس يعتمد في نقله على مثل فعله من القيل والقال، أو يعتمد على الشائعات والمنشورات، أو الاستنتاج والقول باللوازم. وبعضهم إذا قيل له: من أين لك هذا؟ وما مصدر كلامك؟ وما أصل نقله؟ قال: أخبرني فلان عن فلان عن فلان، ثم لم تلبث أن تسمع وترى سنداً يروي فيه الكذوب عن المدلس، عن صاحب الهوى، عن سيئ الحفظ، عن الصدوق، فلا يبلغ الخبر إلا بعد الزيادة والحذف والاضطراب والخلل والتأويل، ثم يتناقله السرعان من الناس، وما أرسلوا على الناس حافظين، ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به من الكف عن القيل والقال، لكان خيراً لهم وأقوم وأشد تثبيتا. إن كثيراً من الأخبار التي يتناقلها البعض عن إخوانهم أو أترابهم، وربما هم عند الله خيرٌ منهم، علتها الكذب الصريح الذي لا مكان لمروءة الناقل الكاذب بعده، وحسبك أن الكذب دالةٌ في ضعف الدين، ودليلٌ على خسة الطباع، يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل:105]، وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن أبي مليكة، أن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذبة فما يزال في نفسه صلى الله عليه وسلم عليه، حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة.

تناقض الكذب مع المصلحة

تناقض الكذب مع المصلحة ولا غرابة يا عباد الله! فمن يحدث في الحديث كذبا، أو يحدث بكذب الحديث، يحتاج إلى كذبٍ آخر، ليؤكد به الكذب الأول، إذ لا يعقل أن يكون مصداق الكذب حقاً وصدقا، وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يكتب عند الله كذابا) رواه الإمام مسلم وغيره. وحسبكم يا عباد الله! أن الكذب من علامات النفاق، قال صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) متفق عليه. ومن أنجس الحماقات وأخبثها، من يدعي أنه يكذب لمصلحة الدعوة، أو من يدعي أنه يكذب للإصلاح، أو لإصلاح الأوضاع الفاسدة، وهل عقم الدليل؟ وهل شح النص؟ وهل ضعفت النصوص الصحيحة الصريحة؟ هل عجزت عن الإصلاح حتى نصلح أحوالنا بالكذب؟ نعم. ليس من الكذب الكلام في إصلاح ذات البين وما استثني بالنص، ولكن أن نظن أن الكذب أو التحريف سوف يجر خيراً ومصلحة وحقاً، فهيهات هيهات إنك لا ترجو من الشوك العنب، واليوم ظهرت سرية من أعوان الكذابين والكاذبين، تمارس حرباً نفسية على كل من لم يوافق هؤلاء المفترين، أو على الأقل يسكت عن الحق الذي يعلمه، حتى أصبح بعض العقلاء يعلم في نفسه، كذب بعض ما يدور ويتناقله الغوغاء على الألسنة، ولكن بعض هؤلاء العقلاء يخشى من أعوان المفترين، أن يصنفوه أو ينالوه بكذبة تجعله في عداد المكذوب عليهم، ولذا تراه يتردد عن القول بالحق والنطق به، فيقول: إن سكت سلمت من ألسنتهم وشائعاتهم وأقوالهم، وإن تكلمت لم أنج حتى من الشائعة أو التهمة بأدنى باقعة. ونقول لكل عاقل: لا تدع الصدق لأنهم يكذبون، ولا تدع الأمانة لأنهم يخونون، ولا تدع الوفاء لأنهم يغدرون، ولا تدع الأمر بالمعروف لأنهم عن المنكر يسكتون، والله المستعان!

ضروب أخرى من الكذب

ضروب أخرى من الكذب ومن ضروب الكذب وخبيث أنواعه، تلك الكلمات التي يطلقها الكاذبون غير جريئين على الصراحة، ورمي المكذوب عليه صراحة، ولكن يلجئون إلى إثارة الشبهات والشكوك حول هذا الذي يكذب عليه، حتى تجتمع من الأحوال، ومختلف المواقف المرتبة على نسقٍ معين، ما يجعلون السامع ينطق به -أي: ينطق بالكذب- أو يعقد على الكذبة التي هابوا وخافوا من النطق بها صراحة. إنه لا يجوز أن نكذب على أحد، حتى على أعدائنا من ذوي المذاهب الضالة والملل المنحرفة، ولو كان عدواً إلا ما استثني بالدليل، من الكذب حال الحرب والمعركة، أما الكذب والافتراء حتى على ذوي الأهواء والمذاهب الضالة فإنه لا يجوز، فما بالك بمن يشاركوننا في الإسلام والإيمان والإصلاح، إنه لا يجوز أن نكذب، ولماذا نكذب وعندنا من الحق والدليل ما يكفي لهتك أستار الأعداء ونبذ أخبارهم، دون اللجوء إلى الافتراء. ومن أنواع الكذب الذي يسري على عقول كثير من المسلمين، ذكر بعض الحقائق وإخفاء بعضها الآخر، فترى الكذوب يسمعك من الرواية فصولاً لا تدع للسامع مجالاً ينجو فيه من تغير حاله ورأيه على المكذوب عليه، ولو أن السامع أسمع الواقعة كلها، لانقلب السامع مؤيداً ونصيراً ومعيناً، وللكاذب عدواً. ولكن يا عباد الله! إذا زلت العقول عن المنهج، وعن الدليل، وعن الحق، ومالت إلى الهوى، فلا تسأل عن الهلكة: {فإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص:50] إن كثيراً من الذين يكذب عليهم، لو أسمعوا الحقائق على جملتها وتفاصيلها، لانقلب السامع مؤيداً ونصيراً للمكذوب عليه، بل وانقلب السامع معيناً لمن جاء الكاذب يتزلف بعرضه، أو يسعى في إفساد سمعته، أو كما يقال إحراق أوراقه. روى الإمام أحمد وأبو داود بسندٍ صحيح، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله، فقد ضاد الله في أمره، ومن مات وعليه دين، فليس بالدينار والدرهم، ولكن بالحسنات والسيئات، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه، لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال، حتى يخرج مما قال وليس بخارج) {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:15 - 16]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

واجب من حضر مجالس القيل والقال

واجب من حضر مجالس القيل والقال الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله! إننا بحاجة إلى أن نرفع شعاراً وراية في مجالسنا ولقاءاتنا، وأماكن تزاورنا، هي أن نسأل عن المصادر والأصول والمرجع، فلا يقبل عاقلٌ أن يجعل عقله زجاجة أو إناء يصب فيه من خليط الكلام ورديء القول وساقط الافتراء، إن عاقلاً لا يرضى أن يقدم جوفه وعقله وقلبه إناءً ليصب فيه المتكلمون ما يشاءون، فكل كلمة أسعفها الدليل، وأيدها النص، وظهرت عليها علامات الصدق، فحيهلا بها وبقبولها، ومن لم يسعفه الدليل فلا مكان له ولا منزلة، في قلوب وعقول العقلاء، ذوي الحجا والألباب. أيها الأحبة: إذا دار الحديث في مجالسنا عن القيل والقال، وأعراض الرجال، فعلينا أن نعلم الأمور التالية: أولاً أننا لا نتكلم في معروف، ولا نجمع حسنات، وإنما نتكلم في منكر، ونسدي إلى المتحدث عنهم حسناتنا، ونكسب زيادة على ذلك آثاماً وسيئات. الأمر الثاني: أننا لم نرسل على الناس حافظين، نحصي عليهم أعمالهم وأقوالهم. الأمر الثالث: أن واجبنا إذا جلسنا مجلساً وسمعنا فيه القيل والقال، أن نقول للمتحدث: كف لسانك عن هذا، أعطنا أية من كلام الله، وحديثاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تجعل صناديق ساعاتنا نلقى بها يوم القيامة غيبة وفرية وشائعة ونميمة. الأمر الرابع: يشرع لمن تكلم في عرض مسلم في مجلسه، أن يذب عن عرضه، فمن ذب عن عرض أخيه ذب الله عن عرضه النار يوم القيامة، حتى ولو تكلم المتكلمون في مجلسك عن رجلٍ أنت تخالفه في منهجه، أو في أسلوبه وطريقته، فالخلاف قديم ومعروف بين طلبة العلم والعلماء والفقهاء، ولكن الخلاف لا يبيح الكلام في الأعراض، ولا يجيز الغيبة، ولا يبيح النميمة، ولا يسقط الحقوق، ولا يسقط الواجب علينا تجاه أعراض إخواننا، حتى لو اختلفنا معهم، فضلاً عمن اتفقنا معهم. الأمر الخامس: أن من واجبنا إذا علمنا أن أحداً لا هم له إلا النقل والقيل والقال، والسعي بالشائعة والكلام، علينا أن نطرده من مجالسنا، وألا يبقى معنا، إلا إن يخوض في حديثٍ غيره، بعد أن يتوب إلى الله ويعلن التوبة والمناصحة. إننا بحاجة إلى أن نصلح سلوكنا، إننا لسنا بحاجةٍ أن نصلح أوضاعنا الاقتصادية فحسب، أو نصلح أوضاعنا السياسية فحسب، أو نصلح أوضاعنا الإعلامية أو التربوية أو الاجتماعية والتعليمية فحسب، بل نحن بأمس الحاجة أن نصلح سلوكنا، وأخلاقنا، وطبائعنا، وأموراً ترددت في مجالسنا، وتعوَّد البعض على نقلها في كلامه، وأصبحت أمراً يغض البعض فيه عن البعض طرفاً. وذلك من السكوت عن المنكر، وما هكذا يكون المؤمنون، بل إن الله وصف المؤمنين بأنهم الذين يؤمنون ويعملون الصالحات، ويتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، فأين التواصي بالحق في المجالس؟ هل فينا جرأة إذا تكلم أحد في عرض أن نقول له: اسكت أو اخرج؟ هل فينا جرأة إذا وجدنا المجلس قد أطبق على الكلام في عرض غافلٍ، أو عرض مبتلى، أو مسكين، أن نقول: اسكتوا أو نخرج؟ هذا هو واجبنا، وأن نبرأ إلى الله من أن نحضر أو نجلس، وإخواننا تشرَّح أعراضهم أو يتكلم فيهم أياً كانوا، حتى ولو كان المتكلم فيهم على طرفي نقيض في الوسائل والأساليب، أليسوا يجمعهم بنا، ويجمع بعضهم مع بعض الإسلام والإيمان والدعوة والغيرة والإصلاح؟ فلماذا الحديث في الأعراض؟ لماذا القيل والقال؟ لماذا نقل الكلام؟ نعم. لما خلت العقول عن النافع المفيد، وخلت القلوب عن الخوف والوجل والخشية، ما بقي في العقول بعد زوال النافع إلا الضار، وبعد زوال المفيد إلا المضل، وبعد زوال الهدى إلا الضلالة. هذا شأن كثير من الناس، الذين يتكلمون بساقط القول ورديء الكلام، وإن الألسنة مغارف القلوب، فمن كان قلبه إناءً لكلام الله ورسوله، أول ما يخرج من لسانه قول الله وقول رسوله، ومن كان قلبه إناءً للأعراض والقيل والقال والشائعات، أول ما يخرج من لسانه: قيل في فلان، وروي عن فلان، وحدث عن فلان، وسئل فلان عن فلان، فقال في فلان ما قال. وما لهذا خلقنا، وما بهذا وكلنا، ولكن إن الإنسان إذا ضل عن الهداية، تفنن وأمعن في الغواية. يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن اللهم سلم أعيننا من الخيانة، وألسنتنا من الكذب، وقلوبنا من النفاق، اللهم ارحم إخواننا المسلمين في كل مكان، اللهم ارحم إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم فرج لإخواننا المكروبين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم من نقل الكلام بيننا بغفلةٍ أو بجهل أو بخطيئة لا يعلم بها، اللهم فتجاوز عنه ولو تكلم في أعراضنا، اللهم سامحه ولو تكلم في ذواتنا، اللهم اجعل سيئاته حسنات ولو تكلم عنا، اللهم ومن تكلم فينا وفي إخواننا يريد إفساد مجتمعنا، ويريد إحداث الفتنة بين الولاة والدعاة والعلماء والعامة، اللهم فأخرس لسانه، وعطل أركانه، واهتك أستاره، وافضح أسراره، وأرنا فيه عجائب قدرتك يا رب العالمين. اللهم اكشف منكره وباطله بين الخلائق حتى يتجنبوه، وحتى يشيروا إليه فلا يقبلوه بقدرتك يا رب العالمين! اللهم أمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وحكامنا وعلماءنا ودعاتنا، والجميع فينا على الهدى والحق يا رب العالمين، اللهم لا تفرح علينا عدوا، ولا تشمت بنا حاسداً يا رب العالمين، اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد يؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، ويعز فيه أهل الدعوة والطاعة، ويذل فيه أهل المعصية يا رب العالمين. اللهم ولِّ علينا خيارنا، واكفنا شرارنا، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا أيماً إلا زوجته، وذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا رب العالمين! اللهم انصر إخواننا المستضعفين في البوسنة والشيشان، اللهم أيدهم بتأييدك، اللهم انصرهم بنصرك، اللهم أنزل جنودك من السماء، التي لا يعلمها إلا أنت تقاتل معهم، وتدفع بأمرك وقدرك عنهم كيد عدوهم، اللهم ثبت أقدامهم، ووحد كلمتهم وصفهم، وسدد رصاصهم ورميهم، وأقم على الدين دولتهم، واطرد المنافقين من صفوفهم، اللهم عليك بالصرب والروس واليهود ومن شايعهم، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا، اللهم اجعل سلاحهم في نحورهم، واجعل كيدهم على صدورهم، وخالف بين قلوبهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين. إلهنا لا ترفع لهم راية، إلهنا اجعلهم لمن خلفهم آية، إلهنا لا تجعلهم يدركوا من المسلمين غاية بقدرتك يا رب العالمين، اللهم صلِّ وسلم على محمد، اللهم صلِّ وسلم على نبينا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا في الخير كله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وعلى أزواجه ومن اقتفى أثره، واستن بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

الشباب بين الواقع والأمل

الشباب بين الواقع والأمل شباب اليوم هم رجال الغد، عليهم تقوم الشعوب، وبهم تبنى الآمال، وتسمو الأمم، وهم الخامة الثمينة للمشهد الإنساني القادم. وهذه جلسة من جلسات الذكر التي وردت النصوص بفضلها، تتجلى فيها نظرة الإسلام إلى الشباب، من خلال تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع شباب الرعيل الأول، ودور الشباب في الدعوة والجهاد. كما تحوي هذه المادة بياناً لواقع الشباب اليوم، ونصائح نفيسة لهم حتى يبلغوا المستوى المنشود.

فضل الجلوس في حلق الذكر

فضل الجلوس في حلق الذكر الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. معاشر المؤمنين! جئت إليكم وأنا أحمل في قلبي مشاعر المودة والمحبة، نبضات الفؤاد تحبكم يا أهل الأحساء وخفقات القلب تشكركم وتذكركم دائماً بما أنتم أهله، وإني قادم وملتقِ بأحبتي في الله في هذا المكان وأنا على يقين أن في الزوايا خبايا، "وأن بني عمك فيهم رماح" وأن في القوم من هم أعلم بالمقال من القائل، وأعلم بفقه الحديث من المتحدث، ولكن حسبنا وإياكم أن نجتمع في روضة من رياض الجنة، فتحفنا الملائكة، وتغشانا السكينة، وتتنزل علينا الرحمة، ويذكرنا الله فيمن عنده، هذا الأجر لا يكون إلا في مثل هذه اللقاءات: (ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه). وفي الطريق إليكم ونحن نتجاذب أطراف الكلام مع صحبة كرام، قال بعض الإخوة: لو أن الواحد جعل الوقت في قناة فضائية ليلقي محاضرة أو ليقدم برنامجاً أفلا يكون هذا أولى وهو يخاطب عبر القناة ملايين البشر؟ وربما اختصر من الوقت والجهد ما اختصر، فرد أحد الإخوة جزاه الله خيرا قائلاً: ولكن الملائكة لا تتنزل على القنوات الفضائية، ولا تغشاها السكينة ولا تتنزل عليها الرحمة، نعم يؤجر من جاهد فيها، فهو في مضمار جهاد، وفي ميدان دعوة {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33]. ومن هنا نعلم أن مثل هذه اللقاءات ومهما ضربت لأجلها أكباد الإبل، وقطعت لأجلها الصحاري والقفار فليس بكثير على أن يفوز أو على أن نفوز جميعاً بمن الله وكرمه وجوده بدعوة من الملائكة ومغفرة من الرب عز وجل، ونحن في سبيل الاستماع لا لغرض ولا غاية ولا قسط من أمور الدنيا قاطبة، وإنما غايتنا وقسطنا أن تغفر ذنوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تكفر سيئاتنا، وأن يرفع الله درجاتنا، اللهم ذلك ما نتمنى فنسألك اللهم ألا ترد دعاءنا وألا تخيب رجاءنا. أحبتي في الله: والعين تعرف من عيني محدثها إن كان من حزبها أم من أعاديها وأهل الأحساء بينهم وبين قلبي صلة، وبينهم وبين فؤادي مودة، ولا غرو ولا عجب وإن كنت مقصراً في الزيارة، إلا أن العهد لو طال، والبعد لو اتصل، فإن الحنين داعٍ إلى معاودة اللقاء، وحسبنا أنا قد أمهلنا، وأمد الله في أعمارنا، حتى التقينا مرة أخرى، ونسأله ألا يكون آخر العهد بكم، ونسأله سبحانه أن يمنحنا من جوده وبركاته وفضله ما يمن به علينا من اللقاء مرات وكرات في هذا المكان وفي غيره مما يرضيه سبحانه وتعالى.

مكانة الشباب في المجتمعات

مكانة الشباب في المجتمعات وأما المحاضرة وهي بعنوان: "الشباب بين الواقع والأمل" فأمر وقضية تحتاج إلى بسط قد يضيق المقام بالإحاطة بجوانبها، ولكن كفى من القلادة ما أحاط بالعنق، فشبابنا وما أدراك ما شبابنا هم أمل غدنا، وشبابهم هو ربيع عمرهم، وهو أوان الجد والتحصيل والبناء والعلم، وشباب اليوم هم قادة اليوم وقادة المستقبل، بل وهم المسئولون عن الأمة في شتى مجالاتها وميادينها، هم رواد الفكر بل صناع القرار، شباب اليوم هم القادة في ميادين القتال، واسألوا أنفسكم: من الذي أذاق الروس أصناف البلاء والعذاب والويلات، حتى فقدوا الآلاف من جنودهم، ودمرت لهم الآليات، وفقدوا من الأرواح، وامتلأت مستشفياتهم بالمعوقين؟ من الذي فعل ذلك بهم؟ إلا شباب صدقوا ما عاهدوا الله عليه! من الذي وقف للروس في درجات الحرارة المنخفضة إلى حد التجمد؟ هل هم العجائز والأطفال والشيوخ والسفهاء؟ لا بل الشباب، من الذي جعل الغرب يحسب للشباب ألف حساب فيطاردهم في مشارق الأرض ومغاربها لو لم يكن الشباب طاقة خطيرة قوية لا بد أن يعتنى بها وأن يلتفت لشأنها، وإلا لم يبال الغرب ولم يسخر من الطاقات بل والجواسيس والطواغيت والأجهزة ما تجعلهم يلاحقونهم في شتى أنحاء الأرض إلا من رحم الله وعصم وقليل هم أولئك. شباب اليوم هم أخطر العناصر في المجتمعات، بل إن الجماعات المشهورة بالدمار والتخريب والاغتيال والسطو تقوم على الشباب، كما أن الجهاد والدعوة والإصلاح والبذل والتوجيه والعطاء يقوم على الشباب؛ فالشباب طاقة وقوة تقبل التوظيف والتوجيه، فمن سبق إلى مناخ قلوبها ومراتع أفئدتها، ثم وجهها إلى خيرٍ أثمرت وأنتجت خيرا، ومن سبق إلى مناخ قلوبها ومرابع أفئدتها ثم عمرها باللهو والغفلات أنتجت من الشرور والمصائب ما لا يحصيه إلا الله عز وجل، ولذا لا نعجب حينما نرى أمر الشباب يتردد ذكره ويتعدد في مواضع شتى في كتاب الله عز وجل بياناً وتنبيهاً إلى خطرهم وشأنهم ألم يقل الله عز وجل: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:13]، وما الحاجة إلى النص والتنبيه والبيان إلى شأنهم وأنهم فتية إلا لأن الفتوة لها شأنها ولها منزلتها، بل وفي الحديث: (يعجب ربنا للشاب ليس له صبوة) بل إن الله عز وجل يذكر شاباً قد آتاه الله الحكم صبيا ويأمره أن يأخذ الكتاب بقوة {يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} [مريم:12]، بل إن أهل الضلالة وقادة الشرك في زمن إبراهيم عليه السلام لما أخذوا يختصمون في شأن من دمر وحطم أصنامهم ومعبوداتهم وآلهتهم، {قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:60]، ولو لم يكن للشباب تلك المنزلة الشامخة العلية لما خص أولئك بهذا الأمر، والنبي صلى الله عليه وسلم يعرف قيمة الشباب وقدرهم، ومن خالط الشباب ومن عاشرهم وقضى زمناً في تربيتهم وتوجيههم وشرح صدره وفتح أبواب قلبه لاستماع مشكلاتهم ودنا منهم وألان لهم الجانب، وخفض لهم الجناح، علم أن في الكثير من الشباب طاقة لو أردت أن تسلطها على أمة لتسلطت، وعلم أن في الشباب قدرة لو وجهتها في كثير من مجالات الخير لنفعت وأعطت وأثمرت.

تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشباب

تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشباب ولذا فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أعطى الشباب الثقة ومنحهم المسئولية خلافاً لما يعيشه كثيرٌ من الناس اليوم، وما نراه في واقعنا اليوم من توجيه أصابع الاتهام والنقيصة والشك في القدرات والتردد في منحهم الثقة والمسئولية من خلال أضرب من تعاملنا تجاه شبابنا وإخواننا وفي مجتمعاتنا، لم لا نمنح شبابنا الثقة؟ لم لا نمنح شبابنا الصلاحية؟ ولما لا نمنح شبابنا محبة ونفتح أمامهم العديد من الميادين والمجالات مع ثقة نهبها لهم ثم ننظر ماذا يصنعون؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منح زيد بن حارثة وهو شاب وجعفر بن أبي طالب وهو شاب وعبد الله بن رواحة وهو شاب منحهم الثقة، وسلمهم قيادة جيش مؤتة وما أدراك ما مؤتة! أول معركة بين المسلمين والرومان! بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسامة بن زيد قيادة جيش فيه رجال من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، وقد كان عمر أسامة آنذاك ثماني عشرة سنة، ويرسل معاذاً إلى بلاد بعيدة وفي مهمة عظيمة ومسئولية جسيمة يرسل معاذاً إلى اليمن ومعاذ لا يزال بعد في ريعان شبابه ويرسله على قومٍ ليسوا على مذهبه وملته وديانته ويقول له: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب -يعني ليسوا بمسلمين- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) إلى آخر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ، وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول فيما رواه الإمام أحمد في مسنده: (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شباب ليس لنا نساء) يعني: لم نتزوج بعد، لا نزال فتية، لا نزال في بداية الشباب وفي مستهل حياة الشباب.

كثرة الشباب في البلاد الإسلامية

كثرة الشباب في البلاد الإسلامية نعم أيها الأحبة! حق للأمم وللشعوب أن يفخروا بشبابهم؛ لأن أي أمة إذا كثر فيها الشباب فهي أمة قوة مقبلة، وأما إذا حصل الضد وكثر في الأمة العجائز والشيوخ والضعفة فهي أمة ضعف مدبرة، ولعلكم تسمعون وترون أن بعض الدول الأوروبية اليوم لا يترددون في منح كثيرٍ من شباب المسلمين الذين ولدوا على أراضيهم الجنسية الأوروبية، تكثيراً للشباب، وتعويضاً لما يفقدون؛ لأنهم يعيشون في واقع بلغت الأنانية فيهم حداً أصبح الرجل يريد الاستمتاع بالمرأة دون أن يتحمل مسئولية طفل واحد، والمرأة تريد الاستمتاع بالرجل دون أن تتحمل مسئولية طفل واحد، فظلوا هكذا يستمتع بعضهم ببعض وقد استكثر بعضهم من بعض وهم يتناقصون ولا يشعرون حتى أعلنت كثير من الدول أن نسبة الشيوخ والعجزة فيها قد جاوز الستين في المائة، وأصبحت من الأمم المدبرة ولكنهم أهل كيد وأهل مكر كبار، وأهل تخطيط وتدمير، وحسبكم في المقابل أن تعلموا أن نصف السكان في المملكة العربية السعودية تقل أعمارهم عن خمسة عشرة عاماً، فنحن أمة مقبلة، فإن كان التوجيه والتربية والإرشاد في خير وإلى خير فنحن أمة مقبلة إلى خير، وإن فقدنا ذلك -والعياذ بالله- فلا حول ولا قوة إلا بالله أن نكون أمة مقبلة إلى شر، وأسأل الله أن يصرف الشر عنا وعن شبابنا وأمتنا إنه سميع مجيب.

نماذج مشرقة من شباب الإسلام

نماذج مشرقة من شباب الإسلام أحبتنا في الله! نخاطب الشباب لأنهم المعنيون، عليهم تنعقد الآمال، وبهم نصعد إلى قمم الجبال: شبابنا هيا إلى المعالي هيا اصعدوا شوامخ الجبال هيا اهتفوا يا معشر الرجال قولوا لكل الناس لا نبالي معاذ وابن مسعود وسالم رضوان الله عليهم شباب ولكنهم قادة كانوا من القراء، كل واحد منهم أصبح مدرسة مستقلة يروى كتاب الله عنهم وعلى ألسنتهم، وزيد بن ثابت واحد من الشباب لكنه من كتبة الوحي بل ومن المترجمين المعتمدين، تعلم لغة اليهود في أيام عديدة، وتأملوا سرعة الاستيعاب والقدرة على الفهم والإدراك حيث استطاع أن يتعلم لغة يهود نطقاً وكلاماً وكتابة وخطاباً وحواراً في مدة يسيرة لم تبلغ شهراً واحداً. أيها الأحبة! رسالتي وكلماتي من محب عرف الشباب، نصيحة محبة موجبها الإخلاص، رائدها مشاعر المودة وقودها التقدير، إنها إلى الشباب جميعاً، وهي أيضاً إلى من تعدى وجاوز سن المراهقة، وإلى من يكابد المراهقة وآلامها، رسالة إلى كل شاب صالح يسعى لإعفاف نفسه، ويدرك خطر مرحلة الشباب، وما يكتنفها ويعتورها من صراع الشهوة وما يحيط بالشباب من هتافات داعية إلى الغفلة، وليس الخطاب للشباب وحدهم، بل هو أيضاً إلى الآباء والأمهات الذين يعالجون تربية الشباب وتوجيه الشباب ويحرصون ويدأبون داعين في سجودهم وخلواتهم وساعات الإجابات التي يتحرونها أن يصلح الله عز وجل شبابهم، آمالنا في شبابنا عظيمة أن يتقلدوا أعلى المناصب ويتسلموا زمام التوجيه، ويمتطوا صهوة المنابر دعاة إلى الله وفرساناً تغبر أقدامهم في سبيل الله، وأن نراهم في كل ميدان من ميادين الحياة نفخر بهم وتقر أعيننا بصلاحهم واستقامتهم.

الشباب في ميادين الإمامة والدعوة

الشباب في ميادين الإمامة والدعوة عمر بن سلمة على صغر سنه كان يؤم قومه، أصبح إماماً وليس بمأموم مع أنه أصغرهم، لأنه أكثرهم حفظاً وضبطاً لكتاب الله عز وجل، كان صغيراً وكان فقيراً لكن فقره وصغره لم يجعله يتخلف عن قيادة قومه وإمامتهم في أشرف منزلة وهي الإمامة، بل جاء في الحديث أنه مرت ذات يوم امرأة فرأته يصلي بهم وعليه ثوب قصير قد بدا شيء من عورته، فالتفتت المرأة إليهم وقالت: غطوا عورة إمامكم هذا، فأعطوه ثوباً آخر ليستره، إن فقره وإن صغره ما كان سبباً ليجعله ينكص على عقبيه أو ليرجع القهقرى أو ليتردد في الإمامة والريادة. عبد الله بن عمرو بن العاص شاب لكن شبابه قاده إلى العناية بكتابة السنة وتحريرها. مالك بن حويرث يقول: أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فمكثنا عنده مدة، فعلمنا وأكرمنا، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا، قال صلى الله عليه وسلم: (ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم وأمروهم).

الشباب في ميادين الجهاد

الشباب في ميادين الجهاد وأما عن شأن الشباب في ميادين الجهاد وساحات القتال فشجاعة لا مثيل لها، ورباطة جأش لا نظير لها، بل إن كلماتهم تقدح بالفداء والتضحية، يرشون الأعداء بالدماء قبل أن تصلهم السيوف والسهام، عبد الله بن رواحة يودعونه وهو شاب متوجه إلى مؤتة أول معركة بين المسلمين والروم يقولون: يا ابن رواحة تعود إلينا سالماً؟ قال: لا، لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا وضربة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا شاب يعرف أنه قادم إلى الموت الزؤام، قادم إلى معركة هو يشتهي أن يموت فيها، لا يفكر كيف يهرب منها، أو ما هو الحال في المرد وما هو المصير في الرجوع! عجبٌ من أمر هؤلاء الشباب إنهم كشبابنا في حواسهم وجوارحهم، لكن قلوبهم تختلف عن قلوب شبابنا، لكن إيمانهم يختلف كثيراً كثيراً عن إيماننا، ومن هنا يتباين الناس، فلا يتباين الناس بأنوفهم ولا بأعينهم ولا بألوانهم ولا بطول قاماتهم وقصرها، وإنما يتباينون بهذه القلوب التي جمعت الإيمان وجعلت خوف الله وخشيته والخوف من عذابه والطمع في ثوابه جعلته رائداً يحركها في كل اتجاه أتت بالعجائب وأثمرت وأغدقت وأينعت وأعطت عطاء لا حدود له، وأما إن امتلأت القلوب بالشهوات واللهوات والغفلات، فلا تسل عن اهتمامها بسفاسف الأمور وخوفها وخشيتها وجبنها عن معاليها، كانوا يتوجهون إلى ساحات القتال والواحد منهم يعلم أن ليس بينه وبين الجنة إلا أن يراق دمه كيقيننا نحن أن ليس بيننا وبين الشارع إلا هذا الجدار، يقينهم في الجنة أصبح أحدهم يراه رأي العين، ما كان أمر شبابهم صارفاً لهم عن اليقين بما أعد الله من الثواب، وما يخشونه من العقاب، أما شهوات شبابنا اليوم فأصبح الواحد منهم إذا ذكر بالجنة أو خوف بالنار رأيت في قسمات وجهه وتيقنت من علامات تفاعلاته من هذا الخطاب أن بينه وبين الفهم واليقين بالخطاب أمداً بعيدا، أما أولئك فاستجابتهم الفورية وتفاعلهم العاجل مع الخطاب، والأمر والنهي دال غاية الدلالة على اليقين، وهذه مسألة من أعظم المسائل التي ميزت الأجيال القرآنية الفريدة، في العصور السالفة المجيدة، عن عصورنا هذه، ليست مصيبة الناس في هذا الزمان هي قلة علمهم، بل من أعظم مصائب الناس ضعف استجابتهم وضعف تفاعلهم وضعف انقيادهم وخضوعهم وإخباتهم لأمر الله سبحانه وتعالى، كان ذلك الجيل من الشباب وإن كانوا صغاراً لكن كانت نفوسهم كبيرة: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام يقول سعد بن أبي وقاص: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن نعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: مالك يا أخي! فقال عمير بن أبي وقاص لأخيه سعد: إني أخاف أن يردني رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو يختبئ ليس خوفاً أن يشار إليه بالبنان فيختار من الذين يعرضون وتكون صدورهم مسرحاً للرماح وميداناً لطعن السيوف، لا، وإنما يتوارى خشية أن يرد وخشية أن يحرم طعنة، وخشية أن يحرم رمية بسهم، وخشية أن يحال بينه وبين أن تطير رقبته في سبيل الله، يتوارى حتى لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول لأخيه سعد: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني، فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، شاب صغير، احتمال كبير أن يرد فلا يقبل في الجيش، يقول: لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما خشيه عمير، فقد استصغره النبي صلى الله عليه وسلم فرده، فأخذ عمير يبكي وينتحب نحيب الثكلى التي ترى زوجها مذبوحاً أمامها، ويبكي بكاء مراً والدمع لا يقف مسفوحاً على خديه ويتوسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرجوه، ويريد أن يثبت بكل ما أوتي أنه قادر جديرٌ حقيقٌ أن يكرم ليدخل مع الجيش في ساحة المعركة، فيقبله النبي صلى الله عليه وسلم ويجيزه، يقول سعد: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره حتى يثبت السيف في يده ولا يسقط، قال سعد: فقتل وهو ابن ست عشرة سنة، لم يقف حد أمر أولئك الشباب إلى هذا، بل أصبحوا قادة على السرايا والجيوش. عكاشة بن محصن جعله النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على أربعين رجلاً في سرية، وزيد بن حارثة أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية، وعمرو بن العاص أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار في غزوة ذات السلاسل، وما خبر أسامة عنا ببعيد، فقد ولاه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش فيه كبار الصحابة، والشاهد أن أولئك الشباب وإن كانوا صغار الأعمار فإنهم كانوا كبار الأقدار.

واقع الشباب اليوم

واقع الشباب اليوم أحبتنا في الله! واقع شبابنا اليوم إذا قارناه بالصدر الأول والسلف الصالح وجدنا ما نخجل لذكره وما نطأطىء الرءوس خجلاً مما نراه، بل لا نستطيع أن نقارن بين أولئك وهؤلاء: لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد بل ربما من العبث أن نقول: إن الرعيل الأول والجيل المتقدم كانوا أفضل من هؤلاء: ألم تر إن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا

واقع الشباب في الجانب الاجتماعي

واقع الشباب في الجانب الاجتماعي واقع شبابنا اليوم عجب عجاب في الجانب الاجتماعي والتربوي، عزلة شعورية عن المجتمع، واتصال بما وراء البحار، وهنا لا أعمم حتى لا أظلم، ولكنه حال كثير من شبابنا ويا للأسف! وإن كنا جادين بحثاً وطلباً للدواء والعلاج، فلا بد أن نصدق في تشخيص الداء ووصف مظاهر المرض؛ لأن الطبيب الذي لا يصدق مريضه والمريض الذي لا يصدق طبيبه هيهات أن يصل أحدهما إلى العلاج، العزلة الشعورية التي حلت بكثير من الشباب فهم يعيشون في مجتمع المسلمين ويسمعون الأذان، والمساجد من حولهم ومظاهر مجتمعهم غالبها مظاهر إسلامية، ولكن شعورهم مرتبط بالعواصم الأوروبية، والقناة الفضائية من خلال الشاشة الملونة تنقل لهم كل جديد يدور على أرصفة باريس أو بحيرة جنيف أو شوارع لندن فتراهم مولعين بالتقليد الواحد منهم يفخر أن يكون أول سابق للببغائية والقردية والتقليد، (ولتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) إني لأعجب يوم أن أرى بعض الصفات وبعض السلوك والتصرفات على شبابنا، ثم يزول العجب إذا علمت أن ما رأيت قد عرض البارحة على قناة عربية أو أجنبية تيقنت من خلالها أن هذا الشاب يعيش في مجتمع مسلم لكنه يعيش في عزلة شعورية، هو يعيش بينهم لكن شعوره وفكره مرتبط بهذه القناة وما تنقله الفضائيات عبر الشاشة الملونة من هناك، وكأنما الأمر تحول إلى خلل خطير وهو جانب الانتماء: وأنت امرؤ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع أنت معدود علينا ومحسوب من سكاننا، ولكن لو أصابتك مصيبة لدعينا نحن أن نبذل من جيوبنا لإسعافك وأن نتبرع من دماء عروقنا لإنقاذك، ثم لما شفاك الله وعافاك وجدنا ولاءك واهتمامك، وجدنا حرصك وتقليدك، وجدنا عنايتك ومتابعتك لقوم هم الذين ذبحونا وذبحوا أمتنا وما فتئوا يودوننا خبالا وعنتاً وخراباً وضلالاً، لماذا يا أخي أنت محسوب علينا ومعدود على أمتنا في أمة المليار وتعيش هذه العزلة الشعورية؟ نعم، بل وأكبر من ذلك لو أن أحداً تجرأ عليك ليرميك أو ليصمك وصمة تغض من شأنك في دينك، لرفعت عقيرتك وعلا صوتك واحتج لسانك وأشار بنانك معترضاً على هذا، ولكن الواقع يشهد بالانفصام ويشهد بهذه العزلة الشعورية التي جعلتك تعيش بيننا لكن مشاعرك قد نقلتها الشاشة الملونة عبر الفضائية أو الفضائحية القبيحة الخبيثة لتكون واحداً ممن يحبون أولئك غير آبه بما يفعل أولئك، ربما أعجبك عند القوم مغنية خالعة، ربما أعجبك عند القوم مطرب ماجن، ربما أعجبك عند القوم مشاهد ربما قادتك الشهوة إلى متابعتها ومسارقة النظر إليها وطلب الخلوة لمتابعتها، ولكنك تأكيداً لعزلتك الشعورية لم تلتفت للخطباء الذين بحت أصواتهم وهم يقولون: إن هؤلاء الذين تتابعهم ذبحوا إخوانك في الشيشان واغتصبوا أخواتك في البوسنة وكوسوفا، وجوعوا إخوانك المسلمين في الصومال، وحاصروا المسلمين وذبحوهم في كشمير، لم تلتفت لهذا لو كانت المشاعر مفتوحة لنا ولغيرنا لسمعت نداءنا على الأقل كما سمعت نداء غيرنا، لكن الواقع يشهد أن مشاعرك توجهت إلى أولئك واشتغلت بأولئك عن إخوانك، فأين الولاء؟ والله عز وجل يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71]، والله يدعونا أن نحقق ولاء كولاء الكفار فيما بينهم حيث يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73]. واقع كثير من شبابنا اليوم مع العزلة الشعورية البعيدة عن الحضور الفاعل لقضايا الأمة بل وقضايا المجتمع، واقع بعض هؤلاء الشباب في قوقعة وحصار عجيب قوقعة مع من؟ مع شلة محدودة لا يبغي بهم بدلا ولا يرضى عنهم حولا ولا يريد أن يترحل عنهم بعيداً قليلاً ولا كثيراً، فزاد مع عزلته الشعورية هذا الحصار بمجموعه على روتين من الغفلة غريب ومريب، فقدته الجماعة وغاب عن وجوه الأخيار في منازل الأبرار، وأصبح همه السهر بالليل والجلوس وترداد الحديث وتكرار اللقاءات دون أي جدوى وبدون أي فائدة، بل إن بعض هؤلاء قد تطاول به الأمر إلى درجة الهروب من تحمل المسئولية، بل وردد بعضهم ما ردده بعض الكافرين، حيث أراد أن يتخلص من تبعات الأسرة، ويريد أن يعيش على علاقات محرمة مفتوحة بسبب ما أشرب في قلبه من حب تلك المشاهد التي رآها عبر تلك الفضائحيات، هذا واقع طائفة من الشباب.

واقع الشباب العلمي

واقع الشباب العلمي وأما واقعهم العلمي والتعليمي فليس بمعزل عن واقعهم الاجتماعي والتربوي، بل بعض ذلك يدعو إلى الفساد في البعض كما أن صلاح الجانب التربوي والاجتماعي داعٍ بإذن الله إلى الصلاح والتميز في الجانب العلمي والفكري، فبعض شبابنا في أمر العلم والفكر لا يعدون أبداً ولا يدرون ماذا يدور على أرض الواقع، بل لا يعرفون من هم الأعداء سواء كانوا من القريبين أو البعيدين ولا يعرفون كيف يميزون بين الحق والباطل والخطأ والصواب، وبعضهم لو سألته عن ملة من الملل، أو نحلة من النحل، أو مذهب من المذاهب، أو طائفة من الطوائف، لظن أنها طبخة أو وجبة أو أكلة تباع في المطاعم والبوفيهات، ولا يعرف ما هي أبداً، والسبب أن عزلته الشعورية وأن الشللية التي عاشها مع مجموعة من الشباب جعلته في هذا الوضع لا يعرف شيئاً من أمر الواقع، بل روتينه اليومي طعامه وشرابه وشهوته وشلته، وإذا مسته حبال الحاجة وأصبح يذوق حرارة الحاجة لم يكن عنده ما يؤهله ليتسنم ما يستحق لأجله شيئاً يكرم به، فلا يتردد أن يلتفت ذات اليمين وذات الشمال ليسرق من هذا ويأخذ من هذا ويكذب على هذا ويختلس من هذا ويفعل ما يفعل مع هذا من أجل أن يغطي به احتياجه، وما هي إلا مدة ثم ينكشف أمره وينفضح شأنه ويظهر على حقيقته، إن بعض الشباب قد ودعوا التعليم وداعاً وطلقوه طلاقاً لا رجعة فيه، والسبب أنهم عكفوا طيلة الليالي ليس على طلب القرآن وتفسيره والحديث وفقهه، والتجربة وتطبيقاتها، والنظرية ونتائجها، والمعادلة ورموزها، لا. إنما سهروا على نحر هذا وصدر هذا وذراع هذه وساق هذه ومن هذه إلى هذه، وعين لا تشبع من نظر: وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر سهروا في الليل على هذه الفضائحيات، فلما جاء الصباح إذا بأجسامهم أثقل من الجدران الساقطة لا يستطيع حراكاً، ولا يستطيع أن يرفع رأسه بل قد دعي إلى ما هو أعظم: حي على الصلاة، حي على الفلاح، فلم يجب، ثم دعي إلى العلم، فلم يجب، ثم دعي إلى السبب وكسب الرزق، فلم يجب، وظل هذا ديدنه ودأبه وطبعه وهجيراه، لا يفارقه ولا يبرحه إلى أن تمر به السنون ليرى أن من حوله قد سبقوا، وليرى أن الجادين المثابرين المتسابقين قد بلغوا وحمدوا السرى، وعند الصباح حمدوا السرى؛ لأنهم جدوا واجتهدوا، وأما هو فقد أصبح جثة راقدة على فراشه، لم يبد حراكاً، ولم يرفع بالعلم رأسه ولم يشرح بالفقه صدره فأصبح هذا شأنه وهذا حاله، هذا حال طائفة من شبابنا.

واقع الشباب في الالتزام والعبادة

واقع الشباب في الالتزام والعبادة وأما طائفة من الشباب فأمرهم مع العبادة أمر عجيب، يهون على أحدهم أن يمشي عشرة كيلومترات يومياً طلباً للرشاقة وتخسيس البدن وتنحيفه وتنقيص الوزن، ولكن يعجز بل يشق عليه أن يمشي عشر خطوات إلى المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة، مستعد أن يمشي عشرة كيلو متر ويتفاخرون في المجالس واللقاءات أنا أمشي يومياً خمسة كيلو متر أنا أمشي يومياً عشرة كيلو متر وأنقص من الوزن يومياً كذا وأفقد من الوزن كذا من السعرات الحرارية، فكم خطوة مشيتها إلى المسجد، لا، المسجد في نظر بعضهم لا يستحق هذا المسير لكن تخسيس الوزن والحقيقة أنه تخسيس القلب والفؤاد ليس تخسيساً للوزن كما يسمى هو تخسيس للقلب والفؤاد، لست بهذا ضد المشي وضد الرياضة وضد اللياقة وضد الرشاقة، بل نحن جميعاً علينا أن نمشي وأن نتقوى وأن نجعل هذه العقول والقلوب تجمع معها أبداناً قويةً نشطة فاعلة، لكننا ضد أولئك الذين أقدامهم تسابق فحول المرثون لكنها معوقة حسيرة كليلة عن شهود الصلاة مع جماعة، لسنا مع أولئك الشباب الذين يتسابقون في رفع الأثقال، يجمع الواحد همته ويتدرب زمناً وربما أخذ يشرب الماء بمقدار ويضع السكر في طعامه بمقدار ويترك ما تشتهي نفسه ويشرب ما يعافه بدنه من أجل المحافظة على هذا الوزن وطريقته وهيئته ولياقته وكمال جسمه كما يسمى، لكنه لم يجاهد نفسه دقيقة ليقول: رب إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن، لم يجاهد نفسه لحظة ليقول: معاذ الله، وليتذكر نعم الله عليه فلا يصرف نعماً آتاه الله إياها في أسباب سخطه، إن مجاهدة النفوس على رفع الأثقال أمر يسير، لكن مجاهدة النفوس من أجل السلامة من مجالس اللهو والخنا والعفن والزنا أمر على بعضهم جد عظيم، بل يعلن أحدهم وكثير منهم عجزهم ويقول: إني عاجز عن هذا أبداً، يا سبحان الله! أطقت حمل الأثقال والسير على الأقدام المسافات الطوال، وعجزت عن المشي إلى صلاة الجماعة، ومجاهدة النفس عن معصية الله سبحانه وتعالى!! هذا واقع بعض شبابنا اليوم، ولنكن صرحاء أن منهم من يعد بالتوبة ويرجو الإنابة ولكن إذا ذهب الشتاء إذا زال حر الصيف إذا انتهى من العطلة الصيفية إذا حج ومتى يحج؟ إذا تزوج ومتى يتزوج؟ إذا وإذا وإذا: تسألني أم الوليد جملا يمشي رويداً ويجيء أولا يريد أن يتوب لكنه قائد للسفهاء! يريد أن يهتدي لكنه في زمرة الضعفاء! يريد أن يستقيم لكنه في عداد الضائعين المنحرفين! ويريد دواء آلياً أتوماتيكياً نووياً سريعًا لا يكلفه المجاهدة لحظة، والله عز وجل قد جعل الطريق إلى الهداية بالمجاهدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، نعم، الحضارة الغربية بمكتشفاتها ومخترعاتها قد اخترع أساطينها أشياء كثيرة: السيارات السريعة، الطائرات المحلقة، الغواصات التي تبحر في ظلمات البحار، الإلكترونيات، العجائب المخترعات، لكنهم لم يخترعوا شيئاً يخلق الإرادة في نفس الإنسان الذي ينتظر الهداية بكبسولة دواء وجرعة شراب، ولقمة طعام أو إبرة في العضل والوريد، فما أطول ما ينتظر في أمر الهداية لكن الذي يريد الهداية جاداً صادقاً عليه أن يجاهد نفسه حتى يحصلها، والواقع شاهد على أن أولئك إذا أراد أحدهم أي أمر من الأمور بنصيحة طبيب، أو كاتبٍ أو بأمر قرأه في قصاصة مجلة أو جريدة أو في لقاء رآه في شاشة فضائية وقالوا: لن تستطيع أن تصل إلى هذا الشيء إلا بالحرمان من كذا وفعل كذا والتدريب على كذا، عذب نفسه حتى يبلغ ذلك، وربما سمعته يتصل على الفضائية ويقول لذلك الذي يتسيد الحوار: فعلت ما وجهت وقمت بما نصحتم، وفعلت ما أمرتم، ولكنني لم أحقق النتائج المطلوبة، لكنه لم يستجب لأمر الله سبحانه وتعالى وهو أمر محتم عليه واجب لا تردد فيه أن يستجيب له.

انعدام الهدف في حياة الشباب

انعدام الهدف في حياة الشباب واقع طائفة من شبابنا اليوم يشهد غيبة للأهداف فترى الواحد لا هدف له، حياة رتيبة روتينية، ما هي الأهداف؟ ما هي الأماني؟ ما هي الغايات؟ لا قريبة ولا بعيدة، ولا متوسطة الأجل، ولا بعيدة الأجل، لا يهدف ولم يرسم لنفسه غاية يسير إليها، بل لسان حال بعضهم كما يقول الأول: من نام على الدرب وصل وليس من سار على الدرب وصل، "وسأبقى سائراً إن شئت هذا أو أبيت" ولا يدري عما سوى ذاك، وإن فقد الانتماء لا شك يتبعه غياب الهدف ويتبعه أيضاً احتقار المرء لعقله بل ويتعدى ذلك إلى جعل العقل مستودعاً للتوافه، ثم ترى العجب العجاب من السذاجة والبساطة في النظرة إلى الأحداث في الواقع فلا تراه يهتم بها، وإن تابع بعضها فلا يستطيع أن يفسرها تفسيراً صحيحاً أو تفسيراً عقلياً، بل ما يقوله الناس يودع في عقله وليس له إلا كما يقول الناس وحاله كحال الأول: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد فهو مع الناس إمعة لا يستطيع أن يملك لنفسه قرارا.

التقليد والتبعية في حياة الشباب

التقليد والتبعية في حياة الشباب وبعض الشباب في واقعهم الأخلاقي والسلوكي ترى ما يندى له الجبين من التقليد والتبعية والتسابق المحموم ليكون في مقدمة المنفذين الفاعلين المترجمين لهذه التي تسمى الموضة، ويقابل ذلك أنانية وأثرة وحب للذات واحتيال وهروب من الحقيقة والصدق وغرور وإعجاب في ظاهر الأمر لا في حقيقته، يؤكد ذلك أن الكثير منهم أن يلفت نظر الآخرين إليه بما يفعله من هذه الأمور المقيته القبيحة، وإلا لو كان يملك الشيء الثمين لما احتاج أن يزوق ويزين ظاهره بالتوافه التي تلفت الأنظار إليه، وخذوا على سبيل المثال مظاهر التقليد والتفحيط وإزعاج الناس والمعاكسات، بل والتخنث عند بعض الشباب ما هو في الحقيقة إلا شعور بالخواء، ويقين بالفراغ الداخلي الروحي القلبي، ولا يستطيع أحد أن يلفت نظر الناس بخوائه، ولا يستطيع أحد أن يلفت أنظار الناس بكذبه، ولا يستطيع أحد أن يلفت أنظار الناس بضعف شخصيته، وهزيمته النفسية، فكان لابد أن يحدث شيئاً يدعو الناس إلى الالتفات إليه، فما الذي يدعو الناس إليه؟ يريد أن يكون فناناً! يريد أن يكون مطرباً! يريد أن يكون مفحطاً يتحدث به، يريد أن يلفت أنظار الغاديات والغادين والرائحات والرائحين حتى يشار إليه، ولو كان يملك في الداخل الكنز الثمين لما احتاج إلى هذه الأمور التافهة التي يعرضها على القوم في ظاهر أمره وظاهر سيرته، وطائفة من الشباب قد أولع بالمجاهرة ولا يبالي بمعصية الله سراً كانت أو جهراً، بل هو من شرار الناس الذين يسترهم الله ثم يصبح يهتك ستر الله عليه، يقول: فعلت البارحة كذا وفعلت البارحة كذا، يهمه رأي الآخرين فيه، كل شيء يهون إلا أن ينتقده الآخرون، وكل شيء يسوغ ويستساغ إلا أن يوجه له أحد نصيحة، أما أن يعيش بفكر مستقل وشخصية متزنة قائدة لا مقودة، سيدة لا مسودة، متقدمة لا تبعية فيها؛ فبعيد هذا عن أمره، والعجب أن رأي الآخرين فيه كما قلت يهمه أكثر من أن يرضى الله عنه أو يرضى عنه رسوله، وحكم الآخرين عليه أعظم في نفسه من حكم الله ورسوله عليه، والحق الذي ينبغي أن يكون عليه الشاب المتسلح بكتاب ربه وسنة نبيه ألا يبالي بنباح الكلاب وعواء القطط، وصفير ومكاء وتصدية العابثين واللاهين، بل كما قال المتنبي: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم ما دمت على حق وعلى يقين بأنك على حق، فافعل ما اعتقدته وتيقنته وتعلم أنه يفضي بك بإذن الله إلى مرضاة الله وجنة عرضها السماوات والأرض وإن خالفك المخالفون، وإن انتقدك المنتقدون، ما دام هذا شأنهم فلا يضرك، واجعل لسان حالك كما يقول الأول: إذا رضيت عني كرام أحبتي فلا زال غضباناً علي لئامها وواقع بعض شبابنا اليوم احتقار للذات، وضعف وتقوقع وانزواء وخشية من مواجهة الآخرين، بل ترى الواحد يعيش بهذه النفسية ويظن أنه فاشل عاطل باطل لا يستطيع وليس بكفء، وليس بحقيق ولا جدير أن يقدم شيئا، أو أن يفعل شيئا، وربما كان منعكس تربوي عبث في نفسه، وأثر عليه، وجعله يميل إلى الانزواء والتقوقع، أو تظل أسير غلطة من أحد أبويك إلى أن تموت وأنت منعزل متقوقع، لم لا تضرب في جنبات هذه الأرض؟ {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15].

كيف نتعامل مع هؤلاء الشباب

كيف نتعامل مع هؤلاء الشباب طائفة من الشباب أغواهم الشيطان، وكما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس:62] {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:20] وينبغي ألا نكابر أو ننكر أن عدداً ليس بالقليل وقعوا في ما ذكرت، ولكن Q هل ننصب بيننا وبينهم سوراً حديدياً وندعو ذا القرنين ليبني بيننا وبينهم سدا لا يستطيع له أحد نقبا؟ لا، وإنما هؤلاء الشباب نحن بإذن الله قادرون على أن نصل إليهم، فلئن وصل الباطل إلى النفوس وما كان الباطل أمراً فطرت عليه النفوس أصلاً، فالحق أدعى لأن تقبله النفوس، والنفوس قد فطرت عليه، ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فليس بغريب أن تعود المياه إلى مجاريها، وأن يعود الشباب إلى الصلاح والاستقامة إذا نحن أخذناهم باللين والحكمة والموعظة الحسنة والرفق في معاملتهم واللطف معهم، ونحن يوم أن نكون صرحاء في وصف واقع بعض الشباب فإن هذا لا يعني أننا قساة أو نمارس القسوة في علاجهم، فإن الذي يصف مرضاً فتاكاً مهما وصف الفتك بأبشع العبارات فإن هذا لا يعني أنه عدوٌ للمريض إذا أراد أن يعالجه. لذا أحبتي في الله! أقول وبكل يقين: إن هذه النفوس كما قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الحديد:17] اعلموا أن هذه النفوس لو وجدت كلمة الحق إلى ثغرة من ثغرات قلوبهم سبيلا لو أن كلمة الحق طرقت أسماعهم في حالة صفاء، لو أن واحداً استطاع أن يصل إليهم وهم في حال تفرغ ذهن وخلوة من هذه الشهوات لاستطاع أن يصل إليهم، والدليل على ذلك أنك إذا زرت قوماً في عزاء فنصحتهم ووعظت شبابهم، وهم لما يجف قبر أبيهم أو قبر أمهم بعد مصيبة الموت التي حلت في دارهم، تراهم أسرع استجابة من السيل إلى منحدره، والسبب أنهم استمعوا إليك في لحظة ما كان يزاحم حديثك عندهم صورة ولا قينة ولا مسلسل ولا فيلم ولا لهو، فأطيب شيء ينبغي لنا ونحن بصدد دعوة هؤلاء الشباب الذين وصفنا طرفاً من واقعهم أن نأتي إليهم في حال الصفاء، ولا يعني ذلك أن ننتظر متى يموت أحد منهم أو أحد أقاربهم ثم لا نجد وسيلة لدعوتهم إلا في العزاء لا، لكن {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46]، لا تظنوا أحبتي في الله أن أساليب الدعوة موقوفة على أن نجتمع في المسجد ويقوم أحدنا يتكلم، ربما هذه من أقوى أساليب الدعوة، لكن رجلاً ليس بفصيح، وليس بخطيب مفوه، وليس برجل يشار إليه بالبنان، أو يشخص إليه بالعيان، يأخذ ورقة في ساعة من ليل أو نهار، فيكتب رسالة مدادها الحرقة والإخلاص والمحبة والرأفة والشوق والمودة والنصح لهذا المدعو، ثم يبعث بها ولو لم يكن معها هدية ثم يبعث ثانية وثالثة ورابعة، والله ما أسرع ما تجدون إجابة هؤلاء؛ لأنك لم تنصحه في ملأ ولم تفضحه بين الناس، إنما خاطبته ربما قرأ الرسالة في حين صفاء وسكون وهدوء من نفسه، ثم توافق إجابة فيستجيب لأمر الله وبإذن الله عز وجل.

الشباب الصالح في المجتمع

الشباب الصالح في المجتمع وطائفة من الشباب وليسوا بقليل ولله الحمد والمنة، فالخير في مجتمعنا كثير وفي أنفسنا كثير، وواجبنا أن نكثره وأن نحافظ على كثرته، والشر في مجتمعنا وفي أنفسنا كثير، ومن واجبنا أن نقلله وأن نزيله وأن نمحوه وأن نجاهد في تقليله، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا) إذاً لا نكابر فعندنا من الشر ما عندنا، لكننا مأمورون بإزالته ومجاهدته وتقليله، فتقليل الشر ضرب من ضروب الخير. أحبتي في لله! أقول إن طائفة من الشباب ولله الحمد والمنة هم ليسوا بقليل على صراط مستقيم، وعلى هدىً وعلى إمام مبين، ولكن بعضهم كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]، بعضهم يحسب أن كل صيحة عليه، وأن كل أدنى مشكلة صغيرة لابد أن تحيط به وهو يرى أهل الباطل يتخطون الحواجز والسدود ويفعلون ولا يخشون ولا يخافون، وهو إذا أراد أن يمشي خطوة للدعوة والإصلاح، والتوجيه والإرشاد؛ ارتعدت فرائصه، واضطرب فؤاده، وخشي من نسيم الريح إذا هب حوله، لماذا يا أخي؟ أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام؟! قبل أن تكون مستقيماً مهتدياً كان الناس يتحدثون عن عجائب سطوك وغرائب لهوك وعجائب فعلك! عنيد صنديد، ذو بأس شديد، ولما من الله عليك بالهداية أصبحت حملاً وديعاً تخاف من أي شيء! (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام) نريد من تلك القوة التي كانت يوماً ما في الشر وفي العناد وفي اللهو وفي الغفلة وفي المعصية، نريد أن تسخرها بحكمة وفطنة وذكاء لتبني بها بدلاً مما كنت تهدمه من قبل، ولترشد وتصلح بها بدلاً مما كنت تفسد به من قبل، نعم ما فتئ الأعداء يرمون الصالحين بألوان القذائف والتهم، فتارة هم الأصوليون، وتارة هم الإرهابيون، وتارة هم المتطرفون، وتارة هم الذين يفسدون على المجتمعات أمنها، وتارة هم الذين يهددون الأمن الاقتصادي في البلدان وتارة وتارة، ولكن {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:120]، وأي عاقل هو ذاك الذي يزعجه نهيق الحمير أو نباح الكلاب ليرده عن هدى مستقيم وصراط مبين قد أمره الله أن يمضي عليه وأن يسلكه؟

حاجة الشباب إلى العلم المؤصل

حاجة الشباب إلى العلم المؤصل أخي الحبيب! طائفة الشباب الصالحين لا يكفينا صلاحهم، بل نريد مع الصلاح علماً أصيلاً مؤصلاً مدللا بالدليل من الكتاب والسنة، دأبهم فيه الطلب والدأب المستمر والتزاحم في حلق الذكر عند ركب العلماء، ليعرفوا الحق على أصوله وبأدلته ويعلموا أن ما سواه الباطل، فكثير من الشباب صالحون متدينون لكن ليس لهم في العلم إلا حظ نزر يسير قليل قليل، وليس أولئك الذين نريد، بل نريد مع الصلاح علماً، لا نريد عاطفة بلا علم فإنها عاصفة، ولا نريد علماً بلا تقى فإنه فجور، لكن نريد مع الصلاح العلم الذي يجعلك تميز بين الغث والسمين، والصحيح والسقيم، والحق والباطل؛ لأننا لو حدثناك اليوم عن عشرين ملة ضالة فحفظت وعلمت وأيقنت أن عشرين ملة سمعت شأنها من أهل الضلال، ثم نبتت نابتة ضلالة جديدة برقم جديد، الرقم واحد وعشرون، من الذي يخبرك أنها على ضلالة أو على هدى؟ لكن إذا عرفت الحق ولا سبيل إليه إلا بالعلم والطلب علمت أن ما سواه الباطل، ولذلك فإني أدعو الذين يدرسون الطلاب المذاهب والتيارات المعاصرة ألا يقضي أغلب الفصل الدراسي في تعداد وذكر وتفصيل المذاهب المنحرفة قبل أن يعرف الطالب ما هو المذهب الحق عند أهل السنة والجماعة أو ما هو المنهج الحق الصحيح عند أهل السنة والجماعة، اعرف الحق أولاً ثم تعرف أن ما سواه الباطل، أما أن تتعلم: باطل وباطل وباطل، فإذا جاء باطل جديد ما عرفته هل هو باطل أم حق، لكن إذا عرفت الحق أولاً علمت أن ما سواه هو الباطل.

دفع الناس إلى علياء الدين

دفع الناس إلى علياء الدين ثم أخي الحبيب! نريد من هذه الثلة المباركة الطيبة من الشباب المستقيم الصالح، نريد منهم أن يرفعوا الناس إلى علياء الدين، وألا ينزلوا بعلياء الدين إلى حضيض الناس، وهذا فرق عظيم فإننا رأينا وسمعنا وشاهدنا أصنافاً من البشر أصبح همهم أن يكيفوا الدين وأحكامه وأدلته لتوافق ما يفعله الناس من الضلالات، وهذا ضلال وخطأ، والصواب أن ترتفع بالناس إلى علياء الدليل لا أن تنزل بالدليل من عليائه إلى مستوى الناس؛ لأن الناس في أحوال متقلبة ودروب متشعبة والحق هادٍ يهديهم ويدلهم، فلا بد أن ترفعهم وأن تنهض بهم ليسعدوا بعلياء الدليل وعزته، لا أن تكيف أدلة الشريعة ونصوصها إلى ما يشتهون وإلى ما يتمنون، واعلموا أننا في هذا السبيل نجد كثيراً ممن يخالفوننا، لكن كما قال الشاطبي رحمه الله: نعظم الجوامع ونجتهد في الفروع، فجوامع وأصول الشريعة نعظمها ونحترمها ونلتقي عليها ولا نرضى أن نكسر الولاء، لأجل الخلاف في مسألة فرعية، ونجتهد في الفروع محترمين لأهل الاجتهاد اجتهادهم فذلك خيرٌ بإذن الله عز وجل.

نصائح للشباب الملتزم

نصائح للشباب الملتزم وهنا أقول لهؤلاء الثلة المباركة من الشباب: إياكم أن يتسلل الشيطان إلى قلوبكم فيقول: مساكين شبكة الإنترنت زوارها يتراوحون ما بين المائتي مليون إلى أربعمائة مليون، والقنوات الفضائية يشاهدها مئات الملايين، وأنتم لا تزالون على خطبة يحضرها ألف مصلي منهم ثلاثمائة تغسل أكفانهم ينتظرون الموت وأنتم لا تزالون لا هم لكم إلا المحاضرات في المساجد والندوات في المدارس وتوزيع الشريط أو كتيبات أو نشرات أو مكاتب دعوة وتوعية جاليات، أو هذه الأساليب التي تسمونها إرشاداً ووعظاً وتوجيهاً، نعم، جاء الشيطان لبعضهم وقال له هذا، ولكن الله عز وجل يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِهَا} [إبراهيم:24 - 25]، فهذه كلمة حق طيبة وهذا حق يمكث فينفع الناس، وأما ما تتحدانا به أو يوسوس به الشيطان من الهزيمة أمام الشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية، فإن الله قال: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} [الرعد:17]، والله إن كلمة من جملتين: آية وحديث، في مسجد ليس فيه إلا عدد قليل من الناس لتفعل فعلاً لا يخطر على بالكم، فاستمسك بالذي أوحي إليك، ولا تفرط بالحق الذي أكرمك به {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم:60]، إياك أن تزهد في كتاب الله بآياته أو تزهد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: نحن لم يبق لنا إلا أن ننتظر نزول المسيح ليقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقاتل المشركين واليهود، لا (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فإن له بذلك أجراً) يخاطبك الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: لو كنت ترى أمارات الساعة قد بدت في قيامها وبيدك فسيلة نخل لا ترمِ بها وتقول: قامت الساعة بل إن استطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها فإن له بذلك أجراً.

حاجة الأمة إلى القدوة

حاجة الأمة إلى القدوة إذاً أخي الحبيب اجتهد في ذلك وإياك والتفريط والإرجاف، وهذا الذي يردده الشيطان من خلال وسوسة على لسان إنسي أو جني أو غيره، ثم اعلم أخي الحبيب أن الساحة اليوم خالية من أهل القدوة والسيادة والريادة إلا من نزر يسير إلا من رحمهم الله، وقليلٌ ما هم، فاعلم أن الأمة بحاجة إليك وبحاجة إلى قدوةٍ لعلك أنت هو، بحاجة إلى المجددين لعلك أنت واحد منهم، إذ إننا نشكو إلى الله مصيبتنا في فقد علمائنا ونقص أطراف الأرض فينا، ولكن عسى الله أن يأجرنا في مصائبنا وأن يخلفنا خيراً منها. أخيَ! تأمل في إصلاح ذاتك وأصلح سريرتك وطيب سرك قبل علانيتك، وباطنك قبل ظاهرك: يا من يطالب غيره بفضائل وهو الذي يبدو إليها أحوج ما فاز من نشر الفضيلة مرشداً وخيوله تشكو الهزال وتعرج لو أنصف الإنسان في أقواله وفعاله لبدا الضيا والمخرج لو أصلح الإنسان بدءاً نفسه عم الرضا والحق حقٌ أبلجُ

أدب التعامل مع المخالف وحاجة الجميع للإصلاح

أدب التعامل مع المخالف وحاجة الجميع للإصلاح ثم احرص أخي الحبيب على أن تصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، كن سبباً لإصلاح ذات البين في إخوانك واحذر أن تكون معول تفريق وهدم، إن بعض الشباب على ما فيه من الصلاح ينشر الفرقة وهو لا يدري، ولم يؤمر إذا رأى المختلفين أن يتفرج عليهم كتفرج الذين يشاهدون حلبة المصارعة يشجع هذا على هذا أو هذا على هذا، لا، بل هو مأمور إذا رأى الخلاف بين إخوانه بما قاله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114]، إياك أن تفر من عصبية إلى عصبية، وأن تمقت تحيزاً فتتحيز في الظلم، واجعل هدفك أن تكون منتصراً للحق داعية إليه في كل حال وفي كل أوان، واحذر أن تجعل الخلاف بينك وبين إخوانك خلافًا شخصياً، فبعض الناس إذا اختلف معه أخٌ صالحٌ مثله في مسألة فرعية انقلب الخلاف من خلاف اجتهادي إلى خلاف شخصي يبيح الغيبة ويبيح العرض، ويسقط الواجب، ويدعو إلى المقت والحسد، ويملأ القلوب بالبغضاء والشحناء والعداوة، بل اجتهد في طلب الحق، فإن قدم لك بدليله فانسلخ مما أنت عليه، ولأن تكون ذنباً في الحق خير أن تكون إماماً في الباطل. أحبتي في الله! واقع شبابنا من الطرفين بحاجة إلى الإصلاح، ولا نزكي أنفسنا، فالصالحون بحاجة إلى تزكية أنفسهم، ونحن أول المدعوين إلى ذلك، والظالمون لأنفسهم بحاجة إلى أن يقلعوا عن الضلالة وظلم أنفسهم ويعودوا إلى الله عوداً حميداً، فإن كان واقعنا يشهد بتقصيرنا وتفريطنا إلا أننا لا نقول: إن الوقع صفحة سوداء غمامة قاتمة، ضباب كثيف، لا سبيل للسير فيه، لا، بل في الواقع خيرٌ وفي الواقع شر، والخير كثير، وحقيق أن يزاد وأن يحافظ عليه، والشر كثير وحقيق أن يجاهد وأن يكافح وأن نتواصى في إنكاره وإبعاده عن مجتمعنا، وأما الأمل فأن نكون على ما أراده الله عز وجل جميعاً كلنا سواء من كان مقتصداً أو سابقاً للخيرات أو ظالماً لنفسه بالآمال، أن نحول النقص إلى كمال والضعف إلى قوة والجهل إلى علم والفرقة إلى اتفاق والتفرق والإحن إلى سلامة الصدور والمحبة والأمل، أن نقضي واثقين بنصر الله {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105]. أسأل الله بمنه وكرمه، أن يعز الإسلام والمسلمين، اللهم يا حي يا قيوم يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما تريد! اللهم هازم الأحزاب! منشئ السحاب! منزل الكتاب! خالق الخلق من تراب! نسألك اللهم أن تمنحنا الأمن في دورنا وأوطاننا، وأن تصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأن تجمع شملنا وحكامنا وعلماءنا ودعاتنا، وألا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين والشيشان، اللهم آمن روعاتهم واستر عوراتهم واحفظ ذرياتهم اللهم انصرهم نصراً مؤزرا، اللهم اجعل ما استولى عليه الروس من أرض إخواننا جمرة ملتهبة في قلوبهم حتى يلفظوها، اللهم يا حي يا قيوم اجعل سلاح الروس في صدورهم، وكيدهم في نحورهم، وتدبيرهم تدميراً لهم، اللهم لا تجعلهم يفرحون بمترٍ دخلوه في أرض المسلمين، اللهم اقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدا، اللهم إنهم ينكرون وجودك، ويدعون لك الصاحبة والولد، اللهم فأرنا فيهم عجائب قدرتك، وأنزل بهم بأسك وبطشك وعذابك ورجزك وأليم عذابك، إله الحق آمين، اللهم انصر إخواننا وثبت رميهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وشمائلهم، ومن فوقهم ونعوذ بعظمتك اللهم أن يغتالوا من تحتهم، اللهم اجمع على الحق كلمتهم، وأقم على التوحيد دولتهم، اللهم اجعل من مات منهم شهيداً في الجنة واحفظ اللهم الأحياء منهم وأقر أعينهم بنصر عاجل يا رب العالمين، اللهم صلَّ على محمد وصحبه وآله، وجزاكم الله خيراً.

العقول المعطلة

العقول المعطلة إن أشد ما يطمس العقل البشري: هو التعصب الجامد المظلم لما كان عليه الآباء، جهلاً أو تجاهلاً لقول الله: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ). إن الذين لا يقبلون الحق بحجة اتباع الآباء والأجداد لا ينفع معهم حوار الفكر والمنطق؛ لأن عقولهم مازالت في خزائن الآباء والأجداد معطلة فليحذر الذين يصرون على اتباع الآباء والأجداد، ويخافوا أن يطبع الله على قلوبهم وأن يأخذ سمعهم وأبصارهم.

احتجاج الأبناء بمنهج الآباء

احتجاج الأبناء بمنهج الآباء إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، هو ربنا واحد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].

رد الحق تقليدا للآباء

رد الحق تقليداً للآباء معاشر المؤمنين! إن منطق الجاهلية وأهلها هو: رد الحق إما لضعف الداعي إليه، أو لفقره، أو لقلة أعوانه وأنصاره، أو لأن أهل الباطل من أهل الجاهلية قد درجوا ومضوا على هذا الباطل وألفوا آباءهم وأجدادهم يفعلونه، وتلكم عقدة مرض كثير من المصرين على الذنوب والمعاصي، وعقدة مرض كثير من المتحمسين للبدع والمخالفات، وعقدة كثير من الذين لا يرغبون إصلاح أنفسهم وأوضاعهم، وهذا مرض قد بينه القرآن في غير ما موضع من كتاب الله، ولو تأمل أولئك المعاندون منطق الحق لعلموا وتيقنوا أن الحق أبلج والباطل لجلج، ولكنه كما قال ربنا عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة:170] يدعون إلى الله فيأبون، ويحتجون بما ألفوا عليه آباءهم {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170] فأولئك يمتنعون عن قبول الحق بحجة ما درج عليه آباؤهم وأجدادهم. قال ابن كثير: وإذا قيل لهؤلاء الكفرة: اتبعوا ما أنزل الله على رسوله، واتركوا ما أنتم عليه من الضلال، قالوا: بل نتبع ما ألفينا ووجدنا عليه آباءنا، من عبادة الأصنام والأنداد، فقال ربنا عز وجل منكراً عليهم: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} [البقرة:170] أي الذين يقتدون ويقتفون أثرهم {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170] يعني: هم يصرون على ما وجدوا عليه الآباء، ولو كان آباؤهم ليس لهم عقلٌ ولا هداية. ويقول عز وجل أيضاً: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [المائدة:104] أولئك الذين إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وترك ما حرمه، قالوا: حسبنا ويكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد، أيكفيكم ما وجدتم عليه آباءكم حتى ولو كان آباؤكم لا يعلمون شيئاً ولا يعقلونه ولا يهتدون إليه، فكيف تتبعونه إذاً؟!!

استدلالهم على فعل الفاحشة بفعل الآباء

استدلالهم على فعل الفاحشة بفعل الآباء وأخبث من هذا: أن بعضهم يفعل الفاحشة والمنكر ويصر عليها ويحتج على فعلها، بل ويستدل على جواز فعله بما وجد عليه آباءه وأهله: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف:28 - 29]. قال ابن كثير في معنى هذه الآية: وكانت العرب ما عدا قريشاً لا يطوفون بالبيت في ثياب لبسوها، ويتأولون ذلك أنهم لا يطوفون في ثيابٍ عصوا الله فيها، وكانت قريش -وتسمى: الحمس- يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسياً طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد، ومن لم يجد ثوباً ولم يعره أحمسيٌ ثوباً طاف عرياناً، وربما كانت المرأة من غير قريش تطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئاً يستره وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا أحله وأكثر ما كن النساء يطفن عراة بالليل، وكان هذا شيئاً ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرعٍ منه، فأنكر ذلك عليهم ربنا عز وجل، وبين كذبه وما يدعون بقوله: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] فرد عليهم عز وجل بقوله: ((قُلْ)) أي: يا محمد ((إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)) [الأعراف:28] بل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النحل:90] إن الله لا يأمر بالفحشاء، إن هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة والله لا يأمر بمثل ذلك: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:28]. وإن العبرة في نصوص القرآن والسنة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإذا أردنا أن نطبق هذه الآيات على واقعنا اليوم لوجدنا بعض المسلمين هداهم الله يفعلون بعض المنكرات، ويرتكبونها، ويصرون عليها، بحجة فعل آبائهم لها، بل ويستدلون بفعل آبائهم على جوازها وإباحتها. كذلك الحال في كثير من المعاصي والمنكرات، والبدع والخرافات، بل وما وقع فيه الناس في كثير من العادات والأعراف، وخذ على سبيل المثال: بدع الموالد، وبدع الإسراء والمعراج، وبدع الهجرة، وكشف النساء وجوههن لغير المحارم، ومصافحة النساء للرجال في كثير من البلدان، ومخالطة الرجال لغير المحارم أيضاً، والإسراف في الولائم والحفلات والمناسبات، وكثير من العادات التي لا تجوز مما يصدق عليه أو يصنف في شأن العادات، أو العقائد أو غير ذلك، تجد أن الذي يفعلونه يحتجون بفعل آبائهم وأجدادهم. إن الله عز وجل مقت أولئك وبين شأنهم فقال فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الحج:3] إذا أقيمت عليهم الحجة، ونصبت لهم المحجة، ووصف لهم الصراط، ودعوا إلى الهدى؛ يجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان:21] لم يكن لهم حجة إلا اتباع آبائهم.

علاج المقلدين للآباء والأجداد

علاج المقلدين للآباء والأجداد وخير علاج لهؤلاء المقلدين المصرين على التقليد هو حوارهم وردهم إلى العقل الصحيح؛ لأن العقل الصحيح لا يتعارض مع النقل الصريح، يقول الله عز وجل في شأن حوار إبراهيم لقومه: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء:51 - 54] لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضلال ولذا قال: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء:54] أي الكلام معكم كالكلام مع آبائكم. والعجب يا عباد الله! في هذا الزمان الذي درس فيه كثير من الخلق وتعلموا، وفقهوا، ودرسوا ألواناً من العلوم، وفنوناً من التقنية، وأضراباً مما بلغت إليه البشرية في علوم الاختراعات والاتصالات والإلكترونيات، تجد الواحد منهم طبيباً أو مهندساً أو صيدلياً أو متخصصاً في أجهزة الحاسوب وهندسته؛ فإذا جاء الأمر مع شيء يتعلق بالآباء والأجداد، ألغى عقله الذي يحل به أعقد المعادلات واتبع طريقة الآباء والأجداد، إنها مصيبة عجيبة أن تجد من أولئك -الذين درسوا وتعلموا- إصرارهم على ما يفعله آباؤهم. لو أن طائفة من المصرين على فعل الآباء والأجداد، من الأميين، والجهلة، من الذين لم يتعلموا فلربما يعذرون بشيء من الجهل، وتقوم عليهم الحجة بالبيان والدعوة، أما أن يُدْعى طائفة من الذين تعلموا ودرسوا أدق المعادلات، وأعقد المعاملات، وإذا جيء إلى حوارهم في أمر يتعلق بعادات أو أمر يدعون فيه إلى الدين، قالوا: وجدنا عليه آباءنا: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة:170].

حال الأنبياء والرسل في مواجهة التقليد

حال الأنبياء والرسل في مواجهة التقليد ولكن ينبغي أيها الأحبة أن ننتبه عامة وأن ينتبه الدعاة خاصة أن قضية التقليد والعصبية والإصرار على فعل الآباء والأجداد لمن العوائق والحوائل العظيمة التي تقف دون قبول الأتباع للمتبوعين، وتقف دون قبولهم للحق ومعرفته، بل كثيراً ما تدفعهم هذه العصبية لعادات الآباء إلى الإصرار على الباطل ومواجهة الداعي في طريق دعوته، لذا فليعلم هذا، وإن الحوار والمناظرة لهو الحجة النقلية والدليل المنطقي، والشفاء العاجل لمكافحة هذا الداء، فبهذه الوسائل يمكن أن يحرر أولئك الذين قيدوا وغلت عقولهم بأسر التقليد، وبهذا يخرجون من قوقعة العصبية.

إبراهيم يجادل قومه

إبراهيم يجادل قومه إن إبراهيم عليه السلام لما جاء يحاور قومه قال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:52] فأجابوه: {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:53] فقال إبراهيم: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء:54] فاستفهمه المقلدون: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} [الأنبياء:55] فأجابهم في صميم الحوار والقضية، فقال: {بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [الأنبياء:56] ثم سألهم أخرى: {مَا تَعْبُدُونَ} [الشعراء:70] فقالوا: {نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:71] فاستفهمهم ليوبخهم وليقلع جذور التقليد وعروقه من قلوبهم، فقال: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ} [الشعراء:72] هل هذه الأصنام والأوثان وما تعبدونه من دون الله: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء:72 - 73] فأجابوه مرة أخرى في غفلة المقلد وأسر التقليد: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء:74] واستمر عليه السلام يحارب هذا التقليد فيهم. ولكن الله عز وجل قد بين لنا تأكيداً لحال أولئك أن إذا وجدت أيها النبي أو أيها الداعي أو أيها العالم أو أيها المرشد ما عليه من إصرار هؤلاء فلا تك في مرية من الحق الذي أنت عليه، بل الداء فيهم وليس فيك، والعيب فيهم وليس في منهجك، والعلة في طريقتهم وليس في شرعك: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود:109] فلا تك في مرية، لا تك في شك من أمرك، فإن هؤلاء يعبدون الباطل والجهل والظلال: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات:69 - 70].

اختصام التابعين والمتبوعين في النار

اختصام التابعين والمتبوعين في النار إننا نوجه النداء للمصرين على الأخطاء، المصرين على الضلالة، المصرين على الفساد، نوجه النداء إليهم إن كانوا يحتجون بمن سلف، أو يستدلون بفعل من سبق: فإن هذا لا ينجيهم ولا ينفعهم ولا ينقذهم؛ إذ سيأتي يوم يتبرأ فيه المقلَّد من المقلِّد، والتابع من المتبوع، قال تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [البقرة:165 - 167] ماذا ستفعلون في هذه الكرة؟ {فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا} [البقرة:167] ولات حين مندم، ولا ينفع حينئذٍ الندم {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} [البقرة:167] أعمال التابعين والمتبوعين {حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167]. وأشد ذلك أن يقف التابعون، القائدون والمقودون، المُقَلِّدُوْن والمُقَلَّدُون في حوار ومناظرة وجدل، فريقان في النار يختصمون: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ} [غافر:47] الأتباع الأذناب المقلدون {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:47 - 48] إنهم يحاجونهم ويقولون: لقد صدقناكم وسودناكم وجعلنا لكم الجاه والرتبة والمنزلة وقدمناكم أمامنا وسرنا تبعاً خلفكم فهل أنتم مغنون عنا نصيباً قليلاً أو شيئاً يسيراً من عذاب النار، فما كان من المستكبرين إلا أن قالوا: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:48]. وقال عز وجل في موضع آخر يبين حال هذه المشاكسة والمناظرة والمجادلة بين التابعين والمتبوعين: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:38] يلعن بعضهم بعضا {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} [الأعراف:38] فيقول الجبار عز وجل: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:38]. ويوم تقلب وجوه أهل النار فيها يقولون: يا ليتنا أطعنا الله ولم نتبع القادة! يا ليتنا أطعنا الله ولم نتبع الأسلاف والأجداد! {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:66 - 67] ولا تنفع هذه البراءة. بل وأعظم من هذا: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ:31] يقول علامة المغرب ابن عبد البر المالكي رحمه الله بعد أن ساق بعض هذه الآيات: إنها لا يستدل بها على الكفار وحدهم، فقال وقد احتج بهذه الآيات في إبطال التقليد: ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجل فكفر، أو قلد رجل آخر فأذنب، أو قلد رجل آخر في مسألة من مسائل الدنيا فأخطأ وخسر، كان كل واحد ملوماً على تقليده بغير حجة، لأن كل ذلك تقليدٌ يشبه بعضه بعضا. ومعنى كلام ابن عبد البر أي: أن هذه الآيات يستدل بها على ذم التقليد والمقلدين حتى وإن كانت واردة في حوار ولجاجة وخصومة بين الكفار وأهل الكفر.

أثر التقليد على العقل

أثر التقليد على العقل يقول ابن الجوزي رحمه الله: دخل الشيطان على هذه الأمة في عقائدها من طريقين: الأول: طريق التقليد للآباء والأسلاف، والثاني: الخوض فيما لا يدرك غوره، ويعجز الخائض عن الوصول إلى عمقه، فأوقع أصحاب هذا القسم في فنون من التخليط، فأما الأول وهو التقليد للآباء فإن إبليس زين للمقلدين أن الأدلة قد تشتبه، والصواب قد يخفى، والتقليد أسلم، وقد ضل في هذا الطريق خلق كثير، هذا مما يوسوس به الشيطان، فإن اليهود والنصارى قلدوا آباءهم وعلماءهم الذين قادوهم على ضلالة فضلوا ضلالاً بعيداً. ثم يقول ابن الجوزي رحمه الله: واعلم أن المقلِّد غير واثق بالمقلَّد، وفي التقليد إبطال منفعة العقل. وهذا بيت القصيد في حديثنا، إن كثيراً من المقلدين للكلمات أو للأفكار أو للقضايا من غير إعمال لعقولهم فيها، إذ إن بعض الناس يقبل القول بمجرد أن فلاناً قاله، ولا يعرضه على عقله، ولا يقلبه ولو شيئاً يسيراً. يقول ابن الجوزي: وفي التقليد إبطال منفعة العقل؛ لأن العقل إنما خلق للتأمل والتدبر، وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة. قال ابن تيمية رحمه الله: وأما التقليد الباطل المذموم فهو قبول قول الغير بلا حجة. ثم ساق بعض الآيات في ذلك فقال: فهذا الاتباع والتقليد الذي ذمه الله هو اتباع للهوى؛ إما للعادة والنسب، كاتباع الآباء، وإما للرئاسة كاتباع الأكابر والسادة والمتكبرين، وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزله على رسوله فإن الرسل حجة الله التي أعذر بها إلى خلقه. أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتبصرين، الذين يلزمون الحق إذا عرفوه، ويردونه إلى الذين يستنبطونه إذا أشكل عليهم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

نوح ومحمد عليهما السلام وكيف عالجا خطر التقليد

نوح ومحمد عليهما السلام وكيف عالجا خطر التقليد الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة. معاشر المؤمنين! وإن مما يدرج بالتقليد ويتبع به هو انسياق بعض الناس وراء الأعراف، وجريهم وراء العادات السقيمة الضارة الفاسدة، وهو ما تعارفه الناس أو ساروا عليه من قول أو فعل أو ترك يخالف هدي الإسلام أو كماله، إن للأعراف البشرية مكانة عظيمة عند الأمم التي تسودها تلك الأعراف، ولقوة تلك الأعراف كانت قوانين تحكم بين الأمم والشعوب، وكانت جداراً صلباً صد كثيرين عن اتباع دين الله والانقياد له. وقد قام الصراع المرير بين الشرائع الإلهية وحملتها من الأنبياء والدعاة والعلماء وبين الذين عادوهم من الزعماء وأتباع الضلالة الذين يزعمون أن تراث الآباء والأجداد هو المقدس المصان، ويأبون أن يمسه أي تغيير أو تبديل، وهنا تقف الأعراف والعوائد البشرية حاجزاً أمام دعاة الإصلاح في مختلف العصور، فترى دعاة الحق مظلومين منبوذين لأنهم يدعون الناس إلى الرجوع إلى الدين الحق وترك ما يخالفه ولو كان من عادات الآباء وأعرافهم. إن هذه الأعراف والعادات التي اختطها البشر، وتلقاها اللاحقون عن السابقين، باتت ديناً يتبع، وشرعة لا تخالف، وميراثاً يحرص عليه حرصاً عظيماً، يصل إلى درجة أن تسفك في سبيل الحفاظ عليه الدماء، وتزهق النفوس وتهدر الأموال، وهذا ديدن أرباب الضلالة عبر تاريخ البشرية الطويل: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22]. هذه الأعراف يصنعها في كثير من الأحيان طواغيت يشرعون من دون الله، وظلمة يستبدون من بين الناس، يتنفذون في أقوامهم، ويجرون التعامل بما لديهم من النفوذ والسلطان، ومن خرج عنها آذوه وأسروه وقيدوه، {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام:137] هم قادتهم في الضلالة، هم قادتهم في الفساد والانحراف، فإذا قال أولئك الضلال قولاً أصبح طريقة متبعة وبذلك يشرعون، وإن كثيراً من الغوغاء والعامة لا يفقهون هذا الأمر ولا يدركونه، والله ينكر هذا بقوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]. إن نوحاً عليه السلام أقام ألف سنة إلا خمسين عاماً في قومه يدعوهم إلى الله، فما الذي صدهم؟ وما الذي ردهم؟ ومن الذي حجب الهدى عن أعينهم؟ قالوا: {لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} [نوح:23] لا تدعوا آلهة عبدها الآباء والأجداد {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:23] فلما رأى نوح ما فعلوا، وجرب فيهم أساليب الدعوة وألوانها قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:26 - 27]. بل ومن الأمثلة التي في شريعتنا وفي ديننا: ما كان بين محمد صلى الله عليه وسلم وقومه، جاءهم بالحق الأبلج، والملة السمحاء، والشريعة الغراء، فنابذه العرب الِعداء، ورموه عن قوس واحدة، عذبوا صحابته، آذوه وحاصروه، وأصبحوا يقولون: {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ} [ص:6 - 7] فاحتجوا بما كان في ملتهم الأولى وطريقة آبائهم وأجدادهم إن هذا إلا اختلاق، ولكن العرب بعد جهد شديد أبصروا الحق وأقلعوا عما اعتادوه وتعارفوا عليه من عادات وأعراف جاهلية، ثم علت كلمة الله واستنار الناس بنور الحق، وجاهد العرب الأمم الأخرى حتى أخرجوهم من هذه العادات التي حبستهم في قواقع الظلمات. إن المتأمل في كثير من الأمور الشركية والبدعية سيجد أنها من الأمور المتوارثة المنقولة عن الآباء والأجداد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ * وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:1 - 6]. لقد قامت الحجة على هؤلاء بالدعوة والحوار وبيان بطلان عادات آبائهم وأجدادهم، وهذا واجبنا أيها الأحبة أن نناظر الناس الذين يحتجون بما ألف عليه الآباء والأجداد، وأن نقول: فضلاً فضلاً، مهلاً مهلاً، رفقاً رفقاً، أعطونا عقولكم، وضعوها على ألسنتكم، وانطقوا بما تفهمونه من واقع هذا العقل، أخرجوا العقول من خزائن الجدات، وأخرجوا العقول من صناديق الأجداد، أخرجوها من الأقبية والسراديب وحينئذٍ ستفهمون الحق وتعرفونه. إن الذين لا يقبلون الحق بعد هذا كما قلنا في أول هذه الخطبة إما يردونه لإصرار على فعل الآباء والأجداد، وقد لا ينفع معهم حوار الفكر والمنطق؛ لأن الفكر لم يدع من خزائن جداتهم ليوضع في حوار أو على ألسنتهم حال المناظرة: {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [هود:62] فهم يصرون على فعل الآباء، أو أنهم يرون ضعف الداعي إليه، وأخبث من ذلك أن الذين يصرون على العادات والتقاليد الضالة المضلة لا يزال الواحد فيهم حبيباً أليفاً صديقاً جليساً أنيساً إلا إذا بين لهم بطلان ما يفعلونه فيقولون له حينئذٍ: كنا نقدرك قبل هذا والآن سقطت من أعيننا لما نهيتنا عما كنا نتبع فيه آباءنا، وإنها لنفس الحجة التي قالها فرعون وملؤه لموسى: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [يونس:78].

نصيحة إلى كل مقلد

نصيحة إلى كل مقلد فيا عباد الله! اعلموا أن أشد ما يطمس العقل البشري هو التعصب الجامد المظلم الذي يحبس صاحبه في قمقم القديم الذي كان عليه الآباء، أو يحبس صاحبه في واقع درج عليه أكثر الناس، وقد نسي قول الله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] فلا تعتبر بالكثرة ولو تواتروا على فعل المنكر، ولا تعتبر بالكثرة ولو قلدوا آباءهم وأجدادهم، إن أكثر الأولين قد ضل كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} [الصافات:71]، وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]. فالحذر الحذر من التعصب الذي يجعل الواحد ينطق بمنطق أعوج! إن تعصب قريش قادها لما عرض عليها الحق أن قالت: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال:32] لم تقل: إن كان حقاً فاهدنا إليه، أو وفقنا، أو ثبتنا عليه، قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32] انظروا إلى هذا المنطق الأعوج الذي أنتجه الإصرار على فعل الآباء، وأنتجه حجب الفكر والحوار والمناظرة عن أن يقاد إلى أمر فيه خير أولئك، صم بكم عمي فهم لا يعقلون، فلا غرابة في هذا لأنهم حجبوا عقولهم عن الهدى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت:5]. ألا فليحذر المصرون على اتباع الآباء والأجداد، ألا فليحذروا وليخافوا الله أن يطبع على قلوبهم، أو أن يمسخهم، أو أن يأخذ أسماعهم وأبصارهم؛ فإن الذي يجادل في الحق بعدما تبين، ويعاند ويصر على طريقة الآباء والأجداد لممن يقع في المشاقة لله ورسوله، والله يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115]. معاشر المؤمنين! ثم دعوة وهمسة وكلمة إلى أولئك الذين يجعلون عقولهم لعناوين الصحف، ويجعلون عقولهم للنشرات الإخبارية، ويجعلون عقولهم لتحليل غيرهم في ثنايا الجرائد والمجلات، فإذا جئت تحاور أحدهم وجدته يحاورك بمنطق عمود الجريدة، أو بمنطق موضوع المجلة، أو بمنطق إرشيف الغلاف، أو بمنطق حجة قالها كاتب، ألا فيا عباد الله! إن كل واحد يحشر يوم القيامة وحده، فلن يحشر رئيس تحرير ووراءه قراؤه، ولن يحشر قائدٌ ووراءه أتباعه، ليحاسب الرئيس أو القائد أو الزعيم بالنيابة عن هؤلاء، لا وألف لا، سيحاسب كل بما أوتي، ويؤاخذ بما فعل: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95] فرداً فرداً {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى} [الأنعام:94]، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]. إن كل واحد منا سيحاسب في فهمه، وطريقته، وقراراته، وأعماله، هو وحده ولن ينفعه أن يقول: تبعت فلاناً أو علاناً، ألا فحكم العقل الصحيح، وإن العقل الصحيح لا يتضارب ولا يتعارض مع الدليل الصريح الصحيح أيضاً. أسأل الله أن يبصرنا وإياكم بالحق، وأن يرزقنا استثمار عقولنا واستذلال هذه العقول وألا تكون هذه الرءوس جماجم وخزائن للمعلومات يفكر الآخرون بالنيابة فنودعها ما يقولون، يخطط الآخر بالنيابة فتنفذ جوارحنا ما يريدون، وإنما نسأل الله أن تكون أفكارنا وسكناتنا وخطراتنا وخطواتنا منبثقة من تفكير مهتدٍ بهدي صريح وشرعٍ جميل لكي نلقى الله بنية (وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى). اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم إنا نعوذ بك أن نرى في مجتمعنا فتنة، أو أن نرى بعلمائنا مكيدة، أو أن نرى بولاة أمرنا مصيبة، أو أن نرى بشبابنا وبناتنا تبرجاً وضلالاً وسفوراً، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم انصر المسلمين في أرومو التي لا يعرف كثير من المسلمين عن حالها، وحال خمسة وثلاثين مليون مسلم فيها شيئاً، اللهم انصرهم على من عاداهم من النصارى والوثنيين يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين في كشمير، وفي الفليبين، واجمع شملهم في أفغانستان، وأصلح شأنهم وانصرهم في طاجكستان، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، ورد المسجد الأقصى إلى أيدي الموحدين، اللهم انصر المسلمين في البوسنة، اللهم عليك باليهود والصرب. ربنا مزقهم واجعلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً يا رب العالمين. اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم لا ساتر لمن فضحت فلا تفضحنا، ولا فاضح لمن سترت فاسترنا، اللهم ثبتنا وأعطنا، وأكرمنا ولا تحرمنا بمنك وكرمك يا رب العالمين. الله اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم أصلح شبابنا، اللهم اهد بناتنا، اللهم أصلح ولاة أمورنا واجمع شملنا يا رب العالمين، لا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأصحابه وآله.

الرحيل

الرحيل الإنسان في هذه الحياة مسافر في رحلة حتمية، لا يملك إيقافها، ولا التراجع عنها، ورحيل الإنسان عن الدنيا حقيقة مُرَّة، يعلمها الأحياء علم اليقين وإن تجاهلوها، وسيذوقون مرارتها يوماً ما. وفي هذه المحاضرة تجلية لحقائق الموت والرحيل من الكتاب والسنة وأقوال السلف؛ متضمنة أمثلة من حسن الخاتمة وسوئها، وطرق الاستعداد للرحيل التي لا يستغني عن التفكر فيها كل ذي فكر.

الرحيل بين مراتب اليقين

الرحيل بين مراتب اليقين الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيرا، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، أرسله الله إلى جميع الثقلين بشيراً ونذيراً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب أن يجعل للحاضرين والحاضرات في هذا المكان من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة. اللهم لا تدع لي ولهم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها وأعنت على قضائها، اللهم لا تدع لهذه الوجوه ذنباً إلا غفرته، ولا تدع فيهم تائباً إلا قبلته، ولا لأحدٍ منهم ميتاً إلا رحمته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا كسيراً إلا جبرته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا متزوجاً إلا ذريةً صالحةً وهبته وأسعدته يا رب العالمين، اللهم صلِّ على محمد وآله وصحبه. أحبتي في الله! نهاية هذا العام وأفول شمسه، ساقطة في مغيب بحر التاريخ، إشارة إلى الزوال والرحيل والفراق من هذه الدنيا، ورحيل هذا العام يذكر لا محالة برحيل الجميع، يذكر لا محالة برحيل العافية عن الأبدان، ورحيل النور عن الأبصار، ورحيل الكلمات عن الألسن، ورحيل السمع عن الآذان، ورحيل النبض عن الأفئدة، ورحيل الخفقات عن القلوب، ورحيل الحركات عن الأطراف والجوارح، رحيل هذا العام ورحيل كل عامٍ يذكر بأننا كما عشنا ورأينا وعلمنا وعرفنا الحياة علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين؛ فسوف نذوق الفراق حق اليقين، بعد أن عرفناه علم اليقين وعين اليقين، نحن الآن نعيش في هذه الحياة، والحياة بالنسبة لنا علم اليقين، فنحن نرى الأحياء ونرى أنفسنا، ونعيش الحياة حق اليقين؛ لأننا نرى الحياة في جوارحنا وأبداننا وحركاتنا وحواسنا وفي ذواتنا وما خلق الله فينا، فإن هذه الحياة نعيشها بعلم اليقين وحق اليقين، وكما عشنا الحياة علماً وعيناً وحقاً، فسوف نعيش الفراق علماً وعيناً وحقاً. أما الفراق بعلم اليقين: فنحن نعلم أننا نفارق أقواماً. وأما الفراق بعين اليقين: فإننا فقدنا وما عدنا نرى، بل دفنا ووارينا أحباباً وفارقناهم. وبقي الفراق بحق اليقين: وهو أن نذوق الفراق، وأن نتجرع ذلك الفراق، ولا بد لنا من ذلك شئنا أم أبينا، طال بنا الدهر أم قصر نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح كل بطاحٍ له يوم على الدنيا بطوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح رحيل هذا العام يذكر برحيل الصالحين، ويذكر بالأسى على فراقهم، ورحيل هذا العام يذكر برحيل المجرمين، والعبرة بزوالهم، ورحيل هذا العام يذكرنا بحتمية فراقنا وزوالنا وانتقالنا من هذا الدار. هو الموت ما منه ملاذٌ ومهربُ متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقربُ رحيل هذا العام أيها الأحبة في الله! يذكرنا بما قاله حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام، وقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس) رحيل هذا العام يقول للسادرين: لا تفرحوا بمرور الليالي والأيام: يسر المرء ما ذهب الليالي وإن ذهابهن له ذهابُ

أثر الأحداث في غفلة الشباب عن الرحيل

أثر الأحداث في غفلة الشباب عن الرحيل أيها الأحباب! لقد مرت بنا أحداث شغلت الكثير من الناس، بل شغلت الكثير من الشباب الطيبين الصالحين، شغلتهم في البحث والسؤال، والقيل والقال، فأورثت عند بعضهم الجدل، وأضعفت عند الكثير العمل، واستحكمت بنا الغفلة، وذهلنا عن أمورٍ لا بد منها ولا مناص عنها، وسنسأل عنها ومنها الرحيل، وهانحن نتذكرها بقرب رحيل هذا العام، ولما غفلنا عن هذا جاءت نهاية العام تذكرنا بها. الرحيل أمرٌ محتومٌ لا مناص منه ولا محيد عنه، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35] ويقول الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ويقول تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] ويقول تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:61] ويقول تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ويقول تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8] ويقول تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:205 - 207]. كان عمر بن عبد العزيز ذات يومٍ وهو فوق كرسي الخلافة يقرأ كلام الله عز وجل، فلما بلغ هذه الآية: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:205 - 207] نزل عن كرسي خلافته وقبض بيده على لحيته وأخذ يحرك ذقنه ويحرك لحيته ويقول: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:206 - 207] وأخذ يرددها وهو يبكي.

عبر من رحيل العام

عبر من رحيل العام أيها الأحبة! رحيل هذا العام شاهدٌ على الكادحين جميعاً {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير القرآن العظيم: المؤمن يكدح ثم إلى الجنة، والكافر يكدح ثم إلى النار. رحيل هذا العام يمضي بسجلاته وصحائفه شاهدةٌ لنا أو علينا، شاهدةٌ لأقوامٍ بالحسنات وشاهدةٌ على آخرين بالسيئات، أقوامٌ مشغولون بالطاعة، وهم غداً في الجنة في شغلٍ فاكهون برحمة الله، وأقوامٌ مشغولون بلا مهمة مشغولون بالسهر ولكن في غير طاعة الله، ومشغولون بالجهد والمجاهدة، ولكن في معصية الله، في متابعة الأفلام والقنوات التي يرون فيها ما يضر ولا ينفع، ويخزي منظره، ولا يستطيع الناظر تغييره، مشغولون باللهو الباطل، مشغولون بالغفلة والسهر، ثم النوم عن الصلاة مع الجماعة، ومشغولات من النساء في الذهاب والإياب والتطواف، والتسيار والتجوال في الأسواق، مشغولات في الجولات في كل المناسبات، تجوالٌ لا يعرف الكلل ولا الملل، مشغولات عن بيوتهن أو عن تربية أبنائهن على طاعة الله عز وجل، مشغولون عن حقوق أوجبها الله عليهم في البر والصلة والقيام بحقوق من ولاهم الله شئونهم.

الرحيل الدوري

الرحيل الدوري إن هذا الرحيل يذكرنا برحيلٍ نعيشه في كل يومٍ وليلة، أوليس الله عز وجل يقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42] برحيل هذا العام لا بد أن نتذكر الرحيل الحق لأنفسنا ولأبداننا، ولقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نتذكر الرحيل فقال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة، وإننا كما قرأنا الآية آنفا نعيش هذا الرحيل في كل يومٍ أو في كل ليلة، فإن الله عز وجل يتوفى هذه الأنفس حين موتها الموتة الصغرى في نومها، فيمسك التي قضى عليها الموت، أي: يمسك التي قضى عليها الرحيل الحقيقي والميتة الحقيقية، فلا تعود الروح إلى مضجع صاحبها، ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى. ويقول تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ} [الأنعام:60] فقد أخبر سبحانه أن كلاً من النفسين الممسكة والمرسلة توفيتا وفاة النوم، ولكن من كتب لها الرحيل الحقيقي لا تعود إلى مضجع صاحبها، ولكن عند الرحيل، تمر النفس بسكرات، وتمر بآهاتٍ وأنات، وكما قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] للرحيل سكرات، يلاقيها كل إنسان رجلٍ وامرأة وفتىً وفتاة حال الاحتضار، وهذه السكرات هي كربات وغمراتٌ حال الرحيل، وإنها لحقٌ، ولو نجى منها أحد أو سلم لنجى منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم يدخل يده في ركوة أو علبة فيها ماء ويغطس أنامله في الماء، ثم يمسح بها وجهه ويقول: (لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات) رواه البخاري، ولكن قبل الرحيل يفاجأ أقوامٌ بغصص، ويفاجأ أقوامٌ بمفاجئاتٍ عجيبة، ومفاجئاتٍ مهولة، وأقوامٌ يرون سعادة وسروراً.

صور من رحيل الصالحين

صور من رحيل الصالحين كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ ذات يومٍ سورة الفجر، فلما بلغ قول الله عز وجل: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] لما تلاها أبو بكر رضي الله عنه قال: (يا رسول الله ما أطيب حظ من يقال له هذا! وما أحسن هذا! وما أجمل هذا! فقال صلى الله عليه وسلم: وإنك يا أبا بكر ممن يقال له هذا) وإنك يا أبا بكر ممن يُقال له: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] لمثل هذه الحال يطيب الرحيل، ويسعد الرحيل، ويجملُ الرحيل، ويفرح صاحب الرحيل برحيله، ومع أن هؤلاء قد لقوا البشرى من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ذلك ما غرهم، بل زادهم من ربهم خوفاً ووجلاً وإشفاقا، فلقد دخلت عائشة رضي الله عنها على أبيها أبي بكر رضي الله عنه في مرض موته، فلما ثقل عليه الأمر واشتدت به السكرات، قالت عائشة رضي الله عنها: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فكشف أبو بكر رضي الله عنه وجهه، وقال رضي الله عنه: [ليس كذلك يا ابنتي، ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]] هكذا يرحل الصالحون، يلهجون بكلام الله وذكره، هكذا يرحلون لأن الملائكة تبشرهم برضوانٍ وروحٍ وريحان {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [فصلت:30 - 31] هذه الولاية الحقيقية لهؤلاء في الدنيا ولهم في الآخرة، وماذا بعد لهم في الآخرة؟ ولهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. أيها الأحبة! رحيل الصالحين بحب ولذة، رحيل الصالحين عن الدنيا شوقٌ إلى لقاء الله عز وجل، واستعدادٌ ومسابقة ومبادرة، فلقد روى الإمام أحمد في مسنده أن سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: اشتكت فاطمة رضي الله عنها شكواها التي قبضت فيها، تقول سلمى: فكنت أمرضها، فأصبحت يوماً كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك، قالت: وذهب علي رضي الله عنه لبعض حاجته، فقالت فاطمة رضي الله عنها لـ سلمى: يا أمة اسكبي لي غسلاً، قالت سلمى: فسكبت لها غسلاً فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت فاطمة: يا أمة! أعطيني ثيابي، قالت: فأعطيتها جديد لباسها، فلبستها، ثم قالت: يا أمة! قدمي لي فراشي وسط البيت، قالت سلمى: ففعلت، فقامت فاطمة رضي الله عنها فاضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها، ثم قالت: يا أمة إني مقبوضة الآن، إني مقبوضة الآن، وقد تطهرت فلا يكشفني أحد، فقبضت مكانها، قالت: فجاء علي فأخبرته بذلك، انظروا إلى هذا الاستعداد، انظروا إلى هذا الاطمئنان، انظروا إلى هذه اللذة التي يجدونها عند رحيلهم، فليت شعري على أي حال يكون رحيلنا. وأما رحيل الكافرين الفاجرين فهو رحيلٌ في أسوأ حالٍ وأخبث خاتمة، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام:93] وما ذكرته الآية يحدث أنه إذا بشر ملائكة العذاب الكافر بالعذاب والنكال والأغلال، والسلاسل والجحيم وغضب الرحمن، من شدة الفزع والخوف والهلع تتفرق روح الفاجر في جسده وتتعصى وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، وإني لأذكر حادثةً هي مما يصنف للاستعداد للرحيل وحب الرحيل، وليست مما يذكر في الخوف، وليست مما يذكر في سوء الخاتمة. أعرف صديقاً لنا وهو أحد الدعاة في مدينة الرياض من إخواننا الصالحين، وله أبٌ صالحٌ قد جاوز ثلاثة وثمانين عاماً، وكنت أراه وإذا سألته وقلت له: كيف أنت يا أبا عبد العزيز؟ قال: والله إني لفي أسعد حال وأطيب حال، وإني أعد نفسي من الأموات ولا أعد نفسي من الأحياء، يقول: إني أعد نفسي من الأموات وأنا أمشي على وجه الأرض، ووفاته كانت قبل أقل من سنة، يقول ولده: كان ضحىً في القرية، فاشتد به المرض فأتاه أحد أبنائه وأخذه وضمه إليه، وأراد أن يسنده إلى صدره ويتهيأ لكي يذهب به إلى المستشفى، فقال أبو عبد العزيز: لا تذهب بي إلى المستشفى هذا هو الموت، هذا هو الحق، هذا هو الحق، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، والله إني ما كرهت هذه الساعة، والله إني ما كرهت هذه اللحظة، والله إني فرحٌ بلقاء الله، والله إني فرحٌ بلقاء الله، قال: فأخذ يردد أيماناً بكل طمأنينة وبكل يقظة وبكل لذة، يقول: والله ما كرهت هذه الساعة وأنا مستعدٌ لها، أشهد أن لا إله إلا الله، لا تذهب بي إلى المستشفى، قال: ومن الضحى وهو يذكر الله عز وجل حتى فاضت روحه حول الظهر. الله أكبر! انظروا إلى هذا الاستعداد، انظروا إلى هذه النفس التي تطمئن عند الوفاة، لو أن أحداً أصابه ما أصابه لقال: أين المستشفى؟ أين التنشيط الدماغي؟ أين وأين؟ ولا بأس بهذا وكلها من الأسباب؛ لكن من كان مستعداً للقاء الله، لا يضيقه أن تنزل به ملائكة الموت في أي لحظة، يقول هذا الرجل الذي ذكرت لكم قصة وفاته: ما تركت قيام الليل ثلاثاً وخمسين عاماً، وأما من بداية تكليفه إلى أن بلغ الثلاثين قال: كنت أوتر قبل النوم حتى رآني رجلٌ من الصالحين قال: يا أبا فلان أنت ممن يشار إليه، وتوتر قبل النوم! إذاً أنت لا تتهجد آخر الليل، قال: فكانت نصيحة قذفها الله في قلبي وأحدثت في نفسي استجابة، فما تركت قيام الليل منذ ذلك اليوم، قال ولده: وما عهدته يؤذن أو ينادي المنادي إلا وهو في المسجد، على ما يكون الناس فيه من حديثٍ أو قيلٍ أو قال أو مقال، إذا دنا وقت الصلاة يقول: اشتعل في قلبه أمرٌ يزحزحه ويطرده عن المجالس حتى لا تهدأ له نفسٌ ولا يقر له بالٌ، ولا تقر له عينٌ إلا إذا دخل المسجد، فمثل هؤلاء يلذون بالرحيل، ويستعدون للرحيل ونحن لا بد أن نوقن بهذا الرحيل، لا بد من استقرار هذه الحقيقة في نفوسنا، حقيقة أن الحياة محدودة مؤقتة بأجلٍ ثم تأتي نهايتنا، يموت الصالحون ويموت الطالحون، يموت المجاهدون، ويموت القاعدون، يموت الشجعان الذين يأبون الضيم، ويموت الجبناء الحريصون على الحياة بكل ثمن، الكل يموت: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35] لكن الفارق بين نفسٍ وأخرى في المصير {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185].

أقوال السلف عن الرحيل وحقائقه

أقوال السلف عن الرحيل وحقائقه يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد: الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حطٌ عن رحالهم إلا في الجنة أو النار، ويقول أيضاً: الناس على هذه الدار على جناح سفرٍ كلهم، وكل مسافرٍ فهو ظاعنٌ إلى مقصده، ونازلٌ على من يسر بالنزول عليه، وطالب الله والدار الآخرة، إنما هو ظاعنٌ إلى الله تعالى في حال سفره، ونازلٌ عليه عند القدوم عليه، فهذه همته في سفره وفي انقضائه {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة له: تفكروا يا عباد الله! فيمن قبلكم أين كانوا أمس؟ وأين هم اليوم؟ أين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها؟ قد نسوا ونسي ذكرهم، فهم اليوم كلا شيء، فتلك بيوتهم خاوية، وهم في ظلمات القبور، هل تحس منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزاً. وأين من تعرفون من أصحابكم وإخوانكم، وقد وردوا على ما قدموا فحلوا الشقاوة والسعادة؟ إن الله ليس بينه وبين أحدٍ من خلقه نسبٌ يعطيه به خيراً، ولا يصرف عنه به سوءاً إلا بطاعته، واتباع أمره، وإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة. وقال عبد الله بن المفضل التميمي: آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز أن صعد المنبر فحمد الله فأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإنما في أيديكم أسلاب الهالكين، وسيتركها الباقون كما تركها الماضون، ألا ترون أنكم في كل يومٍ وليلة تشيعون غادياً أو رائحاً إلى الله تعالى، وتضعونه في صدعٍ من الأرض، ثم في بطن الصدع غير ممهدٍ ولا موسد، قد خلع الأسلاب، وفارق الأحباب، وأسكن التراب، وواجه الحساب، فقيرٌ إلى ما قدم أمامه، غنيٌ عما ترك بعده، وعن مجاهد قال: مررت مع عبد الله بن عمر فقال: يا مجاهد! يا خربة أين أهلك؟ قال: فناديت يا خربة! أين أهلك؟ ما فعل أهلك؟ فلم يجبني أحد قال: ثم تكلم ابن عمر وقال: ذهبوا وبقيت أعمالهم، وعن شرحبيل بن مسلم عن أبي مسلم الخولاني أنه كان إذا وقف على خربة أي: على الأطلال، قال: يا خربة! أين أهلك؟ ذهبوا وبقيت أعمالهم، وانقطعت الشهوات وبقيت الخطيئة، يا بن آدم ترك الخطيئة أهون من طلب التوبة. إن الرحيل أيها الأحباب! حقيقةٌ مرةٌ قاسيةٌ رهيبة، تواجه كل حيٍ فلا يملك لها رداً، ولا يستطيع لها أحدٌ دفعاً، وهي تتكرر كل لحظة، يواجهها الكبار والصغار، الأغنياء والفقراء، الأقوياء والضعفاء، الملوك والوزراء، الأمراء والفقراء، يقف الجميع منها موقفاً واحداً، لا حيلة لا وسيلة لا قوة لا شفاعة، لا دفع ولا تأجيل، الكل مرجعهم إلى الله، فما لهم مرجعٌ سوى هذا المرجع، وما لهم مصير سوى هذا المصير، والتفاوت إذاً يكون في العمل والنية، وفي الاتجاه والاهتمام، أما النهاية فواحدة، الموت في الموعد المحتوم والأجل المقسوم، قال الضحاك بن مزاحم: قال عبد الله بن مسعود: ما منكم إلا ضيف، وماله عارية، والضيف مرتحلٌ، والعارية مردودة إلى أهلها. فما أهل الحياة لنا بأهلٍ ولا دار الحياة لنا بدارِ وما أموالنا والأهل فيها ولا أولادنا إلا عواري وأنفسنا إلى أجلٍ قريبٍ سيأخذها المعير من المعار أيها المنهمك في الدنيا! أيها المكب على غرورها، المحب لشهواتها، الغافل قلبه! لا محالة عن ذكر الموت فلا يذكره، وإذا ذكر بالموت كرهه ونفر منه، أولئك الذين قال الله فيهم: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8]. أيها الأحباب! الذي يعطى منكم أرضاً، فيسورها ويغرس فيها شجراً، ويحفر فيها بئراً، ويبني فيها داراً، ويطيبها ويزينها ويعدها تجده يشتاق إلى البقاء فيها، ويكثر الذهاب إليها، ويدعو الناس إلى ضيافته فيها، ويكثر الحديث في المجالس عنها، لا شغل له ولا هم إلا الحديث عن استراحته أو عن أرضه التي اعتنى أو تعب فيها، وأما الذي أوتي أرضاً فلم يسور فيها ولم يحفر بها بئراً ولم يغرس بها شجرة فلا يبالي أن تكون موقعاً للغربان على الجيف، ولا يبالي أن تكون مرتعاً للكلاب، ولا يبالي أن تكون موضعاً لرمي الزبالات والقمامات والأوساخ فيها، فما الذي جعل الأول يشتغل بهذه الأرض، وجعل الثاني لا يبالي بما يوضع فيها؟ الأول زينها وعمرها فأشغلته فاهتم بها، والثاني ضيعها ولم يهتم بها فلم يبال بما يوضع فيها، فكذلك هي الآخرة بالنسبة لنا، الآخرة أرضنا، من زرع في آخرته شجراً، من غرس في آخرته غرساً، من حفر في آخرته الآبار، من بنى في آخرته داراً، أشغلته وأهمته وذهب كل يومٍ إليها واستعد لها، وحدث الناس بها، واهتم بها وجعلها همه، وأما الذي لا يهتم بآخرته، فلا يتمنى أن يسمع عنها كلاماً ولا يرغب أن يسمع عنها حديثاً، ولا يدعو أحداً إليها، ولا يهتم بها، فهل أيها الأحبة! نفطن لما نحن قادمون عليه، إن الرحيل مصيبة.

أثر تذكر الموت في ترك الدنيا ونعيمها

أثر تذكر الموت في ترك الدنيا ونعيمها الإمام محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الجامع الصحيح رحمه الله رحمة واسعة كان يلقي درساً في الحديث على طلابه في بخارى فبلغه نبأ وفاة الإمام الدارمي رحمه الله، فأجهش وأطرق بالبكاء وسمع طلابه نشيجه وبكاءه، ورأوا دموعه تنحدر على وجنتيه ولحيته، فلما رفع رأسه قالوا: ما الخطب يا أبا عبد الله، فقال بصوتٍ وهو أسيف، قال في صوتٍ فيه نشيج: إن تبق تفجع بالأحبة كلهم وفناءُ نفسك لا أبا لك أفجع إن بقينا نفجع بموت أحبابنا، وإن فجعنا بموت أنفسنا، فتلك والله فاجعة عظيمة، فالرحيل مصيبة، وسماه الله مصيبة، ولكن أعظم من مصيبة الموت والرحيل، مصيبة الغفلة عن الموت والرحيل، ومصيبة الإعراض عن ذكره، ومصيبة عدم الرغبة في سماعه، وقلة التفكير فيه، وترك العمل لما بعده. عمر بن عبد العزيز يكون في فراشه مع زوجته، ثم يتذكر الرحيل فيقوم عنها ويبكي، يتذكر رحيله في تلك اللحظات التي يغفل فيها الغافلون، وذكر الرحيل من أهم الأمور التي تلين بها القلوب القاسية، إن تذكر الرحيل يردع الإنسان عن ارتكاب المعاصي، ويجعله يترك الفرح بالدنيا ويهول المصائب فيها. قال الحسن البصري: فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لبٍ فرحاً، وما ألزم عبدٌ قلبه ذكر الموت إلا صغرت الدنيا في عينه وهان عليه كل ما فيها، وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: إن هذا الموت قد أفسد على الناس نعيمهم فالتمسوا نعيماً لا موت فيه، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكب عبد الله بن عمر فقال: (كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل) وكان ابن عمر يقول: [إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك] رواه الإمام البخاري.

زيارة القبور وفجائع الموت

زيارة القبور وفجائع الموت إن تذكر الرحيل وما بعده من سؤال القبر وظلمته، وضمته ووحشته، والبعث والحشر مما يوقظ النفس من نومها، ويوقظها من رقدتها، وينبهها من غفلتها، فتنشط وتتابع السير، وخير وسيلة لتذكر الرحيل زيارة منازل الراحلين، زيارة القبور والاعتبار بأحوالها. أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر انظر إلى قبر ملك من الملوك، وبجواره قبر فقير من الفقراء، ثم بعد ذلك قبر وزير من الوزراء، ثم قبر صعلوك من الصعاليك، ثم قبر مسكين من المساكين، ثم قبر فلان وعلان، هل ترى بينهم فرقاً؟ هل ترى لأحدهم مزية على أحد؟ قال صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها، فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقل هجراً) رواه الحاكم. يقول ابن عمر: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقال رجلٌ من الأنصار: من أكيس الناس وأكرم الناس يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أكثرهم للموت ذكراً وأشدهم استعداداً له، أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا، وكرامة الآخرة) رواه ابن ماجة وغيره. أيها الأحبة! كان محمد بن واسع إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: ما ظنك برجل يرحل إلى الآخرة مرحلة، وعند الرحيل لأقوامٍ صياحٌ ونواح، وعند الرحيل لأقوامٍ حسرات وأنات، وعند الرحيل لأقوامٍ فضائح ومخاز، وعند الرحيل لأقوام بشائر وجوائز، فرحماك رحماك يا رب العالمين بنا عند هذا الرحيل وقبله وبعده.

ذكر الرحيل في القرآن والسنة

ذكر الرحيل في القرآن والسنة حسراتٌ عند الرحيل لأقوامٍ ضيعوا وفرطوا وأسرفوا، لأقوامٍ منعوا حقوق الله قال الله: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:10 - 11] قال ابن كثير: كل مفرطٍ يندم عند الاحتضار، ويسأل طول المدة ولو شيئاً يسيراً ليستعتب ويستدرك ما فاته، وهيهات كان ما كان وأتى ما هو آت، وكل بحسب تفريطه. وعند رحيل الفاجر يدعو على نفسه بالويل، ويدعو على نفسه حين تحمل جنازته، ويدعو على نفسه حين يتحرك به، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه لصعق) رواه البخاري، ويؤيد ذلك أن الفاجر يندب حظه ويدعو بالويل والثبور على نفسه، فعن أبي هريرة فيما رواه النسائي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره، قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل السيئ على سريره، قال: يا ويلي أين يذهبون بي؟ أين يذهبون بي؟) كأن الفاجر والكافر عند رحيله يقول: لم تستعجلون بي؟ وأين تذهبون؟ وأين ستضعونني؟ كأن الفاجر يقول لمغسله: وما أعجلك في الغسل؟ وما أسرع ما انتهيت من هذا التغسيل؟ وما أسرع ما وصلتم وبلغتم المقبرة؟ وما أسرع ما دفنتموني؟ وأما المؤمن فكأنه يقول: لم تتأخرون بالصلاة علي؟ لم تتأخرون في تغسيلي؟ لم تتأخرون في تجهيزي؟ قدموني قدموني، أيها الغاسل! أسرع، أيها الدافن! أسرع، يا من يجهز هذه الجنازة! لا تتأخر؛ لأنه يرى من نعيم الله ما ينتظره المزيد بعد ذلك. ألا وإن الخوف من الرحيل المخزي، ألا وإن الخوف من سوء الرحيل قد أقض مضاجع الصالحين، ففي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت ما يشهد أن المؤمن إذا حضره الموت، بشر برضوان الله وكرامته، وأن الكافر إذا حضره الموت، بشر بعذاب الله وعقوبته، رواه البخاري ومسلم.

الخاتمة الحسنة والخاتمة السيئة

الخاتمة الحسنة والخاتمة السيئة لحظات الخاتمة هي التي أقضت مضاجع القوم، فحرمتهم نوم الليل والعيش الهادئ، فلم يغتروا بعبادتهم مع كثرتها، ولا بصلواتهم مع خشوعها، ولم يغتروا بكثرة ما أنفقوا من أموالهم في سبيل الله، ولم يغتروا بكثرة صيامهم في الهواجر، ولم يغتروا بكثرة قيامهم في الثلث الأخير من الليل، عن سالم بن بشر أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه فقيل له: يا أبا هريرة! ما الذي يبكيك؟ فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي بعد سفري وقلة زادي، وإني أصبحت في صعودٍ مهبطٍ على جنة أو نار لا أدري إلى أيهما يؤخذ بي. خوف الصالحين من سوء الرحيل هو الذي أقض مضجعهم، وجعلهم يزهدون في هذه الدنيا، فالمؤمن لا بد أن يسيطر عليه هاجس الخوف ومن سوء الرحيل، وهاجس الخوف والحذر من أسباب سوء الرحيل، وهكذا كان الصالحون يخشون سوء الخاتمة، ويسألون الله أن يتوفاهم على الإسلام إذ ربما غلب على الإنسان ضربٌ من الخطيئة، وربما غلب عليك نوعٌ من المعصية، أو جانبٌ من الإعراض، أو نصيبٌ من الافتراء، فملك قلبك وسبى عقلك، وأطفأ نورك، وأرسل عليك حجباً، فلم تنتفع بتذكرة، ولم تنجع فيك موعظة، وربما جاءك الموت وأنت على ذلك، فسمعت النداء وأنت في مكانٍ بعيد ولم تتبين المراد ولم تعلم ما أراد وإن أعاد عليك وأعاد. قال ابن أبي حمزة في شأن الخاتمة: هذه التي قطعت أعناق الرجال، مع ما هم فيه من حسن الحال؛ لأنهم لا يدرون بما يختم لهم، كان الصحابة يخافون من ساعة الرحيل، أفلا نخاف نحن يا معاشر المفرطين؟ كان الذين بلغوا وجاوزوا القناطر يخشون من سوء الرحيل، أفلا نخاف نحن مستودعات الخطيئة، ومخازن الغفلة واللهو عن طاعة الله وذكره؟

صور من رحيل الصالحين

صور من رحيل الصالحين روي أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عند احتضاره قال لـ ابن مسعود رضي الله عنه: قم فانظر أي ساعة هي؟ فقام ابن مسعود، فقال: قد طلعت الحمراء- أي الشمس- فقال حذيفة: أعوذ بالله من صباح إلى النار، أعوذ بالله من صباحٍ إلى النار، وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى عند موته، ثم قال: والله ما أبكي حزناً على الدنيا ولا جزعاً من فراقكم؛ ولكني أنتظر إحدى البشريين من ربي بجنة أم نار، ولما حضرت بلالاً رضي الله عنه الوفاة، قالت امرأته: واحزناه! فقال: بل وا طرباه! غداً نلقى الأحبة، محمداً وحزبه، ولما توفي عبد الله بن المبارك سنة (181هـ) بعد انصرافه من الجهاد وله من العمر ثلاثٌ وستون سنة، لما احتضر قال ابن المبارك لمولاه نصر: اجعل رأسي على التراب، فبكى نصر، فقال له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت ما كنت فيه من النعيم وهأنت ذا تموت فقيراً غريباً، قال: اسكت! فإني سألت الله أن يحييني حياة الأغنياء وأن يميتني موت الفقراء، ثم قال له: لقني ولا تعد علي ما لم أتكلم بكلامٍ ثانٍ، ثم فتح ابن المبارك وضحك، وقال: لمثل هذا فليعمل العاملون، وتشهَّد ثم فاضت روحه، لماذا قال: لمثل هذا فليعمل العاملون؟ لقد رأى البشارة مع ملك الموت يبشره برضوانٍ وروحٍ وريحان، وربٍ راضٍ غير غضبان، يروي مطرف اللحظات الأخيرة من عمر الإمام القدوة سلمة بن دينار، يقول: دخلنا على أبي حازم سالم الأعرج -أي: سلمة بن دينار - لما حضره الموت، فقلنا: كيف تجدك؟ قال: أجدني بخير، راجياً لله، حسن الظن به، إنه والله ما يستوى من غدا أو راح يعمر عقد الآخرة لنفسه فيقدمها أمامه قبل أن ينزل به الموت حتى يقدم عليها فيقوم لها وتقدم له مع من غدا أو راح في عقد الدنيا يعمرها لغيره ويرجع إلى الآخرة لا حظ له فيها ولا نصيب، وأتى صفوان بن سليم إلى محمد بن المنكدر وهو في الموت، فقال: يا أبا عبد الله! كأني أراك قد شق عليك الموت، فما زال يهون عليه الأمر حتى كأن وجهه المصابيح، ثم قال له محمد: لو ترى ما أنا فيه لقرت عينك، ثم قضى وفاضت روحه رحمه الله. رحيل الصالحين بشائر، رحيل الصالحين كرامات، رحيل الصالحين فوزٌ وسعادة وحبور، وهذه صورة لرحيل أحد الصالحين وهو عمر بن عبد العزيز، تقول فاطمة بنت عبد الملك: كنت أسمع عمر بن عبد العزيز رحمه الله في مرضه الذي مات فيه يقول: اللهم أخف عليهم موتي ولو ساعة من نهار، اللهم اخف عليهم موتي ولو ساعة من نهار، قالت: فقلت له يوماً: يا أمير المؤمنين! ألا أخرج عنك عسى أن تغفي شيئاً فإنك لم تنم؟ قالت: فخرجت عنه إلى بيتٍ غير البيت الذي هو فيه قالت: فجعلت أسمعه يردد {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] تقول: سمعته يرددها مراراً، ثم أطرق فلبث طويلاً لا يسمع له حس، فقلت لوصيفٍ له كان يخدمه: ويحك انظر ما الذي حل بـ عمر؟ فلما دخل صاح، قالت: فدخلت عليه فوجدته ميتاً قد أقبل بوجهه على القبلة ووضع إحدى يديه على فيه والأخرى على عينيه رحمه الله. وأقوامٌ يتكلمون عند الرحيل من هول ما يجدون، وأقوامٌ يندمون على ما فرطوا، وأقوامٌ يقولون عبراً ومواعظ عند موتهم، فلما نزلت بـ عبد الملك بن مروان في مرضه الذي مات فيه، لما نزل به الموت، قيل له: كيف تجدك يا أمير المؤمنين؟ قال: أجدني كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94] وروي أن المأمون أمر برمادٍ، فجيء به إليه، فمده وافترشه لما حضرته الوفاة، واضطجع عليه وقال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من زال ملكه، يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه.

صور من سوء الخاتمة

صور من سوء الخاتمة نعوذ بالله -أيها الأحبة- من سوء الخاتمة، ونسأل الله حسن الرحيل وحسن الخاتمة، فإن أقواماً لا يزالون في لهواتهم وغفلاتهم سادرين حتى تأتيهم الخاتمة على أسوأ حالٍ أو تجعلهم يرددون أسوأ حالٍ كانوا يفعلونها في الدنيا، فقد أخرج البيهقي في الشعب عن الربيع بن برة وكان عابداً بـ البصرة، قال: أدركت الناس بـ الشام وقد قيل لرجلٍ لما حضرته الوفاة: قل: لا إله إلا الله، فقال: اشرب واسقني، كان شراباً للخمر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقيل لرجلٍ بـ البصرة: يا فلان، قل: لا إله إلا الله، فجعل يقول ويغني: يا رب سائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ وهذا القائل هو رجل طلبت منه امرأة أن يدلها على حمام منجاب، فدلها إلى منزله وذهب يأتي بشيء ونسي إغلاق بابه، فخرجت وقد تعلق بها، فجعل يدور بالأسواق يبحث عنها ويردد هذا البيت، فمات على أخذة حال فعل وهو تلك الفعلة الشنيعة مات وهو يردد هذا البيت، وهو يغني. وذكر الإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتابه الثبات عند الممات أن رجلاً احتضر، فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فقال هو كافرٍ بلا إله إلا الله، وقيل لآخر وهو يحتضر: قل: لا إله إلا الله، فقال: حيل بيني وبينها، وصدق الله العظيم: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:54] ويقول ابن الجوزي أيضاً: وسمعت آخر وهو في مرض الموت يقول: ربي يظلمني ربي يظلمني، من سوء ظنه بربه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الاستعداد لهذا الرحيل والسفر الطويل

الاستعداد لهذا الرحيل والسفر الطويل أحبابنا! أيها الإخوة! أيها الجمع الكريم! ألا نستعد لهذا الرحيل؟ ألم يأمرنا ربنا بأن نستعد ونعمل؟ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] ألم يأمرنا نبينا بالمبادرة؟ فقال فيما رواه أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً -أو قال: يمسي مؤمناً ويصبح كافراً- يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا) رواه مسلم. ألا نعمل قبل الرحيل؟ ألا نعمل قبل حلول الخسارة؟ {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15] ويقول تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} [الشورى:45]. أيها الأحبة! من خرج في سفرٍ من أسفار الدنيا بغير زاد، ندم حيث يحتاج إلى الزاد فلا ينفعه الندم، وربما هلك، فكيف بمن رحل في سفر الآخرة مع طوله ومشقته بغير الزاد، فقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول وهو يتهجد الليل: آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فإذا شكا من قلة الزاد مَنْ زاده كثير، فكيف يقول من لا زاد له؟ يا جامع المال ما أعددت للحفر هل يغفل الزاد من أضحى إلى السفر فأين العمل؟ وأين التزود للرحيل؟ يروي أحد أصحاب محمد بن واسع قال: لما ثقل محمد بن واسع وحضره الموت، كثر الناس عليه في العيادة، قال: فدخلت، فإذا قومٌ قيام وقومٌ قعود، وآخرون داخلون وخارجون، فأقبل عليَّ، وقال: أخبرني ما ينفعني هؤلاء عني إذا أخذ بناصيتي وقدمي غداً وألقيت في النار؟ سبحان الله العلي العظيم! ذلك دأبهم، وذاك تهجدهم وصيامهم وإخلاصهم واقتداؤهم وجهادهم، وبذلهم وإنفاقهم ودعوتهم، ومع ذلك يقول: ما يغني عني هؤلاء إذا أخذ بناصيتي وأخذ بقدمي غداً وألقيت في النار؟ ثم تلا هذه الآية {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41]. قال ابن المنذر: سمعت مالك بن دينار يقول لنفسه: ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر، ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر، قال: كرر ذلك ستين مرة، وكان في خلوة أسمعه ولا يراني. فيا أيها الموقنون بالرحيل! يا أيها الذين تعلمون أنكم قادمون على الرحيل! {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون:10]. ويا أيها الموقنون بالرحيل! يا أيها الإخوة! ويا أيها الأخوات! {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:55 - 58]. جهل أناسٌ حقيقة الدنيا وغاية وجودهم فيها، فتاهوا حيارى، وضاعوا في منحنيات الطريق، فلم يفيقوا إلا وملائكة الموت تسُل أرواحهم، عند ذلك تذكروا، والألم يعصر بالنفوس، والحسرة والندم تعصر القلوب، لقد تذكروا العمر المنقضي فيما لا يفيد ولا يجدي، فتأوهوا التأوه الذي لا يغني، وعلموا أنهم ضيعوا الحياة {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100].

كلام السلف عن زاد الآخرة

كلام السلف عن زاد الآخرة قال مجاهد: خطب عثمان بن عفان، فقال: ابن آدم! اعلم أن ملك الموت الذي وكِّل بك لم يزل يخلفك ويتخطى إلى غيرك مذ أتيت في الدنيا، وكأنه قد تخطى غيرك إليك وقصدك، فخذ حذرك واستعد له، ولا تغفل فإنه لا يُغفل عنك، واعلم يا ابن آدم أنك إن غفلت عن نفسك ولم تستعد لها، لن يستعد لها غيرك ولا بد من لقاء الله، فخذ لنفسك ولا تكل نفسك إلى غيرك والسلام. ويقول: أحمد بن إسحاق الحضرمي: سمعت صالحاً المري يتمثل بهذا البيت في قصصه: وغائب الموت لا ترجون رجعته إذا ذوو غيبةٍ من سفرة رجعوا قال: ثم يبكي ويقول: هو والله السفر البعيد فتزودوا لمراحله، فإن خير الزاد التقوى، واعلموا أنكم في مثل أمنيتهم، فبادروا الموت واعملوا قبل حلوله، ثم يبكي. كانوا يستعدون للرحيل؛ فعن أحمد بن عبد الله، قال: قيل لـ حاتم الأصم: علام بنيت علمك؟ قال: بنيت علمي على أربع: على فرضٍ لا يؤديه غيري فأنا به مشغول، وعلمت أن رزقي لا يجاوزني إلى غيري فقد وثقت به، وعلمت أني لا أخلو من عين الله طرفة عين، فأنا منه مستح، وعلمت أن لي أجلاً يبادرني فأبادره. كانوا يتزودون للرحيل، وكانت امرأة أبي محمد الفارس توقظه في الليل وتقول: قم يا حبيب، فإن الطريق بعيد وزادنا قليل وقوافل الصالحين سارت من بين أيدينا ونحن هنا ماكثون. تزودوا أيها الأحبة! ولنتزود أيها الأخ المحب! ويا أيتها الأخت الصالحة! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فما أحوجنا إلى هذه التقوى التي هي نعم الزاد للراحلين! أيا أخيّ! وأيا أخيه! إن للعمر أيامه، وإن للحياة نهايتها، ولا ندري متى تنقضي أيام العمر ومتى تبلغ الحياة غايتها. إن الموت حقيقة لا يكابر فيها مكابر ولا يجادل فيها ذو العقل؛ لأن الموت مشاهدٌ مكرور، وإن كان الناس عنه غافلون أو متغافلون، ومع ذلك فكل حيٍ سبيله الموت والرحيل عن هذه الحياة. يا أخيّ! ويا أخيه! نحن قومٌ مسافرون، والطريق طويل، والعقبات كثيرة،، فلنتزود لآخرتنا من دنيانا، ولا تلهنا هذه الدنيا عن غايةٍ، فنضل عن الطريق. يا أخيّ! ويا أخيه! فلنتزود بتقوى الله، فإنه زادٌ سيصبح ثمنه غالياً، وترتفع سوقه، ويربح طالبه: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197]. يا أخيّ! ويا أخيه! لا ألفينك أو تلفيني وقد انقضت حياتنا، وحان حيننا، وولت عنا الدنيا مدبرة، ونظرنا إلى ماضي أيامنا، فإذا بنا نشاهد ماضياً أليما، وأياماً سوداء قاتمة قضيناها في عصيان رب العالمين، وقد خدَعَنا من الحياة مظهرنا، وغرنا من الحياة زخارفها إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا المبادرة لا بد منها قبل حلول الأجل، وإننا مهما لهثنا، ومهما ركضنا، ومهما جمعنا، ومهما أسرعنا، فلن تنتهي الأشغال، ولن نبلغ الآمال، وستموت النفوس بأناتها وحسراتها، ما لم تكن مشغولة في طاعة الله، أوصى الشريف المحدث الرحال أبو محمد جعفر بن محمد العباس الذي توفي في عام (598هـ) أوصى أن يكتب على قبره: حوائج لم تقض، وآمالٌ لم تنل، وأنفسٌ ماتت بحسراتها. إذاً فما الذي ينفعنا إلا عمل صالح ندخره للرحيل ونجعله الزاد، ونجعله سفينة النجاة في بحار الشهوات، في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول ابن آدم: مالي مالي، قال: وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟). فلا ينفعك أيها الأخ! ولا ينفعك أيتها الأخت! لا ينفع أحدٌ من المال إلا ما قدم لنفسه وأنفقه في سبيل الله عز وجل، فأما ما أكله ولبسه فإنه لا له ولا عليه؛ إلا أن يكون فيه نية صالحة، وأما ما خلفه وتركه فهو لورثته لا له، وإنما هو خازن لورثته، فأما ما أنفقه في المعاصي فهو عليه لا له، وكذلك ما أمسكه ولم يؤد حق الله عز وجل فيه فهو عليه لا له.

ما ينفع المرء بعد موته

ما ينفع المرء بعد موته إن الذي ينفعنا بعد موتنا أن نعمل عملاً صالحاً، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: (إذا مات الإنسان انقطع عمله) ستنقطع هذه الأعمال بحلول المنايا والرحيل والآجال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له) وقال الإمام النووي: قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الإنسان ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه سبباً فيه، أي: الولد والصدقة والعلم، فإن الولد من كسبه، وكذلك العمل الذي خلفه من تعليمٍ وتصنيف، وكذلك الصدقة الجارية، وهي في الوقف، وإن مما ينفعك بعد موتك وما بعد الرحيل ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث قتادة: (خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث ولدٌ صالح يدعو له، وصدقةٌ تجري يبلغه أجرها، وعلمٌ يعمل به من بعده) رواه ابن حبان، وقال صلى الله عليه وسلم (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً علمه ونشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته) رواه ابن ماجة وابن خزيمة. أيها الأحبة! ما دام الواحد كما أخبر صلى الله عليه وسلم ينتقل من هذه الدنيا ويتبعه ثلاثة ماله وولده وعمله، فيرجع المال والولد، ولا يبقى إلا العمل، فعلينا أن نخلص لأنفسنا. قبل أن تكون مخلصاً لأصدقائك، وقبل أن تكوني مخلصة لصديقاتك، فلنري أنفسنا الإخلاص لأنفسنا، ولننقذ أنفسنا قبل أن ننفع غيرنا، ولنسع في فكاك رقابنا من النار قبل أن نفزع لغيرنا من الخلق، ألا وإن كل واحدٍ منا على خطر، فلنبادر بأن نقدم لهذه الأنفس عملاً صالحا قبل أن يأتي يومٌ لا يجزي والدٌ عن ولده، ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئاً. مضى ما مضى، وانقضى ما انقضى، وبقينا فيما نستقبل فات ما فات والمؤمل غيبٌ ولك الساعة التي أنت فيها إذا كنا أمضينا بالأمس في إساءة ومعصية. فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثنِّ بإحسانٍ وأنت حميد

قصيدة مؤثرة

قصيدة مؤثرة ويا أيها المسلم! أعيد عليك قصيدة قد قلتها من قبل، وليست لي، وإنما نقلتها لأحد السالفين، وهي مؤثرة وأي مؤثرة. خل ادكار الأربع والمعهد المرتبع والضاعن المودعِ وأدِ عنه ودعِ واندب زماناً سلفا سودت فيه الصحفا ولم تزل معتكفا على القبيح الشنعِ كم ليلةٍ أودعتها مآثماً أبدعتها لشهوةٍ أطعتها في مرقدٍ ومضجعِ وكم خطىً خطفتها في خزيةٍ أحدثتها وتوبة نكثتها لملعبٍ ومرتعِ وكم تجرأت على رب السماوات العلا ولم تراقبه ولا صدقت فيما تدعي وكم غمطت بره وكم أمنت مكره وكم نبذت أمره نبذ الحذا المرقَّعِ وكم ركضت في اللعب وفهت عمداً بالكذب ولم تراعِ ما يجب من عهده المتبعِ فالبس شعار الندمِ واسكب شآبيب الدمِ قبل زوال القدم وقبل سوء المصرعِ واخضع خضوع المعترف ولذ ملاذ المقترف واعصِ هواك وانحرف عنه انحراف المقنعِ إلام تسهو وتني ومعظم العمر فني فيما يضر المقتني ولست بالمرتدعِ أما ترى الشيب وخط وخط في الرأس خطط ومن يلح وخط الشمط بفوده فقد نعي ويحك يا نفس احرصي على ارتياد المخلصِ وطاوعي وأخلصي واستمعي النصح وعي واعتبري بمن مضى من القرون وانقضى واخشي مفاجاة القضا وحاذري أن تخدعي وانتهجي سبل الهدى وادكري وشك الردى وأن مثواك غدا في قعر لحدٍ بلقعِ آه له بيت البلا المنزل القفر الخلا ومورد السفر الألى اللاحق المتبع بيتٌ يرى من أودعه قد ضمه واستودعه بعد الفضاء وسعه قيد ثلاث أذرعِ لا فرق أن يحله داهيةٌ أو أبله أو معسرٌ أو من له ملكٌ كملك تبعِ وبعده العرض الذي يحوي الحيي والبذي والمبتدي والمحتذي ومن رعى ومن رعي فيا مفاز المتقي وربح عبدٍ قد وقي سوء الحساب الموبقِ وهول يوم الفزعِ ويا خسار من بغى ومن تعدى وطغى وشبّ نيران الوغى بمطلع أو مطمع يا من عليه المتكل قد زاد ما بي من وجل لما اجترحت من زلل في عمري المضيعِ فاغفر لعبدٍ مجترم وارحم بكاه المنسجم فأنت أولى من رحم وخير مدعوٍ دعي فأسأل الله أيها الأحبة! أن يمن علينا بالرحمة، أسأل الله أن يوقظنا من الغفلات، أسأل الله أن يوقظنا من القيل والقال، والكلام في الغادين والرائحين، لقد شغلنا بالبشر عن أنفسنا، وشغلنا بعيوب الناس عن عيوبنا، وشغلنا بأحداثٍ حولنا عن حدثٍ خطيرٍ يهمنا وهو رحيلنا، نسأل الله أن يستعملنا في طاعته، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله، قيل: وكيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه إلى عملٍ صالح، ثم يتوفاه عليه) نسأل الله أن يوفقنا إلى عملٍ صالح، وأن يتوفانا على عملٍ صالح على أحسن حالٍ ترضيه. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة! يقول الله عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14 - 15] ونحن في هذا المقام المبارك الطاهر نجمع بمنٍ من الله وكرم، بين حلقة أو روضة من رياض الجنة وهي ذكر وصلاة فريضة، وانتظار صلاة بعد صلاة، فإذا أتتمناها ببذل في سبيل الله، فلعل ذلك مما نعده للرحيل، وإني أدعوكم بما أوجب الله علينا من الحقوق لإخواننا في أموالنا أن نبذل لهم ما يسر الله من الصدقات والزكاة وأحبابنا أعضاء الهيئة العليا لمسلمي البوسنة والهرسك على الأبواب سيجمعون تبرعاتكم لإخوانكم المسلمين، فلا تظنوا أن القضية انتهت، وإن كان القتال وما أصاب القوم من الجراح والآلام والقروح من أجل المحافظة على الدين والمساجد والمعتقد، فإنهم بحاجة الآن إلى من يعلمهم العقيدة الحقة، وإلى من يبني مساجدهم، وإلى من يداوي مرضاهم ويعالج جرحاهم، فهم أيضاً في حاجة لا تقل عن حاجتهم الأولى إبان المعارك الطاحنة، لذا أيها الأحبة! أدعوكم ونفسي إلى البر والصدقة، وأظن أن الإخوة منسوبي الهيئة العليا لمسلمي البوسنة والهرسك على الأبواب، فجودوا وابذلوا لإخوانكم، أسأل الله أن يجعل ذلك ستراً لنا ولكم عن النار يوم القيامة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

طرق الاستعداد لوقت الرحيل

طرق الاستعداد لوقت الرحيل Q ما هي الطرق السليمة للاستعداد لوقت الرحيل إلى الله عز وجل؟ A معلومٌ أيها الأحبة! أن المسلم لا يدري متى أجله، ولكن إذا دنا الأجل دنواً بيناً، فله علامات، ولكن لنعلم أن هناك علامات جلية وواضحة وهناك أمارات، فمن ذلك بلوغ الستين (قد أعذر الله إلى امرئٍ بلغه الستين من عمره) كما في صحيح البخاري، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك) فالذي بلغ الستين أو السبعين هو يمشي حقيقة في الفائدة، أما رأس المال فقد استوفاه، هو ميتٌ يمشي على وجه الأرض، وخيركم من طال عمره وحسن عمله، وكما يقول القائل: إذا الرجال ولدت أولادها وأصبحت أسقامها تعتادها وأنهكت من مرضٍ أجسادها تلك زروعٌ قد دنا حصادها فإذا رأى الإنسان مثل هذه العلامات الطبيعية، فلاشك أنه يعد نفسه في عداد المقبلين على الآخرة، ومن المؤسف أنك ترى أقواماً كباراً في السن كما يحدثنا الإخوة وخاصة الذين يعملون في الخطوط الجوية، يقولون: كم رأينا أناساً قد جاوزوا الستين وجاوزوا السبعين، والواحد منهم بعد أن بلغ ما بلغ من العمر، والمفترض منه أن يقبل على المسجد وعلى الركوع والسجود وتلاوة كتاب الله وانتظار الصلاة بعد الصلاة، تجده يعود في مراهقة مزعجة في آخر حياته، فيقضي حياته بين بومباي ومانيلا ودول أخرى يقضي عهراً وفساداً ومصائب، وكثيراً منهم من يعود محمولاً في تابوتٍ ليحدث أو يحكي قصة رحيلٍ سيئة مخزية ولا حول ولا قوة إلا بالله. كذلك يعلم الإنسان إذا حل به مرضٌ في الغالب أن صاحبه لا يشفى منه، هذه من دلائل أن الإنسان سوف ينتهي به الأمر إلى الموت، فلا بد أن يستعد ولا ينزعج للقاء الله عز وجل، بل ربما بعض الذي يصابون بمرضٍ في الغالب ينتهي بأحدهم إلى الموت، إذا علم بذلك أن تلك فرصة أن يعلم، أي الخير هو أم هذا الذي هو سادر في شهواته وغفلاته وملذاته ومعاصيه، ثم يأتيه الموت على أخبث حالٍ تخزيه عند الله يوم القيامة؟ والناس يبعثون على ما ماتوا عليه، فربما كتب الله لبعض الناس مرضاً قبل موتهم بأيامٍ أو أشهر ليكون لهم عبرةً وعظةً واستعداداً، يوصون فيه ويردون المظالم ويتوبون إلى الله، ويجتهدون في الطاعات، فتكون نهاية حسنة مع أن هذا المرض لا يزال بأحدهم حتى يخرج من الدنيا وما عليه خطيئة، وربما كانت له المنزلة من الجنة لا يبلغها بعمله، فيشدد عليه البلاء حتى يبلغها بما ابتلاه الله به. أيها الأحبة! فلنحرص دائماً على الاستعداد لهذا الموت، لأننا نموت في كل ليلة {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42] فأنتم هذه الليلة سوف تموتون، وكلنا سنموت، ولكن أرواحاً تسرح، وأرواحاً تعود من جديد إلى أجسادها، فعلينا أن نستعد لذلك، وخير استعداد للموت هو البراءة والتوبة من السيئات والمنكرات، والاجتهاد في فعل الواجبات، وكما قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) لا نريد من كثير عمل، أولاً ترك المحرمات وفعل الواجبات، ثم إذا أردت أن تنال مزيداً من القربى عند الله: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به الخ) فأول قربة البراءة من المحرمات والاجتهاد في الواجبات والطاعات يا أخي المسلم! وحينما نتكلم عن الاستعداد للرحيل، فليس ذلك بدعوة إلى أن يترك الإنسان مكسبه ومعيشته وعمله الذي يؤجر فيه، لأن الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، والذي يسعى على أولاده يطعمهم من الحلال، له بكل ما يطعمهم من ريالٍ أو درهمٍ حسنات، كما جاء في الحديث: (إنك ما أنفقت نفقة تبتغي بها وجه الله، حتى ما تضعه في فيّ امرأتك إلا كتب لك به الأجر) فذلك من الاستعداد للرحيل، لا نظن أن الاستعداد للرحيل الاعتكاف في الزوايا والصوامع والتكايا والأربطة، لا نظن أن الاستعداد للرحيل هو أن يبقى الإنسان متسولاً من الشحاذين، ويقول: أنا مستعد، لا، الاستعداد للرحيل أن تكون قوياً في دينك، قوياً في دعوتك، قوياً في طاعتك، قوياً في دنياك أيضاً: (والمؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).

علامات الموت

علامات الموت Q هل للموت علامات؟ A نعم، إذا نزل بأحدٍ الموت، فمن علاماته أن يشخص بصره، وربما فغر فاه، ومالت أرنبته -أرنبة الأنف- وبردت قدماه، وربما بعضهم يسمع لصدره شيء من الحشرجة أو الشهيق وغير ذلك، فكلها من العلامات الجلية، إذا نزل الموت يعرف بعلاماته، برود القدم؛ لأن الروح تنزع من القدم، ثم من الساق، ثم من الفخذ، ثم من الجوف، ثم يكون في الذروة يكثر الشهيق والزفير والحشرجة في الصدر، لأنها مرحلة النزع الأخيرة، ثم يشخص البصر لأن الروح تخرج مع الأنف، يقال: مات حتف أنفه، لأن الروح تخرج مع الأنف ثم يتبعها البصر، فنسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة.

إمكانية ترك المعاصي وطريق ذلك

إمكانية ترك المعاصي وطريق ذلك Q سائل يقول: أنا شابٌ أحب الصلاح والالتزام، ولكني لا أستطيع ترك المعاصي ولا أقدر على الالتزام بالطاعات كلها، فما الطريق لذلك؟ A أما دعوى عدم الاستطاعة على ترك المعاصي، فلا أظنها دعوى صادقة، ولو قال السائل مع حبه للالتزام: أنه يستسلم للمعاصي، لكان صادقاً، أما قضية أن الإنسان لا يستطيع، والله لو أن أحداً أتاك ليأخذ من جيبك ريالاً لدافعته مدافعة الأبطال الأشاوس، فلن تكون عاجزاً عن مدافعة شيطانك وهواك كما تقدر على دفع عدوٍ حسيٍ ولو كان قوياً جداً، فقضية عدم الاستطاعة في ترك المعاصي ليست بصحيحه، ولكن أنا أقول لك: كيف تستطيع أن تترك هذا؟ اترك الأسباب التي توصلك أو تذكرك أو تشغلك بذلك، فمثلاً: بعض الناس تجده يسافر مع رفقاء السوء، ثم يذهبون إلى مكان دعارة أو فساد، ثم يقول: أنا ما استطعت أن أمسك نفسي عن الزنا، لو أردت أن تمسك نفسك عن الزنا ما صاحبت جلساء السوء، ولو أردت أن تمسك نفسك عن الزنا ما ذهبت معهم إلى هذا المكان، تجد رجلاً يسبح في البنزين، ثم يقول: عجباً كيف أكون قابل للاشتعال، أنت تجمع على نفسك كل العناصر التي تنتهي إلى المعصية، ثم تقول: لا أستطيع أن أمسك نفسي عن المعاصي! لا. أنت تستطيع أن تصبر نفسك عن المعصية بمجاهدة النفس وإبعادها عن مكان المعصية، وجليس المعصية، وزمان المعصية، وظرف المعصية، وكل ما يتعلق بالمعصية، وحينئذٍ تكون قادراً بإذن الله عز وجل، نعم يجتمع في العبد أن يكون عاصياً وفي نفس الوقت أن يكون محباً للأخيار، قد يقول قائل: كيف هذا يحب الصالحين ولا يمسك نفسه عن المعاصي؟! بل يجتمع في الإنسان خيرٌ وشر، ويجتمع فيه إخلاصٌ ونفاق، ويجتمع فيه حقٌ وباطل، ويجتمع فيه خطأ وصواب، والذين ينظرون إلى الناس أو الدول أو المجتمعات أو الأفراد إما خير لا شر فيه، وإما شر لا خير فيه، فهم يجحفون أو ينافقون، ولكن العدل أن ترى في كل نفسٍ، وفي كل مجتمع، وفي كل دولة، وفي كل كبيرٍ وصغير، فيهم خير وفيهم شر ويتفاوتون بين القلة والكثرة في الخير والشر. فهذا الأخ الحبيب نقول له: جزاك الله خيراً، ونسأل الله أن يجعلك مع الصالحين بما أحببتهم، والمرء مع من أحب، كما جاء الرجل وسأل النبي، وقال: يا رسول الله! الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب يوم القيامة) والآخر الذي جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت كثير عملٍ، ولكني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت يوم القيامة) {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} [الصافات:22] المرء مع من أحب يوم القيامة، فمن أحب الصالحين يكون معهم بإذن الله، ولكن لا ينال درجاتهم، وربما يحال بينه وبينهم إذا هو اقترف من الفواحش والآثام والكبائر والمنكرات ما يمنعه من البلوغ واللحاق بهم أو بمنازلهم ودرجاتهم. فيا أخي الحبيب! ما دمت محباً للخير وأهله، فجاهد نفسك، واعلم أنها لذة منقضية ويبقى إثمها، ولو صابرت النفس على الطاعة، لوجدت أنه تعبٌ قليل ويبقى أجره وثوابه بإذن الله عز وجل. ثم اعلموا أيها الأحباب! أن كثيرً من الشهوات الموجودة يستطيع الإنسان أن يدفعها بالحلال، وأغلب شهوات الشباب اليوم هي شهوات في الغرائز والجنس، وتلك لا أسهل من دفعها بالزواج، ولكن الشباب، أو بعض الشباب أو بعض الناس هم الذين يصنعون القيود والأغلال والسلاسل على أنفسهم، فيشترط الواحد مئات الشروط في الزوجة التي يريد أن يتزوجها، وربما الفتاة تشترط مئات الشروط في الشاب التي تريد أن تتزوجه، وحتى يجد الفتى فتاته، وحتى تجد الفتاة فتاها، بين تلك الفترة إلى الزواج ربما البعض قد أشغل نفسه بمعصية أو زل زلة في معصية ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولو أنه بادر بسد النفس وحاجتها بالحلال، حتى وإن كان ما سد به النفس أقل مما كان يرجوه ويتمناه من أجل أن يعف نفسه عن الحرام، لكان معاناً من الله، وكما في الحديث: (وثلاثة حقٌ على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله، والمكاتب يريد الأداء) فالناكح الذي يريد العفاف أظنه لا يتردد أن يتزوج فتاةً ولو مطلقة أو كبيرة في السن، ولو فتاة عندها مشكلة من المشكلات، المهم أن يحصن نفسه، وسيجعل الله له بها قبولاً وعفة وإحصاناً، وإذا منَّ الله عليه بغنىً وسعة ثم رغب في أن يستزيد، فله أن يستزيد إذا كان قادراً على الباءة بشروطها، والعدل بحقوقه وواجباته، أما أن الإنسان يقول: لا أريد إلا كذا من الأوصاف، وحتى الآن لم أجد هذه الأوصاف إذاً لا بد أن أتمتع بالسفر والعبث والزنا والصور والأفلام وغير ذلك، نقول: لا يا أخي الحبيب! املأ نفسك بالحلال الذي شرعه الله وستجد ما يغنيك به الله عن الحرام.

ضوابط مجالسة الصالحين

ضوابط مجالسة الصالحين Q إنسانٌ يمنع أخاه من مجالسة الصالحين وحضور المحاضرات والدروس مع أنه على خيرٍ وعلى دين، فما العمل في ذلك؟ A على أية حال يا أحبابنا! ونقولها بصراحة: لعل حادث تفجير العليا في مدينة الرياض كما علمت ونقل إلي أن أناساً اضطربوا، ومنهم من نكص على عقبيه، ومنهم من حلق لحيته، ومنهم من تراجع عن مجالس الصالحين، وآباء حذروا أبناءهم، فنقول لهؤلاء: لا، لا، لا، ليس هذا هو الحل، نعم، نحن نبرأ إلى الله عز وجل من منهج التكفير، ونبرأ إلى الله عز وجل من هذه الفعلات القبيحة الشنيعة، ونبرأ إلى الله من هذا الأسلوب، ونبرأ إلى الله من كل ما يخالف الشرع والحق والهدى الذي عليه كبار علمائنا الأجلاء، ندين ديانة لله عز وجل بحبهم والثقة بمنهجهم ولا نتزحزح عن ذلك أنملة، لكن في المقابل يأتي أقوام يقول لك: إذاً الحل أن نحذر من التجمعات، نحذر من جلوس الشباب مع بعض، نحذر من رحلات الشباب إلى العمرة مع بعض، نحذر من رحلات الشباب إلى الحج مع بعضهم، نحذر من اجتماع الشباب في المساجد لقراءة كتاب الله أو الذكر أو الحلقات. لا، لا، لا، إذا أخطأ طبيبٌ فلا يمنع الطب كله، وإذا أخطأ رجل أمنٍ فلا يلغى الأمن كله، وإذا أخطأ رجل حسبة فلا تلغى الحسبة كلها، وإذا تصرف شابٌ وإن كان مظهره مظهر التزامٍ بالسنة، ومنهجه منهجٌ منحرف، فإن ذلك لا يعطل أو يعرقل في مسيرة الدعوة شيئاً، الدعوة إلى الله بأساليبها الشرعية، وضوابطها المرعية، وآدابها، علينا أن نستمر فيها، الكتاب النافع قراءة وتوزيعاً، الشريط النافع تسجيلاً وتوزيعاً، الموعظة، الرسالة. كل أساليب الدعوة لا بد أن تستمر كما هي، وألا تكون سبباً في النكوص والتراجع، فلنحذر من أن تكون سبباً في المشكلات أو المفاجئات، أو الأفكار المنحرفة، أو المناهج المستوردة، علينا أن نحذر منها، لكن ليس الحل أن نغلق كل خير بنيناه ونقول لا فائدة، لا، يا أحبابنا! ماذا نعمل في مواجهة الغزو الفضائي؟ الآن الهواء الذي نتنفسه ونتنقل فيه مملوء بالصور والكلمات والأصوات، سبعة وأربعين قناة فضائية باللغة العربية تبث مع مئات القنوات التي تبث باللغات الأخرى الأجنبية، نحن مستهدفون، وهي موجهة إلينا في ظل هذا الزخم الهائل من الحرب الإعلامية عبر المجلات والدشوش والأطباق والمستقبلات الفضائية، نأتي مع هذا ونقول: الحل أن نغلق مجالسنا، ومكاتبنا، وحلقات القرآن، واجتماعات الشباب ولقاءاتهم، لا، فالحل هو أن نحذر من المسالك الجائرة والمناهج المستوردة والأفكار المشبوهة، وأن تستمر الدعوة أصلب عوداً وأقوى مكانة وقدماً راسخةً بإذن الله عز وجل، وأما هذا الأخ الصالح الذي يحذر أخاه من مجالسة الصالحين، فنقول: يا أخي الحبيب! والله لئن جالسهم فهو في خير، ولو جالس الأشرار، لربما تمنيت أن يموت ولا رأيته على بعض الأحوال. أب كنت أعرفه وكان له ولد، يقول: كنت لا ألتفت لتربيته والعناية به، قال: فما كان من فترة إلا وتأتيني الأخبار عن فساده، ولواطه، وانحرافه، ومخدراته، قال فسألت الله إن كان في سابق علمه أن ليس له هداية أن يأخذ روحه، قال فما جاوز أسبوعاً إلا ضربته سيارة وتوفي. والله إني كنت معه في المقبرة وهو يقول: الحمد لله الذي أخذه، فيا أخي الحبيب! هل أنت تندم يوم أن يصحب أخوك جلساء صالحين يدلونه إلى الهدى؟ نعم أنا مع الذين إذا كان لأحدهم ولد أو أخ لا تسلم ولدك أو أخاك لأي جليس، إذا جاءت مجموعة شباب يزورون ولدك، فتقول لهم: أهلاً وسهلاً بالشباب، اجلسوا، ماذا عندكم يا إخواني؟ أين الكتب التي تقرءونها؟ ماذا تسمعون من الأشرطة؟ اخرج معهم في رحلة، إذا وجدت القوم عندهم أسرار ولف ودوران وأشياء مخبئة، فاعلم أنهم كما قال ابن مسعود: إذا رأيت القوم يتسارون في أمر دينهم، فاعلم أنما يؤسسون بدعة، حينئذٍ اسحب أخاك وابحث له عن جلساء طيبين غير هؤلاء، لأن دين الحق واضحٌ كالشمس، لا يحتاج إلى وزوزة أو سرية أو كواليس أو خنادق أو أماكن خفية، أما الذي عنده بدعة أو الذي عنده طريقة تخالف العلماء وتخالف الدعاة، وتخالف ما شرع الله من الدعوة إليه، فلا شك أنه سيضطر إلى السرية، وسيضطر إلى مثل هذه الأساليب، لكن نقول: إذا كنت مشفقاً خائفاً على أخيك، فليس الحل هو منعه، بل الحل أن تدخل في وسط زملائه وتنظر ماذا يقرءون وماذا يصنعون وأين يذهبون ومن يزورون وبمن يتأثرون؟ فإذا وجدتهم على منهجٍ صحيح، فالحمد لله، وإن وجدتهم على بدعة أو شرٍ، أو تفجير أو تكفير، أو عدوان أو ضلالة، فعليك أن تسحبه منهم ولو بلغت لحاهم ما بلغت، ولو بلغت ثيابهم ما بلغت، ولو بلغت أقوالهم ما بلغت.

دور الأسرة في تربية وتوجيه النشء

دور الأسرة في تربية وتوجيه النشء أهم خطوة في إصلاح المجتمع هي تربية النشء وتحصينه، وهذه التربية هي مسئولية الأسرة، رجالاً ونساءً، فكل فرد راع ومسئول عن رعيته. وفي هذه المحاضرة بيان لبعض ما يجب أن يحصن منه الأبناء، مع توضيح لكيفية معالجة المنكرات وأهمية وجود القدوة في البيت وغير ذلك.

كيفية الحفاظ على المجتمع

كيفية الحفاظ على المجتمع الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة في الله! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام الخالدة: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. وأسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء المبارك بمنه وكرمه أن يجعل اجتماعنا هذا مرحوماً، ويجعل تفرقنا من بعده معصوماً، وأن لا يجعل فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً. إنها لبادرة مباركة وليست الأولى ولن تكون الأخيرة، أن نرى أنديتنا تتميز بحمد الله عز وجل بالدعوة والتبني لأنشطة تربوية ثقافية فكرية نافعة تبني الخير والفضيلة في نفوس أبناء الأمة، وتحارب الشر والمنكر في صفوف أبناء الأمة. ولا شك أن كل مجتمعٍ على وجه الأرض لا يستغني عن هاتين الخصلتين، لا يستغني عن الأمر بالمعروف، ولا يستغني عن النهي عن المنكر، لا يستغني عن الدعوة إلى الخير، والتشجيع عليه، والحث على البذل فيه، ولا يستغني عن مقاومة رياح التغريب والفساد والشر التي أصبحت حرباً ضروساً شعواء واضحة بينة، وصلت كثيراً من المجتمعات، بل ودخلت كثيراً من البيوت، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولقد عُقِدت ندوات، وأقيمت محاضرات، وقيلت خطب، وكُتِبَت بحوثٌ وكلمات، وصاح المخلصون، ونادى الغيورون يحذرون ويقولون: إننا نواجه خطراً لم يزحف على الأرض، ولكنه جاء عبر السماء، هذا الخطر الذي لا يمر يوم من أيامنا، إلا وتزداد المشكلة تعقيداً في مواجهته، لقد كان الشر والفساد والبدع والانحراف يمكن مقاومتها فيما مضى بأن يغلق الواحد داره على نفسه وأهله، وكان بوسع الواحد أن يكون بمنأىً وفي بُعدٍ عن مثل هذه الشرور والآثام، أما والحال هذه في عصرٍ أصبح العالم فيه قرية واحدة صغيرة، فالذي في الصين يحدث الذي في طنجة، وكأنما يهمس في أذنه ليسمعه، والذين في أدنى الأرض يتكلمون مع الذين يحلقون في أعلى السماء، وأصبح الخبر يقع شمالاً فيدري به أهل الغرب في ثوان، ويقع الأمر في الجنوب فيعلم به أهل الشمال في دقائق، هذا واقع يحتاج إلى مزيد من البحث والفكرة، ويحتاج إلى مزيد من الوعظ والنصح والتفكير والتدبر في كيفية محافظة المجتمعات المتميزة بالفضيلة والحياء والعزة والكرامة والتدين والاستقامة، كيف تحافظ هذه المجتمعات على دينها وقيمها ومبادئها وأسسها في ظل هذا الاتصال الخطر. الجو الذي نعيش فيه مملوء بالصور والكلمات، ولا أدل على ذلك من أن أدنى وسيلة وهي ما يسمى بالدش يُنصب في سطح دارٍ فيترجَم لك هذا الهواء الذي تتنسمه وتعيش فيه وتتقلب فيه؛ يترجَم لك هذا الأثير إلى صورٍ وكلماتٍ تُبَثُّ وتُرْسَل بل ويُغْزَى بها من كثيرٍ من أقطار العالم، كان الناس يعرفون الحرب قنبلة تُقْذَف من طائرة، وكان الناس يعرفون الحرب دبابة تزحف على الحدود، وكان الناس يعرفون الحرب جيوشاً جرارة تهز الأرض هزاً حتى تدخل المدن، أما والواقع اليوم قد اختلفت فيه صور الحرب اختلافاً جذرياً، فأصبحت شعوبٌ تستسلم للحرب وتستقبلها، وتعانق أعداءها، وتحيي قاتليها، وتصافح الذين يهدمون العفة والكرامة في بيوتها من حيث لا يشعرون، وذلك عبر هذه الصور وهذه الكلمات التي تبث عبر الأثير. فأسألكم بالله أيها الأحبة، قولوا لي كيف نحافظ على نشئنا؟ كيف نحافظ على أولادنا وبناتنا؟ كيف نحافظ على المراهقين والمراهقات؟ كيف نحافظ على الشباب والشابات؟ أي وسيلة ناجعة تجدي؟ أنجعل رءوسهم في الرمال ونقول لهم: لا تبصروا، لا تنظروا، لا تسمعوا، لا تتكلموا، لا تختلطوا؟! هذا ليس بحل؛ وإنما الحل أيها الأحبة والعلاج هو: دور الأسرة في تربية النشء.

التربية حقيقة النجاح والنجاة

التربية حقيقة النجاح والنجاة إن من المسلمين الذين ولدوا في الغرب في أمريكا وفي أوروبا، وفي كثير من الدول الكافرة، التي يُعَدُّ العهر فيها أمراً طبيعياً، ويُعَدُّ الانحراف فيها أمراً ليس بغريب، ويُعَدُّ الفساد فيها أمراً يُستنكر على كل من بلغ سناً معينة ولم يرتكبه ولم يفعله، إن هناك بيوتاً، وأولاداً، ونشئاً، وأسراً، ورجالاً، ونساءً يرون الصورة النكراء العارية فيغض الواحد نظره وبصره عنها دون حاجة إلى واعظ يعظه، ودون حاجة إلى ولي يرشده أو يعده أو يعاقبه، ويرى أحدُهم الفساد والشر والمنكر والبلاء فيقوم في قلبه قائم المراقبة والخوف والخشية والتقوى لله عز وجل فينحرف وينصرف ويبتعد وينأى بنفسه عن المنكر، دونما حاجة إلى محتسبٍ أو رقيبٍ، أو شرطيٍّ أو حسيب، أو غير ذلك. كيف وصل هؤلاء إلى هذه المرحلة؟ كيف بلغوا هذا النجاح؟ وأسميه نجاحاً لأنه ليس النجاح أن يكون عندك ولدٌ لا يوجد عنده الشر والمنكر والفساد؛ لكن لو خلا به أو حصل له أو تيسر له لم يتردد فوراً في اقترافه ومعاقرته وفعله، بل النجاح هو أن يكون لديك من الولد والنشء من لو أحاطت به الفتن من كل جانب وتزخرفت له المغريات، وفُرشت أمامه الفتن، وحلَّقت من فوق رأسه الشهوات، ثم غض بصره وصرف نفسه وقال: معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين، هذا هو النجاح الحقيقي. ولا شك أن من العصمة ألا يقدر العبد على معصية، من العصمة أن يعجز العبد عن معصية ربما يريدها وربما يشتهيها وربما يتمناها، ولكن فوق ذلك كله أن تكون المعصية قريبة وهو يصرف نفسه عنها ويقول: معاذ الله معاذ الله {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة:28] كيف يكون هذا؟ بشيء واحدٍ وهو الذي ثبت بالتجربة والدليل، وقبل ذلك بالنص من الكتابة والسنة جدواه ونجاحه وعاقبته وفائدته ألا وهو: التربية الصالحة.

رحلة تحصيل الولد وأهمية الحفاظ عليه

رحلة تحصيل الولد وأهمية الحفاظ عليه إنها رحلة طويلة يوم أن يسعى الواحد منا ليحصِّل نشئاً وذرية وولداً، وكلكم مر أو سيمر بهذه المرحلة. مَن الذي تزوج ولم يمر بهذه الرحلة الطويلة؟ أولاً: الهم والفكر والسهر الليالي الطوال في اتخاذ القرار. - ثم بعد ذلك: جمع المال، وما كلٌّ تيسر له المال حتى يتزوج به، فهذا يشتري صالون ويستدين سيارتين، ويستدين ثلاث (مونيكات) ويستدين من الناس، ويقترض من الناس، ويبقى زمناً يجمع المال، ويدخر من المرتب، ويحرم نفسه من بعض الأشياء، حتى يجمع المهر. - ثم بعد ذلك: رحلة في البحث عن المرأة، وبيتٌ يقبل، وبيتٌ يرفض، وبيتٌ بشروط، وبيتٌ لا يوافق، وبيت كذا، إلى أن يصل بيتاً يعطونه ويكرمونه ويوافقون على تزويجه. - ثم بعد ذلك: وليمة ومناسبة، وكرامة وعرس وحفلة. - ثم بعد ذلك: بناءٌ بالمرأة ودخولٌ بها. - ثم إنفاق عليها، وخوفٌ عليها، وإشفاق عليها. - ثم تبدأ عليها علامات الحمل، ويبدأ الإنسان يحمل في فكره بقدر ما تحمل المرأة في جوفها، إن كانت تحمل جنيناً ينمو، فهو يحمل في فكره هماً ينمو، والله {هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] ولكن لا شك أن مَن تزوج فقد ركب البحر، ومن وُلِد له فقد كُسِر به، ليست المسألة سهلة، هم الذي لا زوجة له ليس كهم المتزوج، وهم المتزوج الذي عنده أولاد ليس كهم المتزوج الذي لا ولد له، ومن تزوج ورزق الولد عرف ذلك، ماذا بعد هذا؟ - إنفاق على المرأة، وعلاج، وفتح ملفات ومراجعات دورية، إلى أن يبلغ الجنين تمامه ويصل الأمر إلى غايته. - ثم يولد هذا المولود، والفرحة والبشائر والعقيقة. - ثم التربية والحليب، واللباس والدواء، والطعام والإنفاق، ويستمر الإنسان يصرف ويسهر الليالي الطوال على هذا الطفل؛ ما الذي أصابه؟! لم يأخذ رضعته، لم يشرب حليبه، ما أكل أكله، فيه بردٌ، فيه زكامٌ، فيه صداعٌ، فيه بلاءٌ ثم لا تزال أنت تعاني في تربية هذا الولد، والرحلة قد بدأت من قرار الزواج، ولا تزال في الرحلة، رحلة النشء هذه. - ثم يكبر الولد، ينمو رويداً. - ثم تدخله المدرسة وتعتني به. - ثم يأتي كثيرٌ من الناس إلى قرارٍ سفيه، قرارٍ حقير، قرارٍ تافه، قرارٍ ضار، قرارٍ مهلك، قرارٍ مدمر، يقول: خذوا هذا الولد وافعلوا به ما تشاءون، طبعاً هو لا يقولها بلسان المقال، بل يقولها بلسان الحال، وما الحال التي يقال بها هذا الكلام؟ إنها حال الذي يقول: خذوا الولد يا أبناء الحارة وتحدثوا معه بما تشاءون وكيفما تشاءون، واسهروا معه إلى أي وقت تشاءون، وخذي الولد أيتها الشاشة وحدثيه بما شئتِ من الأفكار والأفلام والمسلسلات التي تعرض عبر القنوات، وخذوا الولد يا جلساء السوء، وقولوا وافعلوا وتصرفوا وتكلموا واذهبوا وروحوا واغدوا به كيفما تشاءون. هذا حال كثيرٌ من الناس! أبعد هذه الرحلة الطويلة، تَدَيَّن المال، والزواج، والنفقة، والحمل، والولادة، والدواء، والغذاء، والكساء، ثم لما بلغ السن والغاية التي إليها مدى ما كان فيها يؤمل، لما بلغ هذه الغاية الجميلة التي يفرح الإنسان في بداية بلوغها أن يوجه الولد، أن يكون هذا الولد الذي أصبح خامة بيضاء، عجينة طرية، صفحة نقية، تقبل الكتابة بأي خط وتحفظ الفكرة بأي وجهة، وتقبل التوجيه على أي صورة؛ لما بلغت هذه المرحلة الذهبية من التقبل والاستجابة رمى بها عرض الحائط، وقال للمجتمع، وقال للقناة الفضائية، وقال للخادمة، وقال لجلساء السوء بلسان الحال لا بلسان المقال: افعلوا به ما تشاءون.

عاقبة إهمال التربية في سن مبكرة

عاقبة إهمال التربية في سن مبكرة ثم بعد ذلك: إذا بلغ الولد ست عشرة سنة، أين هو؟ لماذا تأخر؟ لماذا يسهر؟ لماذا وقع في التدخين؟ لماذا فعل هذه المعصية؟ لماذا ارتكب هذا المنكر؟ لماذا لا يسمع كلامي؟ لماذا يعق أمه؟ لماذا يقطع رحمه؟ لماذا يرتكب المخالفات؟ لماذا فشل في الدراسة؟ لماذا أخفق في التربية؟ لماذا؟! أنت الذي جنيت، يداك أوكتا وفوك نفخ، (على نفسها جنت براقش) كما يقال، أهملته وتركته وضيعته في سن التوجيه والاستجابة والتأثر والتقبل، ثم بعد ذلك تقول: لماذا لم يخرج لي ولد متفوق؟ لماذا لم يكن على مستوىً لائق؟ لماذا لم يصاحب جلساء طيبين؟ لماذا لم يكن مع الأخيار والأبرار؟ أنت الذي ارتكبت هذا. ولذا أيها الأحبة أقول: إن السياج المنيع والحصن الحصين للنشء إذا أردنا أن نفتخر به كما قال عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21] يعني: في الجنة، {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] هذا أمر من أراده فعليه أن يعتني بالنشء من وقت مبكر. يقول العوام: (البر في رجب) هذا مَثَل معروف عند العامة، إذا أراد أحدهم أن يحج يختار ذلولاً، ومن رجب يبدأ يغذيها، ويبدأ يعلفها، ويبدأ يعتني بها حتى إذا جاء قبل الحج بشهر أو شهرين أو شهر ونصف، بدأت رحلة الحج الطويلة، حينئذ يكون فيما مضى قد أعدها، (البر في رجب) يعني: رجب وشعبان ورمضان، ثم شوال وذو القعدة تبدأ رحلة الحج، إذاًَ ثلاثة أشهر قبل الحج وهم يعلفون الدابة، ثم في شوال وبداية الأشهر الحرم يبدأ رحلة الحج على هذه، فكذلك الذي يريد أن يلتفت إلى الولد لا يضيعه في فترة الأربع سنوات، والخمس سنوات، والتمهيدية، والروضة، والابتدائية، والمتوسطة، ثم إذا بلغ الثانوية وخاتمتها، أو بداية الجامعة، قال: هذا ولد عنيد، هذا ولد عاق، هذا ولد لا يسمع، هذا ولد لا يطيع، ما الذي صيَّره؟! ما الذي غيَّره؟! كان أبوك رجلاً عامياً لا يعرف إلا أن يصدر في المنحات، ولا يعرف إلا أن يسوق الأباعر، ولا يعرف إلا أن يبيع ويشتري في البهائم، ومع ذلك أخرجك وأنتجك أيها الرجل المكتسب القادر الذي تعتني بالأسرة، ما كان عند أبيك شهادة جامعية، ومع ذلك رباك تربية قوية وهو لم يفقه ولم يدرس في جامعة أكسفورد ولا في جامعات عالمية ولا محلية، وأنت يا من درست وعرفت وتعلمت القراءة والكتابة ما أنتجت وما خرَّجتَ ولداً صالحاً، نعم الهداية بيد الله، لكن للشيء أسبابه، إذا فعلت السبب حينئذٍ تقول: الأمر بيد الله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7] نعم تقول هذا إذا بذلت غاية ما في وسعك من سببٍ وقدرة، أما أن تضيعه ثم تقول: ما كتب الله هذا، إذاً لا تتزوج وقل: ما كتب الله لي ولداً، ولا تَبْذُر وقل: ما كتب الله لي بُرَّاً ولا ثمرةً، ولا تفعل السبب وقل: ما كتب الله لي ربحاً ولا تجارةً، هذا ليس بصحيح.

أهمية التربية الروحية ومكانتها

أهمية التربية الروحية ومكانتها أيها الأحبة: لنحاسب أنفسنا على قضية النشء والتربية، إن من العار، والعيب أن نهتم ببيوتنا في الألومنيوم الموجود في النوافذ، والمجنو وكسرة المجنو والسنديان الموجودة في الأبواب، والموكيت والفرش والأثاث، أكثر من اهتمامنا بأولادنا، كثيرٌ من الناس لا يعدو غاية اهتمامه بولده أو بنته مسألة الطعام والشراب واللباس، أظن الذي عنده بهيمة لو اشتد البرد يُدْخِلها من الحوش إلى داخل البيت، وأظن أنه يعطيها ويسقيها ويعلفها صباح مساء فليس هذا بكثيرٍ على الولد بل هو من الواجبات الشرعية التي يحاسب عليها العبد عند الله عز وجل إذا فرط فيها وضيعها، ويؤجر عليها إذا بذلها محتسباً لله، لكن القضية هي قضية التربية، أسألك بالله إذاً ما هي الفائدة من الولد؟ ما هي الفائدة من أن يكون لنا عشرة أولاد أو ولدان أو ثلاثة أو أربعة، إذا لم يكن ولداً يرفع الرأس، إذا لم يكن ولداً ينفع الأمة، إذا لم يكن ولداً بركة على نفسه وأمه وأبيه وأخواته وأسرته ومجتمعه فما الفائدة منه؟ {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]. وبعض الناس نسأل الله أن يحفظه ويهديه يقول: الزمان تغير، الوقت اختلف، لا، نحن الذين اختلفنا وضيعنا أسباباً كان آباؤنا وأجدادنا قد أمسكوا بزمامها، وثبتوا وأحكموا خطامها، وقادوها بحزمٍ وجدٍ حتى بلغوا نتائج طيبة في أنفسهم وذرياتهم، أما نحن فقد غلبنا السهر، والتواكل، والاشتغال بالأصدقاء والشلات والاستراحات، والسهر من بعض الناس عند الدشوش والقنوات، وعند وعند، والمرأة المسكينة مسئولة بهؤلاء الأطفال، والأطفال متمردون على هذه الأم الضعيفة، ثم بعد ذلك إذا بلغ الولد -كما قلت- غايةً عظيمة من السن قال: هذا ولد ما نفعني؛ لأنك أنت الذي ضيعته، لا تعب الزمان، ولا تعب الدهر ولا الشهر، ولا الليالي والأيام، العيب فينا نحن: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا وقد نهجو الزمان بغيرِ جرمٍ ولو نطق الزمان بنا هجانا أقول: إن كثيراً منا ربما اهتم بالسيارة، تلمَّع يومياً وتمسَّح ويدفع للعامل مائة ريال مقابل تنظيف السيارة، والخادمة في المنزل تلمِّع الألومونيوم والأبواب والأثاث وراتبها ستمائة ريال، وبعض البيوت فيها المُزارع ويدفع له ثمانمائة ريال، من أجل نباتٍ في الأرض ربما غفل عنه، فعاد هشيماً تذروه الرياح، لكنه لا يدفع شيئاً من أجل التربية، يا رجل! ألف ريال ادفعها من أجل العناية بهذا الولد في الدروس التي تنفعه لمراجعة ما تناوله صباحاً في المدرسة، لمذاكرة دروسه، لاجتهاده، لتفوقه، يقول: لا، تكفي المدرسة، أنا لا يمكن أن أصرف أكثر من هذا، سبحان الله العلي العظيم! الباب والنافذة والأثاث والمزرعة والحديقة في المنزل ومسح السيارة، المجموع ربما يُنْفَق عليه ألفي ريال، لكن الولد لا تُنفق عليه؟! هذه مشكلة عظيمة!

إهمال التوجيه سبب إخفاق في دراسة النشء

إهمال التوجيه سبب إخفاق في دراسة النشء لماذا أخفق الولد؟! لأنك لم تبذل له غاية الاهتمام، وأنا أثبت لك الآن الواقع، لماذا كثير من أولادنا الآن لا يحب المدرسة بل يبغض المدرسة، ويكره المدرسة، وتجد بعض الصغار كما سمعنا من بعضهم يقول: أتمنى أن المدرسة تسقط، أتمنى أن المدرسة تقع. يقول أحد الإخوة وهو مدرس: كنت في صغري إذا خرجت من مزرعتنا رأيت غرباناً تقف على جِيَف فيقول: كنت أقول: يا ليتني كنت غراباً ولا أذهب إلى المدرسة. وهذا يتمنى أن تأتي صاعقة من السماء وتَهدم المدرسة. وهذا إذا بلغ السادسة قال: خطُّوا خطين، ولن أكمل الدراسة. وهذا إذا بلغ الكفاءة قال: ما عاد هناك أمل، ابحثوا لي عن أي وظيفة من هنا أو من هنا، المهم أنني لا يمكن أن أواصل. لاحظوا: السبب واضح؛ السبب: أنه لا يجد كرامة وعزاً وفخراً في المدرسة، ولو كان من الطلاب الذين لهم التشجيع والكرامة والتأييد والمسابقة بالجواب، والثناء من المعلمين، لوجدت أنه يحب المدرسة، لكن إذا كنا نحن نهمله، ولا نعتني بواجباته، ولا نلتفت له، فإذا جاء في الفصل يسأل المدرس، فهؤلاء الطلاب يجيبون فرحين يرفعون أصابعهم، كلٌّ يقول: أستاذ! أستاذ! أستاذ! أنا الذي أجيب، وهذا الولد المسكين قد اختفى واحتجب بظهر زميله حتى لا يراه المدرس، فتُفَتَّش الكراسات والدفاتر فكلهم قد أجابوا إلا هو لم يُجِب، ويُشَجَّع القوم إلا هو يُهان، ويُفْخَر بالقوم إلا هو يُهْزَأ به، ويُجْعَل واقفاً أمام الجميع، عبرةً لكل متخاذلٍ متكاسلٍ ضعيف غبي لا يفقه ولا يفهم، مَن الذي يحب كل صباحٍ أن يُهَزَّأ، مَن الذي يحب كل صباحٍ أن يُهان، مَن الذي يحب كل صباحٍ أن يُثْنَى على غيره ويُذَم هو، أن يُمْدَح غيره ويُقَبَّح هو، أن يُكَرَّم غيره ويُذَل هو، ذلكم هو الولد الذي لم نلتفت له ولم نعتنِ بتعليمه، ولم ننتبه إلى ذلك، ثم بعد ذلك نقول: عجيب! الولد يكره الدراسة! فيقال: لا والله ستدرس والعصا على رأسك. فيرد: لا أدرس، فيقال: إلا تدرس، وهروب من البيت، ثم جلساء، ثم تبدأ القضية وهي مشكلة وحلقة بدايتها: إهمال النشء.

مكانة التربية في حياة النشء

مكانة التربية في حياة النشء وليست قضية النشء كما قلت آنفاً هي الدواء واللباس والغذاء والشراب وغير ذلك، لا، التربية مهمة جداً، إن الولد الذي نلبسه اليوم ثوباً جديداً سيتحول الجديد إلى ثوبٍ خَلِقٍ بالٍ بعد أسابيع، والذي نشبع بطنه اليوم سيجوع غداً، والذي يتضلع رياً من الماء العذب سوف يظمأ غداً، لكن الولد الذي نملأ دماغه علماً وفكراً لن يضيع العلم أبداً، ولن يضيع الفكر أبداً، ولن تضيع المعرفة أبداً. وإن أردتم كلمة الحق، يا أيها الأحبة، يا أولياء الأمور، يا من رزقكم الله بالذرية، أنفقوا تسعة أعشار الدخل على التربية والتعليم، واجعلوا العشر الأخير في الطعام والشراب والدواء واللباس، لن يضير الولد أن ينشأ جائعاً، أو لا يلبس شيئاً فاخراً، أو لا يشرب ماءً نقياً، أو شيئاً فيه من الأخلاط أو غير ذلك لكن يضيره ويضره كثيراً أن ينشأ جاهلاً متخلفاً. وكل امرئٍ والله بالناس عالمٌ له عادةٌ قامت عليها شمائلُهْ تعودها فيما مضى من شبابه كذلك يدعو كل أمرٍ أوائلُهْ هذه قضية ينبغي أن نعرفها تماماً. لقد خرج في مجتمعنا شبابٌ يصدق عليهم قول القائل: وأنت امرؤ فينا خُلِقْت لغيرنا حياتك لا نفعٌ وموتُك فاجعُ لو أصابته مصيبة لقيل: اجمعوا له من المسلمين المال حتى نحل مشكلته، لو فقد كِلْية ابحثوا له عن كلية، لو احتاج دماً تبرعوا أيها الناس حتى نعطيه دماً، لو أصابته علة: تصرفوا أيها الإخوة حتى نلتفت لعلته، لكن لما تبرعنا له، وجمعنا له، وانتبهنا له، ماذا قدم للأمة؟! ماذا قدم للمجتمع؟! ماذا قدم لنفسه في طاعة الله؟! ماذا قدم لأبيه وأمه من البر؟! ماذا قدم لإخوانه وأخواته من الصيانة والرعاية والعناية؟! ماذا قدم؟! A صِفْر، هو محسوبٌ علينا، مصيبته وموته فاجعة، لكن حياته وعافيته ليس فيها منفعة للأمة، هذا هو الأمر الخطير أيها الأحبة.

دور المرأة في التربية

دور المرأة في التربية إن للمرأة دوراً خطيراً وكبيراً وعظيماً جداً، وهذا الدور أيها الأحبة تَتَبَوَّؤُه المرأة وذلك لأن النشء والأولاد والصغار يمكثون مع المرأة (مع الأم والبنات والأخوات) أطول من مكثهم مع الرجال، ثم إن الناشئة الصغار أكثر التصاقاً بالأمهات من الآباء خاصة في فترة الطفولة، وهي فترة التقبل والاستجابة والتوجيه. وللمرأة أيضاً دورٌ في صناعة شخصية النشء صناعة مطردة متسقة ليس فيها انفصام ولا تناقض ولا ازدواج، إذا كانت المرأة مكملة لدور الرجل في التربية والعناية، أما إذا كانت المرأة هي الحارس التي تجعل الولد يجيد أدوار التمثيل أمام أبيه، من العقل والحياء والهدوء، فإذا خرج أبوه قالت: لقد ذهب أبوك افعل ما شئت. إذاً من النساء من تمارس دوراً تساعد فيه على تحقيق الازدواج والعياذ بالله، والانفصام في شخصية الطفل. متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنتَ تبنيه وغيرك يهدمُ؟! أنت تبني والأم غافلة، هذه مشكلة! إذاً فمسئولية الأسرة، في تربية النشء وفي توجيهه ليست مسئولية الرجل وحده بل تتحمل المرأة من ذلك عبئاً عظيماً وكبيراً، ومعلومٌ أن للمرأة دوراً حتى على الأزواج والرجال، فما بالك بأثرها على أولادها!

دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التربية والتوجيه

دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في التربية والتوجيه ثم إذا كان المسلم لم يستطع أن يوجه ولده، إذا كان المسلم عاجزاً عن التأثير والأمر والتوجيه والنهي لهذا الولد الذي هو في بيته، وأنت الذي تصرف عليه، وتنفق عليه وتعطيه وتلبسه وتكسوه وتعتني به؛ إذا عجزت عن توجيهه فلا شك أنك عاجزٌ عن توجيه الآخرين في المجتمع، إذا عجزت عن توجيه من لك عليه الفضل بعد الله، ومن لك عليه المنة بعد الله، ومن أنت السبب في وجوده بعد الله عز وجل، إذا عجزت عن توجيهه فقل لي بالله: كيف توجه من حولك؟! إذاً يفترض بالإنسان أن يكون واثقاً ثقة تامة مطلقة أنه قادرٌ على توجيه من عنده، وإذا كان الواحد عاجزاً كما قلت عن توجيه ذريته، وذلك أن النعمة والتربية والقوامة والولاية والمسئولية التي ألقيت على عاتقك تجاه هذا الولد، هي مظنة الجرأة والقدرة وعدم الخوف على هؤلاء، فيهون عليك أن تأمر وتنهى ولا تجد حرجاً في ذلك، فإذا عجزت عن توجيه هؤلاء فقل لي بالله من توجه؟! لقد وصف الله المؤمنين والمؤمنات بأنهم أولياء بعض، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] وهذه صفة عامة، وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محصوراً في الشارع أو في العمل أو في الوظيفة، أو في الاختلاط، أو في مستشفى أو في مكان ما، بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شامل وعام، ومن أهم ذلك: الأمر والنهي والتربية والتوجيه والإرشاد داخل البيوت، من الناس من لا يعرف الأمر والنهي في البيت، لا يعرف كيف يوجه، لا يستطيع أن يكلم أولاده بلغةٍ لطيفةٍ، وكلمةٍ رقيقةٍ، وصدرٍ حنونٍ، وعينٍ كلها رضىً ومحبة ولطف، وهدية وقُرْب، وخفضِ جناح، ولينِ جانب، وتودُّدٍ وتألُّفٍ، لا يستطيع أن يقول: يا أبنائي! هذا يُسخط الله، هذا لا يجوز، يا أحبابي! هذا يغضب الله علينا، الله الذي أعطانا السمع أعطانا البصر. قليل من الناس من يناقش أولاده بهذه الطريقة، قليل من الناس من يقارن لأولاده، هل يوماً من الأيام أتيت لتعلم أولادك مقدار نعم الله عز وجل، إذا رأيت صورة إنسان مبتلىً، فيه إعاقة من الإعاقات، أحضر الصورة وأحضر أولادك وقل لهم: انظروا يا أطفالي، انظروا يا أولادي، هذا قد ابتلاه الله عز وجل بهذا وأنتم قد عافاكم الله من كل ذلك، فاحمدوا الله، اشكروا الله عز وجل، وإذا طُلِب منك مساعدة فقير أو مسكين اجعل الولد الصغير هو الذي يذهب ليسلم المساعدة، وإذا أتى قل: يا أولادي، احمدوا الله أنكم لستم هذا المسكين السائل، وأنكم أنتم الذين تتصدقون، فلا بد من التربية والتوجيه والأمر والنهي بمختلف الأساليب والوسائل، هذه تنمِّي في قلوب الأطفال والنشء كيف يرعون نعم الله وكيف يشكرونها: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].

إمكان تغيير منكرات البيت

إمكان تغيير منكرات البيت ثم إن أي خطأ من الأخطاء أو منكر من المنكرات سواءً كان المرتكب له نشئاً صغيراً أو كبيراً أو من أهل البيت؛ لا بد أن يتضافر أهل البيت على تغييره، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) قد ترى منكراً في الشارع؛ لكن لا تجد من سبل التغيير إلا الإنكار بالقلب والإنكار باللسان، أن تأتي إليه وتقول له: يا فلان اتق الله، هذا يُسخط الله، ولا يُرضي الله عز وجل، لكنك في بيتك أنت قادرٌ على أن تغير بيدك، قادرٌ على أن تغير بلسانك، ولا شك أنك قادرٌ أيضاً على أن تنكر هذا بقلبك، ومن أنكر شيئاً بقلبه بان ذلك في قسمات وجهه وألحاظ بصره. والعين تعرف من عينَي محدثها إن كان من حزبها أم من أعاديها أيها الأحبة! إن القوامة للرجل على المرأة، والسلطة والإنفاق، كل ذلك داعٍ إلى احترام قول الزوج وقول الأب وقول الولي فيما أمر به ونهى في توجيه الناشئة، وكلما كان الإنسان أقدر على الأمر والنهي كان الإثم الذي يتعلق به ويلحقه بترك الأمر والنهي أعظم، هذا الذي إذا أمر أو نهى لا يُسمع له قد لا يتعلق بذمته من الإثم بترك الأمر والنهي بمثل ما يتعلق بذمة الذي إذا أمر أطاعه مَن حوله، وإذا نهى انزجر عما نهى عنه مَن حوله، وإذا رضي دنا مَن حوله، وإذا سخط خشي مَن حوله، هذا يتعلق برقبته من الإثم ويحاسبه الله عز وجل على الأمر والنهي أضعاف أضعاف ما يحاسَب هذا؛ لأن كل واحدٍ ينال من الثواب بقدر ما يبذل، وعليه من المسئولية بقدر المنزلة التي يُعطَى إياها ويتحملها ويتبوَّؤها. أحبتنا في الله! إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان عاماً للأمة فهو أيضاً خاص في الرجل مع أهل بيته، ولذلك قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]

الإشفاق على المرء من النار أولى من الإشفاق عليه من المرض ونحوه

الإشفاق على المرء من النار أولى من الإشفاق عليه من المرض ونحوه يقول لي أحد الإخوة الأفاضل بالأمس القريب بعد صلاة العشاء كنا في شركة من الشركات، وكان عندنا عامل من العمال، فحصل أن هذا العامل انسكب على يده زيت ساخن، فأصاب يده شيء من آثار الحروق والآلام، وزيت يغلي. ما ظنك، زيت يغلي انسكب على يد عامل، مؤكد أنه سينسلخ شيءٌ من اللحم. يقول: كلنا جميعاً انزعجنا وأخذناه وذهبنا به إلى المستشفى وإلى الإسعاف، ووقفنا معه؛ لأنه من لا يَرحم لا يُرحم، حتى وإن كان هذا العامل كافراً! يقول: كان عاملاً كافراً؛ لكن في كل كبدٍ رطبة أجر، والراحمون يرحمهم الرحمن، ومن لا يرحم لا يُرحم، والبغي من بني إسرائيل دخلت الجنة بسبب كلب سقته بعد أن رأته يلعق الثرى من العطش، قال: فلما عالجناه، ووضعوا له الشاش التفت بعضنا إلى بعض، قال: سبحان الله! يوم انسكب على يده قطرة زيت كلنا قمنا نفزع له، والآن نراه كافراً، ومآله إلى جهنم، ولا أحد فزع له يدعوه إلى الإسلام والتوحيد، ما أحد فزع يدعوه إلى الإيمان حتى يتجنب نار جهنم، من قطرة زيتٍ أشفقنا عليه، وخفنا عليه، ورحمناه، وبادرنا بالذهاب به إلى المستشفى حتى لا تتضاعف إصابته، ونحن نعلم أنه إن مات على الكفر فلا شك أن مآله جهنم وساءت مصيراً، فلماذا لا نشفق عليه بدعوته إلى الإسلام؟! قال: فبدأنا ندعوه. وأقرِّب هذا المثال لك: لو أن قطرة من زيت انسكبت على يد أو قدم ولدك، لو أن شيئاً من الحريق أصاب طرفاً من أطراف بدن ولدك، ما الذي يقع؟ ستنزعج وتسهر وتخشى، ولن تدع طباً ولا سبيلاً ولا طريقاً لعلاج هذا الولد إلا وتبذله! وأنت تعلم يا أخي أن الله عز وجل يقول: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6].

كل راع مسئول عن رعيته

كل راع مسئول عن رعيته نعم. لا بد أن يتعلم الإنسان كيف يعتني ويلتفت، ثم لنتذكر جميعاً المسئولية العظيمة الخطيرة التي قالها صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر وقد خرَّجه الشيخان قال: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدها وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسئولٌ عنه، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته) لا أحد يُترك عبثاً، أنت مدير على أربعة موظفين راعٍ وسيسألك الله عن هذه الرعية، أنت مسئول عن منطقة راعٍ، والله يحاسبك عليها، أنت توليت وزارة راعٍ، والله يحاسبك عليها، أنت توليت زوجة وأولاد راعٍ، والله يحاسبك عليها، (ألا وكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته). ومن واجبنا أيها الأحبة أن نعتني بالرعية، وأن نلتفت إلى النصح والإرشاد فيها بلطيف القول، ورقيق العبارة وطيب الكلام، ومن تأمل سورة لقمان وما فيها من الوصايا التي أوصى بها لقمان ولده ووعظه بها وجد الأنموذج الأمثل والصورة الرائعة في نصيحة الأب لولده واحتسابه في التوجيه والإرشاد والتنبيه، اسمعوا إلى قول الله عز وجل! {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} [لقمان:13] خذوا هذه الآية، وليقرر كل واحد منا أن يخلو بولده، إذا كان عندك مجموعة أولاد لابد من جلسة انفرادية لكل ولد على حدة، غير الجلسة الجماعية مع الأولاد في التوجيه والإرشاد، لأن كل ولد له صفات تختلف عن الآخر، ومن ثم له مشكلات تختلف عن الآخر، فلا بد من جلسات فيها وعظ وإرشاد وتوجيه وتنبيه. {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16] وهذا من الخطاب الذي يُعَلَّم فيه الولد الخشية والخوف والمراقبة من الله سبحانه وتعالى، وهذه مهمة، لا تظن أن الصغير لا يفقه ولا يفهم ولا ينتفع بهذا، إن كثيراً من الكبار عصمهم الله عن منزلقاتٍ خطرة وكبائر مدمرة ومصائب شنيعة، بسبب أن الأميِّين والأميَّات من الآباء والأمهات، والأجداد والجدات، ربَّوا في نفوسهم أثناء الصغر كلمة الخوف والخشية، لاحظ أن الله يعاقب، ولاحظ الذي عليك، خوف الله، والله مطلع عليك، والملائكة تكتب أعمالك، وهو صغير يعظِّم في نفسه الخوف، حتى إذا قيل له في كبره وفي مسئوليته وفي توليه أمر أسرته وأمر بيته وأمر مَن حوله: اتقِ الله، يضطرب ويخشى ويخاف من الله سبحانه وتعالى، ولقمان يقول لولده: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16] المعنى: لا تظن أن شيئاً يخفى على الله، لا تقل: هذه صغيرة، لا تقل: هذه لا يُلتَفَت إليها: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]. من ربى في أولاده الصغار الخوف والخشية من الله، تراهم يتركون الكذب لأنهم تعلموا أن الله يغضب على الذي يكذب، ولا يسرقون لأنهم تعلموا من أسرتهم أن الله يغضب على السارق، ولا يقولون النميمة ولا يبدءون بفاحش القول أو سيئ الكلام؛ لأنهم يعلمون أن الله يبغض الفاحش البذيء، فما أجمل تربية النشء على ذلك!

عبد تقي من الجيل الأول

عبد تقي من الجيل الأول كان غلام مملوك لأحد العرب في زمن عبد الله بن عمر، هذا الغلام يرعى الغنم في البرية، فجاء عبد الله بن عمر ومعه صاحبٌ له ذات يوم فرأى هذا الغلام يرعى بغُنَيماتٍ، فأراد عبد الله بن عمر أن يختبر هذا الغلام الصغير، وانظروا أثر التربية في النشء كيف تصنع المعجزات وتأتي بالعجائب، قال عبد الله بن عمر لهذا الغلام: يا غلام احلب لنا شاة من هذه الشاء فقال الغلام: يا سيدي أنا عبدٌ مملوكٌ، وهذه الغنم لسيدي، وليس فيها حليب. فقال عبد الله بن عمر وأراد أن يختبره: يا غلام اذبح لنا واحدة منها، ونعطيك مالاً. فقال الغلام -يريد أن يتأكد هل فهم ابن عمر الكلام أم لا-: قال: قلت لك يا سيدي: أنا عبدٌ مملوك والغنم ليست لي، وأنا راعٍ فيها. فقال عبد الله بن عمر، يريد أن يختبره أكثر: خذ هذا المال وإذا جاء سيدك فقل: أكلها الذئب. فصرخ الغلام صرخة ونظر شزراً بعينٍ تقذف الشرر وهو يهز يده في وجه عبد الله بن عمر قال: فأين الله؟ فأين الله؟ فأين الله؟ ما أجمل هذه التربية الممتازة لهذا الصغير المملوك! فأُعْجِب ابن عمر بهذه التقوى وهذه الخشية التي في نفس هذا الغلام الراعي المملوك الصغير فقال: وأين سيدك؟ قال: العشية يأتي. قال: فلبث وانتظر حتى جاء سيده، فقال ابن عمر للرجل: هذا غلامك؟ قال: نعم. قال: وهذه الغنم؟ قال: هي لي، وهو راعٍ فيها. قال ابن عمر: إني أريد أن أشتري منك هذا الغلام. قال: أبيعك. فاشتراه منه. قال: وإني أريد أن أشتري منك هذه الغنم. قال: خذ أبيعك. فاشترى منه الغنم، فالتفت ابن عمر إلى الغلام قال: يا غلام، أنت حرٌ لوجه الله، وهذه الغنم خذها لك جزاء تقواك لله. {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3].

أثر التقوى في الحفاظ على الذرية

أثر التقوى في الحفاظ على الذرية حينما نربي أولادنا على خشية الله وعلى التقوى والله لو أطبقت عليهم السماء فإن الخشية والتقوى والخوف من الله عز وجل تحفظهم، واعلموا أن خير ما يحفظ الأولاد بعد موت آبائهم وأمهاتهم هو تقوى الله عز وجل. أن تتقي الله فيهم، ولا تطعمهم إلا حلالاً، وأن تتقي الله فيهم وتربيهم التربية الحسنة: (احفظ الله يحفظك) يحفظ لك ذريتك وأولادك وأهلك، قال تعالى في صدر سورة النساء: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:9] والذي عنده أولاد صغار مساكين ماذا يفعل؟ قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9] وقال تعالى: {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]. ولذلك في قصة موسى والخضر: ((فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ} [الكهف:77] موسى: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ} [الكهف:77 - 78] الآيات، قال: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:82]. والشاهد: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] فصلاحك في نفسك وصلاحك في تربية ولدك بإذن الله سببٌ لحفظ هذه الناشئة وحفظ هذه الذرية. أعود إلى وصايا لقمان عليه السلام لولده: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:16 - 19].

الحفاظ على الأبناء من غزو الفضائيات

الحفاظ على الأبناء من غزو الفضائيات أيها الأحبة: لا بد لكل واحد منا يجلس مع أولاده على انفراد، ولا يوجد خيار، إن لم توجهوهم أنتم سوف يوجههم جلساء السوء، أو الشاشة، أو القنوات الفضائية، أو كل من يرونهم أو يراهم من غادٍ ورائح، ولا أظن أن واحداً منكم يرضى أن يقال له: اترك ولدك لنا ونحن نتصرف فيه كما نشاء، نحن نأمر وننهى وندبر في أولادك كما نشاء، هل يوجد واحدٌ يرضى أن يخلو رجلٌ بابنته ساعاتٍ طوال يتحدث معها؟! طبعاً لا؛ هذه الشاشة تجلس مع البنات ساعات وساعات، فأسألك بالله هل أنصتَّ لما تقول الشاشة لهذه البنت؟ أقل الأحوال: كن جالساً وانظر ما الذي يحدث، هل هو يسر أم يضر؟ هل ينفع أم لا ينفع؟ لكن لا، الخطر المحسوس هذا نخشاه، لكن الخطر الذي يستتر بمجلة، بكتاب، ببث إعلامي، بشيء آخر، فهو مقبول، حتى بعض الناس لو جاء رجلٌ طيب أو شاب طيب يريد أن يأخذ ولده إلى حلقة تحفيظ قرآن أو إلى مكتبة يُشْكَر على عنايته، ما أقول إنه يُشْكر على منعه من ذهاب ولده مع الصالحين، لكن يشكر على تثبته ماذا تفعلون؟ وماذا تقرءون يا ولدي؟ وما هو الحديث الذي يُدار؟ وما هو الكتاب الذي تقرءون فيه؟ ومن هو مؤلفه؟ أعطني هذا الكتاب أتأمل فيه، هذا ليس بعيب أن يكون الرجل متثبتاً متأكداً من الأفكار التي تُتَداوَل وتُناقَش مع ولده، لكنه من الممكن أن الأفكار التي في كل القنوات الفضائية تدخل في ذهن ولده دون أن يكون على ذلك حسيب أو رقيب أو مطلع أو غير ذلك، وهذا وايم الله من أشد وأخطر أنواع البلاء. إن الله عز وجل قال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] الأمر أمر الأولاد، أمر الناشئة بالصلاة: (مروا أولادكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرقوا بينهم في المضاجع) هذه التوجيهات، هذه التربية، هذه الآداب النبوية هل نعتني بها كما أمر الله، وكما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الواقع يشهد أن كثيراً من الناس ضيعوا ذلك وأهملوه. وعند الصباح يحمد القوم السُّرى (الذين اعتنوا بأولادهم وربوهم تربية طيبة) ولكنك لا تجني من الشوك العنب إذا أنت جعلت أولادك في مسبعة، وفي أرضٍ مليئة بالكلاب والذئاب، ثم تقول من أين نُهِش الولد؟! ومن رعى غنماً في أرض مسبعةٍ ونام عنها تولى رعيهَا الأسدُ لا يُلام الذئب في عدوانه إن يكُ الراعي عدو الغنمِ

توجيه النشء بين الأمس واليوم

توجيه النشء بين الأمس واليوم أود أن أوجز ما تبقى من هذه الكلمات بمسمعٍ منكم أيها الأفاضل لأؤكد وأكرر أن الإسلام وهذه الشريعة المحمدية والهدي النبوي جاء مؤكداً على ضرورة التوجيه منذ نعومة الأظفار، ومنذ بداية السن، وليس بعد زمنٍ متأخرٍ كما يفعله كثيرٌ من الناس. إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عمرو بن سلمة، كان غلاماً صغيراً تطيش يده في الصحفة، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه، قال: (يا غلام! سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) ثلاثة توجيهات، (يا غلام! سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك). من المؤسف أن تجد كثيراً من الآباء والأمهات اليوم لا يعتنون بتوجيه الناشئة بآداب الإسلام، لا في الطعام، ولا في الشراب، ولا في الدخول، ولا في الخروج، ولا في دخول الخلاء، ولا عند المبيت، ولا عند الاستيقاظ، لقد تعلمنا كما قلت من عجائز جدات وأمهاتٍ ما عرفوا الدراسة ولا يعرفون الألف من الباء. إذا أصبحنا بمجرد أن تشير الأم إشارة، يقول: لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله، أول ما يصبِّح بذكر الله عز وجل. وإذا أراد أن يأكل: مَسَكََت يده، ماذا نسيتَ؟ فيقول: نسيتُ باسم الله، ثم تطلق يده. وإذا أراد أن يقوم: مَسَكَت ثوبه، ماذا نسيتَ؟ قال: نسيتُ الحمد لله، يحمد الله بعد ذلك. إذا أراد أن يدخل: ماذا تقول؟ اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. هؤلاء الذين رضعوا الدين رضاعة، وعاشوا على الفطرة، ما دنَّستهم قنوات، ولا أفسدتهم ماديات، ولا غيرتهم عجائب وغرائب الزمان، علَّموا وخرَّجوا رجالاً وأجيالاً، وقادة وسادة، وأمراء وصالحين، ووزراء ومهندسين، وطيارين ومعلمين وكل التخصصات التي تحتاجها الأمة، تخرجوا من أمهات وآباءٍ أميين وأميَّات، وللأسف أن كثيراً من المتعلمين والمتعلمات اليوم لا يخرجون جيلاً مؤدباً يلتزم بآداب الإسلام وأخلاقه وتعاليمه. إن القضية ليست شهادة، وليست القضية مرحلة، وليست القضية مرتبة ولا جاهاً ولا نسباً؛ المسألة هي: العناية. هل يسرك أن يستمر عملك بعد موتك؟ هل تتمنى أن تُدفن في المقبرة ويكون هذا آخر عهدك ونهاية رصيدك وإقفال حساباتك في الأعمال الصالحة؟! أم تتمنى أن تكون ممن يجري لهم العمل الصالح حتى ولو بعد دفنهم وموتهم وفراقهم الدنيا، إن كنت كذلك فعليك بالولد الصالح بتربيته ونشأته، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علمٍ ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولدٍ صالح يدعو له). لسنا جميعاً أثرياء حتى نقول: سنترك صدقات جارية، لسنا جميعاً علماء حتى نترك علماً يُنتفع به، لكن الكثير والغالب إلا النادر هو الذي يستطيع أن ينجب ولداً، فإذا استطعت الإنجاب فاجعله ولداً صالحاً يدعو لك بإذن الله، ويبقى لك.

العمل الذي يبقى بعد الموت

العمل الذي يبقى بعد الموت هل يسرك أن يستمر عملك بعد موتك؟ هل تتمنى أن تُدفن في المقبرة ويكون هذا آخر عهدك ونهاية رصيدك وإقفال حساباتك في الأعمال الصالحة؟! أم تتمنى أن تكون ممن يجري لهم العمل الصالح حتى ولو بعد دفنهم وموتهم وفراقهم الدنيا، إن كنت كذلك فعليك بالولد الصالح بتربيته ونشأته، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علمٍ ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولدٍ صالح يدعو له). لسنا جميعاً أثرياء، حتى نقول: سنترك صدقات جارية، لسنا جميعاً علماء حتى نترك علماً يُنتفع به، لكن الكثير والغالب إلا النادر هو الذي يستطيع أن ينجب ولداً، فإذا استطعت الإنجاب فاجعله ولداً صالحاً يدعو لك بإذن الله، ويبقى لك.

بعض صور التربية

بعض صور التربية النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الحسن، أراد أن يمد يده إلى الأكل من تمر الصدقة، ومعلوم أن آل البيت لا تصح لهم الصدقة، ولا الزكاة فهل تركه؟! لا. بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كِخْ كِخْ! أما علمت أنَّا لا نأكل الصدقة) يعلمه ويربيه، فلا بد أن نعلم أولادنا وأبناءنا هذه التوجيهات وهذه التعليمات. المرأة إذا رأت تصرفات سيئة من ولدٍ أو طفلٍ أو صغيرٍ لا بد أن توجهه وتعلمه الاحترام والأدب والرحمة. روى الحافظ ابن عبد البر عن أم الحصين أنها كانت عند أم سلمة رضي الله عنها فجاء مساكين فقراء، فجعلوا يستعطون ويلحون وفيهم نساء فقالت هذه الصغيرة: [اخرجوا اخرجوا -طفلة تخرجهم من البيت، أبعدوا أبعدوا، وتحس أنها في معتصم وفي كرامة وهؤلاء فقراء ومساكين، فأخذت تتلفظ عليهم بهذه الكلمات، اخرجوا اخرجوا من بيتنا- فقالت أم سلمة رضي الله عنها: ما بهذا أمرنا يا جارية! ردي كل واحدٍ أو واحدة ولو بتمرة تضعينها في يدها] لا تطردي الفقراء، أعطي كل فقير ولو تمرة واحدة. كأن يأتي طفل صغير أو طفلة صغيرة فيقول: أبي أمي! عند الباب مسكين فتقول أمه: أغلق الباب في وجهه واتركه، فهذه تربية على القسوة، وتربية على وأد الرحمة في القلوب، لكن إذا قال الطفل: أبي أمي! عند الباب فقير عند الباب مسكين، تقول أمه: أسأل الله أن يغنيهم عنا وعن غيرنا، اذهب يا ولدي وافتح مكان التمر، وضع في هذا الصحن قليلاً من تمر، واذهب وافتح كيس الأرز وخذ منه، وليس بلازمٍ أن تعطيه عشرة ريالات، أو خمسين ريالاً، أو مائة ريال، ما كل واحد يستطيع أن يدفع نقوداً؛ لكنك لن تعجز، فلا ترد السائل ولو بتمرة، لا ترد السائل ولو بقبضة أرز، ولو بقبضة سكر ولو ببصلة تتصدق، يدفع الله عنك البلاء، تطفئ غضب الرب، تدفع ميتة السوء، وتربي ولدك على الرحمة بمثل هذا التصرف، هكذا كان الجيل الأول والصدر الأول يتعاملون ويعلِّمون.

كيفية معالجة منكرات البيوت

كيفية معالجة منكرات البيوت روى الإمام ابن أبي شيبة عن عمر بن سعيد بن حسين قال: [أخبرتني أمي عن أبي قال: دخلت على أم سلمة رضي الله عنها وأنا غلام وعليَّ خاتمٌ من ذهب، فقالت: يا جارية، ناولينيه، فناوَلَتْها إياه، فقالت: اذهبي به إلى أهله، واصنعي خاتماً من وَرِق -يعني: لا تلبسوه خاتماً من ذهب، مع أنه صغير، ما قالوا: صغير، لا بأس، بل يربونه حتى من الصغر على ما يجوز وما لا يجوز- فقلت: لا حاجة لأهلي فيه، قالت: فتصدقي به، واصنعي خاتماً من وَرِق]. لا بد من أن نتلطف ونحن نأمر وننهى ونربي هؤلاء الصغار؛ لأنهم يقبلون بالرفق وباللين بإذن الله عز وجل، لكن إذا تحول الأمر والنهي والإرشاد والتوجيه إلى تهديد، اسمع! إن رأيتك مرة ثانية تعمل هذا الشيء سأكسر أضلاعك، وأقطِّع جلدك، وأفعل بك كذا، وأجعلك لا تمشي، أساليب التهديد والوعيد للصغار أتدرون ما نتيجتها؟ إن التهديد ما عادت له قيمة، ما عاد له أي أثر. وبعض الآباء يرتكب حماقة لا يعلم بها، وهي: أن الولد يتصور أن أباه جبل عظيم ويرى الولد نفسه قطعة من حجرٍ صغيرة بالنسبة لهذا الجبل، ثم لا يلبث أن يرى الأب على هذا الولد خطئاً معيناً فيتحول هذا الجبل إلى صخرة أمام صخرة، وينزل وإياه في منازلة ومعركة يجعل نفسه نداً لهذا الولد، ويدخلان في حلبة ومصارعة مَن الذي ينتصر، سأفعل بك، سأجلدك، أو ربما بدأ بالضرب المبرِّح الذي لا ينفع، وذلك من الخطأ الفاحش، ما أجمل تأديب الصغار بالأمر والنهي، والترغيب والترهيب، والحرمان أيضاً! يعني من الأساليب التي تستطيع أن تأمر بها وتنهى، ما يلي: أنه إذا لاحظت على هذا الولد الصغير خطئاً، وجاء يسلم عليك، قل له: لا أسلم عليك، أنا بيني وبينك مشكلة، أنت الله يصلحك فعلت كذا، كل إخوانك صلوا إلا أنت ما صليت، كيف تريدني أن أكلمك، وبكرة لا يوجد مصروف المدرسة -على الأقل تخوفه بذلك- لا تتحدث معي. الحرمان نوع من أشد أنواع التربية، وأقسى أنواع العقوبة التي هي مؤثرة، وليس فيها جرح أو خدش أو إفساد لأسس التربية وأصولها. وهنا مسألة مهمة وهي: معالجة الأولاد بالحب، معالجة الأولاد باللطف، اقنع وتأكد أن الولد يعلم تمام العلم أنك أيها الآمر الناهي تحبه، ويعلم تمام العلم أنك أيها الآمر الناهي غيورٌ عليه، ويعلم تمام العلم أنك أيها الآمر الناهي مشفقٌ خائفٌ عليه؛ حينئذٍ يستجيب لك بإذن الله عز وجل.

بعض منكرات البيوت

بعض منكرات البيوت أيها الأحبة: كثيرة هي المنكرات في بيوت كثيرٍ من الناس اليوم، وهذا يستدعي أن ننتبه إلى التربية في وقتٍ مبكر: فمشكلات التدخين من المشكلات التي ربما نشأ عليها بعض الناشئة مما يرون ممن حولَهم، ولا بد من التربية المبكرة والتحذير المبكر من مثل هذه المشكلات. الغيبة والنميمة. دخول المجلات الخليعة والصور العارية. عدم التفريق بين الصغار والكبار في المضاجع. أخطاء خلوة السائق بالمرأة في البيت والسيارة. التشبه بالكفار. تقليد (التقليعات) الغربية. ترك الصلاة مع الجماعة. الخلوة بالهاتف سهراً. الخلوة بالأصنام والمجسمات المحرمة. وجود الخادمات الجميلات مع الشباب المراهقين. كثيرة هي المنكرات عند بعض الناس وفي بيوتهم، وما كأنهم يعصون الله أبداً، ولو قلتَ لأحدهم: اتقِ الله، خفِ الله، قال: وماذا نحن فاعلون يا أخي، أنت من يوم صبَّحت ومسَّيت وأنت تخوفنا بجهنم! ماذا أبقيتَ، أي عملٍ من الخير ترجوه -الله يهديك- بعد التوحيد، حتى بعضهم تجده مُخَلِّطاً يفقه، وربما يتساهل، ولو قادته الأمور إلى تخليطٍ أو إلى أمور تقدح في توحيده ربما ارتكبها ووقع فيها وهو لا يعلم أيها الأحبة.

أهمية اقتران العلم بالعمل

أهمية اقتران العلم بالعمل إذاً لا بد أن نعتني بهذه الأسرة، وأن نعتني بهؤلاء الناشئة، ولنتأكد أن أخطر شيء في التربية هي: مسألة التناقض. إنه ليس من اللائق أن يدعو الأب والأم الأسرة والنشء إلى الخير وهم يتجافون عنه، أو ينهوهم عن الشر وهم مبتلَون به، فمن فعل ذلك فقد استحق اللوم والتعنيف الشديد، وإنما كان التشنيع على هذا الصنف من الناس لكونهم عالِمين بوجوب ما تركوا أو بتحريم ما اقترفوا، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44]، {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3]. وما أجمل قول الشاعر: يا أيها الرجل المعلم غيرَه هلا لنفسك كان ذا التعليمُ! تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كيما يصح بها وأنت سقيمُ لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ فهناك يُقبل إن وعظت ويقتدى بالقول منك ويَنفع التعليمُ وقال الآخر: وغير تقيٍ يأمر الناس بالتقى طبيبٌ يداوي الناس وهو عليلُ وقال الثالث: ومن نهى عما له قد ارتكب فقد أتى مما به يُقْضَى العَجَبْ فلو بدا بنفسه فذادها عن غيها لكان قد أفادها

بعض وسائل توجيه النشء

بعض وسائل توجيه النشء لا بد أن ننتبه إلى مسائل في توجيه النشء: وهو استخدام الحوار والمناقشة، وليس أسلوب التجريح:- قد يكون الولد ارتكب الخطأ لأول وهلة وهو لا يعلم أنه خطأ (ليس المرء يولد عالماً) وإنما يتعلم ممن حوله، كثير من الأبناء يرتكبون أخطاء لا يعلمون أنها أخطاء، فما يمكن أن تبدأه بالسب والشتم والضرب وغير ذلك، بل للأسف أن بعض الآباء ربما سب ولده ولعنه وشتمه وشتم والديه، وشتم أهله وأمه وأهل أمه، هذه والعياذ بالله من الموبقات المهلكات. كذلك في التربية الطيبة: المشاركة الأسرية:- لا بد أن يكون لهذا الطفل شيء من الدور في البيت، تكلفه بمسئولية صغيرة، تجعله يقوم بعمل، قد يكون الطفل يحب أن يجلس معك وأنت في مكتبك، ليس هناك مانع، أعطه أوراقاً وقل له: صف هذه فوق بعض، ابحث له عن درج كتب، وقل له: انقل هذه الكتب من ذا المكان إلى ذا المكان، وإذا أكمل أعطه جائزة، ابحث له عن شغل معين وإن كنت ستفعلها ثانية، لكن كونه يأتي وأنت مشغول فتقول له: هيا انقلع، يا ولد، لا أرى وجهك، تعالي يا أمه خذيه لا يشغلنا، هو يريد أن يتعلم شيئاً منك، يريد أن يأنس بك، يريد أن يستفيد من تصرفاتك، سوف يقلدك فيما تفعل، الصغير يقلد الكبير، أعطه قلماً وورقة فارغة وقل له: اكتب، ارسم، دعه يجلس معك قليلاً، يألفك ويأنس بك ويسمع منك، وبين الفينة والأخرى ابتسامة، قبلة لهذا الصغير، توجيه، كلمة طيبة، وكما قلت: ما أثر أحدٌ على ولده بشيء كتأثير الأب على ولده بالحب، الإقناع أن هذا الولد محبوبٌ له مكانة، ومنزلة عند والده بإذن الله سبحانه وتعالى ينفعه. - ثم هنا مسألة وهي: المصارحة:- المنكرات التي تشيع في مجتمع من المجتمعات، لا بد أن نصارح الأبناء بها. مثلاً: في مجتمع من المجتمعات، يسمع الإنسان أنه يكثر فيه المخدرات، لا بد أنك تأتي بالولد وتقول له: يا ولدي، هناك شيء اسمه المخدرات، وتصارحه، المخدرات أصنافٌ وأشكال وهي: كذا وكذا وكذا، وتسبب للإنسان جنوناً وهستيريا وسهراً، ومن علاماتها كذا، والذين يوقِعون الناس في المخدرات من أساليبهم: تجد واحداً ما يعرفك ويهديك شيئاًَ، يبدأ يهديك قلماً، أو يعطيك شراباً ما تدري ما هو، لا بد أن تغرس في نفسه جانب الخوف والحذر، ليس الخوف من كل شيء، بل الخوف من الأشرار أو على الأقل الحذر، الخوف من المنكر ذاته والحذر من أصحابه، فذلك أمرٌ مطلوب. كذلك مصارحة الأم للبنت: يا بُنية! ذُكِر أن فتاة لعبت بالهاتف، وكان نهايتها أنها هُدِّدت بالفضيحة، ثم خرجت مع هذا الذي غازلها بالهاتف، ثم قتلها، وفعل بها، لا بد من التخويف، لا بد من المصارحة لأي مشكلة ظهر أنها انتشرت أو ظهرت، أو فشت في مجتمعٍ ما. بعض الأبناء مساكين لا يعرف شيئاً اسمه: اللواط، وهو قد يوجد في بعض المجتمعات والعياذ بالله، وقد ينتشر. فما الذي يمنع أن الأب يحذر: يا ولدي هذه من المعاصي التي خسف الله بها قوماً وعذبهم، وأرسل إليهم جبريل وجعل عالي قريتهم سافلها، وحصل كذا كذا، هذه الجريمة القبيحة التي فيها وفيها وفيها، لا بد أن يُحَذَّر منها، ويُبَغَّض إلى نفسه فعلُها، ويُحَذَّر منها قبل أن تبدأ عنده كوامن الشهوة والغرائز وغير ذلك، من أجل ماذا؟ من أجل أن لا تفعل به وهو لا يدري، وللأسف بعض الناس يقول: لا، هذا لا يعرف شيئاً، أنا ما أقول لك: ابدأ بشرح المنكرات له؛ لكن إذا كنت في مجتمعٍ وعلمت بذلك، يعني: بعض المدارس للأسف كما يخبرني بعض المديرين فيها أنه وجد أطفالاً معهم مخدرات، أليس من حق الناشئة البقية أن يحذَّروا من المخدرات حتى لا يُعْدِي بعضهم بعضاً؟! بعض المدارس وقع فيها بعض الأطفال في مثل هذه الانحرافات الخُلُقية! أليس من حقهم أن يحذروا من مثل هذه الأمور؟! فلا بد أن يُلْتَفَتَ إلى ذلك وبأسلوب المصارحة، وبحسن التوجيه، وبالكلمة الطيبة، والعبارة الرقيقة كما قلت، فذلك بإذن الله ينفع نفعاً عظيماً. أسأل الله أن يجعل لنا ولكم من ذرياتنا قرة أعين، وأن يجعلنا للمتقين أئمة. ونسأله سبحانه أن لا يرينا في ناشئتنا وأولادنا وبناتنا سوءاً ولا مكروهاً ولا عاراً ولا كريهة يا رب العالمين. نسأل الله أن يجمعنا وذرياتنا وإياكم في جنات النعيم. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجعل هذا الاجتماع خالصاً لوجهك؛ في موازين أعمالنا يوم نلقاك. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا واحفظ اللهم ولاة أمورنا، واجمع اللهم شملنا، وحكامنا وعلماءنا، ولا تفرِّح علينا ولا بنا عدواً، ولا تُشْمِت بنا حاسداً. اللهم من أراد بولاة أمرنا وعلمائنا شراً وفتنة ومكيدة، اللهم فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

دور الأندية في تربية النشء

دور الأندية في تربية النشء Q فضيلة الشيخ، إنا نحبك في الله! ما هو دور الأندية في تربية النشء مع العلم أن هناك نظرة متغيرة للأندية، ما توجيهكم حفظكم الله؟ A الأندية لها دورٌ كبيرٌ جداً، والقائمون عليها يتحملون مسئولية عظيمة أمام الله سبحانه وتعالى؛ لأن الدولة وولاة الأمور قد مكَّنوا هذه الأندية بإمكانيات لا تكاد توجد في كثير من المرافق. فبناءً على ذلك لا يمكن أن يكون هذا الدور الذي لأجله وبموجبه مُنِحت هذه الأندية الإمكانيات الضخمة إلا لأجل بناء المواطن الصالح، ولأجل ذلك تتحمل الأندية مسئولية التربية والمشاركة في نشر الكتاب النافع، الشريط النافع، إقامة المحاضرات النافعة، وهذا مما يُشْكر لهذا النادي المبارك، نادي الأنوار بـ حوطة بني تميم، جزاكم الله والقائمين عليه خير الجزاء. ومما أعرف وأعلم أن ثمة أندية كثيرة تعتني بهذا الجانب لكن المنتظَر ما هو أكثر من ذلك. أي نادٍ ستعلم في لائحة نظامه أو في مهماته أنه نادي رياضي وثقافي واجتماعي. الدور الرياضي معروف بمختلف أصناف اللعب الرياضية. لكن أين الدور الثقافي؟! وأين الدور الاجتماعي؟! لا بد أن يكون هناك دور ثقافي، وهذا يعتمد على جرأة الأخيار والصالحين، للمشاركة في هذه الأندية واستغلالها، هذه ميزانية للنشاط الثقافي، وهذه ميزانية للنشاط الرياضي، وهذه ميزانية للنشاط الاجتماعي، فلا بد أن يتنافس الجميع على قدم وساق؛ كلٌ يأتي بأروع الأدوار وأفضل النتائج، محققاً لها من خلال ما رُصِد له من هذه البنود، وهذا أمرٌ نافعٌ ومتيسرٌ وممكن. أما النظرة إلى أن الأندية شر فهذا ليس بصحيح، الأندية ما هي بأصنام، ولا هي بوحوش ولا بعفاريت، الأندية مبانٍ، إن عمرها الأخيار فهي خيرة، وإن عمرها الأشرار فهي شريرة، إن دعت إلى خيرٍ فهي خيرة، وإن دعت إلى شرٍ فهي شر، والعاقل ينبغي أن يستفيد منها، ولا بأس أن يُستفاد منها رياضياً بالقدر الذي يَبني الأبدان التي تقوى وتنشط في طاعة الله عز وجل، وحتى من واجب الأنشطة الثقافية أن توجه هؤلاء النشء الذين ربما ظن بعضهم أن التفوق والتميز الرياضي هو الهستيريا الرياضية والجنون الرياضي، إذا فاز فريق على فريق، فهذا يطلع بسيارته ويقطع الإشارة ويؤذي الناس، ويطلع بالعلم، وربما كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) يجعلها على (الصدَّام) أو على (الرفرف) أو تسقط في الشارع وتدوسها السيارات، مع أن ولاة الأمور جزاهم الله خيراً عمموا للدوريات بمنع هذا الفعل، ومن فعل ذلك سيعاقب عقوبة شديدة حتى لا تهان كلمة التوحيد، ولكن مع هذا أيضاً لا بد أن تكون هناك أدوار متكاملة، والدور الاجتماعي للأندية مطلوب جداً.

تقصير الناس في التربية القرآنية

تقصير الناس في التربية القرآنية Q فضيلة الشيخ التربية على القرآن الكريم والارتباط به من خلال الحلقات التي تمتلئ بها مساجدنا ولله الحمد هي أعظم التربية؛ ولكن الناس مقصرون في ذلك من خلال عدم إرسالهم إليها أو متابعتهم إذا كانوا ممن يستفيدون من هذه الحلقات، ما تعليقكم على ذلك يا فضيلة الشيخ؟ A يكفي في حلقات تحفيظ القرآن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) فالعناية بكتاب الله عز وجل تعلُّماً وتعليماً وحفظاً وتجويداً وتلاوةً هو من خير ما يبني النفوس، وفعلاً إذا امتلأ قلب الفتى الناشئ بذكر الله عز وجل نشأ على سمت ووقار واستقامة وصلاح، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (وشابٌ نشأ في طاعة الله). حلقات تحفيظ القرآن تُعوِّد الشباب أن ينشَئوا على طاعة الله، تعودهم أن يتعلقوا بقلوبهم في المساجد: (ورجلٌ قلبه معلقٌ في المساجد) فذلك من الخير العظيم. وأوصي إخواني جميعاً أن لا يقصر واحدٌ منا عن إرسال ولده إلى حلقة تحفيظ القرآن، لا تقصر في هذا الجانب، بل الواجب أن تبادر بإرسال ولدك إلى هذه الحلقة، لأنه لو يحفظ كل يوم أربعة أسطر أو نصف صفحة بإذن الله تعالى خلال زمنٍ يسير ستجد ولدك شاباً يرفع رأسك، وتفتخر، وتقول: هذا ولدي يحفظ عشرة أجزاء، قم يا ولدي استفتح بالقرآن الكريم في هذه المناسبة، في زواج أو مناسبة، أو حفلة يحضرها أمير أو وزير أو كبير، أو شيخ أو قاضٍ أو عالم، أو غير ذلك، افتتح بالقرآن الكريم، ويرتفع رأسك عزاً وكرامة أن ولدك هو الذي يفتتح هذا الحفل الكبير بالقرآن الكريم، وأنهم قالوا: فلان ولد فلان بن فلان؛ لكن لو أن ولدك ما يعرف إلا أغانٍ و (مالالوج) هل يسرك أمام الناس؟ يقال: والآن معنا المغني الصغير فلان ولد فلان، قم غنِّ، أهذا يرفع الرأس؟! طبعاً لا، والله ما يرفع الإنسان رأسه أن ولده مطرب أو رقاص أو فنان، لكن يرفع رأسك أن ولدك من حَفَظَة كتاب الله عز وجل، ويرفع رأسك أن يكون ولدك من الأخيار الأبرار الذي يُدْعَون إلى مجالسٍ يحضرها الوجهاء والكرماء والعلماء.

التشبه بالغربيين في الملبس

التشبه بالغربيين في الملبس Q فضيلة الشيخ! يلاحظ على البعض من الشباب صغار السن لبسهم (أقباعاً) على رءوسهم وكذلك لبسهم قمصان رياضية تحمل كلها عبارات مخالفة لشريعتنا السمحة، حتى أنهم لا يعرفون معناها، حتى وصل بهم الأمر لارتداء هذه الألبسة في الصلاة، والله أمرنا بأخذ الزينة عند كل مسجد، أرجو التنبيه عن هذه الظاهرة، جزاكم الله خيراً! A هذه الظاهرة ليست مشكلة وحدها، يعني: لو زالت هذه الظاهرة ستأتي ظاهرة جديدة، والسبب هو: أن هناك قبولاً لرياح التغريب، الغرب يدفع أعاصير ورياحاً شديدة إلى بلاد الشرق عبر القنوات الفضائية، والذي يعرض الليلة في القناة ستجده غداً يباع في بعض محلات الرياضة، والشبابُ يلبسونه ويرتدونه، وأصبح الآن المشهد مألوفاً، الشباب الذين رأيناهم في باريس وفي بروكسل وفي استكهولم، وفي أمستردام رأينا أمثالهم وأشكالهم في شوارعنا، والسبب: أن العالم كما قلتُ قرية واحدة، هذا لابسٌ قبعةً وهذا لابسٌ قبعةًَ، وهذا لابسٌ فانيلة الشِّيْنْهَابِيْز (34) لوناً، أشكال وألوان، ولابسٌ له سروالاً بشكل مزعج، وحالة سيئة، وربما والعياذ بالله تجد بعضهم في بعض الأماكن فاتحاً السيارة وفاتحاً الزجاج، ومولِّعاً الموسيقى الغربية التي لا يفقه منها شيئاً، فقط لكي يرتاح، ولو أنها تلعنه وتسب أباه فإنه يرتاح معها وهو لا يدري، لا يفقه شيئاً أبداً، هذه مصيبة، ليست المشكلة قبعةً، أو قميصاً، أو سروالاً، أبداً. المشكلة أن هناك رياح تغريب وافدة تحتاج إلى تصدٍّ قوي جداً، نحتاج إلى أن نقنع هؤلاء الشباب من خلال الإذاعة والتليفزيون والمدارس والأندية والمساجد وخطب الجمعة لنقول: إن هذه هجمة تغريبية تمسخ وجه الأمة وجيل الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يا أحبابي لو أن رجلاً ينتمي إلى قوم قتلوا أباك، أو قتلوا أمك، أو قتلوا جماعتك، أو آذوك وسبوك وشتموك وقذفوك، هل يسرك أن تتزيا بزيهم؟! أو تقلدهم في سمتهم؟! أو فيما هو من خصائصهم؟! A لا، لا يسرك أن تقلد أعداءك، الذين يذبحونك ويؤذونك، فما بال أبنائنا يتشرفون، بل ويفتخرون أنهم يقلدون أعداءنا الذين ذبحوا المسلمين في البوسنة، وجوعوهم في الصومال، وآذوهم في بقاعٍ كثيرة من الأرض. هنا خلل في التفكير، والخلل في التفكير يجعل الجوارح تتحول باتجاهات معاكسة للإنسان، في بدن الإنسان عضو صغير اسمه الطحال، من وظائف الطحال في الجسم: تصنيف الفيروسات التي تهاجم الجسم، فإذا جاءت فيروسات تهاجم الجسم فوراً يعلن الطحال حالة النفير ويصدر مضادات داخلية هو الذي يحددها بمعادلات ومقادير، ومن ثم يتسلط عليها لقتلها، لكن إذا اختل الطحال، أصبح يرى أن كريات الدم البيضاء والصفائح ميكروبات فيتسلط عليها ويقتلها، ويكون هذا خللاً ولا يعالجه الأطباء إلا بمحاصرة شديدة لدور الطحال أو استئصاله تماماً، وكذلك إذا صار الخلل في عقلية الناشئة وأصبحوا يرون أعداءهم أصدقاء، ويرون الذين يؤذونهم قريبين لهم محبين لهم، ويرون الذين يسبونهم ويشتمونهم يرون السب والشتم مديحاً وثناءً تلك مشكلة تحتاج إلى معالجة عقلية، ليست القضية معالجة القميص والقبعة، القميص والقبعة شكل من الأشكال ومظهر من المظاهر، القضية هي المصدر الذي صدرت منه هذه التصرفات من القبعة ولبس القميص وغير ذلك. وأنا أقول وأقترح، ورددت هذا مراراً على منبر الجمعة وفي كثيرٍ المحاضرات: إنه كما يوجد عندنا أسبوع المرور وأسبوع الشجرة، وأسبوع مكافحة الإيدز، نحتاج إلى أسبوع وأسابيع لمكافحة التغريب وتعليم الناشئة كراهية الغرب، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] نعلم الناشئة كيف يكرهون الصفات الذميمة القبيحة الخسيسة في الغرب، لكن أيضاً يتعلمون كيف يصنعون الصاروخ الذي صنعه الغرب، والآلة التي صنعها الغرب، والحاسوب الذي صنعه الغرب، بمعنى أن الأمور السيئة التي جاء بها الغرب نحتاج إلى أسابيع ودورات إرشادية عبر مختلف وسائل الإرشاد والتوجيه والتعليم؛ لزرع بغضائها وكراهيتها في نفوس أبنائنا وبناتنا، وإلا فإن الأمر ينذر بخطرٍ، وأسأل الله أن يدفعه عن الأمة أجمعين.

تربية المواشي وتربية الأولاد

تربية المواشي وتربية الأولاد Q فضيلة الشيخ! أود في هذه المناسبة أن تلقي الضوء على بعضٍ من الآباء الذين يهتمون ببناء الاستراحات ووضع حظائر للمواشي، ويتركون تربية أولادهم فما تعليقكم على ذلك؟ A هذه من المضحكات؛ أن الواحد يهتم بتربية البهائم ولا يهتم بتربية أولاده، فعلاً ربما بعضهم تجده ذاك اليوم متهللاً، لأن البقرة جاءت بعجل، والشاة الفلانية جاءت بسخلة، لكن ولده ماذا حفظ! المستوى الشهري للدراسة! هل يثني عليه المدرسون أو لا! ربما بعضهم يفتخر، يقول: عنده تيس ما دخل زريبة إلا يريح الذي فيها، هذه مصيبة، يفتخر بهذا التيس، ويفتخر بالعنز التي فعلت كذا، أما عندك أولاد تفتخر بهم وتعلمهم القرآن؟! أما عندك جيل تفتخر به وتعلمه ما ينفعه؟! مصيبة أن العقول تدنت إلى الاهتمام بالحديقة، شجرة أو شجرتين في البيت، وتلميع الألومونيوم، وتلميع الباب، وتمسيح السيارة؛ لكن الولد لا ما يُلَمَّع ولا يُعْتَنى به ولا يُلْتَفَت إليه، وكذلك تُرَبَّى المواشي، وما نقول: تربية المواشي حرام، بالعكس هذه تجارة ورزق وحلال، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أم هانئ اتخذي غنماً فإن فيها بركة) والغنم فيها بركة، والدليل على ذلك أن الكلبة تأتي بتسعة، ومع ذلك الكلاب تكاد تنقرض، قليلة جداً، ولا أحد يُؤكِّلها، والغنم من آدم إلى يومنا هذا والناس تأكلها والغنمة ما تجيء إلا بواحد أو اثنين، ومع ذلك تتناسل وتتكاثر، هذا دليل على أن فيها بركة، وفيها رزق، وكثير من الناس فتح الله عليهم بعد الخسارة إلى ربح وتجارة بسبب الغنم والإبل، والمواشي والنعم فيها خير وبركة؛ لكن الأمر الذي ينتقد هو أن تجعل اهتمامك بالبهيمة أكثر وأعظم من اهتمامك بولدك، فهذا هو العيب، ليس العيب في أن تتاجر بالغنم، بل هذا مفخرة وكرامة.

كيف نتخلص من الرسيفر

كيف نتخلص من الرسيفر Q فضيلة الشيخ، امرؤٌ رجع إلى الله وتاب كيف يتخلص الإنسان من جهاز الرسيفر؟ هل يبيعه على من يريده سواءً كان مسلماً أو كافراً؟ أم يرجعه على المحل الذي اشتراه منه ويبيعه عليه مرة ثانية؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيراً! A الرسيفر الذي هو جهاز استقبال البث له واحد من حلين: إما أن يُرْسَل إلى جمعية إسلامية في الخارج تستقبل به البث من المملكة العربية السعودية؛ لأنه من خلال زياراتنا للخارج نلاحظ الجمعيات الإسلامية تفرح أن يكون عندها جهاز بث تستقبل به البث الفضائي السعودي، بث التراويح في رمضان والقيام، بث خطبة الجمعة من الحرم المكي، ومن الحرم المدني، بعض البرامج الدينية التي تُبَث، فإن استطعت أن ترسله إلى جمعيةٍ تستفيد منه فهذا خير. وإلا انظر إلى الوايتات التي تقف تبيع ماءً، فضعه تحت الإطار، هذا أحسن حل.

أسباب انتشار المخدارت وأضرارها

أسباب انتشار المخدارت وأضرارها Q فضيلة الشيخ، أرجو أن تذكر وترشد عن ضرر المخدرات التي انتشرت في المجتمع، والتي هي سبب الانحراف والهلاك! A لا يوجد ولد بات بريئاً وأصبح مجرماً، بات صالحاً وأصبح مروجاً للمخدرات، نام ليلة طيباً وأصبح في الصباح الباكر مجرماً، المخدرات انتشرت بأسبابٍ عديدة منها: إهمالنا في التربية. ومن الأسباب: خيانة الأمانة، والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] وكون الرجل يعرف عن شخص يروج مخدرات ويبيعها ويسكت عليه والله إنه خائن خائن خائن لله ولرسوله وللمؤمنين، وسوف يخاصمه المسلمون أجمعون يوم القيامة على خيانته وصمته وسكوته، كل من يعلم عن شخص يبيع المخدرات، ويروجها ويسكت عنه سيلقى الله وهو الله عليه غاضب، سيكون خائناًَ خيانة لله وخيانة للرسول وخيانة للأمة أجمع، الإنسان لو خان صديقَه نبذه صديقُه ولا يقبله، فما بالك بمن خان كل المجتمع رجالاً ونساءً، ذكوراً وإناثاًَ. المخدرات شرها مستطير، والحديث عنها يطول، وكم من رجلٍ كان غنياً ثرياً في وظيفة وعزٍ وكرامة، وسعة ودعة ونعمة وسعادة مع زوجته وأولاده تحولت به الحال إلى أن يفصل من وظيفته لكثرة غيابه، وأن ينقطع عنه التكسب بسبب تصرِّعه وسقوطه ضحية هذا المخدر، ثم يتسلط عليه من حوله ويعبثون بماله، ثم يبدأ يبيع من أثاث بيته ويشتري منها المخدرات، ثم تهجره زوجته لأنها لم تعد تجد رجلاً كفؤاًَ، وربما بعضهم وقد وقع هذا كما أخبرني منذ قرابة شهر تقريباً قابلت الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله وإياكم في جدة فقص لي قصة رجل قال: كان رجلاً موظفاً في وظيفةٍ مناسبةٍ طيبةٍ، وكان عنده زوجة سعيدة جميلة طيبة وعنده بُنَيَّة، وكان سعيداً، تصوروا ما الذي حصل؟ جاء أحد هؤلاء المجرمين الخونة، وزين له هذا المخدر، لا بدعوى أنه مخدر بل بدعوى أنه مريح للأعصاب، ويعين على فك الإجهاد الذي يعاني منه بعض الناس في العمل، ولذلك إذا أعطاك أحدٌ حبوباً وقال: لاحظ أنها طيبة، إذا طلعت من العمل تعبان كلها وسترتاح، اعلم أن ذلك ربما أراد بك شراً، والمرة الأولى الذين يروجون المخدرات يعطونك مجانياً؛ لكن المرة الثالثة أو الثانية ربما يبدءون في تشغيل فاتورة الحساب. ولذلك الواحد إذا عُرض عليه دواء من أحد، يا أخي ما بينك وبين المستوصف أو الطبيب خطوات، تقول: والله فلان أعطاني الدواء هذا، هل آكله أم لا؟! لا تأكله، ولا تأخذ إلا من صديقك الذي تثق في دينه وأمانته ونشأته، وتعرفه، ولا يخالجك شك في إخلاصه لك، فلا بأس، لكن يأتيك واحد رأيتَه مرة أو مرتين في العمل، أو راجعك أو شيء، وقال: والله يا أخي تفضل، كأنك تعبان، ماذا في عينك؟ -قد لا يكون فيك شيء- ماذا في عينك، أكيد عليك علامات الإرهاق الشديدة، أنت والله حالتك صعبة جداً، يا أخي أنا أعرف واحداً كان مثلك، مديراً ومسئولاً ومشغولاً وكذا، فأعطاه أحدهم حبوباً مريحةً جداً، وسليمة، وأثبتت لجنة الطب الأولمبي أنها لا تؤثر على جهاز المناعة، ولا إجهاد البدن، ولا غير ذلك. فيقول له: خير أعطنا، ائت بها. ثم يأخذ له علبة أو علبتين. فيقول: يا أخي! الله يريحك في الجنة، ريَّحتني. وبعد ذلك ينقطع عنه، يبحث عنه، أين هذه الحبوب، ائتوا بها، ردوها، هاتوها. يقول له: حَسَنٌ أنا أدبرها لك، بل ويقول له: تعال ومرَّ عليَّ في البيت -لكي يعرف البيت-. ومرة ثالثة يقول: لاحظ الحقيقة هذه حبوب أصبحت ثمينة وغالية، ولكن هذا الشريط بمائة ريال، يأخذ الشريط بمائة، المرة الثانية الشريط بثمانمائة، بألف، ولا يزال يأخذ يأخذ، ولا يستطيع تركها أبداً، فيبدأ يسهر بها، تحمر عيونه، يخمل في عمله، يتأخر، يفصل من وظيفته. يقول الشيخ سعيد: فوقع لهذا الرجل بالضبط مثل هذه القصة، قصة طويلة وتفاصيلها خاتمتها أنه جاء إليه الرجل، قال: ما ترك شيئاً في البيت، حتى حلي زوجته باعه، باع الأثاث، والمواد الكهربائية في البيت باعها، قال: فجاءه الرجل، قال: يا أخي أينك؟ أرجوك أعطني حبوباً من هذه التي عندك، اجعلني أرتاح. قال: ما عندي شيء. قال: دعنا ندخل، ما أمر إلا وفيه حلاَّل. فلما دخل صاح الرجل على زوجته: يا فلانة أعطينا الشاي. أرسلت الطفلةَ الصغيرة بالشاي، دخلت الطفلة الصغيرة بالشاي وضعت الشاي وذهبت. وقال الرجل: ألا تريد أن تشتري؟ قال: ما عندي نقود، من أين أعطيك؟ قال: تعطيني هذه البُنَيَّة الآن وأعطيك الذي تريد. قال: فما كان منه أن دعاها وأغلق الباب، وأغلق باب المجلس، ومكنه منها، وأخذ مقابل ذلك حبوباً مخدرة. يا إخواني ماذا تتصورون من المخدرات التي تجعل الرجل يبيع عرضه وبنته ووجهه وأسرته وكرامته ودينه؟! لا شك أنها شرٌ مستطير، ولذلك أقول: لا بد أن نحذر الأبناء من شرها، كما قال الشاعر: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا وقع فيها الرجل وهو لا يعلم، ولذلك من الواجب على كل مدرسة وكلية ومعهد رجالاً ونساءً، ذكوراً وإناثاً، ودوائر صحية وعسكرية وأمنية ومدنية، وجميع القطاعات أن تكرر التحذير والعرض، وكشف الأساليب والخدع التي من خلالها يروج أهل المخدرات سمومهم حتى لا يقع الناس بها. أسأل الله أن يحفظنا وإياكم بحفظه من الشر وأسبابه.

المعصية في الخلوة

المعصية في الخلوة Q فضيلة الشيخ، أنا ولله الحمد شابٌ ملتزم، وأدرس في حلقات للقرآن الكريم ومع خيرة الصحبة، ولكن ما ألبث أن أترك أصحابي الخيرين الذين يذكرونني بالآخرة، ما ألبث أن أعود إلى البيت فأنظر للتلفاز فتثور غرائز الشهوة والمنكرات وهكذا، فما نصيحتكم لي جزاكم الله خيراً؟ A الذي أوصيك به وصية الله عز وجل: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. الزم هؤلاء، صحبة الخير الذين يقودونك إلى مرضاة الله عز وجل، ولا تنفرد بنفسك ما دمت تعلم أنك إذا خلوت تسلطت إلى المنكرات والصور العارية، والأمور التي لا ترضي الله عز وجل، لا تخل بنفسك: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، (المرء قويٌ بإخوانه ضعيفٌ بنفسه). فالزم هؤلاء الأخيار، ولا تفارقهم، واجعل جل وقتك معهم. ولا تسمح لنفسك أن تخلو إلا لأمر لا بد لك منه، أو في قضاء حاجات أهلك قبل إخوانك، وهم مقدمون في ذلك. ثم بعد ذلك اجعل جل وقتك ما استطعت لمجالس الخير. والعاقل الذي يريد الخير والثواب والعلم والفضيلة لن يجد وقتاً حتى يملأ به كل هذه البرامج التي تتزاحم أمام وقته، لكن الفارغ فارغ، والإنسان بين خيارين: إما الحزم. وإما الضياع. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

دار المتقين

دار المتقين لقد وعد الله جل وعلا المتقين بدار النعيم والخلود الأبدي، وبشرهم بالرضوان، وهو: دخول الجنة، ووصف الجنة وما فيها من نعيم وحبور دائم من المآكل والمشارب، والفاكهة والطعام، والحور العين، والقصور والغرف الفاخرة، وغير ذلك من الملك الذي هو أعظم من الدنيا وما فيها؛ وما ذلك الوصف إلا ليزداد المؤمنون تشوقاً لها، وتلهفاً لخيراتها، فاقرأ هذه المادة لترى ما أعد الله لعباده.

حقيقة الدنيا وحقارتها

حقيقة الدنيا وحقارتها إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله جل وعلا أن يجمعنا بكم في دار كرامته، أسأله سبحانه وتعالى أن يهيئ لنا ذاك المقام الكريم، الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن أبواب الجنة، بقوله: (إن من أبواب الجنة باباً ما بين مصراعيه مسيرة ستمائة عام، وليأتين عليه يومٌ وهو كظيظٌ بالزحام) نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة. والحديث -أيها الأحبة- مرتبطٌ غاية الارتباط بهذه المقدمة المباركة الموفقة التي توفق بها الشيخ/ عبد الرحمن سدده الله، ذاك أن الجنة هي جزاء عباد الله المتقين، جزاء عباده المتمسكين المهتدين بكلام رب العالمين، وسنة سيد الأنبياء والمرسلين، وإن أي عمل مهما بلغ ضجيج صوته، وكثرة الزحام حوله، وكثرة أتباعه، ما لم يكن مقيداً بعلم الكتاب والسنة فعلى خطرٍ أن يكون أصحابه كما قال جل وعلا: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:3 - 4] فلا أمان من الزلل، ولا نجاة من الهلكة إلا بتقييد وضبط هذا الحماس، وتوجيه هذه الصحوة بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. أيها الأحبة في الله! خلق الله الدنيا وجعلها وما عليها إلى الفناء والزوال، أما الدنيا فلن يخلد فيها أحد، ولن يبقى فيها أحدٌ أبداً {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] قال صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل وقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه الليل، وعزه استغناؤه عن الناس). أيها الأحبة! هذه الدنيا مهما تزخرفت! ومهما تزينت! ومهما تعطرت وتطيبت لأصحابها فإنهم يعلمون لا محالة أنهم يفارقونها من النور إلى القبور، ومن السعة إلى الضيق، ومن الاجتماع إلى الفرقة، ومن الأنس إلى الوحشة، ومن اللذة إلى الكدر. طبعت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدارِ ومكلفُ الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نارِ يقول القائل: أحب ليالي الهجر لا فرحاً بها عسى الله يأتي بعدها بوصالِ وأكره أيام الوصال لأنني أرى كل وصلٍ معقبٍ بزوالِ أيها الأحبة في الله! نحنُ في دنيا أشغلتنا وألهتنا، ولعبت بأهوائنا، وأخذت منا جهدنا، حتى أصبحنا نضع لديننا فاضل أوقاتنا، ونضع لدعوتنا آخر اهتماماتنا، ونجعل لعقيدتنا آخر ما يبقى من فكرنا وذهننا واشتغالنا يقول ابن القيم في نونيته التي سنسير هذه الليلة معها شوطاً طويلاً: لا يلهينك منزلٌ لعبت به أيدي البلى من سالف الأزمانِ فلقد ترحل عنه كل مسرة وتبدلت بالهم والأحزانِ سجنٌ يضيق بصاحب الإيمان لكن جنة المأوى لذي الكفرانِ وصدق، ومصداق قوله قول النبي صلى الله عليه وسلم (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر). أيها الأحبة في الله! إننا ما عرفنا الدنيا حق المعرفة، وما عرفنا الآخرة حق المعرفة، وما عبدنا الله حق عبادته، وما قدرناه حق قدره، وما شكرناه حق شكره، ولو قمنا بذلك لادخرنا ساعة بل لحظة بل ثانية في طاعة الله وجهاد أعداء الله والدعوة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، من أجل الحصول على مرضات الله جل وعلا، إن كلمة الله لعباده في الجنة يوم يتجلى الجبار جلَّ وعلا، ويتجلى لعباده في الجنة، ويكشف لهم الستر، ويقول: يا عبادي قد رضيت عنكم، قد رضيت عليكم، أي بشارة هذه: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:119].

دار البقاء هي دار الجنة

دار البقاء هي دار الجنة أيها الأحبة! والله إن الواحد منا لو كان مدرساً فقيل: إن مدير المدرسة غاضبٌ عليك غير راضٍ عنك، ولو قيل: إن أمير المنطقة غاضبٌ عليك غير راضٍ عنك، ولو كان في بلدٍ وقيل: إن رئيسها أو زعيمها أو حاكمها غاضبٌ عليك وليس براضٍ عنك؛ لأشغلك ذلك الغضب وتمنيت رضاه، فما بالك لو حصل لك رضا رب العالمين، رضا ملك الملوك، رضا الرب الذي بيده نواصي العباد، رضا الرب الذي يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويقبض ويبسط، رضا الرب الذي إذا رضي عنك فلا تسأل عن رضا أي مخلوقٍ بعده، وإن سخط عليك فلن ينفعك رضا الناس أبدا، هذا الرضا تعده في دنياك حصناً وعوناً، ولآخرتك عزاً وأمناً. لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها اعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها أرضٌ لها ذهبٌ والمسك طينتها والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها هذه الدار هي: الجنة نعمت جزاء المتقين الجنة دار الأماني والمنى والمنة هذه الجنة: يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وباردٌ شرابها هذه الجنة، حي على طريقها، حي على سنة قائدها والهادي إليها: فحي على جنات عدنٍ فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم

الأدلة التي ورد فيها ذكر الجنة

الأدلة التي ورد فيها ذكر الجنة الجنة هي: الجزاء الذي أعده الله لعباده المتقين، إن الله وعد المتقين بالجنة وعد الصابرين بالجنة وعد الصادقين بالجنة وعد المجاهدين بالجنة وعد الدعاة إلى سبيله بالجنة وعد الهداة إلى توحيده بالجنة وما كان في القرآن وعدٌ بملك أو وعدٌ بمال، أو وعدٌ بعرضٍ من الدنيا، أو حطامها الفاني، أو شيء من الملذات إنما الوعد هو الجنة، قال تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:12] وقال تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه:75 - 76]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] وقال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} [هود:108]، وقال تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} [مريم:63]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً} [العنكبوت:58]، وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41]، وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} [النساء:124]، وقال تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:82]، وقال تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43]، وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46]، وقال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التوبة:72]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} [الكهف:107]، وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55]. ولما لقي الأنصار نبي الله صلى الله عليه وسلم في البيعة المشهودة قالوا: بايعناك على ماذا؟ على أن نمنعك مما نمنع عنه أنفسنا ونساءنا فما لنا يا رسول الله؟ نحن بايعناك على أن نقتل دونك، وبايعناك على أن نمنعك مما نمنع عنه نساءنا، وأبناءنا، وأنفسنا، ومحارمنا فما الذي لنا، ماذا تعطينا؟ هل تعطينا ولاية؟ هل تعطينا حكماً؟ هل تعطينا منصباً؟ هل تعطينا وزارة؟ هل تعطينا رئاسة الوزراء؟ فقال: (لكم الجنة).

الجنة فضل ومنة من الله جل وعلا

الجنة فضل ومنة من الله جل وعلا أيها الأحبة! الجنة هي الوعد، الجنة هي الجزاء، الجنة هي الثواب، الجنة هي المآل، الجنة هي الثمن، الجنة هي الصفقة، الجنة هي التجارة، الجنة هي الغاية، الجنة هي المنتهى بعد رحمة الله سبحانه وتعالى. أحبتنا في الله! إن الجنة التي أعدها الله جل وعلا وهي الآن موجودة، هي جنة فيها من عباد الله من ينعم، هذه الجنة ليست ثمناً لأعمالنا، ليست ثمناً لسعينا، ولا لكدنا، أو تعبنا أو صلاتنا أو قيامنا أو صيامنا؛ إنما هي فضلٌ ومنةٌ ورحمةٌ وكرامةٌ من الله جل وعلا. ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه لن يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟) أنت -أيها النبي- الذي جاهدت في الله حق جهاده، الذي بلغت الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، البر الرءوف الرحيم بهذه الأمة! أنت -أيها النبي- الذي قمت حتى تفطرت قدماك! أنت -أيها النبي- الذي ربطت على بطنك حجرين من الجوع في سبيل الله! أنت -أيها النبي- الذي صبرت على ما جاءك وأصابك في سبيل الله وفي ذات الله! قالوا: (حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).

الحديث عن الجنة وأوصافها ووصف أهلها

الحديث عن الجنة وأوصافها ووصف أهلها أيها الأحبة! حديثنا اليوم عن دارٍ ليست بالخيال بل هي في الحقيقة، حديثنا اليوم عن دارٍ ليست في الأحلام بل هي في الواقع، حديثنا اليوم عن دارٍ قائمة موجودة، فيها من ينعم بنعيمٍ قد عجله الله له جل وعلا، قال صلى الله عليه وسلم: (رأيت جعفر بن أبي طالب ملكاً يطير في الجنة بجناحين) وروى الطبراني وابن عدي والحاكم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت الجنة البارحة فنظرت فيها فإذا جعفر يطير مع الملائكة، وإذا حمزة متكئٌ على سرير) حمزة شيد الشهداء؛ الشهداء قال الله تعالى فيهم: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] هذا حمزة سيد الشهداء إنه ما فنيت حياته، ما انقضت روحه، ما زهقت نفسه، فأصبح جثة لا حراك لها؛ بل هو عند رب العالمين في جنة النعيم، قال صلى الله عليه وسلم: (وإذا حمزة متكئٌ على سريرٍ في الجنة) الله أكبر! وقال صلى الله عليه وسلم: (دخلت الجنة فاستقبلتني جارية فقلت: لمن أنت أيتها الجارية؟ فقالت: أنا لـ زيد بن حارثة) صححه الألباني في صحيح الجامع. وروى الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان فذلكم البر! فذلكم البر!) وكل هذه صححها الألباني في صحيح الجامع الصغير، قال ابن القيم: يا خاطب الحور الحسان وطالباً لوصالهن بجنة الحيوانِ لو كنت تدري من خطبت ومن طلبت بذلت ما تحوي من الأثمانِ أو كنت تدري أين مسكنها جعلت السعي منك لها على الأجفانِ ولقد وصفتُ طريق مسكنها فإن رُمْت الوصال فلا تكن بالوان أسرع وحث السير جهدك إنما مسراك هذا ساعة لزمانِ فاعشق وحدث بالوصال النفس وابذل مهرها ما دمت ذا إمكانِ واجعل صيامك قبل لقياها ويوم الوصل يوم الفطر من رمضانِ واجعل نعوت جمالها الحادي وسر تلق المخاوف وهي ذات أمانِ

الشفاعة الكبرى والمقام المحمود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم

الشفاعة الكبرى والمقام المحمود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أيها الأحبة! عندما يساق أهل الجنة إلى الجنة معززين مكرمين، زمراً إلى جنات النعيم، إذا أقبلوا على أبوابها فتحت وشرعت لهم أبوابها، من المصاريع إلى المصاريع، تفتح هذه الأبواب، ثم تجد جموعاً من المستقبلين ومن المهنئين، وجموعاً من المضيفين، وجموعاً من المكرمين، الملائكة الكرام يهنئون أهل الجنة بسلامة الوصول عند هذا الباب، بعد ماذا؟ بعد معاناة طويلة، بعد النفخ في الصور بعد الخروج من الأجداث بعد الحشر بعد النشر بعد الهول بعد تطاير الصحف بعد رجحان الموازين إما بحسناتٍ أو بغيرها بعد أن تدنو الشمس من الخلائق فتكون على رءوسهم قدر ميل بعد أن يشتد الكرب بأهل الموقف حتى يقول أهل الموقف: من يشفع لنا؟ من يعيننا؟ من يخلصنا؟ من يدفعنا عن موقفنا هذا؟ فيلتفتون إلى آدم لا يريدونه أن يخلص بل يريدون منه شفاعة، فيقول: لست لها، فيذهبون بعد ذلك إلى إبراهيم فيقول: لا. لست لها، فيذهبون إلى نوح فيقول: لا. لست لها. ويمرون بعددٍ من أولي العزم من الرسل حتى يأتون نبينا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا وإمامنا، وهادينا، وقدوتنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا محمد! اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه من شدة هولٍ وحال؟ فيقول: (أنا لها) يقول صلى الله عليه وسلم: (فيفتح الله علي بمحامد لم أكن أعرفها قبل ذلك الحين، ثم أخر ساجداً لربي أسبحه وأدعوه، وأحمده وأدعوه، وأحمده وأناجيه؛ حتى يقول الجبار جل وعلا: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع) فيشفع صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى لأهل الموقف أي: يخفف عنهم ما هم فيه من الهول العظيم، ثم يشفع لأقوامٍ من المؤمنين فيدخلون الجنة بغير حساب، ويشفع لأقوامٍ قد استحقوا النار فيعافيهم الله ويسلمهم من النار، ويشفع لأقوامٍ تخفف درجاتهم في النار أو يخرجون من النار بعد أن يمكثوا منها قليلاً، ويشفع شفاعة خاصة لعمه أبي طالب ذاك الذي كان كثيراً ما يحنوا عليه، ويحدب عليه، ويصونه، ويحوطه، ويعيله، ويقف معه، ويجاهد قريشاً دونه، ولكن ما نفعه ذلك؛ لأنه ما قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أبو طالب الذي يقول: ولقد علمت بأن دين محمدٍ من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذارِ مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا أبو طالب الذي وقف وقفة الجبل مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك ما نفعه ذلك؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا الموحدون؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا من سلم من الشرك، من سلم من نواقض التوحيد، من سلم مما يشوب توحيده وإيمانه.

مجاوزة المؤمنين الصراط ودخولهم الجنة زمرا وجماعات

مجاوزة المؤمنين الصراط ودخولهم الجنة زمراً وجماعات تخيل أخي! في الدنيا أنك مع زمرة من الكرام والأكابر ذوي الحسب والنسب والمال والجاه والثروة تقدمون إلى قصرٍ من القصور، فإذا دنوتم فتحت أبواب القصور لكم، وخرج المهنئون، وضربت لكم التحايا، واصطفت الناس بين أيديكم، ألا تجدون عظمة في النفوس؟! ألا تجدون شيئاً يملأ القلوب؟! فما بالك إذا فتحت أبوابٌ ليست أبواب قصور الدنيا التي تفنى وتهرم وتبيد: ونبني القصور المشمخرات في السما وفي علمنا أنا نموت وتخربُ أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها أي قصرٍ! تفتح قصور الجنة، أبواب الجنة يوم أن تفتح والملائكة هم الذين يستقبلون ويهنئون ويقولون: سلامٌ عليكم طبتم حياكم الله! طبتم بياكم الله! طبتم أكرمكم الله! نجاكم الله! هداكم الله! وفقكم الله! التحايا من الملائكة في البشارة والتهنئة لهذه الأقدام التي جازت على الصراط، والصراط الذي نصب على جسر جهنم، والكلاليب تخطف الناس عن يمينه وشماله، أليس حرياً أن يهنأ عابرٌ بعد أن جاوز هذا الصراط؟! بلى والله، هذا المشهد العظيم، يقول فيه ربنا جل وعلا: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73] طابت أعمالكم، طابت أقوالكم، طابت عقيدتكم، أصبحت نفوسكم زكية، وقلوبكم طاهرة، فبرحمة الله ثم بهذا استحققتم أن تكونوا من أهل الجنة. ثم يأتي أقوامٌ من المؤمنين يدنون قبيل دخولهم من الجنة، لكن تهذب نفوسهم، وتنقى أبدانهم، روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعضٍ مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمدٍ بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا) أي كرامة! أي عزة! أي نعيم يوم أن تُصَفَّى يوم أن تُنَقَّى يوم أن تُطَهَّر ثم تدخل الجنة! أنت تعرف مكانك في الجنة كما تعرف بيتك لا تتعداه إلى بيت جارك ولا تقصر عنه إلى بيت جارٍ آخر، بل أنت أهدى لمنزلك في الجنة من هدايتك لمنزلك في الدنيا.

أول زمرة يدخلون الجنة بغير حساب

أول زمرة يدخلون الجنة بغير حساب ثم أيها الأحبة! هناك كوكبة، هناك زمرة وثلة يدخلون الجنة بغير حساب، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنتيهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحدٍ منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجلٍ واحد يسبحون الله بكرةً وعشياً) واسمعوا قول الله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] واسمعوا قول الله: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:10 - 26]. أيها الأحبة! إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم: هذا وأول زمرة فوجوههم كالبدر ليل الست بعد ثمانِ السابقون همُ وقد كانوا هنا أيضاً أُلِي سبقٍ إلى الإحسانِ وقال في الزمرة الأخرى: والزمرة الأخرى كأضوء كوكبٍ في الأفق تنظره به العينانِ أمشاطهم ذهبٌ ورشحهم فمسكٌ خالصٌ يا ذلة الحرمانِ أيها الأحبة! هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب، من هم؟ وكم عددهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: (أعطيت سبعين ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجلٍ واحد) انظروا إلى هذا النبي البر الرحيم الحبيب بالأمة صلى الله عليه وسلم قال: (فاستزدت ربي) طلبت الزيادة، أريد أن يدخل أكثر من سبعين ألفاً من أمتي الجنة بلا حساب قال: (فاستزدت ربي عز وجل فزادني مع كل واحدٍ سبعين ألفا) صححه الألباني في صحيح الجامع، وفي مسند أحمد وسنن الترمذي وصحيح ابن حبان عن أبي أمامة بإسنادٍ صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بلا حسابٍ عليهم ولا عذاب، مع كل ألفٍ سبعون وثلاث حثيات من حثيات ربي) صححه الألباني في صحيح الجامع وذكر في هذه الرواية زيادة (وثلاث حثياتٍ من حثيات ربي).

خروج الجهنميين من النار

خروج الجهنميين من النار أيها الأحبة! نحن العصاة، نحن المفرطون، نحن المقصرون، متى ندخل الجنة؟ متى نرد إلى أبوابها؟ إن من معتقد أهل السنة والجماعة أن من كان يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، ولم يأت بما ينقض التوحيد أو يوجب الشرك والكفر، فإنه لو دخل النار لا يخلد فيها بل يخرج منها ويدخل الجنة ولكن الله أعلم كم يمكث في هذه النار؟ روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناسٌ أصابتهم النار بذنوبهم أو قال: بخطاياهم فأماتتهم إماتة حتى إذا كانوا فحماً -حتى إذا كانوا بسبب لهيب النار وحرها ونارها وسمومها وعذابها- حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة! أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل) رواه مسلم، ولـ مسلم من حديث جابر بن عبد الله يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن قوماً يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم حتى يدخلون الجنة) رواه الإمام مسلم وهؤلاء الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة يسميهم أهل الجنة بالجهنميين، كما في صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج قومٌ من النار بشفاعة محمدٍ صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة يسمون الجهنميون) وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة الطويل في وصف الآخرة: (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول: لا إله إلا الله) والشرط تذكروا (من لا يشرك بالله شيئاً) قال: (فيعرفونهم في النار بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكله، فيخرجون من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة؛ فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل).

آخر أهل النار خروجا منها رجل يمشي مرة ويكبو مرة

آخر أهل النار خروجاً منها رجل يمشي مرة ويكبو مرة ولكن أيها الأحبة! هؤلاء الذين خرجوا من النار ودخلوا الجنة، ما بال آخرهم خروجاً من النار ودخولاً الجنة؟! ما بال آخرهم خروجاً من هذا العذاب ودخولاً في بداية النعيم؟! أتراه يظن أنه بقي له من النعيم شيء؟! انظروا إلى حال عبدٍ من عباد الله في هذا الحديث الصحيح الطويل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (آخر من يدخل الجنة رجل يمشي مرة ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها -ذلك العبد الذي خرج من النار يمشي ويكبو ويسقط ويقوم- يلتفت إلى النار بعد أن جاوزها ويقول: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين) يظن أن أنعم النعيم هو نجاته وسلامته من النار قال: (فترفع له شجرة فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا يا رب ويعاهد العبد ربه ألا يسأل الله غير البلوغ إلى هذه الشجرة، قال: وربه عز وجل يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه الله من هذه الشجرة، فيستظل ذلك العبد بظلها، ويشرب من مائها. فإذا استقر فيها رفعت له شجرة هي أحسن من الأولى فيقول العبد: أي رب أدنني من هذه الشجرة لأشرب من مائها ولأستظل بظلها لا أسألك غيرها فيقول الله جل وعلا: يا ابن آدم! ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟! فيقول الجبار جل وعلا: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيقوم العبد يعاهد ربه ألا يسأله غيرها، وربه تعالى يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه الله منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة -كل هذه الأماني كل هذه الطيبات قبل وصول باب الجنة- وهي أحسن من الأوليين فيقول العبد: أي رب! أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها يا رب! فيقول الله: يا ابن آدم! ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب لا أسألك غيرها وربنا عز وجل يعذره؛ لأن ذلك العبد يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه الله منها؛ فإذا أدناه الله من هذه الشجرة سمع أصوات أهل الجنة فيقول العبد: يا رب! أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم! وما الذي يرضيك أو يقطع مسألتك يا عبد! أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال العبد: يا رب! أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟! فضحك ابن مسعود رضي الله عنه فقال ابن مسعود: ألا تسألونني مم ضحكت؟ فقالوا: مم ضحكت؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ فقال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟! فيقول: إني لا أستهزئ منك ولكني على ما أشاء قادر) أخرجه الإمام مسلم. أيها الأحبة! الجنة نعيمٌ وخلودٌ وبقاءٌ لا فناء بعده: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف:107 - 108]. وفي الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، ولا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه) رواه الإمام مسلم في صحيحه.

وصف بناء الجنة

وصف بناء الجنة أيها الأحبة! من هؤلاء الذين يبيعون الجنة بسفرٍ إلى الخارج في الإجازات يعاقر الشراب وصور العاريات، وفرش البغايا والزانيات؟! من هؤلاء الذين يبيعون الجنة بنعيم أعد الله فيه لأهل الجنة ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر؟! جلس الصحابة رضوان الله عليهم ذات يوم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم عليه وسلم في وصف الجنة قولاً لذيذاً جميلاً طيباً يقول صلى الله عليه وسلم: (الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، وملاطها المسك الإذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه) رواه أحمد والترمذي وهو صحيح، وصدق الله حيث يقول: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} [الإنسان:20] أما ما أخفاه الله عن أهل الجنة من نعيمها فشيءٌ عظيم لا تدركه العقول، ولا تصل إلى كنهه الأفكار، قال تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]. وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، اقرءوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]).

أهل الجنة في درجات مختلفة ومتفاوتة

أهل الجنة في درجات مختلفة ومتفاوتة ثم إن أهل الجنة إذا دخلوها هم في درجاتٍ يتفاوتون: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21] هل يستوي أولئك الذين تعرض عليهم الأفلام فيقولون: إنا نخاف الله ونستخدم البصر في طاعة الله مع الذين يسهرون البصر على معصية الله؟! هل يستوي أولئك الذين يصومون النهار ويقومون الليل مع أولئك الذين ضيعوا صيامهم وناموا عن صلاة الفجر؟! هل يستوي أولئك الذين يتعففون عن الحرام، وينتبهون كيف يدخلون الحلال مع الذين يجمعون المال بالرشوة وبكل سبيلٍ لا يبالون أمن حلال أم من حرام؟! لا. ولأجل ذلك فإن من دخل الجنة ولو بعد خروجه من النار فإنه في درجاتٍ متفاوتة بينه وبين أهل الجنة السابقين، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من آمن بالله وبرسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها، قالوا: يا رسول الله! أفلا نبشر الناس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة) الجنة درجات، الجنة منازل، الجنة غرفٌ من فوقها غرفٌ منبية، ثبت في الصحيح عن أنس أن أم حارثة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتل ولدها حارثة في معركة بدر أصابه سهمٌ طائش فقالت: (يا رسول الله! قد علمت موقع حارثة من قلبي، فإن كان حارثة في الجنة لم أبكِ عليه، وإلا سوف أريك ما أصنع إن لم يكن في الجنة فقال لها: أجنة واحدة هي يا أم حارثة؟ إنها جنانٌ كثيرة، وإن ولدك حارثة قد أصاب الفردوس الأعلى منها) الله أكبر! الجنة درجات، فهنيئاً لمن كان في أعلى درجاتها، هنيئاً لمن نالها برحمة الله، هنيئاً لمن شمر لها وأعد لها، وقد بين صلى الله عليه وسلم هذا التفاوت الواضح في درجات ومنازل أهل الجنة ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو من المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله! أتلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده رجالٌ آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) هذه الجنة كما يقول ابن القيم. غرفاتها في الجو ينظر بطنها من ظهرها والظهر من بطنان سكانها أهل القيام مع الصيام وطيب الكلمات والإحسانِ

وصف أنهار الجنة

وصف أنهار الجنة أيها الأحبة! وهذه الجنة ترابها المسك وفيها حبايل اللؤلؤ، وفيها من النعيم: عيونٌ من الكافور، عيونٌ من التسنيم، عيونٌ من السلسبيل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر:45]، {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:50]، {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن:66] هذه العيون النابعة في الجنة ما هي ومن أي شراب؟ إن في الجنة عينان يشرب المقربون ماءهما صرفاً غير مخلوطٍ، ويشرب منها الأبرار الشراب مخلوطاً ممزوجاً بغيره، العين الأولى عين الكافور قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان:5 - 6]. والعين الثانية عين التسنيم قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:22 - 28]. ومن عيون الجنة عينٌ اسمها السلسبيل قال تعالى: {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} [الإنسان:17 - 18]. أيها الأحبة! {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] اسألوا أنفسكم، ولنسأل أنفسنا في ماذا تنافسنا؟ في الأسهم! في العقارات! في المسابقات الوظيفية! في السيارات الفارهة! في متاع الدنيا! في حطامها الفاني! أموالٌ نجمعها لورثتنا، ودورٌ نبنيها لخراب دهرنا، والله إننا نضيع حظنا من الآخرة بحطامٍ فانٍ في الدنيا. أما قصور الجنة، أما مساكن الجنة يقول تعالى: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} [الصف:12] ويقول تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر:20].

وصف غرف الجنة وقصورها

وصف غرف الجنة وقصورها لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، وخرجوا يستقبلونه، يقول عبد الله بن سلام: فكنت فيمن انجفل فلما رأيت وجهه صلى الله عليه وسلم علمت أنه ليس بوجه كذاب، قال: فكان أول ما قال: (أيها الناس! أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا جنة ربكم بسلام) وقد أخبرنا جل وعلا أن هذه القصور وهذه الغرف وهذه الخيام فيها أمرٌ عجيب قال تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] وهذه الخيام -أيها الأحبة- خيمة عجيبة من اللؤلؤ بل كل هذه الخيمة لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، وفي بعض الروايات أن عرضها ستون ميلا، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الخيمة درة مجوفة، طولها في السماء ثلاثون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهلٌ لا يراهم الآخرون) أتريدون بيوتاً في الجنة؟ أتحبون أن تعمروا دوراً في الجنة؟ أتحبون أن تشيِّدوا قصوراً في الجنة؟ (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له به بيتاً في الجنة) بناؤك لمسجد ولو بقدر ما تقع فيه قطاة أو حمامة أو طير تجعله وقفاً لله يصلي فيه المسلمون سواءً في هذه البلاد أو في أي بلاد، تحرص أن يكون هذا المسجد يعبد الله فيه وحده ولا يشرك به شيئاً، أبشر بأن هذا من أسباب بناء الدور لك في الجنة. في مسند أحمد عن ابن عباس بإسنادٍ صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) وفي صحيح مسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجة عن أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعاً بنى الله له بيتاً في الجنة) يعني: الفقير الذي ما عنده ريالات أو دنانير أو دولارات أو دراهم يبني بها مسجداً يداوم على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة تطوعاً مع محافظته على الفرائض والواجبات فإنه بذلك يبنى له بيتٌ في الجنة. قال ابن القيم: للعبد فيها خيمة من لؤلؤٍ قد جوفت هي صنعة الرحمن ستون ميلاً طولها في الجو في كل الزوايا أجمل النسوانِ يغشى الجميع فلا يشاهد بعضهم بعضاً وهذا لاتساع مكانِ فيها مقاصيرٌ بها الأبواب من ذهبٍ ودرٍ زين بالمرجان وخيامها منصوبة برياضها وشواطئ الأنهار بالجريانِ ما في الخيام سوى التي لو قابلت للنيرين لقلت منكسفانِ يعني: ما في الخيمة إلا حورية لو قابلت الشمس والقمر لسطع نورها أمام الشمس والقمر وقلت: إن الشمس والقمر منكسفان منخسفان: لله هاتيك الخيام فكم بها للقلب من عُلقٍ ومن أشجانِ فيهن حورٌ قاصرات الطرف خيراتٌ حسانٌ هن خير حسانِ خيرات أخلاقٍ حسانٌ أوجهاً فالحسن والإحسان متفقانِ

ليس في الجنة ليل ولا نهار

ليس في الجنة ليل ولا نهار أيها الأحبة! هل في الجنة ليل؟ هل في الجنة نهار؟ قال العلماء: ليس في الجنة ليلٌ ولا نهار، وإنما هم في نورٍ دائماً وأبداً، ويقول الله جل وعلا: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} [مريم:62] فهل يدل ذلك على أن في الجنة ليلٌ ونهار؟ قال العلماء: إنما هو نورٌ دائم وإنما يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب، ذكره ابن الجوزي. ويقول ابن تيمية في هذه المسألة: الجنة ليس فيها شمسٌ ولا قمر، أين الشمس والقمر؟ يكونان ثورين يكوران في النار، الله أكبر هذه المخلوقات العجيبة أين تكون؟ هذه الجبال والشمس والقمر والسماء، الله أكبر! {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً} [طه:105] تنتهي قبل بلوغ هذه المرحلة: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:88] {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات:10] هذه الجبال العظيمة الرواسي لو جمعت جيوش الأرض منذ أن قامت الساعة إلى يومنا هذا ليزيلوا جبال بقعة من بقاع الأرض ما أزالوها، لكن الله جل وعلا: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:5] ترى الجبال متطايرة كأنها الصوف المتطاير من شدة الهول: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:1 - 4]، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير:1 - 2]. كل هذه الكواكب وكل هذه الأفلاك، وكل هذه المخلوقات العظيمة التي هي أعظم من خلق الأرض ومن عليها وما فيها تتطاير وتنتهي وتزول حتى البحار تتفجر وتشتعل ناراً: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] أي: تشتعل بالنار. أيها الأحبة! قلنا: إن الشمس والقمر غير موجودين في الجنة أو لا يوجد ليلٌ ولا نهار وإنما هو نورٌ -كما يقول ابن تيمية - والجنة ليس فيها شمسٌ ولا قمرٌ ولا ليلٌ ولا نهار، ولكن يعرف البكور والعشي بنورٍ يظهر من قبل العرش.

طعام أهل الجنة

طعام أهل الجنة إخواننا! ما هو طعام أهل الجنة؟ طعامنا إذا لم نجده نموت من الجوع، وإذا شبعنا أمرضنا وأتخمنا، ثم نخرجه عذرة وغائطاً وبرازاً في الخلاء والمراحيض، مشقة في كل الأحوال، مشقة في طلبه، مشقة في أكله، مشقة في هضمه، مشقة في إخراجه، ولو بقي الطعام لرضي الواحد أن يجز بطنه وأن يشق جوفه من أجل إخراج لقمٍ أكلها وكان يشتهيها، والشراب الذي نشربه نشربه ثم لو انحصرنا فلم نستطع أن نخرجه لرضينا أن تشق منا الأجواف لإخراجه، طلب الماء مشقة ولو فقدناه لهلكنا، ولو أودعناه أجوافنا مللنا منه حتى نخرجه هذا مثال الدنيا، أيها الأحبة! لكن طعام أهل الجنة، يقول ابن القيم فيه بنظمه الجميل في النونية: الكافية الشافية: وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم ولحوم طيرٍ ناعمٍ وسمانِ وفواكه شتى بحسبِ مناهم يا شبعة كملت لذي الإيمانِ لحمٌ وخمرٌ والنسا وفواكهٌ والطيب مع روحٍ ومع ريحان وصحافهم ذهبٌ تطوف عليهم بأكف خدامٍ من الولدانِ وانظر إلى جعل اللذاذة للعيون وشهوة للنفس في القرآن للعين منها لذة تدعو إلى شهواتها بالنفس والأمران سبب التناول وهو يوجب لذة أخرى سوى ما نالت العينانِ أيها الأحبة! قد يقول قائل: أليس أهل الجنة لا يجوعون فلماذا يأكلون؟! وقد يقول قائل: أليس أهل الجنة لا يظمئون فلماذا يشربون؟! قد أورد القرطبي هذا وأورده كثيرٌ من السلف رضوان الله عليهم فقالوا: إن طعام وأكل أهل الجنة ليس عن جوع، وإن شرابهم ليس عن ظمأ، ولكنها لذات الأكل ولذات الشراب، فإذا شبعوا وأكلوا كان الأكل لذة، وكان تصريف هذا الطعام والشراب لذة قال ابن القيم في هذا: هذا وتصريف المآكل منهم عرقٌ يفيض لهم من الأبدانِ كروائح المسك الذي ما فيه خلطٌ غيره من سائر الألوانِ فتعود هاتيك البطون ظوامراً تبغي الطعام على مدى الأزمانِ لا غائطٌ فيها ولا بولٌ ولا مخطٌ ولا بصقٌ من الإنسانِ ولهم جشاءٌ ريحه مسكٌ يكون به تمام الهضم بالإحسانِ هذا وهذا صح عنه فواحدٌ في مسلم ولـ أحمد الأثرانِ الله أكبر! أي هذا الخير! أي هذا النعيم! أي تلك النعم وتلك البركات وتلك الرحمات!!

وصف أشجار الجنة

وصف أشجار الجنة أيها الأحبة! إننا نستطيع أن ندرك نصيبنا بإذن الله وبرحمته مما نحن بصدده، ولكن ما الذي يقعد بنا عن هذه الجنة؟ قبل أن أجيب على ذلك نكمل شيئاً مما بقي من وصفها فأما أشجار الجنة الحدائق والنخيل ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها) هذه شجرة واحدة، وسدرة المنتهى في الصحيحين أيضاً قال صلى الله عليه وسلم (ثم انطلق بي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، تكاد الورقة تغطي هذه الأمة -يشير إلى أمة كانت عنده صلى الله عليه وسلم- فغشيها ألواناً لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها حبايل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك) وأما شجرة طوبى فشجرة عظيمة كبيرة تخرج منها ثياب أهل الجنة، ففي مسند أحمد وتفسير ابن جرير وصحيح ابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (طوبى: شجرة في الجنة مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها) وقد دل على أن ثياب أهل الجنة تشقق عنها ثمار الجنة حديثٌ رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر قال (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أخبرنا عن ثياب أهل الجنة خلقاً تخلق أم نسجاً تنسج؟) صحابي يفكر في الثياب في الجنة فجاء يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل هي خلقٌ يخلق أم نسجٌ ينسج؟ فضحك بعض القوم الجالسين فقال صلى الله عليه وسلم: (ومم تضحكون من جاهلٍ سأل عالماً؟! ثم أكب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أين السائل؟ فقال: هو ذا أنا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لا. بل تشقق عنها ثمرة الجنة).

في الجنة كل ما تشتهيه الأنفس

في الجنة كل ما تشتهيه الأنفس والذين يحبون الأباعر ويعشقون الخيل والدواب في الجنة ما تتمناه أنفسهم، ولهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ففي مسلم وأخرجه أيضاً أبو نعيم في الحلية والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود قال: (جاء رجلٌ بناقة مخطومة فقال: يا رسول الله! هذه الناقة في سبيل الله فقال صلى الله عليه وسلم: لك بها سبعمائة ناقة مخطومة في الجنة) وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، أهل الجنة يتمنون أشياء، وقد تعجبون من الأماني، يتمنى بعض أهل الجنة أمنية، فهذا واحدٌ يستأذن ربه أن يزرع في الجنة، واحدٌ من أهل الجنة يستأذن الله أن يزرع في الجنة ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث وعنده رجلٌ من الأعراب من أهل البادية فقال صلى الله عليه وسلم: (إن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع فقال له الله جل وعلا: يا عبد ألست فيما شئت؟) فلم الحاجة إلى الزرع؟ ماذا تريد من الزرع وأنت في زرعٍ وظلٍ ونعيم؟ (ألست فيما شئت؟ قال: بلى. ولكن أحب الزرع، فآتاه الله ما أراد فبذر -أخذ يبذر- فبادر الطرف نباته -يعني: ما يضع البذرة حتى يلاحق الثمار ببصره- فبذر فبادر الطرف نباته واستواءه وحصاده فكان أمثال الجبال فيقول الله تعالى: دونك يا ابن آدم! فإنك لا يشبعك شيء قال الأعرابي الذي كان جالساً عند الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! والله لا تجد هذا السائل إلا قرشياً أو أنصارياً -هذا الذي يريد أن يزرع في الجنة- يقوله الأعرابي يا رسول الله! والله لا تجد هذا السائل إلا قرشياً أو أنصاريا فإنهم أصحابُ زرع وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع؛ فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا رجلٌ آخر من أهل الجنة يتمنى أمنية، يتمنى الولد فيحقق الله له أمنيته في ساعة واحدة، حيث يتم الحمل والوضع في ساعة، روى الترمذي في سننه وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه بإسنادٍ صحيح عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه في ساعة واحدة كما يشتهي).

غناء الحور العين في الجنة

غناء الحور العين في الجنة ثم نداءٌ إلى أهل الطرب الذين يحبون الطرب ويحبون أن يلذذوا الأسماع، ويحركوا الأشجان، لا تبيعوا طرباً في الجنة بطربٍ على أعوادٍ واجتماعٍ على المعصية، وصورٍ محرمة، ومقابلاتٍ خبيثة، ومجالس سيئة، وروائح نتنة، في الجنة غناء جميل أخبر صلى الله عليه وسلم أن الحور العين في الجنان يغنين أغاني جميلة، أغاني حلوة بأصواتٍ جميلة عذبة ففي معجم الطبراني الأوسط بإسنادٍ صحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصواتٍ ما سمعها أحدٌ قط وإن مما يغنينه: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان) وإن مما يغنين به أيضاً: نحن الخالدات فلا يمتن، ونحن الآمنات فلا يخفن، ونحن المقيمات فلا يظعن قال ابن القيم في هذا المقام في الكافية الشافية: قال ابن عباسٍ ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصانِ فتثيرُ أصواتاً تلذ لمسمع الإنسان بالنغمات بالأوزان يا لذة الأسماع لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان أو ما سمعت سماعهم فيها غناء الحور بالأصوات والألحانِ واهً لذياك السماع فإنه ملئت به الأذنان بالإحسانِ واهً لذياك السماع وطيبه من مثل أقمارٍ على أغصانِ واهً لذياك السماع فكم به للقلب من طربٍ ومن أشجانِ واهً لذياك السماع ولم أقل ذياك تصغيراً له بلسانِ ما ظن سامعه بصوتٍ أطيب الأصوات من حور الجنان حسانِ نحن النواعم والخوالد خيرات كاملات الحسن والإحسانِ لسنا نموت ولا نخاف وما لنا سخطٌ ولا ظغنٌ من الأضغانِ طوبى لمن كنا له وكذاك طوبى للذي هو حظنا لفظانِ ثم يقول ابن القيم ينادي أولئك الذين أشغلوا أو ضيعوا وفوتوا نعمة ذلك السماع والغناء اللذيذ في الجنة بأغاني المطربين والتافهين والساقطين والمهرجين والممثلين الماجنين وغيرهم يقول: نزه سماعك إن أردت سماع ذياك الغنى عن هذه الألحانِ لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحرم ذا وذا يا ذلة الحرمانِ إن اختيارك للسماع النازل الأدنى على الأعلى من النقصانِ والله إن سماعهم في القلب والإ يمان مثل السم في الأبدانِ والله ما انفك الذي هو دأبه أبداًَ من الإشراك بالرحمنِ فالقلب بيتُ الرب جل جلاله حباً وإخلاصاً مع الإحسانِ فإذا تعلق بالسماع أصاره عبداً لكل فلانة وفلانِ وهذا والله صحيح الذين يسمعون الأغاني وهي ذكرهم -والعياذ بالله- بكرة وعشياً بعضهم يسمع الكلام عن الجنة فلا تدمع عينه شوقاً، ويسمع الآيات عن النار فلا يضطرب قلبه وجلاً وخوفاً، ثم يسمع صوتاً كأنه صوت البوم كأنه صوت الغربان، كأنه صوت الشياطين ولو صدر من بشر، ثم تجده يطرق ويبكي ويتكسر من هذا الغناء الدنيوي الساقط ويبيع حظه من الأخروي قال: فإذا تعلق بالسماع أصاره عبداً لكل فلانة وفلانِ حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعانِ ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بشرائع الإيمانِ واللهو خف عليهم لما رأوا ما فيه من طربٍ ومن ألحانِ قوت النفوس وإنما القرآن قوت القلب أنى يستوي القوتانِ ولذا تراه يحظ في النقصان كالجهال والصبيان والنسوانِ يقول: هذه الأغاني التي يسمعها أهل الدنيا هي حظ أهل النقصان وألذهم فيه أقلهم من العقل الصحيح فسل أخا العرفانِ يا لذة الفساق لست كلذة الأبرار في عقلٍ ولا قرآنِ

وصف الحور العين في الجنة

وصف الحور العين في الجنة وأما الحور العين في الجنة وما أدراك ما الحور العين في الجنة! فإن الله يزوج عباده بهؤلاء الجميلات الكواعب الأتراب، قال تعالى: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان:54] والحور جمع حوراء وهي: التي يكون بياض عينها شديد، وسواد عينها شديد أيضاً، والعين جمع عيناء وهي: واسعة العين، وقد وصف القرآن الحور العين بأنهن كواعب أتراباً قال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:31 - 33] والكاعب: المرأة الجميلة الصغيرة، والأتراب: المتقاربات بالسن، والحور العين من خلق الله في الجنة أنشأهن الله إنشاءً، فجعل هؤلاء الحور أبكاراً عرباً أتراباً يتحببن إلى أزواجهن: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:35 - 37] لم يطمثن من قبل قال تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] أما بياض هؤلاء الحور قال تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:22 - 23] وشبههن في موضعٍ آخر بالياقوت والمرجان قال تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:56 - 58] وانظر إلى هذا الجمال الذي ذكره الله جل وعلا يخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم هل تجد له في جمال الدنيا نظيراً أو شبيهاً أو مثيلاً؟ لا والله، قال صلى الله عليه وسلم: (ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها) رواه البخاري، يصوغ هذه المعاني ابن القيم في نونيته: الكافية الشافية فيقول: فاسمع صفات عرائس الجنات ثم اختر لنفسك يا أخا الفرقان حورٌ حسانٌ قد كملن خلائقاً ومحاسناً من أجمل النسوانِ هذه لكل من آذته زوجه، لكل من أشغلته زوجه، لكل من أراد جمالاً، لكل من أراد لذة، لكل ولكل ولكل من أراد مهما جمعت من الجمال فإنها فترة ثم تزول، ولذة ثم تنقضي، وبرهة ثم تفنى، ولكن اجعل أملك في رضا الله ثم في هذا النعيم المقيم، اجعل أملك فيما عند الله من الحور: حورٌ حسانٌ قد كملن خلائقاً ومحاسناً من أجمل النسوانِ حتى يحار الطرف في الحسن الذي قد ألبست فالطرف كالحيرانِ ويقول: أي العبد الذي في الجنة: ويقول لما شاهد حسنها سبحان معطي الحسن والإحسانِ والطرف يشرب من كئوس جمالها فتراه مثل الشارب النشوانِ كملت خلائقها وأكمل حسنها كالبدر بعد الست ليل الست بعد ثمانِ والشمس تجري في محاسن وجهها والليل تحت ذوائب الأغصانِ فتراه يعجب وهو موضع ذاك من ليلٍ وشمسٍ كيف يجتمعانِ فيقول سبحان الذي ذا صنعه سبحان متقن صنعة الإنسانِ لا الليل يدرك شمسها فتغيب عند مجيئه حتى الصباح الثاني والشمس لا تأتي بطرد الليل بل يتصاحبان كلاهما أخوان وكلاهما أي: أنت وحوريتك في الجنة: وكلاهما مرآة صاحبه إذا ما شاء يبصر وجهه يرياني فيرى محاسن وجهه في وجهها وترى محاسنها به بعيانِ حمر الخدود ثغورهن لآلئ سود العيون فواتر الأجفانِ والبرق يبدوا حين يبسم ثغرها فيضيء سقف القصر بالجدرانِ ولقد روينا أن برقاً ساطعاً يبدو فيسأل عنه من بجنان فيقال هذا ضوء ثغرٍ ضاحكٍ في الجنة العليا كما تريانِ يسطع في الجنة نور فيعجب أهل الجنة ويقولون: ما هذا الذي سطع؟ فيقال: أهل المنازل العليا في الجنة، أحدٌ عنده حورية ابتسمت له فسطع نور ثغرها، الله أكبر! هذا ينبغي أن نعتقده عين اليقين، وحق اليقين، وعلم اليقين، ومن شك فيه أو تردد فيه ففي عقيدته خلل، في إيمانه شائبة، في إيمانه نقص، من الناس من تجده يتذبذب ويتردد حينما يأتي الكلام عن الأمور الغيبية، لا: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:1 - 3]، كلما صح من الغيب فيجب وجوباً لا تعذر بتركه أن تؤمن به إيماناً كاملاً حقاً: ولقد روينا أن برقاً ساطعاً يبدو فيسأل عنه من بجنان فيقال هذا ضوء ثغرٍ ضاحكٍ في الجنة العليا كما تريانِ لله لاثم ذلك الثغر الذي في لثمه إدراك كل أماني ريانة الأعطاف من ماء الشباب فغصنها في الماء ذو جريانِ لما جرى ماء النعيم بغصنها حمل الثمار كثيرة الألوانِ أيها الأحبة! لا أستطيع أن أقرأ بقية ما وصفه ابن القيم في الحور العين، والله لقد وصف وصفاً عجيباً، ووصف وأنصحكم بشراء الكتاب ويباع بالمكتبات نونية ابن القيم المسماة: بـ الكافية الشافية، كلام عن الحور العين من أول رأسها إلى أخمص قدمها ولكن ابن القيم يستحي رحمه الله رحمة واسعة إذ أنه لما بلغ بعض مواطن الجمال في النساء قال: وإذا انحدرت رأيت أمراً هائلاً ما للصفات عليه من سلطانِ ما تكلم رحمه الله ابن القيم! ولولا أننا في مسجد والمسجد مكتظٌ بالشباب لقرأت وأسمعتكم بقية هذه الأوصاف الجميلة، ولكن -أيها الأحبة- ماذا أقول وماذا أقرأ وكلنا وإياكم ننظر شيئاً ولا نستطيع قراءته ولكن أختم بأبياته التي قال فيها: فاجمع قواك لما هناك وغمض العينين واصبر ساعة لزمانِ يعني: هذا النعيم الذي ذكرناه، أتريده؟ اجمع! شمر! اجتهد! اعمل! اصبر على طاعة الله، واصبر عن معصية الله، واصبر على أقدار الله: فاجمع قواك لما هناك وغمض العينين واصبر ساعة لزمانِ ما ها هنا والله ما يسوى قلامة ظفر واحدة ترى بجنانِ ما ها هنا إلا النقار وسيئ الأخلاق مع عيب ومع نقصانِ همٌ وغمٌ دائمٌ لا ينتهي حتى الطلاق أو الفراق الثاني طبعاً هذا ليس لكل النساء؛ بل لبعضهن أصلحهن وهداهن الله! والله قد جعل النساء عوانياً شرعاً فأضحى البعث وهو العاني لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن تفعل رجعت بذلة وهوانِ أيها الأحبة في الله! يا غافلاً عما خلقت له انتبه جَدَّ الرحيلُ فلست باليقظانِ سار الرفاق وخلفوك مع الألى قنعوا بذا الحظ الخسيس الفاني ورأيت أكثر من ترى متخلفاً فتبعتهم ورضيت بالحرمانِ لكن أتيت بخطتي عجزٍ وجهلٍ بعد ذا وصحبت كل أماني مَنَّتك نفسك باللحاق مع القعود عن المسير وراحة الأبدانِ ولسوف تعلم حين ينكشف الغطا ماذا صنعت وكنت ذا إمكان ستعلم يوم ينكشف الغطاء الحقيقي في الآخرة، ماذا فرطت وماذا تساهلت؟ وماذا جنيت وماذا خسرت؟

نظر أهل الجنة إلى ربهم جل وعلا

نظر أهل الجنة إلى ربهم جل وعلا وختاماً: أيها الأحبة! هل يعطى أهل الجنة أفضل من هذا؟ نعم. هناك فضلٌ أعظم من هذا كله اسمعوه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله بين يديك، فيقول الله جل وعلا: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب! وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟! فيقول جل وعلا: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب! وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول تعالى: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) متفقٌ عليه.

إحلال رضوان الله على أهل الجنة

إحلال رضوان الله على أهل الجنة وأعظم النعيم: النظر إلى وجه الله الكريم في جنات النعيم يقول ابن الأثير: رؤية الله هي الغاية القصوى في نعيم الآخرة، والدرجة العليا من عطايا الله الفاخرة، بلغنا الله وإياكم منها ذلك، روى مسلم في صحيحه والترمذي في سننه عن صهيب الرومي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول تبارك وتعالى: عبادي تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: يا ربنا! ألم تبيض وجوهنا؟! ألم تدخلنا الجنة؟! ألم تنجنا من النار؟! قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى، ثم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]). أيها الأحبة! نعيم الجنة باعه شبابٌ بالمعاكسات، نعيم الجنة باعه شبابٌ بالمباريات! نعيم الجنة باعه الطماعون بالربا! والأسهم الربوية! نعيم الجنة باعه الجشعون بالأموال الحرام! نعيم الجنة باعه الكذابون بالغيبة والنميمة والوشاية والنقل السيئ، نعيم الجنة باعه الذين لا شغل لهم إلا أعراض الخلق والوشاية بالخلق! نعيم الجنة قد باعه مجانين! باعه مساكين! باعه حمقى! باعه غافلون! وما علموا أنهم يبيعون نعيماً عظيماً بلذة عاجلة حقيرة! أرأيتم شاباً يضيع الجنة في لذة لحظة؟! جاء إلي في هذا الأسبوع شابٌ يقول: إني أريد أن أتوب إلى الله فقلت: ومم تتوب؟ قال يتسلط علي شيطاني ونفسي وهواي وجلساء السوء فلا يزالون بي حتى نسافر فنزني -والعياذ بالله- ولا زال هذا الأمر أتردد فيه إلى الساعة فهل لي من توبة؟ وهل إلى خروجٍ من سبيل؟ فقلت: أيها الشاب! إن نعم الله عليك عظيمة والله لو كنت مشلولاً لما وجدت آلة تزني بها! لو كنت مقعداً لما وجدت قوة وصحة تزني بها! لو أخذ سمعك أو بصرك أو طرفك أو كلاك أو عرقٌ من عروقك أو شريانٌ من شرايينك أو شيء من بدنك لتمنيت ثلث العافية! ربع العافية! خمس العافية! عشر العافية! لا أن تزني في هذا الصحة التي أنت تتقلب فيها، ثم إن نعمة الله عليك عظيمة فإن الله قادرٌ أن يرسل إليك ملك الموت فيقبض روحك وأنت على تلك الباغية الزانية، كما حصل لبعض الشباب الذين حملوا جنائز من أحضان الباغيات، حملوا وجيء بهم في التوابيت إلى صالات المطارات، من ذا الذي يبيع هذا النعيم يا إخوان؟! من ذا الذي يضيع حظه من الجنة؟! قال صلى الله عليه وسلم: (والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع) أنت تجلس في شاطئ محيط من المحيطات ثم تدخل أصبعك فيه فانظر ماذا يعلق! لا يعلق في الأصبع إلا القطرة التي نزلت، قطرة واحدة، معناه: أن هذه الدنيا، والآخرة هي البحر، فمن ذا يبيع الآخرة بقطرة؟! من ذا يبيع النعيم بلذة لحظة؟! ثم لذة زالت وبقي وثبت وما يزال وزرها مكتوبٌ محسوبٌ وشؤمها ينتظرك في نفسك أو في مالك أو عند فراق روحك واللذة ذهبت: إن أهنى عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل فاتق الله فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصل ليس من يقطع طرقاً بطلا إنما من يتق الله البطل اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل ودع الذكر لأيام الصبا فلأيام الصبا نجمٌ أفل أما كفى ما مضى من العمر؟! أما كفى ما مضى من الغفلة؟! أما كفى ما مضى من الليالي الشخير والنخير من النوم ما قمنا نتهجد فيه لله لحظة؟ أما كفى من تلك الأيام بساعاتها وما فيها ضاعت ما أودعناها أعمالاً صالحة؟! والله إننا مغبونون غبناً عظيماً، فأسأل الله جل وعلا أن يوقظ قلوبنا من رقدة الغافلين، اللهم خذ بأيدينا إلى طاعتك، اللهم خذ بأيدينا إلى مرضاتك، اللهم حبب إلينا طاعتك، وبغض إلى نفوسنا معصيتك. إلهنا ربنا ومولانا وخالقنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى ألا تدع لهذه الوجوه الطيبة في هذا المقام رجالاً ونساءً ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاحٌ إلا قضيتها. اللهم لا تدع شاباً أيماً أو أنثى إلا زوجته، اللهم لا تدع أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا رزقته ذرية صالحة، بمنك وكرمك يا رب العالمين! اللهم ثبتنا واسترنا، واهدنا وكن لنا وأعنا، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم لا تكشف سترك عنا، اللهم لا تهتك أستارنا، اللهم آمن روعاتنا، واستر عوراتنا، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي الجزائر وفي تونس، وفي أثيوبيا، وفي إريتريا، وفي أرومو وفي فلسطين، وفي الهند، وكشمير، والفلبين وبورما وفي سائر البقاع يا رب العالمين! اللهم اجعل لهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية. اللهم انصرهم على أعدائهم، اللهم احفظ ذرياتهم، وأقم على الحق والكتاب والسنة دولتهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وسلم تسليماً كثيراً.

التضحية

التضحية لقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بالكثير في سبيل الله عز وجل ونشر دينه بين الناس، وكذلك ضحى أصحابه رضوان الله عليهم، منهم صهيب ومصعب بن عمير، وهنا يحدثنا الشيخ عن جملة من صور التضحية التي حصلت في عهد الصحابة والتابعين ومن بعدهم رضوان الله عليهم أجمعين.

سمات حزب الله

سمات حزب الله الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تبارك سبحانه وتعالى ما عبدناه حق عبادته، وما شكرناه حق شكره، نحمده على حلمه بعد علمه، وعلى عفوه ومقدرته، الأرض جميعاً قبضته، والسماوات مطويات بيمينه، لا يعلم جنوده سبحانه إلا هو، وسع كرسيه السماوات والأرض، قلوبنا بيده، وبين إصبعين من أصابعه التي تليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، خيره إلينا نازل، ومعاصينا صاعدة تترى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وراقبوا الله في السر قبل العلن، تجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية. ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتق الله البطل. معاشر المؤمنين! أتدرون من هم حزب الله المفلحون؟ أتعلمون من هم حزب الله المفلحون؟ أهم أكثر الناس أموالاً؟ أهم أعلاهم في المراتب والمناصب؟ أهم أكثر الناس ذرية وزوجات ونفيراً؟ حزب الله المفلحون يقول الله فيهم: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة:22]. تلك أعظم سمة لحزب الله، الذين يبذلون الغالي والرخيص والدم والنفيس لوجه الله جل وعلا، ويضحون بالمصالح، وأواصر القربى والعلاقات والروابط، ولو كانت علاقات الآباء بالأبناء، أو الآباء بالإخوان والأخوات، أو الآباء والأهل بالعشائر والأقارب، في سبيل مرضاة الله جل وعلا، وفي سبيل إعلاء دينه، ورفعة كلمته. معاشر المؤمنين! يوم أن تبين اتجاه الصحابة والتابعين والسلف الصالح رضوان الله عليهم، وتحدد موقفهم، وتميز مكانهم في أمم الأرض والبشرية، فكانوا صفاً وعوناً، وعدداً وعتاداً لحزب الله، سَعُد الدين بهم، وانتشرت الدعوة، وسمت العقيدة، وحكمت الشريعة، ورفرفت للتوحيد راية. ولنعلم أيها الأحباب! أنه لن يصلح آخر هذه الأمة التي نحن فيها إلا بما صلح به أمر أولها، يقول صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله) فهو الحجة والمحجة، والنور والهداية، والمشعل والنبراس، والقوة والقدوة، والشريعة المحكمة.

تضحية صهيب ومصعب

تضحية صهيب ومصعب معاشر المؤمنين! أسوق هذه المقدمة لأمهد لسؤال أطرحه الآن بين أيديكم، وأقول: إن التضحية هي أساس عزة الأمة، ورفعة الهمة، وعلو الدين، وانتشار الدعوة والعقيدة، فما حضنا من هذه التضحية؟ وما دورنا في هذه التضحية؟ وما بذلنا وعطاؤنا في هذه التضحية التي رأينا أروع المثل، وأجل الصور، وأجمل المشاهد لها في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ تعلمون أن نبينا وجيهٌ في قومه، بل من أشرف العرب أرومة، ومع ذلك يوضع سلى الجزور على ظهره، ويوضع الشوك في طريقه، فيضحي بهذه ويقبل المتاعب في سبيل دعوته، تعلمون أنه صلى الله عليه وسلم يحب مكة حباً شديداً، ومع ذلك خرج منها، وهو يقول: (والله إنك لأحب الديار إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك، ما خرجت). أنت إلى الخارج أخرجتني لولاك هذا العام لم أخرج يدع هذه البلاد والأطلال والعشائر والأقارب، والمال والأواصر مودعاً مكة مهاجراً، عليه من ربه نور وهداية، وعصمة وحافظ، حتى يبلغ المدينة صلى الله عليه وسلم، فيضرب المثل الأروع في التضحية، فيلحقه أصحابه، صهيب الرومي لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم مهاجراً، ومضحياً بالأهل والمال والموطن والبيت والمنزل، فتلحقه قريش، قالوا: يا صهيب! ألم تأتنا فقيراً فغنيت بنا؟ فالتفت إليهم ذلك الجهبذ رضي الله عنه، قال: يا معشر قريش! تعلمون أني أنبلكم بالقوس والسهم، ومن لحق بي لا يخطئ السهم قلبه، ولكن إن شئتم شيئاً فأخبروني؟ قالوا: نريد مالك، قال: وإن دللتكم على مالي تتركوني؟ قالوا: نعم. قال: هو خلف الحائط في ضيعة بني فلان، فذهبوا وأخذوا ماله وتركوه يهاجر لله وفي سبيل الله. فلما قدم صهيب على النبي صلى الله عليه وسلم، نظر إليه المصطفى بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وقال: (ربح البيع أبا صهيب) باع المال والمسكن والموطن لله جل وعلا، قد بعتها لله والله اشترى. هكذا ضرب الصحابة رضوان الله عليهم أروع الأمثلة، تضحية لإقامة الدين، إن صهيباً يوم أن أراد الهجرة، فوقفت له قريش، لم يقل: ما ظننا أن الأمر فيه خسارة ومخاطرة، وأننا سنخرج فقراء عراة مساكين من أرضنا لأجل محمد ودولته ودعوته، بل قال: إن دللتكم على مالي تتركوني؟ لأنه يعلم أن همته أعلى، وهمتهم أخس وأدنى، فدلهم على ما يرغبون من حطام الدنيا ومتاعها الزائل. وكان مصعب بن عمير أجمل قريش، وأنداهم، وأعطرهم، وأطيبهم، وأترفهم دلالاً، فلما خالط الإيمان بشاشة قلبه، وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، بقي مطرقاًَ، جاءت أمه وقالت: يا مصعب! أتريد زوجة حسناء أشغلت بالك؟ شتان بين هم أمه وهم ذلك البطل، لم تعلم أن همه أن يلحق بنبيه، وأن يكون جندياً من جنود دعوته، ولما علموا أن الأمر هكذا، كفر بالطواغيت، وإيمان بالربوبية، كفر بهذه المشاهد والمظاهر والأوثان، وإيمان بالسنة والعقيدة والدعوة. قالوا: تحرم من نعيمك ومن ترفك، وما أنت فيه؟ فقدمها وبذلها لله، فلبس أخشن اللباس، وبقي زاهداً في ذلك كله، حتى إنه رضي الله عنه لما استشهد لم يجدوا ما يكفنونه به، فكفن بعباءة إذا غطي رأسه بدت رجلاه، وإذا غطيت رجلاه بدا رأسه، وكان من أعطر وأثرى وأجمل وأترف شباب قريش، لماذا ضحيت بهذا يا مصعب بن عمير؟ كي تكون أول سفير للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل المدينة، ومن أوائل المعلمين لهم، ضحى بذلك كله، طلباً لما هو خير منه أجمع، ألا وهو الجنة.

تضحية وبذل أبي بكر وعمر بن عبد العزيز في سبيل الله

تضحية وبذل أبي بكر وعمر بن عبد العزيز في سبيل الله عباد الله! دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأمة، إلى البذل في سبيل الله، وإلى غزو أعداء الله، وكان الأمر يتطلب تضحية بالمال، وتجهيزاً للجيش، وبذلاً للسلاح، فجاء أبو بكر بماله كله، ونثره بين يدي رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! ماذا تركت لأهلك وولدك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله، نِعم المدخر، ونِعم الكنز الذي أبقيته لهم يا أبا بكر {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} ماذا يفعلون بهم؟ {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]. قيل لـ عمر بن عبد العزيز لما حضرته الوفاة: هلا تركت شيئاً للصبية والأولاد والذرية؟ فقال: إن كانوا صالحين فلن يضيعهم الله، وإن كانوا عصاة فلن أضع لهم مالاً يتقووا به على معصية الله، قال الراوي: فوالله لقد رأيت كل واحد منهم حمل على مائة بعير في سبيل الله بأحلاسها وأقتابها وسلاحها، لأن غناء الله عطاء لا ينقطع، ومدد لا ينتهي، وجود لا ساحل له. فيا معاشر المؤمنين! هذه صور من التضحيات التي بذل فيها الآباء والأجداد، والقدوة والأسوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، والصحابة من بعده بذلوا فيها أروع الأمثلة وأجل المثل، لكي نتعلم نحن التضحية في هذا الزمان.

تضحية الغلام المؤمن بنفسه في سبيل الله

تضحية الغلام المؤمن بنفسه في سبيل الله تعرفون قصة أصحاب الأخدود، في خلاصتها أن ملكاً من الملوك السابقين ادعى الربوبية، وكان ساحره يسيطر ويوسوس ويزخرف للناس أفعالاً يعتقدون بها أن ذلك الملك إله لهم، فلما أوشك على فراق الدنيا وأحس بدنو الأجل، قال الساحر للملك: إني أشعر بدنو أجلي، فهلا طلبتم لي فتى ذكياً، نابهاً فطناً، أعلمه الصنعة حتى يبقى الأمر لك من بعدي. فماذا حصل له؟ اختاروا فتى، وكان ذلك الفتى يتردد على الساحر ليتعلم منه السحر الذي يزخرف به على أعين البشر، فيعتقد ألوهية ذلك الملك، وكان في الطريق راهب يعترض لهذا الفتى، فيعلمه الدين الحق والوحدانية السليمة، فأصبح الفتى بين أمرين وتيارين وطرفين يتجاذبانه، فقال: الآن أختبر هذين الأمرين يوم أن مر والناس قد حشروا لسبع قد عاقهم في المضي في طريقهم، فأخذ حجراً، قال: اللهم إن كان ما يعلمني هذا الراهب حقاً، فأمت هذا السبع بهذا الحجر، ثم قال: بسم الله رب هذا الراهب، فرمى السبع بها، فمات، ومر الناس وكبروا. ثم أعجب الناس والتفوا حوله، وجاءوا إليه، فأصبح يداويهم باسم رب الراهب وهو الله جل وعلا، فلما علم الملك أن سحره بطل. إذا جاء موسى وألقى العصا فقد بطل السحر والساحر لما علم أن سحره بطل وانتهى، وأن كيده كشف واضمحل، أمر طواغيته ورجاله أن يأخذوا الفتى فيصعدوا به أعلى شاهق الجبال، فيرموه ليتردى إلى قعرها وقاعها، فلما هووا به، قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، وإنك أنت السميع العليم، فنزل على الأرض كأن سحابة حفظته وحملته، وكأن مضلة أو حافظاً قام به حتى وقف على قدميه، فعادوا وقبضوا عليه أخرى، وأخبروا الملك بشأنه، فقال: اذهبوا به إلى لجة البحر، وارموه بها، فلما ذهبوا ليرموه، قال: اللهم اكفنيهم بما شئت، وإنك أنت السميع العليم، فاضطرب البحر بأمر خالق البحر، بأمر رب الأمواج، بأمر رب الأرضين والسماوات، فتقلب الموج بهم، فسقطوا في لجته، وبقي هو على القارب فعاد ناجياً وحده. فلما أعيت الملك الحيلة في شأن هذا الفتى، قال: أخبرنا كيف الخلاص منك، وكيف القضاء عليك، وكيف فناؤك؟ قال: أتريد أن تتخلص مني؟ أنا أدلك، اجمع الناس في صعيد واحد، ثم خذ سهماً من كنانتي، فإذا وضعته في كبد القوس، فارفع صوتك، وقل: بسم الله رب الغلام، وعند ذلك لن يخطئ السهم فؤادي، وسأخر صريعاً أمامك وأمام الناس. فظن ذلك المخدوع أنها هزيمة للفتى ونصرة للوثنية والطاغوتية، فجمع الناس جميعاً في صعيد واحد، وصلب الفتى على جذع شجرة، ثم جر الوتر حتى اشتد أنينه، ثم انطلق السهم في كبد الفتى وفؤاده، بعد أن قال الملك بصوت مرتفع: بسم الله رب الغلام، فلما سقط الفتى، صاح الناس كلهم آمنا بالله رب الغلام. إنها تضحية بالفؤاد وبالدم، وبالروح والنفس، حتى تعيش الأمة، فلابد أن تراق الدماء، وأن تنثر الأشلاء، وأن تذهب الملذات في سبيل رفعة الأمم، ويقظة الشعوب، ونهضة الأمة، ووعي الشباب الذي خدر كثيراً. فيا عباد الله! هذه كلها أمثال دلت على أن الدين لا ينتشر إلا بتضحية، ودلت على أن العقيدة لا تسمو إلا ببذل، ولا تثبت إلا بإيثار وتفان، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

تضحية الصحابة والتابعين

تضحية الصحابة والتابعين الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث، الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، الحمد لله الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، الحمد لله على مننه وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! لو سردنا الأمثلة على تضحيات الصحابة والتابعين وعلماء الأمة المخلصين، لما وسع ذلك أياماً وليالي، ولكن حسبنا أن نشير إلى ما يحرك الهمة، ويرفع الأمة من الضعف والخمود والهوان الذي أصاب كثيراً من أبنائها. معاشر المؤمنين! إن النبي صلى الله عليه وسلم لما فاوضه سهيل بن عمرو على صلح الحديبية، قال سهيل: يا محمد! إنا نفاوضك على ما يلي، وذكر بنود الصلح والاتفاقية، وكان منها: أن من مفر من مكة إلى محمد من أصحاب محمد يرده محمد إلى قريش، ومن ذهب من المدينة إلى قريش فإن النبي لا يسترده، فرضي بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعلم أن الله جاعل له ولأصحابه من هذا فرجاً ومخرجاً، فلما وقعت هذه الاتفاقية، جاء أبو جندل بن سهيل يرسف في أغلاله، فاراً من سجون قريش، فما بلغ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: عد إلى قومك. قال: يا رسول الله! أتتركني لهم يفتنوني في ديني، فقال صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يعلم أن الفرج من الله له ولأصحابه: (سيجعل الله لك فرجا) ووقعت هذه الاتفاقية، التي ظاهرها هزيمة للمسلمين، ثم عاد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فهرب أبو بصير رضي الله عنه إلى النبي من مكة إلى المدينة، فأرسلت قريش رجلين ليحضرا أبا بصير هذا الذي هرب، فلما جاءوا إلى الرسول عليه الصاة والسلام، قالوا: إنا نطلب أبا بصير أن ترده معنا، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (اذهب مع القوم، قال: يا رسول الله! يفتنونني، قال: سيجعل الله لك فرجاً ومخرجاً، وإنا قد أعطينا القوم عهداً وميثاقاً) فلما عاد أبو بصير معهم، والأسى يتبع الأسى، والدمع يتبع الدمع، ليس خوفاً ولا هلعاً ولا جزعاً، بل على فراق النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن أبا بصير من أذكى رجاله، وكان يقول: (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه جيش) ذهب السفيران بـ أبي بصير يعودان به إلى قريش، ولما كان في الطريق، إذ بواحد من هذين السفيرين، يهز سيفاً في يده، يقول: والله لأجعلن هذا السيف يشبع من دمائهم طوال الليل واليوم، ينتظر موقعة يقابل فيها النبي وأصحابه. فالتفت أبو بصير، قال: إن سيفك هذا لجيد، أفلا تريني، فصدق ذلك الرجل، وأراه السيف فاختطفه أبو بصير بخفة قوة المؤمن، وقطع به رأسه، وهرب الآخر، فعاد أبو بصير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال النبي: (يا أبا بصير! اذهب حيث شئت) فذهب على ساحل البحر، وجلس على طريق قريش، فما مرت قافلة إلا ونال منها غنيمة وحظاً عظيماً، حتى أرسلت قريش مبعوثاً يناشد النبي ويرجوه أن يلغي هذا الأمر من اتفاقية الحديبية. ضحى ذلك الصحابي، واستجاب لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: هاأنا أهاجر إليك فتردني، أو هاأنا أترك القوم مؤمناً فتطردني، بل ضحى لعلمه أن الله مع نبيه، وأن الوحي حق، وأن الإله لن يضيع أمته وجنود دعوته. كذلك الإمام أحمد بن حنبل نازعوه على مسألة والله لو فتنا فيها هذا الزمان، لأفتى الكثير ولا أقول الكل، بمئات أمثالها، كيف وقد فتنوا بما هو صريح الدلالة في القرآن والسنة، فأفتوا بما يرضي القوم ويتبع أهواءهم، وفتن الإمام أحمد بالقول بخلق القرآن، هل هو منزل أم مخلوق؟ فقال: منزل، وقال ابن أبي دؤاد: إنه لمخلوق، وثبت الإمام أحمد على الفتنة، وضحى بلذته ونعيمه، وما كان يعيش لذة نعتقدها نحن في المراكب والمفارش والطعام والشراب، بل لذة الأنس والخلوة، ومع ذلك ما زادته إلا أنساً وخلوة بالله. وعلقوا رجله بالسقف ورأسه يتدلى، تحتقن الدماء في وجهه، وكانوا يقولون له: يا أبا عبد الله! يا أحمد بن حنبل! ما تقول في القرآن؟ فيقول: كلام الله منزل غير مخلوق، فقال الأمير: ألقوه أرضاً واجلدوه بالسياط، يا أبا عبد الله! ماذا تقول في القرآن؟ فيقول: منزل وليس بمخلوق، ولما بلغ الأمر منه مبلغاً، مد يده وقد ألقي على وجهه في الأرض يجلد، فقال الخليفة: أبا عبد الله! أتدعو عليَّ؟ لأنه يعلم أن الإمام أحمد لا يدعو على السلاطين، بل يدعو لهم بالهداية، قال: أبا عبد الله أتدعو عليّ؟ قال: لا. وإنما أدعو ربي ألا تنكشف عورتي وأنتم تجلدوني. وصبر على ذلك، إنها تضحية لكي تثبت العقيدة نقية واضحة سليمة من أن تدنسها أفكار المعتزلة، أو أن يدخل بها ما لا يليق أو ينبغي لها. بعد هذا كله أسألكم أنتم الآن بماذا ضحيتم؟ أي أضحية قدمتم لدين الله جل وعلا؟ هل سمعتم بواحد قدم ذات يوم راتبه كله، وقال: هذا للمجاهدين في سبيل الله، ولو مرة في العمر، هل فعلناها يا إخوان؟ هل سمعنا أن شاباً من طلبة العلم أو من أمثالنا الضعفاء الفقراء، الذين يظن الناس بهم خيراً وهم أضعف الناس إلى الله جل وعلا، جعل شهراً يجوب البلاد يدعو إلى الله جل وعلا في كل سنة؟ جزء من التضحية لا نجده ولا نراه، هل سمعتم أن امرأة تصدقت بمهرها للمجاهدين في سبيل الله، أو لإعلاء كلمة الله، أو لنصرة دين الله، أين التضحيات؟ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أبايعك على الإسلام بشرط ألا أجاهد ولا أتصدق، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا جهاد ولا صدقة، فبم تدخل الجنة؟!) الجهاد والصدقة يا عباد الله! والدعوة والبذل، والتضحية والإيثار في سبيل الدين. إننا نعيش أمناً وثراءً ونعماً لا يحصيها إلا الله، ثمرة تضحيات سلفت، ولأجل دوامها لا بد أن نضحي، وإن كان حجم التضحيات في هذا الزمان لن يبلغ ما بلغه الأوائل إلا ما شاء الله، ولكن أين من يضحي منا؟ أين من يبذل؟ أين من يجعل بذل الجهاد والدعوة هماً يومياً كالطعام والغداء والفطور والعشاء؟ لا والله يا عباد الله! إني أدعوكم بدعوة الله لكم أن تتعلموا التضحية والإيثار بساعة من أربع وعشرين ساعة، اجعلوها لله جل وعلا، بيوم من شهر واحد، اجعلوها لله جل وعلا، بأسبوع من سنة كاملة، فرغوها للدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، واجعلوا صنيديقاً، ولا أقول خزينة، اجعلوه في مجالس بيوتكم، وكلما زل الإنسان بزلة، فليتصدق كفارة عن الزلة، وليتصدق نماءً للمال، وليبذل نشراً للدعوة، وبقاء وعوناً على حفظ العقيدة، وفي نهاية كل شهر كل يقدم خزينة صندوقه لوجه الله. لو كان المسلمون على هذا المستوى من البذل لدينهم، والله لاستطاعوا أن يغرقوا الأعداء وأن يهلكوهم، ولكن لله في ذلك حكمة {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام:112] فما أنتم فاعلون يا عباد الله؟! الدين يحتاج إلى تضحية، والعقيدة تحتاج إلى بذل، وهما خياران إما موت وإما حياة، هما أمران إما حياة بعقيدة، وإما جبن وشح وهوى وبعد عن التضحية، وبقاء على الذلة والهوان، نحن في نعمة نريد أن نحفظها بالتضحيات. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

عبادة وليست عادة

عبادة وليست عادة إن المنة لله علينا يوم أن شرع لنا عبادات مختلفة تقربنا إلى رضوانه؛ لنبلغ أعلى الدرجات في جناته، وفي هذه المادة تقفون مع عبادة من هذه العبادات وهي صوم رمضان، وبيان فضله، وأحوال الناس في رمضان

فضل شهر رمضان

فضل شهر رمضان الحمد لله الذي شرع لعباده المؤمنين ما يقربهم إلى مرضاته وجنانه، وحرم عليهم ما يبعدهم عن سخطه ونيرانه، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى عملاً بأمره ووصيته للأولين والآخرين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: جمعتكم هذه هي الجمعة اليتيمة في شهر رمضان، وبعد أيام قليلة تستقبلون شهراً كريماً وموسماً عظيماً، رحمة من الله بكم، يوم أن كان في سابق علمه أن أعمار هذه الأمة قصيرة، شرع لهم من العبادات ما ينافس فيه أهل هذه الأمة الأمم السابقة فيكونوا أكثر أعمالاً، فأمة محمد صلى الله عليه وسلم هم الأولون الآخرون، هم الأولون في الدرجات والبركات الآخرون في الزمان. فيا عباد الله! لا أشك أن الواحد منكم لا يعلم فضل هذا الشهر وما فيه من الأجور العظيمة التي منَّ الله بها عليكم جميعاً. لا أظن أن أحداً منكم يجهل أن من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. ولا أظن أن واحداً منكم يجهل أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الصيام لله والله يجزي به، وأن الأعمال مضاعفة والحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لله والله يجزي به، وليس لجزاء الله وفضله عدد ولا حساب، فهو الذي يوفي أجره وفضله لعباده المؤمنين بغير حساب. ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الريان باب من أبواب الجنة، باب عظيم أعده الله للصائمين. ولا نظن أن مسلماً يجهل أن هذا الشهر فيه ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر. ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الجنة تتزين لعباد الله المؤمنين، والله جل وعلا يقول لجنته: (يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة ويتحولوا إليك). ولا نظن أن مسلماً يجهل أنه إذا دخل شهر رمضان، أغلقت أبواب النيران، وفتحت أبواب الجنان، وصفدت مردة الشياطين، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من بني آدم فيما سلف من الزمان. فيا عباد الله: هذه أمور من الكتاب والسنة كلكم يعلمها، ولا نظن أن أحداً يجهلها، ولكن مع هذا كله لا نجد استجابة ولا نجد فرحاً أو نجد فرحاً يسيراً، والبعض قد يستقبل هذا الشهر وهو على كراهية وبغض لقدومه؛ لأنه يحرمه من ملذاته المحرمة وشهواته الباطلة. يا عباد الله: اعلموا أن المنة لله عليكم يوم أن شرع لكم في اليوم والأسبوع والسنة عبادات مختلفة تتقربوا بها إلى رضوانه؛ لكي تبلغوا أعلى الدرجات من جنانه، وإلا فإن الله غني عن العباد أجمعين، ما خلقكم ليستكثر بكم من قلة، وما خلقكم ليستعز بكم من ضعف: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان:26].

وقفات مع استقبال الناس لشهر رمضان

وقفات مع استقبال الناس لشهر رمضان معاشر المسلمين: بعد هذا لنا وقفات مع أنفسنا ومع إخواننا وشبابنا ورجالنا؛ لكي ننظر حالنا في استقبال هذا الشهر الكريم، إن كنا نحب هذا الشهر ونصدق دعوى المحبة من غير خداع، فإن الذي يستقبل حبيبه يعد ما يناسبه ويقرب ما يليق به، ويجهز ما يناسبه من الأعمال والأقوال والأفعال، ومن كان يستقبل عدواً، أو يتربص ساخطاً أو شامتاً، فتراه لا يبالي على أي حال نزل، وعلى أي هيئة رحل.

وقفة مع الذين أعدوا الشاشات والأفلام لرمضان

وقفة مع الذين أعدوا الشاشات والأفلام لرمضان فمن الناس من زينوا أفلامهم وهيئوا أجهزتهم، وأعدوا موائدهم ليستقبلوا هذا الشهر بالسهر، ويستقبلوا نهاره بالنوم، هكذا أعدوا سلفاً مائدة استقباله. ومن الناس من حاسبوا أنفسهم قبل نزوله، وأعدوا أنفسهم تهيأً له، واستعدوا لاستقباله بكل ما يرضي الله جل وعلا، وكل عبادة تليق بهذا الشهر الكريم، فأول ذلك: الاحتساب في صيامه وقيامه. والاحتساب هو: فعل الشيء وقصد الأجر والثواب من عند الله جل وعلا فرحاً به وغبطة بنزوله، لا تبرماً أو إكراهاً أو في حال من الكراهية أثناء القيام بهذه العبادة، وهذا جلي من قوله صلى الله عليه وسلم: (إيماناً واحتسابا) إيماناً أي: تصديقاً بفريضته، واحتساباً: أي: رغبة وطلباً وحباً واحتساباً للأجر والثواب من عند الله. لا كما يفعله بعض المسلمين في هذا الزمان، يؤدون كثيراً من العبادات أداء التخلص وليس أداء الاحتساب، فتجده يجعل نفسه أمام الأمر الواقع، فهو مضطر لا محالة لصيام هذا الشهر، ويتمنى لو لم ينزل به هذا الشهر، خلافاً لمن تراه يزيد في صدقاته وطاعاته؛ شكراً لله أن بلَّغه هذا الشهر، وأن جعله بنزول هذا الشهر من الأحياء الذين يدبون على وجه هذه الأرض؛ لكي يفوز مع الصائمين والقائمين بالأجر العظيم.

وقفة مع الذين يتعبدون بالصوم عبادة تخلص

وقفة مع الذين يتعبدون بالصوم عبادة تخلص أيها الإخوة: عبادة التخلص ليست والله عبادة، بل هي ما يفعله بعض الناس إذ يجد ضغوطاً نفسية أو ضغوطاً اجتماعية فيضطر لأداء العبادة مع سائر الناس الذين يؤدونها، ويصعب عليه أن يخالفهم، وإن كان في حقيقة الأمر مؤمن بفريضته ووجوبه، لكنه يتمنى أن لو لم يبلغ هذا الشهر، ويتمنى أن لو لم يفرض هذا الشهر، ويتمنى أنه لم يحرم من الطعام أو الشراب، أو يتمنى أن لم يشرع القيام في هذا الشهر، فتراه يصوم وقد يقوم لأن الناس أمثاله يفعلون ذلك. فهذه عبادة تخلص وليست عبادة احتساب، ففرقوا في هذه المسألة فالفرق واضح، والبون شاسع، وشتان بين أجر هذا وأجر أو وزر ذاك، شتان بين من يصوم احتساباً وغبطة وفرحاً، وبين من يصوم كراهية، وإنما يصوم وقوفاً أمام الأمر الواقع، وإن كان التخلص أصبح السمة لبعض المسلمين في عباداتهم، فتراه يكبر في الصلاة ويركع ويرفع ويسجد ويسلم، لا يفقه ولا يدري، ولا يعي ولا يتدبر، ولا يخشع ولا يخضع في صلاته، فهذه عبادة تخلص، وليست عبادة لذة واجتهاد واحتساب إلى ما عند الله. كذلك الذين يصومون هذا الشهر في نوم طويل في النهار، مع ضياعٍ للمفروضات، وسهر عجيب بالليل مع جلوس أمام الأفلام والشاشات والمسلسلات وتتابع الحلقات، وهذا شأنهم، يعدون مائدة السحور ويتهيئون لمائدة الإفطار وما بينهما فهو نوم أو سهر على ما يسخط الله جل وعلا، والأعجب من ذلك -أيها الأحبة- أن بعضهم يمسك عما أباح الله ويفطر على ما حرمه الله جل وعلا. نعم. شرع الله أن نمسك عن المباحات كالنكاح والطعام والشراب وغير ذلك من سائر المفطرات، فالذين يصومون صوم التخلص يمسكون عن المباحات، لكنهم منذ أن يصبحون إلى أن يفطرون وهم على فطر ما انقطعت نفوسهم عن الإفطار على المحرمات خاصة بعد صلاة العصر، وليبلغ الشاهد الغائب ما نراه من خلو المساجد من الصائمين أين الصائمون؟ أين التالون لكتاب الله؟ أين المعتكفون؟ تجد كثيراً من المسلمين أمام الأفلام والمسلسلات والحلقات، أهذه عبادة؟ أهذه فرحة صائم ينتظر بعد لحظات أو سويعات أن يفرح فرحتين، فرحة فطره، وفرحة لقاء ربه؟ أهذه عبادة يا عباد الله من طلوع الشمس إلى زوالها أو إلى قرب العصر، والبعض تجده في نوم عميق وسبات وغطيط، فإذا صلى العصر في بيته أو مع الجماعة سحب أذيال الهزيمة بأقدام ثقيلة يعود إلى بيته لينظر هذه الأفلام والمسلسلات؟ ما هذا التناقض الذي يعيشه كثير من المسلمين في عبادتهم؟ أتصوم عما أباح الله من الطعام والشراب، وتفطر على ألوان صور النساء، وعلى مقاطع الموسيقى؟ أم تفطر على ما حرم الله جل وعلا؟ أي خداع نفسي نمارسه على نفوسنا؟ وأي غفلة نقع فيها؟ وأي استهتار؟ وأي تخلص من هذه العبادة نقضي به وقت الصيام على أي وجه كان، سواء على مرضاة الله أو على سخطه، على ما أحب أو ما شرع، على ما نهى أو ما زجر، لا والله بل إن الكثير منهم يقضون العبادة على ما زجر ونهى، ما الذي يبيح لك وأنت مفطر أو صائم أن تقلب عينيك في صورة امرأة؟ ما الذي يبيح لك وأنت مفطر أو صائم أن تتمتع جهلاً أو شيطنة بمقاطع الغناء واللهو؟ أتظن بعد هذا أن هذه عبادة ترفع؟ أم تظن أنك تنال بها أعلى الدرجات عند الله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} [الجاثية:21]؟ أيستوي أهل الطاعة وأهل المعصية، وإن كانوا مع أهل الطاعات في ظاهر شكلهم وألوانهم في وقت الإمساك ووقت الإفطار؟ حاسبوا أنفسكم -يا عباد الله- وقدموا أعمالاً ترجونها عند الله جل وعلا، فلو كنت مديراً عاماً، أو رئيساً لدائرة أو مسئولاً عن قسم، ثم تابعت موظفيك في عمل من الأعمال لتنظر تقارير إنجازهم وأعمالهم، ورأيت عملاً مختلطاً، وعملاً مرتجلاً، وعملاً مزيفاً، أو فيه زيادة ونقص، وفيه تقريب وإبعاد، وفيه ألوان مختلطة لرميت بتقريره في وجهه، وقلت: أهذا عمل يستحق الموظف عليه راتبه، أو يستحق أن يكون في شرف الخدمة المدنية، أو يستحق أن يكون من الذين يحسبون على الطاقات العاملة في المجتمع؟ فلله المثل الأعلى.

أمور لا تكون العبادة إلا بها

أمور لا تكون العبادة إلا بها عباد الله: انظروا ما تقدمون لربكم، انظروا ما ترفعون من أعمالكم بين يدي الله جل وعلا، أهي عبادة احتساب أم عبادة تخلص؟ والمؤسف أن التخلص أصبح سمة في كل أعمال كثير من المسلمين. أشاهد هذا بعيني في رمضان، وأشاهده في حج بيت الله الحرام، تجد الناس يطوفون كالمجانين، ويسعون ويرمون الجمرات كالمجانين، ويؤدون المناسك على حال عجيبة وغريبة، لا يستشعرون لذة النسك، ولا يستشعرون لذة المشاعر والمناسك، أين عبادة الرضا وعبادة الاحتساب والتقرب إلى الله جل وعلا؟ فتعبدوا إلى الله عبادة خالصة طيبة، واعلموا أن العبادة لا تكون عبادة إلا إذا تحقق فيها أمران: أولها: المحبة. وثانيها: الذلة. المحبة لله ولما شرع، والمحبة لعبادته، والمحبة له مع الذلة والانقياد. يقول ابن القيم في كافيته الشافية: وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قطبان وعليهما فلك العبادة دائر ما دار حتى دارت الفلكان عباد الله: صوموا إلى الله صوم المحبين الخاضعين وتقربوا إلى الله تقرب المحبين الذليلين بين يديه؛ لكي تكون عبادة ترون أثرها في نفوسكم وسلوككم، قال صلى الله عليه وسلم: (آمين آمين، قال الصحابة: من يا رسول الله؟ فذكر منها من دخل عليه شهر رمضان وخرج ولم يغفر له) فما أكثر من دخل عليه شهر رمضان وزادت معاصيهم؛ لأن المعصية تضاعف بشرف الزمان والمكان، فليس الذي يعصي الله في سائر الأيام كمن يعصي الله في رمضان، وليس الذي يعصي الله في سائر البقاع كمن يعصي الله في بيته الحرام: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

من يبني صومه على تربة هشة من المعاصي والذنوب

من يبني صومه على تربة هشة من المعاصي والذنوب الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، الحمد لله الذي لا يحمد في كل حال سواه، الحمد لله الذي خلقنا من العدم، الحمد لله الذي هدانا للإسلام، الحمد لله الذي بلغنا هذا الشهر الكريم، الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مئوي، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة نرجو بها النجاة، شهادة الموحد له في ذاته وفي أسمائه وصفاته، شهادة الموحد له في ربوبيته وألوهيته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن وجوهكم الرقيقة وأبدانكم الضعيفة على وهج النار لا تقوى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: ما تقولون في رجل أراد أن يبني بناية عظيمة فاختار أرضاً هشة، واختار تربة طينية، ثم بدأ في وضع بنائه، فلما استقام بناؤه، أخذ يجلب المواد اللازمة لإنشاء هذه البناية مواداً منتهية ومخلطة وسقيمة وضعيفة، أتظنون أن بناءً كهذا يثبت على الأرض؟ أم تظنون أن أعمدة لهذا البناء ترتفع شاهقة في السماء؟ لا والله، بل الذي نجزم به جمعياً أن بناءً كهذا ستسيخ قوائمه، وستغوص قواعده في الأرض، ثم يصبح مدفوناً، كذلك هذه الأعمدة الباسقة ستتحطم بعد أيام قليلة وستتهشم؛ لأن المواد التي أحضرت له مواد سيئة رديئة. فأسألكم الآن بالله ما تقولون فيمن أراد أن يبني عبادة الصوم على تربة هشة من المعاصي والسيئات، وسماع الغناء، وحلق اللحى، والإسبال وترك الأمور من غير غيرة لله ولرسوله، ومن ضياع لأسرته وقلة ذكرٍ لله وارتفاع لأصوات الشياطين في بيته، ثم يدخل رمضان ويظن أن واجبه أن يأتي بسيارة معبأة محملة بألوان الأطعمة ثم يفرغها في بيته يظن أن هذا واجبه؟ هكذا بدأ بناء الصيام والعبادة على تربة هشة من الأفلام والمسلسلات والحلقات المتتابعة، وألوان الغناء وأجهزة الطرب، وسفور وتبرج وإصرار على معصية الله جل وعلا حتى ولو في الصغائر. البعض يقول: ما هذا التشدد فيكم؟ ما هذا التعقيد فيكم؟! حديثكم عن حلق اللحى وحديثكم عن إسبال الثياب والغناء وكذا وكذا، نعم تكون هذا صغائر يوم أن يتوب الواحد منها، يوم ألا يصر عليها، لكن لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، أليس من جرَّ ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة، وما أسفل من الكعبين ففي النار؟ أليس حلق اللحى من الأمور التي حرمها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ أليس سماع اللهو والملاهي وأصوات الشياطين من الأمور المحرمة {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6] ليجعله مكان كلام الله جل وعلا؟ أليس هذا محرماً؟ ما تقولون فيمن اختار اللهو والغناء والطرب وفضله واشتاقه ومال إليه على كلام الله وكلام رسوله؟ أبعد هذا يكون الغناء محل خلاف؟ إن بعض الناس يقومون ببناء عبادة الصيام على هذه التربة الهشة والضعيفة من ألوان المعاصي والمحرمات والمنكرات في نفسه وسلوكه، وتجارته وأعماله وبيته، وفي زوجه وأولاده وبناته.

وقفات مع الأكل الحرام

وقفات مع الأكل الحرام بعض الناس يأتي بألوان الأطعمة وألوان الأشربة لتكون زاداً في السحر والإفطار، من أين جاء بهذا المال؟ ومن أين استحق هذا المال؟ وما هو مصرف هذا المال؟

وقفة مع أصحاب الربا

وقفة مع أصحاب الربا إن أقواماً وما أكثرهم في هذا الزمان! قد استحلوا الربا بأتفه الفتاوى، وبأتفه الآراء القبيحة السخيفة التي تبناها أقوام لا خلاق لهم في الدنيا ولا حظ لهم في الآخرة، فصاحوا أمام الناس وأخرجوا وسخهم وقذارة عقولهم ليقولوا: إن الربا الموجود الآن ليس هو الربا المحرم، فوقع في ذلك أقوام وأخذوا لا يتورعون عن الوقوع في الربا والأكل منه والاستثمار من خلاله. وإذا سئل أحدهم جعل وقايته من النار فلاناً أو علاناً، وما ينجيك فلان يوم أن تكب على وجهك في نار جهنم إن مت من غير توبة، وإن لم يرحمك الله بأوبة؟ عباد الله: إن أقواماً يعدون العدة لهذا الشهر بالسحر والإفطار والنفقة من الربا الذي درهمٌ منه أيسر عند الله من ستة وثلاثين زنيه يزنيها الرجل بأمة. الربا الذي توعد الله فاعله بحرب من الله ورسوله. الربا الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، أبعد هذا يتجرأ مسلم على أن يطعم أولاده ويطعم زوجه وبنيه وبناته وينفق في هذا الشهر من الحرام.

وقفة مع صاحب الأفلام والتسجيلات الغنائية

وقفة مع صاحب الأفلام والتسجيلات الغنائية أما ماذا عن أصحاب الفيديو وأصحاب التسجيلات الغنائية؟ عجباً لأمرهم! والله تأملت حال عدد من أصحاب المحلات ورصدت أعمالهم فوجدت أمراً غريباً، إنهم لا يكسبون إلا الآثام والأوزار، تجد أحدهم واقف على طاولة الحساب عند بوابة المحل أو مقدمته، فإذا جمع غلة ذلك اليوم صرفها على فساق موظفيه من الوجوه الذين لا ترى واحداً منهم ساجداً لله أو راكعاً، وجوه قذرة ونتنه وباطلة، والله ما رأيت وجهاً يشرح الصدر في محلات الفيديو من الباعة أو من الموظفين، وأما المسكين صاحب المحل، ذلك المسكين الغرير فهو يجمع الغلة من هذه الغلة يسدد إيجاراً محرماً، ومن هذه الغلة يدفع راتباً على نشاط محرم، وهو العمل والتسجيل والتصوير لهذه الصور الخليعة المحرمة، وما بقي من الغلة التي يجنيها آخر النهار يسدد بها المراكز الكبيرة العظيمة أكبر مؤسسات إنتاج الأفلام والأشرطة، ثم يعود يسحب أذيال الخيبة والهزيمة ليعد بقية من دريهمات هي التي صفت له. مسكين ذلك الذي يتاجر بهذه الأفلام، تذهب غلته كلها جزء منها لموظفيه، وجزء في إيجاره، وجزء في مصارفه، وجزء للذين يمونونه بالأشرطة والأجهزة ويعود بقليل من الدريهمات ينفقها في حرام، ويلبس من حرام، ويصرف من حرام، ثم يرفع يديه مع المسلمين في رمضان يا رب! يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له يا عباد الله! إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.

إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا

إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا عباد الله: ما شاعت فينا هذه الأمراض والمفاسد والمصائب، إلا يوم أن اختلطت اللقم بين الحلال والحرام، يوم أن نبتت الجسوم من الحلال والحرام، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فيا أيها الأحبة: أنبني عبادة على أرض هشة من المعاصي والسيئات، أم نتزود على عبادة بأموال محرمة؟ أدعوكم ونفسي إلى الأوبة الصادقة إلى الله جل وعلا، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] والله جل وعلا يوم أن يذكر عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68 - 70]. فباب التوبة مفتوح، ولا أقول لكم تقنيطاً أو لنيئس من رحمة الله ومن توبة الله علينا، لا والله، لكن إذا أردنا أن نضع الخطوة الأولى والقدم الأول في هذا الشهر الكريم، فلتكن بدايته التوبة، فلتكن انطلاقتها التوبة من كل ما حرم الله، ومن كل ما زجر عنه رسول الله، والبراءة من أموال الحرام، البراءة من أموال الفيديو المحرمة وأموال التسجيلات الخليعة المحرمة، وأموال الربا، والمكاسب المشبوهة. أسأل الله جل وعلا أن يجعل حظنا من صيامنا وقيامنا أوفر الدرجات من رضوانه، وأعلى الحظوظ في جنانه. اللهم اهد المسلمين أجمعين، اللهم تب علينا مع التائبين، اللهم اجعل هذا الشهر الكريم علينا توبة صادقة بين يديك يا رب العالمين. اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت ونحن عبيدك بنو عبيدك، نبوء لك بنعمك علينا، ونبوء بذنوبنا فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم إنك كنت غفاراً فاغفر لنا يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا إصرارنا وعلمنا وجهلنا وتفريطنا، وحوبنا، وتقصيرنا، وهزلنا وجدنا، وعمدنا وغفلتنا، وما أنت أعلم به منا. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم حبب إلينا ما شرعت، وبارك لنا فيما أحللت، وكرهنا إلى ما حرمت يا رب العالمين. اللهم خذ بأيدينا واعصمنا عن الحرام ووفقنا إلى الحلال يا رب العالمين، اللهم لا تجعلنا من الذين لا حظ لهم من صومهم إلا الجوع والعطش، ولا حظ لهم من قيامهم إلا التعب والسهر، اللهم اجعل قبول وقدوم هذا الشهر علينا توبة صادقة منا إليك، وتوبة منة ورحمة منك علينا يا رب العالمين. اللهم اهد شبابنا ورجالنا وبناتنا وزوجاتنا، اللهم اهد أصحاب محلات الفيديو، اللهم امنن على قلوبهم بالتوبة، اللهم اهدهم يا رب العالمين. يا عباد الله: أمّنوا في هذه الساعة المباركة، والله ما قلنا ما قلناه فيهم إلا شفقة عليهم وعلينا من عذاب الله، وخوفاً علينا وعليهم من سخط الله، ومن دليل محبتنا وإشفاقنا عليهم أن ندعو الله لهم بالهداية، اللهم اهدهم، اللهم كرهم إلى هذه التجارة المحرمة، اللهم بغض هذه التجارة إلى قلوبهم وارزقهم البراءة منها وممن يعمل فيها يا رب العالمين، اللهم اهدهم وأبدلهم يا رب أرزاقاً مباركة وتجارة مشروعة، اللهم اهدهم. اللهم اهد أكلة الربا إلى الطريق المستقيم، اللهم كره إلينا وإليهم الربا، اللهم حبب إلى الجميع الإيمان وزينه في قلوبنا واجعلنا وإياهم من الراشدين، وكره إلينا وإليهم الكفر والفسوق والعصيان يا رب العالمين. اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم اهده وإخوانه وأعوانه، فبهدايتهم هدايتنا، اللهم أصلحه وأصلح إخوانه وأعوانه فبصلاحهم صلاحنا، اللهم فلا تفرح علينا ولا عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم من أراد بهم سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم وحد صفهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم سدد رصاصهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم فك أسرهم، اللهم ارحم أيتامهم، اللهم تلطف بعجائزهم وشيوخهم، اللهم أبدل خوفهم أمناً، وفزعهم طمأنينة، وجوعهم شبعاً، وعطشهم رياً يا رب العالمين يا أرحم الراحمين. اللهم حرر المسجد الأقصى من اليهود، اللهم بارك في الانتفاضة المباركة في أرض فلسطين، اللهم اجعل أحجارهم قنابلاً في جماجم اليهود، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم انصرهم بنصرك فإن المسلمين لا يعلمون عنهم إلا القليل، اللهم انصر المجاهدين في مورو والفليبين، اللهم انصر المجاهدين في جميع أنحاء الأرض يا رب العالمين. اللهم صل على محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.

العبادة الميسرة

العبادة الميسرة إن لكل مادة ما يحركها؛ فللسيارة وقودها المناسب، وللأبدان غذاؤها المناسب، وكذا للقلوب غذاؤها المناسب وهو الذكر. وقد تحدث الشيخ هنا عن فضل الذكر وأنه حياة القلوب وقد ذكر جملة من فوائد الذكر في الدنيا والآخرة، واستعرض مظاهر غفلة الناس عنه رغم أهميته لكل عبد، وهو رغم سهولته الأجر فيه عظيم والجزاء له جزيل، وقد تكلم أيضاً عن أنواع من الذكر وحثَّ السلف عليه

الذكر حياة القلوب

الذكر حياة القلوب إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير، ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: يا معاشر المؤمنين! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35] ويقول جل شأنه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. أيها الأحبة في الله: لكل متحركٍ في هذا الزمان مادته ووقوده الذي يحركه، فمن رامَ تحريك الطائرات بالأحجار ما تحركت قيد أنملة، ومن رام تحريك السيارات بالرمال ما تحركت خطوة، ومن رامَ تحريك السفن بالأطعمة ما تحركت ميلاً، وكذلك الأبدان لو أراد رجلٌ أن يملأ البطون بالحجر أو بالرمل ما تحركت؛ لأن لها وقوداً ومادةً تحركها، فكذلك القلوب، لها مادةٌ لا تتحرك إلا بها؛ فإن وجدت تلك المادة تحركت هذه القلوب يقظةً وإنابةً وخوفاً وخشيةً ومراقبةً واستجابةً لأمر الله، وهي الملوك على الجوارح، فتكسب تلك الجوارح خضوعاً وطاعةً وامتثالاً لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا غذيت القلوب أو رامَ عبدٌ سقي قلبه بغير المادة التي يحيا بها القلب لم يفد ذلك الطعام، أو لم تزد تلك المادة القلب إلا خموداً ومرضاً وموتاً وهلاكاً. إن حياة القلوب ليست بالطعام، وليست بالشراب، وليست بالقيل والقال، وليست كما يظن بعض المنحرفين في هذا الزمان بالغناء والموسيقى بأنواعها الصاخبة والراقصة والهادئة، وإنما حياة القلوب ذكر الله جل وعلا، {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28]. حياة القلوب، أن تذكر في ملأ الله الأعلى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] حياة القلوب أن تغشاها الملائكة، أن تحفها الملائكة، أن تغشاها السكينة، أن تتنزل عليها الرحمة (ما جلس قومٌ مجلساً يذكرون الله فيه، إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم السكينة، ونزلت عليهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده) حياة القلوب ذكر الله جل وعلا، أن يلهج اللسان بالذكر، وأن يستحضر القلب هذه المعاني، فلا تسل بعد ذلك عن إشراقة الوجه، وطمأنينة القلب، وهدوء البال، ولذة الحياة؛ لأن العبد بهذا يوافق مخلوقات الله في توجهها إلى الله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء:44]. أيها الأحبة في الله: ربما وقفنا موقفاً رأينا رجلاً يسمى: (بلبل) -يعني يتحدث بلغاتٍ عديدة- يجيد لغة الألمان والإنجليز والروس وغيرهم، فنعجب به وننظر إليه، وتشتد غبطتنا له؛ فيما استطاع لسانه أن يجمع من ألوان مفردات هذه اللغة، ومعانيها وجملها وتراكيبها، لكن ما أقل ما غبطنا الذاكرين، إن الغبطة كل الغبطة أن تغبط ذاكراً لله في كل أحواله، أن تغبط عبداً يلهج لسانه بذكر الله جل وعلا، ولا يعني ذلك أن نحتقر من وجدناه يجيد لغاتٍ شتى، فذلك علم، وذلك فهم، وتلك منحة، ولكن غبطتنا بمن اشتغل لسانه بذكر الله، ينبغي أن تكون أضعاف أضعاف ما نحن عليه، يوم أن نغبط متحدثاً بمعلوماتٍ سياسيةٍ أو اقتصادية، أو مفرداتٍ لغوية، من لغاتِ شتى، فما هو الذكر يا عباد الله؟

المراد بالذكر الشرعي

المراد بالذكر الشرعي الذكر زاد المؤمنين وحياة الصالحين، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: والمراد بالذكر الإتيان بالألفاظ التي وردت ترغيباً في قولها والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات، وهي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة، يعني: من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وبسم الله، وحسبنا الله، والاستغفار، -يعني وأستغفر الله- قال: ويطلق ذكر الله ويراد به المواظبة على العمل، بما أوجبه الله أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة. وقال معاذ بن جبل: [مذاكرة العلم تسبيح] وقال ابن مسعود رضي الله عنه: [ما دمت تذكر الله، فأنت في صلاةٍ وإن كنتَ في السوق] وقال سعيد بن جبير: [كل عاملٍ لله بطاعة، فهو ذاكرٌ لله] وقال عطاء رحمه الله: [مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق، وتحج وأشباه هذا]. إذا تقرر هذا، أدركنا أن ذكر الله بألفاظٍ مخصوصة، ويدخل في ذكر الله الاشتغال بمعرفة الأحكام، والحلال والحرام، ومعرفة التفسير، ومعرفة السند والمتن والجرح والتعديل والرواية، فذلك داخلٌ في ذكر الله سبحانه وتعالى.

الذكر عند الصوفية

الذكر عند الصوفية أما الصوفية الذين ضلوا في هذا الباب ضلالاً بعيداً فلم يفقهوا أن الذكر داخلٌ في هذا، بل وعدوا الأذكار نوعين: ذكرٌ يفهمه العوام، وذكرٌ يختص بعلمه الخواص، فأما ذكر العوام فهو سائر الأذكار المشروعة، التي وردت في الكتاب والسنة، كقول: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، إلى غير ذلك يقولون: هذه أذكار العوام. أما أذكار الخواص فهي: إشراقاتٌ تتجلى على القلوب بنطق بعض عبارات الذكر يدرك الذاكر منها معانيَ لا يفهمه العوام، وهذا الكلام كله هرطقةٌ وخزعبلات، يظنون ويقولون ويجزمون بأن ذكر الخواص بدلاً من أن يقول الذاكر: لا إله إلا الله، أي يقول: وهو يهز برأسه يمنةً ويسرةً ويقدم ويؤخر برأسه أن يقول: الله الله الله، ويظن أن هذا من أعلى درجات الذكر!! عجباً لحثالةٍ في دبر هذا الزمان تظن أنها أدرى بالذكر ممن جاء به من ربه جل وعلا! عجباً لحثالةً في دبر القرون المتأخرة، تظن أنها أعلم بحقائق الذكر من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي! عجباً لحثالة الصوفية الذين اختصوا أنفسهم بما لم يختص به، أو بما لم يكن وليس في ذلك شرفٌ يخصون به، ولكنهم ادعوه بما لم يكن لأنبياء الله ورسله وأفضل خلقه من الصحابة والقرون المفضلة!! ذكر أن في أيام ولاية الأتراك على الحجاز أن الشريف عون كان في زمنه يجلس الصوفية في الحرم المكي الشريف، فيذكرون الله بهذه الأذكار، يذكرون ذكراً مبتدعاً وذكراً ممنوعاً لا مشروعاً، يقولون: الله الله الله هو هو هو فنهاهم شيخٌ من علماء نجد رحمه الله رحمةً واسعة، فلما شق نهيه عليهم، وكثر إنكاره على فعلهم، شكوه إلى الشريف عون، فاستدعاه وطلبه، ولما مثل بين يديه قال: لماذا تنهى الناس أن يذكروا ربهم في بيت الله؟ فقال ذلك العالم الجليل: يا أيها الشريف! لو أن رجالاً جاءوا بين يديك واسمك عون، فقالوا: عو عو عو أترضى أن تنادى أو تذكر بهذا، قال: لا. قال: فكذلك الله، قد شرع لنا أن نذكره بأن نقول: لا إله إلا الله، فكيف نرضى أن يذكر ربنا بقولهم: هو هو ونحو ذلك؟!! فاقتنع الشريف بعد هذا، ومنع القوم من هذا النوع من الذكر، صدق الله العظيم: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180].

أكمل حالات الذكر

أكمل حالات الذكر الذكر أيها الأحبة: أكمل أحوال الذاكر فيه أن يكون العبد ذاكراً لله بلسانه، مستحضراً معنى الذكر بقلبه، فإذا انضاف إلى ذلك وقوع الذكر في عبادة، كصلاةٍ وجهادٍ وحجٍ وصيامٍ واعتكاف، كان الذكر في هذه الأحوال أكمل، ولو أن عامياً من العوام ذكر الله ذكراً لم يفقه معناه، فهو على أجرٍ عظيم، وخيرٍ عميم؛ لأن فضل الله واسع: ومن ذا يتحجر رحمة الله التي وسعت كل شيء. أيها الأحبة في الله: عجباً لنا كيف نحرم حظاً ورزقاً وفضلاً عظيماً من هذا الذكر وهو عبادةٌ أجرها عظيم، ومؤنتها يسيرة؟! الذاكر يذكر ربه باللسان، لو أردت أن تحرك يدك بعدد حركات لسانك في يومٍ وليلة لكلت وملت وسقطت يدك في نصف نهار أو نصف ليلة، أكثر أعضاء البدن حركةً هو اللسان، فلو أردت أن تذكر الله بيدك، أو تمشي بخطىً تمضي إليها، أو تفعل أفعالاً ببدنك لقصرت همتك وقوتك دون ذلك، أما حركات اللسان فكثيرةٌ كثيرةٌ جداً، فسبحان من يحصيها: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] وبإمكانك أن تذكر الله هذا الذكر العظيم، بأخف جارحة تحركها، وهي جارحة اللسان. كم يفوتنا من الأجر؟ -والله- لو عدت كلماتنا في القيل والقال، والمال والسؤال، والعيال والأحوال، لوجدناها ملايين الكلمات، ولو نسبنا مقدار ذكرنا لله إلى اشتغالنا بتلك الأحوال لما وجدنا الذكر بالنسبة لها إلا شيئاً يسيراً يسيراً، كم فاتنا من الأجر؟ كم فاتنا من الخير؟ كم فاتنا من الفضل؟ وسنقدم جميعاً حال نزع الروح ثم فراقها إلى دار جزاءٍ وليست بدار عمل، نتمنى لو ينشق القبر عنا لحظة، لنقول: لا إله إلا الله، لنقول: سبحان الله، أو نقول: الحمد لله. فالذكر من أيسر العبادات، وأجلها وأفضلها، وحركة اللسان أخف حركات الجوارح، ولو تحرك عضواً من أعضاء البدن في اليوم والليلة بقدر حركات اللسان لشق على البدن ذلك غاية المشقة، بل لا يستطيع ذلك ألبتة، فالذكر يسير، ومن دلائل يسره: أن كثيراً من العبادات لا تستطيع أداءها إلا على هيئة مخصوصةٍ وحالٍ مخصوصة، أما الذكر فلك أن تذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً وعلى جنبك وذاهباً وآيباً، وراكباً وغادياً، وراحلاً وحالاً، ومتنقلاً ومسافراًَ، الذكر عبادة، تستطيع أن تؤديها وأن تقوم بها في كل آنائك وفي كل أحوالك وذلك فضل الله، وذلك خيرٌ من الله لهذه الأمة وهو مشروعٌ لسائر الأمم قبلنا، ولكن كثيراً من الناس عن فضل الله غافلون.

دلائل فضل الذكر

دلائل فضل الذكر أيها الأحبة في الله: ومن دلائل فضل الله بهذا الذكر، وأن الله يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل: عبادة الأذكار، فأنت تقول: الحمد لله، فتكتب لك ثلاثون حسنة، أي جهدٍ أي مشقة؟ أي كلمة؟ أي عناءٍ تعبت فيه وأنت تقول: الحمد لله؟ هذا فيه دلالة على أن الله جواد كريم مفضال، وأن الله ليس بحاجة إلى أعمال العباد، فلو كان الله بحاجة أعمالهم لكان أعلى العبادات أجراً أعلاها كلفة ومشقة ومئونة، فأنت ترى الذكر عبادةً يسيرة عليها فضلٌ عظيم. قال العز بن عبد السلام رحمه الله: وفي هذا أن الثواب لا يترتب على شكل العمل أو هيئته، قال ربنا جل وعلا: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35]. فمن هم الذاكرون؟ علنا أن نكون منهم! ومن هنّ الذاكرات؟ علّ بناتنا ونساءنا وأزواجنا يكنّ منهن، قال ابن عباس رضي الله عنهما: [يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدواً وعشياً وفي المضاجع، وكلما استيقظ من نومه وغدا أو راح من منزله ذكر الله] وقال مجاهد: [حتى يذكر الله قائماً وقاعداً] وقال ابن الصلاح: إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة صباحاً ومساءً في الأوقات والأحوال المختلفة ليلاً ونهاراً، كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. ولكن اعلم أنك تنال هذا الأجر بعبادةٍ يسيرةٍ أيضاً، ففي الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم (إذا أيقظ الرجل أهله، فصليا من الليل جميعاً، كتبا في الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) رواه أبو داود والنسائي والحديث صحيح. والذكر أيها الأحبة! فضله عظيمٌ عظيم جداً، ففي هذا الحديث تعلمون قيمة ما تذكرون بألسنتكم من فضل الله ونعم الله وآلاء الله، وقيمة ما تسألون به الله جل وعلا. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند ملككم وأرفعها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله) رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة، والحديث صحيح. وفي هذا الذكر -كما مر معنا-: أن يكون العبد دائماً في ملأ الله الأعلى، يدل عليه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقةٍ من أصحابه، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟! قالوا: -والله- ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم ملائكته) رواه الإمام مسلم. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله جل وعلا) رواه الإمام أحمد والحديث صحيح.

عظم منزلة الذكر في الشرع

عظم منزلة الذكر في الشرع أيها الأحبة: وحسبكم دلالةً وبياناً على أن الذكر عبادةٌ عظيمة: أن كل عبادةٍ مربوطةٌ بالذكر بعد الفراغ منها، فالصلاة ذكرٌ وعبادة ثم يشرع بعدها ذكر الله، والحج توحيدٌ وذكر، ثم بعده يشرع ذكر الله، والصيام عبادة، ويشرع بعده ذكر الله، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة:200] وقال: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [النساء:103] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ} [الأنفال:45] {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} [البقرة:185]. فمن دلائل أن هذا الذكر عظيم: أن العبادة ذات العبادة تختم بعد ذلك وتتوج بذكر الله جل وعلا، وحسبكم يا معاشر المؤمنين! في ذكر الله علواً وعبادةً جليلةً أن كل عبادةٍ تنقطع في الجنة إلا عبادة الذكر فهي باقية!! ليس في الجنة صيام، وليس في الجنة صلاة، وليس في الجنة جهاد، ولكن في الجنة ذكرٌ لله؛ فالتكاليف الشرعية في الدنيا تنقطع عن العباد في الآخرة، إلا ذكر الله فهي باقية، ولكنها باقيةٌ على وجه الكرامة والتشريف، وليست على وجه التكليف. قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: فصلٌ في ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة: دل على ذلك حديث مسلم في صحيحه، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (قال صلى الله عليه وسلم: يأكل أهل الجنة فيها ويشربون، ولا يتمخطون، ولا يتغوطون، ولا يبولون، ويكون طعامهم ذلك جشاءً ورشحاً كرشح المسك، يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النَّفس) وفي رواية: (يلهمون التسبيح والتكبير، كما تلهمون أنتم هذه الأنفاس) أي: يلهمون تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس. الله أكبر: كل عبادةٍ في الجنة ترتفع إلا عبادة ذكر الله، ما ذاك إلا لفضلها، وعظمها وشرفها وعلو منزلتها، فهنيئاً للذاكرين: عطايانا سحائب مرسلاتٍ ولكن ما وجدنا السائلينا وكل طريقنا نورٌ ونورٌ ولكن ما رأينا السالكينا

ما يتركه الذكر من أثر في قلب الذاكر

ما يتركه الذكر من أثر في قلب الذاكر وذكر الله أيها الأحبة! يكسبُ العبد خوفاً وإنابةً وخشيةً ورجوعاً إلى الله، فأنت حينما تقول لرجلٍ غافل: اتق الله، أخوفك بالله، أدعو عليك، أفعل بك، فإنه لا يأبه بك، ولكن يوم أن تقول لرجلٍ ذكّارٍ شكار ذاكرٍ شاكر: اتق الله يوم تلقى الله؛ يضطرب ويهتز ويراجع نفسه ألف مرة حتى وإن لم يظهر على لسانه علامات الرجوع أو التراجع. هذا كان جلياً واضحاً في سلف الأمة، وخلفائها الراشدين، والمقامُ يضيق بالأمثلة، وحسبكم مثالاً واحداً على أن الذكر يكسب أصحابه الخوف والخشية من الله. جاء أعرابيٌ إلى عمر بن الخطاب رضي الله، وكان ذلك الأعرابي فقيراً ذا متربة، مسكيناً لا يجد شيئاً، فلما قدم الأعرابي على عمر، قال: يا عمر الخير جزيت الجنه اكسو بنياتي وأمهنه وكن لنا في الزمان جنة أقسم بالله لتفعلنه فقال عمر رضي الله عنه: [وإن لم أفعل يا أعرابي يكون ماذا؟!] فقال الأعرابي: إذاً أبا حفص لأمضينه فقال عمر: وإن مضيت فماذا يكون؟ فالتفت الأعرابي إلى عمر رضي الله وقال: يا عمر: إذاً والله عنهنّ لتسألنه يوم تكون الأعطيات مِنه وموقف المسئول بينهنه إما إلى نارٍ وإما جنه فبكى عمر حتى بلَّ دمعه لحيته، واضطرب من هذا الكلام، خوف بالآخرة، فدخل داره يصول ويجول، يبحث عن طعام أو صدقةٍ يعطيها هذا الأعرابي فلم يجد، فعاد إليه ونزع رداءه وقميصه وقال يا إعرابي! خذ: هذا ليومٍ تكون الأعطيات فيه منة وموقف المسئول بينهنه إما إلى نارٍ وإما جنه لو قيل هذا الكلام لمن لا يذكر الله، أو ليس لله في قلبه وقار: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13] لقال: اذهب، ولو خوف بالسؤال لقال: أنا مستعدٌ للجواب، ولو قيل له ما قيل، لرد بكل إجابةً باردة، أما الذين يخافون الله جل وعلا، فإذا خوفوا بالله خافوا. كان عمر: إذا قيل له اتق الله، اضطرب وبكى وعرفت الخشية في وجهه رضوان الله عليه.

فوائد الذكر

فوائد الذكر ذكر الله مرضاة لله جل وعلا، مطردةٌ للشيطان؛ لأن الشيطان خناسٌ عند ذكر الله، وذكر الله مزيلٌ للهموم والغموم، وذكر الله سببٌ للفرج: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143 - 144]. وذكر الله يحط من الخطايا وينجي من عذاب الله، وهو غراس الجنة، وذكر الله اشتغالٌ اللسان بالطاعة عن المعصية، وسببٌ لنزول السكينة وغشيان الرحمة، وأمانٌ للعبد من الحسرة يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله فيه؛ إلا كان عليهم ترة يوم القيامة). والذاكر يعطى باشتغاله بالذكر أكثر مما يعطاه السائل باشتغاله في المسألة، والذكر يعطي قوة بإذن الله، وفيه الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

الذكر يعطي قوة في البدن

الذكر يعطي قوة في البدن أما أن الذكر يعطي قوة فيدل عليه هذا الحديث: فلقد علم علي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جيء إليه بأعبد -بسبي- فقال علي: يا فاطمة! قد تعب صدري من نزح الماء من البئر، قالت فاطمة: -والله- يا علي! وأنا مجلت يداي من الرحى، فقال علي: هلا ذهبتِ إلى أبيك فسألتيه لنا خادماً فإني سمعتُ أن أعبداً أو سبياً جيء به إليه صلى الله عليه وسلم، فذهبت فاطمة، فلما دخلت على أبيها وحبيبنا صلى الله عليه وسلم خجلت واستحت -يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ- ثم عادت أدراجها. فلما عادت إلى علي رضي الله عنه قال علي: ما فعلتِ يا فاطمة؟ قالت هبتُ واستحيت أن أسأل أبي، فذكر لها مثل ما ذكر الأولى، فعادت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاءت بين يديه، قالت: يا رسول الله! علي يشكو ما به من نزح الماء من البئر -يسني على صدره- وأنا مجلت يداي من الرحى وقد سمعنا أن أعبداً جيء بهم إليك، فأخدمنا خادماً يا رسول الله! فالتفت صلى الله عليه وسلم، قال: يا فاطمة! والله لا أعطيكِ وفقراء الصفة جياع، ولكن أبيع هؤلاء الأعبد، فأنفق على جياع أهل الصفة، فإن فضل من المال شيء أعطيتكم وأعطيتُ غيركم. فعادت فاطمة مرةً أخرى أدراجها تمشي القهقري إلى بيتها، فلما قدمت إلى علي يظن أن الخادم يتبعها أو في إثرها، فلم يرَ شيئاً، فانضم الحبيبان إلى بعضهما وأويا إلى فراشهما، ولما جن الليل خرج صلى الله عليه وسلم يمشي إليهما، وفي نفسه صلى الله عليه وسلم من الأثر أبلغ مما في نفس فاطمة كيف لا وهي حبيبته وسيدة نساء أهل الجنة؟ فدخل عليهما فوجدهما ملتحفين في فراشٍ واحدٍ قد بدت رجلاهما من قصر الفراش، وقد غطيا رأسيهما وبدت رجلاهما. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وجلس بينهما، قال علي: فوجدت برد يدي النبي صلى الله عليه وسلم على بطني أو فخذي، فقال صلى الله عليه وسلم: (أفلا أدلكما على ما هو خيرٌ لكما من خادمٍ وخادمة؟ تسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبرا الله أربعا وثلاثين، فذلك خيرٌ لكما من خادمٍ وخادمة). قال علي: [فكنت أجد فيها قوة وما تركتها أبداً]. قيل للإمام علي رضي الله عنه: حتى ليلة صفين؟ قال: [حتى ليلة صفين ما تركتها وما شغلت عنها].

حث السلف على الذكر

حث السلف على الذكر كان السلف رضوان الله عليهم يعلمون أن الذكر سبب قوتهم، يعلمون أن الذكر سبب صمودهم بعد رحمة الله وتثبيته. قال ابن القيم: وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية: مرةً صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب انتصاف النهار، ثم التفت إليّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغد هذا الغداء لسقطت قوتي. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [عليكم بذكر الله، فإنه شفاء، ذكر الله دواء، ذكر الله قوة]. قال عمر: [وإياكم وذكر الناس فإن ذكر الناس داء]. وقال عبيد بن عمير: [إن أعظمكم هذا الليل -يعني إن عجزتم وقصِرتُم وقصَّرتم دون اغتنام هذا الليل وما فيه من البركات في الأسحار- إن أعظمكم هذا الليل أن تكابدوه، وبخلتم على المال أن تنفقوه وجبنتم عن العدو أن تقاتلوه، فأكثروا من ذكر الله عز وجل]. وقال الربيع بن أنس عن بعض أصحابه: [علامة حب الله كثرة ذكره، فإنك لم تحب شيئاً إلا أكثرت ذكره] وهذا مشاهدٌ في بشر هذا الزمان وفي كل زمان، فإن من أحب شيئاً أكثر ذكره. من أحب الأسهم والسندات أشغل الناس في المجالس بالحديث عنها، ومن أحب العملة أشغل الناس بالحديث عن الدولار والين، ومن أحب العقار أشغل الناس في المجالس بالحديث عن الأسعار والأمتار، ومن أحب المزارع أشغل الناس عن الأدوات الزراعية والسؤال عنها، ومن أحب ربه يقين المحبة لم يفتر لسانه وقلبه عن ذكر الله جل وعلا. أيها الأحبة في الله: ولا يقولنّ عبدٌ ليتذرع أو يترك الذكر في حالٍ ليظن أن الذكر لا يكون إلا على طهارة، فللعبد أن يذكر الله جل وعلا كما قال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحدث والجنب والحائض والنفساء. فإن بعض الناس إذا أجنب لم يذكر الله، وبعض النساء إذا كانت في حيضٍ لم تذكر الله، وذلك جهلٌ وخطأ، فللعبد أن يذكر الله سواء إن كان محدثاً وجنباً أو كانت المرأة حائضاً ونفساء، وذلك في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قراءة القرآن، وقال رحمه الله: يجوز للجنب والحائض أن يقول عند المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا يقصد بها القرآن، ويقول عند ركوب الدابة: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، أو يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة إذا لم يقصد القرآن، وإذا سلم على الذاكر استحب له الرد، وإذا عطس عنده أحدٌ شمته، ثم عاد إلى ذكره، وإذا سمع المؤذن قطع ذكره وعاد إلى إجابة المؤذن. أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الذاكرين الله كثيراً، وأن يجعل أهلينا من الذاكرات، نسأله سبحانه أن يهدي قلوبنا وألسنتنا إلى الاشتغال بذكره. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

ذكر طرف من أنواع الذكر

ذكر طرف من أنواع الذكر الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلاله، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ؛ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

قول العبد: (الحمد لله)

قول العبد: (الحمد لله) أيها الأحبة: اسمعوا طرفاً وشيئاً من الأذكار السهلة الهينة اليسيرة على الألسنة، والتي رتب عليها الأجور العظيمة بإذن الله وفضله ومنَّه، فكلمة (الحمد لله) قال صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله تملأ الميزان) وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال: الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة، وحط عنه ثلاثون خطيئة) وكذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها) رواه مسلم. وفي الحديث: (أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون) أي: الذين يكثرون حمد الله جل وعلا. وإن مما ينبغي أن نتوقف عنده قليلاً عند حديث: (إن الله ليرضى على العبد) أي يأكل الأكلة فيحمده عليها، في مناسبات الأفراح وفي قصور الأفراح إذا دُعي الزوار إلى صالة الطعام أول ما يضعون أيديهم على صحون الأطعمة يسمعون صوت الغناء من النساء بالمكبرات، فكيف يجتمع شكر الله على هذه النعم والموائد الطويلة، وكيف يليق بالقوم أن يتقلبوا في نعم الله بألوان المآكل والمشارب وهم أول ما يضعون أيديهم بعضهم يقول: باسم الله! وفي الصالة المجاورة بصوتٍ مسموع يسمع صوت الغناء، وبعض النساء يستخدمن مكبرات الصوت، ولا تكف الدفوف عن الضرب، ناهيك عما قد يدخل من أجهزةٍ ومسجلاتٍ وموسيقى وغير ذلك!! فهل يليق أن يكون المدعوون مشتغلين على هذه النعم يأكلون منها وواجبهم حالها أن يشكروا الله ويحمدوه في الوقت الذي يسمع فيه صوت النساء بالمكبرات؟! هل هذا من شكر الله؟! هل هذا من الثناء على الله بنعمه؟! هل هذا من القيام بشكر الله؟! لذا فإننا نوصي أنفسنا حال ما نكون مسئولين عن أي مناسبةٍ أو دعوة، أن نمنع النساء من ضرب الدفّ إلا بعد خروج الرجال من صالة الطعام! ونقول: الدف المشروع منه والمسموح منه بنص الشرع، أما ما يحصل في كثيرٍ من الصالات من سماعات ومكبرات وآلات أو موسيقى أو أغانٍ فيها غزل وفيها تشبيب، وفيها ما فيها من الكلام الذي يهيج النساء بعضهن على شهوة، وبعضهم على فاحشة، وبعضهن على فتنة، فهذا لا يجوز ألبتة، حتى لو لم يكن معه إلا الدف وحده هذا أولاًّّ!! الثاني: أن نتناصح: فإذا نزلنا مقاماً أن نتناصح فيه، ونقول لصاحب الوليمة: نحن على نعمةٍ من نعم الله، وموائدٍ لا يحدها البصر، فواجبك أن تمنع النساء من الدف ورفع الأصوات حتى ننتهي من نعمة الله، حتى نسمي الله، ونأكل ونحمد الله، ونقوم عن هذه المائدة، وقد شكرنا الله جل وعلا، ثم حينئذٍ يضربن ما شرع أو سمح لهن من الدف. الثالثة: نوجهها إلى هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي سلطةٌ قادرة أن تعمم على جميع قصور الأفراح ألا يبدأ بالدف حال وجود الرجال في صالة الطعام، وألا ترتفع أصوات النساء بالأهازيج أو بالدف أو النشيد إلا إذا خرج القوم وقد انتهوا من الأكل والشرب؛ حتى لا نتهاون بالنعم {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل:112] تهاونت، وبطرت، وعبثت، لم ترع للنعمة حقها؛ فأذاقها الله لباس الجوع والخوف وذكر الجوع والخوف بصيغة اللباس، فُصل الجوع كما تفصل الملابس، وفُصل الخوف كما تفصل الملابس، فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، نحنُ على خطر إن لم نشكر هذه النعمة: إذا كنتَ في نعمةٍ فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وداوم عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم

قول العبد: (سبحان الله)

قول العبد: (سبحان الله) وأما كلمة (سبحان الله) ففضلها عظيم، وأمر الله بها فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41] وقال تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:42] وقال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِبْكَارِ} [غافر:55] وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) متفقٌ عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكسب كل يومٍ ألف حسنة، فقال سائلٌ من الجلساء كيف يكسب أحدنا ألف حسنة، قال: يسبح مائة تسبيحه فتكتب له ألف حسنة، أو يحطّ عنه ألف خطيئة) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم). والله ربما جلسنا في الجدال والمراء والحوار والأخذ والرد والقصص والحكايات والروايات ساعاتٍ طوال، فإذا قيل لأحدنا نمكث نذكر الله بعد الصلاة ربع ساعة، أو عشر دقائق، قال: إني مشغول. لا تذكر الأشغال إلا دبر الصلاة، لا تذكر الأعمال إلا حال استحضار الذكر أو عند هم العبد به، أما يوم أن تغفل النفس فلكثيرٍ من الناس قدرة أن يملأ أشرطة مئات الساعات قيلاً وقالاً دون ذكر الله جل وعلا.

فضل الاستغفار

فضل الاستغفار وأما الاستغفار فمن ذكر الله وفضله عظيم، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110]. ما أكثر ما نذنب، وما أكثر ما نزِل، وما أكثر ما نخطئ، فهل نلحق كل ذنبٍ استغفاراً، وهل نلحق كل سيئةٍ حسنة، وهل نتبع كل خطيئة صالحة، إذاً والله بمنٍ من الله، نقدم على الله من الذنوب على خفةٍ من غير ثقل. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قال: يا رب! وعزتك لا أبرح أغوي عبادك، ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال ربنا جل وعلا، وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني) وقال صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) رواه أبو داود وابن ماجة.

الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام

الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] قال صلى الله عليه وسلم: (أتاني آتٍ من ربي فقال: من صلى عليك من أمتك صلاةً كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها) والحديث صحيح.

الباقيات الصالحات

الباقيات الصالحات والأذكار أيها الأحبة كثيرةٌ، فمنها: الباقيات الصالحات: سبحان الله وبحمده، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وهي ذكرٌ عظيمٌ قال فيه صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى من الكلام أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن قال: سبحان الله، كتبت له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر، كتب له مثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله، كتب له مثل ذلك، ومن قال: الحمد لله رب العالمين، من قبل نفسه، كتب له ثلاثون حسنة، وحط عنه ثلاثون خطيئة) حديثٌ صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: (خذوا جنتكم -خذوا دروعاً خذوا وقايةً خذوا حصانةً من النار- خذوا جنتكم من النار قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة مقدماتٍ ومعقباتٍ ومجنبات وهن الباقيات الصالحات) حديثٌ صحيح. وفضل التهليل والتكبير كثير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيٍ قدير، في يومٍ مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب -يعني كأنما أعتق عشرة أعبد- وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت حرزاً من الشيطان يومه ذلك، حتى يمسي ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجلٌ عمل أكثر من ذلك) متفق عليه.

الذكر في كل وقت وحين

الذكر في كل وقت وحين قال سماحة الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله: ويشرع لكل مسلمٍ ومسلمة أن يقول هذا في صباح كل يوم؛ حتى يكون حرزاً له من الشيطان، فلنداوم على الأذكار، ولنحرص عليها ولا نعرضها بتهاونٍ أو بأعمالٍ أو أشغال. قال النووي رحمه الله: ينبغي لمن كان له وظيفةٌ من الذكر في وقتٍ من ليلٍ أو نهار، أو عقب صلاةٍ أو حالةٍ من الأحوال، ففاتته أين يتداركها، وأن يأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها، والاقتصار على الوارد المأثور الثابت الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه غنيةٌ وبركة. قال ابن سعدي رحمه الله: وكن ذاكراً لله في كل حالةٍ فليس لذكر الله وقتٌ مقيدٌ فقد أخبر المختار يوماً لصحبه بأن كثير الذكر في السبق مفردُ وأخبر أن الذكر غرسٌ لأهله بجناتٍ عدنٍ والمساكن تمهدُ وأخبر أن الذكر يبقى بجنةٍ وينقطع التكليف حين يخلدُ وينهى الفتى عن غيبةٍ ونميمةٍ وعن كل قولٍ للديانة مفسدُ ولكننا من جهلنا قل ذكرنا كما قلّ منا للإله التعبدُ أسأل الله جل وعلا أن يمنّ علينا بذكره، وأن يكرمنا بشكره، وأن يجعلنا من الذاكرين الله كثيراً، وأن يجعل أهلينا من الذاكرات. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمامنا، اللهم اهد إمامنا اللهم أصلح بطانته واجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين! اللهم سدد أهل الشورى، وارزقهم مراقبتك في القول وفي السر وفي العلن، اللهم سدد أهل الشورى، وارزقهم مراقبتك وخشيتك، اللهم اهد ضالهم، وثبت صالحهم، وأعن عالمهم، ووفق مجتهدهم، وأخلص أقوالهم، وسدد رأيهم يا رب العالمين، اللهم اجعلهم عوناً للإسلام والمسلمين، اللهم اجعلهم عوناً على ما ينفع الأمة في دينها ودنياها، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم احفظ علماءنا ودعاتنا وحكامنا واجمع شملنا ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً يا رب العالمين! اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصر المسلمين في أورومو والفليبين وفلسطين، اللهم رد المبعدين إلى فلسطين، اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم ارحم المستضعفين في كشمير، اللهم عليك بالصرب والهندوس واليهود ومن وافقهم وشايعهم، اللهم أحصهم عدداً واجعلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم أرسل عليهم طيراً أبابيل، وانتقم للأطفال الرضع والعجائز والشيوخ والأبرياء العزل، اللهم انتقم لهؤلاء منهم يا رب العالمين! اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته يا كريم الفضل! اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته يا قديم الإحسان! اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا حاجةً إلا قضيتها، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا متزوجاً إلا ذريةً صالحة وهبته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا ضالاً إلا هديته، اللهم اهد شبابنا، واستر بناتنا، وأصلح زوجاتنا، وثبتنا على طاعتك إلى أن نلقاك، اللهم نشكو إليك كثرة الذنوب والمعاصي وقسوة القلوب، وهوىً مطاعاً، وشحاً متبعاً، ودنياً مُؤْثرة، اللهم حبب إلينا طاعتك وبغض في نفوسنا معصيتك، واهدنا إلى ما يرضيك يا رب العالمين! اللهم صلِّ على محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

المرأة المظلومة

المرأة المظلومة تلبيس الحق بالباطل فتنة، واتباع الهوى فتنة، وما أكثر الفتن هذه الأيام! ومن أعجب الأشياء أن تدعى المرأة المسلمة إلى حرية زائفة، وهي في الإسلام تتبوأ مكانة لم تكن لها قبله ولن تكون بعده!! وكثيرة هي خطط الأعداء التي تستهدف المرأة ومجتمعها، وهنا تجلية لزورها، وكشف لمستورها، وردود على من يحاول إضفاء الشرعية عليها، وتحذيرات مهمة للمرأة المسلمة.

التزيين والتلبيس في قضية المرأة

التزيين والتلبيس في قضية المرأة الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين! إن من أعظم الفتن التي يفتن بها الشيطان العباد فتنة التزيين ولبس الحق بالباطل واتباع الهوى، ولقد وقع في هذا الشرك الخطير كثير من الناس، وبخاصة في زماننا هذا، زمان الفتن التي تموج موج البحر، زمان الخداع والنفاق والدجل والرياء، التبس الحق بالباطل، والعلم بالجهل، وضلل كثير من الناس، وتمكن الشيطان منهم، وتعاون شياطين الجن والأنس {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112]. تعاونوا في وضع هذا التلبيس في قوالب من الأقوال مزخرفة، وألفاظ خادعة، وتسميات للأشياء بغير مسمياتها، وتبرير للمواقف الخاطئة المخالفة للشريعة، وما ذلك إلا بسبب استيلاء الهوى على النفوس، وسيطرة الشهوات على القلوب، وإننا ونحن نرى ونسمع ونقرأ كثيراً من المغالطات والخداع، والحيل المحرمة المفتراة على شرع الله عز وجل، ليتوجب علينا أن نتواصى بالتناهي عن هذه الأساليب الماكرة، التي يستخدمها أهل الأهواء ليشككوا الناس في دينهم وشريعتهم، بتحريفهم الكلم عن مواضعه. نعم أيها المسلمون! ظهرت وسائل ماكرة ومضللة، لبست على الناس دينهم، وخلطت الحق بالباطل، بل وصل الأمر لدرجة قلب الحقائق، وإظهار الحق في صورة الباطل، والباطل في صورة الحق، وذلك في قضايا عديدة ومن بينها قضية المرأة، فكان لا بد من إزالة هذا اللبس، وكان لا بد من إحقاق الحق وإبطال الباطل بقدر الجهد المستطاع، والله المستعان على ما ترون وتسمعون.

مكانة المرأة في الإسلام

مكانة المرأة في الإٍسلام أيها المسلمون! لقد حظيت المرأة بجانب عظيم في هذا الدين، حيث أعزها الله سبحانه بكرامة وعزة ما لها مثيل في سائر الأمم وفي سائر الحقب، لقد جاء الإسلام والمرأة مهضومة الحقوق، مهيضة الجناح، مسلوبة الكرامة، مهانة مزدراة، فرفع الإسلام مكانتها، وأعاد لها كرامتها وأنصفها، فمنحها حقوقها، وألغى كل ظلم وقع عليها، واعتبرها شقيقة للرجل، شريكة له في الحياة. كما ضمن لها الإسلام الكرامة الإنسانية والحرية الشرعية، والأعمال التي تتفق مع طبيعتها وأنوثتها، فيما لا يخالف نصاً من كتاب أو سنة، ولا يعارض قاعدة أو مقصداً من مقاصد الشريعة في محيط نسائي مصون، ولقد رتب الإسلام لها حقوقاً لم تبلغها قبله، ولن تنالها بعده، كان ذلك بغير نضال ولا صيحات ولا مطالبات ولا مؤتمرات ولا قرارات، لكنها شريعة الله التي تعطي كل ذي حق حقه، بغير نقص ولا هضم. هذه الحقوق تصون المرأة وتحميها، وترتفع بها إلى قمة التكريم، فتمنحها الشعور بالطمأنينة والرفعة: فهي أم، الجنة تحت أقدامها. وهي أخت، مصونة الكرامة. وهي بنت، درة مكنونة. وهي زوجة، تستحق الرعاية والتقدير. لكن أعداء الإسلام من اليهود وأذنابهم، والنصارى وأتباعهم، ساءهم وأقض مضاجعهم ما تتمتع به المرأة المسلمة من حصانة وكرامة، فسلطوا عليها الأضواء، ونصبوا لها الشباك، ورموها بنبلهم وسهامهم. ومن الغريب أن يحقق مقاصدهم، ويسير في ركابهم، ويسعى في نشر أفكارهم، أناس من بني جلدتنا، يتكلمون بلغتنا، فينادون زوراً أو جهلاً أو خديعة بتحرير المرأة، ويطالبونها بالانطلاق من قيود المنزل، ويهونون خلوتها بلا محرم، لتتسكع في الأسواق والفنادق كيف شاءت ومتى شاءت.

ماذا يريد الأعداء من المرأة

ماذا يريد الأعداء من المرأة أما يكفي زاجراً وواعظاً لأولئك ما وقعت فيه المرأة في المجتمعات المخالفة لتعاليم الإسلام من الانحطاط والذلة؟ أما يكفي زاجراً ما وقعت فيه تلك المجتمعات التي أطلقت للمرأة العنان، من هبوط في دركات المستنقعات والرذيلة، ومهاوى الشرور، وبؤر الفساد؟ هل يرضى من فيه أدنى غيرة أو رجولة، أن تصير امرأته أو ابنته مرتعاً لأنظار الفسقة، ومائدة مكشوفة، ولقمة سائغة، أمام عديمي المروءة وضعاف النفوس؟ بل إن بعض من تاه رأيهم، وفسد فكرهم، يطالبون باستحداث وظائف جديدة للمرأة، يهدفون إلى تحرر المرأة من أخلاقها وآدابها، وانسلاخها من مثلها وقيمها ومبادئها، وإيقاعها في الشر والفساد، يريدونها عارضة للأزياء، أو دعاية للسلع، يريدونها مختلطة مع الرجال، بغير حشمة أو وقار، تحت مسمى أي وظيفة تخطر على بال. ألا بعداً وسحقاً لعبيد المدنية الزائفة، الذين يدعون المرأة إلى العبث واللهو، بحجة المدنية والسياحة والمعرفة، يدعون إلى الخلوة بالرجال الأجانب، مدعين أن الظروف قد تغيرت، وأن ما اكتسبته المرأة من التعليم، وما أخذته من الحرية، يجعلها بمنأى عن الخطر، فما هذا والله إلا فكر خبيث دلف إلينا، ليفسد علينا حياتنا، وما هي والله إلا حجج واهية، ينطق بها الشيطان على ألسنة هؤلاء الذين انعدمت عندهم الغيرة والرجولة، وماتت الشهامة فضلاً عن وجود أدنى بقية من كرامة. إن مثل الذين يتهاونون بشأن المرأة، أو يدعونها إلى الاختلاط الآثم، بدعوى أنهم ربوها على الاستجابة لنداء الفضيلة ورعاية الخلق، مثل قوم وضعوا كمية من البارود شديد الانفجار، بجانب نار متوقدة، ثم ادعو أن الانفجار لا يمكن أن يقع أو يكون، لماذا؟ لأن على البارود تحذير مكتوب عليه إن هذه مادة سريعة الاشتعال والاحتراق، إن هذا خيال بعيد عن الواقع، ومغالطة للنفس، ومخالفة لطبيعة الحياة وأحداثها.

خطط الأعداء لإفساد المرأة

خطط الأعداء لإفساد المرأة عباد الله! إن للأعداء وأتباعهم خططاً عاتية في إفساد المرأة، وإخراجها عن وضعها المستقيم، قد تمكنوا من تنفيذها في بعض البلاد المسلمة ويسعون الآن جادين لتنفيذها أو بعضها ما استطاعوا في بلاد أخرى، فمن هذه الخطط والمكائد افتعال القضية، الناس لا يتحركون بغير قضية تزعجهم، أو تقض مضاجعهم، ومن هنا يحرص هؤلاء أن يوحوا أن للمرأة قضية تحتاج إلى نقاش، وتستدعي الانتصار لها أو الدفاع عنها. ولذلك يكثرون الطنطنة على هذا الوتر، بأن المرأة في مجتمعاتنا تعاني ما تعاني، وأنها مظلومة، وأنها شق معطل، ورئة مهملة، لا تنال حقوقها كاملة، وأن الرجل قد استأثر دونها بكل شيء وهكذا، حتى يشعروا الناس بوجود مرافعة وقضية وخصومة بينهم وبين المرأة، هي عند التأمل لا وجود لها، أو هي في الحقيقة معركة بلا أعداء. نحن لا ننكر وقوع بعض الظلم على المرأة، من قبل بعض الأولياء أو الأزواج، لكن هذه الأمور نتاج حقيقي لتخلف الأمة عن عقيدتها ودينها، ومن ثم فالقضية قضية المجتمع الإسلامي الذي دبت فيه الأمراض نتيجة ابتعاده عن أسباب العافية، وهذه المسألة مسألة المرأة واحدة من نتائج ابتعاد المسلمين عن دينهم، واستسلامهم وتبعيتهم لأعدائهم. ومن هنا فعلاج قضية المرأة، هو في إطار علاج الأمة بأكملها، وإعادة الأمور إلى نصابها، أما الصيحات والنعيق بأنه ليس من العدل أن نعاقب طالبة باعتبارها مخالفة، لمجرد أنها أحضرت نسخة من مجلة، أو علبة من مساحيق التجميل، أو صورة لشقيقتها، أو ما يقال بأن العباءة قد تحولت إلى فخ أو قيد، بل كلبشة شديدة الإتقان، فتلك خطة مدروسة يراد من ورائها تضخيم القضية، لتلفت أعناق الناس إليها، حتى يطرح هؤلاء حلولهم الغبية والمسمومة. فالحل إذاً في نظرهم، وكما يزعمون ويدعون ترك الفتيات يتحركن بحرية، وأن يعشن مرحلتهن العمرية بشكلها الصحيح، أو الحل في نظرهم ليس في هذه العباءة التي تقيها وتحجبها وتمنعها وتقيد خطوتها، الحل في لبس العباءة الفرنسية، ذات الأكمام الأكثر اتساعا، أو التي قد يمكن التخلص منها، عندما يتعلق الأمر بالحياة والموت. وليست القضية هي جنسية العباءة، لكن القضية هو التخلص من هذا الحجاب رويداً رويداً، ثم هم يقولون كما يزعمون: وبذلك ننقذ زهرات حياتنا من الموت، أو الحل في أنظارهم إعادة النظر في شكل العباءة، أو إعداد تصاميم تنسجم فيها شروط الحشمة مع شروط النجاح، حتى لا ندفع المزيد من الدم والضحايا مقابل ما لا يستحق، فوا خجلتاه من أقلام محسوبة على المسلمين لم تسخر للدفاع عن الإسلام وأهله. تبتلى الأمة بالرزايا، وتنحر رقابها، وتسفك دماؤها، وتتطاير أشلاء أبنائها فلا ترى أحداً يكتب عن هذه القضية، يموت آلاف الشباب بالمخدرات، وفي مصائب عديدة، فلا تجد قلماً يكتب، وحينما يتعلق الأمر بهجمة شرسة على الحجاب والفتاة والعفاف والحياء، يترصد الكتبة، وتتحرك الأقلام، فيكتب في ذلك ما يكتب، وأين هؤلاء عن مصائب المسلمين؟ أين هم عن جراحاتهم؟ أين هم عن نكباتهم؟ أين هم عن اغتيال قاداتهم؟ أين هم عن جوعهم وفقرهم ومرضهم وتشريدهم؟ أين هذه الأقلام عن هذا كله.

خطة إجهاض مناعة المجتمع

خطة إجهاض مناعة المجتمع عباد الله! إن من خطط الأعداء، ومكائدهم في إفساد المرأة، إجهاض مناعة المجتمع، أو تخفيف المناعة تجاه كل وافد غريب رويداً رويداً، فالمجتمع المسلم وإن كان له شيء من الضعف، فإنه ينفي الخبث عن نفسه، ويحارب العقائد المنحرفة، ويكره الأخلاق الفاسدة، وهو بذلك يملك مناعة تقيه الانحراف، ولذلك حرص الأعداء على إضعاف مناعة المجتمع المسلم، حتى يفقدوه الغيرة على دينه، والحمية لعقيدته، وحتى يوطنوه على قبول كل جسم وافد غريب. وعند ذلك يصبوا في المجتمع -وبلا مقاومة تذكر- ما شاءوا من ألوان الفساد، قد كان ذلك الإجهاض من خلال إبراز صور المخالفات هنا وهناك، فالنفوس تقشعر من المنكر أول مرة، وفي المرة الثانية تخف تلك القشعريرة، وفي الثالثة لا تبالي بالمنكر، وفي الرابعة تبحث عن مسوغ له، وفي الخامسة تفعله، وفي السادسة تفلسفه. ومن صور إضعاف المناعة في المجتمع المسلم، هذه الفضائحيات -وليست الفضائيات- هذه الفضائحيات وأشد ما ابتلينا به من هذه الفضائحيات تلك التي تكلمت بلغتنا، وخبرت مجتمعاتنا وبيئتنا، هذه الفضائحيات الفاضحة والمجلات الماجنة والصحف العارية، التي لا تبالي أن تظهر المرأة بكل صورة مخزية، ولا زالت كثير من البيوت تمتلئ بالبعث المستورد، ولا زالت تلك الفضائحيات الفضائية تمطرنا بوابل من الفساد، وكثير من الناس عن هذا غافلون، أو بهذا راضون. عباد الله! إن نشر الفكر المنحرف من خلال الحوارات الساخنة، أو المقابلات التي تنشرها تلك الفضائحيات، التي يجمع فيها بين الحق والباطل، والصحيح والضعيف، والغث والسمين أحيانا، والباطل والضعيف، والغث والجهل المركب في أحايين كثيرة، إن ذلك يعود الناس على سماع مثل هذا الكلام، إن ذلك يعود الناس على جعل قضايا مسلمة ليست محلاً للحوار أو الخلاف أو المناقشة أو الأخذ والرد، يجعل قضايا من أمور العقيدة محلاً للطرق والحوار والأخذ والرد والقبول والامتناع. إن كسر الحاجز النفسي بين المسلم وغيره من الكفار، مما تصوره تلك الفضائحيات، وتمرره بحجة مصطلحات عجيبة براقة، فتارة باسم التواصل الحضاري، وتارة تحت النوافذ المشرعة، وتارة تحت الحوار في الهواء الطلق، وغير ذلك من المصطلحات التي لم تنضبط بعناوينها، بل تحولت إلى فوضى فكرية تفسد عقائد الناس وأخلاقهم وآدابهم. ولسنا بهذا ندعو إلى الانزواء والتقوقع، أو أننا ننكر أن لدى الأمم الأخرى حسنات وتقدماً وعلماً، إذ الإسلام لا يمنعنا أبداً أن نأخذ عن غيرنا أحسن وأفضل وأطيب ما بلغوه من مكتشفات ومخترعات، إذ أن العلوم ليست ملك أمة بذاتها، ولا هي مقصورة على شعب بعينه، بل هي ملك جميع الشعوب بكل أممها وجميع أجيالها، وأمتنا لها في ذلك والحمد لله القدح المعلى والنصيب الأوفر، ولذلك فلا مانع في الإسلام من الاستفادة من كل تقدم صالح، أو علم نافع، إذ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. لكن الذي يمنعه الإسلام ويستنكره بل يحاربه، أن تضيع شخصية الأمة، وأن يذوب شبابها وبناتها، وأن نفقد الذاتية، وأن نتخلى عن الكيان، وأن ننتمي إلى غيرنا وأعدائنا، ونتجرد من صبغتنا {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة:138] ثم نذوب في الأمم الأخرى، فذاك وايم الله هو العار الذي لا يقبل. إن الإسلام يفرض على المسلم أن تكون له شخصية مستقلة متميزة، ولا تجيز له أن يقلد الآخرين، أو يتشبه بالكافرين في أمورهم الخاصة بهم أبدا؛ لأنه يريد منه أن يكون هو القدوة والأسوة والمرشد، لا أن يكون ذنباً وذيلاً وتابعاً ذليلا {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية:18].

زور دعوى حرية المرأة

زور دعوى حرية المرأة ثم إنك لتعجب من هذه الدعوة المزعومة، دعوى المطالبة بحرية المرأة، ولو صدقوا لقالوا: حرية الوصول إلى المرأة، من ذا الذي يكره الحرية ويحب الأغلال والقيود؟! لقد كثر استعمال مصطلح تحرير المرأة، وكأن ذلك يوحي بأن المرأة في مجتمعنا عبد يجب تحريره. واستعمال هذا المصطلح صوَّر الدعاة إلى إفساد المرأة منقذين رحماء، يريدون أن ينتشلوها من وهدتها، ويرفعوها من سقطتها، ونقول: هل توجد في الدنيا حرية مطلقة بدون قيود؟ لو لم يكن أمام الإنسان من القيود إلا قدراته وإمكاناته المحدودة؛ لكان ذلك كافياً في سقوط مصطلح الحرية المطلقة، وإن البشر جميعا لا يعيشون في مجتمعاتهم إلا بأنظمة وقوانين، فهل البشر كلهم مستعبدون؟ إذاً فليكن البحث في أي هذه القيود أحفظ لكرامة الإنسان، وأصون لعرضه، وأجلب للخير له في الدنيا والآخرة، أما إشاعة الفوضى، والدعوة إلى الإباحية والانفتاح، وسرعة وسهولة الوصول والاختلاط والحديث والخلوة بالمرأة بحجة الحرية، فإن تلك مكيدة يهودية، اليهود أول من جاءوا بها، ثم لا تعجب يوم أن ترى أولئك الذين يدعون إلى حرية الوصول إلى المرأة، كيف يصورون البيت، ومهمة الأمومة والحضانة، وقوامة الرجل بصورة تتقزز منها النفوس. فالبيت سجن مؤبد، والزوج سجان قاهر، والقوامة سيف مسلط، والأمومة تكاثر رعوي، حتى أوجد ذلك في نفوس طائفة من النساء أنفة واشمئزازاً من الإنجاب والبيوت والطاعة والخضوع للزوج، وأوجد في أنفسهن بحثاً عن الانطلاق بلا قيود. ونقول: إنه ليس هناك شيء يستطيع تحقيق ذات الأنثى، أكثر من بيتها وحرصها على أطفالها، لقد صرح عدد من النساء الشهيرات، في مجال التمثيل والسينما والمسرح، بأنهن لم يسعدن بشهرتهن كسعادتهن بطفل واحد! أما قوامة الرجل فالمرأة أحوج إليها من الرجل؛ لأن المرأة لا تشعر بالسعادة وهي في كنف رجل ترى أنها تستعلي عليه، لقد أسيء فهم القوامة، أو هكذا أريد أن تفهم. والحق أن قوامة الرجل على المرأة قاعدة شرعية تنظيمية، بها تستقر أوضاع المجتمعات، والنطاق الذي تشمله قوامة الرجل على المرأة لا يمس حرية كيان المرأة، ولا ينقص من كرامتها، فليس عليها أن تطيعه في معصية بحجة القوامة، وليس عليها أن تطيعه في غير معروف بحجة القوامة، وليس له بحجة القوامة أن يؤذيها بغير حق، بل إن من كمال إيمان الزوج حسن معاملته لزوجته، ومن ولاه الله أمره، قال صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا، وخياركم خياركم لنسائهم).

أضرار الاختلاط والتبرج

أضرار الاختلاط والتبرج أيها المسلمون! إن للاختلاط والتبرج من المضار الدينية والدنيوية الشيء الكثير، فهو معصية لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو مجلبة للعن والطرد من رحمة الله، وهو بريد إلى الزنا الذي به هلاك الأمة، وهو مساعدة في نشر الفاحشة في المجتمع، وهو تشبه باليهود ومن في حكمهم، الساعين في الأرض فساداً، ثم هو قرين ضعف الأمة وهوانها وتأخرها، وإنما انتشر في الأمة حينما استولى عليها العلمانيون، وتسلط عليها العملاء المتآمرون إلا من رحم الله وقليل ما هم. ألا وإن التبرج والاختلاط سبب لكثير من المضار الدنيوية، فهو سبب للجرائم الكثيرة، وتحطيم الروابط الأسرية، والإساءة للمرأة بالمتاجرة بها، وسبب لانتشار الأمراض المستعصية، وشيوع الشذوذ الجنسي وغيره من العلل، وإن الحجاب أعظم معين للمرأة للمحافظة على سترها وحيائها، وهو يصونها عن أعين السوء ونظرات الفحشاء، واسألوا إن شئتم الذين جربوا هذا الاختلاط بماذا عادوا؟ تقول عدوة للمسلمين صحفية أمريكية، والحق ما شهدت به الأعداء، بعد أن أمضت عدة أسابيع في دول عربية، ثم عادت إلى بلادها، قالت: إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق في هذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشاب في حدود المعقول، وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحكم تقييد المرأة، وتحكم احترام الأب والأم، وتحكم أكثر من ذلك عدم الإباحية التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوروبا وأمريكا. امنعوا الاختلاط، قيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوروبا وأمريكا، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعاً معقداً مليئاً بكل صور الإباحية والخلاعة، وإن ضحايا الاختلاط والحرية يملئون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية، وإن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا وأبنائنا الصغار، قد جعلت منهم عصابات أحداث، وعصابات للمخدرات والرقيق. هذا قول ومنطق امرأة كافرة، فيا عجباً من منطق أناس يتسمون بالإسلام، ويدعون هذه الفتاة والمرأة إلى الخروج والانفلات والحرية المزعومة. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

حقيقة التيسير في الشريعة الإسلامية

حقيقة التيسير في الشريعة الإسلامية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها المسلمون! لقد جعلنا الله خير الأمم، حيث قال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] وجعلنا هداة للإنسانية إذا هي ضلت، ومنقذين للبشرية إذا هم على الهلاك أشرفوا، وموجهين الناس إلى الخير، ومرشدين لهم إذا تفرقت بهم سبل الضلال، أو وقعوا في الانحراف عن الصراط المستقيم، وكذلك يوم القيامة نحن شهود على الخلق، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143]. فعارٌ علينا أن نتخلى عن هذه المنزلة الرفيعة، التي شرفنا الله بها، أو أن نضيع هذه الوظيفة التي كلفنا بها، أو نهبط إلى مستوى المقلدين والسذج، أو الببغاوات والقرود، إن من رحمة الله عز وجل بنا أن هدانا لهذا الدين الذي جاءت شريعته الكاملة لتحقق مصالح العباد، وتدرأ عنهم المفاسد وتحميهم منها، لقد قامت هذه الشريعة على رفع الحرج والمشقة، وعلى اليسر في الأمور كلها. لكن الاحتجاج بالتيسير والتسهيل، على التحلل من أحكام الشريعة، أو التحايل عليها واتباع الهوى في الأخذ بالرخص والغرائب الفقهية الشاذة التي لا تستند إلى دليل صحيح، كل ذلك باطل وتلبيس وتضليل يرفعه أهل الأهواء الذين يتبعون الشهوات ويلوحون به، لتمرير فسادهم وشهواتهم، يريدون بذلك تحلل المجتمع المسلم من أحكام الشريعة باسم التيسير وترك التشديد. نعم إن الله يريد بنا اليسر، لكن الأعداء كما قال تعالى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27] إن من رحمة الله أنه عز وجل لم يكل مصالح العباد إلى أهواء البشر وشهواتهم، بل وضع شريعة كاملة مبرأة من الجهل والهوى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:71].

ضوابط التعامل مع القواعد الشرعية

ضوابط التعامل مع القواعد الشرعية إن الاحتجاج بدعوى التيسير والتسهيل، أو الاحتجاج بضغط الواقع وتغير الأحوال للتحلل من الأحكام الشرعية مرة بتأويل الأدلة وتحريفها، ومرة بحجة الضرورة، ومرة بالاستناد إلى قاعدة تغير الفتوى لتغير الحال والزمان والمكان والعوائد، كل ذلك من التلبيس والتضليل، للتفلت من الشرع المطهر خطوة خطوة، ولو أن كل الذين يطرحون قاعدة الضرورة، ويطرحون تغير الفتوى، لو أن كل من تكلم بهذا من العلماء الأتقياء المشهود لهم بالصلاح الذين يعرفون ويعرفون ضوابط الضرورة وحدودها، ويعرفون متى تتغير الفتوى بتغير الأحوال، لكان لهذا الطرح وجه واعتبار. ولكن يوم أن يطرح هذه المسائل أقوام قد خلطوا وملئوا عقولهم بأفكار من تلك الحضارات الوافدة، والهزائم المتتالية، ثم يستدلون بهذه القواعد، وليسوا أهلاً للفهم أو الاستدلال حتى ينصب هذه الأدلة لتسويغ ما يريدونه من منكر وباطل. إن قاعدة الضرورة وقاعدة تغير الفتوى بتغير الحال، قاعدتان معتبرتان شرعاً بضوابطهما الشرعية، وإن المتناول لهذه القواعد مع ما يستجد في الواقع، إذا كان من أهل العلم ومتجرداً لله وطالباً للحق، فإنه يوفق في الغالب للحق والصواب، ولو أخطأ فهو مأجور إن شاء الله على اجتهاده، أما أن يأتي ملبس مضلل لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، بلا علم ولا تقوى من الله، ويريد أن يحتج بهذه القواعد للتحلل من الشرع ومسايرة الواقع، فهذا مما يرفضه الشرع ويأباه؛ لأن نهايته السير بأحكام الله عز وجل حسب أهواء الناس وشهواتهم، وما ألفوه في واقعهم. ولنعلم يا عباد الله! أن إصلاح الناس يقتضي الارتفاع بالبشر إلى مكارم الشريعة، وليس الإصلاح أو التيسير أن ننحط بالدين إلى مستنقع الناس ورذائلهم، وإن هذا التقليد الأعمى الذي يكلف الناس العنت الشديد في حياتهم، لمن أساليب إفساد المرأة، ومن الأمور التي جلبتها هذه الفضائحيات التي لا تزال تنفث سماً زعافاً في بيوتنا وفي أبنائنا وبناتنا، أولئك الذين بهذا التقليد وبالدعوة إليه يكلفون الناس عنتاً شديداً، ثم لا يجد كثير من الناس لأنفسهم منه مفراً.

سلاح الأزياء اليهودي

سلاح الأزياء اليهودي هذه الأزياء الخليعة التي تفرض نفسها على الناس فرضا، وتكلفهم ما لا يطيقون من النفقة، تأكل حياتهم، وتفسد أخلاقهم، ومع ذلك تراهم لا يملكون إلا الخضوع لها، أزياء الصباح، أزياء الظهيرة، أزياء المساء، أخرى قصيرة، أخرى ضيقة، أزياء مضحكة، أنواع الزينة والتجميل والتصفيف، إلى آخر هذا الاسترقاق المذل، من الذي يصنعه ويقف وراءه؟ من الذي يصفق له؟ تقف وراءه بيوت الأزياء، وتصنعه شركات الإنتاج، يصفق له المرابون في البنوك الربوية وبيوت المال، يقف وراءه اليهود الذين يعملون لتدمير البشرية كلها ليحكموها. ولكنهم لا يقفون بالدبابة والقنبلة، والسلاح المكشوف، إنما يقفون بالحرب الإعلامية، بالتصورات والقيم التي ينشئونها ويدعون إليها، ويؤصلونها بنظريات وثقافات، يطلقونها تضغط على الناس بحجة العرف الاجتماعي وضغط الواقع، يقف وراء هذا النصارى أصحاب الدين المحرف، والعلمانيون رسل التغريب، الذي إن كان له ما يسوغه في بلاد الغرب فليس له ما يسوغه في بلاد المسلمين، يقف وراءه النفعيون الذين يريدون زيادة دخلهم، وكثرة أرباحهم، وإن كان ذلك على حساب المرأة، أو هلاك الشعوب وتدميرها. يا أولياء النساء والزوجات والبنات! {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] تذكروا أنكم موقفون بين يدي الله تعالى غدا، ومسئولون عن هؤلاء النسوة، قال صلى الله عليه وسلم: (الرجل راع على أهله، وهو مسئول عن رعيته) احذروا وحذروا من الخلوة والاختلاط والتبرج، فإنهما والزنى رفيقان لا يفترقان، صنوان لا ينفصمان، واعلموا أن الستر والصيانة هما أعظم عون على العفاف والحصانة. إن احترام الحدود التي شرعها الإسلام في علاقة الجنسين هو صمام الأمان من الفتنة والعار، احذروا أجهزة الفساد التي تغزوكم في عقر داركم، وهي تدعو نساءكم وأبناءكم إلى الفتنة والاقتتال، وتضعف فيهم الخشية والإيمان، صونوا بناتكم وزوجاتكم، ولا تتهاونوا فتعرضوهن لهذا كله. لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم إن الأعراض إذا لم تصن بحصون الشريعة وقلاع المبادئ، ستسقط لا محالة أمام هذه الهجمة الشرسة ويقع المحظور، وعندها لا ينفع بكاءٌ ولا ندم، والتبعة كل التبعة، واللوم أولاً وآخراً على ولي المرأة والفتاة، الذي ألقى الحبل على غاربه، وأرخى لابنته العنان. أتبكي على لبنى وأنت قتلتها لقد ذهبت لبنى فما أنت صانع

تحذير للفتاة المسلمة

تحذير للفتاة المسلمة وأنتِ أيتها الفتاة المسلمة! احذري وبالغي في الحذر، احذري أدعياء التقدم أن يجعلوا فضيلتك ثوباً يوسع ويضيق كيفما يشتهون، احذري فنَّهم الخبيث الذي يفرض على النساء في مجالس الرجال أن تؤدي أجسامهن ضريبة الفن، احذري وأنت النجم الذي أضاء منذ فجر النبوة أن تقلدي هذه الشمعة الآفلة، لا تكوني من المتبرجات أو السافرات بلباسك الضيق، أو بعباءتك المبتكرة، أو غطائك الرقيق، أو بلثامك، أو بإبراز عينك المكحلة وحواجبك، أو فتنة وجهك، أو بذارع مكشوفة أو قدم عارية. احذري أن تكوني سبباً لفتنة مسلم بمشية متكسرة، أو خطوات متكلفة، أو بنظرات مزعجة، أو صوت متغنج، أو ضحكة رنانة أو عطر فواح، احذري ذلك كله لكي لا تكوني سلعة، أو تكوني متبرجة كاسية عارية. أيتها الفتاة المسلمة! أنتِ الطهر والعفة، وأنتِ الوفاء والأنفة، وأنتِ الصبر والعزيمة، فتمسكي بأخلاق الإسلام، والسير على نهجه القويم، والاقتداء بأمهات المؤمنين، والصالحات السالفات. وأنتم يا معاشر الرجال! ربوا البنات على الفضيلة إنها في الشرق علة ذلك الإخفاق الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراق اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم من أراد بالنساء في مجتمعنا هذا تبرجاً وإباحية وسفوراً وانحلالاً، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم اهتك ستره، وعجل فضيحته، واكفناه بما شئت إنك أنت السميع العليم، اللهم عليك بمن أرادوا بزوجاتنا وبناتنا ونسائنا سوءاً، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم اكفنا شرورهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحفظ اللهم هذه البلاد وولاة أمرها وعلماءها وجميع المسلمين؛ من كل تبرج وانحطاط وإباحية يا رب العالمين، اللهم احفظنا وبارك في جهودنا، وثبتنا على ما يرضيك، وتوفنا على أحسن حال يرضيك يا رب العالمين، اللهم صل على محمد وآله وصحبه.

الشريط الإسلامي بين التجارة والدعوة

الشريط الإسلامي بين التجارة والدعوة إن الدعوة إلى الله ضرورية جداً، خاصة تجاه ما ينتشر بسرعة خطيرة من دعوات الهدم والتخريب الفكري والأخلاقي، ومن خير أساليب الدعوة وأكثرها تأثيراً الشريط الإسلامي، ولكنه يعاني من صعوبات مادية، وهجمة كلامية، وفي هذه المادة يناقش الشيخ هذا الأمر، ويقترح حلولاً لعلاج المشاكل في هذا الباب.

هم الداعية للدعوة

هم الداعية للدعوة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة في الله! أحمد الله إليكم، ونثني عليه الخير كله، نشكره على آلائه التي لا تحصى، وعلى نعمه التي لا تنسى. وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

لا تعطى الدعوة فضول الوقت

لا تعطى الدعوة فضول الوقت أيها الإخوة في الله! موضوعنا اليوم قد لا يستهوي كثيراً من إخواننا، ولكنه يهم طائفة حريصة على تلمس أسباب الدعوة، واكتشاف أقرب الطرق والمداخل إلى قلوب البشر، ونشر أعظم قدر من الخير في كل مجال وفي أسرع وقت؛ لأننا في سباق مع الزمن، ولأننا في مواجهة وتحد خطير من قِبل أعداء الإسلام الذين ما تركوا شاذَّة ولا فاذَّة، ولا قليلاً ولا كثيراً إلا وجعلوا منه سبيلاً أو وسيلةً إلى ضرب الإسلام وأبنائه وتشويه الإسلام وأصوله؛ لأجل ذلك كانت الحاجة ماسة إلى عرض الإسلام بصورة ناصعة، وليس هذا أمراً جديداً، والحاجة أيضاً ماسة إلى بيان جوانب الجمال والتألق، وجوانب العز والكرامة، والسعادة والطمأنينة فيما شرعه الله جل وعلا، وأودعه في كتابه وما جاء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وإن كنا وإياكم لا يخفانا أن مِن السمات الطبيعية لدين الإسلام: أن هذا الدين حينما يخالط قلباً نقياً فلن تجد صاحب القلب جامداً، وهذا الدين حينما ينزل بفؤاد على درجة من الشفافية والصفاء والنقاء، فلن تجده جُثَمَةً قُُعَدَةً رُقَدَةً، بل ستراه جَوَّاباً، وستجده جَوَّالاً، لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال إلا يوم أن يشعر أن في ساعته بل في دقيقته فضلاً عن يومه وأسبوعه، أنه قدم شيئاً للإسلام والمسلمين. ولأجل ذلك قلت: إن هذا الموضوع قد لا يستهوي الكثير؛ لأن كثيراً من إخواننا -ولعلي واحداً منهم- عبث بهم الكسل، وظهر عليهم التسيب في الوقت، وتضييع أنْفَس مراحل العمر ألا وهي: الشباب، في أمور قد تكون من باب الاشتغال بالمهمات دون الأهم منها، أو في أمور مباحة، وقد ترك الكثير منا الاهتمام بأصول وفروع ونشر هذا الدين ودعوة الناس إليه، قد جعلناها من فاضل الأوقات، فلو أن واحداً منا كتب على ورقة برامج أعماله في هذا الأسبوع، ستجده: أولاً: ربما كتب إصلاح ما نقص من السباكة في المنزل. ثانياً: تفقد الكهرباء. ثالثاً: شراء ملابس موسم الشتاء. رابعاً: زيارة لفلان وعلان. خامساً: الدعوة إلى الله جل وعلا. فنجعل الدعوة هي فيما فَضَل من أوقاتنا، وإذا جعلناها فيما فَضَل من أوقاتنا، فإنا نجعلها في مؤخرة اهتماماتنا. ولأجل ذلك أيها الإخوة لا غرابة أن نجد تأخر المسلمين حتى في بلادهم، لا غرابة أن نجد تأخر أبناء الإسلام في بلاد الإسلام، وتخلفهم في عرض الدعوة إلى الله جل وعلا، لأنها لم تكن إلا عند الأقلين منهم هماً يشغلهم صباح مساء، ولو أن واحداً جعل الدعوة همه كما يهتم الحبيب بحبيبه، لأدرك قول القائل: لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يُداريها وقول الآخر: جهد الصبابة أن تكون كما أرى عين مُسَهَّدة وقلب يخفقُ نعم أيها الأحبة! إن من شغله شيء، لا تراه يصبح إلا وهو يتلجلج ويدور في خاطرة ونفسه وصدره، ولا يمسي إلا وهو يفكر به، ولا يذهب أو يحل ويرحل إلا وتجده ديدَنَه ونشيدَه وهُجَيْراه، أما الكثير منا: نعم لقد تبنا إلى الله، لقد استقمنا على مرضاة الله، نسأل الله أن يكون ذلك خالصاً لوجهه، على ما فينا مما ستره الله علينا وجمَّلنا بإظهار محاسننا وإياكم بين الناس، ولكن. وقفنا هنا!

أهم شيء بعد التوبة: العمل لما بعدها

أهم شيء بعد التوبة: العمل لما بعدها كنتُ منذ أيام أحدث أحد الإخوة في الكلية، وكان يكلمني عن توبة واحد من الفنانين، فقلت له: يا أخي! توبة الفنان ترك للمعصية لكن ماذا قدم من الطاعة؟ لا تجعل الرجل حينما يتوب إلى الله أنه قد فَتَح القدس بيده، أو حرر كابول بجهاده، أو أنه نشر الإسلام في بقاع كانت الشيوعية ترزح على صدور المسلمين جاثمة فيها، هو فقط ترك المعصية وتاب إلى الله من الفن، تاب إلى الله من الطرب، أما العمل الصالح فهذا شيء آخر. وكثير منا أيها الإخوة يخلط بين هذا وهذا، يظن أن استقامته تعني بالضرورة -أو الوجه الآخر للعملة- أنه قد خدم الإسلام، وقدم للإسلام أكبر خدمة، ونخشى أن نصاب بالعُجْب {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17]. أقول أيها الإخوة: إن ما نراه في وجوه إخواننا، وفي سَمْت وسلوك شبابنا من الصلاح والاستقامة والعناية بالسنة أمر محمود؛ لكن الكثير وقف عند هذا، تاب إلى الله واعتنى بمظهره، ووقف عند هذه المرحلة وظن أن هذه هي نهاية الطريق، لا يا أخي. هل رأيت رجلاً يوم أن أزال الأوساخ عن أرضه قال: هنا انتهى البنيان؟! هل رأيت رجلاً حينما أزال القذى والقذر والقاذورات عن أرض يريد أن يبني عليها، بدأ فأزال كل الأوساخ، وقال: الآن انتهى البيت؟! الحقيقة أنتَ بدأتَ أولاً بتنظيف وبإعداد القاعدة، وهي إزالة الشوائب والقاذورات والأوساخ عن قاعدة الأرض ألا وهي قلبك، أما البناء والعمل الصالح والإنتاج وإقامة هذا المبنى الشاهق المتعدد الأدوار الذي يخدم الناس، ويؤوي المساكين ويكون كنفاً لهم ومأوىً عن الشمس والبرد، والزمهرير والحر وغير ذلك، هذا شيء آخر. فبعضنا أيها الإخوة يقول: هنا عثر حمار الشيخ في العقبة، هنا استقمنا والحمد لله لن نتعدى هذه المرحلة، وهذا لعله من وسوسة الشيطان، ولعله من باب العُجْب، ولعله من عدم شعورنا بعظمة هذا الدين، لعله من عدم شعورنا بعظمة ربنا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67]. والله لو أن واحداً كلفه أمير من الأمراء، بَشر ضعيف مسكين، لا يملك لنفسه نفعاً ولا دفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، لو أن واحداً كلفه أمير من الأمراء، أو مسئول من الوزراء، فضلاً عن حاكم أو ملك من الملوك، لتجده قال: أنت ما تعلم؟! إن هذا الحاكم أو إن هذا الأمير قد أوكل إليَّ مهمةً، وشرفني من بين خدمه وحشمه وأصحابه ووزرائه ومستشاريه بهذه المهمة، فلا غرابة أن تجدني مشتغلاً بها ليلاً ونهاراً، مفكراً بها أعكف عليها، حتى أقدم له ما أراد مني، فإذا علمت أن الله جل وعلا اصطفاك، وجعلك من أمة محمد، وليس بيدك ولا حولك ولا طولك ولا نسبك ولا شرفك أن تكون من أهل الجزيرة، أو تكون في مجتمع مسلم، ما بالك لو أنك بوذيٌّ في أنحاء كمبوديا، أو أنك هندوسيٌّ في أطراف الهند، أو أنك زَرادِشْتيٌّ في أنحاء أدغال أفريقيا أو غير ذلك، ماذا تفعل. يا أخي الكريم! الله الذي مَنَّ عليك وأكرمك، وبمنه وفضله جعلك من المسلمين، واختارك لتكون واحداً من هذه الأمة، وفضلك على سائر الأمة بالاستقامة، وأودع في قلبك مسئولية الدعوة إلى دينه، وشرف حمل الرسالة، وتبليغ الناس بها، أفليس هذا شرف أي شرف؟! ومنزلة أي منزلة؟! ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيَّرت أحمد لي نبياً

الدعوة من أجل الأعمال

الدعوة من أجلِّ الأعمال إن بعث النار -كما هو في الحديث المعروف- من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة، فإذا كنت من أمة محمد فنسأل الله أن نكون وإياك ذلك الواحد في كل ألف، فهذه نعمة عظيمة؛ واعرف شرف الله لك، واعرف تفضيل الله لك، فوق ما أُكرمت به: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] فوق هذه الكرامات أنك واحد من عباد الله المؤمنين المسلمين الذين نالوا شرف هذه الدعوة إلى الله، ولذلك لما سئل أحد السلف: أي الأعمال أجلُّ أن نشتغل بها؟ قال: اشتغلوا بدلالة خلق الله إلى الله جل وعلا. وليس هذا كثيراً على الدعوة إلى الله، فالله قد أثنى على الدعاة، نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم. قال جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. وقال جل وعلا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى هدى فله أجره، وأجور مَن عمل به إلى يوم القيامة). يا إخوان! شتان بين العبادة والدعوة، إن العابد مهما قام الليل كله، وصام النهار كله؛ لا يستطيع أن يضيف إلى رصيد وسجل أعماله إلا أعماله وحده فقط، أما الداعية فهو يضيف في كل يوم وفي كل ليلة سجود الساجدين المهتدين بدعوته، وصلاة المصلين المهتدين بدعوته، وصيام الصائمين المهتدين بدعوته، وبر البارين المهتدين بدعوته، وصلة الذين وصلوا أرحامهم والذين اهتدوا بدعوته، إذاً فأنت تضيف إلى رصيدك أعمالاً فوق ما يضيفه العُبَّاد، ناهيك عما ينبغي لك من عناية واجتهاد في أن تتزود بزاد العبادة: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:6] لأن الأمر ثقيل، ولأن المهمة شاقة، فالحاجة إلى العبادة ليتزود الإنسان.

اقتراح للعمل

اقتراح للعمل أيها الأحبة! المخططون والمنظِّرون قلة -ولستُ منهم- ولكن المنفِّذين في الغالب ينبغي أن يكونوا أكثر، فأنت ترى أن بناءً يتكون من عشرة أدوار، كم يحتاج من المهندسين؟ يحتاج بالكثير إلى خمسة أو عشرة مهندسين في شتى تخصصاتهم، هندسة كهربائية، وهندسة تمديدات، وهندسة منشآت وهلمَّ جرا؛ لكن هل يحتاج المبنى إلى عشرة عمال بعدد المخططين؟ لا، حينما تحتاج إلى عشرة مهندسين فأنت بهذا محتاج إلى ألف عامل، البناء الذي يتكون من عشرة أدوار، يخططه عشرة من المهندسين لكنه يحتاج إلى ألف عامل. واليوم نحن لا نشكو قلة العاملين والراغبين الذين يبحثون عن المناهج العملية، والنظريات التي تترجَم إلى واقع علمي لكي يخدموا بها دين الله، والدعوة إلى الله جل وعلا؛ لذا وجب تقديم يد المعونة بالمقترحات لهم. وأدناها البارحة، جاء عدد من الشباب، أسأل الله أن يثبتنا وإياهم جمعياً، يقولون: نحن في كلية كذا، والآخر في كلية كذا، والثالث في كلية كذا، ملتزمون صالحون نريد أن ندعو إلى الله لكن لا نعرف، أين الطريق؟ أين البداية؟ من أين نبدأ؟ فالشباب الملتزم كُثر؛ ولا أظن واحداً يبخل على نفسه أن ينال شرف الدعوة إلى الله جل وعلا؛ لكن يريدون برامج عملية، يريدون أموراً أنت ترسمها لهم، تخططها لهم وتقول: ما دامت هذه النوعية صالحة للتنفيذ والتطبيق فالأمر هكذا: 1/ افعل كذا. 2/ افعل كذا. 3/ كذا. حدِّد له غاية وهدفاً واختَر له وسيلة مناسبة، أو اجعل أمامه بدائل وخيارات عدة، وهو يختار ما يناسبه منها، أو ما يكون أقرب إلى نفسه، وأقدر تأثيراً عليه مما سواه. إذاً: لما كانت الحاجة ماسة مع انتشار الصحوة انتشاراً كبيراً، بل أعظم من انتشار النور في الظلام بفضل الله جل وعلا، انتشرت الصحوة وانتشر الخير، حتى في أعالي الجبال، وفي أدنى السهول، وعلى سواحل البحار، وفي القرى، والمدن، بل حتى في كثير من المجالات التي ظن الناس أنها ليست معدة إلا أوكاراً للرذيلة وبؤَراً للفساد، وُجِدَ وظهر فيها النبتة الطيبة، والبذرة الحريصة على أن تقدم للإسلام شيئاً. إذاً: نحن لا نشكو قلة الملتزمين، فالملتزمون كُثر؛ لكنا نشكو قلة العاملين من الملتزمين، وهذه من مشاكل الدعوة، ولستُ المسكينُ الفقيرُ الذي يتحدث عنها، إنما هي إشارات وإلمامات، ومثل هذا الأمر يحتاج إلى كبار العلماء، وكبار الدعاة الذين يبحثون عن هذه الظاهرة، لماذا هذا الجمود في الصحوة؟ لماذا الملتزمون كُثر؛ ولكن كما قال أبو بكر رضي الله عنه لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [يا بن الخطاب! أجبَّار في الجاهلية خوَّار في الإسلام؟!]. تجد الشاب قبل استقامته يحمل الدنيا على أذنيه، ويرفع بها، ولا يجعلها تعود أرضاً، ويحمل كل أمرٍ على عاتقه، وتجده رأساً مضحياً فدائياً، قمة جوَّالاً حركياً نشيطاً في الفساد، فإذا اهتدى أصبح ظبياً جفولاً، وأصبح حملاً وديعاً، لا يستطيع أن يتحرك يمنة ويسرة، ناهيك لو قلت له: إنك مراقب، أو إنك تحت التحري، أو إنك تحت البحث، فهذه قاصمة الظهر بالنسبة له، وحينئذٍ لن يخرج من بيته، بحجة أنه داعية مراقب، أو أنه رجل قد تُجُسِّس عليه، ونحو ذلك، وما هي إلا أوهام بل وإشاعات، قد تشاع أحياناً وقد يُقصد إشاعتها من أجل أن يشعر الإنسان بجو من القيود والأوهام العنكبوتية التي ينسجها الإنسان حول نفسه، ولا يقدم لدين الله جل وعلا قليلاً ولا كثيراً. وكما قال أحد الدعاة: إن الإسلام المرغوب في هذا الزمان هو الإسلام الأمريكاني. الإسلام الأمريكاني: أن تكون مسلماً تطبق استقامتك والتزامك حسب ما يحلو لك؛ لأن قانون الحرية يبيح لك أن تفعل بنفسك ما شئت؛ لكن أن تتعدى بهذا الإسلام إلى جيرانك والحي والمجتمع، والوزارة والمدرسة، والكلية والمستشفى والسوق، والإعلام والتعليم، والاقتصاد والسياسة، لا! هذا إسلام ممنوع، هذا إسلام محظور. ولذلك فإن أعداءكم لا يمنعون المسلم أن يقوم بممارسة ما يسمونه (بالطقوس)، والذي نحن نعرفه في شريعة ربنا بالعبادات المخصوصة، من ركوع وصيام واعتكاف وسجود وتلاوة قرآن، لا يُمنع أحد من ذلك، لكن أن يدعو الناس إلى ذلك، وأن يتحاكم الناس إلى كتاب الله، وأن يكون الكتاب حاكماً مهيمناً على كل صغيرة وكبيرة، فهذا أمر ممنوع في عرف المستعمرين، وأعداء الله من اليهود والنصارى الذين لهم ثقل جاثم على صدر الأمة ترزح تحته، ويؤيدهم في هذا العملاء والدخلاء والذين يمارسون العمالة المزدوجة على طرفين أو على وجهين في آن واحد؛ لكي يقولوا لقومهم: إنا معكم، ويقولوا لأعدائهم: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:14]. وبعد هذا أيها الإخوة ظهرت كثيرٌ من الأطروحات الجميلة، التي قالت لشباب الصحوة: هلموا ألينا، تعالوا، هذه برامج عملية، على سبيل المثال لا الحصر: خذوا مشروعاً مقترحاً تقدم به فضيلة الشيخ الداعية المعروف الدكتور/ ناصر العمر، وكان مشروعاً إيجابياً بنَّاءً، ومنذ أن لامس كلامُ الشيخ أسماعَ الشباب قبل أن يسجل انطلق الشباب يمنة، ويسرة زرافات ووحدانا يطبقون هذا المشروع، لأن الشيخ رسم لهم برنامجاً عملياً. ولا أزكي نفسي وأستغفر الله، كذلك برنامج مِن أين نبدأ؟ أو مِن هنا نبدأ، بفضل الله لما طرح علمتُ أن عدداً من الشباب كلٌّ قد اجتمع مع إمام مسجده والأخيار في حيِّه وأخذوا يضربون ميعاداً أسبوعياً يتفقون فيه على أن يقدموا للمجتمع شيئاً، فأصبحوا يخططون، أقول: يخططون، وليس في التخطيط شر أو خطر، لأن المسألة أن كل شيء تريد أن تفعله تحتاج إلى تخطيط، حتى ذهابك إلى العمل يحتاج أن تخطط، تسلك الخط الدائري وتخرج مع المخرج [3]، وتمسك الكتف الفلاني حتى تصل إلى مكانك، فكلمة التخطيط أو التنظيم أو التنظير نرى البعض يخاف منها، وما هي إلا أمر طبيعي موجود في أبسط الأعمال. إن النملة وهي تلك الحشرة الصغيرة تخطط، إن الذبابة تخطط، فهل يحرم على الإنسان أن يخطط؟! هل يحرم على الإنسان أن ينظم؟! إن كثيراً من الناس عنده حساسية المصطلحات، حينما يسمع مثل هذا المصطلح يرتاع، ويظن أنك تعني شيئاً نهايته نسف نظام أو إحداث تفجير، أو إشاعة فوضى وقلاقل وفتن ومحن ظهر شيء منها والباطن أكثر من ذلك.

فكرة العمل الدعوي: من أين نبدأ؟

فكرة العمل الدعوي: من أين نبدأ؟ أقول أيها الإخوة: هذا المشروع (من أين نبدأ؟) إمام المسجد مع مجموعة من الشباب، يلتقون في كل أسبوع مرة بعد المغرب ويتفقدون الحي؛ هذا لا يصلي، ثلاثة يزورونه بهدية وابتسامة، والبرنامج مستمر، غداً يزار فلان، بعض الشباب يظن أن سيصلح المجتمع والحارة في شهر أو خلال سنة، أقول: هذا المشروع لن تروا ثماره بإذن الله إلا بعد ثمان سنوات على الأقل، ونحن بحاجة إلى أن نخطط لسنوات قادمة، أما العرف الذي نشأنا عليه كثيراً مثلما يقول العوام: (إن كان عندك شيء نأكله هذا الحين حياك الله) أما كلام فارغ؛ تخطيط بعد خمس سنوات بعد عشر سنوات، فلا. أقول يا إخوان: لو قرأتم كتاب لعبة الأمم، الذي ألفه أحد رجال المخابرات، أو مسئول مخابرات في سنة من السنوات، واسمه: مايلز كوبلن، قال: إن مجلس اللعبة يخطط لأربعين سنة قادمة، إن مجلس اللعبة الذي سماه أو حدد مكانه في الدور السابع في مجلس الكونجرس، قال: إنه يخطط للدول والحكومات من أربعين إلى خمسين سنة قادمة. أما تخطيطنا فلو خطط الإنسان لمدة سنة واحدة، منذ أن يبدأ ويمر على هذا التخطيط أربعة أشهر تجد الاعوجاج والانحراف والتناقض والكثير من المواقف الخاطئة، والسبب: عدم الدقة في التخطيط. إن المهندس حينما يخطئ في قاعدة المبنى، ميل في الأعمدة بنسبة (5) سنتيمتر، فإن ذلك يعني أنه يوجد انحراف قدره (50) سنتيمتر في الدور الخامس، ويعني ذلك أن المبنى يئول للسقوط لو رفعته إلى الدور الرابع أو الخامس، قد لا تظهر أخطاؤك في الدور الأول لأن الانحراف بسيط، في السنة الأولى قد لا تظهر أخطاؤنا؛ لأننا لا نزال قريبي عهد بالانطلاقة وبداية التجربة، لكن حينما نستمر سنوات قادمة، ويكون في التخطيط خلل فحينئذٍ لا غرابة أن تجد الانتكاسة، أو تجد السقوط أو تجد العثرات متتابعة في السنة الخامسة أو في السنة السادسة، كما هو الأمر في البنيان الذي يسقط حينما يبلغ الدور الخامس أو السادس.

مقترح لاستمرار المهتدين الجدد على الهداية

مقترح لاستمرار المهتدين الجدد على الهداية أقول: هذه كلها أيها الإخوة مشاريع مقترحة وأضيف عليها الآن مشروعاً. كان عنوان المحاضرة بعنوان: (الشريط الإسلامي بين التجارة والدعوة)، والحديث في صميم هذا الموضوع؛ لكن هذه مقدمة وفكرة خطرت ببالي في الحقيقة، وتلجلجت في صدري فترة طويلة، فأحببت أن أغتنم هذه الفرصة لطرحها عليكم، ألا وهي من المشاريع العملية الدعوية التي تنفع بإذن الله جل وعلا. أما عن مقدمة الفكرة فكالآتي: نحن وإياكم كثيراً ما ندعو عدداً من الشباب إلى الاستقامة والالتزام، فنتعرف على فلان وعلان ونسافر به، ويعتمر معنا أو يحج، أو يكون بيننا وبينه سلسلة زيارات فيتأثر ويستقيم، وماذا بعد ذلك؟ لو تردد علينا أربعة أيام قلنا له: يا أخي، مَسَّخْتها، ما إن التزمت حتى أدوشتنا! ما يمكن! ضيَّعتَ وقتنا جزاك الله خيراً!: فعلاً هو لا خيار له؛ إما أن يبقى معك كالظل لك حتى يحافظ على نفسه من جلساء السوء، ومن السهرات التي يتاح له فيها العبث واللهو، والمرأة والخمر والنساء والأفلام مع تباين واختلاف في طبقات الذي يعاقرون هذه الفواحش أو يقترفونها، فهذا الشاب نَمَلُّ منه ويَمَلُّ منا بعد فترة قصيرة؛ لأنك أنت مرتبطٌ بزوجة وأولاد وأقارب، وحاجات أهلك وعملك، ومختلف المهمات التي تعرض لك، ومراجعة أطفالك في المستشفيات، وتعليم أولادك أمام موسم الاختبارات وهَلُمَّ جَرَّا، وهذا شاب مَنَّ الله عليه بالهداية، كيف تحافظ عليه؟ تجد أنك تتحمس، أو تتفاعل أو تغلو أو تشتد عندك العاطفة، تغلي العاطفة عندك في الأسابيع الأولى ثم بعد ذلك تمل منه، فتتركه ثم يرجع من جديد، بعد أن بلغ ذروة ارتفاعه يعود في التدني وفي الهبوط، حتى يعود ذلك الذي استقام يوماً ما إلى درجة الصفر كما لو كان لم يستقم يوماً ما، بل وقد ينزل عن المحور الرئيسي وتحت القاعدة الرئيسية ويقع فيما هو تحت خط الانحراف، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والسبب: أنه لا توجد عندنا دور لرعاية التائبين، ولا توجد أماكن لرعاية الشباب الذين استقاموا. أقول: هذا جزء بسيط جداً من الحل، ألا وهو: أن يتعارف شباب الحي، مثلاً نحن في منطقة (العلية) أو في منطقة (البديعة) كم عندنا من الخطباء أو الدعاة أو طلبة العلم؟ عندنا عدد كثير، نقول للشباب: إن يوم السبت بيت فلان بن فلان مفتوح، من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء، فأي شاب يرغب أن يستفيد، يرغب أن يسأل، يرغب أن يجلس، فحياه الله عند فلان بن فلان، المجال مفتوح لمن أراد أن يحضر، وهذه الجلسة تكون مبرمَجة منظَّمة، بمعنى: لا يكون الهدف منها ألوان النعناع والشاي والدارصيني والقهوة ومختلف المشروبات، لا، إنما يكون البرنامج فيها: آية وتفسيرها، حديث وحكمه، سيرة واحد من الصحابة، قراءة في فتاوى بعض العلماء، تقليب في أخبار العالم الإسلامي، وأحذَّر وأحذِّر وأحذَّر ثلاثاً من الحديث في المواضيع السياسية، لا أعني بذلك تخويفاً لكم من السياسة، لا، لكن سأجد من يقول: إن هذه الجلسات ستكون طريقاً للحديث والتدخل في شئون ليست من اختصاص هؤلاء، فأقول: إياكم والحديث فيها، طبعاً الكلام في الأمور هذه نوعين: نوع مفتوح للجميع: مَن الذي يأذن للجريدة أن تتحدث ويُحرِّم عليك الكلام؟! من الذي يأذن للإذاعات أن تطنطن ويُحرِّم عليك أن تتكلم وتتحدث؟! لكن أقصد بذلك: الدخول في العمق والتحليل ونقل الآراء الشخصية، والتحليلات الشخصية، وربما يدخل معك في المجلس من يحدثك لكي ينصب لك كميناً ويسجل حديثك، وليس الهدف تسجيل حديثك، وإنما الهدف أن يشي بك إلى سلطة ما ويقول: إن فلاناً يجلس مع آل فلان وبني فلان ويتحدثون في المسئول الفلاني، أو في الجهة الفلانية، بغية إغلاق هذا المشروع. أقول: هنا تحفظات، هنا احتياطات، هنا خطة الأمن والسلامة في هذا المشروع الصغير، ألا تتحدث في أشخاص ولا هيئات، ولا مؤسسات معينة، أما القضايا التي طُرِح الحديث فيها للساحة، فالكلام يجوز لك أن تتحدث فيه، كما جاز للجريدة والإذاعة أن تتكلم كيفما شاءت. بعد هذا أيها الإخوة إذا استطعنا أن نضبط هذه الجلسة بعد صلاة العصر إلى أذان العشاء يوم السبت عند فلان، يوم الأحد عند فلان بن فلان، فأنا مثلاً أكون مسئولاً عن يوم واحد في الأسبوع، أفتح فيه بيتي لمن أراد أن يحضر، وأنت مسئول عن يوم الأحد في الأسبوع تفتح فيه بيتك لمن أراد أن يحضر، والثالث مسئول عن يوم الإثنين يفتح فيه بيته لمن أراد أن يحضر، بمعنى: ألا يدور الشاب التائب أو المستقيم يبحث عمن يجالسه ويخالطه، فيأتي إلى هذا فيراه مشغولاً، ويأتي إلى هذا الإمام فيراه مشغولاً، ويأتي إلى هذا الداعية فيراه مسافراً، ويأتي إلى هذا فيراه يذهب بأولاده، ويأتي إلى هذا فيطرق عليه الباب ويخرج بالقلم يقول: والله يا أخي نحن الآن مشغولون، أما ترى القلم معي؟! فأربعة أو خمسة أماكن يجدها مغلقة، المكان السادس المفتوح: قهوة، أو شيشة، أو مطعم، أو رصيف، أو جلسة لَهْو، أو أصدقاء السوء الأُوَل الذين تعود أن يجد معهم مجلساً مفتوحاً، والبلوت الساخن من بعد العصر إلى الساعة الثانية عشر أو الواحدة ليلاً، لن تُعْدَم أربعة يكملون الفريق، والأوراق جاهزة، واللعبة شيِّقة، وهَلُمَّ جَرَّا. إذا ذهبتُ إليك فأنت مشغول، وهذا أغلق بابه، وهذا مسافر، وهذا ذهب بأولاده، إلى من أذهب أيها الإخوة؟! أنا شاب تائب، أنا شاب مستقيم، أريد أن أستمر على هذه الهداية، من الذي يؤويني؟! من الذي يحتضنني من جلساء السوء؟! إذا لم يوجد ترتيب للمحافظة على مثل أولئك، وإلا فيستقيمون ثم ينحرفون إلا من رحم الله. فإذا كنت أنا مسئول يوم السبت، فلن يشغلني الشباب في بيتي، فقط يوم السبت أنا مسئول حيَّا الله من جاء، طبعاً ما أقول: تعالوا، أقول: مثلاً يوم السبت الباب مفتوح، لو زارني أحد أو جاء يوم الإثنين أو الثلاثاء أقول: حياك الله في كل سبت، أهلاً وسهلاً، طبعاً إذا كان هناك أمر مهم أو مسألة خطيرة أو قضية عين لا يقاس عليها، نستطيع أن نقابله ويقابلنا بعد الصلاة، قبيل الصلاة، عند الفجر، قبل الفجر، كما يشاء، ليس في ذلك مشكلة. فإذا أوجدنا هذا على مدار الأسبوع، استطعنا أن نحافظ على التائبين في كل حي، التائبون في هذا الحي يجتمعون؛ هذا اليوم عند الشيخ/ مَزْيَد، وغداً عند المؤذن، وبعد غدٍ عند الدكتور فلان، وبعد غدٍِ عند الشيخ فلان. إذاً لا يجد فراغاً يشكو منه. زيادة على ذلك: ينبغي أن توجد جمعيات أو مكاتب نقليات وسفر وسياحة؛ أعني بذلك: نحن بحاجة إلى رحلات طويلة، لأن من كان حديث عهد بهداية، فإنه يحتاج إلى عزلة لمدة خمسة أيام أو عشرة أيام، أعني بها حمية عن مجالسة السوء والمنكرات وحتى رؤية المنكرات، فإذا وُجِد في الشهر الفلاني رحلة إلى مكة، والقصيم؛ زيارة للشيخ/ العثيمين، والمدينة؛ زيارة لإمام الحرم، والصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أخذ العمرة. هذه الرحلة لمدة ستة أيام، عدد الشباب الذين يشتركون في هذه الرحلة من ثلاثين إلى أربعين، من المسئول عنها؟ أحد الأئمة، أحد الدعاة، أحد الخطباء، ويسافر بهؤلاء الشباب. ثق يا أخي أنك بعد هذه الرحلة سوف تعود بمجموعة قد حُجِبَت عن الفساد شيئاً كثيراً؛ لكن المشكلة أن الشاب الذي ندعوه نجلس معه في المغرب ونتحدث معه، وبعد العشاء أول ما تقع عينه على الدعاية، ثم المسلسل ثم فيلم السهرة، أنت تصب كأساً والآخر يريق سطلاً كاملاًَ، لا يوجد هناك أي توازن ولا يقاس الحق بالباطل، فقليل من الحق يغني عن كثير بل يزهق كثيراً من الباطل؛ ولكن أيها الأحبة إذا وجدت مثل هذه؛ مكتب في الشمال، مكتب في الجنوب، مكتب في الشرق، مكتب في الغرب، وتتبنى مثل هذه المشاريع، سوف نحافظ على الشباب. وأقول يا إخوة: ما يمنع أن تتبنى هذا الأمر؟! يعني يا أخي الحبيب: لا تنتظر أن يقوم بها فلان بن فلان، وفلان وعلان، الأسماء اللامعة أو المشهورة في ذاكرتك، لا، أنت لماذا لا تقُم بهذا؟ لماذا لا تكون واحداً ممن يؤسس مع عشرة أو عشرين أو ثلاثين، إذا كنتم ممن يسَّر الله عليهم، كل واحد يدفع [20.000] × [10] بمائتين ألف ريال، واشترِ لك أوتوبيسين بالتقسيط، ونتوسط لك عند (عبد اللطيف جميل) إن شاء الله، وبعد ذلك تأخذ تصريح مكتب نقليات حج وعمرة، وتساهم في الدعوة إلى الله جل وعلا. من شروط هذه الرحلات: لا يوجد تدخين. لا سماع أغاني. النساء، إذا كان هناك أوتوبيس آخر للنساء، يُستضاف أحد الإخوة بزوجته تكون مع النساء موجهة مؤثرة داعية. نستطيع يا إخوان أن نؤثر في هذا المجتمع، ولدينا مجالات عديدة للدعوة إلى الله، لكننا لا نتعلق، أو البعض لا يفكر إلا بما يجد فيه المواجهة، أقول: إننا ينبغي أن نتخلى عن أي ثغرة من ثغرات الدعوة إلى الله حينما يوجد فيها مواجهة، لكن نقول: خذ وطالب، اعمل في هذه المجالات المفتوحة، وعاود وحاول مراراً وتكراراً أن يُفتح من المجالات ما أغلق أمامك، إذا كان ثمة مجال أغلق. هذه فكرة لو أننا طبقناها لاستطعنا أن نحتوي التائبين، سواء احتواءً من حيث الجلسات والأيام المحدودة، أو من حيث الرحلات والمناسبات الطويلة التي تستغرق أوقاتهم بإذن الله جل وعلا، وما الذي يسمح لمكتب سفريات أن يأخذك من هنا على العقبة، على مصر، على سوريا، ويمر بك على شواطئ فيها عراة، ويمر بك على أماكن فيها اختلاط، ويمر بك على أماكن فيها معاصٍ، ويحرِّم ويمنع أن يوجد مكتب سياحة وسفريات يخرج بك إلى مكة، ثم إلى المدينة، ثم إلى القصيم، ثم لزيارة أحد العلماء، ما الذي جعل الحرام حلالاً، والحلال حراماً؟! لا يمكن أن يوجد، لكن كما قلت أيها الإخوة، لم نفكر ولم تكن القضية ساخنة لدى الكثيرين منا، ولأجل ذلك فلا عجب أن ننتظر، أما نحن فلن نفكر، ولو أحوجنا الأمر لحرصنا على تطوير الأمر.

مكتبات المساجد الخيرية

مكتبات المساجد الخيرية أيضاً وهذه الفقرة الثالثة من هذا المشروع المقترح، ألا وهي: المكتبات الخيرية في المساجد:- كانت موجودة من قبل، ولا تزال موجودة في بعض المساجد، ولكنها شهدت انحساراً. الحاجة الآن تقول: إن المكتبة في المسجد من جديد تعلن دورها، وتثبت جدارتها، ويشق الشباب طريق هدايتهم واستقامتهم والتزامهم عبرها أو من خلالها، فلماذا تغفل هذه المكتبات؟! لا بد أن نحرص على العمل. لا تنتظر يا أخي أن يقال لك: تعال هنا أو تعال هنا، أو اذهب هنا أو هناك، ابدأ أنت بنفسك، تكلم مع إمام الجامع، إذا وُجِدَت مكتبة فيها شباب يعملون لا يرغبون أن تأتي معهم، ابحث لك عن مسجد ليس فيه مكتبة، نحن لا يوجد عندنا ضيق، لو كان الموجود عندنا فقط مساحة مقدارها: (20×40) لقلنا: من المعقول أن نتنازع عليها، لكن عندك كيلو مترات في كيلو مترات، براري أماكن عديدة تحتاج إلى من يدعو ويتكلم فيها. الأمر الآخر: لا تنتظر النتائج منذ أن تفتح المكتبة، أو تفتح بيتك، أو تقوم بمشروع الرحلات أن يمتلئ الأوتوبيس من أول مرة، لا يا أخي الكريم، ربما في المرة الأولى عشرة فعشرين فثلاثين، مع دوام التجربة فإن الزمن والتطبيق يصقل ويعدِّل ويقوِّم ويقيِّم جميع الأخطاء التي فيها، ثم ستصبح يوماً ما أمراً عادياً، هل أحد يستغرب المحاضرات الآن؟ لا، مع أنها في البداية كانت نوعاً ما مستغرَبة لدى الكثير من الناس، لكن الآن أصبح الأمر عادياً، كذلك هذا المشروع حينما يطبَّق سيصبح أمراً عادياً بإذن الله جل وعلا.

(من أهمه شيء طوره)

(مَن أهَمَّه شيء طوَّرَه) الذين صنعوا الهاتف أول ما صنعوه، إن كنتم تذكرون! الذين كان عندهم تليفون أبو طاحونة، تأخذ لك نصف ساعة وأنت تلف الطاحونة، لو كنتَ تنزح ماءً لخرج الماء، لو كانتْ تسحب ماءً من البئر لخرج الماء مِن كَثْرة ما تبرم هذه الطاحونة. ثم بعد ذلك طوروا الجهاز؛ لأن الاتصال أمر مهم بالنسبة للغرب، فطوروه حتى أصبح بالقرص، ثم طوروه حتى أصبح باللمس، ثم طوروه حتى وُجِد الهاتف الذي يخزن في الذاكرة، ثم طوروه حتى وجد الهاتف الذي يخرج صورة المتكلم. إذاً مَن أهمه شيئاً طوَّره يا إخوان، حتى يصل به إلى درجة من التقنية العالية. فنحن هل أهمتنا الدعوة حتى نطور أساليبها؟! كذلك وسائل النقل: لما أهمَّت أصحابها كانت على البخار، ثم كانت على وسائل أخرى، ثم تطورت بعد ذلك إلى أن وجدنا مختلف وسائل النقل: الطائرات، والباخرات، والغواصات، والأسلحة تطورت، من آلات السلاح والصيد القديمة، إلى عابرات القارات، وحرب النجوم، والتسليح طويل المدى، وهَلُمَّ جَرَّا. إذاً أيها الأحبة! نحن بحاجة إلى تطوير أساليب الدعوة من حيث الأدوات التي نستخدمها في الدعوة، هل نقتصر فقط على الشريط والكتيب؟! الباعة في الأسواق ألا يستطيعون أن يجعلوا من مبيعاتهم أو من أسواقهم وسيلة أو مجالاً من مجالات الدعوة؟! لو فكروا في ذلك لأوجدوا، الذين يشتغلون في سيارات التاكسي مثلاً أو سيارات الأجرة، يستطيعون أن يجعلوا من هذه السيارة إذاعة صغيرة يُسْمِعون فيها كلَّ راكبٍ شريطاً ينفعه ويؤثر عليه، الذين يسوقون الأوتوبيسات؛ خطوط البلدة، أو النقل العام؛ النقل الجماعي، لماذا لا نقدم لشركة النقل الجماعي فكرة أن تجعل في برنامج الرحلة محاضرة أو خطبة أو شريطاً مناسباً، مع وقت الأخبار تذاع الأخبار، يعني: نحن نقدم الخير قبل أن يوجد الشر، ثم نجلس نتشاور في بيتي أو في بيتك: لقد قُرِّر كذا فكيف السبيل إلى رده. كان الأجدر والأولى بنا أن نحل هذا المكان بالخير، قبل أن يحل فيه الشر.

نحن بحاجة إلى تطوير أساليب الدعوة في التخصص

نحن بحاجة إلى تطوير أساليب الدعوة في التخصص خطابنا نوجهه لمن؟ الدعوة وجهت للرجال والشباب، فهل هناك فريق متخصص لدعوة الأطفال، أم الرسوم المتحركة والدعاية هي التي تؤثر عليهم؟! هل يوجد فريق متخصص للتأثير على الأطفال، لاحتوائهم بعد العصر؟! آلاف بل عشرات الآلاف من الأطفال؛ طفلي وطفلك وولدي وولدك يشكون فراغاً بعد العصر، ليس كلهم يدرسون في مدارس تحفيظ القرآن، وليس من العقل أن نقول: إما أن يدخل تحفيظ قرآن، أو إلى حيث ألقَتْ رَحْلَها أمُّ قشعمِ! لا. إذا لم يكن في هذه الحلقة، فثمة مكان آخر يحتويه ويحتضنه، حتى يخرج إلى المجتمع شاباً مجداً مجتهداً نشيطاً، أقل الأحوال: نوفر على أجهزة الأمن كثيراً من مصروفات المطاردة والمراقبة والملاحقة؛ لأننا أخرجنا إلى المجتمع شاباً عوناً لجهاز الأمن، ولم يكن يوماً ما مجرماً تصرف أجهزة الأمن ميزانيات معينة لملاحقته ومطاردته.

دعوة الممرضات في المستشفيات

دعوة الممرضات في المستشفيات الآن يوجد آلاف من الممرضات السعوديات، وهل الحل أن نتكلم في التمريض على المنابر والخطب؟! نحذِّر من خطورة هذا الباب! هذا معقول. نحذِّر من أن هذا الباب إذا لم يُضبط بضوابط شرعية! هذا أمر واجب فوق المعقول أيضاً. لكن أن نهمل هذه الممرضة وليس لها عندنا إلا أن نتَّهمها أو أن نتكلم عليها! لا يا إخوة. هل يوماً ما فكرنا أن ننتج شريطاً أو كتاباً أو رسالةً أو أسلوباً نخترعه نوجهه إلى الممرضة المسلمة، أو دور الممرضة المسلمة في المستشفى؟! تصوروا يا إخوان: في أحد المستشفيات فتاة ملتزمة، تعمل ممرضة، بحاجة إلى العمل، وتعمل في قسم النساء، إلا أن التمريض حتى الآن يسمى: تمريضاً منفصلاً وهو لا يزال مختلطاً، فتأتي متحجبة بقفازها، وأغلب وقتها في قسم النساء، لكن لو خرجت أو مرت اضطرت أن تقابل في الممر أو في الطريق رجلاً، فأخذت لوحة وعلقت، لوحة مكتوب عليها: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] فماذا فعل أحد شياطين الإنس في تلك المستشفى؟ جاء وأزال اللوحة! إذاً توجد فتاة ممرضة ملتزمة مسلمة صالحة تريد أن تقوم بهذا العمل، وتريد أن تُسعد بتحقيق ضوابطه الشرعية بما يخدم مصلحتها ولا يتنافى مع أحكام ربها، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، ولكن يوجد من هو لها بالمرصاد، فأين معاشر الدعاة عنها؟ أين تشجيعها؟ أين الثناء عليها والدعاء لها بالثبات على حجابها وانفصالها وعزلتها واختيارها مكتباً مستقلاً بها بدلاً من أن نسكت عنها ولا تسمع منا إلا الهجوم، ثم تتنازل رويداً رويداً حتى ترمي القفاز، ثم تخفف الغطاء، ثم ترمي الحجاب، ثم تكشف الشعر، ثم تقصر اللباس، ثم تكون كسائر المتبرجات الكاسيات العاريات. كذلك الطبيبة المسلمة: أيضاً الطبيبة المسلمة بحاجة إلى أن يوجه لها الخطاب، وأن تعطى دوراً يليق بها في الدعوة إلى الله جل وعلا، هذا لم يوجد حتى الآن إلا في القليل النادر. المرأة الكبيرة:- الآن الأشرطة لو قلت لك: عندي شاب منحرف، أعطني شريطاً. تقول: والله تفضل، هذا شريط للشيخ/ عبد الوهاب الطريري، رسالة من القلب. أقول: جزاك الله خيراً، وعندي جدتي ملتزمة أعطني شريطاً. أليس عندك شريط للعجائز؟! لماذا لا يوجد شريط للمرأة المسلمة؟! لماذا لا يوجد شريط للمرأة الكبيرة في السن؟! لا بد أن يوجد! وكنتُ في حوار مع أحد الإخوة، قال: ما رأيك أنت أن تجعل هذا الشريط؟ قلت: هل رأيتني عجوزاً؟! لماذا اخترتني من بينهم؟! فقررنا -وهذه من أساليب الدول العربية- المهم: اتفقنا على أن نوجد أو أن نسجل شريطاً، ولعله أن يُعْلَن عن المحاضرة قريباً بعنوان: عجائز لم يذكرهن التاريخ، واخترنا أن نبدل العنوان من: (عجائز) إلى: نساء لم يذكرهن التاريخ؛ لأنه لو واحد منكم أعطى جدته أو أمه الشريط وقال: تفضلي يا أمي هذا الشريط بعنوان: عجائز لم يذكرهن التاريخ لقالت: خذه -وأنا أمك- وأعطه لأم فلان، لاحظها في رابع بيت على اليسار، تراها عجوزاً أسنانها واقعة، أعطها الشريط هذا، أما أنا فابحث لي عن شريط الفتاة المسلمة. إذاً قريباً إن شاء الله نتعاون ومن كان عنده فكرة تخدم هذا الشريط فلنتعاون على البر والتقوى، جزاكم الله خيراًَ؛ لكي نخرج شريطاً بعنوان: نساء لم يذكرهن التاريخ، وتكون بداية الانطلاقة لتوجيه المرأة المسلمة.

مخاطبة الطفل والرجل الكبير في السن

مخاطبة الطفل والرجل الكبير في السن تصوروا أن بعض الشيبة يجلسون عند الأطفال ويلعبون لهم [9]! ما لهم شغل أبداً! فعلاً: لماذا لا يوجَّه هذا الرجل الكبير؟! لماذا لا يوجد مجموعة من الشباب يهتمون بالكبار؟! إذا كان يوجد مراكز للمسنين والعناية بالمسنين، لماذا لا يدخلها الشباب ويتمكنون فيها حتى لا يُعرض على المسن أغانٍ، وربابة، وفنون شعبية؟ والرَّجُل -مثلما يقولون- (رِجْل في القبر ورِجْل في الأرض)، و (شمس على أطراف العسبان) كما يقال {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف:15] وكما ورد في البخاري، قال صلى الله عليه وسلم: (قد أعذر الله إلى امرئ بلغه الستين من عمره). فبدلاً من أن يكون مركز المسنين يعلم الشائب الذي هو قريب من الآخرة، قد ودع الدنيا، وقريب من الآخرة. ومن يعش ثمانين حو لا أبا لك يسأمِ منهم من بلغ السبعين والثمانين بدلاً من أن يتركوا هكذا، لماذا لا ينخرط شباب في مراكز المسنين للعناية بهم، وإخبارهم بآثار كبار السن من الأولين المتقدمين وما كانوا فيه من تنافس في العبادة والطاعة والدعوة إلى الله جل وعلا. أقول أيها الإخوة: هذه من المجالات المطروحة؛ مخاطبة: الممرضة. والطبيبة. والمرأة العجوز، والمرأة الكبيرة في السن. والعوام. والشباب الذين يسمَّون بين قوسين: بـ (العرابجة والمفحِّطين) يحتاجون إلى أسلوب يليق بهم ويناسبهم، ويتحدث معهم في صميم مصطلحاتهم، حتى يدركوا أن الذي يتحدث معهم إنسان يعرف ما يدور بينهم. يا إخوان! لو زرتم دار الملاحظة الاجتماعية لوجدتم مجرماً صُغَيِّراً كهذا القَدْر، عمره سبع سنوات، مسجون في الدار، سبع سنوات يُسجَن؟! هذا مجرم صغير، من أين جاء؟ عنده جنوح أحداث. ثمان سنوات، تسع سنوات تلقى لك مجرماً صغيراً ما شاء الله، يمكن أن يضرب الأرقام القياسية في أصغر مجرم في العالم. كذلك أيها الإخوة: ينبغي لنا أن نحرص على احتواء الواقع، بمعنى: أنه إذا وجد شر نازل لا محالة، فلا يكن همنا: أوسعتهم شتماً وساروا بالإبلِ نعم. البداية أن نحتوي الموقع قبل أن يتنفذ فيه العلمانيون ويطبقوا ما يريدون، أو أن يقع الشر من حيث لا يعرف القائم على هذا الأمر أن هذا شر. أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا ليس بالضرورة أن من كان على الجهاز قد قصد إيجاد الغلط فيه، لكن قد لا يكون من الذين يميزون الخير من الشر، أو من الذين لا يميزون بين خير الخيرين وشر الشرين، أو أعظم الخيرين وأدنى الشرين، ولأجل ذلك لما غاب العقل والضمير الواعي، والمسلم المتميز بفطنته وذكائه وُجِد مثل هذا الشر وترعرع قليلاً قليلاً. وخذوا مثالاً على ذلك: رئاسة تعليم البنات، لما أنشئت كان المهيمن والجهاز الإداري الموجِّه لها، والحريص على ضوابطها وبرامجها ومنهاجها ثلة من العلماء والقضاة والدعاة وكبار وجهاء الأمة من الصالحين. فلا يزال تعليم البنات يعطي جانباً طيباً في المجتمع حتى الآن، ويعتبر صورة نادرة في العالم الإسلامي، بل في العالم كله. فما بالك لو أن هذا الجهاز منذ أن بدأ احتواه الأشرار وتنفذوا فيه وأخذوا ينفِّذون خططهم، لكان في هذا شر عجيب جداً!

الشريط الإسلامي وكيفية استغلاله للدعوة

الشريط الإسلامي وكيفية استغلاله للدعوة أنتقلُ بعد ذلك إلى صميم المحاضرة: أيها الإخوة! سبق أن مر بنا الحديث في محاضرة بعنوان: (مجالات جديدة للدعوة) وقلنا: إن من المجالات المهيأة والوسائل الطبية النافعة: الشريط الإسلامي، فنحتاج إلى من يتخصص في الشريط الإسلامي، ولا أكتمكم أن سبب طرح هذا العنوان، أو طرح هذه المحاضرة، كان بعد أن وصلتني مجموعة من الرسائل: تسجيلات كذا الإسلامية، صاحبها يقول: أسعفوني وإلا سوف أغلق المحل. تسجيلات كذا معروضة للبيع. التسجيلات الفلانية معروضة للبيع. التسجيلات الفلانية صاحبها يخسر. لماذا هذا التهاوي؟! لماذا هذا الانحدار؟! ما هذا العقد الذي انفرط نظامه، فتتابعت حباته؟! ما الأمر؟! نحن على خطر في هذا الجانب.

دور الشريط في الدعوة ودعمه

دور الشريط في الدعوة ودعمه يا أخي، إذا قلت لك: إن من أسباب انتشار الصحوة، وعوامل ظهورها وفشوها وشمولها في كثير من المجالات: الشريط الإسلامي، أنت توافقني في هذا. فإذا قلت لك: إن الشريط الإسلامي الآن ينقرض شيئاً فشيئاً، أو ينضب معينه شيئاً فشيئاً، معنى ذلك أننا سنواجه مجاعة أو عطشاً في الشريط الإسلامي في يوم من الأيام. مثال ذلك: لو قلنا: إن مياه منطقة (الوسيع) أصبحت قليلة جداً، وإن مكائن تحلية المياه المالحة أصبحت عاجزة عن التحلية، ألا تفكر بأنك يوماً ما ستواجه عطشاً كبيراً أو مجاعةً كبيرةً بعد سنة أو بعد ثمانية أشهر؛ لأن المعين ينضب رويداً رويداً. فأقول: إذا استمر الأمر، فهذه التسجيلات الإسلامية ستغلق، وهذه مفلسة، وهذه تنادي، وهذه الديون تتراكم على أصحابها، فنحن على خطر عظيم ونحتاج أن ننتبه لهذه المسألة. لذلك كان الموضوع: الشريط بين التجارة والدعوة، أو وسائل الدعوة بين الجمود والتطوير. نعم أيها الإخوة! نحن لا نخفي الغرض التجاري -أيها الإخوة- من كثير من التسجيلات {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة:198] ليس على الإنسان جناح أن يطلب خيري الدنيا والدين، ولا حرج في ذلك أبداًَ؛ لكن المشكلة أن بعض الإخوة جزاه الله خيراً، حينما يأتي لكي يشتري الشريط، يقول: أنتم طمَّاعون، وأنا ليس عندي تسجيلات إسلامية حتى أُتَّهم بالدفاع عن أصحاب التسجيلات؛ لكن أقول: إن كثيراً من الشباب حينما يأتي لكي يشتري عشرين أو ثلاثين شريطاً، يقول: بكم تعطينا الشريط؟ بِرِيالَين، بِرِيالَين وربع، بِرِيالَين ونصف، وكأنه يكاسر أصحاب الطماطم من السوق! يا أخي الكريم! أنت تشتري شريطاً وتخدم الدين من جانبين: من جانب دعم محل التسجيلات الإسلامية. من جانب سماعك للشريط، وإسماعه بعد أن تستغني عنه، أو تهديه لمن يستفيد منه بإذن الله جل وعلا. فإذاً أنا وأنت أصبحنا نقول لهذه لتسجيلات: أنتم عندكم مغالاة في الأسعار، وهذا يقول: هناك عدم قصد لله جل وعلا، هذه التسجيلات هدفها مادي لا أقل ولا أكثر، والرابع يتهم، والخامس يشجب، والسادس يندد، والسابع يتكلم ويغتاب وينم! يا أخي الكريم! من تنتظر يدعم الشريط الإسلامي؟! هل ننتظر مركز توزيع الفيديو الفاسد الخليع لكي يدعم الشريط الإسلامي؟! هل ننتظر مراكز الفساد والفاحشة لكي تدعم الشريط الإسلامي؟! يا أخي الكريم! لو أنك تشتري كل شريط تضيف على سعره نصف ريال زيادة عما يقول لك القائل، أو ريالاً واحداً، وتقول: هذا الريال من أجل دعم الشريط، أو من أجل أن تهدي مَن تراه مناسباً شريطاً مناسباً، فلا حرج في ذلك، وقد يكون هذا أمراً مطلوباً.

من مشاكل أصحاب التسجيلات الإسلامية

من مشاكل أصحاب التسجيلات الإسلامية سألتُ كثيراً من الإخوة أصحاب التسجيلات الإسلامية، وطلبت من بعضهم أن يكتبوا لي كتابة خطية عن المشاكل التي يواجهونها، فكان خلاصة ما كتبوا: قضية المنافسة في سعر البيع، وأحياناً احتكار بعض النسخ، أو ما يسمى بالإصدارات، ننصح إخواننا الذين يعتنون بالإصدارات مع إسداء جزيل الدعاء والشكر والثناء عليهم، نسأل الله أن يوفقهم وأن يعينهم، ننصحهم أن يتلطفوا بأحوال أصحاب التسجيلات الإسلامية الصغيرة، وليكن هناك نوع من التعاون، في حين أن الأمر فيه سعة، وكثير من المشاكل بالذات فيما يتعلق بالإصدار حُلَّت أو انتهت؛ لكن تبقى قضية المنافسة في سعر البيع؛ أنا عندي تسجيلات إسلامية مثلاً فتجدني أبيع بأربعة ريالات؛ لكن بجواري واحد يبيع بثلاثة وربع، ونعيش في حرب الأسعار، كأننا في (منظمة أوبك) وهذا خطر عظيم لأنه سوف ينتهي بالتالي إلى أن أغلق محلي ويبقى هذا وحده، ثم يأتي من ينافس هذا لكي هذا يغلق ويبقى الثالث، ثم يأتي من ينافس الثالث فيغلق ويبقى فقط رابع، فإذا كان يوماً ما عندنا في السوق مائة محل أو دكانٍ للتسجيلات الإسلامية، بعد نشوب حرب الأسعار سوف تصفي العملية على عشرين أو خمسة وعشرين من محلات التسجيلات الإسلامية، ومن الذي أغلقها؟! تنافس أصحابها، وتسلط ألسنتنا على أصحابها، ونستكثر أن نزيد ريالاً أو ريالين ونحن نشتري وسيلة من وسائل الدعوة، ولو أن الإنسان استحضر وجمع في قلبه وتصور بين ناظرَيه أنه لا يدفع في الحقيقة ريالاً، وإنما يقدم في موازين الحسنات حسنات يسأل الله أن يلقاها، سواءً كان السعر غالياً أو رخيصاً فإنه لن يستكثر شيئاً أبداً. . وما مع الحب إن أخلصتَ من سأمِ أيها الإخوة! بعضهم يقول لي -وكان يوماً ما صاحب تسجيلات أغاني، ثم حول محله إلى تسجيلات إسلامية-: عندما كنت أبيع الأغاني لا يمكن أن أبيع الشريط بأقل من عشرة ريالات -وكما قال عمر رضي الله عنه: [اللهم إني أشكو إليك جَلَد الفاسق وضعف الثقة] يقول: يوم كنا على ضلالة كان الواحد يبيع شريط الأغاني بعشرة ريالات، وما تجد شاباً يكاسرك أو يماكسك في سعره. الآن نبيع الشريط بأربعة أو بأربعة ونصف أو بخمسة، وتجلس ساعة أحياناً مع البعض لكي يشتري منك شريطين أو ثلاثة، بعد مماكسات طويلة، قال: هذا إذا كان الشريط لمطرب واحد، أما إذا كان الشريط منوعاً، فإن تسعيرته تتراوح ما بين ثلاثين إلى خمسين ريالاً ولا يسألك عن الباقي. فلماذا أهل الباطل وأهل الشر على خلافنا -ولا نحكم على كل من سمع الغناء أنه من أهل الباطل وأهل الشر، لعل فيه خيراً كثيراً، ولعل الله أن يهديه- نقول: لماذا ذاك الشاب يوم أن كان في ضلالة على سماع الملاهي كان يبذل أموالاً طائلة، ربما بعضهم اشترى يومياً بعشرين ريالاً، تجده يصرف على الأشرطة قرابة ثلاثمائة ريال شهرياً، في حين أنك ربما اشتريت بمثل هذا السعر أكثر من خمسين أو ستين شريطاً. فلماذا نحن الذين نماكس ونحن الذين نزعج أصحاب التسجيلات الإسلامية؟! ولماذا نحن الذين نشغلهم ونقول: أنتم احتكاريون وأنت ماديون، وأنت مصلحيون، وليس قصدكم لوجه الله جل وعلا؟! هذا مما يفت ويضعف عزيمة صاحب المحل ويقول: لو أنني قلعت هذا الديكور وهذه التسجيلات وسَلِمْت من مراقبة الإعلام؛ هذا ممنوع، وهذا غير ممنوع، والزيارات المفاجئة: ماذا عندك من الأشرطة الممنوعة أو غير الممنوعة، لو أنني بعت دجاجاً؛ (البيض غير ممنوع) والمناقير مسموحة، فلا أظن أحداً سوف يفتش عليك في المحل أبداً، يا أخي، بلا تسجيلات إسلامية وبلا هَم، دعنا نتعاون مع دواجن الوطنية أو الأخوَين، ونبيع دجاجاً وننفك، لا آخر إصدار ولا أول إصدار، دجاجة ذُبِحَت أمس، وبِيْعَت اليوم، ما هناك إشكال! لتجد أن الشاب يميل إلى هذا الأمر ويبتعد عن أن يمارس تجارة بسيطة جداً، في وقت يستهلك عليه أغلب ساعات يومه وليله والمردود المادي أو العائد المادي ليس شيئاً يذكر بالنسبة لمختلف الأنشطة التجارية والمجالات الأخرى، ونكون بهذا قد تسببنا في إغلاق كثير من المحلات.

عداوة الكفر للشريط الإسلامي

عداوة الكفر للشريط الإسلامي أقول أيها الإخوة: خذوا على سبيل المثال إن لم ننتبه لقضية الشريط الإسلامي والتسجيلات الإسلامية، لو قلت لكم: إن المخابرات الفلانية الغربية أرادت أن تقضي على التسجيلات الإسلامية في المملكة مثلاً، واختارت الآتي: اشترت واحداً من العملاء الدخلاء الذين يتكلمون بألسنتنا ومن بني جلدتنا ويتزيون بزينا، وقالت تلك المخابرات عبر سفارتها أو عبر مندوبيها: تعال يا فلان نحن نعطيك (10. 000. 000) ريال مقابل أن تغرق السوق بالأشرطة الإسلامية، بمعنى: تسجيلات البيان، افتح بجانبها محلاً كبيراً وبِعْ الشريط بِرِيالَين، تسجيلات التقوى افتح بجوارها محلاً وبِعْ الشريط بِرِيالَين، التسجيلات في مختلف المناطق افتح بجوار أو في كل منطقة تسجيلات، واجعل هناك أداءً وتصويتاً وصوتيات، وهذه ميزانية لإغراق وإفساد العمل -عمل التسجيلات الإسلامية- هذه عشرة ملايين إلى عشرين مليون دولار مثلاً، من السهولة أن نقبل جمعياً على هذه المحلات، ثم ماذا بعد ذلك؟ ستُغْلِق التسجيلاتُ الإسلامية أبوابَها، وإذا تنظف السوق -على حد تعبيرهم، ولم يعد يوجد فيه أي تسجيلات إسلامية- ما الذي يبقى؟ يبقى صاحب تلك التسجيلات التي زرعها مدخولاً أو مدسوساً على المجتمع، ثم أغلق جميع ما عنده من المحلات، وخرج وترك السوق فارغاً من التسجيلات. نعم، وما خطرت على بال كثير منا، ونظن أن الأعداء قد لا يبذلون مالاً من أجل إغراق أو إفساد الشريط ومحاولة التسلط عليه! يا أخي الكريم! واللهِ لو قيل لمخابرات دول الغرب: إن مائة مليون دولار كفيلة بمحو وقبر الشريط الإسلامي من المملكة لبذلوا ليس (100. 000. 000) دولار، بل (1000. 000. 000) دولار مقابل هذا الأمر، وأنتم لا تدرون إلى أي درجة يزعج هذا الشريط الإسلامي مخابرات الدول العالمية، نحن لسنا جنوداً أو جيوشاً لكي نعاديها، لكن نقول: ما الذي أشغلهم؟ الخوف من الحق يشغل الباطل مهما علت منزلته. وحسبكم أن يوماً ما مجلة التايم الأمريكية رَسَمت صورة صقر في يده شريط، صقر بين مخلبيه شريط ومكتوب: ( Safar,s Tab)، يعني: أشرطة سفر الحوالي، مجلة التايم الأمريكية! سبحان الله العلي العظيم! وما علاقة أمريكا بـ سفر الحوالي؟! ما الذي أزعج أمريكا من سفر الحوالي؟! ما الذي أزعجها؟! لندن تذيع مقاطع للشيخ/ سلمان العودة! ما الذي أزعجها من الشيخ سلمان العودة؟! إنهم يخافون من الحق حتى ولو كان في نواحي الأرض. إذاً: فالشريط الإسلامي وسيلة من وسائل الدعوة خوَّفت الأعداء، فلا غرابة أن يتسلطوا لإفسادها والتسلط عليها. فنحن إذْ ندعم هذا الشريط، وإذ نعتني به ونقبل سعره؛ أربعة ريالات، خمسة ريالات، ونشتري، وأيضاً إذا اشتريتَ شريطاً خُذْ نسختين أو ثلاثة زيادةً من أجل دعم صاحب المحل، ففي هذا خير عظيم، وننتظر أن يوجد تطوير، لا يقف العمل فقط عند هذه المحلات المتناثرة في مختلف الأزقة والطرقات.

مقترح لأصحاب التسجيلات من أجل الدعوة

مقترح لأصحاب التسجيلات من أجل الدعوة أيها الإخوة: لماذا لا يجتمع أصحاب التسجيلات الإسلامية اجتماعاً شهرياً لمناقشة قضاياهم ومشكلاتهم؟! لو أن أصحاب التسجيلات في كل مدينة يجتمعون في كل شهر مرة، وهذا أمر لا غضاضة فيه، ولا حرج عليهم بإذن الله جل وعلا، ويناقشون مشاكلهم: ما هي المخاطر التي تواجه الشريط الإسلامي؟ ونحن نخاطبهم ليس بصفتهم أصحاب محلات يوجد بيننا وبينهم تعاطف قرابة، بل نخاطبهم قبل ذلك وبعده بصفتهم يقفون على رافد من روافد الصحوة، ويمر بين أيديهم نهر من أنهار المياه العذبة التي تغذي الصحوة والدعوة إلى الله جل وعلا، فإن لم يعتنوا بهذه الأنهار، وهذه الأودية لكي يجري الماء فيها عذباً، ولكي يزيلوا مجتمعين أي صخور تقذف بها البحار المالحة أحياناً في طريق هذه المياه العذبة، وإلا فيوماً ما سيجف النبع، ويموت النخيل، وتعود البساتين قفاراً خالية مهلِكة {لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:107] لا ترى فيها مستفيداً ولا مفيداً أبداً. دعوة أكررها لأصحاب التسجيلات الإسلامية: أن يجتمعوا وأن يستفيد بعضهم من بعض، ليس بصفتهم من إخواننا أو من أحبابنا فحسب، بل بصفتهم يقفون على نهر من أنهار المياه العذبة التي تغذي الصحوة، فليتقوا الله وليجتمعوا وليتعاونوا وليستفيدوا، ولعل من أبسط ثمار اجتماعهم مثلاً: أن يقترحوا شركة لإنتاج الشريط فارغاً، الآن الشريط الأبيض الفارغ يُشترى من أكثر من شركة أو يستورد، بعضها يستورد ربما من الإمارات أو صيني أو كوري أو ياباني أو غير ذلك. المهم، لماذا لا يتفق أصحاب هذه التسجيلات ويطرحوا شركة مساهمة صغيرة لإنتاج الشريط فارغاً، ويكون هذا الشريط تحت مواصفات معينة، حسب المدد المطلوبة، (46) دقيقة، ساعة، ساعة ونصف، ساعتين، أو مناسباً لجميع الإصدارات المطلوب إخراجها وإصدارها؟! لماذا لا يحرص الشباب أصحاب التسجيلات على هذا الأمر ففيه خير كثير لهم، بدلاً من أن يستوردوا الشريط بأسعار غالية، سوف تصبح التكلفة بإذن الله رخيصة. وأظن أنه لا يوجد -في ظني، وليس عندي علم دقيق- مصنع لإنتاج الأشرطة هنا، إلا إذا كان موجوداً أيضاً لا يمنع، نحن لا نريد أن يكون الأمر احتكاراً على (التقوى) ما المانع من أن توجد شركة مساهمة، أيضاً شركة منافسة، ما يمنع من أجل تقديم أفضل العروض وأفضل نوعيات الإنتاج، ففي هذا خير عظيم. أيضاً يا إخوان، مثلاً أصحاب التسجيلات في (العلية) لماذا لا يكون بينهم نوع من اللقاءات الجانبية، مثل: لقاءات مؤتمر السلام؟! هناك لقاءات كاملة وهناك لقاءات جانبية، ولكن شتان بين هذا وهذا، المهم يكون بينهم لقاءات جانبية لكي يتناقشوا في بعض الأمور، بعضهم ينصح بعض: يا أخي غيِّر محلك، موقعك في زاوية، أو مَزَلٍّ، أو ممر، أو عند مكان ضيق، ننصحك أن تتقدم، أن تتأخر، نبحث لك عمَّن تستدين منه، غيِّر موقعك، غيِّر من إنتاجك، ارفع جودة الإنتاج، المضخمات، المؤثرات الصوتية، حتى تساعده يا أخي لكي ينهض بنفسه، لا أن تفرح، فتجد نفسك في ارتفاع وصاحبك في انخفاض، ومعاذ الله أن يكون هذا بين إخواننا أصحاب التسجيلات.

أسلوب دعوي لنشر الشريط الإسلامي

أسلوب دعوي لنشر الشريط الإسلامي كذلك من أساليب تطوير أن تقوم هذه المجموعة وترسل تصميماً إلى اليابان أو هونج كونج أو أي مكان تريد. ثم ألا يوجد هذا التصميم -وسبق أن ذكرته في: (مجالات جديدة للدعوة)، توجد في الصناديق الكبيرة؛ تضغط زراً ينزل بيبسي، تضغط الآخر ينزل ميرندا، تضغط الآخر ينزل تيم، تضغط الآخر ينزل مشروب فيمتو، فلماذا لا توجد هذه وتُصَمَّم؟! أنت أرسل التصميم أو اطرح الفكرة وهم يصنعونها ويرسلونها لك، وتأخذ عليها تصريحاً على الأقل بجوار محلك، إذا كان المحل مغلقاً أنت تضع هذه اللوحة عند المحل. وما المانع أن تتطور الفكرة لكي توجد هذه الآلات على الأرصفة عند الإشارات، مثل: الصرف الإلكتروني كما في الدعاية: لا حاجة أن تنزل من سيارتك، يكفي أن تدخل البطاقة الذهبية ويخرج لك المال عداً ونقداً؟! أقول يا أخي الكريم: لماذا لا نطور ونسعى ونُلِح ونتابع ونطالب حتى يُسْمح بمثل هذه وتوضع على مفترقات الطرق، وعند الإشارات المرورية، بل بمجرد أن تضع خمسة ريالات في هذا الجيب تضغط الزر ينزل لك مجموعة من الأشرطة، الشيخ/ ابن باز، ابن عثيمين، الجبرين، العودة، القرني، الطريري، سَمِّ ما شئتَ من هذه المجموعة، واختَر ما شئت منها، هذا من تسويق الشريط، ومن الجودة في القدرة على نشره في كل مكان، والفكرة حتى الآن لم توجد، ولعل واحداً منكم يستثمرها أو لعل واحداً من أصحاب التسجيلات الإسلامية يستثمرها.

مركز معلومات الشريط

مركز معلومات الشريط أيضاً من المشاريع في باب العناية بالشريط الإسلامي ولم تستثمر بعد: مشروع مركز معلومات الشريط. مركز معلومات الشريط أمرين: الأمر الأول: أن يوجد مركز معلومات، ليس للبيع، وإنما يكون عنده من كل شريط في أقصى الدنيا، من غربها، أو شرقها نسخة. وبالمناسبة: يوجد في أمريكا شركة، اطلب منها أي شريط لـ عائض القرني تعطيك إياه، اطلب أي شريط لـ سفر الحوالي تعطيك إياه، اطلب أي شريط لأي داعية تعطيك إياه، ولكن بحسب القرب والبعد والتكلفة. إذاً العناية بالمعلومات، أو ما يسمى بثورة المعلومات أمر موجود لدى الغرب واستفادوا منه وسخروه، بل إن كثيراً من مراكز التجسس والمخابرات وكثيراً من الأجهزة الأمنية تعتمد على المعلومات، فلماذا لا نعتمد على المعلومات في تطوير الدعوة، في تطوير أساليبنا، ومجالات نشر هذا الخير الذي نحن نتعبد الله جل وعلا به؟! الجانب الآخر منه وهو الأهم: أن توجد شركة تفرز المعلومات: مثلاً: يوجد عندنا عن الجهاد في سبيل الله ثلاثون شريطاً، هذه تفرغ في أجهزة كمبيوتر، يُستقدم لها مفرِّغون، وطابعون على آلات الكمبيوتر، ومبرمجون، بحيث يكون هناك تحليل للمعلومات، أي معلومة تريدها عن الجهاد من هذه الأشرطة نحن مستعدون أن نعطيك الورقة بعشرين ريالاً أو بثلاثين ريالاً. معلومات عن الجهاد، مَن تكلم عنه؟ عندك ثلاثون محاضراً تكلموا عن الجهاد؛ أساليبه، فرضيته، ميادينه، الجهاد الجهاد فنقدم لك هذه المعلومات. وجود مركز أبحاث ومركز دراسات يحلل هذه المعلومات بعد تفريغها ويوزعها سواء على عناصر أو على أبواب. هذا في حد ذاته أيها الإخوة سوف يخدم الدعوة، ونحن وبصريح العبارة في الدعوة إلى الله جل وعلا آخر الناس تفكيراً في مراكز الأبحاث والدارسات. إن مراكز الأبحاث والدراسات مهمتها أن تقيِّم وتقوِّم التجارب، مثلاً التسجيلات الإسلامية لها ثمان سنوات، هل وُجِد بحث يقيِّم الشريط الإسلامي؟! يقيِّم هذه التجربة؟! يبيِّن العيوب الموجودة في التجربة؟! المجالات التي لم يغطِّها هذا الشريط، المجالات التي أُغْرِقت وزاد الكلام عن حده فيها؟! هذا غير موجود أبداً. ولأجل ذلك فلا غرابة أن تبقى بعض الجوانب منسية، وأن يبقى الإغراق والفيضان متتابع على بعض المجالات، وبعض المجالات تبقى شحيحة حتى هذه الساعة، ما لم يوجد مركز أبحاث ومركز دراسات. مثال آخر -والشيء بالشيء يُذْكَر-: هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل توجد مراكز للأبحاث والدراسات؛ أساليب الهيئة، رجال الهيئة، تدريب رجال الهيئة، الرفع من كفاءاتهم، الرفع من مرتباتهم، طريقة تمكين هؤلاء الرجال في المجتمع، حماية أعراضهم، مَن الذي يسعى إلى تشويه صورهم، مَن الذي يسعى إلى نشر الشائعات ويختلق الأكاذيب والافتراءات حولهم. لا بد حينما توجد مجموعة معلومات ومراكز أبحاث ودراسات سوف نكتشف مواقع الخلل؛ مَن الذين يُوَكَّلون بنشر الإشاعة عن الهيئة. من الذين يختلقون ويفترون الأكاذيب. كيف نطور هذا الأسلوب. هل يوماً ما فكرنا أن نوزع استبيانات على جميع أصحاب الدكاكين: اسمك؟ نوع تجارتك؟ هل تفضل أن توجد الهيئة في هذا السوق؟ إذا كان A لا، لماذا؟ هل تحب أن رجل الهيئة يحدثك على انفراد؟ هل ترغب أن يكون كذا، اطرح مائة، أو مائتي سؤال في الاستبيان، وقدمها لمجموعة محللي معلومات ليستخلصوا منها قرارات، هذا غير موجود حتى الآن، وربما يوجد على مستوى محدود، الله أعلم، لكن لو وجد بالقدرة والقوة الفاعلة المؤثرة، لاستطعنا أن نرفع من مستوى الهيئة، لكن: تسألني أم الوليد جملاً يمشي رويداً ويجيء أولا مَن لي بمثل مشيك المدللِ يمشي رويداً ويجي في الأولِ الهيئة في المرتبة الثانية والثلاثين، بند العمال، بند الأجور، ونريد أن يعطونا أفضل الكفاءات، كَثَّر الله خير العاملين فيها، الواحد منهم راتبه ألف وثمانمائة ريال، ويسهر الليل والنهار، ويشقى بعيداً عن أهله، ويصرف من جيبه، ومع ذلك لا يسلم عرضه من ألسنة المرجفين وبعض المنافقين، حسبنا الله ونعم والوكيل! أقول أيها الإخوة: مركز معلومات الشريط هذا أمر مهم، وأبشِّر أنه مشروع ناجح، والذي يريد أن يتبنى هذا المشروع فأنا مستعد أن أعطيه مجاناً دراسةً لجدوى المشروع، وما يحتاجه، ورأس ماله، وتكلفته، وعدد أجهزة الكمبيوتر، وعدد الموظفين، والآلات الطابعة، أعمل له دارسةً مجانيةً في هذا.

أسلوب دعم الشريط بتقديمه للإذاعات

أسلوب دعم الشريط بتقديمه للإذاعات كذلك أيها الإخوة من المجالات التي نستطيع أن ندعم فيها الشريط الإسلامي: اختيار المواضيع الجيدة، وتقديمها إلى الإذاعة: حينما تسمع في الأخبار زار وزير الإعلام الفلاني الدولة الفلانية، وقابل وزير إعلام الدولة الفلانية، وبعد ذلك اتفقا على التعاون الإعلامي بينهما، ما هو التعاون الإعلامي؟ عندنا قليلٌ من الأفلام الساقطة نعطيك إياها، هذا جزء من التعاون. بعد ذلك ماذا قدمنا للإسلام؟ العمل القليل هو الذي ينفع، بل قد لا يوجد في مثل هذه الاتفاقية شيء يخدم الإسلام في كثير من الأحيان إلا من رحم الله وقليل ما هم، لماذا؟ لا تقدم التسجيلات الإسلامية أشرطة ريل، قد يقولون: الشريط الكاسيت لا يصلح، وهناك مواصفات معينة لما يذاع، نقول: يا أخي الكريم مستعدون أن نصفِّي هذه الأصوات، نجلب مضخمات، نجلب مصفيات، نجلب أجهزة تحوِّل هذا الصوت إلى صوت مناسب إذاعياً ونقدمه، تريد موضوعاً غير حساس لا يضيِّق صدرَك؟ تفضل هذا موضوع بعيد عن الأمور التي أنت تخشى أن يُتَحَدَّث فيها، المهم طور إنتاجك، اتصل بإذاعة الدولة الفلانية، وإذاعة الدولة الفلانية، ابحث لك عن مكتب تجاري في الدولة الفلانية، حتى لا يُقال: إنك اتصلت بدولة أجنبية متخطياً الحدود، نقول لك: ابحث لك عن تعاون تجاري، ممثل تجاري، ممثل تسويق خدمات تجارية، أو خدمات إعلامية، عندي (30) حلقة في التاريخ، عندي (30) حلقة في السيرة، قد سُجِّلت على أشرطة ريل، أو أشرطة عالية الأداء، من الممكن أن تقدَّم كحلقات وبرامج للإذاعة الفلانية، في الفترة الفلانية، ما المانع يا أخي؟! نستطيع أن نطور هذا الجهاز ونجعل التسجيلات الإسلامية والشريط الإسلامي من أوسع مجالات الاستثمار المالي والدعوي، الذي يخدم ويضمن نهراً متدفقاً عذباً زلالاً مستمراً يخدم الدعوة إلى الله جل وعلا. كذلك من المجالات الممكنة: أن تسجل بعض المحاضرات في الجامعات إذا أُذِن: لأن بعض الأساتذة لا يأذن، وبعض الجامعات لا تأذن، لكن بعضها تسمح، بالذات فيما يتعلق بالدراسات العليا وغيرها فإنها تسمح بذلك فما المانع أن تسجلها كما هي الدروس التي تسجل للشيخ/ ابن باز، وابن عثيمين، متع الله بهم. فبالإمكان أن عدداً من الذين يرغبون أن يسمعوا وأن يزيدوا من مستوى قدراتهم ومعلوماتهم -وليس بالضرورة أن يريدوا الحصول على شهادة لكن يريد أن يستفيد- من الممكن أن نطور هذا المجال؛ لكن أن نحصر الشريط الإسلامي: وُجِدَت محاضرة! الحقوها يا تسجيلات وسجلوها. وماذا بعد ذلك؟ هذا آخر من عندنا، نصفيه وننقله من فيديو إلى كاسيت، ومن كاسيت ننسخ منه ونوزعه. ثم أيضاً من نعم الله على أصحاب التسجيلات التي ينبغي أن يحرصوا على العناية بها: أنهم لا يطالَبون بحقوق، وهذه لا نقولها مِنَّة مِنَّا لهم، لا؛ لأننا لم نقدم شيئاً يُذْكَر وليست بأفضل المواد التي نقدمها؛ لكن حقيقة الأمر بالنسبة لنا لا يجوز أن يتاجر الإنسان بالآية والحديث، قَلَّ الأمر أو كثُر، لكن بالنسبة لهم فإن ما يستثمرونه في هذا المجال هو نشر للخير واستثمار للمال في مجال جديد أو في تربة جديدة لم يستفَد منها أيضاً.

أهمية دعم مجال المرأة

أهمية دعم مجال المرأة من مجالات الدعوة، أو من المجالات التي تحتاج إلى تطوير ولا تزال حتى الآن شحيحة أو ضحلة من حيث المعلومات والأفكار والتجارب: مجال الفتاة المسلمة، أو مجال المرأة المسلمة:- الآن يوجد داعيات مسلمات، ليست فقط ملتزمة بل داعية؛ لكن تريد من يتحدث لها عن مجال الدعوة: كيف تعمل؟! لماذا فتاة تأثرت بالغرب أو تأثرت بـ هدى شعراوي أو درية شفيق من هؤلاء العلمانيات الذين جروا على الأمة مصيبة التحرر، أو ما يسمى بحرية الوصول إلى المرأة، أو الذي يسمونه: حرية المرأة، لماذا لا يُفْتَح المجال لها؟! كيف تستغلين الجمعيات الخيرية النسائية للدعوة إلى الله جل وعلا؟! ما معنى أن الجمعية الفلانية يجتمع فيها فلانة وفلانة وفلانة؛ عرض أزياء، وطبق خيري، وعشاء خيري، والنهاية فيها بلاء؟! بعيني رأيت مجموعة رجال ونساء في مجلس واحد -صورتهم- لمناقشة الطبق الخيري، أو السوق الخيري، وآثار انعكاسه على مساعدة الفقراء والمحتاجين. (إن الله جل وعلا طَيِّبٌ لا يقبل إلا طيباً) اجتماع رجال مع نساء، وفيه من الابتسامات، وفيه من الدياثة، وفيه من العهر ما الله به عليم، وأي عهر أعظم من أن الرجل لا يمت إلى المرأة بصلة يجلس معها! هذا في الصورة، كان فريق هنا وفريق هنا؛ لكن بعد ذلك وُجِدَت الفضيحة، سواء كان اختلاطاً أو غيره. والله ما كل ما يُعْلَم يُقال، وحسبنا الله ونعم الوكيل! أقول: ما الذي يمنع الفتاة المسلمة أن تكون جريئة؟! ما الذي جرأ المرأة الفاسدة، أو المرأة المنحرفة على أن تجتمع بالرجال وأن تختلط بهم، وأن تطرح فكرة الاختلاط عبر السوق الخيري، والطبق الخيري، وعبر هذه الأفكار؟! هذا مشروع، يمكن أن يُستغل السوق الخيري في خير، ويمكن أن يُستغل لاختلاط، ويمكن أن يستغل لشر، ويمكن أن يستغل لأمر تافه. فأقول: ما الذي يمنع الفتاة المسلمة، أو يمنعنا أن نوجد من هذا الشريط الإسلامي أفكاراً دعوية عملية حركية، توجه الداعية المسلمة: كيف تستغل مدارس البنات في فترة المساء؟ كيف تستغل الجمعيات؟ كيف تستغل بعض المنتديات التي تكون مخصصة للنساء؟ أو فقط هذا والله منتدى للنساء، معنى ذلك: لا يحضره إلا المتبرجات العاهرات وليس للطيبات فيه نصيب؟! لا، لا بد أن توجد المنافسة وأن توجد المقارعة، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33] لماذا نظن أن الحق الذي عندنا متخلف وضعيف؟! ثم بعد هذا أيها الإخوة أقول: ما الذي يمنع أن نجمع أصحاب العقول المتميزة؛ أساتذة جامعات، رؤساء أقسام، أصحاب استثمارات عالية من كبار الأثرياء الذين عُرفوا بالذكاء في الاستثمار والشركات، وفتح مختلف المجالات لجلب المال واستثماره وتوظيفه بطرق سريعة ودورة مالية سريعة جداً، لكي نتدارس معهم كثيراً من المجالات التي من شأنها أن تخدم الدعوة، ومن شأنها أن تخدم هذا الشريط الإسلامي الذي هو من أعظم الوسائل والأساليب. هذا ما عندي، فإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن خطأ فمن نفسي ومن الشيطان. وأستغفر الله لي ولكم.

الأسئلة

الأسئلة فضيلة الشيخ: وصلت إلينا أسئلة كثيرة كما ترى وأكثرها صُدِّرت بقولهم: إنا نحبك في الله، فليجبكم الشيخ على ذلك. أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، وأسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجمعني بكم في جناته بمنه وعفوه وكرمه، إنه أرحم الراحمين.

أهمية توزيع الأشرطة رغم المنازعات

أهمية توزيع الأشرطة رغم المنازعات Q إني في كل مناسبة وخاصة مع الأقارب أقوم بتوزيع الأشرطة، وأجد في ذلك الهجوم وعدم القبول لهذه الأشرطة، فهل أستمر على ذلك أم ماذا؟ علماً أن لديهم منكرات مُجاهَرٌ بها؟ A نعم، ننصحك بأن تستمر على هذا، بإذن الله جل وعلا يوماً ما ستجد أن هذا الذي يرمي الشريط في وجهك، أو يرمي به عرض الحائط سيسمع ولو مقطعاً منه يشده ويكون باباً إلى هدايته، وأذكر -وسبق أن ذكرتُ هذا- أن فتاة كانت هدايتها بسبب شريط في طريقها، لعله رُمِي إليها، أو رماه أحد، أو سقط من أحد، فرمته برجلها أو أبعدته برجلها، ثم قالت: ماذا يكون هذا الشريط من أشرطة الأغاني؟! كل فنان جديد وعندي من أشرطته، قالت: ما يمنع أن آخذه، فأخذته، وسمعت منه مقطعاً، فتأثرت بهذا المقطع، وتابعت القصة، وأعادت الشريط، فكان سبباً لتوبتها وهدايتها. يا أخي الكريم إنك لا تدري في أي طعامك البركة، هل هو في أول شريط وزعته، أو في عاشر شريط وزعته، المهم استمر وحسبك أنك تؤجر، وأنت سبب والله هو الذي يقدر الهداية سبحانه.

كسر حاجز الحياء للداعية

كسر حاجز الحياء للداعية Q أنا رجل ملتزم بحمد الله، ودائماً أفكر في الدعوة إلى الله حتى وأنا في الفراش، حتى وأنا جالس، فكلما أردت أن أتكلم في الميكرفون استحييت، فأرشدني إلى فعل الصواب وجزاك الله خيراً؟ A ننصحك أن تشتري ميكرفوناً في البيت وتتحدث أولاً. أخي الكريم: (لا ينال العلم مُسْتَحٍ ولا مُستكبر) ولكل جواد كبْوَة، ولكل فارس نبْوَة؛ لكن يا أخي الكريم نقول: إن إخوانك من الخطباء، أو ممن يبذلون ما يقدرون عليه في باب الدعوة إلى الله جل وعلا ما نزلوا من بطون أمهاتهم خطباء، وما تخرجوا من الابتدائية دعاة، وإنما كان الأمر محاولة حتى وصلوا إلى ما ترى على ما فيهم من الخلل والقصور. أخلِق بذي اللب أن تقْضَى حوائجَه ومدمن القرع للأبواب أن يلجا حاول وردد هذه المحاولة، المرة الثانية، المرة الثالثة، المرة العاشرة، وستصيب بإذن الله جل وعلا. ومن قال لك: إن هذه المحاضرة الآن التي ألقيتُها عليك سَلِمَت من الأخطاء أو العيوب؟! أنا الآن وأنا أحدثكم أتجاوز الكلمة فأعرف أن فيها خطأ، وأعود أسمع الشريط أحياناً فأجد أن عندي عشرين، أو ثلاثين خطأً في هذه المحاضرة؛ لكن أعالجه في المحاضرة اللاحقة فيبقى عندي خمسة وعشرون وفي التي تليها عشرون. ويا أخي الكريم! أنت لست متعبداً بأن يكون العمل (100%) خالياً من النواقص، أنت اجتهد، عليك أن تسعى إلى الخير جهدك. على المرء أن يسعى إلى الخير جهده وليس عليه أن تتم المقاصدُ فإذا بذلت ما في وسعك بإذن الله جل وعلا، سيتحقق هذا. أيضاً ننصحك بالدُّرْبة والمِرَان، بمعنى: ابحث عن مساجد على أطراف المدينة، مسجد فيه مجموعة من العمال، استعن بالله وتعلم فيه، لا حرج، قد يكونون ممن لا يتحدثون إلا الأردية أو البنغالية أو شيئاً من هذا، المهم في آخر كلامك ارفع يديك وادعُ الله لنفسك ولهم فسيؤمِّنون، وهذا خير منك لهم، جزاك الله خير الجزاء على ما فعلت. ولا أكتمكم أننا كنا نفعل ذلك، أعرف بعض الإخوة كنا وإياهم نفعل ذلك، حتى أقول: المسجد الفلاني اتركه لي ذاك اليوم، فأنا ذاهب إليهم إن شاء الله. فالمسألة وما فيها أخي الكريم: تدرَّب وتعوَّد، ابدأ بالمساجد التي في نواحي البلاد، في الهِجَر، في البوادي، بقدر ما عندك، وإياك والإطالة، ولا تبدأ مرتجلاً، ابدأ بورقة، ابدأ بعناصر، ابدأ بالحديث؛ اكتبه في ورقة معينة، ثم علق عليه بجملتين، ومراراً وتكراراً، أيضاً قد تردد موضوعاً معيناً عشر مرات، مثلاً: تكتب لك موضوعاً بما فيه من الآيات، والأحاديث، وبعض أبيات الشعر، وأقوال السلف، ثم تلقيه في مسجدٍ ناءٍ في طرف مدينة الرياض شمالاً، وآخر جنوباً، وتردد نفس الموضوع مراراً، هذا يعطيك مَلَكة، ثم تكتب موضوعاً آخر وتعيده، يعطيك مَلَكَة أخرى بإذن الله، وكل واحد فيكم فيه موهبة، ولكن إما احتقار الذات وإما أن الشيطان يخزيه ويخسيه، ويقول: أنت لست بكفء أن تفعل شيئاً، أو أن تقول شيئاً، فيستجيب لهذه الوسوسة، فاستعذ بالله، وابدأ من هذه الليلة، صلاة الفجر إن شاء الله ابحث لك عن مسجد وحدث فيه.

دعوة شباب الأرصفة

دعوة شباب الأرصفة Q كما تعلمون أن من أنجح وأعظم وسيلة للدعوة إلى الله الجلسات الإصلاحية التي تقام على الأرصفة، فما هي أخبارها؟ وهل ستُعاد كما كانت؟ وجزاكم الله خيراً. A والله يا إخوان، هذه من أطيب وأجمل الأساليب التي رأيتها، وأكرمني الإخوة بدعوة للمشاركة فيها، وحضرت ذات ليلة، وشَرُفْتُ كثيراً لما علمت أن فضيلة الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين كان ممن جاء تلك الليلة، وألقى كلمة قلت: سبحان الله! كأن هذا الشيخ ليس في عمره الذي أراه، دخل إلى قلوب الشباب بأسلوب وبعبارات وبحديث من الروح إلى أعماق الروح، كان مؤثراً جداً، أتدرون مَن الحضور يا إخوان؟ هناك شريحة من الشباب لا يدخلون المساجد إلى الآن، هناك شريحة من الشباب لا يمكن أن تجده إلا على الرصيف، أو ستجده في السجن، فكيف تصل إليه؟! الله جل وعلا قال لموسى وهارون: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:16]. يا أخي الكريم: الأصل أن الداعية يأتي إلى أهل الفساد، ويأتي إلى المقصِّرين، وإلى العصاة والمذنبين، في أوكارهم وأماكنهم؛ لكن أنا أقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، نسأل الله أن تعود هذه الجلسات عاجلاً غير آجل. وأيضاً ما الذي يمنع أن تعاد هذه الجلسات وتزوَّد بمجموعة من رجال الأمن المدني، ومجموعة من خبراء علم النفس والاجتماع والباحثين التربويين؛ لكي يعرفوا أثر مثل هذه الجلسات؟! ولو كان ثمة شر يُراد من هذه الاجتماعات ما أقيمت علناً، الذي عنده شر تجده دائماً يتدسدس أو يختبئ أو يتحدث وراء الكواليس؛ أما رجل على الرصيف يقول: هذه بضاعتي فانظروها، هل تظن أن وراءه شر؟! ما يمنع إذا أقيمت مثل هذه الجلسة أن يحضرها عدد يكفي من رجال الأمن العلني والمدني والسري وغيره، ويحضرها عدد من الباحثين التربويين وأساتذة جامعات؛ ليقيِّموا التجربة، يقولوا: هذا أسلوب صالح، هذا أسلوب غير صالح، المهم أن يُتْرَك المجال لهؤلاء الشباب الذين قدَّموا من جهدهم ووقتهم وأفكارهم، وتعب وعرق جبينهم ما يدعون به ضالاً أو منحرفاً أو شاباً لا يعرف الطريق إلى المسجد.

الغلول

الغلول في هذه الخطبة يحذر الشيخ من الغلول، مبيناً صور الغلول في عصرنا هذا. كما نبه الشيخ إلى خطر أخذ أموال الناس بالباطل، وإن عصرنا هذا مليء بالاعتداءات على أموال الناس وأعراضهم وحقوقهم العامة والخاصة.

معنى الغلول

معنى الغلول الحمد لله الذي لم يزل بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له كان على كل شيء قديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا لله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [آل عمران:161]. نزلت هذه الآية يوم أن فقد الصحابةُ رضوان الله عليهم قطيفة بعد غزوة من الغزوات، فقال بعضهم: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها؟ فنزل قول الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161]. والأصل في الغلول: الأخذ من الغنيمة قبل أن تُقسم، ويدخل فيه كل أخذ من بيت مال المسلمين، ويدخل فيه كل أخذ أو كل أثرة من مصالح المسلمين دون رضى الأمة بذلك. معاشر الأحبة: قال الإمام أحمد رضوان الله عليه فيما يرويه في (مسنده): استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فجاء فقال: [هذا لكم، وهذا أُهدي إلي] فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: (ما بال العامل! نبعثه على عمل، فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إلي؟ أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيُهدى إليه أم لا، والذي نفس محمد بيده، لا يأتي أحدكم منها بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثغاء، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثم قال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟) قالها صلى الله عليه وسلم ثلاثاً. وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأَعْرِفَنَّ أحدَكم يأتي يوم القيامة يحمل شاةً لها ثُغاء، ينادي: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملكُ لكَ من الله شيئاً، قد بلَّغْتُك، ولأَعْرِفَنَّ أحدَكم يأتي يوم القيامة يحمل جملاً له رُغاء، يقول: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملكُ لكَ من الله شيئاً، قد بلَّغْتُك، ولأَعْرِفَنَّ أحدَكم يوم القيامة يحمل فرساً له حمحمة، ينادي: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملكُ لكَ من الله شيئاً، قد بلَّغْتُك، ولأَعْرِفَنَّ أحدَكم يأتي يوم القيامة يحمل قسماً من أدَمٍ، ينادي: يا محمد! يا محمد! فأقول: لا أملكُ لكَ من الله شيئاً). وقال أبو عيسى الترمذي: عن معاذ بن جبل قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فلما سرت أرسل في إثري، فرددتُ، فقال: أتدري لم بعثتُ إليك؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161]). معاشر المؤمنين: الأحاديث في شأن الغلول عظيمة وكثيرة جداً، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم جُملة من الأحاديث الصحيحة فيها، مما يعظم شأن الغلول وعِِظَم خطره، وشؤم ذنبه في الدنيا والآخرة.

من صور الغلول اليوم التهاون في الأموال العامة

من صور الغلول اليوم التهاون في الأموال العامة و Q هل يوجد غلول في هذا الزمان؟ نعم -أيها الأحبة- إن كثيراً من المسلمين يتهاونون بمصالح الأمة التي هي بين أيديهم، فتجد موظفاً تحت يده مصلحة، يستخدم أوراق دائرته في كتابة أولاده وأطفاله، ويستخدم أوراقاً وأقلاماً لعمله لمصالحه الشخصية، ويستخدم سيارة لا يؤذن له أن يتصرف فيها إلا في مهمات عمله، وإنجاز ما وُكل إليه، فتراه يجد هذه السيارة فرصة للذهاب والإياب، للسفر والتنقل، لكل متعة ونزهة برية، من الذي أحل لك هذا؟! ومن الذي جوَّز لك هذا؟! ومن أين لك هذا؟! كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل الولاة في زمنه، إذا جاء أحد ومعه مال وفير، قال له: [من أين لك هذا؟] إذا كان ذلك المال يختص به لنفسه. أيها الأحبة: إن كثيراً منا قد تساهل بهذا الأمر تساهلاً عظيماً في هذا الزمان، فتراه يستخدم آلة التصوير ليصور الأوراق لأولاده وبناته في مكتبه، وتراه يستخدم الورق والأقلام والسيارة وبطاقات البنزين، أقول: وبطاقات البنزين؛ لأن كثيراً من الناس يأخذها من مرجع عمله، فيوزعها على أولاده؛ كي لا يخسروا من جيوبهم شيئاً، ولكي يحمل هذه الأوزار على نفسه وحده يوم القيامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! أين الورع في أموال المسلمين؟! وأين الزهد؟! وأين المراقبة والمحاسبة يا عباد الله؟! رحم الله زماناً وأهله مضوا يوم أن كانوا يحاسبون النفس عن القليل والكثير. كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذات يوم وقد جاء غلام له بتمر، فأكل منه تمرة، وكانت عادة الصديق ألا يأكل طعاماً من يد خادمه إلا بعد أن يسأله: من أين لك هذا؟، فأكل الصديق ذات مرة من ذلك الطعام قبل أن يسأله، فلما ابتلعها سأل خادمه وقال له: [من أين لك هذا التمر؟ فقال: تلك كهانة كنت تكهنت بها في الجاهلية لرجل فأعطاني عليها هذا، فأدخل الصديق رضوان الله عليه أصبعه في حلقه، فأخذ يستجرها ويخرجها -يتقيأ- حتى كاد يهلك من شدة ما جهد نفسه بذلك، حتى خرجت تلك التمرة، وخرج سائر ما في بطنه، فقال له الغلام: لقد شققت على نفسك، فقال: والله لو لم تخرج هذه التمرة إلا مع روحي لأخرجتُها] الله أكبر يا عباد الله! الله أكبر يا عباد الله! الله أكبر يا عباد الله! أين المسلمون في هذا الزمان عن تلك الصورة الإيمانية الرائعة؟! أين المسلمون في هذا الزمان الذي لا يبالي أحدهم أي مال وقع في يده, وأي لقمة وضعها في فمه، وأي متاع أدخله بيته؟! أيدري أنه حلال أو حرام؟! فيا عباد الله: راقبوا الله جل وعلا فإنه: (لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) فتباً لدنيا حلالها حساب، وحرامها عذاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله! معاشر المؤمنين: إننا نرى رأي العين في هذا الزمان بعض المسلمين يظنون أن من الذكاء، ومن الحنكة، ومن القدرة العقلية، أن يخدع دائرة ما، أو محكمة ما، أو جهة ما، لينال منها صكاً يتقوى به على مال أخيه بالحرام، أو ليزور طريقة لكي ينهب ويسلب شيئاً من متاع أخيه بالحرام. ألا يظن أولئك أن الخصومات تُعاد يوم القيامة؟! من ظن أن الخصومة في الدنيا منجية منتهية فظنه خطأ، وعلمه جهل. وليتذكر وليعلم أن الخصومات ستُعاد يوم القيامة، وسيقف الناس بين يدي الله للقصاص حتى يقاد للشاة القرناء من الشاة الجلحاء. فما بالكم برجل خَصِيْمُه أمة محمد أجمع، من تناول سيارة أو متاعاً أو مالاً أو أرضاً بغير حق، فاقتطعها دون سائر الأمة أتظنون أن خصمه واحد؟! لا والله، بل نحن وكل أمة محمد خصيمه يوم القيامة، فلا حول ولا قوة إلا بالله! فانتبهوا لذلك يا عباد الله، ولا يَتَجَرَّأَنَّ أحدٌ على مال لم يتأكد أنه حلال له، ولا يتسلطن أحد على مال قل أو كثر، وإلا فليعلم أنه سيُحاسب حساباً شديداً، سيجده محمولاً على رقبته: (من غل شاة جيء به يوم القيامة تيعر وهي على كتفه، ومن غل بعيراً جاء يحمله يوم القيامة وله رُغاء يسمعه أهل الموقف على كتفه، ومن غل غرساً جاء يحملها يوم القيامة ولها حمحمة معلومة) ومن غل شيئاً قليلاً أو كثيراً إلا جُعل ناطقاً أمامه، حتى الذهب والفضة، من غل صامتاً، أي: ذهباً أو فضة جاء به يوم القيامة يحمله. فاتقوا الله يا عباد الله، وخففوا الحمل في هذه الدنيا، لا تثقلوا كواهلكم بحقوق الناس وأعراضهم ودمائهم، فحسب ابن آدم أن يغدو بما اجترح من الذنوب والسيئات، عسى الله أن يتجاوز، وعسى الله أن يتدارك الجميع برحمته. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

أخذ حقوق الناس بالباطل

أخذ حقوق الناس بالباطل الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ظلم قيد شبر طُوِّقَهُ يوم القيامة من سبع أرضين) هذا شأن من ظلم شبراً فأدخله في أرضه وهو يعلم أنه ليس له! فما بالكم بمن ظلم متراً؟! أو كيلو متراً، أو أقل أو أكثر من ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إن الواقع في هذه الأيام يشهد نزاعات عظيمة، وخصومات كبيرة، وإحداثات ممنوعة، كلها من اعتداء بعض المسلمين على أراضي البعض. فهذا يدخل في أرض جاره خمسمائة متر أو أكثر، وهذا يدخل أكثر ويدَّعي أنه صاحب الملك، وهذا يستشهد الناس بالزور، ويدفع رشوة لكي يقيم الحق لصالحه؛ ولكي يطرد صاحب الحق من مكانه. أين الله؟! أين الله؟! أين الله يا عباد الله؟! أين الله عن قلوب أولئك الذين لا يبالون بما ظلموا في هذه الأرض، من قليل أو كثير؟! ألا يخشون أن يُطَوَّقُون من سبع أرضين يوم القيامة؟! ألا يعلمون أن هذا غلول؟! ألا يعلمون أن الغلول يؤتى به يوم القيامة؟! ألا يعلمون أن هذا عذاب ونار وسعير وجهنم ونارٌ تلظى؟! والعجب العُجاب من ذلك يا عباد الله: أن ترى غنياً له من العقار ما له! وله من الضِّياع ما له! ومع ذلك يظلم فقيراً في أرض ليس له إلا هي! أما يخشى الله في ظلم الضعفاء؟! أما يخشى الله في ظلم الأبرياء؟! أما يتقي الله جل وعلا في شبر أو أقل أو أكثر في هذا الظلم؟! سبحان الله العلي العظيم! إذا انعدمت التقوى، وغابت المراقبة، فحدث ولا حرج عن الظلم والطغيان والجرائم والغلول، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فيا عباد الله: اتقوا الله جل وعلا، ومن كان معتدياً على شيء ليس له؛ فليرجع إلى حده، ومن كان قد غصب شيئاً ليس له؛ فليتق الله وليرده إلى صاحبه، ومن كان في نفسه شيء من مالٍ؛ فليراجع صاحبه حتى يُمضي معه صلحاً؛ فإن الصلح تبرأ به الذمم؛ ما لم يكن صلحاً متفقاً فيه بالباطل على الباطل؛ فإن الصلح على الباطل باطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله! عباد الله: ما شأن الناس في هذا الزمان يتخاصمون، ويتنازعون، ويحلفون, ويشهدون الزور، ويرتشون، وكلٌّ يقول: هذا لي. وأحدهم والله يعلم أنه كاذب فيما يشهد، ويحلف ويدعي ويرشي؟!

السلف ومراقبة الله

السلف ومراقبة الله أين الناس من مراقبة الله في هذا الزمان؟! أين الناس من زمان مر فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات ليلة، فسمع أمَّاً تقول لبنتها: [يا بُنَيَّة! قومي فامذُقي اللبن بالماء، قالت البنت: يا أماه! إن هذا لا يجوز، ,إن أمير المؤمنين قد نهى عن هذا! فقالت الأم: إن عمر لا يرانا الآن، فالتفتت البُنَيَّة إلى أمها صائحة، وقالت: يا أماه! إن كان عمر لا يرانا، فإن رب عمر يرانا]. وكان ابن عمر ذات يوم في برية، فوجد راعياً، وأراد أن يمتحنه، فقال: [اذبح لنا شاة من هذه الشياة، قال: لا. إنها ليست لي، وإن شئتَ حلبت لك شاة منها، فتشرب لبناً قال: لا. أعطنيها وخذ قيمتها من الدنانير، وإذا جاء صاحبها قل: إن الذئب افترسها وماتت، فالتفت الراعي إلى ابن عمر، وقال: فأين الله؟! فأين الله؟! فأين الله؟! -صاح ثلاثاً، وهو يقول: فأين الله- إن غاب الراعي، فإن ربي ورب الراعي موجود، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض]. فما بال الناس في هذا الزمان يعتدون تحت سمع السلطة وبصرها بعضهم على بعض، ويعلمون أن الله رقيب حسيب؟ لكن إذا الإيمان ضاع فلا أمانٌ ولا دُنْيا لمن لم يحي دينا والله لا لذة ولا هناءة ولا سعادة ولا استقرار إلا بالإيمان ومراقبة الله جل وعلا. فاتقوا لله يا عباد الله. جاءت امرأة إلى الإمام أحمد، وقد كان محبوساً في زمن المحنة، فقالت: يا أبا عبد الله! إن السلاطين يخرجون بالمشاعل على سطوح قصر الخليفة، أفيجوز أن أنسج الصوف في ظل نور قصر السلطان؟ قال: رحمكم الله! إنكم من آل بيت تقىً وزُهد، أنتم من آل فلان؟! قالت: نعم. قال: فذاك أمر لا يخرج إلا من عندكم. تسأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل، تقول: أيجوز أن أنسج الغزل تحت أنوار قصر الخليفة؟ فيعجب أحمد بن حنبل: هذا كلام ليس من سائر الناس، هذا لا يكون إلا في بيت بني فلان، بيتٌ عُرف بالورع، وعُرف بالزهد، وعُرف بالتقى والمحاسبة. عباد الله: لن نكون متشائمين إذا قلنا: إن لقمة الحلال في هذا الزمان نادرة! والله ثم والله ما أصاب الناس من الأمراض ومن المحن والمصائب وقلة الغيث وقلة الإجابة والبلاء والفتن، ما أصابهم إلا من لقم الحرام، من طعام الحرام، من شراب الحرام، كلهم لا يبالي إلا ما قل وندر في هذا الزمان، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يمضي على الناس زمان، لا يسلم فيه أحدٌ من الربا، من لم يأكله صراحة أصابه من غباره) والله إنه لهذا الزمان، إن لقمة الحلال أندر من النادر في هذا الزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فلنراقب أنفسنا يا عباد الله، ولنحاسب أنفسنا فيما نركب، فيما نصْيَف، فيما نعمل في دوائرنا. ثم انظروا عِظَم التساهل! كم يوجد عندنا في هذه المملكة من موظف؟ مليونا موظف -مثلاً- على وجه التقريب؟ لو كل موظف أتلف ورقة واحدة في يوم من الأيام لكان حصيلة التلف والإسراف وإهدار مال الأمة: مليوني ورقة في يوم واحد، فما بالك إذا غصب دفتراً، وهذا أخذ قلماً، وهذا أخذ سيارةً، وهذا صرف وقوداً، وهذا فعل، وهذا ترك، إن الناس لا يحاسِبون فيما يفعلون في هذا الزمان. فراقبوا الله يا عباد الله، راقبوا الله في أنفسكم، وفيما ولاكم الله عليه. يقول أحدهم لي: أنا مسئول دائرة من الدوائر، فيأتي موظف يقول: لو تسمح! تصوِّر لي هذا المخطط في هذه الآلة، فأقول: هذا ليس لك، وليس لي، وليس من حقنا؟ فيتهمني بالتعقيد والتشديد والتضييق. نعم. فليقل لك ما يقول، ما دامت ذمتك بريئة. إذا أذن لك المسئول المفوض بالأمر والنهي في هذا، فعند ذلك برئت ذمتك، أما إذا كنتَ مسئولاً فلا تصرف قلماً، ولا تصرف ورقةً، ولا تصور قرطاساً، ولا تؤدِّ لتراً، إلا إذا كان مأذوناً لك فيه، وما سوى ذلك، فحسبك وذنوبك ونفسك أن تتحملها، فضلاً عن أن تحمل ذنوب الآخرين يوم القيامة.

أعظم الغلول

أعظم الغلول فيا عباد الله: فلنتق الله جل وعلا. روى الإمام أحمد عن أبي مالك الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعظم الغلول عند الله: ذراع في الأرض، تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار، فيقطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً، فإذا قطعه طُوِّقَه من سبع أرضين يوم القيامة) ولا حول ولا قوة إلا بالله! وليعلم أولئك الذين يظنون أن من الشجاعة ومن الذكاء ومن الحنكة، الذين إذا تنازعوا على أرض من الأراضي، ولَّجوها لرجل أقوى منهم. تجد إنساناً يملك قطعة يسيرة، فيمتد عن يمينها وشمالها ومن قدامها وخلفها، فإذا بلغ حداً ما، فتنازع مع جيرانه ذهب إلى رجل أقوى منه، وقال: أبيعك هذه الأرض بما فيها من المشاكل والقضايا والدعاوى، فيتولاها ذاك القوي، فيعجز الضعفاء أن ينالوا حقهم عند ذلك. ألا فليعلم أولئك أن الله جل وعلا قد نهى عنه بقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188]. لا تظنن أن بيعك لهذه الأرض، وما حولها وما جاورها من المشاكل والمصائب والخصومات منجيك من التبعية في الدنيا والآخرة، بل أنت موقوف ومسئول بين يدي الله جل وعلا. أيها الأحبة: لا تظنوا أن هذا الكلام بعيد عن واقعنا، في كل صقع وأرض وشبر من أرضكم يوجد نزاع وخصومات بين الناس، بنو فلان يعتدون على بني فلان، وفلان يعتدي على أرض فلان، وهَلُمَّ جَرا، وكأن المسألة قوة وغلبة وسيطرة واستعلاء. أفلا يحاسبون أنفسهم أمام الله؟! أفلا يراقبون أنفسهم أمام الله؟! أفلا يتقون الله؟! ثم هذا الذي يغصب أرضاً كبيرة عريضة والله ليس لك من هذه الأرض إلا قبراً توضع فيه. فاتق الله يا عبد الله، واتق الله فيما أنت فيه، واقطع باب الخصومة، واقطع دابر النزاع، إن كان حق الناس عندك؛ فاردده، وإن كنت مغتصباً فعد إلى حدك. أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم إلى الحلال طعاماً وشراباً وكسباً ونفقة. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مُبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا تائباً إلا قبلته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر. وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارضَ اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

إحباط الأعمال

إحباط الأعمال لقد حذرنا الله عز وجل على لسان رسوله من كل ما يكون سبباً في إحباط أعمالنا الصالحة، وأخبرنا أن من هذه الأعمال ما يكون مخرجاً من الدين كالشرك بالله، ومنها ما يكون محبطاً للأعمال كالرياء والسمعة، وعقوق الوالدين، وهجر المسلم، ونشوز المرأة من زوجها، ولكن المخرج من هذه كلها التوبة والرجوع إلى الله عز وجل، والتزام كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

الصحابة وخوفهم من محبطات الأعمال

الصحابة وخوفهم من محبطات الأعمال الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: عباد الله! اتقوا لله تعالى حق التقوى، واسمعوا قول الله جل وعلا في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33]. معاشر المؤمنين! إن كثيراً من الناس في هذا الزمان قد يعملون أعمالاً شتى، وإن كانوا يريدون بها وجه الله جل وعلا، إلا أنهم يحدث منهم ما يكون سبباً لبطلان أعمالهم، وإحباط ثواب ما اكتسبته أيديهم من الخيرات، وذلك لأسباب عظيمة؛ وذلك لأمور كثيرة متعددة؛ ولكن أكثر الناس عن هذا غافلون. تجد رجلاًَ صواماً قواماً، أو عابداً، أو مصلياً، أو صائماً؛ ولكن يحدث منه أعمال يجهل أنها قد تكون سبباً لبطلان عمله، وإحباط ثواب عمله، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم على أكبر درجات الخوف والوجل من الله جل وعلا من هذه المسألة الخطرة جداً. لما سمعت عائشة قول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون:57] {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون:59] إلى قوله جل وعلا {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60] قالت عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله! أهم الذين يزنون؟ أهم الذين يسرقون؟ أهم الذين يشربون الخمر؟ قال: لا، يا ابنة الصديق، أولئك أقوام يصلون ويصومون ويقومون ويتصدقون؛ لكن قلوبهم وجلة، يخشون ألا يتقبل الله منهم). فانظروا إلى عظم عناية الصحابة رضوان الله عليهم بالإخلاص والمتابعة، ومع ذلك كل واحد منهم يده على قلبه، يرجو ثواب ربه، ويخشى حبوط عمله. فما بال الكثير منا في هذا الزمان، عند أدنى حسنة، أو عند أدنى صالحة من الصالحات يظن أنها قد شقت عنان السماوات، وبلغت أعلى الدرجات، وكُتبت لا شك ولا محالة في سجل الحسنات، ولم يتفقد حسنته تلك، ولم يدقق ويتأمل فيما قدم. إن كثيراً من الناس يرفعون أعمالاً تسقط عند أقدامهم، وما السبب؟ السبب هو عدم الإخلاص، أو وقوع سبب محبط. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك الشهيد الذي بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، كان يسأل أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان، ويقول له: [سألتُك بالله، هل عدَّني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟]. إذا كان الفاروق إذا كان ابن الخطاب إذا كان عملاق الإسلام يخشى على نفسه من النفاق، فما بالنا نحن؟! وما موقعنا؟! وفي أي درجة نكون يا عباد الله؟! إن الكثير ليركع ويسجد ويخرج وكأنه قد ضمن الجنة، وكأن صلاته قد قُبلت، بلا تضرع وبلا خشوع وبلا سؤال ملحٍّ على الله أن يتقبل عمله، بل الكثير منهم يعمل العمل، وكله إدلال وعُجب، وكله بطر وإدلال بأن عمله لا شك قد وُضع في عداد أعمال الشهداء! من ذا الذي يمن على الله بعمله؟! ومن ذا الذي يستكثر على ربه حسنة من الحسنات، أو صالحة من الصالحات؟! معاشر المؤمنين! قال عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة: [أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق] وهم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين شهد لهم الله جل وعلا في كتابه الكريم بالفضل وعلو الدرجة، واختارهم ثلة طيبة لصُحبة نبيه، أولئك الذين لو أنفق أحدنا مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه. وكان الصديق رضي الله عنه لما حضرته الوفاة يقول: [يا ليتني طائراً يطير من فَنَن إلى فَنَن، وألقى الله جل وعلا كفافاً، لا لي ولا علي]. ذلك العملاق، ذلك الجبل الشامخ، ذلك القمة السامقة في تاريخ الإسلام، وفي صدر الدعوة، الذي صدق النبي يوم كذبه الناس، وآزر النبي يوم خذله الناس، يبكي خوفاً وجزعاً بين يدي الله جل وعلا، ويقول: [يا ليتني أقدم على الله يوم العرض الأكبر كفافاً، لا لي ولا علي]. وبعضُنا في هذا الزمان إذا ساءل نفسه، أو ناقش نفسه، أو حاسبها، قال: أنا فلان بن فلان، قدَّمتُ، وفعلتُ، وجاهدتُ، ورأيتُ، وقرأتُ، وحاضرتُ، وخطبتُ، وأتيتُ، ودعوتُ، وكل تاء الفاعل ينسبها إلى نفسه من الأعمال! فيا عجباً يا عباد الله! أين هذه النسبة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ومن التابعين؟! إياكم ونفسي من الغرور بالأعمال! إياكم والعُجب بالعمل! فإنه محبطة مهلكة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

الأسباب المحبطة للأعمال

الأسباب المحبطة للأعمال

الشرك بالله تعالى

الشرك بالله تعالى معاشر المؤمنين! لا شك أن الشرك بالله جل وعلا من أعظم الأسباب المحبطة للأعمال جميعاً، يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} [البقرة:217] ويقول الله جل وعلا في بيان أن الكفر محبط مهلك متلف للأعمال وثوابها جميعاً، يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5]. بل وأعظم وأجل من هذا: أن الله جل وعلا يحذِّر نبيه من الشرك، والله يعلم أن الأنبياء لا يشركون؛ لكن لبيان خطورة هذه المسألة. إن من الناس قد يشرك وهو لا يدري، وقد يقع في الكفر من حيث لا يشعر، فالحذر الحذر من أسباب الكفر، ومن وسائله ومقدماته، يقول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]. ويقول الله جل وعلا في شأن الرسل جميعاً: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88]. إذاً: فيا عباد الله! إن الله لا يقبل عملاً فيه شرك، مهما كان الإنسان صوَّاماً قواماً متصدقاً منفقاً، ما دام يفعل عملاً أو أمراً من أمور الشرك، فإن هذا كافٍ في إحباط العمل مهما بلغت درجتُه، ومهما علت منزلتُه، ومهما ظن به الناس الظنون, ومهما توقع لنفسه أعلى الدرجات؛ لأن الله جل وعلا يقول في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركتُه وشركه). وأنتم تعلمون -يا عباد الله- أن الله خلقنا لعبادته: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. ولم يقبل عبادةً مطلقة، بل قبل عبادة خالصة لوجهه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5] ولا تكفي العبادة مع الإخلاص، بل لابد من المتابعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لـ مسلم رحمه الله: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فالعمل لا بد أن يكون خالصاً، ولا بد أن يكون صواباً صحيحاً سليماً على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. أيها الأحبة في الله! مهما بلغ ما تسمعون عنهم من الطوائف المنحرفة، والملل الضالة، مهما تظاهروا بالإسلام، ومهما طبقوا أحكام الإسلام في ظاهر معاملاتهم، وفي محافلهم ومؤتمراتهم، وفي أماكن اجتماعاتهم، أعني بذلك: الرافضة الاثني عشرية؛ فإنهم في حقيقة الأمر يصدق عليهم قول الله جل وعلا: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:3 - 4]. إن كثيراً من شباب الإسلام يوم يرون سفيراً من سفرائهم، أو رجلاً من رجالهم، أو تاجراً من تجارهم يطبق أحكام الإسلام، ويطبق القواعد التفصيلية الفرعية في ظواهر أمره وفي ذهابه وإيابه، يرون واحداً منهم يتقدم الناس يصلي بهم، ويرون الآخر يخطبهم، ويرون الثالث يدعوهم، يقولون: هذا هو الإسلام لا غير، وقد جهلوا أن أولئك ضيعوا أموراً كثيرة أوقعتهم في الشرك، وأوقعتهم في الكفر والعياذ بالله فكانت سبباً لإحباط أعمالهم. إن الله جل وعلا لا يقبل إلا عملاً خالصاً صواباً، لا يقبل إلا إيماناً كاملاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208]. لا تؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض، لا تطبقوا شيئاً وتتركوا شيئاً. إن الله أمرنا أن ندخل في دينه جُملة وكافة.

الرياء والسمعة

الرياء والسمعة معاشر المؤمنين! ومن الأمور المحبطة للأعمال، ولا حول ولا قوة إلا بالله: الرياء، والسمعة، والمراءاة، والنفاق، يقول الله جل وعلا: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون:4 - 7]. توعد الله أولئك بويل، وهو وادٍ في جهنم، والله بريء من الرياء والشرك صغيره وكبيره، دقيقه وجليله، يقول الله جل وعلا في شأن المرائين: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:264]. ومن الأمور المحبطة لثواب الأعمال: المن والأذى، يقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:262]. ويقول الله جل وعلا محذراً من المنة، ومحذراً من الإدلال، ومحذراً من تكرار ذكر المعروف على الذين يُسدى إليهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة:264] فهذه الآية دلت على أن المن والأذية سبب لبطلان ثواب الصدقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ورحم الله القائل: أفسدتَ بالمن ما أسديتَ من حَسَنٍ ليس الكريم إذا أسدى بمنانِ ويقول الآخر: أحسن من كل حَسَن في كل وقت وزمن صنيعة مربوبة خالية من المنن عباد الله! إن الأمور التي هي سبب لإحباط ثواب الأعمال كثيرة وكثيرة جداً، وحسبنا في هذا المقام المناسب أن نذكر شيئاً منها، أو من أهمها، فمنها أيضاً:

التألي على الله

التألِّي على الله والتألي على الله أيها الإخوة: هو أن يتألَّى الإنسان، وأن يستكثر، وأن يستدرك أن يكون فلاناً بن فلان الذي بلغ من المعصية شأواً، ومن الفجور حداً، ومن الذنوب مقداراً، يظن أن الله لا يهديه، وأن هذا لا يدخل الجنة، وأن هذا لا يضل أبداً، هذا مستقيم لا يضل أبداً، وهذا ضال لا يستقيم أبداً. كلا والله، إن التألِّي سببٌ لإحباط الأعمال، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فما رأيتَ من ضال فادعُ له بالهداية، وما رأيتَ من مستقيم فاسأل الله له الثبات. روى مسلم رحمه الله بسنده إلى جندب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّث أن رجلاً قال: (والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألَّى عليَّ ألا أغفر لفلان، قد غفرتُ لفلان، وأحبطت عملك). هذا بسبب التألِّي قد غفر الله لذلك الذي ظن أنه لا يُغفر له، وأحبط عمل ذلك المتألِّي، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وإنني أحذر نفسي وكثيراً من المسلمين الذين يقعون في هذا، ظناً منهم أن فاسقاً من الفساق، أو فاجراً من الفجار لا يمكن أن يهتدي (إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) فلا تظنن مستقيماً يموت على استقامته؛ إلا إذا عصمه الله ومن عليه بذلك، ولا تظنن مذنباً وفاجراً يموت على فجوره، إن الله قد يتداركه برحمته: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156]. {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53] من ذا الذي يستكثر على الله أن يهدي فاجراً أو فاسقاً أو مجرماً؟! فإذا رأيت مبتلىً فاحمد الله، ولا تتألَّى على الله، ولا تسخر به، فلا تهزأ بأخيك، فيعافيه الله جل وعلا ويبتليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

البدع والخرافات

البدع والخرافات أيها الأحبة! ومن الأمور التي قد تكون سبباً، بل هي سبب والله في إحباط العمل: ذلك عمل البدعة، البدعة التي إذا فعلها فاعل لم يشهد لها الشرع باعتبار، لم يكن لها سند وعمل من كتاب الله وسنة نبيه فيما يتعلق بأمر العبادة؛ فإنه عمل مردود مردود مردود، كما يفعله الذين يحتفلون بالموالد النبوية، والمدائح النبوية، والأشعار التي قد يصل الأمر فيها إلى حد الشرك، في المبالغة والإطراء في المديح، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فتلك بدع وأعمال مردودة على أصحابها، يضرب بها وجوه أصحابها، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأن الله جل وعلا يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فمن ابتدع في أمر الدين شيئاً، فهو يظن أن الدين لم يكمل، وأن النعمة لم تتم، فكان لا بد أن يضيف بدعتَه إلى رصيد العبادات في الدين، وهذا عين التألي، وهذا عين الاستدراك على الله. فمن ذا الذي يستدرك على ربه؟! ومن ذا الذي يلاحظ على خالقه؟! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وسمعتم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود على صاحبه. أيها الأحبة في الله! أسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالثبات والاستقامة، والعبادة والقبول، وأن يوفقنا إلى قبول أعمالنا، وأن يهدينا للصالحات، إنه لا يهدي لأحسنها إلا هو جل وعلا. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

انتهاك حرمات الله في الخلوة

انتهاك حرمات الله في الخلوة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكمْ مِمَّن لا كافي له ولا مئوي؟! ومن كل خير سألناه أعطانا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراًَ. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله! شنفوا آذانكم، وأطربوا أسماعكم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في أمر من الأمور التي هي من أعظم الأسباب المحبطة للأعمال، المتلفة للأجور والحسنات، ولا حول ولا قوة إلا بالله. عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأعْلَمَنَّ أقواماً من أمتي، يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله عزَّ وجلَّ هباءً منثوراً، قال ثوبان: يا رسول الله! صِفْهُم لنا، جَلِّهِم لنا، ألا نكون منهم ونحن لا نعلم) اسمعوا إلى كلام الصحابة: صِفْهُم لنا، جَلِّهِم لنا، يخشون أن يكونوا منهم وهم لا يعلمون، وهم في زمن النبوة، وهم في صحبة النبوة، وهم في جنبات الوحي، وهم في القرون المفضلة، يقولون: صِفْهُم وجَلِّهِم، يخشون أن يكونوا منهم وهم لا يشعرون! فيا عجباً لغيرهم من هذه النفوس المريضة، وهذا القلوب السقيمة التي تمن على الله بأعمالها، والتي تدل على الله بأعمالها! عجباً والله من هذه النفوس! قال ثوبان: (يا رسول الله! صِفْهُم لنا، جَلِّهِم لنا، ألا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون؛ ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

التكذيب بالقدر

التكذيب بالقدر معاشر المؤمنين! ومن الأمور التي هي سبب لإحباط الأعمال، وإتلاف الثواب: التكذيب بالقدر، فإن من الناس قد يستهزئ ويستهتر، وقد يكذب بالقدر وهو لا يدري، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً: عاق لوالديه، ومنَّان، ومكذب بالقدر). وعن زيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، عذبهم وهو غير ظالم لهم. ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله، ما قبله الله منك، حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن لصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار). فليسمع هذا الحديث أولئك الذين يعترضون ويتسخطون ويدعون بالويل والثبور من أقدار الله جل وعلا. إذا أصيب أحدهم ببلية، أو نزلت به نازلة، قال: لماذا فُعِل بي هذا؟! وما الذي فعلتُ؟! أين المجرمون؟! أين الفجرة؟! أين الفساق؟! لماذا يتنعمون وأنا الذي أُبتلى؟! لماذا يصِحُّون وأنا المريض؟! لماذا هم أغنياء وأنا فقير؟! لماذا هم أحرار وأنا أسير؟! لماذا لماذا لماذا يكرر التسخط والتشكي، ولا يلبث المخلوق إلا أن يشكي الخالق إلى المخلوق، مسكين من فعل هذا! إن الشيطان يدعوه إلى أن يضيِّع عليه أجر المصيبة. إن الله جل وعلا ما أصاب عبداً من عباده إلا وجعل له في المصيبة أموراً كثيرة: الحمد لله أن لم تكن المصيبة في دينك، الحمد لله أن لم تكن أعظم، الحمد لله الذي جعل لك بها طهوراً وتكفيراً ورفعة في الدرجات والحسنات، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من هَمٍّ ولا نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، حتى الشوكة يُشاكها الرجل إلا كفَّر الله بها عن سيئاته). فما أصابك من أمر من أمور الدنيا في نفسك أو مالك أو ذريتك أو أحبابك فاحمد الله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، واحمد الله الذي يُحمد على كل حال، ولا تكن ساخطاً، لا تكن جزعاً، لا تكن متشكياً، فتلبث أن يضيع أجر المصيبة عليك، والشيطان كثيراً ما يجعل الإنسان يُوَلْوِل ويصيح ويهرول ويدعو بالويل والثبور، ظناً أن هذا تعبير عن المصيبة؛ لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النياحة، وعن شق الجيوب، ولطم الخدود، وعن الاعتراض والتسخط عند المصيبة، وبين صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى). فاصبر لكل قدر من أقدار الله، وارضَ بما قسم الله: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، أو قد قسمه الله لك، جفت الأقلام وطويت الصحف).

هجر الأخ المسلم

هجر الأخ المسلم أيها الأحبة في الله! إن الأعمال التي تكون سبباً لإتلاف الصالحات، وإتلاف ثواب الدرجات كثيرة جداً، ونختصرها في هذا المقام، فمنها: هجر المسلم: إن هجر المسلم عند الله عظيم، ما بال إخوان يقابل بعضُهم بعضاً فلا يسلم أحدهم على الآخر؟! ما بال جيران إذا خرج هذا صدَّ وانصرف بوجهه عن وجه جاره؟! ما بال أقارب يتقاطعون في أرحامهم؟! ما بال أبناء يعقون والديهم؟! إن الهجر خطير جداً. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تُفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين؛ حتى يصطلحا، أنظروا هذين؛ حتى يصطلحا، أنظروا هذين؛ حتى يصطلحا ثلاث مرات) رواه الإمام مسلم.

نشوز المرأة عن زوجها

نشوز المرأة عن زوجها ومن الأمور الخطرة التي هي سبب لإحباط الأعمال، ولا حول ولا قوة إلا بالله: نشوز المرأة عن زوجها؛ فإن المرأة إذا خرجت ونشزت واستعلت وتكبرت عن طاعة زوجها؛ فإن الله لا يقبل عملاً حتى تعود إلى طاعته، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ففي الحديث: (اثنان لا تجاوز صلاتُهما رءوسهما: العبد الآبق؛ حتى يرجع إلى سيده، وامرأة عصت زوجها؛ حتى ترجع) ولا حول ولا قوة إلا بالله!

عقوق الوالدين

عقوق الوالدين ومن الأمور المحبطة أيضاً: عقوق الوالدين يا عباد الله! عقوق الوالدين الذي بلغ في هذا الزمان حداً كنا نقرؤه كالأساطير والخرافات، أما الآن فقد أصبح عقوق الوالدين عند بعض المسلمين أمراً ملموساً، وواقعاً حسياً، وأمراً مشهوداً. ألا فليعلم العاقُّون، القاطعون لوالدِيهم، الهاجرون لأمهاتهم وآبائهم، فليعلموا أن العقوق من أعظم الأسباب التي تحبط الأعمال، وأن الله لا يقبل من العاق عملاً، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً: عاق، ومنَّان، ومكذب بالقدر). فانظروا كيف قدم العقوق على هذه جميعاً، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال قال: (الإيمان بالله، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) فقدم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله. أيها الأحبة! لستُ بهذا المقام مفصلاً في شأن أحوال الناس عن العقوق؛ ولعلنا أن نفردهم في مناسبة قادمة؛ لكن أنقل لكم قصة ممن أدركها وأحسها، ومن لسانه إلى أذني هذه، قال: إن شاباً تزوج فتاة، وكان أبوه عنده، وكان كبيراً مسناً طاعناً في السن، فأنِفَت زوجة الشاب هذا أن تخدم أباه، وقالت: لا أقعد عندك حتى تخرج هذا العجوز من البيت، فأطاعها وعقَّ أباه، فقبل منها وعقَّ بوالده، فما كان منه إلا أن قال: سنخرج يا أبتي إلى مكان ما، فطيب أباه وغسله، وكأنه يكفنه ويحنطه، ثم ألبسه، وذهب به إلى دار العجزة، وألقاه عندهم، وقد كان أبوه في تلك الحالة في حالة مرض لا يفيق ولا يدري ما يُفعل به، فلما أفاق في تلك الدار، قال: أين أنا؟ وفي أي مكان؟ وأين ولدي؟ قالوا: جيء بك إلى هنا، أنت في عِداد أولئك العجزة الذين لا مأوى ولا راعي لهم، قال: حسناً، اذهبوا بي إلى مكان كذا وكذا، فذهب إلى محكمة عدل، ووكَّل صديقاً له، وباع بيته الذي يسكنه الولد والزوجة، فلما جاء المشتري قال للولد: اخرج، ليس هذا بيتك، قال: كيف؟! قال: هذا بيت أبيك، وقد وكلني على بيعه، وقد بِيع البيتُ وشُري، ولا مكان لك في هذا البيت. فانظروا يا عباد الله لو حدثكم أحدٌ بهذا لقلتم: من الأساطير والخرافات؛ لكنها وقعت في هذا الزمان؛ لكنها حصلت في هذا الدهر المعاصر. فيا عباد الله! كيف بلغ العقوق بأبناء المسلمين لآبائهم وأمهاتهم؟! من ذا الذي يتهاون بشأن أمه وأبيه؟! الجنة تحت أقدام الأمهات، الآباء والأمهات بابان من أبواب الجنة، فمن شاء فليلزم، ومن شاء فليترك. وفي الأثر: [إذا ماتت أم العبد نادى منادٍِ من السماء: ماتت التي كنا نكرمك لأجلها، فاعمل صالحاً تُكرم به]. فانظروا -يا عباد الله- شأن الناس في هذا الزمان مع العقوق والقطيعة، وليس هذا مقام التفصيل.

المجاملات والمداهنات في العلاقات

المجاملات والمداهنات في العلاقات أيها الأحبة في الله! إننا نفوت أجر كثير من الأعمال على أنفسنا بالمجاملات، وبالمقابلات، وبأمور تضيع، ليست دنيوية محضة، وليست أخروية محضة، تجد أحداً من الناس يُدعى إلى وليمة أو إلى مناسبة يقول: أزور فلان بن فلان؛ لكي أسلم من لسانه؛ لكي لا يقول فيَّ كذا وكذا، لا يقول: أزوره؛ لكي أحتسب على الله عملاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا دعاك فأجبه) لا يقول: أزوره صلة لرحمه، لا يقول: أزوره في الله، فيضيع عليه الشيطان ثواب الحسنة وثواب العمل، حيث يقول ويدور في خلده: أنه ذاهب؛ لكي يسلم من لسانه، وهذا شأن كثير من الناس، دققوا ولاحظوا كثيراً من الذين تعاملونهم. إن المجاملات والمداهانات والمراءات قد عمت وطمت كثيراً من العلاقات البشرية في هذا الزمان، فلا تجد العبد قدم عملاً خالصاً يرجو به ما عند الله، واحتسبه لله؛ ولا تجده قدم تجارة نافعة، قدم بضاعة وتلقى نقداً، فضاعت أمور الناس لا هي في دنيا، ولا هي في دين، ورحم الله القائل: نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقعُ ولا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم دمر أعداء الدين. اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم من أرادنا بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، يا سميع الدعاء! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على الحق، يا رب العالمين! اللهم مسكهم بكتابك، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، بمنك وكرمك، يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مُبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيِّماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تكلنا إلى أعمالنا. اللهم إنا نبرأ من التوكل إلا عليك، ومن الفقر إلا بين يديك، ومن الحاجة إلا لك، ومن العز إلا بك، ومن القوة إلى بقوتك، يا رب العالمين! اللهم إنا نبرأ إليك من أن نتكل على غيرك، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، ولا إلى مخلوق عز أو ذل، اللهم لا تكلنا إلى ذلك طرفة عين، ولا أقل منها يا رب العالمين! اللهم عاملنا بعفوك، اللهم عاملنا بمنك، اللهم عاملنا بكرمك؛ ربنا إن من نوقش الحساب عُذب، اللهم رحمتك التي سبقت غضبك، اللهم رحمتك التي وسعت كل شيء، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اختلاف الأماني بين الناس

اختلاف الأماني بين الناس لو نظرنا في سيرة الرعيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم؛ لوجدنا فرقاً كبيراً، وبوناً شاسعاً بين همة السلف وهمة الخلف، فقد جاوزوا النجوم علواً في الهمة، وإننا إن لم نتبعهم فلن نكون معهم يوم القيامة، ولكي نكون على شاكلتهم فعلينا مراجعة ديننا والاستعانة بالنظر في سيرة السلف الصالحين وقد ذكر الشيخ صوراً مشرقة ومُثُلاً عالية رفيعة في علو الهمة

الصحابة وعلو همتهم ورفعة أمنياتهم

الصحابة وعلو همتهم ورفعة أمنياتهم الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شيء قدير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! لا شك أن لكل مخلوق في هذا الوجود أمنية يرجو نوالها، ويخطط لتحقيقها، ويعد ويرتب للحصول عليها، ومن المعلوم أن الآمال والأماني تختلف بين شخص وآخر، تختلف بين الناس بحسب علو هممهم، ورفعة مقاصدهم، فمن كانت همته عالية وجدت أمانيه غالية عزيزة رفيعة، ومن كانت همته هابطة وجدت أمانيه لا تبعد كثيراً عن هبوط همته، ورحم الله القائل: وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام أيها الأحبة في الله! لو سألت كثيراً من الناس عامة، أو سألت بعض الشباب خاصة، عن همته وغايته في هذه الحياة، وما يؤمل فيها، لهالك الأمر مما ترى، من دنو الهمة، والقناعة بالنزر اليسير، والقدر القليل من حظوظ الكرامة والفلاح في الدنيا والآخرة، فمن الناس من ترى همته انحصرت في أرض صغيرة، أو دويرة عامرة، أو زوجة حسناء، أو دريهمات في الحساب الجاري في البنك، أو سيارة فارهة، وليس طلب الإنسان أو سعيه لتحصيل شيء من هذه الأمور معيباً، ما لم يرتكب في سبيل ذلك إثماً أو حراما. لكنما المعيب والعجيب أن ترى الهمة والأمنية محصورة عند هذا الحد من حطام الدنيا وحظوظها الفانية، لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يمنحون الفرص الكثيرة، ليسأل أحدهم النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء، وإذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أجيبت دعوته، وإذا وعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً بموعد تحقق وعده، وحينئذ كان بوسع أحد الصحابة أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم آلاف الجمال والأباعر والنوق، أو قطعان الغنم، أو المال العظيم من الذهب والفضة، ومع هذا كله ما سأل أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحطام إلا عدد قليل من الأعراب، وما جعلوه فرصة للإثراء. إذاً حينما تتاح الفرصة للصحابة رضوان الله عليهم، ماذا كانوا يسألون؟ وماذا كانوا يتمنون؟ وماذا كانوا يطلبون؟ اسمعوا الجواب من خلال هذه القصة وغيرها.

ربيعة بن كعب وسؤاله مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة

ربيعة بن كعب وسؤاله مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة عن ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: (كنت أبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: سل، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك يا رسول الله! قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود) تفرد به مسلم. فانظروا إلى سؤال ربيعة، وأمنيته وغايته، ما قال: أسألك نوقاً أو إبلاً أو جمالاً أو ذهباً أو فضة، وهي فرصة يجاب فيها أي سؤال، حينما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: سل، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة.

أعرابي يطلب راحلة وعجوز بني إسرائيل تطلب الجنة!!

أعرابي يطلب راحلة وعجوز بني إسرائيل تطلب الجنة!! وعن علي رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن شيء، فأراد أن يفعله، قال: نعم، وإذا أراد ألا يفعله سكت، وكان لا يقول لشيء: لا، فأتاه أعرابي فسأله، فسكت، ثم سأله فسكت، ثم سأله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سل -كهيئة المنتهر؟ - سل ما شئت يا إعرابي -كأنه يريد منه أن يسأل شيئاً عظيم الهمة والغاية- فقال الصحابة رضوان الله عليهم: لقد غبطناه، وقلنا: الآن يسأل الأعرابي رسول الله الجنة، فقال: أسألك راحلة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لك ذلك. ثم قال للأعرابي: سل، فقال الأعرابي: ورحلها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: لك ذاك. ثم قال: سل، قال: أسألك زاداً؟ قال: وذاك لك، فعجبنا من ذلك! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأعرابي ما سأل، قال: فأعطي، ثم قال صلى الله عليه وسلم: كم بين مسألة الأعرابي وعجوز بني إسرائيل). وملخص هذا، أن العجوز سألت موسى عليه السلام أن تكون معه في الدرجة التي يكون فيها في الجنة، فقال موسى: سلي الجنة، فقالت العجوز: لا أرضى إلا أن أكون معك في الدرجة التي تكون فيها في الجنة، فأوحى الله إلى موسى أن أعطها ذلك، فإنه لا ينقصك شيئا. رواه الترمذي في الأوسط عن علي.

حارثة وأمنيته في الشهادة

حارثة وأمنيته في الشهادة ومن الأماني الغالية والهمم العالية، ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، إذ استقبله شاب من الأنصار، واسمه حارثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمناً، قال: انظر ما تقول فإن لكل قول حقيقة، قال حارثة: يا رسول الله! عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوون فيها، قال: أبصرت فالزم) -عبد نور الله الإيمان في قلبه- (فقال حارثة: يا رسول الله! ادع الله لي بالشهادة؟ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنودي يوماً في الخيل، فكان أول فارس ركب، وأول فارس استشهد، فبلغ ذلك أمه، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن يكن حارثة في الجنة لم أبك ولم أحزن، وإن يكن في النار بكيت ما عشت في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أم حارثة! إنها ليست بجنة، ولكنها جنان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى، فرجعت وهي تضحك وتقول: بخ بخ يا حارثة).

خيثمة يسأل رسول الله بأن يدعو له بالشهادة

خيثمة يسأل رسول الله بأن يدعو له بالشهادة فأين أمانينا في هذا الزمان من أماني أولئك الرعيل الأول والركب الأول والصحب الأجل، عليهم من الله كل رضوان ورحمة، قال خيثمة الصحابي رضي الله عنه، وكان ابنه قد استشهد وهو يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: (لقد أخطأتني وقعة بدر، وكنت والله حريصاً عليها، حتى ساهمت ابني في الخروج، فخرج سهمه، فرزق الشهادة، وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها، يقول: يا أبت! الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعد ربي حقا، وقد والله يا رسول الله أصبحت مشتاقاً إلى مرافقة ولدي في الجنة، وقد كبرت سني، ورق عظمي، وأحببت لقاء ربي، فادع الله يا رسول الله أن يرزقني الشهادة، ومرافقة سعد في الجنة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقتل بـ أحد شهيداً).

عمرو بن الجموح يريد أن يطأ بعرجته الجنة

عمرو بن الجموح يريد أن يطأ بعرجته الجنة وهذا عمرو بن الجموح الأنصاري كان أعرج شديد العرج، وكان له أربعة بنين شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا، فلما توجه إلى أحد أراد أن يتوجه معه، فقال له بنوه: إن الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك، وقد وضع الله عنك الجهاد، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! إن بني هؤلاء يمنعونني أن أخرج معك، والله إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد، وقال لبنيه: وما عليكم أن تدعوه لعل الله عز وجل أن يرزقه الشهادة، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل يوم أحد شهيداً). فيا شباب الإسلام! ويا عباد الله! انظروا إلى الهمم العالية، والمطالب الغالية التي تمنوها فأدركوها، تمنوها خالصة لوجه الله جل وعلا، فاجعلوا همتكم رضا الله، واجعلوا سعيكم في مرضاة الله جل وعلا، عند ذلك يحقق الله لكم الدنيا والآخرة (من أصبح والدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه ضيعته، ووكله إلى نفسه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قسم له، ومن أصبح وهمه الآخرة، تكفل الله برزقه، وأتته الدنيا راغمة، وجمع الله له ضيعته). فارفعوا الهمم يا عباد الله! واصدقوا ربكم الوعد، وارفعوا الهمة والأمنية: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

السلف وهمتهم العالية

السلف وهمتهم العالية الحمد لله منشئ السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، وخالق خلقه من تراب، لا إله إلا الله عليه توكلنا وإليه مآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضو بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها؛ وكل محدثة بدعة؛ وكل بدعة ضلالة؛ وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين! إن مما يكدر البال، ويسوء الخاطر، أن ترى فئاماً من شباب المسلمين قد دنت همتهم، وانحصرت مطالبهم في حظوظ قليلة، وأمتعة رخيصة زائلة، من حطام هذه الدنيا الفانية، بل وإن منهم من حصر همه في ذلك على سبيل محرمة، وجاوز بها كل سبيل مباح، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إن من الشباب من عرفناه، وقال بعظم لسانه: أتمنى أن أفتح محلاً للفيديو؛ لأبيع ألواناً وأشكالاً وأصنافاً من الأفلام، عجباً لهذه الأمنية، أمنية رخيصة، وهمة دنيئة، ومع ذلك أسلوبها وسبيلها حرام من كتاب الله وسنة نبيه، فيه أذى وإفساد.

أحد السلف يتمنى أن يطيع الخلق ربهم ولو مزق لحمه إربا

أحد السلف يتمنى أن يطيع الخلق ربهم ولو مُزِّقَ لحمه إرباً فيا عباد الله! تأملوا أحوالكم، وقلبوا أعمالكم، وانظروا هل هممكم عالية؟ وهل هي مرتبطة بالله؟ هل هي مرتبطة بالدعوة إلى الله، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقول أحد السلف: وددت أن الخلق هذا أطاع الله ولو مزق لحمي إرباً، انظروا إلى هذه الهمة العالية، التي بلغت حد أمنية أن يهدي الله العباد، حتى وإن كان تحقيق هذه الأمنية على سبيل بدنه وتمزيق جسمه، شهادة في سبيل الله جل وعلا. فارفعوا هممكم، وقلبوا أحوالكم، واجعلوا الهمة عند الله جل وعلا عالية، وإذا سألتم فاسألوا الله الذي بيده الخلائق، وبيده الأرزاق، فإن من الناس رغم دنو همته لا يجعل السبيل إليها إلا عن طريق البشر، فتراه ملحاً لحوحاً في سؤال عباد الله!، في سؤال الفقراء والضعفاء، وينسى أن يسأل ربه خالق الضعفاء والفقراء، ينسى أن يسأل ربه خالق الأغنياء والأثرياء.

تابعي يرفض أن يطلب شيئا من هشام بن عبد الملك

تابعي يرفض أن يطلب شيئاً من هشام بن عبد الملك فيا عجباً لنا يا عباد الله! كيف تنحصر الهمم في مطالب رخيصة، ومع ذلك نسألها أناساً لا يملكونها، دخل هشام بن عبد الملك الكعبة فوجد رجلاً من التابعين جالساً فيها، فقال: سلني حاجتك؟ فقال: أما إني أستحي أن أسأل غير الله وأنا في بيته، فلما خرج من الكعبة، قال: سلني حاجتك؟ قال: من الدنيا أم من الآخرة؟ قال: بل من الدنيا، فقال: إني ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسألها ممن لا يملكها! انظروا يا عباد الله! عظم هذه الهمة التي جاوزت سؤال هذا الحد، وانظروا يا عباد الله! كيف يرتبط السلف في سؤالهم ودعائهم بالله جل وعلا، إن من الناس من لو بلغت به جائحة أو مصيبة تلفت إلى الضعفاء والفقراء، وإلى المساكين الذين لا يدفعون ولا يملكون نفعاً ولا ضراً، يسألهم حاجته أو تفريج كربته، ولو قلت له: أسألك بالله، هل قمت ليلة في حالة نزول ربك جل وعلا في الثلث الأخير من الليل يوم ينزل الجبار جل وعلا يسأل العباد حاجاتهم، وهو أعلم بها منهم (هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟) هل سألت ربك حاجتك؟ يقول: لا والله ما حصل، إنما ذهبت إلى فلان واسطة إلى فلان، وذهبت إلى فلان شفاعة لفلان، وذهبت إلى علان شفاعة عند المسئول أو الجهة أو المكانة الفلانية، وقد نسي المسكين أن يسأل ربه الذي بيده نواصي الخلق أجمعين. من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب وإذا بليت ببذل وجهك سائلاً فابذله للمتفرد المفضال لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب عباد الله: اسألوا الله الجنة، اسألوا الله الفردوس، اسألوا الله الشهادة في سبيله، اسألوا الله أن يفرج عن المكروبين، اسألوا الله واجعلوا من هممكم أن يخرج السجناء تائبين من سجونهم، اسألوا الله أن يهدي شباب المسلمين، اجعلوا هممكم عامة وعالية، انظروا إلى الكون بآفاقه الشاسعة، ولا تنظروا نظرة الأنانية أو نظرة الذاتية والفردية، تلك النظرة التي لا يجاوز فيها صاحبها حد نفسه ومصالحه القاصرة. ويا للأسف! ما أكثر الذين لا ينظرون إلا إلى أنفسهم، وإلى أرصدتهم، وحظوظهم ونصيبهم فقط، وقد يرى الناس من حوله يجوعون أو يتضورون ويتضوغون جوعاً، ومع ذلك لا يفرج كربة وهو قادر عليها، من كرب العباد التي يستطيع العباد تفريجها، لا يشفع بوجه وهو قادر على الشفاعة، لا يبذل جاهاً وهو قادر على بذله، لا يقدم معروفاً وهو قادر على تقديمه. أحسن إذا كان إمكان ومقدرة فلا يدوم على الإحسان إمكان مادام الإنسان قادراً ومستطيعاً، ومادام الإنسان مطيقاً، فليبادر وليقدم وليجعل الهمة عالية، وليرفع نفسه بهمة تنفعه عند الله، وتنفع الخلائق أجمعين، إن الخلق عيال الله، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله. فانفعوا عباد الله! واجعلوا همتكم لهم جميعاً، لا تجعلوا همتكم فردية لا تجعلوها أنانية، ولا تجعلوها ذاتية. أسأل الله جل وعلا أن يهدي شباب المسلمين، وأن يفرج كربات المكروبين، وأن يمن على المذنبين بالتوبة. يا شباب الإسلام! إن من أهم الأمور التي تستطيعونها، وتقدرون عليها، هي أمر الدعوة إلى الله جل وعلا، ومن كانت أمنيته أن يكون داعيةً إلى الله فليبذل أسباب وسائلها بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى يهتدي الخلق على يديه، فيقفون يوم القيامة يشهدون ويشفعون له، وتوضع مثل أعمالهم في موازين أعماله، تلكم هي الهمم العالية. اجعلوا همتكم تربية الأبناء وتربية الأجيال، ونفع المسلمين، اجعلوا همتكم حفظ الأمن والأمة والمجتمع والبلاد، اجعلوا همتكم كل خير شمل وعم أبناءكم وإخوانكم وعامة المسلمين، واسألوا الله جل وعلا، واجعلوا ذلك فوق الهمم جميعاً، أن يختم الله لكم بالشهادة والسعادة، وأن يثبتكم الله على دينه، وأن يأخذ بنواصيكم إلى مرضاته، وأن يحيل بينكم وبين أسباب سخطه، هذه هي الهمم.

عروة بن الزبير وهمته في سؤال الله وطلبه

عروة بن الزبير وهمته في سؤال الله وطلبه إن كثيراً من الناس يدخل المسجد، ثم يخرج منه ما سأل ربه همة عالية، يركع ويسجد ويكرر كلمات بعضهم لا يتأمل معناها، فقد ذكر أن رجلاً صلى وراءه عروة بن الزبير، فقال له: [يا ابن أخي! أما لك حاجة عند ربك؟ فالتفت ذلك الرجل إلى عروة، فقال: أما لك حاجة عند ربك؟ إني أسأل ربي كل شيء، حتى الملح لطعامي] فاسألوا الله الدقيق والجليل، واجعلوا الهمة العالية، والدعاء والحظ الأوفر والنصيب، والقدح المعلى من الدعاء، اجعلوه لسؤال الله الجنة، اسألوا الله جل وعلا النجاة من عذاب النار، والنجاة من فتان القبر، اسألوا الله الأمان يوم فزع الخلائق، اسألوا الله الطمأنينة يوم هول المحشر، اسألوا الله العبور على الصراط. ينبغي أن يتذكر الإنسان هذه الأحوال، وأن يسألها ربه، وأن يجعلها من أعلى هممه، لا أن يجعل همته محل بيع أغاني، أو محل بيع أشرطة فيديو، أو سيارة من بلد كذا، أو فلة على شارعين، أو رصيداً قدره كذا وكذا، لا بأس لو سأل ربه مباحاً من المباحات، لكن ليست هذه هي الأمنية، وليست هذه هي الغاية، ولا تقف همة مسلم عند هذا الحد.

الرسول صلى الله عليه وسلم وهمته في نشر دين الله

الرسول صلى الله عليه وسلم وهمته في نشر دين الله إن أمة ذللت الأكاسرة، وكسرت القياصرة، ما كانت همتها عند الدنيا، إن نبينا صلى الله عليه وسلم لما جاءه أبو طالب، فقال: يا ابن أخي! إن القوم قد أشغلهم أمرك، فإن كنت تريد جاهاً سودوك، وإن كنت تريد مالاً أعطوك، وإن كنت تريد جمالاً زوجوك أحسن نسائهم، وإن كان الذي بك رئي من الجن عالجوك، فلما انتهى، قال: (انتهيت يا عم؟! قال: نعم، فقال: أما والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، والله ما تركت هذا الأمر حتى أهلك دونه، وتندق هذه السالفة). تلكم هي الهمة العالية، أن ينشر دين الله، وأن يبلغ أمر الله وكلام الله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]، فبلغوا دعوة الله يا شباب الإسلام! والله يعصمكم ويحفظكم: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38] ولا تهابوا قليلاً ولا كثيراً، ولا تخافوا صغيراً ولا كبيراً، إن الله جل وعلا يحفظ عباده المتقين. اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم اجعلنا على حوض نبينا واردين، ولكأسه من الشاربين، وعلى الصراط من العابرين، وآتنا صحفنا باليمين، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمجرمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، وافسح اللهم له في قبره مد بصره، ونور عليه ظلمة لحده، وافتح له اللهم باباً إلى الجنان يا رب العالمين! اللهم اهد شبابنا، وارفع هممهم إلى ما يرضيك يا رب العالمين! اللهم جنبهم الفساد، اللهم جنبهم الزيغ والعناد، اللهم افتح على البصيرة قلوبهم، اللهم اجعل نفعهم وحظهم لأمتهم، ولا تجعل فعلهم وجهدهم للشيطان وللأعداء، يا رب العالمين! يا أرحم الراحمين! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح مضغة قلبه، اللهم قرب له بطانة الخير، وجنبه بطانة الشر يا رب العالمين! اللهم اجعل جليسه من خافك وأرضاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وسنة نبيك، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، ربنا لا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ولا تفرح علينا ولا عليهم عدواً، وخذ بنواصينا أجمعين إلى ما يرضيك يا رب العالمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم أغثنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً، سحاً نافعاً طبقاً مجلياً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم اسقنا ولا تجعلنا من القانطين، ربنا اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل رحمة من رحماتك، وبركة من بركاتك، ترحم اللهم بها العباد، وتنفع بها البهائم والبلاد بمنك يا أرحم الراحمين، اللهم اسق المسبحات الركع، والبهائم الرتع، والأطفال الرضع، والشيوخ الركع، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إن عظمت ذنوبنا، فإن عفوك أعظم، وإن كبرت معاصينا، فإن فضلك أكبر، وإن تعددت ذنوبنا، فإن فضلك أعظم يا رب العالمين! لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

طرق الدعوة والدعاة

طرق الدعوة والدعاة إن الدعوة إلى الله تعالى شرف عظيم، لكن بقدر شرفها هي تحتاج إلى من يحملها وهو كفء لذلك، على أنها واجب كل مسلم بقدر علمه وقدرته، وكل ميسر لما خلق الله، وهذه المادة تبين كثيراً من المسائل التي تهم المسلم وتتعلق بدعوته إلى ربه.

أهمية الدعوة إلى الله وعظم أجرها

أهمية الدعوة إلى الله وعظم أجرها الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يرضى ربنا ويشاء، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيءٍ بعد، الحمد لله الذي خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ومن كل خيرٍ سألناه أعطانا، نحمده سبحانه وحده لا شريك له على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والندِّ والمثيل والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ربنا واحدٌ في ربوبيته، واحدٌ في ذاته، واحدٌ في ألوهيته، واحدٌ في أسمائه وصفاته: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:180] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، كان بأمته رءوفاً رحيماً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، في يومٍ لا ينفع ولدٌ والده شيئاً، ولا يجزي والد عن ولده شيئاً: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين! كلكم قد قرأ في كتاب الله جل وعلا قوله الحكيم: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105] ويقول جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] ويقول جل وعلا: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104]. أيها الأحبة في الله! الأمر بالدعوة إلى دين الله، والنداء بالدعوة إلى صراط الله المستقيم، أمرٌ عامٌ لجميع المسلمين أجمعين، وكلكم يعلم ما فيه من الأجر والثواب العظيم، ولو لم يكن فيه إلا أن يموت الداعية ويبقى أجره بعد موته ماضياً لكفى، وإن الدعوة إلى الله لمن أجل الأعمال وأفضلها: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) ويقول صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى فله أجره، وأجر من تبعه إلى يوم القيامة، لا ينقص من أجورهم شيئاً) وأمام هذه الآيات القرآنية، والنصوص النبوية، يقف جملةٌ من الشباب، يتحرقون ويتعطشون، يريدون أن يدعوا إلى الله، يرغبون في الدعوة إلى الله جل وعلا، فيأتي الشيطان لكي يحصر عملاً إسلامياً، أو دعوةً خالصة، لكي يحصرها في سبيلٍ ضيق، فيقول: لست من أهل الشهادات! ولست من أهل المؤهلات! ولست من ذوي المراتب والمناصب والهيئات! ويظن بعض الشباب أن الدعوة إلى الله منحصرةٌ في المنابر والمحاضرات والندوات، وأنما سوى ذلك فليس بعملٍ للإسلام، أو أن الإسلام ليس في حاجةٍ له.

مميزات الدين الإسلامي

مميزات الدين الإسلامي

شموليته للحياة

شموليته للحياة اعلموا معاشر المؤمنين أجمعين، واعلموا يا معاشر الشباب خاصة، أن دينكم هذا عامٌ شامل، دينٌ عظيم يتناول أدنى أمور الخير ويبلغ أقصى درجاتها، يبدأ من إماطة الأذى والابتسامة في وجه الصديق، وينتهي إلى الجهاد والشهادة في سبيل الله، بل لا ينتهي ويمضي إلى ما هو أعظم من ذلك في ابتغاء مرضات الله ورحمة الله، كثيرٌ من الناس ترى عليه سمات الخير، ومن سلوكه حرقةً وتعطشاً ورغبةً في الدعوة إلى دين الله جل وعلا، ولكن يقف مكتوف الأيدي يظن أنه ليس من الذين يقدرون أن يعملوا شيئاً، لا والله يا أخي المسلم! إنك لقادر على أن تعمل الكثير الكثير! ولكن الشيطان يوم أن يغرس في ذهنك، أن الدعوة محصورةٌ بالكلمات في المساجد، أو بالخطب، أو بالمحاضرات، وأن ما سوى ذلك ليس من الدعوة، فهذا من باب ضيق الأفق، وقلة الفهم لهذا الدين الواسع الشامل.

أن الدين الإسلامي متعدد الجوانب والمجالات

أن الدين الإسلامي متعدد الجوانب والمجالات أحبتنا في الله! اعلموا أن هذا الدين متعدد الجوانب والمجالات، في شتى مناحي الحياة، وعلى ذلك سيكون العلم لهذا الدين في شتى المجالات، وفي شتى نواحي الحياة، ومن الظلم أن يطلب من الناس كلهم أن يكونوا خطباء، أو أن يكونوا محاضرين، أو أن يكونوا علماء، أو أن يكونوا مجاهدين، لكن الله جل وعلا قد يسر العباد كلٌ لما خلق له، فمن فتح له باب الجهاد فليجاهد في سبيل الله، وليبتغي بذلك وجه الله، وجنةً عرضها السماوات والأرض، وليس من العدل أو العقل أن نقول لمن نراه مشتاقاً إلى الجهاد، أن نقول: إن عملك هذا ليس بدعوة، إنما الدعوة أن تحضر إلى حلقات العلم، فقد فتح له باب الجهاد فليمضِ إلى فوزٍ من الله ونصرٍ ورحمةٍ وشهادة، ومن الناس من فتح له مزاحمة العلماء بالركب في مجالس العلم، فمن الظلم أن نقول له: إن العمل الإسلامي هو الجهاد. وهذا قد يسر لطلب العلم، وقد فتح له باب البحث والقراءة والرواية والدراية، فمن الظلم أن نقيمه من حلقة علمه، لنقول له: اذهب وجاهد في أفغانستان، أو في أي مكانٍ من الأماكن، قد فتح له باب العلم والبحث والاستنباط والتنظير، فهذا ينبغي أن يدعى له، وأن يؤيد في هذا المجال، فلنعلم ذلك جيداً -أيها الأحبة في الله- ومن الخطأ أن يثرب أو أن نسمع الملامة من بعضنا على بعض، يوم أن نرى مجاهداً فنقول: هذا لا يعمل عملاً كاملاً، إنما العمل في الحلقات، أو أن نرى طالب علمٍ في مسجده وحلقته وحلقة شيخه، فنقول: هذا لا يعمل شيئاً، إنما العمل في الجهاد تحت الرصاص والنار، والبعض قد ينال من حظ أو من مكانة أخيه فيقول: شتان شتان ما بيني وبينه، أنا مجاهدٌ هناك عند الدبابات والطائرات، وهذا تحت مكيفه عند الورقات والكتب ونحوها، هذا من وسوسة الشيطان، ومن باب العجب الذي هو محبطة العمل، ولا حول ولا قوة إلا بالله! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تستمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

بيان أن الدين شامل وأن العمل فيه واسع ومتعدد

بيان أن الدين شامل وأن العمل فيه واسع ومتعدد الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله! إن تضييق مجالات العمل لدين الله جل وعلا لهو إما نتيجةٌ لوسوسةٍ شيطانية، ليصد الشيطان بعض العاملين إلى الله عن مزيدٍ من مجالات العمل لدين الله، أو هو قلة فهمٍ لأبعادٍ وشمولية وسعة نطاق هذا الدين، وكل ذلك مرفوضٌ مردود، فإذا علمتم ذلك -يا معاشر الشباب- فاعلموا أن العمل لهذا الدين بعد التوبة والاستقامة والالتزام، وبذل الحسنات والصالحات، اعلموا أن العمل لهذا الدين متعدد المجالات، فما الذي يمنع أن يكون من بين الشباب من يهتم بأحوال المعوقين في مستشفيات النقاهة، ومتابعة أحوالهم، وحوائج أسرهم، وتأمين احتياجاتهم، هذا والله بابٌ من أعظم أبواب الدعوة! وما الذي يمنع أن يكون من بين شباب الإسلام الصادقين الملتزمين من يهتم بأحوال السجناء والمعسرين، فيجمعون لهم التبرعات، ويفاوضون غرماءهم، لكي ينقص من الديون التي في ذممهم؛ حتى يعتقوا رقاباً من السجن؛ لتعود إلى زوجاتها وأطفالها وآبائها وأمهاتها، هذا أيضاً من باب الدعوة إلى الله! وما الذي يمنع طائفةً من الشباب أن يجتهدوا في العناية بالمساجد وجمع التبرعات لها، وإصلاح شئونها، ومرافقها ودورات المياه فيها، ومكبرات الصوت التي لها، هذا أيضاً من العمل لدين الله جل وعلا؟! إن العمل للإسلام بابٌ واسعٌ شامل، ما الذي يرد بعض الشباب أن يزوروا مستشفيات الأمل لكي ينظروا ويتعرفوا ويتلطفوا بأحوال إخوانهم الشباب، الذين وقعوا ضحية المخدرات والأفيون والمسكرات! ما الذي يمنع بعض الشباب أن يزوروهم وأن يجعلوا جزءاً عظيماً من أوقاتهم متخصصاً لهؤلاء الشباب في زياراتهم ودعوتهم والتعرف بهم؟ حتى إذا جاء يومٌ من الأيام وخرج ذلك المتعاطي للمخدرات، وقد تماثل للشفاء سليماً معافى من ضربة هذا الأفيون والمخدر، يجد صحبةً صالحة تتلقاه بعد خروجه من السجن؛ لأنه من المعلوم أن الذين يقعون ضحية المخدرات ويذهبون إلى السجون أو إلى مستشفيات الأمل، أول من يتجهمهم، وأول من يتبرأ منهم، وأول من يقاطعهم جلساء السوء الذين أكلوا وشربوا وقعدوا وباعوا واشتروا منهم، فلا بد أن يكون من الشباب من يزور أولئك في المستشفيات وفي السجون، ويتعرف عليهم، ويحبب إليهم التوبة، والإقبال على الله، فإذا خرجوا من السجن إذا لهم رصيدٌ من الأخوة الصالحة، والعلاقة الطيبة، والمتابعة والرعاية اللاحقة، التي تمنعهم من الوقوع مرةً أخرى في المخدرات والمسكرات. ما الذي يمنع البعض أن يزوروا مدارس الجنح والأحداث؛ لكي ينظروا أحوال الشباب، خاصةً من الصغار فيهم الذين حصل لهم جنوحٌ مبكرٌ في سلوكهم أو تصرفاتهم، فيربط بهم علاقةً طيبة، فإذا خرجوا من السجن ربطوهم واتصلوا بهم، ربطوهم بكتاب الله وسنة رسول الله، وحلق الذكر في المساجد، والندوات والمحاضرات! أبواب العمل لهذا الدين كثيرة ما الذي يمنع بعض الشباب أن يجمع من كثيرٍ من الناس أشرطة الغناء، فيمسحها ويمحو ما فيها، ثم يردها إليه مليئةً بكلام الله، والخطب والندوات والمحاضرات؟! ما الذي يمنع بعض الشباب أن يزوروا أصحاب محلات الفيديو في محلاتهم، ومعهم الهدية، وعليهم الابتسامة، وملؤهم الرحمة والمحبة، فيدعونهم إلى الله، ويحذرونهم مغبة ما وقعوا فيه، هذا أيضاً من أبواب العمل لدين الله جل وعلا؟! ما الذي يمنع البعض أن يتطوع لكي يسافر إلى أطراف هذه المملكة، ولو مرتين أو ثلاث مرات، أو على الأقل مرةً واحدةً في السنة، لكي يزور بعض المناطق والقرى والهجر التي فيهم من لا يعرف الفاتحة، ولا يعرف شروط الصلاة، ولا يعرف شروط الطهارة وأركان العبادة؟! هذا أيضاً من أبواب الدعوة إلى الله. إذاً أيها الأحبة! لا يأتي الشيطان إلى بعضنا حينما يرى من أحدنا حماساً وشوقاً ورغبةً للعمل في دين الله، لكي يقول: من أنت؟ وهل بلغت مرتبةً فلانية؟ وهل حملت شهادةً فلانية؟ لا والله إن العمل لدين الله لا يحتاج إلى شهادةٍ عالية، بل يحتاج شرطاً واحداً: (نضر الله امرأً سمع منا مقالةً فوعاها، فبلغها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع) إذاً شرط الدعوة أن تكون عالماً واعياً بما تدعو إليه، ثم بعد ذلك انطلق في كل مجالات ومناحي الحياة. ما الذي يمنع الكثير أن يتعاونوا مع إخوانهم في مدارسهم وفي جامعاتهم لكي يعينوهم على الإقبال على دين الله جل وعلا، ولكي يحذروهم من مغبة الأفكار الهدامة، والتيارات الوافدة المهاجمة؟! ما الذي يمنع البعض أن يفتح له باباً في فضح خطط الأعداء والمبشرين والمنصرين، والغزاة المفسدين بأفكارهم وأقلامهم، لكي يتابعوا ذلك؟! هذا أيضاً من أبواب العمل. ما الذي يمنع بعض الشباب أن يتتبعوا الجرائد والمجلات فينظروا ما فيها من الأخطاء العقدية والمخالفات الشرعية! سيما هذه الجرائد والمجلات التي تفد إلينا من الخارج، فينبه على ما فيها من الخطأ، ويتصل بالمسئولين ويقول: ورد في العدد الفلاني الصادر من الدولة الفلانية، أو من الجهة الفلانية، خطأ وخطرٌ وخلل في العقيدة أو في الأخلاق والسلوك!

فكل ميسر لما خلق له

فكل ميسر لما خلق له اعملوا يا شباب الإسلام! فكل ميسر لما خلق له، إن الشيطان ليرد البعض ويقول: ما بلغت شهرة فلان، أو ما بلغت منزلة فلان، أو ما بلغت مكانة فلان، فيحقره ويثبطه، ويجعلك قاعداً ضعيفاً، وأنت تستطيع أن تفعل شيئاً كثيراً، والله لو لم يجد الإنسان سبيلاً، ولو لم يكن يحفظ إلا جزء عمَّ من القرآن فيقعد في المسجد ليعلم أطفال الحي هذا الجزء من القرآن، لكان هذا عملاً وخيراً عظيماً، فلا تحرموا أنفسكم سبل الدعوة، ولا تضيقوا على أنفسكم أبواب الخير، واخدموا لله في كل حالٍ بما يناسب وظيفةً ترضي الله جل وعلا، قال ابن القيم رحمه الله، في إعلام الموقعين: واختلف أناسٌ أي العبادة أفضل، فمنهم من ذهب إلى أنها الصلاة، ومنهم من ذهب إلى أنها الجهاد، ومنهم من ذهب إلى أنها كذا ثم قرر رحمه الله كلاماً جميلاً كالشمس في نقائه ووضوحه، قال: إن خير العمل أن تقوم لله في كل حالٍ بما يناسب مرضات الله جل وعلا، وقد يكون العمل الفاضل مفضولاً في بعض الأحيان، أليس قراءة القرآن هو أفضل الذكر على كل حال؟ ولكن إذا قدمت الجنازة فيكون القيام لها والصلاة عليها أفضل من قراءة القرآن في هذه الحالة، فكذلك العمل لدين الله جل وعلا، أن نعتني به في كل حالٍ بما يناسب وظيفةً مرضيةًَ لله جل وعلا، في ذلك الوقت، أو في كل وقت. فاعلموا يا شباب الإسلام، واعلموا يا معاشر المسلمين أجمعين أن العمل ليس محصوراً أو مقصوراً على الشباب، ووالله لو فقه كل مسلمٍ دينه، وفقه كيف يعمل لدينه، لكان من أيسر الأمور أن ينتشر الصلاح في المجتمع، وأن تنعدم الجريمة، وأن يظهر الخير، وأن تفتح بركات السماء والأرض من الله جل وعلا، لكن المصيبة أن يكتفي بعضنا بمعرفة بعضٍ أو بالإشارة إلى بعض، والبقية يبقون لا يعملون، فالعمل واجبٌ على الصغير والكبير، وكل من علم في دين الله شيئاً. جاءت امرأةٌ إلى سعد بن أبي وقاص تريد أن تشارك في الجهاد، وليس على النساء جهاد، فقطعت ضفيرة شعرها، وقالت: يا أمير الجيش! لا أستطيع أن أشهد معكم هذا الغزو في سبيل الله، فخذ هذه ضفيرة شعري، اجعلها عناناً لفرسك في سبيل الله!! الله أكبر يا عباد الله! ينبغي أن نفهم الدين والعمل والجهاد فهماً نستطيع من خلاله أن نقبله من الحداد ومن النجار ومن الضابط ومن المهندس ومن المعلم والقاضي والعالم وطالب العلم، ينبغي أن نفهم هذا الدين فهماً يجعلنا نقبل كل عملٍ متيسرٍ من كل شخصٍ أياً كانت مرتبته، أو أياً كان وظيفته، فنيةً في الصناعة والعمل، أو مهنيةً أو علميةً أو ميدانيةً أو نحو ذلك، إذا فهمنا ديننا هذا الفهم الواسع الشامل استطعنا أن نعمل لدين الله، فما عليك يا أخي المسلم إلا أن تستعين بالله، ثم بإخوانك، وتقرر عملاً يرضي الله جل وعلا، سواءً كان مع السجناء أو مع الذين في مستشفيات الأمل، أو مع الفقراء، أو كفالة الأيتام، أو رعاية الأيامى والمقطوعين ممن لا قريب لهم ينفعهم أو يقوم بحوائجهم، المهم أن تقرر عملاً في مرضات الله جل وعلا، ولا تظنن أن العمل لدين الله، إنما هو في حالةٍ واحدة. لقد سرني ما عرفته من شبابٍ، علمتُ أنهم اجتمعوا جزاهم الله خير الجزاء، وسدد خطاهم، فاهتموا واعتنوا بمرضى مستشفى النقاهة الذي في طريق الخرج، يجمعون التبرعات لهم، ويأخذون عناوين بيوتهم، ويذهبون إلى أسرهم، ويحضرون لهم الأرز، والسمن والدقيق في نهاية كل شهرٍ وما يحتاجونه من الطعام، فإذا أقبل الشتاء بذلوا لهم مئونة الشتاء، وما يحتاجون من لحافٍ وكساء، فإذا أخذوا فترةً قدموا لهم مالاً حتى لا ينفتح على أسر أولئك المعوقين أو أسر أولئك المرضى الذين أخذوا سنين طويلة في المستشفى بابٌ من الفساد، لأن بعضاً من ضعفاء الإيمان من المجرمين الشرسين، يتسلطون على أسر المرضى، فيساومونهم في أعراضهم، وفي بناتهم، وفي بيوتهم، أتريدون مالاً افتحوا لنا الباب، احضروا من يقعد معنا، اجلسوا وافعلوا هكذا، فإذا قام أولئك الشباب برعاية أولئك المرضى، الذين يمكثون سنين طويلة في المستشفى ولا دخل ولا عائل لهم، فإنهم يدفعون ويسدون باباً من الفساد عظيماً. أسأل الله أن يوفقنا وإياكم بأن نعمل لدين الله في شتى المجالات التي ترضي الله، ونسأل الله أن يرزقنا فهماً شاملاً واسعاً عريضاً لهذا الدين والعمل لجميع جوانبه. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بناء سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم أقبل الشتاء بجليده وثلجه وبرده القارس، اللهم إنهم جياعٌ إن لم تطعمهم، اللهم إنهم عطشى إن لم تسقهم، اللهم إنهم عراةٌ إن لم تكسهم، اللهم أنزل عليهم سكينةً وثبتهم بمنك ورحمتك، وسدد رصاصهم في نحور أعدائهم، اللهم انصرهم على عدوك، اللهم عجل نصرهم، اللهم قد ملّ كثيرٌ من الناس من المجاهدين وسئموا التبرع لهم وضاقوا ذرعاً بما يطلب منهم، اللهم فإن انقطعت أسباب الأرض فافتح اللهم عليهم أبواب السماء، اللهم إن ضاق الخلق بهم ذرعاً اللهم يا خالق الخلق أجمعين فافتح لهم أبواب مددك وعونك، ومنك وتأييدك، يا رب العالمين!

طوبى للغرباء

طوبى للغرباء لقد بدأ الإسلام غريباً، وكان أتباعه يعدون بالأصابع لقلتهم، فهم غرباء في مجتمع الشرك بالله والجاهلية، ولم يكن لهؤلاء الغرباء من ينصرهم أو يعينهم إلا الله سبحانه وتعالى، وكذلك حال الغرباء الذين في آخر الزمان، وفي هذه المادة تسلية للغرباء، وتوجيهات نافعة تزودهم حال غربتهم.

الغرباء الحقيقيون

الغرباء الحقيقيون الحمد لله الذي لم يزل بعباده خبيراٌ بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أرد أن يذكر أو أراد شكوراً، نحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له جل في علاه، تبارك اسمه وتقدست أسماؤه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله إلى جميع الثقلين الإنس والجن بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء) في روايات أنهم: (الذين يصلحون ما أفسد الناس، أو يصلحون إذا فسد الناس) معاشر المؤمنين! معاشر الأحبة في الله! لو تأملتم هذا الحديث لوجدتم مصداقه من الواقع دليلاً من دلائل معجزات نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالغرباء في هذا الزمان هم المؤمنون حقاً، وغربة المؤمنين من بين سائر الناس واضحة جلية فالمسلمون غرباء من بين سائر أمم العالم وشعوبه، المسلمون الذي هم على دينٍ صحيح وعلى ملة نقية، وعلى عقيدة واضحة، وعلى محجة صالحة، وهم غرباء من بين سائر الأمم والشعوب في هذا الزمان، ولا يغركم كثرة الإحصائيات؛ لقول الله جل وعلا: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] تعداد الملايين من المسلمين ولو نقبت ودققت وكشفت أحوال الكثير منهم لوجدت عجباً عجاباً، ستجد طوائف تدعي الإسلام وهي تعبد الله بغير ما شرع، ستجد طوائف تدعي الإسلام وهي تظن أن القبور والأضرحة تنفع وتضر من دون الله، ستجد طوائف تدعي الإسلام وهي تظن أن الأولياء والأقطاب والأوتاد والأبدال منازل لا يدركها الملائكة ولا المرسلون، أين حقيقة الدين من تلك الأمم؟ أين حقيقة الإسلام في تلك الشعوب؟ إذاً: فالإسلام النقي الصافي غريبٌ بين شعوب الأرض، وهذا أمرٌ واضح، وإذا تأملت تعداد المسلمين وجدت الذين يحافظون على الأركان والفرائض غرباء من بين سائر المسلمين، فما أكثر أن تلقى أناساً ينتسبون إلى الإسلام بجوازاتهم أو بحفائظ نفوسهم أو بهوياتهم ولكن انتسابهم إلى الإسلام انتساب الصورة لا الحقيقة، انتساب الشكل لا المضمون، انتساب القالب دون القلب. فيا عباد الله! كم رأينا من المسلمين يدعون الإسلام وهم يتعاطون الربا، وكم رأينا من المسلمين الذين يدعون الإسلام وهم يفعلون الزنا، كم رأينا من المسلمين ينسبون إلى الإسلام وهم يشربون الخمور، كم رأينا من بعض شباب المسلمين ينتسبون إلى الإسلام والصلوات لا يعرفونها إلا قليلاً، كم رأينا من المسلمين من ينتسب إلى الإسلام وهو لا يراعي الحلال والحرام في بيعه وشرائه، في إنفاقه واكتسابه. إذاً يا عباد الله: المسلمون المطبقون لأحكام دينهم ولأركان ملتهم هم غرباء من بين سائر المسلمين على وجه البسيطة، وإذا تأملت هؤلاء الغرباء وجدت فئة هم أخص منهم بالغربة، أولئك الذين يعملون بهذه الأركان وهذه الفرائض على وحي من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى نهج وهدى من شريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالمتمسكون بالسنة العاملون لها المقدرون لجلالها هم غرباء من بين سائر المسلمين على وجه هذه البسيطة، وإذا تأملت أولئك وجدت الذين يدعون إلى الله بما عملوا وعلموا غرباء من بين سائر المسلمين. وإذا تأملت أولئك وجدت طلبة العلم والعلماء غرباء من بين سائر المسلمين، ثم إذا دققت وفحصت وجدت الدعاة إلى الله بما يعلمون هم غرباء من بين سائر أولئك العلماء، وإذا تأملت أكثر وجدت الذين يصدعون بالحق ولا يخافون في الله لومة لائم غرباء من بين سائر الدعاة، وإذا تأملت أحوال الأمم والدول وجدت الأمم التي تحكم شريعة الله أو وجدت الأمة التي تحتكم إلى كتاب الله غريبة من بين سائر الأمم، تنتقد إذا قطعت رقبة القاتل، وينالها من الكلام إذا قطعت يد السارق، وينالها من التعليق والتشويه إذا قتلت المفسدين المخربين، إذاً فالأمة التي تحكم كتاب الله غريبة من بين سائر الأمم في هذا الزمان، وصدق الحسن البصري رحمه الله حين قال: [الناس هلكى إلا العالمون فهم غرباء بينهم، والعالمون هلكى إلا العاملون فهم غرباء بينهم، والعاملون هلكى إلا المخلصون فهم غرباء من بين سائر الذين يعلمون، والمخلصون على خطرٍ عظيم]. نسأل الله لنا ولكم الثبات على دينه وتوحيده إلى أن نلقاه. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

أجر المتمسك بالسنة في آخر الزمان

أجر المتمسك بالسنة في آخر الزمان الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! إن كانت غربة المؤمنين العالمين العاملين المخلصين الصادقين في هذا الزمان واضحة، إلا أن بقاءهم حقيقة نبوية ومعجزة من الله لنبيه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فأبشروا يا عباد الله! أبشروا يا إخوة الإسلام! أبشري يا أمة محمد! مهما ادلهم ظلام الباطل، ومهما تلاطمت أمواج الضلالة، ومهما اكلولح الظلام في هذه الدنيا المتخبطة بالفتن والشهوات، إلا أن وردة عطرة وريحانة فواحة تظهر في هذه الأرض، تلكم طائفة من الدعاة، طائفة على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يلقون الله جل وعلا. أيها الأحبة في الله: إن الدعاة إلى الله بعد علمٍ وعمل وصدق وحق في هذا الزمان غرباء، {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2] كل الإنسانية (أل) في كلمة الإنسان هي (أل) الاستغراق، وقد استغرقت جنس الإنسانية: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2] كل الإنسانية في خسارة وفي تباب وفي هلاك {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] أولئك والله هم الغرباء في هذا الزمان، وحسبكم بغربة الدعاة إلى الله وغربة المتمسكين بشريعة الله المطبقين لسنة رسول الله، أن ترى ألواناً من التعليق أو الشماتة أو الاستهتار أو الاستهزاء تنال بعضهم في بعض الأماكن والمجالس. نعم يا عباد الله! (القابض على دينه كالقابض على الجمر) وإن كان قل في هذا الزمان المستهزئون في المجالس إلا أن المؤمن لا يزال يقبض على الجمر؛ مما يراه من فتنٍ في الأسواق والطرقات وكثيرٍ من الأماكن، ولكن الله يثبته بالاستغفار والذكر والدعاء وغض البصر، والبعد عن الباطل ومجافاة أهله. يقول ابن القيم رحمه الله في نونيته الشافية الكافية: فروى أبو داود في سننٍ له ورواه أيضاً أحمد الشيباني أثراً تضمن أجر خمسين امرئ للعاملين بسنة العدنان (المتمسكون بالسنة عند فساد الأمة لهم أجر خمسين، قال الصحابة: يا رسول الله منا أم منهم؟ قال: بل منكم، ما ذاك إلا لأنكم تجدون على الحق أعواناً وهم لا يجدون على الحق أعواناً). فروى أبو داود في سننٍ له ورواه أيضاً أحمد الشيباني أثراً تضمن أجر خمسين امرئ للعاملين بسنة العدنان ما ذاك إلا أن تابعهم هم الـ غرباء ليست غربة الأوطان فسل الكليم المستهان عن الذي يلقاه من جمرٍ بلا نيران القابض على دينه -يا عباد الله- كالقابض على الجمر، المتمسك بالسنة، المتمسك بالشريعة، يجد نفسه في غربة بين كثيرٍ من الأمم، وقد يجد الإنسان نفسه في غربة حتى بين أهله وذويه، فيستغربون السنة في ثوبه، ويستغربون السنة في وجهه، ويستغربون السنة في صلاته، ويستغربون السنة بحركاته وتصرفاته. فيا عباد الله! عودة إلى السنة وتمسكٌ بالشريعة، فذلكم والله هو سبيل العزة، وهو سبيل المنعة، وهو سبيل الرفعة، وهو سبيل السيادة، وهو سبيل الرضا والطمأنينة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرادنا بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم من أراد ولاة أمرنا بفتنة، وأراد علماءنا بمكيدة، وأراد شبابنا بضلالة، وأراد نساءنا وبناتنا بتبرجٍ وسفورٍ واختلاط، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم افضحه على رأس الخلائق، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، اللهم اخزهم على رءوس الأشهاد، حسبنا الله ونعم الوكيل! حسبنا الله ونعم الوكيل! حسبنا الله ونعم الوكيل! اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا كسيراً إلا جبرته، ولا مريضاً إلا شفيته وعافيته. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم وسع لحده، اللهم افسح في قبره، اللهم افتح له أبواباً إلى الجنان، اللهم افتح له سبيلاً من روحها وريحانها ونعيمها يا رب العالمين، يا من لا يعجزه شيء، آمنا بك وبقدرتك التي لا يردها شيء وأنت على كل شيء قدير. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر وارفع وأكرم وأعز من ساعدهم وعاونهم وبذل ما عنده لهم برحمتك يا رب العالمين، اللهم أعز من أعزهم، اللهم ارفع من رفعهم، اللهم أكرم من بذل ما يستطيعه معهم، برحمتك يا رب العالمين. اللهم وحد صفوفهم، واجمع شملهم، وثبت أقدامهم وانصرهم على أعدائهم، اللهم وفقهم للصالحات وجنبهم السيئات برحمتك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

حق الله على العباد

حق الله على العباد دين الله ماض إلى قيام الساعة، وذلك مربوط بالجهاد في سبيل الله، وبغيره لن يكون للأمة الإسلامية عزة وسلطان وكرامة. في هذا الدرس يتحدث الشيخ عن أهمية الجهاد في حياة الأمة ويتطرق إلى أحوال المجاهدين في أفغانستان بالإضافة إلى الوضع في فلسطين الحبيبة.

دين الله ماض إلى قيام الساعة

دين الله ماض إلى قيام الساعة الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. معاشر المؤمنين! في هذه الأيام وكل مسلم غيور، وكل مسلم يهمه أمر إخوانه المجاهدين، يترقب ويتصنت بلهف وشوق إلى أخبار النصر والفوز والسؤدد بالنسبة لإخوانه المجاهدين في أفغانستان، وقبل أن نخوض فيما يبشركم أود أن نبين أمراً لابد لكل مسلم أن يعيه تمام الوعي، وأن يعرفه حق المعرفة، ذلكم أيها الإخوة أن دين الله وحده ماض لا يرده ظلم ظالم، أو طغيان طاغوت، أو جبروت متجبر، أو فسق فاسق أو تدبير مدبر. إن دين الله ماضٍ إلى يوم القيامة، وإن شريعة الإسلام باقية إلى يوم القيامة، وليس الجهاد بحاجة لنا، بل نحن بحاجة إلى الجهاد، كلنا بحاجة إلى العزة والرفعة والسؤدد والسيادة، وذلكم يا عباد الله لا يكون إلا بالجهاد في سبيل الله، وبغير الجهاد فلن يكون لأمة المسلمين عز ولا سلطان ولا كرامة، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة وتبعتم أذناب البقر -أي: اشتغلتم بالزراعة وغفلتم عن الجهاد- وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم إلى يوم القيامة). يقول الله جل وعلا: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195] قال بعض الصحابة من الأنصار: إنا ذوي حرث وزرع وقد أعز الله رسوله ودينه، فلو اشتغلنا بشيء في زروعنا وحرثنا فأنزل الله جل وعلا قوله: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] أي: لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بترككم الجهاد، وترككم الإنفاق في سبيل الله: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195].

سنة الاستبدال عند التولي والتقاعس

سنة الاستبدال عند التولي والتقاعس معاشر المؤمنين: لا تظنوا أننا لو تخلينا عن الجهاد، أو تركناه أو وقفنا منه موقف الضعيف أو المنهزم، أو موقف المثبط أن هذا الجهاد سيفتر، سواءً في أفغانستان أو في غيرها؛ لأن سنة الله لا تتغير ولا تتبدل: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً * وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} [الإسراء:76 - 77] فسنة الله ماضية باقية، أن تكون الأمة المنصورة موجودة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] إن الله غني عنا، وإن شريعة الله في غنىً عنا، وإن الجهاد في غنىً عنا، وإنا لفي حاجة ماسة إلى الجهاد في سبيل الله وإلى شريعة الله. فمن تولى أو تولت أمة من الأمم: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] وهي شهادة لهم بالولاية والمحبة: {وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] باتباعهم أمره واجتنابهم نهيه: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:54] جناحهم مخفوض لإخوانهم المؤمنين، ولا يشعرون بالمنة في العطاء أو بالعزة وشعور مزيد من الدرجة والمكانة على إخوانهم المؤمنين، بل أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، ويجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ويقول الله جل وعلا: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. معاشر المؤمنين! عياذاً بالله أن نتولى أو نتقاعس أو أن نثبط، أو أن نقف موقف المهزومين الجبناء الضعفاء أمام إخواننا المجاهدين، فإن الله جل وعلا قد توعد الذين يتولون عن دينه، أن يستبدلهم بغيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم، بل يكونون على شجاعة وجرأة وقوة وفداء وتضحية، وأولئكم والله بهم ترتفع الأمم وتعود الكرامة وترفرف رايات الأمن والاطمئنان في ربوع البلدان بمن الله وفضله وكرمه.

قيام الطائفة المنصورة بواجبها

قيام الطائفة المنصورة بواجبها معاشر الإخوة! يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرها من خذلها إلى يوم القيامة) والطائفة المنصورة كما قرر العلماء، ليست في نجد وحدها، أو في أفغانستان وحدها، أو في الشرق أو في الغرب، بل قد تكون هذه الطائفة مجتمعة في كل مكان، وما يدريكم أن هذه البلاد بأسرها بأولها وآخرها إن شاء الله من جنود ومن أفراد هذه الطائفة المنصورة التي يأمل من فيها أن تكون داعية قائدة إلى رفعة المسلمين وسؤددهم وليس ذلك على الله بعزيز، وما ذاك على بلادكم وأمتكم بغريب، أليست مهبط الوحي؟ أليس فيها مسجد رسول الله؟ أليس فيها كعبة الله؟ ألم تظهر منها دعوة تجديد العقيدة دعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب نسأل الله أن يشرفنا بهذه الكرامة، وأن يجعل أمتنا ممن ينالون هذه الشرف والسؤدد.

مواقف المملكة مع الجهاد الأفغاني

مواقف المملكة مع الجهاد الأفغاني معاشر المؤمنين! كلمة حق نقولها، ويقولها كل منصف: إن هذه المملكة لها مواقف طيبة مع الجهاد الأفغاني، مواقفها طيبة حكاماً وشعوباً وأفراداً، مواقفها مشرفة بحمد الله سبحانه وتعالى، فالدعم مستمر منذ إحدى عشرة سنة، منذ أن قام الجهاد، التبرعات جارية ونهرها جارٍ متدفق إلى أفغانستان سواءً تبرعات عينية أو نقدية، والجهات الحكومية الكبيرة وفق الله القائمين عليها، قد سخروا عدداً من الطائرات والإمكانيات والأطباء وغير ذلك لخدمة المجاهدين وإيصال التبرعات. وها أنتم معاشر المؤمنين شكر الله لكم جهودكم وبذلكم وتضرعكم وقنوتكم في هذه الصلوات هذه الأيام، في هذه المحنة الشديدة تقفون مع إخوانكم موقف الداعين لهم، الداعين على أعدائهم، الراجين ربكم أن يكسر كيد أعدائهم وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم.

أخبار المجاهدين في أفغانستان

أخبار المجاهدين في أفغانستان معاشر الإخوة! أما عن أخبار إخوانكم المجاهدين؛ فإنهم الآن على أتم حالات الأهبة والاستعداد والتعبئة العامة لدخول معركة حاسمة على جميع الأصعدة والثكنات والمناطق، إنها المعركة الحاسمة وستكون قريباً بإذن الله سبحانه وتعالى، يعدون ويستعدون لها على جميع الأصعدة والمناطق والأماكن، فأكثروا من الدعاء لهم، خاصة في الصلوات، وأمنوا أثناء القنوت في صلاة الفجر وغيرها، أمنوا وأنتم تتذكرون حالهم في شدة البرد وقلة العدد والعتاد، وضعف أحوالهم إلا ما أعانهم الله به من قوة النفس والعزيمة وثبتهم به بكلمته وحده لا شريك له، وحسبكم بهذا عوناً ونصراً. أيها الإخوة! التقيت بالأمس بأحد الذين جاءوا من أفغانستان، ومن الذين جاءوا من المنطقة الواقعة على خط النار سألته عن أحوال المجاهدين فقال: والله يا أخي لقد رأيت شباباً أحقر نفسي عندهم، ورأيت همماً ونفوساً تهد الجبال الراسيات، ورأيت رجالاً يتمنون الموت ويبكون على الشهادة ويسألون الله ألا يعودوا إلى أرضهم، بل يريدون أن يموتوا في ساحات الجهاد في حال جهادهم مع الشيوعيين والكفار. قلت: ثم ماذا وحدثني عما رأيت؟ قال: دخلت معسكراً فيه ما يقارب أربعة آلاف من المجاهدين، وإذا بشيخ قد وقف فيهم خطيباً يتلو عليهم قول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] فأخذوا يبكون وضج ذلك المعسكر بالبكاء، كل يسأل ربه الجنة، ثم ثنى عليهم بقول الله جل وعلا: {إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [التوبة:39] فزاد بكاؤهم ونشيجهم وأخذ يتلو عليهم من سياط القلوب وأعظم المواعظ ما يحرك الهمم والقلوب الميتة. ثم بعد ذلك يقول: خرجنا من هذا المعسكر فإذا بقافلة خيالة، منهم سبعون فارساً على الخيل عليهم عمائم بيضاء وثياب بيضاء، فقلت لمن معي: من هؤلاء؟ قال: هذه كتيبة الأكفان، لا يخرجون إلى المعركة إلا وقد لبسوا الكفن وتغسلوا وتحنطوا واستعدوا للقاء الله جل وعلا، خرجوا يريدون الموت لا يريدون غير ذلك. قلت: ثم ماذا؟ قال: وفيهم رجل يقول: من يبايعني على الموت لا يبايعني على العود أو الغنيمة؟ فيصيحون ويبكون يقولون: بايعناك وعيونهم تذرف دمعاً شوقاً إلى جنات الله ورضوانه، كلهم يشتاق أن تُغفر ذنوبه عند أول قطرة تراق من دمه، وكلهم يشتاق أن يُشفع في أمه وأبيه وسبعين من أهل بيته، كلهم يشتاق أن يرى منزله من الجنة حين قتله، كلهم يشتاق أن يرى الحور العين تتهافت وتتوافد عليه؛ لتطير بروحه إلى أعلى عليين. قلت: ثم ماذا؟ وحدثني ولن أمل حديثك؟ قال: وفي هذا المعسكر شيخ قد جيء به على عربية مقعد معوق قد بترت واحدة من رجليه في إحدى المعارك، وحينما تكلم وحثهم على الجهاد والنفرة، كان أول من رفع يده ذلك الشيخ، فقال: أما أنت فقد أعذرت أمام الله، قد أعذرك الله جل وعلا يقول الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} [الفتح:17] فصاح ذلك الشيخ: أتحتقرني؟ فقال: لا والله لا أحتقرك، ولكنك معذور أمام الله. فقال: والله لأدخلن برجلي هذه الباقية في أرض المعركة. قال: إنك لن تستطيع أن تُقدم شيئاً. قال: اجعلني خبازاً لهم إذا عادوا يأكلون من صنع يدي! انظروا إلى هذه المعنويات العالية، والنفوس الشجاعة والأرواح الباسلة، والله لو دخل فلسطين يوماً واحداً أو عشرة أيام كتائب من هذه الكتائب؛ لطردوا اليهود الجبناء الذين قال الله في شأنهم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14] فنسأل الله جل وعلا أن يثبتهم، وأن يجمع كلمتهم، وأن يوحد صفهم، وأن يسدد رصاصهم، وأن يعينهم بعونه إنه أرحم الراحمين. أيها الإخوة! ومن الأحداث العجيبة القريبة أن نجيب الشيطان حاكم كابول، عميل الروس طلب من جلال الدين حقاني أحد زعماء المجاهدين أن يقابله وذلك بمكاتبات ورسائل بينهم، فأرسل نجيب الشيطان رسالة يقول فيها: إننا نريد الهدنة معكم معاشر المقاتلين، ومقابل ذلك سنخرج جميع سجناء منطقة بكتيا، وسوف أصدر أمراً بالعفو عنك يا جلال الدين، وسوف أسلمك مائة رهينة من الروس أو من الأفغان مقابل ضمان صدق هذه المفاوضات. فأرسل له جلال الدين رسالة قال فيها: إن الشهادة في سبيل الله أحب إليّ من هذا العفو الذليل الذي تعفو به عني حكم الإعدام، ثم اعلم أن الموت والحياة بيد الله، وليست بيدك يا نجيب الشيطان، واعلم أنني إن قبلت أن أفاوضك؛ فلن أرضى إلا بإطلاق جميع السجناء في بكتيا وفي جميع محاور القتال وجبهات الجهاد. أما الجلوس والتفاوض معك فلا بأس بذلك بشرط -وليس ذلك بتفاوض الضعفاء أو تفاوض المهزومين، لا- أن نختار مائة رهينة نحن معاشر المجاهدين وبعد خروج الروس وطردهم من البلاد، وألا يمثل هذه المفاوضات واحد منهم، ثم بعد ذلك ننظر ما تطلبون منا. انظروا عزة المسلمين في المواقف، انظروا عزة المجاهدين؛ لأنه لا حلول دبلوماسية، لا مفاوضات دبلوماسية؛ هما أمران: إما أن تُخرجوا الروس الأجانب من البلاد، وتذعنوا لراية التوحيد وحكم الإسلام، وإما أن نقاتلكم حتى آخر طفل رضيع منا، وآخر كهل مقعد فينا، وآخر أرملة جريحة من نسائنا. تلكم أيها الإخوة مشاعر المجاهدين أبشركم بها، وأخبركم أن إخوانكم بحمد الله جل وعلا من يوم أن رأوا تبرعاتكم متدفقة إليهم وجهودكم بالدعاء لهم، فياضة المشاعر في كل حين ولحظة، إن ذلك مما زاد ثباتهم بعون الله سبحانه وتعالى وتوفيقه.

واقع الجهاد في فلسطين

واقع الجهاد في فلسطين وأنظر أيها الإخوة! نظرة أقارن بها واقع إخواننا في فلسطين، إن طائفة من اليهود وشراذمة المجرمين الخونة الذين ساموا إخواننا الفلسطينين في أرض فلسطين ألواناً من الطرد والإبعاد والإيذاء والقتل: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:118]. نحن نسأل ونقول: منذ متى دخل اليهود في أرض فلسطين؟ حتى الآن ستون عاماً واليهود بعد وعد بلفور -عليه لعنة الله- وهم في أرض فلسطين لم نظفر بمعركة واحدة نخرجهم منها، أتُرى ما هو السبب؟ هل في ذلك لغز؟ هل في ذلك معجزة؟ كلا والله، أقولها صريحة وفي كل مكان: إن راية التوحيد لم تدخل المعركة حتى الآن، أيلول الأزرق، أيلول الأسود، حزيران، غُصن الزيتون، الأرض السليبة، الشعارات العقيمة لا ترد شيئاً أبداً من أرض دخلها اليهود وقتلوا رجالها وأبناءها واستباحوا نساءها، إن الشعارات لا ترد حقاً أبداً، لا يرد الحق إلا حق يقوم به وجهاد. إن اليهود دخلوا فلسطين بالدماء، فلابد أن تراق دماؤهم في فلسطين حتى يخرج الجبناء وأذنابهم منها، وبغير ذلك لن يخرجوا، وبغير هذا الحل لا تنفع معهم المفاوضات، صوتت أمريكا منذ يومين ضد القرار الذي اتخذه اليهود، ما تظنون في هذا القرار؟ تصويت ضد طرد ستة أو سبعة من الفلسطينيين، هل صوتت يوم أن دخلوا في فلسطين؟ هل صوتت يوم أن استباحوا الجولان؟ هل صوتت يوم مذبحة دير ياسين؟ يوم أن قاد " مناحن بيجن " ذلك الفاجر مذبحة جمع فيها جميع الفتيات وكل واحدة منهن حبلى جنينها في بطنها، ثم أخذ المدية وأخذ يشق بطن الفتاة حتى يسقط جنينها وهي ترى، ثم تموت متشحطة بدمها، والله لن يرد فلسطين إلا جهاد وتوحيد وراية حقة، وما سوى ذلك فإننا نكون عاجزين، ونعترف بكل هذه الصراحة أن نرد فلسطين من أيدي اليهود. إذا كنا نقاتل بالعُدد والعَدد والعتاد؛ فإن الله يكلنا إلى هذه القوى المادية، أعداؤنا يملكون ونحن نملك، عندهم دبابات والذين يقاتلون عندهم دبابات، عندهم أسلحة وأولئك عندهم أسلحة، تساوت الأمور لكن حينما نقاتل في سبيل الله ونحمل راية التوحيد والله لو دخلنا كلنا عزلاً من كل سلاح؛ فإن الله يضربهم بالرعب لقوله صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

التربية على الجهاد وبذل المال في سبيل الله

التربية على الجهاد وبذل المال في سبيل الله الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وتفكروا في عواقب الذين نبذوا كتاب الله وراءهم ظهرياً، تفكروا في عواقبهم وكيف تجرأ الأعداء عليهم وكيف دخلوا ديارهم وبلادهم، وكيف غيروا أمنهم خوفاً، وعزهم ذلاً، وغناهم فقراً، تمسكوا بشريعة الإسلام فهي سبب أمنكم وعزكم واطمئنانكم، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار. أيها الإخوة! لستم بحاجة إلى مزيد الحث والحض على أن تتبرعوا، وأن تشاركوا إخوانكم بالدعاء لهم، والتبرعات لهم، لا يكفي من واحد منكم أن يُخرج ريالاً أو عشرة، ولا نستقل قليلاً، إن الريال مع الريال قد يجلبان رصاصة في نحر كافر يموت، فلا تحقروا شيئاً من الأموال، لكني أقول: ليس يكفي من كل واحد أن يخرج شيئاً قليلاً ثم يرمي به، بل لابد أن تسأل الله أن يتقبله منك، وأن ينفع به، وأن تكون أنت بنفسك داعية نشيطاً لجمع التبرعات لإخوانك المجاهدين. إن هذه الحرب لا يخوضها المجاهدون وحدهم، إننا نخوضها معهم بتضرعنا إلى الله، بسؤالنا ربنا، بدعمنا، وليس ذلك بحولنا أو طولنا أو قوتنا، بل بفضل الله ومنه وكرمه الذي وفقنا وهدانا وأعاننا على أنفسنا، وشرفنا أن نقوم ولو بعملٍ يسير لصالح المجاهدين، وهذه العبارة ليست للخطباء أو المهتمين وحدهم، بل هي لكل مسلم فيكم. عودوا نساءكم وأولادكم الاهتمام بروح الجهاد، أعط ولدك مائة ريال أو خمسين ريالاً ثم قل: يا ولدي كم تعطي إخوانك المجاهدين هناك؟ أشعل فتيل الجهاد في قلب هذا الفتى، يشب نشطاً قوياً مقداماً شجاعاً، قل لامرأة أو أختٍ كم تبيعين من هذا الحلي الذي ادخرتيه سنين، لكي نقدمه لأخواتك المجاهدات ولنساء المجاهدين وزوجاتهم عوناً وكرامةً وزيادة؟ ينبغي أن نشعر بالجهاد في بيوتنا وفي أنفسنا وفي كل دائرة من دوائرنا، ينبغي أن نشعر أن المعركة حاسمة، وأن الدقائق فاصلة، وما هي إلا أيام قليلة نسأل الله جل وعلا أن يُعجل بشائر النصر، وأن يرفع رايات التوحيد خفاقة على جماجم الروس الفجرة، والملاحدة وعملائهم من الذين قعدوا وقبعوا ونابذوا الجهاد في كابول. نسأل الله جل وعلا أن يُعجل بشائر النصر، واعلموا أيها الإخوة! أنه حينما تنطلق صيحات التكبير فإن القوى العالمية الكبرى تخاف من ذلك. صرحت دار الإذاعة اليهودية البريطانية منذ يومين أو ثلاثة قائلة: صرح جورباتشوف زعيم الاتحاد السوفيتي قائلاً: إن هذه الحرب وإن كانت لا تحظى بقناعة شعبية لدى الشعب الروسي؛ فإننا لا نرضى بقيام حكم ديمقراطي في أفغانستان. هل يقصد بقوله: حكم ديمقراطي حكومة أمريكية؟ لا، إنما يخشى من قيام حكم إسلامي في أفغانستان، ثم ينقلب خطراً على الولايات الإسلامية السبع: بخارى وسمرقند وأذربيجان وطاشقند وغيرها من الولايات الإسلامية، إنهم ينتفضون ويخافون؛ لأن صيحات الجهاد صادقة، ولأن رايات الجهاد مرفوعة كلها تحت راية لا إله إلا الله. من للجهاد في فلسطين؟ اللهم أخرج من أرض فلسطين شباباً يحررونها وينصفون أهلها ويخرجون المستعمرين منها. أيها الإخوة! يوم أن دخل الفجار في أرض فلسطين: اللورد اللمبي الذي قاد الحملة الصليبية، وكانوا لا يعرفون اسم الصليبية لكنه في ذلك الوقت وأثناء مقابلات الصحف والمجلات قال وبكل وقاحة: إنها الحملة الصليبية الثامنة بعد حملة الملك لويس التاسع، إنها الحملة الصليبية. ثم دخل أرض فلسطين، ولما دخل الفجرة؛ ذهبوا إلى أرض الجولان، وتوجهوا إلى مكان يُوجد فيه قبر صلاح الدين أظنه جبل سيحون أو قريب من هذا الاسم، ثم وقف ذلك الفاجر فوق قبر صلاح الدين وركله برجله وقال: ها قد عدنا يا صلاح الدين! ها قد عدنا يا صلاح الدين! ها قد عدنا يا صلاح الدين! وهو يركل القبر الشريف بهذه القدم الخبيثة. انظروا إلى الحقد المبيت، لما دخلوا أرض بيت المقدس قتلوا فيها مقتلة عظيمة، كما ذكره المؤرخون وأصحاب السير، سالت الخيل فيها في الدماء إلى الركب، دخل موشي ديان وأخذ يصيح: يا لثارات خيبر، يا لثارات خيبر، يا لثارات خيبر. ثم أخذوا يقولون: محمد مات وخلف بنات، نعم والله إن الذين لم يستردوا فلسطين حتى الآن ليسوا والله بأهل للرجولة، لماذا لا يجاهدون ويرفعون راية التوحيد، ويقاتلون تحت هذه الراية، ويتبايعون على الموت تحتها؟ والله لن يبقى لليهود أمامهم قائمة، نسأل الله أن يُخرج من تلك الأرض شباباً مجاهدين صادقين مخلصين، ونسأل الله أن يعجل بنصرهم، وأن يرفع الكربة والمحنة عن إخواننا في فلسطين، وأن يرفع المحنة والكربة عن إخواننا في أفغانستان، وفي سائر بلاد المسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم احفظ بلدنا هذا خاصة وسائر بلاد المسلمين عامة، اللهم احفظ إمامنا، اللهم احفظ ولي أمرنا، اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على الحق وعلى العمل بكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين. اللهم سخر له ولنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيراناً إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته بمنك ورحمتك يا رب العالمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً طبقاً نافعاً مجللاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم اجعل ما أنزلته خيراً لنا وبلاغاً ومتاعاً إلى حين، اللهم اسقنا واسق المجدبين، اللهم لك الحمد على ما أغثتنا به، سبحانك وحدك لا شريك لك، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ولجميع موتى المسلمين الذي شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحليم العظيم، لا إله إلا أنت رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، اللهم يا فرج المكروبين! ويا نصير المستضعفين! ويا إله الأولين والآخرين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين، اللهم تلطف بهم وبأحوالهم، اللهم وفقهم، اللهم سدد رأيهم، اللهم سدد رصاصهم في نحور أعدائهم، اللهم وحد صفوفهم، واجمع شملهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

التوبة إلى الله

التوبة إلى الله إن من رحمة الله بنا أن جعل باب التوبة مفتوحاً إلى أن تطلع الشمس من مغربها ولم يغلقه أمام أحد من عباده، حتى لو عظم ذنبه وكبر إلا أن يكون شركاً، فـ ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)). وقد حث الشيخ حفظه الله على التوبة، وحذر من مغبة المجاهرة بالمعاصي.

سعة رحمة الله

سعة رحمة الله الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110]، ويقول جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. معاشر المؤمنين: هذه آيات من فصل الخطاب، ومحكم الكتاب، ونداء ممن خلق الأرضين والسماوات رب الأرباب، لا إله إلا هو عليه التكلان وإليه المآب، رب غفور جبار قاهر قادر غني قوي ينادي عباده الضعفاء الفقراء الأذلاء المساكين بتودد الخطاب أن يدنوا إليه جل وعلا، لذا فلا غرابة أن يستعجب العبد ويتلذذ بترداده كل يوم وليلة سبع عشرة مرة {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] يقرؤها في الفاتحة {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] أبلغ وأقصى وأوسع معاني الرحمة بأصنافها وألوانها وأحوالها، رحمان بعباده، حتى العصاة يستر عليهم من رحمته، يسدل عليهم ستره، يعصونه بنعمه، ويعصونه بآلائه، فيمهلهم ولا يأخذهم ساعة المعصية، ثم يمن عليهم بتوبة فيعودون إليه أوابين منه برحمة، ثم يغفر ذنوبهم ويبدلها حسنات، رحمان رحيم. عباد الله: إن هذه المعاني قد اجتهد الشيطان وأعوان الشيطان وشياطين الإنس والجن {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112] لإبعادها عن كل عبدٍ زل زلة أو أذنب ذنباً أو أسرف على نفسه أو ارتكب ما ارتكب، يحرص الشيطان وأعوانه أن يبعدوا عن العبد هذه المعاني حتى تنقلب الخطيئة على شؤم مقاييس النصارى ضربة لازم لا يزيلها توبة ولا يمحوها استغفار ولا تدفعها حسنة، ذلكم معتقد الضالين، النصارى الذين يرون أن خطيئة الأب آدم اندرجت على ذريته من بعده فلا يخلصهم منها إلا صلب المسيح ودم المسيح ولقمة المسيح، وما إلى ذلك من خزعبلات القول وهرطقات المنطق التي ليست في وحي ولا علم ولا حكمة ولا هدى مبين.

سبب نزول قوله تعالى: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل)

سبب نزول قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) معاشر المؤمنين: جاءت امرأة في المدينة إلى أحد الصحابة وكان رجلاً تماراً يبيع التمر، فلما نظر إليها أشغله جمالها، وملأت عليه فؤاده، وشغف بها حباً، فقالت: أعندك تمر أجود مما أرى؟ فقال: بلى، وقادها إلى مكان تظن أنه يذهب بها إلى موقع آخر ترى فيه أصنافاً أو أنواعاً من التمر، فما كان منه رضي الله عنه إلا أن قادها إلى بيته، ولم تكن تعلم فأغلق دونها الباب فدنا منها، ولم يصب منها ما يوجب الحد وإقامته، وإنما كما يقول الشنقيطي رحمه الله في تفسيره: لعله كان بينه وبينها ما لا ينبغي أن يكون إلا بين رجل وامرأته من مس أو ضم وقبلة، ولكن سرعان ما ندم ولسعته سياط الموعظة وأنبته نفسه اللوامة واستيقظ ضمير فكره، فما كان منه إلا أن كف عن فعله، وفتح الباب وخرج هائماً في الطرقات يبحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وجد الحبيب ووجد البر الرءوف الرحيم- بآبائنا هو وأمهاتنا صلى الله عليه وسلم- جاء إليه وأناخ بقدميه -اللتين تمطتا إلى تلك المعصية- في حماه الطاهر صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! إني أذنبت ذنباً، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم، وما كهره وما زجره وما ضربه أو أغلق في وجهه آمال التوبة أو بشائر الرحمة أو بواكير الإنابة، وإنما سمع منه حيث قال: فعلت كيت وكيت وكيت، فأطرق النبي صلى الله عليه وسلم ملياً، فما لبث أن تغشاه الوحي، ولما سُرِّي عنه صلى الله عليه وسلم، قال: (أين الرجل؟ قال: هو أنا ذا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتلو قول الله جل وعلا -تلك الآية المدنية في السورة المكية في سورة هود- {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فقال الرجل: يا رسول الله! ألي هذا خاصة؟ -) هل هذا الجواب وهذا الخطاب {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] (فقال صلى الله عليه وسلم: لا، بل لأمتي عامة) {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ على محمد وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: إننا نسوق هذه الآية وسبب نزولها ومقدماتها لنوجه الخطاب إلى أنفسنا وإلى فريق آخر، أما الخطاب لنا ولكم فهو يوم أن نرى عبداً مذنباً، فإن حاجة المريض أن تصف له العلاج لا أن تعاتبه وتشتمه وتقول له: لماذا أنت مريض؟ والله إن الذين في زنازين السجون يتمنون أن يكونوا من المهتدين المزاحمين بركبهم في حلق العلم بين يدي العلماء، والله إن مدمني المخدرات يتمنى الكثير منهم أن يكونوا من المهتدين السابقين إلى الصف الأول ورياض المساجد، ووالله إن كثيراً من العصاة ليلومون أنفسهم لوماً عظيماً، ولكن من ذا يأخذ بأيديهم إلى طريق الهداية؟ إذاً: ففي هذا دعوة أن نفتح صدورنا لإخواننا ولو كانوا مذنبين، شتان بين مذنب ذنبه على نفسه قاصر، وبين مذنب يتعدى بذنوبه لينشر الجريمة في أنحاء المجتمع. المذنبون صنفان: صنف يذنب ذنباً ويخاف خوفاً ويندم ندماً ويخشى فضيحةً ويخاف هتك ستر الله عليه، ثم هذا تراه أقرب ما يكون يوم أن تدعوه إلى حسنة تمحو خطيئته، وإلى صدقة تمحو زلته، وإلى عودة تفتح باب توبته. ومذنب آخر محترف للذنوب، تاجر ينشر ويوزع وكيل معتمد، إليه تفد ألوان الذنوب ومنه تصدر، يوزعها لينشرها في أنحاء المجتمع وجنبات الأمة، فشتان بين هذا وهذا.

توبة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا

توبة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً الأمر الآخر: يوم أن يجيء عبد من المذنبين طائعاً مختاراً مقبلاً راضياً غير مكره، فمن ذا يحول بينه وبين التوبة؟ أولسنا نعلم أن رجلاً قتل تسعة وتسعين نفساً كما في الحديث الصحيح؟! فلما جاء إلى راهب وشكا إليه ما قال له، قال: لا نرى ولا نجد ولا نعرف لك توبة بعد فعلك هذا، فما كان منه إلا أن أخرج تلك الشفرة وذلك الخنجر الذي حزه على تسعة وتسعين نفساً فأكمل به على رقبة الراهب تمام المائة، وخرج هائماً على وجهه، ثم قصد عالماً من العلماء -وفي القصة فرق بين الرهبان والعلماء- فلما جاء إليه وأخبره، قال: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ وكأنما هو يلوح بالتهديد ليضيف رقم الواحد بعد المائة، فقال ذلك العالم: ومن ذا يغلق باب التوبة دونك؟ إن باب التوبة مفتوح على مصراعيه، لا يغلق إلا يوم أن تطلع الشمس من مغربها، ولكن إن كنت تائباً مقبلاً، فالحق بأرض بني فلان فإن فيها قوماً يعبدون الله، فقبل الرجل النصيحة ووسعته الموعظة وعمته الهداية، وذهب إلى أرض بني فلان تائباً عائداً نادماً، فأدركته المنية قرب منتصف الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قالت ملائكة العذاب: عبد مذنب أسرف في القتل والذنوب، وقالت ملائكة الرحمة: عبد جاء طائعاً تائباً مختاراً، فكان بينهم ومِن أمرهم أن يقيسوا أي المسافتين إلى خطوه أقرب، فأوحى الله إلى أرض الرحمة أن تقاربي، وأوحى الله إلى أرض المعصية أن تباعدي، فكان من الذين أدركتهم رحمة الله. لما جاء طائعاً مقبلاً مختاراً تائباً إلى الله، أوحى الله إلى الأرض بأن تزحف وتتزعزع، أوحى الله للأرض أن تجر أذيالها، تدنو من أجل عبد جاء تائباً مقبلاً مختاراً قاصداً وجه الله جل وعلا ورحمته التي وسعت كل شيء. أفنظن يا معاشر العباد أن من أذنب ذنباً تضيق به رحمة الله؟ لا والله، إذاً فلا يترددن عبد في التوبة ولا يترددن عاصٍ بالإنابة، ولا يترددن خاطئ في الرجوع، فإن رحمة الله وسعت كل شيء، وإن رحمة الله سبقت غضبه، وإن رحمة الله قريب من المحسنين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

معركة حنين وقوله صلى الله عليه وسلم (لله أرحم بعبده من هذه بولدها)

معركة حنين وقوله صلى الله عليه وسلم (لله أرحم بعبده من هذه بولدها) الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من النار. معاشر المؤمنين: لما خرجت هوازن بقيادة زعيمها عوف بن مالك وقد حزب الأحزاب وجمع الجموع لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من ضلال أمره وسفاهة رأيه أن قال: يا معاشر العرب! ليخرج كل منكم بماله وأهله وولده حتى يثبت القوم، ويقاتل الرجل دون عرضه وإزاره، فما كان من القوم إلا أن استجابوا له، وخرجوا بنسائهم وأطفالهم وأموالهم، وسمع دريد بن الصمة بهذا، وكان كهلاً عجوزاً كبيراً لا يثبت على ظهر الخيل، قال: ما لي أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير وثغاء الشاة؟ قالوا: هذا عوف بن مالك زعيم هوازن أقسم أن يضع ذبابة السيف على صدره ويتكئ عليها حتى يخرج السيف من ظهره إن لم تسمع العرب رأيه فيما رأى، قال: بئس الرأي ما رأى! إن المهزوم لا يرده شيء. فما كان من القوم بعد أن كان ما كان من أمر تلك المعركة- معركة حنين - في بدايتها أصاب بعض المسلمين عجب، وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة، ليس علينا خطر أو هزيمة نخشاها لأننا كثير {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25] كانت كثرة تعلق القوم فيها بنوع سبب بشري فكانت من أسباب الهزيمة، لأن النصر لا يتنزل إلا على أمة تقطع الآمال بأسباب البشر وتعلق الآمال والرجاء بالله وحده لا شريك له. فما كان من القوم بعد أن كمن المشركون لهم في وادي أوطاس، ثم فاجئوهم بمطر بالنبال إلا أن فروا ولم يبق منهم إلا قليل، ولم يثبت إلا الشجاع القائد المجاهد الإمام النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت على بغلة وليست فرساً أو خيلاً تحسن الكر والفر في المعارك، ثبت على بغلة ولم يخف القائد موقعه، بل صاح بأعلى صوته: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، واشتد الكرب، وادلهم القوم، والتفوا يريدون إزهاق روح رسول الله، ويريدون قتله صلى الله عليه وسلم، فثبت وخيار الصحابة حوله، ثم التفت صلى الله عليه وسلم وهو يقدم على القوم ويفل صفوفهم ويكسر جمعهم ويبيد خضراءهم، فلما التفت إلى العباس، وقال: يا عباس! الحق بالقوم وصح بهم: يا أصحاب السمرة! يا أصحاب سورة البقرة! إن النبي صلى الله عليه وسلم يدعوكم أن تعودوا، وكان العباس جهوري الصوت فنادى فيهم فسمعوه، ومن شدة فرار بعض القوم أن بعضهم لم يستطع أن يثني رأس راحلته أو خيله أو بعيره ليعود إلى موقع المعركة، فرمى بنفسه من ظهرها وعاد راجلاً؛ استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم نصرهم الله بنصره وثبتهم بثباته {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم:27] ثم كسروا جموع القوم، وكان كل ما جمعه عوف بن مالك من الخيل والشاة والإبل والنساء والأطفال غنيمة وسبياً للمسلمين، فاجتمع للمسلمين ذاك اليوم شيء عظيم من الفيء والغنائم والسبي، فجاء القوم يريدون بعض المال من رسول الله، وكيف يمن عليهم صلى الله عليه وسلم بمال وهو الذي خير أن تذوب جبال الدنيا ذهباً تحت قدميه فلم يرض بهذا واختار أن يشبع يوماً ويجوع يوماً؟! كيف يمن أو يبخل بمال من هذه همته في الآخرة وهذا زهده في الدنيا؟ فجاء الأقرع بن حابس، وأعطاه مائة من الإبل، وجاء عيينة بن حصن، فأعطاه مائة من الإبل، وجاء حكيم بن حزام، فأعطاه مائة، ثم سأل ثانية، فأعطاه مائة، ثم سأل ثالثة، فأعطاه مائة، ثم جاء أعرابي وقال: يا رسول الله! ما أطيب هذا الوادي وما فيه من النعم والشاة! قال: خذه فهو لك، ثم جاء من جاء والنبي يعطي ويعطي ويعطي؛ لأن همته أعظم من ذلك، همته وفكره وقلبه ولبه وفؤاده نصر المسلمين، ونشر التوحيد وتعبيد العباد لله، بعبادة الله وحده لا شريك له، لأن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة. وكان كبار الصحابة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيطون به إحاطة النجوم بالقمر ليلة البدر، فرأوا بين السبي امرأة كأنها مجنونة، كأنها قد أصابها مس أو جنون، تفتش يمنة ويسرة وتقبل وتدبر وتركض وتجيء وتعود حتى شقت الطريق بين القوم، ثم لقيت طفلاً فأخذته واحتضنته وضمته وقبلته، ثم كشفت ثديها، لم تشعر بحالها بين القوم، وألقمته في فم الرضيع وهي تبكي، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر والصحابة ينظرون، فقال صلى الله عليه وسلم: (أترون أن هذه المرأة تقذف بولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعبده من هذه بولدها).

إن الله ستير يحب الستر

إن الله ستير يحب الستر إن إلهنا وخالقنا ومولانا عظيم في ذاته، وكذلك عظيم في صفاته، ومن صفاته الرحمة، فهو عظيم في رحمته جل وعلا. ولسنا نسوق هذا الكلام لكي تجترئ النفوس على المعصية، فكما أنه عظيم في رحمته غيور على نعمه، وغيرته أن يأتي عبده أو أمته ما حرم عليه {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة:218] فإنه كذلك شديد في عقابه. إن الصادقين في طلب الرحمة براهين صدقهم في أعمالهم: التوبة بعد الذنب والحسنة بعد السيئة، والندم بعد الخطيئة، وملاحقة السيئات بالحسنات التي تمحوها بإذن الله. لسنا نسوق هذا حتى يفهم السامع قول القائل: وكثر ما استطعت من المعاصي إذا كان القدوم على كريم بل نسوق هذا لكي نعلنها منذ اللحظة، ومن الساعة نهجرها ونطلقها ونودعها وليس وداعاً بل نفارقها فراقاً، وإن صرم فصرم كالطلاق، كل معصية أسرفنا بها وزللنا وأخطأنا، فالحمد لله الذي لم يزل بعد يمتعنا بأبصارنا وأسماعنا وألسنتنا وأيدينا وأقدامنا، وقد عصيناه بها جميعاً، فالحمد لله على ما ستر، والحمد لله على ما أنعم من هذه الحواس والجوارح ومن غيرها {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] الحمد لله على كل حال. ومن موجبات حمده أن نقلع عن معصيته وألا نصر عليها، وألا نستخدم نعمه في معصيته جل وعلا.

ستر الله على مذنب بني إسرائيل

ستر الله على مذنب بني إسرائيل أيها الأحبة: إن الله جل وعلا عفو غفور كريم ستير يحب الستر. ذكر ابن قدامة في التوابين قصة في بني إسرائيل أن موسى عليه السلام خرج يوماً يستسقي، فلم ير في السماء قزعة- أي: سحابة- واشتد الحر، فقال موسى: يا رب! اللهم إنا نسألك الغيث فاسقنا، فقال الله جل وعلا: يا موسى! إن فيكم عبدي يبارزني بالذنوب أربعين عاماً، صح في القوم وناد إلى العباد: الذي بارز ربه بالذنوب والمعاصي أربعين عاماً أن اخرج، فقال موسى: يا رب! القوم كثير والصوت ضعيف فكيف يبلغهم النداء؟! فقال الله: يا موسى! قل أنت وعلينا البلاغ، فنادى موسى بما استطاع، وبلغ الصوت جميع السامعين الحاضرين، فما كان من ذلك العبد العاصي -الذي علم أنه المقصود بالخطاب، المرقوم في الكتاب أنه ينادى بعينه بين الخلائق، فلو خرج من بين الجموع، عُرف وهتك ستره وانفضحت سريرته وكشفت خبيئته- فما كان منه إلا أن أطرق برأسه وأدخل رأسه في جيب درعه أو قميصه، وقال: يا رب! اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني، اللهم إني أتوب إليك فاسترني. فما لبث موسى ومن معه إلا أن أظلهم الغيم وانفتحت السماء بمطر كأفواه القرب، فقال موسى: يا رب! سقيتنا وأغثتنا ولم يخرج منا أحد! فقال الله: يا موسى! إن من منعتكم السقيا به تاب وسألني وأعطيته وسقيتكم بعده، فقال موسى: يا رب! أرني ذلك الرجل، فقال الله جل وعلا: يا موسى! سترته أربعين عاماً وهو يعصيني أفأفضحه وقد تاب إلي وبين يدي؟ الله أكبر! ما أعظم ستر الله! إن الله ستير يحب الستر.

خطورة المجاهرة بالمعاصي

خطورة المجاهرة بالمعاصي لقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، قالوا: ومن المجاهرون يا رسول الله؟ قال: الذين يذنبون أو يعصون الله فيمسون يسترهم الله فيصبحون يكشفون ستر الله عليهم، يقولون: فعلنا وفعلنا) وما أكثرهم في هذا الزمان! يسافرون في الإجازات ونهاية عطلة الأسبوع وغيرها من المواسم والمناسبات، فإذا عادوا: هذه صورتنا يوم كنا كذا، وهذا صورتها يوم كانت كذا، وهذا مقامنا في مكان كذا، يسترهم الله وهم يفضحون أنفسهم! إن الله ستير يحب الستر. ونسوق هذا ونكرر أن الكلام هذا ليس بدعوة إلى الجرأة على المعصية، وإنما هي دعوة لمن أذنب أن يتوب، ولمن أسرف أن يئوب، ولمن أخطأ أن يستغفر، ولمن وقع في الذنب أن يعلم أن له رباً يغفر الذنب ويقبل التوبة ويعفو عن السيئات. فيا عباد الله: توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم. يا عباد الله: توبوا إلى الله من صغير الذنوب وكبيرها خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى يا عباد الله: توبوا إلى الله من كثير من الذنوب التي درجت على الألسنة، وكثير من الخطايا والآثام، فلنتب إلى الله من الغيبة، ولنتب إلى الله من النميمة، ولنتب إلى الله من الحسد والحقد، ولنتب إلى الله من ازدراء الناس واحتقار الخلق والتهاون بشأن الخلق، إن من الناس من لا يرى في نفسه ذنباً ولا عيباً وقد جمع ألواناً من الذنوب لم يجمعها من ظهر فسقه في بعض الأمور؛ وذلك بغيبة لا تكل، ونميمة لا تمل، وازدراء لا حد له، إن احتقار الخلق أمر عظيم (بحسب امرئ من الشر- يكفيه شراً- أن يحقر أخاه المسلم) وهذه من الذنوب الشائعة العامة بين العباد. ومن الذنوب أيضاً: ما تساهل به كثير من الناس تحت دعوى الأخبار والمسلسلات أو التحقيقات، فجثم بإرادته طبق يستقبل السموم على سطح بيته، ويعد أنه يستقبل بهذا أخباراً غاديةً ورائحةً، والله لن تسأل عنهم ولا عن أخبارهم، ولو حفظ أخبارهم عن ظهر قلب ما نورت لحدك، وما وسعت قبرك، وما أخرت أجلك، وما بسطت في رزقك، وإنما جررت ذنباً على نفسك وذنباً على أبنائك، فتب إلى الله وأزل هذا، نقول هذا نصيحة لكل من وضع الطبق على سطح داره أن يزيله حتى لا يبارز ربه بالمعصية، والذنوب نوعان: ذنب خفي وذنب جلي، فالذنب الخفي أهون بكثير من الذنوب الجلية. فيا عباد الله: توبوا إلى الله، يا عباد الله! ناصحوا إخوانكم وناصحوا جيرانكم، ونادوهم برقيق العبارة ولطيف القول ولين الخطاب، وليعلموا أن الباعث ليس الأمر والنهي وإنما هو الخشية والوجل والخوف والمحبة، حينئذٍ لعل قلباً أن يستمع، ولعل نفساً أن تنزجر أو ترعوي. أسأل الله جل وعلا أن يتوب علينا من ذنوب خفيت وظهرت، وأسأله سبحانه وتعالى أن يسترنا بستره، وألا يكشف سرائرنا، وألا يهتك أستارنا، وألا يفضح عوراتنا، أسأله سبحانه وتعالى أن يصلح لنا السيرة والسريرة، والظاهر والباطن والسر والعلانية. اللهم اغفر لنا، اللهم اغفر لنا، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نبوء لك بذنوبنا فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. اللهم صل على محمد وآله وصحبه، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم ارحم المستضعفين في البوسنة، اللهم ارحم المستضعفين في كشمير، اللهم أقم التوحيد في بلاد المسلمين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، ورد المبعدين إلى بلادهم، وأصلح شأنهم يا حي يا قيوم. اللهم أهلك اليهود، اللهم اجعلهم شذر مذر، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين يا حي يا قيوم، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في السجون والزنازين، اللهم اجعل لهم مما هم فيه فرجاً، وعجل لهم في أمرهم مخرجاً، اللهم احفظ عوراتهم، وآمن روعاتهم، واستر ذرياتهم، وتكفل بأبنائهم وآبائهم وأمهاتهم يا رب العالمين.

وصايا للأمة في ظل الأزمة

وصايا للأمة في ظل الأزمة حرب الخليج الثانية، ودخول صدام الكويت، وتهديد السعودية من الأزمات العصيبة التي مرت بأمة الإسلام، وكشفت كثيراً من الأمور وتباين الآراء تجاهها شعوباً وأنظمة، وفي هذا الدرس وصايا عامة للأمة بخصوص الأزمة وكيفية التعامل معها.

دور الأمة عند الأزمات

دور الأمة عند الأزمات الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي بأمره تنسف الجبال نسفاً، فتكون قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، الحمد لله الذي بأمره تنكدر النجوم، وتنفطر السماء وتنشق الأرض، وتسجر البحار وتتفجر نيراناً، الحمد لله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أيها الأحبة في الله! أذكركم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه، إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده) اللهم إنا نشهدك ونشهد ملائكتك والناس أجمعين، أنه ما جاء بنا إلى هذا المسجد وهذا المجلس إلا ابتغاء رحمتك، وابتغاء الذكر في الملأ الأعلى عندك. اللهم حرم وجوهنا على النار، اللهم آتِ هذه الوجوه الطيبة، اللهم آتها من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمنا، ومن كل فتنة عصمة، اللهم صل على محمد أولاً وآخراً. أحبتنا في الله: حديثنا اليوم عن هذه الأزمة التي قرأتم وسمعتم وتابعتم الكثير من أحداثها، ولكن من واجبنا ألا ننقطع عن مجالس الذكر والعبادة والدعوة، أياً كان حجم الأزمات، وأياً كان مستوى المصائب، والله إن من الأمور التي قد ينزعج الواحد منا أن يرى شيئاً من الفتور في مجالس الوعظ، والذكر، والندوات، والمحاضرات، بحلول هذه الأزمة، وكان من واجب الأمة ألا تزيدها هذه الأزمات إلا مزيداً من البذل والعطاء. كان مقرراً أن يكون عنوان المحاضرة " العلمانية وأثرها السيئ على الأمة" ولما جاءني أحد الإخوة بالإعلان المطبوع عن المحاضرة، قلت: هذا الموضوع لا يناسب الآن، ولا يصلح أبداً؛ لأننا في مواجهة عدوٍ من الخارج، قد أحاط بحدودنا، وجيَّش جيوشه على سواحلنا، فمن واجبنا ألا ننشغل بالقضايا الجزئية أو القضايا الفرعية، ونحن نواجه أخطر الأعداء وأكبر الفتن بالنسبة لتاريخٍ نشأنا وترعرعنا فيه، ألا وهي هذه الأزمة الشديدة، نسأل الله جل وعلا أن يفرجها بمنه ورحمته عن الأمة أجمع. أيها الإخوة! واختار الإخوة أن يكون موضوعنا: "وصايا للأمة في ظل هذه الأزمة". وحقيقة نحن بأمس الحاجة إلى الوصية والنصيحة؛ لأنها بإذن الله جل وعلا من باب التواصي على الحق، والتواصي على الصبر، ومعرفة ما ينبغي فعله، لا نشك أن جميع المسلمين وجميع هذه الوجوه الطيبة، كل واحد يقول: لو علمت أن لي دوراً في هذه الأزمة ما ترددت عن القيام به، والبعض يظن أنه ليس له دور على الإطلاق، أو أن فعله أو قوله لا يقدم ولا يؤخر في ظل هذه الأزمة. والله يا عباد الله! إن للبهيمة لدوراً في هذه الأزمة، فضلاً عنكم أنتم يا من أسجد الملائكة لأبيكم آدم، ويا من كرمكم وفضلكم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وآتاكم الأسماع والأبصار والأفئدة، أتدرون ما دور البهائم في هذه الأمة؟ إن الله قد يرحم الأمة بها، إنما تنصرون وترحمون بضعفائكم، قد يرحم الله الأمة بالأطفال الرضع، والشيوخ والعجائز الركع، الذين لا يعرفون من السياسة قليلاً ولا كثيراً، وبهذه البهائم الرتع التي تجأر إلى الله جل وعلا. وإنا لما أخبرنا أحد الإخوة في أول ليلة سقط فيها عدد من الصواريخ، قال: سمعت مكاناً فيه عدد من القطط تموء مواءً لا يعلمه إلا الله جل وعلا، فقلت: والله لعلها تجأر إلى الله مما يحصل، وكما يقول أبو الدرداء: [إن الحبارى لتموت هزالاً في أوكارها من شؤم معصية بني آدم] ولعلها تدعو على بني آدم.

الإيمان بالقدر والرضا به

الإيمان بالقدر والرضا به أيها الأحبة! أود أن أسألكم سؤالاً، هذه المصيبة التي ما تركت بهيمة ولا طفلاً ولا صغيراً ولا رضيعاً ولا كبيراً ولا فقيراً، ولا تاجراً ولا غنياً ولا ملكاً ولا وزيراً، ولا ذكراً ولا أنثى ولا مسافراً أو حالَّاً أو مرتحلاً، إلا أشغلته ونالت من همه وذهنه نصيباً، هذه المصيبة التي أشغلت الأمة، بل أشغلت العالم بأكمله، أتظنونها جاءت فلتة؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً؛ لأننا نعلم أن الأمور بقضاء وقدر {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22]. ونعلم أن القضا واقع وأن الأمور بأسبابها والبلايا بقضاء وقدر والدنا عبر أي عبر اقرأ التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر أود أن أقول أيها الأحبة: إن هذه المصيبة إنما هي بقضاء وقدر، وهذا من تمام الإيمان، ومن شك في أن هذه المصيبة بقضاء وقدر، ففي إيمانه شك بقدر شكه في هذه القضية. الأمر الآخر: مادامت هذه بقضاء وقدر، فأسألكم سؤالاً: هل يقدر الله عبثاً؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، إذاً: فهذه المحنة والأزمة والرزية والمصيبة، ما قدرها الله عبثاً، وإنما قدرها لحكمة بالغة يراها الله جل وعلا، حتى نطمئن ونهدأ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام:137] الأمور بيد الله جل وعلا، ونحن عبيده، بنو عبيده، بنو إمائه، نواصينا بيده، ماضٍ فينا حكمه، عدل فينا قضاؤه وقدره. ما الذي يزعجنا؟ ما الذي يجعل كثيراً من الناس لا يعرفون بالليل نوماً، ولا بالنهار هدوءاً وطمأنينة؟ أيحدث أمر قدره غير ربكم؟ كلا والله. فعلام الفزع الذي جاوز حده! والأولى أن يفزع الناس، وأن يشتغل الناس فيما يستعدون به لأمر الآخرة، لأمر الرحلة، لأمر النقلة إلى دار فيها أعظم من هذه الأهوال. إذاً: فهذه الأزمة بقضاء وقدر، وهذا القدر كما يقول ابن تيمية رحمه الله في معنى كلامه: إنه ما من قدرٍ لله جل وعلا إلا وهو مشتمل على تمام الحكمة؛ لأن الله لا يقدر عبثاً، ومشتمل على تمام العدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44] {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] وفي الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا). إذاً: فهذا القدر، قدر هذه الأزمة تمام العدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، وأيضاً تمام الرحمة؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه، ولأن رحمة الله وسعت كل شيء.

الصبر والاحتساب على المصائب

الصبر والاحتساب على المصائب أيها الأحبة: شأن المؤمنين الذين إذا أصابتهم مصيبة أن يقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فينبغي أن نكثر من هذا الذكر وهذا الدعاء. شأن المؤمنين حينما يخوفون بأعدائهم؛ أن يتذكروا قول الله جل وعلا: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً} [آل عمران:173] هربوا من مدنهم، ماذا فعلوا؟ قالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران:173 - 175]. من أين يأتي هذا الخوف؟ من أين يأتي الفزع؟ من أين يأتي هذا الارتباك وعدم الانضباط والتوازن في تصرفات عجيبة من كثير من الناس، تجده يخرج من بيته المطمئن الآمن المضاء المكيف المعد بكافة المرافق، لكي يضرب خيمة يأكله فيها الناموس، ويتأذى بالظلام، ويتأذى من البرد، ولا يجد ماءً ولا يجد كافة ما يحتاج إليه، هروباً من هذه الفتن. أهرب من قدر الله إلى قدر الله، نهرب من الموت: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] أنا لا أقول: إن كل من سافر ففي إيمانه دخن، أو ليس عنده توكل على الله، حتى لا يقول أحد: هؤلاء المطاوعة من رأوا جمسه متوجهة على ديراب، قالوا: هذا ليس عنده توكل، لا. إنما أريد أن أقول: إن من خرج فراراً وظناً أن فراره هذا يدفع عنه قدر الله، فهذا مسكين جاهل. نعم قد يوجد إنسان بيته قرب المواقع الاستراتيجية، التي لاحظ مراراً أنها مواقع مستهدفة، نقول: هذا الشيء معقول، لكن الذي هو بعيد يهرب إلى أين؟ أحدهم يستأجر بيت طين كلما كنس أرضه تهلهل سقفه، لا يقف عن هذا التنظيف أبداً، وكلما ارتج فيه بابٌ جاوبه الباب الآخر في آخر الدار، ما الذي أحوجك إلى هذا؟ سبحان الله العلي العظيم! فنقول أيها الأحبة: إنما ذلكم الشيطان؛ لأن الشيطان يأتي ويدخل الرعب والخوف والفزع في قلب ابن آدم، فيصيبه ما تراه من هذه التصرفات المرتبكة أو الغير منضبطة، وتذكروا قول الله جل وعلا: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268] فحسن التوكل على الله، وحسن اللجوء إلى الله جل وعلا فيه خير عظيم {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175]. إذاً أيها الأحبة: هذا شأن المؤمنين أن يكثروا من ذكر الله، وأن يكثروا من اللجوء والتضرع والانكسار بين يدي الله سبحانه وتعالى، وفي مسند الإمام أحمد: (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالجماعة، والصبر والسكينة عند الفزع) الذي يحصل من بعض الناس يخرج من الجماعة إلى الوحدة والخلاء والخوف، إلى البرية لوحده، أو إلى مكان بعيد، يظن أنه بمأمن. والسنة في الفزع، إذا كان الذي أخرجه فزعه، أن يحرص على الجماعة، (كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالجماعة والصبر) احتساب ما يصيب الإنسان؛ لأنه ما من هم حتى الليلة التي تسمع فيها صوت صفارة الإنذار، فتضع يدك على خدك أو على رأسك وأنت مهموم أو مغموم، أو تنظر إلى هؤلاء الأطفال، ولا ألوم من كان له صبيه: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]. قد تتألم ويتقطع قلبك وأنت ترى هؤلاء الأطفال، أحدهم يجر رداءه، والآخر يجر ثوبه خوفاً وفزعاً، يلحق أمه وأباه، لا يدري ما يفعل عند سماع هذه الصفارة مثلاً، ويتألم قلبك أن ترى هذا مهموماً أقول: أبشر بخير، فإن هذا الهم فيه خير لك، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! يقول ربنا جل وعلا: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] هذا أبو بكر المبشر بالجنة يتلو هذه الآية، يقول: نخاف مادام كل سوء نعمله نجزى به ما بقي لنا عمل، وهو أبو بكر، المبشر بالجنة رضي الله عنه، فيقول له صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ألست تهتم؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: فذلك مما تجزون به). أي: هذا الهم الذي يجعل أحدنا يبيت ساهراً أو متألماً، هذا يا إخوان كفارة للذنوب والمعاصي: (ما من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب، حتى الشوكة يشاكها المسلم إلا كفر الله بها من خطاياه) فلماذا نفقد ونبعد عامل وعنصر الاحتساب في هذه المسألة؟ إذا أصبحت أو أمسيت مهموماً أو مغموماً يدك على رأسك، فأكثر من ذكر الله، والاستغفار، واحتساب الصبر فيما ينالك، فذلك خير لك بإذن الله جل وعلا.

وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم

وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم أيها الأحبة: والله إن في هذا الأمر الذي يدور خيرٌ عظيم للإسلام والمسلمين، ولله الحكمة البالغة، ما ماتت نفس قبل يومها، وما أصيب أحد مصيبة إلا بقدر، من كسر هناك قدر له أن يكسر في حادث سيارة أو في الجبهة، من قتل هناك قدر له أن يقتل في طلقة رصاص وإلا على فراشه، لا أحد يتجاوز أجله بأي حال من الأحوال، إذاً فلنطمئن ولنهدأ، فلنعد البشر والابتسامة، ولين الجانب، وطلاقة المحيَّا فيما بيننا، بدلاً من أن يعين بعضنا بعضاً على الهم والغم، أنت تخرج من بيتك فتلقى مهموماً فتهتم معه، فتدخلون على العمل فيهتم بقية الزملاء، يأتي المراجع فيهتم معكم، ويعود إلى بيته مهموماً فيهتم البيت، ثم تجتمع الأمة على غم وهمّ. لكن حينما أخرج وأنا مبتسم، ذاكر شاكر صابر محتسب، بإذن الله جل وعلا هذا مما يعين النفوس على الطلاقة والبشر والحماس والعمل، كثير من الناس تركوا شيئاً من أعمالهم أو حرفهم أو مهنهم، لماذا هذا الخوف، ولماذا هذا الجزع؟ بالعكس الواجب على الأمة في حال الأزمة والفتن أن تبذل مزيداً من العمل والإنتاج، لكي تغطي ما تستهلكه الحرب من النفقات، هذا هو واجب الأمة، ليس واجب الأمة أن يخزن بعضهم ما استطاع من طعام، أو يهرب البعض إلى آخر مكان ينأى به أو يصل إليه. وتذكروا قول الله جل وعلا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] ويقول تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].

حال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم

حال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر الصحابة عن عير قريش قبل موقعة بدر، تمنى الصحابة أن يظفروا بالعير وألا يقاتلوا قريشاً، قال تعالى: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} [الأنفال:7]. ولكن الله جل وعلا قدر برحمته وحكمته وعدله، أن تكون الشوكة والقتل والقتال وسل السيوف وصهيل الخيول، وكان في هذا خير عظيم بإذن الله جل وعلا، ليحيا من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، كان فيها خير عظيم بإذن الله جل وعلا، فلا تكرهوا الحرب، الحرب التي نواجهها الآن هي قدرنا، وعلى كل أمة أن تواجه قدرها، هل فر النبي عن قدر الحرب في أحد التي قال قبلها: (رأيت بقراً تنحر) أي: رأى في المنام أنه سيكون ذبح وقتل في صحابته، ومع ذلك خرج لملاقاة عدوه، وما جزع، وتقبل قدره، وواجه هذا القدر بقدر الله المشروع وهو الجهاد. دخلت حلقتين من حلق المغفر في رأسه صلى الله عليه وسلم، كسرت ثنيته، شج وجهه الكريم، كسرت رباعيته، ومع ذلك واجه النبي قدره، واجهوا قدرهم في الخندق والأحزاب، وبني قريظة، وبني المصطلق، وبني النضير، وتبوك، ومن بعدهم المسلمين في بلاط الشهداء والقادسية واليرموك والزلَّاقة، إلى آخر عصور المسلمين، والأمة تواجه أقدارها وهي سعيدة. لما كان عصر الفتوحات في الدولة الإسلامية في عهد أبي بكر وعمر، ماذا كان شأن الناس في المدينة؟ أكانوا يجتمعون في المساجد ويصيحون وينيحون ويبكون؟ كان الناس يتبايعون ويشترون، ويتزوجون ويتناسلون، ويأتي البشير من قائد أمير المؤمنين، فتحت مدينة كذا فيكبر المؤمنون، استشهد زوج فلانة، فتحتسبه شهيداً عند الله، وترجو اللحاق به في الجنة، قتل فلان بن فلان فيحمدون الله جل وعلا.

وضوح زيف السلام العالمي

وضوح زيف السلام العالمي كانت الأمة تعيش قدرها الطبيعي للغاية، وليس كما أصاب كثيراً من المسلمين في هذا الزمان، وقد لا يلام بعضهم؛ لأنهم تعودوا حياة السلام، وأنغام السلام، وموسيقى السلام، وأخبار السلام، وعدم الانحياز، والعدالة في القضايا الدولية، وظنوا أن المجتمع لا يقتل فيه طير، ولا تغتال فيه بهيمة، ولا يراق فيه دم، ولا يقطع فيه شلو، لا. أغنية السلام التي نمنا على أنغامها زمناً طويلاً هي التي جعلتنا نفزع ونخاف. اسألوا إخوانكم الشباب الذين ذهبوا للجهاد في أفغانستان، كيف كانت أنفسهم أمام الوضع؟ قالوا: الأمر طبيعي، هل هناك من رغبة في الجهاد؟ مستعدون في أي لحظة؛ لأن من تعود قدر الأمة الطبيعي، وسنة الله في أمة الإسلام في الجهاد في سبيل الله، ركنها السادس وذروة سنامها، لا يعجب من هذا أبداً، لكن مر بنا زمن طويل وفيه استقرار السلام، استتباب الأمن في منطقة الشرق الأوسط، والسلام والسلام، وأي سلام هذا؟! سلام ومليون وستمائة ألف قتيل في أفغانستان نحسبهم من الشهداء، ما هو السلام الذي نمنا على أنغامه؟ سلام والمسلمون في سنقار في كشمير دماء تسيل، يأتون الأسرة المسلمة وهي متحلقة على طعام الإفطار في رمضان، فيهجمون عليها، ويجعلون دماءهم على إفطارهم، في بورما، في الفلبين، في مندناو، في أثيوبيا وإرتيريا، أي أغنية سلام نمنا عليها هذه، التي جعلتنا نفزع لما رأينا الحرب، والحرب ممن؟ من عدوٍ ما كانت عداوته غريبة أبداً، الذي يقول لك: سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم أي يقول: سأوحدكم، سأجعل دولتي ودولتك والكويت والعراق وقطر والإمارات، سأجعلها دولة واحدة ولو بالكفر، ومرحباً بجهنم بعد ذلك، أتظنون أن أمر الحرب وعداوة المسلمين تعتبر قدراً غريباً، أو شيئاً عجيباً حينما يبدو منه، أبداً والله، كنا في غفلة، وكان الأعداء يعملون، وكان عامَّة الناس فينا يجهلون ماذا يراد بالأمة، وماذا يخطط لها.

الإعداد لمواجهة الأعداء

الإعداد لمواجهة الأعداء وهذا الزمان يا إخوان! زمن العقائد التي تتقاتل وليست هذه أول المصائب، الآن العقائد تعيد تجنيد أحزابها، وتعيد تجنيد الخلايا والفروع والأفراد المنتمين إليها، وتعيد تدريبهم تدريباً عسكرياً لا يخطر لكم على بال، فإما أن نكون أمة ونستعد لمواجهة هذا الأمر، ونكون أمة قتال، أمة سلاح، ولا نعجب منذ الآن فصاعداً من أمر القتل والقتال والجهاد، بل نجعله أمراً طبيعياً، وإلا فإننا سنبقى ضعفاء أمام هؤلاء الأقوياء الذين أخذوا بأسباب العدة المادية، ونحن تركنا قول الله جل وعلا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60]. ما تدربنا وما أعددنا حتى نرهبهم، ينبغي أن ندرك أن الواجب الآن أن يعرف الناس، أنه يحمل السلاح ولن يوضع، لمعرفة ما يدور وماذا سيدور، وإلا فاعلموا كما قلت آنفاً: أيها الأحبة! جماعة حزب الله في لبنان يعيدون ترتيب شبابهم ترتيباً عسكرياً، والأفلام الوثائقية صورت، والتقارير نقلت، أمل يعيدون ترتيب شبابهم، حركات أخرى تعيد ترتيب شبابها ترتيباً عسكرياً مسلحاً، ابتداءً بحمل الرشاش، وانتهاءً بحرب المدن، مروراً بالراجمات والقنابل والصواريخ، والرشاشات الثقيلة والخفيفة. فأنتم يا شباب الأمة! يا شباب الجزيرة! ما هو مشروعكم؟ هل تقولون: بدأت الأزمة فتطوعنا، ثم ننام بعد نهايتها؟ لا. أن يبقى هاجس الجهاد والحرص على هذه الأمة والبلاد والحدود، ليست عصبية للمملكة، وإنما لأننا نرى إسلاماً يطبق فيها، وحينما تتجاوز حددوها تجد القوانين والأنظمة الوضعية، هذا على ما فينا من النقص والكمال لله جل وعلا. نقول: لا نكره هذه المصائب. ربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سبباً ما بعده سبب والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم والشر إن تلقه بالخير ضقت به ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسم لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم لا يمكن أن تسلم الأمة بعزتها وكرامتها، حتى نقدم قرابين العزة، قرابين الجهاد، قرابين الشهادة لله جل وعلا، ما لم ترتو هذه الحدود بالدماء فلا أمن لكم أيها الأحبة، أقول هذا الكلام لا تخويفاً، بل تشجيعاً وحثاً على الجهاد في سبيل الله جل وعلا.

صور من اللطف الإلهي

صور من اللطف الإلهي واعلموا أيها الأحبة! مع هذه الأزمة وما فيها من المصائب، أن الله جل وعلا قد أظهر لطفه وهو اللطيف الخبير، دائماً حينما تصلون في تلاوة القرآن الكريم إلى نهاية مقطع الآية، ارعِ سمعك لها، وتأملها تأملاً جيداً، تجد حكمة عظيمة في مناسبة المقطع الأخير لموضوع الآية.

قلة المتضررين

قلة المتضررين لطف الله جل وعلا أيها الأحبة بكم شأنه عجيب جداً، وليس على الله بعزيز، فكما أن الله عظيم، فكذلك لطفه عظيم سبحانه وتعالى، يسقط صاروخ أسكود على بناية، من أين يدخل؟ من النافذة، وينفجر في وسط البناية، حتى تحتوي البناية الأنقاض في داخله، فلا تسقط البناية يميناً فتهلك العمائر المجاورة، ولا تسقط شمالاً فتهلك العمائر المجاورة، وإنما يدخل الصاروخ مع النافذة. وهذه الأنقاض يحتوي بعضها بعضاً، وكل يموت بأجله، وكل يجرح بقدره، أناس سمعوا الصفارة وقفوا في أتوبيس النقل الجماعي، عند البناية التي بنيت، وإذا بالصاروخ ينزل مع النافذة ويصيبهم ما يصيبهم من قدر الله عليهم، المسألة يا إخوان بمنتهى القضاء والقدر. أقول أيها الأحبة: هذه من صور اللطف الإلهي من عند الله جل وعلا بهذه الأمة، وأمة تخوض حرباً كهذه الضحايا فيها بالآلاف، القتلى فيها بعشرات الآلاف، وحتى الآن لا نزال على مستوى لا أقول المئات، بل بالعشرات حتى الآن فيما قدمنا في هذه المعركة، فالحمد لله حمداً كثيراً أولاً وأخرى.

فشل صواريخ الباتريوت

فشل صواريخ الباتريوت كذلك من صور اللطف الإلهي، صواريخ الباتريوت هذه أيها الأحبة، صنعت منذ مدة طويلة، أو بداية التصنيع لها، ثم جربت فلم تظهر فعالية أبداً، إلا شيئاً قليلاً جداً، حتى فكرت الشركة المصنعة لهذه الصواريخ، وهذه تقارير دقيقة بإلغاء هذا الأمر، قالوا: هذا إنتاج يكلف الكثير، والجدوى الاقتصادية والمردود الفعلي من هذا الإنتاج ليس على مستوى البذل الذي يبذل فيه، ثم قدمت دراسة لهدف تطوير هذه الصواريخ، فطورت، وجرب منها أحد عشر صاروخاً على أهداف مختلفة، فلم يصب منها واحداً أبداً. ثم تطورت وكان نسبة توقعات الذين أعدوها، ليست دقيقة أو عندهم التفاؤل الكبير فيها، وإذ بها تجرب هنا، فتعطي النتائج العجيبة الرهيبة، أليست هذه كرامة من كرامات الله لهؤلاء الموحدين؟ أليست كرامة مثل كرامات أفغانستان؟ والله إنها كرامة، وحري بالشباب أن يسجلوا كرامات الله لهم في هذه المعركة، هذه مسألة مهمة، وليست غريبة أو عجيبة، وفضل الله ورحمته ومنه وكرمه قد شمل هذه الأمة، لكن أقول: هي أمة ينالها الله برحمته، والله ليس في هذه البلاد أضرحة تعبد، ولا قبور يطاف عليها، ولا مزارات أو مشاهد يضحّى لها، أو يطوف الناس بها، يسألونها دفع الكربات وجلب الحاجات. إذاً: فلا غرابة، ولا أقول: إن هذا حق على الله، أو المسألة معادلة، نحن لا نطوف بالقبور، إذاً لا بد أن ينصرنا، لا. نقول: هذا برحمة الله، بمن الله، وبفضله وكرمه، وما يدعا لكم وأنتم نيام في هجيع الليل الأخير، من كبار السن من العجائز والشيوخ، الذين لا تعرفهم الكاميرات، ولا أجهزة الإعلام، وليس لهم اسم ذائع، ولا صيت بين، ولا شهرة معلومة، يرحمكم الله بهؤلاء، بعد منه وفضله ورحمته، وبما نقوم به من العناية بشريعة الله جل وعلا. كل هذه من الأمور التي نتوسل إلى الله بها، أن تكون سبباً في حفظنا، والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة من أنواع التوسل المشروع. أقول: طورت هذه الصواريخ حتى قاربت الإصابة فيها (90%)، وكانت فيما قبل فاشلة، وقبل استخدامها في المملكة العربية السعودية كانت أسهم الشركة المصنعة لصواريخ الباتريوت منخفضة في أسواق البورصة الدولية وأسعار الأسهم العالمية، وبعد بداية الحرب، ورؤية البراهين القوية الناجحة في فعالية هذه الصواريخ، ارتفعت أسهم هذه الصواريخ إلى نسبة ومعدلات عظيمة جداً جداً، فهذه من نعم الله جل وعلا. كذلك من لطف الله ينزل صاروخ في منطقة سكنية، فيسقط الصاروخ على الشارع، لا يسقط يمنياً على بيت، قد يكون فيه الآمنون، ولا يسقط شمالاً على بيت، قد يكون فيه الوادعون والمطمئنون، وإنما يسقط في الشارع، ملائكة تحمل جرم هذا الصاروخ الذي سقط رأسه، فتضعه في هذا الشارع، فلا يسقط يميناً ولا يساراً، أليس هذا من لطف الله بكم؟ العمارة التي سقطت، ما ظنكم لو أن الصاروخ سقط في عمارة، كارتفاع هذه العمارة سبعة أدوار أو ستة أدوار أو غيرها، مليئة بالسكان والنساء والأطفال والشباب والشيوخ، ما مستوى المصيبة؟ مئات القتلى والجرحى سيكون، لكن سقط على عمارة فيها أفراد لا يتجاوزن العشرات، بمختلف الإصابة الموجودة فيهم، وكانت خالية إلا من قليل من البشر، أليست هذه من كرامات الله؟ أليست من المبشرات التي تجعلنا نطمئن لما يدور في هذه الأيام، نسأل الله ألا يكلنا إلى أنفسنا بأي حال من الأحوال.

بما كسبت أيدي الناس

بما كسبت أيدي الناس أيضاً مسألة أخرى أيها الأحبة: إن لله جل وعلا حكمة في أن يشمل هذا الانزعاج كافة الناس؛ لأن الغالبية من الأمة اليوم في غفلة، فمستقل ومستكثر، ولما بدأ ذلك المجرم الطاغية صدام حسين في ضخ البترول على مياه الخليج، والكتلة النفطية تضررت منها الحياة المائية، وسقطت الطيور أمواتاً هلكى على شطئان وخلجان وصخور الشواطئ، وظهرت الحيتان أيضاً مريضة وميتة، وتسممت الأسماك وتضررت؛ ذكرت قول الله جل وعلا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41]. أيدي تكسب يومياً الذنوب والمعاصي، وتجترح السيئات، والله إن من لطف الله بها أن يكون هذا نوع من أنواع الابتلاء والامتحان والتذكير والبأس الذي يدعوها إلى التضرع: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام:43] هذه من نعم الله جل وعلا بالأمة، أن يكون إلى هذا الحد هو مستوى البلاء الذي يصيبها، وإلا يا أخوان مر بالناس زمان فيه غفلة عظيمة، تدخل على صاحب الفيديو، يا أخي الكريم! يا أخي الحبيب! لا تكن سبباً في هلاك الأمة، لا تبع للناس الفجور والفساد والدعارة، يا أخانا! يمكن أن ترى لنفسك، بدلاً من أن تجعل المصيبة والمعصية قاصرة على نفسك، تجعلها معصية متعدية فتنشرها على الناس جميعاً! مثل الذي معه سلاح، ليس ينتحر لنفسه، وإنما يقتل الناس معه ويقتل نفسه أيضاً. تأتي إلى الآخر: يا فلان اتق الله، عد إلى الله، صلْ رحمك، بر والديك، صلاة الجماعة في المسجد، اترك الأمور المحرمة، دع الربا، دع المعاصي، وغفلة عظيمة لا يعلمها إلا الله جل وعلا {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] ليذيقهم كل الذي عملوا؟ لا: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم:41] فأسأل الله جل وعلا أن يلطف بنا. تقول عائشة: (يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟) الصالحون فينا يصومون ويصلون ويتهجدون ويزكون ويتصدقون، قال: (نعم، إذا كثر الخبث) إذا كثرت وانتشرت وظهرت الذنوب والمعاصي وفشت، والخبث هو الزنا، فنسأل الله جل وعلا أن يلطف بنا، وأن يتداركنا بمنه ولطفه. أيها الأحبة! ومن العجائب والعجائب جمة، أن رجلاً أهله في لبنان يتصلون له، يقولون: تعال نحن في لبنان خائفين عليك. كفا بك داءً أن ترى الموت شافيا وأن المنايا قد غدون أمانيا كنا نظن أن الذي في لبنان، هو في أشقى الجحيم، فأصبح أهل لبنان يتصلون على أولادهم، يقولون لهم: تعالوا، رجل أهله يعيشون في لبنان يرسلون إليه رسالة، يقولون: تعال عندنا؛ خوفاً عليه، فزعاً عليه، فهذه من العجائب ونوادر هذا الأمر. وعلى كل حال: فالليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيبه يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

أزمة الخليج ليست أول الأزمات والمصائب

أزمة الخليج ليست أول الأزمات والمصائب أحبتي في الله: هل هذه أول مصيبة تقع على الأمة الإسلامية؟ لا، قبلها مصائب عظيمة، وهل هذه آخر مصيبة ستنالها الأمة؟ الله أعلم، إذاً لماذا ينزعج الناس هذا الانزعاج، وكأنها المصيبة التي ليس بعدها إلا قيام الساعة، ما الذي أصاب الناس؟ ألم يصب المؤمنين شدة بأس، دخل التتر والمغول بغداد حتى قال بعض المؤرخين: قتل من المسلمين ثمانمائة ألف، وفي بعض الروايات ألف ألف، أي: مليون من أهل السنة. وفي الحروب الصليبية نزل النصارى على المسلمين في بيت المقدس، وخاضوا في دماء المسلمين، حتى خاضت الخيل إلى الركب في الدماء، أين أنتم من تاريخكم؟ وأين أنتم من ماضيكم؟ وأين أنتم من أسلافكم؟ هل هذه أعظم المصائب؟ وا خجلاه على أمة أفزعها الصاروخ يمر بسمائها. إذاً ماذا يفعل الأفغان يا إخوان؟ يسقط صاروخ أسكود طوله ثلاثة عشر متراً بجوار خيامهم، ليس بجوار الفلل المسلحة (ثمانية عشر ملي حديد) (واثنين وعشرين ملي حديد) والسقف المزدوج وغيره، يسقط الصاروخ بجوار الخيام، وتطلق الغازات الكيماوية على المجاهدين، ويقول: خدا خدا، أي: يا ألله يا ألله بالفارسية أو بالبشتونية، وما عنده إلا أن يجأر ويتضرع إلى الله جل وعلا، وإذا رأى الغاز ينتشر ذهب إلى مواقع الطين، ويبلل ما يسمى بالبت، ثم يجعل اللثام على وجه، ثم يأخذ يدعو واللثام على وجهه. هذا غاية ما يملكون، هل ضيعهم الله؟ هل نسيهم الله؟ إذاً أنتم لن ينساكم، فلماذا الفزع والهلع والخوف؟ الحمد لله رب العالمين على كل حال، الأمر الذي نريده يا إخوان، ألا نظن أن هذه آخر الفتن، أو أن نظن أن هذه أول الفتن، فقد سبق في تاريخ الأمة فتن أعظم من هذه، واحتوتها الأمة، ومرت بها، وجعلتها خيراً، واستفادت من الدروس والعبر فيها.

أخذ الدروس والعبر من الأزمات

أخذ الدروس والعبر من الأزمات كذلك أيها الأحبة! من الأمور التي ينبغي أن ننتبه لها، أن نأخذ الدرس والفائدة مما يدور، الآن كثير من الناس يقول: أنا أفزع من صوت الصافرة، وفعلاً صوت الصافرة مزعج؛ لأنه أمر غريب على الأسماع، تجد الصوت لا يزعج أذنك من شدة صوته، ولا يشوش ذهنك، ولكن يجعل في قلبك شيئاً من الانزعاج تقريباً، وهذا أمر ملحوظ، تقول امرأة من النساء: والله إني إذا سمعت الصافرة أهتم وأحزن، قلت لها: لماذا؟ قالت: لأني أتذكر النفخ في الصور. الأولى أن نجعل من القضايا التي تحصل الآن عبراً ودروساً، وفعلاً: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} [النبأ:18] {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ الآية} [النمل:87] ليس بالفزع الذي الواحد يقوم من نومه، والذي يسحب رداءه، والذي يسحب بطانيته، النفخ الحقيقي في الصور هو أحرى وأولى أن يهتم وأن ينشغل الناس بالإعداد والاستعداد له، أن نجعل في هذه الأمور عبراً وأي عبر، ولو أننا اعتبرنا فيما نرى وفيما يحدث من الحوادث، لكان لنا معها شأن عظيم. والشيء بالشيء يذكر في باب العبر، في حج العام الماضي لما تدافع الناس في نفق المعيصم، وحصل ما حصل فيه من الجرائم، وحدث أن خرج الناس عراة، لا إزار ولا رداء، يخرج المرء وعورته (قبله دبره) مكشوف للناس أجمع، فيأتيه الحاج الآخر، يقول: يا فلان استر عورتك! وهو يمشي كالمجنون لا يدري أن عورته بادية، فأتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا، قالت عائشة: يا رسول الله! النساء والرجال؟ قال: يا عائشة الأمر أكبر من ذلك). إذا كان نفق اسمه نفق المعيصم، تدافع الناس فيه فخرج الناس عراة، شغلوا وذهلوا عن أنفسهم، تدافع بسيط في شأن من شئون الدنيا، يخرج الواحد يذهل عن نفسه فيخرج عريان فلا يدري، فما بالك إذا كنت في يوم القيامة، الأمر أعظم من ذلك، فينبغي أن ننتبه، وأن نستفيد من هذه الأمور التي تحصل. كذلك أيها الإخوة! حينما نرى لهب هذه الصواريخ، حينما نرى صوت هذه الرجفة أو الوجفة في سقوط الصاروخ أن نعتبر بها؛ لأن هناك من أحداث الآخرة ما هو أشد وأدهى وأعظم من ذلك، فهي أولى بالتدبر وأولى بالتفكر والاعتبار.

قتال العراقيين جهاد

قتال العراقيين جهاد هنا مسألة أيها الأحبة! حصلت فتنة في نفوس بعض الناس، قال بعضهم: هذه مصالح أمريكية بحتة، وقال بعضهم: هذا جهاد في سبيل الله بحت، واختلف الناس، وأحجم بعض الصالحين، وأصاب الناس نوع من الفتنة، يسألك الجندي: لو قتلت على حدودنا، هل أقتل مجاهداً؟ هل أموت شهيداً في سبيل الله؟ الناس في شك وريبة، وحينما تحصل الفتنة ينقذ الله جل وعلا أمة الإسلام بالقول السديد من صالح العلماء. لقد مرت الأمة بفتنة عظيمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، كما يقول أحد السلف: فأنقذها الله بقول أبي بكر في الفتنة، في قتال المرتدين ومانعي الزكاة، وكانت نصرة للإسلام والمسلمين، وأيضاً أنقذ الله الأمة في عهد المأمون بالإمام أحمد بن حنبل، في الفتنة بخلق القرآن، فتن الناس فتنة عظيمة وثبت الإمام أحمد، حتى انجلت هذه الغمة، ومرت بعدها فتن، وأنقذ الله الأمة بصالح العلماء. ومرت الآن بنا هذا الفتنة، فأنقذنا الله جل وعلا بقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، شرح الله صدره للحق في هذه المسألة، وتبعه عدد كبير غفير من العلماء ووافقوه، قالوا: قتال هذا الطاغية في العراق جهاد في سبيل الله جل علا، ومن قتل في هذا نسأل الله أن يكون من الشهداء إذا أحسن نيته، وراجعوا هذا الكلام في مجلة الدعوة في العدد الماضي في هذه المسألة. فيا إخوان! لماذا تختلف الآراء؟ لماذا نختلف وبعضنا يصيبه نوع لا أدري ماذا أسميه في الحقيقة، الأجلاء من علماء الأمة أفتوا في هذه المسألة، وإن قتال هذا الطاغية في العراق جهاد واجب، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز في قول الله جل وعلا: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9]. قال: إذا كان القتال مشروعاً في حق الفئة المؤمنة التي بغت، فمن باب أولى أن يشرع القتال في حق الأمة الكافرة، وهل يشك أحد في كفر طغيان البعث والحرس الجمهوري وطواغيت العراق؟ لا أحد يشك في هذا، إذاً فلماذا التردد! نحن الآن نعيش مرحلة جهاد في سبيل الله، كما يعيش المجاهدون في أفغانستان جهاداً في سبيل الله، واعلم أنك إن تكفل أسرة جندي من جنودنا على الحدود، فأنت تعمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا، ومن جهز غازياً فقد غزا) أم لا يصلح الجهاد إلا هناك وعندنا لا يوجد جهاد؟ لا. ينبغي أن ندرك هذه المسألة إدراكاً دقيقاً، والمصيبة أن البعض يقول: لا. لعل بعض العلماء لا يدركون حقيقة الوضع، أصبحنا نتعلل بهذه المسألة إلى درجة أننا جعلنا علماءنا أغبياء، هل تفوت على كبار العلماء، وعلى رأسهم سماحة الشيخ والأجلاء من علماء الأمة أن هذه المسألة فيها تضليل أو شيء من هذا؟ هم يدركون حجم المصيبة. لماذا جاءت القوات الأمريكية؟ لماذا اشتركت؟ هل جاءت حباً فينا؟ هل جاءت جهاداً في سبيل الله؟ ماذا وراءها؟ ما موقفنا؟ ما هي واجباتنا؟ أعطوا كل أمر قدره، وأخرجوا هذه القضية قضية قتالنا نحن جيشنا، السعوديون ومن قاتل معهم، ممن يحتسب قتال هذا الطاغية لكفره ولبعثه ولردته، ولدفع عدوانه عن بلاد المسلمين، من يحتسب هذا لوجه الله فهو جهاد في سبيل الله، وأفتى بهذا العلماء. ثم بعد ذلك يأتينا من يقول: لا. ربما بعض المشايخ لا يعرفون، سابقاً كنا إذا قلنا: يقول الشيخ الفلاني هذه المسألة، يقول: خالفكم الشيخ ابن باز في هذه المسألة، والقول ما قاله الشيخ، أي: على العين والرأس أن نجعل قول سماحة الشيخ هو المعتمد، والآن لما جاءت الفتنة والشوكة، وجاء الحرب والقتل والقتال، جئنا نقول: الشيخ مضلل عليه، هذه مسألة خطيرة، وتدل على عدم الأدب والثقة حسب المطلوب الكامل مع العلماء. ينبغي أن نعطي علماءنا قدرهم، وأن نعرف لهم وزنهم، وأن نعرف أن الذين كنا نرجع لهم في مسائل الطلاق، والبيع والشراء، والحوالة والضمان، والصلاة والصيام والزكاة، أيضاً نعود لهم في الجهاد، لا أن نجعل السؤال عن الطهارة، وعن الصلاة والزكاة والصوم، ولما جاء القتال؛ أتينا نبحث يميناً ويساراً، هذا التسلل هذا إما أن يكون جبناً وخوفاً، والجبان الخائف يتتبع الرخص من أقوال المخالفين، وإما أن يكون عدم ثقة بالعلماء، وهذه أدهى وأعظم من الأولى ولا حول ولا قوة إلا بالله! هناك من تناقشهم في هذه المسائل، يقول لك: كلام ابن باز على العين والرأس، لكن يبقى هناك مشايخ آخرون خالفوه في هذه المسألة، الآن علماء ابن باز، ومن وافق من أجلاء علماء المملكة، والعلماء الآخرون، كلهم قالوا: إن هذا جهاد في سبيل الله جل وعلا، أو هذه القضية على وجه الدقة والتحديد مربع أو مثلث، الضلع الذي يخصنا نحن، يخص جيشنا وقواتنا، هو الجهاد في سبيل الله، حتى لا نتردد في هذه المسألة. وإني أسأل إخواني يوم أن خرجت ثلاث عشرة سيارة تقودها البنات والنساء، ولا ألومكم وأنا معكم، كلنا وقفنا وقفة رجل واحد ضد هذه القضية التي عرفنا ما وراءها ومن دبر لها، ومن يبعثها ومن يخطط لها، اتفقت آراؤنا وأقوالنا في قضية قيادة المرأة للسيارة، وخطورتها وأبعادها؛ ولما جاءت قضية الجيوش البعثية المحتشدة على حدودنا أخذنا نقلب الأقوال والآراء، اتفقنا على قضية قيادة المرأة، وعجزنا أن نتفق على قضية أمة يوشك أن تداس وتدنس وتغتصب وتنتهك، كما حصل لإخواننا الكويتيين، أي ورع إن كان هذا ورعاً؟! ينبغي أن ننتبه لهذه القضية الخطيرة يا إخوان، ثم مع هذا كله، وفوق هذا كله، كلٌ يبعث على نيته، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد، من قتل دون عرضه فهو شهيد) جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن جاء رجلٌ يريد مالي؟ قال: خوفه، قال: فإن لم يخف؟ قال: قاتله، قال: فإن قتلني؟ قال: أنت في الجنة، قال: فإن قتلته؟ قال: هو في النار). هل بعد هذه النصوص ما يجعل أحدنا يتردد في الحكم على هذه القضية الدائرة الآن؟ هذا فيما يتعلق بنا نحن، أما فيما يتعلق بالقوات الأمريكية، فلا شك أنها جاءت حفاظاً على النفط، حفاظاً على المصالح الاستراتيجية التي تتعلق بهم، النفط شريان الحياة بالنسبة للعالم الغربي، هذه مسألة مهمة، وينبغي أن ندركها جيداً، وإلا لو جاءت هذه الدول وجاء الحلفاء لإنصاف المظلوم، فلماذا لم ينصفوا المجاهدين في أفغانستان؟ لماذا لم ينصفوا الناس في الحبشة وفي أثيوبيا؟ لكن الحمد لله الذي جعل مصالحهم عندنا، حتى يسخرهم الله لنا في الوقوف أمام هذا الطاغية، وإلا والله يا إخوان لا أقول هذا إرجافاً ولا تثبيطاً: هذا الطاغية بقول المحللين والعسكريين الكبار الذين يرصدون ويرقبون هذا الأمر، عنده مخزون من الأسلحة طوال الحرب العراقية الإيرانية لا يخطر لكم على بال، وحسبكم أن الطلعات بلغت الآلاف وهي لا تزال تدك في قوته العسكرية، والله لو ملك أن يغرقكم في حمام من الدماء لما ترك إلى ذلك سبيلاً. حتى لا يقول أحد: إنه دخلتنا العواطف، أو دخلتنا هذه المسائل، كيف وقد رأينا ما فعل بالإخوة الكويتيين، البنات يغتصبن، الأعراض تنتهك، الأموال تسرق، الصبايا يقتلن، الأطفال يموتون جوعاً وعطشاً، الثكالى والشيوخ والعجائز يشردون، ماتوا على الطرق حراً وعطشاً وجوعاً، أتظنون أن هذا سوف يعامل أهل الكويت بمكيال، ويعاملكم أنتم بمكيال؟ لكن يا عباد الله! احمدوا الله جل وعلا أن جعل مصالح هذه الدول في أرضكم، فسخرهم الله للحفاظ على هذه المصالح، وأيضاً لهم هدف آخر، حتى لا تكون هذه القوة يوماً ما ضربة في إسرائيل، وهذا أمراً ندركه جيداً، ولكن يا إخوان: البعث بعث في العراق وغيره تتواصل الأسباب بالأسباب هل تظنون أن البديل في العراق، حتى لا تضرب القوة العسكرية بديل إسلامي يمكن أن يسخر لخدمة القضية الفلسطينية، أو لإنصاف المظلومين في فلسطين؟ حتى نقول: لا. ادفعوا هذا الطاغية، واتركوا قوته العسكرية، ليستفيد العرب في المواجهة القادمة، لا والله، البديل الآن، إما بديل اشتراكي شيوعي أو شيعي، يتنافس على المنطقة الآن، وكل يعد أوراقه، ونسأل الله جل وعلا أن يأتي بأمر من عنده {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:52] أن يأتي بديل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، على الأقل أن يأمن الأبرياء على أعراضهم ودمائهم وحدود حرياتهم التعبدية في شعائرهم. ينبغي أن ندرك هذه المسألة جيداً يا إخوان. لما حصلت هذه الفتنة، شاب آخر يقول: للأسف أن هناك مشايخ يسمون الآن قتال الجيش السعودي جهاد في سبيل الله، إذاً ما هو الجهاد؟ ماذا تسمي الجهاد إن لم يكن صد هذا العدوان؟ أسألكم بالله لو أن القوات العراقية استولت على الحفجي استيلاءً كاملاً وبقيت فيه، هل سيأتي الشيخ عائض القرني أو سلمان العودة ليلقي محاضراته كالمعتاد في الخفجي؟ على أبسط مثال يفقه الصغير والكبير. إذا سرق سارق في الخفجي هل ستقطع يده، أو يحال للقانون العراقي؟ إذا قتل قاتل هل يقتل؟ إذا أقيم ضريح ومزار يعبد من دون الله، وينذر، ويتوسل به وإليه في دفع الكربات وجلب الحاجات، هل سيجد المنكرون سبيلاً إلى إزالته وهدمه؟ لا والله، إذاً ما هو الجهاد إن لم يكن هذا الجهاد؟ ما هو الجهاد أيها الإخوة؟ ثم أيضاً إن المجاهد في سبيل الله قد يكون فاسقاً، المجاهد قد يكون عاصياً، يسألني أحد الرجال في الحرس الوطني من الجنود، كأنه يذكر على نفسه بعض الذنوب والمعاصي، إذا قتل في هذه المعر

مسألة المظاهرات في الشارع الإسلامي

مسألة المظاهرات في الشارع الإسلامي وأما ما يسمى بالشارع الإسلامي، مظاهرة في الجزائر تندد بالقوات الأجنبية، وتدعو إلى التضامن مع المجاهد الأكبر صدام حسين عبد الله المؤمن. أنا لا أدري من أين دخل الجهاد في هذا الرجل؟ دخل الجهاد من أربعة وستين ألف حانة من حانات الخمور في أنحاء العراق! دخل الجهاد من قتل الشيخ عبد العزيز البدري بعد أن أفتى بقوله في الاشتراكية، وقطع إرباً، ووضع في كيس، وسلم لأهله، فقام أخوه أمام الناس وأخرج أشلاء أخيه يقول: انظروا ماذا فعل؟ خرج الجهاد من قتل الشباب عندما جمعوا تبرعات لـ أفغانستان في العراق! خرج الجهاد من الأضرحة التي تعبد من دون الله جل وعلا، ومن تحكيم القوانين الوضعية. خرج الجهاد من الجهل بالدين والبدع المنتشرة، من أين يخرج الجهاد؟ يخرج الجهاد من عقول السذج والغوغاء والبسطاء، الذين تنطلي عليهم هذه الحيل، ولذلك يقول الله جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ:46]. لأن الجماهير والجموع تردد، الآن أربعة منكم لو أخذناهم يمشون في مسيرة، وأخذت المسيرة تردد شعار، ستجد نفسك بعد لحظات تسخن ثم تصبح مثل أسكود، تنطلق معهم وتردد ما لا تشعر، وكما يقول خبراء علم النفس، قالوا: المظاهرات تبدأ أولاً بمطالبة، أي: مظاهرات العمال مثلاً في أي دولة من الدول الغربية تبدأ بزيادة الأجور، نريد زياد أجور عمال المناجم ومحطات البنزين، مارك أو دولار أو جنيه كل شهر، ثم تسخن المظاهرة بعد قليل، نريد رفع الظلم والاستبداد ضد الطبقة الكادحة، يبدأ الشعار يسخن، نريد إسقاط الحكومة، ويبدءون يرددون، نريد أن نتوجه إلى مقر الرئاسة، ثم يقتحمون هذا المقر ويحصل الشغب. يا إخوان! حينما يعود بعضهم إلى بيته، يقول: عجيب نحن خرجنا بتنظيم من نقابة العمال، على أننا نطالب بزيادة مارك شهرياً، ما هو الذي جعلنا نطالب بإسقاط الحكومة؟ دل ذلك على أن أسلوب الغوغاء والتجمعات والبسطاء هؤلاء، يجعل الإنسان يدخل في نظام دون أن يشعر، ويردد ما لا يفقه ولا يدري، وهذا أمر ملاحظ ومجرب، وعلى حد قول ابن الجوزي: مر أحدهم برجل واقف مع أناس يضربون رجلاً، فقال له: لماذا تضربونه؟ قال: والله لا أدري وجدتهم يضربون، فخلعت نعلي أضربه حسبة لله، فالعمل مع الجماهير بهذه الطريقة الغوغائية يجعل الإنسان يفعل ما لا يفقه، ويردد ما لا يدري. فنقول أيها الأحبة: إن ما يسمى بمظاهرات الشارع الإسلامي في هذه القضية، ليست عبرة أو حجة، ومن المؤسف أن بعض الدول حتى من فيها ممن ينتسبون إلى العمل الإسلامي والجماعات الإسلامية، ولا نقول هذا الكلام عداوة للجماعات الإسلامية، ولكن لبيان خطورة ما تمر به الأمة من الأزمة المعاصرة، أنهم دعوا إلى المناظرة العلنية على الملأ ورفضوا. بعض قيادات الجماعات الإسلامية قيل لهم: تعالوا، أنتم تؤيدون صدام حسين، أم تقولون: لماذا يضرب العراق؟ وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم لا شك سيكون فيها ضحايا، ولكن من أجل ألا يجرح من في العراق، ترضى الأمة بتشريد الكويتيين ونرضى نحن بحشد الحدود علينا والدخول إلى أراضينا، لا والله. والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلام هذه مسألة، إذاً الذين يطنطنون وراء هذه المسألة، قد دعوا إلى المناظرة الشرعية أمام الجماهير في وسائل الإعلام، وعدد ممن يتبنون القول بالوقوف مع طاغية العراق صدام حسين رفضوا المناظرة الشرعية، إذاً ماذا تريدون؟ عدد من العلماء ذهبوا إلى بغداد، ولما وصلوا إذا بالمهيب الركن يخرج على التلفاز، ويؤكد أن الكويت الولاية رقم تسع عشرة من ولايات العراق، ولما جاء العلماء لمقابلته، قال: أهلاً وسهلاً بكم في كل ما تريدون إلا الكويت، فهي ولاية من ولايات العراق لا يمكن التفاوض عليها. وهل بعد هذا بلاء؟ وهل بعد هذه مصيبة؟ هذه أيضاً من أخطر المسائل التي فتنت بها الأمة في هذه الأزمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كذلك الذين يقولون ويطنطنون خاصة في إذاعة عمَّان.

الأنظمة لا تعني عداوة الشعوب

الأنظمة لا تعني عداوة الشعوب وبالمناسبة فحينما نتكلم عن دولة معينة، فإننا لا نعادي الشعوب، أخوك المسلم العراقي، وأخوك المسلم اليمني، وأخوك المسلم الأردني، وأخوك المسلم المصري، وأخوك المسلم السوداني: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. لا مجال للإقليمية في العمل الإسلامي، والدعوة إلى الله جميعاً، نبيكم لكم جميعاً، للأبيض والأحمر والأسود، للعرب والعجم، لا نكون عصبية إقليمية سعودية فحسب، لكن نقول: بالنسبة للأنظمة، بالنسبة للأبواق المأجورة، بالنسبة للأيدي والأقلام المستأجرة، هذه لا محل ولا مكان لها عندنا. الذين يطنطنون بقضية فلسطين، ويقولون: جعلوا القضية الكبرى قضية الوجود الأمريكي وما يتعلق به، وهذه أيضاً من المصائب، نحن أولاً أيها الإخوة، لا نقول: إن وجود القوات عندنا خير محض، بل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، هذه مسألة اعرفوها جيداً، هذا الوجود ليس خيراً محضاً، وإنما ظهر الآن أن خيره أكثر من شره، وإلا فيه شر، هذه مسألة. المسألة الثانية: النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس يقول: ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، أي: النفس فيها شر، وفي السنة أن الرجل إذا بنى بزوجة أن يضع يده على ناصيتها ويقول: وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه، أي: الزوجة قد يكون فيها شر، فلا يمكن أن تكون قوات الحلفاء كلها خير، بل فيها شر، لكن فيما يظهر ويحصل الآن نرى خيراً يغلب على الشر، ونسأل الله أن يكون نهاية هذا الشر، بزوالهم ورحيلهم بعد نهاية هذه الأزمة، ودحر هذا الطاغية الباغي في عدوانه. ينبغي أن يكون -يا إخوان- عندنا موازين نعقل بها الأمور، وألا نأخذ كل فكرة بتسليم بحت، أو أن نعتبر أن هناك خيراً لا شر فيه، أو شراً لا خير فيه، لا. ينبغي أن نعطي الأمور مقاييسها وموازينها: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]. فواجبنا أن ننظر بعدل، والنبي صلى الله عليه وسلم، جاءه عتاب من الله جل وعلا؛ لما سرق أحد المسلمين، واتهم بها أحد اليهود، نزلت الآيات تعاتب النبي صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} [النساء:105] فهذه أمة عدل وعدالة، لا بد أن نعطي الأمور مقاييسها الدقيقة بكل حال من الأحوال. ثم بعد ذلك أيها الإخوة! الذين -كما قلت- يبكون على دماء فلسطين، والله لن يكونوا أصدق منا في حبنا لـ فلسطين، ولن يكونوا أتقى منا في الرأفة والرحمة بالفلسطينيين، إذاعة عمان: الفلسطينيون، فلسطين فلسطين، يا حكام الأردن! ماذا فعلتم بالفلسطينيين في مذبحة أيلول الأسود، أكثر من خمسين ألف فلسطيني ما بين طفل وامرأة وبنت وفتى وفتاة، ذبحوا لما حسوا أن هناك ريحة خطر على الحكم الأردني، قتل خمسين ألفاً أو أكثر من ذلك، والله إن ما قتل في مذبحة أيلول الأسود يفوق ويزداد عن عدد القتلى في مذبحة تل الزعتر وصبرا وشاتيلا ودير ياسين. إذاً: من الذي يبكي على دماء الفلسطينيين؟ يبكي عليها الذي يذبحهم في أيلول الأسود، أم تبكي عليهم المنظمات التي ترتب للاغتيال ترتيباً دقيقاً، من الذين يبكي على الفلسطينيين؟ نسأل الله جل وعلا أن يأتي بذلك اليوم الذي يكبر فيه المسلمون من جميع أنحاء العالم في فلسطين، فاتحين مكبرين مهللين مقاتلين لليهود، الصدق في القضية الفلسطينية ليس الدعاوى الكاذبة الرنانة. ما قتل من الفلسطينيين في مذبحة أيلول الأسود أكثر مما قتله اليهود، وهذه كلمة حق، ولا نبرِّئ فيها اليهود، بل أن قطرة دم طفل فلسطيني أعظم عند جميع المسلمين من أي شيء آخر، وقطرة دم بريء عراقي أيضاً ليست هينة علينا، لكن هناك أمور تحتاج إلى الحزم والحسم والبتر، وتحتاج إلى النهاية، وألا تبقى المصيبة تمثيليات ومسرحيات، ويعيش الناس في فزع لا يعلم حدوده ومنتهاه إلا الله جل وعلا. إذاً: أيها الأحبة! ينبغي أن ندرك جيداً، أن عداوة الأنظمة لا تعني عداوة الشعوب، فإن كان هناك نظام وقف موقفاً سيئاً وسلبياً ضد المسلمين في المملكة، وضد علماء وحكام المملكة، فإن ذلك لا يعني أن نعادي الشعوب أبداً، كنت في بداية الأزمة في محل (بوفية) ووقفت أشتري حاجة لأحد الصغار، فقلت لرجل يمني في البوفية: لماذا موقف حكام اليمن هكذا؟ قال: يا أخي! أنا ليس لي دخل وكاد أن يبكي، قلت: يا أخي! أنت أخي وحبيبي، وأنت ليس بيني وبينك أي شيء، عداوات الأنظمة لا تعني أني أعاديك، ما ذنبك أنت حتى أعاديك وأتسلط عليك؟ فانبلج وجهه بالأسارير والبشر، وانطلق مرة أخرى. فينبغي أن ندرك أننا كوننا نحارب العراق لا يعني أن نكره كل عراقي، لا والله، أو نكره كل أردني، وكل فلسطيني، لا. لكن أن نعطي الأمور مقاييسها وموازينها، وإلا لو نفذنا ما أرادته السياسة اليهودية العالمية، في أن تحدث العداوات، الشعب السعودي كله يكره الشعب الأردني كله، يكره الشعب العراقي كله، يكره الشعب اليمني كله، عند ذلك يصبح الإنسان عدواً لجميع من حوله من المسلمين، وحينما تأتي حرب فاصلة بين الإسلام والكفر، يأتي اليمني يستنجد: يا سعودي، أقول له: لا. أنت يمني، سبق أن تعادينا، يأتي السعودي يا عراقي، أقول له: لا. أنت عراقي. ويأتي كل منا يعير الآخر بجنسيته وإقليميته، فنقف هكذا أحزاباً وجماعات، فيقتلنا أعداء الإسلام بهذه الطريقة، لكن ينبغي أن ندرك أن الوضع القائم وضع مشروع، خاصة وقد رأينا كيف دخل هؤلاء في الخفجي، واستماتوا استماتة عجيبة وغريبة، قدم جند حزب البعث دماءهم على أرض الخفجي لله؟! في سبيل الله؟! لينصفوا مظلوماً؟! ينقذوا امرأة؟! وهذا الحماس للباطل، فأين حماسكم أنتم في الحق؟ وأين بسالتكم وتضحياتكم وجهادكم؟ ينبغي أن ندرك هذه المسائل حتى لا يحدث الشرخ في ولاء المسلمين بعضهم لبعض.

العداء للإسلام من ثوابت السياسات اليهودية والنصرانية

العداء للإسلام من ثوابت السياسات اليهودية والنصرانية أخيراً أيها الأحبة! ينبغي أن ندرك أن العداء للإسلام من ثوابت السياسات اليهودية والنصرانية، حتى وإن وقفوا معنا موقفاً يساعدنا ويساندنا، والحمد لله الذي سخرهم لنا فيه، لا يعني ذلك أن تبقى أمريكا حبيبة القلب والروح، أو تبقى دول الحلفاء حبيبة القلب، لا والله. نحن نشكر الله أن سخرهم لنا في هذا المضمار {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83]. كلمات الشكر يمكن أن نزجيها لهم في صد هذا العدوان بمشاركتنا فيه، لكن أن نحبهم، أن نشعر في القلب بطمأنينة وارتياح وولاء وخضوع لهم، لا. هذه مسألة من أخطر المسائل التي نحتاج إلى فهمها، والتفريق فيها في كل حال. مسألة فاتت عليّ بالمناسبة فيما يتعلق بالشارع الإسلامي، في إحدى الدول قامت مظاهرات تريد المشاركة مع المجاهد الأكبر صدام حسين، لطرد القوات ومقاتلة الحلفاء، أحد المسئولين السياسيين في تلك البلد، أحضر سيارات وقال للذي سيذهب يقاتل مع صدام هذه سيارة يركبها، لم يقف إلا أربعة، فوجدوا أن السفارة العراقية قد أعطت هؤلاء المتظاهرين أجوراً على هذه المظاهرة، خذ استلم واذهب ظاهر مع الناس لا أقل ولا أكثر، فينبغي ألا ننزعج من هذه المسألة أبداً.

إيجابيات أزمة الخليج

إيجابيات أزمة الخليج

اقتناء السلاح والتدرب عليه

اقتناء السلاح والتدرب عليه وينبغي ألا نكره هذه المصيبة، فلعل أقل ما فيها أن الناس أصبحوا يحبون أن يقتنوا السلاح، أن يتدربوا على السلاح، أن يحدثوا النفس على الجهاد: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو؛ مات على شعبة من النفاق) أصبح الإنسان يشعر أن الدولة ليست هي كل شيء، نعم الدول من واجبها إعداد الجيش، القوة العسكرية اللازمة لصد العدوان، لكن لا يعني ذلك أن يبقى الإنسان امرأة. كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول أن يبقى الإنسان امرأة لا يعرف كيف يقاتل أو يدافع، أو يتدرب ويتطوع، أو يتمرن، لا. (ارموا واركبوا، ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا) (ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميا) (من تعلم الرمي ثم تركه، فتلك نعمة جحدها أو كفرها). أمة جهاد: الرمي وصية أحد الصحابة: [علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل] أن تتعلم الرجولة، لعل هذه من الأمور التي بينت لنا حاجتنا إلى أن نتعلم حمل السلاح، وأن نتعامل معه جيداً.

كشف الصداقات العربية الزائفة

كشف الصداقات العربية الزائفة كذلك من الإيجابيات في هذه المحنة، كشف الصداقات العربية الزائفة، كنا نظن دول المواجهة والصمود والتصدي، وجبهة كذا وجبهة كذا، والقوة العربية والوحدة العربية، ومؤتمر القمة، والذي عنده تسجيل وثائقي بالفيديو لآخر مؤتمر قمة عربي عقد في بغداد، يقارن به الوضع الحالي في واقع الدول العربية، تضحك وتملأ فاك بالضحك، من الشعارات والكلام والعبارات الجوفاء، وفي نفس الوقت تجد الواقع الذين نعيشه: وإخواناً جعلتهم سهاماً فكانوها ولكن في فؤادي وإخواناً حسبتهم دروعاً فصاروها ولكن للأعادي فمن نعمة الله أن الأمة عرفت أعداءها، وعرفت كيف تواجه وكيف تقف، وكيف تعطي وكيف تمنع وكيف تمول، كل هذه لعلها من الدروس التي نفيدها ونستفيدها من هذه القضية الخطيرة.

زيف الشعارات الجوفاء

زيف الشعارات الجوفاء كذلك من الدروس أيها الإخوة! لا حياة لنا، ولا عزة لنا، لا بقاء لنا بالشعارات الجوفاء، التراب العربي، والأرض العربية، والدم العربي، والكلام الفارغ كله أثبت فشله للمرة الخامسة والستين، ليس للمرة الثانية، العروبة في حرب سبعة وستين أتت بالمصائب في حرب الأيام الستة، في حرب ثلاثة وسبعين، لم تأتِ هذه العروبة على الأمة بخير أبداً؟ لأن التجمع على أساس العصبية والإقليمية تجمع فاشل أبداً. لكن التجمع على الكفر يختلف، ألمانيا الشرقية لما هدم سور برلين ودخل الألمان الشرقيون إلى ألماني الغربية، فتح الألمان الغربيون لهم صدورهم، وفتحوا الكنائس لهم، وأخذوا يمدونهم ويعطونهم، وتذكروا قول الله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73] ولاية حقيقة بين الكفار فيما يعتقدونه، أو على الأقل في عداوتهم للإسلام {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73] إن لم نكن نحن على مستوى الولاء الكامل للعقيدة والدين؛ تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. فلا بد أن ندرك أن دعاوى العروبة دعاوى فاشلة، وأنه لا يمكن أن نتحد إلا بالإسلام، لا يمكن أن نجتمع إلا على الإسلام، دعوى العروبة ودماء العروبة والكلام الفارغ، وجميع الشعراء الذين شاركوا في مهرجانات المربد الثقافية في العراق، وما يتعلق بها، وطالما تغنوا بأغصان الشجر العربي، والطير العربي، والعروبة وما أدراك ما العروبة، وكما يقول الشيخ عبد الرحمن الدوسري أسكنه الله فسيح جناته، وجمعنا به في مستقر رحمته وإياكم، يقول: كانوا يدرسون الطلاب أنا عربي عربي أحب كل عربي، العروبة جروبة، رحمه الله رحمة واسعة، كان يفقه هذه القضايا السياسية من سنين طويلة مضت، والآن يرى العرب هذه الشعارات التي كانوا يتغنون بها. هذا ما جرته العروبة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلا بد إذا كان هناك ولاء وتجمع وتكتل، فليكن على سبيل الحق، وفي سبيل الدين وشعار الإسلام والعقيدة: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63] {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] أن نجتمع على دين، وأن نحمله بقوة عظيمة بإذن الله جل وعلا.

واجباتنا في ظل الأزمة

واجباتنا في ظل الأزمة

الدعاء والعمل الصالح

الدعاء والعمل الصالح كذلك أيها الإخوة! من واجبنا في هذه المحنة أن نكثر من الدعاء {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77] من الذي صرف هذه الصواريخ؟ شيء سقط في البر، وشيء يسقط رأسه التقليدي، وشيء يسقط في مكان ليس فيه أحد، أو في عمارة ليس فيها سكان، هذا الدعاء والقنوت، لعل الله جل وعلا أن يرحم الأمة به، ويا أخي لا تستقل شيئاً، يأتي يوم تصوم فيه، ما يدريك أن الله جل وعلا ببركة صيامك ذلك اليوم يرحم الله هذا الحي فيبعد الصاروخ عن هذا الحي قليلاً، سجودك وركعوك وصدقتك: (إن الصدقة لتطفئ غضب الرب) لتدفع سبعين باباً من أبواب البلاء، لا تستقل عملاً أياً كان، بل عليك أن تجتهد بقدر ما تستطيع في بذل جميع الأعمال الصالحة، واجعلها أمامك لعل الله أن يتقبلها منك، وأن يدفع ذلك البلاء عنك: [ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بعمل صالح وتوبة].

التوبة والاستغفار

التوبة والاستغفار كذلك اكثروا من التوبة والاستغفار: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] دعاء الكرب: (لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين) دعاء ذي النون ودعاء الكرب: (لا إله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم) ينبغي أن نردده دائماً في صلواتنا، وفي قنوتنا، وفي دعائنا وفي سجودنا، بإذن الله جل وعلا. كذلك من التوبة رد المظالم، حقوق الناس، أموال المساكين، الظلم، من كان ظالماً في مال أو في عرض، أو ظالماً لزوجه، أو لقريب، أو لضعيف، أو لفقير، فليتق الله وليقلع عن الظلم، كما في الحديث: (أن شاباً دفع امرأة عجوزاً على وجهها، فسقطت وانكسر إناؤها، فالتفتت إليه، وقالت: ستعلم يا غدر إذا وقفت بين يدي الله جل وعلا، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم قولها، وقال: هلكت أمة؛ لا يقتص لضعيفها من قويها، أو لا ينصف المظلوم فيها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. العدالة في تطبيق الحدود (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطعت يدها) ترك الربا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278 - 279] التوبة إلى الله من هذه الأمور جميعاً هي من أسباب دفع البلاء ورفع الكربة والغمة عن الأمة أجمع.

الوقوف مع العلماء وولاة الأمر

الوقوف مع العلماء وولاة الأمر وأقول أيها الأحبة: هذا أوان الوقوف مع العلماء ومع ولاة الأمر، ومع جميع المخلصين الغيورين على هذه البلاد، لا أن تقف غيرتنا عند قيادة امرأة، أو عند تمريض النساء، وعندما تأتي القضايا الكلية الكبرى، نجد من يهرب إلى مكة أو إلى المدينة، أو يعتزل يميناً ويساراً، لا. هذا وقت العمل والجد والجندية والتطوع، اعرفوا هذا جيداً، ولندرك أن في هذا جهاداً في سبيل الله جل وعلا.

عدم التقليل من شأن العلماء المخالفين

عدم التقليل من شأن العلماء المخالفين ختاماً أيها الأحبة! قد يكون من أحبابنا أو من دعاتنا أو من علمائنا، من أخطأ تحليل الأحداث قبل الحرب، وقال مثلاً: لن تقوم حرب أبداً، فقامت حرب، أو قال: هذه القوات لن تقاتل، فقاتلت، وصدت شراً عظيماً أنتم رأيتموه بأعينكم، أو قلنا سيحدث كذا وكذا، فوجدنا خلاف ذلك، هل هذا الخطأ في التحليل، أو عدم الدقة في التحليل، هل هذا يقلل من شأن دعاتنا؟ أو يقلل من شأن علمائنا؟ كم هدى الله على أيديهم من الضلال، كم سهروا الليالي، كم تعبوا في الطلب والعمل والجد والتحصيل، لإفادة شبابنا وأبنائنا، كم تحملوا في سبيل الله، كم لاقوا لوجه الله جل وعلا، هل عند هذا، أو عند أتفه تحليل معين أو قضية معينة، نقول: لا. فلان قال لا يوجد حرب في الشريط الفلاني، وقامت حرب. وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع هب أنه أخطأ، هل أخطأ متعمداً أم مجتهداً؟ أخطأ مجتهداً، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر، ومن اجتهد فأصاب فله أجران، فالخطأ في تحليل الأحداث قبل بداية الحرب ينبغي ألا يكون سبباً في الاستهزاء أو في التقليل من شأن بعض الدعاة أو العلماء حينما حللوا تحليلاً قد يكون فيه عدم دقة في تحليل الحدث، وما الذي حصل؟ إنسان رأى رأياً وتبين الأمر بخلافه، لا نسمع له شريطاً، ولا محاضرة، ولا نستفيد من دروسه ومواعظه، ولا من كتبه ومؤلفاته لا. انتبهوا يا شباب الصحوة؛ حتى لا تضربوا، فتنشقوا فيما بينكم، وتختلفوا على أنفسكم، هذا اجتهاد مضى، فإن كان صواباً فلصاحبه أجران، وإن كان خطأ فلصاحبه أجر؛ لأنه معاذ الله أن يضلل أو يجتهد في التضليل أو الكذب، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ختاماً: أسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا الاجتماع مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده معصوماً، وما سمعتموه إن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، أستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

عزة المسلم

عزة المسلم العزة خلة نادى بها الإسلام، وغرسها في نفوس الناس، ونشرها في أنحاء الأمة، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (أحب من الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول بملء فيه: لا) ولقد هدى الإسلام إلى أسباب العزة وبيَّن أسبابها وموانعها التي تحول دونها ودون بلوغها، فالمؤمن عزيز وغيره ذليل، ومنبع العزة عند المسلم هو إيمانه بالله عز وجل وتوحيده.

حقيقة العزة

حقيقة العزة إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله: أشكر الله عز وجل ثم أشكركم على اجتماعكم في هذا المكان المبارك، ونسأل الله أن يجمعنا بكم في دار كرامته، وأسأله سبحانه ألا يحرمنا وإياكم أجر ما سألنا وقصدنا وطلبنا في هذا اللقاء، وهو أن يذكرنا الله فيمن عنده، وأن تحفنا ملائكته، وأن تتنزل علينا سكينته، وأن تغشانا رحمته، وأن نكون من عباده الصالحين المتواصين بالحق والصبر والثابتين عليه. أحبتنا في الله: إنه لمن دواعي السرور والغبطة والمحبة أن يتشرف الواحد بالحديث بين أحبةٍ في الله، فيهم من هو خيرٌ منه، وفيهم من هم أعلم بالكلام منه، وفيهم من هم أحبابٌ يستفيد منهم ويفيدهم، ولا بد من هذا اللقاء، ولا بد من هذا الاجتماع، إذ فيه بإذن الله عز وجل شحنةٌ إيمانية تحرك الهمم، وتدفع العزائم إلى القمم، وتدفع بالنفوس إلى مرضات الله عز وجل، وحسبنا أنه اجتماع على طاعة، وسلامة من الجلوس على معصية. أحبتنا في الله: موضوعنا عن عزة المسلم يجعل سائلاً يتساءل الآن ليقول: أي عزةٍ تتحدث عنها في زمن الذل مقابل السلام؟ وأي عزة تتحدث عنها في زمن تسلط اليهود على أمة الإسلام؟ وأي عزة تتحدث عنها وكل يومٍ نسمع فيه أنباء المقابر الجماعية في البوسنة وكوسوفا وفي غيرها لأبناء المسلمين؟ وأي عزة تتحدث عنها وحرب الصوت والصورة والكلمة عبر القنوات الفضائية، لا تدع جداراً للحياء إلا هدمته، ولا تبقي سوراً للعفاف إلا صدعته وكسرته، فأي عزةٍ تتحدث عنها وشعوب المسلمين تحكمهم القوانين الوضعية، ويعرض بهم عن هدي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إلا من رحم الله وقليلٌ ماهم. أيها الأحبة في الله: ما أكثر الذين تحدثوا عن العزة؛ إن الآباء والأجداد الذين تحدثوا وتغنوا بالعزة القعساء والمجد الأشم كثيرون، ولكن في هذا الزمن الذي أصبح الحديث فيه عن العزة نادر، بل إن أعداء الإسلام لا يرضون من المسلمين إلا أن يكونوا أتباعاً وأذناباً وقردة وببغاوات، يقلدون ويرددون، ومن أراد أن ينفرد بمنهجه أو يتميز بسبيله، أو يتعلق بما أكرمه الله به، قابلوه بكل عبارات الأصولية والتطرف والإرهاب والتزمت والتعنت والتشدد والبلاء والتخريب والتدمير والفساد وغير ذلك. نعم، كثير هم الذين يتحدثون عن العزة عازمين أو حالمين، صادقين أو واهمين، ولكننا -أيها الأحبة- نتحدث عن عزةٍ ليست آلة تتقلد، ونتحدث عن عزةٍ ليست لباساً يلبس، ونتحدث عن عزةٍ ليست قصوراً ودوراً تسكن، وليست أنهاراً تجري وتشق، وليست مناصب ومراتب وأحساب وأنساب، إنما نتحدث عن عزةٍ هي مرتبطةٌ بمن له العزة وحده لا شريك له، من استمده منه وحده العزيز الجبار جل وعلا، فهو العزيز، ومن طلبها من غيره ذل وانكسر (كأنما تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق). أحبتنا في الله: كان العرب قديماً يظنون أن العزة كائنةٌ في الهيئات والأشكال والأنساب والقوى والعدد يظنونها على الماديات قائمة، وعلى سلالات الأنساب متكئة؛ فأنت العزيز الكريم بشرط أن تكون قوياً غنياً عرق النسب، وقديماً قيل: إنما العزة للكافر، لكن كان من العرب عقلاء أذكياء يرون العزة خلاف ذلك، إذ يقول قائلهم: تعيرنا أنا قليلٌ عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل وما ضرنا أنا قليلٌ وجارنا عزيز وجار الأكثرين ذليل العزة: خلةٌ نادى بها الإسلام وغرسها في نفوس الناس ونشرها في أنحاء الأمة؛ فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [أحب من الرجل إذا سيم خطت خسف أن يقول بملء فيه: لا]. ولقد هدى الإسلام إلى أسباب العزة، ولقد بين الإسلام أسبابها وبين موانعها، التي تحول دونها وبلوغها، فالمؤمن عزيزٌ وغيره ذليل، وهكذا أهل الإسلام: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ} [يونس:26] بعكس الكفرة الفجرة: {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [القلم:43] {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آل عمران:112]. إن ارتكاب الآثام سبيل السقوط والإهانة، ومزلقةٌ إلى خزي الفرد والجماعة، وقد بيَّن سبحانه أن الهزيمة في غزوة أحد سببها ما ارتكبه البعض من مخالفات: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران:155] ولذا بيَّن أن مصاب المؤمنين من أنفسهم: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]. رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخيرٌ لنفسك عصيانها إن الذلة والهوان هي ضد العزة، وسببها الإعراض عن الله وشرعه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

معاني العزة في اللغة

معاني العزة في اللغة العزة: صفةٌ من أوصاف الله تعالى واسمٌ من أسمائه؛ فهو العزيز، أي: الغالب القوي، وهو المعز الذي يهب العزة لمن يشاء من عباده، وقد تكرر وصف الله بالعزيز في القرآن بما يقارب تسعين مرة، وذكر الخطابي رحمه الله في كتابه" شأن الدعاء " أن العز في كلام العرب على ثلاثة أوجه: الأول: معنى الغلبة والقهر؛ أي: يكون بمعنى نفاسة القدر، يقال: عز الشيء يعز بكسر العين من يعز، فيتأول معنى العزيز على هذا، أنه لا يعادله شيء، وأنه لا مثل له ولا مثيل والله أعلم. وذكر ابن القيم رحمه الله تعالى: أن عزة الله عز وجل متضمنةٌ للأنواع السابقة كلها، وهي: عزة القوة الدال عليها من أسمائه القوي المتين، وهو وصفه العظيم الذي لا تنسب إليه قوة المخلوقات وإن عظمت. الثاني: عزة الامتناع؛ فإنه عز وجل الغني بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضره فيضروه، ولا نفعه فينفعوه، بل هو الضار النافع المعطي المانع سبحانه. الثالث: عزة القهر والغلبة لكل الكائنات؛ فالله عز وجل غالبٌ على كل شيء، والكائنات مقهورة لله خاضعةٌ لعظمته منقادةٌ لإرادته، فجميع نواصي العباد بيده، لا يتحرك منها متحرك، ولا يتصرف فيها متصرفٌ إلا بحوله وقوته وعزته وإذنه، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يقول ابن الجوزي رحمه الله: قال بعض المفسرين: العزة في القرآن على ثلاثة أوجه: الأول: العظمة، ومنه قول الله تعالى: {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} [الشعراء:44] {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82]. الثاني: المنعة؛ ومنه قوله تعالى: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء:139]. الثالث: الحمية؛ ومنه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ} [البقرة:206] وقول الله عز وجل: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص:2]. وقد أشار سبحانه في كتابه المجيد أن العزة خلقٌ من أخلاق المؤمنين التي يجب أن يتحلوا بها ويحرصوا عليها، فقال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8]، وقال عن عباده الأخيار: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54]، وقال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} [الفتح:29] والشدة على الكافرين وعلى أعداء الله تستلزم العزة، قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] وهذا يقتضي أن يكونوا أعزاء. وهذه الآية: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا} [آل عمران:139] تخبرنا وتعلمنا وتبين لنا أن الله عز وجل يعلمنا إباء الضيم، وهو خلقٌ يفيد معنى الاستمساك بالعزة والقوة وعدم الرضا بالمذلة والهوان، وإن كنا ذكرنا أن القرآن كرر لفظة (العزيز) عشرات المرات، وأنه سبحانه يعز من يشاء ويذل من يشاء، وأنه القوي القاهر المتين الجبار، كأنه أراد بذلك وهو أعلم أن يملأ أسماع المؤمنين بحديث العزة والقوة، فإذا ما سيطر عليهم اليقين بعزة ربهم، استشعروا القوة في أنفسهم واعتزوا بمن له الكبرياء وحده في السماوات والأرض، وأبوا الهوان حين يأتيهم من أي مخلوق، وفزعوا إلى واهب القوى والقدر، يرجونه أن يعزهم بعزته، وكأن الله عز وجل قد أراد أن يؤكد هذا المعنى في نفوس عباده حين جعل كلمة "الله أكبر" تتردد كل يومٍ في أذان الصلاة مراتٍ ومرات، وتترد أثناء الصلاة وفي التكبيرات والانتقالات، ونرددها في الصلوات كل يوم نشعر بذلك أن الكبرياء لله وحده، وأن عباده يلزمهم أن يلتمسوا العزة والقوة من لدنه، وأن يستوهبوا العزة من حماه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} [فاطر:10] {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26]. ربنا خالقنا يريد أن يهدينا إلى الطريق الذي يصون لنا عزتنا وكرامتنا، ربنا يريد لنا أن نبقى محصنين دون الرضا بالهوان، أو السكوت على الضيم، فأمرنا بالاستعداد والإعداد والتقوى بحفظ الكرامة والذود عن العزة، فقال لنا مولانا عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60]. نعم! القوة هي التي تجعل صاحبها في موضع الهيبة والاقتدار فلا تطأه الأقدام. كن قوياً يحترم بين عربٍ وعجم

الإسلام دين العزة

الإسلام دين العزة أيها الأحبة: ديننا يعلمنا أننا أعزاء وإن لم نلبس إلا رديء الثياب، وديننا يعلمنا أننا أعزاء وإن لم يكن لنا في الأرصدة ريال ولا دينار ولا درهم، يعلمنا أننا الأعزاء وإن لم ننل شيئاً من المناصب والرتب ويعلمنا أننا الأعزاء وإن لم نرتبط بأنسابٍ وأحسابٍٍ يفاخر بها أهل الجاهلية، ديننا يعلمنا أن العزة فيمن تعلق بالعزيز وحده لا شريك له؛ فربنا يعلمنا الإقدام والثبات في مواطن اليأس، موقنين أن الله العزيز القوي معنا، قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:104] ويقول سبحانه: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد:35]. لا تكن ذليلاً خواراً جباناً ضعيفاً، بل كن علياً شامخاً بإيمانك قوياً باعتقادك، مم يخاف المسلمون وهم يملكون أعظم شيء وهو الإيمان؟ القوة التي تتحطم عليها قوى الفساد والشرك والإلحاد، مم نخاف والله معنا ناصرنا ومؤيدنا؟ هذا موسى لما قاس أمر مجابهة فرعون بمقاييس البشر، قال: {رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] فجاءه الأمان من الله، إن الله معك، إن الله ناصرك، إن الله مؤيدك وحافظك، قال: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] ولما رأى موسى قوة وجبروت وعزة وملأ وجند فرعون، وهيله وهيلمانه، أصابه شيءٌ من الخوف أو التردد، نعم هو رأى اجتماع القوم وعدتهم: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} [طه:64] قومٌ علوا وعزّوا بالباطل، وهكذا هم أهل الباطل يتعززون بأنفسهم وقواهم، فجاء لموسى من ربه: {لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه:68] يا رب! هم ملايين وأنا واحدٌ، فيقول الله له: ((لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى)) [طه: 68] يقول: يا رب! هم أقوياء وأنا ضعيف، فيقول الله له: {لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه:68] أنت الأعلى بإيمانك، وأنت الأعلى لأن الله معك، هكذا الإسلام يدعونا للعزة ولرفع الذل والمهانة والدون. ليست هذه دعوةٌ -يا عباد الله- إلى بغيٍ وطغيان، وإنما الإسلام يريد أن نكون معتزين بأنفسنا وبإيماننا، ولن يكتفي ديننا بتحريضنا على إباء الضيم وإيثار العزة تحريضاً يقوم على الأمر الصريح أو التوجيه المباشر، بل عمد إلى ضرب القصص من الأمم الماضية التي رفضت التنازل عن المبادئ والعقيدة، لم تهن ولم تضعف ولم تستكن، بل صبرت وصابرت وكافحت وناضلت حتى ظفرت وانتصرت {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:146 - 148] ها هو الإسلام يريد من المسلم أن يتنازل ويتخلى ولو عن الوطن ومكان الأهل وملاعب الصبا ومراتع الطفولة، إذا كان البقاء في ذلك يورث الذل والمهانة والقهر: حبك الأوطان عجز ظاهرٌ فاغترب تلق عن الأهل بدل ليهاجر وليرحل إلى مكانٍ يجد فيه العز والحرية، حتى ولو كانت أحب الديار إليه، وأقرب مثالٍ على تحقيق ذلك: هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهجرة أتباعه معه، من أحب البقاع إلى أنفسهم، هجروا الأموال والأوطان، بل والأولاد، كل ذلك كي لا يصيبهم في دينهم ذلٌ أو مهانة: لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس العلقم ولذلك عاب الله عز وجل على قومٍ عاشوا بين ظهراني الكفار وديارهم، فقال سبحانه لأولئك الذين عاشوا في ديار الكفار أذلاء ولم يهاجروا طلباً لعزة الإسلام وعزة العبادة، قال تعالى في شأنهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء:97] بم ظلموا أنفسهم؟ بالبقاء بين ظهراني المشركين، {قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:97] إلا أن الله برحمته الواسعة عذر العاجزين الذين يفقدون القدرة على الانتقال، ولا يجدون وسيلة أو يهتدون حيلة، فقال سبحانه: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء:98 - 99] وهذا التعبير يشعر بكراهية الإسلام للمسلم أن يحتمل الهوان والذل، وذلك استنهاض للهمم حتى تبذل الجهد كله في التخلص من الهوان بأصنافه، هكذا الإسلام يريد المؤمن أن يعيش في عزةٍ وإباء وكرامة، لا ينزل مع الظالمين أو الضالين، ولا يسقط في التفاهات، بل يترفع عن المغريات، ويحفظ نفسه من المستنقعات الشركية والدنيوية.

منبع العزة عند المسلم

منبع العزة عند المسلم إن عزة المسلم تصدر من إيمانه وتنبع من ذاته، لا من الأشياء التي يمتلكها، فمن يكون مؤمناً فهو عزيز، ولذلك قال: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران:139] متى يحصل هذا العلو؟ متى تتحقق هذه العزة؟ {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:139] {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون:8] فهي لأهل الإيمان والإسلام دون غيرهم، بغض النظر عن أي شيءٍ أو وصف آخر، هذا ما فهمه المسلمون. وإليك هذا الحديث الذي رواه الحاكم وغيره في قصة أسامة بن زيد رضي الله عنه، حينما ذهب حكيم بن حزام إلى السوق فوجد حلةً تباع، فقال حكيم: لمن هذه؟ فقالوا: هذه حلة ذي يزن، ملك من ملوك اليمن، فاشتراها بخمسين ديناراً ثم ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأهداها إليه، فلبسها صلى الله عليه وسلم، فصعد المنبر بها فما رؤي من ذي حلة أجمل منه صلى الله عليه وسلم يومئذٍ، ثم خلعها لأنه معرضٌ عن الدنيا، وألبسها أسامة بن زيد، ألبسها حبه وابن حبه ومشى بها في السوق، فرآه حكيم بن حزام وكان قبل إسلامه، فتعجب حكيم من أسامة الرجل الأسمر الصغير أبوه مولىً لرسول الله ومع ذلك يلبس حلة ذي يزن، فقال أسامة بن زيد: نعم والله لأنا خيرٌ من ذي يزن وأمي خيرٌ من أمه، وأبي خيرٌ من أبيه. إذاً: أسامة الشاب الصغير الذي استصغره الناس سناً ونسباً وشكلاً، يشعر أنه أعظم منزلةً من ذي يزن ملك اليمن، لا لشيء إلا لأنه مسلمٌ وهذا كافر، وهذا هو مصدر العزة، إذا أيقن به المؤمن عانقه شعورٌ بالرفعة والقوة والفخر {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] وإذا أيقن المسلم بهذا أنف أن يخضع لغير الله، واستنكف أن يذل أمام سواه، فلا يتضعضع أمام قهر، ٍ ولا يهون أمام فقرٍ، وكأنه يردد قول القائل: أيدركني ضيمٌ وأنت ذخيرتي وأظلم في الدنيا وأنت نصيري فعارٌ على راعي الحمى وهو قادرٌ إذا ضاع في البيداء عقال بعير الإيمان يجعلك في موقف العزة التي لا تقبل شكاً ولا تردداً، لأن المؤمن يأوي إلى ركنٍ شديد، وإلى منهجٍ صادقٍ واضحٍ جليٍ سديد، وإلى فعلٍ حميد. الإيمان هو الذي جعل إبراهيم عليه السلام في موقف القوي، ليقول للكثرة الكافرة التي أججت النار لتحرقه بها، يقول لهم وهو الذي قيد وربط ليرمى في النار، يقول لهم في كل عزةٍ: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ} [الأنبياء:67] ليجعل الله الخسار والذلة لمن عاداه: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:70] كذلك يكون المؤمن معتزاً، يرى أنه القوي وأعداؤه الضعفاء، لا يتردد ولا يداخله الشك، ولا تهزه ألوان الأذى ولا التهديد، كل ذلك إذا تغلغل الإيمان فيه. ها هو فرعون يهدد السحرة الذين انقلبوا عليه بين عشيةٍ وضحاها، فقال يهددهم: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:124] فماذا كان جواب أهل العزة الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، فانقلبوا منذ أن كانوا من قبل سحرة، انقلبوا إلى أعزاء بالإيمان، فماذا قالوا؟ {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:72] لماذا؟ ما الذي جعلهم ينقلبون بهذا التحول الخطير؟ {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} [طه:73] السبب أننا عرفنا الحقيقة، والسبب هو الإيمان وحده ولا شيء غير الإيمان. إن قوة الإيمان تتضاءل أمام عزتها وقوتها قوة الشرق والغرب {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} [فاطر:44] إن أي عزة تقوم على غير الإيمان بالله فهي عزةٌ واهية باطلة منقضية فانية متصدعة، وإن أي رفعة ومنعةٍ وقمةٍ وعلو تكون بغير الله، فهي زائلة عما قليل، تحول وتزول وتنتهي، حتى وإن استمرت في بغيٍ وطغيان، ولذا أبشركم بسرعة تصدع العزة الباطلة، وعزة الغرب بالباطل التي يتغطرسون بها على أمة الإسلام، يجوعون شعوباً ويدمرون آخرين، ويضربون دولاً ويحبسون المياه ويثيرون الفتن، ويحاربونهم بالاقتصاد ويسلطون الأفلام ويفسدون الإعلام ويخربون العقول، هم الآن يعيشون حالةً من عزة السيطرة في زمن العولمة، ولكن اسمعوا قول الله عز وجل: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196 - 197] مهما علا وتكبر فإن مصيره الهلاك ومصيره العقاب والبوار والدمار، لماذا يكون مصيرها هكذا؟ لأنها أممٌ قامت وعلت على الظلم والشرك والإفساد، والله لا يصلح عمل المفسدين.

العزة الكاذبة

العزة الكاذبة أيها الأحبة في الله: حينما نجول في القرآن الكريم، نجده يتحدث عن أصناف من الناس ظالمٍ غاشمٍ أخذوا العزة الغاشمة الزائفة، ويظنون أنهم في عزةٍ ثابتةٍ مستقرة، كما أخبر الله عن شأن بعض الطغاة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206] أي: حملته عزته الكاذبة الجائرة والتي هي شبيهةٌ بحمية الجاهلية، حملته على الإثم المنهي عنه، وأغرته بارتكابه، فماذا كان جزاؤه؟ {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206] المؤمن إذا قيل له: اتق الله، ذل وخضع لله فازداد بذلك عزة، والكافر إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالإثم، إن الله قال لنبيه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1] وكان عمر بن الخطاب إذا قيل له: اتق الله، ارتعدت فرائصه وخاف وارتجف، والظالم والفاجر والفاسق إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم، فشتان بين عزة هذا وهذا، وشتان بين استقبال هذا وهذا للأمر. هذا صنفٌ آخر من الناس اعتزوا وافتخروا بالمال وبالحدائق وبالذرية وبالأنساب، فأنساهم ما هم فيه من رفعة المال والقوة أن يعرفوا خالقهم، لما ملكوا ما ملكوا وجرت الأنهار من تحتهم وأينعت الثمار في نخيلهم ورأوا الفواكه تتدلى أغصانها في بساتينهم، اعتزوا عزة حمية الجاهلية، واستغناء عن الله {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً} [الكهف:34] {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً} [الكهف:35] انظروا إلى أي درجةٍ بلغت به عزة الطغيان والظلم والاستغناء! ماذا كان نتيجته بعد حوارٍ من صاحب يحاوره؟ يقول له: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} [الكهف:37] أي عزةٍ تتعلق فيها؟ أي استغناءٍ أنت فيه من ربك الذي خلقك من تراب؟ (مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} [الكهف:37 - 38] ولو أنك يا هذا الذي غرتك دنياك وثمارك وأنهارك {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً} [الكهف:39] يطول الحوار ويطول الجدال ويتردد السؤال، ومع ذلك هذا الذي استغنى بأنهاره وثماره وأشجاره، ما كان خبره؟ وما هي نتيجته؟ {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} [الكهف:42] أين من اغتر به؟ أين أنهاره؟ أين أنصاره؟ أين أعوانه؟ أين جنده؟ أين خدمه؟ أين حشمه؟ {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} [الكهف:43] هذا شخصٌ نسب النعمة لنفسه واعتز بما عنده، حتى ابتلي وفتن بالأموال، {إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص:76] يذكره الذاكرون، يذكره الذين يخوفونه، لا تفرح ولا تطغى ولا تبطر ولا تمش في الأرض مرحاً، ولا تتكبر على الناس فما كان جوابه؟ {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] فما كانت نتيجته؟ {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [القصص:81] وأبشروا عما قريب سيخسف الغرب بدورهم ولن يكون لهم من دون الله نصيراً، وأبشروا عما قريب هذه الأمم وهذه النظم التي تسلطت على المسلمين طولاً وعرضاً، شرقاً وغرباً، والله لن يكون لهم نصيرٌ من الله إذا حق عليهم عذاب الله ووعيده. نعم. ذهبت الأشياء والعدد والأعوان التي اعتز بها الظالمون والمعتدون على الخلق، هؤلاء الذين اعتضدوا على غير الله وجعلوا عزتهم بالناس، وجعلوا عزتهم بالآلات أو بالذرة، أو بالإلكترون أو بالإعلام أو بالقناة الفضائية، أو بالعولمة أو بأي شيءٍ أرادوه، ستنقلب عليهم ضداً {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} [مريم:82] لقد جاء السحرة معتزين مغترين بعزة العبد الذليل فرعون، نعم فرعون لديه عزةٌ وقوةٌ ومنعةٌ لكنها جاهليةٌ زائلة باطلة؛ جاء أتباعه {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} [الشعراء:44] ظنوا أنهم قد تحصنوا بأمنع الحصون، فماذا كانت النتيجة؟ {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الشعراء:45 - 46]. إذا جاء موسى وألقى العصا فقد بطل السحر والساحر هذا هو الكاذب الجاحد المخرف، لماذا يعبد الأصنام؟ لماذا يشرك بالله؟ {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً} [مريم:81] اتخذوها تعززاً وتقوياً، فماذا كانت النتيجة؟ {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً} [مريم:82] والمراد بالضد هنا: ضد العز وهو الذل، أي: يكونون عليهم ضداً لما قصدوه وأرادوه، كأنه قال: وتكون الآلهة عليهم ذلاً ووبالاً، لماذا يجادل أهل الباطل عن باطلهم؟ والكفار عن كفرهم؟ وهذه الحرب الفكرية الإعلامية لماذا يتسلطون بها؟ السبب في ذلك عزةٌ زائفةٌ يشعرون بها ويجادلون لأجلها، وصدق الله العظيم: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} [ص:2] هذا أحد المنافقين يقول: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون:8] فيدعي لنفسه أنه هو الأعز، ورسولنا صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق، يزعم المنافق أنه الذليل، وكذب وأيم والله! فما حملت من ناقةٍ فوق ظهرها أعز وأوفى ذمة من محمد فهذا المنافق ينسب الذلة إلى رسول الله، عبد الله بن سلول رأس النفاق، فماذا كانت النتيجة؟ يقف له ابنه المؤمن على باب المدينة قائلاً: لئن لم تقر لله ولرسوله بالعزة لأضربن عنقك ولو كنت أبي، فقال ابن سلول: ويحك أفاعلٌ أنت؟! قال: نعم. فلما رأى منه الجد، قال: أشهد أن العزة لله ورسوله، نعم. الآن آمن وقال ونطق كما قال فرعون: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90].

كل عزة قامت على باطل لابد أن تزول

كل عزة قامت على باطل لابد أن تزول أيها الأحبة: كل عزةٍ قامت على باطلٍ سوف تزول، وكل اعتزازٍ غير موصولٍ بالله فهو بوارٌ وخسار، ومهما ابتغى بعض الناس العزة بغير هذا الطريق فلهم الذلة، وأناس انتهجوا طرقاً وأحوالاً للوصول إلى عزةٍ أو منعة أو رفعة لكن بغير طريقٍ تمت للدين بصلة، فماذا كانت النتيجة؟ كان البلاء فيما طلبوه، وكانت الذلة فيما تبعوه، وكان البوار والخسار فيما سألوه، انظروا إلى المنافقين، لماذا يوالي المنافقون أعداء الله؟ {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء:139] ولذلك وبعد هذا بآيات حذر الله عباده المؤمنين من طريق هؤلاء وصنيعهم، فقال سبحانه بعد ذكر النفاق وأحوال المنافقين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً} [النساء:144] ثم ذكر سبحانه مصير المعتزين بالكافرين الموالين لهم، فقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} [النساء:145]. الذين يطلبون العزة من الكفار والمنافقين لن يجدوا عزةً عند أقوامٍ مساكنهم الدرك الأسفل من النار، هذه طريقٌ لا يريدها الله، وأي عزةٍ تأتي على منوالٍ لا يريده الله فهي ذلةٌ في الدنيا وهوانٌ في الآخرة، هذا فرعون الذي اعتز بالتراب والماء ونسي خالق السماء، يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] ما سبب العزة عنده؟ ما صلته بالعزة؟ ما مؤهلات العزة لديه؟ مارصيد العزة عنده؟ أرضٌ ومالٌ وجاهٌ وسلطة {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] انظروني في كثرة مالي وفي قوتي وفصاحتي، وفي المقابل يقول: انظروا إلى موسى في ضعفه وقلة ما في يده وشيءٍ من عيه، {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] وخدع الناس بهذه العزة الزائفة، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:54] فما كانت نتيجة هذه العزة التي أساسها الشرك والظلم والتدجيل، ما هي نتيجتها؟ {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ} [الزخرف:55 - 56] إن أناساً طلبوا العزة والشهرة والرفعة عن طريق الإعراض والمحاجة لله ورسوله، هذا أبو جهل يمشي متبختراً مدعياً أنه أفضل وأعز أهل مكة وأكرمهم، فماذا كانت نتيجة عزته الواهمة والموهومة القائمة على الباطل؟ انظروا واسمعوا خبر عزته بكلام الله: (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ} [الدخان:43 - 44] والأثيم هو: أبو جهل، وكل من لف لفه وسلك مسلكه {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:43 - 49] أي عزةٍ تتعلق بها، أي عزةٍ تدعيها؟ يقال له هذا تهكماً وهو في حالٍ من الذل والهوان في الدنيا والآخرة.

عزة المسلم ورفعته في إيمانه وتوحيده

عزة المسلم ورفعته في إيمانه وتوحيده أيها الأحبة: عزتنا ورفعتنا وعلونا وشموخنا هو إيماننا وتوحيدنا وإسلامنا، من أسلم وآمن فقد علا وارتفع علواً يرفعه عن حياة أذلاء الأصنام والأوثان، الذين يخضعون لها، إن أي مسلمٍ هو في قمةٍ وعزة، وأي كافرٍ فهو في منتهى الذلة، {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] إذا أشرك تنازل عن عزته وعليائه، وتأمل كيف قال تعالى: {خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} [الحج:31] لأن الإسلام نقله من حضيض الغبراء إلى شامخ العلياء، ولأن الإيمان يرفع المؤمن من مزبلة الوثنية إلى مقامات الإيمان والدين، نعم. المؤمن في السماء علواً ورفعة وعزة، ولكن حينما يتنازل المؤمن عن إيمانه، وحينما يخدش إيمانه ويجرحه ويرتكب ما يقدح في إيمانه فهو يتنازل عن عليائه وعزته بقدر ما يرتكب من خدوشٍ أو تكسيرٍ في جدار إيمانه {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] إن هو ضل عن الإيمان ضلالاً كاملاً، إنسانٌ لا قيمة له، ذليلٌ أمام الخميلة والخميصة والمرأة والشهوة والخرافة، ليست العزة صراخ، وليست العزة كلمات وليست العزة صيحات وشعارات. إن العزة أن تتزخرف لك امرأة ذات منصبٍ وجمال، فتقول: إني أخاف الله رب العالمين، إن العزة أن تكون الأنهار من الأموال تجري من تحتك وأنت عطشان جائع، فتقول: لا آكل إلا ما أحله الله. إن العزة أن تلبس الخلق من الثياب وأنت مسئول عن خزائن اللباس الجديد فلا تسرق من اللباس متراً. إن العزة أن تتصرف ولا حسيب ولا رقيب عليك فتجعل ربك رقيباً حسيباً، وتقول: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] من أراد الرفعة فليطرق باب الله العزيز القوي المتعال. ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا إن مقام العبودية يحمل معنى العزة والرفعة، وإن الهروب من العبودية يعني الذلة والهوان للأعتاب والأحجار والأوثان، وكلما بعدت عن طاعة الله فأنت ذليلٌ بخلق الله، وكلما بعدت عن مرضات الله فأنت ذليلٌ لشهواتك وملذاتك. أيها الأحبة في الله: لقد صدق ابن القيم رحمه الله حيث قال: هربوا من الرق الذي خلقوا له فبلوا برق النفس والشيطان إن الإيمان هو الذي أعز ورفع وأعلى أمةً كانت شراذم مشتتة فجمعها، ضعيفة فقواها، جاهلة فعلمها، ذليلةً فأعزها، لقد نقلها من الذلة إلى العز، ونقلها من عتبات اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ومن يغوث ويعوق وسواع ونسر وغيرهم إلى منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] إن الإيمان وعزته هو الذي جعل بلالاً العبد الأسود سيداً يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم خشخشت نعليه في الجنة، ليكون مؤذن الإسلام الأول الذي تحفظ الملايين اسمه وتحب لونه، ما الذي رفعه؟ إن بلالاً لا يملك شجرةً طويلةً ولا لوناً ولا جمالاً، لكنه يملك شجرة الإيمان وجمال التقوى، يملك لا إله إلا الله، العلم سبيل العزة والرفعة والكرامة {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] التقوى: هي العزة والكرامة: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] إن هذا القرآن الذي بأيدينا، وهذه السنة التي هي مدونةٌ محفوظةٌ بحمد الله، وهي ذكرٌ لنا، وسمعةٌ طيبةٌ لنا، وهي عزٌ لنا {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:44] يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخري). أيها الأحبة: كم من أقوامٍ عاشوا في عزةٍ واهمين، فلما سطعت بروق عزة الإسلام والمسلمين جعلتهم في حضيضٍ من الذلة والهوان، عن جبير بن نفيرٍ قال: [لما فتحت قبرص رأيت أبا الدرداء يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء! تبكي في يومٍ أعز الله فيه الإسلام وأهله؟! قال: يا هذا، ما أهون الخلق على الله، بينما هي أمةٌ قاهرةٌ ظاهرة تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى]. نعم. إنه يدرك ما أصاب هؤلاء، إنما هو بسبب تركهم أمر الله، يقول تعالى: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} [غافر:29] هذا الرجل الصالح والعبد الصالح يبين لقومه أن الذلة والسقوط من العلياء إلى الهوان، وأن الانتقال من العز والتسلط والملك في الأرض إنما هو بسبب الإعراض عن هدي الله وشرعة {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:29]. إن الإسلام حينما دعانا إلى العزة هدانا إلى أسبابها وبين أسبابها وذكر موانعها، ومن أسباب العزة للمسلمين: الجهاد، وإن ما نراه من ذلة المسلمين اليوم هو أن الجهاد لم يقم على الوجه الذي شرعه الله (ما ترك قومٌ الجهاد إلا ذلوا أو ذُلوا) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وتبعتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم). أيها الأحبة: إن هذا الدين يعلمنا العزة في كل أحوالنا حتى في الدفاع عن أدنى حقوقنا، إن المدافع عن نفسه وعرضه وأهله شهيد، كل ذلك ليقوى جانب العزة وليضعف جانب الذلة وليزول جانب الهوان، {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة:29] {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194] {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة:14] {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:39] كل ذلك حماية للوطن وللأنفس وللدين قبل ذلك وللمجتمع، جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجلٌ يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار) رواه مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) رواه أبو داود والترمذي والنسائي. ليس من المستساغ أن يفرط المسلم في عزته وإبائه، أو يرضى بالذل أو القهر والهوان، إن المسلم لا يخشى فقراً، إن المسلم لا يمكن أن ينال ذلة أو أن تقع به الذلة، إذا كان مؤمناً حقاً لا يخشى ذلةً، وإن كان فقيراً لا يملك شيئاً، ولا يخشى ذلة وإن كان يواجه تسلطاً، ولا يخشى ذلة وإن كان ليس له حسبٌ أو نسبٌ أو مرتبة أو جاه، لأن العزة في هذه القلوب: فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي وربي حافظي ومعيني تالله ما الدعوات تهزم بالأذى أبداً وفي التاريخ بر يميني

عزة النفس

عزة النفس أيها الأحبة في الله: إن المؤمنين يتزينون دائماً ويعتزون بزينة التعفف والقناعة، والرضا بقدر الله، أولئك لا يذلون لأحد {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:273] إن الوصول إلى مرحلة التعفف أمرٌ يحتاج إلى رصيدٍ كبيرٍ من الصبر والتجمل والتحمل لكل الظروف القاسية دون ضراعةٍ لأحدٍ إلا الله، وهكذا كان خيار خلق الله بعد أنبيائه كانوا على هذه الشاكلة؛ كانوا يعلمون أن عزة النفس لا يمكن أن تكون إلا بالتعفف عما في أيدي الناس، والتعفف عن الحاجة لهم قال صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغنائه عن الناس) أما الذين يظنون أن عزة النفوس لا تأتي إلا بعد شبع البطون وامتلاء الجيوب، فالغني عندهم هو الذي يملك أن يكون عزيزاً، وأما الفقير فهم يرونه ذليلاً خاضعاً ولا ينبغي له إلا أن يذل ويخضع في نظرهم، وفشت هذه المفاهيم في كثيرٍ من المجتمعات المعاصرة إلا من رحم الله، وفشا معها عند بعض الأغنياء الطغيان والتكبر، كما فشا معها عند بعض الفقراء الخلوع والمداهنة والتملق والنفاق، هؤلاء والله لا يعرفون إلى العزة سبيلاً. إن اعتزازك بالله يجعلك أن تقدم حكمه وقرآنه وشرعه ودينه وأمر نبيه على كل القوانين، وعلى كل الشهوات وعلى كل الأهواء وعلى كل شيء، فلا ترضى بذلك بديلاً، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:57] {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. أيها الأحبة في الله: إن أي إنسان يتنازل عن دينه ومنهج ربه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم في مجالات الحياة، فإنه ينال الذلة في المجالات كلها، وأي مجالٍ فقدت فيه الاتباع والخضوع والانقياد لله ولرسوله فإنك تنال ذلةً في هذا المجال، فهو مكيال إن وفيت بالأداء والاتباع وفيت لك العزة، وإن طففت في الاتباع والانقياد حرمت من العزة ووقعت في الذلة بقدر ما غيرت وبدلت. هذا ما تيسر جمعه في عجالةٍ قصيرةٍ حول هذا الموضوع، وإني لأعلم أن في القوم من هم بالمقال أعلم من القائل، وبالكلام أعرف من المتكلم، وفي الزوايا خبايا، وإن بني عمك فيهم رماح وأيم الله ما نسب المعلى إلى كرمٍ وفي الدنيا كريم ولكن البلاد إذا اضمحلت وصوَّح نبتها رعي الهشيم أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم من أهل العزة والكرامة في الدنيا والآخرة، اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وارحم اللهم موتانا وموتى المسلمين، وأصلح اللهم ولاة أمورنا أجمعين، اللهم اهد ولاة أمورنا واجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم لا تفرّح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً يا حي يا قيوم، اللهم صل على محمدٍ وآله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

ضابط العزة في الإسلام

ضابط العزة في الإسلام Q ما هو ضابط العزة في الإسلام وخاصةً في هذا العصر؟ A ضابط العزة لدين الإسلام الانقياد لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فليس بعزيزٍ لو ادعى العزة وهو ذليل في حضيض الشهوات والمخالفات، هذا أولاً. الثاني: أن هذه العزة بما تحمل صاحبها عليه من ترفع النفس عن سفاسف الأمور وذميم الأفعال والأقوال لا تدعو المسلم إلى احتقار الآخرين، أو التكبر عليهم، أو غمطهم أقدارهم، أو النظر إليهم بعين النقص والازدراء، بل من تمام العزة أن تكون إيجابيةً في الالتفاف لكل هؤلاء ممن يراهم من المخالفين والمتساهلين أو العصاة، ليقوم بما أوجب الله عليه تجاههم من واجب الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والرفق واللين والموعظة الحسنة، فإن ذلك لا يسقط من قدر عزته شيئاً. لا تظن أن عزتك تتضعضع لو أنك مهما بلغت من الشهادات العليا، أومن ذوي المراتب والمناصب، لا تظن أن عزتك تتضعضع إذا ذهبت إلى قومٍ تنصحهم وتدعوهم إلى الله عز وجل، ولو في أركس المواقع أو أشدها ضلالاً أو أكثرها فساداً، ما دمت واثقاً بأنك تحافظ على نفسك وتسلم على إيمانك ودينك، لا تظن أن العزة تدعوك لتقول للعصاة: تعالوا تعالوا إلي هنا، وأما أنا فلا يليق بي أن أنزل إلى مستواكم أو مواقعكم أو أنديتكم أو استراحاتكم أو مجالسكم أو ديوانياتكم أو غير ذلك، لا. إن بلوغك في أماكنهم وغشيانك لهم في مجالسهم لا يغض من قدر عزتك شيئاً أبداً.

العزة درجات

العزة درجات Q هل للعزة درجات؟ أم هي عزةٌ واحدة؟ A لا شك أنها درجات، فبقدر عناية العبد لتحقيق أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو ينال منها أعلاها، وبقدر ما يقصر في ذلك تفوته من العزة بمقدار ما قصر.

العزة الحقيقية لدى المرأة

العزة الحقيقية لدى المرأة Q لا شك أن للمرأة -أيضاً- عزة، فلو بينت أو ألقيت شيئاً من الضوء على ذلك، وأحياناً تفهم المرأة فهماً مغالطاً وهي أنها تغتر بنفسها وبلبسها فتسمي ذلك عزةً؟ A ليست العزة للرجال والنساء في لباسهم كما مر معنا، إنما العزة في طاعة الله عز وجل، والذلة في معصية الله، وكما قال الحسن البصري رحمه الله: [إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه] فليست العزة في مرتبةٍ ولا منصبٍ ولا جاهٍ ولا حسبٍ ولا جمالٍ ولا غير ذلك، إنما هي في طاعة الله عز وجل، وليس من العزة نشوز المرأة على زوجها، أو استنكافها عن طاعته، أو تكبرها عن الانقياد لأمره، أو نفورها عن كرامته التي جعلها الله له {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] فانقياد المرأة لزوجها خضوعها، تبعلها، حسن عنايتها بخاطر زوجها، ذلك من صميم عزتها ولا يقدح في عزتها شيئاً، بل إن استنكافها ونشوزها وإعراضها عنه وعن حسن الأدب معه أو عن فراشه أو حاجته، لدليل ذلتها وطاعتها للشيطان واستنكافها أن تطيع الله عز وجل لما أمر من طاعة زوجها. كذلك من العزة التي نريدها للمسلمة اليوم أن تعتز بحجابها في مجتمعٍ أو في وسطٍ إعلاميٍ غارقٍ بالصور والأصوات والكلمات الداعية إلى التبرج، بل إلى التفسخ والإباحية والانحلال، وأي عزةٍ تراها وأي شموخٍ تراه في فتاةٍ أعظم من فتاةٍ تراها محتشمةً محجبةً صيّنةً دينّةً قاصرة الطرف عن كل ما حرم الله عز وجل، وإنا والله في خارج البلاد أو في داخلها حينما يمر الواحد في طريقٍ فيرى امرأة متحشمة متحجبةً صيّنةً عليها سماة الخلق والحياء والدين، لا يملك إلا أن يطأطأ داعياً لها بالعز والستر والتوفيق والسعادة وصلاح الذرية والزوج، وأيما امرأة يراها الواحد حاسرة متعطرةٌ متبرجةً لا يملك إلا أن يحوقل أو يحسبن فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله! وحسبنا الله ونعم الوكيل.

فهم العزة فهما مقلوبا

فهم العزة فهماً مقلوباً Q فضيلة الشيخ! كثيرٌ من الأسئلة تتحدث عن التشبه بالكفار في مثل: القصات ومثل التفحيط بالسيارات أو تقليدهم في لبسهم أو غيره، فيعتبره البعض أنه من التمكن والتقدم ومن العزة؛ لأن الغرب الآن في تقدم وتطور، فما هو توجيهكم حفظكم الله؟ A هذا من الفهم المقلوب في قضايا العزة، لو أن رجلاً قتل أباك أو جدك وكان لهذا القاتل سمةٌ في لبسٍ أو لهجةٍ أو صفةٍ معينة، أفيسرك أن تقلد هذا القاتل في لهجته ولبسه وعاداته وانحرافاته؟ A لا. إنك تمقت كل ما يذكرك بهذا المجرم المعتدي، فمن ذا الذي يسره أن يقلد القتلة الذين أوسعوا المسلمين تجويعاًً وسفكاً وقتلاً وتشريداً وتدميراً، اليهود الذين امتلأت سجونهم بإخواننا الفلسطينيين، اليهود الذين هدّموا البيوت والدور على الأبرياء والفقراء والمساكين؛ تخيل أنك جالس في البيت وإذا بالجرافة تأخذ الجدار الذي أنت مستندٌ إليه ثم تحمل بقية أثاثك وعفشك وكل شيء في بيتك ويُرمى بها في الشارع، هذا هو الذي يدور الآن في فلسطين، ويؤيدهم النصارى ويؤازرونهم، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [الأنفال:73] فهل يسرنا أن نقلد سفلتهم أو أن نقلد المجرمين منهم والقتلة والسفاحين الذين هم في مجتمعاتهم. للأسف أن بعض شبابنا أصبحوا يقلدون سفلة شباب الغرب، لم يقلدوا أناساً يتفقون مع عامة الناس، ليست القضية لبس بنطلون وكوت، لأن هذا أصبح منتشراً في العالم الإسلامي، لكن القضية أنهم يقلدونهم في أشياء أخرى، فتجد شاباً يضع السلسلة في يده أو على رقبته ويجعل قرطاً في أذنه اليمنى أو اليسرى ويجمع شعره ويجعله ظفيرةً كما تجعله النساء تقليداً، ليس كما كانت العرب تفعل من قبل إكراماً وترجلاً وغير ذلك، لا. فهذه من المصائب، فالآن بدأت تظهر -ولا أقول: انتشرت حتى أكون دقيقاً في العبارة- بدأت تظهر علامات جماعات الهيبز، تجد أحياناً في الإشارة المرورية أربع دبابات سود من الدبابات الضخمة، وأصوات مزعجة وعليها شباب ظلماتٌ بعضها فوق بعض، شيء غريب جداً، وآخرين يرفعون صوت الموسيقى الغربية ويترنحون ويتراقصون طرباً ولهواً وغفلةً وكل ذلك تقليداً، وفي زمن العولمة ما يرى البارحة في أمستردام ربما يفعل صباحاً في قرية أو في بيتٍ أو في حارة، ما يفعل البارحة في جوتن بيرج أو في السويد أو في أي مكان، يفعل الصباح في قريةٍ أو في مدينةٍ صغيرة، فهذه مشكلة التبعية والهوان، وإن من مقاصد ديننا مخالفة أعداء الإسلام، بل صنف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاباً عظيم القدر سماه: إقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، فينبغي علينا أن نتميز ونخالف اليهود والنصارى، بل ديننا لو تأملت كثيراً من الأمور لعلمت أننا نخالفهم في أشياء كثيرة جداً، وفي رسالة حجاب المرأة للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، في فصل ذكر فيه بالأدلة -أي: جمعها بالاستقراء جمعاً مفيداً جميلاً لطالب علمٍ باحثٍ أو مستفيد- المواضيع التي فيها بالأدلة أن من ديننا ومن هدي نبينا صلى الله عليه وسلم مخالفة الكفار: إليك تعدو قلقاً وضينها معترضاً في بطنها جنينها مخالفاً دين النصارى دينها فلا بد أن نعتني بهذه القضية، وأن نتجنب التشبه لا من رجالنا ولا من نسائنا، والحال عند بعض الرجال والنساء هو الفخر بالمسابقة إلى التقليد والتشبه.

الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين لا يمنع من التعامل التجاري مع الكفار

الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين لا يمنع من التعامل التجاري مع الكفار Q هل من العزة أن يترك الإنسان البضائع التي تأتينا من الغرب؟ وهل توجد بعض الكتب أو المراجع التي تدلنا عليها في هذا الموضوع؟ A كون المسلم يشتري من الغرب أو يبيع أو يتاجر معهم؛ المعاملات المالية شيء، والولاء والبراء شيءٌ آخر، لا تظن أن الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين يمنع من التعامل التجاري والتعامل المالي مع الكافرين، النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند يهودي، وعامل المشركين وأضافوه، ودخل بيوتهم، وتوضأ من مزادة مشركة، ودعاه يهودي إلى خبز شعير ووكانت تأتيهم ثياب وربما لبسوها وسألوه صلى الله عليه وسلم عن ملابسهم وعن أحوالهم فما حفظ في الهدي النبوي أننا نهينا، إلا ما ورد النهي عنه لذاته؛ كالثياب التي فيها الحرير -مثلاً- لغير حاجة، أو لبس الذهب أو ما كان فيه تشبهاً بالنساء، فهذا الأمر لا شك أنه من تمام الولاء، أنك إذا كنت بحاجة إلى عمالة أو بضاعة أو غير ذلك ووجدت حاجتك من بلادٍ مسلمةٍ فمن الأولى أن تكون حاجتك ومشترياتك وتوريداتك من بلاد المسلمين، من أي شيءٍ كان؛ عمال أو بضائع أو آلات أو أجهزة بدلاً من أن تقوي اقتصاد الكافرين، المقاطعة سلاح لو يجمع المسلمون على مقاطعة سلعة تجارية من سلع الكفار لأشعرناهم أن المقاطعة والبراء سلاح من أخطر الأسلحة، لكن المسلمين اليوم لا يستخدمون مثل هذا السلاح الفتاك ولا أدري ما السبب؟

الحث على التبرع للجنة تيسير الزواج

الحث على التبرع للجنة تيسير الزواج Q لجنة تيسير الزواج معلمٌ على طريق الأسرة السعيدة الحقيقية، هذا اليوم سيكون بإذن الله عز وجل الجمع لهذه اللجنة المباركة الفتية فنأمل من فضيلتكم حفظكم الله أن تحثوا الناس على هذا الواجب؟ A حقيقة إعانة الشباب على الزواج فيه من المصالح ما لا يخفى وما يضيق المقام عن حصره، وإن القليل مع القليل كثير، ينبغي أن نحرص على هذا وأن نشعر بأهمية هذا الأمر بتكثير نسل أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وفي إعداد الشباب وإعانتهم على غض أبصارهم وإحصان فروجهم، وكذلك الفتيات، والله يعلم مدى ما يعانيه الشباب والشابات من المعاناة من تأخر الزواج أو عدم القدرة عليه، لذا فإني أدعو كل إخواننا أن يجتهدوا ويقدموا ما يستطيعون، وأن يتعاونوا مع هذه اللجنة، وأعتبر هذه المحاضرة فرصةً بإذن الله مباركةً من جميع الأخوة جزاهم الله خيراً أن يساهموا في هذا المشروع، وستجدون على الأبواب من يجمع التبرعات وكذلك حتى في مكان النساء، فالله الله أنفقوا من طيبات ما كسبتم، وأنفقوا خيراً تجدونه عند الله، وتصدقوا فإنها صدقةٌ نافعة قد تطفئ الخطيئة وتدفع غضب الرب، وترد أبواباً كثيرة من البلاء، وتنفعون بها أمتكم وإخوانكم أجمعين، فاجتهدوا جزاكم الله خيراً، فما نقص مال من صدقة، فاجتهدوا وأكثروا من الإنفاق والصدقة في هذا الباب.

الاعتراف بالتقصير

الاعتراف بالتقصير Q هناك مجموعة من الأسئلة تكلمت عن كثير من الشباب أنهم أخيار وطيبون ويعملون الخير ولكن للأسف؛ يجدون في نفوسهم تقصيراً كثيراً من جوانب ضرورية وخاصةً من جهة الواجبات؛ فيفرطون -مثلاً- في صلاة الفجر، عندهم مشاكل مع أنفسهم في الخلوة، ذكر شخصٌ آخر أنه ينظر أحياناً إلى بعض المحرمات التي تعيق، فيقول: إنني حاولت مراراً وتكراراً أن أرجع إلى الله وألا أعود لمثل هذه القضايا، ولكن تتغلب النفس علي، فأرجو من فضيلتكم تبيين مثل هذا الطريق المناسب في هذه الأمور؟ A وجود مثل هذا النوع من الشعور دليل خيرٍ لأنه يندم على كل معصيةٍ اقترفها سراً، وليعلم العبد أن الله عز وجل جمل العباد بستره فأظهر الجميل وستر القبيح، ولا نظن -أيها الأحبة- أن الصلاح أو الاستقامة هو توفير لحيةٍ أو تقصير ثوب، إنما هو صلاح السيرة والسريرة والظاهر والباطن والسر والعلانية، ولكن إن زلت القدم، أو حصلت الهفوة، فهل هذا يعني أن الواحد أصبح السبيل بينه وبين الصلاح والالتزام مقطوعاً، والهوة سحيقة والفجوة بعيدة، ولا يمكن أن يعود إلى ركب الخيار والأبرار؟ A لا. وإني أحذر من وسوسةٍ شيطانيةٍ تأتي إلى بعض الشباب بعد أن يقع منه ما يقع من معصيةٍ أو زلةٍ أو هفوةٍ في ليلٍ أو ظلمةٍ أو غفلةٍ أو خلوةٍ أو غير ذلك، فيأتيه الشيطان ويقول: أنت بين أمرين: إما أن تستمر على التزامك الظاهر بعد الذي فعلت فتكون منافقاً، لأنك في الظاهر متدين وفي الباطن فعلت ذلك، وإما أن تسلم من النفاق فتكون كسائر الناس، احلق لحيتك، واسبل ثوبك، واسمع مثلما يسمعون، وانظر إلى ما ينظرون واسكت، ولا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر حتى تسلم من النفاق، فيأتيه الشيطان من هذا الباب، فنقول: هذا باب ٌخطر، بل الواجب من زلت به قدمٌ أن يبادر إلى التوبة والاستغفار، فأنت مأجورٌ على اتباع السنة في ثوبك وفي إعفاء لحيتك، وأنت مخطئٌ فيما أذنبت من ذنب فبادره وعالجه بالتوبة والاستغفار {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن) ابحث عن الصحبة الصالحة، لا تطل خلوتك بنفسك، لا تجعل أغلب أيامك وأوقاتك بعيداً عن الطيبين {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف:28] لا تكن قاصياً مبتعداً، إنما الذئب يأكل من الغنم القاصية، بهذه الأسباب مجتمعة بإذن الله فأنت تطفئ بالأعمال الصالحة نار السيئة، واجعل هذا ديدنك، إذا أذنبت فأتبع الذنب فوراً بأعمال صالحة: بقراءة قرآن بصدقة باستغفار بأفعالٍ خيرة، وقع الذنب مرةً أخرى في الأسبوع الثاني الحمد لله على ما ستر، فأتبعه بالعمل الصالح وبالتوبة وبالاستغفار {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [غافر:3] ارجع إلى الله غافر الذنب {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53] ليست الرحمة للمسرفين، وأنت وقعت في ذنب أو ذنبين وأنت متدين تقنط من الرحمة؟ الرحمة لعباد الله أجمعين (ورحمتي سبقت غضبي) رحمة الله واسعة سبقت كل شيء، فتعلق برحمة الله ولا تكن ممن مردوا على المعصية سراً وإظهار الصلاح ظاهراً، لأن ذلك من دلائل النفاق والعياذ بالله، لكن إذا حصلت منك زلة أتبعها بالاستغفار من غير أن تكون عادة منك وتندم عليها وتقلع، حتى لو وقعت في مثله في المرة الثانية والثالثة، أقلع وبادر وتب إلى الله عز وجل لكن لا تستمرئها وتجعلها شيئاً عادياً لا تبالي به ولا تأبه به، ما دمت تستغفر فأنت بخير، وبإذن الله إذا صدقت التوبة فلن تعود، أما من أدمنها وأصبحت ديدنه وعادةً له ولا يبالي، بل هو في الظاهر صالحٌ وفي الباطن فاجر، فيوشك أن يقع منه الحديث: (يأتي أقوامٌ يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وأعمالٍ كالجبال، يجعلها الله هباءً منثوراً) فعظم الأمر على الصحابة، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) ومن كان هذا دأبه وديدنه وطبعه، في السر ألوان من المناكر والمعاصي والفجور، وفي الظاهر يدعي الصلاح، فلا شك أن هذا نفاقٌ وعلى خطرٍ أن يحبط عمله في الآخرة، أما من كان مجتهداً في الصلاح ظاهراً وباطناً سراً وعلانية، ثم وقعت منه الزلة فإن ذلك يدعى إلى التوبة والإنابة والاستغفار، ولا يعد نفسه من المنافقين فيقنط من رحمة الله، أو يقول: ما عاد ينفعني العمل أبداً، إن الصحابي الذي شرب الخمر فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تكلم فيه أحد الصحابة قال: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به من خمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تعينوا الشيطان على أخيكم، فإني ما علمته إلا يحب الله ورسوله). بالمناسبة ينبغي للطيبين أن يرحموا إخوانهم، أنا ألاحظ بعض الطيبين لو أن أحد إخوانهم من الشباب الطيب وقع في زلة أو في معصية أو مرت به ظروف، أو تغير أو أصابته حالة من الحالات -مثلاً- كان حديث المجالس، فيقال: فلان حلق لحيته، فلان أسبل ثوبه، فلان أصبح يتفرج فلان، ثم نشروا خزيه وعاره وأفعاله بين كل الطيبين وعادوه عداوةً لا يفتحون له باب العودة أبداً، سبحان الله العلي العظيم! الرسول صلى الله عليه وسلم لما جيء له بهذا الصحابي الذي شرب الخمر هل قال له: نعم، أمامنا صحابي ووراءنا شارب خمر؟ ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما قال: (لا تعينوا عليه الشيطان، فإني ما علمته إلا يحب الله ورسوله) فينبغي ألا نقسم مجتمعنا إلى أقسام وأحزاب، هؤلاء طيبون، وهؤلاء ملتزمون، هؤلاء علمانيون، وهؤلاء فجار، وهؤلاء، نحن أمةٌ واحدة ولا نريد أن نتقسم، فينا السابق بالخيرات وفينا الظالم لنفسه وفينا المقتصد؛ فمن وجدناه منا كان سابقاً بالخيرات فانقلب ظالماً لنفسه نقابله بالنصيحة، نتقرب إليه ونتودد إليه ونتألفه ونستضيفه من جديد ونهديه ونناصحه، ونصيحة السر: نصيحة الرسالة والمودة والمحبة، نعيد له مكانته من جديد، لا نتفرج عليه ونتشمت به ونذله ونخزيه، حتى إن بعض الشباب تراه لو أقبل عليه بعض إخوانه وقد حصلت منه زلة ما رد عليه السلام، ولو دعي في مجلس اصفهر في وجهه وقطب جبينه ونظره شزراً وأخذ يغمز ويلمز يمنةً ويسرة كأنه يريد طرده من المجلس، أو إذا قيل له: تعال واجلس معنا. قال: فلان معكم، أنا لا أريد أن أحضر، لا يا فضيل بن عياض ويا إبراهيم النخعي، ما حصلت منك زلة أبداً، وما أخطأت أبداً، اتق الله عز وجل ولا تعامل إخوانك بهذه الصيغة؛ مسلم زل، رب العالمين أرحم به منك ومنه، افتح له باب الأمل، وباب الرجاء وباب العودة حتى توظف طاقته من جديد، لو أن السيارة إذا خربت رميناها في المزابل وأحرقناها لما وجدنا سيارة توجد في الشارع، كل سيارة تخرب نعيد إصلاحها ونستخدمها مرة ثانية، كل شاب عندما يقع منه زلة نعيد تربيته ونستمر من جديد، وإصلاح خلل الصاحب والصديق أهون من البحث عن صديقٍ جديد، إصلاح الخلل الذي تراه في صديقك أو جليسك أو أخيك هذا أهون بكثير وأقل بكثير من مراحل البداية الجديدة، وإن كان هذا لا يمنع من أن ندعو الناس جميعاً لكن عندنا خلل في بعض المفاهيم الدعوية لعلنا أن نفردها في محاضرةٍ إن شاء الله.

الشيخ ابن باز قبل وفاته رحمه الله

الشيخ ابن باز قبل وفاته رحمه الله Q فضيلة الشيخ! كثيرٌ من يسأل عن أحوال وأخبار سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز؟ A والله لا أحد يسأل عن الشمس إذا طلعت، سماحة الشيخ شمسٌ مشرقة أسأل الله عز وجل أن يمد في عمره وهو الآن في عمر التسعين، ماذا أقول وكلنا يكل وينقطع حينما يريد أن يباري جانباً من جوانب سيرة الشيخ: فمن يباري أبا حفص وسيرته أمّن يحاول للفاروق تشبيها الشيخ من يباريه في كرمه يكل، ومن يباريه في حلمه يكل، ومن يباريه في علمه يكل، ومن يباريه في صبره على الناس يكل، ومن يباريه في قضاء حوائج الناس يكل، ومن يباريه في تواضعه يكل، وأحمد الله عز وجل أن أرانا في هذا الزمن أو في دبر هذا الزمن من آياته في عباده الصالحين المؤمنين ما يشهد ويؤكد أن هذا الدين يمكن أن تتحقق سماته وصفاته وأحكامه وأركانه وآدابه في مثل هؤلاء العلماء، سماحة الإمام لا يقوم العشرات من الشباب الأقوياء بالدور الذي يقوم به الآن، وإن كان ذلك من شيءٍ فإنما هو ببركة الله عز وجل له وعليه وفيه بإذن الله عز وجل. سأله رجلٌ موريتانيٌ قدم من المنطقة الشرقية وسأل الشيخ قال: يا شيخ! أنت رجل كبير في السن، وبرنامجك مشغول من قبل الفجر إلى ما بعد العشاء؛ تهجده قبل الفجر، ثم صلاة الفجر، وبعد الصلاة درس، وقد تعمدت مراراً أن أصلي الفجر خلفه في المسجد مراراً فإني أعجب ونحن شباب ما بلغنا الأربعين الواحد يراوح بين قدميه من تعبٍ في الوقوف، والشيخ كأنما هو سارية لا يتحرك، صلاة الفجر والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حريصٌ على السنة بالإطالة في صلاة الفجر والشباب يراوحون بالكعب، يعني: من طول القراءة والشيخ كأنه سارية لا يتحرك بل والله لو كان في المسجد طيرٌ لوقع على رأسه يظنه ليس بمتحرك، ثم بعد الصلاة درس إلى أن ترتفع الشمس أو إلى أول الضحى، ثم يعود إلى الإفطار في بيته والضيوف ينتظرونه من فقراء المسلمين وذوي الحاجات، وفرقٌ بين أن يكون ضيوفك من ذوي الجاه والمناصب والأثرياء والتجار فأنت تسبقهم وترحب وتفخر أنك تضيفهم، لكن إذا كان ضيوفك كل يوم وكل صباح ومساء الفقراء والمساكين وذوي الحاجات لا يمكن أن تصبر وتطيب، قل من يطيق ذلك، ثم يفطر معهم ويكرمهم ويدخل في البيت قليلاً ثم يذهب إلى الإفتاء -رئاسة الإفتاء- وبعد الصلاة جلسات الهيئة الدائمة، ويعود الظهر إلى البيت ليجد أن الضيوف من الفقراء وذوي الحاجات الغالب منهم ينتظرونه في الغداء فيتغدى معهم، ويلاطفهم ويسمع من حاجاتهم ويعرض عليه من معاريض الناس وحوائجهم، ثم يؤذن للصلاة فيقوم يصلي، ويلقي درساً بعد صلاة العصر، ثم يعود ليرتاح شيئاً من الوقت، ثم يستيقظ قبل أذان المغرب لصلاة المغرب ودرس بعد الصلاة أو درس عام في الدروس الرسمية العامة، ثم بعد العشاء تأتي الإذاعة والمقابلات واللجان والأوراق والمعاملات فلا يأوي إلى فراشه إلا وقد أنهكه العمل، وهذا كل يوم لا يعرف إجازة، فيقول هذا الموريتاني: يا شيخ! كيف تصبر على هذا؟ قال: فأعرض عني الشيخ، قال: فسألته ثانيةً وثالثةً وألححت عليه، قال: يا ولدي إذا كانت الروح تعمل فالجوارح لا تشعر. هذا واضح الآن لو أن شخصاً لا تريده أو لا تحبه يوقفك يتكلم معك، انظر كم تحرك رجليك مرة وكل قليل تنظر الساعة وتتلفت وتمل وتتململ ولو أنك خلوت بحبيبك إن يكن ليلي يوماً فلكم بت أشكو قصر الليل معه الليل الطويل قصير دقائق كيف يمر بسرعة؟ لأنك خلوت بشيءٍ تحبه روحك فمضى الليل وأنت لا تشعر به، فكذلك الشيخ يعمل بروحه فجوارحه لا تشعر بذلك، كذلك من صلى صلاة الروح لا تمل جوارحه من الصلاة، أما الذي يصلي صلاة الجوارح وروحه غافلة سرعان ما يتململ في صلاته.

الدعاء بالمغفرة والنصرة

الدعاء بالمغفرة والنصرة Q نختم الأسئلة أن توجه كلمة بأن يرزقنا الله تعالى المطر وأن ينصر إخواننا المسلمين؛ لأن هناك من الأسئلة التي جاءت بالسؤال عن أحوالهم لكن الوقت لا يكفي في ذلك، وكذلك الدعاء على من وقف ضد المسلمين في كوسوفا وفي البوسنة وغيرها من الصرب وغيرهم؟ A الدعاء مطلوبٌ من الجميع، كلٌ يدعو في مواطن الإجابة وفي مواضع دعائه المختلفة، وإن كنا نسأل الله عز وجل في كل أحوالنا بأسمائه وصفاته واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، ألا يدع لنا وللحاضرين والحاضرات ذنباً إلا غفره، ولا هماً إلا فرجه، ولا ديناً إلا قضاه، ولا مريضاً إلا شفاه وعافاه، ولا حاجةً إلا يسرها، نستغفر الله ونتوب إليه ونسأله وهو الولي الحميد أن يسقينا الغيث وألا يجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار، اللهم أغث العباد والبهائم والبلاد يا رب العالمين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين يا رب العالمين يا أرحم الراحمين، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حقوق الزوج

حقوق الزوج إن كثيراً من النساء يجهلن حقوق الأزواج عليهن، وهذا الموضوع عند الناس بين طرفي نقيض، فكان لابد من الاعتدال، والتركيز على بيان حقوق الرجال على النساء كما تقتضيه الشريعة المطهرة.

الحقوق الزوجية بين الإفراط والتفريط

الحقوق الزوجية بين الإفراط والتفريط إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في مستهل هذا اللقاء أسال الله عز وجل بأسمائه وصفاته أن يجعل لإخواننا وأخواتنا الحاضرين من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. كما أؤكد على مسألة أنتم في غاية العلم بها، ولكننا لا نستغني عن ضرورة التذكير والتواصي ببيانها والحث عليها بين الفينة والأخرى، ألا وهي ضرورة العناية بحلَقِ الذكر ورياض الجنة، وعمارة المساجد بها، ولو لم يكن في ذلك من الفضل إلا أن تحفنا الملائكة، وتغشانا السكينة، وتتنزل علينا الرحمة، ويذكرنا الله فيمن عنده، لكان ذلك كافياً، فضلاً عما في هذه المجالس من الفوائد والفضائل والكرامات والدرجات. ولعل بعض الأحباب قد زهدوا في الحرص على حضور حلق الذكر ورياض الجنة، وأقول لهم: لا تكتفوا بسماع هذه المواد والنصوص من الأشرطة فحسب، فالأشرطة وإن كانت نافعة، والصفحات الإسلامية التي امتلأت بها صفحات الإنترنت الآن وإن كانت نافعة، والبرامج المتنوعة وإن كانت نافعة؛ إلا أنها لا تحضرها الملائكة، أما حلق الذكر في بيوت الله، في المساجد فإن الملائكة تحضرها، وترتفع بأنباء عمَّارها إلى من يعلم السر وأخفى؛ ليزداد الحاضرون بذلك شرفاً، أن يذكروا في ملأ الله الأعلى، ثم ليكرموا بفضل من الله عظيم، تعمهم الرحمة، وتغفر ذنوبهم، وينصرفون وقد شهدت لهم الملائكة بذلك حتى تقول الملائكة: (يا ربنا! إن فيهم فلان بن فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. فيقول الله عز وجل: وله غفرت معهم، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) هذه مسألة بين يدي الحديث في هذا الموضوع، وأوصي إخواني وأخواتي بالعناية بها، وألا يجعلوا سماع الشريط أو قراءة الكتاب مغنية أو كافية عن حضور هذه المجالس التي يلحظ الواحد جملة من الفوائد والآثار المباركة الطيبة على نفسه وعلى أهله حال حضورها. أما موضوع حديثنا كما اختاره الإخوة: "حقوق الزوج" ولا أدري لم قصروه على ذكر حقوق الأزواج دون أن يذكروا حق الزوجات، ولعل السبب في ذلك أن الكثيرين أفاضوا في حقوق الزوجات على الأزواج، وحقوق النساء على الرجال، حتى كأن الكفة مالت بحقوقهن على حقوق الرجال، فلابد أن يعتدل الأمر بالتركيز والعناية على بيان حقوق الرجال على النساء، وحقوق الأزواج على الزوجات وذلك أمر محمود. أحبتنا في الله: من الطرائف والغرائب أن هناك جمعيات ظهرت الآن في البلدان التي نالت شؤم السبق وليس قصب السبق في إعطاء المرأة حريتها، والتي رفعت لواء تحرير المرأة، ونادت بنبذ القوامة ورفع كل أمر أو نهي أو توجيه أو إرادة أو تصرف من قبل الرجال على النساء، في تلك البلدان أسست الآن وظهرت جمعيات هي جمعيات تطالب بمساواة الرجال بالنساء، وأول ما بدأت فتن التغريب والحرب الشعواء ضد الإسلام وأحكامه وشرائعه ومبادئه كان ينادون من خلال جمعيات تنادي بمساواة النساء بالرجال، أما الآن فلما بلغ الأمر، وطفح الكيل، وأصبحوا يعانون ما يعانون من ألوان العهر والفجور، والزنا والخنا، والانحراف والرذيلة والضلالة، وما تبع ذلك من تهدم الأسر، وضياع الأبناء، وكثرة أبناء الزنا وغير ذلك، فأصبحوا الآن من خلال جمعيات يؤسسونها ينادون بمساواة الرجال بالنساء خلافاً لما رفعوا عقائرهم به من قبل ينادون بمساواة النساء بالرجال. والحقيقة أن كثيراً من النساء اليوم يجهلن حقوق الأزواج عليهن، وهذا الموضوع يتنازعه طرفا نقيض: طرف يرى تفلت المرأة وخروجها وتحررها كما يسميه من قوامة الزوج بلا حدود، من خلال ما نسمعه من ادعاءات مغرضة آثمة كاذبة خاطئة، وطرف متعسف غاشم لا يرى للمرأة حقاً، فاستعبد المرأة وأذلها، والحق أن العدل مطلوب، وقول الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] والعاقل ينظر إلى العدل الذي جاءت به الشريعة من غير غلو ولا تفريط: فلا تك فيها مُفرِطاً أو مفرِّطاًً كلا طرفي قصد الأمور ذميم

أسباب تفضيل الرجال وجعل القوامة فيهم

أسباب تفضيل الرجال وجعل القوامة فيهم قال الله عز وجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] والقوامة: من القوام على وزن فعال للمبالغة، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها كما ذكره الرازي والقرطبي، والمقصود من قوامة الرجل على زوجته: قيامه عليها بالأدب الحسن والتدبير، والحفظ والصيانة، وتولي أمرها، وإصلاح حالها، والأمر والنهي فيما ينفعها، كما يقوم الولاة بالأمر والنهي على الرعايا، فقيم المرأة ومن له القوامة عليها هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إن ظهر ما يوجب ذلك. وقد تقول امرأة وقد يقول قائل أيضاً: لماذا كانت القوامة للرجل على المرأة؟ إن الله سبحانه بين ذلك جلياً صريحاً في قوله سبحانه: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:34] يعني: في أصل الخلقة، فالرجل أعطي من الحول والطول والقوة ما لم تعط المرأة؛ فلأجل ذلك كان التفاوت في التكاليف والأحكام والحقوق والواجبات مرتباً على ذلك التفاوت والاختلاف في الطبائع والفطر. والسبب الثاني جلي من الآية وهو في تبيين القوامة للرجل على المرأة وهي قوله تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] فالرجل متحمل للنفقة، باذل للمهر، مسئول عن أشياء كثيرة. ويذكر المفسرون أن من أسباب فضل الرجال أن فيهم الأنبياء، وأن الإمامة الكبرى والصغرى لا تكون إلا في الرجال، وأن الجهاد على الرجال، وأن الأذان والشهادة في الحدود، والولاية في النكاح، وأمر الطلاق والتعدد وزيادة السهم في الميراث كلها للرجال دون النساء، وكل ذلك من صميم الشرع وليس باجتهاد أو بشهوة أو برغبة، بل الذي خلق الذكر والأنثى هو الذي فضل الذكر على الأنثى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. ومن الواضح أن اختصاص الرجال بهذه الأحكام جاء نتيجة لاستعدادهم الجبلي الذي خصهم الله عز وجل به، ولا يخفى -أيضاً- أن قوامة الرجال على النساء ليست من باب السيطرة، أو من باب الأمر والنهي اللا مسئول، والذي لا غاية ترجى منه، ولا فائدة تجنى من ورائه، بل الحقيقة أن هذه القوامة عائدة مصالحها، منتهية ثمارها إلى المرأة ذاتها، قال القرطبي بعد أن ذكر أسباب التفضيل: ثم فائدة تفضيلهم عائدة إليهن. أي: فائدة تفضيل الرجال على النساء عائدة إلى النساء. ولعلي أن ألخص كلام صاحب المنار إذ يقول: فالرجل الذي تحمّل القوامة بناءً على أساس الخلقة وما خص به وجبل عليه من الكسب والنفقة على الزوجة، فقد تيسر للزوجة القيام بوظيفتها الفطرية وهي الحمل والولادة، وتربية الطفل، وهي آمنة في سربها، مكفية ما أهمها من أمر رزقها، فيسر للمرأة كل ذلك بسبب حماية الرجل لها وإنفاقه عليها، وهذا جلي وواضح. والقوامة -أيها الأحبة- تقوم على أساس المودة والرحمة، فالذي يعاشر المرأة ويعاملها من باب الغطرسة، ومن باب التلذذ والتفكه بالأمر والنهي، والأوامر التي لا فائدة من ورائها سوى إكمال نقص يشعر به الرجل يملؤه في الأمر والنهي الذي لا غاية ترجى منه، فإن هذا ليس من القوامة في شيء، إنما القوامة في الأمر الذي ينمي خلقاً، ويزرع أدباً، ويحفظ سمتاً، ويهدي دليلاً، ويصلح حالاً، وينشئ بيتاً، ويحمي كياناً، ذلك الأمر والنهي هو الذي يفيد بإذن الله سبحانه وتعالى؛ فلأجل المودة والرحمة والسكن والراحة النفسية شرع الزواج، وشرع فيه أن تكون القوامة للرجال على النساء، فإن الله عز وجل لما جعل في الزواج السكن والمودة والرحمة لم يكن لينقضه بقوامة الرجال وغطرستهم إن أسيء استخدامها، بل إنما جاءت القوامة تكميلاً لمسألة السكن والمودة والرحمة؛ ولذا قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] فقوامة الرجل ورياستة التي قلدها يجب أن تكون مبرأة من التعسف في استعمال الزوج سلطته، ليس لك أن تستخدم هذه القوامة في إذلال المرأة والإضرار بها كما يظن كثير من الجهلة، بل إن القوامة والرياسة الزوجية أسسها المودة والرحمة، وضابطها إرادة الخير، فهي لم تشرع إلا لإعزاز المرأة والاهتمام بها، وتقويمها وتأديبها ولكن بضوابط، كأن تهمل حق الزوج فتحتاج إلى هذا الأدب. وإن مما يفسد الحياة الزوجية استثقال كثير من النساء إن لم نقل جلهن قوامة الرجال عليهن، وكل امرأة تؤمن بالله رباً وتؤمن بأن الله عليم حكيم، كل أمره ونهيه قائم على مقتضى العدل -لأن الله لا يظلم- مشتمل على تمام الحكمة لأن الله لا يعبث، كل امرأة تؤمن بالله عز وجل وتؤمن بذلك كله فإنها ترى طاعة الزوج باباً من أبواب العبادة، لا تنظر إلى الطاعة أنها باب من أبواب التعسف والغطرسة، أو من باب قهر النساء بأمر الرجال هذه مسألة مهمة. ونحن اليوم في زمن كما جاء في صحيح البخاري (يأتي على الناس زمان يشربون الخمر فيسمونها بغير اسمها) نحن في زمن انتكست فيه كثير من المفاهيم، وتقلبت فيه كثير من الأمور، فأصبح المعروف عند البعض منكراً، والمنكر عند البعض معروفاً، وأصبحنا نجد من الغرائب والعجائب أشياء كثيرة! أليس الناس يرون أن عظماء الرجال هم الذين لا يخرجون وحدهم، بل الغالب أن معهم من الحشم والخدم والحرس من يأتمرون بأمرهم، ويستجيبون لتوجيهاتهم، ويحفظونهم ويقدمون لهم ما يشاءون ويريدون؟ A بلى. لماذا لما كان الرجل حارساً للمرأة حامياً لها، وذلك من باب إكرامها وحشمتها والعناية بها لم يقال فيه: هذا من باب الاحترام وإنما قيل: هذا من باب التجسس؟! تكتب صحفية ماجنة مثلاً أو يكتب علماني فاسد مفسد لا يريد للمسلمين أن تظل مجتمعاتهم على درجة من الصيانة والرعاية والحفظ والتمام، لا يريد لهم ذلك فيقول: الرجل جاسوس يتابع المرأة، ولا تمنح المرأة أي ثقة بل لابد أن ينطلق الجاسوس تابعاً لها في كل مكان تخرج إليه. لماذا لم يجعل الحشم الذي يمشون خلف العظماء من باب التجسس عليهم؟ لا، هؤلاء عظماء، ويستحقون الخدمة والحشمة والرعاية والصيانة، فكذلك المرأة جعلت في منزلة رفيعة بحيث أمر الزوج أن يكون معها في السفر فلا تسافر وحدها، وبحيث ألا يخلو أحد بها، فلا يخلو بها أحد من دون محرم، ولأمور كثيرة يراها الشرع الحنيف، ومن يفقه الشرع يرى أنها من تمام الرعاية والرفعة والكرامة والإجلال للمرأة، ويراها أعداء الإسلام وأذناب الغرب يرونها لانتكاس فطرهم ومفاهيمهم من باب التجسس والشك، ومن باب المتابعة والتنقيص لأمر المرأة! وكل ذلك مما يدخله تلاعب الألفاظ، والحقيقة أن ذلك هو الحق الذي شرعه الله في كرامة هذه المرأة، أن تخدم وأن ترعى وأن تصان وأن تحفظ، لا أن تكون سلعة لدعاية في منتج، حتى إطارات السيارات، وحتى بطاريات السيارات، وحتى أمور لا علاقة للمرأة في علاجها والتعامل معها جعلت المرأة سلعة أو دعاية في ترويجها، كل ذلك من باب احتقار المرأة عند أولئك، وإن كانوا أظهروا لها وسموها أنها المرأة المتحررة، والمرأة السعيدة، والمرأة التي تلبس ما شاءت، وتخرج متى شاءت، وتحدث من شاءت، وتتكلم مع من شاءت، وتفعل ما شاءت كل ذلك جعلوه في قالب قشيب جذاب تؤزه الدعاية والإغراء والفتنة، وتستهدفه الشهوة التي تجعل النساء في هذه الأحابيل ليكن فرشاً ومتاعاً وزهرات يمتص رحيقها من قبل الرجال، حتى إذا لم يبق من الرحيق شيء رمي بها في قارعة الطريق، ولا تجد من يلتفت إليها بأي حال من الأحوال. حينما تجد الأساليب أو الميادين أو المجالات التي أقحمت فيها المرأة بغير طائل ولا مصلحة بل لمفسدة ومذلة، تعلم تماماً -إن رزقك الله النظر بعين البصر والبصيرة- أن المرأة استخدمت كسقط المتاع، وكأدنى وسيلة من أجل ترويج البضائع والحصول على الأموال. إذا المرأة عرفت أن قوامتها عبادة كما تتعبد ربها بالصلاة والركوع والسجود والصيام، فإذا علمت أن قوامة الرجل عليها عبادة فإن ذلك يجعلها تسعد وتلذ بهذه القوامة، بل المرأة السليمة التي لم يفسد ذوقها ولا عقلها هي التي تشعر أنها بأمس الحاجة إلى قوامة الرجل عليها، بل الكثير من النساء اللائي يشكين من جور الزمان، وغلبة الملوان، وما يحصل لهن من الأذى والهوان تقول: يا ليت لها قيماً يحفظها ويصونها ولو أمرها ونهاها بما يتضايق منه كثير من النساء هذه المرأة العاقلة، لكن التي لم تقدر نعمة القوامة من قبل الرجل عليها فإنها تتمنى أن تتفلت؛ لأنها لا تنظر إلى القوامة والتعامل معها من باب التعبد؛ ولأنها لم تكتشف بعد حقيقة ما يؤول إليها من النفع من خلال هذه القوامة. إذاً فلا بد أولاً من رضا النساء بحكم الله وشرعه فهو الأعلم بالأصلح للرجال وللنساء، ولذا جعل القوامة في أيدي الرجال فقال: {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140] حتى لو لم تظهر لنا بعض الحكم فلا بد أن نسلم ولابد أن نرضى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] أي مؤمن! يتعامل مع هذه النصوص الشرعية المعصومة بمقتضى التسليم والخضوع والانقياد لله عز وجل، والاتباع لنبيه صلى الله عليه وسلم، فإن المرأة المسلمة حيال ذلك لا تملك إلا الرضا والسعادة والتسليم، ومن كانت على غير هذا فإنها تضيق وتتبرم بهذه القوامة. أيها الأحبة في الله! إن الله سبحانه وتعالى قد عظم حقوق الزوج على زوجته مع أن الله سبحانه وتعالى جعل لهن من الفضل والكرامة كما للرجال، إلا أنه جعل للرجال عليهن درج

الأحاديث الواردة في حقوق الزوج

الأحاديث الواردة في حقوق الزوج ومن الأحاديث الواردة في هذا ما رواه أبو داود في سننه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن) لما جعل الله لهم عليهن من الحق، ويؤكد ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: زوجها. قلت: فأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: أمه) رواه البزار والحاكم بل إن محافظة المرأة على حقوق الزوج يعد عملاً وعبادة جليلة تبلغ في ثوابها بالمرأة مبلغ ثواب الرجال من الجهاد في سبيل الله، ومصداق ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنه (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وفي بعض الروايات- أنها أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية الأشهلية قالت: يا رسول الله! أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا فهم أحياء عند ربهم يرزقون، ونحن معاشر النساء نقوم عليهم فما لنا من ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج والاعتراف بحقه يعدل ذلك، وقليل منكن من يفعلن). وجاء في بعض الروايات أن أسماء رضي الله عنها جاءت فقالت: (يا رسول الله! ذهب الرجال بحظهم من الأجور: يسمعون حديثك، ويغزون معك، ونحن معاشر النساء طاهيات طعامكم، وغاسلات ثيابكم، وحاضنات أولادكم، فما لنا من ذلك يا رسول الله؟ -أي: ما لنا من الثواب والحظ والأجر؟ - فقال صلى الله عليه وسلم وقد التفت إلى الصحابة رضوان الله عليهم فقال: هل سمعتم سؤالاً أحسن من سؤال هذه؟ قالوا: لا يا رسول الله! فالتفت إليها صلى الله عليه وسلم فقال: اسمعي وأخبري من وراءك إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله) أي: إن حسن المعاملة، وحسن الخضوع، وحسن الاستسلام للقوامة، وحسن الرعاية، وأن تكون امرأة عروباً متحببةً متوددةً إلى زوجها أن ذلك يجعل لها من الثواب ما يعدل ثواب من يجاهد ويغزو ويحج ويجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم. بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) رواه الإمام أحمد والطبراني أليس ذلك كله دليل على عظم حق الزوج وعلى عظيم منزلته؟ فأين كثير من النساء عن هذا؟! إن كثيراً من النساء قد استطلن في أعراض أزواجهن غيبة ونميمة، وإن كثيراً من النساء قد امتلأن بغضاً وحقداً وكراهية على أزواجهن، إن كثيراً من النساء قد تسلطن في تحقير أزواجهن أمام أولادها وأولادهم، إن من النساء من تكون سبباً في تقزيم وتصغير وتحقير مكانة الزوج ومكانة الأب أمام أولاده من حيث تشكو وهي تدري أو لا تدري أنها تجعل التوجيه والريادة والسيادة لغير الوالدين من خلال هذا الكلام الذي تقوله، لعله بسبب حفنة من المال منعت ولم تعطها، أو بسبب مناسبة زفاف أراد زوجها ألا تحضرها لمنكر من المنكرات يعلمها في ذلك الزفاف، أو لأمر ومصلحة يقدرها الزوج ولا تقدرها المرأة. يقول ابن قدامة في المغني رحمه الله: وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه لقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] وكذلك صاحب كشاف القناع واستدل بالآية والحديث: فهو أمر عظيم متأكد لا جدال فيه، فأين الذين يحاربون القوامة اليوم زاعمينها استعباداً؟ أين هذا من هذا؟! وأين الذين يحاربون الأسرة ويزعمونها سيطرة وقيداً وقفصاً حديدياً؟! أين هم من إدراك هذه المسائل والفضائل؟! بل أين المرأة التي تنساق وراء دعاوى مضللة وشبه كاذبة من هذا؟ ألا تطمع المرأة في جنة عرضها السماوات والأرض؟ ألا تطمع في أن تصل عليها الملائكة وتدعو لها؟ ألا تطمع في أن يرضى ربها عنها؟ ألا تخشى من لعنات الملائكة المتتابعة؟ ألا تخشى من سخط الله عليها؟ ألا تخشى من عقوبة الله أن تحل بها بسبب نشوزها أو إعراضها أو ارتفاعها أو تكبرها عن طاعة زوجها والاعتراف بحقوقه؟!

حقوق الزوج على الزوجة

حقوق الزوج على الزوجة أيها الأحبة في الله! حقوق الزوج على الزوجة كثيرة:

من حقوق الزوج على الزوجة الطاعة

من حقوق الزوج على الزوجة الطاعة فمن ذلك: الطاعة، وهي الطاعة في المعروف والقوامة دالة على ذلك، وقد جاء في تفسير قول الله تعالى: ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)) [النساء:34] جاء في تفسير الآية: إن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية. ذكره الجصاص والقرطبي، وإن أساس هذا الحق هو القوامة إذ أنه لا معنى لحق القوامة بدون حق الطاعة، مادام للرجل قوامة فله على زوجته أن تطيعه ولا تعصيه ما لم يكن أمره لها في معصية الله عز وجل، قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] لاحظوا قوله: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ} [النساء:34] دل على أن الحق الذي لكم هو الطاعة، فإن فرَّطَتْ في هذا الحق والطاعة كان سبيلكم إلى إرجاع المرأة إليه الوعظ أولاً، ثم الهجر ثانياً، ثم الضرب غير المبرح ثالثاً. قال الكاساني في البدائع: أمر تعالى بتأديبهن بالهجر والضرب عند عدم طاعتهن، ونهى عن ذلك إذا أطعن أزواجهن لقوله: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] فدل على أن التأديب كان لترك الطاعة فدل على لزوم طاعتهن للأزواج. وقول الله عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] فالزوج كالأمير والراعي والزوجة كالمأمور والرعية؛ فيجب عليها بسبب كونه أميراً وراعياً أن تقوم بطاعته كما يجب عليه أن يقوم بحقها ومصالحها، ويجب عليها إظهار الانقياد والطاعة للزوج ذكره الرازي أيضاً. بل إن صلاح المرأة في طاعة الزوج، قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} [النساء:34] فأثنى عليهن بصلاحهن، ووصفهن بعد الصلاح بالقنوت، والقنوت هو: الطاعة، والمرأة القانتة هي المطيعة، وتأمل حرف الألف واللام في الجمع بقيد الاستغراق فهذا يقتضي أن كل امرأة صالحة لابد أن تكون قانتة مطيعة ذكره الرازي. ومعلوم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ففي البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار زوجت ابنتها، فتمعط شعر رأسها، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقالت إن زوجها -أي: زوج ابنتها- أمرها أن تصل شعرها فقال صلى الله عليه وسلم: (لا. إنه قد لعن الموصلات -وفي رواية- الواصلة والمستوصلة) ومعنى تمعط شعرها: أي تمزق وتساقط، قال العيني: ووجه الدلالة أن الزوج طلب شيئاً غير شرعي فلم تجز طاعته فيه، ولو كان الطلب شيئاً شرعياً وجبت طاعته.

من حقوق الزوج على الزوجة الإجابة إلى الفراش

من حقوق الزوج على الزوجة الإجابة إلى الفراش ومن حقوق الزوج على المرأة التي ينبغي أن تنتبه لها غاية الانتباه وألا تقصر فيها: حق في وطئها. فلابد أن تطيعه في الوطء، ففي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح) أي زجر للنساء! وأي نهي للنساء! وأي تحذير للنساء من هذا الذي يحرم عليها أن تأبى الانقياد والطاعة لزوجها حينما يريد أن يقضي ما شرعه الله بينه وبينها مما يحقق بينهم سكناً ومودة؟! وفي لفظ للبخاري وأحمد وغيره: (فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) يعني: إذا دعاها إلى فراشه فأبت؛ فبات غضبان؛ فإن الملائكة تلعنها حتى تصبح، وفي هذا يتجه وقوع اللعن، وقد وردت أحاديث كثيرة في لزوم طاعته إذا دعاها إلى فراشه، وأنها لا يسعها عصيانه ولو كانت على التنور، ولو كانت على ظهر قتب، ولو كانت في حال من الأحوال إذا احتاج الرجل إليها خاصة في هذا فإن هذا من أخص الحقوق بين الزوجين، ولتعلم المرأة أنها حينما تفرط في هذا فربما تفتح باباً إلى الزنا أو باباً من الفساد أو باباً من مرض القلب أو باباً من الأبواب التي لا تزال تتسع يوماً بعد يوم حتى تقع بالرجل في هاوية الانحراف والرذيلة، وتكون هي السبب وهي التي أشعلت شرارة البداية في هذا الانحراف، فلا يسع للمرأة أن تعصيه. بل جعل ابن حزم طاعتها له في الوطء فرضاً تستحق اللعن إذا لم تقم به ما لم تكن حائضاً أو مريضة تتأذى بالجماع أو صائماً في فرض فإن امتنعت في غير عذر فهي ملعونة هذا كلام ابن حزم في المحلى.

من حقوق الزوج على الزوجة المبادرة في أمور الطهارة والنظافة

من حقوق الزوج على الزوجة المبادرة في أمور الطهارة والنظافة والطاعة أيضاً في أمور الطهارة كالاغتسال من حيض ونفاس، وله أن يجبرها على ذلك إن امتنعت؛ لأن تلكم الأشياء تمنع استمتاعه بها فله الحق في إجبارها على ما يمنع حقه، أي: أن هناك امرأة طهرت من الحيض فقال لها زوجها: اغتسلي. معروف لماذا أمرها بالاغتسال؟ حتى يصيب منها ما شرع الله له معها، فإذا أبت فإن امتناعها من الغسل من الحيض مثلاً إنما هو معصية تستحق عليه اللعن والعياذ بالله، ولابد لها أن تبادر ويجب عليها ذلك؛ لأن امتناعها عن ذلك مما يفوت كمال استمتاعه بها. كذلك مما يجب من الحقوق للزوج ومما يجب من أمور الطاعة فيما يأمر به الزوج الطاعة في أمور النظافة، في إزالة الوسخ والدرن وتقليم الأظافر وغيره مما تعافه النفس، وبعض العلماء يرى أن للزوج إلزامها به؛ لأن بقاء هذه الأشياء يمنع كمال الاستمتاع.

من حقوق الزوج على الزوجة طاعته في ترك النوافل إذا احتاج إليها

من حقوق الزوج على الزوجة طاعته في ترك النوافل إذا احتاج إليها كذلك من حقه عليها أن تطيعه ولو في ترك نوافل العبادات، فامرأة شغوفة بقيام الليل، إذا احتاجها تشاغلت بالطهارة والوضوء والركوع والسجود، إن نومها في فراش زوجها وبجواره يرفعها درجات أعظم من درجات انشغالها بالنوافل والركوع والسجود من الطاعة. وكان نساء السلف الصالح إذا أرادت إحداهن أن تشتغل بالتهجد في الليل وقفت عند رأس زوجها وقالت له: ألك بنا حاجة؟ وهذا من جمال الأدب في التعريض عند ذكر الحاجة بين الرجل وزوجته فإذا أرادها أشار إليها، وإن لم يردها دعت له ثم ذهبت تصلي وتتهجد قانتة قارئة كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار. أين ذلك الجيل؟ وأين نساء اليوم من ذلك الجيل؟ لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد يخبرني بعض من يتصل ويرسل وبعض من يتكلم عن أمور كهذه، منها أن بعض النساء أصبحت تقول: إياك أن تطلبني إذا استحكم مزاجك في طلب هذه الحاجة، لكن إذا اتفق مزاجي مع مزاجك ثم اتفقنا على قاعدة المفاوضات على فعل هذا الأمر فلنجتمع لتنفيذه، وكأنها اتفاقية تحتاج إلى أطراف ووكلاء وآخرين من جهات شتى! ما الذي عقد الحياة الزوجية بهذه الدرجة حتى أصبحت المرأة تستنكر وتستكبر إذا دعاها زوجها وتقول: لا؟ إذا كان مزاجك أو رغبتك أو حاجتك حضرت فإن حاجتي بعد لم تحضر؟ لا، لم يرد في الشرع هذا، بل الذي ورد أن تجيب وأن تطيع وإن كانت على ظهر قتب أو على تنور، حتى العبادة والطاعة إذا أرادت أن تصلي أو تصوم نفلاً وهو شاهد فليس لها أن تصوم ذلك إلا بإذنه، كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) رواه البخاري وفي رواية: (لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوماً من غير رمضان إلا بإذنه) رواه أهل السنن إلا النسائي. ويفهم من هذا الحديث جواز منع الرجل زوجته من صوم التطوع، وعليها أن تطيعه في ذلك، ويفهم أيضاً: أنه يحرم على المرأة أن تصوم النفل بدون إذن زوجها الحاضر؛ وسبب التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت، وحقها واجب على الفور فلا يجوز لها أن تفوته عليه بانشغالها بنوافل الصوم وغيره. وكذلك من فوائد هذا الحديث أن الزوج ليس له أن يأمرها بمعصية الله عز وجل، فإذا صامت قضاءً لصوم واجب عليها فلا يجوز له أن يجبرها على نقض صومها أو فطر ذلك اليوم الذي تصومه قضاءً في صيام واجب.

من حقوق الزوج على زوجته حفظ ماله

من حقوق الزوج على زوجته حفظ ماله ومن الحقوق أيضاً: حق زوجها عليها في حفظ ماله، فمن النساء من وجودهن بركة، فإذا أقبلت على البيت رأيت البركة تعمره في شتى شئونه، بل تملأ جوانبه وأركانه: في حسن تدبيرها، واقتصادها، ورعايتها. ومن النساء من دخولها بعض البيوت بوابة إلى الإعسار والفقر والمسكنة والمسغبة بسوء تدبيرها وعدم حفظها لمال زوجها؛ ولذلك فإن مما يُدعى به لمن تزوج امرأة أن يقال له: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير. إذا كانت المرأة بركة على زوجها كانت سبباً -بإذن الله- في حفظ ماله ونمائه، وكانت سبباً في اقتصاد معيشته، وكانت سبباً في أن تكرمه وتعينه وتحفظه من أن يريق ماء وجهه حاجة للناس. أما إذا ابتلي بامرأة مسرفة خراجة ولاجة، تعرف الأسواق، ولها مع الحوانيت والدكاكين وأصحابها مواقف ومشاهد مأثورة أو معروفة، فإنه لا هم لها إلا أن تكون يداً طالبة للمال في كل حال، لا ترحم زوجها، وإذا قصر في بذل المال لها فالويل ثم الويل له، هذا من دلائل شؤم المرأة، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (إن كان الشؤم في شيء ففي ثلاث: في المرأة، والدار، وفي الدابة) أي: أن المرأة ربما تكون شؤماً وربما تكون بركة. في هذا الباب -وهو حق الزوج على المرأة في حفظ المال- يقول تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34] قال قتادة في تفسير هذه الآية: مطيعات لله، ثم مطيعات لأزواجهن، وأصل القنوت دوام الطاعة، ثم قال: {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} [النساء:34] أي: حافظات لما غاب عنه أزواجهن من ماله، وما يجب من رعاية حاله، وما يلزم من صيانة نفسها له ذكره الجصاص في أحكام القرآن. وقد ذكر الرازي أن الحفظ من وجوه: أولها: حفظ نفسها من الزنا. والثاني: حفظ ماله عن الضياع. والثالث: حفظ منزله عما لا ينبغي. قال صلى الله عليه وسلم: (خير النساء إن نظرت إليها سرتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك -وقرأ هذه الآية {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34]) ومما يستدل لهذا وأن المرأة مسئولة، وأن من حق الزوج عليها أن تحفظ ماله، وأن تحفظ متاعه، وأن تحفظ بيته قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) متفق عليه ومعنى رعاية المرأة لبيت زوجها: في حسن التدبير، والنصح، والأمانة في المال، وحفظ ما يدخل من القوت والطعام، فالمرأة أمينة على ذلك. وهنا مسألة فيما يتعلق بحفظ المال، ينبغي للزوج أن يطلق لزوجته يد الثقة والأمان، وأن يطلق لزوجته يد الأريحية والكرم، فمن الناس من لو رأى زوجته أخذت من الطعام أو المتاع شيئاً إلى بيت أهلها أو عمتها الفقيرة أو خالتها الأرملة جُنَّ جنونه، وجحظت عيونه، واشرأب عنقه، وشخص بصره، وكاد أن يصيبه من الغم والهم ما لا يوصف! لماذا؟ بسبب أنها أخذت شيئاً من اللحم أو الطعام، أو شيئاً من الزاد لقريبة أرملة أو امرأة مسكينة في حال يرثى لها. ينبغي للزوج ألا يكون بخيلاً، وليعلم أن البخل هو الذي يفسد الخصال بل يدفنها، والكرم هو الذي يغطي المعائب تمتع بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاء الرجل الكريم السخي كل زلاته مغفورة معفو عنها عند زوجته بسبب السخاء والكرم، أما البخيل فمهما بلغ فإن بخله سبب في دفن محاسنه وإظهار معايبه، لذا كان على الرجال أن يطلقوا يد الأمانة والثقة والأريحية والكرم للنساء فيقول: يا أمة الله! إذا طرق الباب فقير أو مسكين فأعطوهم من الطعام ما ترونه سبباً في دفع البلاء وشكر النعمة، والقربى إلى الله عز وجل، إذا علمت أن أهلك في حاجة إلى شيء من الطعام فأنت مأذون لك في أن تأخذي من زادنا وطعامنا ما ترين، إذا علمت من خالة فقيرة أو عمة أرملة أو مسكينة محتاجة فأعطيها ما ترين، فإنك مكان نفسي، بل لك الأجر بإذن الله سبحانه وتعالى.

من حقوق الزوج على زوجته خدمته وخدمة منزله

من حقوق الزوج على زوجته خدمته وخدمة منزله ومن الحقوق أيضاً: حق الزوج عليها في خدمته وخدمة منزله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وكذلك خدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة وهذا كلام جميل لـ ابن تيمية رحمه الله مع أن هناك من أهل العلم من يقول: لا يجب على المرأة أن تخدم زوجها، والواجب عليه أن يهيئ لها من يعد طعاماً وشراباً ويخدمها، ولكن هذه المسألة خلافية قد توسط فيها ابن تيمية توسطاً جميلاً فقال: يجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف. فلا يأتي إنسان يقول للمرأة وهو صاحب عمال وأعمال وغير ذلك ويأمرها يومياً أن تطبخ الطعام لعشرات، بل أكثر من ذلك من الوافدين والداخلين والخارجين إذا كان هذا يشق عليها مشقة بينة واضحة، فعليها أن تطيعه في المعروف. من المعروف: أن تطهي طعامه، لكن ليس من المعروف أن تتحول إلى طباخة تطبخ يومياً لعشرين وثلاثين من العمال وغير ذلك. من المعروف: أن تنظف البيت، لكن ليس من المعروف أن تتحول إلى عاملة لكنس الاستراحة ورشها والعناية بكل ما يحتاجه هو وشلته وأصحابه ورفاقه كل يوم لتظل طول اليوم مهينة مهيضة مكسورة ضعيفة، فلا القول بأن حقه عليها في الخدمة مطلق ولا القول بأنه ليس له عليها من الحق في الخدمة أيضاً، وإنما الوسط في ذلك كما سدد إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: ويجب على المرأة خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة انتهى من الاختيارات. وقال مثل ذلك أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف وأبو إسحاق الجوزجاني وغيره قال: وأدلة هذا القول ما رواه البخاري أن فاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعت أنه جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسبي، وكانت قد مجلت يداها مما تقوم به من خدمة علي رضي الله عنه، والطحن على الرحى، وإعلاف فرس علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بما هو خير لك من خادم؟ تسبحين الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين أربعاً وثلاثين، فذلك خير لك من خادم وخادمة). ووجه الاستدلال أن فاطمة رضي الله عنها لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيها خادماً من هذا السبي الذي جيء إليه به لم يقل صلى الله عليه وسلم: إن من حقك على علي أو من واجب علي أن يخدمك أو أن يهيئ لك خادماً، ولم يأمر زوجها علي بن أبي طالب بأن يهيئ ذلك إما بإخدامها خادماً أو باستئجار من يقوم بذلك أو بتعاطي ذلك بنفسه، ولو كانت كفاية ذلك إلى علي رضي الله عنه لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكن قال: (ألا أخبرك بما هو خير لك من خادم وخادمة؟ إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبرا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا أربعاً وثلاثين) وفيه من الفوائد: أن الذكر يقوي البدن. وأن الذكر والاستغفار خاصة من أسباب قوة البدن بإذن الله عز وجل. قال الطبري: يؤخذ منه أن كل من كانت له طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز أو طحن أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج إذا كان معروفاً أن مثلها يلي ذلك بنفسه ذكره ابن حجر في فتح الباري. ويستدل أيضاً بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت: كنت أخدم الزبير بن العوام رضي الله عنه خدمة البيت كله، وكانت له فرس فكنت أسوس فرسه، وكانت تعلفه وتسقي الماء، وتخرج الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلاثة فراسخ. والمسافة بعيدة، والحديث في البخاري. وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها مع نفر من أصحابه فلم ينكر ذلك عليها، ولم ينكر على الزبير حالها معه، ولم يقل: يا زبير لم لا تُخدمها، لم لا تحضر لها خادمة؟ قال ابن حجر: والذي يظهر أن هذه الواقعة وأمثالها كانت حالة ضرورة، ووجه هذه الضرورة شغل زوجها الزبير وغيره من المسلمين بالجهاد وغيره مما يأمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا لا يتفرغون لأمور البيت بأن يتعاطوا ذلك بأنفسهم، ولضيق ما بأيديهم على استخدام من يقول بذلك، فانحصر الأمر في نسائهم فكن - يعني: النساء- يكفينهم مؤونة البيت ومن فيه؛ ليتوفروا على ما هم فيه من نصر الإسلام، أي: ليظل الرجال منشغلين بالجهاد ونصر الإسلام -ثم قال- والذي يترجح: حمل الأمر في ذلك على عوائد البلاد فإنها مختلفة في هذا الباب. وأنت تلاحظ أن ابن حجر اقترب من قول القائلين بإيجاب الخدمة على المرأة على النحو الذي يقضي به عرف الناس وعاداتهم. والآن أصبح الكثير من النساء مخدومات بالخادمات، ولكن مع هذا كله نقول لأخواتنا: إن طبخ الزوجة لا يمكن أن يقارن في ذوقه وحلاوته وتلذذ الرجل به، وشعور الرجل بمكانة المرأة في منزله، لا يقارن بطبخ الخادمات، فإياك إياك أمة الله أن تسندي طبخ طعام زوجك إلى خادمة!! ومسألة أخرى: الرعاية والعناية بالأولاد، إياك ثم إياك أن تسندي مسألة الرعاية بالأولاد في نظافتهم وفي لباسهم، وفي الحديث معهم، وفي تأديبهم إلى الخادمات! وإلا فسوف يخرج جيل أعجمي غريب الطباع والعادات يقول ابن القيم رحمه الله: لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أسماء والنوى على رأسها والزبير زوجها معه، لم يقل صلى الله عليه وسلم: لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم لها، بل أقره صلى الله عليه وسلم على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم وهذا أمر لا ريب فيه، ذكره في زاد المعاد. وقال عن حديث فاطمة: هذا أمر لا ريب فيه، ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه -يعني فاطمة - أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تريد خادماً وتشكو إليه الخدمة فلم يقدم لها أو يعطها خادماً.

من حقوق الزوج على الزوجة ألا تأذن في بيته لمن يكره

من حقوق الزوج على الزوجة ألا تأذن في بيته لمن يكره كذلك من حقوق الزوج على امرأته: عدم إدخال من يكره الزوج إلى منزله إلا بإذنه، فعن عمر بن الأحوص بن شمير رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ: (ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهونه، ولا يَأْذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهونه، ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) رواه ابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح. وفي البخاري أيضاً (لا يحل للزوجة أن تأذن لأحد رجل كان أو امرأة أن يدخل في بيت زوجها وهو حاضر إلا بإذنه) فهذه مسألة مهمة، بل إن بعض النساء تكاد أن تقول الزوج: أنت اختر: إما أن تسمح بدخول فلانة التي أنا أحبها ولو كنت -أيها الزوج- تكرهها وإلا فطلقها. أي تقول: طلقني لا أقبل أن أبقى، يا إما فلان أو فلان! إن حق الزوج مقدم، ولا يمكن أن يوضع الزوج في الخيار الصعب يا فلان أو الطلاق أو يا فلانة أو الطلاق لا. وكذلك ينبغي للأزواج أن يتعاملوا بمنتهى الأريحية ولين الجانب، وخفض الجناح، واللطف في المعاملة، فإذا علم أن زوجته تحب فلانة التي لا خطر من غشيانها بيته، أو علم أن زوجته تحب من أقاربها ومن محارمها فلاناً أو فلانة فعليه أن يتجنب الغيرة التي لا داعي لها، وعليه أن يتجنب البخل الذي لا موجب له، بل من كرمه الذي يسبب مزيد حب زوجته له أن يقول: أنا أسمح لك بدخول أهلك بدخول فلان وفلان من أقاربك، فالأصل في الناس الخير، والأصل في الناس العدالة، إلا من اشتهر بخبث وفسق وشر فيقول: أما فلان وفلان وفلان فلا أسمح ولا آذن بدخولهم بيتي حاضراً كنت أم مسافراً، حضراً أم سفراً، ليلاً أم نهاراً، بأي حال من الأحوال فإن ذلك من دلائل قيامه بالقوامة التي تفضي إلى إصلاح حال الزوج والزوجة.

من حقوق الزوج على الزوجة عدم الخروج من البيت إلا بإذنه

من حقوق الزوج على الزوجة عدم الخروج من البيت إلا بإذنه كذلك من حق الزوج على زوجته: ألا تخرج من بيته إلا بإذنه، كثير من الرجال اليوم يأتي إلى البيت: يا بنية أين أمك؟! والله لا أدري، خرجت إلى أين؟! لا أدري. متى تعود؟! لا أدري. وربما يجد ورقة معلقة عند باب الثلاجة أو عند السرير: أنا ذهبت إلى فلانة أو ذهبت إلى فلان أو آل فلان أو زواج بني فلان هل استأذنت من قبل؟! هل أشعرت زوجها من قبل؟! هل أخبرته بذلك من قبل؟! لا، إنما يكفي صورة من القرار للإشعار والإحاطة مع التحية، أما أن يكون للزوج الإذن في أن يقبل أو لا يقبل أو يرضى أو لا يرضى إطلاقاً لا، وهذا من انتهاك النساء لحقوق الرجال، من انتهاك الزوجات لحقوق الأزواج. بل الواجب -مثلاً- أن تأخذ قاعدة عامة: إذا كان بيت أهلها أخوال أولاده قريب من بيته فيقول مثلاً: هذا إذن مفتوح أن تخرجي إلى أجداد أولادي أو أخوال أولادي في أي وقت تشائين ما دام الأمر متيسر، ولا حاجة إلى الإذن المتكرر في ذلك. أيضاً أن يحدد مثلاً بالنسبة للمريض الفلاني والمريضة الفلانية من الأقارب فلك فرصة في الأسبوع أن تزوريها ما بين كذا وكذا، يعطيها إذناً مفتوحاً بهذا في وقت محدد بزمن، أما أن تخرج المرأة وتكن خراجة ولاجة وتأتي متأخرة يغالبه النوم والنعاس على فراشه وحده وهي غير موجودة، أين كنت اليوم؟ في الحديقة. وأين كنت اليوم؟ في مناسبة. وأين كنت اليوم؟ في زفاف. وأين كنت اليوم؟ في حفلة. وأين كنت اليوم؟!! ماذا بقي للرجال من الحقوق؟ إن بعض الرجال من أصبحت الخادمة هي التي تقوم بكافة حقوقه ما عدا الفراش! ولم يبق له من حق أو حظ من الزوجة إلا الفراش، هذا إن كانت تمنحه ما أوجب الله عليها له بطيب نفس ورضا خاطر. فينبغي للأخوات وينبغي للمسلمات أن يتقين الله في هذه المسألة، وإن الله سبحان وتعالى قال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] وما من شك إن تأكيد قرار الزوجة في البيت لحق الزوج، فإذا كان القرار أمراً عادياً لجميع النساء فإنه يتأكد ويتحتم بالنسبة للزوجة لحق الزوج في هذا القرار في البيت. وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (رأيت امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ قال: حقه عليها ألا تخرج من بيتها إلا بإذنه) أين المرأة الآن التي تستأذن في كل أحوالها؟ أقول: إن هذا من الواجبات التي ضيعنها الكثير من النساء فنسأل الله لهن الهداية. هذا أيها الأحبة: لا يعني أن يتسلط الرجل فيمنع زوجته من الخروج مطلقاً مع وجود الحاجة والمصلحة الشرعية، لكن يجب عليها ألا تخرج إلا بإذنه. ولقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها) وفي الحديث (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) وهذا صريح في الدلالة على ضرورة إذن الزوج لخروج المرأة إذا كان للمسجد فما بالك بغيره؟ يقاس عليه سائر حالات الخروج لمصلحة شرعية، ولذا ترجم عليه البخاري رحمه الله بقوله: باب في استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره. قال الكرماني: فإن قلت: الحديث لا يدل في الإذن على الخروج إلى غير المسجد قلنا: لعل البخاري قاسه على المسجد. والقرار في المنزل لا يعني عدم الخروج مطلقاً، قال ابن تيمية: والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سفر فإن الآية الكريمة وهي قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] نزلت في حياته صلى الله عليه وسلم وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزوجاته في حجة الوداع، فنعرف من هذا أو نعلم من هذا أن خروج المرأة لمصلحة أنفع من الجلوس في البيت بلا مصلحة، امرأة لو خرجت لسماع المحاضرة أو للدراسة في مدرسة تحفيظ القرآن الخيرية النسائية بعد العصر هل نقول: إن قرارها في البيت بين الجدران الأربعة والتلفاز والشاشة والهاتف خير من خروجها لحضور محاضرة في المسجد أو اشتراكها في مدرسة تحفيظ القرآن؟ A لا، إذاً يفهم من هذا أن القرار تؤمر به النساء من أجل ما يحفظها وينفعها، فإذا كان في خروجها مصلحة أو كان في خروجها حاجة أو كان خروجها لضرورة فإن ذلك لا يمنعها أن تخرج بإذن الله عز وجل. كذلك خروج المرأة لطلب العلم، فإن كان مفروضاً وجب وجوباً على الزوج أن يعلمها هذا العلم إن كان قادراً عليه، فإن لم يفعل وجب عليها أن تخرج ولو من غير إذنه، كذلك خروجها لقضاء حوائجها، يجوز لها أن تخرج إن لم يقم الزوج بذلك، ويكون خروجها من قبيل الضرورة فلا يملك منعها من ذلك. وأنا في الحقيقة أقول لبعض الإخوة أو بعض الرجال جزاهم الله خيراً وشكراً لهم على غيرتهم: بعضهم يمنع المرأة تماماً من الخروج حتى لحاجاتهن الخاصة في لباسهن وفي أخص أحوالهن وأمورهن، فلا ينبغي للرجال أن يقول: أعطيني قائمة بما تحتاجين وأنا أشتريه ولا أسمح أن تخرجي أبداً! إذا كان هناك من الأمور ما تحتاج المرأة أن تباشر شراءه بنفسها فاجعلها تخرج واخرج أنت معها، يكون هذا من باب إكرامك لها واحترامها واحترامك لذوقها واحترامك لاختيارها، واختيارها لما يناسبها، وحفظها عما لا يليق بها أو ما تخشاه عليها هذا خير من أن تقول: أبداً، من الجدار إلى المقبرة، من البيت إلى القبر ولا يمكن أن تخرجي أبداً ليس هذا بحكمة، بل الأولى أن تنظر في حاجتها وأن تتحسس رغبتها، وإن المرأة العاقلة هي التي لن تخرج إلا حيث ترى أن في خروجها مصلحة، ومعلوم أن قرارها وعدم تعرضها للرجال وتعرض الرجال لها خير لها ولهم، ولكن إذا دعت الحاجة والمصلحة إلى ذلك فلا ينبغي أن نغلب باب القرار على هذه المصلحة الراجحة الظاهرة، أو هذه الضرورة الواضحة هذه مسألة مهمة. هذه مسألة مهمة، وما أجمل قول القائل في شأن بعض النساء: قالت الأرنب قولاً جامعاً كل المعاني أشتهي ألا أرى الذئب ولا الذئب يراني خير للرجال ألا يفتنوا بالنساء ولا يرونهن، وخير للنساء ألا يرين الرجال ولا يفتتنن بهم، لكن إذا كان ثمة حاجة فينبغي أن نكون على درجة من الحكمة ومعرفة عصرنا وأحوالنا، وما ينبغي وما لا ينبغي. قال في كشاف القناع: ويحرم عليها الخروج بلا إذن زوجها، هذا إن قام الزوج بحوائجها التي لابد لها منها وإن لم يقم بها فلابد من الخروج للضرورة، وكذلك خروجها في السفر المندوب والواجب فله منعها في المندوب وليس له منعها في السفر الواجب كما ذكر الفقهاء، واختلفوا: هل يجب على الزوج أن يخرج معها في سفر الحج المفروض عليها أم أن الحج يسقط عنها أم أن الحج مسألة خلافية تذكر في بابها؟

من حقوق الزوج على الزوجة معاشرته بالمعروف

من حقوق الزوج على الزوجة معاشرته بالمعروف كذلك من أهم المسائل في حقوق الزوج على الزوجة وحقوق الرجال على النساء: معاشرة الزوجة لزوجها بالمعروف، فعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] قال: لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن -ثم قال- والآية تعم ذلك من الحقوق الزوجية. قال الشيرازي في المهذب: ويجب على المرأة معاشرة الزوج بالمعروف من كف الأذى ونحوه لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19]. وهنا أشير بهذه المسألة التي أختم بها في باب المعاشرة ألا وهي: حسن الخلق بين الزوجين. إن من الناس من تراه عفيفاً لطيفاً حلو اللسان، كريم المعشر، خفيض الجناح، لين الجانب إذا تجاوز باب بيته لكنه إذا عاد إلى الدار فسباب ولعان وطعان لا يكف عن الشتيمة، وأنا أقول لهذا: إذا كنت تحتسب على الله بصبرك على أذى الناس، وتحتسب على الله عز وجل فيما تلقاه من أذية بعض من عرفوا بالرعونة في كلامهم ومواقفهم، تحتسب أن ذلك من الخلق الحسن الذي تتقرب به إلى الله: (إن من أقربكم مني مجالساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطِّئون أكنافاً). أقول: فإن الزوجة التي هي متاع فراشك، والزوجة طاهية طعامك، وحاضنة ولدك، والزوجة التي تحفظ غيبتك، والزوجة التي هي أنسك وسكنك أولى بهذه المعاملة الحسنة، فإياك والسباب! وإياك الشتيمة! بعض الرجال لا يكف عن لعن المرأة صباح مساء أمام أولادها، بل وأعظم من ذلك يسب والديها الذين هما تحت الأرض في المقابر، وأسوأ من ذلك من تراه لا يرى لها قدراً فيسبها في مناسبة قد جمعت الأقارب والأباعد ليظهر رجولته وفحولته بسبها وشتمها وإهانتها، وأسوأ من ذلك من يضرب ويهدد بالطلاق عند كل صغيرة وحقيرة لا تستحق أن يلتفت لها الرجل ببصر فضلاً عن أن يتكلم عنها بلسان. هذه من المسائل المهمة في المعاشرة بالمعروف: أن يكون الرجل طيب اللسان، من الرجال ومن النساء من يغبطون على حسن عشرتهم مع بعضهم، فامرأة تقول: قد مكثت مع زوجي أكثر من عشرين عاماً والله ما سبني ولا شتمني ولا قال لي كلاماً يجرحني أو يؤذيني، نعم إن كره شيئاً سكت أو أعرض عن الطعام أو هجر الفراش! عشرين سنة! أليس هذا من الخصال التي يحتسبها صاحبها قربى عند الله عز وجل ترفع درجاته وتثقل موازينه؟ بلى، إذاً فلماذا نرى بعض الناس لا يقيم لهذا الباب وزناً ولا يقدر له قدراً، بل ويربي أولاده على عقد نفسية من كثرة حلبات الصراع التي تعقد كل يوم بين الرجل وزوجته في تطاول بعضهما على بعض، وإهانة بعضهما لبعض وغمز ولمز بعضهما لبعض. A من سمع زلة أن يتزاور عنها ذات اليمين وذات الشمال، وألا ينتصب لها ليتلقاها بلسانه قبل أذنه، والواجب على من قدر أن يعفو ويصفح ويتجاهل أن يكون ذلك خير له: إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه فعش واحداً أو صل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه كفى المرأة نبلاً أن تعد معايبها، إذا كان غالب خصالها وفعالها من المناقب التي خلت من المثالب فتشكر وتؤجر، وتلك درة مكنونة، وجوهرة مصونة، تستحق الدعاء والإكرام. من المعاشرة بالمعروف: تقدير المواقف، امرأة حملت تسعة أشهر لا تلتذ بنوم، ولا تهنأ بطعام، ولا تقر لها عين في نوم متواصل، ثم تنتهي من الولادة لا تقدم لها أدنى هدية؟! والله لو اقترضت لها قرضة حسنة لم يكن ذلك كثيراً على امرأة كانت فراشاً لك، وحبلت منك، وحملت ولدك من صلبك في أحشائها تسعة أشهر ثم رأت الموت رأي العين في آلام الطلق والمخاض ثم بعد ذلك لا تبالي؟ من جلافة وغلظ ورعونة بعض الرجال أن المرأة تلد فلا يقف عند رأسها حال ولادتها، ولا يلزم أن يقف حال الولادة لكن أن يكون معها، أن يطمئن عليها، أن يوصلها بنفسه، أن يعتني بها، أن يأتي إليها بعد ولادتها، الناس يختلفون في ظروفهم وأحوالهم، بعضهم تلد ويمضي بعد الولادة أيام فلا يسأل ولا يطمئن ولا يعرف، بل ولا يقول: أروني هذا المولود وكأنه جاء من غير صلبه. هذه من الأمور التي تجرح أفئدة النساء وقلوبهن، فينبغي للرجال وللنساء أن يحسنوا المعاشرة فيما بينهم بالمعروف. وبالمناسبة: فإني ما رأيت شيئاً أفسد للب الرجل من نكران المرأة حسن صنيعه معها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل منكن! لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله قالت: ما رأيت منك خيراً قط!) لأن جحد المعروف وإنكار الجميل مما يفسد القلوب، فينبغي للمرأة أن تنتبه لذلك، فهناك من المواقف ما يستحق عليها الرجل الشكر، رجل كل صباح الساعة السابعة والنصف على سيارته في الطريق أمام إشارات المرور للوصول إلى العمل، وعمل مستمر ثمان ساعات ثم يخرج إلى البيت ليقبض آخر الشهر أربعة أو خمسة آلاف ريال وأين يذهب بها في الآونة الأخيرة؟ نهاية الشهر يصرفها على طعامك وشرابك وأولادك وهواء بارد في بيتك، وطعام لذيذ في مطبخك، أفلا يستحق الزوج إذا جاء بالطعام أن يقال: الله يخليك لنا، الله يحفظك، الله يجزيك خير، الله يبارك فيك؟ من النساء من إذا جيء إليها بطعام وشراب لماذا لم تحضر ذلك النوع الذي رأيناه في الدعاية في البارحة؟ فلا تشكره على ما أحضره وهي عالمة أنه لا يقدر على ما أخبرت به. قل أن تسمع من النساء شاكرة لزوجها إذا قدم هدية العيد أو ملابس العيد أو الطعام أو الشراب، وكأنها وظيفة لا كرم له فيها ولا خيار، نعم هي واجبة عليه لكن حينما يرى الرجل من المرأة شكراً، جزاك الله خيراً، خلف الله عليك بخير، أسأل الله أن يجعل ما أنفقت علينا وعلى أولادنا في موازينك يوم أن تلقى الله، أكرمت وجوهنا، عففتنا عن الحرام، صنتنا عن إراقة وجوهنا، نسأل الله أن يحفظك وأن يبارك فيك، تجد أنه يندفع أكثر، ويحتسب أكثر، ويتلذذ بالأنفاق أكثر، فينبغي للمرأة أن تنتبه إلى هذه المسألة التي هي في غاية الأهمية.

من حقوق الزوج على الزوجة أن يؤدبها

من حقوق الزوج على الزوجة أن يؤدبها آخر ذلك: حق التأديب سأختصره بقول الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] حق الزوج على زوجته أن يؤدبها إذا نشزت واستنكفت عن طاعته، يؤدبها بالوعظ: يا أمة الله! يا بنت الأكرمين! يا بنت الأكارم! يا سليلة المجد! يا إلخ يعطيها من الإطراء والمديح، بعض النساء يكفيها كلمة فتنقاد، وبعضهن يكفيهن شيء من الإعراض أو شيء من الهجر، وبعضهن قد تحتاج إلى ضرب ولكن ينبغي لمن اختار هذا السبيل بعد إفلاس الوعظ والهجر في إصلاحها أن يضرب ضرباً غير مبرح، وأن تكون العملية أمر ظاهره الضرب لكن إذا دنت الأيادي إلى البدن -بدن الضعيفات النساء- فليكن شيئاً خفيفاً يدل ويعبر عما في النفس من عدم الرضا ولا يدل على حقد وحب انتقام؛ لأن بعض الناس من يخيل له أنه يصاول ويجاول في حلبة مصارعة، لابد أن يكون هو المتفوق والفائز في نهاية الجولة بفوز ساحق على خصمه لا. لا تظن أن المرأة ند وخصم، بل ارحمها، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولكن لم يثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قد ضرب امرأة بيده صلى الله عليه وسلم، وينبغي للرجل أن ينتبه في مسألة الهجر فإن لها حدوداً وضوابطاً يضيق المقام بذكرها. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله عز وجل بأسمائه وصفاته أن يصلح زوجاتنا، وأن يصلح أحوالنا، وأن يجمع شملنا، وأن يسعدنا بزوجاتنا وأن يسعدهن بنا، وأن يجعلنا ممن قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] نسأل الله أن يجعلهن وأولادنا قرة أعين، وأن يجعل الجميع للمتقين أئمة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

كتب ينصح بها في بداية الحياة الزوجية

كتب ينصح بها في بداية الحياة الزوجية Q ما هي الكتب التي تنصحون بها في بداية الحياة الزوجية، وفقكم الله وسدد خطاكم؟ A هناك كتب كثيرة بالنسبة لمن هو مقدم على الزواج مثل كتاب العلامة الشيخ محمد بن ناصر الدين الألباني " آداب الزفاف في السنة المطهرة " وكتاب محمود بن مهدي الاستنبولي وهو تحفة العروس وكثير من الرسائل الآن الموجودة في معاشرة الزوجين، ويوجد رسالة جديدة ممتازة كونها حديثة الصدور للدكتور/ عبد الملك القاسم بعنوان " رسائل متبادلة بين الزوجين " أظنها مليئة بالنصوص الشرعية والأدلة القرآنية، وبلغة عصرية، وتعالج قضايا معاصرة. النصوص القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة في أحكام الرجال والنساء وشروحها من كتب التفسير والسنة لمن أراد أن يتوسع، كل ذلك من المراجع التي يمكن أن يستفيد منها طالب العلم أو الباحث في هذا الباب.

جواز منع الزوجة من زيارة الأقارب إذا غلب عليهم الفساد

جواز منع الزوجة من زيارة الأقارب إذا غلب عليهم الفساد Q هل للزوج أن يمنع زوجته من الذهاب إلى بيت أهلها إذا كان في بيتهم من أسباب الفساد كالدشوش والأغاني والأشرطة ونحو ذلك؟ A نعم، إذا كان في بيت أهلها ما يكون سبباً في فسادها وانحرافها، وفساد وانحراف أولاده فله أن يمنعها من ذلك، ولكن الذي أراه ألا يكون سبباً في قطيعة رحمها مع أهلها، فله أن يخصص في الأسبوع زمناً معيناً يذهب هو وزوجته وأولاده لزيارة أهلها والحديث معهم والجلوس معهم وقتاً يسيراً ثم يعود بأولاده حفاظاً على ما استثمره من المال والوقت والجهد في تربيتهم كي لا يضيع في سحابة يوم يدع أولاده عند أهل زوجته فيفسدون عليه ما كان يبنيه ويصلحه سالف أيامه.

حكم صيام التطوع للمرأة في حال وجود زوجها

حكم صيام التطوع للمرأة في حال وجود زوجها Q زوجتي تريد الصيام وتلح علي في ذلك، وأنا أرفض صيامها لأجل شدة الحر ووجود أطفال في يدها، وحاجتها إلى تجهيز الغداء بعد الرجوع من العمل فما حكم ذلك وفقكم الله؟ A إذا كان صيامها يمنعك حقاً أن تستمتع بها؛ فلا ينبغي لها أن تصوم وأنت شاهد، أما إن كان صيامها لا يفوت استمتاعاً أو كمال استمتاع بالنسبة لك وهي قادرة على ذلك قوية عليه سيما في البيوت التي فيها من وسائل التكييف والتبريد، والأدوات الكهربائية وغير ذلك فإني أنصحك أن تدعو لها وأن تعينها وأن تكون سبباً في هذه العبادة فربما أجرت أجراً كأجر صيامها وإن لم تكن أنت الصائم بسبب إذنك لها، جزاك الله خيراً.

شبهة التعدد والطلاق

شبهة التعدد والطلاق Q هذه سائلة تعرض شبهة تريد من فضيلة الشيخ كشفها وبيانها: وهي أن بعض النساء يقلن أن النساء مسكينات لأنهن يطلقن والأزواج يتزوجون عليهن متى شاءوا، فكيف الجواب على هذه الشبهة؟ A الحقيقة هذه: إذا بَني ضرجوني بالدم من يلق آساد الرجال يكلم شنشنة نعرفها من أخزم ليست هذه الكلمات أول مرة تطرق مسامعكم أو مسامع غيركم، مما يفترى به على شأن المرأة في هذا الدين، والحقيقة أن الطلاق شرع لحكم عظيمة، ولا ينبغي أن يكون الطلاق حجة لصاحب شبهة يدعي من خلالها أن المرأة مظلومة، بل إن الطلاق حلال بغيض، ولا ينبغي للرجل أن يلجأ إليه إلا إذا تعذر إصلاح حال الزوجية وأصبح بقاء أحدهما مع الآخر أو بقاء بعضهما مع البعض سبباً لمزيد من النكد والشقاق الذي لابد له من الفراق. فمثلاً لو أن المرأة هي التي ضاقت ذرعاً بالرجل، ولم تألفه نفسها وأرادت فراقه ثم قلنا: لا. لا طلاق، لا فراق أبداً هل هذا من العدل؟ يظن البعض أن فصم العلاقة الزوجية هي بيد الرجل وحده لا، كذلك المرأة هي تملك طرفاً آخر، والقاعدة تقول: المتسبب في الفرقة يتحمل العوض. فإذا طلق الرجل وفصم أو قطع العلاقة الزوجية بقرار الطلاق يفوته المهر فلا يرد إليه، والمرأة إذا فصمت العلاقة الزوجية بقرار المخالعة فإنها ترد المهر، فلم يقل أحد أن الرجل وحده هو المتحكم في العلاقة إيجاباً -إيقاعاً- وعدماً بدليل أن المرأة أيضاً لها الحق في ذلك {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] نعم، الطلاق يقع عليها ولكن أيضاً المخالعة، وليس الخلع والطلاق بمستحبين بشأنهما، بل يلجأ إليهما عند الضرورة وهذا مما يؤكد سمو الإسلام في شمول أحوال البشر كلهم، ما شرع الطلاق ليكون هو فاتحة الكتاب في العلاقة الزوجية، بل يكون هو خاتمة المطاف وكالكي في الدواء آخر العلاج، إذ أن من النساء من لو ظلت مع زوجها على حال من البغضاء والكراهية لأدى بها إلى فتنة لا تأمن بعدها على نفسها وعرضها وأخلاقها. كذلك أن يتزوج متى شاء إنما أبيح للرجال أن يعددوا ليس لأجل أن يذلوا النساء، وإنما أبيح لهم أن يعددوا من أجل حفظ النساء، لكن المرأة بطبيعة جبلتها وغيرتها لا تقبل أن يتزوج عليها، لكن هل يعني أن غيرة المرأة وعدم رغبتها ورضاها بذلك يعطل مصلحة عظيمة ومقصداً عظيماً من مقاصد الشرع في إباحة التعدد التي لو لم يكن منها إلا حفظ المجتمع وحفظ نساء المجتمع وحفظ الرجال عن اللجوء إلى الزنا والانحراف والمخادنة وغير ذلك؟! لو لم يكن فيه من المصالح خاصة لمن يقدرون على الإنفاق والإعالة من الذرية والتكاثر تكثيراً لأمة محمد، ومصالح كثيرة وكثيرة جداً. عائشة رضي الله عنها جاء عنها أنها كانت في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم فقالت حفصة: يا عائشة جربي جملي وأجرب جملك. وكانت حفصة ذكية، وليس كذكاء عائشة لكن حفصة تعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عرس القوم أو نزلوا منزلاً ثم شدوا السير من جديد أخذ يمشي بالقرب من جمل عائشة، فـ حفصة تريد أن تنال هذه المكرمة وهذا الفضل فقالت: ألا تجربين جملي وأجرب جملك؟! وافقت، فلما ركبت عائشة جمل حفصة وركبت حفصة جمل عائشة ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم قليلاً فتوجه إلى جمل عائشة يظن أن عائشة فيه، يحبها، أحب النساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وأحب الرجال إليه أبوها رضي الله عنه أبو بكر، فلما جعل يده في الهودج قال: عائشة؟ قالت: لا، بل حفصة يا رسول الله تقول عائشة: [فطاش عقلي حتى أخذت أضع يدي في الحرمل لعل دابة تلدغني فأموت؛ من شدة الغيرة]. ولما بعثت إحدى الصحابيات -وأظنها حفصة - إلى النبي صلى الله عليه وسلم بطعام في بيت عائشة أخذت الطعام ثم ضربت بالإناء الجدار حتى انكسر الإناء فضحك صلى الله عليه وسلم وقال: (غارت أمكم، يا عائشة طعام بطعام، وإنا بإناء) فالله جبل النساء على الغيرة لتزداد شدة التعلق عند الرجل، هل نقول: إن هذا يعطل حكمة عظيمة من حكم الشريعة، ومقصداً عظيماً من مقاصد الملة في باب التعدد أو في باب الطلاق أو غيره؟ A لا. ثم أيضاً المرأة التي تسلم تسليماً لا يخالطه ريب ولا شك بأن الله عليم وحكيم: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] ما دام أن الله يشرع لعلم ولحكمة وعدل شرع ذلك كله فلماذا نعترض على أحكام الله وشرعه؟ الشيخ ينبه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم حياته فيها جانب بشري وجانب النبوة، أما الجانب البشري الصرف فمثلاً ميل قلبه إلى عائشة وقوله: (اللهم إن هذا قسمي فيما أملك ولا تلمني في ما لا أملك) بشريته في كونه صلى الله عليه وسلم ينام، وكونه صلى الله عليه وسلم يمارس من الوظائف الطبيعية في أبدان البشر كما يمارسه غيره، فهذا جانب بشري، ويؤكد ذلك ميله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة رضي الله عنها، وليس هذا من باب الظلم لأنه حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يظلم.

دور العلماء والدعاة تجاه فتوى التراخيص

دور العلماء والدعاة تجاه فتوى التراخيص Q بالأمس القريب ظهر أحد المفتين في قناة الجزيرة وأخذ يعطي من التراخيص والفتاوى المرجوحة للمستمعين، فما دورنا ودور العلماء تجاه هذه الظاهرة الدخيلة من خلال القنوات الفضائية؟ A والله يا أحباب أنا في الحقيقة أدعو علماءنا الأجلاء الكرام أهل المنهج الصحيح، أهل الورع في الفتيا، أهل الحجة بالنص المعصوم وبالدليل أن يتصدوا لمثل ذلك، وفي مجالس شتى سمعنا هذا الكلام كثيراً ولكني أدعو علماءنا وأوصيكم أنتم أن تكتبوا إلى العلماء، تعود الناس ألا يرسلوا نصيحة إلا للحاكم أو للمسئول، لكن نصيحة للعالم قل أن تجد، فأنا أقول: ينبغي لكم أنتم جميعاً أن تكتبوا للعلماء وخاصة الذين لهم حسن عرض وإجابة في استيعاب السؤال وعرض الفتوى أن يشاركوا، ولا يلزم أن يشاركوا في الجزيرة ولا في اقرأ ولا وفي غيرها، أن تكون لهم مشاركة تلفزيونية لأن العالم يفرح إذا اكتظ المسجد بعشرات الآلاف طلاب علم وخمسة آلاف امرأة يسمعون المحاضرة فلعل بعض العلماء وفقهم الله لا يعلمون أن ساعة في البث التلفزيوني الفضائي يعني مخاطبة لما لا يقل عن عشرات الملايين من البشر في أنحاء العالم، وكثير من الناس لا يعلم عن أثر المشاركة التلفزيونية وأثرها. طبعاً ليس بالضرورة أن نأتي بهم ونشارك وندخلهم في الاستديوهات لكن أن تأتي آلات النقل الفضائي حتى إلى بيوتهم وتأخذ فتوى منهم وتبث على الفضاء أو أن تسجل وتعاد هذا أمر مطلوب، نعم الشيخ عبد الله بن منيع جزاه الله خيراً له برنامج الإفتاء على الهواء، وبعض العلماء أيضاً الشيخ عبد الله البسام له برنامج يبث على الهواء، وهناك بعض العلماء لكن هناك أيضاً بعض العلماء أجلاء الحاجة إليهم ماسة، والناس يتأثرون بفتاوى علماء هذا البلد أكثر من غيرهم، بل قد ملوا من التخفيضات والتنزيلات والمجاملات، والدعاة والعلماء مأمورون أن يرفعوا الناس إلى مستوى الشريعة لا أن ينزلوا بالشريعة إلى منحط الناس وحضيضهم، فشتان بين أن نجامل وأن نتنزل يوماً بعد يوم في الأحكام الشرعية وقضايا الشريعة لتواكب وضع الناس، وضع الانحدار لا يقف عند أحد، لكن نحن مأمورون أن نرتفع بالناس إلى مستوى كمال الشريعة وسموها وجلالها، لا أن ننحط بالشريعة إلى مستوى انحطاط بعض الناس هذه مسألة. على سبيل المثال: فتوى مصافحة النساء، فتوى تمثيل النساء، فتوى أغاني كل ذلك مما ينبغي ألا ينقاد الناس لما ينبني عليه من القول بجواز ذلك، واستفت قلبك إذا أفتاك الناس وأفتوك، كم من رجل يسمع فتوى تروَّق لها، وتأتي وفقاً لما يشتهيه في ظاهر لفظه ونطقه لكن قلبه يأباها وينكرها. أنا أذكر أحد الكبراء استفتى عدداً من الناس فأعطوه فتوى أحفظ لماله وأقرب إلى نفسه، واستفتى واحداً فقال: لا، وأنا أخالف كل من أفتاك بهذا، ولا يجوز لك هذا، ولا ينبغي لك هذا، قال: فوالله ما كان مني إلا أن قذف الله في قلبي حب هذا الذي أفتاني بما يخالفني. فلا تظن أن الناس بالضرورة يحبون من أعطاهم الترخيصات والتنزيلات في الفتاوى لا، بل إن الناس يحبون الذين يجدونه صلباً في الدين لكن كما قال الإمام المحدث أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري قال: إنما الفقه الرخصة من ثقة. ليس الفقه الأحوط، يأتي أحدهم: حصل كذا أو كذا؟ أقول له: الأحوط أن تعيد الصوم. حصل كذا أو كذا في الحج؟ الأفضل أن تعيد الحج، الأضحية صار فيها كذا؟ الأفضل أن تضحي غيرها وهكذا، ليس الفقه الأحوط، كل يفقهه، الأحوط أن تأتي بسيارة جديدة بدلاً من أن تصلحها، الأحوط أن تغير هذه المكينة بدلاً من أن تصلحها هذا كل يفقهه، لكن الفقه: الرخصة من ثقة، بالنصوص أن تقول: هذا مما يرضاه الله وهذا يأباه، والجرأة على الفتوى شأنها خطير نسأل الله أن يلهمنا وإياكم الفقه والعلم والعمل، وأن يجنبنا القول عليه بلا علم.

توجيهات على طريق الصحوة

توجيهات على طريق الصحوة ماذا نعني بمصطلح الصحوة؟ ولماذا نطلق مثل هذه التسميات؟ ولماذا نريد توجيه هذه الصحوة؟ إجابة هذه الأسئلة هي الجزء الأول من هذه المحاضرة، ثم بعد ذلك (التوجيهات المقصودة) وتتركز على: سلامة الصدر وإصلاح ذات البين ضوابط التستر على أهل المعاصي. وتندرج تحت هذه العناصر الكثير من الفوائد المستقاة من النصوص الشرعية سواء في أصل المادة، أو في الإجابات عن الأسئلة.

مصطلح الصحوة وما يراد به

مصطلح الصحوة وما يراد به الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة في الله! أحمد الله جل وعلا إليكم، وأشكره على آلائه التي لا تحصى، ونعمه التي لا تنسى، وأسأله جل وعلا أن يجعل لنا ولكم من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، وأن يثبتنا على دينه ومرضاته إلى أن نلقاه، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا. أيها الأحبة! ليس الحديث بين أيديكم في موضوع جديد عنكم، بل أنتم أهل البيان والفصاحة والبلاغة، وما بضاعتنا بين أيديكم إلا بضاعة مزجاة، فيا أيها العزيز جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا بدعوة صالحة وحسن ظن ومودة في الله ولله، عسى أن نكون في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. أما الحديث -أيها الأحبة- فهو عن توجيهات على طريق الصحوة، وليس لمثلي أن يُوجه أو يأمر أو ينهى ولكنني تلميذ من هؤلاء التلاميذ، وطالب من هؤلاء الطلبة، ودارس من هؤلاء الدارسين، سمعنا من مشايخنا وعلمائنا وقضاتنا ودعاتنا وولاة أمرنا ما ينبغي أن نفهمه وأن نفقهه، قال صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) وقال صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرأً سمع مني مقالة فوعاها، فبلغها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع). الصحوة -أيها الأحبة- مصطلح يبدو أنه حادث ويراد به عموم العائدين الملتزمين بأمر الله بعد تفريط فيه، والمستقيمين على شرع الله بعد تهاون وتساهل به، ذكوراً كانوا أم إناثاً، صغاراً كانوا أم كباراً، عواماً ومثقفين على اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم، وإذا تحقق ذلك فإن هذا المصطلح ما دام مفهوماً حادثاً جديداً فلا شك أن الناس يتباينون في فهمه أو تحديد معناه، وأرجو في بداية هذا اللقاء ألا نفهم أو يفهم أحد أننا حينما نطلق كلمة (الصحوة) أننا نقسم مجتمعنا هذا إلى أحزاب وفئات وفرق وجماعات شتى، بل الواقع والواجب أن نفهم جميعاً أننا أمة واحدة، مجموعة واحدة بعلمائها وقضاتها ودعاتها وشبابها وشيبها وولاتها وصغارها وكبارها، ولكن هذه الأمة بمجموعها فيها الظالم لنفسه، وفيها المقتصد، وفيها السابق بالخيرات. إن بعض الإخوة ربما فهم معنى الصحوة أننا نقسم مجتمعنا إلى أحزاب أو جماعات، وأن هذا يعني: أننا سنقف يوماً ما على طرف، وسيقف بقية الناس على طرف آخر، وكلٌّ ينظر إلى صاحبه من بُعد، ويخاطبه من برج عاجٍ أو من منارة شاهقة، وما هكذا المؤمنون، بل المؤمنون يدنواً بعضهم من بعض ويخالط بعضهم بعضاً، ويزور صالحهم سيئهم لينصحه، ويعود طيبهم فاجرهم لينهاه، ويناصح عالمهم جاهلهم ليثقفه ويعلمه بما أوجبه الله جل وعلا عليه. أيها الأحبة! إن هذا الأمر الذي أردنا أن نتحدث عنه وهو: هذه التوجيهات المتعلقة بهذه الصحوة المباركة وما هي إلا شيء من الملاحظات اليسيرة على عدد قليل ونزر يسير من أحبابنا وإخواننا وليس المقصود فئة أو حزباً أو جماعة كما قلت، وليس المقصود أشخاصاً بأعيانهم، وإني أعيذ نفسي وإياكم بالله أن نجعل بين هذا الكلام وبين قلوبنا للشيطان موقفاً أو مكانة أو وسوسة أو سوء ظن، فوالله ما أردنا إلا قصد السبيل والأمر لله جل وعلا. أيها الأحبة! موجز الأمر أنها نصيحة لكل من وقع في خطأ مما سنسمع، أو فرط في واجب مما ينبغي أن نتصف به، فعلينا أن نتحلى به وأن نراجع أنفسنا.

توجيه الصحوة إلى سلامة الصدر

توجيه الصحوة إلى سلامة الصدر فأول ذلك وأهمه: سلامة الصدر من الحقد والإحن والغل والحسد، وذلك أمر عجيب وغريب! ربما وجدت اثنين من الصالحين أو من عامة المسلمين الذين ليس عليهم من سيما الفجور والفساد والمعاصي الشيء الكثير، ولكن ربما سمعت من لسان أحدهم استطالة في عرض أخيه، وغيبة وحسداً وحقداً وسوء ظن وتفسيراً للأمور على غير ظاهرها، وتجييراً للأحوال على ما لا يُراد منها، وبالجملة فإن ذلك من الأمراض الموجودة سواءً في بعضنا أو في غيرنا، المهم أن ذلك مرض ينبغي أن نعالجه وأن ننتبه منه. وإن من صوره: الانقباض وعدم الانبساط، وعدم إفشاء السلام، وعدم لين الجانب، وعدم خفض الجناح، وعدم التواضع، وعدم حسن الظن وأمور كثيرة كلها بسبب عدم سلامة الصدر من الغل والحسد والحقد والبغضاء. أيها الأخ الكريم! معاذ الله أن يكون في قلبي وقلبك شيء من الحسد على إخواننا، فالحاسد ليست له قضية، إن كنت في مصيبة رأيته شامتاً، وإن كنت في نعمة رأيته حاسداً، وإن كانت فيك خصلة من خير جحدها وأنكرها وأولها وجيرها، وقال: أراد كذا وقصد كذا وطلب كذا ومراده كذا، وتسلق وتسلط على فؤادك يريد أن يحكم على نياتك وخفياتك التي لا يعلمها إلا الله عز وجل. والحاسد إن كانت فيك خصلة شر هتك أستارها ونشرها وتحدث بها ونبأ بها الغادين والرائحين، ولن تجد هذا الذي يحمل الغل أو الحسد لن تجده يوماً من الأيام ناصحاً. وإن صفات المؤمنين سلامة صدورهم على إخوانهم، بل وعلى الذين يأتون من بعدهم، قال الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:9 - 10] أي: لا تجعل في قلوبنا غلاً وحقداً وحسداً، وإن سلامة الصدور لمن صفات أهل الجنة وما نريد بسعينا في صلاة وصيام وذهاب وإياب وحل وترحال وسفر وضعن وإقامة، إلا وجه الله ورضا الله ثم هذه الجنة التي هي دار النعيم ودار الخلود.

سلامة صدور أهل الجنة

سلامة صدور أهل الجنة أوليس الله جل وعلا قد قال في محكم كتابه في وصف عباده المؤمنين أهل الجنة: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي: نزعنا من صدورهم كل حسد وبُغض، كما جاء في صحيح البخاري من حديث قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خلص المؤمنون من النار حُبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أدل وأهدى منه بمسكنه من أحدكم في الدنيا). هذه صفات أهل الجنة أن لا غل ولا حقد ولا حسد ولا ضغينة ولا كراهة ولا سوء ظن ولا إحن ولا تباغض في قلوبهم، بل قال جل وعلا: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]. دخل عمران بن طلحة على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعدما فرغ علي بن أبي طالب من أصحاب الجمل بعد فتنة فيها ما تعلمونه، وما يسعنا أمامه إلا أن نكف ألسنتنا، وأن نترضى عن جميع الصحابة رضوان الله عليهم، وألا نلغِ بالقول والكلام في عرض أحدٍ من الصحابة الذين اختارهم الله جل وعلا لصحبة نبيه وفضلهم بالصحبة، وقال صلى الله عليه وسلم: (فإن أحدكم لو أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). بعد معركة الجمل دخل عمران بن طلحة على علي رضي الله عنه، فرحب به علي وقال: [إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]] انظروا ما أجمل سلامة الصدر بين الصحابة حتى وإن كان ما كان فيما مضى فكلٌ يعرف صدر صاحبه، وكلٌ يعرف سلامة قلب صاحبه. ودُخل ذات يوم على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل كأنه الذهب فقال له: يا أبا دجانة، ما بال وجهك يتهلل؟ قال: [والله ما عملت عملاً أوثق عندي من خصلتين اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وأما الخصلة الأخرى: فقد كان قلبي على المسلمين سليماً]. إن من سمات المسلمين صفاء النفس من الغش والحسد والغدر والضغينة، ثم لماذا الحسد؟ ولماذا الضغينة؟ إن القلوب زجاجات بلورية شفافة لامعة جميلة طاهرة طيبة، فلماذا نقذرها؟ أو نجعلها وسخة بهذه الأضغان والأحقاد وبسوء الظن مما يدفعنا إلى القيل والقال، ومن ثم تتشوه تلك القلوب الصافية وتعود شائبة بعد صفائها، كدرة بعد نقائها، خبيثة بعد طهارتها، سيئة بعد حسنها، فاسدة بعد صلاحها؟

الحسد وسوء الطوية من صفات الكفار والمنافقين

الحسد وسوء الطوية من صفات الكفار والمنافقين إن الحسد وسوء الطوية على المسلم لمن صفات الكُفار والعياذ بالله، ومن صفات المنافقين أعاذنا الله وإياكم، وذلك أمر قد يجهله كثير من المسلمين، بل قد يجهله بعض الطيبين، تجد رجلاً صواماً أو قواماً أو صالحاً لكنه إذا بدأ الكلام بلسانه في عرض فلان أو علان أو في هيئة أو في شخص أو في كبير أو صغير أو في عالم أو داعية أو في قريب أو بعيد نسي لسانه حتى يلغ في أمور لا قبل لهم بها، ربما تجد هذا الرجل فيه من الصلاح خير كثير، ويتورع عن أمورٍ ربما هي من المشتبهات أو يتركها زهداً وورعاً وربما نسي أنه وقع فيما أجمع علماء الإسلام بل ودلت النصوص على تحريمه وتضافرت الأدلة على المنع منه شرعاً؛ لأنه يغضب الله جل وعلا وهو الغيبة والاستطالة في أعراض المسلمين. أقول: إن الحسد والحقد من أخطر الأمور، وإن الغِل والضغينة من صفات الكفار والمنافقين، فقد قال الله جل وعلا: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِه} [النساء:54] وقال سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البقرة:109] أي: الكفار {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] نعم أيها الأحبة، إن الحقد والحسد والبغضاء والضغينة لمن صفات المنافقين، ومن صفات اليهود والنصارى أهل الكتاب، ومن صفات الكفار الذين لا يألون المسلمين خبالاً ويودون عنتهم، وصدق الله حيث قال: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:119 - 120]. نعم من الذي يرضى أيها الأحبة! أيها الإخوة المؤمنون! أيها الإخوة المسلمون! من الذي يرضى أن يحمل في جنبات نفسه وفي طيات فؤاده وفي شغاف قلبه، من الذي يرضى أن يحمل خصلة هي من خصال الكفار ومن خصال المنافقين فيستطيل بلسانه ويتسلط ببغضه وينتشر بكراهيته وحقده وحسده على بعض إخوانه؟ وإن من أكثر الذين تراهم -والعياذ بالله- وقوعاً في الحقد والحسد والإحن والبغضاء تجد بعضهم لأن قريبه فاقه في المال أو لأن تربه -أي: واحد من أترابه- فاقه في العلم أو فاقه في منزلة معينة أو في مرتبة معينة أو في مكانة معينة، وما يدريك يا أيها الأخ الكريم أنه ربما فاقك ابتلاءً وربما فاقك استدراجاً، وربما فاقك لأمرٍ يعلمه الله، والله {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].

بعض الآثار السيئة للحقد والحسد

بعض الآثار السيئة للحقد والحسد إن الله جل وعلا قد قسّم بين العباد أرزاقهم ومراتبهم وأحسابهم وأنسابهم، وجعل أكرمهم عنده أتقاهم. أيها الأحبة في الله! إن علاقة المسلم بإخوانه علاقة محبة، وعلاقة تفيض بمشاعر إيمانية أخوية ليست تقف عند حدود نفسه أو ذريته أو أقاربه، بل تمتد لتغمر من حوله، وتفيض على الآخرين سلامةً وحباً وأمناً، وتلك هي صفات الأمة المسلمة الذين: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر:10] ولك أن تتخيل نفساً أو نفوساً عمرها الحقد بل خربها، وأفسدها الحسد ماذا تتصور أن يخرج منها؟ ماذا تتصور أن ينتج من قلوب فرخ فيها الغل والإحن والبغضاء والعداوة؟ هل ستجد أصحاب هذه النفوس يدعون لإخوانهم بظهر الغيب؟ أم تراهم يحسنون الظن بهم؟ أم تراهم يؤولون أفعالهم على خير وجه يُرضي الله؟ أم تراهم يكفون عن الغيبة عند عرض أعراضهم على الألسنة في المجالس؟ بل ستجد ما يدعو إلى ما هو أعظم من ذلك وأخطر: وهو والعياذ بالله الخصومة والعداوة التي إذا نمت وغارت وتجذرت جذورها وتفرعت أشواكها جعلت الإيمان يتناقص شيئاً فشيئاً، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). أيها الأحبة! بل إن هذا الحسد وذلك الغل وتلك البغضاء وتلك الإحن والعداوة، ربما امتدت بأصحابها إلى أن جعلتهم والعياذ بالله يقعون في صغائر، ثم يصرون عليها فتكون من الكبائر، ثم يقعون فيما يُسقط مروءتهم، ثم يلغون فيما يوجب اللعنة، وعلى أية حال فكل عين ساخطة تنظر من زاوية واحدة داكنة، تعمى عن الفضائل، وتضخم الرذائل، وقد يذهب بها الحقد إلى التخيل وافتراض الأكاذيب، وقبول الأقاصيص والروايات التي لا زمام لها ولا خطام، ولا سند صحيح يدعمها من رواية الثقات أو العقلاء. بل إن من عواقب ذلك الحقد ونتائج تلك البغضاء الوخيمة أن صاحبها ربما اشتهى وتلذذ وتمنى إيقاد نيران العداوة بين المؤمنين، وذلكم ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، لكن بالتحريش بينهم). أيها الأحبة! إن كثيراً من المسلمين لن يعبد صنماً ولن يطوف بقبر ولن يذبح لغير الله، فذلك مما يئس منه الشيطان بهؤلاء المسلمين في جزيرة العرب خاصة، ولكن الشيطان رضي وقنع منهم بما يحرشه لإفساد ذات بينهم، ولما يخرب به قلوب بعضهم على بعض حتى تبدأ النفوس تتطاول في أعراض بعضها، فتزاح وتمحو وتتسلط على حسناتها، فقد يكسب المرء حسنات ثم يخسرها بآلاف السيئات التي ارتكبها، فما ظنكم برجل يُتاجر في الصباح فيربح ألفاً، ويُقامر في المساء فيخسر خمسة آلاف؟! فإن ذلك لا يعد من الرابحين ولا من التجار، بل يعد من الخاسرين الذين تسلطوا على تجارتهم فأهدوها لغيرهم. إن النفوس إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يشعب احرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب

حرص الإسلام على إصلاح ذات البين

حرص الإسلام على إصلاح ذات البين ولما كان الأمر بهذه الخطورة حرص الإسلام في هذا التشريع العظيم الجميل الرائع الذي لو كان من عند غير الله لوجد فيه الاختلاف الكبير، حرص هذا الدين، وحرص الشارع على إصلاح ذات البين، بل وأباح الكذب في إصلاح ذات البين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الكذاب الذي يقول كلمة فينمي خيراً أو ينقل خيراً) أي: أن تُزوِّر شيئاً من الكلام لإصلاح ذات البين بين مسلم ومسلم، بين رجل وزوجته، بين قبيلة وأخرى، بين سيد وآخر، بين موظف ورئيس، بين زميل وآخر، بين جندي وضابط، بين صغير وكبير، بين حاكم ومحكوم، بين عالم وغيره، إن كلمة طيبة لأجل إصلاح ذات البين حتى ولو لم تكن موجودة على أرض الواقع لا تعد من الكذب المحرم، بل يؤجر صاحبها والله جل وعلا يقول: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء:114]. عجباً لهذه النجوى التي نُهي عنها: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ} [المجادلة:10] {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المجادلة:9] {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء:114] إلا في حالة إصلاح ذات البين ربما يكون في النجوى خير كثير: {إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114]. إن الله قد وعد بأجرٍ عظيم على إصلاح ذات البين، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن ضد صلاح ذات البين هو أمر خطير، حالقة الدين، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين -ثم قال- فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر ولكن تحلق الدين) رواه الترمذي والحديث صحيح. أيها الأحبة! لماذا تكون هذه المعصية حالقة للدين؟ نعم، لأن أصحابها لا يتشفى أحدهم إلا بالكلام في عرض صاحبه، واستدراج الحديث، والدوران حول المواضيع رويداً رويداً، خطاً خطاً، دائرةً دائرةً، حتى تجد الذي في قلبه مرض يجر الحديث من بعيد لتنصب العبارة ويكون الحديث في نهاية المطاف ليكون في عرض ذلك الذي قد امتلأ قلبه عليه حقداً وحسداً؛ ولأجل ذلك نهى الإسلام عن هذا أيما نهي، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث). إن الإسلام حريص على أن يقطع أبواب الجفاء وأبواب القطيعة وأبواب الغلظة، إن الإسلام حريص أن يكسر هذه الأبواب ويمد الصلات بين المسلمين، وما ذاك إلا لأجل حفاظ قلوبهم على بعض، ولأجل المحافظة على حسناتهم.

أثر الشحناء في إزالة الحسنات

أثر الشحناء في إزالة الحسنات وإذا تأملت مزيداً من النصوص وجدتها تصب صباً مباشراً في هذه القضية لتحذرنا من القطيعة، لتحذرنا من العداوة، لتحذرنا من البغضاء، لتحذرنا من التساهل في أعراض بعضنا، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تُفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا) رواه الإمام مسلم. أيها الأحبة! لنكن صرحاء: إن بعضنا ربما وجد في قلبه ليس على فاجر من الفجار، بل على أخٍ من إخوانه الطيبين، والواجب أن نحمل المودة والمحبة لإخواننا الطيبين، وأما إخواننا العصاة، وإخواننا الذين أمعنوا وأسرفوا في الذنوب، فلهم منا جانب ننكره وهو إنكار معاصيهم، وما اجترحته جوارحهم، وما اقترفته أيديهم، ولهم منا جانب المحبة والمودة والشفقة، وجانب الرحمة الذي يدعونا إلى الدنو منهم، ومخاطبتهم باللين، ودعوتهم بالحكمة، ومجادلتهم بالحسنى عسى الله أن يردهم إليه رداً جميلاً، عسى الذي هدانا أن يهديهم، عسى الذي ردنا أن يردهم، عسى الذي منَّ على كثير من إخواننا أن يمن علينا وعليهم بالتوبة. أيها الأحبة! إن من شؤم وسوء عاقبة الحسد أن حامل الحقد والغل والحسد لا يزال يتشفى بلسانه في عرض من يحقد عليه، حتى إن ذلك المسكين الحاسد ليأتي على جميع حسناته التي تعب في جمعها ثم يهديها إلى من اغتابه، يشقى بالعمل يجمعه، يُصلي الفجر، يمشي خطوات إلى المسجد، قد يذكر الله، يتصدق، يعمل أعمالاً صالحة، ربما يفعل خيراً كثيراً، ثم بعد ذلك قد يقع في زلة الحقد والحسد والبغضاء، وبذلك يُهدي هذه الحسنات إلى من تكلم في عرضه! إن القصاص من الغيبة، والقصاص من النميمة، والقصاص من الغل والحقد والحسد الموجب لذلك كله؛ لن يكون يوم القيامة بأعمال تُعطيها فلاناً، بل سيكون من أعمال قُبلت إذ أن الحساب يوم القيامة لن يكون بالدينار ولا بالدرهم، ولا بالركعة، ولا بالصوم، ولا بالحج الذي لا تدري هل قُبل أم لم يقبل؟ ولكن القصاص سيكون من حسنات مقبولة، يُسدد من دينك ويُقضى غرماؤك بلسانك الذي تسلط على عملك فأحرقها، سوف يُسدد من الحسنات والسيئات، فإن لم يكن ثم حسنات فإن القصاص سيكون من سيئاتهم التي هي حقاً يقيناً سيئات، ثم تُوضع على سيئات هذا، وصدق القائل حيث قال: يشاركك المغتاب في حسناته ويعطيك أجري صومه وصلاته ويحمل وزراً عنك ظنّ بحمله عن النُجب من أبنائه وبناته وغير شقي من يبيت عدوه يعامل عنه الله في غفلاته فلا تعجبوا من جاهلٍ ضر نفسه بإمعانه في نفع بعض عداته وأعجب منه عاقل بات ساخطاً على رجل يُهدي له حسناته ويحمل من أوزاره وذنوبه ويهلك في تخليصه ونجاته إن هذا لعجبٌ عجاب أن تجد شخصاً يتسلط كل ليلة ليحمل عنك أوزاراً وذنوباً وآثاماً وخطايا، ما حملها بقرابة ولا بنسب ولا بهدية ولا بصلة، وإنما حملها عنك وتحملها عنك! ويوم القيامة يحملون أوزارهم ومن أوزار الذين يغتابونهم ويتكلمون فيهم، ومن أوزار الذين يضلون بسبب الوقوع في أعراضهم، يتحمل هذا يوم القيامة سيئات الآخرين {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:36] إذ أن لكل امرئ منهم مشغلة وقضية ودويهية وبلية أشغلته عن حاله، عساه أن يتحمل أوزار نفسه، وأن يتحمل سيئات ذاته، ثم تجده يتحمل أوزار الآخرين!

محبة الخير للناس

محبة الخير للناس أيها الأحبة! ما الذي يحجبنا عن حب الخير للناس؟ ما الذي يمنعنا أن نحب للآخرين ما نحب لأنفسنا، وذلك من تمام الإيمان، حيث قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أنس بن مالك: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يُحب لنفسه) رواه البخاري ومسلم. أيها الأحبة! إن من تمام وصدق وصميم الإيمان أن نتمنى لإخواننا ما نتمناه لأنفسنا، أن نحب لهم ما نحب لأنفسنا، وتلكم والله معالم ضائعة، إن كثيراً عادوا وكثيراً اهتدوا وكثيراً تابوا، وكثيراً آبوا، لكن كثيراً حتى الآن لم تغتسل قلوبهم ولم تتنظف ولم تسلم ولم تطهر من هذه الذنوب والمعاصي، ناهيك عما حملوا ألواناً من المعاصي مع هذا الغل وذلك الحقد والحسد. إن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن نتباغض، ونهانا عن كل سببٍ يدعو إلى البغضاء كالحسد والتناجش فيما بيننا، فقال: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا) وقال في حديثٍ آخر: (وكونوا عباد الله إخواناً).

صلة إفشاء السلام بسلامة القلب

صلة إفشاء السلام بسلامة القلب لقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم على ما يعمق المودة في نفوس بعضنا تجاه بعض، ألا وهو الابتسامة، والطلاقة والبشاشة، وإفشاء السلام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) أخرجه مسلم. أقول: هذا مما يدل على إفشاء السلام والبداءة به من مظاهر المحبة والمودة، بل ومن الإصرار على تثبيت هذه المحبة بين المسلمين، وذلك أمر يتعوده الإنسان من نفسه: لكل امرئ من دهره ما تعودا وعادة سيف الدولة الطعن في العدا عود نفسك على البشاشة، ستجد نفسك تحملها حتى في أحلك الأمور، وعود نفسك على إفشاء السلام، ستجد نفسك مسلماً على العامل والكبير والصغير، والرئيس والمرءوس، والعظيم والصعلوك، والأمير والوزير والفقير، عود نفسك على أن تلتفت لإخوانك بعين الرضا وعين التواضع وعين المحبة، ستجد أنك تمنحهم أشياء كثيرة. إننا لا نملك مليارات ولو ملكناها ما وسعنا الناس بأموالنا: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن سعوهم بأخلاقكم). إن الشخص لو أراد أن يكسب جمعاً كهذا بأمواله لما استطاع أن يرضيهم بماله، لو أراد أن يرضيهم بهبات لما كان عنده ما يكفي لهبتهم وإعطائهم الجوائز والصلة، ولكنه يستطيع أن يُسخطهم جميعاً بكلام بذيء ساخط، ويستطيع أن يُرضيهم وأن يكسب محبتهم ومودتهم بكلمة ونصيحة وبشاشة ودعاء لهم ظاهراً وباطناً وسراً وعلناً. وبمناسبة الحديث عن السلام، والانبساط وصلة ذلك بسلامة القلب أيها الأحبة يقول ابن عمر: بني إن البر شيء هين وجه طليق وكلام لين

صور من البر وحسن الخلق ونقائض ذلك

صور من البر وحسن الخلق ونقائض ذلك إن البر ليس تفتيتاً للصخور إن البر ليس حملاً للجبال أو نقلاً لها إن البر ليس نقلاً للمياه إلى أعلى الجبال إن البر ليس تقسيماً للأموال، وإنما هو طلاقة في الوجوه وكلام لين، روى الترمذي، عن عبد الله بن المبارك أنه وصف حُسن الخلق فقال: هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى. وقال جرير: [ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي]. بل إن بعض الناس لا تجده متبسماً أمام الآخرين، بل تجده يسخط ويغضب وينزعج ويقول: فلان أمره عجيب! كلما قدمت عليه تبسم في وجهي، فأي صلة بيني وبينه؟ وأي علاقة بيني وبينه؟ في كل حال إذا رأيته رأيته متبسماً!! أي أن بعض الناس لا يُحرم على نفسه البشاشة بل تجده يُنكرها حتى على من يُقابله بها والعياذ بالله، بل إن بعضهم إذا تبسمت في وجهه قال: متى المعرفة؟ وبعضهم إذا أطلقت أو لنت في الكلام معه قال: يبدو أنك طولتها أكثر من اللازم! وأنت لا تقصد إلا التحبب والتودد إليه فسبحان الله! إن هذه الأخلاق لهبات وصلات ومنازل ودرجات، فمن نالها نال خيراً كثيراً، وحسبكم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم لا يفطر، ودرجة القائم لا يفتر) وقال صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة؟ فقال: (تقوى الله وحسن الخلق). إن الناس مهما كثرت صلاتهم، فهي لهم يوم القيامة، لن يعطونا منها شيئاً، وجزاهم الله خيراً وأكثر من أمثالهم وتقبل منهم، وما أجمل سعيهم! وما أطيب صلاتهم وركوعهم وسجودهم! لكنهم لن يُعطونا من صلاتهم شيئاً، وما أجمل صيامهم! وإن عبادتهم لمما يرحم به الله الأمة، ولكنهم لن يعطونا من عبادتهم شيئاً، الذي يتعلق بنا تعلقاً مباشراً من أعمالهم ألا وهو -مع حبنا لهذا الخير الذي يعملونه- طلاقة الوجه البشاشة حسن الخلق لين الجانب التواضع المودة المحبة الإقبال بالوجه على الوجه عند اللقاء والسلام. أذكر ذات يوم أني دخلت دائرة من الدوائر الشرعية، فقابلت رجلاً توسمت فيه خيراً فبدأته بالسلام وحييته به ومددت كفي مصافحاً له فإذا به -سامحه الله وجمعني به وإياكم في الجنة- يقابلني بوجه مكفهر، مقطب الجبين، ويسلم سلاماً رخواً ميتاً بارداً فتركته حتى خرج من تلك الدائرة، ثم أدركته قبل أن يبتعد عنها كثيراً، فقلت له: يا فلان هل تعرفني؟ قال: لا. قلت: وما يضيرك أنك لا تعرفني؟ -أردت بقولي: هل تعرفني أي: هل سبق بيني وبينك عداوة؟ هل بيني وبينك شيء من المواقف التي تدعو إلى عدم الانبساط وعدم البشاشة؟ - قال: لا أعرفك. قلت: إذاً لم يحصل بيني وبينك موقف كرهتني فيه أو كرهتك فيه؟ قال: لا. قلت: يا أخي الكريم لماذا لا تحسن أخلاقك؟ لماذا لا تنبسط؟ لماذا لا تتبسم؟ لماذا لا تمد يدك مد الرجال عند المصافحة؟ لماذا لا تضع عينك في عين من أقبل عليك محبة وهشاً وبشاً به؟ أما أن تجد من الناس مَنْ إذا سلَّم عليك يده في اليمين ووجهه في السقف، أو يُعطيك يداً ويده الأخرى يصلح به شيئاً من حذائه، والرابع يُسلم عليك ولا يلتفت لك بأي حال من الأحوال. إن عدم التفات هذا إلى حُسن الخلق لن يضيرك ولن يضيرني لكنه سيضيره هو، إنه يحرم نفسه خيراً كثيراً، وبوسع العبد إذا خرج من بيته أن يعود بحسنات أمثال حسناته في صلاته وصيامه، وأمثال حسناته في صدقاته وذلك بحسن خلقه ولين جانبه وتواضعه، ومحبة الخير لإخوانه المسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) رواه الإمام مسلم. وروى الخرائطي عن أبي عون الأنصاري قال: [ما تكلم الناس بكلمة شديدة إلا وإلى جنبها كلمة هي ألين منها تجزئ عنها] أي: أن الواحد مهما شدد في العبارة فإن بوسعه أن يختار من مفردات اللغة ومن جُملها ما يُفضي إلى تحقيق المقصود، وما يفضي إلى المرغوب دون الحاجة إلى الكلمة الشديدة، وكل أمر من الأمور لك أن تُعبر عنه بكلمة طيبة، ولك أن تعبر عنه بمعنىً مقبول: تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير ذماً ومدحاً وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير في زخرف القول تزيين لباطله والحق قد يعتريه سوء تعبير العسل إن تشأ قلت: ذا قيئ الزنابير، وإن تشأ قلت: هذا شهد النحل أو تقول فيه وصفاً جميلاً، ومن الذين يعتنون بحسن الخلق؟ من تراهم ينتقون العبارة الجميلة، يُقال: إن هارون الرشيد قال ذات يوم لأحد أبنائه وفي يده سواك: ما جمع هذا يا ولدي؟ فقال أحدهم: محاسنك يا أمير المؤمنين. وقال للآخر: ما جمع هذه يا ولدي؟ قال: جمعها كِعاب الأسنة. لم يقل: مساويك، خشية أن يكون الجمع فيه عبارة تدل بلفظ لا يليق أمام أمير المؤمنين أو أمام والدهم.

أحاديث نبوية في حسن الخلق

أحاديث نبوية في حسن الخلق إن عناية الإنسان بمنطقه وعناية الإنسان بلفظه متحرياً بذلك حُسن الخلق مما يرفعه درجةً عند الله، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً). وروى أبو نعيم في الحلية، عن حماد بن زيد قال: [ما رأيت رجلاً أشد تبسماً في وجوه الرجال من أيوب]. وفي الحديث المتفق على صحته، عن عبد الله بن عمرو، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الإسلام خير؟ قال: أن تُطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) متفق عليه. ذلك من خير الإسلام أن تبدأ بالسلام وتُعلن السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف. وبالمناسبة أيها الأحبة! فإن وقوع بعض المسلمين في معصية لا يمنع من سنية بدئهم بالسلام، فتجد المسلم إذا قابل رجلاً حالقاً لحيته، قال: لا أبدأه بالسلام فهذا (حليق)! وبعضهم إذا رأى رجلاً مدخناً قال: أعوذ بالله، أبدأ بالسلام على رجل يدخن فلا أبدأه، وذلك من الجهل بالدين. إن من واجبك أن تبش وتهش وتنبسط إليه وتبدأه بالسلام، وتسأله عن صحته، وإن كنت منكراً لما ترى من حلق لحيته أو مجاهرته بدخانه، فإنك بهذا تنصحه نصيحة طيبة فتنال الأجرين، لا يفوتك أجر البدء بالسلام وتنال أجر حُسن الخلق، والبسط وحُسن الصلة مع المسلمين، وأجر النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي معنى الحديث السابق قال النووي رحمه الله: ومعنى تُقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف أي: تُسلم على كل من لقيته عرفته أم لم تعرفه ولا تخص به من تعرفه كما يفعله كثير من الناس. هذا في زمان النووي يقول: كما يفعله كثير من الناس الذين يخصون بالسلام من يعرفون، فما بالك بهذا الزمان؟ ما بالك بنا؟ بل لقد ضيعنا كلمة (السلام) حتى أن بعضنا يدخل على القوم، فيقول: كيف الحال؟ كيف الصحة؟ أهلاً بكم، صباح الفل، صباح الورد، صباح الياسمين، صباح القشطة، صباح كذا وصباح كذا! ونسي أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! بل إن بعضهم بالهاتف: السلام عليكم، أهلاً بفلان كيف الحال؟ تردد عليه مرتين أو ثلاثاً حتى لا يفوته أجر رد السلام، وهذه من الأمور التي تعود كثير منا عليها حتى فاته كثير من الأجر، ما الذي يمنع؟ صحبت ذات مرة شخصاً من إخواننا في سفر فعجبت من كثرة إفشائه السلام على الناس، ما التفت يمنة فوجد عاملاً أو كبيراً أو صغيراً إلا وألقى عليه السلام، فقلت له: أراك تكثر السلام! قال: هل كنت مشغولاً معك في حديث حتى أقطعه بهذا؟ هل تراني أقرأ؟ هل تراني أصلي؟ بدلاً من أن أقلب عيناي في الجدران والحيطان والرخام والمباني والعمائر والغادين والسيارات والرائحات والشكمانات وغير ذلك بدلاً من هذا كله أقول: السلام عليكم، ففي كل تسليمة أجر عظيم، وما ظنك لو عددنا كم مررنا على شخصٍ سلمنا عليه لوجدنا أننا في نهاية المطاف قد جمعنا مئات الحسنات بمجرد إفشاء السلام. وقال ابن حجر في معنى السلام: أي لا تخص به أحداً تكبراً ولا تصنعاً بل تعظيماً لشعار الإسلام ومراعاةً لأخوة المسلمين. وفي الحديث الذي له حكم الرفع ورواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن مسعود أنه مر برجل فقال: السلام عليك يا أبا عبد الرحمن، فرد عليه، ثم قال: [إنه سيأتي على الناس زمان يكون السلام فيه للمعرفة]. وقال ابن بطال في مشروعية السلام على غير المعرفة: استفتاح للمخاطبة وللتأنيس ليكون المسلمون كلهم إخوة فلا يستوحش أحد من أحد، وفي التخصيص ما قد يوقع في الاستيحاش، وربما سبب صدود المتهاجرين أو يشبه صدود المتهاجرين الذي نهى الله عنه. لقد أخرج الإمام أحمد بسند صحيح، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطيعة الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم) رواه الإمام أحمد في مسنده.

حاجتنا إلى قضايا السلوك والأخلاق

حاجتنا إلى قضايا السلوك والأخلاق نعم أيها الأحبة! هذه من الأشياء التي ظهرت وانتشرت بين المسلمين، وكما أننا بحاجة إلى أن نفقه قضايا كثيرة قضايا إعلامية، وقضايا سياسية، وقضايا تربوية، وقضايا تعليمية، وقضايا اجتماعية؛ فنحن بأمس الحاجة إلى أن نتعلم هذه القضايا وهي قضايا المعاملة وقضايا السلوك. إن عبداً من عباد الله يوم القيامة لن يضره إن جهل ما هي أبعاد اتفاقية غزة أو أريحا، على أيٍّ كان تحليلها أو تفسيرها، وليس هذا مقام بيان قول الإسلام فيها، إن عبداً من عباد الله لن يضيره يوم القيامة إذا جهل كثيراً من القضايا السياسية والاقتصادية والإعلامية، لكن سينفعه عند الله إن كان ممن يفشون السلام، سينفعه عند الله إن كان ممن ينبسطون بالبشاشة أمام إخوانهم، سينفعه عند الله إن كان ممن سلمت صدورهم من الغل والحسد والإحن والعداوات والبغضاء.

بطلان الافتخار بالأنساب أمام التقوى

بطلان الافتخار بالأنساب أمام التقوى ثم إن سلامة الصدور لمن دلائل الألفة والمحبة التي هي نعمة عظيمة امتن الله بها على المسلمين، كما قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103] بل يمن الله جل وعلا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فيقول له: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال:62 - 63]. إن هذه الألفة والمودة وسلامة الصدر لمن أعظم النعم، وما ظنكم لو أن كلاًّ منا ركب رأسه وركب نعرته وركب عصبيته وركب جاهليته، وركب أسرته وقبيلته ومفاخره وأموره الجاهلية، لأصبحنا أعداءً متباغضين متناحرين، لكن نعمة الله جمعت شملنا، وألفت قلوبنا، ووحدت صفوفنا، ووالله إن من يفتخر بنسبه لأحقر عند الله من الجعلان والجنادب والهوام والتراب. إن عبداً من عباد الله في أدغال أفريقيا من المتقين ليساوي آلاف الآلف في وسط نجد أو في شمالها أو غربها أو جنوبها إن كانوا من العصاة، وإن عجوزاً مؤمنة من أهل نجد لتساوي أهل الأرض إن كانوا عصاة: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] بعض الناس فيه خساسة ودناءة، وفيه فجور وعصبية وجاهلية، يتزي ويفتخر بأصله ونسبه: أنا نجدي، أنا حجازي، أنا شمالي، أنا يماني، أنا غربي، أنا مدني، أنا كذا، أنا كذا والله ما قلت بقول فيه عصبية بجاهلية إلا قلنا لك: خسئت وخبت وخسرت. أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

نماذج ممن رفعتهم التقوى

نماذج ممن رفعتهم التقوى الذي نفتخر به هو الذي جعل بلال الحبشي، يُسْمع صوت نعليه في الجنة. الذي نفتخر به هو الدين الذي جعل أبا لهب ذا الوجه الأحمر الملتهب من شدة بياضه يقال فيه: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:3]. الذي نفتخر به ذلك الدين الذي قال لـ صهيب: (ربح البيع أبا يحيى). الذي نفتخر به الذي نقل سلمان الفارسي من الفرس إلى آل البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: (سلمان منا آل البيت) إن من افتخر فخراً مجرداً عن العمل الصالح، فهو خسيس دنيء، وإننا لنقولها ولا كرامة ولا مودة ولا مكانة لمن افتخر بنسب جاهلي، وتباً لمن يفتخر بعظمٍ نخر، الذين يفتخرون بالعصبيات، وبالأنساب، الذين يصنفون الناس: هذا شمال وهذا جنوب وهذا غرب وهذا نجد وهذا وسط وهذا يمين وهذا يسار بماذا تصنفون الناس؟ بالعيون التي تُخرج القذى؟ بالأنوف المليئة بالمخاط؟ بالأجواف المليئة بالبول والبراز؟ بالأفواه المليئة بالبخر؟ بالآباط المليئة بالوسخ؟ بماذا يفتخر الناس حينما يصنفون بهذه العصبيات، إنما الفخر فخر من أطاع الله وعبد الله وسجد لله وصلى لله، والكرامة والله هي كرامة التقوى، ومن تمسك بغيرها ومن دعا بدعوى الجاهلية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعضوه بهن أبيه ولا تكنوا) أي: قولوها له صريحة حينما يفتخر بهذه العصبيات الجاهلية التي لا مكانة لها. لقد وقف عطاء بن أبي رباح الذي هو إمام المناسك في زمنه، يقف الناس طوابير، خلف بعضهم كل ينتظر دوره في السؤال، وعطاء كان عبداً مملوكاً أعتقته سيدته، كان لا يرى إلا بعين واحدة، كان مفلفل الشعر، أسود اللون، كأنه غراب بين الناس، ثم لما جاء الخليفة يسأل قالوا: دونك الناس أيها الخليفة -أي: امسك في (الطابور) حتى يصلك (الطابور) وتصل عطاء بن أبي رباح - فوقف الخليفة وسأل عطاء بن أبي رباح فالتفت إلى أولاده، وقال: أي بني! اطلبوا العلم فقد جثا الخلفاء بركبهم عند العلماء هكذا يكون الدين هو الذي يرفع الدرجات ويرفع المنازل.

نقاء النفس من أسباب دخول الجنة

نقاء النفس من أسباب دخول الجنة إن نقاء النفس أيها الأحباب! لمن أسباب دخول الجنة كما في الحديث الذي رُوي في مسند الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: (كنا يوماً جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة. قال: فطلع رجل من أهل الأنصار تنطف لحيته من الوضوء، قد علق نعليه في يده الشمال، فسلم، فلما كان من الغد قال صلى الله عليه وسلم: يخرج عليكم من هذه الثنية أو من هذا الفج رجل من أهل الجنة؛ فطلع ذلك الرجل على مثل حاله، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم: يخرج عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة؛ فطلع ذلك الرجل على مثل حاله، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبع الرجلَ عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فقال لذلك الرجل: إني لاحيت أبي -أي: كان بيني وبين أبي شيء من الملاحاة- فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تئويني إليك حتى تمضي ثلاث ليالٍ فعلت؟ قال: نعم. قال أنس رضي الله عنه فكان عبد الله بن عمرو يحدث أنه بات عنده ثلاث ليال فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار -أي: انقلب وتقلب على فراشه- ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم إلى صلاة الفجر. فقال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً) صاحبه ثلاث ليال وثلاثة أيام يريد أن يرى منه كثرة صلاة وكثرة صيام وكثرة أعمال، قال: (فلما فرغنا من الثلاث وكدت أن أحقر عمله، قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجر، لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت ثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بذلك فلم أرك تعمل). وانظر إلى الصحابة كيف يتنافسون في العمل، وكيف يتبع بعضهم بعضاً ليتأسى ويقتدي وينتفع ويهتدي، بمن هو خير منه في العمل، أو بمن سبقه ببشارة من النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فاقتدي بذلك، فما رأيتك تعمل عملاً كثيراً، فما الذي بلغ بك ما قال النبي صلى الله عليه وسلم؟! قال: هو ما رأيت، غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشاً ولا حسداً على خيرٍ أعطاه الله إياه، قال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق) وفي سند هذا الحديث مقال.

سوء الظن مدعاة للحقد

سوء الظن مدعاة للحقد أيها الأحبة! إن مما يدفع بعض الناس ومما يجرهم والعياذ بالله إلى الأحقاد والإحن والغل؛ سوء الظن، وسوء الظن أمر منهي عنه، لقد عرفت كثيراً من الناس لو تناجى اثنان في مجلس لقال: نعم، إنهما يتناجيان فيّ، إنهما يتكلمان عني، يتكلمان في سيرتي، إنهما يحللان شخصيتي، إنهما يريدان أن يزنا شخصيتي. فتجد بعض الناس لو التفت يمنة ويسرة قال: نعم، الآن يتكلمان فيّ. بعض الناس مسكين عنده ضعف ووسوسة واهتزاز شخصية لدرجة أنه لو دخل على حوش غنم، فالتفت تيس إلى عنز قال: تكلموا فيّ! من سوء اهتزاز شخصيته أمام نفسه فعلاً، لا يُطيق أن يلتفت اثنان إلى بعضهما، ولو أن بعضهم فجأة أو خطأً حدق البصر فيه لحظة ثم عاد لقال: نعم، أراد أن يتأكد هل هو الذي يُتكلم فيه أنا أم الذي بجواري، أي: أنك تجده -والعياذ بالله- مسيئاً للظن، وقد نهى الله جل وعلا عن هذا، فقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12] ولماذا نسيء الظن بالآخرين سواءً في كلامهم أو في قولهم أو خطبهم أو مقالاتهم أو كتبهم أو مجالسهم أو مواقفهم؟ لماذا لا نحملهم على أحسن محمل؟ أوليس الأصل في كل مسلم براءة عرضه وسلامة جانبه؟ أوليس الأصل فيه البراءة، والشك طارئ والمعصية والخطيئة طارئة. إذاً لماذا ندع الأمر الأصلي الثابت بيقين لأمرٍ حادث بشك، والقاعدة الفقهية تقول: اليقين لا يزول بالشك؟ وقال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث). نعم إن كثيراً من الناس يحلل حساباته ويخلص بتقاريره واستنتاجاته بناءً على الظنون وبناءً على أشياء لا صحة لها {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} [النجم:28]. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [إن أناساً يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته من شيء، الله يحاسبه على سريرته، ومن أظهر لنا شراً لم نأمنه ولم نصدقه، ولو ادعى وقال: إن سريرته حسنة]. وإن حسن الظن لمن حقوق الأخوة التي هي من مناقب السلف الصالح، فهذا الشافعي رضي الله عنه يروي أحد تلامذته وهو الربيع بن سليمان قال: دخلت على الشافعي ذات يوم وهو مريض، فقلت له: قوى الله ضعفك. فقال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني. فقال الربيع: والله ما أردت إلا الخير. فقال الشافعي: أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير. أي: من حُسن ظن الشافعي بتلميذه أو بمن حوله. قال: لو تكلمت فيّ كلاماً بلغ حتى درجة الشتيمة، لن أسيء بك الظن، وإني لأقول: إنك ما أردت وما قصدت إلا الخير. وعلى ذلك فينبغي أن يُحمل كلام الإخوان وكلام الخلان والأصحاب والأحباب والإخوة وكلام عامة المسلمين فيما بينهم أن يحمل على خير محمل.

فقه الستر على المسلمين

فقه الستر على المسلمين أيها الأحبة! كذلك من التوجيهات المهمة المتعلقة بجيل الصحوة المبارك، بل وبعامة إخواننا المسلمين: مسألة الستر، الستر على المسلمين والأخذ بأيدي الذين يقترفون الإثم، الأخذ بأيديهم إلى الله جل وعلا، لينيبوا إليه سبحانه عله أن يقبل توبتهم بدلاً من هتكهم وتتبع عوراتهم وكشف مساوئهم وإعانة الشيطان عليهم. قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر: اجتهد أن تستر العصاة فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب وهذا الكلام لا تنزعجوا منه فسوف يأتي فيه تفصيل. روى معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم) رواه أبو داود وابن حبان. إن الستر على المسلمين لمن الأمور المرغوبة، ومن الأمور المحبوبة، بل إن الدين شرع لنا ذلك، وستأتي من النصوص ما تعجبون من أن الإسلام لا يتشوف إلى فضح الناس، الدين لا يشتاق إلى هتك أستارهم، الشريعة لا تتمنى فضح عورات الناس، الدين لا يتمنى التشويش والتشهير بالناس إطلاقاً. حدث أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم. وحدث أبو برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته، ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو في قعر بيته) رواه أبو داود. أيها الأحبة! إن من المسلمين من يستره الله ثم هو بعد ذلك يهتك ستر الله عليه، المقترف العاصي المذنب المخطئ الذي وقع في معصية مطالب قبل غيره أن يستر على نفسه، إذا كان الإسلام يأمرنا أن نستر على العاصي، فإن العاصي هو مأمور أن يستر على نفسه، وليس بمأمور أن يفضح نفسه أو يتكلم. إن من الناس من يظن أن التوبة لا تتم إلا بالصلاة في مسجد من المساجد عند شيخ من المشايخ وبين يديه، يقف ذلك الشاب الذي يريد الالتزام مطرقاً باكياً دامعاً حزيناً، فيقول: يا شيخ اسمع: إني مذنب وإني أريد التوبة، أولاً: فعلت كذا، ثانياً: سرقت كذا. ثالثاً: اختلست كذا، رابعاً: عملت هكذا ليس هذا من الدين في شيء، ليس عندنا قسس ولا رهبان ولا كاردنلات ولا زعامات بابوية أو طقوس كنسية يأتي المذنب ليعترف بين يدي أصحابها، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] الأمر بين العبد وبين ربه لا يحتاج إلى واسطة سواءً في التوبة أو في الاستغفار أو في السلامة أو في الرجوع عن الذنب والخطيئة، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سمعه أبو هريرة من فهمه صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا، وقد بات يستره ربه، ثم يصبح يكشف ستر الله عليه) متفق عليه.

ستر الله في الدنيا والآخرة

ستر الله في الدنيا والآخرة وروى ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول له: عملت كذا وكذا. فيقول: نعم. فيقرره، ثم يقول الله جل وعلا: إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم) متفق عليه. وفي رواية: (فيقرره بذنوبه، فيقول الله جل وعلا: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: أي رب أعرفه؛ فيقول الله: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم)، وفي رواية: (فيقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: أي رب أعرف. فيقول: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيُعطى صحيفة حسناته) الله أكبر! رب غفور رحيم على العبد قادر، فيحلم عليه ويستره ويغفر له ويعطيه صحيفة حسناته راضياً مرضياً ليدخل الجنة.

ستر العصاة عند الصحابة

ستر العصاة عند الصحابة وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يستر الله على عبدٍ في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة) رواه مسلم. عمار بن ياسر من الصحابة يفهم هذا المعنى فهماً عظيماً، فتراه ذات يوم قد أخذ بسارق من اللصوص ثم يدعه ويقول: [أستره لعل الله أن يسترني]. وقال أبو بكر الصديق: [لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستر به عليه]. وكان يقول: [ولو رأيت رجلاً على حدٍ من حدود الله ما أخذته ولا دعوت له أحداً حتى يكون معي غيري]. وأشرف ابن مسعود على داره بـ الكوفة فإذا هي قد غصت بالناس، عبد الله بن مسعود لما أشرف على داره وجد الناس قد ملئوا الدار في رحباتها وجنباتها ومن حولها، فقال ابن مسعود: [من جاء يستفتينا فليجلس نفتيه إن شاء الله، ومن جاء يخاصم فليقعد حتى نقضي بينه وبين خصمه إن شاء الله، ومن جاء يريد أن يُطلعنا على عورة قد سترها الله عليه فليستتر بستر الله وليقبل عافيته، وليسرر توبته إلى الذي يملك مغفرتها، فإنا لا نملك مغفرتها ولكن نقيم عليه حدها ونمسك عليه بعارها]. وهذه امرأة تقول لـ عائشة: إن رجلاً أخذ بساقها وهي محرمة، فقالت: حجراً حجراً حجراً، وأعرضت بوجهها وقالت بكفها، ثم قالت عائشة: [يا نساء المؤمنين إذا أذنبت إحداكن ذنباً فلا تخبرن به الناس، ولتستغفر الله، ولتتب إليه فإن العباد يعيرون ولا يغيرون، والله يغير ولا يعير].

تقسيم العصاة إلى مستور ومفضوح

تقسيم العصاة إلى مستور ومفضوح قال ابن رجب في تفصيل الكلام الذي مضى حتى لا يظن بعض الإخوة أن هذه دعوة لترك الفساد والمنكرات، وتهوين شأن أهل الحسبة والهيئات، والتثريب عليهم فيما يفعلون من الإمساك بالعصاة- يقول ابن رجب في تفصيل هذه المسألة: واعلم أن الناس على ضربين: أحدها: من كان مستوراً لا يُعرف بالمعاصي، فإذا وقعت منه هفوة أو زلة فإنه لا يجوز له هتكها ولا كشفها ولا التحدث بها؛ لأن ذلك غيبة محرمة، وهو الذي فيه النصوص، ومثل هذا لو جاء تائباً نادماً وأقر لم يُفسر ولم يُستفسر منه، بل يُؤمر بأن يرجع فوراً ويستر على نفسه. وأما الثاني: فمن كان مشهوراً بالمعاصي، مُعلناً بها، داعياً إليها، لا يبالي بما ارتكب منها، ولا بما قيل له في هذا، فذاك الفاجر المعلن وليس له ريبة كما نص على ذلك الحسن البصري وغيره. أيها الأحبة! ينبغي أن نفرق فمن الناس من يقع في زلته الأولى أو خطيئته أو مشكلته التي وافقت أنها وقعت في يد أو في علم أو في اطلاع واحد من أهل الخير، الواجب حينئذٍ إذا لم يُعرف عن الرجل أنه من أهل الفساد ولا من أهل المعاصي ولا من الدعاة إلى الشر ولا من الدعاة إلى الخطيئة؛ فالواجب زجره بالموعظة، وتوبيخه بالنصيحة، والقول البليغ في حقه لعله يرتدع وينزجر ويُخوف، ثم بعد ذلك يُستر عليه حتى لا نتفاخر بأن كثيراً من المسلمين وقعوا في المعاصي، أو حتى لا يفشو أن هذا المجتمع قد بلغ به الفساد حتى فيمن يُظن بهم الخير. أما من كان داعية إلى المعصية، مروجاً لها، ناقلاً لها، مزيناً لها، كما يفعله بعض العصاة، تجده يعصي ويهتك ستر الله عليه ويجاهر ويأتي بالصور من الخارج، ويقول: هذه صورة مع الراقصة، وهذه صورة مع فلانة، وهذه صورة شرب، وهذه صورة منكر، وكنا في كذا، وفعلنا يوم كذا وكذ وكذا وطربنا وشربنا ورقصنا وسافرنا ورأينا وفعلنا وسهرنا وو الخ ثم يحض على المعصية ويدعو إليها، فذاك لا ينبغي تركه إذ أنه سوسة نخرة وسرطان في بدن الأمة فلابد من بتره وقطعه، إن لم تُفد فيه المواعظ والنصائح. قال الإمام مالك: "من لم يعرف منه أذىً للناس وإنما كانت منه الزلة فلا بأس أن يُشفع له ما لم يبلغ الإمام، وأما من عُرف بشر واشتهر به، أو فساد وعرف به فلا أحب أن يشفع له أحد، ولكن يترك حتى يُقام عليه الحد" حكاه ابن المنذر وغيره. وقد ذكر النووي: أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به، أي: قد تكون في الرجل أمور من الفسق، فأمور جاهر بها وأمور سترها، فالأمور التي هي من الفسق التي سترها لا يجوز أن يعير بها جهاراً، والأمور التي من الفسق جاهر بها يعير أو يؤخذ بها جهاراً، وهذا من تمام الفقه والعلم. وإن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إليه المعترفون بأنفسهم، يأتيه ماعز، فيقول: يا رسول الله، زنيت فيدفعه ويقول: (لعلك قبلت، فيأتيه مرة أخرى فيقول: لعلك فاخذت فيأتيه مرة أخرى فيقول: لعلك كذا ثم يقول: انظروا بصاحبكم هل تشمون منه خمراً، أتعرفون عنه جنوناً؟) إن الإسلام لا يتشوف إلى هتك الأستار. بعض الناس يظن أن هذا الدين يتعطش لقطع الرقاب وقطع الأيدي، وأن الدين يتعطش لبطح الناس عند المساجد وجلدهم، وأن الدين يتعطش لفضح الناس أمام الملأ والمجامع، لا، ليس هذا من مقاصد الشريعة، بل إن من مقاصد التشريع الستر على الناس إلا من كان فاجراً ساعياً بالفساد بين المؤمنين فذاك رجل ينبغي أن يبعد وأن ينتبه لفسقه وشره. وإني أسأل الله جل وعلا بأسمائه وصفاته واسمه الأعظم أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعل هذه الكلمات حجة لنا لا حجة علينا. ويا أيها الأحبة! أقولها مراراً: إن هذه الصحوة خاصة، والمسلمين عامة بحاجة إلى تربية في السلوك، إننا بحاجة إلى حُسن الخلق، إننا بحاجة إلى حُسن المعاملة، إن الأزمة أزمة معاملة والأزمة أزمة أخلاق، والمصيبة مصيبة أن كثيراً منا قد تعلم شيئاً كثيراً ولكن يجهل كثيراً من الخلق وحسن المعاملة.

الأسئلة

الأسئلة

ضوابط في التعامل مع الوالدين

ضوابط في التعامل مع الوالدين Q فضيلة الشيخ سعد! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشهد الله أني أحبكم في الله، فضيلة الشيخ إني سلفي العقيدة، ولكن والدي ووالدتي يقعون في البدع ويحثوني عليها، وعلى الابتداع، وقد تعبت معهم في النصيحة حتى أن والدي ووالدتي يغضبان عليّ كثيراً لأنني سلفي، فماذا تنصحونني جزاكم الله خيراً؟ A يا أخي الكريم! أسأل الله أن يحبك كما أحببتنا فيه، وإن من المصيبة أن يجد الإنسان من والديه وأقاربه أو جماعته من يصرون بإمعان وعناد على بعض البدع والأخطاء والضلالات. أما من الوالدين فإن الله جل وعلا يقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] بمعنى: أن أخطاءهم وبدعهم التي يقعون فيها لا تمنع من برهم، بل لا تسقط وجوب البر بهم، فواجبك أخي الكريم أن تأخذهم بالحسنى وباللين، وأن تسألهم حينما يدعوانك إلى بدعة من البدع أن تقول: ماذا تبتغون من هذه البدعة؟ يقولون: نريد الأجر والمثوبة. فتقول لهم: من الذي قال: إن فيها أجراً ومثوبة؟ فيقولون: إما أن ذلك عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم. فتقول: ولكن هذا لم يرد عن الله ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ذلك مما ورد إما في الحديث الموضوع أو المكذوب أو في استنباط بعض الذين يستحسنون بعقولهم من الدين، وإنما الدين توقيف وعبادة واتباع وليس ابتداع، وإذا كنتم تريدون الأجر فعليكم بما كان عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. وأن تأخذهم باليُسر واللين والحكمة والموعظة الحسنة، لا تقل: يا أمي أنا سلفي وأنتي مجرمة، ويا أبي أنا سلفي وأنت كذا لا، إنما تأخذهم بالحسنى واللين، وداوم، بعض الناس يقول: نصحت فما استجيب لي. وإذا سألته كم مرة نصحت؟ قال: مرتين ونصف! يا أخي الكريم إذا كان أمر والديك يهمك بعناية واهتمام شديد، فإنك لن تألو جهداً في أن تصل إلى قلبيهما والتأثير عليهما بكل وسيلة من وسائل البر والهداية واللطف والكلمة الطيبة عسى الله أن يمنّ عليهم بالهداية، وإذا لم تتحقق الهداية المرجوة، فإن الله جل وعلا قد قال لنبيه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] النبي كان يحب أن يموت أبو طالب على الإسلام، لكن أبا طالب مات مشركاً، خلافاً لما تزعمه بعض طوائف الضلال الذين ألفوا كتاباً وأسموه " أسنى المطالب في إسلام أبي طالب " ويدَّعون أنه من المسلمين.

نداء من البوسنة

نداء من البوسنة قبل هذا السؤال أخي الكريم! نداء جميل وطيب من إخواننا في مكتب الهيئة العليا، مفاده: أن إخواننا غير خافٍ عليكم ما يمر بهم في هذه الأيام من تسلط أعدائهم الكروات وأعدائهم الصرب وما هم فيه من مشقة في أحوالهم سواءً في مساكنهم أو في البرد الذي يمر بهم، أو مرض أطفالهم، أو موت عجائزهم وشيوخهم وكبارهم، لذا نهيب بإخواننا أن يتبرعوا لوجه الله جل وعلا، وكل في ظل صدقته يوم القيامة {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14 - 15] فأعينوا إخوانكم. وإني أبشركم -أيها الأحبة- أن الوضع منذ أشهر وليس منذ أسابيع قد تحول لصالح المسلمين في البوسنة والهرسك، وخذها قاعدة: إذا رأيت المفاوضات الدبلوماسية في أوروبا نشطة ومتحركة ومتتابعة لحل أزمة البوسنة والهرسك؛ فاعلم أن المسلمين في تقدم، إذا كان الكفار يذبحون في المسلمين تجد أن هذه المفاوضات تمشي مشي السلحفاة؛ أما إذا كانت الكفة لصالح المسلمين، فإن المفاوضات تمشي عجالاً، على الأقل يكسبون وقف إطلاق النار وهذا الكلام أنقله بما عرفت من كثير من المسئولين في حكومة البوسنة، ومنذ قرابة أسبوع جاءني أحد الشباب من أكثر من مدينة من سراييفو ومن جراشتا ومن زنيتسا ومن مستار ومن زرنيك ومن غيرها ويقول: إن الأوضاع لصالح المسلمين، إلا أن المسلمين في هذه المرحلة يركزون أولاً على القضاء على الكروات لماذا؟ لأن الكروات متداخلون مع المسلمين في كل شارع وسكة وطريق ومحل، وهؤلاء الكروات هم الذين دائماً ينقضون العهد ويدلون الصرب على المسلمين ويحددون المواقع، وهم شوكة في حلوق المسلمين في كل مكان؛ لأجل ذلك كانت الاستراتيجية الجديدة: القضاء على الكروات أولاً ثم تصفية الصرب ثانياً. ولذلك المعارك الآن بنسبة كبيرة جداً لا تقارن بين الكروات والمسلمين أكثر منها بين المسلمين والصرب. الأمر الآخر: أن كثيراً من الصرب ولله الحمد والمنة -وهذه بشارة- صاروا يبيعون الأسلحة ويبيعون الذخيرة، عندك مال أعطه الثقات أو اذهب أنت بنفسك معهم فهم مستعدون أن يجعلوك تقابل قائداً صربياً يبيعك دبابة ويبيعك ذخيرة ويبيعك أسلحة ويبيعك ناقلات، بل إن بعض قوات الأمم المتحدة يبيعون الوقود، بل قال بعضهم لأحد ضباط الأمم المتحدة: أما تخشى أن يعلم رؤساؤك بك؟ قال: إذا علموا فذلك ما كنت أبغي؛ لأني بعت لكم معاشر المسلمين من الوقود الشيء الكثير بأموال أتمنى أن أُفصل بسببه من الخدمة فأستمتع بالأموال التي جمعت! أكثر ما عندهم أن يعطوا عقوبة أو سجن أيام أو أشهر ثم يعود ليستمتع بالأموال التي جمعها، قال: وبقائي في المعركة خطأ، ولذلك إذا رأيتم الأعداء يبيعون السلاح ويتاجرون بأسلحتهم فاعلموا أن واقع المسلمين في خير، خاصة بعد تلك المحاولة الناجحة التي قادها عدد من الشباب العرب المسلمين، واستطاعوا أن يختطفوا نائب القائد الكرواتي في ليلة ليلاء، كما ذهب محمد بن مسلمة وجر كعب بن الأشرف من معصمه واستنزله من عُصم منزله، وأخذوا ذلك القائد ودخلوا به أسيراً، وأبلغوا قوات الأمم المتحدة، فجاءت الأمم المتحدة تفاوض على إخراجه قالوا: لا نسلمه لكم إلا رأساً على طبق إن لم تخرجوا لنا إخواننا الأسرى من العرب وغير العرب، وفعلاً تمت عملية المبادلة وسجلت بالفيديو وثائقياً ورأيتها بعيني. بعد تلك الحادثة أصبح كل مجموعة من الشباب يشتهون أعمالاً ومغامرات جميلة، الذي يذهب ويسرق له (نقيباً)، والذي يسرق له (ملازماً أول)، والذي يخطف له (ضابطاً) فقط، وآخر يذهب ويخطف (عريفاً) أو (جندياً) فيقولون: لم تأت بشيء، احضر واحداً محترماً! فالحاصل أن إخوانكم بحمد الله في تقدم. وأيضاً يقول أحد المسئولين في الحكومة البوسنية: قتلى الصرب من العسكريين أكثر من قتلانا العسكريين المسلمين، وقتلى المسلمين المدنيين أكثر من قتلى الصرب المدنيين لماذا؟ لأن الصرب في المعارك يموت منهم الكثير والمسلمون لا يضربون على مواقع مدنية آمنة، لكن الصرب يضربون المدينة ضرباً بالصواريخ وبالطائرات حتى تكون خراباً يباباً ثم يتجولون في الأسواق ويقولون: انتصرنا هذا ليس انتصار! مدينة تُضرب بالطائرات والمدافع الثقيلة سبعة أيام أو عشرة أيام ثم يدخلها الصرب يرفعون السلاح وهي مدينة فارغة! هذا كالذي قال: أنا قتلت ذلك الضابط. قال: لماذا لم تقطع رأسه؟ قال: وجدت رأسه مقطوعاً. فليست شجاعة أن يفتخروا أو يعدوها شجاعة في الانتصار على مدن فارغة خالية ليس فيها من الجنود أحد، والخلاصة وما وصلنا إليه أن تتبرعوا والصناديق عند الأبواب جزاكم الله خيراً.

حكم هجر القرآن خشية النسيان

حكم هجر القرآن خشية النسيان Q إن كثيراً من الشباب يقول: أنا لا أريد أن أحفظ شيئاً من القرآن مخافة أن أنساه، وقد يكون الشباب في سيارة فعندما يريد أحدهم أن يشغل جهاز التسجيل على القرآن يقول الآخر: نشغله على الأناشيد لأن القرآن لن ننصت له فما هي نصيحتكم لهؤلاء الشباب؟ A أولاً: يا أخي الكريم! هذه ملاحظة في بعض الأسئلة: "السماحة" لمن بلغ هذه الدرجة وهو سماحة الشيخ عبد العزير بن عبد الله بن باز أو من كبار العلماء كالشيخ ابن عثيمين متع الله بهم على طاعته، أما شأني وشأنك فقل: يا أخي، وعسانا أن نبلغ درجات الأخوة، كلمة "الشيخ" أيضاً كبيرة و"فضيلة" و"صاحب الفضيلة هذه كلها كبيرة، فيا أخي الكريم ينبغي أن نعرف قدر بعضنا ببعض، ووالله لو مدحتني أو مدحتك كل منا أدرى بذنوبه وبعيوبه {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14]. أما ما يقوله البعض أنه يُعرض عن القرآن مخافة أن ينساه، نقول: أنت احرص على حفظه واحرص على مراجعته، وإذا تفلت منك شيء فإنك على قدر جهدك تؤجر بإذن الله جل وعلا ولن تكون من الآثمين، إنما الذي يأثم من يُعرض عن القرآن ويقبل على غيره -والعياذ بالله- مع إمكانه أن ينال من القرآن خيراً عظيماً: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة:61] نشتري لهو الحديث ونعرض عن القرآن، ونقول: إننا لو نسينا القرآن لأثمنا، ذلك من الفهم المنكوس المعوج! وقول الآخر: نسمع الأناشيد حتى لا نأثم في الانشغال عنها، نقول: اسمع القرآن وأنصت له يا أخي، وإذا بدا لك حديث فلو أوقفت المسجل وتحدثت مع من بجوارك وعدت إلى ذلك، ومن عود نفسه على شيء نفعه بإذن الله وإن كلام الله أوثق شافع وأغنى غنى واهباً متفضلا وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبض على جمر فتنجو من البلاء ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديماً وهطلا ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا نعم ننصت للقيل والقال والكلام الزائد والناقص وقلّ إنصاتنا عن كلام الله، (ولكنها عن قسوة القلب قحطها) لو كانت القلوب لينة، ولو كانت المذاقات سليمة، لما ابتغت عن كتاب الله بديلاً، فنسأل الله أن يحبب إلينا وإليكم كلامه وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم.

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المحادثة والسماع والمزاح

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المحادثة والسماع والمزاح Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه فتاة تبلغ من العمر عشرين سنة، ولقد رزقها الله بشاب صالح ولله الحمد، وسؤالها هو: إن زوجها -هداه الله- دائم الذكر لا يفتر عن ذكر الله حتى مع والديه، في أي محل وفي أي مكان، ولا يدع لها مجالاً في التحدث معه، بل يقول: اذكري الله، وإذا ركبت السيارة يذكرني بالله، وإذا أردت أن أتحدث معه قال لها: يا امرأة اتقي الله ودعكِ من الدنيا. ولا يحدثها محادثة الزوج مع زوجته فهل من نصيحة جزاكم الله خيراً؟ A والله نقول لأخينا هذا: أسأل الله أن يجعلنا وإياك وزوجتك والسامعين والسامعات من الذاكرين الله والذاكرات، ونقول: إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الصحابة ذكراً ومع ذلك كان يمازح صحابته، ويحدث صحابته، ويكلم عائشة ويؤانس زوجاته، ويتحدث معهم، ويداعب الصبيان ويلاعبهم ويحملهم ويسلم عليهم. فما أظنك وما أخالك يا أخي ستكون أبلغ وأكمل هدياً وسمتاً من نبيك صلى الله عليه وسلم؟! تقول عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في بيته في حاجة أهله، يخصف نعله، ويحلب شاته، وإذا دُعي أو أقيمت الصلاة قام كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه). كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمازح الصحابة ويتحدث معهم، كان يستمع الشعر، وقال ذات يوم لـ أبي بكر الصديق: يا أبا بكر هل معك من شعر أمية من شيء؟ قال: نعم. قال: هيه -أي: أسمعني- فأسمعه بيتاً. ثم قال: هيه! فأسمعه ثانياً، فقال: هيه! فأسمعه ثالثاً، حتى أسمعه مائة بيت، فقال صلى الله عليه وسلم: (كاد أمية أن يُسلم، أسلم شعره وكفر قلبه) وكان صلى الله عليه وسلم يسمع الشعر، ولما جاءه كعب بن زهير يغنيه قصيدة غزلية في المسجد: بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول أتى بقصيدة كلها غزلية، فما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اذكر الله اذكر الله لا تسمعنا، اذكر الله اذكر الله، بل سمع القصيدة حتى بلغ قوله: نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول إلى أن قال: وقال كل خليل كنت آمله لا ألهينك إني عنك مشغول قصيدة جميلة واستمع لها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم ربما تمثل شيئاً من الشعر فلا يستطيع، كان في غزوة بدر وهو من الشجعان الكارين على أعداء الله في الجهاد في سبيله، يلتفت وبجواره أبو بكر الصديق فيقول صلى الله عليه وسلم: ونفلق هاماً ويقف لا يعرف بقية البيت، فيقول أبو بكر: ونفلق هاماً من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما وذات يوم أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمثل بشعر العباس بن مرداس السلمي الذي صفته الحقيقة: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس يفوقان عباس في مجمع فالنبي يريد أن يتمثل بهذا فيقول: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع فيقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أشهد أنك لرسول الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69] أي: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم بيتاً شعرياً كاملاً على حله بكماله وتمامه، وذلك لأن الله قال: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:69]. فيا أخي الكريم! هذا رسول الله يسمع الشعر ويقول جزءً أو شطراً من البيت، ويحدث أصحابه، ويؤانس أهله، ويسلم على الصبيان ويداعب الصغار وما قال: إني مشغول عن هذا كله. فأسأل الله لي ولك مزيداً من الذكر، ولكن اعط زوجتك حقها، فإن لأهلك عليك حقاً، وإلا يُوشك أن تنفر منك هذه الزوجة، ثم الله يعينك على المشروع الخيري لمساعدة المتزوجين متى سيصل دورك!

الحياء لا يأتي إلا بخير

الحياء لا يأتي إلا بخير Q شيخنا الفاضل! غفر الله لك، إني أحبك في الله، وسؤالي: إني إذا سلمت على بعض الناس أنزل رأسي في الأرض حياءً منه، فهل هذا من سوء الخلق؟ A الحياء لا يأتي إلا بخير، بعض الناس تجد عنده حياءً لدرجة أنه لا يستطيع أن يلقي بعينه في عين من حدثه، إذا كان هذا من باب الحياء، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يُكثر على صاحبه في الحياء، فقال: (دعه، لا تكثر عليه، إن الحياء لا يأتي إلا بخير). فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء فالحياء كله خير، ومن الناس وأنا أعرف أناساً فعلاً فيهم خجل عجيب وعجيب جداً، وكان صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، كان صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- من أشد الناس حياءً، والله يا إخواني نحن ربما أهمتنا سير بعض المتأخرين والمتقدمين، ولكننا نجهل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، نحن بأمس الحاجة إلى أن نقرأ دقائق تفاصيل سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإنك والله إذا قرأت سيرته لتشعر أنك تعيش معه وتعيش بجواره، وتنظر إلى عذوبة لفظه وطيب أخلاقه ولين معشره وحلاوة كلامه صلى الله عليه وسلم، يقول أنس بن مالك: [خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما نهرني ولا كهرني، وما قال لي فيما فعلت: لمَ فعلت؟ وما لم أفعل: لم لم تفعل؟] وكان يقول: (يا أنيس) يداعبه ويلاطفه بالكلام الطيب صلى الله عليه وسلم. فالحياء كله خير ولكن كان صلى الله عليه وسلم أشد الرجال وأقوى الرجال وأشجع الرجال وأغير الرجال إذا انتهكت محارم الله جل وعلا، بعض الناس يعد من الحياء أن يترك قوماً لا يشهدون الصلاة، يقول: تركتهم حياءً منهم، ويجد أناساً على منكر فيتعداهم ويقول: استحيت أن أنصحهم، ويجد آخرين يقترفون المعصية ويتركهم ويقول: حياءً منهم لا، ليس هذا من الحياء ألبتة.

ضوابط في التعامل مع العصاة

ضوابط في التعامل مع العصاة Q أنا إنسان بيني وبين أشخاص غير ملتزمين بالدين خصومة، فهل أرجع لهم وأصالحهم؟ A والله يا أخي الحبيب هناك فرق بين الخصومة والمجالسة، نحن حينما نقول: أن يكون الواحد طيب البشر لين الجانب يخفض الجانب لإخوانه حتى للعصاة من باب تحبيب قلوبهم إليه ودعوتهم بالحسنى لا يعني ذلك أن يجالسهم مجالسة المتلذذ المتأنس بمعاصيهم ومنكراتهم، أقوام يعصون الله جل وعلا تمر عليهم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وابتسامة طيبة، وكيف حالكم، وكيف أولادكم؟ يا إخواني أوما تعلمون أن الله حرم هذا؟ يا أحبابي! أوما تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، يا أحبابي أوما تخشون الله جل وعلا، إن الله متعكم بكلام طيب، فإن بعض الناس بمجرد أن يرى نصيحة ينتهي عن المنكرات. لا يا أخي الكريم! حين تجد مثل هؤلاء فتخالطهم من باب دعوتهم إلى الله جل وعلا، أما مخالطتهم والأنس بهم، تتعشى معهم وتسهر معهم، وذهاب وإياب، أصبحت هذه مجالسة ومخاللة، اتخذتهم أخلاء، وتلك خطورة عظيمة والعياذ بالله. انتبه لنفسك وفرق بين هذا وهذا، فرق بين المقابلة والمعاشرة، المعاشرة والمصاحبة شيء، والمقابلة باللين والحسنى شيء آخر، فأصحابك هؤلاء إن أردت أن ترجع إليهم مرة أخرى من باب النصيحة، وتعود معك بطالب علم أو بشريط أو بكتاب، أو إخوة يعينون على نصحهم فيا حبذا، وأنت أدرى بنفسك، لئن كان جسمك بالبنزين مبللاً فلا ترجع إلى مواقع يتطاير منها الشرر، فربما انفجر الحريق في بدنك، وإن كنت تعلم أن المعاصي جفت من بدنك تماماً وأنك بعد الآن عندك حصانة وسلامة من الاحتراق بإذن الله، قوي في إيمانك وفي نصيحتك فلا بأس أن تغدو إليهم وعليهم وتنصحهم، ولكل مقام مقال، وصاحب المقام هو الذي يفسر ما يحتاج إليه المقام من عبارة وتصرف.

الصلاة

الصلاة من توقير الله وخشيته إقامة الصلوات والمحافظة عليها جماعة، ولكن الناظر إلى حال الأمة يجد التهاون في إقامتها بل وأحوال سيئة لا ينبغي أن يكون عليها المصلون. في هذا الدرس تجد الشيخ قد تحدث عن ذلك؛ إضافة إلى رسالة الشيخ ابن باز في الصلاة، والتحذير من تركها جماعة.

توقير الله وخشيته

توقير الله وخشيته إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته، فهو الخالق المدبر المتصرف المحيي المميت الرازق الباسط الخافض المعز المذل، بيده كل شيء وهو على كل شيءٍ قدير. هو الواحد في ربوبيته وألوهيته، فالصلاة له والسجود له، والحلف به، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والحاجة فيما عنده، والرغبة في ثوابه، والرهبة من عقابه، وكل عبادةٍ دقت أو جلت فهي لوجهه سبحانه، لا يجوز صرفها لغيره. أشهد أن لا إله إلا الله واحدٌ في أسمائه وصفاته، فله الأسماء الحسنى، والصفات العلى، نثبتها له سبحانه على الوجه الذي يليق به، آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، كان بنا براً رءوفاً رحيماً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، واعلموا أن التقوى: العمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل. اعلموا أن التقوى: أن تعبد الله على نورٍ وهديٍ من الله ورسول الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، لخوفٍ وخشيةٍ من الله جل وعلا، وأن تتجنب ما يُسخط الله جل وعلا، تعظيماً لجلال الله، عرفاناً بقدر الله جل وعلا: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13]. أين النفوس التي تعرف الوقار للبشر، ولا تعرف الوقار لرب البشر؟! أين النفوس التي تعرف الهيبة من الرجال ولا تعرف الهيبة من رب الرجال؟! أين النفوس التي ترتعد فرائصها من ذكر فلانٍ وعلان ولا تضطرب خشيةً أو خشوعاً لذكر الله جل وعلا؟! يخوفونك بالذين من دونه فتخاف ويخوفونك بالله فلا تخشى؟! حاشا وكلا، معاذ الله أن يقوم في النفوس خوفٌ للبشر أعظم من الخوف من الله! معاذ الله! أن يقوم في النفوس رغبةٌ ورهبةٌ وإنابةٌ لبشرٍ أعظم وأكبر من الرهبة والإنابة من الله جل وعلا!: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:102] هو أهلٌ أن يُخشى وأهلٌ أن يُذكر فلا ينسى، وأهلٌ أن يُطاع فلا يعصى. سبحانك ربنا! ما عبدناك حق عبادتك، سبحانك ربنا! ما شكرناك حق شكرك، سبحانك ربنا! ما أحلمك على عبادك، سبحانك ربنا! ما أوسع مغفرتك ورحمتك، كتب ربكم على نفسه الرحمة ورحمته سبقت غضبه، ومننه على العباد متتابعة، ومعاصي العباد إليه مرفوعةٌ متتابعة، ومع ذلك فهو يستر ويغفر ويقول لعبده: هلم إليّ عبدي، ويقول تعالى في محكم كتابه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53].

ترك صلاة الجماعة ينافي التوقير

ترك صلاة الجماعة ينافي التوقير معاشر المؤمنين! إن كثيراً من الذنوب والمعاصي التي يقترفها كثيرٌ من الخلق في هذا الزمان، الباعث على تسلطها في نفوس أصحابها ألا وقار ولا هيبة حق الهيبة والخشية من الله جل وعلا، والدليل على ذلك أن الواحد من البشر ربما استحى أن ينظر إليه خادمه وهو يقارف معصيةً من المعاصي، ولا يستحي من رب العباد! ربما أحدهم يتوارى عن الطفل والمرأة والصغير عند ذنبٍ من الذنوب، ولا يبالي بأن الله لا يعزب عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولا في السماء، وإن من الذنوب والمعاصي، التي عم البلاء بها في هذا الزمن من كثيرٍ من المسلمين ترك الصلاة مع الجماعة، تلك الفريضة الجليلة التي تلقاها النبي في المعراج من ربه بلا واسطة، تلك العبادة الجليلة التي هي مقياس الإيمان والنفاق في نفوس الناس، وكثيرٌ من العباد ونعوذ بالله أن نكون منهم في عداد المنافقين ولا يعلمون، لأن من صفات المنافقين التهاون بالصلاة، لا يذكرون الله إلا قليلاً: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]. والنفاق معاشر المؤمنين! من أعظم الدلالات عليه: أن يجد العبد في نفسه تثاقلاً عند القيام إلى الصلاة، نعم فالصلاة كبيرة وعظيمة إلا على الخاشعين: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] عظيمةٌ جداً ثقيلةٌ على النفوس التي تتكلفها. أما الذين يجاهدون نفوسهم لأجلها، أما الذين يجدون حرباً مع الشيطان عند القيام إليها، فأولئك على دلالة خير، لأن المجاهدة سبيل الهداية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

حال الناس مع الصلاة جماعة

حال الناس مع الصلاة جماعة الصلاة مع الجماعة أمرٌ تَساهل به كثيرٌ من الناس، ولو صلى الناس كلهم الصلاة مع الجماعة ما رأيت في مسجدٍ موطأ قدمٍ خالٍ من مصلٍ راكعٍ أو ساجدٍ أو مسبحٍ أو خاشع، ولكن الصلاة تشكو إلى ربها قلّةَ عمارها! اشتغل الناس بدنياهم، اشتغل الناس بأعمالهم، اشتغل الناس بتجارتهم، تزخرف القوم لمجالسهم، تبسم القوم لبعضهم في مجالس لهوٍ وغفلة وطرب. وكثيرٌ من الناس اشتغل بملهاةٍ لا تنفع ولا تشفع، وثقلت عليه الصلاة، إذا سمع النداء تثاقلت نفسه واضطربت، لا خشيةً أو خشوعاً، وإنما ضعفاً وخموداً وكسلاً، وحينما يسمع عزفاً لمطربٍ يهواه، أو لقينةٍ يطرب لأغانيها، اضطرب وتهلل وجهه، وصدق ابن القيم رحمه الله فيما أورد في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، حيثُ قال: تلي الكتاب -القرآن- وسُمع النداء وارتفع الأذان: تلي الكتاب فأطرقت أسماعهم لكنه إطراق ساهٍ لاهي وأتى الغناء فكالحمير تراقصُوا والله ما طربُوا لأجل الله دفٌ ومزمارٌ ونغمة شادنٍ فمتى رأيت عبادةً بملاهي ثقل الكتاب عليهمُ لما رأوا تقيده بأوامرٍ ونواهي ورأوه أعظم قاطعٍ للنفس عن لذاتها يا ذبحها المتناهي نعم كثيرٌ من الناس عند الصلاة إن قام إليها قام وليس مقامه قول القائل: أرحنا بها، وإنما يقول: أرحنا منها أرحنا منها، أقمها وانقر ركوعها، واستعجل سجودها، ولا تخشع في أركانها، ولا تطمئن في صفاتها وأوضاعها، دعنا ننتهي منها، هذه عبادة المتخلصين، هذه عبادة الذين يتبرمون، وإن مثل هذه العبادة لا تنفع صاحبها.

مصلون ولكن

مصلون ولكن إن العبادة الحقة هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]. ما بال بعض المصلين يرابي في البنوك! أين الصلاة التي تنهاه عن المنكر وتأمره بالمعروف وتزجره عن الفحشاء؟! ما بال بعض المصلين! العبث واللهو والمجون في بيته؟! ما بال بعض المصلين يصلي مع الناس في المساجد، ولسانه سليطٌ حاد على أولياء الله والدعاة إلى الله؟! ما بال بعض المصلين يصلي في المسجد أو يصلي كما ينقرها من يصلي، وتراه والعياذ بالله في وادٍ وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في وادٍ؟! لسانه مولع بالشتيمة، وقلبه مشربٌ بالفساد، وروحه متعلقةٌ بالمال، وأقصى أمانيه عرضٌ من الدنيا يسير، ومتاعٌ زائل، وحطامٌ فان! أهذه الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر؟! أين الصلاة يا عباد الله! أرونا صلاةً عند كثير من إخواننا في هذا الزمان؟! معاذ الله! أن نكون أمةً أوتينا النعم، فقابلناها بالجحود، وأوتينا الهدى، فقابلناه بالضلالة، وتبصرنا الصراط فتنكبناه إلى الغواية. معاذ الله! أن نكون أمةً أخذت الذي هو أدنى بالذي هو خير، نعوذ بالله أن نكون كذلك.

حال السلف مع الصلاة

حال السلف مع الصلاة إن عروة بن الزبير رضي الله عنه أصابته الآكلة -داءٌ يسري في شيءٍ من أطراف البدن- في بدنه، وفسد لحم رجله، وأصبحت على حالٍ من الضعف والمرض لابد من قطعها وبترها. قال الأطباء: يا عروة لو شربت مسكراً يزيل عقلك قليلاً حتى نقطع رجلك في حالٍ لا تشعر بها، فقال: [معاذ الله! أن أتداوى بحرام، إن الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها!!]. فقالوا: لو تناولت شيئاً يغيب عقلك قليلاً (البنج ونحوه) فقال: [لا أغفل ساعةً عن ذكر الله أبداً] فقالوا: إن الآكلة تسري في جسدك ولابد من قطع رجلك، فماذا ترى؟ قال: [أنظروني! فإذا دخلت في الصلاة واستغرقت فيها فافعلوا ما بدا لكم] فلما دخل في صلاته واستغرق فيها واتصل بأسباب السماء، وغاب عن شهود أمور الدنيا، جاءوا إليه بسكينٍ كالجمر قد حميت على النار، تلتهب لما حولها، فوضعها على اللحم من ساقه، فجعلت اللحم يذوب في لحظات حتى بلغت العظم، ثم أتوا بالمنشار، وقد حمي أيضاً على النار، وجروا المنشار على عظم ساقه، فقطوعها، ولما بلغ المنشار نخاع ساقه، غُشي عليه رحمه الله. فلما أفاق وقد رأى ما بقي من رجله قد جُعل في زيتٍ وضمد من جراحه، قالوا: قد قطعنا رجلك، فقال: ائتوني بها، فلما جئ بها إليه، أخذها بين يديه وقبلها وقال: [الحمد لله أني لم أمش بها إلى فاحشة، الحمد لله أني ما مضيت بها إلى معصية]. لعمرك ما أدنيت كفي لريبةٍ ولا سبقتني نحو فاحشةٍ رجلي هكذا كان شأن الأوائل! كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى سمعوا له ولصدره أزيزاً كأزيز المرجل، وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً أسيفاً، إذا صلى بالقوم في جهريةٍ بكى في صلاته، فلا يسمع الناس صوته من نشيجه وبكائه، وصلى عمر فلما بلغ قول الله جل وعلا: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:8 - 10]. سقط وعاده الناس أسبوعاً في بيته، هكذا كانت القلوب، وهكذا كانت إقامة الصلاة، وأما في هذا الزمن، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به!

واقع صلاة الفجر جماعة

واقع صلاة الفجر جماعة أين الناس في صلاة الفجر؟! ما الذي أخرهم عنها؟! ما الذي شغلهم عن صلاة الفجر؟! مسلسل! فلمٌ من الأفلام! شريطٌ من الفيديو! عبثٌ في البلوت! ماذا ترك الناس من الخير والفضل لأجل سهرٍ لا فائدة فيه. يسهر كثيرٌ من الناس، ويجعلون ساعاتهم مصوبةً عند وقت الدوام، أما الساعة السابعة فهي ساعةٌ مقدسة، لا يُمكن عند بعض الناس أن يتزحزح عنها أنملة، لا يستقدم عنها لحظةً ولا يتأخر عنها، أما صلاة الفجر، فالله المستعان!! والله يا عباد الله! لو أن الناس يعاقبون على التهاون بترك الصلاة مع الجماعة، ولو بلفت نظر، في ملف وظيفته، ويكون حضوره الصلاة مع الجماعة مقياسٌ وشهادةٌ وضابطٌ لترقيته، ولعلاوته، ولتقليده المهمة، ولتوليته المنصب، ولأجل ترفيعه من رتبة إلى رتبة، لو يجدون عرضاً قريباً أو سفراً قاصداً لحضروها، ولكن لأن الصلاة لا تجد من يسأل عليها، ولا تجد من يناقش لتركها.

إقامة الصلاة دليل التمكين

إقامة الصلاة دليل التمكين تساهل كثيرٌ من الناس بالصلاة، ونحن أمة أُمرنا بأن نقيم الصلاة، وما مُكنا في الأرض إلا لإقامة الصلاة، وإن تركنا إقامتها بالمعنى الشرعي فحريٌ -ومعاذ الله أن نكون كذلك- أن يُزال عنا ما نحن فيه من تمكين: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41]. نعم، إن كنا نريد مزيداً من الطمأنينة، ومزيداً من الحفظ، ومزيداً من التأييد والنعم، فعلينا بإقامة الصلاة: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132]. أن يأمر كل واحدٍ منا ولده، وأهل بيته، أن يكون لبيوتنا صوتاً وجلبة، وصوتٌ للدعاء إلى هذه العبادة مع صلاة الفجر، أما حينما ترى الناس في الفجر من جهة هذا الصوب واحدٌ يمشي، وآخرٌ يمشي في ستر الظلام، وثالث ينحطُ مسرعاً، والله إن الواحد حينما يرى الناس آحاداً فرادى، غرباء في ساعة الفجر، يمرون في هذا الشارع إلى المسجد، إنك لتدعو الله لهم، وتقول: أسأل الله أن ينور وجوههم بطاعته، وتقول: (بشر المشائين إلى المساجد في الظلم، بالنور التام التام عند الله يوم القيامة). ولكن ما أقل المشائين إلى المساجد في الظُلم، أين المشاءون إلى الملاعب؟! مئات الآلاف! أين المشاءون إلى الأسواق؟! مئات الآلاف! اين المشاءون إلى الملاهي؟! مئات الآلاف! أين المشاءون إلى المساجد تعدهم على رءوس الأصابع!! وأكبر دليلٍ على هذا أن تحصر عدد السكان في حيك، وانظر عدد المصلين تجد (30%) من أعضاء الحي لا يصلون أبداً، صلاة الفجر لا يشهدونها وبقية الصلوات قد يصلونها في البيوت، وهذا تركٌ لسنن الهدى، والصلاة مع الجماعة من سنن الهدى، ومن تركها فقد ترك هدى المصطفى صلى الله عليه وسلم.

عذر من يتركون صلاة الجماعة

عذر من يتركون صلاة الجماعة الذين لا يشهدون الجماعة في المسجد، نسألهم بالله ما عذرهم؟ أهم من المعوقين أو المشلولين؟! لا والله! الواحد منهم لو ركل برجله جاريةً لسقطت، لو ركل برجله ساريةً أو عموداً لسقط من قوة بدنه، ولكنه أضعف مخلوقٍ عندما يسمع "حي على الصلاة، حي على الفلاح" والمصيبة أن بعضهم يدعي كمال الإيمان، ويثني على نفسه بمناقب المهاجرين والأنصار، حينما يتحدث وهو لا يشهد هذه الصلاة مع الجماعة، أهو مكفوف البصر، إن النبي لم يأذن لكفيف البصر أن يصليها في بيته. جاءه الرجل قال: (يا رسول الله! كبيرٌ في السن، كفيف البصر، طاعنٌ في العمر، ليس لي قائدٌ يقودني، الطريق إلى المسجد كثيرة الهوام والدواب والسباع، هل أصلي في بيتي يا رسول الله؟! قال: نعم، فلما ولى دعاه أخرى فقال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: إذاً فأجب). ولو جازت الرخصة لأحدٍ أن يصلي في بيته، لجازت لذلك الكفيف الذي لا يجد قائداً، لجازت لذلك الكبير الذي لا يجد من يدله في طريق مخوفةٍ بالهوام والسباع!! فيا عباد الله! ما الذي يُشغلنا عن صلاة الفجر؟ مسلسل السهرة؟! لو كان عندنا سفرٌ إلى بلادٍ قريبةٍ أو بعيدة، أو انتدابٍ يفوت الإقلاع في وقته، لجعلنا ثلاث ساعات، ساعة عند السرير، وساعة عند الباب، وقنبلة عند البوابة، حتى لا يفوت الإنسان الخروج إلى هذه المناسبة، أو إلى ذلك الانتداب، أو لتلك المصلحة. أما صلاة الفجر فهي كما يقولون: على حالٍ من البركة، وليس في الترك والتهاون بركة، إن قام لها قام لها، وإن صلاها في البيت صلاها في البيت، وإن صلاها في البيت في وقتها، أو صلاها بعد طلوع الشمس صلاها. يا عباد الله! إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، لو رأينا مدرساً يأتي إلى مدرسته عصراً، والناس يدرسون صباحاً فهل نقبل عمله! لو رأينا موظفاً يأوي إلى مكتبه في الليل والناس يداومون في الصبح، هل يقبل عمله؟ لا والله، فما دمنا لا نتساهل في حقوق البشر الضعفاء المخلوقين المساكين، فكيف نتهاون بحقوق رب البشر!! كيف نتهاون بها! وهي أوقاتٌ يسيرة من العمر، عشر دقائق، والله لو حسبت الصلاة منذ الإقامة حتى التسليم لوجدتها لا تتجاوز ربع ساعة أو عشر دقائق، وحريٌ بالمسلم أن يُبكر إليها؛ ليستغفر وينيبَ ويسبح ويهلل ويكبر ويغسل درن قلبه من الذنوب والمعاصي. أسأل الله جل وعلا ألا نكون من المنافقين، أسأل الله ألا نكون من المنافقين، أسأل الله ألا نكون من المنافقين الذين {إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

رسالة من ابن باز إلى الأمة

رسالة من ابن باز إلى الأمة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار؛ عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! بين يدي رسالةٌ من إمامٍ جليل، أجمعت القلوب على حبه، وتواطأت النفوس على التقرب إلى الله بمودته، وتواطأ الخلائق في مشارق الأرض ومغاربها على السؤال عنه، والطمأنينة لعلمه، والدينونة إلى الله جل وعلا بحبه في الله ولله، ذلكم سماحة العلامة مفتي العصر، إمام الدنيا، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وجه رسالةً إلى المسلمين أجمعين، مما لاحظ ورُفع إلى سماحته من تهاون المسلمين بالصلاة مع الجماعة. فقال حفظه الله ومتع به على طاعته: من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه، ونظمني وإياهم في سلك من خافه واتقاه، آمين سلامٌ عليكم ورحمه الله وبركاته أما بعد: فإن من المنكرات الظاهرة ما يفعله الكثير من الناس، من التساهل بأداء الصلاة في الجماعة، والتهاون بذلك، ولا شك أن ذلك منكرٌ عظيم، وخطره جسيم، فالواجب على أهل العلم التنبيه على ذلك، والتحذير منه، لكونه منكراً ظاهراً!! لا يجوز السكوت عليه، ومن المعلوم أنه لا ينبغي للمسلم أن يتهاون بأمرٍ عظّم الله شأنه في كتابه العظيم، وعظّم شأنه رسوله الكريم، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، ولقد أكثر الله سبحانه من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظّم شأنها، وأمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة، وأخبر أن التهاون بها والتكاسل عنها من صفات المنافقين، فقال تعالى في كتابه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]. وكيف تعرفُ محافظة العبد عليها؟ وتعظيمه لها وقد تخلف عن أدائها مع إخوانه! وتهاون بشأنها! قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] وهذه الآية الكريمة نصٌ في وجوب الصلاة مع الجماعة، والمشاركة للمصلين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها فقط، لم تظهر مناسبةٌ واضحة في ختم الآية بقوله سبحانه: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية، قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102]. فأوجب سبحانه أداء الصلاة في الجماعة حتى في حال الحرب؛ فكيف في حال السلم، ولو كان أحدٌ يُسامح في ترك الصلاة في جماعة، لكان المصافون للعدو والمهددون بهجوم العدو عليهم، أولى بأن يُسمح لهم في ترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك؛ عُلم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، ولا يجوز لأحدٍ التخلف عن ذلك، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم أنطلق برجالٍ معهم حزمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم) الحديث. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافقٌ عُلم نفاقه، أو مريض وإن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة). وفيه أيضاً عنه قال: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هذه الصلوات حيث يُنادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنها من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يُصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوةٍ يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف). وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله! ليس لي قائدٌ يلازمني إلى المسجد، فهل لي رخصةٌ أن أصليّ في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجبه) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سمع النداء فلم يأتِ؛ فلا صلاة له؛ من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له؛ من سمع النداء فلم يأتِ؛ فلا صلاة له إلا من عذر). قيل لـ ابن عباس رضي الله عنهما: [ما هو العذر؟ قال: خوفٌ أو مرض] والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة، وعلى وجوب إقامتها في بيوت الله، التي أذن الله أن تُرفع، ويُذكر فيها اسمه كثيرةٌ جداً، فالواجب على كل مسلمٍ العناية بهذا الأمر والمبادرة إليه، والتواصي به مع أبنائه وأهل بيته وجيرانه وسائر إخوانه المسلمين، امتثالاً لأمر الله ورسوله، وحذراً مما نهى الله عنه ورسوله، وابتعاداً عن مشابهة أهل النفاق، الذين وصفهم الله بصفاتٍ ذميمة، منها تكاسلهم عن الصلاة، فقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [النساء:142 - 143]. ولأن التخلف عن أداء الصلاة في الجماعة من أعظم الأسباب إلى ترك الصلاة بالكلية، ومعلومٌ أن ترك الصلاة كفرٌ وضلالٌ وخروجٌ عن دائرة الإسلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) رواه الخمسة عن بريدة الأسلمي بإسنادٍ صحيح، والآيات والأحاديث في تعظيم شأنها ووجوب المحافظة عليها، وإقامتها كما شرع الله، والتحذير من تركها كثيرةٌ ومعلومة، فالواجب على كل مسلمٍ أن يحافظ عليها في أوقاتها، وأن يُقيمها كما شرعها الله، وأن يُؤديها مع إخوانه في الجماعة في بيوت الله، طاعةً لله سبحانه ولرسوله، وحذراً من غضب الله وأليم عقابه. ومتى ظهر الحق، واتضحت أدلته، لم يجز لأحدٍ أن يحيد عنه لقول فلان أو فلان؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ويقول سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]. إن الذي يسمع الأدلة في وجوب الصلاة مع الجماعة ثم يترك الصلاة مع الجماعة لفتوى فلانٍ من الجهلة، أو فلانٍ من الظلمة الذين يظلمون أنفسهم؛ حريٌ أن يكون ممن خالف أمر الله، وعلى خطرٍ أن تصيبه فتنة أو يصيبه عذابٌ أليم، هذا من كلامي وليس من كلام الشيخ ابن باز، هذه الجملة القصيرة، وأستأنف كلام الشيخ: ولا يخفى على من له أدنى بصيرة ما في الصلاة في الجماعة من الفوائد الكثيرة، والمصالح الجمة، ومن أوضح ذلك التعارف والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، وتشجيع المتخلف وتعليم الجاهل، وإغاظة أهل النفاق، والبعد عن سبيلهم، وإظهار شعائر الله بين عباده، والدعوة إليه سبحانه بالقول والعمل إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة في إقامة الصلاة. وفقنا الله وإياكم لما فيه رضاه، وصلاح أمر الدنيا والآخرة، وأعاذنا جميعاً من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، ومن مشابهة الكفار والمنافقين إنه جوادٌ كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اللهم أعز الإسلام، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم اجعلنا للصلاة من المقيمين، واجعلنا عليها من المحافظين، واجعلنا لأركانها وسننها وواجباتها من المقيمين، اللهم تقبل صلاتنا، اللهم تقبل صلاتنا، اللهم تقبل صلاتنا، وأعنا عليها، وأذقنا لذتها وحلاوتها، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تدع لمسلمٍ في هذا المسجد وغيره ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا يتيماً إلا تكفلت به، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا أسيراً إلا فككته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم أصلح شأن ولاة الجهاد، اللهم أصلح أمراء الجهاد، اللهم أصلح قادة الجهاد، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد كلمتهم، اللهم اطفأ الفتنة من بينهم، اللهم أدر دائرة السوء على من أشعل الفتنة بينهم، ال

حصائد الألسن

حصائد الألسن جوارح الإنسان هي أدوات لتحصيل الخير أو لاكتساب الآثام، وأشهرها في تبديد الحسنات، وتكثير السيئات؛ اللسان، فهو ثعبان بين فكي الإنسان. على أن فلتات اللسان وزلاته مرصودة كلها مهما هانت ودقت، وإن كانت مثقال حبة من خردل. وهذه الخطبة تسلط الأضواء على بعض آفات اللسان، وكيفية معالجتها، والتعامل مع أصحابها.

أهمية الانتصار على الأعداء الداخليين

أهمية الانتصار على الأعداء الداخليين الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته، فهو الخالق المدبر الرازق، المحيي والمميت والمعز والمذل، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو على كل شيءٍ قدير، لا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته فالتوكل عليه والاستعانة به، والطمع في ثوابه، والرغبة في جنانه، والخوف والرهبة من عذابه، الحلف به، والذبح له، والطواف له، والسجود له، والركوع له، وكل دقيقٍ وجليلٍ من أمر العبادة يصرف له وحده لا شريك له، ولا يُصرف لغيره. فهو أغنى الشركاء عن الشرك، واحدٌ في أسمائه وفي صفاته، فله الأسماء الحسنى، والصفات العلى وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أنكم ملاقوا الله بكل أعمالكم، بنظراتكم وأسماعكم وخطواتكم وما اجترحته أيديكم، وبكل كلمةٍ نطقتم بها وتكلمتم بها، اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلمو أن الله جل وعلا، يبسط لعبده الصحائف، فيرى العبد ما قدم من حسناته وسيئاته: {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] والله لن تضل الموازين والصُحف عن سيئةٍ من سيئاتنا، أو حسنةٍ من حسناتنا، أو ذرةٍ من خيرٍ أو شرٍ اقترفناها. فيا معاشر المؤمنين! {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. أيها الأحبة في الله! إن كثيراً من الناس يظن أن انتصاره على أعدائه في الخارج هو دليل التحكم والسيطرة، وليس هذا بقولٍ سديد على إطلاقه، فإن للعبد أعداءً من داخل بدنه، وإن للعبد أعداء من داخل نفسه، إذا استطاع أن ينتصر عليهم، فهو على ما سواهم أقدر بإذن الله جل وعلا. أيها الأحبة في الله! إن كل واحدٍ منا فيه نقاط ضعفٍ لا يدري هل ينتصر عليها، أو يزيلها، أو يتحكم بها، حتى لا تؤدي -والعياذ بالله- إلى سوء خاتمته، وضلال سعيه، وعاقبته الوخيمة فيما يأتي ويذر. أيها الأحبة! إن الإنسان لا يدري من أين يؤتى، إن هامان أتي من وزارته، وقارون أتي من ماله، وفرعون أتي من ملكه وتجبره، وكل واحدٍ على خطرٍ أن يؤتى من داخل نفسه، ونحن يا عباد الله، فينا وفي بدننا -هذا الجسم الذي نتحرك به- تارةً نقول ضعيفاً مسكيناً، وتارةً ترى فيه من العجائب ما الله به عليم: دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر وتحسب أنك جسمٌ صغيرٌ وفيك انطوى العالم الأكبرُ

اللسان نقطة الضعف الأولى

اللسان نقطة الضعف الأولى نحن يا معاشر المؤمنين! فينا من نقاط الضعف ما يُمكن أن يكون سبباً لسوء الخاتمة، وفينا من جوانب الخير ما نرجو أن يكون سبباً لحسن العاقبة، ولن نستطيع أن نتكلم عن كل الجوانب التي تكون سبباً لسوء الخاتمة للإنسان من داخل نفسه، ألا وإن منها: جارحة صغيرة جداً، تكمن في مكانٍ خفي، تظهر تارةً فتلدغ، وربما التوت تارةً فتلسع، وربما صمتت فأُجرت، وربما نطقت فذكرت، آلا وهي اللسان!! هذا اللسان، القطعة الصغيرة، من عصبٍ وشُعيراتٍ ولحمٍ لا تراها بارزةً في وجه الإنسان، أو في جسمه، بل هي كامنة، ولكن تارةً تخرج فتلدغ صاحبها قبل أن تلدغ الآخرين، وآفات اللسان كثيرة، وكما قال معاذ رضي الله عنه: (أونحن مؤاخذون بما تتكلم به ألسنتنا يا رسول الله؟! فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على مناخرهم يوم القيامة في جهنم، إلا حصائد ألسنتهم!). اللسان ذلك الثعبان، أو ذلك الذي ينطق بذكر الرحمن، إما نعمةٌ أو نقمة: احذر لسانك أيها الإنسانُ لا يلدغنّك إنه ثعبانُ ربما عثر الرجل بقدمه أو سقط به جواده، أو زل به درج بيته، أو هوى من أعلى طابقٍ في منزله، وربما قام صحيحاً سليماً معافى، وربما زل زلةً لم ير منها ورماً، ولم ينسكب منها دماً، ولكنها تهوي به في النار سبعين خريفاً، في الحديث: (إن الرجل ليلفظ بالكلمة، لا يُلقي لها بالاً، تبلغ به من سخط الله أن يهوي في النار سبعين خريفاً، فهو يجلجل في النار إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليلفظ بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالاً، تبلغ به أعلى الدرجات في مرضات الله جل وعلا). فاللسان أيها الأحبة! ذلك الذي نتزين به في المجالس، ونتنافس به في الفصاحة، وكل يُظهر نفسه منطقياً فصيحاً، وقد نسي قول الله جل وعلا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]. وربما غفل الإنسان عن الحافظين الذين يكتبون كل دقيقٍ وجليلٍ مما ينطق: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار:10 - 11].

بعض آفات اللسان

بعض آفات اللسان معاشر الأحبة! آفات اللسان كثيرة، والباعث على كثيرٍ منها أن يُظهر الإنسان نفسه، أو أن يبرز بين العامة، أو أن يتصدر المجالس، أو أن يُشار إليه بالبنان، أو أن يُلحظ بالعيان، وكلها آفاتٌ وظلمات بعضها فوق بعض. فأولها: ربما استساغ الرجل الكذب رغبةً في التصدر في المجلس، وربما تحدث وتكلم ليلتفت إليه، ونصيحتي قبل هذا، إذا كُنت في مجلسٍ ورأيت من الحاضرين من يكفيك الكلام فيما تريد أن تقوله، فاحمد الله جل وعلا، أن وكل بالكلام الذي في قلبك رجلاً يقوله بدلاً منك، أي كرامةٍ أعظم من هذه، لا تحرص أن تكون متكلماً في كل حال، إلا إذا تعين المقام، أو خشية أن يضيع المجلس في الباطل، أو يقوم الناس عن مجلسٍ لم يذكروا الله تعالى فيه، فربما تعين عليك الكلام ابتداءً، وأنت المسئول عن ذلك. لكن إذا كنتَ في مجلسٍ وفي قلبك كلامٌ ورأيت من تكلم به بدلاً منك، فاحمد الله أن وكل بكلامك رجلاً ينطق به غيرك.

آفة الكذب

آفة الكذب من آفات اللسان: الكذب، تلك الخصلة القبيحة الذميمة، قال صلى الله عليه وسلم: (يطبع الرجل على الخصال كلها، ليس الكذب والخيانة) أي سوى الكذب والخيانة، وسئل صلى الله عليه وسلم: (أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، قالوا: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، قالوا: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: لا) لأن الكذب خصلةٌ قبيحةٌ ذميمةٌ جداً. وحسبكم أن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح قال: (إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب، حتى يُكتب عند الله كذاباً) وأنتم تعرفون الوعيد الشديد للكاذبين. والكذب -أيها الأخوة- أصبح في هذا الزمان من أهون ما تساهل الناس به، حتى بدأ المنظرون، وبدأ المتفلسفون والمتفيهقون يُفصلون الكذب في غير ما فُصل في شرع الله جل وعلا، فمنهم من سمى (كذبة إبريل) ومنهم سمى الكذبة البيضاء، ومنهم من سمى كذبةً حمراء، إلى غير ذلك. وكل هذا مرفوضٌ في دين الله جل وعلا، (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً وينمي خيراً) الكذب هنا جائز، أن تعرف أن فلان بن فلان، في قلبه عداوة، وفي نفسه إحن على فلان بن فلان؛ فتأتي إليه، وتقول للأول: عجبتُ من كلامٍ قاله صاحبك فلان في مجلسٍ من المجالس، لقد أثنى عليك، وذكر فيك خصالاً حميدة، وتقول شيئاً من هذا، فليس هذا من الكذب الحرام، بل هو من عين ذات الإصلاح الذي تؤجر به عند الله جل وعلا: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114]. (والكذب في الحرب) والحرب خُدعة، ثلاثيةٌ في الشكل: (وحديث الرجل امرأته) إذا تحدث الرجل بكلامٍ وخرج فيه عن الحقيقة؛ لكي يكسر من ضعف المرأة وما قد يؤدي إلى شرٍ أكبر، وليتق الله في هذا، وليكن ما خرج به عن الحقيقة في حديث أهله بقدر حاجة الإنسان إلى الدواء، لا أن يُصبح دائماً منذُ أن يدخل إلى أن يخرج، وهو يروي الأحاديث المكذوبة الموضوعة، رأى ولم ير، سمعَ ولم يسمع، قيلَ ولم يُقل، فُعل ولم يُفعل، ويظن أن الحديث مع المرأة من أوله إلى آخره ينبغي أن يكون كذباً في كذب، لا. لكن لو شجر بين الرجل وأهله خلاف، أو حصل موقفٌ قد لا تقدره المرأة بضعفها، فاحتاج أن يزوّر عليها شيئاً من الحقيقة، أو يوري فيها فلا حرج، أما أن يكون الإنسان راويةً للكذب من غير حاجة، ويحتج بحديث الرجل لامرأته، فليس هذا مما فهمه أولو الألباب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

آفة المجازفة في إطلاق الكلام

آفة المجازفة في إطلاق الكلام الآفة الثانية: الكلام الذي يُطلق جزافاً، والعبارات البراقة، والكلمات الرنانة، التي يلفظ بها الإنسان، لكي تسجل له في سطور التاريخ، والله إنها تُسجل، ولكن هل يجدها في صحائف حسناته أم في صحائف سيئاته؟ وأقولها وبكل صراحة، وأوجه من هذا المنبر كلمةً إلى كل صحفي من الصحفيين، وكل صاحب عنوانٍ من العناوين، أن يتقي الله في العبارة التي تُنشر عنه، وكل كلمةٍ يكتبها في أسطر مقاله، أقول لنفسي، وأقول لهم، وأقول لكم: اتقوا الله فيما تكتبون، فإن من علم أن كلامه من عمله، لم يسره أن يتكلم إلا بما يطمع أن يراه في موازين حسناته: وما من كاتب إلا سيفنى ويُبقي الدهر ما كتبت يداهُ فلا تكتب بخطك غير شيءٍ يسرك في القيامة أن تراهُ مما قرأت في عددٍ من المجلات والجرائد، كاتباً تكلم عن أهداف أحد اللاعبين فقال: أهداف اللاعب الفلاني، تلك التي تجعل الأعمى يُبصر، والأبكم يتكلم، عجبتُ لهذا اللاعب! وعجبتُ في الحقيقة لهذا المتكلم، فقد لا يكون للاعب ذنب!! متى كان هذا اللاعب عيسى بن مريم؟! يبرئ الأكمه والأبرص بأهدافٍ يسجلها! أما يتقي الله هذا الذي يقول هذا الكلام! أهدافٌ تجعل الأعمى يبصر! والأبكم يتكلم! والأصم ينقلب سمعياً! أين تريد أن ترى هذه الكلمة يا عبد الله؟! تريد أن تراها في صفحة الحسنات، أم في صفحة السيئات؟! اتقوا الله يا معاشر الكتاب! ويا معاشر الصحفيين! وهذه نصيحة ومحبة، هذا نداءٌ من القلب إلى القلب، ومن الروح إلى الروح، حتى لا تُفسر أنها فضيحةٌ أو تشهير. معاشر المؤمنين! وآخر يقول: من تقرب إلى نادينا شبراً نتقرب إليه ذراعاً!! عجباً! ولن أجزم بسوء قصد قائله، فإن قصد بهذه العبارة شيئاً من اللفظ والبيان الذي يتكلم به، بعيداً عن قصد الحديث، الذي جاء فيه أن الله جل وعلا، يفرح بتوبة عبده: (فلئن تقرب إليه العبد شبراً تقرب الله إليه ذراعاً) إن كان بعيداً عن قصد الحديث، فنقول: خير لك أن تعبر بشيءٍ بعيدٍ عن النصوص والحروف والرسوم التي جاء فيها البيان الرباني والنبوي والشرعي. فلنرفع مقام الشريعة، ولنرفع مقام الأحاديث، ولنرفع مقام كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن قصد المتكلم، أنه يُحاكي قول الله: من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، فهي والله من الكلمات التي تهوي بصاحبها، وكم سمعنا فلتاتٍ جرت على الألسنة! والله لو جلستُ مجلساً فقام واحدٌ يضحك، أو يتهكم، أو يستهزئ أو يصوغ شيئاً من عبارات الدعابة والمزاح، بنص مرسومٍ من المراسيم لاعترضت عليه، حتى لا تُصبح النصوص والمقالات عرضة الهزال والعبث!! فكيف نسكت أن يُتكلم بشيءٍ فيه محاكاةٌ في باب هزلٍ من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم؟!! ومما يجري على الألسنة، قول كثيرٍ من الموظفين عن مديره العام حينما يُسأل عن صلاحياته، أو عن تصرفاته، فيقول: فلان لا يُسأل عما يفعل، تعالى الله تعالى الله؛ أن يشبه الضعفاء المساكين في تصرفاتهم بصفات الله وأسمائه جل وعلا، قد يقول قائل: ولماذا التشنج أيها المطاوعة؟ كما يقول بعضهم: لماذا هذا التوتر، كل عبارة تفسرونها. أقول: والله يا أخي! لو أردت أن تحاكي في كلامك كلام زعيمٍ أو رئيس لما استطعت أن تنبس ببنت شفة، فاعرف قدر الله جل وعلا، ولا يكن قدر كلام الرؤساء والعظماء في قلبك أعظم من قدر كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم أنقل هذه جزافاً بل بأذني سمعتها، والتفت إلى قائلها، وقلتُ: اتقِ الله، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون هو من يفعل كل فعلٍ ويعمل كل عملٍ وفي فعله وعمله منتهى العدل لا ظلم فيه، ومنتهى الحكمة لا عبث فيه، ومنتهى الرحمة لأن رحمته سبقت غضبه، أما المسكين الحقير المخلوق الضعيف التافه، فأي حكمةٍ وأي عدلٍ وأي صفاتٍ جمعت أحسن الأمور في كلامه؟!! فلننتبه لهذه العبارات، ولننتبه لهذه الكلمات التي يُطلقها بعض الناس جزافاً وهم لا يشعرون والعياذ بالله، إننا لا نجزم أنهم يقصدون محاكاة كلام الله وكلام رسوله، ما شققنا عن القلوب، وخذوها نصيحة: تورع حتى في محاسبة المخطئين، واحسب لهم ألف عذرٍ وألف سبيل، ولكن بيّن إن كان الهدف هذا، فالويل ثم الويل مما قصدوا به، وإن كان الهدف ذاك، فالأولى والأحرى والواجب أن يُتجنب بكلام الله وكلام رسوله عن مقام العبث والهزل أو غير ذلك.

آفة الاستهزاء بالدعاة

آفة الاستهزاء بالدعاة ومن آفات اللسان يا معاشر المؤمنين! ما نسمعه كثيراً كثيراً، من الذين يستهزئون بالدعاة إلى الله جل وعلا، من الذين يتهكمون بقناديل الصحوة الإسلامية، ومشاعل النور في دياجير الظلام، ونسيم العبير، في روائح الفتن المنتنة، أولئك الذين يتهكمون بالشباب الصالحين، أو بالدعوة إلى الله جل وعلا، فهم على خطرٍ عظيم، وهي من آفات اللسان، ترى الواحد منهم ربما تصدق بمليون ريال، وربما صلّى الفجر مع الجماعة لا تفوته، وربما قرأ القرآن وربما فعل كثيراً من الحسنات، لكن إذا جلس أطلق لساناً طلقاً حاداً على أولياء الله، فأخذ يستهزئ بهذا، ويتهكم بذاك، ويتكلم بهذا، فيُعطى هذا من صدقاته، وذاك من قراءته، وذاك من صلاته، فما بقي له من حسناته شيء، وهذه من صور الجهل عند كثيرٍ من الناس، أن يعمل عملاً صالحاً ثم يضيعه على الناس أجمع، والله ما رأيت تاجراً إذا أشرقت الشمس ذهب إلى متجره، وإذا غابت الشمس عاد وجيبه مليئاً بالنقود والدنانير والدراهم، فإذا جلس في المجلس أخذ يُوزع على الناس يمنةً ويسرة من غير حسابٍ واحتساب، أتعدون هذا من العقلاء؟! لا والله. فكذلك من الناس من يجمع الحسنات ولكنه يفرقها في مجلسٍ واحد! لو قدرنا أنه كسب ألف حسنة، لكنها في مجلسٍ بعد المغرب أو العشاء يصرف ألفاً ومائتي حسنة، فيصبح رصيده بالسالب، ويعود مديناً بمائتي حسنة، تُؤخذ من حسناته، أو يطرح من سيئاتهم على سيئاته! فانتبه لنفسك يا أخي! واحفظوا أعمالكم، ولا تبطلوا أعمالكم، إن المسلم مأمورٌ أن يحفظ عمله، وإن من أخطر ما تُصرف به الأعمال ودرجاتها جُزافاً هباءً: الكلام في المجالس، والغيبة والنميمة التي حصدت الحسنات، ربما ترى الرجل طيباً أو غير طيب، صالحاً أو غير صالح، لكن لا يلتفت إلى مسألة الغيبة والنميمة، قد تجد رجلاً قليل العبادة، لكن عنده من الحسنات أكثر مني ومنك، لماذا؟ قد يكون عنده بعض الذنوب؟! وقد يكون عنده من الحسنات أكثر مني ومنك، لماذا؟!! قد لا يكون من الذين يتكلمون في أعراض الناس البتة، فهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً جداً يا عباد الله! أن يتكلم الإنسان إما بالغيبة والنميمة، أو أن يستهزئ بإخوانه في الله، أو أن يتكلم في أعراضهم، أو أن يتكلم بعض الناس في المجالس، ولا هم له إلا هؤلاء الأخيار، من الناس من إذا جلس مجلساً، يقول: رأيتُ مطوعاً وقف هكذا، ورأيتُ معقداً جلس هكذا، ورأيتُ متشدداً قال هكذا! أما رأيت سكيراً قُبض عليه من قبل الهيئة يوماً ما؟! أما رأيت مرابياً قد أوغل في الربا؟! أما رأيت فاجراً جعل بيته ماخوراً للدعارة؟! ما رأيت مرتشياً مجرماً يسلب أموال المسلمين، ولا يرقب فيهم إلاً ولا ذمة؟! ما رأيت فاجراً يسعى بإفساد ذات البين؟! هل ضاقت الصور عن كل سيئٍ فما أبصرت إلا هذا المتبع للسنة؟! هذا التقي النقي الورع الزاهد العابد! الذي قصر -في نظرك أو نظر غيرك- ربما في شيءٍ ليس من الواجبات، ربما في المستحبات في باب العلاقة، ولكنه قد أكمل الأمر فيما بينه وبين ربه! أو كاد أن يُكمل الأمر صلاحاً واستقامة، لا زنا ولا خمر ولا رشوة ولا ربا ولا فساد، ولا ملاهي ولا صور محرمة، ولا مجلات ٍخليعة، فما تتسلط إلا على مثل هذا! هذه من آفات اللسان يا معاشر الأحبة. أسأل الله جل وعلا أن يحفظ لي ولكم أعمالنا، اللهم احفظ لنا أعمالنا، اللهم احفظ لنا أعمالنا، اللهم احفظ لنا أعمالنا، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

واجب الأمة تجاه المجازفين بالكلام

واجب الأمة تجاه المجازفين بالكلام الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلاله، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله! إن من واجبنا يوم أن نرى فلتات اللسان وزلات البيان أن لا ننتقد الناس في مجالسنا بين أربعة جدران، لا يسمعنا ولا يبصرنا أحد. بل إن من واجبنا يوم أن نرى من يزل ويتهوك في كلامٍ يحاكي فيه كلام الله جل وعلا في مقامٍ لا يليق، أو يحاكي كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم في مقامٍ لا يليق، أو ينقل الأقاويل يكذبها ويختلقها ويصدقها وينقلها! أو من نرى يستهزئ ويضحك ويعبث، من واجبنا أن ننصحه، من واجبنا أن ننصحه، ولتكن النصيحة فيها خط الرجعة. فإذا قرأت مقالاً فيه شيءٌ من هذا الزلل، فاكتب لصاحبه: قرأت لك في جريدة كذا، أو في مجلة كذا، أو سمعتُ لك في ندوة كذا، أو في جلسة كذا، كلاماً قلتَ فيه يا أخي هذه العبارات، فإن كان المقصود بها كذا وكذا، فإني أخوفك عاقبتها، ومغبة ما تنتهي إليه، وإن كان المقصود أمراً غير هذا، فالذي أتمنى وأرجو أن يكون التعبير بغير هذه العبارة، وختاماً أتمنى أن يكون كلامك في مرضاة الله وطاعته. ليس من واجبنا أن نُحكم النقد ولا نفهم العلاج، ليس من مهماتنا فقط أن نتحسس الخلل ولا نعرف كيف نعالج هذا الخلل والداء والمرض، لا.

معرفة الداء والدواء، واللين في النصيحة

معرفة الداء والدواء، واللين في النصيحة من واجبنا أيها الأحبة! أن نعرف الداء والدواء، وفي حال العلاج لابد أن نُحسن الظن، بعض الناس ربما قال: وأنت لم تقصد إلا كذا، وقد ثبت لنا من البينات والقرائن ما لا يدع مجالاً للشك أنك قصدت كذا، واعلم أن من فعل ذلك فعاقبته كذا وكذا، فإذا بصاحب الرسالة أو صاحب الكتابة يقرأ بياناً مسبقاً أنه أصبح من أهل جهنم وساءت مصيراً، وهذا أمر لا يجوز أبداً. فعلينا أن نتلطف، علينا أن نكون في مستوىً طيبٍ من اللباقة حال النصيحة: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. دخل واعظٌ على أحد الخلفاء أو الملوك، فقال: إني محدثك ومشددٌ عليك، فقال الملك أو الخليفة: على رسلك، لقد بُعث من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌ مني، بُعثَ موسى وهارون إلى فرعون، ومع ذلك قال الله: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] فالقول اللين مطلوب، حتى لا يُصاب الإنسان بعزة الباطل، فتأخذه العزة بالإثم. يا عباد الله، واجبنا يوم أن نرى زلات اللسان وآفات اللسان في مقالٍ أو في جريدة، أو في صحيفة، أو في مجلس، من واجبنا أن نُرسل أو نُكلم، أو نُهاتف صاحبها، ونكلمه كلاماً ليناً ونفتح له خط الرجعة، ولا نبين له أنا شققنا عن قلبه، أو نحكم أننا عرفنا مقاصده، حاشا وكلا، فلا يعلم خائنة الأعين أو ما تخفي الصدور إلا الله جل وعلا. فنقول: إن كان المقصود كذا فهذا لا يجوز، وإن كان المقصود غير ذلك، فالأولى والأحرى والمظنون بمثلك وأمثالك أن يسلكوا سبيلاً للتعبير غير هذا، وخير للعبد أن يقول كلاماً يُوضع في موازين أعماله. ذات مرةٍ سألتٌ واحداً من الصحفيين، أسأل الله أن يهديه، وأن يهدي قلبه، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين إنه أرحم الراحمين، كان يكتب في مجلةٍ من المجلات، وكنتُ أتابع أسابيع كان يكتبها فقابلته: وقلت: يا أخي الكريم! يوم القيامة إذا وقفت أنا وأنتَ وسائر الناس والصحفيين ورؤساء التحرير، وكل ملكٍ وأمير ووزيرٍ وحقيرٍ وصعلوكٍ وفقير، إذا وقفنا بين يدي الله جل وعلا؟ وجيء وقيل فلان بن فلان، ثم قدمت هذه الأسابيع التي كتبتها في الجريدة الفلانية، هل يسرك أن تلقى الله جل وعلا بها؟ فقال: لا والله لا يسرني أن ألقى الله بها، قلت: يا أخي الحبيب! يا أخي الكريم! إذاً لماذا؟! لماذا تجتهد في كتابة شيءٍ يأخذ من وقت ومن بصرك ومن فكرك، ثم في النهاية تتبرأ منه؟! ولا يسرك أن تلقى الله به يوم القيامة.

أهمية التواصل مع أصحاب الأخطاء

أهمية التواصل مع أصحاب الأخطاء فيا معاشر المؤمنين! فلنعرف كيف ننصح، وكيف نُعالج زلات اللسان، خاصةً إذا وجدناها تقترب من الاستهزاء أو السخرية بالأبرار والأخيار، واجبنا أن نكون إيجابيين، لا أن نتحدث بين أربعة جدران، ما جلست مجلساً إلا وتسمع خبرين أو ثلاثة؛ في المجلة الفلانية، في الجريدة الفلانية كذا؛ السؤال الأول: من ذهب إلى رئيس تحرير الصحيفة؟ لا تجد من ذهب، من اتصل بكاتب المقال؟ لا تجد من اتصل، عجيبٌ والله! (أسدٌ عليّ) لا، أريد رجلاً حينما يعرف الخلل، يتابع الخلل بنصيحة، فوالله لو تتابع الناس على صاحب المنكر، أو من يُخشى عليه أن يقع في المنكر، لتردد ألف مرة، قبل أن ينشئ باطله ومنكره. منذُ أيامٍ قليلة شابٌ مرّ عليه بعض الشباب فوجدوه يعمل ديكورات في محله، فالتفتوا، وإذا بالرجل يؤسس تسجيلات أغاني، فنزل إليه عدد من الشباب يا أخي الكريم، يا أيها الوجه الطيب، يا ابن العائلة الكريمة، والله ما يسرنا أن ينسب إليك هذا، وكيف تبيع حراماً، وتتصدق بحرام، وتكسو أهلك حراماً، وتسقي أطفالك حراماً، يا أخانا الحبيب! حوله إلى تسجيلاتٍ إسلامية، يا أخانا الحبيب! اسلم من مغبته، انظر إلى مشروعٍ غير هذا؛ وهو مصممٌ على عمله؛ فجاء زلفةٌ أو كوكبةٌ من الأخيار بعدهم ونصحوه، ثم جاء من بعدهم ونصحوه، حتى وقف الآن متردداً إن كانت همته في فتح محله مائة في المائة، فالآن لا تجد عنده من الهمة إلا عشرين أو ثلاثين في المائة، لن أقول انتهى لأول وهلة، لأن بعض الناس، يظن أنه يوم أن ينصح واحداً سوف يسقط صريعاً باكياً خاشعاً نادماً تائباً!! ليس بالضرورة، أن يقبل النصيحة في الوهلة الأولى أو الثانية أو الثالثة، لكن تتابع النصيحة يؤثر فيه ويقول، أكل هؤلاء على حقٍ وأنا على نشازٍ من الباطل؟! فكذلك الكاتب أو الصحفي أو المتكلم، يوم أن يُنصح، ويومَ أن يخاطب بخطابٍ رقيق، وبعبارةٍ طيبة، فحينئذٍ سترى بإذن الله منه استجابة، ولماذا لا يستجيب؟! هل خرج من الإسلام؟! هل زال الإيمان عن قلبه بالكلية؟! لا والله! هل هو من اليهود والنصارى؟! لا والله! إذاً: فكثرة المناصحة بالأمر بالتقوى، والتخويف من عذاب الله، والترغيب في ثواب الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2] ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فحينئذٍ حريٌ بأن يؤثر على هذا وغيره. أرجو أن نكون إيجابيين، أرجو أن نكون عاملين، أرجو أن نكون تنفيذيين، لا مجرد نُقاد ومتكلمين يا معاشر الأحباب المؤمنين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً وأراد بعلمائنا فتنة، وأراد بشبابنا ضلالة، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً واختلاطاً في الوظائف والتعليم، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، اللهم مزقه كل ممزق، اللهم شتت شمله ما علمتَ فيه إصراراً على ذلك، واهده اللهم عاجلاً بمنك وكرمك يا رب العالمين إن علمت فيه هدايةً وخيراً. اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم ألف بين قلوبهم، اللهم أصلح مضغة قلوبهم، اللهم اهد بنات المسلمين، اللهم وفق علماء المسلمين، اللهم احفظ علماءنا، اللهم احفظ علماءنا، اللهم احفظ علماءنا، اللهم احفظ سرج أرضنا، وقناديل زماننا، ومشكاة مجتمعنا، اللهم احفظ علماءنا، اللهم سددهم في القول والعمل، اللهم سددهم في القول والعمل، اللهم متعهم بالصحة والعافية، اللهم متعهم بالصحة والعافية، اللهم ارزق عامة الناس فقه منزلة العلماء، اللهم ارزق عامة المسلمين فينا معرفة منزلة علمائنا، اللهم اهد عامة المسلمين فينا إلى معرفة منزلة علمائنا ودعاتنا، يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح ولاة أمرنا، اللهم أصلح ولاة أمرنا، اللهم اجمع شملهم، اللهم اجمع شملهم، ولا تُفرح علينا ولا عليهم عدواً، ولا تُشمت بنا ولا بهم حاسداً، اللهم اجمع شملهم وأعوانهم وإخوانهم على طاعتك يا رب العالمين، اللهم اهدهم، اللهم اهدهم، اللهم اهدهم، وحبب الكتاب والسنة إلى قلوبهم، اللهم اجعلهم ممن أخذوا الكتاب بقوة، اللهم قرب لهم بطانة الخير، واطرد وأبعد عنهم بطانة السوء، اللهم ما علمت في رجلٍ خيراً لهم، فقربه منهم وزده قرباً، وما علمتَ في رجلٍ شراً لهم ولأمتهم اللهم أبعده عنهم، وافضح دسيسته وسريرته يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم اجمع شملهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم اجمع شمل قادتهم على الحق، اللهم بصرهم بالهدى، ومسكهم بالكتاب المبين، وعجل قيام دولتهم، وعجل نصرهم، وفك أسرهم، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً فجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً ومناً وغفراناً، يا رب العالمين. اللهم اشف أخانا في الله، اللهم اشف أخانا في الله، اللهم اشف أخانا في الله، اللهم اشفه عاجلاً غير آجل، اللهم رد العافية إليه، اللهم رد العافية إليه، في أطرافه وسمعه وبصره يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، اللهم لا تدع لنا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، اللهم لا تدع لنا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته ووفقته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

فطرة الله

فطرة الله فطر الناس جميعاً على توحيد الله، والشرك والفساد طوارئ لا يستبعد زوالها، فمهما ابتعد الإنسان عن ربه، ظل احتمال عودته وارداً؛ لأنه الأصل. استبعد الصحابة إسلام عمر فأسلم، ولم يدرك عمر هداية سهيل، فاهتدى. فكم أسلم من مارق! وكم تاب من فاسق وسارق! وكم في نفوس الناس من خير تحجبه المعاصي! وفي هذه الأسطر بيان شيق لكل ذلك.

فطرة الإنسان على التوحيد

فطرة الإنسان على التوحيد إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين! لا يشك مسلمٌ أن البشرية وأن من خلق الله من بني الإنسان إنما وُلد على الفطرة، وأن ما يصيبه من التغير أو التحريف أو التبدل، إنما هو لأسبابٍ أهمها: هذه البيئة المحيطة به، والتي ينعكس لونها وصبغتها على سلوكه وتصرفاته ومعتقداته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه) ولم يقل صلى الله عليه وسلم: أو يمسلمانه، لأنه مفطور ومولودٌ على الإسلام أصلا، ويقول الله جل وعلا: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30]. ويقول الله جل وعلا: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف:172]. فنحن معاشر الأحبة قد أخرجنا من صلب آدم كأمثال الذر، وأشهدنا ربُ العزة جل وعلا على ربوبيته لنا وشهدنا بذلك، فالفطرة والدينونة بالوحدانية لله جل وعلا أمرٌ شهدنا به على أنفسنا، وفُطرنا عليه، ولله الحمد والمنة إنها لمن أعظم النعم. معاشر الأحبة! قد يعجب قائلٌ من هذا الكلام لما يراه من أبناء المسلمين من انحرافٍ عن الإسلام، وبعدٍ عن تعاليمه ووقوعٍ فيما نهى عنه، كيف يكون هذا موافقاً لما فُطروا عليه، وموافقاً لما جبلوا عليه، وموافقاً لما أقروا به لله سبحانه وتعالى! نعم أيها الأحبة في الله! لا عجب ولا غرابة فإن هذا الاعتراف والإقرار، إنما تكون درجة كماله ودرجة تمامه بحسب انقياد العبد لله جل وعلا في تصرفاته وفي دقيق أعماله وجليلها.

إمكان الرجوع إلى الفطرة في كل الأحوال

إمكان الرجوع إلى الفطرة في كل الأحوال أيها الأحبة في الله! نسوق هذه المقدمة، لكي ندخل بها إلى قضيةٍ ينبغي أن نُسلم بها، وهي أنه مهما كان في شخص من بني آدم أو مهما كان في أي إنسان من بني البشر، من الفساد والانحراف والشذوذ والبعد عن كتاب الله وسنة نبيه، ما دام أصل الإسلام باقياً في قلبه، وما دام جذر التوحيد باقياً في قلبه، فإنه ينبغي أن نسلم أن لا غرابة ولا بعد أن يعود إلى الاستقامة وإلى الهداية بين عشيةٍ وضحاها، وألا نستبعد عليه الهداية مهما كانت معصيته، وألا نستبعد عليه الاستقامة مهما كانت جريمته؛ لأن هذا أمرٌ معلقٌ بقلبه وقلب هذا العبد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء، وإن الناس أنفسهم يظلمون. أيها الأحبة! قد ترى شاباً لم يترك زناً إلا فعله أو خمراً إلا شربه، أو رباً إلا أكله، أو زوراً إلا شهد به، أو عقوقاً إلا فعله أو قطيعةً إلا ارتكبها، أو جريمة من الجرائم إلا حدثت منه، وإن الواحد ليعجب كيف يُدعى مثل هذا إلى الله كيف ندعو رجلاً أو شاباً كهذا إلى الله سبحانه وتعالى. نعم أيها الأحبة! له حق الدعوة وله حق الهداية، هداية الدلالة والإرشاد؛ لأن العباد أمروا بالبلاغ ((فإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) [آل عمران:20]. ثم اعلموا بعد ذلك أن دين الإسلام ينتشر في النفوس وينتشر في المجتمعات وفي الأمم والدول بقوته الذاتية، قبل أن يكون الجُهد مسنداً إلى أبنائه، إن في ديننا قوةً ذاتية، هي التي تدفع بنفسها وتنتشر بقوتها التي أودعها الله في هذا الدين، وإلا فلو أن الأمر عائدٌ إلى جهد أبنائه أو جهاد رجاله، والله ما كان له هذا الانتشار، وما كان له هذا الصيت الذائع، لكنها قوة الإسلام بذاته، قوةٌ ذاتيةٌ تدخل في سويداء القلوب فتؤثر على هذه المضغة فينعكس التأثير هدايةً مطبقةً على الجوارح، ولذلك أمثلةٌ كثيرة من القديم والحديث.

دروس وعبر من إسلام عمر

دروس وعبر من إسلام عمر ينبغي ألا نستبعد هداية بشرٍ من البشر مهما كانت معاصيه، ومهما لج في ألوان الشهوات والمنكرات، كان اثنان من الصحابة رضوان الله عليهما قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتحدثان فيه، فقال أحدهما للآخر: لعلك طمعت في إسلام ابن الخطاب، فقال: إي والله إني لأطمع في إسلامه، فقال: والله لو أسلم حمار آل الخطاب ما أسلم عمر هذا. ثم تدور الأيام دورةً قليلة فيأتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب دار الأرقم بن أبي الأرقم بيدٍ قويةٍ غليظة فيرتجف الصحابة داخل الدار، فيقوم أشجع القوم وأكمل الرجال صلى الله عليه وسلم فيفتح الباب، ثم يأخذ بتلابيب عمر ويقول: (أما آن لك يا ابن الخطاب أن تسلم، ثلاثاً) فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، بعد أن دخل على أخته وزوجها وفي أيديهما رقعةٌ من القرآن يقرءان فيها، فحاول عمر أن يمسها، فأبعدت المرأة هذه الرقعة عنه؛ فضربها على وجهها حتى سقط القرط، ثم قال: إني أريد أن أسمع، فقالت: أنت مشركٌ نجس لا تمسها، ثم أسمعوه شيئاً من الآيات التي فيها، فدخل الإسلام قلبه وتوجه إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكانت القصة كما تعرفون، بعد أن كان من أعتى الناس على الرسول وأصحابه عاد من أقوى الناس حباً لنبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فلما أسلم قال: أي قريشٍ أكثر للخبر ذكراً ونشراً؟ قالوا: فلان بن فلان، فذهب إليه يطرق بيته، فقال: قم يا فلان أما علمت أني أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فاخرج وأخبر بها من وراءك، تحدياً وقوةً وثباتاً وصموداً، ولما أراد رضي الله عنه أن يهاجر كان بعض الصحابة يهاجرون خفيةً ولواذاً، أما هو رضي الله عنه فقد جاء إلى قريش وهم عند الكعبة فقال: [يا معشر قريش! من سره أن تثكله أمه، فليلحقني ببطن هذا الوادي، فإني مهاجر] والله ما لحقه أحدٌ أبداً، وهو ذلك الغليظ الشديد، الذي كان يرعى إبل الخطاب وكان أعرابياً شديداً صلباً. انظروا كيف هذب الإسلام النفوس، وانظروا كيف طوعها وذللها لطاعة الله، كان يمشي ذات يومٍ مع أصحابه فجاءت امرأة عجوز، قالت: يا عمير، فالتفت إليها وكأن الصحابة وجدوا في أنفسهم من مقالتها شيئاً، فالتفت إلى المرأة العجوز وأذعن برأسه وطأطأ إليها، ثم أخذت به لحاجتها متنحيةً عن الطريق، فقالت: يا عمر بن الخطاب كنت تدعى عميراً والآن سُميت عمر قد ولاك الله أمر المسلمين، يا عمر بن الخطاب، ثم أخذت تعظه، ثم أخذت تذكره وكأن الصحابة ثقل عليهم قولها على أمير المؤمنين رضي الله عنه، فعندما عاد إليهم قال: أتعجبون من ذلك لها؟! هذه التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أفلا أسمع لها؟! هذه المجادلة التي جاءت تجادل في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاورها وزوجها من فوق سبع سماوات وتقول عائشة: [جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجادل في زوجها وتشتكي إلى الله، جاءت عند رسول الله، والله ما بيني وبينها ورسول الله إلا الستر، لا أسمع شيئاً من كلامها، وسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات] فسبحان من لا تخفاه خافية، ولا تشتبه عليه الأصوات، ولا تختلف عليه اللغات. أيها الأحبة! أعجيبٌ بعد هذا أن نطمع في هداية شاب ضل الطريق؟! لا وألف لا، فلنكن على ثقة ولنكن على اطمئنان، أن قوة هذا الدين إذا وجدت من يحملها بأسلوب بلاغٍ مناسب فإنها والله تنفذ في الحجر الصلد والصخور الصماء، فكيف بقلوب بني آدم حينما يبذل الإنسان سعياً ولو قليلاً، فما أقرب الناس إلى الهداية!

سهيل بن عمرو خطيب في الجاهلية والإسلام

سهيل بن عمرو خطيب في الجاهلية والإسلام وقصةٌ أخرى مما يدلك على أن الناس في أقرب الأحوال إلى دينهم لو وجدوا ما يحركهم: جاء سهيل بن عمرو مندوب قريش يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم في صُلح الحديبية، فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب باسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم إلا رحمان اليمامة، فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب باسمك اللهم، ثم قال: اكتب من محمدٍ رسول الله، قال: لو شهدنا أنك رسول الله ما قاتلناك، قال: فاكتب من محمد بن عبد الله، ثم أملى الشروط التي من أهمها: أن من خرج من المسلمين من مكة إلى المدينة يرده الصحابة إلى مكة. الحاصل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان واقفاً فاشتد غضبه وغلا غيظه، فقال: يا رسول الله! ألسنا المؤمنين؟ قال: نعم، قال: أليسوا بالكافرين؟ قال: نعم، قال: فعلامَ نعطي الدنية في ديننا يا رسول الله؟! أفلا تدعني أخلع ثنية هذا الكافر وكان سهيل بن عمرو خطيباً مصقعاً إذا تكلم في قريش سمعت وتأثرت بكلامه، فقال عمر: أفلا تدعني أخلع ثنيتيه ليكون أثرماً، فلا يكون بلاغة الخطاب والكلام منه كما يريد، فقال صلى الله عليه وسلم: (لعل الله أن يُريك منه يا عمر موقفاً يُعز الله به الإسلام وأهله) فعجب عمر من هذا الكلام أي موقفٍ بعد هذه المفاوضة، وما هي إلا سنين قليلة ثم يموت صلى الله عليه وسلم، فترتد قبائل العرب وتهم قريش بالردة، فيقوم سهيل بن عمرو بعد أن أسلم وقال: يا معشر قريش! أما تستحوا أن تكونوا آخر من أسلم وأول من يرتد، فخجل القوم على نفوسهم وكانت كلمته مؤثرةً في قريش، وتذكر عمر رضي الله عنه مقالة النبي صلى الله عليه وسلم: (لعل الله أن يريك منه موقفاً أو يوماً يعز الله به الإسلام) هذا فيما يتعلق بالقديم.

توبة سارق

توبة سارق وأما فيما يتعلق بأحوال السلف فالقصص في ذلك كثيرة، منها: أن رجلاً من الصالحين كان ممن يسرقون ويتسورون البيوت والدور، فتسور ذات يومٍ داراً في هجيعٍ مُظلمٍ من الليل، فلما أن وضع رجله على الجدار إذ بصاحب الدار من الذين يتهجدون ويقومون الليل ويقرءون قول الله جل وعلا: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد:16] ثم بكى الرجل وهو متسلقٌ السور، فقال: بلى آن بلى آن، أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق، فعاد من ليلته وطلب العلم وحسنت حاله وأصبح من أجل العلماء والسلف الصالحين.

توبة شاب معاصر

توبة شاب معاصر وفي عصرنا الحاضر: أذكر لكم قصة شابٍ معروفٍ من هذه البلاد؛ كان قد صرف في أسبوعين فقط أربعةً وستين ألفاً، أنفقها في أسبانيا وفي المغرب بين ألوان الفساد والمنكرات، وحدث ولا حرج عما تعنيه هذه الكلمة، ثم دخل ذات يومٍ ليزور مآثر إسلامية في الأندلس فلما دخل وكانت بجواره فتاةٌ رشيقةٌ حسناء وهي تعرض عليه وتقول: هذا مسجد المسلمين حولناه إلى كنيسة، وهذا ثم لفت نظره إلى قوس من صناعة المسلمين مكتوبٌ عليه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] ثم تأثر شيئاً قليلاً لم يظهر عليه، ثم قالت له تلك المرشدة: وذاك هو المنبر الذي كان يخطب عليه الخليفة ويسير الجيوش ليغزونا في فرنسا وأوروبا فما هي إلا لحظات حتى طاش جنونه وابتعد عنها، ثم اتجه إلى المنبر فوجده قد شمع بالشمع الأحمر فاخترقه وصعد ثم مسك بهذا المنبر وأخذ يصرخ بما لا يعرف، وأخذ يصيح بما لا يعقل، وهو يهز هذا المنبر من شدة تأثرٍ في نفسه لم توافقه العبارات أن يُفصح عنه ثم نزل باكياً وحجز من يومه إلى بلاده وعاد إلى وطنه، ثم أصبح الآن من خيرة شباب الجهاد في أفغانستان والله رأيته بعيني شاباً كصقرٍ في عليائه، إذا قلب نظراته كأنما يقتنص فريسةً، قد شُغفت نفسه بالجهاد والقتال، وترك ذلك العُهر والدمار والفساد. فليس غريباً على الله يا عباد الله؛ وليس بعيداً على أبناء المسلمين أن يعودوا لدينهم، وأن يحملوا رايته وأن يجاهدوا في سبيل إعلائه مهما بلغوا ومهما كان منهم.

قصة تؤثر في بعض الفساق

قصة تؤثر في بعض الفساق وقصةٌ أخرى حدثني بها من كانت له واقعةٌ أيضاً قال: كنا في مجلسٍ وفيه طوائف من الشباب على اختلاف مناهلهم ومشاربهم، وفيهم الفُساق بكل ما تعنيه كلمة الفِسقِ من معنى، قال: فقمت أحدثهم عن شأن اللاجئين في أفغانستان وكيف تعرض لهم الشيوعيون، قال: وكان لاجئ طاعن في السن شيخ هرم كبير يحدثنا، ثم استعبر وبكى وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله. قال: فشدني استعباره والتفت إليه وأمسكت به، قلت: أقسمت عليك يا شيخ لتخبرني ما الذي حصل لك، فحاول أن يتهرب ويعتذر فكنت لحوحاً في السؤال، قال: كنت في طريقي وقد قتلت زوجتي ومعي بناتي فاعترض لنا الروس ثم كبلوني مقيداً وأخذوا بناتي وجردوهن من ثيابهن ثم وقف الروس كالطابور واحداً تلواً الآخر يفعلون الفاحشة في بناتي وأنا والله أنظر ثم لما انتهوا منهن بعد أن أصابوا بناتي بما فعلوه من جرمٍ وحشي لا يُذكر، قال: قتلوا بناتي واحدة بعد الأخرى ثم أطلقوا سراحي لكي أموت غيظاً، ولكي أموت كمداً، ولكي أموت قهراً فإني والله كلما تذكرت هذه القصة لا أملك عبرةً تترقرق أو دمعةً تنزل أو شجاً يغص في حلقي، قال: فلما سمع من حولي من الشباب هذه القصة والله ما رأيت إلا دموعاً تتحدر وبكاءً وشهيقاً علا حتى غط المجلس فتأثروا بما كان يتحدث به عن وضع إخوانهم. إذاً: فلا غرابة أن يتأثر شبابنا وأن يعودوا إلى الإسلام، وأن يئوبوا إلى حظيرته، وأن يكونوا من أعز أنصاره وأعوانه. إن هذا الدين ليس حصراً على أمةٍ بعينها، أو فئةٍ بعينها، أو طائفةٍ بعينها. إن الناس في توجههم إلى الله يتفاوتون قرباً وبعداً بحسب تقواهم لله، وكم من فاسقٍ تاب وأناب إلى الله! ونال منزلةً ما بلغها عابد من العباد! ولا زاهد من الزهاد! فاعتبروا يا أولي الأبصار! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

بعض ثمار الحكمة والموعظة الحسنة

بعض ثمار الحكمة والموعظة الحسنة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها؛ وكل محدثةٍ بدعة؛ وكل بدعةٍ في الدين ضلالة؛ وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! نسوق تلك المقدمة وتلك القصص لكي نعلم، ولكي نتيقن أنه ينبغي أن ننظر لكل شابٍ رأيناه، ولكل من عرفناه وهو على حالٍ من الفساد والمعصية، أن ننظر له بعين العطف، وأن ننظر له بعين الخوف، الخائفين عليه من عذاب الله، المشفقين عليه من النار، المحبين له ما أحببناه لأنفسنا من رضا الله والجنة، لا أن ننظر لمن كان عليه أثرٌ من آثار المعاصي والمنكرات نظرة العلو والتكبر، أو أن نخاطبهم خطاب السيد لعبده أو الأمير لمأموره، لا وألف لا، فإن الناس في هذا الزمان كلٌ قد استغنى بحاجته: كلانا غنيٌ عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا كلٌّ غنيٌ بما آتاه الله جل وعلا، فلا سبيل إلى النفوس إلا بالتواضع وخفض الجناح، وطلاقة الجبين والبشاشة الدائمة، ورقة العبارة، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، إن هذا لهو خير سبيلٍ يدخل به الدعاة إلى الله إلى نفوس الناس مهما كانت معاصيهم، ومهما تنوعت منكراتهم، ومهما تلون منكرهم وباطلهم. منذ أسبوعٍ أو أقل وقفت عند محلٍ من محلات التسجيلات الإسلامية فإذا بي أجد شاباً صبيح الوجه عليه علامات الهداية والتقى ويشع من وجهه نور إيمانٍ، هذا ما رأيته، وإذا به يخبرني قال: هذا كان محلاً لي وكان قبل شهرين أو ثلاثة محلاً أبيع فيه أشرطة الغناء وأشرطة اللهو، فمنّ الله عليّ بحادثةٍ بسيطة تبت إلى الله مما كنت فيه، وما فعلت فاحشةً أبداً، لكني كنت غافلاً غفلةً عجيبة، ثم تبت إلى الله وقلبت هذا المحل من محل تسجيلاتٍ خليعة وماجنةٍ، ومن مزامير الشيطان إلى مكانٍ أنشر فيه كلام الله وسنة نبيه، وندوات العلماء، والمواعظ النافعة الصالحة. إذاً أيها الأحبة! ليس بعيداً وليس غريباً مهما كان الإنسان فيما كان، ومهما بلغت درجته ومنزلته، إن شباباً الآن في أرض الجهاد هم من أبناء الأثرياء ومن أبناء الكبراء، ما الذي أخرجهم إلى أرض الجهاد، لم يقل أحدٌ: إن هذا فرض عينٍ على رءوسكم، لكن ما الذي أخرجهم قالوا: أردنا الجنة واشتقنا إلى الشهادة، وطمعنا أن تغفر لنا الذنوب عند أول دفعةٍ من الدم، ورغبنا أن نرى الحور العين حال الموت، وأن نُشفَّع في سبعين من أهل بيوتنا، ولا حاجة لنا في دنيا نحن فيها من المراكب والقصور، وكل نعيم العيش ووفير الفراش. أيها الأحبة! اعلموا أن هذا الدين قوته ذاتية فاحملوه برفقٍ وهدوء وقدموه في ثوبٍ قشيبٍ جميل فإن النفوس سرعان ما تستجيب له. أسأل الله جل وعلا أن يُعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، وأن يُبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، يا سميع الدعاء، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على الحق يا رب العالمين. اللهم ما علمت في أحدٍ خيراً له ولأمته فقربه له، وما علمت في أحدٍ شراً له ولأمته فأبعده عنه، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا ميتاً إلا رحمته. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً، اللهم جازه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفواً وغفراناً، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر المجاهدين، اللهم ألف بين قلوبهم، اللهم وحد صفهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم سدد رصاصهم، اللهم أقم دولتهم على كتابك وسنة نبيك يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم انصرهم على اليهود، اللهم عليك بأعداء دينك الجعفرية والاثني عشرية، اللهم عليك بهم، اللهم مزقهم شر ممزق، اللهم أهلك بعضهم ببعض، اللهم أشعل نار الفرقة بينهم، وفتيل الفساد والخلاف في صفوفهم، اللهم اجعلهم بدداً، ولا تبقِ منهم أحداً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، فإنهم لا يعجزونك يا جبار السماوات والأرض. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

أهمية السنة

أهمية السنة إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حثنا على الالتزام بسنته، وحذرنا من مخالفته واتباع البدع والضلالات، وقد بين الشيخ في هذه المادة بعض الأخطاء التي تقع بسبب التفريط بالسنة، وعدم الاهتمام بها، وركز الشيخ على المخالفات في باب الطهارة.

أخطاء في الوضوء مخالفة للسنة

أخطاء في الوضوء مخالفة للسنة الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يكفره، وأصلي وأسلم على نبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد أيها الأحبة في الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! مرَّ بنا الحديث في واحدة من الجمع الماضية عن أهمية السنة واتباعها، وعن أهمية تعلم الإنسان لأحكام دينه، لكي يعبد الله وحده لا شريك له على بصيرة، إذ أن شرط قبول الأعمال: الإخلاص والمتابعة، فمن حقق واحداً منها، وضيع الآخر؛ فهو على خطر أن يكون عمله هباءً منثوراً، فكان لابد للمؤمن أن تكون أعماله وأفعاله وأقواله خالصةً لله وحده لا شريك له، صواباً على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومرَّ بنا الحديث حول بعض المغالطات والأخطاء الشنيعة الكثيرة المتعددة، التي يقع فيها كثير من المسلمين، مما ينعكس الأمر على عبادتهم، ومن ذلك الوضوء، فكثير من المسلمين يجهلون ويخطئون في تطبيق أحكام هذه العبادة، والتي لها أكبر الأثر حيث إنها شرط للصلاة، فإذا ضاع الشرط، فقد بطل المشروط، فكان لابد لنا أن نتم هذا الحديث، وقلنا بلاغاً للفائدة، وإسناداً للفضل لأهله: إن جملة هذه المعلومة لطالب من طلبة العلم كتبها واحتسبها لوجه الله جل وعلا، فمن باب نسبة الفضل إلى أهله نسأل الله أن يثيبه على ما جمع وأفاد.

اعتقاد وجوب مسح الرقبة في الوضوء

اعتقاد وجوب مسح الرقبة في الوضوء أيها الأحبة في الله! يخطئ بعض المسلمين بظنهم أن مسح الرقبة أمر واجب من واجبات الوضوء، ويحتجون في فعل ذلك بحديث نصه: (مسح الرقبة أمانٌ من الغل) قال النووي في المجموع: هذا حديث موضوع، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فعلم بهذا أن ما يفعله بعض المسلمين من مسحهم للرقبة من مقدمتها، أو خلفها، خلاف للسنة، بل بدعةٌ على عبادة الوضوء، فلينتبه لذلك.

اعتقاد أن الوضوء لا يصح إلا بغسل العضو ثلاث مرات

اعتقاد أن الوضوء لا يصح إلا بغسل العضو ثلاث مرات ومن الأخطاء التي وقع فيها كثيرٌ من المسلمين اعتقاد بعضهم أن الوضوء لا يتم إلا إذا كان ثلاثاً ثلاثاً، أي: غسل كل عضوٍ ثلاث مرات، وهذا اعتقاد خاطئ، قال البخاري في صحيحه: باب الوضوء مرة مرة، باب الوضوء مرتين مرتين، باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وأورد تحت الباب الأول حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة) وروى -أيضاً- في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين) وروى -أيضاً- من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، قال: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فغسل وجهه مرةً، ويديه مرة، ورجليه مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله عز وجل الصلاة إلا به، ثم دعا بوضوء فتوضأ مرتين مرتين، وقال: هذا وضوء من ضاعف الله له الأجر مرتين، ثم دعا بوضوء، فتوضأ ثلاثاً، وقال: هكذا وضوء نبيكم صلى الله عليه وسلم والنبيين قبله) أو قال: (هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي) رواه ابن شاهين في الترغيب، وابن السكن، وله شواهد كثيرة، قال الصنعاني في سبل السلام: وله طرقٌ يشد بعضها بعضا، فدلت الأحاديث على جواز الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً.

خطأ زيادة غسل الأعضاء على ثلاث

خطأ زيادة غسل الأعضاء على ثلاث ومن الأخطاء الشائعة التي يقع فيها بعض المسلمين: الزيادة في عدد غسل أعضاء الوضوء، أو بعضها، أكثر من ثلاث مرات، وهذا يحدث من بعض الناس، فيعتقد أنه كلما أكثر من غسل أعضاء وضوئه، زاد أجره، وهذا وسوسةٌ وتلبيس من الشيطان، لأن العمل إن لم يكن مشروعاً فهو مردود؛ لما قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد) وإذا كان ذلك كذلك، فإن السنة في الوضوء ألا يجاوز المسلم غسل أعضائه أكثر من ثلاث مرات فقط.

عدم لزوم غسل الفرج عند كل وضوء

عدم لزوم غسل الفرج عند كل وضوء ومن الأخطاء الشائعة أيضاً اعتقاد بعض الناس أنه لابد من غسل الفرج قبل كل وضوء، ولو لم يحدث، وهذا خطأ شائع، والصواب أن يقال: من أدركته الصلاة، وقد سبق ذلك نومٌ، أو خروج ريحٍ من الدبر، فما عليه إلا أن يتوضأ، ولا يحتاج في ذلك إلى غسل فرجه، ومن اعتقد خلاف ذلك، فقد ابتدع في دين الله، إضافةً إلى أن ذلك من الوسوسة، وأما إذا أراد المسلم قضاء حاجته قبل الوضوء، ففي هذه الحالة يجب عليه غسل فرجه، وتنقية مكان البول والغائط، ويدل على ذلك ما ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: (بت عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فلما كان في بعض الليل، قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شنٍ معلق، توضأ وضوءاً خفيفاً) الحديث رواه البخاري، ولم يذكر ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غسل فرجه.

من الخطأ استقبال القبلة حال قضاء الحاجة وبناء المراحيض في اتجاه القبلة

من الخطأ استقبال القبلة حال قضاء الحاجة وبناء المراحيض في اتجاه القبلة ومن الأمور والأخطاء التي يقع فيها كثير من المسلمين: أنهم يستقبلون القبلة عند البول والغائط، وهذه مسألة قد عمت وعظمت بها البلوى، وشاعت في بيوت ومراحيض كثير من الناس، بل حتى عند المساجد، فيغفل البعض أو يتساهل البعض من المسلمين عند بناء بيوتهم عن تغيير اتجاه أماكن الخلاء خلافاً لجهة القبلة، بل إن بعضهم قد يتعمد ذلك، ولا يبالي بموضوع السنة، أو ما ورد في هذا، إذا كان هذا يوافق مخطط البناء، وهذا من المصائب التي ابتلينا بها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتساهل بعض المسلمين عند قضاء حاجته، فقد يكون مستقبلاً للقبلة ومع ذلك فلا ينحرف عن جهة القبلة يميناً أو يساراً، وهذا مما شاع في هذا الزمان، وفي هذا نصوصٌ صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحذر من ذلك: فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القبلة، ولا يولها ظهره، ولكن شرقوا، أو غربوا) رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن، وقوله: (شرقوا، أو غربوا) هذا بالنسبة للمدينة، أما بالنسبة لنا هنا، فإن من غرب، فقد استدبر أو استقبل القبلة، وكذلك من شرق. فالمهم أن ينحرف الإنسان عن جهة القبلة، وأن يحرص على صرف مراحيض بيته عن جهة القبلة دبراً، أو قبلاً، واختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال عديدة: فمنهم من ذهب إلى القول بتحريم استقبال القبلة، أو استدبارها، وهذا هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، قال ابن القيم رحمه الله: لا فرق في قضاء الحاجة بين الفضاء والبنيان ببضعة عشر دليلاً، وقال الشيخ ابن قاسم: وهذا أصح المذاهب في هذه المسألة، وليس مع من فرق بينها ما يقاومها البتة، وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام، قال: وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا، ثم قال الشوكاني بعد ذلك: وهو الحق، أي: أن النهي في عدم استقبال القبلة بغائط أو بول هو الحق، لأن النهي يقتضي التحريم ولا صارف له، فلا وجه للحكم بالكراهة فقط.

ترك الدهانات العازلة على أجزاء الوضوء دون غسلها

ترك الدهانات العازلة على أجزاء الوضوء دون غسلها ومن الأمور التي يتساهل بها بعض المسلمين في شأن الوضوء: أن بعضهم يمس يده، أو يقع عليها نوعٌ من الدهان الذي تطلى به الحيطان، وهو ما يعرف بالبوية، وهذا النوع إذا وقع على اليد، يمنع وصول الماء إلى الجزء الذي يراد غسله، فيبقى الوضوء ناقصاً، لذا فإن على من وقع على يده شيء من هذا أن يبادر إلى إزالته قبل الوضوء بالمواد الخاصة التي تزيل هذه الدهانات وغيرها، ومن المواضع التي تقع فيها كثير من النساء ما يجعلنه على أظفارهن، وهو ما يسمى بالمناكير، هذا طلاء فيه سماكة بحيث يمنع وصول الماء منعاً باتاً، لذلك فيجب على المرأة التي تضع هذا الطلاء على شيء من أجزاء يدها أن تزيله قبل الوضوء حتى يعم الماء الجزء المغطى، فيكون الوضوء تاماً صحيحاً.

من الخطأ التيمم عند الحدث مع وجود الماء

من الخطأ التيمم عند الحدث مع وجود الماء ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من المصلين أن أحدهم إذا أحدث في مصلاه، ضرب بيده ما تحته من السجاد، ثم تيمم وصلى مع الجماعة، وهذا غالباً ما يحصل إذا كان الزحام شديداً بالمسجد، وقد يحصل كثيراً في الحرمين أو في المساجد الكبيرة، ويقع هذا عندما يكون الوقت بارداً، فيحدث الإنسان ثم يتكاسل عن الذهاب إلى مكان الوضوء ليتوضأ بالماء، أو يحدث هذا عند إقامة الصلاة، فيظن بعضهم أن إدراك الصلاة مع الجماعة بالتيمم أولى من الذهاب إلى الوضوء، فجميع ما تقدم ذكره مما يقع فيه كثير من الناس عن جهل أو حسن نية، والقول في ذلك: أن من ترك الوضوء بالماء مع إمكان حصوله على الماء، ثم عمد إلى التيمم؛ ففعله غير جائز، وصلاته باطلة، وذلك لأن الله تعالى لم يرخص في التيمم إلا عند فقد الماء، أو تعذر استعماله، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة:6]، فدلالة الآية صريحة على أن التيمم لا يجوز عند وجود الماء، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء، ولو إلى عشر حجج -أي إلى عشر سنين- فإذا وجدت الماء، فأمسه بشرتك) رواه أحمد وأبو داود والترمذي. ففي هذا الحديث بيانٌ أن التيمم لا يقوم مقام الماء إلا إذا فقد الماء، أما إذا وجد الماء أو سهل الحصول عليه ولو بجهدٍ، أو بشيءٍ من الكلفة في نواله قبل خروج الوقت، فلابد أن يتجه المسلم إليه، ولا بد أن يتوضأ، وألا يعدل عن الوضوء إلى التيمم. قال ابن تيمية: وقد اتفق المسلمون على أنه إذا لم يجد الماء في السفر، تيمم وصلى إلى أن يجد الماء، فإذا وجد الماء، فعليه استعماله. ومن الأمور التي ينبغي أن ننتبه لها -أيها الإخوة- وهو مرتبط بهذا: أننا نلاحظ كثيراً من المسافرين على قارعة الطريق، ورأيت هذا بعيني مراراً، وتراه ليس بينه وبين المدينة التي يقدم إليها إلا بضعة كيلو مترات، ثم تجده على الطريق يتيمم على جانب الطريق، ثم يصلي ومن معه، فواجب طالب العلم، وواجب من فقه حكم هذه المسألة أن يرشده وأن يبين له، وأن يقول: ليس بينك وبين المدينة التي تصلها إلا مسافةً قليلةً يمكنك أن تدرك الماء فيها قبل خروج الوقت، فعند ذلك ينبغي أن ننتبه لهذه المسألة، وعند ذلك نرشده، ولا يقع في خطأ يودي بالبطلان في صلاته. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

النوم المستغرق يبطل الوضوء

النوم المستغرق يبطل الوضوء الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، والتزموا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وعضوا عليها بالنواجذ، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. أيها الأحبة! ومن المخالفات التي يقع فيها كثيرٌ من المصلين والمسلمين أن أحدهم يأخذه النوم وهو في صلاة الجمعة، أو في مسجد من المساجد، فإذا أقيمت الصلاة خاصةً صلاة الفجر والجمعة، قام وصلى مع المسلمين، ولم يلق لنومه بالاً، ولم يعره اهتماماً، ولم يعرف ذلك المصلي أن بعض النوم قد ينقض الوضوء، فيصلي صلاةً بغير وضوء، فتكون صلاةً باطلةً غير صحيحة، ونسوق هنا فتوى لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز نسأل الله أن يمد في عمره، وأن يبارك له في وقته، وأن يمتعه بالصحة والعافية، نسوق هنا فتوى له في هذه المسألة سئل سماحته حفظه الله عن الذين ينامون في المسجد الحرام قبل الظهر والعصر مثلاً، ثم يحضر المنبه للناس يوقظهم، فيقومون للصلاة دون أن يتوضئوا، وهكذا بعض النساء أيضاً، فما حكم ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. فأجاب سماحته بما نصه: النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً قد أزال الشعور، لما روى الصحابي الجليل صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم). أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له، وصححه ابن خزيمة، ولما رواه معاوية رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العين وكاء السه) قال ابن الأثير في النهاية: والسه: حلقة الدبر (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان، استطلق الوكاء) أخرجه أحمد والطبراني، وفي سنده ضعف، لكن له شواهد تعضده كحديث صفوان المذكور، وبذلك يكون حديثاً حسناً، وبذلك نعلم أن من نام من الرجال أو النساء في المسجد الحرام، أو في غيره، فإنه تنتقض طهارته، وعليه الوضوء، فإن صلى بغير وضوء، لم تصح صلاته. واعلموا -أيها الأحبة- أنه لا حاجة إلى الاستنجاء في النوم ونحوه كالريح، ومس الفرج، وأكل لحم الإبل، وإنما يجب الاستنجاء أو الاستجمار من البول والغائط خاصة، وما كان في معناهما قبل الوضوء، أما النعاس فلا ينقض الوضوء؛ لأنه لا يذهب معه الشعور، وبذلك تجتمع الأحاديث الواردة في هذا الباب، والله ولي التوفيق، انتهى جواب سماحته. وعلى ذلك، فمن نام في مصلاه، فعليه إعادة الوضوء، فإن صلى ولم يعد، بطلت صلاته، أما من نعس، فلا يعيد وضوءه كما تقدم، والله تعالى أعلم.

من مس فرجه انتقض وضوؤه

من مس فرجه انتقض وضوؤه ومن المخالفات التي يقع فيها كثيرٌ من المسلمين: أن بعض الناس عند فراغه من غسل الجنابة، وقبل أن يرتدي ملابسه تقع يده على فرجه، فلا يلقي لذلك بالاً، ويصلي بذلك الغسل ما لم يحدث، لكن هذا لم يعرف أنه إذا لامست يده فرجه قد انتقض وضوءه، وفي ذلك دليل روته بشرة بنت صفوان رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مسَّ ذكره، فليتوضأ) أخرجه مالك وأحمد، وأهل السنن، وعلى ذلك فيقال لمن اغتسل: احرص ألا تمس يدك فرجك، لئلا ينتقض الوضوء، فإن مسست ذلك، فعليك إعادة الوضوء.

من الخطأ عدم الغسل من الجماع إلا إذا أنزل

من الخطأ عدم الغسل من الجماع إلا إذا أنزل ومن المخالفات -أيضاً- أن بعض الرجال إذا جامع أهله لا يغتسل، ولا يأمر أهله بالغسل إلا إذا أنزل، وهذا أمرٌ يقع كثيراً، ونكتشفه ونعرفه من كثرة الأسئلة حول هذا الموضوع، ويخطئ فيه الكثيرون، فالقول في ذلك- وبالله التوفيق- كان الأمر أولاً: ألا يغتسل الرجل إلا إذا أنزل، وألا تغتسل المرأة إلا إذا أنزلت، ودليله ما أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الماء من الماء) قال الصنعاني: أي الاغتسال من الإنزال، فالماء الأول المعروف، والثاني: المني، لكن هذا الحديث قد نسخ بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب الغسل) متفق عليه، وزاد مسلم: (وإن لم ينزل) وفي لفظ أبي داود: (وألزق الختان بالختان) فهذا الحديث استدل به الجمهور على نفس مفهوم حديث (الماء من الماء) واستدلوا على أن هذا آخر الأمرين، بما رواه أحمد وغيره من طريق الزهري عن أبي بن كعب أنه قال: (إن الفتيا التي كانوا يقولون: الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد) صححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال الإسماعيلي: صحيح على شرط البخاري، وهو صريح في نسخ حكم حديث (الماء من الماء). ومن أدلة كونه ناسخاً أيضاً حديث أبي هريرة منطوقٌ، وحديث أبي سعيد مفهوم، والمنطوق مقدمٌ على المفهوم. أيها الإخوة! فافهموا أحكام هذه العبادة الجليلة، افهموا أحكامها لما ينبغي للمسلم أن يقوم بها لكي ينال أجرها كاملاً، وافهموا أحكامها لما يترتب عليها من عبادات جليلة كصلاة وطواف وغيرها، فربما أخلَّ الإنسان بذلك، فينتقل الخلل إلى ما بعده، وفقهوا ذلك أولادكم وبناتكم ومن رأيتموه مخالفاً لسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فإن الجاهل قد يعذر بجهله، وتقوم الحجة على العالم إذا رآه واقعاً في جهل أو خطأ، فسكت عنه ولم يبين. واعلموا -أيها الأحبة- أنه لا قيمة لكل ما سمعتموه إلا إذا اعتنينا به تطبيقاً ومتابعةً للسنة ودعوة وحرصاً على ذلك، أما أن يسمع الكلام، ثم يتعدى الآذان، فلا فائدة من هذا كله، ومن عمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم، فمن اعتنى بالسنة وطبقها، فتح الله على قلبه آفاقاً وأبواباً جديدةً من العلم، وهذا ملحوظ في علماء السلف الصالحين. نسأل الله جل وعلا أن نكون من التابعين لهم بإحسان، اللهم ألهمنا رشدنا، ووفقنا للعناية بأحكام ديننا، والاهتمام بالالتزام بسنة نبينا، ونعوذ بك اللهم من الزلل، ونعوذ بك اللهم من الضلال في أمر الشريعة والعبادة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم من أراد علماءنا بفتنة وشبابنا بضلالة، وولاة أمرنا بمكيدة، ونساءنا بتبرج وسفور واختلاط في الوظائف والتعليم، اللهم عليك به، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، واطرده اللهم عن أرضنا وبلادنا يا رب العالمين! اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم عجل نصرهم، ووحد صفهم، واجمع شملهم، وألف بين قلوبهم، اللهم اقهر عدوهم، اللهم عجل دولتهم يا رب العالمين! اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، وارحم اللهم المستضعفين في فلسطين، اللهم انصرهم على اليهود أعداء دينك، وأعداء أنبيائك ورسلك، اللهم عجل نصرهم، واكشف اللهم المحنة والكربة عنهم، اللهم رد المسجد الأقصى إلى أيدي المسلمين، واطرد اليهود عن أرض المسلمين يا رب العالمين! اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً، فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً، اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم ثبتنا على دينك إلى أن نلقاك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور، ومن الضلالة بعد الهدى، من الزلل بعد الاستقامة، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين قاعدين، اللهم احفظنا بالإسلام في كل مكان، وفي كل عصر وزمان برحمتك يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

فاحشة الزنا

فاحشة الزنا إن الله سبحانه وتعالى من إكرامه لعبده جعله معززاً مكرماً في أهله وماله وعرضه، وقد تكلم الشيخ عن أعظم فاحشة نهى الله عنها حيث قرنها بالشرك بالله، ثم بيَّن آثار هذه الفاحشة وسلبياتها على الفرد والمجتمع في الدنيا قبل الآخرة، وختمها بذكر وسائل يتقي بها المرء هذه الفاحشة والجريمة البشعة.

ذم الزنا في الشرع وموجباته

ذم الزنا في الشرع وموجباته الحمد لله، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً يليق بجلال الله وعظيم سلطانه، نحمده سبحانه أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. معاشر الأحبة: يقول الله جل وعلا: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:151] وقال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا). أيها الأحبة في الله! جريمة الزنا فاحشةٌ منطلقها من غريزةٍ موجودةٍ في بني الإنسان، لكن صاحب تلك الغريزة لم يتحكم بها، ولم يجعلها منضبطةً على النحو الشرعي الذي جاء المسلم في كتاب ربه وسنة نبيه، ودين الإسلام لم يكبت الغرائز، ولم يطلق لها العنان، إن دين الإسلام لم يطلق للغرائز العنان تسبح حيث شاءت وكيف شاءت بلا حدود، ولا روادع تردعها من دينٍ أو خلقٍ أو عرف -كما هو الشأن في المذاهب الإلحادية التي لا تؤمن بدين، ولا فضيلة- وفي هذا انحطاطٌ بالإنسان إلى مرتبة الحيوان، وإفساد للفرد والأسرة والمجتمع، حينما يترك العنان طليقاً للغرائز تعبث كيف شاءت، ودين الإسلام لم يصادم الغريزة، ولم يكبتها كما هو الشأن في مذاهب الحرمان والتقشف والتشاؤم، كالرهبانية والمانوية، ومن فعل بالغريزة هذا الموقف، فقد وأدها، وعطل عملها، ووقع في منافاة الحكمة التي من أجلها ركبت في الإنسان، إن دين الإسلام جعل لهذه الغريزة حدوداً تنطلق في داخلها وضمن إطارها دون كبت مرذول، أو انطلاق مجنون. أيها الأحبة في الله! إن دين الإسلام لم يجعل هذه الغريزة مكبوتةً ولم يجعلها طليقة، بل وظفها ضمن إطار نافع للفرد وللمجتمع، خلافاً لتلك الشرائع التي أباحت الانفتاح والانحلال، والعلاقات الاجتماعية المفتوحة. أيها الأحبة! إن هذا الدين الذي يسر لهذه الغريزة سبيلاً من الحلال، ونهى صاحبها عن التبتل واعتزال النساء، هو الدين الذي حرم الزنا، وهذا هو الموقف العدل الوسط، فلولا أن شرع الزواج ما أدت الغريزة دورها في استمرار الإنسان وبقاء نوعه، وما نشأت الأسرة التي تتكون في ظلالها العواطف الاجتماعية الراقية، من المودة والرحمة والحنان والحب والإيثار. عباد الله! إذا رأينا الإسلام قد حارب الزنا وشدد في النهي عنه، والتحذير منه، ذلك لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب والجناية على النسل، وانحلال الأسر، وتفكك الروابط، وانتشار الأمراض السارية، وطغيان الشهوات، وانهيار الأخلاق، يقول ابن القيم رحمه الله: والزنا يجمع خلال الشر كلها، من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورعٌ، ولا وفاءٌ بعهد، ولا صدقٌ في حديث، ولا محافظةٌ على صديق، ولا غيرةٌ تامةٌ على أهله، فالغدر والكذب وقلة الحياء والخيانة، وعدم المراقبة، وعدم الأنفة للمحارم، وذهاب الغيرة، هي خلق الزاني. ومن موجبات هذا الزنا: غضب الرب عليه بإفساده، ومن موجباته: سواد وجه صاحبه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين، ومن موجبات الزنا: ظلمة القلب، وطمس نوره، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه، وغشيان الظلمة له، ومن موجبات الزنا: الفقر اللازم، ومن موجبات الزنا: أنه يذهب حرمة فاعله، فيسقط من عين الله، وأعين عباده المؤمنين، ومن موجباته: أنه يسلب الزاني أحسن الأسماء وهو العفة والبر والعدالة، ويعطيه أضدادها، كالفجور والفسق والزنا والخيانة. قال الإمام أحمد رحمه الله: لا أعلم بعد قتل النفس شيئاً أعظم من الزنا، وقد أكد حرمته سبحانه وتعالى بقوله: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:69 - 70] وقد قرن الله الزنا بالشرك وقتل النفس، وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف ما لم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح، وقد قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] فأخبر عن فحشه في نفسه، وهو القبيح الذي قد تناهى قبحه، حتى استقر فحشه في العقول حتى عند كثير من الحيوانات، كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون، قال: [رأيت في الجاهلية قرداً زنا بقردة، فاجتمع القرود عليهما فرجموهما حتى ماتا].

آثار الزنا الخلقية والخلقية

آثار الزنا الخلقية والخُلقية أيها الإخوة في الله! إن الزنا مرضٌ خُلقيٌّ خبيثٌ؛ لا يظهر ويشيع إلا في المجتمعات المنحرفة التي تدنت إلى رجس الجاهلية وقذارتها، وإن الزاني رجلٌ منحرفٌ قد مسخت فطرته وانقلبت، كيف لا والخالق سبحانه وتعالى قد قرنه مع المشركين وقاتلي الأنفس التي حرمها الله بغير حق! وكيف لا يكون الزاني كذلك وقد انتهك عرضاً! واستحل حرمةً! وزرع بذرةً في أرض غيره! ولو تبصرت بعين العقل، وتأملت بعين الفكر طفلةً ضائعةً شريدةً جاءت ثمرة مرة لشهوة لحظة، هذه الطفلة الغضة البريئة، أو هذا الطفل الغض البريء، ماذا جنى أحدهما؟ يفتح عينه على الحياة، فلا يجد إلا أحضان مومسةٍ تتلقفه، أية جريمة اقترفها أحدهما حتى يحرم من حقوق الرضاعة والنفقة والحضانة؟! أية جريمة اقترفها حتى يحرم من دفء الحياة ونعيمها بين أبوين شرعيين؟! أيها الإخوة! ليس هذا اعتراضاً على قدر الله، بل هو مضاعفة وتوجيه لإثم كل ذلك على الزاني الذي تسبب في ذلك وأحدثه في المجتمع، إن الزاني النجس قد يصور له وهمه أنه كالفراشة ينتقل من زهرة إلى زهرة، من امرأة إلى امرأة، من فتاة إلى فتاة، من غصن إلى غصن، لكن تصوره خاطئ، إنه -والله- كالكلب ينتقل من جيفة إلى جيفة قذرة، من جيفة نتنة إلى جيفة عفنة، يصور لنفسه أنه يعيش حياة الانطلاق والانفتاح، وفي الواقع أنه يعيش أسير المعصية، سجين الأوهام، يعيش ضائعاً تائهاً شريداً، لا يستطيع الإقدام على الزواج ومسئولياته كما يقدم الرجال، لأنه مصابٌ بنقصٍ في رجولته، وانحرافٍ في طبيعته، أما الزانية فإنها مخلوقةٌ شاذة، وشذوذها لا يتفق مع طبيعة الرجل العادية من الناحية العقلية والنفسية والجنسية والأخلاقية، فالزانية مسلوبة الشرف والعفاف ظاهرة اللؤم والخداع والنفاق، ترضي كل طارق، وتدعي حب كل زاني، تبتسم ابتسامةً ملؤها النفاق والخداع، وتقبل عن نفس سقيمة عليلة، وروح خادعة غاشة، ألقت برقع الحياء عن وجهها، ولبست ثوب الخبث والخديعة والرذيلة والخيانة، لا كرامة لها، ولا قوام لأخلاقها، عقيدتها فاسدة، ورأيها ضال، فلا تصلح أن تكون شريكة رجل مسلم مهذب النفس قويم الأخلاق، حسن الطباع، وصدق الله جل وعلا: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26] إلا من تاب وأقلع، فإن التوبة تجب ما قبلها، وتمسح ما كان سالفاً قبلها، ويعود كل إنسان اقترف جريمة بعد توبته طاهراً مطهراً، إذا كانت توبته نصوحاً صادقة.

مصير الزناة في الدنيا

مصير الزناة في الدنيا عباد الله! لقد ظهرت كثير من الأمراض التي لم تكن معروفة من قبل، بسبب شيوع الفاحشة وانتشارها، وكان آخر هذه الأمراض ما يسمى بمرض الإيدز أي: مرض نقص المناعة المكتسبة، فأنسى الناس كل الأمراض قبله، وأصبح ذلك المرض شغل الناس الشاغل، فانعقدت لأجله الندوات، وأقيمت المؤتمرات، وأجريت البحوث والمحاضرات للتوصل إلى علاج له، لكن دون جدوى، وقد أجمع الأطباء على أن هذه الأمراض كلها لا تنتقل إلا عن طريق العلاقات المحرمة، كالزنا والشذوذ واللواط، فتأمل -أيها المسلم- عظم خطر هذه الأمراض التي يسببها الزنا، الذي وصفه الله جل وعلا بأنه: {فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] أرأيت كل عضو شارك في جريمة الزنا، أو في مقدماته، كيف يتلظى بالآلام الجسام، ويصاب بالبثور والأورام، أرأيت كيف يكون العقاب، وكيف يكون الجزاء من جنس العمل! صدق نبينا صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) هل رأيتم عاقلاً يؤثر التنعم بلحظة ليعاني بها شقاء الدنيا والآخرة؟! هذا مصير الزناة في الدنيا، آلام رهيبة في الأجساد قد تنتهي بهم إلى الموت، وقد تسلمهم إلى أمراض يتمنون فيها الموت، وتخريب كامل العقول، قد يفضي بهم هذا إلى الجنون. ولما كانت جريمة الزنا بشعة إلى هذا الحد، فرض الله جل وعلا عقوبة تناسبها، فقال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2] وقد بين صلى الله عليه وسلم أن هذا هو حكم الزاني غير المحصن، أي: غير المتزوج، أما المحصن فعقوبته الرجم بالحجارة حتى الموت، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وطبقه وحكم به في زمانه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المعارج:29 - 31]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

تحريم دواعي الزنا ومقدماته

تحريم دواعي الزنا ومقدماته الحمد لله، الحمد لله الواحد المتفرد في الكمال والجمال والجلال، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. عباد الله! إن دين الإسلام إذا حرم شيئاً سد جميع الطرق المؤدية إليه، وحرم كل ما يفضي إليه من وسائل ومقدمات، وكل ما كان من شأنه أن يستثير الغريزة الهاجعة، ويفتح منافذ الفتنة على الرجال والنساء، أو يغري بالفاحشة، أو يقرب منها، أو ييسر سبيلها، فإن الإسلام حرمه ونهى عنه سداً للذريعة، ودرءاً للمفسدة، ومن ذلك أن الإسلام حرم خلو الرجال بالنساء، حرم خلو الرجل بالمرأة الأجنبية، وهي التي لا تكون زوجةً له ولا إحدى قريباته اللاتي يحرم عليه زواجهن حرمةً مؤبدةً، ليس هذا فقداً للثقة فيهما أو في أحدهما، لكنه تحصينٌ لهما من وساوس الشيطان، وهواجس الشر، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يخلون بامرأةٍ ليس معها ذو محرم، فإن ثالثهما الشيطان) هل يسمع هذا من يسمح لأخته منفردةً تذهب مع السائق؟ هل يسمع هذا من يسمح لزوجته تذهب مع السائق لوحدها إلى السوق؟ هل يسمع هذا من يسمح لابنته أن تخرج مع السائق في أي وقت شاءت؟ عباد الله! يحذر النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً خاصاً من خلو المرأة بالحمو حتى ولو كان قريباً، والحمو هو: قريب الزوج، كأخيه وابن عمه، لما يحدث عادة من تساهل في ذلك بين الأقارب، وقد يجر أحياناً إلى عواقب وخيمة، لأن الخلوة بالقريب أشد خطراً من غيره، لتمكنه من الدخول على المرأة في البيت من غير نكيرٍ بخلاف الأجنبي، قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء! فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) فهل نسمع هذا يا عباد الله؟ إن مما يؤسف له أن أسراً عريقةً، ومجتمعاتٍ في قلب هذه المملكة الطيبة قد تساهلوا بهذا الأمر تساهلاً عجيباً، فترى الواحد منهم يدخل البيت في حال غيبة الرجل، سواءً كان الرجل في متجره، أو في وظيفته، فيأتي الضيف، فتستقبله المرأة، وتقدم له الطعام والشراب، وتجالسه وتوانسه وتؤاكله، ليس هذا بشهامة، وليس هذا بكرامة، وليس هذا بنخوة ولا بنجدة، إن الله أغير، وإن نبينا أغير، فلا تظنوا -يا عباد الله- أن بعض الناس حينما يقول: إن نساءنا بإكرامهن الضيف فذلك من الشهامة، ونحن أيضاً على غيرة في محارمنا، لا والله، إن الغيرة كل الغيرة أن نمتثل قول الله جل وعلا، وأن نمتثل قول نبينا صلى الله عليه وسلم، بعض الأسر يتهاونون في جلوس زوجات الإخوان بعضهم مع بعض، ويحتج بعضهم أن هذا يفضي إلى الحاجة إلى تقسيم مائدة الطعام والإفطار والعشاء وليكن الأمر كذلك، ما الذي يضير أن يتغدى أو يتعشى النساء في مكان والرجال في غرفةٍ أو في مكانٍ آخر؟ أيهما أولى: أن يكون هذا، أو أن يكون الأمر المحذور والخطر الشديد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فانتبهوا لذلك يا عباد الله! وإن مما حرمه الإسلام سداً لجريمة الزنا أن الإسلام حرم النظرة، حرم إطالة النظر من الرجل إلى المرأة، ومن المرأة إلى الرجل بشهوة، فإن العين مفتاح القلب، والنظر رسول الفتنة، وبريد الزنا، وقديماً قال الشاعر: كل الحوادث مبدؤها من النظرِ ومعظم النار من مستصغر الشررِ والمرء ما دام ذا عينٍ يقلبها في أعين الغيد موقوفٌ على الخطرِ يسرُّ مقلته ما ضرَّ مهجته لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضررِ وحديثاً قيل: نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامُ فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ فاتقوا الله في قلوب العذارى فالعذارى قلوبهن هواءُ ولهذا وجه الله سبحانه وتعالى أمره إلى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر مقترناً بأمره بحفظ الفروج، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:30 - 31] فأمر الله الرجال والنساء جميعاً بغض الأبصار، وحفظ الفروج، ويلاحظ أن الآيات أمرت بالغض من البصر، لا بغض البصر، ولم تقل: ويحفظوا من فروجهم كما جاء فيها: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] لأن الفرج مأمورٌ بحفظه جملة دون التساهل بشيء منه، أما البصر، فقد تجاوز الله للناس بشيءٍ منه رفعاً للحرج، ورعايةً للمصلحة، وذلك محصورٌ بنظرة الفجأة، فالغض من البصر ليس معناه إقفال العين، وإنما معناه: عدم إرساله طليق العنان يلتهم الغاديات والرائحات، والغادين والرائحين، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (يا علي بن أبي طالب لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة) وليس معنى هذا أنه يسمح للإنسان بأول نظرة، وإنما المسموح له نظرة الفجأة غير المقصودة، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، قال: (اصرف بصرك) وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (العينان تزنيان وزناهما النظر) إن النظر المتلذذ الجائع ليس خطراً على عفة الرجل فحسب، بل هو خطرٌ على استقرار فكره وطمأنينة قلبه كالذي يصاب بالشرود والاضطراب حال إطلاق نظراته، ولقد أحسن من قال: وكنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابر

وسائل تقي من الزنا

وسائل تقي من الزنا كما أن من الوسائل التي تقي من الزنا: التبكير بالزواج خصوصاً للذين يدرسون في الخارج، تلك البلاد التي تفشت فيها الدعارة، وصارت الدعارة سمةً غالبةً لأهلها. ومن الوسائل المعينة على حفظ النفس من فاحشة الزنا: الصيام لمن لا يستطيع الزواج، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء). ومن الوسائل أيضاً وهي أهم الوسائل: العناية بأمر الصلاة، وأدائها في أوقاتها، والزيادة من نوافلها، فالصلاة صمام الأمان، ناهيةٌ عن الفحشاء والمنكر كما قال جل وعلا: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] ومن الوسائل أيضاً: معرفة أضرار الوقوع في جريمة الزنا، سواءً كانت أمراضاً نفسيةً، أو بدنيةً، أو عقليةً، أو دينيةً، ومن ذلك الابتعاد عن الصور العارية، ووسائل الإغراء، والمشاهد الخليعة، تلك التي تثير الغرائز وتحركها. ومن الوسائل المعينة على تجنب تلك الفاحشة: الاستغراق في الأعمال المفيدة النافعة، فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة، شغلتك بالمعصية. نسأل الله أن يحمينا جميعاً من مضلات الفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا هداةً مهتدين. أيها الإخوة في الله! اسمعوا وانقلوا عنا هذه الكلمة: إن من نشر فيلماً خليعاً، أو مسلسلاً كان سبباً في وقوع شابٍ في جريمة الزنا، لهو أيضاً آثمٌ كما يأثم الزاني، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى، فله أجره وأجر من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى وزرٍ، أو ضلالةٍ، أو إثمٍ، فعليه وزره، ووزر من فعله، أو تبعه لا ينقص من أوزارهم شيئاً) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فليذكر أولئك الذين يبيعون أفلاماً خليعةً، وأشرطةً هابطةً أنهم سوف يحملون أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم، ألا ساء ما يزرون، إن العبد ليثقل كاهله بذنوبه وحده، فكيف بعبد يجيء يوم القيامة قد حمل وزر نفسه وأوزار آلاف من البشر الذين اشتروا منه الأفلام؟ وإن من شارك في هذه المحلات بيعاً وشراءً وإدارةً، وتسويقاً، وتصويراً، وإنتاجاً وإخراجاً، لهو آثم أيضاً، لهو داخلٌ في الوزر أيضاً، وكذلك من شارك في وضع الصور العارية، والصور الفاتنة على غلاف المجلات، أو في بطون أوراقها، وكان بسبب ذلك أن وقع بعض الشباب في جريمة الزنا، فهو والله آثم، هو والله آثم، هو والله آثم بفعله. فاتقوا الله يا عباد الله! وافهموا ذلك جيداً، وانقلوه لكل بائع لهذه الأشرطة، وأخبروا به كل ضال مضل يضع الصور الخليعة في طيات المجلات والصحف، إن العبد لا يدري ماذا يختم له، فكيف بمن وقع في هذه الجريمة، وجرائم غيره يحملها على نفسه عياذاً بالله من ذلك. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم من أراد بمجتمعنا فتنة، اللهم من أراد في مجتمعنا انحلالاً وإباحيةً، اللهم من أراد بمجتمعنا ضلالة، اللهم اشغله بنفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! قبل ختام الحديث في هذا الباب نضيف جملةً أخيرة، وهي أن فتاة خرجت مستعطرةً متزينةً كما يقع الآن في هذا الزمان، من كثير من الفتيات، تلبس لبساً ضيقاً شفافاً يحجم مفاتنها، وقد فتحت شيئاً من ساقها، وأبدت شيئاً من نحرها، وتهاونت بظهور ذراعيها، فاستهان شابٌ بالنظر إليها، ولم يجد سبيلاً إليها، فوجد سبيلاً إلى غيرها، لهي أيضاً آثمةٌ معه في جريمة الزنا، لأنها المتسببة، لأنها هي التي أثارت غريزته، ومن ذلك أيضاً يا عباد الله أن كثيراً من الناس يتهاونون في ترك الخادمات لوحدهن في المنازل مع أبنائهم من الشباب، هذا خطر عظيم، هذا خطر جسيم، لا تظنوا الشباب ملائكة، لا تظنوهم معصومين أبداً، بل هم ذوو الغرائز، وهم في قوة الشباب، وعنفوان الشهوة، في لحظة يغيب فيها العقل، وينكسر فيها الحياء، وينطلق صمام الأمان، فتقع الفاحشة، لأن أهل البيت خرجوا وتركوا فتاةً وإن كانت أجنبيةً خادمةً، تركوها لوحدها والبيت مليء بالشباب، وإننا -والله- سمعنا بآذاننا، وعرفنا من أفواه كثيرٍ من الناس أنه حصلت جريمة الزنا بهذه الطريقة، بوجود الخادمة لوحدها في المنزل، والشاب ما كان يفكر أبداً في الزنا، لكنه دخل وخرج، ثم عاد مرةً ثانيةً وثالثةً، فوجد الخادمة لوحدها، وليس في البيت أحد، فزين له الشيطان سوء عمله، فوقع في هذه الجريمة، ثم جاء يبكي تائباً مستغفراً، فكيف حال كثير من الناس حينما يتركون الباب على مصاريعه، خاصةً أولئك الذين يستقدمون الخادمات الكافرات، إن الواحدة منهن لا ترد يد لامس، ولا تمانع أن تنال ولو شيئاً قليلاً من المال مقابل أن يقع منه ومنها ما يحقق شهوته وشهوتها، فاتقوا الله في ذلك يا عباد الله، راقبوا بيوتكم جيداً، وكونوا على مستوى المسئولية التي تحملتموها في أسركم وأولادكم وبناتكم، كذلك لا تتساهلوا بخروج الفتاة وحدها مع السائق، فمن كان مضطراً إلى هذا السائق، فليخرج محرماً مع الفتاة، أو جمعاً من النساء يمنعن الخلوة. اللهم من أراد بولاة أمرنا فتنة، وبعلمائنا مكيدة، وبشبابنا ضلالة، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم أدر عليه دائرة السوء، وافضحه على رءوس الخلائق يا رب العالمين! اللهم من أراد نشر الزنا في المجتمع بالدعوة إلى الاختلاط في الوظائف والتعليم، اللهم عليك به فإنه لا يعجزك، اللهم عليك به فإنه لا يعجزك، اللهم اقصمه قصماً، اللهم اقطع دابره يا رب العالمين! اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، قولوا: آمين.

نعمة العقل

نعمة العقل ما أنزل الله من دين إلا وجعل فيه ما يحفظ على الناس مالهم وأعراضهم، وأعظم من هذا عقولهم التي بها مناط تكليفهم؛ لذا كان من حكمته أن حرم الخمر في ديننا. وإن كان للخمر في القديم ضرر مقصور على البعض، فإن له في زماننا أضراراً وأضراراً، خصوصاً وقد ظهرت ألوان من المسكرات، والمخدرات

اهتمام الشرع بمصالح المسلمين

اهتمام الشرع بمصالح المسلمين الحمد لله القائل في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90 - 91] والصلاة والسلام على رسول الله القائل: (اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، وهي مفتاح كل شر) رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد، والقائل صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وسلم تسليماً كثيراً: (إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها، وبائعها ومبتاعها، وشاربها وآكل ثمنها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها ومستقيها). عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. واعلموا يا معاشر المؤمنين أن الله جل وعلا ما شرع للعباد شيئاً إلا لأنه يحقق مصالحهم، فما أمر بشيء إلا لمنفعتهم فيه، وما حرم شيئاً إلا لضررهم أو حصول ما يضرهم بفعله، وهذه الشريعة الغراء، والكتاب المنزل والسنة المحمدية كلها وحي يوحى، وكل دقيق وجليل فيها يشهد أنها دين حق من عند الله جل وعلا: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. أيها الأحبة! شرع الإسلام مصالح العباد وما يحفظها، فشرع ضروريات تدور كثير من الأحكام عليها، أولها حفظ الدين، ولأجل ذلك كان الشرك أعظم فتنة، والفتنة أكبر من القتل، وشرع القتال والجهاد لدفع الشرك: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:39] وكما قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) كل ذلك لأجل الحفاظ على ضرورة الدين وأهميتها وعظم منزلتها وحاجة البشر إليها؛ إذ بدون الدين يعيش الناس همجاً رعاعاً، بل بهائم، بل البهائم أهدى منهم سبيلاً. وشرع في هذا الدين حفظ العرض؛ ولأجل ذا حرم الزنا وحرم كل سبب يفضي إليه قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] وأمر الناس بغض الأبصار وحفظ الجوارح ونهوا عن إشاعة الفاحشة. وشرع في هذا الدين حفظ المال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] وقال جل وعلا: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38] حفظاً على أموال العباد ومقتنياتهم وثرواتهم. وشرع في هذا الدين حفظ النفوس فشرع القتل للقاتل، والقصاص من المعتدي؛ لأجل ذا لا يجد الناس سعادة ولا طمأنينة يأمنون فيها على أموالهم وأعراضهم وأديانهم وحقوقهم إلا في ظل هذا الدين.

تحريم الشرع للخمر

تحريم الشرع للخمر وشرع أيضاً في هذا الدين العظيم الذي لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً حفظ العقل؛ لأجل ذا حرمت الخمرة، وحرم كل مسكر، وكان وعيداً من الله لمن شربها وأزال هذا العقل وأذهبه باختياره أن يعذبه بعصارة أهل النار كما في الحديث: (من شرب الخمرة كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال. قيل: وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار وما يسيل من قيحهم وصديدهم وفروجهم). أيها الأحبة في الله! هذا الدين عظيم، وكل تشريع فيه يزيدنا إيماناً وعظمة وثقة وحباً في التضحية والفداء لأجله، هذا الدين عظيم، وما قيمة الحياة بدونه. إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء له قرينا

سبب تحريم الخمر

سبب تحريم الخمر أيها الأحبة! حرمت الخمر لأنها تذهب العقل، والعقل مناط التكليف، إن الشارع لم يسقط التكليف عن المعوق أو عن المشلول أو عن الأعمى أو الأعرج أو الأصم أو الأبكم، لكن زائل العقل حتى ولو اكتملت قواه وجوارحه دون عقله سقط عنه التكليف، وما ذاك إلا لأن مناط التكليف العقل، ولأن ارتباط العبادة بالعقل، فكيف يكون مصير عبد يعمد باختياره إلى إزالة مناط التكليف وإزالة محل العبادة فيه. ولهذا كان جواب أهل النار أنهم أضاعوا عقولهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10] لهم عقول لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، عطلوا العقول فكان مآل ذلك إلى النار وساءت مصيراً. أيها الأحبة في الله! دعاء ونداء إلى من تعرفونه قد عاقرها سراً، وأرخى الستر، وأسدل الحجب، ودعا الندامى، وأدار الكأس اهجر الخمرة إن كنت فتى كيف يسعى في جنون من عقل كيف يعمد عاقل كرمه الله بهذا العقل أن يزيل هذه الكرامة بعمده واختياره، يحرم نفسه خمراً في الجنة، وكما في الحديث: (من شربها ولم يتب منها لم يشرب خمر الجنة أبداً) {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:15] وخمر الجنة لا تذهب بالعقول {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:19].

أضرار الخمر على الأمة وشبابها

أضرار الخمر على الأمة وشبابها أيها الأحبة! ماذا يفوت الأمة؟ وماذا يحصل من الشر العظيم والوباء العميم بالتساهل بهذا الداء العضال والتهاون في وجوده وعقوبة متعاطيه ومعاقريه؟ كم تكسب الأمة من إنتاج أبنائها وحصاد عقولهم لو سلمت من هذا الوباء وذاك المنحدر الآسن؟! أليس في الخمرة هدر طاقات الشباب في هذه المحرمات؟ أليست تفوت اغتنام واستغلال القوة في البناء والدفاع والتعليم والأمن والدعوة؟ أليست تضيف أعباءً جساماً على أجهزة الأمن والقضاء والعدالة؟ يقول أحد الفضلاء: زرت سجناً من السجون فتوجهت إلى عنبر أهل الخمور والمخدرات والمسكرات فوجدت كوكبة ليست بالقليلة فقلت: يا سبحان الله! أولئك لو كانوا طليعة في جهاد، أو سرية في دعوة، أو جيشاً في نشر عقيدة، أو دعاة في محاربة بدعة، أو قادة، أو معلمين، أو بنائين، أو صناع، أو أي مهنة من المهن كم يكون نفعهم في الأمة، وكم يكون نفع الأمة منهم؟ ولكن بقطرات تتلوها قطرات. وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها فلا يفيق صاحبها منها، قطرات تلو قطرات يسكر صاحبها فيرى أنه يدبر البيت الأبيض، ويأمر ويزمجر في الكرملين، وينهى ويبطش في الشانزلزيه، وكما قال البدوي الأول: وإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير يسكر على خيال من العظمة وجنونها ويفيق على هوان من الذلة بألوانها! وحسبكم أن شارب الخمر يفوته أعظم مصلحة وهي انقطاعه عن ذكر الله وعن التفكر في مخلوقات الله والتسبيح والتحميد والتكبير لله جل وعلا. وإن الذي دعا إلى الحديث عنها أنها دبت وسرت سريان النار في الهشيم في بعض المجتمعات وبعض البيوت، حتى إن بعض من ينسبون أنفسهم إلى صنف معين أو فئة معينة يرونها من كمال الحسب ومدارج الرتب، وما هي إلا دركات تفضي إلى النار ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أضرار الخمر وحكم الشرع فيها وفي أمثالها

أضرار الخمر وحكم الشرع فيها وفي أمثالها لقد تكلم السلف والخلف في هذا فذكر ابن القيم والذهبي رحمهما الله، الأول في حادي الأرواح، والآخر في كتاب الكبائر ما فيها من الضرر الواقع فعلاً والصريح والمستنبط فيه: فأولها: اغتيالها للعقل، وكثرة اللغو على شاربها، وإسراف المال، وبذل المال في غير محله، وهي رجس من عمل الشيطان، موقعة للعداوة والبغضاء بين الناس، بل تجعل صاحبها يرتكب ما هو أعظم من ذلك، وقد قلت وأعيد: أن شاباً شرب الخمرة فجاء وزنا بأمه بعد إكراهها وإجبارها على ذلك! يحدثني بهذا قاض من القضاة الذين حكموا بقتل هذا الواقع فيها وشربها (ومن وقع على ذات محرم فاقتلوه) نسأل الله لنا ولكم السلامة في الدنيا والآخرة. ثم إنها داعية إلى الزنا، وربما دعت -كما قلت- إلى الوقوع على المحارم من بنات وأخوات. أما ذهاب الغيرة عن صاحبها فلا تسل، وسبيل الديوثية إلى داره ميسر يوم أن يقع فيها ويدمنها، ناهيك عن ما تورثه من الخزي والندامة والعار والفضيحة مع أنها تكسوه أقبح الأسماء والصفات، وتسلبه أجمال الأوصاف والنعوت. أما هتكها للأستار فعجيب! وقد كذب ذلك الشاعر الذي قال: وللسر مني موضع لا يناله جليس ولا يفضي إليه شراب فكم ظهرت الفضائح، وهتكت الأستار، وشاعت الأسرار؛ بسبب كأس تلاها ثمالة. أيها الأحبة! وحسبكم أنها أم الخبائث، والعجب في أقوام يجادلون في أنواع جديدة ومشتقات طارئة ويرون أن الخمر ليست إلا من العنب فحسب، فتجد بعض المعاندين الذين يعلمون علم اليقين حرمة ما يعاقرونه ويتعاطونه، وجحدوا بحرمته واستيقنت ذلك أنفسهم ظلماً وعلواً، ويلحق بهذا أولئك الذين يصرون على تعاطي المخدرات وما وافقها وأفضى إلى ما أفضت إليه، أو من يتعاطون القات وما شابهه في أحكامه، ولقد أجاد الشيخ/ حافظ بن أحمد الحكمي لما سئل عن القات والمخدرات والمسكرات والدخان أيضاً، فقال مجيباً بأبيات جميلة رقيقة لأولئك المتشككين في حكمها وبيان حقيقتها: يا باحثاً عن عفون القات ملتمساً تبيانه مع إيجاز العبارات كله لما شئت من وهن ومن سلس ومن فتور وأسقام وآفات كله لما شئت من لهو الحديث ومن إهلاك مال ومن تضييع أوقات لقد عجبت لقوم مولعين به وهم مقرون منه بالمضرات في الدين والمال والأبدان بل شهدوا بسكرهم منه في جل المقامات إني أقول لشاريه وبائعه إن لم يتوبوا لقد باءوا بزلات كذا الدخان بأنواع له كثرت وغير ذلك من نوع الدنيئات داء عضال ووهن في القوى ولها ريح كريه مخل بالمروءات أليس في آية الأعراف مزدجر لطالب الحق عن كل الخبيثات والنهي جاء عن التبذير متضحاً وعن إضاعة مال في البطالات دع ما يريبك يا ذا اللب عنك إلى ما لا يريبك في كل المهمات أيها الأحبة! آفاتها عجيبة، ولقد ذكر الشيخ البيحاني من علماء اليمن رحمه الله رحمة واسعة: أنها تخدر المراكز العصبية العليا، فيصاب شاربها بالجنون وضيق النفس والقلق الذي لا ينقطع، فيتداوى منها بها فيدخل دائرة الإدمان حتى يموت على ذلك، إلا أن يتداركه الله برحمة وتوبة. ثم إنها تنبه القلب تنبيهاً شديداً يعقبه الضعف والهبوط المفاجئ، وتضعف مناعة الإنسان، وتعرضه للعدوى بكل مرض من الأمراض، ومدمن الخمر معرض للإصابة بالسل أكثر من غيره، ونسبة نجاح العمليات الجراحية في مدمني الخمر قليلة جداً، وقد أجري فحص دقيق في مستشفيات عدة للأمراض العقلية في أنحاء مختلفة من العالم، وقد أسفر الفحص أن ما يقرب من (50%) من نزلاء تلك المستشفيات من أهل الخمور وسلالة المتعاطين لها. ثم إنها تتلف الكبد والكلى، وتسبب الضعف العقلي والجسمي والعصبي والجنسي أيضاً.

أرقام تثبت أضرار الخمر

أرقام تثبت أضرار الخمر أيها الأحبة! لا أريد أن أطيل في ذكر أضرارها فائذنوا للأرقام أن تتحدث، وللإحصائيات أن تفصح؛ لأنني لا أظن كثيراً من الذين يتعاطونها خاصة في مجتمعنا يشكون في حرمتها، ولكن يزين لهم الشيطان الخلوة بها، أو ظنهم أن بعض جيرانهم لا يعلمون بها، ولقد علمت وعلم كثير من المحبين لإخوانهم وجيرانهم أن هناك من يظن أن ستره بها يعينه على التمادي والإدمان لها، وقد جهل المسكين أنه ربما خرج ذات يوم باختياره فأفصح عن نفسه وأبان عن ذاته وهتك الستر تحت الإدمان. يقول الدكتور " هاينت " من منظمة الصحة العالمية: إن عدد الذين تقضي عليهم الخمر أكثر بملايين من عدد الذين يموتون من المجاعة في حزام الجفاف بـ أفريقيا. ويقول الدكتور " كيف بول ": إن بريطانيا خسرت مليون إنسان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بسبب تدخين السجائر. وأضيف نداءً إلى المدمنين على الدخان الذين يقعون في هذا بفتوى: إنها مكروهة. سئل أحد علماء الشام من قبل رجل من العامة قيل له: يا شيخ! ما حكم الدخان؟ فقال: أريدك أن تذهب إلى الأطباء، النطاسيين الحكماء، واسألهم: هل فيها نوع نفع أم هي ضرر قاطبة؟ فإذا أخبروك بضررها قلت لك: إن الله قال في وصف نبيه: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] وقلت لك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) قاعدة كلية في كل شيء ترِد حتى على مسائل التدخين، أن ما ضر فهو ممنوع ومنهي عنه ومحرم، ولعلماء نجد وعلماء الجزيرة قاطبة فتاوى ورسائل وكلمات مهمات في أحكام هذا. أعود إلى الإحصائيات لنسمع ما تقول: أعلن وكيل وزارة الصحة الأمريكي: أن عدد الذين يموتون في الولايات المتحدة بسبب التدخين سنوياً يقدرون بنحو (350) ألف شخص، وقدرت زيادة أيام العطالة والبطالة عن العمل وملازمة الفرش للمرض بسبب التدخين بـ (77) مليون يوم عمل و (88) مليون يوم في ملازمة الفراش، و (306) ملايين يوم من العمل المحدود، أي من عدم التوظيف الكامل للقوة، أي من عدم العطاء الكامل بسبب التدخين والخمور والمخدرات. وفي بعض الدول الأوروبية سرير واحد من كل ثلاثة أسرة في المستشفيات العامة يحتله ويرقد عليه مصاب بأمراض تسببها الخمور، أما الاضطرابات النفسية نسبتها بين أولاد المدمنين ثلاثة أضعاف نسبتها بين أولاد الأولياء الأسوياء، وتقول إحصائيات طب الأطفال الأمريكية في العدد الخاص عن المخدرات والخمر والجنس ما يلي: (93%) من الشباب بين الثانية عشرة إلى السابعة عشرة من العمر في هذه السن شربوا الخمر، وبلغ عددهم (21. 4) مليون فتى وفتاة، منهم (1. 2) مليون يتعاطون الخمر يومياً. (13) مليون من الشباب من سن الثانية عشرة إلى السابعة عشرة يتعاطون المريوانا، منهم (1. 2) مليون يتعاطونها يومياً، (8) ملايين مراهق يتعاطون أقراص الإمنتمين ومشتقاته بالفم وأحياناً بالحقن والوريد، يبلغ عدد الحالات المسجلة في الدوائر الطبية رسمياً لمرضى السيلان مليون حالة سنوياً، بينما تذكر مصادر أخرى أن العدد الحقيقي (3) ملايين من الشباب (ربع هذا العدد الإجمالي). زيادة نسبة (800%) في الحالات المشتبهة لسرطان عنق الرحم للفتيات البالغ أعمارهن ما بين الخامسة عشر إلى الثانية والعشرين عاماً، وذلك فقط في الأعوام ما بين (1970م) إلى (1994م) خلال أربع سنوات (800%) الاشتباه بحالات سرطان عنق الرحم. في عام (1983م) بلغت حالات الاعتداء على الأطفال جنسياً مليون طفل، لدرجة أن هذا أصبح تجارة منظمة يبلغ دخلها ما بين (500) إلى (1000) مليون دولار سنوياً، ويعمل في هذه المهمة والوظيفة الدنيئة آلاف المصورين والكتاب والمؤلفين والأطباء وبعض القسس والرهبان أيضاً {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124]. وأستأذنكم أن أخرج قليلاً فأقول: ترقبوا سقوط المجتمعات الغربية مجتمعاً تلو الآخر، إن هذه الأنظمة ليس في حقيقتها وصلبها ما يدعو إلى البقاء، ولكل شيء نهاية، لقد عاشت هذه الأنظمة بعضها مائتين عام، وإن العد التنازلي قادم، لا تظنوا أن العد التنازلي واقع، ولا تظنوا أن البلاء بتسلط الأعداء على المسلمين، بل إن البلاء بين الكافرين أنفسهم ناهيك عن حقيقة ما هم فيه من الضيق والضنك والانتحار والقلق.

ما يعانيه الغرب من الخمر والمخدرات

ما يعانيه الغرب من الخمر والمخدرات والله لو أن العالم الغربي صورته أجهزة التلفزة وأقلام الصحفيين، وكتب المؤلفين، وأفلام السينما وقصص الروائيين لو صورت هذا المجتمع على حقيقته لقوم لا يؤمنون إلا بالشاشة والإذاعة لرأيتم أن الغرب بجميع دوله أحقر من النجاسات والعذرات، ولكن الغرب لا يظهر في الشاشات إلا الصور المصطنعة المفتعلة من البشاشة المزورة؛ من التكافلات المختلطة من الاتصال، وحقيقة ما هم فيه على النقيض من ذلك أيضاً. وحدثني بعض من له اطلاع إعلامي أن فيلماً أنتج بعنوان "أمريكا الوجه الآخر" صور لك ذلك المجتمع الآسن بما يدل على زواله وقرب انقسامه وفنائه وتدهوره، ولكن ما هو الحل؟ أين الطريق؟ أين المخرج؟ هل من سفينة تبحر بأولئك المبتلين إلى بر النجاة وشاطئ الأمان؟ لا حاجة إلى اجتهاد: عطايانا سحائب مرسلات ولكن ما وجدنا السائلينا وكل طريقنا نور ونور ولكن ما رأينا السالكينا الطريق إلى الجنة هو النجاة من هذا، لكن الجنة باتت عند كثير من الخلق رخيصة، وكما قال ابن القيم: يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان

علاج الإسلام للمسكرات والمخدرات

علاج الإسلام للمسكرات والمخدرات أيها الأحبة! العلاج في الإسلام، ولقد سعت كثير من الدول بأبحاثها ومختبراتها وكتابها ومؤسساتها التربوية والإعلامية إلى محاربة هذه المخدرات، فجوبهت بالجرائم والدفاع المستميت عن هذا المشروب المخدر والمسكر، في ولاية من الولايات الأمريكية قبل قرابة ستين عاماً أراد حاكم الولاية بقانون أن يمنع الخمر، فكثرت حالات التهريب والترويج وتحدي أجهزة الأمن والمطاردات والقتل والاغتيالات؛ فعاد راغماً إلى إصدار قانون آخر يبيح الخمر للناس من جديد بعد زيادة أعداد من يتعاطونها. والسبب واضح: لأن النفوس ما لم يكن فيها شرطي في الباطن، وجندي في الضمير، ورقيب عتيد يخشى الله ويستحي من الله كما قالت تلك البنية بعد أن أصدر عمر بن الخطاب مرسوماً يمنع فيه خلط اللبن بالماء، وقد تعود الناس هذا ليبيعوا ويكسبوا، فامتنعت تلك البنية بعد صدور قرار ولي الأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت أمها: لم لا تمذقين اللبن بالماء يا بنية؟ قالت: أما علمت أن أمير المؤمنين أمر ألا يمذق اللبن بالماء؟ فقالت: وأين أنت من عمر؟! إن عمر لا يراك ولا يرانا. وكان عمر رضي الله عنه يتفقد أحوال رعيته، وكان في تلك اللحظات التي دار فيها ذلك الحوار الإيماني العجيب عند باب تلك الفتاة وأمها، فسمع البنية تقول: إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا. بهذه النفس التي تراقب الله في السر والعلن، ما احتاج الناس إلى جواسيس أو رقابة أو شرط أو تفتيش في منع الخمر وتحريمها، كلمة {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] فكان الذي رفعها إلى فيه يردها، وكان الذي أودعها فمه يمجها، وهم يقولون: انتهينا ربنا انتهينا. ذلك الإيمان به يعلى الجهاد، وبه يقوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه تحفظ الحقوق وتصان الأعراض، وتسعد النفوس، وتطمئن البشرية، وبغير هذا الدين، بغير هذا الإيمان فإن الناس لن ينزجروا عن كثير وكثير من المخالفات والجرائم ومن بينها المسكرات والمخدرات. أيها الأحبة! يقول أعداؤنا: إن العلاج عندكم أنتم يا معاشر المسلمين، فهذا كاتب غربي ومستشرق أمريكي اسمه أفران فوجان يقول مخاطباً المسلمين: أرجو أن تنجحوا في الاستفادة من دينكم وقوانين شريعتكم، وليس هذا من أجلكم فحسب بل من أجل الإنسانية، إن لديكم مبادئ أصيلة من دينكم فبإمكانكم أن تنجحوا. ويقول آخر وهو " جيمس بولدوين ": إن المعجزة التي حصلت: ذلك أن المدمنين الذين أثقلتهم الكحول والمخدرات يتغيرون فجأة عندما يعتنقون الإسلام، كما أصبحنا نرى الذين لم يسمعوا قبلها برسالة الإسلام يتعرفون عليها ويؤمنون بها ويتغيرون، لقد استطاع الإسلام تحقيق ما فشلت فيه أجيال من متخصصي العمل الاجتماعي، واللجان، والقرارات، والتقارير، ومشاريع الإسكان، ومراكز الترفيه، ألا وهو شفاء وإنقاذ السكارى والمتشردين وكسب الذين غادروا السجون وإبقاؤهم خارجها، إنه الإسلام الذي جعل الرجال أطهاراً والنساء فاضلات، وأعطى الرجال والنساء الاعتزاز والرصانة اللذين يحيطانهم كالنور الدائم! يقول هذا كافر من الكفرة، والحق ما شهدت به الأعداء. أيها الأحبة! إن ذلك من ما يدعونا أن نتشبث بديننا، وأن نتمسك بديننا، وأن نعلم أنا أمة إن أردنا أن ننافس الناس بأعدادنا فقد هلكنا؛ لأن الكفار والمشركين والمجوس والهندوس والوثنيين أضعاف المسلمين، إنا لا نقاوم الناس بكثرة عدد، وإن أردنا أن نتفوق أو أن نحفظ أنفسنا بسلاح فما أظن أحداً يحفظ نفسه بسلاح يصنعه عدوه، ولكن إن حفظنا أنفسنا بدين، بحفظ الله (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) نحفظ أنفسنا بهذا الدين، نحفظ أنفسنا بهذه الشريعة، بكل ما جاءت به من تشريع اقتصادي وسياسي واجتماعي وإعلامي وتربوي وكل جانب من جوانب الحياة. وإن الذين لا يزالون يرددون النظريات الغربية أو يرونها أطروحة تحل مشكلاتنا؛ أولئك يمثلون وقد هدم المسرح، ويصفقون وقد خرج الجمهور، ويعيدون رواية قومية فاشلة، وعلمانية ساقطة، وبعثية زنيمة، فلا خلاص إلا في الإسلام ولا نجاة إلا بالإسلام {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

سريان الداء في المجتمع ونتيجته

سريان الداء في المجتمع ونتيجته الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بالإسلام وتعلقوا بالإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! أتعلمون إلى أي حد قادت المخدرات أتباعها وأذنابها ومتعاطيها ومروجيها؟ لقد بلغ بأحدهم أن يبقى حارساً عند الباب والمروجون يفعلون بزوجته!! لقد قادت المخدرات أناساً استدرجوا بناتهم الصغيرات لتفعل بهن الفواحش! لقد قادت المخدرات أناساً أن يُفعل بهم اللواط عياذاً بالله من ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم احفظنا بحفظك، ولا تكلنا إلى أنفسنا، الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من خلقه، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً. لقد قادت المخدرات شباباً إلى سرقة متاع وأثاث بيوت أهليهم من أجل حقنة أو حفنة أو سيجارة من حشيش أو هروين أو غير ذلك! لقد سرى ذلك الداء العضال والسم الزعاف حتى إلى الفتيات، وأصبح بعضهن يغري بعضاً، ويدعو بعضاً بعد أن اجتاحت أعداداً كبيرة من الشباب.

واجبنا تجاه هذا الداء العضال

واجبنا تجاه هذا الداء العضال إنني من هذا المكان أقول: إن الإعلام لا يزال مقصراً في إعطاء هذا الجانب المكان الكافي والوقت المناسب لمحاربته وتحذير الناس صغاراً وكباراً من شره. إن الإعلام يدخل كل دار بلا استئذان، وعليه أن يجعل أوقات الذروة والساعات الذهبية لمكافحة هذا الداء العضال، لمكافحة هذا المرض والسم الزعاف الذي انتشر سراً بين كثير من الناس وأصبحت تفجع وتفاجأ بأن بيت بني فلان فيه الأطهار والأبرار يقع فيه فتى أو فتاة في أضرار وأسر هذه المخدرات! أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا وقعوا فيها قبل أن يحذروا منها، قبل أن يعرفوا عنها، استدرجوا إليها، استنزلوا من عصم مواقعهم إلى أوحالها ودركاتها فوقعوا فيها وهم لا يعلمون، ولما علموا دخلوا دائرة الإدمان، ولا سبيل إلا بالتوبة، ولا سبيل إلا بالرجوع والإنابة إلى الله جل وعلا. وأنتم يا معاشر المصلين! خير من يملك حِبالاً ترمون بها إلى الذين يصارعون الموج غرقى يوشك أن ينحدروا إلى قاع أبحر المسكرات والمخدرات، الدعوة إلى الله من أهم الأسباب التي تبين للناس أخطار هذا الداء العضال، الشريط الإسلامي والكتاب والنشرة الموثقة من الأسباب المهمة التي ينبغي أن نقوم جميعاً يداً واحدة لنشرها بين الناس، وإن الواقع يحتاج إلى إصلاح في القاعدة كما يحتاج إلى إصلاح في درجات أخرى، والقاعدة: هم الناس، هم العامة، هم أبنائي وأبناؤك، أخواتي وأخواتك، أقاربي وأقاربك. لابد أن نسعى إلى إصلاح هذا الواقع لا أن نتفاخر بدش يجر عشرين قناة أو أربعين محطة: يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن تصوروا لو أن الأفلام المتحركة أو ما يسمى بالكرتون الذي يستغرق من البث الإعلامي قرابة الساعة أو أكثر من الساعة يومياً أعطي مثله أو محله أنشودة في التحذير من المخدرات، وقصة في التحذير من المخدرات، ورواية في سوء عاقبة أهل المخدرات، وأحكام وأحاديث وندوات في الأوقات الذهبية، أقول: في الأوقات الذهبية؛ لأن الحديث أثناء خروج الناس من بيوتهم لا يراه إلا نزر يسير، والشاشة جمهورها عريض فلا حاجة أن يخاطبوا عبرها يوم أن يجتمعوا حولها هذا من النصح والتناصح، لا خير فينا إن لم نتناصح، بل نكون خونة، وأقول هذا لكم أنتم لتتقدموا ببرامجكم الإعلامية إلى كل كاتب وروائي ومحدث وواعظ ومتكلم وطالب علم، عليك السعي أن توجد ساعة أو بضع ساعة ليكون لك صوت في نداء الناس وتحذيرهم من هذا الشر الذي ابتلي به الناس. ثم أيضاً نحتاج أن نخاطب الذين يستهدفون بالمخدرات في مواقع تجمعاتهم، لا أن نقيم ندوة يحضرها من الأساتذة والمربين والأفاضل فنقول لهم: هذه أضرار المخدرات، أولئك يعلمون عنها علماً أكثر مما يتكلمه المتكلم، بعبارة أوضح: أين يجتمع الشباب؟ على مدرجات الملاعب الرياضية، فليرحل فريق من الدعاة إلى الملاعب الرياضية، وليأخذوا ما استطاعوا ولو بين الشوطين ليقولوا للشباب: هذا سم زعاف تستهدفون به، وليقولوا للشباب: احذروا قبل أن تقعوا، فدرهم وقاية خير من قناطير العلاج، نحدث الشباب في كل مكان يجتمعون فيه، أما أن تكون ندوة المخدرات أمام خمسة أئمة، وعشرة مؤذنين، وأربعة أساتذة، وثلاثة موجهين كل هؤلاء ما وقعوا ولن يقعوا بإذن الله فيها، الحديث لمن وقع أو في الطريق إلى الوقوع ذلك أمر مهم يجب أن نعلمه أيها الأحبة. وختاماً: فإن مستشفيات الأمل تدعو كل ذي غيرة، وكل ذي كلمة، وكل ذي قلب رحيم، وكل ذي محبة لإخوانه أن يزورهم ويهديهم الكتاب، والشريط، والنشرة الموثقة، والكلمة الطيبة، والدعوة الصادقة. ما أكثر الملتزمين! ما أكثر المتدينين! ما أكثر الصالحين في مجتمعنا! ولكن أخشى أن نكون كما في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة). والله لو أن كل عشرة من الشباب المتدين جعلوا لهم برنامجاً في سجون الأمل وفي الإصلاحيات، وجعلوا لهم أصدقاء من أهل السجن لماذا لا نشكل جمعية أصدقاء السجناء، نتعهدهم بالزيارة، بالكلمة، بالشريط، بالدعوة، بالحديث، لماذا لا ينظم الشباب حفلات ترفيهية هادفة واعظة نافعة مرحة تجر أولئك إلى الالتزام والاستقامة؟ لماذا لا ينظم الشباب المتدين برامج العناية والرعاية اللاحقة أول ما يفرج عن سجين المخدرات يتولاه أولئك الأخيار حتى لا يعود من جديد إلى قافلة السكر والمخدرات. إن المصيبة أن تجد كثيراً من النزلاء قد حل السجن قبل هذه المرة الأخيرة سبع مرات أو خمس مرات أو ثلاث مرات هنا مشكلة، هنا حلقة مفقودة، هنا قضية ينبغي تحديد السؤال عنها، وتشخيص العلاج لها: الرعاية اللاحقة. أيها الأحبة! من السهولة أن نقول: تلك مسئولية الإعلام وحده، أو مسئولية الداخلية وحدها، أو مسئولية الجهات التربوية وحدها، علينا أيضاً مسئولية {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71]. وختاماً: هذه نصيحة من رجل بيننا وبينه قرون، أبعثها بالنيابة عنه، هو ابن رجب الحنبلي، من علماء المسلمين، يقول رحمه الله: يا شارب الخمر لا تغفل، يكفيك سكر جهلك، لا تجمع بين خطيئتين، يا من باشر هذه النجاسة بفمه اغتسل منها بالإنابة، وقد زال الدرن، طهروا درن القلوب بدمع العيون، فما يجلوها إلا التوبة، يا من درن قلبه بوسخ الذنوب لو اغتسلت بماء الإنابة لتطهرت، لو شربت من شراب التوبة لوجدته شراباً طهوراً، يا أوساخ الذنوب، يا أدران العيوب هذا مغتسل بارد وشراب، مجالس الذكر للمذنبين، شراب المواعظ، شراب المحبين، ترياق المفرطين {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60] قد أدرنا عليكم شراب التشويق ممزوجاً بماء التخويف فبالله لا يبقى أحد منهم إلا وقد أناب إلى الكريم الوهاب، أليس من أهل الشراب من يبكي؟ أليس منهم من يضحك؟ أليس منهم من يطرب؟ أليس منهم من يتملق الناس ويتعلق بهم؟ أليس منهم من تثور نفسه فلا يرضى إلا بأن يطلق أو يضرب بالسيف ومنهم من ينام؟ فهكذا شراب المواعظ يعمل في السامعين: فمنهم من يبكي على ذنوبه، ومنهم بعد توبته من يضحك ويعجب من سالف عهده، ومنهم من يفرح لمحبيه وأحبابه، ومنهم من يتشبث بأذيال التائبين الواصلين لعله يعلق خطام راحلته على قطارهم، ومنهم من لا يرضى حتى يبت طلاق الدنيا ثلاثاً، أو يقتل هوى نفسه بسيف العزم، ومنهم من لا يدرى: أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم وكيف يطيق النوم حيران هائم فلو كنت يقظان الفوائد حرقت محاجر عينيك الدموع السواجم بل أصبحت في النوم الطويل وقد دنت إليك أمور مفظعات عظائم تسر بما يفني وتفرح بالمنى كما سر باللذات في النوم حالم نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم وتدأب في ما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم أيها الأحبة! فلنكن عناصر فاعلة، ورموزاً نافعة في معادلة إصلاح المجتمع، علينا أن نقوم بدورنا تجاه هذه الأمة التي بليت بفتن تشق صفوفها في داخلها، وتفرق اجتماعها، وبليت بمنافقين يتربصون بنا الدوائر وينصبون الفخاخ ويفرقون الشمل، وبليت بأعداء {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران:120] فيا أحبابنا انفعوا، اعملوا، اسعوا، ابذلوا، ادعوا، ناصحوا، أعينوا، ادعوا الله، فإن لم تستطيعوا أن تفعلوا من ذلك شيئاً فلا تكونوا أعواناً للباطل على أهل الحق، ولا تكونوا دعاة للباطل من حيث لا تشعرون (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم جنبنا الخمر وأسبابها، اللهم جنبنا المخدرات وسبيلها، اللهم اشف المدمنين، اللهم اهد المروجين، اللهم عاف المتعاطين، اللهم سلمهم من دائها وبلائها، وتب علينا وعليهم يا رب العالمين، اللهم أعن رجال الأمن على مزيد من الحيطة والحذر والتفتيش الدقيق الذي لا يحابي أحداً في التفتيش والمحاسبة على كل ما يرد عبر أي حد أو مرفأ أو ميناء أو مدخل، اللهم ارزقهم الغيرة على دينهم وعلمائهم وولاة أمرهم وعامتهم والمسلمين أجمعين. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصر المسلمين في الفليبين، اللهم اجمع شمل المجاهدين في أفغانستان، اللهم أصلح حال المجاهدين في أفغانستان، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا، ولا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، ربنا أعنا وثبتنا ولا تفتنا. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته يا واسع المغفرة، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين. اللهم صلِّ على محمد، اللهم صلِّ على الحبيب، اللهم صلِّ على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، اللهم صلِّ على من بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد فيك حق جهاده، اللهم صلِّ عليه وسلم تسليماً كثيراً ما تتابع الليل والنهار، وما ذكره الذاكرون الأبرار والأخيار، اللهم ارض عن خلفائه الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45] ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الحل الأمثل

الحل الأمثل مسئولية إصلاح المجتمع يتحملها كل فرد بحسب قدرته، والتقاعس عن الصدع بكلمة الحق هو سبب هلاك الأمة. ومن أعظم مسئوليات الأمة: المحافظة على المرأة في كل شئونها، ومحاربة الاختلاط، ومنع الفساد في الجامعات والمستشفيات. وهنا دعوة لإصلاح تعليم الفتاة الجامعي، وإلغاء نظام الساعات لما فيه من المفاسد، وبيان إمكانية ذلك، وبعض المقترحات بهذا الخصوص.

المسئولية المشتركة بين المسلمين

المسئولية المشتركة بين المسلمين الحمد لله معز من أطاعه ومذل من عصاه، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، الحمد لله وعد الصادقين بالجزاء والنعيم، وتوعد المنافقين بالعذاب والجحيم، الحمد لله على آلائه التي لا تحصى، وعلى نعمه التي لا تنسى، اللهم لك الحمد كلما قلنا لك الحمد، اللهم لك الشكر والثناء، ولك الشكر والثناء كلما قلنا لك الشكر والثناء، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله خلق العباد من العدم، وهو أعلم بما يسرهم ويضرهم، وهو أعلم بمصالحهم وما يفسدهم {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. أشهد أن لا إله إلا الله أكمل الدين وأتم النعمة، ولم يجعل في هذا الكتاب نقصاً، لا يلحقه الباطل ولا يدركه، ولا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، أشهد أن لا إله إلا الله، من شرع فوق ما أمر الله فقد كفر، ومن ترك شيئاً من أمر الله عاصياً فقد فسق وجحد، ومن ترك شيئاً من أمر الله جاحداً ومنكراً فقد أشرك. أشهد أن لا إله إلا الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حذر الأمة من كل صغير وكبير يجلب الشر والفساد والهوان إليها، وأرشد الأمة إلى كل صغير وكبير يحقق لها السعادة والأمن والطمأنينة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن معاملة الله بالصدق هي النجاة {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] واعلموا أن القدوم بين يدي الله قريب، وأن الوقوف بين يدي الله للسؤال كائن لا محالة، فمن عمل فسوف يسأل ومن سئل فليجب، ومن أجاب فهو بأمر ربه برحمة الله إن تداركته الرحمة والنعمة، ومن لقي ربه مفرطاً مستهزئاً مستهتراً مضيعاً متهاوناً مصراً مكابراً فالويل ثم الويل له. معاشر المؤمنين! هذا الدين دين الإسلام، دين يقيم لمعتنقيه وأتباعه اعتباراً، ويقيم لهم وزناً، ويعد لهم حساباً، وذلك أن الإسلام يرى في المسلمين المكلفين أهلية لتحمل المسئولية، فيربي المسلم على الإيجابية والعطاء، ولا يتربى الشخص في هذا الدين على السلبية والحرمان، أو الأنانية والأثرة، أو حب الذات والانزواء عليها؛ لأجل ذلك فالمسئولية في هذا الدين ليست مسئولية تقع على كاهل فرد بعينه، أو وزارة بعينها، أو مسئول بعينه، وإنما هي مسئولية على المكلفين أجمعين، وواجبنا أن نتحمل مسئولياتنا، وأن نظهر بدين ربنا أعزة كرماء، كيف لا، والله قد أخذ العهد والميثاق على كل من حمل من هذا العلم شيئاً أن يبينه ولا يكتمه، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187] وتوعد الله أولئك الذين يحملون العلم فيسكتون عليه والذين يعرفون الحق فينصرفون إلى ما سواه: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159]. واعلموا يا معاشر المؤمنين أن المسئولية ليست على العلماء والدعاة وتلامذتهم فحسب، بل هي عليكم جميعاً، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الحاكم راع ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية ومسئولة عن أبنائها، والأب راع ومسئول عن أسرته، وكل من تولى أمراً فهو راع ومسئول، فهو مالك ومحاسب، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] هذه مسئولية الحكام، وهذه مسئولية الولاة والأمراء، ومسئولية العلماء الذين تمكنوا وتولوا وتحملوا عبئاً ثقيلاً، مسئولية وتركة عظيمة سيسألون بين يدي الله بعد تمكينهم: هل أمرتم بالمعروف؟ وهل نهيتم عن المنكر؟ وهل أقمتم الصلاة؟ وليست هذه المسئولية عليهم فحسب، بل على كل من يسمع هذه الآية، وكل من يسمع هذا الكلام، وكل مصل وكل مسلم عليه مسئولية من ذكر أو أنثى، يقول الله جل وعلا: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] فإن حق الإيمان وثمرته الولاية، ونتيجة الولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه المسئولية عظيمة جداً، وليست في جانب واحد بعينه، بل مسئولية في شتى المجالات والميادين، والأزمنة والأمكنة، والمواقع والمناسبات، مسئولية في كل جانب لإقامة الحجة ونصب الدليل وبيان المحجة، ونصيحة الأمة وكشف الغمة، والشر كل الشر، والبلاء كل البلاء، والفتنة كل الفتنة إذا تخلى وتنصل وتحلل، إذا تخلى من تعلق الأمر برقبته عن تحمل المسئولية حاكماً كان أو محكوماً، صغيراً أم كبيراً، أميراً أم حقيراً. عباد الله! إن هذه المسئولية ألا وهي بيان حكم الله في كل صغيرة وكبيرة، ومسئولية بيان ما يرضي الله في كل جانب وفي كل مجال، ومسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي مما تظافرت وتواترت به النصوص، فعن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: دخل عليها صلى الله عليه وسلم فزعاً يقول: (لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه -وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها- فقالت أم المؤمنين رضي الله عنها: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث!) والخبث يا عباد الله: هو كل باب إلى الانحلال والاختلاط والزنا والفاحشة. وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وقال الصديق رضي الله عنه: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) أبو داود والترمذي والنسائي.

سبب هلاك الأمة

سبب هلاك الأمة عباد الله! إن الجبن والخوف والتهاون والتقاعس عن الصدع بكلمة الحق هو سبب هلاك الأمة، وما أهلكت أمة من الأمم بعذاب عامة إلا لسكوت الأخيار والأبرار والأغيار، إلا لسكوت القلة القليلة فيها عن بيان حكم الله في كل واقعة ونازلة، في كل مجال وزمان ومكان. إن صدع العلماء والدعاة والخطباء والأغيار، إن صدعهم بكلمة الحق هو صمام الأمان الذي يحفظ الناس فلا يصيبهم السوء ولا يقع ولا يحل بهم البلاء، وإن سكت الغيورون، وتنصل المسئولون، وكل آثر الأثرة، وحب الذات والأنانية، وانزوى على ذاته واهتم برصيده وأسهمه، وتعلق بمنصبه وترقيته، واشتغل بضياعه وزوجاته، فلا تسأل عن هلكته ولا تسأل عن هلكة الأمة بعده، إذا ضاع العالم ضاعت الأمة، وإذا تاه الدليل فلا تعجب إذا تاه الركب تاه الدليل فلا تعجب إذا تاهوا أو ضيع الركب أذناب وأشباه

مسئولية المحافظة على المرأة

مسئولية المحافظة على المرأة عباد الله! إن المجالات الحساسة الخطرة التي تتحمل الأمة فيها أعظم المسئوليات، ألا وهي مسئولية المحافظة على المرأة، وصد كل حملة تواجه المرأة عبر الجريدة أو المجلة، عبر الفلم أو المسلسل، وتفنيد كل شبهة، سواءً كانت شبهة الأقلام أو شبهة الأصوات أو الجمعيات، أو الشعارات والتيارات. إن من أعظم مسئوليات الأمة المحافظة على المرأة، وصد كل حملة توجه لها، وتفنيد كل شبهة تثار حولها، وفرض كل نظام يحفظ حياءها وعفتها، ويمنع تسيبها واختلاطها، كيف لا؟ كيف يقول قائل: لا؟ والأمر من الله يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] ويقول الله: {إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] ويقول الله: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31] ويقول الله: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنّ} [النور:31] وغيرها من الآيات الآمرة بالمحافظة على المرأة، الناهية بالدليل والمفهوم عن إهمالها وتضييعها. عباد الله! كيف لا تتحمل الأمة وكيف لا يتحمل المجتمع مسئولية المحافظة على المرأة؟ وقد اعتبر الإسلام حقوقها ومنزلتها ومكانتها في العبادة والثواب والحقوق والملكية، وجعل لها أوفر الحظ في الحسنات، وأعلى المنازل في الدرجات، لقاء سيطرة على مملكتها، وبذل الحقوق الواجبة لزوجها، وحسن تربية أولادها؟ كيف لا تتحمل الأمة مسئولية المحافظة على المرأة، والمرأة لباس الرجل وهو لباسها؟ والمرأة سكن الرجل ومستقر طمأنينته ومودته وصلته في غاية الرحمة بينها وبينه؟ كيف لا تتحملون وكيف لا يتحمل المجتمع مسئولية المحافظة على المرأة المسلمة؟ وهي التي في صلاحها كل خير، وهي الجوهرة والدرة التي يتألق بها الرجل في معاشرتها بالمعروف، فيوصى بها خيراً وحسنى، ويعرف كرم الرجال ولؤمهم من حسن معاشرة النساء وعدمه؟ عباد الله! كيف لا نحافظ على المرأة المسلمة والنبي يوصينا بها خيراً، والبر بها من أعظم القربات، وعقوقها من أعظم الكبائر؟ كيف لا نحافظ على المرأة ولنا أوفر الأجر في تأديبها وتعليمها؟ قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان، فعلمهن وأدبهن واتقى الله فيهن، فله الجنة البتة) أبو داود والترمذي. عباد الله! لقد سمعتم الآيات والأحاديث، واعلموا أن تفلت المرأة بعد هذا خطر عظيم وشؤم عميم، كيف لا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) ويقول: (فاتقوا النساء واتقوا الدنيا فإن أول فتنة بني إسرائيل إنما كانت في النساء) ونهى عن الاختلاط بها، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما). عباد الله! لم يقف الأمر عند هذا فحسب، بل تعلقت المسئولية بكل من ملك القرار، أو أدار الجهاز أو تحكم في الحوار، ولقد عرفنا وعلمنا أن الأوامر والتعليمات صدرت من ولاة الأمر في هذه البلد لمنع التسيب وقطع أسبابه ودابره، حتى لا تختلط المرأة بالرجال في أي مجال، صدر التعميم المبارك برقم (2966) وتاريخ (19/ 9/1404هـ) في هذا الموضوع، ونصه: نشير إلى الأمر التعميمي رقم (11651) في (16/ 5/1403هـ) المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال سواءً في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة، أو الشركات، أو المهن ونحوها، أمر غير ممكن سواءً كانت سعودية أو غير سعودية؛ لأن ذلك محرم شرعاً، ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد، وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها، أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال فهذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه، انتهى بنصه.

مساوئ تعليم الفتاة بنظام الساعات

مساوئ تعليم الفتاة بنظام الساعات عباد الله! ومع هذا كله وبالرغم مما تقرءونه وتسمعونه عن أهمية العناية بهذا الأمر، وخطر التهاون به، فإن تسيب الفتاة وإتاحة فرصة الانفلات بين يديها سانحة لا زالت قائمة، إن تسيب المرأة في بعض الدوائر وفي بعض القطاعات لا زال قائماً، ولا ندري من الذي يقف وراء هذا الأمر بعد كلام الله وبعد رسوله، ثم بعد الأمر والتعاميم الملكية السامية، لا ندري من الذي يقف وراء هذا ويماطل أو يسوف في سد ثغراته وتتبع منافذه بتعديل أو إصلاح، أتدرون أين هذا التسيب؟ إن صورة واحدة من صور هذا التسيب ظهرت جلية في جامعة الملك سعود في نظام الساعات الذي ثبت فشله، وثبت عدم صلاحيته، وثبت أثره في قلة تحصيل الرجل والمرأة، وفي ضعف المستوى العلمي، ذلك النظام الذي ثبت فشله أيضاً في المدارس الثانوية المطورة للبنين، والبنون أقل خطراً من البنات، ومع ذلك لاحظ المخلصون والتربيون والغيورون خطورته؛ لأن فيه فتح باب الجريمة والفاحشة بين الشباب، زيادة على ما فيه من التسيب والتفلت عن الانضباط التعليمي، فيخرج الشاب الساعة والساعتين عن مدرسته ولا تسأل عما يدور بينه وبين بعض المراهقين من أنداده وأضرابه. إذا كان هذا خطر نظام الساعات على البنين الذي ألغي وتم إلغاؤه بفضل الله، فما بالكم بنظام الساعات في تعليم الفتاة؟ عباد الله كم لهذا النظام من ضحايا بين البنات قتيلات وجريحات وأسيرات؟ غريرات دخلن الجامعة وما كن يعرفن الفساد والجريمة، وما كن يعرفن الانحراف والزيغ والهوى، والشذوذ والفاحشة، فتعلمنه من فئات من البنات ممن سبقهن بالدراسة سنوات، وتتابع نسل المعاصي على يد أرباب الهوى والشهوات، ومن يحبون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين والمؤمنات، فهل لهذا التسيب من حد؟ هل لهذا التفلت من حد؟ هل يتحرك الغيورون من ولاة الأمور، وأولياء أمور كل فتاة في الجامعة للمطالبة بإلغاء هذا النظام، وتحويله بدلاً من ترفيعه وتعديله؟ وإن قالوا فيه ما فيه من الكلفة، أو فيه من التكلفة المادية نقول لمن قال هذا: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:28] تتبعوا رضا الله، ومن تتبع رضا الله، ومن آمن واتقى فتحت عليه بركات السماء، وظهرت له بركات الأرض. عباد الله! أتدرون ما نظام الساعات؟ أن تتخرج ابنتي وابنتك، وأختي وأختك، أو موليتي وموليتك من الثانوية فتلتحق بالجامعة فحينئذ لا تجد نظاماً يضمن لها أن تبدأ الدراسة في الصباح فتنتهي دراستها عند أذان الظهر، أو في ساعة محددة، إن نظام الساعات يعني أن تبدأ الدراسة في صباح هذا اليوم ثم تتعطل الفتاة ثلاث ساعات أو ساعتين ليس عندها درس أو محاضرة، ثم محاضرة قبيل الظهر، ثم محاضرة عند العصر، فما حظ ولي الأمر؟ ما حظ المسكين ولي هذه الفتاة؟ يرمي بها عند باب الجامعة في الصباح وتقول له: تنتهي آخر محاضرة عندي بعد العصر، أو قبيل المغرب، فيخرج الولي إن كانت فتاة طيبة لزمت عتبة قاعتها وما خرجت، وإن كانت غريرة أو جاهلة فضلاً عن كونها فاسدة أو منحرفة، فإنها تتلقى من صويحبات السوء وجارات الرذيلة ما تتعلم منهن به كيف تتصل في ساعات الفراغ بالشباب، وكيف تخرج إلى المطاعم، وكيف تخرج بحجة الذهاب إلى حاجة صغيرة أو كبيرة وماذا بعد ذلك؟ تخلو بالشباب، واسألوا هيئات الأمر بالمعروف، واسألوا هيئات النهي عن المنكر، كم ضبطوا من مئات، وأكثر من المئات من حالات الاختلاء المحرم، والخلوة بين فتى وفتاة وشاب وشابة لا تمت له بصلة، وبعد التحقيق والسؤال و A من أين أخذتها؟ من بوابة الجامعة، من باب الجامعة، من باب الكلية. ساعتان أو ثلاث أو أربع أو أقل يحق لها في نظرها أن تسرح وتمرح بها كيفما شاءت، فيخرج بها أولئك الذئاب وأولئك المجرمون، ولا أكتمكم سراً، والله إن واحداً من الشباب ممن منَّ عليهم بالتوبة والهداية جاءني وأخبرني أنه في وقت ضلالته وماضي انحرافه كانت له علاقة بفتاة متزوجة تدرس في الجامعة لمدة ستة أشهر. كيف يأتي إليها؟ أتأتيها في بيتها؟ قال: لا. أتواعدها في السوق؟ قال: لا. قلت: إذاً أين؟ قال: عند الجامعة. يضعها زوجها وأنا أنتظره ثم تخرج لي بعد قليل، ويذهب بها ويقضي منها ويقضي زملاؤه منها أوطاراً، ثم يعود ليردها قبل نهاية آخر محاضرة لها، سواءً درست ذلك اليوم أو تغيبت، أو خرجت معه في وقت الساعات التي أتيح لها التسيب. أبعد هذا نظن أن في هذا النظام بركة؟ أبعد هذا نظن أن في نظام الساعات خيراً للفتاة سواءً في تعليمها أو عفتها، أو حيائها أو حشمتها، أو الوفاء لأهلها، أو حفظ نسبها أو فراش أهلها، أو مستوى تحصيلها؟ والله ليس فيه أي فائدة، ما الداعي إلى الإمعان والمكابرة والبقاء على هذا النظام وما فيه أدنى فائدة؟

منكرات في كلية الطب

منكرات في كلية الطب أيها الأحبة! هذه أقل صور شؤم نظام الساعات في الكليات النظرية، أما كليات الطب فلا تسأل عما أحدثه هذا النظام، لا تسأل عما أحدثه من حرج للبنات العفيفات، ولأولياء أمورهن، من جراء الاختلاط بالرجال في مواقف شتى أدناها كشف الفتاة العفيفة على عورة الرجال المغلظة، ومع كثرة المساس يقل الإحساس، وطول السهاد، وقرب الوساد، وقرب المقاعد، وقرب الأقسام، واللقاء في الأسياب والممرات، وطول وقت الدراسة يهيئ للفتاة أن تتحدث مع الفتيان، وما أكثر اللائي ضللن وانحرفن. معاشر المؤمنين! أترغبون أن تطلعوا على ما صرخت به المخلصات الغيورات من أخواتكم في كليات الطب وفي مختلف كليات الجامعة وفي السكن الجامعي؟ والله لا نحصي لكم عدد ما كتب في هذا الأمر، ولا نحصي عدد ما تلقينا من المكالمات الهاتفية من صرخات الغيورات يقلن: نريد أن نخدم بلدنا، نريد أن نخدم ديننا، نريد أن نخدم أمتنا فهلا سبيل إلى ذلك إلا عن طريق الفساد عبر نظام الساعات، وعبر الخلوات، وعبر الاختلاط في الممرات وفي بعض القاعات؟ فيا معاشر المؤمنين! لمصلحة من يبقى هذا التسيب؟ ولمصلحة من يبقى هذا التفلت؟

منكرات في المستشفيات

منكرات في المستشفيات معاشر المؤمنين! إن الكلام عن المصائب والمهلكات التي يرقص عليها العلمانيون طرباً في كليات مختلفة يقصر مقام الخطبة عن ذكره، وأسوق لك شاهداً واحداً حصل لفتاة مسكينة في جناح أمراض النساء والولادة. ذات مرة زرت قريبة لي في مستشفى الملك خالد الجامعي وكانت في جناح أمراض النساء والولادة، وبجوارها فتاة يفصل بينها وبين الفتاة حاجز قماش، فسألت قريبتي هذه ما حال هذه الفتاة؟ قالت: لا تسأل عن حالها وعن بكائها وآلام نفسها وجرح مشاعرها البارحة! فقلت: كيف؟ قالت: نزل بها الرجال إلى الإشاعة وقد لبست روب المريض، والروب الذي يلبسه المريض يستر المريض من الوجه ستراً مكشوفاً ساتراً عارياً كاسياً، وأما الخلف فمكشوف بالكامل! قالت: وخرج بها من يقود السرير إلى مقر الإشاعة، ثم أمسك ببدنها وأوقفها أمام مقعد الإشاعة وهو يعدل مواقعها وشيعها ثم عاد بها إلى المكان نعم لقد أدى وظيفته، لكن من الذي أذن لرجل أن يفحص زوجتي أو زوجتك؟ أو يتعرض للمس أدنى قطعة من بدنها؟ من الذي جعل هذا الأمر أصبح شيئاً طبيعياً فرض نفسه؟ لا، إن من المسلمين من يظن أن الإنكار في كل مجال إلا إذا دخل المستشفى فعليك أن ترضى بالأمر الواقع، لا والله، إنما نرضى بما رضي الله به، ونرضى بما رضي الرسول صلى الله عليه وسلم به، فما الذي يجعل هذه الفتاة المسكينة تتعرض لتجارب الشباب يدخلون عليها ويكشفون عليها ويجافون بين رجليها، وينظرون إلى عورتها المغلظة وسوءتها المغلظة بدعوى الكشف والفحص؟ أفلا يفحص الرجال على الرجال، والنساء على النساء؟ لماذا جرح المشاعر؟ ولماذا قتل الغيرة؟ ولماذا ذبح الشيمة والحياء؟ يا معاشر المؤمنين! لقد كان الجاهليون على كفرهم وضلالهم لا يقرون هذا في نسائهم، أفبعد أن هدانا الله للإسلام، ومن علينا به، وأسبغ علينا النعم والطمأنينة نرضى به ونحن في بلاد الإسلام وبين المسلمين؟ حاشا وكلا، إن الإصلاح منتظر وهو واجب ولا يعذر بتركه أحد أبداً. عباد الله! إن التفصيل في مقام ما يحدث للفتيات وللفتيان في كليات الطب وفي العلوم الطبية وفي المستشفيات، أمر ليس اليوم زمان تفصيله، ولكن أقول لكم يا عباد الله: لو تتبعنا ما نحن فيه لوجدنا بوناً شاسعاً بين ما نعتقده ونقول فيه: هذا حلال وهذا حرام، وبينما نراه واقعاً في مجتمعنا، فلماذا الانفصام النكد؟ ولماذا هذا التجافي والبعد بين النظرية والتطبيق وبين الفكر والسلوك؟ معاشر المسلمين! إن أقل واجباتنا أن ندعو الله ليلاً ونهاراً أن يهلك من كان سبباً في الإمعان والضلالة والإصرار على بقاء هذا النظام، ادعوا يا معاشر المؤمنين فإن دعاء الغيور مستجاب، ودعاء من كانت غيرته لله ولحرمات الله وللمؤمنين أحرى في الإجابة، ادعوا على من كان السبب، وادعوا على من أصر، وادعوا بالتوفيق والصلاح والعز والتمكين لمن كان سبباً في بداية إصلاح لهذا الأمر، وهذا ما نرجوه وما نتوقعه. وأما ما ذكرناه من وجوب الدعاء على من يحرصون أن تشيع الفاحشة في المؤمنين مخالفين بذلك أمر الله وأمر رسوله، والأوامر والتعليمات السامية فإن أولئك من المنافقين، الذين ما خلا مجتمع منهم، وهل خلا مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين حتى يخلو هذا المجتمع؟ إن فيكم سماعين لهم، وإن فيكم من يتمنون في مجتمعكم الإرجاف، وإن فيكم من لا يألونكم خبالاً، وإن فيكم من يودون هوانكم، ويودون بعدكم عن دينكم ويأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

إمكانية الإصلاح وإزالة المنكرات

إمكانية الإصلاح وإزالة المنكرات الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، الحمد لله مالك الملك يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، الحمد لله الذي لا يرد قدره بأمره وإرادته ومشيئته، ولا معقب لحكمه، لا يرد قدره راد إلا بأمره وبمشيئته، ولا معقب لحكمه، بأمره تقوم السماوات والأرض وبأمره تقوم الخلائق، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، واعلموا أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! لا تظنوا أنكم وحدكم أمة من بين سائر الأمم تمتعت بالأمن والطمأنينة والنعيم والاستقرار لا، إن أمماً قبلكم قد تقلبت فيما تقلبتم فيه، وأمنت فيما أمنتم فيه، وذاقت لذة ما ذقتم لذته، وأمنت بما اطمأننتم في جنباته، ولكن غيروا فغير الله عليهم {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]. عباد الله! إياكم وإيانا أن نكون من الذين قال الله فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إبراهيم:28 - 29]. معاشر المسلمين! ينبغي أن نعرف أن الدنيا دول هي الحياة كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان ويسرك الزمان بطاعة الرحمن، ويسوءك الزمان بالانقياد لأولياء الشيطان. فيا معاشر المؤمنين! اجعلوا أمر دينكم أهم إليكم من الأسهم والسندات، واجعلوا أمر الشريعة والحياء والدين، وتعليم أبنائكم ما يسرهم، وبناتكم ما يحفظهن على نمط شرعي يرضي الله جل وعلا، اجعلوه أهم إليكم من مصالحكم الشخصية، ومن رواتبكم ومن أرصدتكم. عباد الله! أتظنون أن ما نراه في مجتمعنا سنجعله دليلاً على اليأس والقنوط، ونفض اليد عن هذا المجتمع البتة؟ لا والله، إن ما نراه في مجتمعنا يدعونا أن نمضي خطوات للإصلاح، يدعونا أن نتبصر وأن نصارح وأن نصدق وأن نظهر الحقيقة غير مغلفة ولا مزيفة، إن ما نراه في مجتمعنا يدعونا كما علمنا وتعودنا أن نقول كلمة الحق، ونرجو ونأمل أن نسمع أثراً ونرى عملاً بعدها؛ لأننا جميعاً في سفينة واحدة، أكبر مسئول في هذه البلاد وأصغر صغير فيها نعيش في سفينة واحدة، فإن سلمت السفينة فالجميع يسلمون، وإن عطبت السفينة فالكل يعطبون، إن أبحرت السفينة إلى شاطئ الأمان فبمرضاة الله واتباع أمر الله ورسوله، وإن غرقت السفينة فبالمنافقين وبطانة السوء والعملاء والدخلاء، الذين يزيفون الحقائق، والذين يجعلون كل ما نرى من واقع فيه بعد أو مخالفة عن أمر الله وشرعه يعللونه بما يرضي الأهواء والشهوات. عباد الله! سفينة المجتمع واحدة والغرق لا ينجو منه أحد بل يغرق الكل، والنجاة ينجو بها الجميع، إن الإصلاح سفينة الحياة، إن الإصلاح شعار الدعاة، إن الإصلاح سبيل الصادقين الغيورين، الذين يصدقون الحب والولاء لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. أنظن أن ما نراه من نظام الساعات هو ضربة لازب لا نستطيع أن نخرج عنها قيد أنملة أو نلتفت عنها يمنة أو يسرة؟ لا والله، هو نظام بشر، والبشر كل أنظمتهم نقص، إلا ما كان مؤيداً بالدليل والبرهان ومستنيراً بالوحي من كلام الله وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم. إن هذا النظام في أبسط الوسائل أن يغير، بل أن يجعل في بوتقة إطار شامل يحفظ المرأة ويجعلنا نقوم بمسئوليتها على نحو يرضي الله جل وعلا، إن جامعة البنات هي الحل الأمثل والحل الوحيد الذي يضمن لكل فتاة في كل تخصص نافع وفي كل مجال، وفي كل مهنة أن تقوم بأقصى درجات التفوق، وأعلى درجات التحقيق والتحصيل العلمي، لكي تنفع بلادها، ولكي تحفظ بيتها، ولكي تكون داعية في مجالها، ما الذي يمنعنا؟ والله لا يمنعنا من ذلك شيء، وإننا نزفها ونرفعها وننادي بها إلى من عرفناهم من ولاة الأمور بالغيرة والنجدة والشفقة، والساهرين على هذا المجتمع أن ينظروا في الأمر وأن يستعجلوا في تبديله وتغييره وإلغائه في ظل جامعة البنات، التي آن الأوان أن تشق طريقها، وأن يبحر قاربها، وأن تحتوي البنات أجمعين. إن تعليم البنات بفضل الله جل وعلا كما هو في الابتدائية والمتوسطة والثانوية يحكي أنموذجاً فريداً ليس في العالم الإسلامي وحده بل في العالم كله، فما الذي يمنع أن يكون تعليم الفتاة في الجامعة بشتى تخصصاتها ومجالاتها أيضاً أنموذجاً فريداً في العالم كله؟ والله لا يمنع من هذا شيء. لا نظن أن ليس في الإمكان أحسن مما كان، الإصلاح ممكن، والفرصة مواتية، والجميع لا نعرف فيهم إلا الصلاح وحسن القصد والنية في إصلاح المجتمع وحفظ بيضته، إلا المنافقين الذين يتسللون لواذاً، والذين لا همَّ لهم إلا الإرجاف والتثبيط، فاللهم عليك بالمنافقين، اللهم عليك بالمنافقين، اللهم ما علمت في منافق إرجافاً وتثبيطاً وتخويفاً في هذا المجال اللهم إنا نسألك أن تكشف صفحته، وأن تفضح طويته، وأن ترينا فيه عجائب قدرتك، اللهم لا تحرك فيه ساكناً، ولا تسكن فيه متحركاً، اللهم عليك به، اللهم عليك به. اللهم من علمت في هذه البلاد من منافق يتمنى لعلمائها وملوكها وأمرائها وعامتها ودعاتها والمحتسبين فيها، اللهم ما علمت في منافق إرجافاً وتثبيطاً اللهم عجل نهايته، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أذهب سمعه وبصره، اللهم أذهب سمعه وبصره، اللهم عطل أركانه، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وقارون وأبي بن خلف، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك. اللهم عليك بالخونة الذين يظهرون في لباس الناصحين للأمة وتنطوي نياتهم على إفساد البنات، وإفساد الشباب، وإفساد مختلف المجالات، اللهم عليك بالخونة، اللهم عليك بالخونة، اللهم عليك بالخونة، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم أصلح بطانتهم وقرب لهم من علمت فيه خيراً لهم ولأمتهم، وأبعد عنهم من علمت فيه شراً لهم ولأمتهم، اللهم مسكهم بكتابك وسنة نبيك، اللهم نور بصائرهم بما يرضيك، اللهم اهد قلوبهم إلى ما يرضيك، اللهم ثبتهم، اللهم وفقهم، اللهم أعنهم، اللهم أعنهم على ما تحملوا من مسئولية في رقابهم عن كل مسلم ومسلمة، وفتى وفتاة، وصغير وصغيرة، وكبير وكبيرة، اللهم أعنهم على تحمل هذه المسئولية بالتمسك بكتابك وسنة نبيك وتقريب أوليائك وطرد المنافقين أجمعين يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم اجمع شملهم، اللهم احقن دماءهم، اللهم احقن دماءهم، اللهم اعصم آراءهم، اللهم أقم دولتهم واكبت أعداءهم، اللهم انصر المجاهدين في كشمير وفي سيلان، وفي أثيوبيا وفي الفليبين، وفي فلسطين، وفي سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم احفظ بناتنا، اللهم احفظ بناتنا، اللهم احفظ زوجاتنا، اللهم من أراد بهن سوءاً وانحرافاً واختلاطاً وتبرجاً وفساداً اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك يا رب العالمين. اللهم احفظنا واحفظهن، اللهم استر على بنات المسلمين أجمعين، اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم اهد ضال المسلمين. ربنا لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

المقاييس الفاسدة

المقاييس الفاسدة إن الكثير من الناس يرتكبون أخطاءً عظيمة في مجتمعهم بسبب تصورهم أو قياسهم الفاسد، فالبعض يقيس أحوال بلاد الحرمين على أحوال مصر والجزائر وتونس، ويظن أن الدعاة في بلاد الحرمين سيقومون بما قام به الدعاة في تلك البلاد، وهذا من الأقيسة الفاسدة. وقد تحدث الشيخ عن الخطر الذي يحدق بالمجتمع في المملكة، وهو خطر المنافقين والعلمانيين الذين لا همّ لهم إلا الإضرار بالدعوة والدعاة، وتحريض الحكام على صفوة المجتمع، كما بين الشيخ همَّ الدعاة وهو نشر الإسلام، وإصلاح المجتمع.

القياس الفاسد مصدر الخطأ عند الكثير

القياس الفاسد مصدر الخطأ عند الكثير الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، القائل في محكم كتابه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة:8 - 15]. معاشر المؤمنين: معاشر المتقين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى فلا نجاة إلا بها قولاً وعملاً ومعاملة وظاهراً وباطناً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أيها الأحبة في الله يخطئ كثير من المثقفين ويخطئ كثير من العوام في إصدار الأحكام وتكوين التصورات حول كثير من القضايا والمتغيرات والأحداث التي هي صورة طبيعية من صور السنن الاجتماعي، ومصدر الخطأ عند كثير من الناس في تصوراتهم وأحكامهم، مصدر خطئهم هذا أنهم يقيسون الأمور بعضها على بعض قياساً متنافراً أو قياساً مع الفوارق، أو قياس أمور لا يصح أن يقاس بعضها على بعض، فترى الكثير منهم يقيس الصريح على المؤول والمؤتلف على المختلف، والمحكم على المتشابه، وكل هذه من الأقيسة الفاسدة، أولئك الذين يلوون أعناق النصوص ويجرون التصورات والأفكار إلى قياس فاسد، وتطبيق وقائع داخلية على أحداث خارجية هم الذين ينشرون في أذهان كافة أفراد المجتمع تصوراً وأفكاراً كلها إرجاف وتثبيط وتخويف. معاشر المؤمنين إن ما نراه من جهود علمائنا ودعاتنا، وولاة أمرنا، ينبغي أن نحرص على أن نجعل الهدف والغاية منه هو قصد الإصلاح، وقصد توجيه المجتمع إلى ما فيه كل خير، وما شذ أو خرج عن هذا القصد فلا حرج أن يقيم ويقوم، وأن يركز ويوجه ما دامت غاية الجميع الصغير والكبير والرفيع والوضيع والمسئول وغير المسئول، ما دامت الغاية هي إصلاح المجتمع والإبحار بسفينته إلى شاطئ الأمان وبر النجاة، يقول الله جل وعلا على شأن ذلك النبي الصالح الذي تناوشته ألسنة قومه بالتجريح، وتناولته أبصارهم حتى كادوا أن يزلقوه بها: يقول على لسانه: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] والمصلح شأنه وغاية همه وتقييم سعيه إنما هو بهدفه، ذلك الهدف النبيل المنبعث من الإخلاص ومن صميم الدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم). وما دام الأمر كذلك فكل سعي يراد به الإصلاح فمحله المُقَل، ومكانه الرءوس، وخطابه يلقى أسماعاً صاغية وأفئدة مستجيبة متأثرة، هكذا ينبغي أن يقابل خطاب الإصلاح، وهكذا ينبغي أن يستمع إلى خطاب المصلحين الغيورين، إن الله جل وعلا يقول في محكم كتابه: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء:114] والنجوى قد نهي عنها إلا بأحوال وشروط، ومع ذلك فالله جل وعلا يقول: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] فالمصلح قد يسلك هذا الطريق، وقد يسلك غيره من أجل المسارعة في إنقاذ المجتمع وإنقاذ أبنائه وبذل ما في وسعه من جهد وتضحية بكل ما يملك، حتى لا تهوي السفينة في بحار الظلمات.

قياس بلاد الحرمين على مصر والجزائر

قياس بلاد الحرمين على مصر والجزائر معاشر المؤمنين ينبغي أن ندرك أن كثيراً من الذين يتكلمون عن واقعنا من حديث المجالس أو من اللقاءات المنفردة أو الجلسات المحدودة أو غيرها، بعض المسلمين -هداهم الله- حينما يتحدث عن جهود الإصلاح وعن المصلحين في هذه البلاد، يقيس ما يدور هنا على ما دار في مصر أيام جمال عبد الناصر، ويقيس ما يدور هنا على ما يدور في الجزائر وتونس، ويقيس ما يدور هنا على ما يدور في سوريا وغيرها وهذا هو ما أقصده بقياس فاسد، وبتركيب أقيسة مختلطة، لا يوجد علة بين الفرع والأصل حتى تكون الجامعة في القياس. من أجل هذا -يا عباد الله- لما قيست هذه الأمور قياساً فاسداً أنتج ذلك تخويفاً، وأنتج ذلك إرجافاً، وأنتج ذلك شعوراً مخيفاً عند عند بعض الناس؛ والسبب في ذلك: هو ذلك القياس الفاسد، فما أن يرى جماعة من الدعاة أو يرى مجموعة من المصلحين يتبادر إلى ذهنه أن هؤلاء مثل أولئك الذين في تلك البلد الفلانية، ولست هنا أريد أن أطعن في الدعاة خارج هذه البلاد، ومعاذ الله أن تكون المنابر منزلاً أو مكاناً للطعن في الدعاة، بل إن المنابر من مهماتها الدعاء لهم، وسؤال الله أن يسدد خطاهم وأن يحقن دماءهم وأن يفك أسراهم، وأن يجبر كسيرهم، وأن يهدي ضالهم، وأن يجمع شملهم. ليس الحديث هنا مقصود به تجريح الدعاة هناك، ولكن الذي نريد أن نبينه هو ألا يقاس أمر في الخارج على أمر في الداخل، لماذا؟ لأن أولئك ونحن بيننا وبين أوضاعهم الفرق الواسع والبون الشاسع الذي لا يمكن معه قياس أحوالهم على أحوالنا، نحن في بلد مسلمة، نحن في دولة مسلمة، نحن في حكومة مسلمة، ندين الله جل وعلا بهذا، ونلقى الله به ولا ننزع يداً من طاعة، ونعتقد ما يعتقده أهل السنة والجماعة، ومن معتقدهم: أنهم يرون الجهاد وإقامة الصلوات والجمعة والأعياد مع الأئمة أبراراً كانوا أم فجاراً هذا هو معتقد أهل السنة، وهذا معتقد أئمة الدعوة، وهذا معتقدنا، وعليه قام الأمر، واستتب الحكم، ومضت شئون الأمة.

المداهنة في دين الله لا تجوز

المداهنة في دين الله لا تجوز لكن هذا لا يعني المداهنة، ولا يعني النفاق، ولا يعني السكوت عن كلمة الحق، بل إن أخلص الناس في صدق معتقده تجاه ولاة الأمور بما يوافق معتقد أهل السنة والجماعة، إن أخلص الناس في شأنه هذا هو أصدقهم عبارة، وأقربهم نصيحة ولو كانت قاسية: وإذا صرخت بوجه من أحببتهم فلكي يعيش الحب والأحباب لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأبدان بالعلل ويبقى الود ما بقي العتاب إن العتاب والنصيحة والخطاب، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مجتمع كفار قريش يتلقفون الأفواه، ويتلقفون الزلة ويتلقفون الخطأ من صحابته، أو من سلوكه صلى الله عليه وسلم، وحاشاه وهو المعصوم ولكن بتفسيرهم الخاطئ، ومع ذلك إن الله جل وعلا لم يقل هذا نبي، ولا يمكن أن ينزل قرآن يتلى إلى يوم القيامة فيه العتاب للنبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تستغله قريش، ويستغله الأكاسرة والقياصرة فسكت عن عتابه صلى الله عليه وسلم، بل ورد العتاب وجاء الخطاب بألذ صوره! بألذ أساليبه وألين عباراته! قال الله جل وعلا يعاتب نبيه: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43] وهذا من ألذ وألين أساليب العتاب، فبشره بالعفو وبشره بالمغفرة قبل العتاب معه في شأن أسرى بدر: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43]. ويقول الله جل وعلا معاتباً الصحابة: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] ويقول الله جل وعلا: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] خطاب من الله لصحابة رسول الله، ولم يكن سبباً في منع نزول هذا الخطاب أو لم يمتنع أن تنزل هذه الآيات التي فيها خطاب العتاب على الرسول والصحابة حتى لا تقول قريش أو يقول الكفار أو يقول المرجفون: إن الله عاتب نبيه أو عاتب أصحاب نبيه، بل جاء الخطاب وجاء العتاب: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس:1 - 10] كلها آيات مليئة بألين العتاب وأجمل الخطاب! وكله صواب من كلام رب الأرباب جل وعلا. ومع ذلك لم يمتنع أن تنزل هذه الآيات خشية أن يقال على الرسول أو على صحابته: إن هذا مما يرجف بالصحابة أو مما يضر بمجتمع الدولة الإسلامية في المدينة، ما دام الأمر كذلك -أيها الأحبة- فلنعود أنفسنا على سماع كلمة الحق مع وضوح منهجنا. إن الذين يقيسون مجتمعنا هنا على المجتمعات الخارجية قياسهم فاسد، ومن أفسد التصور أفسد الحكم والعمل، وما دامت تلك البلاد في مجتمعات أحوالها إما كافرة أو جاهلية أو ظلمات بعضها فوق بعض، فإننا ندين الله ونعتقد بأن هذا المجتمع مجتمع مسلم، ولا يعني المجتمع المسلم ألا توجد فيه خطيئة، ولا يعني المجتمع المسلم ألا توجد فيه معصية، وليس بالضرورة ألا يوجد في المجتمع المسلم منافقون.

المنافقون والعلمانيون وخطرهم على المجتمع

المنافقون والعلمانيون وخطرهم على المجتمع إن هذا المجتمع مع صبغته الإسلامية وصفته الإسلامية لا يمتنع أن يوجد فيه العلمانيون، ولا يمتنع أن يوجد فيه المنافقون، كيف نغالط الحقائق أو نزور الأمور على أنفسنا ونقول: ليس في مجتمعنا منافقون أو علمانيون وقد وجدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولو سلم مجتمع من المنافقين لكان أولى المجتمعات سلامة من المنافقين أصحاب الوجوه الذين يدخلون بوجه ويخرجون بوجه، ويظهرون بكلام ويبطنون ضده، ويصدق فيهم قول الله جل وعلا: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204 - 206] لو سلم المجتمع من أولئك الذين يودون العنت والمشقة لنا، ولا يألوننا خبالاً، وفيهم وفي مجتمعهم سماعون لأهل الباطل وأهل الضلالة، وربما يفرحون مع أذنابهم أو من ينتسبون إليهم في أفكارهم شرقاً وغرباً على كل مصيبة كانوا يتربصون الدوائر بها على المسلمين والمؤمنين. فيا معاشر المؤمنين ينبغي أن نفهم جيداً أننا في مجتمع يختلف عن سائر المجتمعات، وهذا المجتمع من أول خصائصه أن العالم الإسلامي ينظر إليه نظرة تختلف عن النظرة لسائر الدول والبلدان، إذا قلنا: المملكة العربية السعودية هل سيتبادر إلى أذهان السامعين المجوسية؟ أو النصرانية؟ أو اليهودية؟ أو يتبادر إلى أذهان الناس القاديانية والباباوية والنصيرية والدرزية؟ لا. لا يمكن أن يتبادر إلى ذهن من سمع اسم هذا البلاد إلا دين الإسلام، وإذا ذكر الإسلام فأول بلاد تتبادر إلى الذهن هي هذه البلاد، وليس غروراً ولا إطراءً ولا إسرافاً في المديح، إن الإسلام والبلاد هذه وجهان لعملة واحدة، إن الإسلام وهذه البلاد هما وجهان لعملة واحدة، ولا يعني ذلك سلامة مجتمعنا من الأخطاء والنقائص أو انعدام وجود المنافقين في المجتمع، فهذه أمور قد وجدت في عصور الخلافات الراشدة، وفي عهد النبوة صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وفي سائر عصور التاريخ. إذاً فما واجبنا؟ واجبنا أن نبدأ بكل صدق وبكل حق لإصلاح مجتمعنا، نحن في بيت قد أسس بنيانه وأقيمت أركانه واستتب نظامه، فما شأننا إلا أن نصلح الخلل في نوافذه، وأن نصحح الخلل في أبوابه، وأن نتتبع ثغرات النقص في جوانبه، هذه صرخات الدعاة، وصرخات المصلحين، وهذه صرخات الغيورين التي فسرها الفجار وفسرها الفساق بأن وراءها ما وراءها، وبأنها تريد الضلالة وتريد الفساد، وتريد أن ينفرط نظام عقد هذا المجتمع أو أن تنقلب طمأنينته قلقاً وفزعاً لا والله، ما هكذا شأن الدعاة، ولا شأن الأبرار، وما هكذا شأن الأخيار، مع أننا وفي قرارة علمنا أن هذا لم يدر بخلد أحد إلا بخلد المنافقين.

المنافقون يطعنون دائما بالدعاة والعلماء

المنافقون يطعنون دائماً بالدعاة والعلماء نعم. المرجفون الذين منهجهم منهج إمامهم الشيطان الذي يعد بالفقر ويأمر بالفحشاء كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]. المرجفون منهجهم في هذه المسألة وإمامهم في هذا المنهج هو منهج الشيطان، ما يرون من خير إلا ويفسر بضده، ويفسر بأسوأ التفسير والاعتبار، وإذا ظهر في المجتمع ضلالة أو بداية انحراف أو جنوح إلى الفساد والغواية أو تخللاً ودخولاً في قلب أبناء المجتمع وفي جسده الذي هو يصارع أنواع العدوى الوافدة والمستوردة والمحلية، إذا رأى الغيورون فساداً حل بالمجتمع ماذا يقولون؟ لماذا تفسرون الأمور تفسيراً عكسياً؟ لماذا أنتم -أيها الدعاة- تفسرون الأمور تفسيراً عكسياً؟ لماذا لا يظن بالدعاة إلا فساد الأمور؟ لماذا لا يظن بالدعاة إلا كل تصور فاسد قد قيل هذا على ألسنة كثير من المخدوعين أو الجاهلين أو المغرضين، لما ظهرت دعوات مستوردة ووافدة تدعو إلى اختلاط المرأة بالرجل، ماذا قالوا يوم أن وقف الدعاة ووقف الأخيار والمخلصون أمام هذه الدعوات؟ يقول العلمانيون وأذنابهم: لماذا أنتم -يا معاشر الدعاة- لا تفسرون الأمور إلا بكل فاحشة، وبكل رذيلة وبكل فساد؟ ونقول لهم أيضاً، نقول للمرجفين: لماذا تفسرون كل خطوة وكل صرخة وكل تضحية بغال ونفيس من أجل إصلاح المجتمع، مع اعتقاد كاعتقادنا بأهم شئون ديننا أن مجتمعنا مسلم، نقول لهم: لماذا تفسرون هذه الاتجاهات الإصلاحية والدعوات نحو الإصلاح بإثارة الفزع والقلاقل والفتن وتقليب شأن المجتمع بعد طمأنينته؟ نعم. نرد عليهم في باب مقام خطابهم بمثله، وإلا فالحجة فوق رءوسهم دامغة، والحق أبلج والباطل لجلج. وحسبنا -يا معاشر المسلمين والمؤمنين- أننا نؤمن بسلامة موقف كل أبناء هذه الأمة في اتجاهها لعقيدتها ودينها، واقتدائها بنهج نبيها في شتى مجالات حياتها. أما أولئك فيؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، نعم. يريدون الدين في جانب ولكن لا حاجة إلى الدين في جانب آخر، لا تقال صراحة وإنما مغلفة مزيفة، أولئك ليسوا من أهل هذه البلاد، ليسوا من أهل هذا المجتمع، إلا أن يدينوا بما يدين به المؤمنون لله بأن الحكم لله: {أَلا لَهُ الْحُكْمُ} [الأنعام:62] {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [يوسف:40] إلا أن يدينوا بهذه في كل صغيرة وكبيرة.

هم الداعية أن ينتصر الإسلام

همّ الداعية أن ينتصر الإسلام فيا معاشر المؤمنين إن ما نسمعه وما نراه من جهود الدعاة ومن نصائحهم ومن خطابهم، ومن توجيههم إنما هو لوجه الله، لا يريدون بذلك جزاءً ولا شكوراً، لا يريدون قرضة، ولا خطاً عريضاً في الجريدة، ولا زاوية أسبوعية، ولا مكافأة مالية، ولا مرتبة وظيفية، وإنما يريدون وجه الله، كما قال أحد السلف: وددت أن هذا الخلق أطاع الله وأن جسمي قرض بالمقاريض. الداعية من السلف الصالح يقول: قطعوا جسمي بالمقاريض -أي: بالمقص- قطعة قطعة في سبيل أن يعود الناس إلى الله، والإمام العابد المجاهد/ عبد الله بن المبارك يقول: وددت أني أكون فداءً لأمة محمد. ووالله إن الدعاة والمخلصين يودون أن يكونوا فداءً لهذه الأمة في سلامة دينها ونقاء عقائدها، واجتماع شملها ووحدة صفها واجتماع كلمتها، ولو كانوا هم الفداء بذلك، ولكن كما قال القائل: نسجت لكم غزلاً رفيعاً فلم أجد لغزلي نساجاً فكسرت مغزلي بعض الناس لا يرى إلا أن كل صيحة وكل كلمة وكل صرخة وراءها ما وراءها، ووراء الأكمة ما وراءها، إنا لا نعني بذلك أن تعطل العقول، ولا أن نلغي سبر الأقوال والمقاصد والكلمات، ولكن ما أسر عبد سريرة إلا أظهرها الله على لمحات وجهه وفلتات لسانه، إنك لترى وتفرق بين خطاب المخلصين والمنافقين، وتفرق بين الذين يدّعون حقيقة الإخلاص دعوى زور وبين الذين هم يمثلون حقيقة الإخلاص لهذه الأمة. فلو قبل مبكاها بكيت صبابة بسعدى شفيت النفس قبل التكلم ولكن بكت قبلي فهيج للبكا بكاها فقلت الفضل للمتقدم ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، نعم. إن الدعاة حينما يذرف أحدهم دمعة خرجت من قلبه قبل أن تخرج من عينه، وحينما يقول كلمة تلجلجت في صدره وتفاعلت في سويداء فؤاده قبل أن تخرج على لسانه، أما أولئك الذين يريدون بالكلمات أي مصلحة من مصالح الدنيا فنقول لنا ولهم ولأنفسنا ولغيرنا: سيجمع الله الأولين والآخرين في مقام واحد، ويقول سبحانه: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:8] حتى الصدق أنت مسئول عن الصدق فيه: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:8] وسينكشف غداً الذين كانوا على حقيقة الإخلاص والولاء لله ولرسوله ولكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم، سينكشف أولئك وينكشف الذين يدّعون هذا. ولست هنا أفرق مجتمعنا لكني أقول: إن المجتمع لا يخلو من المنافقين، لا يخلو من المرجفين، لا يخلو من المثبطين الذين منهجهم عدة الشيطان الأمر بالفحشاء والتخويف من الفقر. نسأل الله أن يحفظنا وأن يجمع شملنا وشمل ولاة أمرنا وحكامنا وعلمائنا على ما يرضيه، إنه سميع مجيب. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

فرح المؤمن الصادق بعودة الناس إلى الله

فرح المؤمن الصادق بعودة الناس إلى الله الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله إن الدعاة إلى الله، إن الآمرين بالمعروف، إن الناهين عن المنكر، من فرط غيرتهم على دينهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم وعلمائهم وولاة أمرهم وعامة المسلمين أجمعين، صغيرهم وكبيرهم، صالحهم وفاسقهم طالحهم وبرهم، إن أولئك من فرط غيرتهم على المجتمع تجد الواحد منهم يحترق ليل نهار، ويسعى ذهاباً وإياباً، ويصبح ويمسي ويحل ويرتحل، يستبشر بشارة عظيمة، يوم أن يرى ضالاً هداه الله، أو منحرفاً عاد إلى المسجد، أو عاقاً بر بوالديه، أو قاطعاً وصل رحمه، أو مجرماً تاب وآب إلى الله جل وعلا، أما أعداء الدين وأعداء الأمة وأعداء المجتمع فيفرحون بما نشر من الفساد وشاع من الفاحشة في المجتمع، فأي هذين أحب إلى القلوب؟ إن قلوب البهائم ليست قلوب البشر تميل مع من أحسن إليها وداوى جراحها، وجبر كسورها وأصلح شأنها وأطعمها نصيحة صادقة، وسقاها وداً خالصاً، أما الذين يدعون الإخلاص دعوى لا حقيقة لها، فإن ابتسمت الوجوه أمامهم ابتسامة صفراء أو هزت الرءوس أمامهم هز المنافقة والمداهنة، فليس أولئك لهم مكان في قلوب الناس.

التدرج في الإصلاح سنة كونية

التدرج في الإصلاح سنة كونية معاشر المؤمنين والذين ترونهم من فرط غيرتهم على إصلاح مجتمعهم ليسوا أيضاً من البله أو من الحمقى، أو من الأغبياء الذين يفرحون ويريدون أن يصلح المجتمع بين عشية وضحاها، إن الله جل وعلا من سننه التدرج، ما خلقت السماوات والأرض في يوم واحد: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38] وما نزلت الأحكام جملة واحدة، وإنما نزلت تدريجية ونزل التشريع فيها متدرجاً، وإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) ولم يقل: إن أول ما تدعوهم إليه توفير لحاهم، أو الصدقة أو الزكاة، بل قال: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) الأولى: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والثانية: الصلوات الخمس: (فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم إلى آخر ما جاء في الحديث) فالتدرج في التشريع والتدرج في الإصلاح سنة ماضية، والدعاة يوم أن يقولوا: إن المجتمع بحاجة إلى أن تتظافر جهود العلماء والولاة والمفكرون، وأساتذة الجامعات وأرباب التجارب الطويلة والخبرات النافذة، يوم أن يقولوا: ينبغي أن تجتمع هذه العقول وهذه الجهود، لا يقولون: إن المجتمع سيصلح بين عشية وضحاها. حينما نتكلم عن إصلاح البنوك أو عن التخلص من الربا، لا يعني ذلك أن ينتهي الربا في يوم وليلة، وإن كنا نسأل الله صباح مساء ألا يبقي للربا بقية في دينار ولا درهم، لكن التدرج أمر طبيعي مطلوب، وكذلك في إصلاح الإعلام، أو في إصلاح التعليم أو في إصلاح كثير من المجالات، واضرب لما شئت من كل مثل تصل به إلى فائدة التدرج حتى في إصلاح الفرد، إنك يوم أن تدعو شاباً وهو لم يرتبط بأجهزة ولا بمؤسسات ولا بدوائر عدة، لا يعقل أن تبدأ في إصلاحه في أموره كلها، أو أن تبدأ بصغير ذنوبه قبل أن تلاحظ كبيرها، فخذ على سبيل المثال رجلاً لا يصلي ويدخن ويسبل ويسمع الغناء ويشرب المسكرات، فهل من العقل أن تبدأ بإصلاح إسبال ثوبه أو بتوفير لحيته؟ هذا جنون، تبدأ فيه بأن يصلي مع المسلمين، بأن يحضر الصلاة مع الجماعة، ثم تبدأ به في إصلاح كثير من أحواله، ثم يأتي الحديث عن تدخينه ويأتي الحديث عن سماع الأغاني واللهو، ويأتي الحديث عن شربه للدخان بعد حديثه عن المسكرات وغيرها. إن الدعاة ليسوا أغبياء، ويفهمون أمور التدرج فهماً طبيعياً، وأيضاً خطابهم مع كل فرد في إصلاحه بأن يتدرج، وليس بالضرورة إما أن نصر على عشرة ذنوب أو أن نقلع عنها فوراً، نعم. نتمنى ونود ونشتهي وندعو أن يتوب العبد من كل ذنب في ساعة واحدة، وأن يعود إلى الله جل وعلا عوداً سريعاً حميداً، ولكن -يا معاشر المسلمين- إذا لم يتحقق ذلك إما أن نقول: تب منها جميعاً أو ابق عليها جميعاً لا. فلئن قال: أتوب من خمسة وأسأل الله الذي فتح علي بالتوبة من الخمسة أن يتوب علي في ما بقي منها فهذا أمر مطلوب، وهذا أمر مشروع، وهذا أمر مقبول، الذي أردناه أن نفهم أننا لن نفرط بمجتمعنا، ولن نتساهل بأمر مجتمعنا، وسنظل نصرخ ونتكلم ونقول ما نعتقد أنه يرضي الله جل وعلا، وتبرأ به الذمة نصيحة لولاة الأمر ولعامة المسلمين وإلا فستشهد المنابر علينا يوم القيامة أننا ارتقيناها فداهنا ونافقنا فيها، ستحاسبنا المنابر يوم القيامة أننا وقفنا عليها ولم نؤدِ صميم الكلمة بصدق وإخلاص إلى عامة المسلمين وصغيرهم وكبيرهم. فيا معاشر المؤمنين هذا تعقيب على الجمعة الماضية يوم أن نقول: إن الإسلام قد أمرنا بأن نتحمل مسئولياتنا، ومن أهم مسئولياتنا المحافظة على المرأة حتى لا تقع في التفلت والتسيب، وإن جوانب التفلت والتسيب قد تبدو موجودة في بعض الثغرات الموجودة، في بعض المجالات الموجودة فإنها دعوة إلى الإصلاح، دعوة إلى أن نمضي خطوة إلى الأمام، ولأن نوقد شمعة في الظلام خير من أن نلعن الظلام ألف مرة، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة هذا لمن جمع الهمة وعزم القصد وأخلص النصيحة للمسلمين أجمعين. اللهم لا تفرق جمعنا، اللهم لا تشتت شملنا، اللهم لا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في رغد العيش وأمن البلاد

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في رغد العيش وأمن البلاد أيها الأخوة في الله إنكم في بلاد ليست كسائر البلدان في مساحتها، قارة كبيرة، أطرافها مترامية، وسكانها بفضل الله جل وعلا مسلمون وإن كان مضى من عهدهم وعصرهم من الثارات القبلية والصيحات العرقية ما مضى فقد وحد الله شملها، وجمع أطرافها بدعوة المجدد محمد بن عبد الوهاب، ومن وقف معه صادقاً مخلصاً محمد بن سعود رحمهم الله جميعاً، وتوالى الأمر على هذه البلاد تعثر تارة وتقوم تارة، أما وقد قامت بفضل الله جل وعلا وتفيئنا ظلالها وتفكهنا بثمارها، واستفكهنا سماءها ومشينا بأرضها وأكلنا خيراتها بفضل الله وحده، بفضل الله وحده، بفضل الله وحده، ثم بجهود المخلصين أجمعين، لن ننسب الفضل إلى أحد بعينه، بفضل الله أولاً، ثم بفضل جهود المخلصين أجمعين مجتمعة من علماء وولاة أمر ومصلحين وغيورين وآمرين بالمعروف ودعاة وناهين عن المنكر. لم جمع الله لنا هذا كله؟ أمن المعقول أن نتساهل بهذا الخير، الذي نعرف أن سببه هو دين الله جل وعلا، الذي نعرف أن سببه هو التمسك بالعقيدة، الذي نعرف أن سببه إقامة الصلوات في المساجد، الذي نعرف أن سببه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل سوق وفي كل طريق، تلك الشعيرة والركن العظيم الذي لم يسلم من ألسنة الناس في المجالس، ولم يسلم من افتراءات الكذبة واختلاف المزيفين، تجد كل يفتري ويؤلف ويختلق فسقة يتفكه بها ويتندر بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وما علم أولئك السفلة وأولئك الجهلة الذين يتندرون بالهيئات والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ما علموا أن أمنهم في بيوتهم، وأن الناقلات التي تجلب خيرات البلدان إلى أسواقهم وأن حدودهم الآمنة، وأن استتباب الأمن في مجتمعهم إنما هو بأسباب من أهمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} [هود:116]. المترفون والفاسقون والمنافقون يتبعون ملذات الانحراف، ولتهلك السفينة، وليهلك المجتمع، وليهلك كل من في المجتمع من أجل غانية لا توقف في السوق، ومن أجل فاجر لا يساءل حينما يشتبه فيه، هكذا يريدون: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:116 - 117]. تذكروا دائماً: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] وتذكروا دائماً أن البلدان التي تشتعل فيها الحروب الآن، ويشكو أصحابها من المجاعات ويتضوعون من الأسى والعطش، ويتقلبون في الكهوف من البرد والزمهرير، كانوا يوماً مثل حالكم هذه، كانت الأمم قبلكم فيما أنتم فيه الآن، من كل خير يجبى إليهم ثمرات الدول إلى أسواقهم، والآن غيروا فغير الله عليهم، غيروا أحوالهم فغير عليهم من الأمن إلى الخوف، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الاجتماع إلى التشرد.

لابد أن يكون المسلم غيورا على دين الله

لابد أن يكون المسلم غيوراً على دين الله عباد الله: اثبتوا على دينكم، وتمسكوا بدينكم، وكونوا غيورين على نعمة الله، كونوا غيورين على نعمة الله، إن الله يغار، وغيرة الله أن يزني عبده أو تزني أمته، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيرة سعد بن عبادة؟ والله إني لأغير من سعد، والله أغير مني) كونوا هكذا على مستوى الغيرة، ونطالب كل مسلم بالغيرة ولو كان حليقاً أو مدخناً أو يسمع الغناء أو يسبل ثوبه؛ لأن هذه معصية فرعية جزئية، لكن التهاون بأمر الدين مصيبة عظيمة، ربما مصيبة الذي يدخن أو يسمع الغناء على نفسه، لكن حينما تهدم عرى الإسلام ويسكت عن المنكر، وتنتشر الفواحش ويكثر الفساد، ويشيع الخبث ويفشو الخنا هذا جرح بل سرطان، وشتان بين من بأصبعه جرح ومن ببدنه سرطان. هكذا فلنكن غيورين على هذه النعمة، أليس عندكم أطفال؟ أما عندكم بنيات صغيرات؟ تمشي البنية في ثوبها فتتعثر وتسقط؟ أليس عندك ولد صغير يغاغي بأبيه وأمه حينما يلقاك قادماً من عملك؟ أما تخشى الله في هذا الطفل؟ أما تخشى الله في بنيتك؟ أما تخشى الله في أخواتك وإخوانك: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:9] والله إني لأجلس أحياناً فيمر أولادي أمامي الصغار هذا يحبو وهذا يمشي ويتعثر وهذه تبكي فآتي إلى الصغير وأضمه، وإلى الذي يحبو فأشمه، وإلى الذي يرضع فأعطيه حليبه، وأقول: ها أنا اليوم عندهم، قد بكوا فدنوت لأعالج جراحهم، قد بكوا فدنوت لأسكت بكاءهم، لكن يا ترى ماذا يخبئ المستقبل؟ ماذا يخبئ المستقبل؟ والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيب يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحاراً نعم نعد شيئاً واحداً يحفظ هؤلاء الأطفال الصغار ويحفظنا ونشكر به نعم ربنا: {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9] إن نتق الله جل وعلا، وتقوى الله هي خير ضمان لهؤلاء الأطفال الذين نراهم، إياك أن تفكر فقط بنفسك، فكر بالجيل الذي بعدك، تصور حال أبنائك وأبناء أبناك وأطفالك وأحفادك، تصور حالهم هل يدومون على هذه النعم التي أنت فيها؟ فإن أردت ذلك لهم فكن غيوراً على دين الله، حتى يتفيئوا النعم التي تنعمت بظلالها وأرضها وسمائها. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم لا تفرّح علينا عدواً، اللهم لا تشمت بنا حاسداً، اللهم اجمع شملنا في هذه البلاد، اللهم اجمع شملنا في هذه البلاد خاصة، اللهم اجمع شملنا في هذه البلاد خاصة وحكامنا وعلماءنا وولاة أمرنا، اللهم اهدهم، اللهم اهدهم، اللهم اهدهم، اللهم أصلح قلوبهم، اللهم قرب من علمت فيه خيراً لهم، وأبعد عنهم من علمت فيه شراً لهم، اللهم قرب لهم من يبشرهم بالخير ولا يخوفهم منه، اللهم قرب لهم من يعينهم على الخير ولا يعينهم على ضده، اللهم قرب لهم من يعينهم على ما يرضيك يا رب العالمين. اللهم اهد شباب المسلمين ونساء المسلمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم لا تحرمنا بذنوبنا فضلك، اللهم لا تحجب عنا بمعاصينا رحمتك، اللهم إن كثرت ذنوبنا فإن فضلك أكثر، وإن كثرت معاصينا فإن رحمتك أكبر، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم إن بالعباد والبهائم والبلاد من الجوع والعطش واللاؤاء ما لا يكشفه إلا أنت، اللهم اكشفه عنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الشباب والرياضة

الشباب والرياضة في هذا الدرس يتطرق الشيخ إلى موضوع (حال الشباب رياضياً عند الفوز). فمع الفوز والانتصار تكون مشاعر الفرح والسرور، لكن عندما يزيد الشيء عن حده ينقلب إلى ضده، وهنا كانت فاجعة الحدث الرياضي الذي حصل في البلاد نتيجة ما قام به الشباب من تصرفات سيئة مع نشوة الفرح بفوز فريقهم الرياضي؛ أدت إلى ارتكاب كثير من المعاصي والمحرمات في الطرق والشوارع.

فاجعة الحدث الرياضي

فاجعة الحدث الرياضي الحمد لله الذي نصر عباده المؤمنين بإعلاء كتابه وسنة نبيه، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! منذ ثلاثة أسابيع تقريباً مرَّ على الساحة حدث رياضي أشغل الأمة شغلاً عجيباً، وكانت نتائجه مخزية -والله- أمام الله، وليس الاعتراض أو المناقشة على المباراة أو على الدوري، فالكلام في هذا في مناسبة أو في مقام أو مكان آخر، وليس حقاً أن نفرد هذه المباراة، أو هذا الموضوع بالمناقشة ونترك ما قبله أو ما بعده سليماً منها، لكن الذي نناقشه ونطرحه أمام إخواننا المسلمين ليأخذوا العظة والعبرة والدرس هو ما نجم عن ذلك الحدث، فكم أشغلت سيارات الإسعاف في تلك الليلة، وكم أشغلت أجهزة الأمن في تلك الليلة؟ وكم ارتكب من معصية في تلك الليلة؟ وكم حدث، وكم صار، وكم مضى، وكم وكم؟ وزد وقل ما شئت فوق ذلك من أمور لا يليق هذا المقام بذكرها، ولولا أن يخشى الإنسان أن يقع في قول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} [النور:19] لسردنا عليكم أقوالاً وأحداثاً سمعنا بها، ولولا ما قيل أنه: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) لسمعتم من ذلك المزيد والمزيد، ولكن: يكفي اللبيب إشارةٌ مرموزةٌ وسواه يدعى بالنداء العالي

سوء تصرف الشباب

سوء تصرف الشباب أيها الأحبة في الله! لقد امتلأت الأسواق، وازدحمت الطرقات، وأوذي المسلمون من قبل فئة قليلة من الشباب هداهم الله، وردهم إلى الحق رداً جميلاً، وليس عجيباً من أولئك، وليس بدعاً في سلوكهم، وليس غريباً في تصرفاتهم، فلا يأتينك من وادٍ إلا سيله، وكل إناء بالذي فيه ينضح، والألسنة مغاريف القلوب، فما سمعتم من الصيحات والأهازيج والهتافات إنما ذاك أمرٌ أخرجته الألسنة، وقد كان موفوراً قابعاً في الصدور والقلوب، وما رأيتم من التصرفات والأفعال، فذاك مبلغ أفعالهم، ومبلغ ما يدور بخلد الكثير منهم. إذاً يا عباد الله! لا ننتظر من أولئك الذين أشغلوا عباد الله ليالي معدودة يدورون بالطبول والأعلام، ويجوبون الشوارع والطرقات بالأهازيج والصيحات، بل وأشد من ذلك يعتدون على الأبرياء من الذين لا ساغية لهم ولا راغية، ولا ناقة لهم في هذا الأمر ولا جمل، فهذا هو العجب، وهذا هو الخطر، وهذا هو عين المصيبة. هل بلغ بالشباب جنون الكرة إلى حدٍ تغلق فيه الطرقات؟! هل بلغ بالشباب جنون الكرة إلى حدٍ توقف فيه السيارات في الشوارع؟! والله يا عباد الله! إن هذا أمر لا يليق السكوت عليه ولا يجوز ولا ينبغي؛ لأن العاقبة التي بعده وخيمة، ولأن خطر السكوت أعظم، يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] فما حال هؤلاء مع الاستجابة؟ أترون الاستجابة لله ولرسوله أن تكون بهذا الأسلوب، أو بتلك الوسيلة، أو بهذه الطريقة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] ثم يقول الله جل وعلا: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]. والله، ثم والله، ثم والله، إن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، فلا يستبعدن أقوامٌ عاقبة هذه الأفعال الشنيعة، ولا يستبعدون قرب حدوثها ما لم يراجعوا ربهم، وما لم يتوبوا، وما لم نأخذ جميعاً على أيدي الظالمين، وعلى أيدي المستهترين من أولئك الشباب. أيها الإخوة! لو كانت عقوبة الأفعال والجرائم تنزل خاصة بهم، لكان الأمر هيناً ميسوراً، لكن العقوبة إذا نزلت عمت، ويبعث الناس على نياتهم يوم القيامة. عباد الله! لا ننتظر من أولئك الشباب أن يعظوا الناس في المساجد، فالكلاب لا تجيد غير النباح، ولا ننتظر من أولئك الشباب أن يكونوا أئمةً أو هداةً مهتدين في ذلك الوقت؛ لأن القطط لا تجد غير المواء، لكن المصيبة أن يسكت كل واحدٍ منا، وألا يمسك بتلابيب من يراه من الشباب مخوفاً له بالله ألا تتق الله، ألا تخشى الله في نعمة الله، شبابك، قوتك، سلطتك، أيديك، وأرجلك، أعينك، وسمعك، وبصرك، أكل هذا الذي خلقه الله تسخره في معصية الله؟ فما حالك لو سلب منك شيء واحد من هذا؟

اتخاذ آيات الله هزوا ولعبا بعد الحدث

اتخاذ آيات الله هزواً ولعباً بعد الحدث أيها الأحبة! إن الأمر الذي هو أدهى وأمر أن اتخذت آيات الله هزواً ولعباً بعد هذا الحدث الرياضي: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] تقال وترفع هذه الآية فوق تهنئة بالفوز في هذا الحدث الرياضي، متى أصبحت آيات الله هزواً ولعباً؟! قولوا ما شئتم، تكلموا كيفما شئتم إلا كلام الله الذي نزل من فوق سبع سماوات، إلا كلام الله الذي يكفر من استهزأ به، إلا كلام الله الذي يكفر من جحد حرفاً واحداً منه، إلا كلام الله الذي يكفر من غالطه أو عانده، إلا كلام الله الذي نزل به أجل الأملاك جبرائيل على نبينا عليه الصلاة والسلام، إلا أفضل الذكر الذي حفظه الله، إلا هذا الكتاب الذي جعله الله تبياناً لكل شيء، فلا وألف لا، لا يوضعن على تهنئة بفوز، ولا في حدث رياضي، فهذا كتاب الله، وهذه سنة نبيه جاءت لتنقذ أمةً عميا، ولتبصر أمةً ضالةً، وجاءت لترفع شعوباً ذليلةً، ولتحكم العدل في الأمم المظلومة، ما جاءت لأحداث رياضية، أو لمناسبات كهذه، أفلا يتقي الله من يستشهد بهذا، أفلا يخشى الله من يستشهد بهذا. على أية حال أيها الإخوة: لا عجب ولا غرابة إذا كان الذي يضع هذه الآية فوق هذا الإعلان ممن لا حظ لهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فلا تجنين من شوكٍ عنباً وإن من زرع شيئاً حصده نحن أيها الشباب! نحن أيها الإخوة! نحن أيها المسلمون! ما الذي زرعناه في شبابنا حتى نجني منهم هذه الهتافات، وهذا التصفيق والإزعاج، وهذا الذهاب والإياب في الطرقات والشوارع، وإيذاء المسلمين، وانتهاك بعض حرماتهم. أسأل الله جل وعلا أن يكفينا شر العقوبة، أسأل الله جل وعلا أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، أسأل الله جل وعلا ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الأخذ على أيدي الشباب

الأخذ على أيدي الشباب الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين! ينبغي أن نعلم أن الكلام والخطب والندوات والمحاضرات التي تشجب هذا الحدث، أو تشجب ما ينجم عنه من إزعاج وهتافات وصرخات وويلات ليست توجه اللوم إلى المسئولين، وإنما توجه اللوم إلى أبطال هذه الأحداث من الشباب الذين لم يكن لهم حظٌ من التربية السليمة والعلم النافع والقدوة الحسنة، وهذه الخطب والندوات والمحاضرات توجه إلى المسئولين من باب الأخذ على أيدي هؤلاء السفهاء، ووالله إنا لنعلم أن كل منصف وكل غيور على هذه البلاد ومن فيها من مسئولين ومواطنين، والله لا يرضون بهذا الأمر، ولا يدينون الله جل وعلا به، بل ويكرهونه ويبغضونه أشد الكره، هذا ما علمناه عنهم، ولكن أيها الأحبة! أيكفي أن ننتقد هذه الأحداث؟ أيكفي أن ننتقد هذه المظاهر بعد ذلك الحدث الرياضي؟ لا والله، لو خطبنا ألف خطبة، وطبعنا ألف رسالة، وأرسلنا ألف داعية، والأمور تمضي كما هي، هذا لا يجدي، ولا ينفع شيئاً، لكن الذي يجدي هو أن نعلم أن ما رأيناه نتيجة تربية مهملة، نتيجة شباب قد ضيعهم آباؤهم وأمهاتهم، نتيجة شباب اجتمع لهم الفراغ، واجتمعت لهم الجدة، واجتمع مع ذلك الصحة والشباب، فلا عجب أن نرى ذلك. أيها الأحبة! لأن نوقد شمعةً واحدةً في الظلام خيرٌ من أن نلعن الظلام ألف مرة، ولا نسرف في اللوم على أولئك الشباب، والله إن الكثير منهم لفي سكرة، وهل تلوم سكراناً على تصرفاته، إن الكثير منهم لفي غفلة، وهل تلوم غافلاً على ما يبدر منه؟ إن الكثير منهم لفي غطيط عميق، وهل تلوم نائماً فيما ينجم من نومه؟ إذاً أيها الأحبة! لابد أن نعود إلى قلوبهم شيئاً فشيئاً رويداً رويداً مناقشةً هادئةً، إذ إن مناقشة الأمور بعد هدوء الأوضاع هذا خيرٌ وأخف، كان بوسع الكثير أن يستلم هذا الحدث في خطبه، أو في مناسباته، أو في كلمات المساجد بعد هذا الحدث فوراً، لكن ترك الأمور حتى تهدأ، وحينما تعود البصيرة والبصائر إلى العقول لكي نناقش أولئك الشباب من تسبب في سرعة جنونية، فأودى بحياة أسرة إلى غرفة الإنعاش، ما الذي جنى من ذلك؟ من تسبب في هذا الهتاف والتطبيل، ثم كانت الحادثة دهس روحٍ بريئةٍ راحت الروح إلى بارئها، ما الذي استفاد من ذلك؟ إني رأيت عقلاء في سن العقل والرشد والله إني لأشك هل ترى عيني حقاً، أم أن في عيني غبشاً، أهذا رجلٌ بطوله وعرضه وسنه ينشر علماً على سيارته؟ أين العقول؟! أين القلوب؟! أين الأفئدة؟! إذاً نحن بحاجة إلى أن نبصر شبابنا إلى أن نناقشهم، وهي مسئولية الخطباء، ومسئولية المدرسين، ومسئولية الموجهين، ومسئولية الوعاظ، ومسئولية كل من له دور في لقاءاته بالشباب أن ينبه أولئك على هذا الأمر، أما أن ندعي أن هذه الغضبة نتيجة هذا الحدث الرياضي، فلا نكذب على أنفسنا؛ لأن الأحداث الرياضية السابقة كثيرة واللاحقة أكثر، لكن نحن نناقش ونشجب ونستنكر أيضاً ما يحدث من جراء تلك الأحداث، والكلام في الحدث الرياضي ذاته، ليس الحديث فيه إليكم، بل الحديث فيه إلى من له الأمر والنهي فيه. فيا عباد الله! نسأل الله جل وعلا أن يأخذ بأيدينا إلى دعوة شبابنا بالحكمة والموعظة الحسنة، بالرفق واللين ولطف الجانب، وخفض الجناح، لكي نواجههم ونقابلهم، ونسألهم عما جنوا واستفادوا من جراء ذلك الجنون، ومن جراء تلك التصرفات العجيبة.

انتقاد الرياضيين للدعاة وغيرهم

انتقاد الرياضيين للدعاة وغيرهم أيها الإخوة! إنه ما من أمر علا شأنه إلا وكانت النهاية بعد ذلك سقوطٌ في هوة الانحدار الشديد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قد تمضي الأمور طبيعية، أما إذا بلغ هذا التشجيع جنونه، وبلغ أوجه، وأصبح حدثاً طبيعياً، ما حدث بعد ذلك الحدث الرياضي والله ليس بعد هذا إلا طامة أو هامة أو بلية نسأل الله أن ينجي المسلمين منها، والأسوأ من ذلك أن تجد من يناقش في هذه الأمور، أو من ينصح في هذه الأمور، يقال له: أنت لست من أهل الحس الرياضي إنك لست من الذين خالطت الكرة دماءهم وشرايينهم. أسأل الله ألا يخالط دماءنا ودماءكم إلا شهادة: أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه التي نفتخر بأن تخالط دماءنا وقلوبنا وعروقنا، أما ما سوى ذلك، فلا مكان له في الدماء والقلوب والشرايين يا عباد الله. أيها الأحبة! أيعيرون العقلاء بأنهم ليس لهم من الحس الرياضي ما يستطيعون أن يتفاعلوا به أمام هذه الأحداث، عجباً والله وألف عجب!!. إذا عيَّر الطائي بالبخل مادر وعيَّر قس بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس: أنت ضئيلةٌ وقال الدجا: يا صبح لونك حائل وطاولت السحب السماء سفاهة وفاخرت الأرض الحصى والجنادل فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جدي إن دهرك هازل فإن كنت تبغي العز فابغ توسطاً فعند التناهي يقصر المتطاول والله ما بعد تناهي هذا التشجيع وهذا الجنون إلا قصور وخطر عظيم وعاقبة وخيمة، ما لم نتب ونئوب إلى الله تعالى. فإن كنت تبغي العز فابغ توسطاً فعند التناهي يقصر المتطاول توقى البدور النقص وهي أهلةٌ ويدركها النقصان وهي كوامل ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً تجاهلت حتى ظن أني جاهل فيا عجباً كم يدعي الفضل ناقصٌ ويا أسفاً كم يدعي النقص فاضل فيا عباد الله! أيكفي أن نكون كما قال، أيكفي أن نتجاهل، أيكفي أن نسكت، أيكفي أن ندس الرءوس في الرمال؟ لا، إننا ولله الحمد والمنة في بلاد تسمع فيها كلمة الحق، وتسمع فيها كلمة الصراحة، فقولوا ما شئتم ما دام الأمر في إصلاح الأمة، وإصلاح البلاد والعباد، وإصلاح شباب المسلمين بضوابطه الشرعية، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وأساليب الدعوة والنصيحة المشروعة. ينبغي أن ننصح شبابنا، ونوجههم، وأن نطرح هذا الحدث أمامهم في الأندية الرياضية وفي المدارس، وعبر وسائل الإعلام، وعبر الصحف والمجلات ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، أما أن نشتم الأحداث، وننتقد المظاهر والنتائج من دون تقديم أي خطوة إلى الأمام في ذلك، فهذا فعل الضعفاء، (أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل) لا ينفع هذا بأي حالٍ من الأحوال. أسأل الله أن يهدي شباب المسلمين، وأن يردنا إلى الحق رداً جميلاً، وأن يجمعنا بأحبابنا وولاة أمورنا، ونسأل الله أن يهديهم إلى العمل بكتابه وسنة نبيه، نسأل الله أن يجمع الجميع في دار رحمته وكرامته، وأن يأخذ بأيديهم إلى أسباب مرضاته، وأن يهيئ لهم بطانة صالحة. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى واسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، نسألك اللهم أن تحفظ شبابنا، نسألك اللهم أن تردهم إلى الحق رداً جميلاً، نسألك اللهم أن تفتح على بصائر قلوبهم، اللهم إن كان عندهم غير هذا لطالوه وفعلوه، اللهم فغير ما في قلوبهم من الشقاء إلى السعادة، ونسألك اللهم أن تملأ قلوبهم نوراً وهدىً ويقيناً، فأولئك الشباب-والله- ليسوا بأعداء لنا، ولا ننظر إليهم نظرة احتقار أو انتقام أو عداوة، بل هم إخواننا ومن بني جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، لكننا نسأل الله أن يهديهم، وأن يمنَّ عليهم، وأن ينفع بهم، وأن يهديهم لبر والديهم، ونفع مجتمعاتهم وبلدانهم يا رب العالمين. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، واجمع شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وسنة نبيك يا رب العالمين. اللهم اهد شباب الأندية، اللهم اهد شباب الأندية، اللهم اهد شباب الأندية الرياضية، اللهم اجعلهم من عبادك الصالحين، اللهم اجعل أنديتهم موئلاً ومكاناً للطاعة والذكر والتسبيح، اللهم اجعلها أماكن للدعوة، ومساجد لصلواتك، ومحاريب لذكرك وعبادتك يا رب العالمين، وليس ذلك عليك يا ربنا بعزيز، فلقد هيأت أن تكون الكنائس التي فتحها المسلمون في التاريخ، ونال المسلمون شرف فتحها وجعلوها مساجد بمنك وكرمك، اللهم فليس عزيزاً عليك، وليس عزيزاً على قوتك وإرادتك يا رب العالمين، ليس عزيزاً أن يكون شباب هذه الأندية من عباد الله الصالحين الذين يجعلونها أماكن لتربية الشباب وهدايتهم، وتوجيههم لما فيه صلاح أبدانهم وأديانهم وبلدانهم برحمتك يا رب العالمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً، فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان ميتاً اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم صل وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الإشاعات

الإشاعات أيها الإخوة: هذه رسالة تبين خطر مرض اجتماعي خطير، له أثر خبيث في إفساد القلوب وإثارة الشحناء ونشر العداوات، ذلكم المرض هو مرض الشائعات، تعيشون مع هذا الموضوع لتتبينوا خطر هذه الإشاعات على الأفراد والمجتمعات، ولتحذروا من وسائل نشرها والترويج لها، ثم تتعرفوا على الواجب عليكم تجاه هذه الإشاعات.

خطر الإشاعات على الأمم والمجتمعات

خطر الإشاعات على الأمم والمجتمعات الحمد لله، الحمد لله الذي مدح عباده الصادقين في القول والعمل، وأمرنا بأن نكون معهم، فقال جل من قائل عليم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن مما ابتليت به كثير من الدول والمجتمعات في هذا الزمان مرض اجتماعي خطير له أثر خبيث في إفساد القلوب، وإثارة الشحناء، ونشر العداوات، وإفساد الأحوال بين الراعي والرعية، ذلكم المرض هو مرض الإشاعات، أو مرض الشائعات، الإشاعات المختلقة، والأخبار الملفقة يسمعها بعض أفراد المجتمع من بعض، فيعملون بها عمل الجن يوم يسترقون السمع من خبر السماء، فيسمعون كلمة واحدة، فيزيدون عليها مائة كلمة، ثم ينقلها الناس في الآفاق، وينقلها بعضهم إلى غيرهم حتى تصبح إشاعةً يسير بها الركبان والسيارة بين الغادين والرائحين، والذي ينبغي أن يعلمه كل مسلم غيور على الأمن الخارجي والداخلي، غيور على الأمن النفسي لكافة أفراد مجتمعه وأمته، أن نشر الإشاعات التي لا أصل لها ولا حقيقة لها ولا زمام ولا خطام مما قد يسبب ويثير الخوف والبلبلة بين أفراد المجتمع، ولا ينبغي للمسلم أن يتحدث في المجالس والاجتماعات بكل ما سمعه، أو نقل إليه من هذه الشائعات، ولا ينبغي له أن يتتبع أثر هذه الإشاعات كأنه حفيٌ عنها، أو مكلفٌ بها: (فبئس مطية الرجل زعموا، وكفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع) يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] فالتثبت من الأخبار مأمورٌ به شرعاً.

إشاعة التعديل والزيادة في الرواتب

إشاعة التعديل والزيادة في الرواتب أيها الأحبة في الله: نسوق هذه الكلمات عتاباً لطائفةٍ من بعض المسلمين الذين نقلوا ورددوا إشاعةً لا حظ لها من الصدق، ولا نصيب لها من الحقيقة، تلكم هي إشاعة التعديل، أو الزيادة في رواتب الموظفين في الدولة، وما سيصحبها من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، والمعونات الحكومية على الأغذية والمؤن الرئيسية، حتى راجت وشاعت هذه الشائعة، وسرى بها قصاص المجالس، ورواة المناسبات، بل وزوروا وأخرجوا مسيراً للرواتب على الوضع الجديد حتى أصاب الذعر والهلع طائفة من الناس، فانقضوا مسرعين إلى مراكز التموين التجارية، ليشتري أحدهم ستين كيساً، ويشتري الآخر مائة كيس من كل صنف ونوع، ولا اعتراض لأحد على فعل غيره بشراء ما يشاء من هذه المؤن، لكن الاعتراض أن يكون هذا الفعل وهذا التصرف رداً لفعل الإشاعة التي بلغت ذلك المبلغ من نفس من وصلت إليه، فصدقها، وقد يكون لها أثر آخر على من ضعفت نفسه من التجار، فظن أن الأغذية والمؤن سترتفع أثمانها، ومن ثم يمسكها ويحتكرها متربصاً بها ارتفاع الأسعار، ولولا أن هذه الإشاعة لم يكن لها أثر يذكر في نفوس كثير من الأفراد، لحصل أكبر من ذلك، ولرأيتم عجباً عجاباً من ارتفاع الأسعار، واحتكار الأقوات، وارتفاع أسعار المعيشة بدون أدنى سبب يذكر، أو علم قطعي، وإنما بناءًً على شائعة مضللة مكذوبة.

العبرة من حادثة الإفك

العبرة من حادثة الإفك لقد جاءت الشريعة بكف الألسنة عن كل حديث لم يتحقق من حدوثه، حتى ولو كان لذلك الحديث نوع ارتباط بحدث معين، أو واقعة بعينها، وظل الناس في تحليلها وتعليلها، يقول الله جل وعلا في شأن شائعة الإفك التي رميت بها زوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة العفيفة ابنة الصديق الطاهرة، يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور:11 - 12] إلى أن قال سبحانه: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:15 - 19]. أيها الأحبة في الله: ومع وضوح الفارق بين حادثة الإفك والإشاعات التي تظهر في زماننا، إلا أن هناك جامعاً أو رابطاً يدعو إلى أخذ العبرة واستلهام الدروس من القصة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالذين يروجون الإشاعات وينشرونها بين الناس، لا شك أنهم عصبةٌ متجمعةٌ ذات هدف واحد، قد يكون بعضهم مخدوعاً، وقد يكون بعضهم يظن أن فعله حسناً، وبعضٌ مغرر به في نشر الإشاعة أو الشائعة، ومهما كان في هذه الإشاعة من شر وخطر، فمن خلالها ينكشف أذنابها ومروجوها ومزيفوها، وينكشف للمجتمع فئة تكيد له في الخفاء، وأفراده لا يشعرون حتى تلقى تلك الفئة التي تنشر الشائعة جزاءها، ويعتبر بها من حدثته نفسه، أو سولت له أن يمارس ذلك الدور الشرير في صفوف مجتمعه، ومن خلال تلك الآيات يتضح لنا أن المسلم العاقل لو أعمل عقله، واستنار بهدي ربه، لانكشف له زيف كل إشاعة تظهر في مجتمعه ولو لم يكن في خطر الإشاعة إلا أن فيها نوعاً من إشاعة الخوف والجزع والقلق، والهلع والفاحشة في المجتمع المسلم، لكان ذلك حرياً بردها، ودفعها مع من جاء بها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

أثر الإشاعة على النفوس

أثر الإشاعة على النفوس الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ؛ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: حينما نتحدث عن الإشاعة والشائعات، لسنا نتكلم عن فراغ، وإنما دعا إلى الحديث عنها ظن كثير من المسلمين بصدقها وبأحقية مزاعمها، وتصديق غوغاء الناس وفئام السذج لها، ومن تتبع ما حصل فيما مضى من الإشاعات والشائعات، لوجد أن الكثير منها قد راج على البسطاء، وانتشر بين العامة، وكان له في النفوس أثر كبير، وهذا مما لا ينبغي ولا يجوز، أرأيتم إذا صدق الناس شائعة غبية كاذبة في مدة مضت، وهي أن رجلاً حلف كاذباً، فانقلب إلى ثعبان، وهذا رقم هاتفه، فأخذ الناس يتصلون بالهاتف، ثم يرد على الهاتف رجل يسمع له فحيح كفحيح الأفعى، هذه شائعة ذاعت وانتشرت بين كثير من الناس والسذج والبسطاء، ثم بعد ذلك ذاع غيرها من الإشاعات والشائعات، ومنذ أيام ليست بالبعيدة شاع وذاع بين الناس مسير للرواتب وأنها ستزيد، وأن أسعار المؤن سترتفع، وأن التجار سيحتكرون، وأن المؤونة عن الأغذية والأدوية سوف ترفع، فانهلع الناس، وجزعوا، وانقضوا إلى مراكز التموين وأماكن الأغذية ليشتري بعضهم بالمائة والمائتين، ويستدين بعضهم ما لا طاقة لهم به، لكي يشتري ويخزن ويجمع، إن السبب في كل ذلك هو الإشاعة الكاذبة التي صدقها الناس وراجت بينهم، وبعد أيام، أو بعد أشهر، أو سنة تأتي شائعة وتقول: إن هذه الدولة ستدخل حرباً عظيمةً، وما يدريكم قد يصدقها الناس، أو تلفق شائعة، فيقال: إن دولة كذا سوف تضرب هذه البلاد، أو إن هذه البلاد ستدخل في حرب مع كذا، فيصيب الناس الهلع والجزع من إشاعات مختلقة، وشائعات مزعومة مكذوبة. إذاً: فالإشاعات خطرها عظيم، إن الإشاعة يوم أن تتمكن في نفوس الناس، ويصدقوا بها، قد تكون سبباً أن تهجر مدينة بكاملها تحت أثر الإشاعة والشائعة، ما ظنكم لو سمع أهل مدينة بأن حرباً سوف تصبحهم، أو تمسيهم، والله لا يبقى في تلك الليلة أحدٌ إلا وقد هاجر وسافر تحت شائعة مكذوبة. إذاً فالذي ينبغي لنا ألا نصدق هذه الشائعات وأن نردها، وأن نستخفّ بها، وأن ندفعها بكل ما أوتينا من عقل وحزم، وأن نبين أثرها وخطرها على الأمم والدول والأفراد والمجتمعات.

وسائل نشر الإشاعات

وسائل نشر الإشاعات أيها الأحبة: وسائل نشر الإشاعات كثيرة جداً.

وسائل الإعلام المعادية

وسائل الإعلام المعادية فمن وسائل نشر الإشاعة: وسائل الإعلام المعادية من الأفلام التي تصنع فكراً، أو تصورواً معيناً، فتنتج إشاعة، أو شائعة فكرية يظن الناس فيها الكثير والكثير، ويتصورون الكثير الكثير، ويتصرف بعضهم بموجب ظنه وتصوراته، ثم إذا انكشف الصباح وزال الظلام، تبين أن ما في رأسه مجرد شائعات وإشاعات قد صنعتها أفلام مضللة، وأفكار مستوردة.

وكالات الأخبار الكاذبة

وكالات الأخبار الكاذبة ومن وسائل نشر الإشاعة أيضاً: بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية التي تكون معادية للأمة، ومعادية للأفراد والمجتمعات، فتلك تنقل أخباراً كاذبةً، وتنقل أخباراً مزيفةً مضللةً، وبعد ذلك يكون لها أكبر الخطر في نفوس المجتمع من حيث إثارة القلق والهلع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الصحف والمجلات

الصحف والمجلات ومن وسائل نشر الإشاعة أيضاً: بعض الصحف والمجلات التي لا يفتأ فيها ذوو الأقلام المأجورة، وذوو الأفكار المستوردة أن يكتبوا ما سمعوه، وأن يكتبوا ما نقل عن الغرب، وأفكار الغرب والشرق مما يكون معادياً وسبباً لإثارة الشر والويلات في مجتمع من المجتمعات.

المنشورات

المنشورات ومن أسباب نشر الإشاعات، أو الشائعات: المنشورات، والمنشورات -أيها الإخوة- على نوعين، فمنشور مأذون بتوزيعه ومسموح بطبعه من الأجهزة المسئولة من رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، كالمنشورات التي تحث على الصلاة مع الجماعة، وتبين أخطار تركها، وكالمنشورات التي تبين خطر الربا وتحث على اجتنابه، وكالمنشورات التي تحث المسلم على فعل الخيرات، وتجنب المعاصي والمنكرات، فهذا منشورٌ مباركٌ، ويشكر الإنسان على توزيعه؛ لأنه حقٌ، وقد أذن به وأذن في توزيعه على سائر الناس، أما المنشورات التي لا حقيقة لها، أو المنشورات التي لم تأذن جهة رسمية، أو دائرة مسئولة بتوزيعها، ففي توزيعها خطر عظيم، وفي توزيعها ضلالة على المجتمع، وأقل ما يكون فيها إغلاق باب النصيحة بين الحاكم والمحكوم وبين الراعي والرعية، وإن مما يؤسف له أن ترى كلمة تدس تحت باب، أو في زجاجة سيارة، أو في كتاب من مسجد، وهي كلمة حقٍ، فإن كانت حقاً، فما الذي يرد صاحبها أن يتكلم بها مع مسئول كبيراً كان أو صغيراً؟ وإن كانت باطلاً، فلا حاجة لنا في نشر الباطل في مجتمعنا، وقد يظن البعض أن فعله هذا من باب نصيحة المجتمع، ووالله إن في هذا ضرراً عظيماً، قد يتضرر به من لا دخل له فيه ولا ناقة له فيه، ولا جمل، وهو كما يقول القائل: رام يفعل فضرَّ من غير قصدٍ ومن البر ما يكون عقوقا فالبعض قد يظن أن نشر ورقة غير مأذون بها، يظن أن فيه دعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسعى في نشرها وترويجها، وقد نسي أن فيها خطراً وأذىً وابتلاءً وامتحاناً لغيره، فهو يفعل أفعالاً ليست تحت السمع والبصر، ولكن الذي يجني ويلة فعله هو غيره من الذين لا ساغية لهم ولا راغية.

الواجب علينا نحو الإشاعات

الواجب علينا نحو الإشاعات إذاً: أيها الأحبة! فلنعرف أن الشائعات والإشاعات بجميع أنواعها منبوذة مرفوضة، وأن وسائلها ينبغي أن تدفع، وأن ترد بكل ما أوتينا من قوة، حفاظاً على أمن مجتمعنا، وإبقاءً لدوام الصلة بين الحاكم والمحكوم، وبين الراعي والرعية، هل سمعتم أن رجلاً دخل برأسه إلى حاكمٍ، فخرج من غير رأسٍ يوم أن نصحه؟، لا والله، إذاً ما المصلحة، وما الفائدة في نشر منشور غير مأذون به؟ ومهما كان فداحة الخطر، ومهما كانت عظم المصيبة، فإنه ينبغي للمسلم ألا يتردد في تقديم النصيحة أياً كانت كبيرةً، أو صغيرةً بالأسلوب الشرعي المرعي، ينبغي أن يقدمها، ولا يخشى في الله لومة لائم، فهذا أهون عليه، وهذا أبرأ لذمته، وهذا أيسر له ولغيره من أن يوزع شيئاً غير مأذون به، أو في جنح الظلام، أو ليس تحت السمع والبصر. أسأل الله جل وعلا أن يأخذ بأسباب أمتنا إلى ما يرضيه، اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، يعز فيه الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، ويذل فيه أهل المعصية، ويذل فيه أهل الباطل، وأهل الفساد، وأهل الفاحشة، وأصحاب المنكرات. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرادنا بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم احفظ علماءنا، اللهم احفظ دعاتنا، اللهم احفظ شبابنا الداعين إليك يا رب العالمين، اللهم اجمع جهودهم، ووحد شملهم، وسدد رأيهم، وصوب نشاطهم وجهودهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم لا تدع لأحدٍ منا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ساعياً إلا وفقت سعيه فيما يرضيك يا رب العالمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً، اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح مضغة قلبه، اللهم قرب له بطانةً صالحةً، اللهم من علمت في بشر خيراً له فقربه منه، وما علمت في بشر شراً له ولرعيته، فأبعده عنه، واجمع اللهم شملنا وشمله، وأعواننا وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأراضين بقدرتك، اللهم لا تشمت على الجميع عدواً، الله لا تشمت بالجميع حاسداً، ولا تفرح على الجميع عدواً بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم صل وسلم على نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم والله يعلم ما تصنعون.

الاستجابة لله

الاستجابة لله لقد أمرنا الله عز وجل في كتابه بالاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم إذا دعانا لما يحيينا، وأن الله عز وجل إذا أمر بأمر فإنه لا خيار لأحد فيه، وإنما عليه أن يقوم به، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرع الناس استجابة لأمر الله عز وجل، وكان أصحابه مثلاً للاستجابة رضوان الله عليهم.

سرعة الاستجابة لله

سرعة الاستجابة لله الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه، وعن الند، وعن المثيل، وعن النظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله حق التقوى، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:24 - 25]. معاشر المؤمنين! من تأمل هذا المنهج القرآني والنبوي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من ربه الكريم الحكيم، وجد أن هذا المنهج الشرعي قائمٌ على الاستجابة، قائمٌ على التنفيذ، قائمٌ على التطبيق، قائمٌ على المبادرة بالاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان شأن الصحابة رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، كان شأنهم المتابعة، وكان شأنهم التنفيذ، وكان شأنهم التطبيق، ما وقفوا يوماً يحتجون، أو يعترضون، أو يفرضون الشبه، أو الحجج على أمر الله، وشرع الله، وشرع نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي هذا يقول الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] إذا ورد أمر الله، فلا خيار لك أيها العبد، إذا ورد شرع الله، فلا خيار لكِ أيتها الأمة، إذا ورد أمر الله، فلا خيار لمجتمع من المجتمعات أن يفعل أو لا يفعل، أن يختار أو لا يختار، لا يبقى أمامه إلا أن يقول: سمعت وأطعت، ولا يبقى للأمة أن تقول إلا: سمعنا وأطعنا، يقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51] وما شأن الذين لا يستجيبون؟ وما شأن الذين يترددون بعد ورود أمر الله في الاستجابة؟ ما شأن الذين يسوفون الاستجابة؟ ما شأن الذين يؤجلون الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله؟ إنهم بين أمرين، أو أكثر: أولها: ما ورد في الآية الآنفة الذكر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] فمن لم يستجب لأمر الله، ومن لم ينقد لشرع الله، ومن لم يخضع لأمر الله، فقد يحال بينه وبين الاستجابة، وقد يحال بينه وبين القدرة والإمكان. إذاً: فلا يجوز لأحد أن يؤخر الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يحل بينهم وبين ذلك، وقد يمهل له، ثم يكون شأنه شأن المجرمين، وينطبق عليه قول الله جل وعلا: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] فمن لم يستجب لأمر الله، فهو على أحد الخطرين: 1 - إما أن يحال بينه وبين قلبه. 2 - وإما أن يجمع مع ذلك أن يولى سبيل الظالمين، وأن يصلى جهنم مع المجرمين، وساءت مصيراً له ولأزواجه ولأشباهه وأذنابه وأضرابه.

سرعة استجابة الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل

سرعة استجابة الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل عباد الله! المبادرة بالتنفيذ صفة من صفات المؤمنين، وهي صفة الأنبياء، وهي صفة الرسل، وهي صفة الملائكة البررة {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] يقول الله سبحانه وتعالى في شأن استجابة النبي إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما أراه الله في المنام أن يذبح ابنه، علم ذلك النبي الأواه الحليم، علم أن رؤيا الأنبياء حق، وإن كانت تقتضي ذبح فلذة الكبد، علم أن رؤيا الأنبياء حق، وإن كانت تقتضي أن تمر الشفرة الحادة على حلق الابن البار في حين انقطاع من الولد والذرية: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102] يعني: أريد أن أذبحك بالسكين، وأضجعك كما أضجع الشاة، لأني رأيت هذا في المنام، ورؤيا الأنبياء حقٌ، ورؤيا الأنبياء وحيٌ ولا بد من تنفيذها حتى ولو كانت تقتضي إبانة رأسك عن جسدك يا ولدي! هذا شأن استجابة النبي، فماذا قال ذلك الولد البار؟ {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات:102] وأنا أعينك على الاستجابة، وأنا أعينك على تطبيق أمر الله {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102] هكذا كانت استجابة إبراهيم عليه السلام لرؤيا رآها، وهو يعلم أن رؤيا الأنبياء حقٌ ووحيٌ، ولم يقل: أعوذ بالله من الشيطان، هذه أضغاث أحلام، أو هذه منامات مختلطة، بل قال: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات:102] فانظروا إلى هذه الاستجابة الفورية، ولو كانت على حساب فراق الأب والابن، ولو كانت على حساب إبانة الرأس عن الجسد، ويقول الله جل وعلا في شأن إبراهيم أيضاً: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27] يؤذن في وادٍ سحيقٍ، يؤذن في وادٍ لا يرى فيه أحداً، يؤذن في وادٍ لا يرى إلا الجبال والتلال، يؤذن في وادٍ لا يرى إلا الحجر والحصى، نعم. استجاب لأمر الله، وكان البلاغ على الله جل وعلا، فجعل أفئدةً من الناس تهوي إلى هذا البيت حتى لا تكاد تجد لحظةً واحدةً يخلو فيها بيت الله من طائفٍ، أو عاكفٍ، أو راكعٍ أو ساجدٍ، فما أعظم هذه الاستجابة، وما أقواها، وما أجلها يا عباد الله.

سرعة استجابة النبي صلى الله عليه وسلم لربه

سرعة استجابة النبي صلى الله عليه وسلم لربه وهذه استجابة نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الوحيد الطريد الشريد الذي لا ناصر له إلا الله، ولا معين له إلا الله، يؤذيه أهل مكة، ويضعون الشوك في طريقه، ويلقون سلى الجزور على ظهره، فيخرج هائماً، ويخرج منطلقاً على وجهه لا يجد أحداً يعينه، فيذهب إلى عبد ياليل بن كلال في الطائف، فيغرون به السفهاء، ويصفون له سماطين يرمون أقدامه بالحجارة حتى أدموها، ذلك النبي خير من وطئت قدمه الثرى، أشرف الأنبياء والمرسلين، يقول له الله جل وعلا: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] هل قال: يا ألله لا يوجد إلا أنا، لم يبق إلا أنا، لا نصير، ولا معين، أنظرني حتى يكثر الأعوان، أنظرني حتى أجد قوة ومنعة؟ ماذا كان شأن نبينا صلى الله عليه وسلم بعد ورود أمر الله؟ كان شأنه الاستجابة لما نزل قول الله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] رقى إلى الصفا، ونادى قريشاً بطناً بطناً، وفخذاً فخذاً، واصباحاه، فاجتمعوا إليه، وقال: (لو قلت لكم: إني منذركم عن جيش يصبحكم، أو يمسيكم، هل أنتم مجربون عليَّ كذباً؟) قالوا: أبداً ما جربنا عليك كذباً، فقال: (إني رسول من الله إليكم، أن اعبدوا الله وحده لا شريك له) ودعوة الوحدانية هذه ليست أمراً يسيراً تفقهها قريش وتعرفها قريش، إنها تعني أن نلغي الحاكمية، وأن نلغي الطاعة، وأن نلغي الخضوع، وأن نلغي الاجتماع إلا لله، وعلى أمر الله، وعلى طاعة الله، هكذا فهمت قريش، فماذا كان جوابها؟ قال أشقاهم: تباً لك يا محمد، ألهذا جمعتنا سائر اليوم؟ استجاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت استجابة إصرار، لا هوادة فيها، فلما رأوا عظم شأنه، وصدق عزيمته، وقوة تطبيقه ومضائه، قالوا: يا محمد! اعبد إلهنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فقال: ({لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6]) قالوا: يا محمد! إن كنت تريد مالاً أعطيناك، وإن كنت تريد جاهاً سودناك، وإن كنت تريد جمالاً زوجناك، وإن كان الذي بك رئيٌ من الجن عالجناك، فماذا قال؟ قال: (والله لو وضعتم الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته) استجابتي لله لا يصدني عنها شيء، ولا يردني عنها شيء حتى ولو تندق هذه السالفة. فاعجبوا واعلموا وتبينوا عظم استجابة نبيكم صلى الله عليه وسلم! بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

استجابة الصحابة لأمر الله

استجابة الصحابة لأمر الله الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا عليها بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! أما استجابة الصحابة لأمر الله، فلهم في باب الاستجابة شأن عظيم جداً، كانوا يعلمون أن هذا القرآن ما نزل إلا ليتلى ويعمل به، ويكون كل واحد منهم قرآناً يمشي على وجه الأرض، ما نزل القرآن لكي يتزين به في المجالس، أو يعلق على الجدران، أو يتبرك بحروفه ورسمه، والله ما نزل إلا وحياً مباركاً، وشفاءً وإنقاذاً لأمة ضلت، وإبصاراً لأمة عميت، فعلموا أن الاستجابة هي الأمر الطبيعي لنزول هذا القرآن، فاستجابوا له، ولو كان ذلك على حساب ما تأصل وشربته القلوب من عاداتهم وتصرفاتهم وأفعالهم، لما نزل قول الله جل وعلا في شأن تحريم الخمر؛ والخمر تعرفون مكانتها عند العرب في الجاهلية، وما قبل الجاهلية، وأسلم الصحابة، ولم ينزل في تحريم الخمر شيء، وكان بعضهم لا زال يشربها، وكانوا يتغنون بها، وينشدون القصيد فيها، كان هذا شأن العرب في جاهليتهم، فلما نزل قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] لم يكن هذا قوياً في صرفهم، ولما ورد قول الله جل وعلا: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91]، لما بلغت هذه الآية أسماع الصحابة رضوان الله عليهم {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] ماذا كان شأنهم مع الاستجابة؟ كان بعضهم قد وضع مجةً من الخمر في فمه فأراقها، وكان بعضهم قد رفع الكأس إلى فيه، فرمى به، وكان بعضهم يملك الدنان العظيمة والزقاق الكثيرة، كان يملكها من الخمر المعتقة، فما كان منه إلا أن أراقها، قالت الرواة: سالت شوارع المدينة من الخمر من قوة استجابة الصحابة لأمر الله، وبعضهم لا زالت في فيه، وبعضهم رمى بها لتوه من يده، وبعضهم لازال قد شق دنانها، وكسر أوعيتها، هذه استجابة عجيبة، ما قال أحدهم: لو أكملت هذا الكأس الذي رفعته، ولم يقل الآخر: لو بلعت هذه الشربة التي مججتها، وما قال الآخر: لو فعلت بهذه شيئاً، لو أني خللتها، وجعلتها خلاً، لو أني بعتها على النصارى، لو أني بعتها على اليهود، لو أني فعلت بها كذا وكذا، لما سمعوا قول الله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] استجابوا فوراً، وأراقوها، وأبعدوها من دورهم ومجالسهم، ولما نزلت آيات الحجاب، ونزل قول الله جل وعلا: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] استجابت نساء الأنصار، واستجابت نساء المسلمين أجمعين، فخرجن كالغربان متلفعات بمروطهن على وجوههن وجيوبهن، ما تخلفت واحدةٌ منهن عن الاستجابة. والاستجابة في تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، لما جاء أبو بكر الصديق لقي جمعاً من قريش، قالوا: هل سمعت ما قال صاحبك؟ زعم البارحة أنه أسري به إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء -يتضاحكون- ويقولون: الآن يكفر أبو بكر، يكذب صاحبه على هذا الخبر، إنا لنذهب إلى الشام شهراً، ونئوب منها شهراً، وصاحبك يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس، وعرج به إلى السماء، وعاد في ليلة واحدة، فقال أبو بكر الصديق: أوقد قال هذا؟ قالوا: نعم!!، قال: صدق، إنا نصدقه على خبر السماء، فكيف نكذبه على خبر الأرض؟! هكذا كانت الاستجابة في التطبيق، وفي المعاملة، هكذا كانت استجابة الأمة، وهكذا كان فعلهم واستجابتهم مع قول الله جل وعلا، كان أحد الصحابة ماضياً إلى المسجد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب: (لا يبقين أحد منكم إلا ويجلس، فجلس في الطريق، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما الذي أجلسك هنا؟ قال: سمعتك تقول: لا يبقين أحد منكم إلا ويجلس فجلست مكاني فور سماعي كلامك هذا يا رسول الله! فحمد النبي صلى الله عليه وسلم ربه، ودعا له بخيرٍ وأثنى عليه) هكذا كانت الاستجابة سواء عرفوا العلة، أو لم يعرفوا العلة، سواء عرفوا السبب، أو لم يعرفوا السبب، والآن -يا عباد الله- نقول لأحدهم: إن الله حرم هذا فيقول: لماذا؟ تقول: إن الله شرع هذا فيقول: لماذا؟ تقول: إن الله نهاك عن هذا فيقول: لماذا؟ أين الاستجابة والانقياد، وأين الطاعة والخضوع؟ وأين الاحتكام لله وشرعه؟ وأين الاحتكام لسنة نبيه؟ أين نحن من الاستجابة يا عباد الله؟ أقول لأحدهم ذات يوم في مجلس جمعني به: إن الله حرم الربا، فقال: عندي مناقصة فلم أستطع أن أغطيها، فذهبت إلى بنك كذا، فاستدنت منه بفائدة قدرها كذا، ويقول: إنها ضرورة وحاجة، ماذا أفعل إذا لم أستدن؟ وقد تفوتني هذه المناقصة، فقلت: يا مسكين! الحاجة إما أن تموت فتدفعها بقدر ما يدفع الموت، الحاجة: أن تهلك، فتدفعها بقدر ما يدفع الهلاك، أما أن تريد ملايين فوق أخواتها في البنك، وتقول: إنها حاجة، وتحاج قول الله، وتحاج كلام رسول الله، بأنها حاجة فيما حرمه الله، ولعن آكله وموكله، وكاتبه وشاهديه من الربا. أين استجابة أمثال هؤلاء يا عباد الله؟! تقول لأحدهم، وهو يتاجر بمحلات الفيديو وأشرطة الفيديو: يا مغرور، يا مسكين، يا مخدوع، إن الذي تبيعه حرام، إن الذي تأكل منه حرام، إن الذي تطعم أهلك حرام، إن الذي تنشره في المجتمع فساد، فيقول: وماذا أفعل بهذه الديكورات؟ وماذا أفعل بهذه الأشرطة؟ وماذا أفعل بهذه الأجهزة؟ أين نحن من الاستجابة يا عباد الله؟ كان الصحابة يستجيبون ولو على أرواحهم، دخل حنظلة بن أبي عامر بزوجته ليلة من ليالي الجهاد، فلما دخل بها في آخر الليل في هجيع الليل، صاح المنادي: يا خيل الله اركبي، فقام من أحضان زوجته جنباً لم يغتسل بعد، فأخذ سلاحه ولامته، وامتطى صهوة فرسه، ودخل ساحة الميدان استجابة فورية، لم يقل: ما زلت في شهر العسل، لم يقل: ما زلت عروساً، لم يقل: قد بنيت بامرأة، فوراً استجاب لأمر الله، فقتل شهيداً، فالنبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة يلتفت، ثم يعرض بوجهه، يقول الصحابة: (ما بالك يا رسول الله؟ فيقول: انظروا ما شأن صاحبكم حنظلة؟ قالوا: يا رسول الله! إنه ما زال عروساً قد بنى بزوجته البارحة، قال: إني رأيت الملائكة تغسله) استجابة فورية في أحلى ليالي العمر بالنسبة لكثير من الذين يظنون أنها ألذ وأحلى وأطيب من نعيم الجنة، وألذ وأحلى وأطيب مما عند الله، استجابةٌ فوريةٌ لأمر الله. يا شباب الإسلام! يا رجال الأمة! يا معاشر المؤمنين! أتستجيبون لأمر الله؟ إن الله حرم اللهو والباطل، إن الله حرم الربا، وحرم الفساد والغيبة والنميمة وحرم السعي بالفساد في الأرض، أفتستجيبون لأمر الله؟ هل نقول: سمعنا وأطعنا؟ أم نقول: لماذا؟ وكيف؟ ولعل؟ ومتى؟ وربما؟ وأين وإلى آخره، ليست هذه من صفات المؤمنين، فإن كنا وكنتم مؤمنين، فلنستجب لله فوراً، فلنستجب لله في أنفسنا، وفي أعمالنا، وفي وظائفنا، وفي أسواقنا، وفي متاجرنا، وهذه الاستجابة وإلا فلا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم العن اليهود، اللهم العن اليهود، اللهم العن اليهود وأذنابهم وأعوانهم، ومن عاونهم يا رب العالمين، اللهم عليك بالنصارى، اللهم عليك بالفجار الفجرة، والفساق الفسقة، والكفار الكفرة، والرافضة المشئومين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمد من بينهم سالمين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمد من بينهم سالمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحفظ اللهم إمام المسلمين، واحم حوزة الدين، وانصر المجاهدين، ووحد قلوب المؤمنين، وأصلح قلوب الشباب أجمعين، اللهم لا تدع لأحدٍ منا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيراناً إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مجاهداً إلا نصرته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا تائباً إلا قبلته بمنك وكرمك وعفوك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً، فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً، اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم اجمع قلوبنا على طاعتك، واجمعنا اللهم في دار كرامتك، اللهم إنا نسألك من الفضل أقربه، ومن اللطف أعجبه، اللهم إنا نسألك من العافية حصولها، ومن النعمة تمامها ودوامها، اللهم اجعل لنا من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصمةً، اللهم أغث قلوبنا، اللهم إنا نشكو إليك قلوباً لا تخشع، وأعيناً لا تدمع، ونعوذ بك اللهم من عمل ودعاء لا يرفع، اللهم ارحم قلوبنا القاسية، اللهم ارحم قلوبنا القاسية، اللهم أنزل عليها رحمةً من رحماتك، وسكينةً من فضلك، ومنةً من لطفك، اللهم اجعلها خاشعةً خاضعةً بكاءةً أوابةً أواهةً لك يا رب العالمين. اللهم نشكو إليك قسوة القلوب، اللهم نشكو إليك بعداً عن الاستجابة، اللهم نشكو إليك بعداً عن الا

يا من تريد الهداية

يا من تريد الهداية إن الله عز وجل تكفل لمن جاهد وصابر في طاعته أن يهديه صراطه المستقيم، وقد جعل سبحانه هذه الهداية سهلة وميسرة لمن طلبها، وصعبة وشاقة لمن حاد عنها ولم يبذل الأسباب المشروعة الجالبة لها، كمجالسة الصالحين وتحويل حماسه العاطفي إلى واقع عملي علمي يدعو فيه إلى الله عز وجل.

أهمية الاستقامة على طاعة الله

أهمية الاستقامة على طاعة الله إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه، وعن الند، وعن المثيل، وعن النظير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، واعلموا أن لا نجاة إلا بها: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. معاشر المؤمنين: إن الهداية غاية العقلاء ووظيفة الأنبياء، ومنتهى آمال السعداء، وإن الاستقامة أولى وأجل مطالب العقلاء، فأما الهداية، فنحن نسألها ربنا في كل يوم سبع عشرة مرة في سبع عشرة ركعة فضلاً عن الرواتب والنوافل وغيرها: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] وأما الاستقامة فأمرنا بها، وأمر بها نبينا صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود:112] وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله الوصية، ويسترشده النصيحة، ويطلب منه قولاً لا يسأل عنه أحداً قبله ولا بعده، فقال صلى الله عليه وسلم موجهاً ذلك السائل: (قل آمنت بالله، ثم استقم). أيها الأحبة في الله: إن الاستقامة على طاعة الله، والهداية بأمر الله ورسوله لمن أعظم أحوال السعداء، ومنازل العقلاء تلكم -والله- سعادةٌ من ذاقها بهداية واستقامة، ذاق شيئاً عجز عن ذوقه الأثرياء، وقصر دونه ذوو المناصب، ولم يبلغه ذوو الأحساب والأنساب، أليست الهداية والاستقامة جعلت بلالاً وهو عبد حبشي من أهل الجنة؟ ألم تجعل صهيب الرومي من أهل الجنة؟ ألم تجعل سلمان الفارسي من أهل الجنة؟ وما نفع أبا لهب أن كان ذا حسبٍ ومالٍ، وذا منصبٍ وجاهٍ في عشيرته، حيث قال الله عز وجل عنه: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:3 - 4]. من أراد السعادة، فليعلم أنها في طاعة الله، ومن أراد السعادة فليعلم أنها في لزوم أمر الله، ومن أراد السعادة، فليعلم أنها في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن خالف ذلك فاته من السعادة بقدر ما خالف، وإن ظن أنه نال سعادة وهمية بمجاملة ممن حوله، أو بابتسامات زائفة، أو بضحكات مؤقتة، إذ القلب لا يملؤه إلا زاده، ولا يشبعه إلا طعامه، ولكل شيء مادةٌ تحركه، فالناقلات وقودها النفط، والطائرات وقودها النفط وما اشتق منه، والبطون وقودها الطعام يملؤها فيحرك الجوارح فيها، والظمأ يطفؤ بالمياه، وأما القلوب فليس وقودها بنفط ولا بطعام ولا بشراب، أما القلوب التي هي ملكة الجوارح إذا صلحت صلح الجسد كله بكل حواسه وجوارحه، وإذا فسدت، فسد الجسد كله بكل حواسه وجوارحه، فطعامها ووقودها ومادتها التي تحركها ذكر الله جل وعلا، فالسعادة مصدرها اتباع أمر الله ورسوله، والشقاء سببه كل إعراض عن الله ورسوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124].

الهداية سهلة على من طلبها وشاقة على من تجنبها

الهداية سهلة على من طلبها وشاقة على من تجنبها أيها الأحبة في الله: إذا كانت السعادة مطمعاً، والهداية أملاً يرنو إليه كل عاقل، فيا ترى هل السبيل إلى ذلك عسير أم يسير؟ الهداية يا عباد الله! سهلة ممتنعة، قريبة بعيدة، سهلة ميسرة، شاقة وحاصلة، فهي شاقة وبعيدة وعسيرة على من أراد أن يترك شهواته، وأن يترك ما عنده، وأن يترك ما تعلقت نفسه به من دون أن يعلق نفسه بطمع في ثواب الله، أو يخوف نفسه بعقاب من عذاب الله، أو يعلق نفسه برضى من عند الله جل وعلا، فمن ظن أن الهداية تسلك كيفما اتفق، وتنال بأي جهد من غير تفكر وتدبر في طلب ما عند الله من النعيم، والخوف مما عنده من العذاب والجحيم، وطلب ما عنده جل وعلا من الرضا التي إذا حصلت، فلا يضر العبد غضب الخلق وتغيرهم عليه: إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ من طلب السعادة والاستقامة والهداية بغير أن يفكر أنه ينال فيما يترك جنة عرضها السماوات والأرض، ورضاً من رب رحيم لا سخط بعده، وجنة لا يحول أهلها ولا يزولون، ونجاةٍ من عذاب أبدي سرمدي مقيم، فإن الهداية تكون عليه شاقة، تكون صعبة، تكون عظيمة: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] وتكون الهداية سهلة، وتكون الاستقامة ميسورة، وتكون قريبة، وتكون حاصلة لمن إذا رأى حراماً تركه رغبةً أن يرى نعيماً مقيماً، وإذا عرض له حرامٌ تركه رغبةً أن ينال ثواباً عظيماً، ومن إذا دعي إلى حرامٍ، تركه طلباً لرضاً لا سخط بعده، ومن إذا تزخرفت له معصية تذكر نعم الله عليه: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17] ومن إذا تزينت له المعصية، قال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23]. من جعل الهداية والسعادة والاستقامة بين عينيه في مقابلة رضا الله، وطلب نعيمه، والخوف من عذابه، وشكر نعيمه وآلائه، فإن الاستقامة أسهل ما تكون، وإن الهداية أيسر ما تكون، ولعل هذا -أيها الأحبة- مما يبين، أو يوضح، بل يدل عليه قول الله جل وعلا في وصفه ورضاه وتكريمه لصفوة خلقه وهم أنبياؤه ورسله حيث قال عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:90] ما الذي وحدا بهم إلى الاستقامة، وإلى الهداية، بل والمسارعة في أسبابها، وطلب كل فعل مآله مرضاة الله؟ {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:90] بل ويخضعون ويتضرعون لربهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. إن هذه المسائل مرتبطة ببعضها، فالمسارعة إلى الخيرات من أسبابها: الإلحاح في الرغبة، وفي طلب الجنة، والإلحاح في الرهبة، والاستعاذة من النار، والدوام على الخضوع والخشوع. وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قطبان وعليهما فلك العبادة دائرٌ ما دار حتى دارت الفلكان

أسباب البعد عن الهداية

أسباب البعد عن الهداية أيها الأحبة: هذه مقدمة يسيرة نسوقها لكثيرٍ من أحبابنا وشبابنا وإخواننا وبناتنا وزوجاتنا، ولأقاربنا وقريباتنا يوم أن نرى منهم بعداً عن الهداية، وجفاءً عن الاستقامة، وتسويفاً للتوبة، وبعداً عن صراط الله المستقيم؛ فإننا نقول لهم: متى الهداية؟ ومتى الرجوع؟ ومتى الأوبة والتوبة؟

الاستقامة العاطفية والحماسية

الاستقامة العاطفية والحماسية وإنا لنبين أسباب بعدهم، بل ومن أسباب انحراف بعض المهتدين بعد هدايتهم، وانتكاس بعض المستقيمين بعد استقامتهم يعود إلى أمورٍ منها: أن العبد ربما بدأت استقامته عاطفة، وبدأت هدايته مشاركة، وبدأت توبته حماسةً دون أن ينظر إلى أنه بهذا ينال رضا الله، ويدع ما يشتهيه لأمر الله، ويترك ما يحبه لمحبوب الله، ويدع رغباته لما أمر به الله ورسوله؛ فإن من نظر إلى هذا الأمر بادئ ذي بدء، وتذكر أنه لا يمشي خطوة إلا لأن الله رضيها أو أمر بها، ولا يتقهقر خطوة إلا لأن الله نهى عن الإقدام إليها، من نظر أنه لا يلفظ كلمة، ولا ينفق ريالاً، ولا يكف يداً عن مال، ولا يسعى إلى مقصدٍ، ولا يحجم عن أمرٍ إلا لأن الله أمره أو نهاه، لأن رسول الله أرشده أو حذره، فحينئذٍ تكون هدايته واستقامته فوق مستوى استقامة الحماس العاطفي، والنشوة المؤقتة، والتأثير الآني الذي ربما زال بعد دقائق من الخطبة والمحاضرة والموعظة، إذا علم هذا وتحقق فإن من كانت هدايته مرتبطةً بالطمع فيما عند الله، والخوف من عذابه، فمهما تزخرف وتزين له من الأمور، فإن ضميراً حياً يعيش معه، وإن نفساً لوامةً تحاسبه، وإن قلباً رجاعاً يخاف به، وإذا ابتعد عن ذلك، فربما بكى حال الموعظة، وخضع حال المحاضرة، وأنصت حال الخطبة، فإذا خرج وولى نظر إلى معصية ولم ينظر ما حولها من عذاب توعد الله به من فعلها، وإذا نظر فاحشة أقبل إليها بشهوته، ولم يتذكر وعيداً توعد الله من اقترفه. أقول هذا أيها الأحبة! لكي نجعل استقامتنا خاضعةً منبعثةً هادفةً إلى أن كل فعلٍ فيها بأمر من الله، وكل إحجامٍ فيها بنهي من عند الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ تجد المستقيم والمهتدي يعتز باستقامته سواءً كان بين إخوانه المتدينين المستقيمين، أو بين إخوانه من سائر المسلمين، ولو كان فيهم العصاة، أو كان فيهم الظلمة، أو كان فيهم من هو بعيد البون والمسافة عن الاستقامة والهداية. إن من دلائل الاستقامة الثابتة، والهداية الصحيحة أن تجد العبد فخوراً متشرفاً معتزاً باستقامته في أي مكان، وفي أي مقام، وبين أي قوم، وعند كل أناس، وتحت كل سماء، وفوق كل أرض، لأنه مرتبط بأمر الله: يا عبد! أن افعل، وبأمر رسول الله: يا عبد الله! أن افعل، ومنزجرٌ بنهي الله: يا عبد! لا تفعل، وبنهي رسول الله: لا تفعل، حينما يكون العبد مرتبطاً بهذا فلا يضيره، ولا يتردد أن يقيم شعائر دينه في كل مقام، وفي كل موقع، أما من كانت هدايته مشاركة جماعية، أو حالة حماسية، أو موجة عاطفية، نعم. سينافس بين إخوانه من المتدينين، سيتحمس بينهم وعندهم ومعهم وإليهم ومنهم، ولكن بعد أن يخلو في مقامٍ قل فيه النصير، وندر فيه المعين، ولم يجد فيه من يعينه، ربما انتكس واستحى ظناً منه أن هذا حياءً، وربما تردد وتقهقر وتراجع، لأنه هناك لم يتذكر أنه إنما يقيم أمر الله ورسوله في أي موضع، وفي أي موقع، وفي أي حال. هذه من أهم الأسباب التي من أراد بها هدايةً لا زيغ بعدها، واستقامةً لا انحراف بعدها، واستمراراً لا انتكاس فيه عليه أن يتذكر دائماً أن استقامته لله وبأمر الله، ومن الله وإلى الله، ومع ذلك كله، فلا حول له ولا قوة إلا بالله جل وعلا.

مجالسة قرناء السوء

مجالسة قرناء السوء الأمر الآخر يا عباد الله! الذي يلاحظ ملاحظة جلية، بل ويقطع بقوة أثره، وبأثر فعله على النفوس بين الذين يريدون الاستقامة، أو بين من استقاموا، فربما انحرفوا بعد ذلك: الجلساء، وليس هذا الأمر بغريب عليكم، ولكن ربما تساهل البعض به، فظن أنه بلغ منزلة لو خالط من خالط، أو جالس من جالس، فإنه لن يتأثر أبداً، وقد ظن جهلاً، وتوقع خطأ إذ أنه لا يوجد عبدٌ لا يتأثر إلا النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم من تأثير الناس عليه: وبلوت أخبار الرجال فلم أجد رجلاً يؤثر دون أن يتأثرا إلا النبي محمدٌ فجعلته علماً وسرت على هداه مكبرا فيا أيها الأحبة: ربما أصيب العبد بانتكاسة بعد استقامة بسبب جلسائه، فإن المرء من جليسه، والطبع استراق، والبهائم -مع أنها أقل بدرجات كثيرة في وسائل العلم والمعرفة والتلقي ألا وهي الأسماع والأبصار- تتأثر ببهائم عجماوات، ليست من فصيلتها، وليست مما يشاكلها أو يشابهها، فما بالك بابن آدم الذي يجالس بني جنسه ينطق كما ينطقون، ويبصر كما يبصرون، ويأكل ويشرب كما يأكلون ويشربون، ويشتهي ما يشتهون، وله من المطامع مثلما لهم، أوليس هذا بأقوى دليلٍ على أنه يتأثر؟! والله إنه يتأثر إلا من ألح على ربه مستعيناً بخالقه سائلاً ربه خاصةً في سجوده: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك؛ لأن العبد على خطر عظيم، لا تأمننَّ على مهتد ضلالة، ولا تستبعدن على ضال هداية، وإن رأيت أحداً مهما كثرت ذنوبه، وتنوعت جرائمه، وتعددت خطاياه، وأسرف ومضى في المعصية إياك أن تتألى أو تستبعد هدايته، فما يدريك أن يكون أقرب منك وأقوى منك في الحق الذي بعث الله به نبيه، ولا تأمننَّ على مهتد ضلالة، أو معصية، أو صغيرة أو كبيرة، فإن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، وإن من استعان بنفسه ضل، ومن توكل على ما عنده انقطع، ومن اتصل بحبل البشر انقطع، ومن استعان بالله وتوكل على الله واستهدى بالله، هداه الله ووصله الله وكفاه الله وأعانه الله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الأسباب الجالبة للهداية والاستقامة

الأسباب الجالبة للهداية والاستقامة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

حسن اختيار الجلساء

حسن اختيار الجلساء يا عباد الله: إن من أسباب الاستقامة وحصول الهداية وتحصيل السعادة على أمر الله، ولزوم طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم: أن يعتني العبد بجلسائه، إن جالست من هم دونك، انحدرت إليهم انحداراً لا يقف عند حد، وإن جالست من هم أعلى منك قدراً في علمهم تعلمت منهم، وإن جالست منهم أعلى منك قدراً في عبادتهم، اجتهدت أن تصل إلى درجتهم في العبادة، وإن جالست من هم أعلى منك قدراً في سمتهم وتقواهم، نافستهم في الخشية في السر والعلانية، وإن خالطت غوغاء الناس وسذجهم وبسطائهم بمعنى: جعلتهم جلساءك في كل صباح، وفي كل مساء، وفي كل ذهاب وإياب، وفي كل حضر وسفر، ما زال عقلك في انحدار حتى تبلغ درجةً ربما لو سمعت من كلامك شيئاً قبل سنين، لأنكرت ما تقوله الآن بالنسبة لما قلته قبل سنين، وما ذاك إلا أن العصمة لرسل الله صلوات الله وسلامه عليهم، وأما سائر العباد، فإن اجتهدوا في طاعة، نالوا الهداية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] ومن ضيع نفسه فقد خاب بتضييعها: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10] فمن ضيع النفس وأهملها وما زكاها، بل دساها، وتهاون بها، وجعل مرتعها في كل مجلس غيبة ونميمة، وجعل مناها وطربها في كل ذهاب لا فائدة فيه، وفي كل إياب لا مثوبة بعده، فإنه بذلك يتدسى، وينزل إلى منحدرات بعيدة، فالعاقل إذا طلب الهداية، عليه أن يعلم بأن هدايته استجابةً لله، وطاعةً لله، واستقامةً على أمر الله حتى لو ضل من ضل من العقلاء، أو انحرف من انحرف من الصالحين، أو تغير من تغير من الناس، لا تربط هدايتك بهداية فلان، ولا تجعل استقامتك باستقامة فلان، اجعل هدايتك لأن الله أمرك، واجعل بعدك عن المعصية، لأن الله نهاك هذا أولاً.

المحافظة على الجلساء الصالحين

المحافظة على الجلساء الصالحين والثاني: أن تحرص كل الحرص على من تجالس، لا يعني هذا الكلام أن يتكبر الصالحون، أو أن يتورع طلبة العلم والعلماء عن مجالسة العامة، لا. لابد أن ينفر من فيه خيرٌ وصلاح لدعوة من ضل من العوام، ولدعوة من ضل من سائر الناس، بل والدخول عليهم في مواقعهم شريطة أن يكون العبد متحصناً بخيرٍ كثير، مستعداً بما عنده من علم وعبادة قبل أن يرد مواقع الذين يدعونهم، أما رجل اهتدى بالأمس، فأصبح يدعو الناس في مجلس فسق ولهو، سرعان ما ينحرف وينتكس ويتغير، أو شاب لم يطلب العلم إلا منذ أشهر، فذهب ليناظر أقواماً يسوقون ويمررون الشبهات الواحدة تلو الأخرى، فسرعان ما يزل ويزيغ وتصيبه الشبهة، وتقتله في مقتل قد يضل بعده، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أعني أن العبد لا يمنع حينما يكون عنده العلم والعبادة أن يدعو الناس، بل يصل إليهم في مواقعهم إذا أمن نفسه، وكلٌ بنفسه أدرى: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] قد تجد من نفسك في يوم من الأيام قوة عظيمة وقدرة على غشيان مجالس الفساق والسفهاء لدعوتهم ونصحهم وتخويفهم وتذكيرهم وإنذارهم، وقد تكون بعد هذا في يومين، أو ثلاثة أعجز من أن تقابل ولو معصية صغيرة، فإياك أن تذهب إذا وجدت من نفسك ضعفاً، أو من قلبك خوفاً، أو وجدت في حالك تردداً، إذ العبد لا يأمن أن يذهب غازياً، فيعود أسيراً مهزوماً، والعاقل من أدرك أن صلاح نفسه، وتحصيل نجاة نفسه مقدمٌ على سائر الناس أجمعين، هذا من الأمور المهمة. ألا وإن مجالسة الناس على درجات، فجالسوا واحرصوا على مخالطة من ينفعونكم، وعلى غشيان مجالس تذكركم بالله، تجعلكم تديمون ذكر الله، وتستغفرونه وتسبحونه وتحمدونه وتكبرونه، فتلك مجالسٌ قد حفظت لكم من الخير شيئاً كثيراً، وإن الدقائق زائلة، والثواني ماضية، والساعات منقضية، فتخيل دقيقة الآن بين عينيك لك أن تقول في هذه الدقيقة: سبحان الله، والحمد لله والله أكبر، فتزول الدقيقة بهذه الكلمات، ولك أن تقول في هذه الدقيقة: فلان قال، وفلان قام، وفلان أعطى، وفلان منع، فتتولى وتمضي هذه الدقيقة بهذه الكلمات، وستجد يوم القيامة: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران:30] ستجد الخير والسوء، ستجد الخير والشر بين عينيها محضراً، ستجد هاتين الدقيقتين إن قلت فيها: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وستجد الأخرى إن قلت فيها: فلان أعطى وقام وعزل ومنع وولى، وغير ذلك. فالعاقل من ينتبه لهداية نفسه، أوليس مقاصد العلماء في طلب العلم أن يعرفوا الحلال والحرام، لئلا يقعوا في معصية الله، أن يصيبوا أمر الله، أن ينالوا ثواب الله؟ فإن الإقبال على النفس، وتحصيل هدايتها هو من مقاصد ومطامع العلماء الأجلاء، إذ قد يقول قائل: إن الإقبال على النفوس، وتزكية الأنفس إنما هو من مقاصد علماء السلوك، أو علماء الأخلاق، أما العلماء الذين تخصصوا في الحلال والحرام، فأولئك ربما كان بحثهم في مسائل غير هذه، لا وألف لا. مقاصد العلماء وعلماء السلوك وعلماء الحلال والحرام، وعلماء الأخلاق، مقاصدهم الجليلة ألا يعصى الله، وأن يطاع الله، وأن يسير العبد على أمر الله ورسوله. أقبل على النفس فاستكمل محاسنها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانُ يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً أفنيت نفسك فيما فيه خسران من طلب الهداية والاستقامة، فليحذر كل الحذر من مجالس إنما هي تردية تؤذيه ولا تنفعه، والعاقل أدرى بنفسه، فإن كنت يوماً قوياً فاغش من تسعى لجهادهم بالكلمة والموعظة والنصيحة، وإن وجدت نفسك ضعيفاً، فاحرص أن تنزجر أو تتقهقر حتى تجد من نفسك قوة. كان بعض السلف إذا دعي إلى بعض المواقع والمجتمعات أو المقامات، وعلم أنه مقدمٌ على مجتمع يعظ فيه، أو يناظر فيه، أقام ليلته كلها قبل أن يغشى القوم، يسبح ويهلل ويكبر، ويصلي ويسجد ويقرأ القرآن، يتزود بزاد حتى إذا نزل ساحة من يدعوهم، نزل إليهم قوياً مؤثراً لا متأثراً، وكان بعضهم يسبق ذلك بصيامٍ وصدقات حتى يقوي نفسه بالطاعة؛ لأن النفس إذا قويت بالطاعة كانت قادرةً على الدعوة إليها، وإذا ضعفت في الطاعة، كانت عاجزةً عن الاستمرار عليها فضلاً عن أن تدعو غيرها إليها. المجالس المجالس يا شباب الإسلام! المجالس المجالس يا أيها المسلمون! من جالس أقواماً نال صفاتهم شاء أم أبى، وإن المعصومين هم رسل الله، ومن أعانه الله وحفظ نفسه، فلينتبه لهذه المسألة. لما رأت أختها بالأمس قد خربت صار الخراب لها أعدى من الجربِ

تحويل الاستقامة العاطفية إلى برنامج عملي علمي دعوي

تحويل الاستقامة العاطفية إلى برنامج عملي علمي دعوي والمسألة الثالثة في مسائل الاستقامة والهداية ألا وهي: تحويل وصرف هذه العاطفة والاستقامة والهداية إلى برنامج عملي علمي دعوي منظم، فما أكثر الذين استقاموا سنة أو سنتين، شهراً أو شهرين، ثم انتكسوا بعدها بيوم أو يومين!! وما السبب في ذلك إلا لأن استقامتهم أو توبتهم كانت بكاءً في ليلة سبع وعشرين في رمضان، أو بكاءً وحنيناً وخنيناً في ليلة تسع وعشرين، أو كانت لمجرد رحلة حج مع أقوام صالحين تأثر بعد ذلك، نعم. وفي البكاء خير، وفي صحبة الصالحين في سفر العبادة خير، ولكن جاء الشر من جهة أنه لم يوظف هذا الخير، ولم يجعل هذا الخير في برنامج عملي، فمن ذاق الهداية والاستقامة، فعليه أن يحولها إلى برنامج علم وعمل، بمعنى أن تجعل لنفسك ومن نفسك في كل أسبوع محاضرتين، أو ثلاث تحضرها باستمرار كواجباتك اليومية من طعام وغداء، درسين أو ثلاثة من دروس التوحيد والفقه والسيرة، أو اللغة والفرائض، وغير ذلك حتى تستمر على الهداية، فإن من جعل مع الهداية طلباً للعلم، وحرصاً عليه، واجتهاداً فيه، تفتحت له آفاق بعيدة، وأدرك أن طريق الهداية طويل، وطريق الاستقامة طويل، من لم يتزود فيه بالعلم والعبادة، فربما انتكس في يومٍ، أو بعد قريب أو بعيد من الزمن. فيا أيها العقلاء! ويا معاشر الشباب! أحذركم من التزام العاطفة، وأحذركم من استقامة مفاجأة، وأحذركم أن تكون استقامتكم والتزامكم بهذه العواطف المؤقتة الآنية التي تشبه شموعاً تجمعت، فلما قابلتها حرارة الفتنة والشهوة ذابت، أو كجبال من جليد يظن العبد حال بكائه وحال تأثره أنه مستعد أن يريق الدم في سبيل الله، وأن يبذل النفس والنفيس والغالي والرخيص في تلك اللحظات المشحونة المتأججة بالعاطفة، فلما زالت لحظة العاطفة التي كان فيها لو طلبت روحه لقدمها، جيء ليطلب منه كفٌ عن معصية، أو إعراضٌ عن خطيئة، ذابت تلك الجبال الثلجية أمام حرارة صغيرة من الصغائر، أو كبيرة من الكبائر، فالعاقل ينتبه لهذا، ويستعين بالله صباح مساء، ويلح على ربه في سجوده خاصة؛ أن يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك. ألا وإن من أعظم النعم الاستقامة، ومن أخزى الخزي الحور بعد الكور، والزيغ بعد الهداية، والضلالة بعد الاستقامة.

التخلص من آثار المعاصي

التخلص من آثار المعاصي ثم بعد هذا في مسائل الاستقامة والهداية: أن تكون صادقاً جاداً في الإقلاع والبعد عن كل معصية تبت منها، وعن كل ما يذكرك بهذه المعصية، وعن كل جليس يذكرك بها ما دمت في بداية هذه المرحلة، إذ النفس تتأثر تأثراً سريعاً، نعم. إن من الناس من استقام شهرين، أو سنتين، ثم بعد ذلك زاغ، ولو فتشت وقلبت ونقبت في حقيقة استقامته، لوجدته تاب توبةً في تلك اللحظة، لكنه لم يتخلص من آثار ما تاب منه، لم يتخلص من بقية أشرطته، لم يتخلص من بقية أفلامه الخليعة، لم يتخلص من بقية مجلاته الماجنة، لم يتخلص من غنائه ولهوه، لم يتخلص من عاداته وسهره، لم يتخلص من كذا وكذا، فعادت من جديد تجذبه وتغزل له غزل النسيج بالمغزل حتى صارت بعد أن كانت خيطاً رفيعاً يقاومها، أصبحت حبلاً متيناً استطاعت أن تجره إلى الضلالة من جديد، فالعاقل ينتبه، العاقل يتخلص من كل ما يذكره بالمعصية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:208]. خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء المسلمين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءً، فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء!

رسائل إلى الشاردين

رسائل إلى الشاردين هذه الخطبة بلسم شافٍ لأصحاب الهموم والغموم، فقد ذكر الشيخ أسباب زوال الغم والهم، كما ذكر أموراً من يقم بها يعش حياة طيبة سعيدة، ويتغلب على منغصات الحياة، فعش مع هذه الرسائل علك تجد ما يشفي غليلك!

أسباب السعادة

أسباب السعادة الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين! إننا نرى في حياتنا كثيراً من الرجال والنساء، والشباب والشيوخ، والشابات والعجائز يعانون من مرض وألمٍ غريب وعجيب، سريع في الحلول سريع في الزوال، ذلكم هو: الهم، والغم، والقلق، وشرود النفس، والخشية من المستقبل، وصدق الله العظيم حيث قال: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]. أيها الأحبة: كم مرة رأينا ورأيتم فيها شاباً، أو كبيراً، أو مراهقاً، أو هرماً، يشكو هموماً وقلقاً، وتجد علامات الكآبة وآثارها بادية على وجهه، والشرود يذهب بأفكاره مشرقاً ومغرباً، وإذا تأملت حقيقة ما يدعوه إلى هذا الشرود، وهذا الهم والغم، لم تجد شيئاً كفؤاً لهذا كله، فلو كان الهم والغم لمسلمة اغتصبت بيد علج من العلوج الكفرة، أو لأجل يتيم قتل بلا ذنب، أو لأجل شعب شرد بلا جريمة، أو لأجل مظلومين أودعوا الزنازين بلا جرم، لربما كان لهذا الهم والغم سببٌ باعث عليه وأمر داعٍ إليه، ولكن العجب العجاب أن تجد هموماً وغموماً وقلقاً وخوفاً دون ما سبب يدعو إلى ذلك، بل إن ما حل بالمسلمين، وإن أثر على النفس فحزنت، وإن أثر على النفس فدمعت له العين وحزن له القلب، فإن ذلك لا يدعو إلى الجزع، ولا يدعو إلى السخط والدعاء بالويل والثبور، وإنما يدعو إلى مزيد من الجد والحزم والعزم لمواجهة الأقدار بالأقدار. معاشر المؤمنين: فلنعلم -تماماً- أن هذه الهموم والغموم، وشرود النفس وخطراتها، وأفكارها ووساوسها، والقلق الذي يؤثر عليها، والكآبة التي تخيم على وجوه أصحابها ناتجة من أسباب، وقد جعل الله بأمره ورحمته أسباباً تدفعها وتزيلها، فإلى كل مهموم، وإلى كل مغموم، وإلى كل قلق خائف من المستقبل، وإلى كل من شرد فكره، وذهبت أفكاره حيص بيص، أو طارت خواطره مشرقة مغربة، فإليه نسوق هذه الوصفات الشرعية، والأدوية الإيمانية، والوسائل المجربة التي تجعل محل الهموم هماً واحداً نافعاً يسعى العبد في تحصيل ما ينفعه به، وتزيل الغموم، وتجعل محلها انشراحاً، وتزيل الكدر والخوف، وتجعل محلها تفاؤلاً. أيها الشاكي وما بك داءٌ كن جميلاً ترى الوجود جميلاً أيها الشاكي وما بك عيبٌ كيف تغدو إذا غدوت عليلاً

العمل الصالح سبب للحياة الطيبة

العمل الصالح سبب للحياة الطيبة يقول الله جل وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] حياةً طيبة لمن؟: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. أيها المهموم أيها المغموم أيها الخائف من المستقبل! يا شارد الذهن قلق الخواطر متشتت الأفكار! عليك بالعمل الصالح؛ فإنه -بإذن الله- لا محالة مجلبة للحياة الطيبة والجزاء الحسن، والأمن والطمأنينة، إن لكل حسنةٍ ثواباً، ولكل سيئةٍ عقاباً، فاحرص على الحسنات ترى أثرها عاجلاً وآجلاً بإذن الله جل وعلا، أولست مؤمناً؟ بلى. والإيمان يغرس في قلبك، وينسج في سويداء وشغاف فؤادك أن رزقك لو اجتمعت الإنس والجن على زيادته، ما زادوه قطميراً أو قليلاً أو كثيراً، وأن أجلك لو اجتمعت جيوش الأرض، وكان بعضهم لبعض ظهيراً على أن يحولوا بينك وبين آخر يومٍ من حياتك ليسبقوا الأجل بيوم أو ساعة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، أوليس الذي خلقك الله؟ أوليس الذي يرزقك الله؟ أوليس الذي يحييك الله؟ أوليس الذي يميتك الله؟ فعلامَ الهم إذاً؟ وعلامَ الحزن؟ وعلامَ الخوف؟ عجبت ذات يوم من موظف جاء تارة يبكي وتارة تسبقه عبراته، وساعة تتحدر دموعه على وجنته، وتارة في شرود، وتارة يرفع صوته، اشتعلت به هذه الهموم بسبب وظيفته، فجعلته يطلق زوجته، وربما حرم من أبنائه زمناً، وما السبب والباعث والداعي؟ إنه الخوف من رؤسائه، إنه الخوف من مسئوليه فما زال بعض الحاضرين في ذلك المجلس يؤنسه ويقربه ويذكره ويخوفه بأن أجله ورزقه بيد الله حتى اطمأن وعاد ساكن البال. أيها الأحبة: لا داعي إلى قلق، ولا حاجة إلى خوف، ولا محل لجزع، إذا كان المؤمن راضياً مسلِّماً، إذا كان المؤمن متيقناً معتقداً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فينفخ فيه الروح، ثم يؤمر الملك بكتب أربع كلمات: برزقه وعمله وأجله وشقي أم سعيد). فإذا كانت الأرزاق مقدرة، فوالله لا يزيدها قرب من سلطان، ولا يبعدها بُعدٌ عن سلطان، وإذا كانت الآجال محددة، فلا يدنيها دخولٌ في مهمة المعارك وحمى الوطيس وعند كعاب الأسنة، وعند رءوس السيوف، ولا يؤخر المنية نوم في الأقبية أو الخنادق أو الملاجئ: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78]. فالإيمان -أيها الأحبة- والعمل الصالح مما يبعثان على الجرأة والشجاعة والطمأنينة، وعدم الخوف من كبير وصغير، ومسئول وقريب أو بعيد، عدم الخوف على رزق أو أجل، والإيمان يبعث في النفس رضى وقناعة، فلو فتحت للعبد كنوز ما طغى وما تجبر، وما صعر خده للناس، وما مشى في الأرض مرحاً، إذ أنه يعلم أنه لن يخرق الأرض ولن يبلغ الجبال طولاً، إن وصف المؤمنين أن يكونوا راضين مسلِّمين: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:23] إذا علمت أن ما أصابك من مصيبة، فإنها في كتاب عند الله من قبل أن يبرأ الله الخليقة، فإن في علم الله أزلاً أن هؤلاء الخلق قبل أن يخلقوا معلومٌ ما يفعلون وما يتركون، وما يرزقون وما يصابون. أيها الأحبة: الإيمان والعمل الصالح يبعثان النفس على السعادة وعلى الطمأنينة، ولا يجعلان في القلب مكاناً للهم والغم أبداً، واعلم -يا شارد الذهن! يا خائفاً من المستقبل! يا متألماً بهمٍ أو غم لأمر لا داعي له- اعلم أن كثيراً من الناس مهموم بلا شيء، مغموم لأجل لا شيء، مكدرٌ بلا قضية، مشغول بلا مهمة، إنما هي وساوس وأفكار وخطرات تذهب به وتغدو وتروح وتجيء، وربما يكون عنده من القدرات ما يستطيع به أن يفعل خيراً، أو يقدم شيئاً كثيراً، ومع ذلك قعدت به همومه ووساوسه على ألا يفعل شيئاً، ولم يكن حظه إلا الهم والغم.

الإحسان إلى الناس

الإحسان إلى الناس ألا يا شارد الذهن! ألا يا قلق الضمير! ألا يا جزع القلب! ألا يا خائفاً من المستقبل! أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ فطالما استعبد الإنسان إحسانُ الإحسان إلى الناس بالقول والعمل نافعٌ بإذن الله يورث محبة الخلق. ومن أسباب السعادة: أن يكون الإنسان محبوباً بين أقرانه وأقاربه وجيرانه، ومن حوله، فاشتغل بالإحسان إلى الخلق بكل ما استطعت أن تشتغل به، ليس من شرط الإحسان إليهم أن تمد لهم ريالات ودراهم ودنانير، ولا من شرطه أن يكون الإحسان في حالة معينة، أحسن إلى الخلق بما استطعت، بأي عملٍ تستطيعه, وأسباب الخير كثيرة. هل تعلم أسرة فقيرة مسكينة سجن عائلها، أو غاب وليها، أو مات عائلها، ألا فاشتغل بمثلها وبغيرها، اجمع ما استطعت من لباسٍ وأوصله إليهم في ليلة ليلاء، اجمع ما شئت من بطانيات، وأدخل بها عليهم في ليلة شاتية، اجمع ما استطعت من طعام، وأسعد وسد بها جوعتهم في يوم من الأيام، فإنك تجد بذلك سعادة تغمر فؤادك ونفسك كسعادة الصائم حين يفطر، وسعادة المتهجد حينما يبزغ الفجر. أحسن إلى الناس؛ إن تجد كفيفاً فأعنه على قضاء حاجته، يوم تجده يذهب يمنةً ويسرةً في دائرة لا يعرف أين يقبل ويدبر، إن تجد أخرق لا يحسن أن يتصرف خذه معك، إن تجد عاملاً قد تصبب العرق على ثيابه وملابسه، وقد فاحت رائحة بدنه من كد التعب وشقاء العمل، فقف بسيارتك مهما كانت فارهة نظيفة معطرة واحمله معك، ولا بأس- إن لم تكن مرتبطاً على ميعاد- أن تذهب به إلى مكانه، ولو اقتضى ذلك منك مزيد ساعة، أو نصف ساعة، إنه عمل يجلب إلى نفسك السعادة، ويطرد الهموم، وتشعر أنك حققت شيئاً. وما سبب هذه الهموم إلا أن بعض الناس يشعر أنه صفرٌ على الشمال، كمٌّ لا فائدة منه، جنسٌ لا يستفاد منه، فإذا شعرت أنك أفدت واستفدت، ونفعت وانتفعت، كان ذلك سبباً في سعادتك، ومن ثم لا بقاء للهم والغم في فؤادك، يقول الله تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114] من الذي وعد؟ ملك من الملوك؟ أمير من الأمراء؟ وزير من الوزراء؟ قاضٍ من القضاة؟ لا. بل الله الذي وعد. {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114] والله لو وعدت بمنحة، أو وعدت بمال، أو بدرهم ودينار، لوجدت السعادة تغمر قلبك إن كنت محتاجاً، أو مرتقباً ذلك الموعود، فما بالك يوم أن يعدك الله بأجر، وليس أجراً فحسب، بل: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114]. {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء:114] كثيرٌ من الكلام لا فائدة منه، وكثيرٌ من السعي لا جدوى فيه, وكثيرٌ من العمل لا فائدة بعده إلا من أمر بصدقة، أو معروف، أو إصلاحٍ بين الناس: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114].

احرص على ما ينفعك تكن سعيدا

احرص على ما ينفعك تكن سعيداً يا شارد الذهن! ويا قلقاً من مستقبله! ويا قلق الفؤاد جزع النفس! اشتغل بما ينفعك من علم أو عمل، واختر أحب الأعمال وأيسرها إلى نفسك، وأقربها إلى مقدورك من أعمال، أو علم نافعٍ، فإنك يوم أن تشتغل بما ينفعك، سرعان ما تزول همومك وغمومك. إن كثيراً من الخائفين والقلقين إذا أصابته مصيبة، أو حلت بساحته الهموم والغموم، انقطع عن عمله، واحتجب عن أصحابه، واعتزل عن أهله، وخلا بنفسه، ودخل حجرة انفرادية مظلمةً، لا يريد أن يسمع صوتاً، ولا يرى نوراً، وحاله كقول القائل: عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى وصوَّت إنسانٌ فكدت أطيرُ قد لذت له الخلوة وأنس بها، وأنس بالعزلة، فبعد ذلك تجده لا يريد أن يرى أحداً، ولا يقابل أحداً، ولا يسمع صوتاً، ولا يأكل من الطعام إلا ما يسد رمقه، ظناً منه أن عزلته تدني فرجه، وظناً منه أن احتجابه يقرب راحته، وما درى أنه بذلك كمن رام تطهير الدم النجس بالدم، كمن أراد إزالة النجاسة بنجاسة أخرى، كمن أراد سداد الدين بدينٍ آخر، كمن أراد علاج المرض بمرض أشد منه. يا قلق الذهن وشارد الفكر! إذا نزلت بك نازلةٌ أحدثت هماً وغماً، فلا تحتجب ولا تعتزل، وكن مع الناس، وخالط واصبر، وركِّز بدقة على أمر ينفعك من علم أو عمل تميل إليه نفسك بحسب قدرتك ومهارتك وكفاءتك، فإنك بذلك تشتغل بما بين يديك، وما هو أمام ناظريك عما يجيء ويقبل به الشيطان ويدبر من الوساوس والهموم في فؤادك، اشتغل بما تشتاق إليه وتطمئن إليه من عمل نافع أو مباح، فإن الواحد -وهذا مشاهدٌ معلومٌ بالحس والمشاهدة- إذا كان مشغولاً فتراه إذا نزلت به نازلةٌ الصبح فمضى في شغله وعمله، تجده قد نسي أغلبها الصبح، ونسي جلها المساء، فغابت شمسه وقد نسيها كلها، أما من قطع أعماله, واحتجب واعتزل، فإن هذه الهموم تفرخ وتولد أمثالها، وتزيد في مرضه، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

يومك يومك

يومك يومك ويا خائفاً من المستقبل! ويا شارد الذهن! ويا قلق الفكر! ويا مضطرب المواقف! عليك أن تهتم بعمل اليوم والساعة واللحظة، إن كثيراً من المهمومين والمغمومين إذا حدثته وجلست معه، وجدته لا يحدثك إلا عن أيام خلت وسنين مضت، أو يحدثك عن أهلةٍ لم تبزغ بعد، وعن أقمارٍ لم تكتمل بعد، وما هو في مقدورك، وقد يأتي ذلك الهلال أو ذلك البدر وأنت تحت الدنيا ولست فوقها: ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها اشتغل بساعتك، اشتغل بلحظتك، اشتغل بيومك، اشتغل بقضيتك، أما ما مضى فأمره إلى الله. فإن كنت بالأمس اقترفت إساءةً فثنِّ بإحسانٍ وأنت حميدُ إذا كان ما مضى شهد عليك بمعصية، وزلة وخطيئة، وإثم وجريمة، فإن حاجتك هذا اليوم لعلاج ما مضى بأن تملأ اليوم بالتوبة، وبالذكر والاستغفار حتى يمحو ما مضى، وأقم الصلاة، يقول الله جل وعلا: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. هكذا أيها الأخ المسلم: أنت بحاجة أن تتعامل مع الساعة، أن تتعامل مع اللحظة، وكما قال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لـ عمر بن الخطاب: [إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل] فحاجتك أن تعطي الليل وظيفته، وأن تعطي النهار وظيفته، فإنك بذلك تحصل خيراً كثيراً، اشتغل بساعتك، ما مضى إياك أن تكون جزعاً قلقاً فيه فقد مضى وانتهى، ولا تستطيع البشرية رد ثانية أو دقيقة أو أقل أو أكثر منه؛ لأنه مضى وانتهى، وأما المستقبل فلا تستطيع البشرية أن تجر شمس غدٍ إلى هذه الساعة، ولا تستطيع البشرية أن تجر ظلام الليلة المقبلة إلى هذه اللحظة التي نعيش فيها، فعليك أن تعيش ساعتك، عش يومك وعش لحظتك بعمل صالح بتوبة باستغفار بعمل نافع بوظيفتك بما أنت فيه، فإن ذلك مما يجعلك مطمئن البال، مرتاح النفس، مطمئن الضمير، وحينئذٍ لن يكون للهموم والغموم إلى نفسك سبيلاً، اشتغل بساعتك اشتغل بيومك اشتغل بما ينفعك. إني وجدت كثيراً من الناس قد أفسد الشيطان عليهم أيامهم، فتجده ربما يفكر في ذنوبه التي سلفت، ولكنه في لحظة التفكير لا يقدم استغفاراً يمحو ذنوبه، ولا يقدم حسنة تمحو سيئاته، ولا يقدم صالحاً يستر زلاته أو يمحوها، مجرد تفكير في ما مضى دون أن يعالج ما مضى بفعل في حالته.

فكر في المستقبل على قدرك

فكر في المستقبل على قدرك وتجد الشيطان كثيراً ما جعل بعضهم يفكر في المستقبل، بل إن بعضهم بلغت به المخاوف والوساوس حتى أنه لا يكاد يخرج من بيته، أو لا يكاد يبيع أو يشتري أو يغامر أو يعمل عملاً نافعاً في مغامرة نافعة، تجده دائماً جباناً خواراً ضعيفاً متشائماً، الأصل في رؤيته السواد، والأصل في الناس الخيانة، والأصل في المعاملات الفشل، والأصل في التجارات الخسارة، فمثل هذا لا يتحرك قيد أنملة، ويموت في مكانه، ولو أنه تحرك لربح تارات، أو خسر تارة وربح بعدها تارات، لسلم تارات ولو أصيب بشيء لأصاب بعدها خيراً كثيراً، لكن هذا التشاؤم هو الذي جعله يعيش في دائرة الهم والقلق والغم؛ لأنه لم يتعد أفكاره وسعيه في تفكيره فيما مضى، وأما ساعته ولحظته وحالته التي هو فيها، تجده بعيداً عن التفكير فيها. أيها الحبيب: اعلم أن من واجبك أن تفكر فيما هو مقدور بين يديك. إن تعجب فعجبٌ حال كثير من الناس أفكاره متعلقة بما ليس في يده! وطموحاته قد بلغت ما يعجز عن الوصول عنه: من مد طرفاً إلى ما فوق غايته ارتد خسآن منه الطرف قد حسرا تعجب من أناس يريدون السطوح بلا درج! ويريدون الشهادة بلا علم! ويريدون الطب بلا تعلم! ويريدون التجارة بلا سعي! ويريدون الولد بلا زواج! ويريدون الثمر بلا غرس ولا زراعة! هذه من الآمال الغبية والطموحات الكاذبة، إن من كان عاقلاً في طموحاته، ستجده عاقلاً في وسائله التي يتخذها للوصول إلى هذه الطموحات. نعم نحيي شباباً ورجالاً ونساءً، بلغت طموحاتهم عنان السماء. وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسامُ طموحاتٌ ربما تجاوزت عند بعضهم حطام الدنيا وترابها ومتاعها الفاني إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ولذلك لما قال أحد السلاطين في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: إنك تريد حكمي وملكي، فقال ابن تيمية: أنا أريد حكمك وملكك! والله إن حكمك لا يساوي فلسين، إني أريد جنة عرضها السماوات والأرض، فمن أراد جنة عرضها السماوات والأرض، كيف يريد حطاماً ومتاعاً زائلاً وفانياً من عرض الدنيا، فالعاقل يشتغل بما يقدر عليه، وعليه أن يبتعد عما لا فائدة منه. عجبت من أناس وشباب منذ سنين وأنا أعرفهم يضربون ويسعون، ويغدون ويروحون في أسباب التجارة، وما جمعوا شيئاً، ولا شك أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وقد جعل الله الأقدار بأسبابها، والأرزاق بأقدارها، ولكن لما تأملت أو تأمل عاقل غيري وجده أراد التجارة بالمليار قبل الريال، وبالمليون قبل المائة، يعرض عليه من الرزق أيسره، ومن الحلال أطيبه، ومن المقدور أيسره، فيعرض عن هذا، تأتيه من أرزاق الله أمورٌ كثيرة فلا يقبلها؛ لأنها من فئات المئات والعشرات، ولكنه يطمح في فئات الملايين وما بعدها، اشتغل بما لا يقدر عليه، وأراد قمة بلا سلم يفضي إليه، فتجده مضى معلقاً بجنون العظمة، وكبرياء الثروة، وأوهام الثراء والغنى، ففي ذات يومٍ تجده محطماً كسيراً معتزلاً مستوحشاً قلقاً؛ لأنه فكر وسعى فيما لا سبيل له إليه، وأعرض عما بين يديه، فلأجل ذلك اجتمعت الهموم في رأسه، واجتمعت المصائب بين عينيه.

وطن نفسك علىالابتلاء

وطن نفسك علىالابتلاء واعلم أيها المسلم! أن العبد قد يقدر الله عليه المقادير: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157] فالعاقل عليه أن يوطن نفسه على أن الدنيا موقع ابتلاء: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] الأصل فيها أن لذاتها مكدرة، وأن أحبابها يتفرقون، وأن أحياءها يموتون، وأن أصحاءها يسقمون ويمرضون، فلا تجزع بما يكون، أو قد يكون ولكن إذا نزل أمر من قدر الله، فلا تفكر فيما مضى، ولا تفكر خائفاً من المستقبل، بل كما قال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، ولا تعجز، وإذا أصابك شيءٌ، فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّرَ الله وما شاء فعل (أو قدَرُ الله وما شاء فعله) فإن لو تفتح عمل الشيطان). إن هذا المعنى قد تجده عند بعض العقلاء، وقد تجده أيضاً عند بعض الكفار، إنك تعجب يوم أن ترى كافراً أصيب بمصيبة كشلل في طرفيه السفليين، أو كعمى في عينيه، أو بأمر من الأمور، إن بعض المسلمين حينما تحل به مصيبة كهذه، تظلم الدنيا في عينه، ويسود المستقبل في وجهه، ويتشاءم، ويشعر أن كل شيء فاته، والعجب أن تجد كافراً، أو كفاراً إذا حل بأحدهم شيءٌ من هذا، ذهب إلى معهد تأهيل المعوقين ليجد نفسه حالة سوية طبيعية قادرة على الاختلاط بالناس، يتعلم كيف يستخدم آلةً يركب بها السيارة، وكيف يقود سيارة تناسب أمثاله، وكيف يستخدم المواقف، ويصعد إلى أعلى العمارات، ويباشر أعقد العمليات، وتجد كثيراً من المعوقين أقدر من كثيرين من الذين يسمون أسوياء، وما ذاك إلا أن ذاك المعوق قد حمل قلباً نافعاً، وعقلاً متدبراً فيما يخص أمور حياته، فسبق بذلك ذلك العاجز المتشائم الضعيف، كم من مشلول سبق كثيراً من العدائين بفكره وعلمه وإنتاجه، وكم من كفيف سبق كثيراً من المبصرين، وكم من أصم وأبكم كان أحكم من كثير من الناطقين والسامعين، والسبب أن الواحد منهم تعامل مع علته، تعامل مع قضيته، تعامل مع ما حل به بأمر الله، ففاز بالأجر؛ لأنها مصيبة بقدر الله، فصبر عليها، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، هذا أولاً. الثاني: ما جلس يبكي: أنا كفيفٌ، أنا معوقٌ، أنا أبكم، أو أصم، بل أخذ يتعلم كيف يتعامل مع الحياة، ومع الناس، ومع هذا الكون حتى ولو كان كفيفاً، أو معوقاً، أو أصم، أو أبكم. العاقل يتعامل فيما يقدر عليه، ويجتهد فيما ينفعه، ويتعامل مع ما يستطيعه، وأما الاشتغال بالخيال، والاشتغال بالآمال التي لا يعقل إليها سبيل، فذاك من الجهل. ويا شارد الذهن! ويا قلق الضمير! ويا جزعاً من مستقبله! يا من خلوت وحدك في حجرة ظلماء، أو ليلة ليلاء واحتجبت عن الناس! ماذا تفيدك خلوتك؟ وماذا تتذكر في عزلتك؟ تتذكر علان وفلان، أو تعيد صورة المشهد، أو الحادث، أو تعيد سيرة القضية من جديد، ولو أنك جعلت مكان هذا الخيال، ومكان هذه الوساوس وتلك الألفاظ التي تطلقها بين صوتٍ خفي ومسموع، لو جعلت مكانها ذكر الله جل وعلا، لكنت مطمئن القلب: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. قال صلى الله عليه وسلم: (من لازم الاستغفار، جعل الله له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً) نعم. بدلاً من الخلوة والوساوس والكلام الخفي والمسموع، كن مع الناس في المساجد، واسبقهم إلى الرياض، وكن متقدماً في روضة المسجد، كن جاداً في العبادة، مكثراً من ذكر الله؛ فإن الله جل وعلا يقول: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني) إذا كنت تظن أن الله سيفرج عنك، فأبشر بالفرج، أتظن أن الله يتركك ويسلمك، وهذا ظنك بربك، وقد تعلقت بخلق ضعاف، فمن تعلق بشيء وكل إليه وعليه، فتوكل على الله، واستعن بالله، وأحسن ظناً بالله، من ظن أن الله يرزقه رزقه، من ظن أن الله يحميه حماه، من ظن أن الله ينصره نصره، من ظن أن الله ينتصف له ممن ظلمه نال حقه، من ظن أن الله معه فاز بمعية ربه، ومن ظن أنه متعلقٌ بشخص أو أشخاص، أو فرد أو أفراد، أو صغير أو كبير، فمن تعلق بشيء وكل إليه. فيا أيها المسلم: أكثر من ذكر الله جل وعلا، ثم تأمل -يا شارد الذهن! ويا خائفاً من مستقبله- تأمل كم من الناس فوقك، وكم من الناس دونك في النعم! ربما رفعت بصرك فرأيت مئات من البشر في درجات أعلى منك، ولكن انظر إلى ملايين من البشر دونك أياً كان حاله، فكما قال صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم). ذلك الذي أصابه الجزع والهم والهلع، والقلق والخوف، والشرود وهذا الهم، ربما كان بسبب أراد به يسابق أقواماً كتب الله -لابتلاء الله، أو لنعمة، أو لمحنة- أن يبلغوا درجة من الدرجات، أو مرتبة من المراتب، فحاول أن يبلغها فعجز، فظل محطم النفس، شارد الذهن، خائفاً من مستقبله، فلم ينل من ساعته إلا الخوف والهم، ولو أنه قال الحمد لله كم نعمةٍ أنا فيها، وغيري محرومٌ منها. هل وراءك صربي يطاردك؟ هل وراءك هندوسي يرتقب خروج أهلك من بيتك، عياذاً بالله؟ هل تترقب قذيفةً تحل من السماء على بيتك؟ هل أنت مريضٌ بمختلف الأمراض وأشدها؟ لئن ابتليت في مرض في جزء يسير من بدنك لا يتجاوز واحد سنتيمتر، أو أربعة سنتيمتر من بدنك، فإنك معافىً في بقية بدنك، ولئن أخذ بصرك، فلا يزال سمعك ورجلك ويدك وقواك، وتنفسك وأجهزتك وكل ما عندك، وإن أخذت أقدامك، فأنت سميعٌ بصيرٌ، فصيحٌ منطيقٌ، جدلٌ خصمٌ مبينٌ، تستطيع أن تتنعم بهذه النعم كلها، فإياك أن تزدري نعمة الله بكثرة النظر، أو بالنظر إلى من فوقك، فإن من فوقك قد يكون أعداداً قليلة، ولكن انظر إلى من هم دونك، فتجدهم يبلغون ملايين، أو مئات الملايين.

الدعاء واللجوء إلى الله سبب للسعادة

الدعاء واللجوء إلى الله سبب للسعادة ويا أيها الخائف! ويا أيها القلق! ويا أيها الشارد! أكثر من الدعاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى دعاء جميل، قال صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه من الدعاء: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، والموت راحةً لي من كل شر) رواه مسلم، وفي حديث آخر كان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت). بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

التوكل على الله سبب للسعادة

التوكل على الله سبب للسعادة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: لا نزال نسوق هذه الرسائل إلى ذلك الشارد الخائف الجزع القلق الموتور المرعوب من المستقبل، فنقول له: توكل على الله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] إن من تعلق بغير الله انقطع، ومن سأل غير الله حرم، ومن اعتصم بغير الله خذل، ومن أراد أمراً بغير معونة الله لم يجد إلا نكداً وقد يجد قليلاً، ثم يكون القليل باباً إلى الكثير، اجعل طريقك إلى كل حاجة: سؤال الله، والاستعانة بالله، والتوكل على الله، فإنك محتاج، ومن احتجت إليه هو خلقٌ من خلق الله، وعبدٌ من عبيد الله، اسأل الله الذي خلقك وخلقه، وبيده ناصيتك وناصيته، وروحك وروحه، اسأل الله جل وعلا، فإن الله يسخر لك الكبير والصغير إذا تعلقت بالله. وإنك لتعجب أن تجد مسلماً أشعث أغبر ذي طمرين مدفوعاً بالأبواب، إن غاب لم يفقد، وإن حضر لم يعرف، تجد ذات يوم أناساً من الكبار أو العظماء يرتادون بيته، ويقضون حاجته، وكيف بلغوا داره؟ وكيف قضوا حاجته ولم تظهر له صورة في صحيفة، ولم يظهر عنه إعلان، ولم تتكلم عنه نشرة، فما الذي جعل هذا الكبير، أو ذلك العظيم، أو ذلك القوي الغني يصل إلى داره؟ إنها دعوت سرت بليل بلغت عنان السماء، فسخر الله بها عبداً من عباده الأقوياء الأغنياء الأثرياء، فجعلهم يخرجون في تلك الليلة، أو في مثل تلك الساعة إلى بيته فيقضون حاجته، وما ظهر أمره إلى أحد أبداً: من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيبُ

لا تنظر إلى الحياة من زاوية واحدة مظلمة

لا تنظر إلى الحياة من زاوية واحدة مظلمة ويا أيها الشارد! ويا أيها القلق! ويا أيها الخائف من المستقبل! لماذا تنظر إلى الأمور بكل عين متشائمة؟ لماذا تنظر إلى الأمور من زواياها الضيقة، ومن تضاريسها الصعبة؟ لماذا لا تنظر إلى الأمور من أوسع أبوابها، من أطيب زواياها، من أجمل أسمائها، من أبهى صورها؟ انظر إلى كل قضية ستجد أنك ترى لها بابين ووجهين. تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير في زخرف القول تزيينٌ لباطله والحق قد يعتريه سوء تعبير تقول: هذا مجاج النحل يعني: العسل تجد القضية الواحدة تنظر لها بمنظارين، تنظر إلى كل قضية بأصفى مناظيرها، وبأوسع أبوابها، وبأجمل زواياها، وبأسهل السبل إليها، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خير بين أمرين، اختار أيسرهما. اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد، وكان صلى الله عليه وسلم يعجبه التفاؤل، وإن الذي ينظر إلى أموره بهذه العين، فثق أنه سيبقى سعيداً في حياته سعيداً في معاملته سعيداً في زواجه، أوليس صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منا خلقاً رضي منها آخر)؟ نعم. قد تكره من زوجتك خلقاً معيناً، لكن إن نظرت إلى زوجتك ببوابة ذلك الخلق السيئ، وبمنظار تلك الخصلة السيئة، فلن ترى بعد الظلمة إلا ظلاماً، وإن تنظر إلى زوجتك بمقاييس وبأمور جيدة جميلة، وأخلاق طيبة فيها، فسترى أن تلك الخصلة السيئة هي في آخر مساحات النظر التي تنظر إليها. ثم اعلم -يا أيها الخائف المتشائم! يا أيها المعتزل القلق البعيد الشارد عن الناس وعن نفسه- أن شرودك هذا ربما كان بسبب تفريطك بواجباتك، فإن من قام بواجبه، يفرح متى يسأله من كلفه بالواجب أن يقدمه، انظر إلى الطالب أياً كان مرتبته إذا كان قد أعد واجبه بأحسن وأبهى طريقة، ينتظر الساعة التي يسأله مدرسه: أين واجباتك؟ بل إذا غفل مدرسه عن الواجب، قال: إن علينا واجباً سألته فهاهو ذا أيها المعلم، تجد الموظف حينما يعد أعماله وأموره، يفرح متى يسأله مديره عن واجبات أسندت إليه. تجد الشرطي أو رجل الأمن حينما يقوم بواجبه، يلذ حينما يسأله قائده عن مهمته، ولكن حينما تتساهل بواجبك وتضيع ما أسند إليك، وتهمل ما بين يديك، فإنك تكره من يسألك عن أعمالك، ولا تتمنى أن تقابل من تظن أنه سيستوقفك لحظة في عملك أبداً، قم بواجبك واسلم من اللوم، وقم بواجبك واسلم من الكلام قلَّ أو كثر، فإن التهاون والتفريط والتعدي كل ذلك يسبب الجزع والخوف والرغبة في البعد عن الآخرين، ثم يأتيك الشيطان ويقول لك: أنت قلق، عندك مرض نفسي، عندك مشكلة نفسية، عندك وعندك وعندك، وحقيقة مرضك أنك فرطت في الواجب، ولو قمت بواجبك في وظيفة، أو ميدان، أو أي مهمة كانت، فإنك ستكون سعيداً بإذن الله جل وعلا.

الدنيا قصيرة فلا تقصرها بالأكدار أيضا

الدنيا قصيرة فلا تقصرها بالأكدار أيضاً ثم يا أيها الخائف! يا أيها المتشائم! يا أيها المعتزل! يا أيها المسلم! تيقن أن الدنيا وإن طابت، فإنها قصيرة، فلا تطيلها بالأكدار، فقارن ما أنت فيه من النعم بما حل بك من مصيبة؛ ستجد أن نعمك أو أن النعم التي تحيط بك ملايين، وأن المصيبة واحدة، فلا تضيع ملايين بذرة، أو درجة واحدة، وإن كان همك، أو غمك، أو خوفك، أو شرودك، أو قلقك، أو جزعك بسبب أذى الناس لك، فاعلم أنه لن يسلم أحد، إن الأنبياء ما سلموا. ليس يخلو المرء من ضدٍ ولو حاول العزلة في رأس الجبل لو كنت كالقدح في التقويم معتدلاً لقالت الناس هذا غير معتدلِ فما عليك إلا أن تصبر، إن أناساً تجدهم في جزع، وفي قلق، وفي شرود وخوف، فإذا سألته قال: يتكلمون فيَّ، يقولون عني، يتناقلون سيرتي، يذكرون عني! يا مسكين! أتريد لنفسك ما لم يشأ الله أن يجعله لنفسه؟ لو شاء الله ما قال عبدٌ من عباده في جلاله كلمة واحدة، ومع ذلك: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64] وقالت اليهود: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] أتريد لنفسك ما لم يكن لله؟ أتريد لنفسك ما لم يكن لرسل الله عليهم وعلى نبينا صلوات الله وسلامه؟ تجد من الناس من يجزع ويغضب؛ لأن الناس تكلموا فيه، يا مسكين! أفلا تأخذ العفو وتأمر بالعرف وتعرض عن الجاهلين. يا مسكين! يا أيها المعتزل الشارد بسبب هذا! قال الله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] أليس لك في صلة من قطعك وإعطاء من حرمك، والعفو عمن ظلمك: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237] أليس لك في هذا عوض؟ فإن الله يجزيك به خير الجزاء. اللهم اغفر لمن ظلمنا، اللهم اغفر لمن تكلم فينا، اللهم سامح من شتمنا، اللهم إنا نشهدك أنا نسامح من تكلم فينا، ومن سيتكلم. ما الفائدة أن نجعل هذا القلب الصغير يحمل بغضاء وعداوات، ونحن نملك أن نملأه بالذكر والمحبة والوفاء، وسلامة القلب، وطيب الأنفس، حتى وإن تكلم من تكلم، حتى وإن قال من قال، حتى وإن افترى من افترى؟ اللهم سامحه إلا إن أراد بذلك فتنة في الدين وإساءة للدين وأهل الدين، اللهم فعجل عاقبته أو اهده قبل ذلك. وأخيراً: ربما تجد بعض الناس قوله -كقول القائل يوم أن ترى شرود ذهنه، وقلق نفسه وجزعه وخوفه، وتألم نفسه- يقول: نسجت لهم غزلاً رفيعاً فلم أجد لغزلي نساجاً فكسرت مغزلي نصحت فما سمعوا، وأعطيت فما شكروا، وأمرت فما ائتمروا، وزجرت فما انزجروا. يا أيها المحب! لا تنتظر من الناس شكراً، اشكر الله جل وعلا، اشكر الله سبحانه وتعالى، وافعل المعروف لوجهه، ولا تنتظر من أحد الناس شكراً، لا تقل: ليتني لم أفعل معروفاً، فإني لم أر من صاحبه إلا تنكراً أو تسلطاً، لا. بل احمد الله أن أسديت معروفاً، وأن أعانك على فعل معروف، واحمد الله أنك معطٍ لا آخذ، وأنك نافعٌ لا منتفع، وأنك يدٌ عليا ولم تكن يداً سفلى، لا تنتظر الشكر من أحد، فإنك إن انتظرت من الناس شيئاً، طال بك الانتظار، ولن ينفعك الناس بشكر أو مديح أو هجاء، ولكن ينفعك ابتغاء ما عند الله سبحانه وتعالى.

حياتك من صنع أفكارك

حياتك من صنع أفكارك واعلم أن حياتك من صنع أفكارك، نحن الآن في هذا المسجد لو جلسنا نفكر أن جنوداً على الأبواب، وأفواه البنادق توجه من النوافذ، هذا التفكير سيجعلنا نرتعد ونحن في أماكننا، ونضطرب ونحن في مواقعنا؛ لأننا فكرنا بطريقة أورثت الخوف في نفوسنا، والفكر له أثر على الجوارح والسلوك، ولكن فكر بطريقة متفائلة سعيدة، ستخرج واثقاً مطمئناً. حياتك من صنع أفكارك، فاجتهد في أن يكون فكرك دائماً بتفاؤل ورضا، وبحسن ظن من الله.

الجدية في الحياة سبب للسعادة

الجدية في الحياة سبب للسعادة وأخيراً: كن جاداً في حياتك تكن سعيداً، إن كثيراً من الذين تراهم في هم وغم وقلق ليس عندهم بالمعنى الطبي مشكلة نفسية، وإنما هو كسل وتهاون، فترى الواحد منهم نائماً والناس في أعمالهم، وتراه خارجاً والناس آيبون إلى بيوتهم، وتراه مستيقظاً في الليل والناس على فرشهم نائمون، وتراه يغدو والناس رائحون، ويروح والناس غادون. إن الله جل وعلا خلق هذا الكون بنظامٍ مطرد متسق، فجعل الليل لباساً، وجعل النهار معاشاً، وجعل الليل لتسكنوا فيه، وجعل النهار مبصراً، وجعل للكون دورة، وللنجوم دورة، وللأفلاك دورة، وللكائنات والنباتات والموجودات دورة متناسقة، من عبد الله حق عبادته وجد أنه يدور في ذات الفلك، ويسير في ذات التيار، أما من عصى الله، وأعرض عن ذكره، فإن له معيشةً ضنكا، وتجده يدور بالاتجاه المعاكس، ولك أن تتأمل أحدهم يفطر قبل غداء الناس بنصف ساعة، ويتغدى قبل عشاء الناس، نحن لا ننتقد الناس، فهم أحرار صاموا أم أفطروا، أم قدموا الغداء أو الفطور، ولكن نقول: تجد أن هذا قد اضطرب ميزان حياته، ومن اضطرب ميزان حياته، فلا تعجب إن أصابه الهم والغم، كن جاداً، كن غادياً من الصبح وقد أغتدي والطير في وكناتها. (بورك لأمتي في بكورها) اغتنم صباحك، اغتنم يومك، عد وقت الظهيرة: (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل) خذ راحةً بين الظهر والعصر. ألا وإن نومات الضحى تورث الفتى خبالاً ونومات العصير جنونُ ألا إن بين الظهر والعصر نومةٌ تحاك لأصحاب العقول فنونُ استفد من العصر، اجلس مع أهلك، استفد من المغرب، عد إلى بيتك مبكراً، عد إلى زوجتك، إلى فراشك مبكراً ستجد الحياة طيبة لذيذة، ستجد أن اليوم طويل وطويل، وتنجز فيه أعمالاً كثيرةً، أما أن تنام قبل الفجر بساعتين أو ساعة، ثم تضيع الفجر، ثم لا تستيقظ إلا قبل الظهر، وتذهب إلى أسواق، فتجد أطيب البضاعة قد بيعت، والموظفين قد خرجوا، والناس في آخر وقت العمل لا يعطونك إلا من آخر ما في طاقتهم من البذل والعمل، ثم تضيق إذا ردوك وما أنجزوا أعمالك، أو تضيق إذا لامك مسئولك ومديرك، ثم تجلس ساعات تعض على الأقلام وتقطع الورق، وتعض أصابع الندم، وتنتظر وقت الخروج وتعود، وتجيء لتقبض راتبك وأنت في قرارة نفسك ما أديت حقه، وما قمت بواجبك، فإن ذلك كله يورث في نفسك هذه الهموم، وهذه الغموم، فكن جاداً منضبطاً معتنياً بوقتك، محترماً لنفسك، فإنك بذلك تكون سعيداً. أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، وأن يبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك؛ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء الضعفاء إليك؛ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء الضعفاء إليك؛ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الواقع والأمل

الواقع والأمل إن وظيفة الداعية مقتصرة على هداية الدلالة، أما هداية التوفيق فإنها لله وحده. ولأجل ذلك جاءت هذه المادة مبينة أهمية الفأل والأمل، وعدم اليأس والقنوط حتى آخر اللحظات. كتاب الله يدعو للتفاؤل وعدم القنوط، وحسن الظن بالله. أنبياء الله متفائلون في دعوتهم من غير قنوط أو يأس. نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم يضرب أروع الأمثلة في تفاؤله، والأمل يحدوه في دعوته. وأخيراً يجب أن يُعلم أن المسلم مأمور بالتفاؤل، وأن الدعوة لا تعرف اليأس ولا الملل أبداً.

وظيفة الداعية

وظيفة الداعية الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه، جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً، أحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي لا تنسى، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى فهي وصية الله لكم وللأمم قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. معاشر المؤمنين: إن من المسلمين -هداهم الله- من إذا رأى أحدهم منكراً يرتكب، أو حرمة تنتهك، أو حقاً يضيَّع، أو رأى فتنة حلت، أو مصيبة نزلت، أصابه ذلك باليأس والقنوط، ونزل به من الجزع، وحل به من سوء الظن وكثرة التشاؤم وانعدام التفاؤل ما لا يعلمه إلا الله، وربما أصابه بعد ذلك إحباط وقعود عن الدعوة إلى الله عز وجل ظناً أن الدنيا مدبرة، وأن الناس لا ينفع فيهم وعظ ولا إرشاد، وأن القيامة قد دنت، واقتربت الساعة وانشق القمر، وأن الناس لا ينفع فيهم وعظ ولا زجر، ولا نهي ولا أمر، إن هذا مما يحل ببعض النفوس عند بعض إخواننا هداهم الله. وينبغي أن نعلم أيها الأحبة: أن الدعوة إلى الله عز وجل عبادة وسنة وشريعة ربانية ماضية، لا يضرها أن يقبل الناس على الطاعة أو يدبروا عنها، أو أن يصيب الناس مد وجزر في إقبال أو إدبار عن دين الله جل وعلا، إذ إن وصية الله للأنبياء ولورثة الأنبياء وهم العلماء، ولمن ولاهم الله أمور المسلمين أن يقوموا على هذه الدعوة، عبادة، وحسبة، وامتثالاً لأمر الله عز وجل، وليسوا بمحاسبين ولا مسئولين عن النتائج المترتبة، إذ الهداية إلى الله عز وجل ليس للبشر منها إلا هداية الدلالة، وأما هداية التوفيق فمن الله وحده: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]. فإذا رأيت مسلماً أصابه من الكآبة ما خيم على قسمات وجهه، وحل به من خيبة الأمل ما ظهر على سلوكه وتصرفاته، فرأيته عاجزاً في الدعوة بعد أن كان نشيطاً، ورأيته ضعيفاً في الحسبة بعد أن كان قوياً، ورأيته متشائماً بعد أن كان متفائلاً، ورأيت الأمر الذي في نفسه؛ من الغيرة على دين الله، وإنكار المنكر، ودعوة الضالين، وغشيان أهل المعاصي في مجالسهم ودعوتهم إلى الله عز وجل قد تبدلت وتحولت في نفسه إلى عزلةٍ وتقوقعٍ وبعدٍ عن غشيان الناس ونصيحتهم، فاعلم أن قد أصابه من هذا الأمر ما أصابه، وربما يعود ذلك إلى جهله بسنة الله في الكون، وعدم علمه بسنن الله في حياة البشر أو عدم فقهه وفهمه لنصوص الكتاب والسنة. ولكنا يا عباد الله! إذا عدنا ورجعنا إلى المعين الذي لا ينضب ولا يتغير ولا يتكدر، إذا عدنا إلى الشريعة الغراء التي علمتنا أدق أمور حياتنا، في معاملاتنا ودخولنا وخروجنا، فلن نعدم أن نجد في هذه الشريعة ما يرشدنا ويبعث في نفوسنا الأمل والعمل حيال ما نرى ونسمع من إدبار الناس، أو ضعفهم، أو تهاونهم وجهلهم، أو قعودهم عن طاعة الله، أو حدوث التشاؤم والقعود عن الدعوة حال مصيبة أو فتنة أو نازلة.

كتاب الله يدعو للتفاؤل

كتاب الله يدعو للتفاؤل إن كلام الله عز وجل مليء في إرشادنا بالتفاؤل، وذلك الأمر الذي لم يفارق أنبياء الله في دعوتهم أممهم، لقد لازم التفاؤل أنبياء الله في طريقهم ودعوتهم وتعاملهم مع قومهم، وحينما نستعرض صوراً من هذا، نجد أن هذا التفاؤل إما جاء ابتداءً وإما جاء انتهاءً، وإما جاء لازماً أو ثمرة كرجاء وأمل، وترقب للفرج بعد الشدة. ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج ليس للأنبياء، وليس للعلماء، وليس لكل مسلم يهتدي بهدى الله، ليس له في أيام الرخاء أنفع من الشكر والثناء، وليس له في أيام البلاء أنجع من الصبر والدعاء، وإن ذلك مما يجعل المسلم ينطلق نشيطاً قوياً مهما تتابعت الفتن أو تواترت المصائب من بين يديه أو من خلفه، أوليس ربنا عز وجل يقول: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5 - 6] أوليس الله عز وجل يقول: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق:7] إن الأمور إلى الله، وإن المقادير بيد الله عز وجل، وإذا علمت أن كل ما يجري مما تحب وتكره هو بقضاء الله وقدره، وأن الله لا يقدر عبثاً، وأن الله لا يقدر ظلماً، وأن الله لا يقدر إلا بتمام رحمته التي سبقت غضبه ووسعت كل شيء، أصابك بعد ذلك من الطمأنينة ما كان معدوماً عندك قبل ذلك، ففي الحديث عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال لي: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً). قال ابن رجب رحمه الله في هذا الحديث: في قوله صلى الله عليه وسلم: (وأن الفرج مع الكرب) يدل على أن العبد متعبد بالصبر في انتظار الفرج من عند الله عز وجل.

بيان تفاؤل الأنبياء وعدم قنوطهم في دعوتهم

بيان تفاؤل الأنبياء وعدم قنوطهم في دعوتهم أيها الأحبة: وإذا تأملنا حال الأنبياء مع أقوامهم وقد مرت سنون ودهور في دعوة الأنبياء لقومهم، ولم يستجب من القوم إلا قليل، ومع ذلك لم ييئسوا، بل ما دعوا على قومهم بالهلاك ابتداءً، وما دعا من دعا منهم إلا من بعد أن بين الله له وأوحى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن.

نبي الله نوح

نبي الله نوح فهذا نوح عليه السلام ما دعا على قومه إلا بعد أن أوحى الله إليه: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود:36] حينئذٍ دعا على قومه وقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:26 - 27] نعم، لم يدع عليهم إلا بعد أن بلغه الوحي بيقين الغيب من عند الله عز وجل أن هؤلاء لن يؤمن منهم أكثر ممن آمن، فحينما نرى متشائماً ينظر إلى مجتمعه وواقعه، مدبراً، مفضلاً عزلةً على خلطةٍ لدعوة، ومفضلاً قوقعةً على مشاركةٍ بحسبة، نقول له: هل عندك وحي من الله أن قومك هؤلاء قد يئست من دعوتهم، وما عاد فيهم أمل في الهداية ولا انزجار عن الهوى والغواية؟ إننا ليس عندنا وحي بذلك. إذاً فلماذا القنوط؟ ولماذا اليأس من الدعوة؟ ولماذا القعود عند أو أمام حادثة صغيرة أو كبيرة؟ {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].

نبي الله يونس

نبي الله يونس لقد بعث الله يونس إلى أهل نينوى من أرض الموصل فدعاهم، ثم دعاهم، ثم دعاهم فكذبوه، ثم دعاهم فتمردوا على كفرهم، ثم دعاهم فأصروا على عنادهم، فلما طال ذلك عليه من بعد أمرهم ونهيهم ودعوتهم، خرج من بين أظهرهم ووعدهم حلول العذاب الذي توعدهم الله به بعد ثلاث، فلما خرج وتجافى عنهم، ورأى قومه تحقق نزول العذاب بهم، قذف الله في قلوبهم التوبة والإنابة والندم في آخر لحظة، بعد سنين طويلة من الدعوة، ومن الأمر والإرشاد، والقيام عليهم وأمرهم ونهيهم، ووعظهم وزجرهم، وبدأت أيام العذاب اليوم الأول، ثم اليوم الثاني، فلما دنت لحظات الحسم وساعة الصفر، وأوشكت نقطة البداية أن تقوم فيهم ليحل فيهم عذاب الله وسخطه، أنزل وقذف في قلوبهم أرحم الراحمين توبةً وإنابةً ورجوعاً، فقذفت هذه التوبة في قلوبهم، فما كان منهم إلا أن ندموا وبادروا وتأسفوا على ما كان منهم حيال نبيهم بعد سؤالهم ربهم المغفرة، فلبسوا المسوح وخرجوا يجأرون، فرَّقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا إلى الله وصرخوا، وتضرعوا وتمسكنوا، وبكى الرجال والنساء، والبنون والبنات والأمهات، وجأرت الأنعام والدواب والمواشي، فراغت الإبل، وخارت البقر، وثغت الغنم وحملانها، وكانت ساعة عظيمة هائلة، فكشف الله بحوله وقوته، وكشف عنهم برحمته ورأفته العذاب الذي بدأ أسباب اتصاله بهم.

نبي الله يعقوب

نبي الله يعقوب انظر أيها الداعي! انظر أيها الغيور! انظر أيها المحتسب! بعين قلبك، وتعقل كيف تكون الدعوة، هل رأيت من قومك آية بوحي من غيب أنهم لا يستجيبون ولا يرعوون، وعن إثمهم أو إفكهم لا يقلعون؟ فعليك ألا تيئس، وعليك ألا تقنط، واعلم أنك مأمور بالدعوة حتى آخر لحظة من حياتك وآخر لحظة في حياتهم: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} [البقرة:133] فهو في ساعة الموت، في سكرات الموت، وهو في تلك اللحظة يدعو إلى الله عز وجل، ويقرر قضية التوحيد؛ أصل الدعوة أمام أبنائه: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} [البقرة:133].

الدعوة لا تعرف اليأس ولا الملل

الدعوة لا تعرف اليأس ولا الملل فأنت أيها الداعية! مأمورٌ أن تدعوهم حتى آخر لحظة في حياتك، ومأمورٌ أن تدعوهم حتى آخر لحظة في حياتهم، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الرءوف الرحيم، عزيز عليه عنت أمته، حريص رءوف بها، يدعو عمه أبا طالب، يدعوه متى؟ في شبابه؟ أو عنفوان رياسته؟ أو قوة وجاهته؟ جاء يدعوه بعد أن دعاه مئات المرات، يدعوه في آخر لحظة عند تغرغر روحه، وحضور سكراته، وحلول ساعته، ويقول: (يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) إنها دعوة منذ البداية إلى النهاية: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163] أنت مأمورٌ أن تدعوهم من بدايتك حتى آخر لحظة في حياتك، ومأمورٌ أن تدعوهم في عنفوان عصيانهم إلى آخر لحظة عند موتهم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. تأمل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم: فقد كان له جار يهودي، وعلم أن ولد جاره اليهودي قد احتضر، وأنه أوشك أن ينازع وأن تفارق روحه بدنه، فدخل عليه صلى الله عليه وسلم زائراً داعياً، فقال لهذا الغلام اليهودي في آخر لحظة من لحظات عمره: (يا غلام! قل: لا إله إلا الله واشهد أني رسول الله، ففاضت عين الصبي بالدمع، ونظر إلى والده اليهودي، ففهم أبوه أن غلامه يسأله، فقال والده: أطع أبا القاسم، فقال ذلك الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يكبر ووجهه يتهلل، ويقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار). نعم يا عباد الله: إن الدعوة لا تعرف يأساً، ولا تعرف مللاً، ولا تعرف انقطاعاً أياً كان من الأمور ما كان، لقد مات صلى الله عليه وسلم وتلك أعظم فاجعة، فهل ترك الصحابة الأمر من بعده؟ لقد مات أبو بكر، وقتل عمر، وقتل عثمان ظلماً وبغياً وعدواناً، ولقد قتل علي، وحصل لأمة الإسلام ما حصل منذ سنين طويلة، فهل ضاع الإسلام؟ وهل قامت الساعة؟ وهل تغير في الكون ما تغير من سنن الله الجارية الماضية؟ {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62] {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:43] فإن الأمور ماضية، ومن ابتلي فأمره إلى الله عز وجل. أتصبر للبلوى عزاءً وحسبةً فتؤجر أن تسلو سلو البهائم خلقنا رجالاً للتجلد والأسى وثمّ نساءٌ للبكا والمآتم

الأمل يحدو النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته

الأمل يحدو النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته إن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لتدل على هذه السنة وعلى هذه المفاهيم التي تأمرنا ألا نتردد عن الدعوة إلى الله في كل حال؛ في شتاء وصيف، وفقر وغنى، وأمن وفزع، وطمأنينة وخوف، وشدة وكرب، ورخاء وغيره، نحن مأمورون أن نمضي بالدعوة، أرأيتم الطعام والشراب، هل يستغني أحدٌ عنه في فصل من الفصول، أو ظرف من الظروف؟ لا وألف لا، فكذلك الدعوة نحن مأمورون بها: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104].

حادثة الهجرة

حادثة الهجرة انظروا إلى نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خرج من مكة ومعه حبيبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فلما لاذ النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه بـ الغار، إذ بقريش -يا ويح قريش! - تتبع هذين الكريمين، تتبع نبينا صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى دنوا من الغار وأبو بكر بات يرى نعالهم بعد أن سمع قرعها في مقدمهم باتجاه الغار، فقال يكلم النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم أناخ برأسه لرآنا، فقال صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف: (ما بالك يا أبا بكر! باثنين الله ثالثهما؟) {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] في أشد الساعات ظلمة وحلكة وعتمة وسواداً ينبثق ذلك الضياء من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُطَمْئِنَ أبا بكر على الدعوة والأمل يحدوه أن الله ناصره، لم يقلَّ عزمه، ولم تفتر قوته، ولم ييئس من رحمة الله. واعجب إن شئت عجباً أن ترى سراقة بن مالك الجعشمي وقد خرج يطلب النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه لعله أن ينال جائزة أخرجتها قريش لمن يدل على رسول الله أو يأتي به حياً أو ميتاً، فلما قدم ودنا، وعلم أنه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، إذ لما دنا خطوات، ساخت قدما فرسه في الطين، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماذا قال له صلى الله عليه وسلم؟ قال: (ما بالك يا سراقة! إذا لبست سواري كسرى بن هرمز؟) الله أكبر! نبي يخرج من مكة قد آذاه قومه، نبي تسلط عليه أقرب الناس إليه، يخرج بدعوته مهاجراً بها حيث أمره الله، في مقام شدة وكرب، ووراءه من يطلبه، وعين تلاحقه، فيقول: (ما بالك أو كيف بك إذا لبست سواري كسرى بن هرمز؟!) نعم إنه الأمل والفأل، وإنها بشارة وسنة نتعلمها من النبي صلى الله عليه وسلم ألا نتشاءم وألا نقنط. نعم يحزننا أن نرى الناس يعصون الله، ونفرح حينما نراهم يطيعون، يحزننا أن نرى إدبار بعض شبابنا عن الإنابة إلى الله، ونسعد ونفرح إذ نراهم يقبلون على المساجد، ولكن أياً كان الأمر في إقبال أو إدبار، فإننا مأمورون باستمرار ومضي على دعوة صادقة لله عز وجل.

غزوة بدر

غزوة بدر وخذ مثالاً آخر أيضاً: في غزوة بدر بعد أن أعد النبي صلى الله عليه وسلم صفوف أصحابه في أول مواجهة تاريخية عسكرية، ليحق الله الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، في مواجهة تاريخية عسكرية، الملائكة تشهدها، وكل ما حول القوم من الأرض ينظرون، والنَّفَس صاعد ومنخفض حتى دنت ساعة الصفر، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن صف القوم وعدلهم إلا أن دخل عريشه ودخل معه خليله وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقام صلى الله عليه وسلم ورفع يديه يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد بعدها في الأرض) وجعل يهتف بربه، ويقول: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم نصرك) ويرفع يديه إلى السماء أكثر وأكثر حتى يسقط الرداء عن منكبيه، وجعل أبو بكر يلتزمه من ورائه ويرد رداءه عليه، ويقول مشفقاً على حبيبه، يقول أبو بكر له لما رأى نبيه يكثر الابتهال والمناشدة لربه: (يا رسول الله! كفاك مناشدتك ربك فإنه لا يخذلك، كفاك مناشدتك ربك فإنه منجز ما وعدك، وخفق النبي صلى الله عليه وسلم خفقة -أي: إغفاءة قليلة بعد ذلك- فقال: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثنايا النقع -أي الغبار-). هكذا علمنا صلى الله عليه وسلم أن نجأر إلى الله، أن نفزع إلى الله، أن نلجأ إلى الله عز وجل، فإن بيده الخير كله، أوله وآخره، وظاهره وباطنه.

صلح الحديبية

صلح الحديبية وانظر إلى موقفه صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية في ذي القعدة في السنة السادسة من الهجرة، عزم صلى الله عليه وسلم على زيارة البيت الحرام، وأحرم هو ومن معه بالعمرة وساروا في طريقهم إلى مكة، وبلغ قريشاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته خرجوا، وكانوا ألفاً وأربعمائة رجل، وساقوا معهم الهدي، ولما بلغوا عسفان لقيه سفير من قريش اسمه بشر بن سفيان الكعبي، فقال بشر للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قريشاً قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العون، يعني: النوق المطافيل، قد لبسوا جلود النمار، وقد نزلوا بـ ذي طوى يعاهدون الله، قريش تعاهد ربها ألا يدخل محمد وأصحابه عليهم مكة أبداً، وهذا خالد بن الوليد في جنبهم وفي خيلهم، فلما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم كلام بشر، قال: (يا ويح قريش، يا ويح قريش، قد أكلتهم الحرب، وماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس -"إن أدوا إلي عباد الله" ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس- فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله، دخلوا في الإسلام وافرين)، وقال صلى الله عليه وسلم: (والله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة)، فهذا قول إمام الدعاة والعلماء صلى الله عليه وسلم، مصمم ماضٍ على دعوته في إدبار قومه وإقبالهم، فهذا واجب كل عالم وداعية أن يدعو إلى الله في كل حال، وألا يتردد يوم أن يرى من الناس إقبالاً وإدباراً، أو إرجافاً وخوفاً وزعزعة.

اليأس والقنوط تقوقع وبعد عن الخير

اليأس والقنوط تقوقع وبعد عن الخير أيها الأحبة في الله: نقول هذا الكلام لأننا سمعنا من بعض أحبابنا كلمات تدل على أن الأمر انفلت، وأنه لا فائدة في الناس، وأن القضية قد انتهت وتكاملت، ولا أمل في خيرٍ أبداً، بل إن واحداً -وخذوا هذا المثال نقلاً عن أحد المعلمين- يرى طلابه يخرجون من المدرسة وقت الصلاة لا يصلون، وبوسعه أن يجمعهم ليتوضئوا، ويأمرهم فيصلوا، ويصفهم فيصلي بهم، فيقول أحدهم: لماذا لا تصلي بهم؟ فيقول: إن الأمر قد انتهى، إن الأمر قد انفرط، وأنه لا فائدة من هذا كله. فهذا يأس وقنوط، وهذا أمر يجعل النفوس ترضى بكل منكر، وتنأى عن كل خير، وتتقوقع في كل زاوية. أسأل الله أن يلهمنا وإياكم فألاً وفرحاً، وبشراً وطمأنينة، وقوة وعزيمة على طاعة الله عز وجل. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

المسلم مأمور بالتفاؤل

المسلم مأمور بالتفاؤل الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: إننا قد علمنا في شرعنا المطهر، ومن ديننا الحنيف، ومن كلام ربنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وهي وحي يوحى: أن المسلم مأمور بالتفاؤل، ومنهي عن الطيرة والتشاؤم، قال صلى الله عليه وسلم: (لا طيرة، وخيرها الفأل، قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم) رواه البخاري، (وكان صلى الله عليه وسلم، يعجبه الفأل ويكره الطيرة) رواه ابن ماجة، (وكان صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته، يعجبه أن يسمع يا نجيح أو يا راشد) رواه الترمذي وقال: حسن، (وكان صلى الله عليه وسلم لا يتطير من شيء أبداً، وإذا أراد أن يبعث عاملاً، يسأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه، فرح به). أيها الأحبة: كل ذلك مما يجعلنا نتفاءل بالأمر شيئاً فشيئاً، ورويداً رويداً، وأن نبصر في الأمور أجمل ما فيها، فأنت إذا رأيت كأساً ليس فيه من الماء إلا نصفه، لك أن تقول: هذا كأس نصفه مليء بالماء، ولك أن تقول: هذا كأس فارغ نصفه، والعبارة واحدة، ولكنها تختلف بحسب تفاؤلك أو تشاؤمك. تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير ذماً ومدحاً وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير وذكر أن معبراً قال لرجل أو ملك من الملوك رأى رؤيا مفزعة، والرؤيا أن ذلك الملك أو الرجل رأى أن أسنانه سقطت، فقال المعبر: يموت قومك كلهم ولا يبقى إلا أنت، فانزعج الرائي من الرؤيا وأفزعته وجعلته ضجراً، فعرضها على معبر آخر، فقال: أبشر بطول عمرك، أنت أطول قبيلتك وقومك عمراً، فإن التعبير في الحالين في مؤداه واحد، ولكن من أراد أن يعبر متفائلاً، فله، ومن أراد أن يعبر متشائماً، فعليه. فواجبنا -أيها الأحبة! - أن ننظر إلى جوانب إيجابية وإلى مواقف طيبة في مجتمعنا بجميع طبقاته وأصنافه، أولسنا نتفاءل في قليل من الخير نراه في بلاد الكفار خلال جامع صغير، أو مركز إسلامي، أو مدرسة شرعية؟ فما بالنا وعندنا من الخير الكثير الكثير، ولا يخلو مجتمعنا من الخطأ والكبيرة، لكن ينبغي أن نتفاءل بالخير ليتعاظم، وأن نتوجه إلى الأخطاء وإلى الكبائر لإنكارها بكل سبيل مشروع يفضي إلى إصلاح الأمر، وتعبيد الناس لله على اجتماع شمل ووحدة صف. واجبنا أن نتفاءل -يا عباد الله! - إن الشدائد مهما تتابعت فما بعدها إلا الفرج، فلا تيئسوا من صلاح مجتمعكم، وادعوا إلى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة فكل الحادثات وإن تناهت فموصولٌ بها فرجٌ قريب روي عن الحسن البصري أنه قال: [عجباً لمكروبٍ غفل عن خمس، وقد عرف ما جعل الله لمن قالهن: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157]] فنحن عند الفتن والمصائب أمرنا بالصبر وبالتجلد، مع القيام بما أوجب الله علينا من الدعوة بكل سبيل استطعناه أو قدرنا عليه. ويقول الحسن البصري أيضاً في عداد الخمس التي يعجب لمن يجزع وعنده من الفرج فيهن بما ذكره الله في كتابه، قال: [والثانية {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]، وقول الله عز وجل: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [غافر:44 - 45] وقال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:147 - 148]]. وروي عن الحسن أنه قال: [من لزم قراءة هذه الآيات في الشدائد، كشفها الله عنه لأن الله قد وعد وحكم فيهن بما جعله لمن قالهن، وحكمه لا يبطل ووعده لا يخلف عز وجل]. ثم إن نبينا يأمرنا بأن نفعل وأن نجتهد في هذا من خلال ما يقوله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة -فرخ صغير من فراخ النخل أو فروخها- فاستطاع ألا تقوم -أي: الساعة- حتى يغرسها، فليغرسها فإن له بذلك أجراً) سباقٌ مع الزمن حتى والساعة على وشك القيام، إن قامت الساعة وفي يدك فسيلة فبادر إلى غرسها، ولو كانت الساعة ستقوم بعد آخر ذرة تحثوها لتدفن هذه الفسيلة، أو لتضعها في التراب انتظاراً لثمرتها.

التحذير من القنوط والأمر بحسن الظن

التحذير من القنوط والأمر بحسن الظن أيها الأحبة: إن الله حذر من القنوط، فقال: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56] فلابد من الصبر، ولابد من حسن الظن بالله، فماذا تظنون بربكم؟ من ظن خيراً، فليبشر به، قال الله عز وجل: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني) فمن كان ظنه بالله خيراً وفرجاً، وبشراً وصلاحاً، ونجاحاً وسروراً، فله بشارةٌ بذلك وحصوله له بإذن الله عز وجل. ثم اعلموا -يا عباد الله! - أن في كل مجتمع أبراراً وأخياراً وفجاراً وفساقاً وأشراراً، فهي سنة الله عز وجل: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] فينبغي ألا نتشاءم، وينبغي ألا نضع أسباب الدعوة أو أن نفر عن مجتمعنا، أو نقول: هلك الناس، ونبتعد عنهم. روى الإمام مسلم في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: هلك الناس، فهو أهلَكُهم) أو قال: (فهو أهلَكَهم) أي: ينبغي ألا تقول: هلك الناس، بحجة أن تدع الأمر والنهي، وتتشاءم من إصلاحهم ودعوتهم. اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. اللهم اجعل لنا ولكل مسلم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصمة، ربنا لا تفتنا ولا تفتن بنا، ولا تجعلنا فتنة للظالمين. اللهم اختم بالسعادة والشهادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى الجنة مصيرنا ومآلنا برحمتك يا رب العالمين. اللهم آمنا في دورنا، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد ولاة أمورنا، اللهم اجمع شملهم، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم قرب لهم من علمت أن فيه خيراً لهم ولأمتهم، وأبعد عنهم من علمت أن فيه غير ذلك، اللهم قرب لهم بطانة الخير التي تذكرهم الحق إذا نسوه، وتعينهم عليه إذا ذكروه بقدرتك يا رب العالمين. اللهم اهدنا، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا، وحكامنا ودعاتنا، وعامة أمتنا على الحق. ربنا لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً. اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن، ومن الشرور والمحن، ما ظهر منها وما بطن. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل وكل شر لا يدفعه إلا أنت يا رب العالمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم ثبتنا على دينك ومسِّكنا بكتابك، وشرفنا بالدعوة إليك، وتوفنا على ذلك وأنت راضٍ عنا، اللهم صل على محمد وآله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

حسنات تجري بعد الموت

حسنات تجري بعد الموت إن من رحمة الله بنا أن جعل لنا أعمالاً نكتسب منها الأجر في حياتنا وبعد موتنا، وهذا فضل عظيم من الله عز وجل، وهي أعمال حددتها الشريعة، وحثت العباد عليها، لعظم أجرها وضرورة القيام بها. حول هذه الأعمال تتحدث هذه المادة القيمة.

أقسام الناس في تحصيل الحسنات

أقسام الناس في تحصيل الحسنات إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. أيها الأحبة في الله: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له). هذه -أيها الأحبة- رسالة إلى الذين يؤرقهم القدوم على الله عز وجل، ويشغل بالهم ويشغل أنفسهم كيف تستمر حسناتهم بعد موتهم؟ وكيف يتضاعف أجرهم بعد فراق الدنيا؟ وكيف يمضي لهم من الثواب ما يتنامى ويرجونه ذخراً يتعاظم عند الله عز وجل؟ إن الناس في هذه الدنيا على أحوال، فأغلبهم من يموت ويختم على عمله فلا حسنات ولا سيئات بعد موته، ويقدم على ما قدم إبان حياته، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة:102]. وصنفٌ من أولئك قد اجتهدوا في مضاعفة حسناتهم في حياتهم، وتسابقوا إلى اغتنام كل فرصة ولحظة وساعة في هذه الدنيا ليملئوا خزائن الأوقات بالأعمال الصالحات، فإذا حانت منية أحدهم وعاد به شريط الذاكرة إلى شبابه وشيبته، إلى صباه وكهولته، تذكر اجتهاداً وعلماً وعملاً وجهاداً وعنايةً بالعمل الصالح، فمثل ذلك -بعد رحمة الله عز وجل- يطمئن أن قدم عملاً صالحاً، ويسعده أكثر من ذلك أن يكون قد أعد لما بعد موته عملاً تجري عليه حسناته ولو كان صاحبه في أطباق الثرى أو بين جنبات اللحود. وآخرون -والعياذ بالله- قد ملأوا حياتهم بالباطل والدعوة إليه، وأشغلوا أنفسهم بالمنكرات وتصديرها، وزخرفوا حياتهم بالمعاصي وتزيينها وتقريبها إلى الناس، فمثل أولئك يحملون أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم، فالعاقل -أيها الأحبة- يحرص على أن يعمل عملاً صالحاً في هذه الدنيا ويجتهد بعد موته أن تمضي له الصالحات مضاعفة والدرجات عالية، والحسنات متزايدة لكي يلقى الله عز وجل بأعمالٍ عملها في حياته، وبنتائج عملٍ عملها في حياته، فتعاظمت بعد موته، فلقيها عند الله رحمة وحبوراً وسروراً.

العلم النافع حسنة تجري بعد الموت

العلم النافع حسنة تجري بعد الموت أيها الأحبة! هذا الحديث يبين لنا أن من مات انقطع عمله إلا واحد من ثلاثة: فأولهم: من مات وترك علماً نافعاً، والعلم -يا عباد الله- شأنه عظيم، وحقٌ لمن ورث هذا العلم برحمة الله أن يجري عمله، وذلك بأن تتأمل: كم الذين يترحمون عليه؟ وكم الذين يتعلمون في كتبه؟ وكم الذين يدعون له؟ ويدعى له في عداد من لهم أثر على الأمة: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وهذه الرفعة في الدنيا والآخرة، وحسبكم بكرامات أهل العلم أن الله عز وجل سخر لهم الملائكة (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن الحيتان في البحر لتستغفر لطالب العلم). أيها الأحبة: إن طلب العلم شرفٌ ما بعده شرف، ووظيفةٌ لا تعادلها وظيفة، إذ أن من سلك هذا الطريق، هُدي إلى الصراط المستقيم بإذن رب العالمين، فالله عز وجل يعبد بعلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] إن سلامة الشباب المسلم من الزلل إن عصمة الشباب المسلم من الاستدراج، لا تكون إلا بقدر حظهم من العلوم الشرعية، ومن رام في هذه الدنيا سيراً يسلم معه من التخبط في الزلل وفي فخاخ الاستدارج على غير علم أو بعاطفة عاصفة وحدها، فيا صعب ما طلب! ويا عز ما أراد! لأن العلم هو -بإذن الله- عصمة من الوقوع في المزلات والمذلات. وهذا الحديث -أيها الأحبة- ونخص بذلك طلبة العلم والناشئة، هذا الحديث فيه حضٌ على الجد والمثابرة والصبر والمصابرة على الطلب والتعليم والتحصيل والتصنيف والتأليف أيضاً، فما يدريك ما الذي يبقى وينفع بعدك؟

علوم انتشرت بعد وفاة أصحابها

علوم انتشرت بعد وفاة أصحابها قيل للإمام مالك بن أنس رحمه الله قيل له لما صنف الموطأ: كم من عالمٍ ألف توطئة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان لله بقي، فإذا نال طالب العلم توفيقاً بإخلاص واجتهاد، وأراد بعلمه وتأليفه وجه الله، نفع الله بعلمه وبارك في أثره من بعده، حتى أننا في هذه الدنيا لا يكاد يمر يوم إلا وكثير من الخلق لا يحصيهم إلا الله، في عصرنا هذا، في أيامنا هذه يقلبون كتباً -ونحن في القرن الخامس عشر- يقلبون كتباً لأقوام ماتوا في القرن الثالث والرابع والخامس والسادس، كم بيننا وبينهم من مئات السنين؟! وما الذي جعل هذه الآثار من مؤلفات وكتب وغيرها تقفز على حواجز الزمن، وتتخطى حواجز التاريخ، لتصل من قرونهم إلى قروننا؟ فنستفتح الحديث بعد حمد الله والصلاة والسلام على نبيه بالدعاء لهم بالرحمة والمغفرة في أول مطالعاتنا وآخرها، في أول بحوثنا وختامها، ما ذاك إلا لفضل العلم. هل سمعتم أقواماً في المساجد أو في المجامع يقولون: قال التاجر الفلاني رحمه الله، قال الثري الفلان رحمه الله، قال ذلك الذي نال منصباً رحمه الله؟ ما أندر ما يذكر أولئك! مع ما كانوا عليه من الأموال والثروات والمناصب والرئاسات إلا من حكم فعدل، وملك فأعطى، وعلم فعمل، وجاهد فثبت، وتعبد فكابد الليل والنهار. فحسبك خمسةٌ يبكى عليهم وباقي الناس تخفيفٌ ورحمة أقول يا عباد الله: إننا لنلحظ ونرى أننا في كل صباح ومساء، وكل غدو ورواح ندعو لأولئك العلماء مع أنه لا صلة في القرابة بيننا وبينهم بقرابة النسب أو العصبة إلا قرابة التقوى ومحبة الدين والأخوة في الله عز وجل. فيا أيها العقلاء! اجتهدوا في أن تبقى لكم أعمال بعد موتكم ألا وإن خيرها -كما قال صلى الله عليه وسلم- أن يترك العبد علماً نافعاً، علماً ينتفع به. وفي المقابل أولئك الذين تركوا مؤلفات ضلوا بها وأضلوا عن سواء السبيل، الذين دعوا إلى البعث والعلمانية، الذين دعوا إلى إبعاد الدين عن الحياة، الذين دعوا إلى الربا يحللونه بمختلف الأساليب والوسائل، الذين دعوا إلى الوقوع في المنكرات، الذين دعوا إلى غشيان المحرمات يسمونها بغير اسمها، يحللونها، يتمحلون الأقوال، ويبحثون عن غرائب الشواذ من الآراء، أولئك -أيضاً- عليهم وزر ما كتبوا ومن أوزار الذين يضلونهم بسبب ما تركوه من هذه المؤلفات، فالعاقل يترك بعده علماً ينفعه بإذن الله عز وجل. وكم كنت أردد ما رأيته بأم عيني ونحن ذات مرة في الصين الكبرى التي يبلغ سكانها من الوثنيين والشيوعيين ما يزيد على المليار نسمة، إذ بنا نجد في طريق من الطرقات في شارع من الشوارع بيتاً صغيراً يسكنه عالم من علماء المسلمين صيني عجوز وهو يدرس في مكانه المتواضع، وقد أسدل سترة بين مقدمة هذا المكان ومؤخرته ليكون حاجزاً بين البنين والبنات، إذ به يدرس الأصول الثلاثة وكشف الشبهات للشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، إن الشيخ قد توفي عام (1206هـ) وذلك المشهد الذي رأيناه من ذلك العالم الصيني الشيخ الكبير يدرس عام (1413هـ) كم بين تاريخ وفاته رحمه الله وبين هذا المشهد الغريب العجيب؟ لا قرابة ولا معرفة ولا نسب إلا بالتقوى والمحبة في الله، وما خطر على قلب الشيخ/ محمد وهو في زمن لم تعرف فيه المطابع بتطورها ولا أجهزة الفاكس ولا الرسائل الهاتفية ولا البريد السريع ولا وسائل النقل السريعة، هل خطر بباله وهو يؤلف هذا في الدرعية أنه سيقرأ ويدرس بعد مائتي سنة أو بعد ثلاثمائة سنة في الصين؟! في بلاد الشيوعية؟! في البلاد التي تقول: لا إله والحياة مادة؟! نعم، رحم الله الإمام مالك حين قال: ما كان لله بقي. كم بارك الله لقلبٍ فانتفع والله إن بارك في شيءٍ نفع لقد بارك الله في تلك الرسائل الصغيرة في حجمها، الجليلة في قدرها، فشرقت وغربت، لتنقذ الأمة من ظلمات الوثنية، ومن تخبطات الشرك وما ينافي التوحيد.

ضرورة الصبر لتحصيل العلم

ضرورة الصبر لتحصيل العلم الأمر الآخر يا عباد الله: ينبغي أن نعلم حاجتنا إلى هذا العلم والصبر على تحصيله، فإن العلم والتأليف بعده لا ينال بالتمني ولا بالتسويف، وإنما ينال بالصبر والمجاهدة، فهذا أبو إسحاق الألبيري الغرناطي رحمه الله يكتب رسالة شعرية طويلة يوصي فيها ولده بطلب العلم فيقول له: تفت فؤادك الأيام فتا وتنحت جسمك الساعات نحتا وتدعوك المنون دعاء صدقٍ ألا يا صاح أنت أريد أنت فكم ذا أنت مخدوعٌ وحتى متى لا ترعوي عنها وحتى ثم يقول عما يدعو ولده إليه: إلى علمٍ تكون به إماماً مطاعاً إن نهيت وإن أمرتا ينالك نفعه ما دمت حياً ويبقى ذكره لك إن ذهبتا يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا إذا ما لم يفدك العلم خيراً فخير منه أن لو قد جهلتا وإن ألقاك علمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا وليس لجاهلٍ في الناس فضلٌ ولو ملك العراق له تأتى وما يغنيك تشييد المباني إذا بالجهل نفسك قد هدمتا لئن رفع الغني لواء مالٍ لأنت لواء علمك قد رفعتا

أهمية المساهمة في نشر العلم

أهمية المساهمة في نشر العلم نعم، إذا مات ابن آدم انقطع أثره، وانقطع عمله، وانقطع ذكره، وانقطع ما بعده إلا إن ترك علماً ينفعه بإذن الله، فإن لم نكن علماء ولم نستطع أن نؤلف علوماً نافعة، فلن نعجز عن نشر علوم قد ألفها علماؤنا وأسلافنا، كم من المسلمين في أفريقيا بمختلف اللغات المحلية في بلدانهم يحتاجون إلى ترجمة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ويحتاجون إلى ترجمة كتب شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ويحتاجون إلى رسائل علمائنا كالشيخ ابن باز وابن عثيمين وهم لا يجدون مالاً يشترون به هذه الكتب، ولا يجدون مالاً ينفقونه على ترجمتها. نعم ولله الحمد والمنة لقد وفقت مكاتب دعوة الجاليات في بلادنا هذه إلى ترجمة كثير من الكتب النافعة في باب العقائد والعبادات الصحيحة، ولكن أين من ينفق عليها؟ وأين من يتصدق لأجل تصديرها إلى شرق آسيا وإلى الهند وإلى أفريقيا وإلى بلدان أوروبا؟ إن الحاجة إلى مثل هذا العلم ماسة، فلو أن غنياً من الأغنياء قال: لست بعالم ولست بمؤلف فأدع ما تذكرون فضله في هذا الحديث، نقول: لن تعجز أن تجعل في أموالك في كل سنة أو في كل نصف سنة وأن تجعل في وصيتك مبلغاً طيباً لتجعله وقفاً على طباعة كتب العقيدة والعبادة الصحيحة بمختلف اللغات حتى ينتشر العلم والعبادة في شتى أقطار الأرض. إن أعداء الإسلام يوم أن أسقطوا الخلافة الإسلامية، أول ما ذهبوا يكسرون ويهدمون أخذوا يهدمون الأوقاف، أخذوا يهدمون تلك الثروات الطائلة التي كانت موقوفة على كفالة طلبة العلم، وكانت موقفة على طباعة الكتب وعلى كفالة الدعاة وعلى ضمان نفقات المعلمين والعلماء ليشتغل من اشتغل بالعلم غير مهتم بأمر الدنيا، فمن كُفي أمر دنياه اشتغل بأمر دينه، لما أرادوا أن يعطلوا هذه الأعمال الدعوية والعلمية وغيرها بدءوا بمصادرها التي تدر عليها وتنفق عليها، فصادروا مليارات الأوقاف من أموال المسلمين، وهذا مما ينبئك بالإعجاز الإلهي في أسرار التشريع الذي شرع لأمة الإسلام الوصية والوقف حتى تبقى الأمة على ضمانة في الإنفاق والتمويل لمشاريع العلم والدعوة. فيا أيها الأحبة: حينما نتكلم عن العلم النافع لا يقولن أحدٌ: إني عاجز، إنك لن تعجز أن تطبع كتباً ولو في كل شهر عشرة من الكتب، ولو في كل سنة مائة كتاب، لو أننا أشغلنا هم الإسلام وأرقنا هم الإسلام وشاغل قلوبنا الدعوة إلى الله للمسلمين في كل مكان، لو وجدت هذه الدعوة نصيباً وافراً وحظاً متصدراً من دخولنا ومرتباتنا وأقواتنا، ولكن كل منا يدعي اهتمامه بالدعوة وشتان بين الاهتمام والحقيقة. والكل عنك بنفسه متشاغلٌ ويرى بأن سبيله إذناك وكلاً يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقرُّ لهم بذاكا ما أكثر الذين يدعون اهتماماً بالدعوة وحظ الدعوة من عملهم قليل! وإنا والله على خوف أن نكون من أولئك حتى لا يغتر واحد بنفسه، فإن من أراد أن يعطي الدعوة حقها، لم يكن له في الدنيا مأرباً ونصيباً، وإنما تشغله الدعوة في ليلها ونهارها، أما نحن فقد خلطنا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، واختلطت عندنا أمور الدين بالدنيا، فنسأل الله أن تكون دنيانا عوناً لنا في ديننا ودعوتنا.

الصدقة الجارية بعد الموت

الصدقة الجارية بعد الموت الأمر الثاني -أيها الأحبة- لمن أراد أن يبقى أجره وثوابه وحسناته مضاعفة بعد موته: عليه بأن يجتهد في الصدقة الجارية بناء مسجد حفر بئر كفالة داعية ترجمة كتاب إنشاء دار لتعليم القرآن تأسيس دار لكفالة الأيتام واليتامى والأيامى من المسلمين والمسلمات، كل هذه من الصدقات الجارية التي ما تربى فيها مسلم أو مسلمة، فسلم من شر التنصير، ووفق إلى فضل التوحيد بسببها، إلا وكان لمن سبلها أو حبسها أجرٌ عظيم بإذن الله عز وجل، فالعاقل -أيها الأحبة- يجتهد في هذه الصدقات الجارية. وإني لأعجب خاصة عندنا في هذه البلاد أو في هذه المنطقة كثيراً ما يمر علينا وصية رجل من الرجال حياً أو ميتاً، فتراه قد خلف مالاً كثيراً، وقال في نص وصيته بعد أن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور أوصى بثلث ماله في أضحية له وأضحية أخرى لوالديه. وإذا قلبت ثلث ماله وجدت ثلث هذا المال قد بلغ مئات الألوف أو بلغ الملايين، فكيف يرضى أن يحجر الخير عن نفسه وأن يحرم نفسه فضلاً عظيماً، فيجعل الثلث كله في هذه الأضحية وربما البقية الباقية من هذا أخذها أولاده يقتسمونها أو وجد فيهم من يعود بصرفها إلى أبواب البر بعد نزاع وشقاق طويل مع الورثة؟ أيها الأحبة! عجباً لرجل عنده مصنع يستطيع أن يشغله الليلة، ثم يقول: إذا مت فشغلوا هذا المصنع، عجباً لرجل عنده مورد يدر عليه الحسنات من هذه الليلة، فيقول: إذا مت فابدءوا بتوريد الحسنات علي. هذا من الجهل والغفلة، إذا كان عندك ما توصي به أليس من الخير لك أن ترى ثمرات عملك وأنت حي؟ بعضهم يريد أن يوصي بثلث ماله، وثلث ماله يساوي مسجداً صغيراً أو كبيراً، جامعاً هنا أو في بلدة إسلامية أخرى، ثم يقول: إذا مت فاجعلوا في ثلثي كذا وكذا، ما الذي يضيرك وأنت صحيح شحيح غني حفي تخشى الفقر وترجو الغنى أن تنتصر على نفسك من الساعة، وأن تخرج ثلث مالك، وأن تذهب لترى موقعاً من البلدان في هذه البلاد أو في غيرها يحتاج إلى بناء مسجد أو مسجداً فيه كثافة من السكان فتؤسس بجواره مدرسة لتحفيظ القرآن، وتؤسس فيها منزلاً لهذا المدرس وزوجته، واعلم بعد ذلك أنه ما حفظ القرآن حافظ، وما تعلمه متعلم إلا ولك أجره، إذ أنك السبب في إنشاء هذه المدرسة وإنشاء بيت يسكنه هذا المعلم. ما الذي يجعلك تؤخر الأجر إلى ما بعد موتك؟ هل أنت بخيل على نفسك بالحسنات أم تسوف؟ وإن التسويف آفة الأعمال؛ لأن كثيراً من الناس يقول: سوف أجعل داراً للأيتام سوف أبني مدرسةً للقرآن سوف أبني مسجداً سوف أكفل داعية سوف أكفل يتيماً سوف أجهز غازياً، سوف أطبع كتباً، وبعد ذلك تأتيه المنية في ساعة ما خطر على باله أن توافيه المنية بها، ثم يموت وقد ترك آلافاً من التسويف وما ترك أمراً ينفعه. العاقل من يبادر من هذه اللحظة، لئن كانت وصيتك قد كتبتها وحررتها في أمور الخير بعد موتك، فحررها من الآن واشتغل بشيءٍ واجعلها في عمل ينفعك من الآن، ما الذي يضيرك أن تجلس في حلقة في مدرسة قرآن لا يعرفك الناس وأنت الذي بنيتها، وأنت ترى هؤلاء الطلاب يترنمون ويغردون، أصواتهم كأصوات البلابل في تغريدها، وألحانهم طيبة بالقرآن الكريم؟ أنت في هذه الحلقات تلتفت يمنة فإذا بالصغار يحفظون، ويسرة فإذا بالكبار يتعلمون، وأمامك فإذا بالمعلم والمعلمين يعلمون، وفي قرارة نفسك، والناس لا يعرفونك تقول: الحمد الله الذي أراني، الحمد لله الذي نصرني على شهواتي وشيطاني وشر نفسي فجعلني أرى هذا الخير الذي هو من خالص مالي ولا يعلم به أحد. خير لكم -يا عباد الله- أن يكون للعبد سر بينه وبين الله من الأعمال الصالحة، إن أناساً لهم من الأعمال الصالحة ما لا تعلمه زوجاتهم ولا يعلمه أولادهم، يمشي مع الأحفياء الأخفياء الأتقياء فيسمع بمسجد يبنى أو بدار للقرآن تشيد أو بمعهد لكفالة الأيتام وتعليمهم العلم الشرعي فيأتي ويقول: هذه أمانة من فاعل خير وهو صاحب خير بعد الله عز وجل، وهو صاحب المال، لكن يريد ألا يعرف بأي حال من الأحوال، لا تعلم زوجته ولا أولاده ولا أهله (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) عساه أن يكون منهم: الذي أنفق نفقة وتصدق صدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه. الواقع -يا عباد الله- يدعونا إلى أن نبادر، فإن أمة الإسلام بحاجة إلى نفقاتنا، وإن الشيطان كما قال الله عز وجل: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] في هذه الأيام وقبلها وبعدها تسمع كثيراً من الناس يقول: إن النقدية عزيزة، وإن النفقة بسخاء صعبة المنال، وإن الناس لا تكاد تجد منهم من يبذل بسخاء بسهولة، وإن وإن وإن حتى إذا دعي إلى بناء ونفقة وصدقة وكفالة؛ تقهقر ونكص على عقبيه بسبب هذه الأقاويل، وما تنفعك كثرة الأموال إن دفنت؟ وما تنفعك إن كفنت؟ وما تنفعك إن جعلت في القبر هذه الليلة أو بعدها؟ فبادر بهذا المال إنفاقاً لله عز وجل (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) ومنها هذه الصدقة الجارية. فاجتهدوا، ومن كتب وصيةً ولو ختمت وصدر بها صك شرعي، فاعلموا أنه بوسعك شرعاً أن تذهب إلى القاضي وتقول: هذه وصيتي بختمك وخطك، إني غيرت فيها كذا وكذا وكذا، إذ أن بعض الناس يقول: ما أجمل ما سمعنا! ولكن قد جفت الأقلام وطويت الصحف، وكتبت الوصايا وختمت بالأختام، فلا نستطيع أن نغيرها، الوصية تبرع مضاف لما بعد الموت، وهذا يعني أنك قبل الموت تستطيع أن تغير وأن تتصرف فيها، أما إذا مات الرجل، فإن من بعده لا يجوز لهم أن يغيروا في وصيته شيئاً، وعلى الذين يبدلون هذه الوصية بعد موت الموصي بها عليهم من الله إثم عظيم. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الولد الصالح ووصول خيره إلى الميت

الولد الصالح ووصول خيره إلى الميت الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! وتتمة هذا الحديث الذي هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم بأن العبد إذا مات انقطع عمله، تتمته أن العبد لا ينقطع عمله ولا ينقطع ثوابه ولا تقف حسناته، بل تتعاظم درجاته إذا خلف ولداً صالحاً يدعو له، والولد الصالح لا يكون بالتمني ولا بالتحلي، وإنما يكون بالتربية والصبر والمعاناة في سبيل تحقيق هذه التربية، ما أكثر الذين يخلفون الأولاد والذرية والبنات! ولكنهم عن التربية في غفلة، وعن الترشاد والتوجيه في شغل شاغل. ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه عليلا إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولا ما أكثر الأيتام من أبنائنا! مع أن آباءهم موجودون وأمهاتهم موجودات، ما أكثر اليتيمات من بناتنا! مع وجود الآباء والأمهات؛ والسبب أن الأب مشغول صباح مساء، والأم مشغولة بالوظيفة، ولا يعلم الأطفال إلا الشاشة، ولا يوجههم إلا الأغنية، ولا يرفه عنهم إلا الملهاة التي لا تجوز، فكيف نريد ولداً صالحاً ونحن قد أسلمنا أبناءنا لخادمة تربي أو لسائق يوجه بعيداً عن توجيهنا وعنايتنا؟! أيها الأحبة! كم نعتني ببيوتنا وسياراتنا؟ كم نعتني بهذا الزجاج لكي نلمعه وبهذه الأبواب بصيانتها، وبهذه الدهانات على جدران بيوتنا وأسقفها لنغيرها فترة بعد أخرى؟ أما العناية بأولادنا فما أقل ذلك! ما أقل من يغري ولده بالمئات أو بالآلاف على حفظ القرآن الكريم! هل يوجد منا من يغري ولده بالمئات أو بالعشرات على حفظ الأحاديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ بل ربما تجد الرجل الغني الثري عنده عشرة من الخدم ما بين سائق ومزارع وحارس الخ ولا يوجد عنده معلم من طلبة العلوم الشرعية الذين يوثق بعلمهم وتقواهم، ليعلم أولاده بعد العصر إلى أذان العشاء. لقد أسكنت في بيتك أنواعاً من الجنسيات وعدداً من الشخصيات، أما بيتك فقد خلا من معلم ليعلم أولادك في حال غيبتك إذا كنت مشغولاً أو لست بقادر على أن تقوم بالعملية التعليمية! كيف كان أولاد الخلفاء؟ يجيدون الشعر والكلام والفقه والتفسير والحديث؟ كان الخلفاء إذا ولد لأحدهم ولد، دعوا المربين والمعلمين فأسلموا الولد إلى هذا المربي ليربيه في صباحه وعشيته وغدوه ورواحه، يعلمه الفروسية والرماية وركوب الخيل والرجولة ومعاملة الناس والحوار والمنطق والكلام والمناظرة وحسن الأدب والتاريخ واللغة، يعلمه كل فن حتى إذا شب عن الطوق وناهز الاحتلام وبات شاباً، يجالس الرجال كأكبر عقل في المجالس التي يجلسها. أما نحن فأنتم ترون بعض أبنائنا، الواحد منهم في العشرين لا يحسن محادثة الرجال، وبعضهم قد تجاوزها ولا يعرف كيف يتحلى بمكارم الأخلاق في المروءات والآداب والمعاملات، من أين جاءنا هذا؟ الجواب سهل: الشاشة تربيهم، والخادمة تلاحظهم، والسائق هو وليهم، والأب مشغول عنهم، والأم بصويحباتها وذهابها وإيابها مشغولة، إنك لا تجني من الشوك العنب ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس إننا نعلم عدداً كثيراً من طلبة العلم من أهل العقيدة والسنة والجماعة في مختلف البلدان المجاورة الذين يوثق بدينهم ما ضرَّ الواحد منا لو استقدم إن كان قادراً، واستوفد إن كان متمكناً واحداً أو اثنين لتربية أولاده إن كان مشغولاً بأمور عن ذلك؟ اليوم -أيها الأحبة- الشاشة تأخذ من أولادنا أكثر مما يأخذون منا، الشاشة تخاطب أولادنا أكثر مما نخاطبهم، ناهيك عن جلساء السوء وعن الجيران في الشوارع، وعما يحدث في المدارس وعن، وعن، إن التربية هذا اليوم أصبحت مسألة عظيمة خطيرة عزيزة المنال، إذا ذكر أن عند فلان ولداً قد أحسن تربيته، يتحدث الناس به وذلك لقلة عناية القوم بالتربية، لا تكاد تجد بيتاً إلا وفيه خادم وسائق ويدفع على ذلك آلافاً، أما أن يدفع آلافاً على تربية الأولاد إن كان الأب قادراً ومشغولاً عن التربية فهذا بعيد المنال! والله تعظيماً لو أنفق الواحد نصف ماله في تربية أولاده لكان خيراً، أوليس ولدك إذا حفظ القرآن، تدعى يوم القيامة كما في الحديث على رءوس الخلائق فتكسى ويوضع على رأسك تاج الوقار، فتقول: يا ربي! بأي شيء هذا؟ فيقال: بتعليمك ولدك القرآن، إنها منقبة عظيمة ومنزلة جليلة لكننا غفلناها، أما الملابس، فلا تسل عن أفضل الموضات وأحدث الأزياء وأرقى النوعيات وأغلى الأسعار في لباسهم، وأما الأطعمة فحدث ولا حرج عن ألوانها وأعدادها، وأما وسائل الترفيه عند كثير من الناس فإن كان في البيت دش -ولا حول ولا قوة إلا بالله- يقلب لهم أنواع الشاشات والموجات والمحطات، مع الأغاني، والملاهي، ولا تجد لهذا الطفل من يربيه على الصلاة مع الجماعة، وعلى آداب الدخول والخروج، وعلى مصافحة الرجال والحديث معهم، وآداب النوم والاستيقاظ، وسلامة اللسان من السب والشتيمة، والكلام الفاحش واللعن البذيء، تجد أطفالاً صغاراً يسبون سباباً ويشتمون شتائم يقف شعر رأسك من هولها وهم لا يزالون أطفالاً! من أين تعلموا هذا؟ من الشارع، يأتون بكلمات عجيبة، من أين جاءت؟ من هذه الشاشة وهذه الأفلام وهذه المسلسلات. فيا أحبابنا! من سره أن يموت وتمضي حسناته، فعليه بذريته، وكم من رجل وأعرف بعضهم تمنى أن لو كان عقيماً ولم يبتلَ بولد عاق مجرم يؤذيه ويؤذي إخوانه! وكم من رجل تمنى أن لو كان عقيماً ولم يبتلَ بولد سود سمعته وشوه صفحته بين الناس. فإذا سرك أن تتشرف بولدك، فعليك بالتربية، وعليك بالعناية، وإن كنت عاجزاً عن أن توفر له معلماً ومدرساً، فلن تعجز أن تبحث له عن ثلة طيبة صالحة، قد يقول قائل: ومن لي بمال حتى أستوفد به معلماً يعلم أولادي، يراجع كتبهم، يحل واجباتهم، يذكرهم ويذاكرهم، يعلمهم القرآن؟ من أين لي هذا المال؟ أنا بالكاد أجد مصاريف الكهرباء والماء والقوت فمن أين أجد هذا؟ أقول له: إذا عجزت عن ذلك، فلن تعجز أن تجد ثلة من الشباب من البراعم الصغيرة، تجدهم في مكتبات المساجد، وفي الجمعيات الإسلامية وفي المعاهد والثانويات والمدارس، اعتنِ بزيارة هذه المكتبة وخذ ولدك وعرفه عليهم، اعتنِ بزيارة المدرسة واسأل عن جمعية التربية الإسلامية، وعرف ولدك بهذه الجمعية ورائدها ومشرفها واجعله يعمل معهم، إذا عجزت عن ذلك، فلن تعجز أن يكون ولدك مع ثلة طيبة صالحة بإذن الله عز وجل. المهم ألا ندع هؤلاء الأولاد تربيهم الشاشات وأبناء الشوارع، وجلساء السوء، وقرناء الذهاب والإياب، بل نحن نربي أولادنا كما نريد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6] إن ولدك فتنة، إن ولدك عدو: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ} [التغابن:14] فكيف يكون هذا الولد رحمةً بدلاً من الفتنة، وبراً بدلاً من أن يكون عدواً؟ يكون بالعناية وبالتربية، فلا تستكثرن أخي الكريم ما تنفقه على ولدك بأي حال من الأحوال. أيها الأحبة! إن من حاجتنا أن ننتبه لما يراد بأبنائنا، إن حاجتنا أن نلتفت إلى أن من عناصر إصلاح مجتمعنا وواقعنا هو إصلاح هذا الجيل وهذا النشء الذي بين أيدينا، وعملية التربية في نصف عقد من الزمن، الجيل الذين أعمارهم عشر سنوات بعد ثمان سنوات أو عشر سنوات هم رجال، ويمثلون واجهة الأمة وصورة الأمة، فإذا كل واحد في هذا المسجد اعتنى بولده، لئن قلنا في هذا المسجد ألفي رجل، فحينما نعتني بألفي شاب، بألفي طفل، ويكونون شباباً صالحين، يكونون دعاةً منتجين، يكونون قادةً مصلحين، فإن الأمة تصلح بإذن الله عز و0جل، إن إصلاح القاعدة -إصلاح البيوت، إصلاح الذرية- من أهم الأمور بإذن الله عز وجل. أيها الأحبة: هذا نقوله لإصلاح واقعنا، ونقوله لحسنات نرجوها ونحن في اللحود، لثواب نرجوه ونحن في عداد الأموات، لثواب نرجوه ونحن في أطباق الثرى، والله إن العاقل إذا فاتت عليه ساعة لم يذكر الله فيها ولم يقم فيها بعمل صالح، عض على أصابع الندم كيف مضت ساعة لم يجعلها في طاعة الله أو فيها شيء من طاعة الله عز وجل، فما بالك وأنت ستبقى تحت التراب ساعات؟ لا. أيام؟ لا. أسابيع؟ لا. بل ربما سنوات وعقود وأطول وأطول، تخيل نفسك الآن أنك في المقبرة بجوار أهل القبور، تخيل نفسك أنك في اللحد، تخيل نفسك أنك في القبر وأنت رهين أسير في هذا القبر، لا تجري عليك حسنة واحدة، وأهل القبور لو تكلموا، وقيل لهم: تمنوا، لقالوا: نتمنى أن نخرج إلى الدنيا، فنقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لعظم أثرها وثوابها، فما بالك إذا ذكر الله وأجر الذكر لك؟ فما بالك إذا حفظ القرآن وأجر الحفظ لك؟ ما بالك إذا عمر المساجد وأجر عمارتها بالصلاة والتراويح والاعتكاف لك؟ ما بالك إذا شهد في سبيل الله وأجر الجهاد لك؟ ما بالك إذا تعلم الناس الخير وأجر هذا لك ولو كنت في قبرك؟ حينئذ -والله- لا يهمك أن تكون حياً أو ميتاً مادامت حسناتك جارية بإذن الله وسيئاتك قد كفرت بحسناتك: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين، اللهم آمنا في دورنا

قسوة القلوب

قسوة القلوب إن آفات هذا الزمان وأمراض هذا العصر كثيرة لا تحصى، منها ما هو على الأبدان ومنها ما هو على القلوب والأديان، ومن هذه الأمراض مرض خطير جداً، يجعل الإنسان كالجماد، وهذا المرض هو مرض قسوة القلب، فما هي أعراض هذا المرض وصوره؟ وما هو علاجه؟ هذا ما ستجدونه في طيات هذه المادة.

أعراض قسوة القلب

أعراض قسوة القلب إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجو بها النجاة يوم القيامة {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: آفات هذا الزمان وأمراض هذا العصر كثيرةٌ لا تحصى، فمنها ما هو على الأبدان، ومنها ما هو على القلوب والأديان، والآخر أشد فتكاً وخطراً. عباد الله: من هذه الآفات وتلك الأمراض مرضٌ خطيرٌ جداً يجعل الإنسان أصمَّ وأعمى وأبكم من الجمادات، فيا ترى ما هو هذا المرض؟ إنه قسوة القلوب؛ مرض قسوة القلب، لا يكاد أحدٌ يسلم منه إلا ما قل وندر من الصالحين المخبتين المخلصين. معاشر المؤمنين: قد يقول البعض: وما هي أعراض هذا المرض حتى نتعرف عليه؟ شخص لنا صفته؟ أقول أيها الإخوة: قد يكون العليل بهذا الداء أبلغ في وصفه، وقد نكون جميعا ً أو بعضنا ممن يعانون هذا الداء، وما أجمل الحقيقة والصراحة يا عباد الله! أعراض هذا المرض: أعينٌ لا تدمع، وقلوبٌ لا تخشع، وأبدانٌ لا تشكر؛ يقرأ الواحد منا صفحات تلو الصفحات من كتاب الله جل وعلا فلا يقف وقفةً تنهمر من عينه دمعةٌ أو دمعات خشيةً من كلام الله وبليغ خطابه، بل قد نرى مشاهد كثيرة تهد الجبال الراسيات، ثم نحن بعد هذا نمر بها ضاحكين غير مبالين ولا مستشعرين، أليس هذا مرضاً خطيراً؟ أليس هذا وجعاً فتاكاً؟ بلى يا عباد الله! وإنه إن استمر بعبدٍ من عباد الله، ضيع عليه دنياه وآخرته. معاشر المؤمنين: إن كتاب الله جل وعلا لو أنزل على صخرٍ أصم لتفتت ذلك الصخر خشيةً لله، وهيبة لبليغ خطابه، فما بال قلوبنا جامدة قاسية أمام كلام الله، قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [الحشر:21] فعسى ألا تكون قلوبنا كمن قال الله فيهم: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:74]. عباد الله: إن آيات الله تتجلى علينا كل صباح ومساء، فهل من وقفة تأمل؟ فهل من وقفة تدبر؟ هل من وقفة هيبةٍ واستشعار؟ {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143]. معاشر المؤمنين: إن آيات الله جل وعلا تتجلى أمام أعيننا صباح مساء، فما لهذه القلوب لا تتغير؟! ما لهذه القلوب لا تتحرك سويداؤها؟! ولا تتحرك مشاعرها؟! إننا إذاً مرضى، إننا مصابون، فهلمّ لننظر هذا المرض، وهلمّ لنتدبر أحوالنا، فإن أحوج الناس إلى العلاج من عرف داء نفسه وعرف دواءها، فيلزمه المبادرة في علاجها.

علاج قسوة القلوب

علاج قسوة القلوب معاشر المؤمنين: هذه القسوة البالغة التي تتجلى بعض صورها يوم أن نرى جنازةً تمر في الطريق، فيلتفت الإنسان ناظراً إليها، ثم يلتفت إلى يمينه كأنه لم ير جنازة، كأنه لم ير نفساً قطعت عن الحياة بالكلية؛ قطعت عن الخُطى والطعام والشراب، بل قطعت عن أعظم من هذا عن العمل، فقدمت على الحساب، وانقطعت عن العمل، ثم تنشغل نفوسنا عن حال هذه الجنازة إلى أين يذهبون بها؟ وفي أي ظلمة يضعونها؟ ولأي هجرٍ وبعدٍ يتركونها؟ وما الذي سيوافيها؟ وأي أمرٍ ينتظرها؟ أتنتظرها ملائكة الرحمة؟ أم تنتظرها ملائكة العذاب ولا حول ولا قوة إلا بالله. نحن كثيراً ما نرى هذه الصور، ونرى هذه المشاهد والآيات، ولكننا في غفلة بالغة عن هذا الأمر، أليس ذلك دليلاً على قسوة قلوبنا؟ بلى والله. عباد الله: إنها قلوبٌ قاسية، فما علاجها؟ وما دواؤها؟ وما ترياقها المجرب الذي يردها إلى الحق وإلى الله رداً جميلاً؟

العودة إلى كلام الله (القرآن)

العودة إلى كلام الله (القرآن) عباد الله: علاجها عودتها إلى كلام ربها، كلام الله جل وعلا فيه شفاءٌ للصدور، وفيه دواءٌ للقلوب، وفيه علاجٌ لكافة الأمراض الحسية وغيرها، ولكننا نقرأ قراءة اللاهين الغافلين، قد يقول البعض: إن في قلبي قسوة ولا أجد في كتاب الله علاجاً لهذا القلب، نعم قد يحصل هذا لبعض العباد أو لكثيرٍ من البشر، أتدرون ما السبب يا عباد الله؟ إنه فضول النظر، وفضول الكلام، وفضول التحدث في عيوب الناس، ثلاثة أمورٍ تشغل القلب عن حساسيته وشفافيته. أما فضول النظر، فإنه يفقدنا الخشوع. وأما فضول الكلام، فإنه يبعدنا عن الحكمة، ولا يجعلنا نستلذ أو نستشعر جميل خطاب الله. وأما فضول الكلام في عيوب الناس، فإنه يجعل الإنسان مشغولاً لاهياً ناسياً عيوب نفسه، ثم بعد ذلك يشتغل بالخلق من حوله، ويترك نفسه ولهةً في أمَس الحاجة إلى الدواء، ومع ذلك فهو غافلٌ عنها، عسى ألا نكون من الذين نسوا الله فنسيهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الأحبة: كثيراً ما نقرأ في كتاب الله جل وعلا: {لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] والألباب: جمع لب؛ واللب: هو القلب: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] كتاب الله جل وعلا كله عظةٌ واعتبارٌ، ودواءٌ وعلاجٌ لهذه القلوب، ولكن قلوبنا كما قال الشاطبي رحمه الله في حرز الأماني: وإن كتاب الله أوثق شافعٍ وأغنى غناء واهباً متفضلا وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبضٍ على جمرٍ فتنجو من البلاء ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديماً وهطلا ولكنها عن قسوة القلب قحطها أي: ولكن هذه العين التي جمدت أن تجود بدمعة خشيةٍ لله ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا!! يا ضيعة أيامٍ تضيع علينا أمام المشاهد التي لا ترضي الله، وفي سمع أمورٍ لا ترضي الله، وفي قضاء أمورٍ هي سبب العقوبة والعذاب من الله!! يا ضيعة الأعمار تمشي سبهللا!! يا عباد الله: هل من شيءٍ بعد كتاب الله جل وعلا يحرك هذه النفوس القاسية الجامدة، فيجعلها تنشط بعد جمود؟ نعم، هناك أمورٌ كثيرة، وقبل أن ننتقل إليها تأملوا أحوال السلف الصالح رضوان الله عليهم. صلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالصحابة صلاة الفجر ذات يومٍ، فقرأ قول الله جل وعلا: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:8] فأخذ يرددها، ثم رددها، فما جاوزها حتى سقط مغشياً عليه من عظم تأثره بهذه الآية: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:8] نحن كثيراً ما نقرأ: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة:1] {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1] كل هذه الآيات الكونية، وهذه المشاهد الغيبية التي سنراها وسنقدم عليها، نتلوها ونسمعها كثيراً، ومع ذلك لا تتحرك القلوب لها، ولا تستشعرها، ولا تتخيل شيئاً ولو قليلاً من أهوالها.

زيارة المرضى وعيادة المصابين

زيارة المرضى وعيادة المصابين معاشر المؤمنين: إن من الأمور التي تعين على تحريك القلوب: زيارة المرضى، وعيادة المصابين، فإن في ذلك -أيضاً- كسرٌ لهذه النفس، وتذكيرٌ لها بما هي فيه من الصحة والنعيم والعافية، إن الإنسان إذا كان يمسي ويصبح وهو في نعيمٍ وطعامٍ وشرابٍ وملذات، ولا تجده متذكراً أو زائراً لإخوانه المرضى والمصابين، فإن هذه النفوس تتعود على هذا الشبع والري، وتتعود على هذا النعيم، ثم بعد ذلك لا تود أن تسمع شيئاً اسمه المصابون، أو اسمه المحتاجون، أو اسمه الذين هم في ضنك العيش وقلة ذات اليد، كثيرٌ من الناس حينما تحدثه عن واقع الضعفاء والمنكوبين والمصابين، قال: أرجوك لا تذكرني بأولئك لا تشغل نفسي، ودع قلبي في لذاته وهواه، لا يريد أن يتذكر أحوال أولئك المنكوبين، لأنه تعود على هذه الوتيرة، وعلى هذه الطريقة، فهو لا يريد أن يتذكر شيئاً من أحوال المصابين -ولا حول ولا قوة إلا بالله- ولو علم ذلك المسكين أن تذكره لأحوالهم وزيارته لهم، وتفقده لأمورهم، يشعل في قلبه أموراً ماتت، ويحيي في قلبه جذورا ً خمدت؛ لاعتنى بذلك ولعلم أثر تلك الزيارة، فأسأل الله جل وعلا أن يعين قلوبنا وقلوبكم على طاعته، وأن يجعلها مخبتةً خاشعةً بين يديه. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

تذكر الموت

تذكر الموت الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة؛ وكل بدعةٍ ضلالة؛ وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر الأحباب: إن مما يعيننا على علاج قسوة القلوب وإعادتها إلى الخشية والخشوع والإخبات هو أن نتذكر الموت، هاذم اللذات، مفرق الأحباب، قاطع النعيم، نتذكر الموت الذي ينقل الإنسان وحيداً بعيداً عن أحب الأحباب وأعز الأقارب والأصدقاء، فينبغي أن نتذكر الموت دائماً، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) وكان عمر رضي الله عنه يقول: [كفى بالموت واعظاً] تذكر حال نفسك وأنت لا تملك صغيراً أو كبيراً، قليلا ًأو كثيراً، والأمر يومئذٍ لله وفي تلك الحال لا ينفعك طبيبٌ ولا حبيبٌ ولا قريب، من تذكر هذه الساعة، وتلك اللحظات التي تتولى الملائكة فيها الفصول الأخيرة من هذه الحياة؛ فتنزع الروح من أصابع القدم إلى أمشاط القدمين، فتبرد السيقان بعد أن تمر الروح بها، ثم يهمل الفخذان، ثم تصعد الروح إلى التراقي، ثم يسمع للعبد حشرجةٌ ويسمع لصدره قعقعة، فما هي إلا لحظات حتى يرتفع بصره والبصر يتبع الروح من حيث خرجت. إذاً: يا عباد الله! من تأمل هذه اللحظة ومن تذكرها في كل حالةٍ من حالاته، فإنه لا يجرؤ على معصية الله، وإن وقع في معصيةٍ فذكر هذه الحال، فإنه سرعان ما يقلع، سرعان ما يئوب ويتوب، سرعان ما ينقلب إلى ربه خاشعاً تائباً. إذاً: يا عباد الله! تذكروا الموت دائماً، فإن الحياة دارٌ قصيرة، وإنما بعد الموت هي دار الخلود، فليس بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، ثم بعد ذلك يقال لأهل الجنة في الجنة: يا أهل الجنة! خلودٌ ولا موت، ويا أهل النار! خلودٌ ولا موت، فاسألوا لأنفسكم الخلود الطويل في النعيم المقيم.

حضور حالات الاحتضار

حضور حالات الاحتضار معاشر المؤمنين: إن بعض الناس قد لا تجدي هذه الأسباب في علاج قسوة قلبه، فإليه سبباً قد يكون معيناً بإذن الله في علاج قسوة قلبه، أتدرون ما هو يا عباد الله؟ هو أن تحضر رجلاً يجود بنفسه، أن تشهد وفاة رجلٍ في الرمق الأخير من حياته، أن تشهد رجلاً يحتضر، فإذا أعانك الله وأخذت تلقنه الشهادة وأنت تنظر إليه، وتعرفه؛ تعرفه بأيامه وصحته، وبنشاطه وبتجارته وبأعماله، وأنت واقفٌ على رأسه تلقنه تقول له: يا فلان بن فلان قل لا إله إلا الله، وأنت تنظر ذلك البدن الطويل، وذلك الجسم القوي، وذلك اللسان الفصيح، وتلك الأيدي الباطشة، وتلك الأرجل القوية، تعالج وتنازع وتجاهد نفسها في النطق بشهادة لا إله إلا الله، إن ذلك يا عباد الله! حريٌ بأن يكسر قسوة القلوب، وجمودها، ثم بعد ذلك لا تطرد هذه الصورة عن مخيلتك، فإنك إذا دعتك نفسك إلى شهوةٍ أو إلى غفلةٍ أو إلى معصية من معاصي الله سبحانه وتعالى تذكرت ذلك الرجل الذي وقفت عند رأسه وأنت تلقنه الشهادة، وتذكرت ذلك الذي لا يملك لنفسه شيئاً قليلاً ولا كثيراً، فهذا يدعوك إلى أن تئوب وتتوب. قيل لبعض السلف: [بلغت عمراً طويلا ما عرفنا عنك معصية وما وقعت في خطيئة! قال: أما ذلك فبيني وبين ربي، ألا وإني إذا همت نفسي بمعصية، فإني أتذكر الموت وأخشى أن يقبض الله روحي وأنا عليها]. نعم يا عباد الله: إن من تذكر الموت وأنه يفاجئ أصحابه مفاجئة، فإنه -يا عباد الله- لا شك يقلع عن المعاصي خشية أن تقبض روحه وهو على حالٍ مقارفة الذنب والمعصية، فما حال الذين يموتون سكارى؟ فما حال الذين يموتون غافلين؟ فما حال الذين يموتون وهم في بلاد الغرب بين أحضان البغايا؟ فما حال أولئك الذين يموتون وهم منشغلون في الربا، وهم منشغلون بالمكاسب الباطلة والحرام؟ ما حال أولئك الذين يموتون في محلات بيع الأفلام الخليعة؟ والأشرطة الماجنة؟ إن لم يتدارك الله الجميع برحمةٍ منه، فيا سوءة الأعمار! ويا ضيعة النفوس حين الفزع الأكبر، والهول العظيم أمام الله!

اتباع الجنائز ومشاهدة الدفن

اتباع الجنائز ومشاهدة الدفن معاشر المؤمنين: إن اتباع الجنائز وشهود دفن الموتى لمن الأمور التي تساعد الإنسان على تكسير وتفتيت وإذابة قسوة القلب، فإذا وفقك الله وكنت تابعاً لجنازة من الجنائز، فاجتهدت أن تكون من الذين يضعونها بأيديهم في القبر، ثم اجتهدت أن تكون من الذين يضعونها في مقامها الأخير، وفي مثواها الأخير؛ في اللحد الضيق، ثم أخذت لبنةً تصفها على هذا الميت، وأخذت طيناً ليناً لتسد منافذ الهواء والنور والبصر، لتسد كل منفذ صغيرٍ وكبيرٍ على هذا الميت، فإنك بعد ذلك يصيب نفسك شيء من الانكسار والإخبات والخشوع لله سبحانه وتعالى بأنك تتذكر هذا الصندوق الصغير، وهذا القفل الصغير الذي وضعت أنت بيدك هذا الميت فيه، وسيأتي يومٌ على كل واحدٍ منا يوضع فيه: بينا يرى الإنسان فيها مخبراً حتى يرى خبراً من الأخبار اليوم نقول: فلان بن فلان انتقل إلى رحمة الله ومرضاته، وغداً يقولون: فلان بن فلان؛ عني وعنك وعن الثالث والخامس والعاشر، فلان بن فلان انتقل إلى رحمة الله ومرضاته إن شاء الله، فإذا تذكرت هذه الحال وأنت تدفن إخوانك، وفلذات أكبادك، وأعز أحبابك وأصدقائك، هل هناك أعز عليك من أبيك وأمك؟ لا والله. ثم بعد ذلك أنت أحب الناس إليها، فتضعها في هذا اللحد وتغلق عليها هذا القبر، فيأتي ولدك أو أخوك أو أبوك أو قريبٌ لك ويضعك في هذا المثوى، فكما فعلت سيفعل بك، وهي سنة الله جل وعلا في الحياة، فلنقدم على الله بصدق، ولنجتهد بالاستعداد، اللهم إنا نسألك الاستعداد قبل الموت، والاستدراك قبل الفوات.

هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند حضور الجنائز

هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند حضور الجنائز معاشر المؤمنين: ينبغي أن ننتبه لهذه الأمور، فمن وجد في قلبه قسوة، فليبادر إلى علاج القلب، فليصل في الجامع الكبير وليشهد جنازتين أو ثلاثاً، إن الإنسان إذا اشتكى من وجع سنه، أو اشتكى من وجع رأسه، أو أنملةٍ من أنامله، ذهب إلى العيادات والأطباء ليعالج هذا المرض الذي حل به، إننا بحاجةٍ إلى أن نعالج القلوب بمجالس الذكر، بكثرة تلاوة كتاب الله، وبتدبر آيات الله، وبمشاهدة المحتضرين، وبعيادة المرضى، وبشهود الجنائز، وبوضع الموتى في لحودهم، ينبغي أن نعالج هذه القلوب حتى تقدم على الله سليمة، ثم بعد ذلك -يا عباد الله- اعلموا أن الشيطان يجتهد ما استطاع في صرف الإنسان عن هدفه في علاج نفسه، فإن كنت شاهداً جنازةً من الجنائز، وإن عينك لتكون مغرورقةً بالدموع من شدة هذا الهول الذي رأيته، لكن الشيطان يأتيك يقول: هذا جزع وهذا فزع، وهذه نياحةٌ وهذا ندب، كلا والله إذا كانت هذه الدموع تنزل من عينيك ولم يكن في ذلك اعتراضٌ ولا سخطٌ ولا جزع، بل هي رحمة، بل هي عبرة، بل هي عظة، فأطلق لعينك همير دموعها، واجعل هذه الدموع تنهمر على خديك، وتذكر أنك بكيت من خشية الله، تذكر أنك بكيت من هيبة الله سبحانه وتعالى، وإن نبيكم صلى الله عليه وسلم؛ وهو أقوى الخلق، وأعرف الخلق، وأخشع الخلق لربه، بكى لما شهد مشاهد كهذه؛ لما مرض سعد بن عبادة رضي الله عنه، وعاده النبي صلى الله عليه وسلم، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكى القوم، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا تسمعون؟ ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه) متفق عليه. وجاء عن أسامة بن زيد رضي الله عنه (أنه صلى الله عليه وسلم: رفع إليه ابن ابنته وهو في الموت، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدموع، فقال له سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: رحمةٌ جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) متفق عليه، ولما دخل صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وهو يجود بنفسه، فجعلت عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن: وأنت يا رسول الله! فقال: (يا بن عوف! إنها رحمة، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) فاعتبروا يا عباد الله! بهذه الأحوال، وأطلقوا لعيونكم دموعها في مثل هذه المواقف من غير ندبٍ ولا نياحةٍ، بل اجعلوا ذلك عظةً وعبرةً من أنفسكم لأنفسكم: يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل عباد الله: كل واحدٍ منا يتذكر يوم أن ولدته أمه، يوم أن ولد على ظهر هذه الحياة، الناس حوله متضاحكين سروراً، إذاً أنت الذي يوم أن ولدتك نزلت صارخاً باكياً إلى هذه الدنيا: أنت الذي ولدتك أمك باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاربأ بنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا اللهم إنا نسألك السعادة والسرور عند لقائك، اللهم اجعل خير أيامنا يوم لقائك، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، اللهم اجعل قلوبنا خاشعةً مخبتةً منكسرةً لك يا رب العالمين. اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن أعينٍ لا تدمع، ومن دعاء لا يسمع ولا يرفع. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، اللهم من أراد بولاة أمورنا فتنة، اللهم من أراد بعلمائنا مكيدة، اللهم من أراد بشبابنا ضلالة، اللهم من أراد بالفتيات والنساء في مجتمعنا اختلاطاً في التعليم والوظائف، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، اللهم من أراد بهذه النعمة والنعيم، والأمن والطمأنينة التي نحن فيها انقلاباً وتغيراً وزعزعة بخبث تخطيطه وكيده، اللهم فاردد كيده في نحره، واجعل الدائرة على رأسه وحزبه بقدرتك يا جبار السماوات والأرض، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلحه وأصلح بطانته وإخوانه وأعوانه، اللهم اجمع شملهم على كتابك وسنة نبيك، اللهم لا تشمت بهم حاسداً، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته.

مكائد الشيطان وأساليبه الباطلة

مكائد الشيطان وأساليبه الباطلة إنه لابد أن نعلم أن هناك صراعاً بين الحق والباطل، وأن الله قدره كوناً من قبل أن يخلق الخلائق، وأن رائد الحق والخير هم الأنبياء المرسلون وأتباعهم، ورائد الشر والباطل هو إبليس وأتباعه من شياطين الجن والإنس، وقد بيَّن الله عداوة الشيطان ومكره وخبثه وأساليبه في إغواء الناس وإضلالهم، ثم بين للمؤمنين السلاح الفتاك الذي به يقاتلون هذا الشيطان ويغلبونه هذا وغيره ما تجده في هذه المادة.

عداوة الشيطان لآدم صرح بها القرآن

عداوة الشيطان لآدم صرح بها القرآن إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير؛ صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: لا يخفاكم عداوة الشيطان لآدم وذريته، فهو الذي أخرج الأبوين من الجنة، وكيد الشيطان وعدواته لبني آدم معلومةٌ واضحةٌ مشهودةٌ مشهورةٌ، وقد تواترت وتوافرت بها الآيات في كتاب الله الكريم، بل جاءت هذه الآيات مصرحةً بهذه العداوة التي اتخذت أساليب مختلفة وأشكالاً متباينة، ليتفطن بنو آدم لكيد الشيطان وغروره وخداعه وأمانيه، ولكن أكثر الناس في هذا الزمان عن تنبههم لهذه العداوة في غفلة، بل وإن الكثير منهم لمنساق بمحض اختياره تحت طوع وإرادة عدوه، ولو سمعنا هذا في بني البشر لرأينا فيه عجباً عجاباً؛ لو قلنا: إن رجلاً يملك أساليب القوة والدفاع والمقاومة انقاد لعدوٍ من أعدائه، فسلم رقبته وإرادته خاضعاً بطوع اختياره يوجهه عدوه من بني البشر حيث ما شاء، لرأينا ذلك خبالاً وجنونا، وإننا في الحقيقة لنرى ألواناً من الجنون، لكن ظاهرها بريقٌ لا مع، وبرقٌ خلب، وما هي في حقيقتها إلا انقياد لعداوة الشيطان ومكره، إذ أن كثيراً من بني الإنسان في هذا الزمان قد سلموا إرادتهم بطوع حريتهم واختيارهم لهوى الشيطان يصرفهم كيفما شاء ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. معاشر المؤمنين: أما العداوة الصريحة من الشيطان لبني آدم، فهي ثابتةٌ جليةٌ في كتاب الله سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6] ويقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:168 - 169]. ويقول يعقوب لولده يوسف عليه السلام: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:5]. ويقول الله جل وعلا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الإسراء:53]. إذاً يا عباد الله: الآيات في كتاب الله كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً مصرحةٌ بهذه العداوة، ولكننا في غفلة عن التنبه واليقظة لهذه العداوة الخطرة، واعلموا يا عباد الله! أن هذا الشيطان من شدة عداوته لأبيكم ولذريته أنه سأل ربه التأخير إلى يوم القيامة ليتمكن من الكيد لبني آدم على جميع ألوانهم وأصنافهم، وقد آتاه الله سؤاله هذا، وتوعده بأن جهنم مصيره ومصير الجاحدين الكافرين من بني آدم. إن الشيطان يوم أن تكبر عن السجود لبني آدم وجاء في كتاب الله جل وعلا قول الله: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الأعراف:12 - 14] أي: أخرني وأجلني وأمهلني حياً على قيد الحياة إلى يوم البعث، قال الله جل وعلا: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف:15 - 16] وانظروا هذه العبارة الخبيثة من الشيطان: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف:16] ولم يقل الشيطان عن نفسه بما غوى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [الأعراف:16 - 17] تنبهوا يا عباد الله! عن أي طريقٍ ومن أي جهةٍ ومن أي سبيلٍ تأتي الشياطين إلى بني آدم قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:16 - 18].

أساليب الشيطان وحقيقة مكره وخبثه

أساليب الشيطان وحقيقة مكره وخبثه ويقول الله جل وعلا في موضعٍ آخر عن كيد الشيطان وعداوته: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللَّهُ} [النساء:117 - 118] ماذا قال الشيطان؟ {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} [النساء:117 - 120]. انظروا يا عباد الله إلى أي درجةٍ وإلى أي حدٍ بلغت هذه العداوة، حيث وقفت الشياطين لبني آدم عن أيمانهم وعن شمائلهم ومن أمامهم ومن خلفهم على جادة الصراط وواضح المحجة لتحرفهم عن نهج الله المستقيم، فتنبهوا لهذه العداوة، تنبهوا لها يا عباد الله! واعلموا أن أساليب الشيطان لا تأتي إلى بني آدم فجأةً أو مرةً واحدة، إن الشيطان حينما يأتي لواحدٍ من البشر وهو يريد أن يوقعه في جريمة الزنا مثلاً لا يقول له اذهب فازن بهذه المرأة، بل يقول: ماذا عليك لو قضيت شيئاً من الوقت عبر هذا التلفون معها؟ ماذا عليك لو أنك ساعدتها مثلاً وهي نازلة؟ ماذا عليك لو وصلتها إلى بيتها؟ قليلاً قليلاً، ومن هنا جاء قول الله جل وعلا جليلا ً دقيقاً واضحاً في بيان حقيقة مكر الشيطان وخبثه، حيث يقول سبحانه: {لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:21] إذ أن الشيطان لا يأتيك فجأة، لا يأمرك بالفاحشة فجأة، لا يأمرك بالجريمة فجأة، وإنما يمهدها لك خطوة خطوة حتى يقع الإنسان والعياذ بالله في هذه الفاحشة والمصيبة العظيمة. وإن هذا واضحٌ وجليٌ في هذا الزمان حيث أوقع الشيطان بحبائله وهن النساء الفاتنات الجاهلات العاصيات الكاسيات العاريات، أوقع الشيطان خلقاً عظيماً من خلق الله في حبائله عبر هذه الخطوات الخطيرة، فأولها شيءٌ من التهاون، وبعدها شيءٌ من التهاون بالحجاب، ثم بترقيق الكلام والخضوع بالقول وتكسيره، ثم شيءٌ من الخلوة ليس على عزم فعل فاحشة، لا، بل إنما لشيءٍ من المساعدة ولماذا نفرض النية السيئة في بداية الأمر؟ ثم رويداً رويداً حتى تتمكن الخلوة، ويحضر الشيطان، ويغيب الإيمان عن ذهن الإنسان، ثم بعد ذلك تقع الفاحشة، وقديماً قال الشاعر: فتنوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء نظرةٌ فابتسامة فسلام فكلامٌ فموعدٌ فلقاء فاتقوا الله في قلوب العذارى فالعذارى قلوبهن هواء نسأل الله جل وعلا أن يجنبنا وإياكم كيد الشيطان ومكره، وألا يجعلنا من حزبه. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

من أساليب الشيطان الوسوسة

من أساليب الشيطان الوسوسة الحمد لله منشئ السحاب، وهازم الأحزاب، ومنزل الكتاب، وخالق خلقه من تراب، لا إله إلا هو عليه توكلنا وهو رب الأرباب، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة السلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: إن من أساليب الشيطان الخبيثة التي يزين بها المعصية ويبعد الإنسان بها عن جادة الصراط المستقيم: أسلوب الوسوسة، ذلك الأسلوب الذي عمله واتخذه مع أبينا آدم، فكان عاقبته بذلك أن أهبط من الجنة إلى دار الشقاء والبلاء وهي الأرض، يقول الله جلا وعلا: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى * فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:120 - 122]. إذاً يا عباد الله: تنبهوا لهذه الوسيلة الخبيثة التي يتخذها الشيطان مع كثيرٍ من بني الإنسان، واعلموا أن الشيطان مهما كان كيده، ومهما كثر أنصاره وأعوانه، فإنه خذولٌ لهذا الإنسان، إذا أوقعه في الفاحشة وجره إلى المعصية خطوة خطوة، فإنه بعد ذلك يتركه مخذولاً، ثم يظن الإنسان أن شيطانه الذي أغواه وأضله أنه سينصره أو سينفعه في تلك اللحظة، وصدق الله العظيم: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:29]. وبين الله لنا جل وعلا في كتابه الكريم صورةً من صور خذلان هذا الشيطان حيث قال في محكم كتابه: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الحشر:16 - 17].

أساليب نتقي بها كيد الشيطان

أساليب نتقي بها كيد الشيطان ومع ذلك يا عباد الله! اعلموا أن كيد الشيطان ضعيفٌ أمام كل من التجأ بالله وبذكر الله، وبالجلساء الطيبين، والأخيار الصالحين، فإن كيد الشيطان مهما برق ومهما تنوع أسلوبه وتباينت وسائله، إنه كيدٌ ضعيفٌ أمام ذلك، والله جل وعلا لم يتركنا سدىً، بل بين لنا أساليب كثيرة نتقي بها كيد الشيطان، يقول الله جل وعلا: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:200 - 201] إذاً يا عباد الله! إن ذكر الله جل وعلا، وإن الاستعاذة بالله جل وعلا في كل حالٍ لهو كفيلٌ بأن يطرد كيد الشيطان، وأن يصد عداوته عن هذا الإنسان. ثم اعلموا بعد ذلك -يا عباد الله! - أنه ينبغي للإنسان إذا حضر مجلساً بدرت منه فيه معصيةٌ أو فاحشةٌ أو جريمةٌ أو غفلة، فليبادر إلى ترك هذا المجلس وليذهب بعيداً عن هذا المكان الذي حضره الشيطان، يقول الله جل وعلا: {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68] فمفارقة مجالس السوء، ومفارقة أهل الباطل، ومفارقة أماكن المنكرات والمعاصي والآثام كفيلةٌ بإذن الله جل وعلا بأن تبعد وأن تطرد الشيطان وكيده وأعوانه عن الإنسان، فانتبهوا لذلك عباد الله. معاشر المؤمنين: إننا لو تأملنا هذه العداوة الحقيقية من هذا الشيطان لوجدنا أن الإنسان منا يحتاج فيها أن يستخدم أقوى ما يستطيعه، وأعظم ما يتمكن لديه من وسائل المقاومة والدفاع أمام هذا الشيطان، الذي هو في حقيقة الأمر ليس فحسب حولك عن يمينك أو شمالك أو أمامك أو من خلفك، بل هو في بدنك: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) إذاً فهذا شيطان قريبٌ جداً، وهو بعيدٌ أمام من التجأ بالله سبحانه وتعالى، وبذكر الله ومجالسة الأخيار الطيبين. إن الإنسان لو قيل له: إن عدواً ينتظرك أمام هذا المسجد، أو خلف هذا الجدار، أو وراء هذا الباب، لوجدته يبحث عما لديه، هل من سلاحٍ في بيته؟ هل من وسيلةٍ فتاكةٍ ناجعةٍ في قتل هذا العدو والابتعاد منه؟ تجد الإنسان يقلب ويفكر ماذا لديه من العدد والعتاد لطرد هذا العدو الذي يتربصه وهو من بني الإنسان، فما بالك في عدوٍ هو أمامك وخلفك وعن يمينك وعن شمالك ويجري في عروقك، ينبغي أن تكون واضح العداوة أمامه، وينبغي أن تتخيل شيطانك أمامك في كل لحظةٍ من اللحظات التي تهم فيها بفعل الخير، إذ أن حقيقة الأمر حينما تريد أن تصلي مثلاً أو تصوم أو تتصدق يقول الشيطان: لو أجلت هذه الصدقة، تظن هذا حديث النفس، وفي حقيقة الأمر هو حديث الشيطان لك، فإذا وقفت وقفة بطلٍ شجاعٍ مقدام أمام هذا الشيطان، ثم لو رفعت صوتك شيئاً ما لطرد، والاستعاذة بالله من كيد هذا الشيطان، ثم توجهت منطلقاً إلى فعل هذا الخير الذي هممت به، فإنك على صوابٍ وفلاح، وما يرد كيد الشيطان إلى لجوءٌ بالله سبحانه وتعالى وبذكره وبآياته مع قوةٍ عظيمة، روي أن أحداً من الصحابة رضوان الله عليه لما أراد أن يخرج سلاحه، نادى وقال: [أسرجوا خيلي، فأتوا بخيله وأسرجوها له، ثم لبس لامته وسلاحه، ثم قالوا: أين أنت يا فلان؟ قال: خرجت لأخرج زكاة مالي، وإني لعلى يقينٍ أن الشيطان سيقف لي في طريقي، وهأنذا قد أخذت عدتي وسلاحي مواجهةً لهذا الشيطان] انظروا دقة تصور الصحابة والسلف لخطر الشيطان وعداوته ومكره وكيده، يتصورونه شخصاً واضحاً ماثلاً أمام العيان، حتى يستطيع الإنسان أن يدافعه، فدافعوا شياطينكم بذكر الله، وبالعزيمة على كل فعلٍ من الأمور الصالحة. اعلموا يا عباد الله: أن الشياطين لا تترك أحداً من بني آدم إلا وهي تحرص أن توسوس له وأن تزين له وأن تقربه نظرةً ثم خطرةً ثم خطوةً ثم جريمة، حتى يقع الإنسان في الفاحشة، ثم تخذله وتتبرأ منه، وتتركه حسيراً مسكيناً في وحل هذه الجريمة التي فعلها، انتبهوا لذلك يا عباد الله.

أصناف الناس أمام الشيطان

أصناف الناس أمام الشيطان إن البشرية اليوم أمام الشيطان لعلى أصنافٍ عدة: أما صنفٌ منهم: فهم كالكرة بأيدي الصبيان، كما ذكر أو روي في بعض الآثار: أن نبيا ًمن الأنبياء تمثل له الشيطان، فقال له: كيف الناس معك؟ قال: هم ثلاثة أصناف: صنف كالكرة بأيدي الصبيان؛ أينما أردنا أن نرمي بهم رمينا بهم، فلا يلتفتون ولا يتغيرون عما أردناه بهم. وصنفٌ لنا مرة ولهم مرة؛ ونجهد أنفسنا كثيراً معهم، ثم يزول كل ما عملناه، قال: من أولئك الصنف؟ قال: أولئك الذين لا نزال معهم حتى إذا قربناهم شيئاً فشيئاً استغفروا الله، فعاد كل ما فعلناه هباءً منثوراً. وصنف لا نستطيع لهم ولا نقدر عليهم؛ أولئك الأنبياء. فتنبهوا لذلك -يا عباد الله- واعلموا أن كثيراً من بني البشرية اليوم قد أراح شيطانه من عناء مكابدته وملاحقته، إذ قد يكون الإنسان بنفسه قد أصبح أشد تفنناً ودقةً من الشيطان نفسه في أساليب الفساد والفاحشة وغير ذلك، فهذا لا يحتاج الشيطان معه إلى كثيرٍ من الجهد، فحيثما هوت نفسه الفضيحة، وحيثما هوت نفسه الفاحشة والمنكر والمعصية، انقادت بلا حسابٍ أو مراقبةٍ أو ذكرٍ لله أو تذكر مراقبته أو خشيته، فهذا قد أراح الشيطان من عناء مجاهدته. وصنف من أولئك الذين قد من الله عليهم حديثاً بالهداية؛ هؤلاء الشيطان أشد ما يتسلط عليهم، فتجد الشاب إذا من الله عليه بالهداية والتوبة والالتزام والاستقامة، وقد كان حديث عهدٍ بفسادٍ وشيءٍ من المعاصي والآثام يأتيه الشيطان فيقول: أتترك لحيتك هكذا يسخر منك الناس؟ أتلبس ثوباً قصيراً يستهزئ بك الناس؟ أتترك هذه المجالس؟ أتترك مجالس عامرةً بالطرب والغناء واللهو وأنواع الملذات والمشارب، وتقف واضعاً يدك هكذا مطرقاً برأسك في هذه المجالس والحلقات؟ يأتي الشيطان ويتسلط على هذا الشاب الذي هو حديث عهدٍ بتوبةٍ وهدايةٍ واستقامة، فهذا أشد ما يتسلط عليه. ثم إذا استطاع الشاب بعون الله أن ينتصر على كيد الشيطان، واستطاع أن يثبت على توبته والتزامه واستقامته، تسلط عليه الشيطان في صلاته، في وضوئه، فأخذ يوسوس له؛ لم تغسل هذا المرفق، لم تغسل هذه اليد، لم تمسح هذه الأذن، لم تغسل هذه الرجل، يريد أن يضيعه عن العمل الصالح مرحلةً مرحلة، لا يريد أن يفوت مرحلةً من المراحل، فيكثر عليه الوسوسة. فإذا استطاع أن ينتصر عليه في مرحلة الوضوء، دخل عليه في مرحلة الصلاة؛ لم تقرأ الفاتحة، بلى، قرأتها، بل تركت منها، لم تجلس بين السجدتين، لم تتشهد، لم تقل كذا، نسيت كذا فيصبح الإنسان في كثيرٍ من الوساوس وقد كان فيما مضى من وقته لا يعرف شيئاً من هذه الوسوسة: وأضرب لكم حادثةً لشابٍ عرفته في هذا المسجد، وقال لي عن حاله: أنه كثير الوسوسة في وضوئه وفي صلاته، وتبين لي من ملامحه وما أخبرني به أنه حديث عهدٍ بتوبةٍ واستقامةٍ والتزام، قلت له: أسألك بالله هل كنت قبل هذه المرحلة يصيبك شيءٌ من الوسوسة؟ قال: لا. والله ما عرفت هذه الوسوسة إلا يوم أن تركت المعاصي والآثام، قلت: فاعلم أنك لست بموسوس ولله الحمد والمنة، ولكن الشيطان يريد أن يفسد عليك طريق هدايتك، إنه عجز أن يغويك وأن يضلك، وعجز أن يصرفك عن التوبة والاستقامة، وعجز أن يبعدك عن جلساء الخير، فأراد أن يشاغلك في صلاتك ووضوئك وعبادتك، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولا يضرك كيده. فإذا انتصر الإنسان على الشيطان في هذه المرحلة، جاءه الشيطان وقال: إن الناس يستمعون لك، انظر إن الناس ينظرون صلاتك، إن الناس ينظرون جهودك في الدعوة، فيحاول أن يدخل عليه بأسلوب النفاق والرياء ولا حول ولا قوة إلا بالله. فإذا استطاع أن ينتصر على شيطانه في هذه المرحلة، جاءه الشيطان، ويقول له: اذكر ما عملته من جهود وما حقق الله على يدك من الدعوة، وما حقق الله على يدك من الأمور، إذاً فالشيطان لا يترك بني آدم مرحلةً مرحلة، حتى عند النزع الأخير من الموت، فإن الشيطان يقول لأعوانه: دونكم ابن آدم، إن فاتكم اليوم فلا تدركونه، فيشوشون على الإنسان في الرمق الأخير، في مراحل النزع ووصول الروح إلى التراقي، يشوشون عليه ويحاولون أن يشغلوه عن النطق بالشهادة إلا من ثبته الله سبحانه وتعالى، فهو ينطقها آمناً مطمئناً واثقاً من قلبه. فأسأل الله جل وعلا أن يصرف عنا كيد الشيطان، والتفتوا لذلك يا عباد الله! وتنبهوا له، وإن كثيراً من الناس قد انساقوا للشياطين بأبدانهم وأبصارهم وأسماعهم وجوارحهم، ألا فليتنبهوا من هذه الغفلة. أسأل الله جل وعلا لنا ولجميع المسلمين التوبة والإنابة والهداية والتوفيق. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، اللهم من أراد بعلمائنا مكيدة، وبولاة أمرنا فتنة، وبشبابنا ضلالة، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً، وببناتنا اختلاطاً في الوظائف والتعلم، اللهم إنا نسألك أن تفضحه على رءوس الخلائق، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وأسوأ من ذلك يا جبار السماوات والأرض. اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وسنة نبيك، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وجنبنا ما يغضبك ويسخطك يا جبار السماوات والأرض. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أسيراً إلا فككت أسره، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا غائباً إلا رددته. اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء والأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

البداية

البداية إن تجديد أساليب الدعوة من الحتميات التي يقتضيها الواقع وتطور العقل البشري وانتشار الفساد في هذا الزمان، ومن أجل ذلك جاءت هذه المادة فاتحة آفاقاً جديدة للدعوة إلى الله، مبينة أهمية تطوير وسائل الدعوة، وإيجاد البرامج العملية للإصلاح، موضحة سنن الإصلاح والتغيير، وأهمية توحيد الجهود من أجل الدعوة والإصلاح، والاستعداد النفسي والبدايات الحسية؛ من تخطيط، وطرد للشك والخوف، وتوحيد الجهود، والاستفادة من الطاقات المعطلة، وفتح بيئة جديدة أمام المدعوين. ثم ذكرت نتائج هذه البدايات مبينة أهمية التخصص في الإصلاح. وقد ختمت هذه المادة بذكر سلاح البداية، وحقيقة الانتصار.

أهمية تطوير وسائل الدعوة

أهمية تطوير وسائل الدعوة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. أيها الإخوة! أيها الفتية: يقول الله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الكهف:13 - 14]. معاشر الأحبة! الذين ربط الله على قلوبكم بالإيمان! ومن نسأل الله أن يجعلهم من أهل الصراط القويم عاجلاً غير آجل بمنه وكرمه. أيها الإخوة في الله: أعتذر بادئ ذي بدء عن تأخري عن المجيء في الوقت المحدد، وما كان ذاك بملكي، ولكني حملت وزر أحد موظفي الخطوط سامحه الله، أعطاني كرت الصعود على بوابة والرحلة على بوابة أخرى، فكانت أعجوبة والحمد لله على كل حال، ولقد أفرغت جام غضبي في أبيات شعر كتبتها عنه: هل ذا سيمنعني الهدى وجباله أو ذاك يحجبك الشفا ورجاله إن المحب إذا تعلق قلبه جعل المخاطر في النوى سرباله كم كنت أنتظر المساء لقربكم فيه وإني مبتلٍ أقواله شاورت فيه النفس قالت لن تطق صبراً فعجل والهدى أهدى له لما أتيت البوابة قالوا: أنت تأخرت قالوا تأخرت الغداة ولم تكن عند النداء موافقاً ما قاله فبثثتهم عذري بأني ساجدٌ قبل الرحيل وحجتي أولى له أقلعت الطائرة وأغلقت البوابة، ولا تنفع إلا الواسطة في مثل هذه الحالات: فهرعت أسرع للوسيط لعله أدرى بسرٍ مسعف من ناله فتسابق الخطو الوئيد مهرولاً وكررت أسرع تابعاً منواله حتى ركبت الفلك يوشك راحلاً في أرض جدة مدركاً آماله ولقيت أحبابي على درب الهدى ومحمداً فوزي ترى أسمى له الأخ/ محمد فوزي جزاه الله خيراً استقبلنا، وطار عقلي قبل أن يطير بي من قيادته وسرعة سياقته وركبت في سيارة وطريقها قد زاد فوزي سرعة أهواله حتى بلغت الطائف المحبوب في أرض الجزيرة حبذا إطلاله أيها الأحبة: أسأل الله جل وعلا أن يجعل اجتماعكم في موازين أعمالكم، وأن يجعل اجتماعنا هذا مرحوماً، وتفرقنا من بعده معصوماً، وألا يجعل فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً، وقبل الخوض في الموضوع ألا وهو (البداية) أود أن نتساءل قليلا: أيها الإخوة: هل نشعر بالمتغيرات التي استجدت في المجتمعات العالمية؟ هل نعشر بالمتغيرات التي تطرأ؟ ليست بالسنة ولا بالشهر ولا بالأسبوع، بل باليوم والساعة، المتغيرات التي استجدت على المجتمعات، وتستجد أيضاً على مجتمعنا هذا، التغير صفة حاصلة، والتقلب أمر نراه في أحوال هذا الزمان وأهله، والتغير نوعان: تغير داخلي في النفس؛ وهذا التغير وإن لم يتغير الإنسان في سلوكه وتصرفاته، لكن تجد عنده تهيؤاً لأن تتغير أحواله، تجد عنده تهيؤاً لأن يغير من طريقته، ومن النمط الذي سار عليه في أيامه وأشهره. والتغير الثاني: هو تغير خارجي في مجالات الحياة المختلفة، فهو الذي نراه في صور تمدن أسباب الحضارة وتطورها، هذا التغير كما هو موجود في المجتمعات، وكما هو موجود في النفوس، وترى النفوس متهيئة له، نجده في كل قطاع، أو في كل دائرة، أو في كل جهاز عام أو خاص. أقول -أيها الإخوة! -: إن هذه المتغيرات وهذه التطورات موجودة، وأنتم ترون ما من دائرة، وما من جهاز، وما من مؤسسة، وما من قطاع عام أو خاص إلا وترى فيه تطوراً، وترى في القائمين عليه رغبة في تطويره، وترى في المسئولين عنه رغبة في تحديث أساليبه، وتطوير أساليب الخدمات التي تقدم للناس. خذوا أمثلة لذلك: الهاتف مثلاً، هل خدمات الهاتف اليوم كالهاتف أول ما جاءنا في المملكة؟ لا، إذاً هناك تطور بالشهر والسنة، خذوا مثالاً: الصحة، تتطور خدماتها بتطور الأيام والسنين والأعوام، و Q هل يوجد لدى الإخوة، ولدى الأجهزة التي تعنى بالدعوة إلى الله، وبالحسبة، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا الحس؟ هل يوجد لدى الدعاة والمحتسبين والمسئولين عن هذه الأجهزة هذا الحس، وهو الرغبة في تطوير الأساليب، وتحديث الوسائل، ونشر مجالات أوسع، وآفاق أرحب لكي تنتشر الدعوة في كل مكان؟ ومن المسئول عن هذا التطوير والتحديث؟ من المسئول عن فتح مجالات جديدة للدعوة؟ من المسئول عن ابتكار وسائل واختيار أساليب جديدة للدعوة إلى الله؟ هل المسئول عن هذا هم المسئولون عن هذه الأجهزة أم أن المسئول كل من يعنى بأمر الدعوة، وأنتم منهم؟ وكل من يعنى بشأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنتم منهم؟ أم أن أولئك أيضاً معنيون بتطوير وتحديث أساليب الدعوة إلى الله جل وعلا؟ أيها الأحبة: إن الجهاز القائم على الدعوة إلى الله، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لو ضربنا مثلاً أنه جهاز لا يتطور ولا يتنامى، ولا يدخل التحديث في أساليبه، فإن هذا لا يعفينا أن نبقى جامدين، بل هذا يضاعف المسئولية علينا، لكي نطور من أساليبنا في الدعوة إلى الله، ولكي نفتح مجالات أوسع، وآفاقاً أرحب لنشر دين الله جل وعلا، وما لنا ألا نفعل ذلك والله سبحانه وتعالى قد أثنى على الدعاة، فقال جل من قائل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]. أيها الأحبة: الآية الواحدة، بل الكلمة الواحدة في هذه الآيات تجعل الواحد يطير فرحاً، ويحلق شوقاً لكي يدنو من الله جل وعلا، يطير فرحاً لكي يكون جليساً وجاراً للنبي صلى الله عليه وسلم، إذ أن من سلك سبيل الدعوة، وسلك سبيل العلم، فإنه يكون من ورثة الأنبياء: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر). ما لنا لا نطور أساليب الدعوة؟ ما لنا لا نجدد الوسائل، ونفتح الآفاق للدعوة إلى الله جل وعلا؟ لماذا لا نفعل ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من دعا إلى هدى، فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة) ويقول صلى الله عليه وسلم: (فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)؟. أيها الأحبة: هل نشعر بحاجتنا إلى إصلاح أوضاع مجتمعاتنا؟ هل نشعر بأننا نحتاج إلى أن نصلح أوضاعنا؟ المجال الإعلامي، هل هو على الطريقة التي ترضي الله جل وعلا؟ أو هل هو على الطريقة التي تخرج الأطباء والمهندسين، والدعاة والعلماء والمخلصين لهذا البلد، ولأمة الإسلام أجمعين؟ إن الجانب الإعلامي لم يستثمر في الدعوة إلى الله حق الاستثمار، قد يقول قائل: لعلنا لا نسلم من شره فضلاً من أن نستثمره، وأقول: لا، هذه نظرة منهزم، لا تقل هذا الكلام. لئن كانت الصحف ووسائل الإعلام مناخاً لمن سبق وحِمَىً مباحاً، فليبادر الدعاة إلى الله جل وعلا، وليسابقوا إلى هذا المجال، وليصلحوا مجتمعاتهم من خلال هذا المجال، حتى وإن وجد التنافس، وإن وجدت المزاحمة، المهم أن يسمع الناس كلمة الحق، وأن يعرفوا أن للحق أسلوبه، وأن للصدق عبارته، وأن للهداية أبوابها، إذا قدم هذا للملايين الذين يتربعون الآن أمام الشاشات، ولم يحضروا مثل هذه المحاضرات، أو محاضرات العلماء الأجلاء الذين هم أفضل منا، فهذه من المجالات المتروكة. فهل نشعر -أيها الإخوة! - بحاجتنا إلى أن نصلح هذا المجال؟ هل نشعر بحاجتنا إلى إصلاح الأبواب المفتوحة في الأندية، والجمعيات الخيرية، وفي كثير من المجالات القائمة؟ إن الدخول في الشيء مع الحصانة الكافية، والوقاية اللازمة أمر ضروري جداً، إن إصلاح الشيء لا يتم عن بعد، فلا بد أن تدخل في صميمه، ولا بد أن تعرف أحواله، ولا بد أن تسبر عالمه، ولا تستطيع أن تصلح سيارة خربت بمجرد الدوران عليها، لا تستطيع أن تصلحها إلا إذا فتحت مقدمتها، وأخذت تغير وتعدل وتصلح قطعة بدلاً من قطعة، وشيئاً انحرف عن مساره فترده، وجهاد حتى تصل إلى درجة الإصلاح الكامل، أو ثلاثة أرباع الإصلاح، أو نصف الإصلاح، المهم يكفيك نصراً أنك قائم بالدعوة إلى الله جل وعلا.

أهمية إيجاد البرامج العملية للإصلاح

أهمية إيجاد البرامج العملية للإصلاح هل نشعر -أيها الإخوة! - بضرورة إصلاح مجتمعنا؟ هل نشعر بأن من واجبنا أن نطرح البرامج العملية للإصلاح؟ هل نشعر أن من واجبنا أن نحدد الأهداف والغايات من وراء الدعوة إلى الله والإصلاح؟ هل نشعر أن من واجبنا اختيار الوسائل التي نوزعها عل كل فرد بحسب طاقته وقدرته؟ أم لا نزال نردد العموميات: الإسلام هو الحل؟ أيها الإخوة: كثير من الأحباب والغيورين والطيبين، حينما تتحدث مع أحدهم عن واقع الصحافة، يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] تحدثه عن الإعلام فتسمع مثل هذه الحوقلة، حدثه عن كثير من المجالات لا تسمع إلا حوقلة وأنيناً وآهات يرددها، فتقول له: يا أخي الكريم! ما الحل؟ أين البداية؟ كيف تحل هذه المصائب والمشكلات؟ يقول لك: الحل هو الإسلام والقرآن، يا أخي! نحن في مجتمع مسلم، حينما تقول الحل هو الإسلام فإنك لا تأتي بجديد. أقول لك: الاقتصاد يحتاج إلى إصلاح، المصارف الربوية كيف تصلحها وتغير أحوالها من الربا إلى المعاملات الشرعية؟ يقول لك: الحل هو الإسلام، كيف تصلح الإعلام؟ الحل هو الإسلام، سبحان الله العلي العظيم! هل تصلح البنوك إذا وضعت المصحف في طاولة البنك، أو وضعت ورقة فيها آيات في صندوق النقد الإلكتروني؟ هذا كلام عام: الإسلام هو الحل، أعطني برنامجاً عملياً وقدمه لي حتى تصلح به هذا الجانب. حينما أخبرك عن الاختلاط في المستشفيات، عن مباشرة الأطباء الذكور توليد العفيفات المسلمات المحجبات، ورؤية عوراتهن والإطلاع عليها، كيف تحل هذه المشكلة؟ الإسلام هو الحل، هل تضع مصحفاً في غرفة العمليات لتنتهي المشاكل؟ هل تضع مصحفاً في دائرة من الدوائر لتنتهي المشاكل والمخالفات الشرعية؟ لا. هذا كلام عام، نحن نريد أن نضع الأنامل على مواقع الجراح، لا يكفي أن نقول: نحن مرضى، ليس هناك مسئول أو داعية أو كبير أو صغير، يقول: مجتمعنا هو أكمل المجتمعات، كلنا نعترف بأن في مجتمعنا أخطاء وهي عادة البشر، وحينما يوجد البشر فهم مظنة الخطأ، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. لكن -أيها الإخوة! - هل هذا يكفي بأن نتكلم عن العموميات؟ لا. بل لا بد أن نعرف الطريق والسبيل للبداية التي نصلح بها المجتمعات.

من سنن الإصلاح والتغيير

من سنن الإصلاح والتغيير اعلموا أيها الأخوة! أن هناك سنناً في الإصلاح والتغيير، أهمهما: الصبر وعامل الزمن:

الصبر والمصابرة

الصبر والمصابرة أما الصبر فهو سنة من عمل بها وجد النتيجة، الصبر حينما يعمل به اليهود يجدون النتيجة، الصبر حينما يتحلى به النصارى يجدون النتيجة، الصبر حينما يتحلى به البوذيون يجدون النتيجة، الصبر حينما يتحلى به القاديانيون والنصيريون والبريليون والبابويون، وكل أصحاب الطوائف الضالة، من صبر على بدعته، ومن صبر على باطله ومنكره، سيجد نتيجة، كذلك الحق من باب أولى، بل إن الله جل وعلا جعل من أسباب نوال الهداية الصبر، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. قبل أن أقول لك ما هي البداية، أريد أن تضع في قلبك أن مجتمعك فيه خير كثير، لا تنظر بعين واحدة إلى المجتمع، فلا تبصر فيه إلا السلبيات وتغض النظر عن الإيجابيات. وقبل أن أقول لك ما هي البداية، كن كما هو قول الله جل وعلا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} [الأنبياء:47]. إن الله يأتي بحسنات العباد يوم القيامة وسيئاتهم، فأنت لا تنظر بعين واحدة، فتقول: في هذا الجانب فساد، وفي هذا الجانب اختلاط، وفي هذا الجانب رباً وتحلل، وتمتلئ عينك ويمتلئ دماغك وعقلك بأن ليس في مجتمعك إلا الشر والمنكر والباطل، والمصائب والآثام، فهذا أكبر باب لحصول الإحباط في نفسك، وهذا أكبر معول تحطم به رأسك قبل أن تخطو إلى الأمام خطوة واحدة. أقول لك: يا أخي! لا بد أن تضع في حسبانك أن الصبر وسيلة، وأن تضع في حسبانك أنك في مجتمع فيه الخير والشر، وأن واقعك يختلف عن واقع كثير من البلدان، ومن هنا أعاتب إخواني وأحبابي الشباب، الذين بعضهم يقيس مثلاً أوضاع المجتمع هنا بأوضاع مصر، أو أوضاع سوريا أو تونس، يا أخي الكريم! إياك والتخليط، تاريخك يختلف عن تاريخه، ونشأتك تختلف عن نشأته، ومجتمعك يختلف عن مجتمعه، والأمة من حولك تختلف على الأمة من حوله، وأوضاعك تختلف عن أوضاعه، بل هناك فوارق كبيرة جداً جداً، حتى الفساق الذين في مجتمعنا قد يعتبرون في بعض المجتمعات الأخرى في خطوة لا بأس بها في طريق الهداية في نظر أولئك، وليس هذا مبرراً لبعض المخطئين، أو لبعض الواقعين في المعاصي أن يقولوا: الحمد لله، مثلما قال رجل في قديم الزمان، رجل من أهل نجد سافر البحرين، فوجد الناس في معاصٍ وفساد -قديماً وحديثاً، وجد الناس في معاصٍ وفساد- فلما رجع قال: إن شاء الله ستدخلون الجنة؛ لأن أولئك سيملئون النار؛ لأنه قاس مجتمعه بفساد أولئك فرأى أبناء مجتمعه متقدمين جداً في الإسلام، هذا الكلام لا يقال. نحن لا نقول: اجعل نفسك مقياساً لغيرك، وبالمناسبة هذه حجة كثير من الشباب أو بعض الرجال حينما تدعوه إلى الله، يا أخي الكريم: تب إلى الله، أقلع عن الملاهي، أقلع عن ترك الصلاة مع الجماعة، أقلع عن العقوق، عن المحرمات، عن هذا العبث، عن المعاكسة، عن التساهل بالحجاب، يقول: يا أخي الكريم! احمد ربك فهناك ناس غيرنا لا يصلون بتاتاً، هناك ناس غيرنا يشربون الخمر ويزنون، ومتى كان يحتج بالخطأ على الخطأ؟ ومتى قبلت العقول أن يحتج إنسان بالمنكر على المنكر، هذا ليس بصحيح أبداً. فأقول: أيها الأحبة! لا بد أن ننظر إلى مجتمعنا نظرة متزنة ومتعادلة، نظرة نجمع فيها الإيجابيات والسلبيات، خذ مثالاً بسيطاً: أنت في الحي يوجد عندكم مجموعة لا يصلون، اجعل من إيجابيات مجتمعك جماعة المسجد الذين يصلون، يوجد في الحي محل فيديو، في مقابله يوجد محل تسجيلات إسلامية، عندك في المجتمع مثلاً مكان فيه منكرات، في المقابل يوجد مدرسة تحفيظ قرآن. إذاً: حينما تريد أن تعمل في المجتمع، حينما تريد أن تصلح مجتمعك، وتدعو إلى الله، اجعل الإيجابيات والسلبيات بين عينيك، وكيف تستثمر الإيجابيات في محاولة القضاء والتقليل على هذه السلبيات، والقضاء على هذه السلبيات والتقليل منها لا ينال في يوم وليلة. يا أخي الكريم: لابد من الصبر، وهي سنة من سنن الله جل وعلا، الصبر فيه مجاهدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران:200] هناك مفاعلة ومجاهدة واستمرار. وتارة تجد أن الذين في الصف الثاني أو في الطرف المقابل من الذين لم يذوقوا حلاوة الإيمان، لا يزالون يجادلونك بالباطل ليدحضوا به الحق، إما انخداعاً أو شبهات دخلت، أو شهوات تمكنت في نفوسهم. أقول: يا أخي الكريم! تحل بالصبر وبالمصابرة، ولن تذوق هداية الاستقامة، والهداية في مجتمعك إلا بالمجاهدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

عامل الزمن

عامل الزمن عامل الزمن أيضاً أمر ضروري، كما قلنا الصبر سنة من عمل بها وجد النتيجة، فالصبر قرين لعامل الزمن، ففي هذه السنة مثلاً تجد نصف الحي يصلي في البيت، والنصف الآخر يصلي في المسجد، لا تظن أنه بمحاضرة أو بمحاضرتين، أو بإعطاء كل بيت شريطاً، أو بإهداء كل أسرة كتاباً، أن أولئك من ثاني يوم سوف يأتون يبكون في المساجد ويملئونها، لا. عامل الزمن أمر ضروري جداً، بل هو من سنن التغيير، بل من سنن خلق السماوات والأرض، الله جل وعلا قادر على أن يخلق السماوات والأرض في أقل من طرفة عين وانتباهتها، ولكن الله جل وعلا يقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [ق:38] فاصبر حتى تجد النتيجة، واجعل أمامك عامل الزمن، كيف استطاع أعداء الإسلام والذين يخالفون معتقد هذا المجتمع، والذين يتمنون ويتربصون بأهله الدوائر، أن يغيروا هذا المجتمع، وأن ينشروا فيه الضلالات والفساد؟ يا أخي! هذا لم يأت بين يوم وليلة، إنما أتى بجهود طويلة جداً جداً، ليست سنة ولا عشر سنوات ولا خمس عشرة سنة؛ بل أكثر من ذلك. إذاً: أيها الأحبة! لابد أن نضع بحسباننا عامل الصبر والزمن حتى نصلح الناس، بعض الشباب تجده حينما يدعو إنساناً يظن أنه سوف يصيح ويبكي، وسوف يحطم أشرطته الآن، وسوف يتلف الصور التي لديه، وسوف يحرق مجلاته، وسوف يأتيك بجميع ما لديه من أول كلمة!! لا. ولا أقول هذا الكلام لنظن أن التوبة يمكن أن تتحقق مع وجود المعاصي وأسبابها، لا. إنما أقول: حتى تصل إلى هداية هذا الشاب، والبلوغ به إلى درجة التوبة، لا بد أن تعاود عليه، وأن تحاول معه، وأن تردد المشوار مرات ومرات، حتى لا تدع في قلبه شاردة ولا واردة، ولا شاذة ولا فاذة إلا وقد استأصلتها من فؤاده، فلا يتعلق بها.

أهمية توحيد الجهود من أجل الدعوة والإصلاح

أهمية توحيد الجهود من أجل الدعوة والإصلاح أيها الإخوة: الملاحظ أن جهودنا في الدعوة إلى الله مبعثرة، وليست على المستوى المطلوب، وإن كانت تتجه نحو الأحسن يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع، وليس لفقير صغير مثلي أن يُقَيِّم الدعوة وجهود الدعاة، ولكن هذا أمرٌ ملحوظ، فلو سألنا أنفسنا: هل واقع الدعوة من حيث الشمول والاتصال بجميع أفراد المجتمع متحقق؟ هل الدعوة الآن خاطبت شريحة الأطفال؟ وهل خاطبت الشباب بجميع مستوياتهم؛ المثقفين، والمنحرفين، والبين بين؟ هل خاطبت الدعوة الشيوخ وكبار السن؟ هل خاطبت العجائز؟ هل خاطبت المراهقات من البنات؟ هل خاطبت المتزوجات؟ هل خاطبت جميع أفراد المجتمع؟ كذلك: هل مواضيعنا في الدعوة شاملة لكل شيء، أم أننا نريد أو يراد لنا ألا نتكلم إلا في مواضيع محددة؟ فمثلاً: ليس من العقل أن نشغل الناس منذ عشر سنوات إلى يومنا هذا بالصلاة مع الجماعة، وبتحريم الأغاني، وبتحريم حلق اللحى، وبتحريم كذا وكذا، ليس عندنا إلا هذا، بل من واجبنا كما نحدث الناس عن تحريم هذه المعاصي، أن نحدثهم عن النظام الاقتصادي في الإسلام، وكما نحدث الناس عن خطر الملاهي والمعازف وحرمتها والاتجار بها، علينا أن نحدث الناس كيف لو تولى الإسلام أجهزة الإعلام، ماذا سيقدم للمجتمع؟ إذا كان الإسلام والدعوة إلى الإسلام، وأساليب الدعوة إلى هذا لدين رغم محدوديتها وبساطتها، وبدائية أساليبها أثرت في الناس إلى هذه الدرجة، فما بالك لو تسخرت وسائل الإعلام جميعاً، أو خصصت الساعات الطوال لأجل هذا، هل عندنا الشمول في طرح المواضيع؟ كما نطرح هذه الجزئيات نطرح الكليات، وكما نطرح صغار المسائل نطرح كبارها. خذ أخي الكريم! صورة من صور بعثرة الجهود، الخطباء في أنحاء المملكة كم عددهم؟ يوجد في المملكة إن لم تَخُنِّي الذاكرة قرابة ستة عشر ألف جامع، معدل أو متوسط المصلين في كل جامع كذا، النتيجة أن هناك ثلاثة أو أربعة ملايين رجلاً وشاباً وامرأة، كلهم يطرقون لمدة ساعة كاملة على اختلاف التوقيت في أنحاء المملكة لكي يسمعوا خطبة الجمعة، ولكن انظر مع سخونة الأحداث تجد التباين في طرح المواضيع، فمنا مثلاً من يتكلم عن مؤتمر مدريد، وآخر عن مسح الخفين، وآخر في حرب الخليج، وآخر يتكلم على الخوف من صواريخ اسكود، وآخر يتكلم عن أهمية النظافة، وآخر يتكلم عن أسبوع الصحة والتطعيم، وهلم جرا. يا أخي الكريم! هذا من إهدار وتضييع وسائل الدعوة، وعدم استغلالها، عدم وجود استراتيجية وخطة طويلة المدى تشرف عليها الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، لكي تربي هؤلاء الناس، لكي تتابع ما يجد في المجتمع وما يظهر فيه من مصائب. حتى الأجهزة الأمنية يمكن أن يستفيد منها خطباء الجمع، كنت ذات مرة أسأل رجلاً من كبار مسئولي الأمن، فقلت له: لماذا لا تزودون خطباء الجوامع على الأقل في الشهر مرة واحدة بأخطر جريمة حصلت في المجتمع، ولك علينا العهد والميثاق ألا نقول اسم المجرم، ولا مكان الجريمة، ولا مدينة الجريمة، إنما سنذكر هذه الجريمة لكي نحذر من الشر الذي تدور حوله، قال: هذا أمر يحتاج إلى نظر، أو يمكن أن نبحث في هذا. هنا تضييع وإهدار للوسائل، وعدم استغلال أمثل لهذه الجوانب، ولو رَتَّبَتْ مثل هذه الأجهزة مع مراكز الدعوة أو الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية، أو دعت الخطباء وطلبت منهم على الأقل أن يعرضوا ما عندهم، والخطباء لن يترددوا أن يستفيدوا. خذ مثالاً آخر: المخدرات الآن، المخدرات لا يكاد يمر أسبوع وبدون مبالغة في كل مدينة يموت شاب من جراء حقن الهروين وغيرها، و Q هل أخذ التحذير من هذه السموم الخطيرة والضارة حيزه المناسب من جهودنا، ومن صيحاتنا وصرخاتنا؟ وهل هذا المرض الفتاك والداء العضال قد أخذ حيزه المناسب من أجهزة الإعلام مثلاً؟ المسلسلة اليومية، ما ظنك لو أن نصف برنامجها يصرف في بيان أخطار المخدرات، وآثارها، وكيفية الحذر من الوقوع فيها وبداياتها، أو التنبيه على أساليب المروجين والمفسدين الذين يوقعون الجهلاء والمخدوعين في شراكها وشباكها، هل هذا موجود؟ لا. غير موجود. إذاً نحن على المستوى العام والخاص لم نستغل ولم نستفد ولم نفد على الوجه الذي ينبغي، خذ مثالاً على ذلك: أهمية هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل أعطيت هذه الهيئات حجمها؟ ما ظنكم لو أن عشر دقائق من التلفاز يومياً أو من الإذاعة أبرزت بدون أسماء، وبدون أحياء، وبدون أسماء مدن كلاماً عاماً عن حجم الجرائم التي يضبطها رجال الهيئة بالجرم المشهود، فلو فُعل لأدرك الناس أهميه هذا الجهاز، ولتمسكوا به، ولعضوا عليه بالنواجذ، ولشعروا أنهم لا يمكن أن يستغنوا عن مثل هذا الجهاز، بل لرأيت الحاجة إلى تطوير هذا الجهاز وتطوير أساليبه قائمة. أيها الإخوة: ما مضى هو استطراد لكي تشعروا حجم الحاجة إلى الإصلاح، ولكي تشعروا بحجم الوسائل التي بين أيدينا وهي مهدرة لم تستغل ولم تستثمر، ولكي تشعروا وتدركوا حجم الخطر الذي يجر أبناء المجتمع إلى الهاوية، ولكن Q البداية كيف ومتى وأين؟

البداية النفسية

البداية النفسية البداية قبل أن أتكلم في وسائلها وأساليبها، سأسألكم أنتم أيها الحضور: هل تهيأت نفوسكم للبداية والانطلاق في إصلاح هذا المجتمع؟ هل تصيبك الغيرة ويقلقك ضميرك، وهل تتقلب على فراشك وأنت تفكر في حال خمسة أو ستة من جيرانك الذين وقعوا في أسر كثير من الأمراض، والشهوات الخبيثة، والعادات الضارة؟ هل تنزعج حينما تدخل سوقاً من الأسواق وترى حجم التبرج فيه؟ وهل تنزعج حينما ترى الاختلاط في مجال من المجالات؟ هل تنزعج وتجد الأسى يعصر قلبك إذا مررت ببنك ربوي، وتقول: متى يكون هذا البنك على منهاج الله ومنهاج رسوله صلى الله عليه وسلم؟ هل وجد هذا التهيؤ النفسي؟ البداية النفسية قبل البداية الحسية، تهيؤنا لأن نبدأ، وتهيؤ النفس للإصلاح هو أمر مهم جداً من أجل أن يشارك كل واحد منا، ولكي يستلم كل واحد منا دوره، في أن يقدم ولو لبنة واحدة في إصلاح المجتمع والتغيير نحو الأفضل. إننا نجد شباباً قد شدوا المآزر، وتعاهدوا بالله، وتعاونوا على مرضاة الله في الدعوة إلى الله جل وعلا، تجد عددهم سبعة ثمانية، هم لم يعرفوا عالماً معرفة وثيقة حتى يزوروه ويزورهم، يحضرون مثل هذه المحاضرات، يسمعون الأشرطة، يسمعون خطب الجمعة في بعض الجوامع، فتجد الثمرة الطبيعية في القلوب الحية، وفي العقول الوثابة المتطلعة إلى أن تضع نفسها في موقعها المناسب لإصلاح مجتمعها، ترى الثمرة الطبيعية من هؤلاء الشباب أن يقولوا: ماذا نعمل؟ وكيف نعمل؟ تجد بعضهم يركز على مجموعة من محلات الفيديو لكي يدعو أصحابها ويتخصص فيهم، وبعضهم يركز على عدد من الشباب الذين في سجون المخدرات أو في مستشفيات الأمل، لكي يحاول أن يدعوهم إلى الله، ويتوبوا إلى الله، ويربط معهم علاقة، ويكون معهم رعاية لاحقة بعد خروجهم من هذه السجون، ومن ثم يفيد ويستفيد بإذن الله جل وعلا. أقول: ونِعْمَ هذه الجهود الطيبة التي نراها من شبابنا وإخواننا، فهل كل الإخوان الحضور الآن، وهل جميع شباب الصحوة في أنحاء هذه البلاد الطيبة على مستوىً من الاستعداد للإصلاح؟ أم أن همنا أن نتناقل الأخبار: سمعت ماذا قال فلان؟ لا والله ما سمعت، قال: كذا وكذا وكذا، الله يجزيه الخير خطبة ممتازة، خطبة حماسية ورائعة، ما رأيك أن نتغدى اليوم سوياً، في أي مطعم؟ الله أكبر! بعد التكبير والحماس، والخطابة والمواضيع، نفكر بالغداء مباشرة، لا يفكر واحد بعد الخطبة أن يقول ماذا أقدم؟ هل بين يدي أمر أستطيع أن أبدأ به؟ هل عندي مجال أستطيع أن أستغله؟ لا. مجرد أن نردد العبارات والكلمات، ثم بعد ذلك تجد الواحد يعود إلى ديدنه وطبيعته ونمط حياته الرتيب الذي لا يقدم فيه للمجتمع خيراً.

البداية الحسية

البداية الحسية أخي الكريم: إن الالتزام والدعوة إلى الله جل وعلا، لا تقف عند إطلاق لحيتك وتقصير ثوبك، أو حرصك على الصلاة فقط، نعم هذه بوادر بناءة وإيجابية وواجبات شرعية، ولو خالفتها لكنت وشيك الإثم، لكن يا أخي الكريم! ماذا قدمت؟ ماذا أصلحت؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه. أيها الإخوة! أقول لكم: إن البداية طالما أننا لا نجد تخطيطاً للدعوة إلى الله، ولا نجد جهازاً مركزياً يخطط للدعوة على مستوى المجالات وفي شتى الميادين، وعلى مختلف الشرائح والمستويات الموجودة في المجتمع، أقول: واجبنا نحن أن نبدأ العمل، والبداية تتلخص في الآتي، وليست بجديدة على أسماعكم، لكني رأيت فائدتها، ولمست ثمراتها، ورأينا خيراتها تتدفق بإذن الله جل وعلا، فكان لزاماً عليّ أن أبلغ إخواني، و (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

التخطيط

التخطيط أخي الكريم: إن الدعوة إلى الله جل وعلا، والبداية في إصلاح المجتمع لا تنتظر أمراً يأتيك بها، قد أمرك الله وحثك رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن البداية فيك أنت. دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر وتحسب أنك جسم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر أنت أخي المسلم! إما نعمة وإما نقمة، أنت طامة أو نعمة عظيمة، ومتى يكون الإنسان طامة أو نقمة؟ حينما يتخلى عن هذا الدين، ويسلك سبيل المبطلين، ويتبع المنحرفين، ويكون شوكة في حلوق الدعاة والمخلصين، حينئذ يكون طامة. ويكون نعمة عظيمة حينما يقوم بدوره، ويؤدي ما له وما عليه. البداية جربناها، ولعل الإخوة جربوها؛ إمام المسجد مع الشباب الصالحين الموجودين في الحي، مثلاً لو قلنا: إن مدينة الطائف مساحتها عشرة كيلو مترات، بجهاتها الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، لو قسمت مدينة الطائف إلى أربعة مربعات أو أربعة أحياء مثلاً، وكل حي من الأحياء فيه أربع مخططات سكنية، في كل مخطط سكني جامع ومسجدان.

طرد الشك والخوف

طرد الشك والخوف يا أخي الكريم! الجامع والمسجدان اللذان حوله لو اجتمع الشباب الطيبون الذين في هذه المساجد في بيت أحدهم، وقالوا: نحن في المخطط رقم واحد في الجهة الشمالية من الطائف، كيف نستطيع أن نشارك في بناء المجتمع؟ أولاً: ينبغي أن نشارك بإزالة الأوهام والخوف من نفوسنا، بمعنى أننا إذا اجتمع أئمة المساجد الذين في هذا المخطط في ربع هذا الحي، ينبغي أن يشعروا أننا نمارس عملاً حلالاً مباحاً كما يشربون الماء، فأنت لا تمارس عملاً محرماً، لا تروج مخدرات، ولا تتاجر بأفلام فيديو خليعة، ولا تدعو الناس إلى منكر، ولا تخالف سياسة الدولة، إنما تقوم بعمل إيجابي. أيها الإخوة: مصيبتنا في بعض الشباب حينما تقول له: خذ هذه عشرة أشرطة، أعطها أقاربك وجماعتك الذين سيزورونك هذا المساء، يقول: لا، توزيع الأشرطة ممنوع، مسكين، جبان! يا أخي الكريم! الشريط هذا من أين جئت به؟ هل هربته؟ هل أخفيته عن الجمارك؟ هل أتيت به وراء خفر السواحل؟ هل لعبت على حرس الحدود وأدخلته؟ أم أنه شريط من تسجيلات إسلامية مصرح بافتتاحها من الإدارات المسئولة في بلدك؟ وحينما أقول لك: خذ خمسين كتاباً وزعها على أقاربك في هذا الزواج، تقول: لا، هذا ممنوع، لماذا؟ وهل هذا الكتاب طبع من دار بنجوين في لندن، هذا الكتاب مطبوع في دار الوطن أو دار الصميعي للنشر والتوزيع، أي أن هذا الكتاب قد قرئ في الإفتاء، وقرئ في وزارة الإعلام، وقرئ في مجالات كثيرة، وخضع للمراقبة، إذاً ما الذي يخيفك حتى توزعه؟ أريدك يا أخي أن تزيل عنك وسوسة الشيطان، قال الله جل وعلا: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]. كثير من أهل الخير، وكثير ممن في نفوسهم الخير، حتى وإن كان عليه بعض مظاهر التقصير ففيه خير كثير، ولكنه يخاف، ولا يوجد شيء حقيقي يخاف منه، لكن يوجد الوهم الذي يجعله بهذه الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد قلتها في شريط (من هنا نبدأ) قال لي أحد الشباب ذات مرة: أنا يراقبني أربعة، ما شاء الله أربعة يراقبونك، والأخ من الألوية الحمراء، أو من رجال المافيا؟ من أنت يا مسكين؟! بعض الناس بمجرد أنه يصلي الفجر، ويقصر ثوبه، ويشتري أشرطة إسلامية، يظن أن الناس قد أشارت إليه بالبنان، وقد لاحظته بالعيان، وأصبح شخصاً مشكوكاً فيه ومطارداً. يا أخي الكريم! أنا أخبرك أن هذه الأوهام جاءت نتيجة قراءة لأوضاع بعض الدول المجاورة، نعم يوجد أن بعض الدول عندهم سماع الشريط جريمة، توزيع الشريط سجن مؤبد، نشر كتاب أعمال شاقة وهلم جراً، لكن يا أخي! إياك أن تنقل حقيقة جيرانك إلى أوهام عقلك، فتبقى مقيداً مكبلاً لا تستطيع أن تغير في مجتمعك تغييراً نحو الإصلاح ولو خطوة واحدة، وأهل الشر يفسدون في مجتمعك بالدقيقة واللحظة والثانية.

توحيد الجهود والبداية بالبيئة المحيطة

توحيد الجهود والبداية بالبيئة المحيطة أول شيء نريد أن تعرفه: أنك أنت الأصل، الخير هو الأصل، والدعوة إلى الله هي الأصل، والإسلام هو الأصل، والإيمان هو الأصل، والغيرة هي الأصل، والحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما الأصل، وما جاءنا من سموم وسهام التغريب والعلمنة وإفساد المجتمع هو الطارئ والغريب والدخيل، أصلح هذا الأمر في عقلك، وأصلح هذا الأمر في نفسيتك، وحينئذ ستقتنع أنك قادر على أن تغير في مجتمعك، سيما إذا عرفت الجوانب الإيجابية في المجتمع، وأدركت أنك تعمل في مجتمعٍ الخير فيه كثير. أقول أيها الإخوة: ليجتمع إمام المسجد، والشباب الأبرار، والرجال الأخيار في هذا المسجد، الغيورون على صلاح الحي وأهله مع أئمة المساجد المجاورة في بيت واحد، ويقولون: نريد أن نصلح المجتمع كله، ابتداءً من حارة عمار في الحدود وانتهاءً بحدود اليمن، لا. هذا إصلاح خيالي، نريد أن نصلح المجتمع، أي: المجتمع الذي بين أيدينا، المخطط المجاور لنا، المربع الذي نسكن ونعيش فيه. كل مجموعة من الشباب إذا قالت هذا الكلام، فستجد أن الإصلاح عم كل المناطق، كل من كان في حي أو في مربع أو في مخطط سيصلح مربعه ومخططه الذي يسكن فيه، ومن ثم ترى الإصلاح في جميع أنحاء بلادك، وهذا خير عظيم تؤجر وتثاب عليه دنيا وأخرى. نبدأ بأن نتآزر وأن نتعاهد على أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الله، ثم إن هذا العمل ليس سرياً، أهلاً وسهلاً بمن أراد أن يشارك في هذا العمل وحياه الله، رجل أمن، مدير الشرطة، رئيس القسم، مدرس، مهندس، طبيب، أياً كان ليشارك معك في هذا الإصلاح؛ لأنك حينما تصلح المجتمع لا تصلح المجتمع بأساليب سرية، ولا تصلح المجتمع بوسائل سرية، وإنما تصلح المجتمع بما يباع في المجتمع، وتصلح المجتمع بما هو موجود في المجتمع، وعندك من المجالات والثغرات التي تحتاج إلى سنين لإصلاحها، لا أقول هذا تثبيطاً، لكن تذكيراً بالصبر وعامل الزمن. إذا اجتمعنا وتعاهدنا بالله على أن نصلح مجتمعنا، فنبدأ بتحديد جيران الحي الذي نحن فيه، مثلاً هذا المخطط الذي نسكن فيه، فلنفرض أن فيه مائتي بيت، ونحن ثلاثة أئمة أو اثنان من الأئمة، معنا عشرة أو خمسة عشر من الشباب الملتزم، أو حتى من الغيورين ولو كان فيهم بعض مظاهر المعصية، أو المخالفات الشرعية؛ لأن معصيته لا تدل على أنه لا يغار على المجتمع ولا يرغب في الإصلاح، ثم نوزع على كل بيت شريطا أسبوعياً تجعل الشريط في ظرف، وتطرق الباب: حياك الله يا جارنا الحبيب! هذا من إخوانك في جماعة المسجد تفضل، هذه رسالة من جماعة المسجد تحوي شريطاً، ولو سألك: من أين الشريط؟ قل: الشريط مكتوب عليه اسمه، واسم التسجيلات التي تبيعه، واسم المحاضر الذي ألقاه، ونحن مسئولون عنه، حتى تشعر أنك تقوم بعمل، مثلما يقدم لك قارئ العدادات الفاتورة، هل يتلفت قارئ العدادات حينما يريد أن يقرأ القراءة من عداد الكهرباء، يلتفت هكذا وهكذا ويسقط الفاتورة ويذهب، لا، إنما يطرق الباب، ثم ينظر ويسجل القراءة ويعطيك الفاتورة. أقول: يا أخي! بنفس الثقة وبنفس القناعة والطمأنينة لابد أن تقدم لكل بيت مادة نافعة، تقدم في الأسبوع الأول شريطاً، الأسبوع الثاني كتاباً، الأسبوع الثالث شريطاً ونصيحة مطبوعة في ورقة، الأسبوع الرابع كتاباً ونصيحة مطبوعة في ورقة، وحتى لا يقول لك أحد: من أين أتيت بهذه المطبوعات؟ خذ من الرسائل الصغيرة التي هي للشيخ ابن باز أو ابن عثيمين أو ابن جبرين أو الشيخ البراك أو أحد الدعاة المعروفين وقدم ما عندك. يا أخي الكريم! ثق تمام الثقة أن هذا الضخ والإعلام وتزويد الجيران أسبوعياً بقضايا تستجد في الواقع، وأحداث مهمة، سوف يجعل هناك وعياً، وإذا وجد الوعي في البيوت والأسر وجد الوعي في المجتمع. يا أخي الحبيب! الناس سوف تترك المنكر تلقائياً، وهذا لا يعطل وظيفة الحسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن سؤال مجتمع من المجتمعات أو حي من الأحياء، بجواره محل تسجيلات أغانٍ ومحل تسجيلات الفيديو الخليعة، وما الذي يحصل فيه، جيران الحي، أو الدعاة، أو جماعة المسجد، أو شبيبة المسجد مع الأئمة قاموا بهذا النشاط، وأصبحوا أسبوعياً يوزعون كتاباً، رسالة، نصيحة، وأيضاً في كل شهر يدعون فقط أهل الحي لندوة خاصة بهم، ليست ندوة عامة يحضرها الجميع، لا، ندوة لأهل الحي، ترتب مع مكتب الدعوة لإقامة ندوة للحي يحضرها أهل الحي، ليس من شرطها أن تكون محاضرة يحضرها آلاف، وإنما ندوة يحضرها مائتان، مائتان وخمسون، ثلاثمائة، مائة وثمانون من جيران الحي، ويكون فيها أحاديث ودية، ونقاش وحوار، وماذا بعد ذلك؟ مثلها مخصصة للنساء. هل تظن أن صاحب محل الفيديو الذي يبيع الأفلام الخليعة، وصاحب التسجيلات الخليعة الذي يبيع الأغاني هذه سيجد أحدهم زبائن يشترون منه؟ لا والله؛ لأن الحي هو سوقه ومكان الاتجار فيه، والمستهلكون والزبائن قد ارتفع مستوى الوعي عندهم فعرفوا أن هذا محل فيديو، بل هو وكر من أوكار الشيطان، وهذا محل أغانٍ، بل هو حانوت من حوانيت الفساد، فلما ارتفعت نسبة الوعي قاطعه الناس، فاقتنع وربما أغلق محله.

الاستفادة من الطاقات المعطلة

الاستفادة من الطاقات المعطلة زيادة على توزيع الشريط والكتيب والنصيحة أسبوعياً، والدعوة الشهرية للندوة لأهل الحي شهراً للرجال وشهراً للنساء، أن الشباب الطيب في الحي لا تتركهم هكذا عطلاً، لا تجعلهم هكذا هملاً، أعطهم أدواراً، عندك في الحي مثلاً عشرون شاباً ملتزماً، فتقول: تعالوا أيها الإخوة! أنتم خمسة تزورون محل الفيديو يوم السبت، تبتسمون إليه، واحد يعطيه هدية، وواحد يكرمه، وآخر يدعوه إلى البيت، قد لا يقبل منكم أول يوم، ويمكن أن يأخذ الهدية ويقول: اخرجوا إلى الخارج، مثل المطاعم التي تجعل المرق مجاناً، يشربون المرق ويخرجون لا يشترون. فأقول: قد يقبل منك الهدية ولا يقبل منك النصيحة، ولكن ليس هناك مانع فإنما هي هدية ذهبت يأتي الله بغيرها، أرسل إليه الخمسة الآخرين غداً أو بعد غد بنفس الهدية والابتسامة والنصيحة، ادعه إلى البيت قد يقبل أو لا يقبل، بعد ثلاثة أيام أيضاً زيارة. أيها الإخوة! عندنا في الحي الذي نسكن فيه افتتح شاب محل فيديو كله أفلام لا تليق، ووالله لو نعرف أن هذه الأفلام تخرج لنا طيارين، أو رجال أمن، أو مهندسين أو أطباء، أو دعاة أو علماء، لساهمنا مجاناً من جيوبنا في هذه المحلات، لكن ماذا تقدم هذه المحلات؟ تقدم الشر والمنكر، وتجعل الناس يتخدرون ويموتون ويقنعون، والواحد لا هم له منذ أن يشتري الشريط إلا أن ينتظر متى تنكشف فخذ، أو تبدو عورة، أو تظهر قبلة، أو يرى مشهداً خبيثاً، فقط لا غير، بل إن بضعهم من كثرة الملل من سيناريو وحوار المادة الإعلامية الموجودة في الشريط، مجرد أن يضع الشريط يجعله يلف سريعاً، حتى يجد المشاهد الحساسة التي تثيره، ويجلس متخدراً تحت جذوة هذه الغريزة التي لا تزيده إلا هواناً وانحساراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وماذا بعد ذلك؟ هذه تخدر المجتمعات، هذه أفيون المجتمع، هذه هي مخدرات الواقع، التي تجعل الناس يقبلون الفساد والمنكر والضلال، ولا تتحرك عندهم غيره، ولا تنمو فيهم نخوة أبداً. أقول: أيها الإخوة! توزيع الأدوار على هؤلاء الشباب سيجعل من الشاب العاطل جذوة ملتهبة، سيجعل من الشاب الذي تظنه لا يصلح أن يسرح بعنز واحدة، يقود فريقاً من الشباب إلى الدعوة إلى الله جل وعلا، الإنسان الذي لا ترى فيه إلا علامات السكون والخمول، والضعف والدعة، ستجد فيه المواهب المتطلعة، والقدرات العالية التي توظف وتسخر بإذن الله جل وعلا لإصلاح المجتمع. أيها الإخوة! من آثار هذا البرنامج لما طبق، أن عدداً من البقالات الآن لا تبيع الدخان، قد يقول قائل: والله مسكين المطوع هذا، يظن أن إصلاح المجتمع بترك الدخان، لا يا أخي! نحن نريد أن نعالج إخواننا الذين يقعون في مثل هذه المصائب بمساهمة من المساهمات، وهو أن نقطع على الواحد منهم سهولة تناول المادة التي يدخنها، فإذا دخل في بقالة في اثنتين في ثلاث على مستوى محلات كبيرة -ما يسمونها سوبر ماركت- يبحث فيها فلا يجد أحداً يبيع دخاناً، وهذه نعمة عظيمة من الله. فأقول لك: محل الفيديو الذي عندنا في الحي دخلت عليه، وإذ بالشباب قبلي قد دكوا أرضيته بالرصاص، فلما دخلت عليه: كيف حالك يا أخي؟ (عساك طيب) يستغرب: ما الذي أتى بهذا الشيخ؟ يشتري مباراة أو فلم كرتون، ماذا يريد؟ فقلت له: أسأل الله جل وعلا أن يبدلك بتجارة حلال أبرك من هذه التجارة المحرمة. قال: آمين نسأل الله أن يستجيب وأن يسمع منك. قلت له: يا أخي الكريم! والله إني أخاف عليك وأحبك، وأنا أعرف أن الشباب جزاهم الله خيراً قد مهدوا الطريق، يا أخي الحبيب: ألا يسوؤك أن من زنى عليك مثل وزره، وأن من فعل الشذوذ، عليك مثل إثمه؟ ألا يكفي أن يتحمل الإنسان ذنوب نفسه بدلاً من أن يتحمل ذنوب الآخرين زيادة؟ يا أخي! ألا يسوؤك أن من مر من أهل الخير إما تعوذ بالله من هذا المحل وصاحبه، أو دعا على صاحبه؟ قال: يا أخي! الله يجزيك الخير، أين أنت؟ أنا منذ أن فتحت هذا المحل والنوم الطبيعي لا أعرفه. بدأ الإنسان يخرج الحقائق، قد يكون صاحب المحل أو صاحب الملاهي وآلات الطرب مكابراً في البداية، تقول له: يا أخي! اللهو قسوة للقلب، يقول: تكذب يا شيخ، بالعكس الواحد ينبسط إذا عزف، وينسجم إذا سمع الوتر والنغم، هو يقول هذا بلسانه، لكنه بقلبه يعرف هذا الشيء: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14] في نفسه اليقين بصدق ما تقول، وفي لسانه الجحود بضد ما تقول، وما هي إلا لحظات وكلمات، إذا بك تجد الشاب يستقيم. آخر أجريت معه نفس المحاولة، فما الذي حصل منه؟ قال: على يديك، أنا مستعد أن أتنازل عن أكثر من مائة وعشرين ألف ريال في المحل، ولكن خلصني وأعني على الخروج من المأزق وهذه الدائرة، وبالمناسبة من خلال زيارات ولقاءات مع أصحاب محلات الفيديو النتائج الآتية ظهرت: أولاً: كثير من أصحاب محلات الفيديو لا زال فيهم خير يمكن أن يستثمر. ثانياً: أغروا إغراءً بالربح المادي، وليس في محلات الفيديو وبيع الأشرطة الفاسدة والمتاجرة بها إلا الهم والغم، والإثم والحرام والخسارة، وهم حقيقة مثل الذي يشرب من ماء البحر وهو عطشان، يشرب لكنه يزداد عطشاً، الماء كثير والعطش يزداد، ولما ناقشنا عدداً منهم، قال أحدهم: والله يا أخي! إنني أجد الغلة يومياً كثيرة، لكن تأتي الشركة الدولية للفيديو فنعطيها، مركز كذا للفيديو فنعطيه، والمركز الفلاني فنعطيه، المؤسسة الإعلامية فنعطيها، والموظفين؛ هذا الموظف نحن نصرف راتبه من عندنا، وهذا نعطيه صيانة أجهزة، إيجار محل، آلات تغليف، آلات طباعة، وما الذي يبقى؟ الجيد منهم يبقى معه ثلاثة آلاف ريال، ثم يتحرج أن يأكل بها، أو أن يلبس بها، أو يحج بها، أو يتصدق بها، أو يقدم بها مشروعاً خيرياً. إن هؤلاء حينما تكلم أحدهم بصراحة وتدعوه، وتقترب وتدنو منه، ليس بالضرورة في الأسبوع الأول ولا في الشهر الأول، قد يكون في السنة الثانية أو الثالثة، المهم استمر، ودورك شيء والحسبة شيء ثانٍ، دورك الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يظن أحد أن الدعوة هي الحسبة وأن الحسبة هي الدعوة، نعم. الحسبة تتضمن الدعوة، لكن شتان بين هذا وهذا، أنت تدعو بالكلمة، وتؤثر بالأسلوب الرقيق، وترَغِّب بالموعظة اللينة، وذاك يستخدم هذه الأساليب، وحينما يجد ما يستلزم إيقاع العقوبة، أو يرى شيئاً فيه ما يلزم من جرائه غرامة أو إغلاق، أو عقوبة يقدم صاحبها إلى المحاكمة، ولا تنافر بين هذا وهذا.

فتح مجالات جديدة أمام المدعوين

فتح مجالات جديدة أمام المدعوين الحاصل أيها الإخوة! هذه هي البداية، شباب الحي أيضاً يتعرفون على الشباب المقبل على الله جل وعلا، أو حتى على الشباب المنحرف، يعين مجموعة من الشباب الطيب يعرفون مجموعة من الشباب في الحي يلعبون الكرة بعد العصر يومياً، ما الذي يمنع بعد نهاية المباراة التي تخص هؤلاء الشباب الذين يلعبون في الحي أن يأتي أربعة أو خمسة يقولون: يا شباب ما رأيكم أن نستضيفكم؟ - على ماذا تضيفوننا؟ - والله كما تشاءون؛ تريدون بخاري أو مندي حياكم الله، تفضلوا عندنا. قد يرفضون، نستضيف اثنين أو ثلاثة منهم، أربعة أو خمسة أو ما يسر الله منهم، أعط شريطاً، كتاباً، موعظة، استدع أحداً من الإخوة تستضيفه ويلقي كلمة أو نصيحة أو موعظة فإنه سيؤثر على هؤلاء الشباب. لكن هؤلاء الشباب تعودوا المجالسة طيلة الوقت، العصر يلعب كرة، والمغرب مع الشلة، وبعد العشاء عند الفيديو، فحتى يستمر على الاستقامة والتوبة لا بد أن تفتح له المجال والبيئة التي يصلح بها، وتحافظ عليه فيها بعيداً عن أهل المنكر، ما الذي ينبغي أن تفعله؟ يلزمك يا أخي الحبيب! أن توجد في كل حي مكتبة، هذه المكتبة من شأنها أن يجتمع فيها الشباب بعد العصر، وفي يوم من الأسبوع يخرج شباب الحي لكي يلعبوا الكرة، قدماً أو طائرة، أي لعبة مناسبة للترويح وللسياحة، أو للأكل في أحد منتزهات المدينة، ويعودون وقد أدخلوا ضمن هذه الطلعة القصيرة شيئاً من القراءة أو الفائدة أو الموعظة المؤثرة ونحو ذلك. أيضاً: الشاب لو جلس المغرب وحده، فلان صاحبنا الأول، فلان صديقنا الأول، فلانة التي تعاكسه ربما ينتظرها على التلفون، إذا أنت لم تفتح له مجالاً يترك فيه فلاناً وفلانة لكي يأتي عندك، كما قلت: عندك المكتبة تكون مفتوحة، فتحتوي وتؤوي هذا الشاب. مثلاً: البيوت بعد المغرب: أنا أفتح بيتي يوم السبت، لو فتحت بيتي طيلة أيام الأسبوع، شغلت عن أهلي وذوي رحمي ومصالحي، لكن أقول يا إخوان! من أراد زيارتي فأنا أفتح بيتي يوم السبت فقط أو يوم السبت والثلاثاء فقط، وأنت -الأخ الفلاني أو إمام المسجد- تفتح بيتك يوم الأحد والأربعاء، وفلان يفتح بيته يوم الإثنين والخميس، ويوم الجمعة مثلاً فليكن يوماً مفتوحاً للجميع، المهم يا أخي! أن نجعل للشاب مكاناً يستطيع أن يرتاده، قد يقول البعض: لا، فليذهب إلى حلقة علم أو محاضرة، (يا سلام!) إذا كانت توجد محاضرة فهذا شيء جيد، لكن ليس كل المناطق فيها محاضرات يومية أو في الأسبوع مرتين أو ثلاثاً، لا. بعض المناطق يكون عندهم في الشهر أو الشهرين محاضرة واحدة فقط. ومن هنا تكون الحاجة ماسة إلى المكتبة الخيرية في المسجد أو في أكبر مسجد في الحي، وتكون الحاجة أيضاً ماسة إلى أن تُفتح أبواب الدعاة وأبواب الشباب الراغبين في الخير، حتى لو لم تكن على مستوى كبير في العلم، أياً كان مؤهلك؛ ثانوية المعهد، عندك قراءات، تحفظ من القرآن الكريم، عندك من المعلومات التي لخصتها من الأشرطة التي قرأتها، من الكتب النافعة، افتح بيتك وتحدث مع إخوانك فيما يصلح ذواتكم وأحوالكم وأنفسكم. حينئذ لن يجد الشاب الذي وضع قدماً في الطريق إلى الهداية حرجاً في قضاء وقته، حل المغرب أنا أعرف أين الجلسة اليوم هي عند الشيخ فلان، أو اللقاء اليوم عند الشيخ فلان، حياه الله والبيت مفتوح، وحيا الله من نعرفه ومن لا نعرفه، ليس عندنا حديث نخبئه، وليس في كلامنا أسرار، عندنا إصلاح مجتمعنا، كيف نصلح مجتمعنا وأنفسنا، نقرأ في سير الصحابة والتابعين، في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، في أحكام الآيات والأحاديث، هذا من خير ما نستطيع أن نقدمه.

نتائج متوقعة لهذه البداية

نتائج متوقعة لهذه البداية إذا وجدت هذه البداية في جميع الأحياء في الطائف وفي الرياض وفي مكة وفي جدة، والله أيها الإخوان! بعد خمس سنوات سترى أن المجتمع بإذن الله جل وعلا يهجر دكاكين اللهو وأماكن الطرب والإفساد، وستجد الناس يقبلون على الاستقامة. كذلك نفس هذا البرنامج مطلوب من الأخوات مثله، حينما يوجد في الحي داعية ومدرسة، ما الذي يمنعها مع أخواتها وصويحباتها أن تطبق مثل هذا البرنامج بقدر ما يناسب المرأة وتخصصاتها. أيضاً: إذا وجدت هذه الفكرة في جميع الأحياء والقرى والمدن والمناطق، صار -ما شاء الله- كل المجتمع خَيّراً، ومجتمع الجزيرة أصله خير، حتى الحليق فيه خير، وحتى المدخن فيه خير، وحتى الذي يسمع الغناء فيه خير، لكن نقول: عنده خطأ بهذه المعصية، لا نقول: قد أصبح شراً محضاً، نقول: فيه خير وخير كثير، لكن عنده هذا الخطأ، وهذا الخطأ ربما كان يعيقه عن الغيرة في إصلاح مجتمعه، أو ربما كان سبباً في عدم إدراكه لأهمية إصلاح مجتمعه. فإذا صلح هذا المجتمع على هذا المستوى، ظهرت الأقلام التي تنتقد عرض المسلسل الفلاني في اليوم الفلاني، لست وحدك من يكتب إلى المسئول في الإعلام ولا أربعة ولا خمسة بل آلاف الرسائل في المجتمع: إن البرنامج الذي عرض في اليوم الفلاني يخالف الأسس التي قامت عليها البلاد، والتي يقوم عليها الدين، والتي قامت عليها عادات وقيم وتقاليد هذا المجتمع. قد تكون فاتت على المسئول، أو زلت على الرقابة فيعرف أن هناك مجتمعاً واعياً، لا تطوف عليه أمور اللهو وأمور الفساد، قد يقول قائل: يا مسكين! أنت تتكلم والبث المباشر قريب والكل سينظر، نكتب رسالة إلى أمريكا: لماذا ترسلون لنا هذا المنكر؟ أقول: يا أخي! أصلح ما بين يديك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2] ولا تحتج بفساد أولئك لتقبل فساداً في واقعك أو في مجتمعك. كذلك الإصلاح في المرافق العامة، المستشفيات، ليست الغيرة عندي ولا عندك بل عند جميع أفراد المجتمع، وخذوا مثالاً بسيطاً: مستوصفات أهلية يدخل الإنسان فيجد في استقبال الرجال ممرضات جميلات، والمستوصف له ثلاث وأربع سنوات لم تتلق إدارة المستوصف أو إدارة الشئون الصحية رسالة واحدة تتضجر أو تشكو أو تنتقد أو تلاحظ هذا المنكر، لماذا؟ لأنه يوجد تبلد، ليس هناك بداية للإصلاح، وليس هناك انطلاقة لتغيير المجتمع نحو الأفضل. وبعض الناس يقول: ليس في الإمكان أحسن مما كان، تقول: نريد أن تكون أحسن وأحسن إلى أن نعذر أمام الله جل وعلا. وثقوا تمام الثقة أن هذا المشروع وهذه البداية هي طريق إصلاح بإذن الله، إذا صلح المجتمع وأصبح الوعي بهذه الدرجة، ظهرت عندنا العقول المنتجة والمبتكرة، وخرج مجموعة من الشباب يقدمون برامج مختلفة في الإذاعة وفي التلفاز وفي وسائل مختلفة تعالج مصائب المجتمع، لا تقل: نعم، قبلي أغنية وبعدي أغنية، فكيف أقدم برنامجاً إصلاحياً؟ أقول: قدم يا أخي! على الأقل أن تزرع وردة بين الأشواك، أن تلقي نصيحة بين هذا الغث المتتابع من الأمور الرديئة أو المخالفة لأمر الله وشرعه.

أهمية التخصص في الإصلاح

أهمية التخصص في الإصلاح أخي الحبيب! لئن كنت أنت أو أنا ممن لا يعرفهم الناس، أو لا جمهور لنا يسمعون منا أو يحضرون مجالسنا، إن التلفاز جمهوره الملايين، إن الإذاعة جمهورها مئات الملايين، فلماذا لا تتحرك في هذا المجال؟ لماذا لا تعمل؟ ولكن بطول الصبر والتخصص، تجد بعض الشباب -ما شاء الله- كالنحلة، لكن لا يتخصص؛ فهو يوماً في المخدرات، ويوماً في السجون، وآخر في الإذاعة أو التلفاز، ومثله في الصحافة، ويوماً تعب وكسر القلم، ويوماً مزق الأوراق، ثم عاد إلى المكان الفلاني، ويوماً في الأندية، لا تجد له مكاناً معيناً للإصلاح والدعوة فيه. نقول: إن بدايتنا لإصلاح مجتمعنا بهذه الطريقة، سوف تخرج جيلاً فيه مجموعات، مجموعة تتخصص لإصلاح الأندية، ومجموعة تتخصص لإصلاح الإذاعة، ومجموعة تتخصص لإصلاح التلفاز، ومجموعة تتخصص للمشاركة في طرح برامج مالية للشركات. أيها الإخوة: نحن نملك الخير الكثير، صافولا شركة الزيوت المعروفة، لما طرحت للاكتتاب، تقاتل الناس من أجل الحصول على كوبونات أو استمارات الأسهم، سبحان الله العلي العظيم! وأصبح الناس يخدع بعضهم بعضاً: تعطني تابعيتك وتابعية أولادك ولك على الرأس أربعون ريالاً، بيع غنم ما شاء الله. Q صافولا لما طرحت الأسهم للاكتتاب، غطت مرات عديدة أكثر من رأس المال، فهل فكرنا أن نطرح شركة إسلامية طبية، شركة للعناية بالشئون الصحية، وهذه من المجالات المفتوحة، ويكون أهم دور من مهمات هذه الشركة إيجاد مستشفيات للولادة لا يوجد فيها رجال أبداً إلا في الحالات الضرورية، أو الحالات التي لا بد من وجود جراح أو رجل فيها، هذا مشروع من المشاريع. لو قلنا: إن شعب المملكة بلغ عشرة أو أحد عشر مليون نسمة، هل لا يوجد في المجتمع إلا مليون أو مليونان من الصالحين؟ أنا أجزم أن (80%) ثمانية ملايين نسمة كلهم من الغيورين، وقد أكون مجحفاً بحق المليونين الباقيين، بل كل هؤلاء فيهم الغيرة على إصلاح المجتمع، لا نظل كل واحد يدخل زوجته على الطبيب، وهذا يقول: الضرورات تبيح المحظورات، وهذا يقول: يا رجل! مرة واحدة في العمر، ما الذي يمنع من خلال هذه البدايات أن يفرز لنا هذا البرنامج عقولاً اقتصادية لاستثمار الأموال، بدلاً من أن يكون عندي في البنك عشرة آلاف، وأنت عندك مائة ألف يرابى بها في البنوك، بل لربما رحلت الأموال لكي يرابى بها في بنوك عالمية، لماذا لا نوجد شركات إسلامية كبيرة؟ شركة للأمور الطبية والصحية، شركات للأغذية، شركات للتجارة، وستستغل أموال الناس وتحركها في الخير، وتوظفها في الحلال، وتقدم للمجتمع، لكن المصيبة أن يقول القائل: إما أن يقوم المسئولون والأجهزة المسئولة بتقديم هذا الأمر، وإما لا. لا يا أخي الكريم! بل إن من صور المجتمعات المتحضرة أن تجعل كثيراً من المصالح يقوم بها القطاع الخاص إحياءً لروح التنافس، وتوظيفاً للأموال، هذا لو قدم لوجدنا خيراً كثيراً بإذن الله جل وعلا. فأقول: يا أخي الكريم! ابدأ مع إخوانك وإمام المسجد وجيرانك، وكلٌ في حيه والمخطط الذي هو فيه، وابدأ بداية معقولة، لا تقل: والله أنا سوف أغطي ألف بيت في هذا المشروع، لا، غط مائتين أو ثلاثمائة بيت، استمر في هذه الثلاثمائة بيت على حدود جيدة، وبتواصل وعطاء مستمر وسترهقك الأعباء المالية، هذا المشروع مكلف، لكن حينما يتبرع كل واحد من دخله بجزء بسيط، مائتين أو ثلاثمائة ريال شهرياً، مبلغ ليس بكثير على دين الله والدعوة إلى الله جل وعلا. أيها الإخوة! قد يقول قائل: مسكين هذا الشيخ، مسكين هذا المتكلم عنده آمال خيالية، البث المباشر يفسد، المجلات تفسد، ادخل مكتبة لترى صور النساء العاريات الكاسيات، انظر إلى القنوات لترى الفساد في الإعلام، انظر إلى الأسواق لترى التبرج، أقول: يا أخي الكريم! هي سنة من سنن الله، لا بد أن تعمل وتصبر، وسوف تؤذى ويستهزئ بك: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:29 - 30] {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:10] {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3]. يا أخي! إن قليلاً من الحق يزهق كثيراً من الباطل: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] وقديماً قيل: الحق أبلج والباطل لجلج.

سلاح البداية

سلاح البداية إن هذه البداية: أن يجتمع الأئمة وشباب الحي لكي يرتبوا ويطوروا هذه البرامج، ليست هذه الفكرة وحياً منزلاً لا تتعدونه أو تحذفون منه أو تعدلونه، طوروا هذا الأسلوب كما تطورت أساليب الصحة وأساليب الهاتف وغيرها من الأساليب والخدمات، طوروا هذه النظريات لكي تخدموا بها دين الله، والدعوة إلى الله، وتصلحوا بها مجتمعاتكم، أقول: هذه البدايات سوف تكشف لكم عن قدرات ومواهب وطاقات جادة وقابلة للعطاء، بدلاً من أن نترك شبابنا كل يحتقر نفسه، أو الذي عنده على الأقل موهبة يحتقر نفسه، والشيطان يخذل من شأن هذه، ويقول: أنت لست بشيء ولست بكفء أن تقدم هذا.

الإخلاص وطلب العلم

الإخلاص وطلب العلم أيها الإخوة! هذه البداية سلاحها الإخلاص وطلب العلم، والذين يقومون على هذا البرنامج ينبغي أن يكون لهم دروس علمية على العلماء في بيوتهم أو في المساجد، وإذا لم تكن هناك دروس علمية، فاشتر من أشرطة العلماء، الأشرطة في العلم المتخصص؛ في فقه الحلال والحرام، في قواعد الشريعة، في المصالح العامة ومقاصد الشريعة، اقرأ أصول الفقه وتعلمه، واقرأ الفقه والقواعد الفقهية، والتفسير والفرائض، إذا لم يوجد عالم يدرس هذا، فهناك أشرطة مسجلة تستطيع أن تخصص من وقتك في اليوم ساعة أو ساعتين للدراسة، وستجد نفسك بإذن الله واحداً من طلبة العلم الذين يقدرون بإذن الله على إصلاح مجتمعاتهم.

عدم استعجال الثمرة وجودة التخطيط

عدم استعجال الثمرة وجودة التخطيط أيضاً: من سلاح هذه البداية: عدم استعجال الثمرة، والاعتبار بتجارب الآخرين. أيها الإخوة: إن ما نراه من مصائب المسلمين في الدول المجاورة، وذلك إما بسبب سوء تخطيط أو سوء ترتيب، أو سوء منهجية، أو استعجال بعض الثمرات التي أوقعتهم في اشتباكات وفي مصائب وأمور خطيرة، والحذر الحذر من الاستفزاز والاستدراج. اعلم يا أخي المسلم! اعلم يا أخي الداعية! اعلم يا أخي الغيور! حتى ولو كنت واقعاً في بعض الذنوب والمعاصي، أقول: اعلم أنك لست وحدك تعمل في الساحة، الذي يقول: كل من في الجزيرة على قلب رجل واحد من الإخلاص والولاء والنصرة، وحب المسلمين والصدق في النصيحة، نقول: هذا جاهل؛ لأنه لا يخلو مجتمع من المنافقين والمتربصين والأعداء. إذاً لست وحدك من يعمل، بل هناك أعداء يعملون في السر، وهناك أعداء يحرصون على أن يتسللوا إلى مواقع التوجيه والنفوذ والسيطرة لكي يؤذوك ويؤذوا غيرك من إخوانك المسلمين، وهناك من هو أذكى من أولئك، هناك من أعدائك وأعداء علمائك، وأعداء ولاة أمرك من يثير الفتنة بينك وبين العلماء، أو يشعل النار بينك وبين ولاة الأمر ويتفرج عليك، لكي يؤذيك ويؤذي علماءك، ويؤذيك ويؤذي ولاة أمرك، وحينئذ يكون ذكياً بدرجتين: ذكي لأنه خطط لإشغالك، وذكي؛ لأنه خطط لإشغال نفسك عنه، فهو ذكي؛ لأنه ضرب اثنين بحجر واحد، وهذا هو الذي يدور الآن. بعض الشباب يظن أن كثيراً من الاستفزازات في الصحافة، وبعض الاستفزازات والتصرفات سوف تأتي من باب العفوية، أو من باب الصدفة، لا يا أخي! هذه استفزازات لكي تزعج جهة على جهة، وفئة على فئة، وفريقاً على فريق، ونحب أن نقول لكل من يستفز هذا المجتمع: نحن نشعر أننا فئة واحدة وأمة واحدة علماء وحكاماً، ودعاةً وأفراداً، ولا يعني ذلك أن ليس بيننا علمانيون ومنافقون ومتربصون ومن يريد أن يوقع بين هؤلاء جميعاً، بل يوجد من يتربص الدوائر لإفساد هؤلاء. إذاً: أخي لكريم! انتبه من الاستفزاز والاستدراج، واحذر من الوقوع في الفخ، وهناك مثل عند أهل الحجاز يقول: (حفروها الفيران ووقعوا الثيران) فأر يحفر وثور يقع، انتبه جيداً لمثل هذا.

حقيقة الانتصار

حقيقة الانتصار أخي الكريم! اعلم أن حقيقة انتصارك في هذا البداية أن تستمر وأن تبلغ، حتى ولو لم تجد أدنى نتيجة في السنة الأولى أو الثانية، قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت النبي ومعه الرجل) الرسول صلى الله عليه وسلم يصف مشهداً من مشاهد يوم القيامة، وهذا المشهد يتكلم عن الأنبياء والذين استجابوا لهم وقبلوا دعوتهم واتبعوهم فيما جاءوا به، قال: (ورأيت النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد) انظر: نبي مؤيد بالمعجزة والوحي والعصمة فيما يبلغ، ومع ذلك ربما لا يهتدي على يده غير واحد أو اثنين، هل نقول: هذا نبي فاشل؟ لا. بل هو نبي منتصر، وحقيقة انتصاره أنه بلغ رسالة الله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7]. ولا تنزعج إذا لم يستجب البعض، أو لم يقبل البعض، أحد الشباب لما جاء يوزع على الجيران الظرف كالعادة أسبوعياً فيه كتيب وشريط، وطرق الباب على أحد الجيران: السلام عليكم، ماذا تريد؟ قال: يا أخي الحبيب! إخوانك جماعة المسجد يهدونك وأسرتك كتيباً وشريطاً، قال: تريدون أن ندخل في الإسلام؟ سبحان الله! من الذي قال لك هذا؟ بل يا أخي! أنت عمدة، أنت بركة، أنت خير، لكن اقبل هذه الهدية، فيها ما يعينك ويسددك ويحذر أولادك من الوقوع في الفساد والانحراف، ثم أصبح بعد ذلك يتقبل هذا الأمر. إذاً: ضع في بالك أنك ستجد من يخالفك: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:8] كونك تجد اثنين أو ثلاثة أو عشرة أو عشرين أو مائة لم يقبلوا منك فلا يدل هذا على فشلك، ولا يعني أن مشروعك فاشل، إنما عليك الاستمرار، ومواصلة العطاء بإذن الله جل وعلا. أيها الأخ الحبيب! حسبك أنك بصير وكثير من الناس يتخبطون، وأنك تبذل من مالك والشح قد قتل كثيراً من الآخرين، حسبك أنك تقتدي بالرسول وغيرك قد قتله الهوى، حسبك أنك راغب في الآخرة وغيرك راغب في دنيا مؤثرة، حسبك أنك متجرد للحق وغيرك قد أعجب برأيه، وحسبك يا أخي! عبوديتك لله جل وعلا، وأنك عبد لله إذا استعبد الضالين الدرهم والدينار والخميلة والخميصة. أسأل الله أن يجعل هذا حجة لي ولكم، وألا يجعله حجة علي وعليكم. أيها الإخوة! فيكم خير كثير، أنتم تصلحون مجتمعكم، حتى وإن كنتم ترون في ظاهر وجوهكم أو ظاهر سمتكم شيئاً من التقصير أو المخالفات الشرعية، اعمل لإصلاح مجتمعك وتب وعد إلى الله، وستجد هذه بداية لإصلاح الأمة أجمع، أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين. اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وولاة أمرنا، اللهم لا تفرح علينا عدواً، اللهم لا تشمت بنا حاسداً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

المنهجية الدعوية تكون بحسب البيئة المحيطة

المنهجية الدعوية تكون بحسب البيئة المحيطة Q فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كيف يمكنني أن أدعو الناس بهذه الطريقة الجيدة التي ذكرتها وأنا من مصر، وأنت تعرف ما يعانيه الشعب عندنا من سوء المعيشة، فكيف يمكنني الدعوة وبأي طريقة وفقكم الله؟ A يا أخي الكريم! نحن نتكلم عن إصلاح السلوك وتصحيح العقائد، ولا نتكلم عن إصلاح المعيشة، وقصدي بهذا أخي الكريم! أن تدعو الناس بالحسنى وباللين بما تستطيعه، سواء كان الجو المحيط بك الذي يقبل منك ثلاثمائة أو مائتان أو مائة أو خمسون أو أربعة أو عشرة، المهم أن يستمر العطاء، أنا قلت: إن لكل بلاد ظروفها، ولكل دولة وضعها، وينبني على ذلك وضع المنهج الدعوي الذي يقوم فيها، وإني أسأل الله أن يربط على قلوب إخوتنا الدعاة والصالحين في مصر العزيزة، ولا نجهل ما يدور فيها من الابتلاء والامتحان لإخواننا في الله، ولكن أقول: اعمل على قدر ما تستطيع، لا تستعجل النتائج، وليس بالضرورة أن تجني الثمرة أنت، قد يجنيها ولدك أو حفيدك، لكن هذه خير وسيلة لإصلاح هذا المجتمع الذي تعيش فيه بإذن الله جل وعلا.

حكم تسجيل الندوات والمحاضرات بالفيديو

حكم تسجيل الندوات والمحاضرات بالفيديو Q فضيلة الشيخ الحبيب سعد بن عبد الله وفقه الله! أرجو توضيح حكم تسجيل الندوات والمحاضرات في أفلام الفيديو التي ربما تكون بديلاً عن غيرها من أفلام الفساد؟ A قرأت فتوى للجنة الدائمة برئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، عن رجل يسأل يقول: أنا صاحب محل فيديو، وأريد تحويله إلى فيديو إسلامي لتسجيل وتصوير المحاضرات والندوات فما الحكم في ذلك؟ فأجابت اللجنة باختصار بما معناه وموجزه: طالما كان في هذا مصلحة وخير، فالأمر فيه سعة بإذن الله جل وعلا. ولعلك يا أخي صاحب السؤال! أن تأخذ هذه الفتوى وتعمل بها، وزيادة على ذلك نحن نقول: إن الشريط فيه بركة، لكن بعض البيوت ربما عندهم من الأفلام الكثير، فلا حرج أن تزاحمهم بمادة مصورة على مثل هذا الفلم لعل الله أن ينفع بها.

حكم الطبلة

حكم الطبلة Q فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسأل فضيلتكم عن الطبلة وحكمها، علماً بأن صوتها يختلف تماماً عن صوت الدف المعروف، وهي مما عمت به البلوى، وصارت شائعة بين الناس، وقد شاع أنها جائزة؛ لأنها مثل الدف مفتوحة من جهة ومغلقة من الأخرى، فنريد الجواب الشافي الكافي هل هي جائزة أم لا؟ A والله يا أخي! لم أرها حتى أفتي، لكن الذي نعرف أن الدف مشروع: (أعلنوا هذا النكاح واضربوا فيه بالدف) أما الطبلة بهذا الوصف والتفريق فلا أعرفها، والحكم على الشيء فرع عن تصوره. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أهمية التوحيد

أهمية التوحيد ما خلق الله الدنيا والآخرة ولا البشر، ولا الجنة ولا النار، وما رفع علم الجهاد وسفكت الدماء؛ إلا من أجل (لا إله إلا الله) ولما كانت هذه الأمة هي آخر الأمم تعهد الله بحفظها إن حافظت على التوحيد والعمل الصالح المنبثق عن التوحيد. وإن أعداء الله يكيدون ليلاً ونهاراً لهذه الأمة، ولكن أبى الله إلا أن يتم نوره ويعلي كلمته، ومهما عمل الأعداء فلن يغيروا إلا في أشخاص مخذولين، أما الدين فهو محفوظ بحفظ الله تعالى.

كراهية اليهود والنصارى وأذنابهم للمسلمين

كراهية اليهود والنصارى وأذنابهم للمسلمين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. معاشر المؤمنين! لا يخفاكم كراهية اليهود والنصارى لهذه الأمة خاصة، ولسائر الأمم عامة، ولا يخفاكم تدبير أذناب اليهود والنصارى لكل ما من شأنه تفتيت وحدة أمة الإسلام، وإثارة الفرقة والخلاف بين صفوفهم، وإشاعة الفواحش والفساد في شبابهم ونسائهم، ولقد صدق الله جل وعلا حيث يقول في محكم كتابه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109] ويقول الله جل وعلا: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:105].

غزو العدو للقيم والأفكار

غزو العدو للقيم والأفكار معاشر المسلمين! كل عاقل، وكل ذي لب يتدبر ويقرأ صحائف التاريخ، لا شك أنه يدرك هذا المكر، ويدرك هذا الكيد، ويدرك هذه الكراهية والبغضاء من قبل أمم اليهود والنصارى، ومن قبل أذنابهم وأتباعهم من المفسدين في الأرض، ولكن يأبى الله ورسوله والمؤمنون أن يحيق تدبير أولئك بعباده المؤمنين. عباد الله! لا شك أنهم يريدون أن يقلبوا عقيدة التوحيد في هذه البلاد خاصة، وفي سائر بلاد المسلمين عامة، يريدون أن يقلبوا التوحيد شركاً، والإسلام يبدلونه إلى أي ملة أو نحلة خاطئة، ولكن يأبى الله ذلك، إذ جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن رضي منهم بما يحقرون من ذنوبهم، أو رضي منكم ما تحقرون من ذنوبكم). إذاً يا عباد الله! يأبى الله جل وعلا أن ينقلب التوحيد في هذه الجزيرة وثنية أو شركاً، ويأبى ذلك رسوله والمؤمنون أجمعون، ولكن يا عباد الله! إننا نلاحظ تدبيراً بطيئاً ساماً فتاكاً اتخذ شكلاً براقاً، وألواناً زاهية، انخدع به بعض الغوغاء، وطاف على ذوي السذج في عقولهم، أتدرون ما هو يا عباد الله؟! إنه غزو القيم والأخلاق والمبادئ والأفكار، ما داموا يئسوا أن يعبد الشيطان في هذه الجزيرة، فإن أعداء الإسلام والأمة أرادوا أن يسلكوا هذا المسلك لعلمهم ألا مكان للوثنية في جزيرة العرب، فاتخذوا مسلك الإفساد الفكري، والإفساد الخلقي، وهدم المبادئ والقيم. عباد الله! كلنا يعلم أن الله جل وعلا قد امتنَّ علينا بنعم عظيمة وآلاء جسيمة، وهذه النعم تحتاج إلى أن تقيد بشكر والتزام بكتاب الله وأمر الله وسنة نبيه وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم. أيها الأحبة في الله! ماداموا يئسوا من ذلك، فإنهم أرادوا أن يغزوا هذا المسلم في عقيدته وإيمانه وقيمه ومبادئه، فماذا فعلوا يا عباد الله؟! لقد تسلطت قوى الضلالة والفساد على هذا المسلم، لكي يكون مسلماً وادعاً جباناً ضعيفاً خواراً، يخاف أدنى حركة أو كلمة، من أجل هذا أرادوا أن يسلكوا مختلف الأساليب والسبل في هدم هذا الإسلام.

سبل العدو في غزو المسلمين

سبل العدو في غزو المسلمين لا شك أنهم عجزوا ويعجزون ويدركون أنهم لن يحلوا الوثنية مكان التوحيد، لكن ما هو الحل في نظرهم تجاه هذه القلعة الصامدة من قلاع الوحدانية والإسلام؟ لا شك أنهم أرادوا أن يتسلطوا على هذا المسلم في إسلامه. أما القرآن فذلك أمرٌ يعجزون عنه؛ لأن الله جل وعلا قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وسنة النبي صلى الله عليه وسلم محفوظة بحمد الله، إذاً كيف السبيل مادام إحلال الوثنية غير ممكن، وما دام القرآن محفوظاً، ومادامت السنة معتنىً بها؟ لا سبيل لأعداء الأمة إلا إلى أن يغزوا هذا المسلم في نفسه وإيمانه وحماسه لدينه، فتوجهت قوى الضلالة نحو هذا المسلم لتعلمه كيف يكون جباناً، كيف يكون أنانياً، كيف يهتم بنفسه، كيف يهتم بسيارته، وبيته وفلته، ورصيده وملذاته، ولا شأن له ببقية المسلمين، ولا حِس ولا هم له بسائر إخوانه المسلمين. هذا أمر قد وقع في كثير من المسلمين، لا شك أنه مسلم، ولا يستطيع أحد أن يرفع عنه اسم الإسلام وأحكام الدين، ولا شك أنه مسلم بهذا، لكنه مسلم ضعيف، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف). لا شك أن قوى الضلالة أرادت أن توجد مسلماً أنانياً ضعيفاً، إذا رأى الفساد في طريقه، قال: ذنبهم على جنوبهم، وإذا رأى منكراً، قال: وما دخلي بهم، وإذا رأى تسلطاً على رقاب إخوانه المسلمين، قال: همي نفسي، وإذا رأى موقفاً يحتاج إلى صدع بالحق، وصراحة بالنصيحة والإخلاص، قال: أخشى على رقبتي ورزقي ونفسي، وقد نسي ذلك عبر هذا السيل الجارف من وسائل الهدم والتدمير أن الأرزاق والأرواح بيد الله سبحانه وتعالى، أرادت قوى الضلالة أن توجد مسلماً ضعيفاً، أن توجد مسلماً لا يستطيع أن يؤثر في جيرانه وأهل بيته، وعند ذلك تطمئن قوى الضلالة إلى هذا النوع من المسلمين، الذي يجتهد الواحد منهم في ملذات نفسه، فإذا مات، مات الدين معه، ولم يبق لدين الله في نظرهم قائمة، عياذاً بالله من فكرهم، ومما يصبُون إليه.

صورة نبوية للثبات على المبادئ

صورة نبوية للثبات على المبادئ عباد الله! إن حقيقة الإسلام، وحقيقة الدين الذي نحمله حركةٌ تحريريةٌ قويةٌ تبدأ في ضمير الفرد، وتنتهي في نطاق الأمة، تبدأ في ضمير الفرد اعتقاداً بوحدانية الله في ذاته، واعتقاداً بوجوب صرف أفعال العبادة له وحده، واعتقاداً بوحدانية الله في أسمائه وصفاته، واعتقاداً بوجوب نشر هذا الدين، واعتقاداً بوجوب الجهاد والكفاح، ووجوب الدعوة في سبيل هذا الدين، أياً كان الأمر، وأياً كان الثمن، ولكم في نبيكم صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وقدوة رائعة، لما شرفه الله بالبعثة النبوية، وخرج على قومه وناداهم بطناً بطناً، فخذاً فخذاً، قال فيهم: واصباحاه، فاجتمع الناس حوله. فقال: يا معشر قريش! قولوا كلمة واحدة تدين لكم بها العرب، وتدفع لكم بها الجزية العجم، قال أحدهم بل كبيرهم: وأبيك عشرا، نعطيك عشر كلمات معها، قال: قولوا: لا إله إلا الله، قالوا: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟! وهل رد ذلك الضلال والكيد والاستهزاء، نبينا عن دعوته، بل مضى فيها مجاهداً وداعياً إلى الله على نور وبصيرة وتأييد من ربه. حتى إذا انتشر الإسلام في مكة، وبدأ يدب في عروقها، جاء القوم إلى عمه أبي طالب، وقالوا: إن ابن أخيك سفه أحلامنا، وسب آلهتنا وأصنامنا، أفلا يكون بيننا وبينه أمرٌ؟ إن كان الذي فيه أمر يشتهي فيه السيادة، أو أمر يشتهي فيه الرئاسة، أو أمر يريد فيه جمع المال أعطيناه ما يرضيه، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب ذات يوم، فقال أبو طالب: يابن أخي! إن قومك يشكونك إلي، سفهت أحلامهم، وسببت آلهتهم، لعلك أن تترك هذا الأمر شيئاً قليلا، أو أن تترك سب آلهتهم وأصنامهم. ماذا قال صلى الله عليه وسلم بعد أن عرض عليه أبو طالب هذه المهادنة السلمية؟ عرض عليه أنهم يقولون: إن كنت تريد المال أعطيناك، إن كنت تريد الجاه سودناك، إن كنت تريد الجمال زوجناك، إن كنت تريد ما تريد أعطيناك، فماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، بآبائنا هو وأمهاتنا؟ التفت إلى عمه، وقال: (يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، ما تركت هذا الأمر حتى أهلك دونه، وفي رواية: حتى تندق هذه السالفة). انظروا هذا الإسلام والعقيدة التي لا تقبل المهادنة، يريدون أن يعمل في دينه، لكن من دون سبٍ لآلهة الكفار وأوثانهم. وحقيقة التوحيد أن تكفر بالطواغيت، وأن تسب الأصنام والأوثان، وكل معبود أو متبوع مطاعٍ من دون الله سبحانه وتعالى، لم يقبل أنصاف الحلول، وأنزل الله جل وعلا قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6]. دين العزة، دين السيادة، دين السؤدد، دينٌ تُرفع به الرءوس، وتُعلى به الهامات، وتخفق به الرايات نصراً وعلواً وسيادة ورفعة بدين الله، هذا الدين الذي جاءنا عن ربنا، هذا الدين الذي عرفناه من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أما الدين الذي ينتسب صاحبه إلى الإسلام اسماً، وحقيقته يهجر بيت الله والمساجد ويسمى مسلماً، ويرى المنكر ويسكت عليه ويقال له مسلم، ويرى المصيبة والبلية في سوقه ومتجره وقربه وبعده ويسمى مسلماً، هذا والله ليس بالإسلام الذي جاء عن الله وعن نبيه. لا شك أن صاحبه مسلم، دخل الإسلام بنطق الشهادتين، وتحقيق المقتضى وانتفاء الموانع، لكن الإسلام الذي نزل في كتاب الله وجاء في سنة نبي الله هو ذلك الإسلام الذي ترفع به الرءوس، ذلك الإسلام الذي يفتخر صاحبه ويقول: أنا مسلم، يفتخر صاحبه في أي موقع ومكان ومناسبة أياً كانت، يفتخر ويرفع رأسه قائلاً: أنا مسلم، ويعلن دينه ومبادئه، هذا هو الإسلام إسلام العزة، الإسلام الذي لم يفهمه كثيرٌ من أبنائنا في هذا الزمان، ومن أجل ذلك رأينا آثار هذا الفهم الناقص في سلوكهم، إذا ذهبوا إلى الغرب استحى أحدهم أن يفتخر بإسلامه، وأن يصدع بصلاته، وأن يصدح بأذانه، وأن يفتخر بدينه. رأينا هذا الفهم المنقبض الضيق للإسلام في فعل كثير من الناس، إذا جلسوا وحانت الصلاة يستحي أن يقول: قوموا إلى عبادة رب غني عنكم، رأينا أثر الفهم الضيق، ورأينا قلة فهم هذا الدين في سلوك كثير من الناس حينما يرون داعية صادقاً إلى الله، هذا متدخل في شئون الآخرين، هذا لا هم له إلا الآخرين، إلى غير ذلك من عبارات التثبيط والتنقص والاستهزاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كيف يدَّعي مسلم حقيقة إسلامه وهو لا يرفع بهذا الإسلام رأساً؟ كيف يدَّعي مسلم حقيقة إيمانه وجوارحه لم تبرهن هذا الإيمان تطبيقاً وقولاً وفعلاً؟ بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

بم يحفظ الله الأمم

بم يحفظ الله الأمم الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه والند والمثيل والنظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. عباد الله! ورغم هذه الجهود النصرانية واليهودية، ورغم جهود أذناب هاتين الطائفتين الملعونتين، ورغم جهود أذناب الغرب وعملائه، تسلطاً على البقية الباقية في هذه الأمة، على بقية الحجاب والستر والحياء، وعلى بقية صفاء العقيدة، رغم كل ذلك فإن هذه البلاد والأمة بحمد الله ومنه وتوفيقه تشهد وعياً وفهماً واستقامةً على كتاب الله وسنة نبيه، تمثلت في جيل من الشباب الذي عاد إلى ربه عوداً حميداً، وآمن واطمأن إلى كتاب ربه اطمئناناً سعيداً، ورفع بهذا الدين رأسه، وأعلن لهذه الدعوة راية، ألا إن الأمم لتحفظ بأمثال هؤلاء، ألا وإن الأمة ليحفظها الله بالصالحين فيها من الشباب والشيب والكهول والعجائز: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} [الفرقان:77]. إذا هيأ الله للأمة شباباً دعاة صادقين واعين مخلصين، يدعون الله جل وعلا سراً وعلناً، ليلاً ونهاراً، يدعون الله لهذه الأمة أن يحفظ ولاة أمرها وعلماءها، ويسعون بالصلاح والفعل النافع في صفوف أبنائها، فإن الأمة تحفظ بإذن الله، وتحفظ برحمة الله ومنته، بسبب جهود أولئك الصادقين مع الله، أولئك الصادقين مع ربهم سبحانه وتعالى. فيا أمة الإسلام! أخلصوا جهودكم لله، واجعلوا سعيكم في طاعة الله، وتنافسوا في مرضاة الله، تحفظوا بذلك النعم والخيرات أمامكم وخلفكم ومن فوقكم ومن تحت أرجلكم، اعملوا صالحاً وتصدقوا وجاهدوا واجتهدوا، يدفع الله البلاء بذلك عنكم، واعلموا أن أمم الضلالة ما زالت -ولله الحمد والمنة والعاقبة للمؤمنين والمتقين- تشهد الفضائح تلو الفضائح في قسسها ورهبانها وحاخاماتها، ورجال الطقوس المعقدة فيها، ما زالوا يشهدون التراجع رغم جهود وإمدادات مجلس الكنائس الأعلى لهم، رغم جهود المبشرين والمنصرين لهم. لكنهم -ولله الحمد والمنة- يشهدون يوماً بعد يوم قناعة بفساد عقائدهم، ويشهدون وثائق بفضح رؤسائهم في كنائسهم وغيرها، وأبين لكم حقيقة وقعت لعل الكثير منكم سمع بها، من مدة علمنا بمناظرة قامت بين رجل من أهل أفريقيا وأصله هندي، رجل مسلم مجاهد داعية اسمه أحمد ديدات، نسأل الله جل وعلا أن يثبتنا وإياه على دينه، قامت مناظرة له مع قس نصراني زعيم من زعماء النصرانية اسمه جيمي سواجارت. هذا الرجل تناظر مع أحمد ديدات في مناظرة كبرى نشرتها بعض أجهزة التلفزة، وتناقلتها الأشرطة مسموعة ومرئية، وكان هذا القس النصراني جيمي سواجارت يقول: إنكم يا معاشر المسلمين تتركون المعصية، خشية أن تقطع أذن واحد منكم- يستهزئ بحد القطع في دين الإسلام- أو أن يقطع إصبع واحد منكم، ولكن معاشر النصارى- يقصد قومه- يتراجعون عن الذنب والخطيئة بواقع الضمير، ويبتعدون عنها من دافع الضمير الذاتي الذي يراقب الرب في فعله وعمله. ثم انتهت تلك المناظرة بهزيمة ساحقة وفضيحة ماحقة لأسس النصرانية، وأسلم بعد هذه المناظرة مئات من النصارى وآمنوا بالله، ولكن الفضيحة التي حصلت أن جيمي سواجارت هذا كان قد نافس رجلاً اسمه جيم بيكر قائدٌ من قواد النصرانية وزعماء الكنيسة، تتبعه حتى فضحه في فضيحة أخلاقية، فتسلط بيكر هذا على جيمي سواجارت، وجعل إحدى عشر مخبراً يلاحقونه حتى يظفر منه بفضيحة، فنشرت الفضيحة وانتشرت، وأذاعتها وكالات الأنباء، وأجهزة التلفزة الأمريكية في نشرة الأخبار التي لا يوجد أحد يتابعها، نشروا له صورة وهو يدخل فندقاً من الفنادق مع غانية من الغانيات، ونشروا له صوراً أخرى كلها فضائح. انظروا إلى أذناب النصرانية كيف يطنطنون ويلجلجون، ثم يكشفون بحمد الله والله لهم بالمرصاد، لما كشف هذا الرجل وأعلنت فضيحته على الملأ، قام يبكي ويقول: هذه خطيئة وأنا استغفر الرب والسيد اليسوع إلى غير ذلك من تلك العبارات المخرفة. عباد الله! وما زالت النصرانية واليهودية، وما زال أعداء الإسلام يشهدون كل يوم فضيحة، تدل على بطلان مبدئهم، وعلى فساد عقيدتهم، وعلى كذب وخيانة سادتهم ورؤسائهم، أما ديننا ولله الحمد والمنة فيشهد تقدماً وانفتاحاً وانتصاراً وأفواجاً تدخل في هذا الدين، فلك اللهم الحمد والمنة. الله الله يا معاشر المسلمين! لا يؤتين الإسلام من قبلكم، لقد أفلست الشيوعية في طريقتها العقدية، وفي نظامها الاشتراكي الاقتصادي، ولقد فشلت وعقمت الرأسمالية، ولقد عقمت جميع الشعارات، ولم يبق إلا دين الإسلام لم تطبقه تلك الأمم المنكوبة، ولو طبقوه لوجدوا في ذلك السعادة والسؤدد والاطمئنان والراحة، لكن لكبر منهم وعناد لا يريدون تطبيقه، واعلموا أنهم لن يتأثروا بهذا الدين إلا يوم أن يرونا أبناء المسلمين قد التزمنا بديننا وطبقنا ديننا، وكنا قدوة صالحة ومثلاً أعلى لهذا الدين الذي ننتسب إليه، عند ذلك يا عباد الله! سيدخلون في دين الله أفواجاً، لعلمهم ومعرفتهم بفساد مبادئهم وأنظمتهم، ولرؤيتهم تلك الصورة الجميلة الناجحة الرائعة لدين الإسلام في مجتمع مسلم. عباد الله! إن البشرية لا تستجيب لمنهج مقروء ولا مسموع، ولكن تستجيب لمنهج قد طبق في صور وأفراد مجتمع من المجتمعات، وعند ذلك يدخل الناس في دين الله أفواجاً، ويتأثرون بدين الله، بوسعنا أن ننشر ملايين النسخ من القرآن، وملايين الكتب من السنة، وآلاف الأشرطة من الوعظ والنصائح، لكن هذه لا تغني عن تطبيق المسلم لإسلامه، وأن يجعل من نفسه قدوة صالحة، عند ذلك يدخل الناس في دين الله أفواجاً، قرءوا ديناً فرأوه قائماً متمثلاً في صورة هذا المسلم، الذي هو مسلم في جميع تصرفاته وأعماله. اللهم زد هذا الدين عزاً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم اجزهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وسنة نبيك، اللهم لا تشمت بهم حاسداً، ولا تفرح عليهم عدواً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك. اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمنا، ومن كل فتنة عصمة {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

أخطاء يقع فيها بعض الشباب

أخطاء يقع فيها بعض الشباب الشباب هم عمود الأمة وأساسها، وبهم تُبنى، لكن الناظر في أحوال كثير من شباب الإسلام يجد العجب العجاب، فهو يجد ما يندى له الجبين من الغفلة والوهن، والوقوع في المحرمات، والبعد عن الدين، وقد أوصى الإسلام أبناءه باغتنام الأوقات والعمل لما بعد الموت، من أجل هذا الدين والدعوة إليه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، في نطاق ما سبق تحدث الشيخ وأفاد.

أهمية المخيمات الصيفية

أهمية المخيمات الصيفية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! أحييكم بتحية الإسلام: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله عز وجل أن يجزي القائمين على مركز الدعوة والإرشاد في هذه المنطقة خير الجزاء، حيث بحثوا وخرجوا يتحسسون الناس ويتتبعون مواقع البشر يدعونهم إلى الله عز وجل، فإن من واجب الدعاة ومن أولويات الدعوة أن من تصدى لهذا الأمر لا ينزوي أو يتقوقع في مكانٍ ويقول للناس: هلموا إلي وأتوا إلي، بل واجبه أن يخرج إليهم وأن يتبعهم وأن يلاحقهم، وإن سمع منهم ما يسوءه؛ فيتمثل قول الله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وإن رأى منهم شيئاً مما يورث الألم؛ فيتذكر قول الله عز وجل: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران:159]. فالواجب أيها الأحبة: الواجب أن يكون بجوار كل منطقة تنتشر فيها المخيمات مخيمٌ يتسع لعدد هؤلاء الذين ينتشرون فيها، ومن ثم يخرج الناس إليها وينسلون إلى هذه المخيمات من كل حدبٍ وصوب، ليسمعوا داعي الله؛ ليسمعوا الكلمة، والآية، والموعظة، والحديث، والقصة، والقصيدة، والملحة الطريفة الظريفة حتى تتحرك النفوس في اتجاه الصلاح والاستقامة، والواجب أن تخاطب هذه العقول، وأن تنادى هذه الأفئدة بكل وسيلة تبلغ وتوصل رسالة الله إلى العباد. إن الله عز وجل قد أرسل من هو خيرٌ منا إلى من هم شرٌ من شرار الخلق في هذا الزمان، أرسل موسى وهارون إلى فرعون الذي قال {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] الذي قال منكراً مستهتراً: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} [غافر:36 - 37] بعث الله خيرة خلقه وهم أنبياؤه ورسله، موسى وهارون، إلى شر الخليقة في ذلك الزمن إلى فرعون، ولم يقل الله فلترسلا أو تبعثا إليه رسولاً ليأت فرعون إليكما، وإنما قال الله عز وجل: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} [الشعراء:16] اذهبا واخرجا إليه، فمن واجبنا ومهماتنا ومسئولياتنا -أيها الأحبة- أن نتتبع تجمع الشباب والأماكن التي يرتادها الناس ونحن لا نريد منهم جزاءً ولا شكوراً، فلسنا فقراء نريد منهم مالاً، ولسنا أذلاء نريد منهم جاهاً، ولسنا مستضعفين نريد منهم عزة، وإنما نريد منهم أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، نريد منهم أن يلتفتوا إلى الغاية التي من أجلها خلقوا وهي: عبادة الله وحده لا شريك له، والاشتغال بذكر الله، والعمل في مرضاة الله عز وجل. والحديث أيها الأحبة ذكرني ونحن في إجازة الربيع بمخيمٍ حضرته العام الماضي بين مكة المكرمة ومدينة جدة، قام إخوانكم في مكتب الدعوة هناك وأنشئوا مخيماً كبيراً ما رأت عيني مثله، وجعلوا على مسافة بصري أو أقل بقليل مخيماً آخر للنساء، وكان ذلك المكان هناك ما بين مكة وجدة يجتمع فيه الشباب من مخيمات كثيرة وكبيرة جداً، ويجد الناس فيه متنزهاً وفسحة لهم، فإذا كانت مناسبة المحاضرة أو الموعظة أو الندوة رأيت الناس ينسلون من كل حدبٍ وفوج ويأتون من كل جانب ليحضروا. فأقول: يا أحبابنا! إن هذه المناسبة تذكر بذلك المخيم الذي رأيت فيه اجتماعاً لخلقٍ كبير، وذكر أن النساء يجتمعن في مخيمٍ بجواره، وأقترح أن تكون المحاضرة في إجازة الربيع في مخيم وسط المخيمات، وإن كان المسجد هو مكان العبرة ومكان العظة والعبادة ومجتمع الملائكة، إلا أننا نقول: ما الذي يمنع من أن تقوم محاضرةٌ في مخيم بين المخيمات كما أن هذه المحاضرة تحت إشراف مكتبكم فإننا ندعوكم ونقترح عليكم أن تكون ثمة محاضرات وسط المخيمات ليحضر النساء في جهة والرجال في جهة ويسمعوا الكلام والنصائح والإرشادات والمواعظ.

الشباب نبض الأمة

الشباب نبض الأمة حديثنا اليوم توجيهات إلى الشباب؛ شبابنا الذين هم أثمن ما نملك في هذه الأمة وإن الأمة لا تقاس بالأطفال ولا تقاس بالكهول والشيوخ والعجائز، وإذا أصاب الأمة أو داهمها خطبٌ أو فاجأها أمر من الأمور؛ فإن أول ما يسأل عنه لا يسأل عن عدد الأطفال فيهم، ولا يسأل عن عدد العجائز والشيوخ فيها؛ وإنما السؤال عن الشباب، كم شبابها؟ ما مستوى تدريبهم؟ ما مستوى تجنيدهم؟ إلى أي درجة يتقنون الكر والفر والقتال والسلاح؟ ما درجة تعليمهم؟ ما درجة ثقافتهم؟ ما هي اهتماماتهم؟ ولأجل ذلك فإنّا أيها الأحبة لا نعجب حينما توجه المحاضرات تلو المحاضرات، والكلمات تلو الكلمات، موجهة إلى إخواننا الشباب؛ لأنهم هم مقياس قوة أمتنا؛ فإن قوي شبابنا فأمتنا قوية، وإن ضعف شبابنا؛ فأمتنا ضعيفة، وإن كان شبابنا على درجة من الوعي فأمتنا واعية، وإن كان شبابنا على مستوىً يندى له الجبين من الغفلة فأمتنا غافلة، إن كان اهتمام شبابنا بالجهاد والدعوة والعلم والعمل والإنتاج والقيادة والريادة والبحث والفكر والتطبيق والتنافس والتجربة؛ فأمتنا أمة ناهضة، وإن كان اهتمام شبابنا بالطبل والمزمار والناي والوتر والعود والرواية الجنسية والقصص التي لا تليق والأغاني الماجنة إذا كان هذا وضع شباب الأمة فأمتنا أمة متردية، وما من شيءٍ بدأ في انحدار إلا سقط في غاية الهوة وفي منحدرها ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولكن إن من سنن الله عز وجل أن جعل لكل داءٍ دواء، وأن جعل لكل سقمٍ علاجا، فإذا كنا نرى من طائفة من شباب أمتنا أمراض الغفلة، وأمراض الشهوة، وأمراض الشبهات، إذا كنا نرى من شباب أمتنا إعراضاً أو تشاغلاً أو حيلاً وخططاً ومكائد دبرها الأعداء فانطلت على بعض الشباب، فإن ذلك مرضٌ وفي القرآن علاج؛ علاجه الدعوة والذكر والموعظة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] (نظر الله امرأً سمع مقالةً فوعاها، فبلغها كما سمعها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع) (من دل على هدىً؛ فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً). إن كانت الأمة مصابةً بمرض الغفلة والمعصية، ومرض الشهوة والشبهة، فإن علاجها أن تعود إلى الله، إن الله لن يهلكنا ويعذبنا إذا كنا أمة مستغفرةً واعظةً مصلحة {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117] ولم يقل: وأهلها صالحون، وإنما قال (مصلحون) فإذا وجد في الأمة في القرى والمدن والبلدان من يسعى لإصلاح الفساد، ومن يسعى لردع الصدع، وإنكار المنكر، ونشر المعروف والأمر به والتواصي بالحق والصبر، والبذل الدءوب، والسعي الذي لا يعرف الكلل والملل، إن كان في الأمة من يعيش هذا الهم ومن يدرك هذه القضية، فإن الأمة لا تهلك بإذن الله {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117].

حال شباب الأمة

حال شباب الأمة أيها الأحبة! أين شبابنا؟ أين قوام أمتنا؟ أين رجال الغد فينا؟ أين هؤلاء الذين نعدهم للنائبات؟ إن طائفةً ليست بالقليلة نقولها والأسى يهيمن على النفوس، نقولها والأكباد تتجرح وتتقطع ألماً حينما ندرك ونصف ونقول: إن طائفةً من شبابنا قد اشتغلت في إضاعة الأوقات وصاحبت قرناء السوء، وأصبح النظر إلى النساء في الأفلام والمسلسلات عبر هذه القنوات التي ما تركت قليلاً أو كثيراً من ساعات الليل والنهار إلا واستغلته لتحدث هذا الشاب، اشتغل بعض شبابنا بالمجلات الخليعة، وبعضهم للسفر إلى بلاد الكفار لأغراض سيئة، وبعضهم يحاول أو يجامل أو يخادع نفسه فيقول: أسافر للسياحة، للمعالم، لمعرفة هذا الكون وما فيه ثم إذا حل في تلك البلاد ووطئت قدمه في تلك الأرضين اتجه إلى حيث ما كان منطوياً في سويداء نفسه وفي خافيةِ ضميره، ولا يخفى على الله خافية {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] والله لا تخفاه خافية وهو الذي: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]. فقولوا: إن طائفة من شبابنا من أمراضهم التهاون بالصلوات وتركها بالكلية أو بعضهم يتركونها مع الجماعة، وبعض شبابنا أشغلهم الهاتف، والبحث عن الأرقام، وتعدد العشيقات والصديقات، وبعض الشباب قد وقع على أم رأسه في هذه المسكرات والمخدرات، وبعضهم ضاع وقته في الشيشة والتدخين، وبعضهم انطلت عليه أحابيل الغرب في دعاياتهم عبر وسائل الإعلام؛ فأصبحنا نراهم، وبتنا نلحظهم ونشاهدهم يقلدون الغرب في مشيهم، وفي أحوالهم، وفي تصرفاتهم، وفي لباسهم، وفي بعض كلماتهم وعاداتهم. أيها الأحبة! لا تظنوا أن الكلام عن واقع الشباب هو ضربٌ من الخيال أو صورةٌ من صور التشاؤم، نعم. إن في مجتمعنا ولله الحمد والمنة شباباً نافسوا ولله الحمد في طلب العلم، ونافسوا في حفظ القرآن، وإتقان السنة، ونافسوا في الأدب، والعلم، ونافسوا في الحاسب الإلكتروني، والعلم التطبيقي؛ في الكيمياء والفيزياء وفي الإلكترونيات، نافسوا في هذه الطائرات وقيادتها ومعرفة أسرار تحريكها، نافسوا في إطلاق الصواريخ، ونافسوا في مجالاتٍ عديدة من البحوث النظرية والتطبيقية، ولكن إذا نسبتهم إلى عموم شباب الأمة وجدت أن هؤلاء قلة قليلة بالنسبة لعدد كبيرٍ من شباب الأمة، وإن المسئولية تقع على عاتقنا.

الرسول الداعية

الرسول الداعية وحينما نصف أمراض الشباب فإنه لا يعفينا أمام الله أن نجلس على هذه الكراسي وفي هذا الجو العبق بالبخور والعطور الذي يهدى علينا فيه بألوان الشاي والزنجبيل والقهوة والماء العذب الزلال لنتكلم عن الشباب، ونظن أن مهمتنا قد انتهت، وأن ذمتنا قد برئت بمجرد الحديث ووصف أوضاعهم وأحوالهم، بل لا بد أن نبحث عنهم، أين هؤلاء الشباب الذين نتكلم عنهم؟ أهم في مخيم؟ هيا بنا نزورهم، أهم في شقةٍ معينة؟ هي بنا ندخل عليهم، أهم في ملعبٍ من الملاعب؟ هيا نغدو إليهم، أهم في مكانٍ قريب أو بعيد؟ هيا نتوجه إليهم لنحدثهم لنكلمهم لنجمعهم كما كان صلى الله عليه وسلم، يوم أن أمره ربه بأن ينذر عشيرته الأقربين وأن ينذر ليكون رسولاً للعالمين دعا قريشاً فخذاً فخذا، بطناً بطنا، وقال: واصباحاه، فلما اجتمعوا له قال: (يا معشر قريش، لو أنني قلت لكم: إن خيلاً تصبحكم أو تمسيكم من خلف هذا الوادي، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ماجربنا عليك كذباً يا محمد، قال: فإني لكم نذيرٌ مبين من عند رب العالمين ألا تعبدوا إلا الله وحده لا شريك له قولوا لا إله إلا الله، فقال أبو لهب وهو من أشقياء القوم: تباً لك يا محمد ألهذا جمعتنا سائر اليوم، دعوت قريشاً بطناً بطنا، فخذاً فخذا، ثم جمعتهم في هذا المكان ثم تقول بعد ذلك: اجعلوا الآلهة إلهاً واحد قولوا لا إله إلا الله) ونزل تصديق ذلك أو شاهده في كلام الله عز وجل: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:6] إنهم يستنكرون ويستنكفون أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، فقالوا بكل عجب: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] كيف جعل اللات والعزى ويغوث ويعوق ونسرا ومناة الثالثة الأخرى؟! كيف يريد أن يجعل هذه الآلهة التي كانت كل قبيلة من قبائل العرب تتنافس على سدانتها وخدمتها والشرف بها كيف جعلها إلهاً واحداً؟! ولكن النبي صلى الله عليه وسلم صبر. وفي حادثةٍ أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه عمه أبو طالب ذات يوم وقال: يا بن أخي! إنك من قومك من المكانة بحيث تعلم وإنهم قد جاءوا يشكونك إلي يقولون يا محمد: إنك سببت آلهتهم، وشتمت أصنامهم وسفهت أعلامهم، وأغريت عليهم عبيدهم وصبيانهم وسفهاءهم وإنهم يعرضون عليك ما يعرضون، فقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر قريش؛ يخاطب هؤلاء الصناديد والكبار الذين بجوار عمه أبي طالب، فقال: إني أريد منكم كلمة واحدة إن أنتم قلتموها؛ فإن العرب تدين لكم وتخضع لكم وتنقاد لكم، وأما العجم فإنهم سوف يدفعون لكم الجزية، فقال أبو جهل: كلمة واحدة إن نحن قلناها العرب تطيعنا، والعجم يدفعون لنا المال والجزية، ما هي يا محمد؟! وأبيك عشراً نعطيك عشر كلمات ليست كلمة واحدة، فقال: قولوا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال أبو جهل: تباً وسحقاً لك يا محمد ألهذا جمعتنا سائر اليوم؟! مستنكرين مستنكفين أن يوحدوا الله.

الرسول يدعو في مواسم الحج

الرسول يدعو في مواسم الحج أتظنون أن سيد البشر خير من وطأت قدمه الثرى صلى الله عليه وسلم أتظنون أنه قد كلّ وملّ من هذا، بل ذهب يدعوهم ويتابعهم ويخرج إليهم في مواقع تجمعهم في مواسم الحج، ويقول: يا معاشر الناس، يا معشر قبائل العرب من منكم يمنعني حتى أبلغ رسالة ربي، أريد سنداً أريد عوناً أريد حصانةً، أريد ظهيراً، أريد معيناً يعينني، أريد ركناً شديداً آوي إليه حتى أبلغ رسالة ربي، ثم يلحقه أبو سفيان ويقول: يا معشر العرب، إنه صابئ منا ونحن أهله وقبيلته ونحن أدرى به فلا تصدقوه، أي عذاب وألم نفسي؟ والله لو أن واحداً منا تكلم في مجلسٍ من المجالس، فقال كلمةً معينة، أو قصةً معينة، ثم قام آخر بالمجلس قال: لا، لا تصدقوه القصة الصحيحة عندي أنا، ما هو شعور هذا المتكلم الذي هو في مجلسه لا يعدو حضوره وشهوده عن عشرين أو ثلاثين شخصاً؟ فما بالك بنبي مبعوث من عند الله مؤيد بالوحي والمعجزة من لدن الله عز وجل، ثم يلحقه أقرب الناس إليه فيقول للعرب: لا تبايعوه ولا تسمعوا ولا تصدقوه والغوا في كلامه.

الرسول يدعو في الطائف

الرسول يدعو في الطائف هل كف النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعوة؟ لا. بل سافر إلى الطائف إلى بني عبد يليل بن كلال رجاء أن يكون فيهم قلبا ًرحيماً رءوفاً لبقاً لطيفاً يألف ويؤلف ويسمع وينصت وينقاد إلى الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبعثت قريش سفراءها وشياطينها ومخابراتها ورجال الأمن عندها إلى بني عبد يليل بن كلال وقالوا: إن صابئاً اسمه محمد بن عبد الله سوف يأتيكم فإذا جاء فاحرصوا ألا يغري عليكم سفهاءكم، ألا يفسد عليكم صبيانكم، ألا يغير عليكم دينكم واحترام ملة آبائكم وأجدادكم، فما كان منهم إلا أن قاموا وجعلوا صبيانهم سماطين أي: صفين وفريقين، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا في يد كل صبي وسفيه وجاهل حجراً يرمي به أقدام النبي صلى الله عليه وسلم، ورجم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي حتى خرج من بني عبد يليل بن كلال وقد أعرضوا عنه وما سمعوه وآذوه وأغروا الصبيان والسفهاء به حتى ولى من عندهم وعقبه الشريفة تدمي، يقطر الدم من قدمه صلى الله عليه وسلم خرج هائماً على وجهه حتى آواه المقام إلى مكان يقال له: قرن الثعالب، ثم خر مغشياً عليه صلى الله عليه وسلم. أتظنون أن هذا النبي قد ملّ وكلّ من هذه الدعوة؟ أتظنون أنه صلى الله عليه وسلم قد سئم من هذه الدعوة وهو الشريف النسيب الكريم ذو القدر والأمانة والجاه والكرامة في قومه؟ أم جميل زوجة أبي لهب تضع الشوك والزبالة في طريقه صلى الله عليه وسلم. لما خرج من بني عبد يليل بن كلال وآواه المقام إلى قرن الثعالب وخر على وجهه مغشياً عليه فلما أفاق قال: (اللهم أنت ربي ورب المستضعفين، إلى من تكلني؟ أإلى عدوٍ يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي). بعد هذا المشوار الطويل من العذاب والأذى يقول صلى الله عليه وسلم: إن لم تكن غاضباً يا رب فما عندي مشكلة، إن لم تكن غاضباً فأنا سعيد، إن كنت راضياً فهذا هو نجاحي، أما أنهم يجعلون سلى الجزور وخلاص الناقة على ظهري فلا أبالي بهذا، أن يضعوا الشوك في طريقي فلا أبالي بهذا، أن يضعوا الأذى في طريقي، أن يرموني بالحجارة فلا أبالي بهذا، أن يكذبوني ويتهموني ويقولوا: ساحرٌ أو كذابٌ أو أساطير الأولين تملى عليه، يأخذها من كتب الأولين بكرةً وأصيلاً فلا أبالي بهذا، إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي.

متى يستيقظ شباب الأمة؟

متى يستيقظ شباب الأمة؟ أين من شبابنا اليوم من يتحمس لهذا الدين الذي من أجله ضحى النبي صلى الله عليه وسلم هذه التضحيات؟ أين شبابنا الذين يتحمسون للدين الذي لأجله ضحى الصحابة بأموالهم وأنفسهم وبذلوا الغالي والرخيص في سبيله؟ أين شبابنا ونحن في زمنٍ تباع فيه بلدان المسلمين رغماً عن أنوفنا؟ أين شبابنا وأخواتنا المسلمات في البوسنة والهرسك يدخل عشرين أو ثلاثين صربياً على فتاةٍ عمرها تسع سنوات فيغتصبونها واحداً تلو الآخر فتموت متشحطة بدمائها؟ أين شبابنا وأنتم ترون الدبابات والطائرات تقصف في جروزني ومناطق القوقاز ولا من معين ولا نصير إلا الله عز وجل. الشباب إذا لم يستيقظوا في هذه المرحلة فمتى يستيقظون؟!! ضاعت فلسطين فما استيقظ الشباب! وانتهكت الحرمات في البوسنة فما استيقظ الشباب! وفعل اللواط بالأبرياء من الشباب في الهرسك وما استيقظ الشباب! والروس يذبحون الأطفال هذه الأيام فما استيقظ الشباب! والطغاة والشياطين يعذبون المسلمين فما استيقظ الشباب! فبالله عليكم متى يستيقظ الشباب؟ هل يستيقظ الشباب إذا جاءت طلقات النار فوق رأسهم؟ هل يستيقظ الشباب إذا استبيحت حرماتهم؟ هل يستيقظ الشباب إذا ديست مقدساتهم؟ هل يستيقظ الشباب إذا بلغ الأمر الزبى وبلغ السيل غايته يوم أن تحل المصيبة حولهم أو قريباً من داره؟! إن من لم يتحرك لهذه الأحداث؛ فإن في قلبه علة الموت والبعد عن طاعة الله عز وجل، والله إنه لأمر يؤلمنا غاية الألم، وما كأن شبابنا ينتسبون إلى أمة ذات تاريخ قد سطر فيه القادة بمداد الذهب على صفحات النور البطولات التي بها كانوا يرهبون ويخيفون الكفار، هل في الشباب من ينازل هؤلاء الكفار؟ هل في الشباب من يتحداهم بالتزامه واستقامته؟ هل في الشباب من يقول: {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود:121 - 123] هل في الشباب من يقول: بالأمس خمر واليوم أمر، بالأمس سكرة واليوم فكرة؟ هل في الشباب من يستيقظ من هذه الغفلة الطويلة؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.

الشباب وقضاء الأوقات

الشباب وقضاء الأوقات ما هي أوقات شبابنا؟ سهرٌ بالليل {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] لا، سهرٌ في التفحيط، وفي الدوران، وفي هذه البطولات بين الصخور والرمال، وأين هم في الصباح؟ يشهدون صلاةً تشهدها ملائكة الليل والنهار، لا، على الفرش تراهم نائمين، ويضيع الصباح وما بعد الصباح وربما ضاع الظهر، ويستيقظون قرب المساء، ثم يحيون الليل الذي هو سكن بالحياة التي تضرهم وليست حياةً تنفعهم، والنهار الذي هو معاش بالغفلة التي تضرهم؟ أين هؤلاء الشباب؟! والله لو أن القلوب سليمةٌ لتقطعت ألماً من الحرمان لكن قلوب كثير من الشباب أصابها نوعٌ من الشلل نخشى إلا تفيق إلا بصدمة كهربائية، إن بعض الأعضاء الضعيفة في جسم الإنسان مثل يد ضعيفة، أو رجل ضعيفة، ربما تحتاج إلى شيءٍ من التدليك الطبيعي والعلاج الطبيعي حتى تقوى، وبعض الأعضاء الضعيفة لا ينفع فيها التدليك، ينفع فيها الصعقة الكهربائية حتى تستيقظ، حتى تعود الحياة إلى هذه العضلات والأعصاب وإلى هذه الشعيرات الدموية فيه، فنحن نريد من شبابنا أن يفيقوا قبل أن يحتاجوا إلى إفاقةٍ بالصدمات الكهربائية، ولن تكون الصدمة الكهربائية عدواناً من أحبابهم الدعاة، ولن تكون شراً نتمناه لهم، ونخشى أن تكون مصيبة تحل بأحدهم. أحسن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ فلا يدوم على الإحسان إمكان اليوم أنت تملك ساقين تسابق بها الخيل، وتتخطى بها الريح، فما يدريك أن هذه الساق تمضي معك وتستمر قوية سليمة؛ لتتخطى بها إلى المساجد وإلى أماكن الطاعة. كم من شاب في عداد المعوقين الآن يتمنى أيام كانت قدماه تحمله يقول: يا ليتني مشيت عليها إلى المساجد! يا ليتني مشيت عليها إلى حلق الذكر ورياض الجنة! يا ليتني مضيت عليها إلى مواقع ترضي الله عز وجل حتى إذا ابتلاني الله بما ابتلى وقدر ما قدر من هذا الشلل كتب ما كنت أعمله صحيحاً مقيماً. لو أن رجلاً أصيب بشلل أو عاهة أو مصيبة وقبل أن يصاب بهذه العاهة كان مديماً على استخدام جارحته في الطاعة والعبادة، فإنه بعد أن يصاب تمضى له الحسنات، وتستمر له الدرجات، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض المسلم أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) أي رجل تعود قيام الليل فأصابه مرض نقول له: اطمئن إن أجر التهجد يكتب في صحيفة أعمالك ولو كنت على فراش المرض، رجلٌ تعود أن يعتمر أو أن يحج كل عام، ولكن حال دونه ودون الحج والعمرة مصيبة مالية أو بدنية نقول: اطمئن فإنها مكتوبة في موازين أعمالك؛ لأنك يوم أن كنت قوياً صحيحاً قد مضيت على هذه الطاعة فالآن تكتب لك وإن لم تفعلها ولكنك تفعلها بنيتك هذه. أما الذي كان أيام قوته وعنفوان شبابه وربيع عمره يملك قوةً لكن ما سخرها في طاعة ولا في حلق الذكر ولا في رياض الجنة ولا في مجالسة الأخيار والدعوة، وإنما سخرها في صعود وهبوط، وسفرٍ وعودة، وسهرٍ وغفلة، نومٍ عن عبادة، وذهابٍ وإياب، ومعاكسةٍ ومشاهدة، وجلوسٍ وقهقهة، وسخريةٍ وضحك، وتحدٍ واستهتار، فحينما يصاب بمصيبة أو يبتلى ببلية، فما الذي يريد أن يكتب له بالعمل الصالح، إن من نعمة الله أن الإنسان إذا أذنب كتبت سيئةً واحدة، وإذا أصابه بعد الذنب ما أصابه فلا تكتب بقية السيئات إلا سيئةً كان يدعو إليها، أو كان يروجها وينشرها فعليه وزرها وأوزار من عمل بها إلى يوم القيامة. مثال السيئات التي إذا مات صاحبها فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة وهذا مثالٌ واقعي وليس من الخيال: رجلٌ كان يملك محلاً كبيراً فيه عدد من الفتحات يبيع فيه أشرطةً لأفلام الفيديو، فيها رقص هندي، ومصارعة حريم، وهبال وجنون، وحب، وغزل، وقلة حياء ومصائب متعددة، المهم أن هذا الرجل كان تاجراً من تجار محلات الفيديو، وربما بلغت الأشرطة الأصول التي عنده في ذلك المحل أكثر من مائة وثلاثين ألفاً أصل شريط فيديو، كتب الله أن سهام المنية وملائكة الموت تحل في داره وتأخذ برقبته وتنتزع روحه. فما الذي حصل؟ كنا نظن أو يُظن أن الورثة من بعده يقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون هذا والدنا مات ولكن خلف معصية كبيرة، خلف فساداً وانحرافاً، فلعلنا أن نعالج وضعه وأن نحرص على أن نفعل حسناتٍ تكفر سيئاته. فما الذي كان من الورثة؟ كانوا أذكى من أبيهم في هذا الضلال، قالوا: لو أننا بعنا محل الفيديو لن يباع بقيمة جيدة طبعاً؛ لأن قنوات الدش قد هبطت أسعار محلات الفيديو، شرٌ يهون شراً كما أن الإم بي سي إف إم خربت على تسجيلات الأغاني، فكذلك قنوات الدش خربت على محلات تجارة الفيديو، ولأن فيها من الفساد ما يوجد في المحلات وأكثر وأشد ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحاصل أن الورثة بعد أبيهم قالوا: لو بعناه ما جاب قيمة، ولوصفينا الأشرطة لا أحد يشتري أشرطة، نبيع الأجهزة ونقفل المحل، الديكور واللوحة والشهرة العالمية لا تصلح شيئاً، والحل يا شباب فليضع كل واحدٍ منا يده في يد الآخر ولنتعاهد ولنتعاقد ولنعقد بالخناصر والأكف أن نحفظ هذا الكنز الثمين والميراث والرسالة التي كان والدنا مستمراً عليها، فنمضي ويستمر المحل والريع نتقاسمه مجتمعين. يعني: كان المتوقع من هؤلاء أن يقولوا: أبونا مات وفرق بينه وبين الشيخ عبد الله الجار الله الذي مات في العام الماضي ليلة سبع وعشرين، ولما مات عشرات إن لم تكن مئات الرسائل من الكتب والنشرات والكتيبات والمذكرات كلها في الدعوة والطاعة والعبادة والإنابة والتوبة والإرشاد والتحذير والنصيحة، كلها قال الله قال رسوله قال السلف: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان فهنيئاً له في هذا الميراث الذي خلف، لكن صاحبنا الذي نتحدث عنه نسأل الله أن يعاملنا وإياه بعفوه، فإن رحمة الله واسعة لا يضيق بها ذنب عبدٍ مهما عظمت ذنوبه، صاحبنا هذا الذي مات عن أفلام الفيديو الخليعة الماجنة، وأولاده من بعده يشغلون المشروع ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهذا نوعٌ واقعيٌ ومثالٌ واقعيٌ للسيئات التي ذنبها يستمر على صاحبها بعد فراقها أو بعد رحيله عنها بموتٍ أو بغيره. فالعاقل أيها الأحباب: يحرص أن يقدم عملاً ينفعه بعد موته، وحين ننادي شبابنا نقول لهم: اغتنموا هذه الأوقات، واغتنموا ما جعلكم الله مستخلفين فيه؛ فإن الله عز وجل سائلكم عن هذه النعم التي أنتم فيها.

الحكمة من خلق البشر

الحكمة من خلق البشر يا أحبابي: أتظنون أننا خلقنا من أجل أن نشرب ومن أجل أن نأكل وننام؟ أتظنون أننا خلقنا لهذه المتع والملذات؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] هذا كلام الله {فَتَعَالَى اللَّهُ} [المؤمنون:116] يعني: الله أجل وأكرم من أن يخلقنا عبثاً: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115] ما ظنكم لو أن تاجراً من التجار استقدم ألف عامل من كوريا، وألف عامل من اليابان، وألف عامل من الصين، أي ثلاثة آلاف عامل وجعلهم في الكنبات ومواقع شركات، ثم بعد ذلك لما جاءوا واجتمعوا ما أعطاهم عملاً معيناً، أخرجوا لهم تأشيرات وفيز ونقلتهم الطائرات، واستقبلتهم العلاقات العامة في الشركة ثم أتوا بهم وأدخلوهم في المخيمات والكنبات وتركوهم هكذا، سبحان الله! ثلاثة آلاف عامل بكل تكاليف استقدامهم ونقلهم وتذاكرهم وتأشيراتهم؛ ثم بعد ذلك تتركهم عبثاً وسدى، هذا مجنون!! هذا ليس برجل أعمال!! هذا ليس بمخطط أبداً!! إن الشخص لا يستقدم عاملاً براتب بخمسمائة ريال إلا وقد أعد له ألف شغلة، إن عجز عن هذه؛ أشغله في الأخرى. فإذاً أتظنون أن الله خلق هذا الخلق بمليارات البشر عبثاً هكذا فقط يأكلون، ويشربون {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:115 - 117]. أيها الأحبة! إننا نغفل عن قيمة الزمن، والواقع يؤكد أن كثيراً من إخواننا المسلمين وأخواتنا المسلمات غافلون عن إدراك قيمة العمر وهذه الدقائق والساعات، إن الكثير غافلون عن إدراك الحكمة من وجودهم في هذه الحياة، نعم إن الشيوعيين والدهريين والذين لا يعلمون لأي حقيقة وجدوا يجهلون ذلك، لكن المسلم يعلم. ذلك الإلحادي المستهتر المستهزئ الذي يقول: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت سأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت كيف أبصرت طريقاً لست أدري؟ ولماذا لست أدري لست أدري؟. وعمرك ما تدري ولن تدري إن لم يكن لك دراية من كتاب الله ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، لكننا ندري من أين جئنا، وندري إلى أين نتجه، وندري ما الذي ينتظرنا إن أحسنا العمل، وندري ما الذي يدركنا إن أسأنا السعي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وعن عمره فيم أفناه؟

وعن عمره فيمَ أفناه؟ أيها الأحبة! قولوا للشباب: إننا جميعاً سوف نحشر بين يدي الله عز وجل ولن يمر أحدٌ إلا وسوف يسأل: (لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه) رواه الترمذي. الوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع (لن تزول قدما عبدٍ حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟) أذكر من سنين طويلة من قرابة سبع عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة حينما كنت صغيراً، أن رجلاً كان يزور أحد أقاربي، والذي كان يشد انتباهي أن هذا الرجل على كبر سنه، كان مشجعاً متعصباً يموت في الهلال، ويصبح على الهلال ويسره ما يسر الهلال ويسوءه ما يسوء الهلال وكأنما هو على حد قول القائل: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد هناك من يقول: الهلال على عيني ورأسي، وأقول: لو يصبون له زنجبيل وبما أن الزنجبيل أصفر والنصراوية أصفر لا يشرب أبداً، والعجيب قبل شهرين أو ثلاثة كنت في مناسبة زواج، فقابلت الرجل وإذ بالرجل قد كبرت به السن وسألت واحداً قلت: فلان أهو صاحبنا الذي كان هلالياً حتى الموت؟ قال: هو هو، قلت: ولعله إن شاء الله بعد هذه السنين الطويلة قد أفاق، وعلم أن هذه الأندية كلها بل المنتخب لن يدخله الجنة ولن يخرجه من النار، ولن يشتري له بيتاً إن كان ما عنده بيت، ولن يدفع له ضماناً إن كان ما له ضمان، ولن يعطيه شيئاً إذا عجز عن امتلاك المال، هل لا يزال الرجل على طبيعته وسجيته تلك؟ قال: بل وأشد، هذا عمره أفناه في الصحافة الرياضية، من الذي راح؟ وما الذي حصل؟ ومن الذي جاء؟ ومن الذي ذهب؟ ومن الذي عزل؟ ومن الذي فعل؟ ومن الذي قدم وأي عقدٍ حصل وأي؟ بالله يا مسكين! عمرك أفنيته في هذه الرياضة فهل ستنفعك عند الله عز وجل؟! وآخر عمره أفناه في السامري، فما يسمع بضربة طارٍ عند جمرٍ من النار إلا جاء وطبلته معه يسخنها قبل أن يستنزل، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وأناس قد بلغوا من الكبر عتياً ومنذ شبيبتهم إلى هذا اليوم وهم -ولا حول ولا قوة إلا بالله- مشغولون والله في هذه البلوة، قولوا: الحمد الله الذي عافنا مما أبتلى به كثيراً من خلقه وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلا، لا تظنوا أن هذا ضرب من الخيال بل هو موجود عند طائفة من الناس، وبعضهم أفنى عمره في عرضات وسامر، وبعضهم أفنى عمره في فنٍ وطرب، وبعضهم أفنى عمره في بداية المسلسلات مع الممثل القدير، وأي قدير؟! الممثلة القديرة، وأي قديرة؟! عمرٌ مضى في اللهو، والغفلة، ومقارفة المنكرات، ومخالطة النساء، والخلوة بغير المحرمات، وأمور ومصائب لا ترضي الله عز وجل، هذا أسألكم بالله إذا سأله ربه عن عمره فيم أفناه ماذا يقول؟ لعل فينا من يستيقظ، لعل بشبابنا من يتذكر إذا سأله أو سئل يوم القيامة عن عمره فيم أفناه؟ قال: أستغفر الله وأتوب إليه، وأفني ما بقي من العمر سواء كان شاباً في العشرين أو أقل أو الثلاثين أو الأربعين أو الخمسين أو الستين أفنيت عمري في طاعة الله والدعوة إلى الله، وشهود المساجد، وزيارة الأقارب، وصلة الأرحام، وفي التجارة الرابحة، والتجارة الحلال، والبيع والشراء، وطلب المعيشة، والاستثمار المباح فيجوز للإنسان أن يشتغل بهذا ويتشرف به، لكن هذا الذي أفنى عمره في هذه المسائل -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فوا خجلة الحال إن كان الإنسان يجيب بذلك! أيها الأحبة! إن كثيراً من الشباب تضيع أوقاتهم، ونحن حينما نتكلم عن الوقت لا نقول: إن الواجب ألا يجعل الإنسان لنفسه أو لأصحابه أو لأقاربه أو لأحبابه أو لأهله أياماً أو أوقاتاً أو ساعات يمرح ويتنزه ويخرج للبرية ويتسفر ويتنقل ويتمشى ويتمتع بما أباح الله، نحن لا نقول: حرم على نفسك هذه المتع الطيبة، لكن نقول: الحذر من أن ينقضي أو تنقضي سحابة العمر في معصية الله عز وجل ولا حول ولا قوة إلا بالله، تضيع هذه الأوقات على كثيرٍ من الناس وبعضهم معروفون ومشهورون، في ليالي الشتاء البلوت ساخن، وفي ليالي الصيف البلوت ساخن، لو جمعت ساعات البلوت من عمره لوجدتها أخذت جزءاً لا بأس به من عمره، فهذا إذا سئل يوم القيامة عن العمر قال: قضيت جزءاً من العمر في النوم وجزءاً في البلوت، وجزءاً في الغدو والرواح والذهاب والإياب، فلم يبق للعبادة والطاعة إلا أقل القليل من الساعات والدقائق ولا حول ولا قوة إلا بالله! كان العلماء يتمنون زيادة الوقت مع عنايتهم وحرصهم على أوقاتهم، كان علامة الشام جمال الدين القاسمي رحمه الله في دمشق إذا مر على الناس وهم جالسون على المقاهي، قال: آه لو أن الأوقات تباع وتشترى؛ لاشتريت من هؤلاء أوقاتهم. عنده مشاريع سوف يملأ بها أوقات هؤلاء لو اشترى منهم، لكن كثيراً من شبابنا اليوم يملون من الوقت إذا أصبح قال: أخ! متى يأتي الغداء نأكل ونرتاح؟ وإذا تغدوا جاء الظهر متى يأتي العصر نطلع نشم هواء؟ وإذا انتهى اللف في السيارة قال: متى يأتي الليل نسمر وننبسط، وإذا انتهى وقت السمر والسواليف والخبال قال: متى يأتي وقت النوم نرتاح، متى يأتي هذا ومتى يأتي هذا: وحلفت ألا أبتديك مودعاً حتى أهيئ موعداً للقائي أودع هذا لأستقبل هذا وتلك والله مأساة يضيع فيها كثير من أوقات شبابنا. أيها الأحبة! نريد وقفة تأمل وتدبر لما نعيشه ويعيشه كثيرٌ من شبابنا؛ من إضاعةٍ للأوقات، وتبذير للأعمار إلى حدٍ جاوز السفه.

عصيان الله بنعم الله

عصيان الله بنعم الله أيها الأحبة! هذه الصحة والعافية التي في جوانحنا وفي جنباتنا؛ هذه الصحة في الأسماع والأبصار والأبدان، والله إننا ما عصينا الله إلا بطاعته ونعمه، هل تتصور أن رجلاً مشلولاً يرقص دسكو أو بريك دنس أو باليت أو روكي؟! أبداً، لأن الذين يرقصون يرقصون بنعمة الله في أقدامهم ولو سحبت منهم نعمة القدم ما رقصوا، والذين يسمعون الحرام لو كانوا في معاهد الأمل للصم والبكم ما سمعوا هذه الملاهي، والذين ينظرون إلى الحرام لو أخذ الله أبصارهم ونعمة البصر ما كانوا ينظرون إلى الأفلام والمسلسلات التي لا ترضي الله عز وجل، إذاً: فما من عبدٍ يعصي الله إلا بنعمة الله، أروني عبداً يعصي الله بنعمةٍ من عند غير الله عز وجل أبداً، فلنعلم أنه مع زوال العمر وانقضاء العمر وضياع الوقت الذي سوف نسأل عنه، أننا أيضاً نعصي الله فيه بنعم الله فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله!

من شب على شيء شاب عليه

من شب على شيء شاب عليه أيها الأحبة! إنك لترى في الحياة رجالاً تخطوا عتبة الشباب، وقاربوا الشيخوخة أو بلغوها تراهم يعلنون الحسرة والندامة أنهم لم يأخذوا حذرهم، يأسفون أنهم فرطوا في حق أجسامهم فلم يرعوها حق رعايتها، فجنوا في ذلك علةً من الشبهة ومن الشهوة ومن الغفلة استحكمت في نفوسهم، حتى إن بعض الكبار قد بلغ الأربعين والخمسين ولا يزال يهجر الصلاة ولا يصلي! ولو كان في شبابه مصلياً ما تركها في شيخوخته، ولكنه شب على ما نشأ عليه وبات كهلاً وشاخ عمره فيما شب عليه وشاب في ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله. تصوروا أناساً يبلغون الستين إلى الآن يشربون الخمر شرب مجانين، ولا يشهدون الصلاة، وبعضهم يقول: يكفيني صلاة الجمعة، يا أخي بلغت الستين وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين، وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك) وعند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قد أعذر الله إلى امرئٍ بلغه الستين من عمره) يعني: من بلغ ثلاثين فقد بلغ الورقة الأخيرة من نصف العمر، فماذا قدمت في النصف الأخير. إن من شب على الطاعة شاب عليها، ولذلك تجد بعض الشيبان يقول: للأسف أن هذه أصبحت قليلة، قديماً كنا نرى هذا والآن أصبح أمراً قليلاً أن تجد في المسجد شايب ينتظر من العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء (انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط) هذا الشايب يكيف في المسجد إذا دخل المسجد كأنه سمكة في ماء لا يريد أن يخرج منه، لأنه شب على الطاعة وشب على حب الصلاة (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ أنفق نفقةً فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه الخ). أيها الأحبة! لو أن شبابنا تعلقوا بالمساجد ليكبروا بإذن الله متعلقين ببيوت الله متعلقين بالرباط، لكن تعودت كثير من نفوس الشباب الغفلة عن الجماعة، أصبح الواحد يكبر ويكبر ويكبر وما يزال في أنفة وفي ضيق من دخول المسجد، والله إني لا أحصى عدد الرسائل والمكالمات الهاتفية من فتيات متزوجات كل واحدةٍ تقول: هل يجوز أن أطلب الطلاق من زوجي، والأخرى تقول: ماذا أفعل وقد بليت بزوجٍ ولي منه أولاد، والثالثة تقول: قد أصبت بحسرة وملل وكآبة في معيشة كلهن يشكين شباباً ورجالاً لا يشهدون الصلاة أبداً ولا حول ولا قوة إلا بالله، لو شبوا على الصلاة، لو تعلقت قلوبهم على المساجد، لو كثرت خطاهم إلى المساجد وتعودوا الرباط لوجدوا خيراً عظيماً ولكن -ولا حول ولا قوة إلا بالله- شبوا على الغفلة، ومر الليل والنهار والشهر والشهران والسنة والسنتان وتتالت الأعوام وهم على هذه الغفلة، فلما شاب القذال، واحدودب الظهر وذبل الجنبان وتغير وتجعد الوجه يريدون أن يتجهوا إلى المساجد لا، سوف تردهم شهواتهم ونفوسهم وأهواؤهم، ويغلبهم شيطانهم {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70].

الندم على ما مضى من أيام الشباب

الندم على ما مضى من أيام الشباب أيها الأحبة! ما أكثر الذين يندمون على ما مضي من أيام شبابهم، بل إننا والله ونحن الآن في الثلاثينات إن الواحد يندم على الفترة التي مضت من عشرين إلى ثلاثين كيف راحت عشر سنوات من زهرة العمر الذهبية لم نستغلها الاستغلال الأمثل الأوفر، فما بالك فيمن ضيع وضيع وغفل ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنا وإياهم على خطر أن تفاجئنا المنية ونحن لم نستعد استعداداً يرضي الله عز وجل ويجعلنا ممن يفوزون بجناته ومرضاته. أيها الأحبة! إن للزرع والبذر موسماً معيناً، فإذا جاء وقت الحصاد؛ فإن الزرع لا ينفع حينئذ، إذا جاء وقت حصاد البر ما ينفع أنك تبذر الأرض وتشغل الرشاش، فللبذر والزرع وقت، وللحصاد وقتٌ، ولا بد أن تعلم أنك ما دمت في مرحلة الشباب، فإنك في مرحلة البذر ومن زرع البذور وما سقاها تأوه نادماً وقت الحصاد إن الذي يأتي يوم القيامة وقد ضيع هذا الشباب في المعاصي والسيئات، وقد غفل عن الصالحات هو المفلس والخاسر حقاً، وعليه أن يبادر نفسه قبل أن يفاجئه الأجل أو يحل فيه ما قاله الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ} [المؤمنون:99 - 101] لا جنسية، لا تابعية، لا جواز، لا إقامة، لا قبيلة، لا فخذ، لا أسرة، لا عائلة، لا هوية {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] إذاً ما القضية؟ أموال ما تنفع، أنساب ما تنفع {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ:37] إذن ما الذي ينفع؟ {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:102] الله يجعلنا وإياكم منهم {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون:103 - 105] ماذا يجيبون؟ ماذا يقولون: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:106 - 111]. أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يقول الله فيهم: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:109].

اغتنم خمسا قبل خمس

اغتنم خمساً قبل خمس أيها الأحبة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اغتنم خمسا ًقبل خمس) وقد قال النبي اغتنم؛ لأن الغنيمة أمر يفوت إذا لم تبادره بالسعي، هل الغنيمة في المعارك؟ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء} [الأنفال:41] الغنيمة تحتاج إلى كر وفر وسعي وإقدام وإقبال وعناية وحرص وتجاهد عدواً حتى تقتله وتهلكه وتفوز بالغنيمة بعده، فكذلك الغنائم الخمس يبينها لنا صلى الله عليه وسلم بقوله: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) رواه البيهقي عن ابن عباس والحديث صحيح. فكم من عبدٍ وكم من شابٍ وكم من رجلٍ وكم من امرأةٍ الآن هم قادرون على المسارعة إلى الخيرات، قادرون على التوبة والإنابة، قادرون على العمل الصالح، وهم الآن عنها قاعدون، وذلك والله عين الغبن؛ لأن الغبن الذي يغبن فيه الناس اليوم هو غبنٌ في الصحة والفراغ، قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ) أما الصحة فتضيع في اللهو والغفلة والمعاصي، والفراغ فيما لا يرضي الله عز وجل، فيأتي الإنسان يوم القيامة ذلك القوي النشيط كمال الأجسام يسبقه النحيل الضعيف المريض؛ لأن هذا النحيل المريض قد سخر القليل الباقي من صحته في طاعة الله عز وجل، وذلك القوي صاحب كمال الأجسام قد ضيع هذه العافية والقوة في معصية الله عز وجل، وربما يأتي الرجل المشغول بلقمة العيش منذ أن تطلع الشمس إلى أن تغيب وقد سبق ذلك الفارغ الذي ما عنده شغلٌ يشغله، لأن ذلك الفقير المشغول قد أنفق وأمضى وصرف البقية الباقية من وقته في طاعة الله عز وجل، وذلك المتفرغ قد ضيع الوقت وجعله في معصية الله سبحانه وتعالى. نقول أيها الأحبة: إننا نحذر إخواننا وأنفسنا وشبابنا ألا نغبن في صحتنا فتضيع القوة في غفلة، وفي معصية، وألا نغبن في أوقاتنا فيضيع العمر من غير أن نجني منه أرباحاً في العمل الصالح، ودرجاتٍ تقربنا إلى مرضاة الله عز وجل، ونقول لكل واحدٍ منا ما قاله الشاعر قديماً: تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد وتب مهما جنيت وأنت حيٌ وكن متنبهاً قبل الرقاد ستندم إن رحلت بغير سعيٍ وتشقى إذ يناديك المنادي أترضى أن تكون رفيق قومٍ لهم زادٌ وأنت بغير زاد إذا أدرك شبابنا هذه القضية وعرفوا أن الله عز وجل قال: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:4 - 11] من أي الفريقين أنت أيها الشاب: أفمن يرضى لنفسه مخالطة الأشرار، وأصحاب السوء أهدى، أمن لا يرضى إلا بمخالطة الصالحين والأخيار قال تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22] أفمن ثقافته المجلة الخليعة والفلم الماجن أهدى، أمن اشتغل وامتلأ قلبه بالقرآن والسنة وكلام أهل العلم؟ أفمن يعيش ليأكل ويشرب وينكح وينام ويتسمى باسم المسلمين أهذا أهدى، أمن يعيش لهذا الدين ويعيش لهذه العبادة؟

ماذا قدمنا للإسلام؟

ماذا قدمنا للإسلام؟ إن الإسلام يخدمنا ويعطينا ويمنحنا، لكن نحن ماذا قدمنا للإسلام؟ أنا أعطيك أقرب مثال على ذلك: لو حصل لا قدر الله حادث لرجل على الطريق، وجاء واحد قال: يا إخوان هناك رجل شاب صار له حادث وعنده نزيف ومحتاج إلى تبرع بالدم، يا إخوان تبرعوا له، أنا واثق أن السيارة ستمتلئ كلها تبرعاً له لأنه مسلم، لأن الإسلام خدمه. إذاً: الإسلام خدمنا ونحن باسم الإسلام أكلنا وشربنا وحققنا وأنعمنا وحصلنا خيراً كثيراً؛ فماذا قدمنا للإسلام؟! أحد الإخوان في زغرب في المركز الإسلامي بـ كرواتيا بجوار البوسنة يقول: جاءنا ذات مرةٍ شاب بسنوي يقول بلغته البسنوية وكان المترجم موجوداً: هل يوجد أحد من شيوخ العرب أريد أن أتكلم معه؟ قال: فجيء إليه برجلٍ من الشباب فيه خير نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، قال: فجئنا إليه، فقال له: يا أخي تعال -هذا كان في بداية غزو الصرب للبوسنة - أنا مسلم جاء الصرب واغتصبوا أخواتي، وأحرقوا بيوتنا، وطردونا وشردونا وفعلوا بنا الأفاعيل، وأنا مسلم أقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا أعرف عن الإسلام إلا هاتين الكلمتين، فيا أخي علمني شيئاً عن هذا الدين الذي أقتل لأجله، علمني شيئاً من هذا الدين الذي يحرق بيتنا لأجله، علمنا شيئاً عن هذا الدين الذي يعتدى علينا لأجله، أنا أريد أن أقاتل هؤلاء الكفار من الصرب والنصارى حتى أموت ولن أتركه لكن علمني. الآن لو أتينا إلى شاب في سجن المخدرات وقلنا له: تعال اكتب لنا عشر صفحات عن الإسلام، لكتب خمسين صفحةً عن الإسلام، فهذا بسنوي لا يعرف عن الإسلام إلا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، يقول: علموني هذا الدين الذي أقتل لأجله حتى أقاتل على بصيرة وأستمر من أجل هذا الدين، وكان بإمكان هذا الشاب البسنوي أن يقول للصرب: قفوا ماذا تريدون؟ نعلق الصليب، نصلي لليسوع، ننحني للقداس، نسوي التعميد، نسوي صلاة الكنيسة، ونرتاح من الهم والغم لكنه مصر على الإسلام، ومن أجل الإسلام الذي لا يعلم عنه إلا هاتين الكلمتين يتحمل هذه التضحيات. فنحن يا معاشر الشباب الذين نعرف الكثير الكثير عن الإسلام؛ في الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وأمور كثيرة في العلاقات والعبادات والأخلاق والمعاملات والعقائد وأشياء كثيرة، ماذا قدمنا لهذا الدين؟ هناك جهلة لا يعرفون عن الإسلام إلا كلمتين يقاتلون من أجله، ونحن أقل شاب فينا يعرف عن الإسلام الكثير ولا يقدم من أجل الإسلام التزاماً! لا يقدم من أجل الإسلام توبة! لا يقدم من أجل الإسلام تضحية؟! لا يقدم من أجل الإسلام يقظة في مواجهة هذه الحرب المسعورة علينا؟! لسواد أعيننا أعداء الإسلام يخسرون نفقات المحطات الفضائية والأقمار الصناعية المستقبلة والمرسلة مجاناً؟ لسواد أعيننا يبثون علينا هذه القنوات؟ لا، ولكن حتى يبقى الضال ضالاً، والفاسق فاسقاً، والمنحرف منحرفاً، والغبي غبياً، والجاهل جاهلاً، المهم ألا يستفيق الشباب والرجال والنساء للإسلام، المهم ألا تعود هذه الأمة إلى الإسلام. قال أحد البريطانيين الخنازير: إن هذا المارد -يعني الإسلام- سوف يعود ويستيقظ عما قريب ونحن لا نملك أن نرد يقظته، لكننا نملك أن نخدره لنبطئ ساعة يقظته. نحن لا نملك أن نرد هذا المارد، بل اليهود الذين عجزت أمة الإسلام وقد بلغت المليار أن تسحقهم وهم لا يتجاوزون سبعة عشر مليوناً في العالم، والشكوى إلى الله عز وجل، وإلا والله لو يفتح الطريق إلى هؤلاء الخنازير لوجدت الشباب مستعدين أن يموتوا ويريقوا الدماء من أجل أن يذبحوا اليهود ذبح النعاج والشاه، لكن إنا لله وإنا إليه راجعون، سيأتي اليوم {وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [هود:122]. يقول أحد المسلمين ليهودي من اليهود: سيأتي يومٌ نقاتلكم فيه وسوف ننتصر عليكم، فقال: اليهودي نعم صدقت! ستقاتلوننا وتنتصرون علينا، ولكن ليس هذا الجيل الذي أنتم منه هو الجيل الذي سينتصر علينا، جيل الأغنية والتمثيلية والدش والمسلسل والغفلة والزمر والطرب والكأس والمعاكسة والمرأة والعبث بالخارج والربا والخنا والمعاصي والضياع، ليس هذا الجيل الذي سوف يطرد اليهود من فلسطين، لكنه جيل العباد الزهاد الصالحين أسود في النهار، رهبانٌ بالليل وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا رقاقٌ إذا ما الدجى زارنا نصبنا محاريبنا للحزن وجندٌ شدادٌ إذا رامنا عدوٌ رأى أسدنا لم تهن هذا هو الجيل الذي سوف يفتح فلسطين وسوف يفتح القدس ويردها ويرد غيرها من بلدان المسلمين إليهم. نقول يا شباب الإسلام: القضية أكبر من أن تضيع في حب فتاةٍ عبر رسالةٍ أو مكالمة، والقضية أكبر من أن تضيع الأيام في متابعة مسلسل ونعرف في الحلقة الأخيرة، هل تزوجها أم طلقها؟ وهل وجدها أم فقدها؟ وهل انتصر عليها أم انتصرت عليه؟ القضية أكبر من أن تضيع الأمة في هذا الهراء والضياع، لكن من يوقظ الأمة؟ من يوقظ الشباب من هذا النعاس؟ وهذه المؤامرات؟ {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:46] {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} [الطارق:15] {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ:33] مكر عجيب يخططه أعداء الإسلام وأذنابهم والشباب ينقادون في هذا المخطط.

لا عزة إلا بالإسلام

لا عزة إلا بالإسلام كم نتمنى أن نعيش في عزة. الآن انظر لو أن أفضل مطعم أتى بأكلات شعبية نظيفة ذات قيمة غذائية عالية، لأعرض عنها شبابنا إلى هذه الأكلات التي لا تجد فيها من القيمة الغذائية شيئاً، والسبب أن هناك تيار تغريب الأمة وتغريب الشباب، انظر إلى ملابس الشباب انظر إلى بنطلوناتهم وترنكاتهم والفنايل الرياضية والقبعات التي توضع على الرءوس، والكلمات التي تكتب على الفنايل، والعبارات التي تكتب على زجاج السيارات تجد هناك اتجاهاً تغريبياً لهؤلاء الشباب، نحن نتمنى أن شبابنا يرون الغرب كالعذرة والخنزير. قديماً فيما مضى، كان في عصر الخلافة العباسية والأموية وغيرها يوجد فساق وأهل معاصٍ وشربة خمور، لكن ما كان في قلوبهم شيء من المحبة أو المودة للغرب والكفار، ما كان في قلوبهم تنازل أن ينظر إلى الغربي والكافر نظرة احترام وتقدير، ما كان يرضى أن يَعُد هذا الكافر شيئاً، اللهم إلا إنسان ذمي فله حقوق أهل الذمة فقط، لكن مصيبتنا الآن أن الشاب يدرس في الصباح التوحيد والفقه والحديث والثقافة الإسلامية، وفي المساء تجده مولع بالرياضة الغربية، الملابس الغربية، والأفلام الغربية، والأغاني الغربية، والموسيقى الغربية، وهذه المصيبة التي أورثت في نفوس الشباب هذا التغيير وهذا الاتجاه، والقضية قضية ولاء والخطر على جيل الأمة أن يكون جيلاً يعيش في بلد وجيله في بلد آخر، أن يعيش في بلد وانتماؤه إلى بلد آخر وإن لم يصرح بهذا، لكن الخطورة أن تكون هذه الفيروسات والأمراض قد دخلت في العصب والشعيرات الدموية، ونياط القلوب، وخفقات الأفئدة لشبابنا ونحن لا نعلم، نحن نريد شباباً يعتزون بالإسلام. يعجبني موقف يذكرون فيه أن شاباً كان ثرياً منعماً، جيء في ذات يوم برجل يصلح ديكوراً في بيته، فكان هذا الشاب جالساً مع شلته يتفرج على فيلم خليع، وهذا الرجل جالس على السلم يشتغل، فالظاهر في لقطة من لقطات الفلم وإن كانت خليعة لكن فيها شكل مضحك، كان هذا الذي على السلم في عقيدته خلل أو ينتمي إلى النصيرية تقريباً، فالتفت يضحك مع هؤلاء الشباب الضاحكين، وقال: هذا كأنه ابن تيمية؛ لأن النصيريين يكرهون ابن تيمية كراهيةً شديدةً حتى في زمن من الأزمان قيل: إن واحداً من الشياطين قال: هاتوا لي ابن تيمية حياً أو ميتاً قالوا: هذا ميت من سنة سبعمائة وعشرين هجري، من أين آتي لك به الآن؟ فالحاصل أن هذا الذي يعمل في الديكور استهزئ بـ ابن تيمية، ففي تلك اللحظة قام ذلك الشاب الذي يجلس ينظر إلى هذا الفلم وأصبحت يقظة؛ لأنه ضرب ضربةً في صميم مثله ومبادئه وقيمه وقادته الأوائل، فأخذ الحذاء وقام يضرب ويلطم على وجه ذلك العامل إلى أن أخرجه قال: ما عاد إلا ابن تيمية، إذا كان هذا المجلس جعلنا نصل إلى هذه الحالة من سب علماء الإسلام وجعل هؤلاء يتجرءون علينا انتهت القضية، وكانت فكرةً بعد سكرة، وكان أمراً بعد خمر، وكانت يقظةً بعد غفلة، نحن نريد من شبابنا يقظة، نريد من شبابنا عزة، نريد من شبابنا ألا يروا الغرب إلا كالأحذية، ونريد منهم أن يسابقوا الغرب في التكنولوجيا والعلوم التطبيقية والاختراعات، ولا يكفي أن نسخر بالغرب ونستهزئ به ونحن فقط لا نملك إلا سب الغرب وشتمه، نريد أن ننافسهم في الذرة والإلكترون وبما استطعنا من جدٍ ومثابرةٍ واجتهاد {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33] هذا أمر نريده من شبابنا: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] الشباب اليوم يكدحون لكن بعضهم يكدح ثم يسعى في غضب الله، وبعضهم يكدح ويسعى في طاعة الله ومرضاته {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10] الأمر بين أيدينا إن شئنا أن نكون ممن يشترون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله عز وجل، فإن الله رءوف بالعباد يقبل توبة عبده ولو أسرف على نفسه {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [الزمر:53] ومن أعرض ونأى وغفل وأصر على معصيته وسوف وقال بعد أن نشيب وبعد أن نكبر، لعل وربما نتوب فقد تفاجئه المنية: يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل

دور جليس السوء

دور جليس السوء ختاماً: أيها الشباب انصحوا وذكروا من تعرفون ممن وراءكم من الشباب أن تحذروهم من جلساء السوء، كم من شابٍ كان عابداً فأصبح فاجراً بسبب جليس، كم من شاب كان عفيفاً فأصبح داعراً بسبب جليس، كم من شابٍ كان طاهراً فأصبح مدمناً بسبب جليس، كم من شابٍ كان غيوراً فأصبح ديوثاً بسبب جليس، الله الله تفطنوا والتفتوا وانتبهوا لهؤلاء الجلساء؛ لأن الفساد لا يقع فجأة، لا يوجد شاب يحاكم في الزنا يقول: والله كنت ماشياً ذاك اليوم وقابلتني امرأة فرمت بي أو رميت بها فزنيت بها، لا، إنها خطوات أولها: الجليس، أو النظرة أو السهام التي يقذفها الشيطان لتقرب إلى هذه المعصية، ولذلك قال الله عز وجل: {لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:21] فقبل الزنا نظرة وابتسامة، كما قال الشاعر: خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء نظرةٌ فابتسامة فسلامٌ فكلام فموعد فلقاء أيها الشاب: قل لمن تعرف من هؤلاء الشباب الضالين عودوا إلى الله عز وجل قبل أن يفيق الواحد ويقول: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:28] قبل أن يقول {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:27]. {يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:28 - 29] إن أخطر ما على الشباب اليوم رفقاؤهم الذين يزينون لهم المعصية ولا حول ولا قوة إلا بالله. واختر من الأصحاب كل مرشد إن القرين بالقرين يقتدي إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأرداء فتردى مع الردي أود أن نكمل هذه المحاضرة حتى لا أطيل عليكم في مناسبة أخرى، عسى الله أن يجعلها قريبةً بمنٍ منه وكرم، ونجعل ما بقي من الوقت للأسئلة وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

علاج سوء حال المخيمات

علاج سوء حال المخيمات Q فضيلة الشيخ سعد: بارك الله فيكم، لسان حال بعض الشباب في المخيمات يقول: خرجنا لهذه المخيمات للترفيه والمرح والسعادة، ولكن مع الأسف الشديد نضيع الصلوات؛ سهرٌ في الليل ونومٌ في النهار نرجو التوجيه؟ A أيها الأحبة! إن كثيراً من الشباب يقعون في معصية الله وسخط الله وغضبه ولكن لا يصارحون أنفسهم، ويصدقون في نقد بعضهم لبعض والمجاملة تغلب عليهم فيقولون: نخرج من أجل النزهة، ونخرج من أجل الترفيه المفيد، نحن لا نقول: هذا عيب ولا حرام أن يخرج إلى النزهة، ما الذي يحرم عليك أنك توسع صدرك في مخيم في استراحة {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] لا أحد يحرم عليك هذا لكن حينما تجد أن هذا العمل قد أفضى بك إلى ضياع الواجبات وفعل المحرمات، فاعلم أن هذا عمل يضرك ولا يسرك، وهل هناك ما يمنع أن تتواصوا قبل أن تخرجوا إلى المخيم بضوابط، أولها: إذا دخل وقت الأذان فلانٌ يؤذن وفلانٌ يصلي الفجر، فلان يوقظنا لصلاة الفجر، لا نسهر في الليل ثم نصليها في الضحى أو الساعة العاشره أو الحادية عشرة، وبعض الشباب للأسف لا يصليها، وبعضهم لو دخل عليهم طالب علم أو شاب فيه خير يريد يعطيهم كلمة توجيهية إرشادية لمدة عشرين دقيقة، قال: يا ألله! حتى في البر نلقى مطاوعة، سبحان الله العلي العظيم، يا أخي الحبيب أين تريد أن تلقاهم؟ في المقبرة إن الأموات لا تنتصح، أنت المحتاج إلى النصيحة، ثم اسمع ولا تجعل الشيطان حجاباً بينك وبين النصيحة، بعض الناس حينما يأتي أحد ينصحه يقول: كلها عشرين دقيقة وما عليك إلا أن تتحمل فقط، لكن حالهم في آذانهم وقر، وعلى أبصارهم عمى، وعلى قلوبهم أكنة، وما عنده استعداد يسمع كلمة، يعني: ما يضرك حتى لو الشيشة قدامك، والطيران على يسارك والكمنجة وراءك والعود على يمينك والتلفزيون أمامك، لا يضرك أنت ركز فقط على الكلام واسمع هل يعطيك كلام خرافات أو كلاماً حقيقياً؟ هل هذا الكلام صحيح أو كذب؟ هل هذا الكلام ينفع أو يضر؟ هل هذا الكلام معقول أو غير معقول؟ وكثير من الشباب يحجب الشيطان عن النصيحة. كان الطفيل بن عامر الدوسي يحذرونه ويقولون: انتبه إن قدمت على محمد فإن عنده كلاماً ليس بسحرٍ بل أشد من السحر يفرق بين المرء وزوجه ويجعل الرجل صابئاً في دينه، فإن ذهبت إليه؛ فاجعل في أذنيك قطناً يعني: انتبه تسمع له فوضع الطفيل القطن في أذنيه يوم قدم: قال إني لمن شعراء العرب وأعرف سجع الكهان وأعرف مليح الكلام من قبيحه فلماذا لا أسمع منه، فإن كان حقاً قبلت، وإن كان غير ذلك رددت، فجاء وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زدني فزاده النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. وللأسف بعض الشباب عنده فكرة أنه يؤجل الدور الثاني الذي هو عقله، فقد أعطى عقله الشباب ورئيس الشلة ورئيس المخيم ورئيس المجموعة إن كان فلان ذاك التزم وتاب، فسألتزم، وإن ظل سيئاً فنحن مثله، وإن كان استقام فحن سنستقيم، هذا جهل: (لا يكن أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء، ولكن يكن ذا رشدٍ وعقل، إن أساءوا أحسن، وإن أحسنوا أعان على ذلك).

برنامج يومي لمخيمات الشباب والعوائل

برنامج يومي لمخيمات الشباب والعوائل Q آمل إعطاء برنامج يومي لنا في مخيم الشباب أو العوائل لأن كثيراً من المخيمات يضيعون الوقت. A ينبغي أن يكون الإعداد للمخيمات قبل وقتها، فإذا كان يوجد في المخيم سواء كان مخيماً عائلياً، أو مخيم شباب إذا كان يوجد فيه من العقلاء أو من طلبة العلم، أو من الشباب مهما كان تخصصه ودراسته سواء كان ميكانيك أو كهرباء أو لحام أو سمكرة، المهم عنده احترام لشخصيته وعقله ووقته، يجعل وقتاً محدداً يعني: احترام الزمن يجعلك تجد لذة الوقت، النوم في هذه الساعة فيطفئ نور المخيم ويستسلم الجميع للنوم، فيأتيك شخص يقول لك: والله أنا ما أتاني نوم ماذا أعمل؟ قل له: قل: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير قلها مائة مرة، لو قلتها عشرين مرةً جاء الشيطان قال: يكفي نم خلاص، يخليك تنام وهذا مجرب والله يقول بعض الإخوان وهذا شيء ربما نحن جربناه أيضاً يقول: والله إن الأستاذ أحياناً على السرير يأتي الشيطان يطير عليه النوم ويسهره من أجل أن يضيع عليه الفجر، يقول: إذا جاك النوم ضع المصحف بجانبك وإذا ما جاك افتح المصحف والله ما تقرأ صفحتين إلا وأنت تغط في نومٍ عميق وهذا مجرب، فنقول: يحدد وقتاً معيناً للنوم، تطفئ أنوار المخيم والجميع ينامون، وقت الفجر يقوم أحدهم يؤذن، يصلون الفجر ويذكرون الله ويقرءون قليلاً من القرآن ويعودون إلى النوم إن شاءوا وإذا كانوا شباباً يتدربون، ثم سيجدون لذة النهار بالاستفادة من الصباح. لكن بعض الشباب هذه الأيام يسهرون طوال الليل ثم من آخر الليل من الساعة الثانية أو الثالثة نوم ولا يصلي الفجر ولا شيء، ثم يقوم الساعة الحادية عشرة كسلان وهذا مضيعة وقت ثم يقومون لا يشتهون فطوراً ولا يتمتعون بالغداء بسبب ما أصابهم من العجز والكسل، لكن انظر إلى نشاطهم عندما يستيقظون من الصباح ويستمتعون بهواء الصبح إذا تنفس، وصفاء الجو ونقائه ثم الضحى ثم يتناولون فطوراً جميلاً ورياضة وشيئاً من القراءة وقيلولة قبل الظهر وفي الظهر إعداد الغداء، وبعد العصر قراءة في كتاب، ثم يوزعون أنفسهم فريقين أو ثلاث فرق، إن كانوا يلعبون كرة قدم أو طائرة إلى المغرب يصلون ثم قراءة إلى العشاء، وفي نفس البرنامج يجدون متعة وليس بشرط كرة القدم أضف إليها ألعاباً أخرى، تمرينات وتدريبات فسيجدون وقتاً. كذلك الأسر عندها المسابقات والكتيبات والقراءة والأمور النافعة وعندهم الحديث الطيب في قصص الأولين والآخرين والمغازي وما حصل أيام الجاهلية وأيام كذا وما الذي حصل قبل فتح الرياض وأيام زمان، لكن أن يضيع الوقت بهذه الطريقة التي عليها كثير من الشباب والله إن الإنسان يرثي لحاله.

شاب متردد في التوبة

شاب متردد في التوبة Q فضيلة الشيخ شابٌ متردد في التوبة هل من توجيه إليه؟ A لا تتردد يا أخي يقول تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] والله ما يردك عن التوبة إلا الشيطان يريد أن يفاجئك فيها قبل أن تتوب وإن تبت إلى الله، فأبشر فإن الله يفرح بك: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحد أضل ناقته وعليها طعامه وشرابه الخ) إن الله يفرح بتوبة العبد وإذا تبت توبةً صادقةً أبشر؛ فإن الله يبدل سيئاتك حسنات وبالمناسبة كثير من الشباب إذا أراد أن يتوب يذهب إلى عند أحد المشايخ يقول: يا شيخ أنا سافرت يوم كذا وسويت يوم كذا وأخطأت وفعلت لا تقل ذلك، بل إذا تبت إلى الله فاشكره ولا تخبر أحداً بشيءٍ أبداً ولا تتكلم عما ستره الله عليك ولا تكشف أوراقاً قد أودعها الله في كنف الستر. والحمد لله رب العالمين.

إن ربك لبالمرصاد

إن ربك لبالمرصاد إن الله جل وعلا يهلك الظالمين والطغاة على مر العصور والدهور ولو بعد حين، ولكن يجب على الأمة أن تنتبه من أعدائها، وأن تحرس أوطانها، وكذلك يجب عليها أن تعود إلى الله بالدعاء والتوبة والإقلاع عن جميع ذنوبها، هذه هي أسباب النصر بالإضافة إلى العدة والعتاد.

الله بالمرصاد لكل طاغية

الله بالمرصاد لكل طاغية الحمد لله، الحمد لله الذي بأمره تنسف الجبال نسفاً، فتكون قاعاً صفصفاً، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، الحمد لله الذي بأمره تنكدر النجوم، وتنفطر السماء، وتنشق السماء، وتمد الأرض، وتسجر البحار وتفجر، الحمد لله الذي بيده مقاليد السماوات والأرض. الحمد لله العظيم الذي تكون الأرض بيده يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، الحمد لله منزل النعم، ودافع النقم، الحمد لله منشئ السحاب، منزل الكتاب، هازم الأحزاب. الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي سبب الفوز والنجاة، وهي سبب النصر والرفعة، وهي سبب العزة والكرامة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: يقول ربنا جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:1 - 5] ويقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:6 - 14]. الحمد لله القائل: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ * وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ * وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ * فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ} [الذاريات:38 - 45]. الحمد لله الذي لا يعلم جنوده إلا هو: {وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31].

طاغية العراق يتعدى حدود الله

طاغية العراق يتعدى حدود الله عباد الله: كلكم قد سمع وتابع بمنتهى الحرص والعناية والاهتمام ما كان قبل ليلتين، وذلك بحلول وعد الله، وسوء عقابه على يد جندٍ من جنوده، بذلك الطاغية الذي طالما تكبر وتجبر، وطالما دعي إلى السلم مع أهون شروطه وأبسط قواعده وأهون التزاماته، ومع ذلك أبى إلا هذه المعركة. وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ وما هو عنها بالحديث المرجّمِ أبى إلا تلك الساعة، فكانت بأمر الله الساعة، كانت ساعةً أقضت مضجعه، ومزقت شمله، وفرقت جمعه، ولا عبرة بما تسمعون من بعض الإذاعات المرجفة أو العميلة والدخيلة التي تهون من شأن المصائب التي وقعت على أم رأسه، أو تبالغ، أو تفتري مصائب وقعت بمن وقفوا في وجهه. عباد الله: كل ذلك بقدر الله، كل ذلك بأمر الله، ووالله لقد سألنا الله أن يدفع البلاء عن المؤمنين، وإن كان في الحرب خيرٌ للأمة، فقد سألناها الله أن تكون مدمدمةً لهذا الطاغية، لقد آن له أن يستوفي حسابه، وأن ينال جزاءه، أين دماء الأكراد؟ هل ينساها التاريخ بوضع كلمة الله أكبر على راية الجيوش؟ أين دماء الأكراد؟ وهل ينساها التاريخ بدعوى الإسلام والجهاد زوراً وبهتاناً؟ أين علماء العراق؟ أين عبد العزيز البدري؟ أين العلماء الذين شردوا من العراق؟ أين العلماء الذين قتلوا شنقاً وغيلةً؟ أين أولئك جميعاً؟: (بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين) {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14]. أعطى زعماء الدول المجاورة وعوداً بالكف عن جيرانه، وعدم الاعتداء والغزو عليهم، وفي ليلة ليلاء مظلمة ظلماء إذ به يجر جيوشه لتزحف على جارة صغيرة وادعة، وفي نفس الليلة جاءته الجيوش الجرارة من بين يديه، ومن خلفه، ومن فوقه، ومن تحته، اعتدى على الكويت قبل فجر الخميس اعتدى على الكويت في الساعة الثانية والنصف، وضرب في الثانية والنصف، في اليوم والساعة واللحظة والتاريخ، إن الجزاء من جنس العمل، ومع ذلك -يا عباد الله- لا يزال المغرورون به المخدوعون بوهم عظمته يطبلون ويغنون له، ويزعمون أنه هو الذي سيصمد لهذه الأمة في الساحة. زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامةٍ يا مربع

إياكم أن تغتروا ببعض أعمال الطغاة

إياكم أن تغتروا ببعض أعمال الطغاة وإن مما زادني عجباً ودهشةً ما سمعت البارحة أنه وجه بعض الصواريخ إلى إسرائيل، وهذه حركة المذبوح، ليست غيرةً على اليهود، فليس بأهلٍ أن يغار لهم، ولكن أين هذه الصواريخ في اليوم الذي ضربت فيه الكويت؟ لماذا لم تبدأ بها إسرائيل؟ أين هذه الصواريخ في بداية معاركه، أيام تهديده ووعيده؟ ولكن وكان العقلاء يقولون هذا في اللحظة التي لم يبق ولن يبقى معه إلا قليلاً من العدد والعدد سيوجه اثنين أو ثلاثة منها إلى إسرائيل لا حباً في الجهاد، ولا كراهيةً في اليهود، وإنما ليقول الغوغاء والبسطاء والسذج والعامة: انظروا فهذا قائد مخلص، ولكن ما سبق من أفاعيله وأباطيله لا تجعل عقلاء الأمم تنطلي عليهم هذه الحيلة، من ضربه بعض الصواريخ لتلك البلاد، مع أننا لا نشك في وعد الله لأمة الإسلام، التي ستواجه اليهود يوماً ما، ولكن من الذي يواجه اليهود؟ هل هم البعثيون الذين يقولون: آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني أولئك الذين يواجهون إسرائيل؟ من الذي يواجه إسرائيل؟ أولئك الذين يقولون: سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنمِ لا. يواجه إسرائيل الفئة المؤمنة الطاهرة المتوضئة، التي أخلصت ولاءها لله ولرسوله ودينه، حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم! -ولا يقول يا بعثي- يا مسلم! ورائي يهودي تعال فاقتله، تلك الموقعة التي هي بشارة المؤمنين بالمعركة الفاصلة مع اليهود، أما هذه فتمثيلية تنطلي على السذج والبسطاء إذا رأوا قذيفة أو اثنتين سقطت في تل أبيب، قالوا: إن الرجل بحق يجاهد اليهود في فلسطين، لا والله، إن الذي يدرك سيرته، وتاريخ حزبه، وأفكار منظمته، وحقائق ملته وبدعته هذه، بل وكفره وطغيانه، يعرف أنه ليس بكفءٍ وليس أهلاً أن ينال شرفاً يدعي به جهاداً يواجه به اليهود. عباد الله: هذه عقوبة الله لهذا الطاغية المتجبر، فكم من طفل مات في الصحراء عطشاً! وكم من عذراء انتهك عرضها! وكم من حصون رزان عفيفةٍ منيفةٍ اغتصبت غصباً! وكم من أناسٍ فتحت عليهم أفواه البنادق والرشاشات ظلماً وعدواناً! وكم من أناسٍ سلبت أموالهم وشردوا، حتى بحثوا عن أهليهم وذويهم في الإذاعات، هذا في الشرق، وهذا في الغرب، هذا في الشمال، وهذا في الجنوب! نسأل الله أن يعجل وأن يضاعف له العقوبة، وأن ينتقم للأيامى والثكالى، والأرامل واليتامى، والأطفال والشيوخ، والعجائز والمعوقين منه، لقد فعل بهم الأفاعيل {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:132].

واجب الأمة عند المحنة

واجب الأمة عند المحنة معاشر المؤمنين: وأمام هذه الأحداث ماذا ينبغي علينا فعله؟ ما هو واجبنا تجاه المرحلة التي تعيشها أمتنا؟ هل ينقسم المجتمع إلى رجال أمن في الداخل، وجنود على الحدود وفي الميادين؟ لا. كلنا في هذه الأيام جنودٌ لأمتنا، كلنا خدمٌ لإخواننا، كلنا عونٌ لبعضنا البعض، إلا نفعل ذلك: {تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73].

حراسة الأوطان

حراسة الأوطان ينبغي أن ندرك تمام الإدراك أن على كل واحد منا مسئولية عظيمة، وواجبات كريمة، شرفنا الله بها، وكلفنا فضلاً بها، فلنتمسك بما أوتينا، ونلتزم بما عهد إلينا، وأصرح بعد العموم قائلاً: إن واجب الناس في المجتمعات والأحياء أن يكونوا حراساً لمجتمعاتهم، وأسواقهم ومتاجرهم، وليعرفوا تمام المعرفة أن الأمة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ما من مجتمع يخلو من المتربصة والمرتزقة والدخلاء والعملاء، فلننتبه لوجود هذه الطائفة، ولنحرص تمام الحرص أن نكون عيوناً ساهرةً، وجنوداً باصرةً، لنعرف ماذا يدور في المجتمع تمام المعرفة. واجب الشباب في كل حي من الأحياء أن يرتبوا أنفسهم، وأن يعرفوا عدد الشباب الموجودين في كل حي، بترتيب مع عمدتهم، أو إمام مسجدهم، ويعدوا أنفسهم وأسماءهم في قائمة، وأن يبلغوها لأقرب مركز من مراكز الشرطة، ويقولوا: هؤلاء الشباب بأرقام هواتفهم تحت طلبكم في أي لحظة، إضافةً إلى أنهم موجودون في الليل دوريةً راجلةً، أو سيارةً في الحي لكي يتتبعوا أي وجهٍ غريبٍ، أو حركةٍ عجيبةٍ، أو فعلٍ مشبوهٍ، أو تصرفاتٍ تثير العجب والدهشة، من واجب الشباب أن يهتموا بهذا تمام الاهتمام. ومن واجب أهل الأحياء أن يتعرف كل واحد على أسماء جيرانه، ومن حوله، فعدد الفلل التي عن يمينه، والتي عن شماله، ومن المصيبة أن نقول هذا الكلام اليوم؛ لأن واجب المسلم أن يعرف جيرانه حق المعرفة من قبل، ولكن كيف وقد حصل عند بعض المسلمين تقصير في معرفة جيرانهم وأهل حيهم، من واجب كل واحد أن يطرق الباب على جاره، وأن يسأله عن اسمه إن كان يجهله، ورقم هاتفه وعدد أولاده الشباب، ثم يأتي إلى الذي بعده، وأن يتناوبوا الليل بين الفينة والأخرى، يخرج اثنان منهم فيلتفتوا ويدوروا وينظروا ويتأملوا، هل يدور في هذا الشارع أمرٌ غريب أم لا؟ حينئذٍ يبقى المتربصون محبوسين في كيدهم، وفي باطنهم لشدة ما يرون من إعداد المؤمنين لهم. فيا معاشر الإخوة: هذا واجبنا إن لم نكن على الحدود، وإن لم نكن في مهمة مدنية أو عسكرية، فإن واجبنا في أحيائنا قائم، وانتبهوا جيداً لكل مرفق من مرافق أرضكم ومجتمعكم وأمتكم، لا تقل هذا ليس في حيٍ لنا، أو هذه ليست بمملوكة لنا، لا. وإنما كل عمل ترى فيه عجباً ودهشةً، فعليك بأن تضاعف، وأن تثير حب الفضول، وأن تعرف ماذا يدور، إن كان تحت سمع وبصر، وإلا فبلغ وتابع وتحر وابحث، لكي تعرف ماذا يدور في مجتمعك تمام المعرفة، هذا من واجبنا، ومن مسئولياتنا، أن نشهد جميعاً هذه الحرب وأن نواجهها، والحمد لله على كل حال إن كان قدر للأمة أن تواجه حرباً، فالحمد لله على مقاديره التي تدور على تمام العدل؛ لأن الله لا يقدر ظلماً، والحمد لله على مقاديره التي تدور على تمام الحكمة؛ لأن الله لا يقدر عبثاً، والحمد لله على مقاديره التي تقوم على الرحمة، لأن رحمته سبقت غضبه، ورحمته وسعت كل شيء.

تقديم الأمة أبناءها للجهاد

تقديم الأمة أبناءها للجهاد الحمد لله على كل حال، ثم ماذا؟ كذلك على الأمة أن تقدم من فلذات أكبادها من أبنائها من رجالها شباباً شهداءً، نسأل الله أن يكرمهم بهذا، إن يمت لا يجد من آلام الموت إلا كالقرصة، وما أن يسيل دمه إلا يغفر له عند أول دفعة من دمه ويرى مجلسه من الجنة، ويؤمن من فتنة القبر، وله اثنتان وسبعون حورية، ويشفع في سبعين من أهل بيته، هكذا أعد الله وعداً جزيلاً لعباده المؤمنين الصادقين المجاهدين المخلصين لإعلاء كلمة الله، للذود والذب عن أعراضهم، وعن مقدساتهم، وعن أموالهم وأنفسهم وحرماتهم: (من قتل دون ماله فهو شهيد، من قتل دون عرضه فهو شهيد) بفضل الله ومنه وكرمه أن جعل الموت ساعةً لا تتقدم ولا تتأخر، مع أن الموت ساعةٌ لا تتقدم ولا تتأخر جعل الله لمن مات في جهاده مخلصاً من قلبه، جعل الله ميتته شهادةً في سبيله، وإلا فإن الموت يدركه سواءً كان في الجبهة والميدان، أو كان على فراشه وسريره، لكن لما عظمت همته، وعلت نفسه، أكرمه الله بمنه وفضله: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113]. معاشر المؤمنين: لقد رأينا من شبابنا -بفضل الله ومنه- ما يثلج الصدور ويطمئن القلوب والأفئدة، فنسأل الله لأولئك الشباب -سواءً كانوا من الطيارين، أو كانوا في القوات البرية، أو من المشاة والمدفعية، أو في أي مجال من المجالات، أو كانوا في عداد المتطوعين- نسأل الله أن يربط على قلوبهم، وأن يقذف السكينة في نفوسهم، وأن يثبتهم، وأن يرفع درجاتهم في الدنيا والآخرة، نسأل الله أن يجعل عملهم هذا خالصاً لوجهه، نسأل الله أن يرزقهم الاحتساب، نسأل الله أن يجعل هذا في أثقل أعمالهم يوم القيامة، فاسألوا الله أن يجعل لهم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافيةٍ، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصمةً بفضل الله جل وعلا. عرفنا منهم عدداً من الطيارين، ورأينا منهم عدداً من الضباط والأفراد، كلهم بمعنويات عالية، وحديثهم ونشيدهم: خرجنا إلى الحرب شُمَّ الأنوف كما تخرج الأسد من غابها نمرُّ على شفرات السيوف ونأتي المنية من بابها ونعلم أن القضا واقعٌ وأن الأمور بأسبابها ستعلم أمتنا أننا ركبنا الخطوب حناناً بها فإن نلق حتفاً فيا حبذا الشهادة تجي لخطابها وكم حيةٍ تنطوي حولنا فننسل من بين أنيابها الحمد لله الذي جعل في أمة الإسلام أمثال هؤلاء الشباب، ونسأل الله أن يجعل جميع شباب الأمة على هذا القدر، وعلى هذه المعنوية، وبهذا الإخلاص والاحتساب. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد والثناء لله

الحمد والثناء لله الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر الأحبة: من صنع للأمة نصرها؟ أهم أولئك الذين يطنطنون: سنحرق إسرائيل بالكيماوي؟ من الذي صنع للأمة نصراً؟ من الذي أنزل على الأمة نصراً؟ من الذي نصر الأمة في هذه المواقع، أو جعل الدائرة لهم في رحى الحرب القائمة؟ أهم أولئك الذين طنطنوا زمناً طويلاً؟ أهي دباباتنا؟ أهي طائراتنا؟ إنه الله وحده، إنه الله وحده، إنه الله وحده، لأن كل ما بين أيدينا هي أسبابٌ مع تهيئ الظروف عامة، الطقس المناخ الضباب الأجواء تحديد الهدف سلامة الآليات من العطب أن يكف الله جنوده في الأرض ألا يكون لها سعيٌ إلى هذه الآليات فيفسد فيها شيء هو الله جل وعلا، ولما واتت هذه الظروف، واجتمعت هذه العناصر، كان لهذه الآليات فعلاً عجيباً، ولو اختلفت السنن والظروف التي تعمل فيها هذه الآليات والمعدات لما استطعنا أن نحقق شيئاً، فالفضل لله، فالفضل لله، فالفضل لله، الحمد لله أولاًَ وآخراً، ظاهراً وباطناً الحمد لله، اجعلوا هذا الحمد والثناء على الله في كل مجال، احمدوا الله في كل حال. قيل: وإن كان المثال فيه نوع بعد عن الحادثة، لكن حتى نعرف كيف يتعلق الناس بالله جل وعلا، طارق بن زياد طلب منه أن يستسقي بالناس، فأمر قبل خروجه بالناس أن يخرج الناس بأطفالهم وصغارهم وبهائمهم، ثم قال: حيلوا بين الإبل وحيرانها، وبين النعم والبهائم وصغارها، وبين الأمهات وأطفالها حتى علا الصياح وارتفع النحيب، وجأر الجميع إلى الله جل وعلا، كلهم يصيح: يا ألله -حتى البهائم تعرف ربها في الشدة- ثم خطب الناس خطبةً بليغةً، وفي ختامها قال له أحدهم: هلَّا دعوت للخليفة، فقال: هذا مقامٌ لا يحمد فيه إلا الله، فالحمد لله، الحمد لله. الحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، علقوا هذا النصر، وعلقوا هذه الجهود، أو هذه الدائرة التي تميل كفتها لصالح أمة الإسلام، احمدوا الله جل وعلا عليها، احمدوا الله وحده، ثم ثنوا بالشكر والدعاء لأبنائكم ولقادتكم ورجالكم، فيما بذلوه وعملوه في هذه المواقع، أما أن يعتقد الناس -وحاشا وكلا، ومعاذ الله أن يحصل هذا من مسلم- أن يعتقد أن النصر بيد الدولة الفلانية، أو القوة الفلانية، لا. إذا تعلقنا بالله جل وعلا تنزّل النصر: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25] {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:123] كانوا في بدر أذلة، قلة، ضعفة، وكان تعلقهم بالله عظيماً، فنصرهم الله جل وعلا، ويوم حنين قالوا: لن نغلب اليوم من قلة، فلما وكلوا إلى كثرتهم: {إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]. فينبغي أن نحمد الله جل وعلا، وأن نكثر من حمد الله والثناء عليه، حمد الله بالفعل، وحمد الله بالقول، وحمد الله بالاعتقاد، إذ لولا فضل الله وهذه السنن التي سخرها الله، لما استطاعت هذه الآليات، ولا هذه الدبابات، ولا هذه الطائرات أن تفعل فعلها، فالحمد لله الذي سخر هذه السنن الكونية في ظروف لتعمل معها هذه الآليات أجود كفاءة وأفضل عمل، ثم الحمد لله على ما هيأ للأمة، وسخر لها، ونسأل الله أن يتم النصر للمؤمنين، وأن يهلك أعداء الدين، وأن يمحق، وأن يقطع دابر الكافرين أجمعين.

من أسباب النصر ترك المعاصي واللجوء إلى الله

من أسباب النصر ترك المعاصي واللجوء إلى الله معاشر المؤمنين: ينبغي أن نتقرب إلى الله في هذه الأيام، مزيداً من التقرب ليس بفعل الطاعات أولاً، بل بترك الذنوب والمعاصي، إن ترك الذنوب والمعاصي أعظم قربة من فعل الطاعات والعبادات، إن ترك الذنوب والمعاصي مع فعل الواجبات أفضل وأحب إلى الله جل وعلا من كثير من النوافل وغيرها. فترك الذنوب والمعاصي، ترك المخالفات الشرعية التي يتهاون بها كثير من المسلمين، من أعظم أسباب النصر والثبات للأمة، ثم الاجتهاد في الطاعة: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأزِيدنَّكُم} [إبراهيم:7] فلنشكر الله جل وعلا بمزيد من الطاعة، بمزيد من الثناء والحمد والتسبيح والتهليل والتكبير، بمزيد من الأعمال الصالحة. الدعاء، الدعاء يا عباد الله، نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد أعد ما استطاعه، لما باتت الحرب وشيكةً في بدر أخذ يرفع يديه إلى السماء، ثم يرفعها ويرفعها وتعلو ويرفعها ويقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة، لا تعبد بعد اليوم) ويدعو ربه دعاء المضطر الملح، فيأتيه أبو بكر، ويقول: [يا رسول الله! كفاك مناشدتك ربك، إن ربك منجزٌ لك وعدك] رسولٌ معصومٌ مؤيدٌ بالوحي والمعجزة، ومع ذلك تنتفض يده ويرفعها في السماء، وهو يدعو ربه، ولكن لا غنى له عن الدعاء، فليس لنا غنىً عن الدعاء، فلندع الله جل وعلا أن يثبت أقدامنا، وأن يجمع شملنا، وأن ينصرنا على أعدائنا، ولنكثر من الدعاء أن يؤمننا في أوطاننا، وفي دورنا، وأن يحفظنا في أدياننا وفي أعراضنا وأبنائنا. أكثروا من الدعاء يا عباد الله، وتتبعوا عجائز المسلمين، الذين لا يعرفون في الصحافة، ولا يعرفون في الإعلام، ولا يعرفون على المنابر، ولا يعرفون في المواقف، لكن لهم أبواب معروفة في وسط الليل، تتبعوا عجائز المسلمين وشيوخ المسلمين، وارعوا أحوالهم، وتفقدوا حاجاتهم، واطلبوا منهم مزيداً من التضرع والدعاء لأمة الإسلام، فإن الدعاء يرفع من البلاء أمراً لا تعلمونه، الدعاء الدعاء: (إن القضاء والدعاء ليعتلجان في السماء فأيهما غلب على الآخر غلب عليه) القضاء قدر ينزل، والدعاء قدر يرتفع، وأقوى القدرين بقدر الله يغلب الآخر، كلها بقدر الله، فاجتهدوا في الدعاء يا عباد الله خاصةً في المساجد، في صلاة الفجر، في صلاة المغرب، في الصلوات كلها، صح في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في المغرب والفجر، وقنوت النوازل أمرٌ مشروع، وأي نازلة أعظم من هذه. نسأل الله جل وعلا أن يستجيب دعاء المؤمنين، وألا يحجبه بذنوبهم وغفلتهم.

عليكم بالإكثار من الصدقات

عليكم بالإكثار من الصدقات ثم الصدقة الصدقة، هذه أيامٌ ينبغي أن يلاحق الفقير لكي يتصدق عليه، لأن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع سبعين باباً من أبواب البلاء، والصدقة تذهب شؤم المعصية والخطيئة: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فتتبعوا المساكين، وعلى كل سامع هذا الكلام، وعلى كل واحد في هذا المسجد أن ينقل الفكرة إلى جماعة مسجده؛ لكي يجعلوا مستودعاً للأغذية والأطعمة والملابس يجمعونها ليفرقوها على الضعفاء والمساكين، وليس من شرط الضعفاء أن يأتوا إلينا، بل من واجب كل حي أن يجعل شبابه من أنفسهم عملاً مرتباً يومياً يملئون ما حصلوا عليه من المعونات والأطعمة وغيرها، ثم يذهبون بها ليوزعوها على الفقراء والمحتاجين في بيوتهم، ويطلبوا منهم أن يسألوا الله للإسلام والمسلمين، ويطلبوا منهم أن يدعوا الله بنصر الإسلام والمسلمين، ويطلبوا منهم أن يدعوا الله بنصر المؤمنين والمجاهدين: (وهل ترحمون وتنصرون وترزقون إلا بضعفائكم).

إياكم ورفع الأسعار

إياكم ورفع الأسعار الله الله في وقتٍ يغلو أو تزداد قيمة الريال في نفوس الناس وزناً في هذا الوقت، وشحة الناس على الأطعمة والأرزاق، ينبغي أن نقابل هذا بضده، فلنرخصه صدقةً في سبيل الله، ولنرخص الطعام والشراب كلٌ بما يستطيع، كلٌ عليه واجب أن يساهم في نصر الأمة، إذ أن نصر الأمة ليس طائرةً ودبابةً فقط، إن نصر الأمة دعاء، ٌ وصدقةٌ، وتضرعٌ، وقيامٌ، وتهجدٌ، وحربٌ، ومواجهةٌ، وطائرةٌ، ودبابةٌ، كل هذه عوامل النصر، وليست عوامل النصر أمراً واحداً. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم احقن دماء الأبرياء في العراق، اللهم احقن دماء الأبرياء في العراق، اللهم احقن دماء الأبرياء في العراق، وأنزل بأسك الذي لا يرد على البعثيين، اللهم احقن دماء الأبرياء في العراق، وأنزل بأسك الذي لا يرد على البعثيين وعلى الحرس الجمهوري، وعلى أذناب هذا الطاغية، وعلى أعوانه، وأنصاره وجنده وحزبه. اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد، اللهم جمد الدماء في عروقهم، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم اجعل سلاحهم في صدورهم، واجعل كيدهم في نحورهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك. اللهم احفظنا بالإسلام، اللهم احفظنا بالإسلام، اللهم احفظنا بالإسلام. اللهم لا تكلنا إلى قواتنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم ارفعنا بما آتيتنا، ولا ترفع يد الحفظ والعناية عنا، اللهم لا ترفع يدك الكريمة عنا، اللهم إنا نسألك أن تحفظنا بحفظك، وأن تكلأنا برعايتك، اللهم ثبت جنودنا، اللهم ثبت قادتنا، اللهم ثبت رجالنا، اللهم أنزل السكينة في قلوبهم، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم ارزقهم الاحتساب وحب الأجر والثواب، اللهم اجعل من مات منهم شهيداً، ومن عاش منهم سعيداً، اللهم عجل فرجك للمؤمنين، اللهم عجل فرجك للمؤمنين، اللهم عجل فرجك للمؤمنين يا رب العالمين يا أرحم الراحمين. اللهم انتقم للأيامى والأرامل والثكالى والعجائز والمشردين والشيوخ أجمعين، اللهم اشف صدور المؤمنين من طاغية العراق، اللهم أهلك طاغية العراق وأذنابه ونوابه وأعوانه ومن عاونه، ومن بقي في حزبه وصفه من المفسدين والمرجفين والمضللين، اللهم اجمع شمل ولاة أمورنا، اللهم اجمع شمل ولاة أمورنا وعلمائنا، اللهم اجمع شمل الأمة أجمعين، اللهم اجمع شمل الأمة أجمعين، اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وحوبنا وإصرارنا وإسرافنا في أمورنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم المجرمين. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم كما نصرت هؤلاء العزل الضعفاء المساكين، اللهم كما نصرتهم على روسيا، فانصر عبادك المجاهدين على طواغيت البعث، اللهم عجل نصرك لهم أجمعين بمنك وكرمك يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم ارحم المستضعفين منهم، اللهم ثبتهم، اللهم احفظهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

أسباب شرح الصدور

أسباب شرح الصدور إن مسألة انشراح الصدر مسألة مهمة، فقد امتنَّ الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن شرح صدره، فقال تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ). وشرح الصدر: كرم في الخلق، وطمأنينة في النفس، وتواضع في المعاملة، وإقبال على الآخرة، وقناعة في الدنيا، وقد تحدث الشيخ هنا عن حقيقة انشراح الصدر وأسبابه.

حقيقة انشراح الصدر

حقيقة انشراح الصدر إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء أن يكتب لنا ولكم جزيل الأجر وعظيم الثواب على ما نرجوه ونحتسبه عند الله عز وجل، من ستر العيوب وغفران الذنوب، ورفعة الدرجات ومضاعفة الحسنات. أحبتنا في الله! كلمة أرددها دائماً في مستهل كل محاضرة، وهي أن كل من شغل وقته برياض الجنة، وحِلق الذكر، ومهابط الرحمة، ومنازل الملائكة؛ فلن يندم أبداً على مجيئه وجلوسه، وحسبه أنه في عبادة ينتظر بعدها عبادة، وفي مجلس تغشى أهله السكينة، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله عز وجل فيمن عنده، فأسألكم بالله هل فينا من سيندم على مجلسه هذا بين يدي الله يوم القيامة؟ A لا. وإنما الندم كل الندم يوم أن نتحسر على ساعات وأوقات ضاعت لم تكن في مرضاة الله، أو لم تكن في مباح يُعين على طاعة الله سبحانه وتعالى. وإني لشاكر ومقدر دعوة صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن غالب السدلان متع الله به ونفع بعلمه، لافتتاح هذا الموسم بهذه المحاضرة، التي أجدني محتاجاً إلى موضوعها، وربما بعض أحبابي بقدر الحاجة تلك. أحبتنا في الله: أسباب انشراح الصدر كثيرة، ولماذا الحديث عن انشراح الصدر؟ لأنه منّة عظيمة امتن الله بها على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:1 - 4]. واهتمامٌ بقضية انشراح الصدر لأنها منة وفضل دعوة دعا بها موسى عليه السلام لما حُمّل قولاً ثقيلاً، وتبعة جسيمة ليدعو ظالماً غاشماً طاغية جباراً يدعي الألوهية، فلما أدرك عِظم هذا التكليف العظيم، سأل ربه أن يشرح صدره، فقال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه:25 - 26]. واهتمام بقضية شرح الصدر؛ لأنها منة وفضل يختص الله به من يشاء من عباده: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22] ولأن شرح الصدر هداية من الله عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125]. أحبتنا في الله! شرح الصدر: سلامته من الغل والحسد والحقد والكبر، وما أكثر الذين يدّعون لأنفسهم انشراح صدورهم، لكن صدورهم لما تزل فيها علائق من الحقد أو الحسد أو الكبر أو الإحن والضغائن، وشرح الصدر اتساع للمعرفة والإيمان، وشرح الصدر تنوره، ومعرفته للحق وثباته عليه، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أكثر على أبي بكر الصديق رضي الله عنه في شأن المرتدين، يقول: [فعلمت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للحق] لما رأى من وضوح الحق بين عيني أبي بكر وثباته عليه. وشرح الصدر: طمأنينة النفس، وكرم في الخلق، وتواضع في المعاملة، وإقبال على الآخرة، وقناعة في الدنيا، ورضاً لا سخط معه، وشكر لا كفر فيه. ولا شك أن شرح الصدر الذي امتن الله به على نبيه صلى الله عليه وسلم هو شرح حسي ومعنوي، قد اشتمل على صبره في الدعوة، وصفحه وعفوه عن أعدائه، ومقابلته الإساءة * بالإحسان، وثباته على الدين. ولذا كان كما قلت أو أسلفت كان شرح الصدر مما دعا به موسى يوم أن أُمر بتبليغ الطاغية فرعون: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه:24 - 31]. فذكر هنا من دواعي العون على أداء الرسالة أربعة عوامل بدأها بشرح الصدر، ثم تيسير الأمر، وهذان عاملان ذاتيان، ثم الوسيلة بينه وبين فرعون وهو اللسان في الإقناع وبيان الحجة، وأن تُحل عقد لسانه ليفقه قوله، ثم العامل المادي الذي يحتاج إليه ممثلاً في المؤازرة: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه:29 - 31]. أيها الأحبة! وإذا تأملنا هذه الآية وجدنا أنه قد قُدم فيها شرح الصدر على هذا كله لأهميته؛ لأن من شرح الله صدره للحق قابل كل الصعوبات ورآها يسيرة، ولم يبال بأي عدو واجهه مهما كان عدده وعتاده، ولذا قابل موسى عليه السلام ما جاء به فرعون من السحر والسحرة بكل ثبات وطمأنينة ويقين بما شرح الله به صدره، ومن هنا ندرك أهمية انشراح الصدر.

أسباب انشراح الصدر

أسباب انشراح الصدر أحبتنا في الله! ما أحوجنا إلى أن نبحث عن مظان هذه السعادة! وما أحوجنا أن نحقق لأنفسنا هذا الخير! وهو انشراح الصدر.

التوحيد

التوحيد أيها الأحبة! اعلموا أنه لا انشراح بدون عقيدة نقية أو توحيد خالص، فالتوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل من أعظم أسباب انشراح الصدر، السجود لله وحده، والخضوع له وحده، والخوف منه وحده، والرغباء إليه وحده، فهو الذي يُدعى سبحانه لا شريك له، وهو الذي يُرجى، وهو الذي يحيي وهو الذي يميت، وإليه المنتهى في كل شيء، وبيده خزائن كل شيء، قدر المقادير، وكتب الآجال، ووسع على العباد في الأرزاق، وضيق على من يشاء، يذل من يشاء ويعز من يشاء، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، العبادة كلها دقيقها وجليلها له وحده لا شريك له، لا يُدعى ولا يسمى إلا بما هو أهله وما يليق به، له الأسماء الحسنى والصفات العُلى، فلا يسمى أو يوصف إلا بما سمى أو وصف به نفسه، أو سماه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. من حقق التوحيد في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، فإنه بإذن الله ممن يجدون انشراح الصدر ولذته، وطمأنينة الفؤاد وثباته، ولذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: فأعظم أسباب شرح الصدور التوحيد، وعلى حسب كمال التوحيد وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه، قال الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22] وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125] فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب انشراح الصدور، انتهى كلام ابن القيم. وهذا معلوم -أيها الأحبة- لأن من تعلق بالله غاية التعلق، وتوكل إليه منتهى التوكل، فإنه في غاية الانشراح؛ إذ لا يكون أمر إلا بتقديره وتدبيره، ولا يستطيع العباد أن يقضوا شيئاً لم يقضه الله، أو يرفعوا شيئاً قد قضاه الله، أو يقبضوا شيئاً قد بسطه الله، أو يبسطوا شيئاً قد قبضه الله عز وجل: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:2]. إذاً أيها الأحبة! المؤمن على غاية اليقين: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة:51] فهو على انشراح في صدره لا يخشى مصيبة؛ لأنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله، ولا يخشى أحداً في تقريب أجله؛ لأن الآجال بيد الله، ولا يخشى أحداً في قطع رزقه؛ لأن الأرزاق بيده سبحانه وتعالى، فعلام يخاف إذاًَ؟ وعلام ينقبض صدره؟ وهو يعلم أن الأرزاق والآجال والمنايا والمقادير كلها بيد الله، والمقادير كل المقادير تنطوي على تمام عدل الله؛ لأن الله لا يظلم، وتنطوي على كمال حكمته؛ لأن الله لا يعبث، وتنطوي على تمام رحمته؛ لأن رحمته وسعت كل شيء وسبقت غضبه. إن أولي العزم من الرسل الذين شرح الله صدورهم بهذا التوحيد، واجهوا كل الصعاب، وواجهوا كل التحديات بهذا التوحيد الخالص، وبهذا اليقين المنقطع النظير، فهذا نوح عليه السلام، لما جمّع قومه وألبوا، قال: {يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ} [يونس:71] وانظروا قول الخليل إبراهيم عليه السلام: {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً} [الأنعام:80] وقوله: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ} [الأنعام:81]. بل وهذه امرأة فرعون كانت تحت طاغية غاشم ظالم، وهذه المرأة هي آسية بنت مزاحم تلك التي شرح الله صدرها للتوحيد والإسلام فعرفت ربها، وآمنت بدينها وهي تحت هذا الضال الغاشم، يقول تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11]. بل سيد الأنبياء وخاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، قد أنزل الله عليه عز وجل قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. هل كل هذا الثبات؟ وهل كل هذا التحدي؟ وهل كل هذه المواجهة الصادقة التي لا يعترضها ريب أو تردد أو شك، إلا بسبب توحيد الخالق، ويقين عظيم أن الله عز وجل مُدبر الأمور ومقدر المقادير، وهو معهم أينما كانوا يحفظهم وينصرهم ويُعينهم، ومن حقق التوحيد فهو مُكرم بعناية الله ورعايته. وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان إن الفتى الذي واجهه النمرود الطاغية الذي خدد الأخاديد، وشق الأحافير وملأها وأضرمها نيراناً، وألقى الناس رجالاً ونساءً وشباناً ورضعاً وشيباً فيها، ماذا قال ذلك الغلام؟ اللهم اكفنيهم بما شئت، ثقة بالله عز وجل فما ضره كيدهم إلا يوم أن أراد أن ينذر دمه في سبيل الله ونشر دعوته، إلا يوم أراد أن يسقي عقيدته بما يتناثر من أشلائه لما جعل صدره مسرحاً لسهام الطاغية، والثمن نشر كلمة التوحيد، قال له: إن شئت أن تقتلني فاجمع الناس كلهم، ثم أخرج سهماً من كنانتي واجعله في كبد قوسك، فإذا أردت أن ترمي به، فارفع صوتك وقل: باسم الله رب الغلام. بعد أن كان لا يتسمى إلا بألوهية ذاته، وربوبية شخصه، وتصرفه وإرادته المطلقة، ظناً منه أنه المتفرد، فأراد ذلك الفتى أن يجعل من أشلائه ودمه قرباناً لكلمة لا إله إلا الله، وما أطيب هذا القربان! وما أجمل هذا العمل! في نشر هذه العقيدة.

الإيمان

الإيمان ومن أسباب انشراح الصدر: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد، وهو نور الإيمان، وسببه تلذذ بالعبادة، ومداومة لذكر الله، وأنس بطاعته، وطمأنينة إلى الخلوة بذكره عز وجل، إذا اجتمعت هذه العوامل، فإن الله يقذف في قلب العبد نوراً يورثه انشراحاً في صدره، وفي الحديث الذي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟! قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله). وهذا ملاحظ في أصناف معروفين معدودين من الناس، إن من الناس من جمع الله له من الأموال ما جمع، وجعل له من السلطان ما جعل، وهيأ له من أسباب النعم والجاه والسلطة ما هيأ له، ثم ترى انصرافه إلى مرضاة الله، وترى أنسه في طاعة الله، وترى لذته في تسلطه على أمواله لينفقها في سبيل الله عز وجل، فمن كان هذا شأنه يجمع حلالاً وينفق حلالاً في سبيل الله وجد انشراح الصدر كله.

طلب العلم الشرعي ومذاكرته

طلب العلم الشرعي ومذاكرته أيها الأحبة! واعلموا -أيضا- أن من أسباب انشراح الصدر: طلب العلم ومذاكرته والاجتهاد في تحصيله، يقول ابن القيم رحمه الله عن العلم: فإنه يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يُورث الصدر الضيق والحصر والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، وليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسنهم أخلاقاً، وأطيبهم عيشاً، انتهى كلامه رحمه الله. ومما لا شك فيه أن مما يشرح الصدر كثرة المعرفة، وغزارة المادة العلمية، واتساع الثقافة، وعمق الفكرة، وبعد النظرة، وأصالة الفهم، والغوص في الدليل، ومعرفة سر المسائل، وإدراك مقاصد الأمور، واكتشاف حقائق الأشياء: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] وإن العالم رحب الصدر، واسع البال، مطمئن النفس، منشرح الفؤاد، وفي هذا يقول ابن الجوزي رحمه الله، يحكي شيئاً من سيرته في طلب العلم، يقول: فأما من أنفق عصر الشباب في العلم، وهنا نصيحة أقولها للشباب وللناشئة، ولكل شاب لم يتزوج بعد، وأقولها لكل متزوج لم يعدد، وأقولها لكل متزوج لم تشغله مشاغل الذرية والزوجات، ومشاغل الحياة، أقول: إن صفاء الذهن وصفاء القلب وهمة النفس في طلب العلم قبل أن تمتلئ النفس بمشاغل القوت والولد والزوجات والبيوت. يقول ابن الجوزي: فأما من أنفق عصر الشباب في العلم، فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جني ما غرس، ويلتذ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئاً في مقابلة ما يناله من لذات العلم، وهذا رأيناه في علماء أجلاء في كبر من سنهم، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز واحد منهم، تراه أشرح الناس صدراً فيما رأينا وعرفنا مع أنه فاقد البصر وكبير سن، قد لا يجد من لذات الدنيا ما يجدها بعض الشباب، لكن ما عوضه الله به من بركة العلم، والأنس بالدعوة، والاجتهاد في نفع الخلق يساوي أضعاف أضعاف ما يجده الشباب، أو ما يفوت في الكبر والمشيب. وفي هذا يقول ابن الجوزي رحمه الله: فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جنى ما غرس، ويلتذ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئاً في مقابل ما يناله من لذات العلم، هذا مع وجود لذاته في الطلب التي كان تأمل به إدراك المطلوب. أيها الأحبة! لله در القائل: اهتز عند تمني وصلها طرباً ورب أمنية أحلى من الظفر الذي يتلذذ ويطرب في طلب العلم وسعيه وسبيله وطريقه لتحصيله يجد لذة، فما بالك بمن جنى العلم وحصله وتأمله، وغاص في أسراره وبحاره، ويقول ابن الجوزي أيضا: ولقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا، وأنفقت زمن الصبية والشباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني مما نالوه إلا ما لو حصل لي ندمت عليه -كلام نفيس وجميل لـ ابن الجوزي - قال: ثم تأملت حالي فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين الناس أعلى من جاههم، وما نلته من معرفة العلم لا يُقاوم. يقول ابن الجوزي: فقال لي إبليس: ونسيت تعبك وسهرك؟ فقلت له: أيها الجاهل تقطيع الأيدي من قبل النسوة لا وقع له عند رؤية يوسف، يذكر الآية {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} [يوسف:31] هول جمال يوسف عليه السلام، وهول لذة منظره ورؤيته، أنست كل واحدة منهن أن في يدها سكيناً قد حزت بها أناملها وسال الدم من يدها، وصدق صلى الله عليه وسلم إذ قال: (من أصبح وهمه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه ضيعته، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُسم له، ومن أصبح وهمه الآخرة تَكفل الله برزقه، وأتته الدنيا راغمة، وجمع الله له ضيعته) وما طالت طريق أدت إلى صديق: جزى الله المسير إليه خيراً وإن ترك المطايا كالمزار يقول ابن الجوزي أيضا: ولقد كنت في حلاوة طلب العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو. ونمضي -أيها الأحبة- مع أهل انشراح الصدر من أهل العلم، الذين علموا أن العلم نشاط النفس ومتعة الروح، هذه المتعة تُنسي طالب العلم ما يلحقه من متاعب، وتخفف عنه ما يبذله من عناء؛ لأنه يجد في العلم مرتعاً يأوي إليه ويرتاح عنده، وبذلك تقوى همته في طلب العلم، ولا يشبع منه أبداً، وهذا مصداقه ما أشار إليه الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال). ولقد عرفت من الصالحين ممن جمع بين التجارة والعلم، وممن جمع بين التجارة والدعوة، يُقسم بالله العظيم أن لذته في درس يحضره، أو محاضرة يُلقيها، أو مسألة يتعلمها؛ ألذ في نفسه، وأوسع لفؤاده، وأشرح لقلبه من مائة أو مائتي ألف أو أكثر من ذلك يجدها في صفقة تجارة، وما ذاك إلا لأن: زيادة المرء في دنياه نقصان وربحه غير محض الخير خسران أيها الأحبة! النهم في طلب العلم دافع للعمل، مغذٍ للنفس، يزكيها ويشفيها من أمراضها، ويبعدها عن كل لذة محرمة أو شهوة خبيثة، قال الإمام الماوردي: العلم عوض من كل لذة، ومغنٍ عن كل شهوة، ومن تفرد بالعلم لم توحشه خلوة، ومن تسلى بالكتب لم تفته سلوة، فلا سمير كالعلم، ولا ظهير كالحلم، وما أحسن قول الشاعر: شربت العلم كأساً بعد كأس فما نفد الشراب ولا رويت وقد أورد الإمام ابن القيم قصة في هذا المجال عن شيخه الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال: حدثني شيخنا قال: ابتدأني مرض، فقال لي الطبيب: إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر عن ذلك! أي: لا أصبر عن المذاكرة والمطالعة، فقال له الطبيب: إن مطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض، فقال له شيخ الإسلام: لا أصبر عن ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك، شيخ الإسلام يناظر ويحاجج الطبيب إلى علمه، أليس النفس إذا فرحت وسرت قويت الطبيعة فدفعت المرض، فقال: بلى. قال شيخ الإسلام: فقلت له: فإن نفسي تُسر بالعلم فتقوى به الطبيعة فأجد راحة، فقال: هذا خارج عن علاجنا، أي: أنت تصف لنا وصفة ودواءً ما درسناه وما عرفناه. وختاماً في هذا الباب: إن أهل العلم هم أهل الشرف الحقيقي، وأهل العز الدائم والمنزلة العالية في الدنيا والآخرة، وهم أعلم الناس، وأحظى الناس بانشراح الصدر وكيفيته. وأسوق قصة حُكيت عن خاتمة الحفاظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله يُظهر فيها شرف العلم وانشراح الصدر في الدنيا والآخرة، وهذه القصة هي أن الحافظ ابن حجر رحمه الله خرج يوماً بتلامذته وأحبابه الذين يطيفون حوله كالهالة حول القمر، وكان آنذاك رئيساً للقضاة بـ مصر، فاعترضه في طريقة رجل يهودي في حال رثة، فقال اليهودي: قف يا ابن حجر! فوقف ابن حجر رحمه الله، فقال اليهودي: كيف تُفسر قول نبيكم؟ (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) -وهذا الحديث رواه الإمام مسلم - ثم قال اليهودي: وهأنت تراني في حال رثة وأنا كافر، وأنت في نعيم وأبهة مع أنك مؤمن. فقال الحافظ: أنت مع تعاستك وبؤسك تُعد في جنة بالنسبة لما ينتظرك في الآخرة من العذاب الأليم إن مت كافراً، وأنا مع هذا الذي ترى إن أدخلني الله الجنة فهذا النعيم يعد سجناً بمقارنة مع النعيم الذي ينتظرني في الجنان، فقال اليهودي: أكذلك يا ابن حجر؟ قال: نعم. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. وبذا نعلم أن السعادة كل السعادة وانشراح الصدر في العلم النافع والعمل بمقتضاه، كذا العز الدائم والرفعة في الدنيا والآخرة كلها في طلب العلم، ومصداق ذلك قول الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. فقل لمرجي معالي الأمور بغير اجتهاد رجوت المحال وقال الآخر: لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يُفقر والإقدام قتال

الإنابة إلى الله عز وجل ومحبته

الإنابة إلى الله عز وجل ومحبته ومن أسباب شرح الصدر: الإنابة إلى الله عز وجل، ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه، والتنعم والتلذذ بعبادته، فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك، حتى إن العبد أحياناً وهو في طريقه إلى المسجد، أو وهو في حال سجوده أو في حال ركوعه، أو في حال تلذذه بالمناجاة، أو بكائه في جوف الليل، أو وهو يمسح دموعه وهي تسفح على خديه، ويجد مع ذلك أنساً ولذة وانشراحاً، يقول: إن كانت الحال في الجنة كهذه الحال التي أنا فيها، فإنهم لفي عيش رغيد. وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر، وطيب النفس، ونعيم القلب لا يعرفه إلا من له حس أو تجربة أو ذوق لذلك، وكلما كانت المحبة والانكسار والذلة والخشوع والمناجاة بين يدي الله عز وجل أعظم، كلما كان الصدر أفسح وأشرح، ولا يضيق الصدر حينئذ إلا عند رؤية البطالين الفارغين، فرؤيتهم قذا عينه، ومخالطتهم حمى روحه. إن من أعظم أسباب ضيق الصدر: الإعراض عن الله عز وجل، وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن من أحب شيئاً غير الله عُذب به، انظروا إلى الذين أحبوا الدنيا حباً تعلقوا بها من أجله، فأصبحت الدنيا أحلامهم، وحديث صباحهم، وأنس عشيتهم، وسبيلهم ومطلبهم في صيفهم وشتاهم، وفي غدوهم ورواحهم، أحبوها فأذلتهم وعذبوا بها. أما من أحب طاعة الله عز وجل فإنها ترفعه، وتشرح صدره، وتجمع له اللذات من جميع أطرافها، أما أولئك الذين لا هم لهم إلا الدنيا فقد جعلها الله عذاب أنفسهم وسجن قلوبههم، فما في الأرض أشقى منهم، ولا أكسف بالاً ولا أنكد عيشاً، ولا أتعب قلباً، إلا من جعل الدنيا قنطرة إلى الآخرة، وقال بالمال ها وها، وأنفق المال في سبيل الله، والدعوة إلى الله، وفي تجهيز الغزاة في سبيل الله، وكفالة أيتام المسلمين، ونشر العلم، وفي كل ما ينفع أمة الإسلام، فحينئذ تكون تجارته بركة ورحمة، بل ومن أسباب انشراح صدره أيضاً. وبالخلاصة: فهما محبتان: محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح، وغذاؤها ودواؤها بل حياتها وقرة عينها، وهي محبة الله وحده، ومحبة طاعته، ومحبة هدي نبيه، وانجذاب الميل والإرادة وكل الجوارح إلى ذلك. ومحبة أخرى هي عذاب الروح، وغم النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء، وهي محبة ما سواه سبحانه، انتهى ملخصاً من كلام ابن القيم. وصدق الأول: فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل وقت مخافة فرقة أو لاشتياق فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق أما من تعلق قلبه بالله، فهو في أنس دائم، وفي سعادة، وفي نعيم مستمر، أسأل الله ألا يحرمنا وإياكم لذة وانشراح الصدر بذكره.

ذكر الله عز وجل

ذكر الله عز وجل أحبتي في الله! ومن أسباب انشراح الصدر: دوام ذكر الله عز وجل، والذكر شأنه عجيب، عبادة يسيرة بجارحة صغيرة، وأجورها وحسناتها كثيرة، أما كونها عبادة يسيرة فلأن الذكر ليس بهز الأيدي، ولا بحركات الأرجل، ولا بتحريك الرقاب والرءوس، إذاً لانفصمت وتقطعت، لكنه بأصغر جارحة في البدن، وهي اللسان، وما أسهل تحريك اللسان على الإنسان، هذا اللسان الذي يجد الواحد منا بأبسط الأمثلة أنه يدفع فاتورة كلامه حينما تأتيه فاتورة الجوال، وآخر الشهر يجد ضريبة حركات لسانه في القيل والقال عبر الجوال أربعة آلاف، أو خمسة آلاف أو ثمانمائة ريال أو أقل أو أكثر، وكلٌ يجد ضريبة حركات لسانه في هذا الجهاز الذي يُحصي؟ ومن الذي يحصي؟ ليسوا ملائكة مقربين، لا. الذي يحصي في هذه الفاتورة أجهزة تحسب على الإنسان كل دقيقة وثانية من كلامه. فما بالك بالسجل الآخر الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من فلتات اللسان وحركات اللسان، إن أطلقت في خير فلا تسل عن الطيبات والحسنات والدرجات العلا، وإن أرسلت في شر فلا تسل عن الهلكات والدركات والأمر الذي لا يسر صاحبه، فذكر الله عز وجل من أعظم أسباب انشراح الصدر، وإني لأدعو على سبيل اليقين بهذه الوصفة والعلاج الرباني فأقول: من وجد منكم في نفسه ضيقاً، أو في حاله كرباً، أو في فؤاده شيئاً من الاكتئاب والاضطراب، فأوصيه بحسن الطهارة في ملبسه وبدنه، وأن يعمد إلى بيت من بيوت الله، أو يصلي ركعتين في بيته، فيصلي ما كتب الله له، ثم يستقبل القبلة ويسبح الله ما استطاع، ويستغفر الله ما استطاع، ويحمد الله ما استطاع، ويقول: حسبي الله ونعم الوكيل ما استطاع، ويصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم ما استطاع، وإني لأتحدى أن يقول: إنه قام من مجلسه كساعة جلوسه. بل شتان بين أول لحظة جلسها، وبين آخر لحظة قام فيها بعد الذكر، آخر لحظة بعد ذكر طويل قام فيها يجد أن صدره اتسع، وأن فؤاده انشرح، وأن الدنيا قد أصبحت آفاقاً بعيدة، وميادين متعددة، ومجالات واسعة، وأن الخير ينتظره، وأن البشر على موعد معه في كل حال وفي كل مجال. أما هذا الذي: وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها إذا ضاق صدره فزع إلى الأغاني، فإذا زادته الأغاني ضيقاً فزع إلى مسكر، فإذا انتهى وزاده المسكر خبالاً شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول فيخرج من داء إلى داء، ومن سقم إلى بلاء، ومن مصيبة إلى أعظم. وحينئذ تكون دوامة النكد والقلق والمصائب التي لا تنتهي. فإني لناصح، وإني لداع نفسي وكل إخواني والسامعين والسامعات، من وجد في نفسه ضيقاً فليفزع إلى الله، وليأنس بذكر الله عز وجل، ولقد جرب ذلك، بل عمل بذلك على سبيل اليقين ليس التجربة، عمل بذلك أقوام كانوا يترددون على مصحات نفسية، فعوضهم الله بذكره، والأنس بتسبيحه وحمده وشكره، بدلاً من هذه العقاقير التي تجعل النفس في خُمول وكسل، والبدن في انحطاط وضعفٍ، يظن صاحبها أنه قد انتهت مشكلاته وقد انتهت مهماته، وما هي إلا تخدير بعد تخدير، حتى يحتاج إلى جرعة أخرى. لذا أيها الأحبة! عليكم بذكر الله عز وجل؛ لأن ذكر الله شعار المحبين لله، والمحبوبين من الله، والله عز وجل يقول: (أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه) رواه الإمام أحمد وابن ماجة وصححه الألباني رحمه الله. فصاحب الأذكار مذكور عند الله عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] والله عز وجل قال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35]. والله سبحانه وتعالى قد أمر بالإكثار من الذكر فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41] نحن كم نذكر الله عز وجل في يومنا؟ الواحد لو أراد أن يُحصي عدد ذكره لله لوجدها في بعض الأحيان لا تتجاوز عدد أنامله في يديه. والحق -أيها الأحبة- أن الواجب علينا أن نتعود على ذكر الله، وأن نجعل ذكر الله شهيقاً وزفيراً، ونفساً يدخل ويخرج في أجوافنا. عود لسانك ذكر الله تحض به إن اللسان لما يعتاد قوال وإن الله أثنى على الذاكرين وعدهم أولي الألباب، وأهل الذكاء، وأهل الحجا والفطنة: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] من هم أولو الألباب؟ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:191] وأنت قادر على ذكر الله في كل أحوالك، في السيارة والطائرة، وفي السفينة والباخرة، وفي حلك وترحالك، وفي وقوفك واضطجاعك، وفي ذهابك وإيابك، وفي متجرك ودكانك، وفي المستشفى وفي كل حال فأنت لا تعجز عن ذكر الله، وذكر الله كنز لا تخشى عليه. لو أن أحداً قال لك: تفضل هذه مائة ألف ريال، فإذا دخل البيت ظل يفكر أين يستثمر هذا المال في عقارات الإيراد؛ لكن نسبة الربح خمسة إلى ستة في المائة، تمور نظيفة لكن أخاف أن تفشل - المملكة إن شاء الله فيها خير، وكلها فيها خير، حتى لا يقال هذه دعوة مضمونة لقطع الاستثمار- ويظل يفكر تصلح أو لا تصلح هل أساهم أم لا وهلم جراً، وتجده في حيرة من أمره ماذا يفعل بالمائة ألف؟ أين يضعها؟ لكن اجعله يجمع كنزاً اسمه كنز ذكر الله، قل سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، قد خُتم عليها، وسجلت لك، عبد الله فلان بن فلان ذكر الله في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية، ولا يسرق هذا الكنز أحد، ولا تخشى عليه انخفاض أسعار النفط، أو ارتفاع الأسهم، أو تغير أحوال البورصة، كنز الذكر لا تخشى عليه شيئاً أبداً، أما كنز الدنيا فأنت مشغول به. أحد العلماء أتاه بعض الشباب جزاهم الله خيراً، يريدون أن يدخلوه معهم في مجال استثمار، وكان هذا العالم من القصيم متع الله به على طاعته، ومتع الله بأهل المملكة جميعاً على الطاعة، قالوا له: يا شيخ! عندنا مساهمة طيبة ونظيفة وممتازة، وحباً فيك فضيلة الشيخ أعطنا إذا كان عندك قرشين تساهم بها معنا، قال: أنا ليس لي حاجة في هذه الأمور، دعوني في التعليم والتدريس ولا تشغلوني، قالوا: يا شيخ! والله إنا لك لمن الناصحين، أعطنا القرشين الذي عندك نستثمرها، قال: تضمنون أني لا أفكر بها، قالوا: والله هذا يرجع لك، قال: إذاً دعوني، ما جمعت وأنفقت وأكلت واسترحت من همه. إذاً ما يجمعه من حطام الدنيا مُشغل له لا محالة، وما يجمعه من كنز الآخرة فلا خطر عليه، بل إنه يدعوك إلى المزيد، وشتان بين من اهتم بالآخرة أو ضيعها، هما على سبيل أمثلتنا المنظورة في واقعنا كرجلين أحدهما منح أرضاً مساحتها كيلو في كيلو، فسورها، وحفر فيها بئراً، وغرس نخلاً، وبنى فلّةً، وجملها وزينها، وجعل فيها كل شيء، هل ترون هذا الذي خسر على منحته هذه، وبنى وأنفق من أجلها، هل ترونه يسمح للكلاب أن تدخل داره وقصره، أو استراحته ومزرعته؟ A لا. هل ترون أن هذا الرجل يسمح للغادين والرائحين أن يجعلوها مرتعاً لهم؟ A لا، هل ترونه لا يبالي من جاء أو ألقى عندها من الزبالات والأوساخ ومخلفات البناء؟ الجواب: لا. والآخر الذي منح مثله كيلو في كيلو ترك المنحة هكذا، لا سورها، ولا غرس فيها نخلاً، ولا حفر بئراً، ولا بنى داراً، ولا جعل مسبحاً، ولا زينها، جاءوا قالوا له: هناك أناس جلسوا فيها، قال: ماذا أصنع؟ جاء آخرون فقالوا: هناك سيارات وضعت بعض المخلفات، قال: سنكلمهم فيما بعد أن أخذوا المخلفات، فلا يهمه الأمر، لأن الذي عمر الاستراحة الأولى والمنحة الأولى، لما أنفق عليها أهمته، فأصبح يخشى عليها ما يُفسدها، ويكبر ما فعل فيها، أما الذي لم يبال بالثانية فلا يهتم أن يُلقي الناس فيها الأوساخ. فكذلك من عمر الآخرة بالصيام والتعبد والصدقات والجهاد وطلب العلم والدعوة والاستغفار والذكر، وأصبحت آخرته كالاستراحة الأولى، فهو لا يرضى أن تدنو إليها منكرات، أو أن تسكن فيها فواحش، أو أن يتجول فيها فجار، بخلاف الآخر الذي لم يُعمر آخرته، فإنه لا يبالي أن يجلس فيها من جلس، أو يُرمى فيها ما يُرمى، وهذا مثل واضح جلي. الشاهد أيها الأحبة! أن ذكر الله من أعظم أسباب انشراح الصدر: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] فأكثروا من ذكر الله عز وجل، فلا شك أنه من أعظم أسباب انشراح الصدر، يقول صلى الله عليه وسلم وهذه خصوصية من خصوصية الذكر، ليس الذكر الانقطاع فقط في المسجد، بل كل محاضرة وكل حلقة ذكر من رياض الجنة هي من حِلق الذكر ومن أسباب الذكر، التي هي من أسباب انشراح الصدر بإذن الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يُسرع به نسبه). فذكر الله -بإذن الله- أنس العبد من الوحشة، ونوره من الظلمة، وسكن للقلب، وهدوء ونجاة وسلامة من القلق والاضطراب، يقول ابن القيم حول الآية الآنفة: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] يقول: سكون القلب إلى الشيء، وعدم اضطرابه وقلقه، ومنه الأثر المعروف: (الصدق طمأنينة والكذب ريبة) أي: الصدق يطمئن إليه قلب السامع، ويجد عنده سكوناً إليه، والكذب يُوجب اضطراباً وارتياباً، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البر ما اطمأن إليه القلب) أي: سكن إليه وزال عنه اضطرابه وقلقه. وفي المقابل الذين ليس لهم من ذكر الله حظٌ أو نصيب، وإنما حظ ذاكرتهم الألبومات جديدة، يتلو ما يسمى بالألبوم الجديد، وأصبح ال

الإحسان إلى الخلق

الإحسان إلى الخلق ومن أسباب انشراح الصدر: الإحسان إلى الخلق، ونفعهم بما تستطيع نفعهم به من مالك أو جاهك أو شفاعتك أو بدنك، أو بأي نوع من أنواع الإحسان. ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استبعد الإنسان إحسان أحسن إذا كان إمكان ومقدرة فلا يدوم على الإحسان إمكان إذا هيأ الله لك، وأقدرك الله على نفع إخوانك بمالك أو بجاهك أو ببدنك أو بكلمتك أو بما تستطيعه، فلا تتردد لأمرين: الأمر الأول: تستعبد القلوب بالإحسان فتنال حظاً من الدعاء، والذكر الحسن في الأولين والآخرين: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء:84] تجعل لك ذكراً حسناً حتى بعد موتك. يبقى الثناء وتذهب الأموال ولكل عصر دولة ورجال والثاني: أنك اليوم قادر وغداً عاجز، وأنت اليوم قوي وغداً ضعيف، وأنت اليوم نشيط وغداً ربما تخور القوى، فما دمت ذا مقدرة، وما دمت على استطاعة في نفع العباد فأحسن إليهم، وإني لأعلم من بعض إخواني جزاهم الله خيراً، من يقسم بالله قائلاً: إني لأجد انشراحاً في صدري ونفسي، وأجد لذة إذا هيأ الله أو يسر الله قضاء حاجة مسلم على يدي، أعظم من فرحي وانشراحي بكسب مالٍ قد أدخلته جيبي. وهذا واضح، بل ذكره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في رسالة قيمة أنصح كل السامعين والسامعات باقتنائها وقراءتها وهي رسالة بعنوان: الوسائل المفيدة للحياة السعيدة، ذكر منها الإحسان إلى الناس، والذي يُحسن إلى الناس يعيش عالمياً، يعيش لا لذاته، بل يعيش لغيره، وحينما نعيش لذواتنا فحسب، تبدو لنا الحياة صغيرة وقصيرة ومحدودة، وتبدأ من حيث بدأنا وتنتهي من حيث انتهينا في حدود ملذاتنا، أما حينما نعيش لغيرنا؛ لفكرة أو لهدف أو لدعوة أو لنفع الناس وتعبيدهم لله عز وجل، فإن الحياة طويلة وباقية تبدأ منذ أن بدأ الحق، ولا يفنى الحق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ما أجمل أن تكون باذلاً ما استطعت في الإحسان إلى إخوانك! والبخيل من بخل بجاهه، فلا يتردد أحد في داره. إن من أعظم المناقب التي بلغ بها سماحة الإمام العلامة الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز وبلغ بها الثريا بين نجوم العلماء، فالعلماء كثير لكن ابن باز شيء بينه وبينهم مرحلة، والسبب أمور عديدة منها: قضاء حوائج الناس، والشفاعة للخلق، ولا يرد أحداً سواءً تجنساً أو إقامة، أو أراد منحة جامعية، أو سداد دين، أو علاجاً في الخارج، أو كفالة داعية أو يتيم، أو إصلاح قضية زوجية كأمور الطلاق، قد فتح الشيخ قلبه قبل بابه، وفؤاده قبل مجلسه، واعتبر نفسه أباً للناس جميعاً، مسئولاً عن كل حوائجهم، فلا يألو جهداً في قضاء حوائجهم ما استطاع، وهذا من مناقبه التي أورثته انشراح الصدر العجيب. أنا أقول لبعض الإخوان: هل سمعتم أحداً يأتي إلى الشيخ يبشره، لا يأتي إلى الشيخ إلا ويقول: يا شيخ! حصلت مشكلة، يا شيخ! وقعت مصيبة، يا شيخ! حدث منكر، قلّ من يأتي إلى الشيخ ببشارة، أكثر من يأتي إلى الشيخ يشكو حاجةً، أو يريد مالاً، أو يسأل شيئاً، فما الذي جعل هذا الشيخ يتصبر؟ لو آتي لك بواحد بعد كل فريضة يأتي يسلم عليك ويقبل رأسك، هل تصبر؟ تقول: يا أخي! مللنا ضروري تحب دائماً، وتسلم دائماً، وإذا رأيته في الطرف الأيمن تصلي في الطرف الأيسر، وقد تذهب وتصلي في المسجد الثاني، وتأخذ رقم لوحته من أجل أن تعرف سيارته. من الذي يصبر على الناس؟ يقول ابن الوردي: نصب المنصب أوهى جلدي وعنائي من مدارات السفل ليس كل من يقابلهم الإنسان من كرام القوم والنبلاء والطيبين الذين يشرف ويفرح ويلذ بمقابلتهم. لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم طبائع لست تحصيها ولا شان فمن الذي جعل هذا الشيخ جلداً حتى آخر ليلة فاضت روحه فيها؟ من أعظم أسباب ذلك قضاء حوائج الناس، والجلد على ذلك، والصبر على ذلك، يدخل المستشفى فيحجبون عليه الهاتف، فيقول أعطوني التلفون لا تردوا أحداً عني، يا شيخ! أنت في فحوصات، يقول: أريد التلفون، من له فتوى أنا أجيبه، ومن له حاجة أنا أقضي حاجته، من الذي يتحمل إلى هذه الدرجة؟ أسأل الله أن يخلف على أمة الإسلام بخير منه، وأن يجعل منازله في الفردوس مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فالإحسان وقضاء حوائج الناس والبذل والجود، كل ذلك من أسباب انشراح الصدر. مر بنا أحبتي أن الإحسان والكرم، والبذل ولين الجانب وخفض الجناح، والتواضع وقضاء حوائج الناس وتحسس أحوالهم؛ من أعظم أسباب انشراح الصدر، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لمن يُعطي ومن يمنع، ولمن يجود ومن يبخل، فقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المتصدق والبخيل كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد؛ كلما هم المتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت، وكلما هم البخيل بالصدقة لزمت كل حلقة مكانها ولم تتسع عليه). فهذا مثل ينطبق على انشراح صدر المؤمن بالبذل والعطاء، وعلى ضيق حال البخيل بالكف والقبض والمنع، وإذا تأملت ذلك وجدت هذا جلياً، انظر إلى نفسك وقد دعوت إلى وليمة وأكرمت الناس، نعم. دفعت ألفين أو أكثر أو أقل، لأجل هذه الوليمة لكن انظر إلى انبلاج أسارير وجهك، انظر إلى تهلل وجهك، انظر إلى لذة تجدها في نفسك، يوم أن أصبحت كريماً. والكرم الحقيقي مثل كرم الشيخ ابن باز أسكنه الله الجنة، أن يكون الباب مفتوحاً للفقير قبل الغني، وللضعيف قبل القوي، وللعامة قبل السادة، وللصغار مع الكبار، هكذا مجلس الشيخ، وكم نصحه أناس يظنون أنهم يحسنون صنعاً في نصحه، فقالوا: يا شيخ! إن شر الرعاء الحطمة، ولقد حطمك الناس، فاجعل لك مكاناً أنت والخاصة تتغدى فيه وتفطر وتتعشى فيه، والضيوف الله يحييهم على حِدَة، قال: لا. لا تحبسوني ولا تحجبوني عن ضيوفي. بل تجد الله يحسن إليه -كما يخبرنا الشيخ محمد الموسى مدير مكتبه- يقول: والله ما جاءنا قوم أو ضيوف أو شباب أو غيرهم، إلا وهو يهمس يقول: لعل الأمور على ما يرام! لعل كل شيء كافٍ، عسى أن الناس ما قصروا في شيء، يفرح وينشرح صدره بإكرام الناس، وحسبنا بهذا الشيخ حباً، نسأل الله أن يجمعنا وإياه في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. يقول الشيخ محمد الموسى: ذات مرة سلم على الشيخ شابان، وقالا: جئنا من مكان كذا نريد أن نسلم عليك، وكان ذلك في رمضان، فقال الشيخ: أفطروا معنا، قالوا: إن شاء الله، إذ رأى الشابين معهما أتوبيساً فيه خمسون شاباً، والشيخ ظن أنهم قلة، قال: فلما جاء قبيل المغرب دخل علينا هذا الأتوبيس كأنه النقل الجماعي قد اجتمع في ذلك اليوم كله، وملئ مجلس الشيخ، قال: تفاجأنا، فسألنا الشيخ، قلنا: الله يحسن إليك، الإخوان جاءوا بعدد كبير وما كنا مستعدين لهذا، قال: لا تتركوا أحداً يذهب، صلحوا من هذا، وأعطوا من هذا، قال: فمازال الشيخ يتابعنا لحظة بلحظة حتى جلسنا على الإفطار ومُدت الموائد وأفطر الناس، وجلسوا للعشاء وتعشوا، قال: فما رأيت الشيخ إلا كعادته بل زيادة على ذلك، تهللاً وانبلاجاً وانشراح صدر. البذل والعطاء والكرم والجود من أعظم أسباب انشراح الصدر، فكن كريماً وجواداً وكن باذلاً، وإذا بذلت فاحتسب عند الله المثوبة، بعض الناس يُنفق على أولاده، لكن إذا ذهب يشتري لهم بعض الاحتياجات، يقول لهم: كلوا جعله الله مراً، الله لا يحله لكم ولا يبيحكم، إذاً لماذا تصرف هذا مادام الوضع هكذا؟! يا أخي الكريم! أنفق بروح طيبة، وابذل بنفس سخية، وإذا بذلت فاجعله بذلاً من قلبك بنية صالحة صادقة يخلف الله عليك و (ما نقص مال من صدقة) إنك لا تضع في في امرأتك، أي: في فم امرأتك، وما تنفقه على أولادك إلا يُحتسب لك صدقة عند الله عز وجل، فلا تظن أن الصدقات مجرد إعطاء الفقراء والمساكين، حتى كسوة أولادك وزوجاتك صدقة، وإكرام ضيوفك صدقة، والإحسان إلى جيرانك صدقة، وكل ذلك من الكرم الذي هو من أعظم أسباب انشراح الصدر.

الشجاعة

الشجاعة ومن أعظم الأسباب أيها الأحبة! الشجاعة، والشجاعة درجة بين الجبن والجنون، وكثير من الناس يعدون الجنون شجاعة، ويعدون التهور والتعدي شجاعة، وهذا ليس من الشجاعة، بل ذلك قد يُفضي بالرقاب إلى القصاص، أحدهم يقول: لقيت في السجن شاباً جميل المحيا حسن الطلعة، فقلت: ما الذي جاء بك في هذا المكان وهذا العنبر؟ قال لي قصة عجيبة وغريبة، خرجت ذات يوم بالسيارة، فجاوزتني سيارة ثم مال وانحرف صاحبها بسيارته عليّ، فطاش غضبي من هذا الفعل، فذهبت لأرد عليه هذا الفعل، فذهبت أحده يميناً ويحدني شمالاً، إلى أن بلغ الأمر برفع الأصوات ثم فتح النافذة وبصق -أكرمكم الله والسامعين والملائكة- قال: فما كان إلا أن كل واحد منا أوقف سيارته، قال: ونزلت بحديدة أريد أن أعرفه قدره، وليس قصدي أن أقتله أو أعيقه، لا. لكن أريد أن أضربه ضربة لأهينه جراء ما فعل. قال: فانطلقت الحديدة فلتة من يدي فأصابته مقتلاً، فمات من ساعته، وذُهب بي إلى السجن، وجلست في المحكمة، وحُكم عليّ بالقتل قصاصاً، وها أنا الآن في هذا العنبر أنتظر بلوغ القُصر الورثة ليقضوا فيّ قضاء الله بما يشاءوا، إما أن يعفو ويقبلوا الدية، وإما أن يطلبوا القصاص. فهذا ليس من الشجاعة، عندما يأتي مجنون يحدك أو تحده، لو أن كلباً نبح فلا تنبح، ولو أن حماراً نهق فلا تنهق، ولو أن مجنوناً جن فلا تجن، لكن الشجاعة أن تكون في الحق، وفي كلمة الحق كما قال صلى الله عليه وسلم: (ورجل قام إلى إمام جائر فأمره فنهاه فقتله) هذه الشجاعة يؤجر عليها الإنسان، أو شجاعة في الجهاد في سبيل الله، أو شجاعة في ذب الإنسان عن عرضه وماله: (من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد). أما أن يعتبر الإنسان الفزعة شجاعة: قوم إذا الشر أبدى ناجديه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا مجرد أن يرى عراكاً يدخل فيه، مثلما ذكر ابن الجوزي في أخبار الحمقى والمغفلين، قال: وذكر أن رجلاً رأى قوماً يضربون رجلاً، فجاء يضربه معهم، فأمسك به رجل ثاني، قال: يا فلان! على ما تضربون هذا؟ قال: والله لا أدري، لكن وجدتهم يضربونه فضربته معهم حسبة للأجر، هذا جنون، بعض الناس يفزع في مضاربات عصبية قبلية، أناس من بلد تضاربوا مع أناس من بلد تتحول العنصرية إلى حدود إقليمية وعنصرية وسياسية ودولية. أناس من قرية يتضاربون مع أناس من قرية، وأناس من قبيلة يتضاربون مع أناس من قبيلة، تتحول إلى مهاترات، وأعرف أكثر من حالة، وبنفسي أشرفت واطلعت عليهم، فأناس حُكم عليهم بالقصاص قتلوا أناساً ليسوا بأعداء لهم ولا يعرفونهم، فقط اشتركوا في (فزعة) يسمونها فزعة وهي جنون، اشتركوا فيما يسمونه فزعات فكان واحد من هؤلاء الذين فزعوا أقرب الناس إلى هذا الذي ضُرب، فكانت الضربة القاتلة بيد هذا الذي فزع، فحكم عليه بالقصاص، وأصل العداوة بين طرفين أحدهم قد خرج منها بريئاً، والذي فزع في هذه المضاربة هو الذي حكم عليه بالقصاص. فيا أحبابي! الشجاعة درجة بين الجنون والجبن، فينبغي أن نفهم ذلك. من الشجاعة ألا تخشى من موقف حق بسبب تردد في الموت أو لأجل الموت. أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا يجدي الحذر إذا كنت تعلم أن الآجال بيد الله، والأرزاق بيد الله فلا يضيرك شيء.

إخراج دغل القلب

إخراج دغل القلب من أسباب انشراح الصدر: إخراج دغل القلب، الحقد، الغل، الكراهية، الكبر، بعض الناس يحمل سمات حسنة، لكن يحمل ذنوباً كبيرة في صدره، كاحتقار الآخرين فلا يرى لهم قدراً ولا وزناً، ولا يراهم شيئاً أبداً، أو حقد على شخص حدث بينه وبينه مشكلة لا ينساها أبداً، أو لا يرى لأحد من أناس أو من أقرانه نتيجة للحساسية والتنافس في درجة واحدة لا يرى لهم قدراً، ويتمنى الوضيعة لهم. إن من تمام الإيمان وصدق التعبد ألا تفرح بمعصية خصمك لله وإن كانت تسرك، شخص من الناس تكرهه، وتتمنى أن الله يفضحه، لكن هل تتمنى أنه يزني فيفضحه الله بالزنا حتى تنتصر أنت، من تمام الإيمان أن تسأل الله حتى لأعدائك من المسلمين ألا يقعوا في معصية الله وسخطه وفضيحة خلقه، فسلامة القلب من الحقد والإحن والبغضاء والعداوة كل ذلك من أسباب انشراح الصدر، بعض الناس لا يبالي أبداً ولا تهزه الرياح ولا السافيات ولا الغاديات ولا شيء أبداً. لا أنت قلت ولا سمعت أنا هذا كلام لا يليق بنا إن الكرام إذا صحبتهم ستروا القبيح وأظهروا الحسنا هذا شأن من يحرص على انشراح الصدر ويسعى إليه، فأخرج دغل القلب من الحسد والحقد والبغضاء والنميمة والغيبة والكراهية، هذا أمر مطلوب، نعم. أنت لست مأموراً بأن تحب الناس، إنسان لا يألو جهداً في أذيتك ومؤامرات ضدك، وحبائل ومكائد ينصبها تجاهك، نحن لا نقول اذهب فأحبه، ولا نقول لك أن تبكي على حبه، بل من عزة النفس أن من أعرض عنك فلا تتعلق به، إياس بن أبي مريم لما قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال له عمر: [أنت إياس بن أبي مريم الذي قتلت أخي ضرار بن الخطاب؟ قال إياس: الحمد لله الذي أدخله بسببي الجنة، ولم يدخلني بسببه النار -انظر رد الجميل الممتاز أي: قتلته فمات شهيداً، ولم يقتلني على الكفر آنذاك، فأموت كافراً- فقال عمر: اصرف وجهك عني فإني لا أحبك] عمر صريح لا يجامل. فقال إياس: [يا أمير المؤمنين! إن كنت لا تحبني أفينقصني هذا شيئاً من حق الله لي في بيت مال المسلمين، قال عمر: حاشا لله، معاذ الله، والله لا أنقصك شيئاً، فقال إياس: إذاًً يا أمير المؤمنين! أبغض ما شئت، فإنما يبكي على الحب النساء]. بعض الناس مسكين، لو بغضه رئيسه أو المسئول عليه في العمل، كأنه امرأة مطلقة بغير سبب، لماذا يكرهني؟ لماذا يبغضني؟ لماذا تركني؟ كان بالأمس يحبني واليوم يبغضني، كان بالأمس يدنيني واليوم يبعدني، كان بالأمس يعطيني واليوم يمنعني، يا مسكين! تعلق بالله ولا تتعلق بالخلق، هذه من أعظم أسباب انشراح الصدر، أنك لا تمرض ولا تسقم ولا تجد مصيبتك لو أن أحد الناس غيرّ موقفه منك ما دمت على جادة الصواب، كن مثل المتنبي: أنام ملئ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم بعض الناس مولع يبحث ويتحسس رضى الآخرين عنه، كيف رضاكم عنا، عساكم راضين عنا، الله لا يرضى عنه، اسأل الله أن يرضى عنك، فإن من طلب رضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عليه الناس، ومن طلب سخط الله برضى الناس، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس، فعود نفسك على هذه المسألة. بعض الناس يقول: يا أخي! يؤذيني الذين يخالفونني في آرائي، يزعجنني الذين ينتقدونني في مواقفي، يا مسكين! هل الناس قطع معدنية متساوية في الوزن والسكة، والحرف والرسم، والطرة والإطار، فلا يختلف بعضها عن بعض؟ لا. ليس من العقل هذا، لا تحسب الناس طبعاً واحداً، الناس يتباينون، لا تكن عشيقاً بطلب الرضا من الناس، بل كن حريصاً على الرضا من الله عز وجل، وحينئذ رب أقوام يرضون، وآخرين يسخطون، ثم يعود الساخطون راضين داعين متقربين معجبين، فلا تنزعج بهذا أبداً. أما طلب رضى الناس، مديري المباشر غير راض، وفلان غير راض، وفلان تغير موقفه مني، هذا جنون، هذا عذاب للنفس وعذاب للضمير، لا تعلق نفسك بالبشر فالبشر يتقلبون، تعلق بالله عز وجل الذي إذا تقربت إليه شبراً تقرب إليك ذراعاً، وإذا تقربت إليه ذراعاً تقرب إليك باعاً، وإذا قدمت إليه تمشي أقبل إليك هرولة، انظر فضل الحي القيوم. لو أن شخصاً يعمل عند تاجر أو رئيس شركة عشرين أو خمسة وعشرين سنة، وبعد هذا الزمن الطويل وقع من هذا الموظف عند هذا التاجر زلة، يمكن أنها من نوع كبير أو من نوع متوسط، فماذا كان شأن هذا التاجر؟ نسي كل ما مضى، وعاقبه عقوبة نكلت به تنكيلاً، وجعله عبرة وعظة للآخرة والأولى، بعد خمسة وعشرين سنة من نجاح وتقدم وإنجازات، وغلطة واحدة محت ومحقت كل هذا النجاح والتقدم. لكن انظر رب العالمين عز وجل، تجد عبداً من عباد الله عمره أربعين أو ثلاثين أو خمسة وثلاثين سنة وهو مسرف على نفسه في الذنوب والمعاصي والمنكرات والكبائر والفواحش، ثم يُقدم إلى الله بعمل صالح، وتوبة صالحة وإنابة، فيغفر الله ذلك كله، ويجعل سيئاته حسنات. فتعاملوا مع الله، وأقبلوا على الله، وتعلقوا بالله، فلن يندم أحدٌ، ولن يُظلم أحد في تعامله مع الله عز وجل، أما الناس: فمن يغترب عن قومه لم يزل يرى مصارع أقوام مجراً ومسحباً وتدفن منه الصالحات وإن يسئ يكن ما أساء النار في رأس كبكبا

ترك فضول النظر والكلام والمخالطة

ترك فضول النظر والكلام والمخالطة أيها الأحبة! من أسباب انشراح الصدر ترك فضول النظر، وترك فضول الكلام، وترك فضول المخالطات، لا تجهض السعادة أكلاً لذيذاً، ووجدت متعة الأكل في تقليب اللقم بلسانك في فمك، ثم استقرت لذيذة هنيئة في جوفك، فقف عند هذا الحد، ولا تزد في الأكل، فتحول لذة الأكل إلى تخمة تنقلب إلى سقم وضرر. جلست مع أحبابك جلسة ساعة وربع ساعة ونصف جلسة لذيذة، قف على هذا وكل يذهب إلى بيته، لا تمدد الجلسة فيما لا طائل فيه، فتجهض سعادة الجلسة، فبدلاً من أن تتفرقوا على أوج السعادة، تتفرقون بعد سعادة على أمر أحدثتموه بآخر لقاء، فأحدث مللاً أو سؤماً أو خلافاً بينكم. إذاً لا تجهض السعادة، وأطلق فضول المخالطات، وفضول النظر، وأما فضول النظر فشأنه عظيم، إذ أن من أطلق بصره فلا شك أنه يجد أثر ذلك في فؤاده. وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المعاتب والقتيل القاتل تعاتب من وأنت القاتل والقتيل؟! وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر ختاماً أيها الأحبة: أسأل الله أن يشرح صدورنا وإياكم بالحق، وأسأله سبحانه بمنه وكرمه وأسمائه وصفاته أن يُصلح لنا ولاة أمرنا، وأن يجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا، وألا يفرح علينا عدواً، وألا يشمت بنا حاسداً إنه ولي ذلك والقادر عليه. أيها الأحبة! إني داع فأحضروا قلوبكم وأمنوا لإخوانكم المجاهدين في الشيشان وداغستان. اللهم يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما تريد، إلهنا منشئ السحاب، هازم الأحزاب، منزل الكتاب، خالق الخلق من تراب، يا من إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، اللهم أنزل بأسك وبطشك وعذابك ورجزك على الكفار في روسيا يا رب العالمين. اللهم كل من آذى المسلمين من الروس وغيرهم اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم إنا نشكو إليك ضعف الولاء بين المسلمين فانصر إخواننا يا رب العالمين ولا تكلهم إلى إخوانهم الضعفاء والمساكين، اللهم يا حي يا قيوم! انصر إخواننا المجاهدين في داغستان والشيشان. اللهم وحد صفهم، وثبت أقدامهم، واجمع على الحق كلمتهم، وأقم على التوحيد كلمتهم، اللهم آمن روعاتهم، واستر عوراتهم، اللهم احفظهم، اللهم انصرهم، اللهم أنزل عليهم مدداً من ملائكتك تؤيدهم يا رب العالمين. اللهم ارفع البأس والشدة والبطش عنهم يا حي يا قيوم، اللهم اجعل الدائرة على الشيوعيين ومن شايعهم، واليهود ومن هاودهم، اللهم صل على محمد وآله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

الحذر من وسوسة الشيطان

الحذر من وسوسة الشيطان Q يقول السائل: أنا شاب التزمت حديثاً ولله الحمد، ولكن مشكلتي أنني أشعر بالضيق من وقت لآخر، وأحس أن الله جل وعلا لم يقبل توبتي، أفيدوني ماذا أفعل مأجورين؟ A أخي الحبيب! دع عنك وسوسة الشيطان، فإن الله يقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] إن تبت توبة صادقة بشروطها: الإقلاع عن الذنب، كراهية العودة إليه، الندم على ما فات، على إيمان ويقين وصدق، وعملت صالحاً واجتهدت في مرضاة الله عز وجل بما ينفعك فأبشر بالخير، وأما ما يعرض لك فهو من وسوسة الشيطان، والله عز وجل يقول: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268] فلا تبال أخي بوسوسة الشيطان أبداً، لكني أنصحك ألا تجعل فراغاً في وقتك. اشغل وقتك كله، حوائج والديك أولاً، صلة أرحامك، المجالسة الطيبة، الصحبة النافعة، القراءة المفيدة، حلقات العلم، مجالس الذكر، رياض الجنة، الحج، العمرة، الأمور النافعة إذا ملأت وقتك، فلن يجد الشيطان فرصة للوسوسة معك.

تطبيق جميع أسباب انشراح الصدر ليس بشرط

تطبيق جميع أسباب انشراح الصدر ليس بشرط Q ذكرتم حفظكم الله أسباباً مختلفة لانشراح الصدر، وقد لا يمكن لشخص أن يجمع هذه الأسباب كلها، فهل يتحقق انشراح الصدر مع القيام ببعض هذه الأسباب؟ A لاشك، لا يلزم من طلب انشراح الصدر أن يجمع كل هذه الأسباب التي ذكرنا، فرب رجل لا يستطيع أن يشفع، أو حري إن شفع ألا يشفع، وإن تكلم ألا يسمع له، وربما لا يكون غنياً يجود أو ينفق، لكنه يستطيع أن يكون ذاكراً لله، منيباً أواهاً، متهجداً، يستطيع أن يكون مجاهداً في سبيل الله، يستطيع أن يكون معيناً على الخير، فلا أظن أن أحداًً يعجز أن يجمع من أسباب انشراح الصدر ما يستطيعه أياً كان.

حقيقة انشراح الصدر

حقيقة انشراح الصدر Q هناك كثيرٌ من الناس وخصوصاً من الشباب، يظنون أن انشراح الصدر يكون في اللعب واللهو والسهر مع أصدقاء السوء، والسفر إلى بلاد الفسق والعصيان، وحينما تنصحهم يقولون: يا شيخ! استأنس ووسع صدرك ولا تكن معقداً متشدداً، فما هو توجيهكم لهؤلاء؟ A هو في الحقيقة يخيل إليه أن هذه سعادة وانشراح صدر، وإلا فإن الذين يقضون أوقاتهم في مجالس اللهو والفسق والمعصية والغفلة، وإن فعلوا ما يشتهون، أو رأوا ما يلذ بأعينهم، فإنهم يحسون بعد ذلك من الضيق والنكد والحسرة ما لا يخطر على بال، يقول الحسن البصري في شأن أهل المعاصي: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه، والله عز وجل يقول: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} [الجاثية:21]. أتظنون يا أحبابي أن هذا الخاشع المتهجد الصائم العابد الذاكر الشاكر، يمكن أن تكون حاله سواء مع الفاسق الفاجر العنيد؟ لا يُمكن أن يستوي الأبرار والفجار، والصالحون والفاسقون، فكل من ادعى سعادة وانشراحاً على معصية، فإما أن تكون استدراجاً مضاعفاً لعذاب ينتظره، وإما أن تكون سعادة وهمية وانشراحاً تخيلياً لا حقيقة له، بدليل أن الكثير من هؤلاء الذين يسمون نجوماً ليسوا بنجوم، نجوم الفن إذا خلا أحدهم بنفسه، أو مع خاصة جماعته أو أصحابه، عُرف منه الكآبة والضيق، وما هو إلا عبد لرضى الجماهير، ما هو إلا عبد يريد رضى الجماهير، هل رأيتم فناناً يغني أمام واحد أو اثنين، لا. لابد أن يأتي الجمهور ويطرب، هو عبد لهذا الرضا والإعجاب من الجمهور. لكن العالم عندنا يجلس يحضر طالب، أو ألف، أو عشرة آلاف العلم علم والعبادة عبادة والتعليم تعليم، فرق بين رضى وانشراح صدر العالم والعابد والداعي، وما يراه أهل الفن والفسق والطرب من خيال، وحسبك أن أحدهم لو سألته بكل صراحة تقول: أنت تخيل نفسك أمام الله عز وجل، إذا سئلت بين يدي الله عن أعمالك، تقول: يا رب أحييت كرنفالاً، أحييت سهرة، أقمت حفلة، هذه أتقرب بها إلى الله، أو أريد بها منازل الفردوس والشهداء، A لا يصح ذلك إطلاقاً، ولكن: يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

التحذير من ترك العمل خوفا من الرياء

التحذير من ترك العمل خوفاً من الرياء Q إنه شاب يعمل منذ عدة أشهر في نشر الدعوة إلى الله عن طريق المطويات والكتيبات وإرسالها إلى خارج المملكة عن طريق المراسلة، ويقوم بمجموعة من أمور الدعوة، لكنه يقول: إني أخشى على نفسي من الرياء، فما هو توجيهكم لي؟ A هذا شيطان يريد أن يردك عن عملك، بما يوسوس لك من دعوى الرياء، ولو أن كل من مر بعقله هاجس الرياء والسمعة توقف عن الخطب والمحاضرات وتوزيع الكتب والمطويات والنشرات، والعمل في المقرات الخيرية ومكاتب الجاليات، والمشاركة في كل الأعمال الخيرية، لما بقي منها أحد، كلنا يخشى على نفسه الرياء، أي والله نخاف ونخشى على أنفسنا الرياء، ونخشى على أنفسنا السمعة، لكن هل نترك العمل الصالح خشية وساوس الشيطان؟ لا. أنت لا تعجب بعملك، ولا تُدل على الله بفعلك، ولا تباهي أو تحبط عملك، تقول: اسكت أنا فعلت وعملت، لا. تقول: والله لا أدري، القدوم على الله عز وجل في أمر رحمته وحده لا شريك له، إذا قدمنا يوم القيامة فليس اعتمادنا على هذه المحاضرات والكلمات والخطب والمطويات والنشرات والصدقات والتلاوات والأعمال، ولكن رجاؤنا في رحمته وحده لا شريك له، رجاؤنا في أننا نشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. إن تكرم علينا الرب الجواد الكريم المتفضل المنعم بقبول شيء من أعمالنا فله الفضل، الذي أعطى اللسان الناطق، والعين الباصرة، والأذن السامعة، واليد الباطشة، والقدم الماشية، وإن لم يقبل فلا حول ولا قوة إلا بالله، ومعاذ الله أن يكون العمل هباء منثورا، نسأل الله ألا يجعل أعمالنا وإياكم {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} [النور:39]. أخي الحبيب! إياك أن تقف عن العمل، بل قاوم هذا الوسواس بمزيد من النشرات توزعها، ومزيد من المطويات توزعها، ومزيد من الصلوات تؤديها، ومزيد من العبادات والدعوة تفعلها، أما إذا كان كلما رمي الإنسان بكلمتين أو ثلاث يتوقف عن عمله، كأن يقال: فلان يريد منصباً، إذاً وقف من أجل ألا يقولون: يريد له منصباً، فلان يريد دنيا، وقف إذاً، فلان يريد ثناء الناس وسمعتهم، لا. أخلص ما بينك وبين الله عز وجل، واعلم أن أعمال الآخرة كالدعوة والعبادة، ما لم تكن خالصة لله، فالذين يبيعون الطماطم والخضار على الأرصفة أكسب منك، لماذا؟ لأن الذي يبيع الطماطم والخضار يكسب مالاً، أما الذي يظهر بأعمال العُبَّاد ولا يرجو بها وجه الله، فلا دنيا حصلها ولا آخرة، ويكون قد خسر الدنيا والآخرة.

إن الله يغفر الذنوب جميعا

إن الله يغفر الذنوب جميعاً Q امرأة استزلها الشيطان وفعلت كل شيء من أفعال الرذيلة والكبائر، وتقول: هل يقبل الله توبتي على ما كان من عملي؟ وهل من المعقول أن أكون امرأة صالحة أم لا؟ A أسأل الله عز وجل بأسمائه وصفاته واسمه الأعظم أن يستر على أختنا هذه، وعلينا وعليكم جميعاً، وفي الحديث (إن الله ستير يحب الستر) والستر من العبادات التي غفل عنها كثير من الناس، وفي الحديث: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون، قيل: ومن المجاهرون يا رسول الله؟ قال: الذي يمسي يعصي الله فيستره الله، فيصبح يهتك ستر الله عليه، يقول: فعلت البارحة كذا، وفعلت البارحة كذا). فإلى أختنا هذه بعد الدعاء لها بالستر والتوفيق وقبول التوبة والإنابة، نقول: استري على نفسك ولا تحدثي أحداً ولا تخبري أحداً أبدا، هذا أولاً. الشيء الثاني: يقول الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فينبغي لمن أذنب ذنباً أن يجتهد في كثرة الحسنات الماحية للسيئات، وفي الحديث (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن). فإلى أختنا هذه نبشرك بإذن الله رجاءً فيما عند الله، وتصديقاً بوعد الله، أن التوبة تُقبل بمنّ من الله وكرم، وإياك أن يُوسوس لك الشيطان أن التوبة لن تُقبل، وأن ذلك مما يردك عن المضي في الاستقامة؛ لأن الشيطان يأتي يقول: وهل بعد الذي حصل في مكان كذا وليلة كذا وساعة كذا وحفلة كذا وسهرة كذا ترجين قبول توبة، الشيطان يعظم الأمر، ويجعل التوبة بعيدة المنال، وهذا من الخطأ، بل أحسنوا الظن بالله، وتعلقوا بالله، وتوكلوا على الله، وأبشروا بخير عظيم من الله، فإن الله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدنا أظل راحلته في فلاة (مفازة جرداء مهلكة) فلم يجدها عنده، فأيقن بالهلاك، ثم توسد يده ينتظر الموت، فلما أفاق إذ بناقته تحرك يده بخطامها أو بشفتها، أفاق فوجد الناقة بعد أن تيقن الموت، فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح، الله أشد فرحاً من فرحة هذا بوجود ناقته التي عليها الماء والشراب بعد أن أيقن الهلاك. فيا أحبابنا أحسنوا الظن بالله، وبشروا الناس ولا تنفروهم، وقربوهم إلى الله عز وجل، فإن الله يمهل عباده، يخبرني أحد الشباب، قال: كنت رجلاً عسكرياً في نقطة من النقط، وكان معي شاب في هذه النقطة، وكان سكيراً عربيداً فاجراً ما ترك شاذة ولا فاذة ولا حاجة ولا داجة من السيئات والكبائر والفواحش إلا فعلها، قال: والله سمعته ذات يوم يتجرأ على الله بكلام، وناقل الكفر لا يكفر؛ لأن الله قال في القرآن ما قالته اليهود: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64] يقول هذا الشاب عن صديقه، قال: والله لما نزل المطر نام ربي ففتحت الملائكة البزابيز، تعالى الله عما يقول علواً عظيماً، قال: فكنت أنتفض وأرتجف وأبتعد بعيداً، قلت: الآن تنزل صاعقة من عذاب، أو شيء يهلكني وإياه فقط لأني وقفت بجواره. قال: فما زلت أتحاشى مجلسه، وأتحاشى القرب منه، قال: ثم تدور الأيام، فإذا بي أراه شاباً تائباً منيباً منكسراً؛ تواباً بكاءً، قد أطلق لحيته، واجتهد في طلب العلم، وعمل الصالحات، وترك كل ما مضى. فيا أحبابي! بشروا الناس، فالله عز وجل يقبل التوبة، وأعيونهم على الرجوع، ولا تنفروا، ولا يتألى أحد على الله، ليقول: فلان لا يهديه الله أبداً، لا، هذا تألٍّ على الله. بل اسألوا الله السلامة من أقوال المغترين، ومن أقوال المجترئين، ومن أقوال الغافلين، واسألوا الله الهداية لجميع المسلمين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا للكفار، قال: (اللهم اهد دوساً وائت بهم) وقال: (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين) وقال: (اللهم اهد أم أبي هريرة). فالدعاء للكافر بالهداية مشروع؛ فما بالك بالفاجر والفاسق، فتحببوا وتدوددوا وتقربوا إلى الناس، وخذوا منهم حسناتهم، وأعينوهم على ترك سيئاتهم تكونوا بإذن الله من أسباب استقامتهم.

سؤال الله الثبات والحذر من سوء الخاتمة

سؤال الله الثبات والحذر من سوء الخاتمة Q كثير من الأسئلة يقول أصحابها: بأنهم على بداية الالتزام وحضور المحاضرات ومجالس الذكر، ويسألون من الشيخ أن يدعو لهم بالثبات. A أسأل الله عز وجل أن يثبتني وإياكم، وكلنا نحتاج إلى ذلك أحبتنا في الله، الذي أمضى في الدعوة أربعين سنة، والذي أمضى في الدعوة سنة، كلهم على خطر من سوء الخاتمة، وكل يخاف على نفسه أن يتقلب قلبه، أو يفتن بفتنة يصبح بها مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، أو يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، ليس فينا ذلك الذي يأمن ويضمن نفسه، فلا تستبعدن على ضال هداية، ولا تأمنن على مهتدٍ غواية. رجل مهتدٍ لا تقل: هذا لا يغوي أبداً، ورجل غاوٍ لا تقل: هذا لا يهتدي أبداً، ومن نصوص أهل السنة والجماعة في المعتقد، ولا نقطع لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار، وإنما نرجو للمحسن الثواب، ونخشى على المسيء العقاب، فيا أحبابنا! أنتم أنفسكم اسألوا الله عز وجل الثبات والهداية، ولن نكون أحرص عليكم من حرصكم أنتم على أنفسكم، ولن نكون أكثر شفقة في نجاتكم من شفقتكم أنتم على نجاة أنفسكم، فكلنا يدعو ربه، وكلنا يدعو لأولاده، وكلنا يدعو لإخوانه، وكلنا يدعو لجيرانه. يا أخي! لا يضيرك إذا أوترت أن تقول: اللهم إني أسألك لنفسي ووالدي وذريتي وإخواني وأخواتي وذرياتهم وجيراني وذرياتهم والمسلمين؛ أن تجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل فتنة عصمة، حاول أن تجمع إخوانك المسلمين في الدعاء، بعض الناس لا يدعو إلا لنفسه فقط، جزاه الله خيراً على الدعاء، الدعاء عبادة، لكن -يا أخي- لا تنس الدعاء لوالديك: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:24] ولا تنسَ الدعاء لعلماء المسلمين، وإخوانك المجاهدين، ولولاة أمور المسلمين؛ ففي صلاحهم صلاح الرعية، ولا تنسَ الدعاء لهم بصلاح البطانة، وباجتماع الشمل، وبالثبات على الحق، ولا تنسَ الدعاء لكل من أوصاك به ولمن أحبك في الله، وفي الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:16] والأدعية التي في القرآن أكثرها بنون الجمع ونا الجمع. فيا أحبابنا! ادعوا لأنفسكم ولإخوانكم وللمسلمين أجمع.

أنواع الجلساء

أنواع الجلساء إن من الضرر على دين الشخص مجالسة غير الصالحين، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بمجالسة الصالحين، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم حذر تحذيراً كبيراً من قرين السوء وبين خطره. كما أن سبب تآلف القلوب وتنافرها هو تقارب الطباع أو تباعدها، وكما يقال: (الطيور على أشكالها تقع) ولقد حث الشيخ في درسه هذا على مصاحبة العلماء والحكماء وأهل الخبرة والصلاح.

واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم

واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الحمد لله الذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً، والصلاة والسلام على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الأحبة في الله: إنه لمما يسعدني ويثلج صدري أن أدعى تشريفاً وتكريماً للمثول بين أيديكم، والتحدث إليكم، والاستفادة منكم. أيها الإخوة: كما تعلمون عنوان المحاضرة، أو عنوان الكلمة بالأصح" أثر الجليس على المسلم في الدنيا والآخرة"، ولقد صدر الأخ المقدم تقدمته بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة). أيها الإخوة في الله: لا شك أن الإنسان اجتماعيٌ بطبعه، ولقد خلق الله سبحانه وتعالى في البشر أجمعين غريزة الاختلاط، وغريزة المخالطة، وغريزة المعاملة مع الناس، فكان لابد لكل إنسان أن يختلط بأبناء جنسه، وأفراد مجتمعه في جميع شئون حياته وحاجاته، فلا بد له من المخالطة مع زملائه في المدرسة، ومع زملائه في العمل، ومع جيرانه في الحي، ومع إخوانه المصلين في المسجد، ومع أقاربه وعصابته في صلته لرحمه وفي اتصالاته جميعها، فالإنسان لا شك أنه اجتماعيٌ بطبعه، وكان لهذا الاجتماع مصلحة عظيمة، ومن أجل تحقيق تمام المصلحة في هذا الاجتماع، كان لابد أن يكون له من الضوابط والقيود ما يحقق الأثر المنشود في هذه المخالطة، وفي هذه الصحبة. وحسبكم -أيها الإخوة في الله- أن الله سبحانه وتعالى قد اختار صحبة نبيه، واختار صحب نبيه من الثلة الأولين الطاهرين المطهرين، وأمره صلى الله عليه وسلم بأن يلزم ويلزم نفسه بصحبتهم، فقال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] فالله سبحانه وتعالى قد اختار الصحبة الطيبة الطاهرة لنبيه وأمره بلزومهم. فنحن -يا معاشر المؤمنين- في دبر هذا الزمان في أمس الحاجة إلى الأصحاب والإخوان والخلان الذين بلينا بكثرتهم، وامتحنا بقلة النافع منهم، نحن بأمس الحاجة في هذا الزمان إلى تحقيق العلاقات، وتمحيص الصداقات، وتدقيق المودات، كل واحد منا لو أمسك أوراقاً، وليست ورقة ليعد كم من الأصدقاء عرفهم، وكم من الخلان اتصل بهم، لوجد أنه عرف الكثير الكثير منهم، ولكن إذا اشتدت الأمور، واستحكمت الأزمات، لن يجد إلا ما هو أقل من عدد أصابع يد واحدة يستطيع أن يفزع إليهم بعد الله سبحانه وتعالى، ويثق في نخوتهم، ويوقن بنجدتهم، بل وهو مطمئنٌ أن يفشي سره عندهم، وأن يفضي بحاجته إليهم، أولئك نزر قليلٌ من الإخوان والخلان والأصدقاء، ومن أجل ذلك كان واجباً أن نختار الأصدقاء، وأن نحدد العلاقات.

المرء على دين خليله

المرء على دين خليله يقول صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) وقوله صلى الله عليه وسلم هذا معيارٌ دقيقٌ في تعديد شخصية المرء بمعرفة جليسه، فأنت تستطيع أن تحكم على هذا الرجل، أو ذاك الرجل، تستطيع أن تحكم عليه بالشجاعة، أو القوة، أو الأمانة، أو الديانة والاستقامة إذا عرفت من هم جلساؤه وأصدقاؤه وخلطاؤه، لأن الإنسان على دين وملة وطريقة خليله، فلينظر أحدكم من يخالل كي لا ينسب لنفسه ديناً وملةً خبيثةً وسمعةً سيئةً، والعياذ بالله.

(مثل الجليس الصالح والجليس السوء)

(مثل الجليس الصالح والجليس السوء) وإذا عدنا لنتأمل الحديث الذي قلناه آنفاً، وهو قوله صلى الله عليه وسلم تشبيهاً للجليس الصالح بحامل المسلك، فحامل المسك إما أن يحذيك، أو يطيبك، أو يهديك نصيحة، أو يعرفك بعيب من عيوبك، أو يعلمك أمراً تجهله، أو يرشدك في أمر قد ضل عنك، أو يحذرك من أمر كدت أن تقع فيه، وإما أن تبتاع منه، والمبايعة بما جيء بها في المثل إشارة إلى ما يتعلق بالمعاطاة من الأخلاق، وأنه تمنحه وداً صادقاً، وهو يعطيك علماً نافعاً، أنت تمنحه ثقةً طيبةً، وهو يمنحك أخلاقاً رفيعةً عاليةً، وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً، فالجليس الصالح لو لم يكن لك منه إلا ريحه، ذكره، سمعته بين الناس، لقيل: حسبك بفلان أنه من مجالسي أئمة المساجد، حسبكم بفلان أنه من الذين يجالسون أهل الإيمان والذين يحرصون على حلقات الذكر في المساجد، حسبكم بفلان أنه من الذين يجالسون العالم الفلاني، والعالم الفلاني، والعالم الفلاني، وما جالسه إلا لطيبه. إذاً هذه هي الرائحة الطيبة التي تنتقل إليك بمجالسة الجلساء الطيبين. أما الجليس السوء، فهو الذي يحرق ثيابك، يحرق سمعتك، ويخبث ذكرك بين الناس، لا سيما إذا رؤي معك على صورة مريبة، أو حالةٍ تدعو إلى العجب والدهشة، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة، وهذه الريح هي ما لا يسلم منه الإنسان، لأن هذه الريح بمثابة غبار دخاني ينطلق بأجواء السماء، فلا يلبث أن يصل إلى جوفك، فتستنشقه وأنت لا تدري، وأعني بهذه الريح في المثال هي: ريح اكتساب الطباع الخبيثة والأخلاق السيئة، ومن هنا قال جملة من علماء الأخلاق والسلوك: المرء من جليسه، والطبع استراق، الطبع استراق: الإنسان يسرق الطباع وهو لا يشعر، وإن الإنسان يكون في أخطر مراحل سرقة الطبع إذا كان في مراحل صغره، وفي مراحل بداية نموه، ومن هنا نلاحظ أن الأطفال الصغار جداً يسرقون طباع والديهم، ونلاحظ أن من كبر قليلاً يسرق طباع المدرسين، ونلاحظ أن من كبر أيضاً يسترق وهو لا يدري طباع أهل حيه وجيرانه، وطباع الذين يعيشون من حوله.

قوة التأثر بالجليس

قوة التأثر بالجليس وأذكر لكم قصةً تدلل على أن الإنسان يتأثر وهو لا يشعر، وهي قصة غريية، وقد فعلت فعلاً، قيل لأحد الوزراء، وكان حاجباً وجليساً عند ملك من الملوك أن يحضر ليتسلم هديةً أهديت إلى الملك، فجاء الوزير واستلم الهدية، ما هي؟ حصان، فأخذ هذه الهدية، ودخل بها في إسطبل الملك، ثم جاء مع الملك، وأخذ يتأمل هذا الحصان فترةً بعد أخرى، فقال له الملك: ما تقول في هذا الحصان؟، قال: هذا حصان جيد، ومن سلالة عريقة، لكن هذا الحصان قد ربي مع بقر، فعجب الملك من ذلك عجباً شديداً وسكت. وبعد مدة أهدي إلى الملك صقر-طير من الطيور طير جارح- فدعا وزيره، وقال: تعال -أيها الوزير- وانظر إلى ما أهدي إلينا اليوم، فتأمله مراراً مرةً بعد أخرى، فقال: هذا طير جيد، لكنه قد ربي مع دجاج، فعجب الملك من ذلك عجباً شديداً، ثم سأل: كيف تقول: إن الحصان الذي أهدي إليَّ قد تربى مع البقر؟ وكيف تقول: إن هذا الصقر قد تربى مع الدجاج؟ قال: إني تأملت هذا الحصان فوجدته ينظف نفسه بلسانه، ولا ينظف نفسه بلسانه إلا البقر، أنتم تلاحظون البقرة، هي التي تتنظف بهذه الطريقة، فكون هذا الحصان قد تربى في حظيرة مع جملة من الأبقار، ولو كان حصاناً، فإنه سرق طباعها، وهو أعجميٌ بهيم لا عقل له، فما بالكم بالإنسان وهو يملك السمع والبصر والفؤاد، ألا يتأثر ممن حوله؟ إذا كانت هذه البهيمة تأثرت، وهي لا عقل لها ولا لب، فإن الإنسان يتأثر وهو لا يشعر. قال: حسناً: هذا الحصان عرفنا شأنه، فما بال هذا الطير؟، قال: إني تأملت هذا الصقر الذي أهدي إليك، فنظرته مطأطئ الرأس، ومنقاره إلى الأرض يلتقط الحب كما تلتقط الدجاج الحب، وهذه خصلة لا توجد إلا في الدجاج، أما الصقور، فهي لا تنظر إلى الأرض أبداً، بل دائماً تحلق بأبصارها إلى السماء، فإذا رأت فريسةً، انقضت عليها في علوها، ثم نزلت بها إلى الأرض، وما تعودت الصقور أن تأكل مما في الأرض، فهذا الصقر حينما تربى في صغره مع الدجاج، اكتسب طباع الدجاج، وهو أنه يأكل من الحب، أقول هذه القصة لإخواني الشباب، ولأبنائي الصغار الذين يسمعونها لكي يعرفوا كيف يتأثر الإنسان وهو لا يدري، إذا كان الحصان والصقر قد تأثر، وهو ليس له عقلٌ وفؤادٌ وقلبٌ يتأمل ويبصر به ويعقل به، فما بالكم بالإنسان لا شك أنه سوف يتأثر. إذاً فعلينا أن ننتبه فيمن نخالطهم، وأن ندقق فيمن نجالسهم حتى لا نقع فريسةً لتصرفاتهم وسلوكهم وعادتهم السيئة والخبيثة. أنتم تلاحظون الذين يجالسون العلماء، يحبون أن يلبسوا مثل لباسهم، يحبون أن يتهيئوا بمثل هيئاتهم، يحبون أن يجعلوا في مجالسهم مثل ما يجعل العلماء في مجالسهم، والذين يجالسون الفساق يحبون أن يقلدوهم في تكسرهم، أو في عباراتهم، أو في أسلوب حياتهم، أو في طريقة معاملاتهم، إذاً فالإنسان يسرق الطباع وهو لا يدري، الإنسان يسترق الأخلاق سيئها وخبيثها وعنيدها وطيبها وهو لا يدري كلٌ بحسب جليسه. إذاً -أيها الإخوة- ينبغي أن ننتبه لهذا الأمر انتباهاً مهماً. يقول عقبة بن دينار: رأيت ذات مرة غراباً وحمامةً يطيران من غصن شجرة إلى أخرى، ومن أعجب العجائب أن يطير الغراب إلى جانب الحمام، لا تشابه بينهما في الفصيلة، لا شك أن كلهم من فصيلة الطيور، لكن هذا من جهة الحمام، وهذا من جهة الغربان، فما علاقة هذا بهذا؟ قال: فتأملتهما، فإذا هو غراب أعرج وحمامة عرجاء قد جمع بينهما المشاكلة في الطباع. إذاً: فكل جليس يهوى من يجالسه في طباعه وأخلاقه، انظروا حتى البهائم، حتى الطيور، حتى العجماوات تتأثر باختلاطها، وتتأثر بأشكالها وأجناسها.

سبب تآلف الأرواح أو تنافرها

سبب تآلف الأرواح أو تنافرها إذاً فالإنسان من باب أولى أن يتأثر بمن يخالطه، فإذا تأملت رجلاً طيباً يصاحب طيبين مثله، فإنما هو من أجل هذه الطيبة، ومن أجل هذا الصلاح، ومن أجل هذا الدين، ومن أجل تلك الاستقامة التي يتمتعون بها، فجمعتهم في نظام واحد، وإذا تأملت بعضاً من الفاسقين، وجدتهم يجتمعون بأمورٍ جمعت بينهم إما في مجالسهم، أو في لهوهم، أو في لغطهم، أو في فسقهم والعياذ بالله، فجمعتهم هذه المجالس على ما عندهم من السوء والخبث وغير ذلك. ثم تأكدوا -أيها الإخوة- أن الإنسان كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأرواح جنودٌ مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) فأنت تعرف الإنسان بصلاحه، ودينه واستقامته، فينبلج صدرك له، وينشرح خاطرك في مجالسته، إن ذلك ائتلافٌ ألفه الله جل وعلا بين هذه الأرواح؛ لأنها تجتمع على أمرٍ بطاعة الله سبحانه وتعالى: (وما تناكر منها اختلف). أنا حينما أجد واحداً من هذه الوجوه الطيبة، ولو كنت لا أعرفه من ذي قبل، وأقابله هنا، أو هناك، أو في سوق، أو في أي مكان أسلم عليه، وأصافحه، وتنبلج أسارير وجهي من أجله ارتياحاً وائتلافاً وسروراً وانشراحاً؛ لأن هذه أرواحٌ متعارفة، ما الذي عرف بينها، وجمعها على معرفة واحدة؟ إنه الله سبحانه وتعالى، فهذه الأرواح تعارفت في الله، وتحابت في الله، واجتمعت لأجل الله سبحانه وتعالى، فكان حقها على الله أن يجمعها، وأن يؤلف بينها، وأن يجعل مجالسها مكتوبةً في صحف أصحابها، وتكون بإذن الله جل وعلا سبباً في تثقيل موازينها يوم القيامة، فانتبهوا لذلك أيها الإخوة، واحذروا من التهاون بالجلساء، فإن الإنسان يتأثر وهو لا يشعر، ثم إن الإنسان قد يقول: أنا أثق بنفسي، أنا أصلي، أنا أطيع والدي، لكني أخالط أناساً لا يصلون، ولا يطيعون والديهم، أو غير ذلك، لكني أنا واثق من نفسي لو أطبقت السماء على الأرض، ما أترك الصلاة، ولا أعصي والدي، ثقةً بنفسه يخالط الأشرار، وهو كما يقول القائل: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء رجل ربطناه، ثم رميناه في البحر، وقلنا له: انتبه لا تبتل ثيابك من الماء، فذلك كمن يجعل نفسه في وسط جلساء السوء، وفي مخالطة الأشرار والسيئين، ثم يقول: أنا لا أتأثر، سبحان الله! من ذا الذي لا يتأثر؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم وحده مع جملة الأنبياء. وبلوت أخبار الرجال فلم أجد رجلاً يؤثر دون أن يتأثرا إلا النبي محمداً فجعلته أملاً وسرت على هداه مكبرا هو الرسول صلى الله عليه وسلم كما يقول ابن عباس: [من كان مقتدياً، فعليه بصاحب هذا القبر -يعني: رسول الله- فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة من بعده] كل إنسان يتأثر، كل إنسان يفتتن، فما بالك أنت أيها الطيب، أيها الشاب الصالح، أيها الثمرة، أيها الغرسة التي لا زالت تتأثر بجميع المؤثرات والعوامل، ترمي بنفسك في جلساء السوء وتقول: أنا لا أتأثر، سبحان الله! هل أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ما من إنسان إلا وحوله من يؤثر عليه؛ زوجته إخوانه أصدقاؤه أقاربه جلساؤه، كلٌ لابد أن يتأثر بمن يجالسه. إذاً فلابد أن نجالس الطيبين، لابد أن نجالس الأخيار، لا بد أن نجالس الصالحين حتى نتأثر بفعالهم وطباعهم، ومن أجل ذلك كان العرب قديماً إذا نشأ الصبي فيهم يافعاً، ذهبوا به إلى البادية لكي يكتسب اللغة، ويكتسب طباع الشهامة والمروءة والشجاعة والفروسية والصدق في كل شيء؛ لأنهم يعرفون أنها لازالت تلك الأخلاق قديماً، أما الآن، فقد استوت الحاضرة مع البادية، آنذاك كانوا يرسلون الإنسان ليأخذ من هذه الطباع، فيتأثر الإنسان حينما يعود إليهم، ويجد الوالد ولده شاباً جلداً شهماً قوياً كريماً فروسياً شجاعاً بسبب مخالطاته آنذاك، أما الذي يقول: أنا أخالط ولا أتأثر، فهذا مسكين يضر نفسه وهو لا يشعر.

خطر القرين السوء

خطر القرين السوء رجل من الرجال، وكان مؤدباً حكيماً وجد ولده يخالط جلساءً سيئين، فقال: يا ولدي! لا تجالس هؤلاء، فإنهم يضرونك، إنهم يؤثرون عليك، إنهم يخبثون ذكرك وسمعتك بين الناس، قال: يا أبت! أنا لا أتأثر أبداً، إنما أضحك عليهم، ألهو معهم قليلاً، لكني لا أتأثر، قال: حسناً يا ولدي، وبعد أيام، قال له: اذهب -يا ولدي- إلى السوق، وائتنا بصندوق تفاح جيد نظيف جداً، فذهب الولد واشترى صندوقاً من التفاح، فجاء وكشفه أمام والده، وقال: ما ترى، هذا تفاح نظيف سليم مائة في المائة، خذ يا ولدي هذه التفاحة، وكانت تفاحة فيها فساد بسيط، ضعها في هذا الصندوق، وغطه كما كان، فأخذ الولد التفاحة وغطاه كما كان، بعد أيام نادى الوالد ولده: تعال -يا ولدي- ائتني بالصندوق، فجاء بالصندوق، قال: اكشفه، فلما كشفه، فإذ بالتفاح كله قد أصبح فاسداً، قال: انظر هذه تفاحة فاسدة أثرت على صندوق طيب، فما بالك بجملة فاسدين ألا يؤثرون على واحد طيب؟! بالعكس يفسدونه، ويخبثون طباعه، ويغيرون أخلاقه، ويجعلونه بدلاً من أن يكون باراً يجعلونه عاقاً، وبدلاً من أن يكون مؤمناً تقياً يجعلونه فاسقاً مجاهراً، وبدلاً من أن يكون ذا أخلاق طيبة ومعاملة حسنة يجعلونه شرس الأخلاق سيئ المعاملة. إذاًَ فالجلساء لهم أثرٌ عظيم، وإني أحذركم -أيها الشباب- من مجالسة من لا تعرفونه حينما ينصح الوالد ولده، حينما ينصحني أبي، أو كل منكم ينصحه والده، ويقول: يا بني اترك فلاناً، وعليك بفلان، اسمع هذه النصيحة، ولا تتردد في قبولها، فإنها نصيحة من مشفق؛ لأنه لابد وقد رأى خلقاً سيئاً ذميماً، فنهى ولده أن يختلط بأولئك خشيةً من هذا الخلق. منذ مدة وأنا أعرف هذه القصة بتفاصيلها إلى حد ما؛ شاب كان قريباً من حينا، كان عمره يقارب الثمان عشرة سنة، وأهله أسرة طيبة لا نستطيع أن نحكم عليهم إلا بكل خير، لكن هذا الشاب عنده ضعف في الشخصية، فيأتي من يحب أن يختلط به، فيسمح بهذا الاختلاط، فتجده يجالس هذا، ويجالس هذا، ويختلط بهذا، نصحه الناصحون من أهل الخير وأهل الدين والاستقامة، قالوا: ابتعد عن فلان وعلان وعلان، فلم يجد جدوى من نصيحتهم، ما هناك شيء جديد من هذه النصيحة، الذي حصل أن أولئك الجلساء قبض عليهم ذات يوم وهو معهم في جريمة مخدرات، حبوب -والعياذ بالله- وهو لا يدري هذا المسكين، لا يدري أنهم يحملون هذا المخدر في جيوبهم، أو في سياراتهم، أو في خبايا منازلهم، لا يدري أنهم يستعملون هذا الشيء، فقبض عليه من ضمن من قبض عليه، ونال جزاءه، وخرج بستر الله، لكن بعد ماذا؟ بعد أن شوهت سمعته، ولطخت سيرته، وقيل: فلان بن فلان آل فلان وجدوه مع شلة فاسدة معها مخدرات وحبوب وغير ذلك.

الحرص على مصاحبة العلماء والحكماء

الحرص على مصاحبة العلماء والحكماء إذاً ليس عجباً أن نحذر من جلساء السوء، ليس عجباً أن نحذر من الفساق، ليس عجباً أن ننصح باختيار الصديق الطيب الذي يعينك إذا تذكرت، ويذكرك إذا نسيت، وتجده دائماً صديقاً صدوقاً صادق الوعد منصفاً في معاملته معك، وفي معاملتك معه، هؤلاء هم الجلساء الذي ينبغي أن نختارهم، وينبغي أن نصحبهم، وإني أنصح نفسي وإياكم بمجالسة من هو أعلم منا، ومن هو أرفع منا، ومن هو أكبر شهامةً ورجولةً وكرامةً وعلماً بأخبار الأولين، وأخبار الرجال المتقدمين، وأهل السير؛ حتى نستفيد من طباعهم، ومن مجالستهم، ومن أسلوب حديثهم، إنك لتنظر الشاب في أول وهلة، فتعرف أن أباه شهماً كريماً، أو تعرف أنه من أسرة شهمة وكريمةٍ وذات رجولة، أو تعرف أنه قد تربى مع النساء والبنات، تعرف لأول نظرة حينما تسلم على الشاب، فتجده رجلاً جريئاً قوياً في الكلام مرحباً مهللاً بمن يقابله خلافاً لمن تجده خجلاً منكسراً لا يستطيع أن يرد أدنى الحديث متأثراً بمن جالس. إذاً فجالسوا الطيبين، جالسوا الأخيار، وأنتم ترون الإنسان حتى في فلتات اللسان تعرف من يجالس، العامي وهو العامي الذي لم يقرأ ولم يكتب، إذا جلست معه، تقول: هذا رجل يجالس العلماء، ولو تقول له: اكتب اسمك على الورقة، ما استطاع أن يكتب، لكن من حديثه تعرف أنه يجالس العلماء، والإنسان وقد يكون متعلماً حينما تتحدث معه، تقول: لا بأس هذا متعلم، لكنه كثيراً ما يجالس السفلة والغوغاء وسوقة الناس، كيف؟ نعرف ذلك من أسلوب حديثه ومن عباراته، لا يستطيع أن يأتي بالحديث على وجهه، ولا يستطيع أن يأتي بالكلام على متمه ومقاصده. إذاً فالإنسان يتأثر بمن يختلط به، وأنتم -يا شباب هذا المركز- أنتم -أيها الصغار- انتبهوا لأن الأولياء الذين معنا لم يبذلوا جهداً في التوجيه، لكني أحدث الشباب الصغار، وأخصهم بمزيد من النصيحة استفيدوا من المراكز، وخالطوا المدرسين، استفيدوا من الموجهين، من المشرفين: المشرف الثقافي، المشرف الاجتماعي، المشرف على المجال المعين، ولا تجعل جلوسك في المركز وخروجك سواء، أنت دخلت هذا المركز، ماذا استفدت؟ عندك سؤال، اذهب واسأل مدير المركز، اسأل رائد الأسرة، اسأل موجه الأسرة، في ذهنك شيء حتى ولو لم يكن متعلقاً بالمركز، اسأل؛ لأن الجرأة هي سبيل العلم. قيل لـ ابن عباس وهو ترجمان القرآن الذي مسح صلى الله عليه وسلم على رأسه وكان صغيراً، فقال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، يعني: علمه التفسير، قيل له: كيف نلت هذا العلم؟، قال: [بلسان سئول] لا أتردد، دائماً أسأل، فأنتم أيها الشباب لا يكون الواحد منكم يدخل المركز ويخرج وما استفاد شيئاً، اسأل تتعلم، اسأل عن أي شيء يخطر على بالك، ولو لم يكن أمام عينيك، اسأل، ناقش حتى تخرج بحصيلة علمية، وليس عجباً قد يكون هذا المدرس الذي سألته لا يملك الجواب، وكثيراً ما نسأل عن أشياء ولا نعرف الجواب عليها، لكن نبحث عنها في الكتب، نبحث عنها في المراجع، نطلب من الأستاذ أو الموجه، أو المشرف، نطلب منه أن يبحث عنها وأن يفيدنا، هذه حاجتنا إليكم أيها الشباب أن تشبوا، وأن تنشئوا على مستوىً من الجرأة، وعلى مستوىً من الفهم. وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه فتعودوا فعالاً طيبةً، وتشبهوا بالرجال الأوائل؛ بالصحابة بـ السلف الصالح بالقادة الفاتحين. فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه، وأسأل الله أن يعصمنا عن ما يسخطه، وأن يجنبنا ما يغضبه، وأن يوفقنا إلى ما يرضيه، وأشكر لإدارة المركز، وأشكر لأولياء الأمور هذا الحضور، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

مصاحبة شخص يظهر الطاعة ويبطن المعصية

مصاحبة شخص يظهر الطاعة ويبطن المعصية Q يقول: يا فضيلة الشيخ! أنت تقول: يجب مصاحبة الشخص الذي يذكر اسمه في المجالس بالخير، ولكن هذا الشخص يفعل الخير أمام الناس وخلفهم يفعل غير ذلك العمل، فهل أحب مصاحبة هذا الشخص، أفيدونا أفادكم الله؟ A أولاً: يا أخي! واجبك إذا علمت رجلاً كهذا أن تكون محباً ناصحاً، لا أن تكون حاسداً شامتاً؛ لأن النصيحة هي من حقوق المسلم على أخيه، وإنما يحكم على الناس بالصلاح والفساد مما يظهر لنا من أفعالهم، فمن أظهر لنا خيراً، عرفناه به، ودعونا له به، ومن أظهر خلاف ذلك، جانبناه وتركنا مجالسته، لكن إذا علمت وتيقنت يقيناً في رجل صفته كما ذكرت، فعليك أن تنصحه نصيحةً طيبةً لعل الله أن يهديه على يديك، ومن ثم فالدنيا مليئة بالجلساء والطيبين والصالحين وطلبة العلم والأخيار، فلم تضق الدنيا بأهلها حتى لا تجالس إلا هذا، وإن كان واجبك نصيحته، وواجبك إسداء النصح والمعروف إليه بأسلوب المحب، بأسلوب الداعية الناصح اللطيف، وليس بأسلوب المتشمت المشهر، والله أعلم.

أصاحب قرناء سوء منذ مدة ولم أتأثر بهم

أصاحب قرناء سوء منذ مدة ولم أتأثر بهم Q أنا شاب في العشرين من عمري، ومنذ خمس سنوات وحتى هذا الوقت أجلس مع أصدقاء يلعبون الورق، ولا يحافظون على الصلاة، ويشربون الدخان، ولكني -ولله الحمد- أحافظ على الصلاة في وقتها، وبارٌ بوالدي، وأؤدي معهم كل واجب علي في الإسلام، ولكني أجلس معهم فقط مجرد جلوس؛ لأنه لا يوجد لدي أصدقاء غير هؤلاء؟ A أخي السائل! أقول: ثبتك الله على استقامتك ودينك وصلاحك، ولكن أقول لك كما قال الشاعر: لما رأت أختها بالأمس قد خربت صار الخراب لها أعدى من الجرب يقول العوام: (من بار الأجرب على الحول يجرب) لاشك أنك ستتأثر، السنة الأولى طيب ومطيع لوالديك، لكن السنة الآتية تقل صلاتك، وتقل طاعة والديك فتتأثر قليلاً قليلاً حتى تصبح-والعياذ بالله- من عداد الفاسدين، لا تخالط الأشرار ثقةً بنفسك أبداً، إنما ثق بالله واسأله الثبات، وخالط الأخيار الذين يعينونك كما قال الله سبحانه وتعالى لنبيه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28]. لما طمع صلى الله عليه وسلم في إسلام صناديد قريش لـ أبي جهل، الوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط وكبار القبائل في قريش، طمع صلى الله عليه وسلم فيهم وفي إسلامهم، وكأنه انشغل قليلاً عن بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي، وغيرهم أنزل الله عليه قوله وهو رسول الله المعصوم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28]. الزم هؤلاء، جالسهم، خالطهم، تأثر بهم واستفد منهم أيها الشاب، ينبغي أن تتأثر بالطيبين الصالحين؛ لأنك لا شك سوف تتأثر إذا علمت أن الإنسان قد يختم له بخاتمة السوء -والعياذ بالله- بسبب المجالسة السيئة، فـ أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم كان بالإمكان -وقد جرى القلم فيما جرى به، وكتب في اللوح ما كتب فيه- كان بالإمكان أن يموت على ملة إبراهيم على دين الإسلام، لكن جلساؤه وما سبق له من الخاتمة -والعياذ بالله- لما أن جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول يعرف معروف عمه أبي طالب عليه؛ لأنه حماه ورحمه ورأف به مما يفعل به المشركون أعداء الدعوة، فكان أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم من واجبه أن يدعو عمه، فجاء إلى عمه -وقد كان مريضاً مرض الموت- قال: (يا عم! كلمة واحدة أحاج لك بها عند الله، قل: لا إله إلا الله) فقال الصناديد الكبار من قريش: أتترك دين الآباء والأجداد يا أبا طالب؟! ورسول الله يترجاه، ويتمناه، ويدعوه (يا عم! كلمة واحدة أحاج لك بها عند الله، قل: لا إله إلا الله)، وهم يقولون: أتترك دين الآباء والأجداد يا أبا طالب؟! حتى فاضت روحه، وقال قبل أن يموت: هو على ملة عبد المطلب، يعني: أبو طالب قال عن نفسه أنه مات على ملة عبد المطلب، ملة الأصنام والأوثان عياذاً بالله، فهذا هو أثر الجلساء، والجلساء لهم خطر عظيم. ثم يا أخي! لو فرضنا وسلمنا تسليماً جازماً أنك لن تتأثر بهؤلاء الذين يشربون الدخان، ويتهاونون في الصلاة، وقتك أين يذهب؟ ألست مسئولاً أمام الله عن وقتك: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه) شبابٌ فيما أبليته، وعمرٌ فيما أفنيته، ماذا تقول عند ربك حينما يسألك ويسائلك؟، تقول: يا رب! جلست معهم وهم يلعبون الورق، تقول: يا رب! جلست معهم وهم يدخنون، هذا جواب! هل يسرك أن تلقى الله بعمل كهذا؟! هل يسرك أن تموت وأنت على صحبة المدخنين والفساق؟! أسأل الله لي ولهم الهداية؛ لأن من كان مصراً على المعصية لاشك أنه فاسق، لكن من ارتكبها وهو يريد التوبة، أو عزم على التوبة، فنسأل الله لنا وله الهداية، الوقت أثمن من ذلك كله، ومن أنت حتى لا تتأثر؟ كما قلنا آنفا: من هو الذي لا يتأثر؟، إذاً فلابد أن تنتبه، ثم أيضاً ما هي النتيجة؟ اعرض عقلك، ناقش نفسك حينما تأوي إلى الفراش، اجلس يوماً مع العلماء والرجال حتى إذا لم تجد من العلماء من تجلس معه، اجلس مع كبار السن من الرجال أهل الشهامة والمروءة، فتجد أنك قد تعلمت منهم أحاديث فيها عبر، وتعلمت منهم طباعاً حميدةً يحمدك الناس بها، وليس الحمد هو المقصود، لكن تبدو في فعالك ومعاملاتك، لكن اجلس مع هؤلاء، أقل الأحوال تأوي إلى فراشك وثيابك كلها رائحة دخان، أقل الأحوال تعود إلى بيتك وأولادك قد ألفوا منك رائحة الدخان، فمادام والدهم يجالس الذين يدخنون، فنحن -الأولاد- من باب أولى نجالس المدخنين، لأن والدنا يجالسهم، ثم بعد ذلك إذا لم تتأثر أنت، أولادك يتأثرون، مادام أنك لا ترفع نفسك عن مستوى أولئك، وتجعلهم يدخلون في بيتك، ويشربون الدخان في دارك وأولادك ينظرون، فلا غرابة أن يذهب أحد أولادك ويجلس في بيوت الذين يدخنون، ويجلس في بيوت الذين يلهون، والأمر في النهاية مضرة عليك، وعلى أولادك، وهذا سؤالٌ وجيه جداً، وأسأل الله أن تكون الإجابة شافية. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الحج المبرور

الحج المبرور لقد أوجب الله على عباده حج بيته الحرام مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلا، وجعل ذلك سبباً لطهارة القلوب ومغفرة الذنوب، ونيل النعيم في دار الخلود، وفي هذه المادة تعيشون مع فضل الحج المبرور، والتحذير من التهاون بالحج وتأخيره، ثم آداب وواجبات ينبغي الأخذ بها لمن عزم على الحج.

فضل الحج المبرور

فضل الحج المبرور إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن الله جل وعلا قد أنعم عليكم بنعمة الإسلام، وفضلكم على كثير من الأمم تفضيلاً، وشرع لكم في أركان دينكم حج بيته العظيم الذي جعله مثابةً للناس وأمناً، وأوجب على عباده المسلمين حج بيته الحرام مرةً واحدةً في العمر، وجعل ذلك سبباً لطهارة القلوب ومغفرة الذنوب، ففي الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) من سره أن يقدم عملاً يكون سبباً لتكفير الذنوب ونيل دار الخلود والنعيم، فليبادر إلى حج بيت الله الحرام. وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) بل لقد عدَّه صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال حينما سئل: (أي العمل أفضل؟ فقال: إيمانٌ بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور) ومن عظيم رحمة الرب الكريم بعباده أن فرض الحج على العباد مرة واحدة، وما زاد فهو قربة وتطوع، ولم يجعل فرض الحج دائماً في كل عام، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج، فحجوا، فقال رجل -وفي رواية: أنه الأقرع بن حابس -: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم، لوجبت ولما استطعتم، الحج مرة، فمن زاد فهو تطوع) رواه أحمد والنسائي.

التحذير من التهاون وتأخير الحج

التحذير من التهاون وتأخير الحج عباد الله: إن من الأمور الداعية إلى العجب والدهشة والغرابة ما يقع فيه كثير من المسلمين -وبالأخص بعض شباب المسلمين- من تأجيلهم الحج سنة بعد أخرى، وهم في أمنٍ، قد ملكوا الزاد والراحلة، والكثير منهم مقيم قريب من بيت الله الحرام، والأسوأ من ذلك أن ترى بعضهم قد زار بلاد الشرق والغرب من دول أوروبا وأمريكا، وأنفق فيها أموالاً طائلةً، وأوقاتاً طويلةً، ومع ذلك لم يحج فرضه، ولم يقم بالعبادة الجليلة الواجبة، تلك العبادة التي لا تحتاج إلى وقتٍ طويل، أو أموال طائلة، فالحذر الحذر يا شباب المسلمين من هذا التساهل. أما يخاف أولئك الذين يؤجلون الحج ويسوفونه؟ أما يخشون أن تصرعهم المنايا، أو تخطفهم سهام المنون وهم بين أظهر الكفار غافلين عن أداء فرض الله؟ أما يخافون المروق من الدين بنص وعيد المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: (من ملك زاداً وراحلةً تبلغه إلى بيت الله ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً) رواه الترمذي. يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فينظروا كل من له جدة ولم يحج، فيضربوا عليهم الفدية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين]. فبادروا بالحج وتعجلوا يا من لم تقضوا فرضكم، ومن حج وابتغى التقرب في الزيادة، فليجتهد في حسن الأداء, والبشارة له بعد ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد، والحج المبرور ليس له ثوابٌ إلا الجنة) فمن استطاع الحج بوجود الزاد والراحلة، فليبادر وليتعجل إذا كان حراً بالغاً عاقلاً، والمرأة كذلك إذا وجدت محرماً زوجاً كان أو من تحرم عليه على التأبيد بسبب نسب فليبادر كلٌ بقضاء فرضه، واحرصوا على قضاء المرأة فرضها، وليحرص من هي في ذمته على ذلك، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

الحج عن الغير

الحج عن الغير معاشر المؤمنين: اعلموا أنه لا يجوز لأحدٍ أن يحج عن غيره قبل أن يحج حجة الإسلام عن نفسه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً بالحج يقول: لبيك عن شبرمة، فقال صلى الله عليه وسلم: ومن شبرمة؟ فقال: أخٌ لي، أو قريب، فقال صلى الله عليه وسلم: حججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة) رواه أبو داود وابن ماجة. ومن عجز عن أداء فريضة الحج لكبرٍ أو مرضٍ لا يرجى برؤه، لزمه إقامة من ينوب عنه لأداء فرضه، ففي الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سألته امرأةٌ من خثعم، قالت: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم). وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، قال: (جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه، أفأحج عنه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أنت أكبر ولده؟ قال: نعم، قال: فاحجج عنه) رواه الإمام أحمد. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

آداب وواجبات لمن عزم على الحج

آداب وواجبات لمن عزم على الحج الحمد لله منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، وهازم الأحزاب، وخالق الخلق من تراب، لا إله إلا هو عليه توكلنا وإليه المناب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. معاشر المؤمنين: ينبغي لمن جمع الهمة والقصد لحج بيت الله الحرام أن يراعي آداباً وواجبات في سفره لهذه العبادة الجليلة.

التوبة الصادقة النصوح

التوبة الصادقة النصوح أول ما ينبغي لمن أراد الحج أن يبادر بالتوبة الصادقة النصوح من كل المعاصي والمحرمات، وأن يجتهد بإبراء ذمته من مظالم الخلق وحقوقهم عليه.

أن يكون المال حلالا

أن يكون المال حلالاً وتذكروا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكر فيه: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب! يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له!!). أنى يستجاب لمن تزود لهذه الطاعة من مال حرام؟! أو تزود لها من مال فيه ربا، أو مال فيه خيانة حتى ناله وجلبه على نفسه؟! فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أنها عبادة جليلة لابد لها من زاد نقي طيب، والله لا يقبل إلا الطيب، في يوم عرفة آنذاك نظر أحد الصحابة إلى الحاج، قال: [إن الراكب كثير، فقال ابن عمر: ولكن الحاج قليل] فاعجبوا يا عباد الله من هذه الجموع العظيمة. نسأل الله ألا يردها خائبة، وأن يكتب لنا حجاًً مع الحاجين، وفضلاً مع أصحاب الثواب والنعيم.

الإكثار من النفقة لمواساة المحتاجين

الإكثار من النفقة لمواساة المحتاجين معاشر المؤمنين: كما ينبغي لمن أراد الحج أن يكثر من النفقة والزاد، ليواسي المحتاجين منه، وقبل ذلك كله أن تكون النفقة -كما قلنا- من مالٍ حلال لم تكدره الشوائب من المحرمات والشبهات. إذا حججت بمالٍ أصله سحتٌ فما حججت ولكن حجت العير وليكن المسلم طيب النفس بما أنفق؛ ليكون أقرب إلى القبول والإجابة.

تعلم كيفية الحج

تعلم كيفية الحج كما يجب على المسلم أن يتعلم كيفية الحج، وليحذر من قول الكثير: سأحج مع جماعة وما سيفعلونه أفعله، إذ إن هذا دليل الجهل والإصرار عليه، بل والواجب على المسلم أن يتعلم كيفية أداء النسك، وعليه أن يتعلم كيفية أداء العبادة التي يؤديها، لا أن يفعلها تقليداً كما يفعلها غيره، ومن الجميل المناسب أن يصحب الحاج معه كتيباً جامعاً لأحكام المناسك، وأن يديم مطالعته ومدارسته مع غيره ليتفقه في أحكام الحج، واعلموا أن الكتب في هذا الموضوع كثيرة، والكتاب الذي ننصح به أنفسنا وإخواننا هو كتاب التحقيق والإيضاح لمسائل الحج والعمرة على ضوء الكتاب والسنة لسماحة مفتي هذه البلاد وشيخها/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أطال الله بقاءه، ومتعه بالصحة والعافية، ونفع به الإسلام والمسلمين.

الاجتهاد في تحصيل الرفقة الصالحة

الاجتهاد في تحصيل الرفقة الصالحة ينبغي لمن عزم على الحج أن يجتهد في تحصيل الرفقة الصالحة الرائدة للخير، المتمسكة بأحكام الشريعة؛ لتكون عوناً له على أداء النسك، وإن تيسر الحج في رفقة فيهم العلماء، أو طلبة العلم المدركون لأحكام الحج فيا حبذا ذلك؛ لأجل التواصي بالحق وحفظ آداب المناسك، والبعد عما يطرأ على المسافرين من مساوئ الأخلاق والتساهل في أمور الدين، وعلى الحاج مع رفقته أن يحرص على خدمتهم، وأن يحرص على رضاهم، وأن يتحمل عنهم شيئاً من المشقة، لا كما يفعله بعض ضعاف النفوس إذا ذهبوا مع رفقة، كانوا الجالسين وغيرهم يخدمونهم، وكم من رفقة تفرقت وعادت بالشحناء والعداوة من بينها من جراء أنانية بعضهم، والأثرة وحب الزاد. عباد الله: الحذر الحذر من مصاحبة الجهال والسفهاء، والعصاة المصرين الحذر الحذر من مصاحبتهم في سفر الحج، فإن هؤلاء لا يسلم من خالطهم في الغالب من الإثم واللغو في الحج.

الإخلاص لله تعالى

الإخلاص لله تعالى أما الأمر المهم في هذه الفريضة لمن أراد أن يؤدي فرضه ورغب التزود والنافلة، فهو النية الصادقة الخالصة، إن من الناس من يحج ليسمى حاجاً، إذا عاد إلى بلاده، فلا ينادى إلا بها، ومنهم من يسافر ويفاخر بحجاته، وإذا جلس في مجلس قال: حججت ست عشرة حجة، أو ثماني عشرة حجة، وبعضهم إذا تكلم غيره، قال: أنا أكثر منك في حجاتي، فمن كانت هذه حاله، فهو على خطر عظيم في حبوط العمل وسقوطه في الرياء عياذاً بالله من ذلك. أيها المسلم: احرص على التزود من فعل الخيرات، والمحافظة على الواجبات، فإن ذلك من أعظم القربات، وما زاد عن الفريضة فهو نافلة، فلا يضيع الواجب بالنافلة. اتقوا الله في أداء ما فرضه عليكم، وتقربوا إليه بذلك، ولا تطلبوا بذلك سوى وجه الله. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يأتي على الناس زمان يحج أمتي نزهة، وأوساطهم للتجارة، وقراؤهم للرياء والسمعة، وفقراؤهم للمسألة) نعوذ بالله من حال أولئك أجمعين.

الابتعاد عن المعاصي والمنكرات

الابتعاد عن المعاصي والمنكرات معاشر المؤمنين: إن بعض الحجاج-منَّ الله علينا وعليهم بالهداية- إذا عزموا على الحج كأنهم عازمون على سفر ترفيهي، بل وإن الكثير منهم من يعمد إلى ما يعصي الله به، ليذهب به إلى المشاعر وليتنقل به بين المناسك، كثير منهم يأخذ معه تلفازاً، وكأن المكان ليس لذكر الله والاستغفار والتوبة والإنابة، وكثير منهم يريد أن يقضي ليالي التشريق حتى ينتهي من هذا الموسم ويعود، وهذا جهل عظيم، بل إنه قد يظن أنه ذاهب إلى عبادة جليلة، فيعود بأوزار مضاعفة، لأنه لم يحترم حرمة الزمان والمكان الذي هو فيه. بعضهم يذهب بالتلفاز معه إلى هناك، ولا يتورع أن يرى كل ما يعرض فيه، وبعضهم تسمع الأغاني في خيمته، وبعضهم تشم رائحة الدخان من مكانه، وكثير منهم ترى الكاميرا قد علقها على صدره يأخذ لهؤلاء صورة للذكرى هنا، وصورة للذكرى هناك، وصورة عند هذا المكان، وصورة عند غيره، متى كان الحج ذكريات في الصور والمنكرات والملاهي؟ يا عباد الله: ينبغي لمن عزم على الحج أن يكون حريصاً على خلو حجه من المنكرات والمخالفات، ومن غلب على ظنه أنه سيقع في كثير من التساهل والتجاوز إما بسبب ضعف نفسه، أو بسبب رفقة هو يخالطها، فالأولى له أن يتصدق بنفقة حجه، ولا حج حجاً هذه حاله! لأن الله جل وعلا طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، ولا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً، فلا تختلط الأعمال الصالحة بالمعاصي والمنكرات.

فضل عشر ذي الحجة

فضل عشر ذي الحجة معاشر المؤمنين: يومان أو ثلاثة ويحل عليكم شهر ذي الحجة، أسأل الله أن يهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، فينبغي -يا معاشر المؤمنين- لنا أن نعرف قدر هذه الأيام الفضيلة التي أقسم الله بلياليها بقوله: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1 - 2] وعظم الأجر ومضاعفته للعاملين فيها، ينبغي لنا أن نجتهد، ونحرص على الأعمال الصالحة. روى الإمام أحمد، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتكبير والتحميد). وروى البخاري في صحيحه، عن ابن عمر وأبي هريرة (أنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما) وهذا الحديث نصٌ صريحٌ في وجوب إحياء هذه السنة سنة التكبير المطلق أيام العشر، وإننا نكاد لا نسمعها إلا قليلاً، فينبغي لنا أن نضج بها في أسواقنا ومجالسنا ومساجدنا ومنتدياتنا، وفي كل مكان ينبغي أن نظهر الشعور بحرمة هذه الأيام، وأن نظهر الشعور بعظيم فضلها وجليل قدرها، فإذا داومنا على هذا التكبير، وجعلناه دائماً على ألسنتنا، فإن ذلك مما يعظم الشعور بهذه الأيام في نفوسنا ونفوس غيرنا. عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أيامٍ العمل الصالح أحب إلى الله فيها من هذه الأيام -أي: أيام العشر- قال ابن عباس: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بماله ونفسه، ولم يرجع من ذلك بشيء) فانظروا عظم العمل في هذه الأيام، واستغلوها بما استطعتم من الصيام وتلاوة كتاب الله، وخصوها بمزيد من الطاعة. أيها الإخوة: إذا أهل شهر ذي الحجة كره لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً حتى يذبح أضحيته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي). عباد الله: اتقوا الله في هذه الأيام الفاضلة خاصة، وفي غيرها من أيام أعمالكم عامة، وأسأل الله جل وعلا أن يكتب لنا حجاً مع الحاجين، وأن يتقبل منا أعمالنا أجمعين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم من أراد بيتك وحرمك وضيوفك القاصدين بيتك بسوء فأشغله في نفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك يا جبار السماوات والأرض، إنهم لا يعجزونك. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين وارزقه البطانة الصالحة، وقرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وجنبه بطانة السوء، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم لا تدع لأحدٍ منا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مكسوراً إلا جبرته، ولا غائباً إلا رددته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضاً ولنا فيها صلاح، إلا قضيتها وأعنتنا على قضائها يا رب العالمين! اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية، ومن كل فاحشة سداً، ومن كل فتنةٍ عصمة. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك. اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم سدد رصاصهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد صفوفهم، اللهم ثبت الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم ارزقهم العلم النافع والعمل الصالح وإيانا برحمتك يا رب العالمين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمدٍ، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

من حقوق الجار

من حقوق الجار منزلة الجار في الإسلام عظيمة، دلت على ذلك آيات القرآن وأحاديث السنة، لكن الواقع المعاش يشهد علاقات سيئة بين الجيران، فكان لابد من التحذير منها، مع ذكر ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون من حسن معاملة ومعاشرة، وآداب وحقوق للجار.

حقوق الجار المسلم

حقوق الجار المسلم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: يقول الله عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36] الجار ذو القربى هو ما اقترب داره من دارك، والجار الجنب هو: الجار البعيد، والصاحب بالجنب هو: رفيقك في سفر أو مهنة أو علم أو عمل أو وظيفة، فكل أولئك قد وصى الله جل وعلا بهم، ونوه بحقهم وذكرهم صريحاً في كتابه، وعطفهم على عبادته، والأمر بتوحيده وعدم الإشراك به، والحث على بر الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين، وما ذاك إلا لعظم شأن الجار، وما ذاك إلا لعظم منزلته ومكانته. معاشر المؤمنين: إن كثيراً من الناس يجهلون حقوق الجوار، إن كثيراً من الناس لا يعرفون من الحقوق إلا أدناها وأيسرها، وما علموا أن حقوق المسلم على أخيه المسلم متعددة ومتنوعة ومختلفة المراتب، بحسب حال المرء من جاره، فإن كان جاراً مسلماً فله حقوق الإسلام وله حقوق الجوار، وإن كان جاراً ذا رحم فله حقوق الإسلام والرحم والجوار. إذاً فما بال بعض الذين لا يدركون لهذه الحقوق أمرها، ولا يعرفون لها قيمتها؟ أيجهلون حقوق الجوار أم هم في غفلة من النصوص المتعددة من الآيات والأحاديث في هذا الباب؟ وما دام الجار مسلماً فله حقوق المسلم، ألا وهي التي جاءت في الحديث الصحيح الذي يرويه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم ست: إذا استنصحك فانصحه) إذا طلب منك النصيحة؛ فواجب عليك أن تخلص وأن تمحض النصح له. (وإذا لقيته فسلم عليه، وإذا عطس فحمد الله فشمته) وإذا دعاك إلى وليمة أو مأدبة طعامٍ، وغلب على ظنك ألا يكون في هذا المقام منكر، أو ورد بخاطرك أن سيكون هناك منكر ولكن غلب على ظنك أنك تستطيع تغييره وإنكاره؛ فواجبٌ عليك إجابة هذه الدعوة (وإذا دعاك فأجبه، وإذا مرض فعده). والعيادة هي الزيارة، وكثيرٌ منا يفقد جاره أياماً وليالي وشهوراً عديدة، ثم إذا لقيه تذكر أن له جاراً قد افتقد وجهه، أين أنت منذ زمن، بل لم لا تتفقد جارك؟ وقد يكون ذلك المرء معذوراً؛ لأن ذلك الجار الذي غاب وجهه عن المكان أو الحي أو الجوار، من الذين لا يشهدون المسجد ولا يشهدون الصلاة مع المسلمين، فلا غرو أن ينسى، ومن ضيع حق الله في العبادة؛ فلا يعجب إن ضيع الناس حقوقه في الجوار. (وإذا مات فاتبع جنازته) هذا آخر حقٍ من حقوق المسلم على أخيه، إذ أن بعده لن تستطيع أن تقدم شيئاً أو تؤخر، فينبغي لكل مسلم إذا علم بوفاة جارٍ ولو بعيد، أن يبادر ما استطاع إلى اتباع جنازته، وشهود الصلاة عليه؛ لأنه لن يستطيع أن يقدم حقاً من حقوقه بعد ذلك.

عظم حق الجار في الإسلام

عظم حق الجار في الإسلام معاشر المؤمنين: هذه حقوق أي مسلم على مسلم، فكيف الأمر إذا كان له جوار، فكيف الأمر إذا كان له مكانة ومنزلة، قد اعتنى بها جبريل عليه السلام، وما زال يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجار حتى قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما، قال صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه. وأي شيء أعظم من هذه الوصية، التي بلغت في نفس النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل سيأتي يوماً من الأيام ويقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن الجار سيرث جاره من كثرة ما يوصي جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم بحقوقه. حديثٌ متفق عليه. فأي شيء أعظم من هذا؟! إن الإنسان من العصبة قد لا يرث، وإن الإنسان من ذوي الأرحام قد لا يرث، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه) أي شيء أبلغ وأعظم من هذا ما دام قد وصل الأمر بوصيته، والحث على أداء حقوقه إلى درجة ظن النبي صلى الله عليه وسلم نزول وحي في توريث الجار من جاره. إذاً فالجار له حق عظيم قد يقارب حقوق الأقارب، وحقوق ذوي الرحم، وحقوق غيرهم.

حرمة إيذاء الجار

حرمة إيذاء الجار جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه. والبوائق: جمع بائقة، وتدخل في معنى الجائحة والضرر والمصيبة والأذى، فأي شيء أعظم من نفي الإيمان عن جارٍ يخشى جاره أن يدركه الضرر أو يلحقه الأذى بسبب جواره، وأي بلاء وأي مصيبة أعظم من نفي الإيمان عن جارٍ لا يأمن جاره بوائقه؟! وما أكثر الجيران في هذا الزمان الذين لا تؤمن بوائقهم، وأقول لكم وهي علامة متميزة واضحة: إن جارك الذي لا تطمئن له، ولا تأمن بائقته لو فتشت حقيقة الأمر؛ لوجدته من الذين لا يؤدون حقوق الله جل وعلا، فمن ضيع حقوق الله، فلا غرابة أن يضيع ويتهاون ويتساهل بحقوق غيره من الجيران وغيرهم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه). وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره) إذاً فكف الأذى عن الجار دليل وعلامةٌ من علامات الإيمان بالله جل وعلا، الذي أوصى بالجار نصاً وصراحةً، والذي جعل حقوق الجار والقيام بها من تمام الإيمان به، حيث قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيراً أو ليسكت). فما بالكم بجارٍ يؤذي جاره، ولا يكف الكلام والأذى عنه، بل لا يسلم منه، وكثيراً ما يقع في عرضه وفي شتيمته وفي سبابه، نسأل الله جل وعلا أن يعيذنا وإياكم من جار السوء. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. فاعلموا يا معاشر الأحباب! أن الفضيلة والكرامة والفضل والبر والمعروف، أن يقدم الإنسان الخير والفضل والإحسان إلى جاره، فإن لم يكن؛ فلا أقل من أن يسلم من شره، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من جار السوء، ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دارٍ مقامة) جار المقام والبقاء هو جار أمامك وفي وجهك، صباحاً ومساءً، وليلاً ونهاراً، أنت تخرج وهو بالقرب من زوجتك، وهو بالقرب من أطفالك، وهو بالقرب من أموالك، وهو بالقرب من أهل بيتك، فما حالك في جارٍ لا تأمنه على نفسك وذريتك وأهلك؟ فما حالك في جارٍ تخشى على أهلك حين تغادر بيتك منه؟ إذاً فهو من الذين لا يطمئن لهم وهو الذي قال فيهم صلى الله عليه وسلم في الحديث: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يؤمن جاره بوائقه) (جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره، فقال له: اذهب فاصبر -وفي هذا حثٌ على الصبر على أذى الجار- فأتاه مرةً أخرى فقال: اذهب واصبر. حتى جاءه في الثالثة يشتكي أذى جاره، فقال صلى الله عليه وسلم: اذهب فاطرح متاعك في الطريق -القِ متاعك في قارعة الطريق- ففعل، فجعل الناس يمرون ويسألونه: ما بالك؟ ما الذي أصابك؟ لم تجعل متاعك في قارعة الطريق؟ فيخبرهم خبر جاره يقول: إن جاري يؤذيني، فجعل الناس يلعنونه، وبعضهم يدعو عليه، فجاء جاره إليه، فقال: ارجع متاعك إلى بيتك، فإنك لن ترى شيئاً تكرهه مني أبداً). أراد بذلك صلى الله عليه وسلم أن يبين أن الناس تلعن وتبغض وتدعو على من يؤذي جاره، بهذه الواقعة التي بلغ من أذى الجار فيها ما بلغ حتى جاء يشتكي إلى رسول الله مراراً، ووجهه إلى أن يلقي متاعه على قارعة الطريق؛ حتى يرى الناس هذا الأذى، ولكي يرى جار السوء ذلك، ولكي يرى أن الناس يدعون عليه، ويمقتون فعله هذا. فاستخدم مثل هذه الطريقة لكي يبين خطر وعظم وسوء الجوار، وفي الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: (جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! فلانةٌ تصوم النهار وتقوم الليل، وتتصدق بالأتوار من الأقط، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال صلى الله عليه وسلم: هي في النار) انظروا إلى عظم سوء الجوار، كيف محق بركة الأعمال من قيام الليل وصيام النهار والصدقات، وجعل ذلك لا ينفعها بما كسبت وجنت يداها من سوء الجوار، وروي عنه صلى الله عليه وسلم: (من أغلق بابه دون جاره خوفاً على أهله وماله، فليس ذلك بمؤمن، وليس بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه، أتدري ما حق الجار؟ إذا استعانك فأعنه، وإذا استقرضك فأقرضه، وإذا افتقر عدت عليه بالمال، وإذا مرض عدته، وإذا أصابه خيراً هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، إلى أن قال صلى الله عليه وسلم: لن يؤدي حق الجار إلا قليلاً ممن رحم الله) أين الذين يقومون بحقوق الجار في هذا الزمان؟

وقفة محاسبة مع حقوق الجار

وقفة محاسبة مع حقوق الجار إنك قد تشكو من جارك، وجارك قد يشكو منك؛ لأنك جار وهو جار، فلنقلب النظر في معاملاتنا وفي جوارنا وفي تصرفاتنا مع من حولنا، ولنجعل أنفسنا مقامهم حينما نريد أن نفعل فعلاً، أو نتصرف تصرفاً، فلنجعل أنفسنا مكان ذلك الجار، هل ترضى لنفسك ذلك الفعل؟ إذا لم ترض هذا الفعل؛ فإن الناس لا يرضونه لأنفسهم، إذا لم ترض الإساءة؛ فإن الناس لا يرضونها، إذا لم ترض الأذى؛ فإن الناس لا يرضونه. فاتقوا الله معاشر المؤمنين في حقوق الجوار، واجعلوا لأنفسكم ذكراً وسلفاً ويداً صالحةً بعد فراقكم من الدنيا، حيث إذا فارق الإنسان هذه الدنيا ترحم عليه جاره، وذكره بخيرٍ في كل مجلس، وإذا سمع بجار سوء قال: رحم الله فلان، لقد جاورنا وفارق الدنيا، والله ما أزعج خاطرنا بشيء. هذه هي أعظم صدقةٍ يفعلها الإنسان لنفسه بحسن جواره، أن يجعل من سيرته مع جيرانه سبباً للدعاء له، وأن يجعل من سيرته مع إخوانه سبباً لكثرة الثناء عليه، وفي الحديث أنه: (مرت جنازةٌ، فأثنى الناس عليها خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت. ثم مرت جنازة، فذكروا عنها شراً، فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت. فعجب الصحابة من هذا القول! قالوا: يا رسول الله! مرت الأولى وقلت: وجبت. قال: نعم، وجبت لها الجنة، قالوا: يا رسول الله! مرت الثانية وقلت: وجبت. قال: نعم. وجبت لها النار، ذكرتم الأولى بخيرٍ فوجبت لها الجنة، وذكرتم عن الثانية شراً وسوءاً فوجبت لها النار، أنتم شهود الله في أرضه) فاجعلوا لأنفسكم ذكراً عاطراً، وصدقة جارية بالثناء والدعاء لكم بعد فراقكم من هذه الدنيا، بعد أعمارٍ طويلة وعملٍ صالح. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لك ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

من آداب الجوار

من آداب الجوار الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد على إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن الند، وعن المثيل وعن النظير وعن الشريك، ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، كل ذلك تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، والزموها، وصلوا معها، وأحسنوا الصحبة والجوار لجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: الآيات والأحاديث كثيرة في حقوق المسلم على أخيه، وحقوق الجار على جاره، ولا يسع المقام لذكرها تفصيلاً، ولكن حسبكم ما سمعتم من الطرف الذي ذكرناه آنفاً، ولكن نواصل في ذكر بعض الآداب المتعلقة بالجار والجوار، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا طبخ لحماً في بيته قال لـ نافع: [أكثر مرقه واهد إلى جيراننا] وجاء في الأثر: أنه لا ينبغي لجارٍ أن يدخل بطعامٍ ومتاع وجاره أو أبناء جاره ينظرون، إلا أن يعطيهم مما أدخل بيته؛ خشيةً من أن يكسر ذلك خاطره أو خاطر أبنائه، إلا أن يكون لا يكفيه؛ فيدخله في بيته سراً. انظروا إلى عظم ودقة شأن وحساسية الشعور بالجار، ألا تكدر خاطره بشيءٍ يراه عندك وهو محرومٍ منه، إلا أن تعطيه، إلا أن تعود عليه بفضل ما آتاك الله، إلا أن تتصدق عليه، إلا أن تقدم له الفضل والبر والمعروف، فأين الناس في هذا الزمان من هذه الحقوق، ولقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم أن طُبِخَ في بيته لحمٌ قال: (أهديتم لجارنا اليهودي) جارٌ يهودي، وفعله صلى الله عليه وسلم قد يكون من باب الدعوة، ومن باب السياسة الشرعية، ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك لم يقصر هذه الحقوق، بل تعداها إلى الجار اليهودي طمعاً في إسلامه. ويوم أن افتقد الشوك والأذى من طريقه، وهو يعلم أن جاره اليهودي هو الذي يجعل هذا الأذى والشوك في طريقه؛ ذهب وعاده في بيته، قال: (أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعودني؟! قال: نعم. قال: كيف علمت بمرضي؟ قال: فقدت الشوك والأذى، قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله). فالصبر على أذى الجار، والنصيحة له، وبذل المعروف والإحسان إليه؛ قد يكون سبباً لهدايته من الكفر إلى الإسلام، ومن الفسق والعصيان إلى الاستقامة والرشاد. ذكروا أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله كان له جارٌ يشرب الخمر كل ليلة، فإذا سكر هذى وأخذ يغني: أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليومٍ كريهة وسداد ثغرِ فكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله إذا قام إلى صلاته في هجيع الليل، سمع ذلك الجار في سكره يقول ذلك، فافتقده ذات يوم، وافتقده اليوم الذي يليه، فذهب يسأل عنه، فعلم أن الشرطة والمحتسبة قد وجدوه سكيراً فأخذوه وحبسوه، فذهب الإمام أبو حنيفة يعوده في الحبس، فعجبوا من مجيء الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وكأنهم تغاضوا شيئاً يسيراً عن شأنه، فلما خرج ذلك الشاب قال له الإمام أبو حنيفة: يا فتى! وهل ضيعناك؟ لأنه في حال سكره كان يقول: أضاعوني وأي فتىً أضاعوا فقال له الإمام أبو حنيفة: هل ضيعناك؟ فحلف بالله ألا يعود لشربها أبداً، وتاب إلى الله توبة صادقة، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين، وأن يمن علينا وعليكم بالاستقامة. معاشر المؤمنين: إن الجار الذي يؤدي المعروف والإحسان إلى جيرانه، ويكف الأذى عنهم لهو بمنزلةٍ عظيمة عند الله، وعند الملائكة والناس أجمعين، فكونوا من أولئك. وإن الناس لتبيع الدور والقصور بأبخس أثمانها فراراً من جيرة السوء، ولتشتري أصغر الدور وغيرها رغبةً وطمعاً في جيرة الخير والصلاح والتقى. ذكروا أن جاراً لـ أبي حاتم رحمه الله قد لحقه دينٌ عظيم، فاضطره أن يبيع بيته، فجاءوا يتزاودون على داره فقال: الدار بمائتي ألف دينار، فعجبوا من ذلك، قال: نعم. أما الدار فبخمسين ألف دينار، وجواري من أبي حاتم بمائة وخمسين ألفاً، لقد عظم شأن هذا الجوار، فلما علم أبو حاتم بفعله هذا؛ قضى دينه وقال: اجلس في دارك جزاك الله خيراً من جار. فانظروا يا عباد الله! إلى عظم ومكانة الجار الخيرّ والجار الطيب، ومكانته في نفس جيرانه، ولقد مضى زمنٌ قريب وكلكم أدركه، وقد عاش شيئاً من عمره فيه، يوم أن كان الناس يفتحون من دورهم على دور جيرانهم شيئاً، فإذا احتاجوا لا يخرجون مع الأبواب وإنما يطرقون النافذة من داخل المنازل، فتكلم فلانة إلى فلانة وتؤدي حاجتها إليها عملاً وبراً وإحساناً بالجوار. كانت سطوح المنازل متحدة، وما كان جارٌ يفكر أن يؤذي جاره، كان الجار يسافر الأشهر الطويلة ويوصي جاره بأهله وأهل بيته، وما يتعرض الشيطان له أن يتعرض لهم بسوء، وما كان يمد طرفه وبصره إليهم. أما الآن فإن الأذى مستشرٍ والبلاء منتشرٌ من بعض الجيران، إما بنظرات زائغة أمام الأبواب، وإما بإزعاجٍ، وإما بأذىً يُلقى أمام الدور، فما حال جارٍ هذه أموره مع جاره؟ والله إنه ليبيع داره بأبخس الأثمان فراراً من ذلك الجار.

من أنواع الأذى للجار

من أنواع الأذى للجار واعلموا أن من أنواع أذى الجار وهو أمرٌ منتشرٌ بيننا، أن تضع سيارتك دائماً أمام باب جارك، فتعيق سيارة جارك من الخروج، ولو فعله أمام بيتك فهل ترضى؟ وما حاله لو كان في بيته مريض، وخرج مسرعاً، يريد أن يذهب بهذا المريض، فلا يجد طريقاً، فيدعو الله عليك ليلاً ونهاراً لما تسببت فيه من أذى، وفيما تسببت عليه من مضاعفة حال مريضه، إذ قد يدرك شيئاً من الأمر لو لم تفعل هذه الفعلة أمام داره. ومن الأذى أيضاً وهو أذىً مضاعف للجار بالحرام، وهو الأذى بالملاهي والموسيقى وغيرها. بعض الناس لا يراعي حق الجوار، وإذا بلي لا يستتر، فإذا ابتلي أحدٌ فليستتر، نسأل الله لنا وله التوبة والإقلاع، أما أن يجعل المنكر جهاراً نهاراً ويؤذي جاره عياناً بياناً، فأي خلق وأي دينٍ وأين بقية حياءٍ في وجه ذلك الجار؟ فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، وليفعلوا فعلاً سديداً ولا يؤذوا جيرانهم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). ومن أنواع الأذى ما ورد في الأثر: استطالة الدور بعضها على بعض، بعض الناس يبني داره شاهقاً مرتفعاً، وكأنه يريد أن يسكن في بعض قمم الجبال، وقد يكشف بذلك سطوح بيت جيرانه ونوافذهم، فليتق الله في فعله ذلك، وإن كان قد وقع أو فرط الأمر منه عن خطأ، فليصلح شيئاً من هذه النوافذ بسترةٍ أو بعازل بينه وبين جيرانه حتى لا يكون سبباً لإيجاد شيءٍ في النفوس، نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالهداية. واعلموا أن من تعمد أذى جاره؛ أو لم يبال بالأذى الذي يلقيه قرب داره؛ فإنه قد يكون من الذين ذكر الله جل وعلا فيهم كزوجة أبي لهب حينما قال جل وعلا: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:1 - 4] التي تحمل الحطب والشوك وتجعله بطريق رسول الله {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:5] حبلٌ من النار عياذاً بالله من ذلك، نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالهداية.

عزاء جار من لا يصلي

عزاء جار من لا يصلي وإن أعظم البلاء والمصيبة جوار من لا يصلي، إذا كان لا يعرف حق الله، فكيف يعرف حقك؟ إذا كان يضيع حق الله، فكيف يدرك حقوقك؟ وإذا لم تأمنه في حقوق الله، فكيف تأمنه في غيبتك على أهلك وبيتك وأولادك ومالك؟ اتقوا الله يا معاشر المسلمين! أما الذين لا يصلون مع جماعة المسلمين فليتقوا الله، وليسمعها كل جارٍ من جاره الآن أنه بريءٌ منه إن لم يشهد الصلاة معه، أنه يبرأ إلى الله من ذمته ألا يقول يوم القيامة: مررت بداري ولم تأمرني بالصلاة، ما الذي يمنعك من الصلاة، وأنت تسمع النداء خمس مرات؟ معافى في سمعك، معتدياً في بصرك، باطشاً بيديك ورجلك، لا يمنعك إلا البطر والكبر، لا يمنعه إلا أن الشيطان قد عشعش وفرخ في أذنيه وقلبه. نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالهداية، والحمد لله رب العالمين.

النفخ في الصور

النفخ في الصور إن لهذه الدنيا ومن عليها نهاية بأمرٍ من الله ووقوع آية من آياته، وسيأتي على الخلائق يوم يصعق فيه الجن والإنس، والمخلوقات جميعاً إلا من شاء الله، والنفخ في الصور من أعظم علامات يوم القيامة، ويلي ذلك أهوال وأحوال، ومصائب تشيب لها الولدان، وعن تلك الأحوال والأهوال يتحدث الشيخ حفظه الله.

أحوال الناس بعد النفخ في الصور

أحوال الناس بعد النفخ في الصور إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن المثيل وعن الند وعن النظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! اعلموا أن لهذه الدنيا بما فيها ومن عليها نهاية، نهاية بأمر الله ووقوع آية من آياته، وسيأتي على الخلائق يوم وهو يوم جمعة يصعق فيه الجن والإنس والمخلوقات جميعاً إلا من شاء رب العالمين {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] وإذا وقعت تلك النفخة فحينئذ لا يستطيع أحد أن يستدرك من أمره شيئاً {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس:49 - 50] وعند ذلك تنطلق صيحات الندم والتمني كما في الحديث الصحيح، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن سرعة هلاك العباد حين تقوم الساعة فقال صلى الله عليه وسلم: (ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها) رواه البخاري. والنفخ في الصور -يا عباد الله- هو من أكبر وأعظم علامات يوم القيامة، والنفخ في الصور مرتان وقيل ثلاث مرات: الأولى: يصعق فيها العباد، والأخرى: يبعثون بها {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] فبعد النفخة الأولى ينزل الله جل وعلا من السماء مطراً فتنبت منه أجساد العباد، فإذا نفخ في الصور النفخة الثانية، وهي نفخة البعث والنشور، خرج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلاً ويقولون: من بعثنا من قبورنا؟ من بعثنا من مراقدنا؟ {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:52 - 53]. واعلموا -يا عباد الله- أن نبيكم محمداً صلى الله عليه وسلم هو أول من تنشق عنه الأرض، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع) ثم يحشر الخلائق أجمعون إلى الموقف العظيم، يحشر الله الأولين والآخرين أينما كانوا، أينما كانوا فإن الله يأت بهم جميعاً، سواء كانوا في القبور أو في البحار، أو في بطون السباع، أو في حواصل الطير {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:148]. وفي ذلك اليوم لا يبقى أحد صغيراً كان أو كبيراً عزيزاً أو حقيراً إلا جاء خائفاً وجلاً {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95] ويقول جل وعلا: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} [الكهف:47] ثم تأملوا وتفكروا في ذلك اليوم الذي يحشر فيه الخلائق كلهم أجمعون، ويحشر معهم الوحوش والبهائم والطير والسباع، فإذا تأملت حال الخلائق في ذلك الكرب العظيم، وجدتهم حفاة عراة غرلاً أي: غير مختونين، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104] يوم أن سمعت عائشة رضي الله عنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلاً قالت: يا رسول الله! الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض) متفق عليه.

تبديل الأرض غير الأرض والسماوات

تبديل الأرض غير الأرض والسماوات وفي ذلك اليوم يحشر العباد على أرض غير هذه الأرض التي يعرفونها، ففي الصحيحين عن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي) قال سهل أو غيره: ليس فيها معلم لأحد {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48] وفي هذه الآية يقول ترجمان القرآن عبد الله بن مسعود: تبدل الأرض أرضاً كأنها القصعة، كأن لم يسفك عليها دم حرام، ولم يعمل عليها خطيئة. وعند عبد بن حميد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة، قال: بلغنا أن هذه الأرض -يعني أرض الدنيا- تطوى وإلى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها. وفي حديث الصور الطويل تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فيبسطها ويسطحها ويمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة فإذا هم في هذه الأرض المبدلة في مثل مواضعهم من الأولى، ما كان في بطنها كان في بطنها، وما كان على ظهرها كان على ظهرها، وفي تلك اللحظة التي فيها تبدل الأرض غير الأرض أين يكون الخلائق؟ لقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! يوم تبدل الأرض غير الأرض أين يكون الناس يا رسول الله؟ فقال: على الصراط) رواه مسلم، وفي صحيح مسلم -أيضاً- عن ثوبان أن حبراً من أحبار اليهود سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (هم في الظلمة دون الجسر). وفي ذلك اليوم العظيم يوم القيامة يطوي الجبار سبحانه وتعالى السماوات ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يأخذها بيده الأخرى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ وفي هذا يقول سبحانه وتعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. أما الجبال في ذلك اليوم العظيم فتدك دكاً وتكون مثل كثبان الرمل المهيلة، بعد أن كانت حجارة صماء، وتكون كالعهن المنفوش، كالصوف المتطاير {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً} [المزمل:14] {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:105 - 107]. أما البحار في ذلك اليوم فإنها تفجر وتشتعل نيراناً عظيمة قال تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار:3] {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] أما السماء فتمور موراً عظيماً، وتضطرب اضطراباً، وتنفطر وتتشقق فتكون بعد ذلك واهية {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1] {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة:16]. أما الشمس الجميلة المشرقة فإنها تكور وتجمع ويذهب ضوؤها، وأما القمر فإنه يخسف ويذهب ضوؤه، وأما النجوم المتلألئة فإنها تنكدر وتتناثر، وتنصب كأن لم تكن شيئاً. فما حالكم معاشر العباد في هذه الأهوال؟ وما مكانكم في تلك العظائم؟ وما موقفكم من الجبار جل وعلا؟ هل تكونون في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؟ هل تكونون عند الفزع من الآمنين؟ هل تكونون من الذين يبعثون مطمئنين؟ أم -ولا حول ولا قوة إلا بالله ونسأل الله ألا نكون جميعاً منهم- من الذين يبعثون صرعى سكارى تخبطهم الشياطين، وتتمايل بهم بطونهم من الربا، ويدورون في هذا الهول وهذا المحشر سكارى ومجانين، نعوذ بالله أن نكون في حال أولئك. معاشر المؤمنين تأملوا وتدبروا حال ذلك اليوم العظيم، إننا لفي غفلة، وإن الكثير منا في لهوه وفي سكره، لا يتذكر موته، ولا يتذكر قبره، ولا يتذكر بعثه، ولا يتذكر نشوره، ولا صحيفته، وهل يقبضها بيمينه أو بشماله، ويتذكر الصراط هل يمر عليه أم تختطفه كلاليب جهنم، لا يتذكر هل يكون من أهل النار أم من أهل الجنة، أي غفلة في القلوب وأي سكرة في العقول، وأي إعراض عن ذكر الله وهديه؟ نعوذ بالله أن نكون من الغافلين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير:1 - 13] عند ذلك {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:14] ولا ينفعها ليت ولا تمني. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

هول يوم القيامة

هول يوم القيامة الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. عباد الله! اعلموا أن من عقيدة كل مسلم أن يؤمن بالبعث والنشور، والحساب والصراط، وأن يؤمن بأهوال يوم القيامة، ودقيق وجليل أمورها وما يكون فيها من الأهوال والعظائم، فإذا حصل الاعتقاد بذلك وجب الإعداد والعمل، ووجب الاستعداد لهذه النقلة العظيمة، يوم يقبل العباد على ربهم ليس ثمة إلا الحسنات والسيئات، ليس ثَم إلا الجنة والنار، وقبل ذلك كل يرجو رحمة ربه الواحد القهار، اللهم فارحمنا وتجاوز عنا وتلطف بنا وكن لنا ولا تكن علينا. معاشر المؤمنين! في ذلك اليوم تأتي الأم لولدها تقول: ولدي حملتك تسعة أشهر ثقلاً في بطني، وحملتك كرهاً ووضعتك كرهاً، حسنة واحدة أرجح بها موازيني فيقول: إليك عني، إليك عني، كل مشغول بنفسه، كل مشغول بنفسه، كل في أمر وشأن عظيم من حاله {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس:33 - 35] أمه التي حملته ووضعته، وتلقت أذاه، وتلقت نجاسته بيدها، يكون في شأن وفي غفلة، وفي بعد عظيم عنها {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:33 - 36] فلذات كبده الذين لا يقعون على الأرض إن وقعوا وإنما قلبه الذي يتكسر ويقع، يكون في تلك اللحظة في غفلة عنهم {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] فما هي إلا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:38 - 39] اللهم اجعلنا منهم {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:39 - 42] نسأل الله ألا تكونوا منهم، واستعيذوا واستجيروا بربكم وتعوذوا بالله واسألوه ألا تكونوا معهم. عباد الله! إن كثيراً من الناس لا يشهدون الصلاة في المساجد، كأن لم يكن أمامهم بعث ولا حشر ولا نشور، إن كثيراً من الناس يعقون الآباء والأمهات، كأن لم يكن أمامهم حساب ولا عقاب، وإن كثيراً من الناس يظلمون الضعفاء وقد نسوا أن الله جل وعلا فوقهم وما من يد إلا يد الله فوقها وما ظالم إلا سيبلى بأظلم إن كثيراً من الناس يتهاونون بالفواحش، وإن من الناس من وقع في شرب الخمور، ومن الناس من تساهل بالزنا، وإن من الناس من أكل الربا، وإن من الناس من شهد الزور، ومن مشى بالنميمة، أفلا يخشون مشهداً كهذا؟ ألا يخافون موقفاً عظيماً وحشراً مهيلاً؟ أفلا يخافون يوماً كهذا؟ {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] يقول صلى الله عليه وسلم: (شيبتني هود وأخواتها) يوم أن يقرأ صلى الله عليه وسلم آيات الجنة وآيات النار يتأثر تأثراً عظيماً، فأين تأثرنا حينما نقرأ آيات هذا الهول العظيم؟ أين تفاعلنا يوم أن نتلو في كتاب الله جل وعلا موقف العصاة المذنبين يوم القيامة؟ مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إذا كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور وإذا البحار تفجرت من خوفها ورأيتها مثل الجحيم تفور وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير وإذا العشار تعطلت وتخربت خلت الديار فما بها معمور وإذا الوحوش لدى القيامة أحشرت وتقول للأملاك أين نسير وإذا تقاة المسلمين تزوجت من حور عين زانهن شعور وإذا المؤودة سئّلت عن شأنها وبأي ذنب قتلها ميسور وإذا الجليل طوى السما بيمينه طي السجل كتابه المنشور وإذا الصحائف نشرت فتطايرت وتهتكت للكافرين ستور وإذا السماء تكشطت عن أهلها ورأيت أفلاك السماء تدور وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتىً على طول البلاء صبور وإذا الجنين بأمه متعلق متشبث يخشى القصاص وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور كيف الحال بنا والذنوب في بيوتنا، والمعاصي أمامنا، والمنكرات في أسواقنا وكأن لم نر شيئاً، ولا يتحرك فينا شعرة أو شعور لإنكار أو غيرة إيمان لتغيير؟! اللهم لا تجعلنا من الغافلين، اللهم افتح على قلوبنا وتب علينا، اللهم ارزقنا الاستعداد للموت وأعنا على سكراته، اللهم كن لنا في قبورنا، اللهم أفسحها لنا ولأمواتنا ولجميع المسلمين مد أبصارنا، اللهم افتح لنا أبواباً إلى الجنان، اللهم اجعلنا يوم فزع الخلائق من الآمنين، اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم اجعلنا على حوض نبيك من الواردين، ولكأسه من الشاربين، وعلى الصراط من العابرين، وآتنا صحفنا باليمين، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمجرمين، اللهم أدخلنا الجنة أول الداخلين، واجعلنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بعلماء الإسلام فتنة، وأراد بولاة المسلمين مكيدة، وأراد بالشباب والنساء ضلالاً وتبرجاً وسفوراً، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم افضحه على رءوس الخلائق. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين وأصلح بطانته، وقرب له من علمت فيه خيراً له، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له، اللهم اجمع شملنا، اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم اختم بها آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا. اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

مكابد الدنيا ومشاقها

مكابد الدنيا ومشاقها لقد وضحت هذه المادة حال الإنسان في الدنيا، مبينة أنه في كبد فيها، ومركّزة على حقيقة هذه الدنيا، وأنه لا استئناس ولا اطمئنان فيها إلا بذكر الله وطاعته وأن حلال الدنيا حساب وحرامها عقاب، ولا خير إلا فيما عند الله سبحانه وتعالى.

بيان حقيقة الدنيا

بيان حقيقة الدنيا إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى بفعل أوامره واجتناب زواجره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: سمعت الحسن بعد أن روى من طريق أبي مورود قرأ هذه الآية، فقال: [يكابد أمراً من أمر الدنيا وأمراً من أمر الآخرة]، وفي رواية: [يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة] واختار ابن جرير أن المراد بالآية: مكابدة الأمور ومشاقها. أيها الأحبة في الله: كلكم يعلم أنه ما من راحة تامة أو سعادة دائمة إلا في الدار الآخرة، دار الخلود والبقاء، وأما هذه الدنيا فدار الابتلاء والكبد والشقاء، ومن أجل ذلك كان عيش الإنسان فيها في كبد ومشقة، ولولا ما فيها من عبادة الله واللجوء إليه، والاستئناس والاطمئنان بذكره لما أطاق المؤمن البقاء فيها، ولله في ذلك حكمة بالغة، إذ لو صفت الدنيا لأهلها من الأكدار والمصائب لركنوا إليها واطمأنوا بها، ولما اجتهدوا في الأعمال الموصلة إلى دار النعيم والخلود المقيم. قال عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله: يا أبت! متى الراحة؟ فقال: الراحة يا بني! عند أول قدم نضعها في الجنة. عباد الله: تأملوا هذه الدنيا وما فيها من خلق الإنسان في كبد، وهي برمتها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تعدل ذلك ما سقى منها كافراً شربة ماء، فالاجتماع في الدنيا مآله إلى الفراق، قال صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس) فنهاية الحياة إلى موت، وغاية الاجتماع فراق، أما اللذات في الدنيا من المآكل والمشارب والمناكح فتزينها الصحة والعافية، وأكثر أرباب الدنيا والأموال الطائلة والثراء الفاحش فيها يعانون أنواع البلاء والأمراض والأسقام، فيرون نعيماً ونعماً، ولذائذ ولذات لا يتمتعون بها، وأعمار الخلائق في هذه الدنيا محدودة الأجل، ورب معمر شقي بعمره سيما إذا كان مفرطاً فيما مضى من شبابه، قيل للأعشى ميمون بن قيس وقد بلغ من الكبر عتياً: كيف وجدت الحياة؟ فقال: المرء يرغب في الحياة وطول عيشٍ قد يضره تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره وتسوؤه الأيام حتى ما يرى شيئاً يسره كم شامتٍ بي إذ هلكت وقائلٍ لله دره فلا أنس ولا لذة في الدنيا إلا بذكر الله، ولا راحة ولا نعيم في الدنيا إلا بطاعة الله، وذلك هو الذي يحقق السعادة ويربطها بالحياة ربطاً وثيقاً، فاجتهدوا يا عباد الله! اجتهدوا في طاعة ربكم ومرضاته، وتنافسوا في الأعمال الصالحة والتجارة الرابحة، ولا تغبطوا أحداً في مال أو منصب أو جاه إلا في طاعة الله ومرضاته، وما سوى ذلك فحطام غير حقيقي، وليس بكفء أن يحسد صاحبه، واعلموا أن كل من ترون في هذه الدنيا شقي لا محالة إلا من ربط نفسه بذكر الله وطاعته، لابد أن ترى كثيراً من الخلق والخلائق في شقاء؛ إما بأنفسهم، أو بأموالهم وأولادهم، أو سلطانهم، أو فقرهم أو غناهم، أو ذلة أو عزة، أو غير ذلك، إلا من شدَّ وثاق نفسه عن المعاصي والآثام، وأحكم السير وجد في المسير وأمسك بالزمام، وإلا فهذه الدنيا ومن فيها كما يقول القائل: كل من لاقيت يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن عباد الله: إن بعض المسلمين قد انشغلوا باللهو عن ذكر الله، وغرهم إقبال الدنيا عليهم، وخدعهم تردد خلان الرخاء والغناء إليهم، وما تأملوا حقيقة دنياهم، وما تأملوا حقيقة النعيم الذي فيها، وأنه زائل، وأنه دولة بين الناس يتقلب، يكون عند قوم وينتقل إلى آخرين: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] وكأن الكثير منا ما سمعوا وما عرفوا أحوال الأمم السابقة والحاضرة في هذا الزمان كيف هوت وسقطت من عز إلى ذل، ومن قوة إلى ضعف، ومن غنى إلى فقر، ومن شمل مجتمع إلى شتات وتشرد وتفرق. قالت هند بنت الملك النعمان: لقد رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكاً، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا ونحن أقل الناس. وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها، فقالت: أصبحنا ذات صباح وما في العرب أحد إلا يرجو مالنا، ثم أمسينا وما في العرب أحد إلا ويرحمنا مما نحن فيه. قال إسحاق بن طلحة: دخلت عليها يوماً، فقلت لها: كيف ترين الأمر بكم؟ فأنشدت قائلة: فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقةٌ نتنصفُ فأفٍ لدنيا لا يدوم نعيمها تقلب تارات بنا وتصرفُ قال صلى الله عليه وسلم: (حق على الله ما رفع شيئاً إلا وضعه) فلا تغتروا بالدنيا -عباد الله! - وكونوا منها على حذر، وخذوا حذركم في كل صباح ومساء، فإن الإنسان لا يدري ماذا يفجأه من طوارق الزمان. يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا وقال الآخر: لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان فلا يُغر بطيب العيش إنسان هي الحياة كما شاهدتها دولٌ من سره زمنٌ ساءته أزمان بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الدنيا دار عمل حلالها حساب وحرامها عقاب

الدنيا دار عمل حلالها حساب وحرامها عقاب الحمد لله الواحد الأحد الصمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد نصبح ونمسي منك في عافية وأمن، وطمأنينة وستر، ونعيم ورخاء، وكل ذلك منك وحدك لا شريك لك، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، عليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. معاشر المؤمنين: إننا نرى كثيراً من المسلمين في دعاء بالويل والثبور على واقعهم وما هم فيه، أهم يدعون بالويل والثبور على ما هم فيه من المعاصي؟ أم على ما هم فيه من الآثام؟ أم أنهم يتسخطون ويعترضون على قدر الله سبحانه وتعالى؟ وليس الأمر في ما يدعون عليه من أمر أو مصيبة شديدة، كلا والله، بل ترى الواحد حينما يرى مركباً فارهاً سب الدنيا ومن فيها لأن فلان بن فلان ركب هذا المركب وهو لم يركبه حتى الآن، وإذا مر بقصر شامخ سب هذه الدنيا وحظوظها لأنه لم ينل هذا القصر أو جزءاً منه، وإذا رأى صاحب مال أو ثراء تجده يحتقر نعمة الله عليه، وما درى ذلك المسكين أن الله جل وعلا قد ابتلى صاحب القصر والدابة والمركب والمال والثراء، وقد اختصه بنعمة لم يجدها صاحب تلك النعمة، قد تجد هذا الذي يتسخط ويشكو ويسب هذا الدهر -ولا يجوز سب الدهر- معافىً في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه وغده وسنين قادمة أيضاً، ومع ذلك فإنه لا يقنع ولا يرضى. إن كثيراً ممن ترون من أرباب الأموال والثراء وغير ذلك، ليسوا في نعيم إلا من قيد ماله ونعمته في شكر الله، وخاف على نفسه وحاسبها من هذه الأموال التي دخلت عليه ديناراً ديناراً ودرهماً درهماً، وإلا فإن مثل أولئك لا شك مرتحل عن الدنيا، ومن بعده يأكلونها حلالاً وهو يحاسب عليها في الآخرة، حلالها حساب عليه، وحرامها عقاب عليه!! إذاً: أيها الإخوة: هل نغبط أحداً في هذه الدنيا لماله أو لجاهه أو لمنصبه، والله! لا يغبط أحد إلا في طاعته لله، قال صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً- هل ادخره؟ هل جَمَّعه في رصيده؟ هل اشتغل به من هنا وهناك؟ لا- فأنفقه في سبيل الله هكذا وهكذا) تلك والله! هي الغبطة، ومن تمنى المال من أجل أن ينفقه في سبيل الله كتب الله له أجر نيته تلك. إذاً: فاحمدوا الله على نعم تتقلبون فيها يا عباد الله! احمدوا الله على نعم تتقلبون فيها، وغيركم إما في فقر وذل، أو شتات وتفرق، وغيركم من أرباب المال والثراء يرون نعيماً لا يتمتعون به، إن كثيراً تمتد أمامه المائدة الطويلة قد حجب عن هذا الطعام، ومنع من هذا الطعام، ونهي عن هذا الطعام، فلا يأكل إلا زاداً قليلاً يقدم أمامه، وفقراء الناس يأكلون من كل شيء أمامهم وهو لا يأكل إلا هذا القليل القليل مما أمامه، أترون هذا نعيماً؟ تباً لدنيا هذا مآلها، يجمعها ويكد وينصب في جمعها ويحاسب عليها، ومع ذلك لا يهنأ بقليل من العيش فيها، وترى الآخر قد انشغل بدنياه حتى وصل به الدهر من عمر زمانه عتياً، ثم أصبح مريضاً ضعيفاً لا يستطيع أن يتمتع بشيء، إن أراد النكاح فهو عاجز، وإن أراد الأكل فقد ذهبت لذة الشباب التي تجعل كل شيء هنيئاً مريئاً. إذاً: فعلى أي شيء نغبط الناس في دنياهم؟ على أي شيء نحسد الناس في مراتبهم، أو مراكبهم أو قصورهم، أو قليلهم أو كثيرهم؟ إن الغبطة والله في طاعة الله، إن الغبطة يوم أن ترى شاباً صغيراً يحفظ كتاب الله، أو ترى رجلاً سباقاً إلى المساجد، أو ترى شاباً داعيةً إلى الله قد أمضى وأفنى وقته وشبابه في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما سوى ذلك فليس بحقيق أن يغتبط الناس فيه أو أن يتحاسدوا، لكن أيها الإخوة! كل ما نراه من هذا الاعتراض والسخط على هذه الدنيا وأهلها ومن فيها، إنما هو بسبب عدم القناعة، وإن عدم القناعة إذا بلغ بصاحبه أمراً، فإنه قد يقوده إلى خطر عظيم وهو الاعتراض على ما قدر الله سبحانه وتعالى، قد يعترض الإنسان بطول وكثرة تسخطه على مراتب الناس وحظوظهم ونصيبهم في الدنيا عياذاً بالله من ذلك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أمسى آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) ما الفرق بين الأغنياء والفقراء؟ ما الفرق بين الرفعاء والوضعاء؟ ألهم ثلاثة بطون وللفقير بطن واحد؟ ذلك له بطن واحد وهذا كذلك، ألهم ثلاثة أعين وهذا له عينان؟ كلا والله، كلهم يشتركون في ما خلق الله لهم، إذاً فلا دنياً تستحق أن يغتبط الناس بها!! واعلموا أن كل إنسان مهما صغر أو عظم أو كبر فإنه لابد أن يكون في مصيبة من دهره، وهذه الدنيا أيها الإخوة! إذا كان الإنسان في نعيم وهو على حال غفلة، وبُعدٍ عن طاعة الله فليخش الانقلاب وتغير الأحوال، كما يقول القائل: أحب ليالي الهجر لا فرحاً بها عسى الله يأتي بعدها بوصال وأكره أيام الوصال لأنني أرى كل وصلٍ معقباً بزوال وإن الذين ترونهم في هذا الثراء الفاحش والنعيم على بعدٍ وغفلةٍ عن طاعة الله لعلى خطر عظيم، بل إنهم يعيشون في داخل قلوبهم حسرات وأنَّات مما هم فيه، ويصدق عليهم قول القائل: من ذا الذي قد نال راحة فكره في عسره من عمره أو يسره يلقى الغني لحفظه ما قد حوى أضعاف ما يلقى الفقير لفقره فيظل هذا ساخطاً في قله ويظل هذا تاعباً في كثره عمَّ البلا ولكل شمل فرقةٌ يرمي بها في يومه أو شهره والجن مثل الإنس يجري فيهمُ حكم القضاء بحلوه وبمره أوما ترى الرجل العزيز بجنده رهن الهموم على جلالة قدره فيسره خيرٌ وفي أعقابه همٌ تضيق به جوانب صدره وأخو التجارة حائرٌ متفكرٌ مما يلاقي من خسارة سعره وأبو العيال أبو الهموم وحسرة الرجل العقيم كمينةٌ في صدره وترى القرين مضمراً لقرينه حسداً وحقداً في غناه وفقره ولرب طالب راحةٍ في نومه جاءته أحلامٌ فهام بأمره والطفل من بطن أمه يخرج إلى غصص الفطام تروعه في صغره ولقد حسست الطير في أوكارها فوجدت منها ما يصاد بوكره والوحش يأتيه الردى في بره والحوت يأتي حتفه في بحره ولربما تأتي السباع لميتٍ فاستخرجته من قرارة قبره كيف التذاذ أخي الحياة بعيشه ما زال وهو مروع في أمره تالله لو عاش الفتى في أهله ألفاً من الأعوام مالك أمره متلذذاً معهم بكل لذيذةٍ متنعماً بالعيش مدة عمره لا يعتريه النقص في أحواله كلا ولا تجري الهموم بفكره ما كان ذلك كله مما يفي بنزول أول ليلةٍ في قبره كيف التخلص يا أخي مما ترى صبراً على حلو القضاء ومره فاقنعوا يا عباد الله! واشكروا الله على نعم أنتم فيها: أعيناً تبصرون بها، وآذاناً تسمعون بها، وأيدي تبطشون بها، وأرجلاً تمشون بها، ونعماً عظيمة لا يحصيها إلا الله سبحانه وتعالى. أنتم والله في خير عظيم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] فاحمدوا الله تعالى على ذلك، وقيدوا النعم بشكر الله، إياكم واللهو، إياكم والغفلة عن ذكر الله، إن كثيراً من المسلمين قد ابتلوا بالغفلة فجرتهم هذه الغفلة إلى السخط وعدم القناعة، ترى الواحد منهم منذ أن يصبح إلى أن يمسي ومزامير الشيطان في داره، لا يذكر الله في بيته إلا قليلاً، ولا تسمع آية من آيات الله في بيته تتلى، وتراه منشغلاً بهذه الأمور، ومنشغلاً بهذه الدنيا وحطامها وكل ما فيها. إن حياة تدوم على المعاصي والآثام الموت خير لصاحبها من الحياة ومضاعفة السيئات والآثام. أسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم بالهداية والثبات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3] ويقول الله جل وعلا: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:1 - 8]. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بشبابنا ضلالاً، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً واختلاطاً مع الرجال في تعليمهم ووظائفهم، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، اللهم عجل هلاكه، وأرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وأسوأ من ذلك

الولاء والبراء

الولاء والبراء الولاء والبراء أوثق عرى الإيمان، وفي هذه الأيام كثر الذين يميعون هذه القضية، ويدعون إلى التآلف والتآخي مع أعداء الله من اليهود والنصارى وغيرهم. وفي هذه المادة ذكر لأهمية الولاء والبراء في الإسلام، ووجوب موالاة المسلمين، والبراءة من الكافرين، مع بيان بعض مظاهر موالاة الكافرين التي منها: التشبه بالكفار السكن في بلادهم مداهنتهم مناصرتهم إلخ

ستر الله علينا نعمة عظيمة

ستر الله علينا نعمة عظيمة الحمد لله الذي ستر القبيح وأظهر الجميل وزيننا بستره، ولو كشف الله عنا أستاره لما كان من مستمع ولا منصت، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأثني عليه الخير كله أوله وآخره وظاهره وباطنه، ملء ما خلق وعدد ما خلق، وملء ما أحصى كتابه وعدد ما أحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: مما تعلمناه من مشايخنا ونعلمه أحبابنا وإخواننا أن يتجنبوا الثناء والمديح في مستهل المحاضرات واللقاءات، وكما قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: يا مسكين! إن أعجب الناس بك، فإنما أعجبهم جميل ستر الله عليك، ولو كشف الله للناس كل سيئة من فعلك، لما رأيت أو سمعت في هذه الدنيا محباً، ليس منا أحدٌ إلا وله هنات وأخطاء وتقصير وتفريط، لكن الله جملنا بأن الناس يرى بعضهم من بعض محاسن الأعمال، وسترنا ربنا ليخفي عن الناس مساوئها، فلا ينبغي لعاقل أن يغتر بكلمة هو يعلم أنه دونها. وعلى أية حال، فحبيبي وصديقي الشيخ/ محمد بن إبراهيم السبر أحسبه ولا أزكي على الله أحداً ممن يحترقون إخلاصاً وتفانياً وعملاً في الدعوة إلى الله عز وجل، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً، ومحبة بيني وبينه ربما ساقت على لسانه هذه الكلمات من غير كيل ولا حساب، ولكن كما قال أهل العلم: من عرف بعداوة شديدة فشهادته مجروحة، ومن عرف بمحبة شديدة، فشهادته مجروحة، فلعل ما سمعتم من ثنائه يرد بعضه -وإن شئتم كله- عليه لشديد محبته وشديد محبتي له، أسأل الله أن يرفع درجاته وإياكم ونفسي في الجنة، وأن يجعلنا من المتحابين بنور وجهه، لنكون في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. أحبتي في الله: أهنئكم بشرف المكان وشرف المناسبة، فأما شرف المكان، فهو مهابط الرحمة، ومنازل الملائكة، حلق الذكر، رياض الجنة، والله ما من عبدٍ يندم يوم القيامة أنه جلس ساعة مع قوم يذكرون ربهم يتلون كلام الله ويتدارسونه، ويصلون على نبيهم صلى الله عليه وسلم، فمقامنا في هذا المكان شريف عظيم، وأي شرف أعظم من أن نكون في هذه الروضة التي تغشاها السكينة وتحفها الملائكة، وتتنزل عليها الرحمة، ويذكر الله أهلها والجالسين فيها في ملئه الأعلى، ولقد جلست مجالس عدة، وحضرت مواقع مختلفة، فلم أجد أشرح للصدر وأعز للنفس وأكرم للذات من هذه المجالس في هذه المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه. وأما شرف المناسبة، فاللقاء على هذه المائدة العلمية المفيدة التي نسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم فيها بما علمنا، وأن يعلمنا فيها ما ينفعنا، وأن يرزقنا إتباع العلم بالعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه.

سبب التحدث في موضوع الولاء والبراء

سبب التحدث في موضوع الولاء والبراء أحبتي في الله: موضوعنا هو موضوع الولاء والبراء في سلسلة يبدو لمتأمل موضوعاتها أنها متعلقة بجوانب العقيدة، وإني لأشكر القائمين على هذا المسجد إماماً ومؤذناً، والشباب الدعاة المخلصين المعنيين بالأنشطة الثقافية والفكرية والدعوية، وتحفيظ القرآن وغيره على حسن عنايتهم وانتقائهم لهذه الموضوعات الجليلة.

كثرة خوارم الولاء والبراء عند الكثير من المسلمين

كثرة خوارم الولاء والبراء عند الكثير من المسلمين سبب طرق هذا الموضوع قد يطول، ولكنني أختصره: لما رأيناه من كثير من الأفعال والسلوك التي لا نشك أنها من خوارم الولاء والبراء في هذه الأزمنة التي اشتدت كربتها وعظمت محنتها، وأصبح الناس يستحسن بعضهم الولاء للكفار، ويعده من باب المجاملات الرقيقة، ويعده من باب اللطف في المعاملة، ولا يستطيع أن يميز بين ما يجوز التعامل به مع الكفار وبين ما لا يجوز، أي: أن هناك أضرباً من التعامل لا تدخل من قبيل الولاء وإن تعاملنا فيها مع الكفار، ولكن أناساً أدخلوا زيادةً على هذه أضرباً من المعاملات، وظنوها لا تخرم الولاء وذلك بسبب الجهل بهذه القضية التي قل من يطرقها ويتحدث عنها في هذا الزمان.

كثرة الندوات والمقالات في نبذ البراءة من الكافرين

كثرة الندوات والمقالات في نبذ البراءة من الكافرين إن كثيراً من الناس اليوم أصبحوا يسمعون دعوات وصيحات ذات اليمين وذات الشمال تدعو إلى نبذ البراءة من الكفار، بل وتدعو إلى موالاتهم واتخاذهم أحبةً وأصدقاء، ويزعمون أن لا ضير في ذلك؛ لأنه لا طريق للسلام العالمي اليوم والأمن والتعايش والوفاق الدولي إلا في ظل ذلك، وأنه لا يمكن أن يتحقق الوفاق والسلام العالمي إلا في ظل دفن أو وأد أو إجهاض قضية الولاء والبراء، وذلك أمرٌ في غاية الخطورة، لا يستطيع أحد أن يجمع الناس على كلمة واحدة، بل سنة الله عز وجل أن الخير والشر، والحق والباطل، الإسلام والجاهلية في صراع مرير إلى أن تقوم الساعة: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] فقضية الصراع لابد أن تستمر، ونظرية التفرد والسيادة التي يسعى إليها الغرب ليضرب بيده الطويلة عبر قواعده الضاربة بأساطيلها بحار الدنيا كل من يخرج عن النظام العالمي الجديد، وإن أرادوا ذلك، فإنه لن تتمكنوا؛ لأن من سنن الله: التدافع والتنازع، ليبقى المتفرد بالهيمنة التامة والسيطرة الكاملة الذي له الحكم والأمر وحده لا شريك له هو الله وحده سبحانه وتعالى. ولكل شيءٍ آفةٌ من جنسه حتى الحديد سطا عليه المبرد لا يمكن أن تتحقق هذه النظرية التي يدندن عليها كثير من الكتاب، أو تطرق عبر الندوات التي تقام في القنوات الفضائية، مستحيلٌ أن يتم ما أرادوه؛ لأن من سنة الله في هذا الكون أن يمضي التدافع والتنازع بين الحق والباطل إلى أن تقوم الساعة، نعم للباطل صولةٌ، لكنها ساعة، وللحق جولةٌ لكنها إلى قيام الساعة: (لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم إلى أن تقوم الساعة) ينبغي أن ندرك هذه الحقائق. وقول الله عز وجل أبلغ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118 - 119] لا يمكن أن يتفق الناس، لابد أن يكون من الخلاف والنزاع والتدافع ما يدعو المسلمين إلى أن يعودوا إلى نصوص كتاب ربهم وأحاديث نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ ليقرءوا ما يتعلق بهذه المسألة الكبيرة الخطيرة الجليلة (مسألة الولاء والبراء). نعم. هم الآن يجلبون بخيلهم ورجلهم حيال هذه القضية من أجل تذويب مسألة الولاء، وتخفيف المناعة فيما يتعلق بالبراء من المسلمين، ولكن مهما كان: إن الأسود وإن عاشت مع الخراف فستزأر يوماً ما. نحن نعلم أن المسلمين اليوم، أو أن كثيراً من المسلمين اليوم قد روضت في حظائر الخراف، فأصبحت لا تعرف المهاجمة، ولا تعرف الزئير، ولا تعرف السيادة التي عرفت عن أسد الغاب وسيادتها على كل من حولها، لكننا على يقين أن هذه الأسود وإن نامت طويلاً في حظائر الخراف، فسيأتي لها يوم نسمع زئيرها، ونرى كيف ترد عن عرينها، وكيف تصد عن دينها: (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء:51].

جهل الكثير من الناس في مسألة الولاء والبراء

جهل الكثير من الناس في مسألة الولاء والبراء المسألة المهمة المتعلقة بأسباب طرق هذا الموضوع أيضاً هي: أن كثيراً من المسلمين لا يعرف شيئاً البتة عن الولاء والبراء، بل لو سألته عن حقيقة الولاء والبراء، أو ما تقتضيه لا إله إلا الله محمد رسول الله من الولاء والبراء، لرأيته لا يعرف في هذه المسألة نقيراً ولا قطميراً، وهو على حد قول القائل: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا إذاً نحن نلاحظ فئةً تجهل هذه القضية تماماً، ونلاحظ فئةً أخرى تعيش انفصاماً بين قضية الولاء والبراء، فأناسٌ يوالون المؤمنين، لكن لا يتبرءون من الكافرين، ولا إله إلا الله إثبات ونفي، ولاء وبراء، تحقيق وتبرؤ، فلابد أن نجمع بين هذه، وأن نضم أختها إليها لأولئك الذين لا يعرفون لهذه المسألة إلا فقهها الأول وهو الولاء، لابد أن يضموا إليه الجانب الآخر من البراء.

إدخال شيء في البراء مما ليس منه

إدخال شيء في البراء مما ليس منه كذلك من دواعي طرق هذا الموضوع: أن من المسلمين من يخلط بين بعض القضايا وبعضها، وتختلط الأوراق لديه كما قلت بصدر كلامي آنفاً، فيدخل في البراء ما ليس منه، ويخرج من الولاء ما هو من لوازمه، ولذا تراه بسبب قلة علمه، أو جهله، أو عدم اهتمامه بهذه القضية لا يستطيع التمييز بين من يستحق الولاء ومن يستحق البراء.

تعريف الولاء والبراء وأهميته وأدلته

تعريف الولاء والبراء وأهميته وأدلته جديرٌ بنا في صدر هذه الكلمات أن نعرف الولاء والبراء، الولاء هو: النصرة والمحبة والإكرام والاحترام، من نصرته وأحببته وأكرمته واحترمته، فأنت تواليه، وله في نفسك ولاء، وكونك معه ظاهراً وباطناً، فذلك أيضاً من الولاء، قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة:257] فموالاة الكفار تعني التقرب إليهم، وإظهار المودة لهم بالأقوال، أو بالأفعال، أو حتى بالنوايا، أي قلب أضمر أو انطوى على حب للكفار، حتى وإن لم يصدر منه قول أو فعل يدل على ذلك، فليعلم أن مسألة الولاء والبراء في نفسه فيها خلل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الولاية ضد العداوة، وأصلها المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد. والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه كما ذكره ابن أبي شيبة في المصنف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) وفي الصحيحين أيضاً عن جرير أن النبي صلى الله عليه وسلم بايعه، قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر منها قال: على أن تنصح لكل مسلم، وأن تبرأ من الكافر) والله المستعان على ما نرى ونسمع في هذا الزمان من ذوبان مسألة الولاء والبراء إذا عرفنا معناها على ضوء ما سلف ذكره. لقد أصبح غالب أحوال الناس اليوم ولاؤهم وبراؤهم لأجل هذه الدنيا: {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة:58]. أما البراء فهو: البعد والخلاص، والعداوة بعد الإعذار والإنذار، قال ابن الأعرابي: برئ إذا تخلص، وبرئ إذا تنزه وتباعد، وبرئ إذا أعذر وأنذر، ومنه قول الله تعالى في صدر سورة التوبة: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة:1] أي: إعذارٌ وإنذار.

الولاء والبراء عقيدة جميع الأنبياء

الولاء والبراء عقيدة جميع الأنبياء أيها الأحبة! الولاء والبراء ليس شريعة جاءت فيما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل الولاء والبراء عقيدة الأنبياء المرسلين جميعاً، والله سبحانه تعالى لما ذكر أولي العزم من أنبيائه ورسله، وذكر صفوة خلقه من أنبيائه ورسله، قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] أي: فنحن مأمورون أن نقتدي بنبينا وبهدي الأنبياء الذي لا يختلف مع هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في كتاب الله عز وجل: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ} [الممتحنة:4] انظروا إلى صريح المفارقة، وصريح المقاطعة، وإلى الكلمات التي لا تجد في أحرفها أدنى شبهةٍ من المجاملة، أو المداراة، أو التميع، أو التقرب: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4]. فهذا إبراهيم عليه السلام خليل الله، صاحب الملة الحنيفية الذي حطم الوثنية نادى بالولاء والبراء كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف:26 - 28] تتوارثها أجياله من الأنبياء وأتباعه: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:28] وهي كلمة (لا إله إلا الله) المتضمنة والمشتملة على حقيقة الولاء والبراء، ولا تزال هذه العقيدة عقيدة الولاء والبراء باقيةً تتوارثها أجيال الأنبياء والمرسلين، فمن هنا نعلم أن الولاء والبراء ليس أمراً جديداً جاء في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو أمر قديم، بل هو دين الأنبياء والمرسلين جميعاً؛ لأن جميع الأنبياء والمرسلين دينهم واحدٌ وهو إفراد الله وتوحيده بالعبادة، وهذا يقتضي مقاطعة أهل الشرك وأهل الكفر وأهل الأوثان وأهل الجاهلية ولم يتخلف عن ذلك نبي من الأنبياء.

سورة الكافرون أصل في البراءة من الكافرين

سورة الكافرون أصل في البراءة من الكافرين ظل الأنبياء يضربون بمطارق النبوة هامات الخرافة والذلة لغير الله، ويلهبون بسياط التجرد الخالص لله كل من عاداهم، أو أراد أن يذوب هذه المسألة، لقد حاولت قريش عبر المفاوضات الدبلوماسية الطويلة، وقدمت العروض من أجل أن تنال شيئاً يفت في قضية الولاء والبراء قالوا: يا محمد! اعبد ربنا سنة ونعبد ربك سنة، فماذا كان منه صلى الله عليه وسلم، وقد أنزل الله عز وجل عليه قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6]. فقضية الولاء وقضية البراء وقضية الفيصل الفارق الواضح البارز الجلي بين الحق والباطل، بين الإسلام والجاهلية؛ لابد أن يكون واضحاً بيناً لا يلتبس على أحد أبداً، لقد حاولوا كل شيء، حتى عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم الملك والرئاسة والجاه والسؤدد بعد أن عرضوا الأموال والنساء، وكل ما استطاعوا أن يبذلوه، فلما عرضوا عليه الملك والرئاسة، قد يقول قائل: لماذا لا يجاملهم فترةً حتى يكون صلى الله عليه وسلم رئيساً زعيماً وملكاً على قريش، ومن ثم بمقتضى السلطة ومقتضى قوة الرئاسة والزعامة يستطيع أن يأمر وينهى فيهم؟ حتى هذا الأمر لم يقبله صلى الله عليه وسلم، بل قال كما جاء في السيرة: (يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أن تندق هذه السالفة) أي: فالمسألة لا تحتاج إلى تفاوض، أو هدنة، أو تأجيل، أو مراحل، نجامل الكفار هذه السنة ثم بعد ذلك نفاصلهم أو نعلن البراء منهم، لا. مسألة البراء لابد أن تكون جلية واضحة، لا يقبل فيها أي عروض، أو أي مفاوضات تماماً. ونبينا صلى الله عليه وسلم اعتنى غاية العناية بهذه المسألة، بل لقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود في سننه: (أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، ألا لا تراءى ناراهم) وهذا الحديث يحسنه بعض أهل العلم، وهو في الحقيقة حجة على كل مسلم ظل يعيش في بلاد الغرب بلاد الكفر دون حاجة أو مصلحة أو ضرورة على تفصيلات سوف يأتي بيانها. أيها الأحبة: إن كون كثير من الناس اليوم أصبحوا بسبب التضليل الإعلامي لا يعطون قضية الولاء والبراء نصيبها من الإدراك والتأمل، وحظها من السلوك والمعاملة، فإن هذا لا يعني أن القضية أصبحت ميتة، إن الذهب يبقى ذهباً وإن لم يحصل عليه الفقراء، وإن الشهد يبقى شهداً وإن لم يستطع المرضى أن يتناولوه، فقضية الولاء والبراء قضية مهمة حتى وإن جهلها من جهلها، أو غفل عنها من غفل عنها، وحسبنا أن كلمة (لا إله إلا الله) التي نرددها في ذكرنا وعباداتنا وصلاتنا هي في الحقيقة مشتملة على الولاء والبراء، ومن لوازمها مسألة الولاء والبراء، والتطبيق العملي الواقعي لكلمة التوحيد لا يتحقق إلا بالولاء والبراء، وحسبنا أن نعلم أن كتاب الله عز وجل قد امتلأ بهذه المسألة، وعلى سبيل المثال من هذه الآيات: قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة:23]. وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51] فمسألة الولاء قد امتلأت بها آيات القرآن، ولا نظن أنها مسألة نادرة، أو جزئية، أو مسألة شكلية، وإذا تأملنا أنها تناولت البراء من الكفار عامة، وحتى لا يبقى في ذهن أحدٍ أدنى شبهة من أن من كان قريباً أو نسيباً أو تربطنا به صلة رحم أن مسألة البراء يستثنى هو منها، بل جاءت الآية: {لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ} [التوبة:23].

أدلة واضحة في الولاء والبراء

أدلة واضحة في الولاء والبراء فقضية الولاء والبراء قربت بلالاً الأسود، وأقصت أبا لهب الأحمر، وقضية الولاء والبراء قربت صهيباً الرومي وأبعدت أبا جهل القرشي المخزومي، وقضية الولاء والبراء قربت سلمان الفارسي وأبعدت كل نسيب وكل حسيب من أرومة قريش أو من جرثومتها. إذاً: فحتى القرابات والأنساب والمصاهرات، والخئولة والعمومة، والأبوة والبنوة ينبغي أن تتحطم أمام مسألة الولاء والبراء إلا في حدود ما شرع الله من الصلة الداعية إلى الإحسان بقصد الدعوة والقربى إلى الله سبحانه وتعالى، يقول أحد أئمة الدعوة النجدية الشيخ / حمد بن عتيق رحمه الله من أئمة الدعوة السلفية، يقول: إنه ليس في كتاب الله تعالى حكمٌ فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم وهو الولاء والبراء؛ بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده، وقد أوجب الله سبحانه وتعالى علينا موالاة المؤمنين ومحبتهم ونصرتهم، كما أوجب علينا البراءة من المشركين وبغضهم وعداوتهم، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة:1] وخص أهل الكتاب أيضاً، فهناك آيات تنهى عن موالاة الكفار عامة، وآيات تنهى عن موالاة الكفار أهل الكتاب على وجه الخصوص، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] بل إن من في قلبه صريح الإيمان وصادق اليقين، لا يمكن أن يقبل بأن يساكن قلبه موالاة للكافرين أبداً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة:23]. {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22]. من كان في قلبه صريح الإيمان وصادق اليقين بالله وبرسوله، فلا يمكن أن تسكن قلبه موالاة للكفار حتى ولو كان هذا الكافر أباً أو ولداً، قريباً أو نسيباً، وقد جهل كثير من المسلمين اليوم هذه المسألة حتى بتنا -ويا للأسف- نسمع في بعض المناسبات من يقول: الكفار إخواننا، اليهود إخواننا، النصارى إخواننا، سبحان الله العلي العظيم! يشرفنا الله فيرفعنا فوقهم، فنصر إلا أن نكون أذلاء لنكون بجوارهم ومقامهم، بل إن الكفار كما أخبر تعالى يتمنون أن ننزل إلى حضيض مستنقع مستواهم، اليهود والنصارى يتمنون أن ننزل بترك الإيمان والسقوط في الكفر إلى مستواهم، ولذا قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89]. الذي يتمنى أن يساويك بنفسه لاشك أنه إنما يريد أن ينتشلك من الحضيض ليرتفع بك إلى الأعلى، والكفار لا يتمنون لنا أن نرتفع إلى مستواهم لا في صناعة، ولا في زراعة، ولا في تجارة، ولا في سياسة، ولا في قيادة، ولا في ريادة، ولا في اقتصاد، ولا غير ذلك، إذاً بقي شعورهم بأننا فقط بالإيمان أعلى منهم، فيتمنون أن نكفر كما كفروا: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] يتمنون أن نهبط من مستعصم مواقعنا وعزةٍ شماء نرتفع إليها بسبب تعلقنا بديننا، يريدون أن نهبط إلى مستواهم، فإذا كان الله يكرمنا ويذلهم، ويرفعنا ويدنيهم، ويجعل مقامهم وضيعاً، فلماذا نصر ونقول: هؤلاء إخواننا، ولماذا نصر ونقول: هؤلاء وهؤلاء؟ يا أخي الحبيب! ليسوا لنا بآل، وليسوا لنا بإخوة، وليسوا لنا بأولياء، حتى وإن حصل بيننا وبينهم تعامل، حتى وإن حصل بيننا وبينهم أمور، فإن ذلك مفصلٌ أحكامه في بابه، لكن لا يعني ذلك الرضى بقوتهم بأي حال من الأحوال.

وجوب موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين

وجوب موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين وكما أن الله سبحانه حرم علينا موالاة الكفار، فقد أوجب علينا موالاة المؤمنين، فقال سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55 - 56] وقال سبحانه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29] وواقع بعض المسلمين اليوم أن تراهم مؤدبين طيبين لينين، رفقاء بالكفار أشداء على المؤمنين، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إما جهلاً وإما تأولاً باطلا، والله عز وجل قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] فالمؤمنون إخواننا في الدين والعقيدة وإن تباعدت الأنساب والأوطان والأزمان كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]. ما الذي يجعلنا نحب خالد بن الوليد وأبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن تيمية وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والشافعي والإمام مالك وإبراهيم النخعي، وأقواماً لم نعرفهم وبيننا وبينهم قرون؟ ذلك هو الولاء الذي لا يقف عند حاجز الزمن، فمن سبقنا بالإيمان أحببناه، والذين يجيئون بعدنا نحبهم، وإن كانوا لا يزالون في أرحام النساء أو في أصلاب الرجال، هذا مقتضى الولاء، ومن عاش من الكفار على ظهر الدنيا، فإننا نبغضه حتى وإن لم يقتل لنا قريباً، أو يسطو لنا على منزل، أن يكون بيننا وبينه معركة بأي حال، والكفار الذين لا يزالون في أصلاب الرجال أو أرحام النساء، فإننا نبغضهم ونكرهم.

الولاء والبراء أوثق عرى لا إله إلا الله

الولاء والبراء أوثق عرى لا إله إلا الله عقيدة الولاء ترتبط بلا إله إلا الله منذ أن نزلت على هذه الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلا شيء يحبس ولاءنا للمؤمنين، الموالاة للمؤمنين لا تحبسها لغة، فنحن نحب الأعاجم من المسلمين الذين لا يعرفون من العربية حرفا إلا الفاتحة والشهادة وبعض الأحكام التي لابد من العربية فيها، ونحن أيضاً نحب أقواماً تفصل بيننا وبينهم البحار والمحيطات، ونحب أقواماً ليس بيننا وبينهم من القرابات والأنساب شيء: إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذبٌ تحدر من غمامٍ واحدِ أو يختلف نسبٌ يؤلف بيننا دينٌ أقمناه مقام الوالدِ هذه من أهم الأمور وأهم القضايا، وبناءً على ذلك: فإذا شجر بين المسلمين قضايا في باب الاقتصاد، أو في باب السياسة، فينبغي لعامة المسلمين ألا يتدابروا ولا يتقاطعوا بسبب تقاطع الأنظمة أو تقاطع الحكومات. أي: فلو أن حرباً وقعت بين دولتين مسلمتين، فإن هذا يعني ألا نتبرأ من إخواننا المسلمين، وألا يفضي بنا ذلك إلى بغضائهم وكراهيتهم، بل يبقون إخواننا ويبقون أحبابنا، وما ذنب إخواننا إذا تسلط عليهم من قال الله فيه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم:28] فهذه مسألة مهمة جداً؛ لأن بعض الناس يظن أن مسألة الولاء والبراء مسألة جغرافية، فما كان داخل الحدود الجغرافية شمالاً وشرقاً وجنوباً وغرباً فإنه يستحق الولاء، وما كان خارج الحدود إن كان بيننا وبينه حرب أو معركة معينة، فلا يستحق الولاء، لا. يبقى المسلم مستحقاً للولاء أياً كانت قيادته التي تقوده، قد تكون قيادة كافرة، أو ظالمة جائرة، أو قيادة مستبدة، لكن حتى وإن أوذينا من قبل قيادته، لكن الولاء بيننا وبين هذه الشعوب المسلمة لابد أن يبقى حياً يقظاً.

الأصل الولاء لكل مسلم والبراءة من كل كافر

الأصل الولاء لكل مسلم والبراءة من كل كافر يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأصل الولاء لكل مسلم مهما كانت ذنوبه، والأصل البراء من كل كافر مهما كانت محاسنه. فالكفار مهما كانت إبداعاتهم وما يقدمونه من أسباب الترفيه في أمور الحياة، نعم نستفيد منها، لكن لا يعني ذلك موالاتهم، سنظل نتبرأ من الكافر والكفار، والمؤمن أياً كان الأمر لابد أن نظل نواليه بحسب ما فيه من الإيمان والطاعة، ونتبرأ مما فيه من المعصية على تفصيلٍ سوف يأتي بيانه قريباً. وهذه مسألة مهمة: إنني أعجب من بعض الشباب، مثلا: ً تراه يكره لاعباً مسلماً ويحب لاعباً كافراً لا لشيء، إلا لأن هذا اللاعب المسلم في فريق لا يشجعه، وهذا اللاعب الكافر في الفريق الذي يشجعه، وهذه مسألة خطيرة جداً، لسنا الآن نريد أن نقول: تعالوا نشجع فريقاً معيناً، لكن خطورة الأمر التي تفوت على كثير من المسلمين هو أنه يجهل أن الأصل هو البراء من كل كافر حتى وإن كان في شركتك، أو كان في النادي الذي تشجعه، أو كان في المكان الذي أنت تحبه أو ترتضيه مثلاً، والأصل الولاء لكل مسلم. فالشباب الذين يسجنون الآن في سجون انفرادية بسبب جرائمهم، أو بسبب تعاطيهم للمخدرات، لهم علينا حق الولاء فيما بقي عندهم من الإسلام والإيمان، ونتبرأ مما يفعلونه من المعاصي والمنكرات، وهم أعظم قدراً في أنفسنا من أولئك الكفار الذين لا يعبدون الله ويشركون به أنداداً ونظراء وآخرين، لابد أن ندرك هذه القضية الدقيقة حتى لا تذوب لأدنى مشكلة، أو لأدنى شائبة، ثم لنعلم أنه لابد من تلازم الولاء والبراء، فهذا مرتبطٌ بهذا، وحقيقة الولاء داعيةٌ إلى البراء، حقيقة الولاء للمؤمنين داعيةٌ إلى البراء من الكافرين، وحقيقة البراء من الكافرين داعيةٌ إلى الولاء للمؤمنين.

الإمام محمد بن عبد الوهاب في الولاء والبراء

الإمام محمد بن عبد الوهاب في الولاء والبراء يقول الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: لا يستقيم للإنسان إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء، كما قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]. وقال رحمه الله في الأصول الثلاثة: إن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22].

سلوكيات تقدح في الولاء والبراء

سلوكيات تقدح في الولاء والبراء وهنا سؤال إذا علمنا وأيقنا أن هذه هي منزلة الولاء والبراء، وهذه هي حقيقة الولاء والبراء؛ فيا ترى: لماذا يصر أقوامٌ بعد ذلك على الولاء للكافرين وعدم البراءة منهم، وضعف الولاء مع المسلمين، أو يوشك أن ينعدم عند بعض المسلمين الولاء، فلا يبالي بأي وادٍ هلك المسلمون ولا يسأل عنهم؟ بعض المسلمين يقع في خللٍ تجاه هذه القضية (قضية الولاء والبراء) ويمارس من السلوكيات ما يوقعه في الولاء للكافرين؛ كلٌ بحسب نوع عمله وتعامله الذي يفضي به إلى هذا الولاء مع الكفار، بعضهم يقول: هؤلاء كفار، ونحن لابد أن ندخل معهم في هذا الأمر، ولابد أن تكون لنا مكانة عندهم، وأن تكون لنا منزلة عندهم، والله عز وجل قد بين هذه القضية؛ لأن الله قد خلق هؤلاء البشر ويعلم ما يدور في أنفسهم، وما سوف يقولونه منذ خلقهم إلى أن تقوم الساعة، ولذلك قال تعالى: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء:139] يريدون المنعة والرفعة والمنصب والمال والتسهيلات، قال الله عن الذين هدموا عقيدة الولاء والبراء من المنافقين: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} [النساء:139] فبعض من يوالي الكفار يقول: نحن نواليهم ولا نتبرأ منهم، نريد أن تكون لنا عندهم مكانة، نريد أن يكون لنا عندهم شأن، يا أخي الكريم! لا يمكن أن يكون لك عند الكافر شأن إلا بمقدار ما تتمسك به في دينك، أي: فبمقدار التمسك في الدين يجعل الكافر يحسب لك ألف حساب، ويهابك ألف هيبة، ويقيم لك أعلى وزن، وإن مجاراة الكفار وضعف البراء منهم، وذوبان الولاء فيهم يجعلهم يحتقرونك حتى وإن ضحكوا وابتسموا ابتسامةً صفراء. إذا رأيت نيوب الليث بارزةً فلا تظنن أن الليث يبتسم قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هي قضية فلسطين الآن كم قدم المسلمون فيها من تنازلات؟ ولو ذهبت تستقرئ التاريخ من ثمانية وأربعين إلى سبعة وستين إلى ثلاثة وسبعين إلى أوسلو وقبلها مدريد وغير ذلك، الآن رغم كل هذه التنازلات تأتي شركة دزني بأورلاندو لتقيم مهرجانات تقرر فيها أن القدس عاصمة يهودية، ماذا يفعل هؤلاء؟ كل هذه المفاوضات وكل الأعمال والتنازلات والأمور التي حرصنا أن نقترب بها، أو نصلح القضية بها، أو نصل إلى ما يسمى بالسلام، والأرض مقابل السلام إلى آخر ذلك ما قدمت شيئا، لا يزالون على مبدأ خذ وطالب، خذ وطالب، خذ وطالب، وحسبكم أن المؤمنين في فلسطين الآن والمجاهدين المسلمين المساكين في كربٍ شديدٍ لا يعلمه إلا الله، سواءً في الأراضي الفلسطينية التي تسمى تحت الحكم الذاتي، أو في مناطق الانتشار اليهودي، فإذاً ينبغي أن نعرف أن مسألة البراء من الكفار هي التي تجعل الكافر يحسب لك ألف حساب.

أسباب تميع قضية الولاء والبراء

أسباب تميع قضية الولاء والبراء

ضعف الإيمان سبب في ذوبان الولاء والبراء

ضعف الإيمان سبب في ذوبان الولاء والبراء إن بعض الذين يتولون الكفار، أو يميعون مسألة الولاء والبراء سبب وقوعهم في ذلك: ضعف إيمانهم، كما أخبر تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:81] الفسق والخروج عن الجادة والصراط المستقيم والصواب والحق الذي لابد منه. أقول: إن ضعف الإيمان من أسباب ذوبان قضية الولاء والبراء، وكما أخبر تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:81].

الخوف والخشية من الكفار

الخوف والخشية من الكفار كذلك من الأمور التي أوقعت بعض المسلمين في نسيان وذوبان قضية الولاء والبراء: الخوف والخشية من الكفار، نخاف المقاطعة، نخاف من أذية، نخاف من كذا، نخاف من كذا، نعم المسلم يحسب لأعدائه حساباً ولا يتساهل، ويعد العدة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ} [الأنفال:60] لكن إن كنت تظن أن تذويب الولاء والبراء يعصمك من أذية الكفار، فاعلم أن الأمر كما أخبر تعالى عن الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:6] كان أناسٌ من العرب إذا نزلوا في أودية موحشة، واستوحشوا المكان، قالوا: إنا نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يعني: ما يستعيذون بالله، ما يلوذون بالله، بل يلوذون بكبير الجن (بالشيطان أو بالمارد) يقولون: إنا نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، فما الذي يكون؟ الشياطين عندما يجدون هؤلاء العرب يستعيذون بالجن من دون الله، يقولون: تعالوا، هؤلاء قومٌ ضعفاء تسلطوا عليهم، فيزدادون عليهم تسلطاً وإرهاقا، كما أخبر تعالى في سورة الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن:6]. كلما ازداد لياذ المسلمين بالكافرين، ازداد الكافرون لهم رهقاً وإذلالاً وتجويعاً وتشريداً، لكن الكفار لا يفرقون بين الجنسيات، اليوم تجويع في العراق، وهنا ضرب في السودان، وهنا فعل في داغستان، وهنا إبادة في الشيشان، الكفار لا يعرفون تمييزاً بين جنسية وجنسية أخرى. فإذا علمنا تمام العلم أن الركون إلى الكفار، أو أن ذوبان قضية الولاء والبراء لا تنفعنا أمامهم، بل إن ذوبان القضية بدعوى أننا نخشى منهم هي في الحقيقة مدعاة لمزيد تسلطهم علينا، يتسلطون علينا وعلى أموالنا، على أولادنا، ولذا قال تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} [المائدة:52] فبين تعالى أنه لا يذوب قضية الولاء والبراء ويسقط في مآسٍ الموالاة للكافرين إلا من في قلبه مرض: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} [المائدة:52] لماذا تسارعون فيهم؟ {يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة:52] وعسى من الله واجبة، والحمد لله لقد جاء فتح مكة، وأصبح مرضى القلوب (أهل الظنون الفاسدة) على ما أسروا في أنفسهم نادمين. فكذلك الآن إذا سئل من سئل عن هذا التهافت والتساقط والانبطاح أمام الكفر، وقيل له: لماذا؟ يقول: نخشى أن تصيبنا دائرة، مثل ما قالت قريش لما جاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت سورة براءة ألا يحج البيت مشرك، وألا يطوف في البيت عريان، ومنع المشركين من قدوم البيت، قالوا: هذا ربما يضر بالاقتصاد، هذا يمنعنا، فأنزل الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:28] أي: ما أغناكم إلا هؤلاء الكفار الذين يطوفون بالبيت عراة، هؤلاء الذين تنتظرون قدومهم عراةً بأنجاس الشرك والوثنية، وترضون ببقائهم جوار البيت حتى تضمنوا استمرار التدفق الاقتصادي أو المالي الذي تجنونه من ورائهم؟ وكذلك كل من عصى الله عز وجل بمعصية وهو يرجو وراءها من المطامع المالية، والله لا تزيده إلا رهقا، ولا تزيده إلا نقصاً وخسارة، سواءً كان ذلك من الأمر الظاهري، أو الأمر الباطني، ومن هنا نعلم أن كل شيء لا نستجلبه بما يرضي الله، فإنه ينقلب علينا بعد سخط الله بنقيض ما قصدناه وأردناه. على سبيل المثال: السياحة، السياحة أمرٌ جيد إذا أردنا أن نحول دون تدفق الناس إلى الخارج ليكون سواحنا في أرضنا، وإنفاق السواح يعود إلى بلادنا وتقوية اقتصاد وطننا، هذا شيء جيد جداً، لكن هل من ذلك أن نجعل في السياحة من معاصي الله عز وجل ونرضاه حتى نقول من أجل أن تتدفق إلينا الأموال؟ لا. لأننا ما اعتمدنا على السياحة في اقتصادنا، بل على فضل الله الذي أنعم علينا وأعطانا وأكرمنا وآوانا، لا بكدنا ولا بكد آبائنا وأجدادنا، نعم الآباء والأجداد والقادة والسادة والأمراء والعلماء الذين سلفوا، وموحد هذه الجزيرة عليه شآبيب الرحمة وأسكنه الله فسيح جناته الملك/ عبد العزيز له علينا حق الدعاء بالمغفرة والرحمة والجنة لما كان له من دور يدركه الآباء والأجداد، وبضدها تتميز الأشياء، لكن هذه الخيرات التي تدفقت، بماذا؟ بفضل من الله، ثم بالتوحيد والعقيدة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن حافظنا على العقيدة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح المجتمع، تستمر هذه الخيرات، وإذا أردنا أن نظن أن مزيداً من الخيرات سوف يأتينا، أو معالجة أي مشكلة سوف تأتينا بمعصيةٍ نرتكبها في أي مسمى، أو في ظل أي شعار، فإن ذلك لن ينقلب علينا إلا بنقيض ما أردناه بعد سخط الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذاً فالذين لا يتبرءون من الكفار، ولا يوالون المؤمنين، ويقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، فأولئك على خطر عظيم؛ لأن الأمر بيد الله، وإليه يرجع الأمر كله، فينبغي ألا نخشى أحداً إلا الله سبحانه وتعالى.

إبراهيم عليه السلام قدوتنا في البراءة من الكافرين

إبراهيم عليه السلام قدوتنا في البراءة من الكافرين إن موقف إبراهيم عليه السلام في براءته من الشرك وأهله لموقفٌ حريٌ بالتأمل والتدبر كما قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: لا تصفو الموالاة إلا بالمعاداة، وكما قال تعالى عن إمام الحنفاء أنه قال لقومه: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:75 - 77] فلم تصح لخليل الله هذه الموالاة والخلة إلا بتحقيق هذه المعاداة، أعني: من الكفار، فإنه لا ولاء إلا لله، ولا ولاء إلا بعد البراءة من كل معبود سواه، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:26 - 28] أي: جعل هذه الموالاة والبراءة من كل معبود سوى الله عز وجل كلمةً باقيةً يتوارثها الأنبياء بعضهم عن بعض وأتباع الأنبياء يتوارثونها أيضاً، وهي كلمة: لا إله إلا الله، ولم يخش منهم، ولم يخش مقاطعتهم، ولم يطلب عندهم شيئاً من العزة، فاستحق عليه السلام بالتزامه بعقيدة الولاء والبراء أن جعله الله أمَّة: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120] وجعله الله إماماً يقتدى ويتأسى به: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة:4]. وبلغ من براءة إبراهيم عليه السلام من المشركين وشركهم أنه فارقهم ببدنه كما خالفهم بقلبه وعقيدته، كما أخبر عنه تعالى بقوله: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً} [مريم:48] أي: سأجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله، وأدعو ربي أي: أعبده وحده لا شريك له عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً، فانظروا إلى تضحية إبراهيم بالوطن، وتضحيته بمراتع الصبا من أجل الولاء والبراء، وانظروا إلى تضحيته بالقرابات والوشائج والصلات من أجل الولاء والبراء، فأورثه الله بركةً وخيراً، وعوضه الله عز وجل بها بدلاً من الخلطة السيئة للمشركين ولده إسحاق وولده يعقوب، وأنعم عليه في ذريته بالنبوة، كما قال تعالى: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء:72] وقال مبيناً عقبى وبركة الفرار في الدين لما اعتزلهم، لما حقق الولاء لله والبراء من المشركين من قومه: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً} [مريم:49].

مظاهر موالاة الكافرين

مظاهر موالاة الكافرين

الرضا بكفرهم وعدم تكفيرهم أو الشك في كفرهم

الرضا بكفرهم وعدم تكفيرهم أو الشك في كفرهم أيها الأحبة: إن من مظاهر موالاة الكفار: الرضا بكفرهم وعدم تكفيرهم، أو الشك في كفرهم، أو تصحيح مذاهبهم الكافرة، وهذا لا يحتاج إلى دليل، فالرضى بالكفر كفر، ومن لم يكفر الكافر فقد كفر. مسألة خطيرة أن نجامل أو نداهن في مسألة تكفير الكافر، وللأسف أن نسمع من بعض الطلاب يقول: إنه سمع بعض المدرسين، أو قرأ، يقول: لا يمكن أن نسمي هؤلاء اليهود أو النصارى كفاراً: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:1] إذا لم يكن هؤلاء الكفار، فمن هم الكفار إذاً، الوحوش والزرافات والنعام؟! إذا لم يكن هؤلاء اليهود والنصارى هم الكفار الذين أمرنا بالبراءة منهم، وكتاب ربنا وسنة نبينا مليئة بالأحكام التي تضبط تعاملنا معهم بدقة، وضرورة الإعداد في مواجهتهم، فمن هم الكفار إذاً؟

اتخاذهم أعوانا وأنصارا وأولياء

اتخاذهم أعواناً وأنصاراً وأولياء ومن مظاهر موالاة المشركين: اتخاذهم أعواناً وأنصاراً وأولياء، أو الدخول في دينهم، قال تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران:28]. قال ابن جرير: من اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم ويظاهرهم على المسلمين؛ فليس من الله في شيء، أي: قد برئ من الله وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر. وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله: صحَّ أن قول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] إنما هو على ظاهره بأنه كافرٌ من جملة الكفار، يعني: من والى الكفار وظاهرهم على المسلمين وأعانهم على المسلمين، فلا شك أن هذا من أسباب المروق من الملة ونقض الشهادة والدخول في الكفر، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أخبر الله في هذه الآية أن متوليهم منهم.

الإيمان ببعض ما هم عليه أو التحاكم إليه

الإيمان ببعض ما هم عليه أو التحاكم إليه كذلك من صور موالاة الكفار: الإيمان ببعض ما هم عليه، أو التحاكم إليهم دون القرآن، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} [النساء:60] وقد يقول قائل: هل يعقل أن مسلماً يتحاكم إلى الكفر؟ نعم. في جولات متعددة في بلاد الغرب، ومقابلة بعض إخواننا المسلمين فرج الله عنهم من الجالية المسلمة المقيمة في الغرب، تجد أن منهم من إذا صار بينه وبين مسلم آخر شجار أو نزاع، فإنه يقاضيه ويشكوه ويتحاكم معه لدى محكمة كافرة؛ لأن حكم القانون الوضعي يحقق له من الربح المادي والعوض المالي أضعاف ما يمكن أن يستحقه حينما يحكم له إمام المركز الإسلامي بحقه. أو مثلاً: امرأة مسلمة، ربما تتحاكم ضد زوجها في قضايا مدنية غربية كافرة، ومعلومٌ شرعاً أنها لا تستحق مثلاً من النفقة إلا كذا، ولأولادها إلا كذا، لكن القانون الوضعي يحسب إلى مدة، ويحسب إلى مال، ويحسب إلى ثروة، ثم تجد المرأة المسلمة تقاضي وتحاكم زوجها لدى المحاكم الغربية الكافرة، وهذا لا يجوز أبداً، بل هذا من موالاة الكافرين، لا يلزم من موالاة الكافرين أن تمسك يد كافر وتقعد تقبل يده، كونك تذهب لتقاضي مسلماً مسلماً عند قاضٍ كافر، هذا من موالاة الكفار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

التشبه بالكفار في الملبس والكلام

التشبه بالكفار في الملبس والكلام كذلك من مظاهر موالاة المشركين: التشبه بهم في الملبس والكلام وغيره، ولأن التشبه بهم في الكلام والملبس وغيره يدل على محبة المتشبه به، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، يعني: الصراط المستقيم الذي أنت تدعو الله أن يهديك إليه كل يوم في المفروضات سبع عشرة مرة في الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] في كل ركعات الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، اقتضاء الصراط المستقيم هذا أن تخالف أصحاب الجحيم، فلا تتشبه بهم البتة فيما هو من خصائصهم، أما ما أصبح عاماً ليس من خصائصهم، فلا يدل ذلك على موالاتهم، فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم وسمتهم وأخلاقهم وما يقعون فيه، وللأسف الآن أصبح بعض المسلمين يتشبه بهم حذو القذة بالقذة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه). مرة من المرات لقيت شاباً في ولاية اسمها ساندياجو على حدود المكسيك، فسلم علي بعد محاضرة أقيمت، ولكن لفت نظري أن له ظفيرة وعليها ثلاث ربطات، فقلت: هذه فتاة التزمت وحضرت المحاضرة، فلما دنا، عرفني بنفسه، فإذ به يتلكم العربي واللهجة التي أعرفها تماماً، ما شاء الله! من أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان من المكان الفلاني والحي الفلاني، قلت: يا سبحان الله! ما الذي حدث لك حلقت شاربك على لحيتك، وعصبت شعرك؟ فأخذ يبتسم، وقال: لا. أنا جئت وسكنت مع مجموعة من الطلبة والطالبات في دورات لغة ودورات أخرى. انظروا خطورة الاتصال الذي لا يسبقه مناعة وحذر من الموالاة، يقع الإنسان في التشبه مباشرةً من حيث لا يشعر، انظروا إلى ما في قلبه أيضاً، انظروا إلى الجانب الطيب في شخصيته أنه جاء ليحضر المحاضرة، وجاء ليشهد معنا الصلاة جماعةً، فهذه من الأشياء التي يشكر عليها أنه قدم واستمع إلى المحاضرة، وجاء يسلم وشكر واستفاد، لكن مسكين نسي أنه في حال منكرة من هذا الحال الذي هو عليه، تشبه بالكفار تماماً، حلق لحيته وشاربه، ما كنا نرى ونعرف أن الشباب يعصبون شعرهم ويجعلونه ظفيرة واحدة ويربطون عليه بكله إلا لما فعل الكفار ذلك، وأصبحت -للأسف- ترى أن من شباب الإسلام اليوم من يفعل ذلك، بل وأصبح من ذلك التشبه بالنساء ليس تشبهاً بنسائنا، لكن تشبهاً بشباب الكفار هناك لما وضعوا الأقراط، القرط يضعه بعض الشباب في أذنه، وبعضهم يضع قرطين، وبعضهم يلبس القلادة والسلسلة، من أين جاء هذا؟ من ضعف الولاء والبراء، وإلا أمة لا تسجد لله وتكفر بنعم الله وتتسلط على أولياء الله وتجوع شعوب المسلمين، هل يستحقون أن تشابههم؟ تصور أن قبيلةً من القبائل مثلاً غزو أهلك وجماعتك وقبيلتك، وذبحوكم وآذوكم، وفتكوا فيكم شر الفتك، وهذه القبيلة لها سمتٌ معين في شعرها، وسمتٌ معين في لباسها، وسمتٌ معين في هيئاتها، أفتظن أنك يا ولد القبيلة التي نحرت وذبحت وأوذيت وجوعت وطردت وشردت تقبل أن تتشبه بهم، أو ترى أحداً من قبيلتك يتشبه بتلك القبيلة الذين آووك وذبحوك وشردوك وطردوك؟ A لا. فلماذا يتشبه أبناؤنا بهؤلاء الكفار الذين لم يألونا خبالاً؟ لماذا يتشبه أبناء المسلمين بهؤلاء الكفار الذين هم أنفسهم لا يرون لنا قدراً ولا وزناً؟ هذا الفنان الغربي الذي يسمى مايكل جاكسون قيل له: إن العرب يعجبون بأغانيك، قال: لو علمت أن العرب يسمعون غنائي لغنيت للخنازير ولا أغني للعرب، انظر إلى أي درجة بعض المسلمين يتعلقون في محبة من لا يرى لهم قدراً، ويتعلقون بأقدام من لا يراهم إلا كالصراصير والجرذان والفئران، فيا عجباً كيف تتعلق بمن لا يراك إلا حشرة؟! وكيف تتشبه بمن لا يراك إلا نقيصة؟! وكيف تتبع وتقلد من لا يراك شيئاً أبداً؟! تلك وايم الله من العجائب والمشكلات. إذاً فالتشبه بالكفار بهذا السمت من دلائل التأثر بهم، أو تحقق نوع موالاة لهم.

الإقامة في بلد الكفار والركون إليهم

الإقامة في بلد الكفار والركون إليهم أيها الأحبة: ومن صور موالاة الكفار: الإقامة في بلدهم والركون إليهم، وعدم الانتقال من ديارهم إلى بلد الإسلام لمن تيسر له ذلك لأجل الفرار بالدين؛ لأن هناك من المسلمين من اضطر إلى البقاء في دار الكفار اضطراراً، فلم يجد بلداً تؤويه، وقد أهدر دمه، أو خشي على دينه، وأصبح في حال لا يأمن فيها على نفسه وعرضه في بعض بلاد الإسلام، فاضطر اضطراراً أن يهاجر ليفر بنفسه وعرضه ودينه. إن خطر ذوبان المسلمين في مجتمع الكافرين لا يستطيع أحد أن يتصوره، بل لا يصفه لسان ولا يخطه قلم، فالإقامة في بلدهم وعدم التحول منها لمن قدر على ذلك يعتبر من موالاتهم، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:97] يعني: الذين جاءت الملائكة لتقبض أرواحهم وهم لا يزالون في مكة، والعبرة في الآية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهؤلاء الذين نزلت بهم المنية وحل بهم الموت ولم يهاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أذن الله لنبيه وأتباعه بالهجرة، نزلت بهم هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:97 - 99] فلم يعذر الله في الإقامة في بلاد الكفار إلا المستضعفين الذين لا يستطيعون الهجرة، وكذلك من كانت في إقامته مصلحة دينية كالدعوة إلى الله، ونشر الإسلام في بلادهم، فلا شك أن إقامته مما تدعو إليه الحاجة وتقتضيه المصلحة، لكن البقاء بين كثرتهم الكاثرة مع كثرة الإمساس وقلة الإحساس تقلل العداوة، وتذيب حديد البراء، وتؤثر على سلوكيات المسلم الخلقية. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى أقل إيماناً من غيرهم؛ لأن الإنسان اجتماعي ومدني بطبعه، وهذه جبلة جبل الله عليها بني آدم، فكثرة المساس والمخالطة تفقد الإحساس، لا سيما إذا كان الذي يخالطهم لا يحمل هدفاً في دعوتهم وبيان الحق الذي شرعه الله عز وجل، وهذا معلوم، بل إن الإنسان إذا عاشر بهيمة من البهائم تأثر بطباعها، فمن عاشر نوعاً من البهائم اكتسب بعض طباعها، ولذا صار الفخر والخيلاء في أهل الإبل، وصارت السكينة والوقار في أهل الغنم، وصار أصحاب الجمال والبغال فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق البغال والجمال، بل وصار الحيوان إنسياً ووحشياً فيه بعض أخلاق الناس من المعاشرة وقلة النفرة، ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم -وصدق بأبي هو وأمي-: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد وأبو داود. فإذا كان الأمر كما نسمع، فما بال أقوام لازالوا يعزفون على وتر النشاز، ويعقرون عقائرهم بنداءات مرفوضة وليست بمقبولة، بدعوى التقارب والتآلف والتآخي إلى آخره مع هذه الشعوب الكافرة، نعم. نحن لا ندعو إلى ظلم أحد، لكن لا ندعو المسلمين أن يذيبوا مسألة الولاء والبراء، لقد قال صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشرك وسكن معه، فإنه مثله) رواه أبو داود والترمذي، فلا تجوز مساكنتهم في ديارهم وتكثير سوادهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، ألا لا تراءى ناراهما).

اتخاذ الكفار مستشارين من دون المؤمنين

اتخاذ الكفار مستشارين من دون المؤمنين كذلك من صور الولاء: اتخاذ الكفار مستشارين من دون المؤمنين، اتخاذهم بطانة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [آل عمران:118 - 119] والتقدير: تؤمنون بمحمد وعيسى وموسى، وهم طبعاً لا يؤمنون بمحمد: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:119] بطانة الرجل: خاصته، سميت البطانة بطانة تشبيهاً ببطانة الثوب التي تلي البطن، يعني: من جعل أحداً بطانةً، فهو يستبطن أمره، وهذه البطانة تطلع منه على ما لا يطلع عليه غيره، وقد بينت العلة في النهي عن مباطنتهم في القرآن: {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران:118] يعني: العلة في النهي عن اتخاذ الكفار بطانةً وأولياء لأنهم لا يألونكم خبالا، يعني: لا يقصرون في أذيتكم وما يجركم إلى الخبال والوبال، ولا يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر والفساد، ثم إنهم يودون عنتكم ومشقتكم والضرر والهلاك بكم، ثم إن العداوة التي ظهرت منهم دليلٌ واضح على ما يكنونه في أنفسهم، فحينئذٍ لا يجوز أن يكون الكفار بطانةً من دون المؤمنين، فالقرآن يبين لنا دخائل الكفار ويحلل نفسياتهم وما يكنون وما يضمرون من بغض وكيد وخيانة، وأنهم يستغلون ثقة المسلمين لإيقاع الضرر بهم. روى الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري، قال: [قلت لـ عمر بن الخطاب: لي كاتب نصراني، فقال عمر: ما لك قاتلك الله؟! أما سمعت قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] ألا اتخذت حنيفاً؟ يعني: مسلماً، قلت: يا أمير المؤمنين! لي كتابته وله دينه، فقال عمر: لا أكرمهم وقد أهانهم الله، ولا أعزهم وقد أذلهم الله، ولا أدنيهم وقد أقصاهم الله]. وروى الإمام أحمد ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين، فلحقه عند الحرة، فقال: (إني أردت أن أتبعك وأصيب معك، فقال صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا. قال: ارجع فلن أستعين بمشرك) ومن هذه النصوص يتضح لنا تحريم تولية الكفار أعمال المسلمين الذين يتمكنون بواسطتها الاطلاع على أحوال المسلمين وأسرارهم ويكيدون لهم بإلحاق الضرر بهم: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141]. ومن عجبٍ أيها الأحبة! ما وقع في هذا الزمان من تساهل الكثير من المسلمين في جلب الكفار إلى بلاد الإسلام وإلى جزيرة العرب خاصة، وجعلهم عمالاً وسائقين ومستخدمين ومربين وبطانةً وغير ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).

مداهنة الكفار والركون إليهم ومجاملتهم

مداهنة الكفار والركون إليهم ومجاملتهم أحبتنا في الله: الحديث في صور موالاة الكفار كثير، ومن صور موالاة الكفار: الركون إليهم ومداهنتهم ومجاملتهم على حساب الدين، والاستغفار لهم والترحم عليهم، والثناء عليهم، ومشاركتهم في أعيادهم، والمساعدة في إقامة هذه الأعياد، وطاعتهم، ومجالستهم، والدخول عليهم في وقت يستهزئون فيه بآيات الله، والله عز وجل يقول: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} [النساء:140]. ومن صور موالاتهم: مودتهم ومحبتهم ومعاونتهم على أذية المسلمين، ومعاونتهم على ظلمهم ونصرتهم والتسمي بأسمائهم. بالمناسبة: الآن بعض المسلمين أصبح يبحث عن قاموس الأسماء والكنى ثم لا يثق فيه ولا يجد فيها اسماً لولد أو بنت، لكنه يتحرى أن يسمي ولده أو ابنته باسم كافر، ويفتخر والعياذ بالله، بل بعض المسلمين الذين ذهبوا في مجتمعات الغرب يفتخر أن ولده لا يعرف من العربية شيئاً، ويفتخر أن ولده يجيد رطانة الكفار. نكتفي بما سبق، وأسأل الله عز وجل أن يحقق لنا ولكم في قلوبنا البراءة الحقة من الكافرين، والموالاة الصادقة لإخواننا المؤمنين المسلمين، وإن كان بقية العناصر تتعلق في صور موالاة المسلمين، وما يجب للمسلمين من الموالاة، لكن لعل الشق الأول قد أخذ كل وقت هذه المحاضرة. أسال الله بمنه وكرمه أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يجعله حجةً لنا لا علينا، اللهم إنا نسألك بأسمائك وصفاتك يا رب العالمين، نسألك اللهم لنا ولإخواننا ولأخواتنا في هذا المكان، وآبائنا وأمهاتنا ألا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا تائباً إلا قبلته، اللهم استعملنا في طاعتك، وتوفنا على أحسن حال ترضيك عنا يا رب العالمين. اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه، وجزاكم الله خيراً.

الأسئلة

الأسئلة

مسائل لا تقدح في الولاء والبراء

مسائل لا تقدح في الولاء والبراء Q فضيلة الشيخ! سعد البريك أسعده الله في الدنيا والآخرة: هل تقليد الكفار لاعبين أو ممثلين يعتبر ناقضاً من نواقض الولاء والبراء؟ A قبل أن أجيب على ذلك هنا مسائل دقيقة تتعلق بصلب الموضوع ولابد من ذكرها، فمع تأكيدنا على قضية الولاء والبراء فيجوز للمسلم أن يرد السلام، يعني: إذا سلم الكافر على المسلم بتحية معلومة إذا علمتها وما تضمنتها، فتحيي بمثلها، فإذا قال لك الكافر: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليكم السلام. الآخر: إذا حييت بتحية ولم تعرف مضمونها، فقل: وعليكم، كذلك إذا دعاك الكافر إلى مناسبة تطمع في كف شره بحضورك، أو في استدرار خير منه لنفع المسلمين، أو في هدايته إلى الله عز وجل، فلك أن تجيب، والنبي صلى الله دعته يهودية فأجاب، ودعاه يهودي إلى خبز شعير فأجاب، كذلك الولاء والبراء لا يمنع من المعاملة كالبيع والشراء، إلا أن قصدك الشراء من المسلمين ومصانعهم والبلاد الإسلامية ينبغي أن يقدم على ما عند الكفار ما استطعت إلى ذلك سبيلا، بل وأنت تذهب لتشتري الآن خضاراً من السوق، فتجد دكاناً فيه عامل كافر ودكاناً بجواره فيه عامل مسلم، من الولاء أن تتجه إلى هذا الدكان الذي فيه العامل المسلم وتشتري منه، وتدع الدكان الذي فيه العامل الكافر، حتى وإن كان صاحب الدكان مسلماً؛ لأنك بعقيدة الولاء والبراء تقاطعه حتى تأتي بعامل مسلم مكان هذا الكافر، وقس على ذلك أموراً كثيرة. كذلك المعاملة مثلاً: شركة كافرة احتاجت إلى أعمال وعمال وخبرات، ومن المسلمين من عنده هذه الخبرة، ووجدها وظيفة مناسبة، أو لم يجد من المسلمين من يعطيه هذه الوظيفة التي تناسبه ويحتاج إليها، نقول: يجوز لك أن تعمل، فإن علي بن أبي طالب قد نزح الدلاء ليهودي على تمرات كان يعطيه إياها. كذلك ليس من الولاء والبراء ظلم الكافر: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] فمهما كان الكافر كافراً، إلا أن كفره لا يجيز لك ظلمه، بل قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ} [الممتحنة:8 - 9] فمعاملة الكافر بالحسنى -كما قلت- رجاء خيره للمسلمين، حتى وإن لم تطمع في إسلامه، لكن كي يصير في معاملته هذه خير للمسلمين، على سبيل المثال: قد نعامل دولة كافرة معاملة حسنة من أجل أن ينعكس الوضع على الجاليات المسلمة التي تعيش في بلاد الغرب، هذا التعامل لمصلحة وهو مقصود، ليس من شرط أي تعامل تقوم به الدولة أو الجهات المسئولة أن تقول: انتبهوا لا تسيئوا فينا الظن، فنحن نبين لكم ما هو قصدنا، لا. وبالمناسبة ندعو في عدم المسارعة في الأحكام على الهيئات والمؤسسات والنظم وغير ذلك، لكن كل شيء بضوابطه، والله أعلم بالنيات، فكل تعامل مع الكافر يراد منه دفع وكف شر الكافر عن المسلمين سواءً كان كف شرهم عنا، أو كف شرهم عن المسلمين هناك في بلادهم، أو رجاء خير للمسلمين، أو نعلم بأهميته، فلا يدخل ذلك فيما يجري النهي فيه.

أشجع لاعبا كافرا وأحبه فما الحكم؟

أشجع لاعباً كافراً وأحبه فما الحكم؟ Q فضيلة الشيخ: أنا أحب مشاهدة الكرة، والفريق الذي أشجعه يلعب له أحد الكفار، فأنا أحياناً أحب هذا الكافر وأحب له الظهور والتميز على لاعبي الفرق الأخرى وإن كانوا من أهل الصلاح والاستقامة، فما حكم هذه المحبة جزاك الله خيراً؟ A هذه مما تنقض قضية الولاء يا أخي الحبيب! وهذه الخطورة أن بعض المسلمين في سبيل الفن، أو في سبيل الرياضة أصبح يحب كافراً، وهذا الكافر لا يألو المسلمين سباً وشتماً وخبالاً واحتقاراً. يا أخي: إذا كان وجود هذا الكافر قد دعاك إلى محبته وتفضيله على هذا المسلم، فلا شك أن هذا خلل في قضية الولاء والبراء عندك فاتق الله في هذا.

لا بأس بحسن المعاملة مع الكافر طمعا في إسلامه

لا بأس بحسن المعاملة مع الكافر طمعاً في إسلامه Q فضيلة الشيخ: ما رأيك في تحسين المعاملة مع الكافر وذلك طمعاً في دخوله الإسلام، وذلك بتحسين الكلام والبشاشة في وجهه؟ A لا بأس، الله عز وجل قال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] فلا يتناقض مع الولاء والبراء حسن المعاملة، لأن الله قال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] ما دمت تتعامل بمعاملة حسنة رجاء إسلامه وهدايته، فلعل الله سبحانه وتعالى أن ينفعه بك، أحد الطلاب في الولايات المتحدة كان له جار يهودي، واليهود أشد عداوة: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:82] فغاب هذا الجار اليهودي وقتاً، هم طبعاً عندهم لا يوجد من التواصل الاجتماعي، أو أن أحداً يسأل عن أحد، يقول هذا الشاب المسلم: فلاحظت أن الجرائد تراكمت عند بابه وقوارير الحليب واللبن، إذا تجمعت ثلاث أو أربع قوارير عند البيت معنى ذلك أن صاحب البيت غائب، فقام هذا الأخ -جزاه الله خيراً- صار يجمع الجرائد ويدخلها، أول ما تأتي الجريدة وقارورة الحليب يأخذها ويدخلها في بيته حتى تجمع لديه الكثير منها، فلما عاد ذلك اليهودي إلى بيته، طرق عليه أخونا المسلم، قال: تفضل هذه القوارير التي تجمعت لك مدة الأيام الماضية وهذه الجرائد التي تخصك، قال: لماذا فعلت هذا؟ قال: خشيت أن يعلم أحد أنك غير موجود بسبب تراكم الجرائد وقوارير الحليب عند الباب فيسطون على بيتك ويسرقونه، فلأجل ذلك جمعتها حتى يظن أنك موجود، فلا يسطو أحد على البيت، قال: وما الذي دعاك إلى هذا؟ قال: والله أنا لا أعرفك، وأنت تعرف أنك يهودي وأنا مسلم، لكن ديننا يأمر بالإحسان إلى الجار، فالله عز وجل يقول: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [النساء:36] فقال: دين يأمرك بهذا، فأنا أحب أن أتشرف باعتناقه، فشهد الشهادتين وأصبح من المسلمين. فالمعاملة الحسنة والقصص على المعاملة الحسنة التي أفضت إلى هداية كثير من الناس إلى الإسلام هي في الحقيقة كثيرة جداً، لكن المعاملة الحسنة لا تتعارض مع الولاء والبراء، لكن الولاء أن يكون في القلب ميل ويظهر هذا الميل في التشبه وفي المظاهر، ويظهر هذا الميل في قصد نفع الكافر وتفضيله على المسلم، هناك سلوكيات دقيقة تدل على ضعف الولاء والبراء في نفس بعض المسلمين أهمها ما ذكرناه آنفا.

حسن الأخلاق والمعاملة من المدرس الكافر للطالب المسلم

حسن الأخلاق والمعاملة من المدرس الكافر للطالب المسلم Q هذه أسئلة تكاثرت وتعاظمت حول قضية تدريس الكفرة لبعض طلاب المسلمين، أو تدريب بعض المهندسين في الأمور العسكرية وغيرها للمسلمين، سؤال هؤلاء يتركز عن قضية البشاشة والمعاملة والمصافحة، والتمسية بالخير والتصبيح وما إلى ذلك، وهذا سؤال يقول في المعنى: نحن طلاب في الجامعة ويحصل أن يدرسنا في بعض المواد أحد الكافرين من المدرسين خاصة في الأمور العلمية، والغريب أننا نجد منهم كريم الأخلاق وحسن الأدب، وعلى النقيض من ذلك نجد الجفاء وضيق البال ممن هم من بني جلدتنا، ماذا يجب علينا أن نعتقده تجاه هؤلاء وهؤلاء، وجزاك الله خيرا؟ A أما بنو جلدتنا الذين لا يقابلونك بما ذكرت، فلأنهم لم يحرصوا أن يدعوك إلى شيء، ولذلك هو يقوم بوظيفته فقط، أما هذا الأستاذ الذي يباشرك بهذه العلاقة الطيبة والابتسامات الجميلة، لا شك أنه يريد أن يغرس شيئاً في نفسك، والبعض يستبعد أن بعض الأطباء وبعض المدرسين وبعض الخبراء هم قساوسة وأصحاب دعوة إلى الكنيسة بطريقة غير مباشرة، يظن البعض أنه لا يمكن أن يخطر على بالك أن هذا قسيس، أو أن هذا داعية إلى مذهبي ومذهبك، لكن أخي الحبيب! نقول لك بما قال الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة:83] ونقول: لا بأس أن تعاملهم بالحسنى، ولا يجوز لك أن تظلمهم، ولا بأس إذا دخلت مكاناً، فلك أن تقول كلاماً لا يصدق فيها التحية، فلا تبدؤهم بالسلام، لكن بابتسامة تحتسب عند الله عز وجل أن تتألف بها قلبه، وأن تكون طريقاً لإيصال بعض الكتب والنشرات التي تهديها إليه ولو بطريق غير مباشر، بعض الشباب المسلم يدعون الكفار بطريق كتيبات عن الآثار والمتاحف في المملكة، الثقافة الشعبية في المملكة، الثقافة التراثية والاجتماعية في المملكة، وفي ثنايا الكلام أمور تتعلق بالتوحيد والعقيدة تدعوهم بدعوة غير مباشرة؛ لأنه لا يمكن إنسان عاش ثلاثين أو أربعين عاماً على كنيسته وملته تريده أن يتأثر بك من أول ابتسامة أو من أول كتاب، فأنت أيضاً اجعل عندك النفس الطويل والمعاملة الحسنة، ولكن إياك أن تركن، بمعنى: أن يميل قلبك إلى حبه، أو أن يكون في ذلك تفضيلاً له على إخوانك المسلمين مهما رأيت من تقصير إخوانك ومهما رأيت من حسن أخلاقهم.

أخبار المجاهدين في داغستان

أخبار المجاهدين في داغستان Q ما هي أخبار المسلمين المجاهدين في داغستان؟ A أسأل الله سبحانه وتعالى بقدرته التي لا يعجزها شيء، وأسأله سبحانه بأسمائه وصفاته أن ينصر إخواننا المسلمين في داغستان. روسيا تعيش مرحلة من مراحل الجنون والتهور الذي أشك أنه سينعكس إن شاء الله بإذن الله قريباً عليهم بانفجار داخل دول الاتحاد الروسي الباقية، بدليل أنهم عادوا يلوحون باجتياح الشيشان، وبدءوا، وهم لماذا يضربون الشيشان؟ لأنها تعتبر الطريق الرئيسي، أو المنفذ الرئيسي لتدفق المؤن ومراكز التدريب ومواقع العدد والعتاد وغير ذلك، بقية الحدود نصرانية بما يتعلق بـ جورجيا وأذربيجان، وقد تكون القبضة مشددة، وما هناك إمكانية دخول بحر قزوين من جهة الشرق، قد تكون البحرية الروسية مسيطرة، لكن تبقى الشيشان هي وسيلة قوية وجيدة، وإخوانكم -بحمد الله- قد جمعوا لهذه المعركة منذ سنتين وهم يعدون لها إعداداً طويلاً، وحسبكم أن تعلموا أن داغستان فيها قبور أكثر من أربعين صحابي، فتحها في عهد عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني، فأرض قد فتحها الأجداد، واستشهد فيها الصحابة، ولا تزال آثارهم فيها باقية، لا تظنوا أن الغرب سوف يسكت؛ لأنه يعرف أن هذا موقع استراتيجي وخطير، ولذلك صرحت إسرائيل بتقديم المعونات للاتحاد السوفيتي؛ لأنهم غير راضين عن مستوى التكتيك في العمليات العسكرية، فقالوا: إن روسيا تدير الحرب بطريقة عشوائية، وعشوائيتهم واضحة بدليل آلاف القتلى من الروس، والذين قتلوا من إخواننا حتى الآن لا أظنهم بلغوا المائة، ربما أقل من الستين، والذين قتلوا من الروس من بداية الهجوم في داغستان والعمليات بفضل الله عز وجل، الآن بدءوا يدخلون في عشرات الآلاف، ورفعت الدولة الروسية راتب الجندي الروسي إلى ألف دولار، ألف دولار شيء لا يحلم به روسي، الدولار كم يساوي من روبل؟ مع ذلك رفعوا راتبه إلى ألف دولار، ولا يستطيعون التقدم إلا بعد شرب الفوتكا والأشياء التي تهون من الخوف والرعب الذي في نفوسهم. ولله الحمد والمنة إخوانكم على درجة قوية من الثبات، ولكم أن تتابعوا الأخبار عبر الإنترنت في صفحة صوت القوقاز، ففي صفحة صوت القوقاز كل أخبار تتعلق بـ داغستان ستجدونها من واقع المعركة من إخواننا هناك يبعثون بها، طبعاً الصفحة القديمة لإخواننا في الإنترنت اتصل عليهم من الغرب من اتصل وقال: سندمر موقعكم في الإنترنت خلال ثلاثة أيام، وبالفعل بعد ثلاثة أيام من هذا البلاغ الذي جاء للإخوة سلط على هذا الموقع من الفيروسات والتخريب والإفساد حتى خرب تماماً، وفتح الإخوة صفحة جديدة، وأودعوا فيها كافة المعلومات، وفي الحقيقة: لو أن الطريق متيسر ومفتوح إلى داغستان، فما أجمل الموت هناك! أحبابي: المسلمون يواجهون الروس الملاحدة، حرب إسلامية صحيحة، معركة مقدسة، ولكن هم يعرفون تماماً أن أخطر شيء يواجههم هو أن تفتح ثغرة ينفذ منها مسلم وخاصةً العرب، المجاهدون العرب إذا وصلوا هناك، تحولوا إلى أسود وفعلوا الأفاعيل، وأتوا بالغرائب والأعاجيب، فلك اللهم الحمد على ما أكرمت به هذه الأمة، ونسأل الله أن ينصر إخواننا، وإني أدعوكم -أيها الإخوة- أن تبحثوا بكل وسيلة عن الطريق الموصل إليهم لتدلوا من أراد الذهاب إلى هناك، وأيضاً أن تجتهدوا في إيصال التبرع لهم بالبحث والسؤال والتتبع، لعل الله عز وجل أن يفرج صدورنا عاجلاً غير آجل باندحار الروس وقيام دولة إسلامية في داغستان تتبعها دول، وما ذلك على الله بعزيز.

مخاطر السفر إلى الخارج

مخاطر السفر إلى الخارج يتحدد الحكم الشرعي للسفر بناءً على الغرض منه، فإذا كان السفر بنية ارتكاب الفواحش، وإتيان المحرمات، فهو سفر محرم، وهذا النوع هو المقصود هنا. فكان أول ما تناولته هذه المادة هو توضيح لأسباب هذا السفر، ثم آثاره السيئة على الدين والبلاد والاقتصاد، وعلى المرء نفسه. ثم جاء بيان لنعمة الاستقامة على الدين، وأقسام الناس من حيث أهمية حياتهم.

السفر المحرم وأسبابه

السفر المحرم وأسبابه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الذي أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل ما سألناه أعطانا، نحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. أيها الأحبة: إن من الظواهر التي يلاحظها المتأمل في أحوال كثير من الناس، والشباب منهم خاصة، ظاهرة السفر إلى الخارج، ظاهرة السفر إلى البلدان الغربية والأوروبية في أي فرصة مواتية، سواءً كانت تلك الفرصة عطلة نهاية العام الدراسي أو الفصل الدراسي الأول أو عطلة عمل يطلبها الموظف ويرغب في قضائها خارج بلاده، والكلام اليوم ليس عن حكم السفر إلى الخارج أو السفر إلى دول الكفار، وليس للتفصيل في نوع السفر وحكمه ومدى الحاجة إليه من دراسة أو علاج أو تجارة أو اطلاع. وحديثنا اليوم إنما هو عن ممارسة بعض المنتسبين إلى الإسلام حينما يسافرون إلى الخارج، وهم الذين تربوا وعاشوا في مجتمعات إسلامية حينما يسافرون إلى بلاد الغرب يقعون وينغمسون في ألوان الفواحش؛ من الزنا والسفاح، وشرب الخمور، وتناول المخدرات والقمار والوقوع في أردى ألوان الشذوذ الجنسي، هذه هي المشكلة، ما هي أسبابها؟ ما آثارها؟

الفراغ أول أسباب السفر المحرم

الفراغ أول أسباب السفر المحرم عباد الله! إن من أهم أسباب هذه المشكلة الفراغ، فهو الذي يدعو الإنسان للتفكير في هذه الأمور جميعاً، ويوم أن كان الناس مشتغلين بأقواتهم وأرزاقهم وما يسد رمقهم، وما عندهم من الذرية ما كانوا يفكرون بشيء من هذا، الفراغ هو الذي يدعو الإنسان للتفكير في كل هذه الأمور، ما دام الإنسان منشغلاً عن الواجبات والمندوبات فلن يبقى أمامه إلا الوقوع في المحرمات. والفراغ يا عباد الله ليس فراغاً دائماً، بل هو مرحلة بين مرحلتين؛ إذ الإنسان لا بد أن يكون منشغلا، إما منشغل بالواجبات والمندوبات وهي لاشك أكثر من الأوقات، ولا يستطيع إنسان أن يؤدي المندوبات إضافة إلى الواجبات، وأن يقوم بالحقوق جميعها إلا بجهد جهيد من تنظيم الوقت وعدم صرف جزء منه فيما لا فائدة فيه، فإذا لم ينشغل الإنسان بالواجبات والمندوبات فبم ينشغل؟ في أي شيء يقضي الوقت؟ بأي شيء يقتل الوقت؟ فيبدأ بالتهاون والتكاسل شيئاً فشيئاً حتى يدع أوجب الواجبات ويتهاون بها، ثم يعيش فترة من الفراغ الذي لا يدري أين يقضيه، فالشيطان قد صده عن القيام بالواجب، ولم ينتهِ شيطانه من التغلب عليه لإيقاعه في المحرمات. إذاً ما فترة الفراغ إلا مرحلة صراع الشيطان للإنسان ليطمس على قلبه، وليضله ويقوده إلى مهاوي الرذيلة والضلال، الإنسان لا شك منشغل، ورحم الله القائل: نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية. إذاً يا عباد الله الفراغ هو أول أسباب هذه المصيبة، أول أسباب ظاهرة السفر إلى بلاد الكفار والوقوع في ألوان المحرمات والانغماس فيها هناك.

الثراء من أسباب السفر المحرم

الثراء من أسباب السفر المحرم والسبب الثاني لعله الثراء ولا نقصد بالثراء أو نشترط في هذا السبب أن يكون الإنسان مثرياً إلى درجة الملايين أو ما دونها، بل قد يكون ممن يدخر شيئاً يجمعه طيلة دراسته أو طيلة وظيفته، فإذا جاء آخر العام ذهب بحصيلة جهده لينفقه في بلاد الكفار وليدعمهم وليشتري عملاتهم، وليدعم سياحتهم وغير ذلك. إذ أن الثراء يا عباد الله من الأسباب التي تدعو إلى هذه المصيبة؛ ما دام الإنسان فارغ القلب خلي الذهن من الواجبات والمندوبات، فالثراء من الأسباب التي تدعو إلى ذلك، ولعل كثيراً من الناس من عصمة الله لهم ألا يجدوا مالاً كثيراً، إذاً فقول القائل، أو لعله من الأثر: من العصمة ألا تقدر، صحيح إذ أن كثيراً من الناس لو قدروا على المال لتوجهوا به، ولفعلوا به مثلما فعل غيرهم، فإن الله جل وعلا قد يعصم كثيراً من الناس بالفقر وقد يعصمهم بقلة ذات اليد، وفي الحديث الصحيح: (إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر، ولو أغنيته لطغى، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى).

طيش الشباب من أسباب السفر المحرم

طيش الشباب من أسباب السفر المحرم ولعل من الأسباب أيضاً فترة الشباب وما يصاحبها من فوران الشهوة وطيش العقل، وصدق القائل: إن الفراغ والشباب والجده مفسدة للمرء أي مفسده والعجيب يا عباد الله أن الأسباب الرئيسية للوقوع في هذه الظاهرة أو في تلك الجريمة والمشكلة هي في حد ذاتها من أعظم النعم على الإنسان، وقد تكون ابتلاءً وامتحانا، يقول صلى الله عليه وسلم: (نعمتان عظيمتان مغبون فيهما كثير الناس: الصحة والفراغ) إنها لنعمة عظيمة ولكن الكثير يغبنون فيها، فالصحة التي هي فرصة القوة والجلد والنشاط بدلاً من أن يقضيها في نشاط العبادة والتشمير في العلم والفقه، والدعوة إلى الله، وفعل الواجبات، وإمداد الآخرين بالخيرات، تجد الكثير يغبن في هذه النعمة فيصرفها في شر المصارف وأفسدها. والأمر الثاني الفراغ: فالكثير من الناس حينما يكون فارغاً لا يجد أن هذه نعمة يجب أن يصرفها في فائدة من الفوائد التي تعود عليه، وليس من شروط هذا الفراغ إذا كان الإنسان لا استعداد له أن يقضيه في الدعوة أو في العبادة أو في العلم، فأبواب المباحات مفتوحة، وأبواب المكاسب والتجارة في سبل الحلال مفتوحة، فما الذي يمنعه أن يسلكها؟ ولكن الكثير يصرفون هاتين النعمتين في كفر نعمة الله وجحودها. قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم فيا سبحان الله العلي العظيم!

الآثار السيئة للسفر المحرم

الآثار السيئة للسفر المحرم عباد الله! حينما يذهب كثير من المسافرين إلى بلاد الكفار يقعون في أمور، يقعون في مصائب، يقعون في ألوان من الشذوذ لم يكن الغربيون قد عرفوها فكيف ابتدعها أولئك، إنما هو عطش وجوع جنسي وشذوذ عجيب، وإن من أخطر الأمور تلك التي يفعلها أولئك الذين يسافرون إلى دول الكفار، ويقعون فيما يقعون فيه في الحانات ودور البغاء وأماكن الخمور ونوادي القمار وغير ذلك.

أثر الإساءة لسمعة الإسلام

أثر الإساءة لسمعة الإسلام أول شيء يسببونه أن يسيئوا سمعة دينهم، الذي ينتسبون إليه، والإسلام من أفعالهم هذه براء. إذا سئل أحدهم: ما دينك؟ يقف بملء فيه ويقول: أنا مسلم، ولا غرو أن يقول ذلك، ولكن المصيبة ما يكون من أفعاله التي تناقض أقواله، يقول أفعالاً تناقض ما ينطق به، كثيراً ما يقول: أنا مسلم، وهو يقولها في نادٍ من نوادي القمار، أو في دور البغاء والحانات والخمور وغير ذلك، وإن كثيراً من الغربيين الذين أرادوا الدخول في الإسلام يوم أن دعوا إلى هذا الدين العظيم، قال كثير منهم: مادام هذا هو أحد المسلمين -الذي نراه في نادي القمار ونراه في دور البغاء ونراه في حانة الخمر- فما الفرق بيننا وبينه؟ وأي دين تدعوننا إليه؟ يظنون أن هذا الرجل بما ينتسب إليه لفظاً وشفهية لهذا الدين يظنون أنه يمثل دين الإسلام، والإسلام من فعله هذا براء. إذاً فانظروا كيف جنى أولئك الذين يسافرون لدول الغرب ويقعون فيما يقعون فيه؛ كيف جنوا على كثير من الذين أرادوا الإسلام وصدوهم عن الدخول في الدين إذ لم يجدوا فرقاً بين ذلك، ولعلها من تدابير اليهود وخططهم وكيدهم لهذا الدين وأهله، يريدون أن يظهروا المسلمين بين اثنين: إما رجل صوفي متنسك لا يعرف شيئاً من أسباب الحياة، ولا يعرف شيئاً من وسائل التطور والتمدن فيها، لا يعرف إلا المسبحة والطوفان حول القبور، ولا يعرف إلا شيئاً من المدائح والقصائد وغير ذلك، يصورون الإسلام في هذا الجانب أو يأتون إلى الناس بجانب آخر ويقولون: انظروا إلى أولئك من دول الإسلام، من دول عربية، انظروهم في نادي القمار، انظروهم في حانة البغاء، انظروهم في أماكن الخمر، هؤلاء مسلمون فما الفرق بينكم وبينهم، ولم تتجشمون المصاعب في سبيل تغيير دينكم وما تلاقونه من الكراهية والبغضاء من مجتمعكم، وأنتم ترون صورة هؤلاء المسلمين؟ إذاً: فإنهم يسيئون إلى الإسلام أعظم الإساءة، والإسلام من أفعالهم هذه براء.

أثر الإساءة لسمعة البلاد

أثر الإساءة لسمعة البلاد وإن من الأمور الأخرى التي يسببها أولئك أنهم يسيئون سمعة بلادهم في الميادين المختلفة، فكثيراً ما نسمع أو نرى في بعض الفنادق الغربية حينما يقال: هذا فلان من بلاد عربية، ينظرون إليه نظرة أنه ما جاء إلا ليجمع في غرفته أو في جناحه الذي احتجزه، أو في هذه الصالة الكبيرة من الفندق، ما جاء إلا ليجمع فيها ألوان الحسناوات وأصناف الخمور، وليدعو أشهر اللاعبين في القمار ليلعب معهم، يظنون هذه الصورة تنطبق على كل مسلم ينتسب إلى بلادٍ عربية. فأي سمعة سيئة وأي سمعة رديئة يسببها أولئك لبلادهم وأي مشاكل يقعون فيها؟ ولذلك فإن المطلع على الصحف الأجنبية يرى كثيراً ما تتهكم تلك الصحف بهم خاصة في رسم ما يسمى بالكاريكاتير، فلقد رأيت ذات مرة في إحدى الصحف الأجنبية رجلاً وموضوع نحو رأسه إشارة سهم، رجل عربي، وأمامه رزم متكومة من النقود وحوله مجموعة من البنات والحسناوات في صورة لا تليق، يريدون أن يصوروا أبناء البلاد العربية وأبناء المسلمين خاصة، وأبناء الذين ينتسبون إلى البقاع المقدسة بالأخص ينسبونهم إلى هذه الأفعال، لكي يردوا الناس عن دين الله جل وعلا. وأي تهكم بلغ بهم إذ ذكروا أن واحداً منهم يوم أن وصل إلى أحد الفنادق دعا عدداً من البغايا لكي يبيت معهن في ذلك الفندق، انظروا أي تهكم وصل ببعض الذين ينتسبون إلى البلدان الإسلامية بسبب أفعال أولئك الذين يشوهون سمعة دينهم ويشوهون سمعة بلادهم.

أثر دعم اقتصاد الغرب

أثر دعم اقتصاد الغرب ما يقع فيه الكثير منهم من جراء هذا فهم لا يدرون أنهم يدعمون اقتصاد تلك الدول الغربية، إذ أن السكنى عندهم والسفر إلى بلادهم يقتضي أن تشترى عملاتهم وأن يدفع لهم في مقابلها عملات صعبة، ويقتضي الأمر أن تدعم دور البغاء والخمور والشذوذ، إذ لو كان الأمر مقصوراً على الكفار أنفسهم لما احتاجوا إلى تلك الدور بالشكل الذي يهيئونها الآن وخاصة للسائحين العرب، لأن بينهم من الانحلال والشذوذ ما يغنيهم عن الذهاب إلى تلك الحانات والمراقص ودفع الأجور الباهظة للمكث فيها. نعم يا عباد الله، إن المتأمل يرى أن تلك الأماكن إنما هي خصيصاً وبالدرجة الأولى لأبناء البلاد العربية، لأبناء المسلمين خاصة، إذ أن الغربيين ليسوا بحاجة إلى أن يقيموا هذه الدور، إذ بينهم من الإباحية والانحلال، وبينهم من الشذوذ ما يجعلهم يقعون فيه بالمجان، ما يجعلهم يقعون فيه بلا مقابل، ولكن يقيمون هذه الدور ليجذبوا أبناء المسلمين إليها، ليجلبوا ضعفة الإيمان، ليجلبوا ضعفة القلوب إليها، وبعد ذلك يصورونهم ويأخذون عليهم كثيراً من الصور التي تعتبر مستندات ورهينة بالنسبة لهم، خاصة بالنسبة لرجال الأعمال الذين يقعون في هذه الأمور فكثيراً ما يقع تحت مراهنة وتحت مساومة. إذ لا يدري وهو في ذلك الفندق أو في تلك البلاد قد التقطت له صور عديدة مع باغيات وفي أماكن مشبوهة وبعد ذلك يقال له: إما أن تدفع كذا وكذا، وإما أن ننشر هذه الصورة في مختلف الصحف، فبعد ذلك لا يجد نفسه إلا مضطراً ذليلاً ليقدم لهم هذا المال ليستروا عن نفسه ذلك، عياذاً بالله من حالهم ومكائدهم.

أثر دعم السياحة الأجنبية

أثر دعم السياحة الأجنبية ولعل من الأمور التي سببها أولئك: أن يدعموا السياحة الأجنبية، وهي من أهم مكائد الخطط الصهيونية، ولذلك ترون أشهر الفنادق في العالم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ونجومها تحظى بفروع متعددة في دول مختلفة ولا يألون جهداً في التخريب والإفساد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، والأدهى والأمر من ذلك يا عباد الله أن كثيراً من البلهاء تسرق أموالهم وتسرق بعض ممتلكاته وهو في سكر أو عهر أو بغاء، إنه الجاني على نفسه. وما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه فانظروا يا عباد الله عظم خطر هذه المصيبة، وخطر هذه المشكلة على أنفسهم، وعلى بلادهم، بل حتى على عقائدهم ودينهم. حدثني شاب أنه يعرف رجلاً قد جيء به إما هو أو صديقه قد جيء به ميتاً، يقول: إنه كان في حالة من الشرب والسكر وغير ذلك، كان ينتظر حبيبة له في أحد الفنادق، فلما تأخرت عنه وصل به الجنون ووصل به الأمر إلى حد غريب، فلما وصلت إليه ذكروا أنه سجد لها لما أقبلت، فانظروا أعظم خطرٍ وصل بهم، ووصل بالكثير منهم وهم في حالة الشهوات والخمور وغيبة العقول إلى أن يخرج الإنسان عن دينه عياذاً بالله من ذلك. وأعداء المسلمين يوم أن رأوا أن المسلمين والعرب منهم خاصة لا يمكن الوصول إليهم بالسلاح غزوهم بغزو فكري وغزو خلقي وغزو جنسي، واستطاعوا بعد ذلك أن يجندوا أبناءهم ليكونوا في خدمتهم ولا عجب من ذلك يا عباد الله، إذ أن الشجرة لا يقطعها إلا غصن من أغصانها. يقول زعيم طائفة المبشرين يوم أن اجتمع به عام (1964م) على أغلب الظن، أنه لما اجتمع مع القسيسين وغيرهم وسألهم ماذا عملتم، فقالوا: قد نصرنا عدد كذا وكذا، ونصرنا عدد كذا وكذا، ولكن بعضهم رجع إلى الإسلام، ماذا قال القس صموئيل زومير الذي هو رئيس ذلك الاجتماع الذي عقد في القاهرة في ذلك العام؟ قال: اسمحوا لي معاشر المبشرين أنكم لم تعرفوا حقيقة التبشير حتى الآن، إن العرب المسلمين ليسوا بأكفأ أن يدخلوا في المسيحية ولكن يكفي أن تخرجوهم من دينهم حتى يعيشوا في الضلال والضياع. انظروا إلى أعظم شيء في ذلك، وقال غيرهم: إن العرب لا يغزون بالسلاح وإنما يغزون بغزو فكري، إنه مؤكد ولكنه بطيء، فماذا بعد الأخلاق إذا انهارت؟ وماذا بعد المروءات إذا تكسرت؟ وماذا بعد الشيم إذا ماتت؟ ماذا يبقى للناس من دين أو عقيدة يدافعون عنها، أو أعراض يموتون دونها، أو شمم وإباء ورفض للضيم؟ بعد ذلك تصبح النفوس كنفوس الديوثين والخنازير، إذا وقعوا في ألوان الانحلال والشذوذ عياذاً بالله من ذلك.

أثر السفر في الخاتمة السيئة

أثر السفر في الخاتمة السيئة ومن أعظم المصائب والجرائم التي يجرها كثير من أولئك الذين يسافرون تلك البلاد أن الكثير منهم يموت في تلك البلاد على أسوأ خاتمة وأسوء حالة، كيف حاله إذا كان الناس يبعثون يوم القيامة على ما ماتوا عليه؟ إذا مات الإنسان شهيداً بعث شهيداً، جرحه يثعب دماً، اللون لون دم والريح ريح مسك، إذا مات الإنسان محرماً فإنه يكفن في إحرامه ولا يغطى رأسه لكي يبعث يوم القيامة ملبياً، إذا مات الإنسان ساجداً بعث يوم القيامة ساجداً، فما حال من مات وهو في أحضان باغية؟ ما حال من مات وهو عند فرجها؟ ما حال من مات وهو بين مجموع من ألوان المصائب والبلاء والخمور وغيرها؟ كيف يبعث يوم القيامة وعلى أي حال يبعث؟! وا سوءة الحال من حال كتلك وا سوءة الأمر في حال كتلك نسأل الله جل وعلا أن يثبتنا على دينه، وأن يحسن خاتمتنا وأن يتوفانا على أحسن حال ترضيه إنه سميع كريم مجيب. عباد الله لا تظنوا أن هذا الكلام فيه ضرب من المبالغة، اسألوا الصالات الدولية في المطارات المتعددة كم استقبلوا من جثة في أقرب عطلة انتهت، عطلة الربيع الماضي، كم استقبلوا من جثة شاب جيء بها في التابوت، ذهب يمشي وعيد به محمولاً، أي مال أنفقه؟ وأي جهد ضيعه؟ وأي فريضة ضيعها؟ وأي فاحشة ارتكبها؟ انظروا إلى عظم هذا الأمر الذي يقع فيه كثير من الناس، أسأل الله جل وعلا أن يمن على شباب المسلمين، وأن يهديهم، وأن يفوقهم إلى ما يحبه ويرضاه، ثم اعجبوا بعد ذلك يا عباد الله بمجموع هذه المشاكل ومجموع هذه المصائب التي يسببونها لأنفسهم ولأموالهم ومعتقداتهم وغير ذلك، يسببون أيضاً مشاكل لا حصر لها للجهات الرسمية التي تمثل بلادهم. والذي يعرف واحداً خاصة في البلدان التي تشتهر بالسياحة وما تحت السياحة من ألوان مزركشة وما دونها من بلاء، فليسأله إن كان له في الجهات القنصلية أو السفارات أو غيرها ليسمع منه العجب العجاب في حال بعض الذين يذهبون إلى تلك البلاد، ويعودون بأسوأ سمعة لدينهم وبلادهم، نسأل الله أن يتوب علينا، ونسأله جل وعلا أن يهدي شباب المسلمين وأن يوفقهم إلى ما يحبه ويرضاه. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وأسأله أن ينفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

نعمة الاستقامة على دين الإسلام

نعمة الاستقامة على دين الإسلام الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بدين الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار. عباد الله! إن من نعمة الله جل وعلا على العبد أن ولد في مجتمع مسلم، إنها من أعظم النعم يا عباد الله أن يولد الإنسان في مجتمع مسلم، هداية ومنة عظيمة من الله جل وعلا، لو ولد الإنسان في مجتمع دهري أو إباحي أو غربي ونحو ذلك أتظنون أنه يصل به الأمر في دينه إلى ما أنتم فيه الآن -ولله الحمد والمنة- من معرفةٍ لأحكام الدين والعقيدة والفروع وغير ذلك؟ إنها لنعمة عظيمة، فاستمسكوا بهذه النعمة، وتمسكوا بها والزموها، وإن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن جاءه رجل قال: يا رسول الله! مرني بأمر لا أسأل أحداً فيه بعدك، أو قال: أوصني يا رسول الله، فقال: (قل آمنت بالله ثم استقم) {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:112]. إن الاستقامة على دين الإسلام لمن أعظم النعم، إننا يوم أن نرى رجلاً قد وصل الستين عاماً أو الثمانين أو المائة أو غيرها؛ نغبطه أن بلغ ستين عاماً في دين الإسلام، وقد ثبته الله على هذا الدين من يوم أن ولد إلى أن بلغ هذه الخمسين أو الستين، ولا عجب أن نسمع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله حين يقول: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم) لأنه شاب ونشأ وترعرع في دين الإسلام، فماذا بعد ذلك إلا التمسك بالنعمة.

أهمية التمسك بالدين لاستقامة الحياة

أهمية التمسك بالدين لاستقامة الحياة يا شباب الإسلام! ماذا بعد هذا إلا أن نعض بالنواجذ على هذا الدين، الذي وفقنا إليه بدلاً من أن نذهب لنضيع ديننا ونضيع كرامتنا ونسيء سمعة ديننا وبلادنا في تلك البلدان، إنها لمن أعجب المتناقضات، والإنسان ينبغي أن يعيش عيشة تحمد في موازينه يوم أن يرى صحيفته يوم القيامة، وينبغي أن يعيش عيشة يسأل الله فيها الثبات، وأن يذكر أنه عاش إنساناً ولم يعش بهيمة ولدت وأكلت وشربت وأنتجت ثم فارقت الدنيا، ينبغي أن يعيش عيشة الإنسانية التي تترك بصمات نيرة، التي تترك آثاراً جليلة في أسرة مستقيمة، في نشء صالح في دعوة صادقة، في علم نافع، في اختراع نافع، في جندية حقة، في عمل منظم، في إدارية نافعة، في أي عمل من الأمور التي يسر الإنسان أن يخدم بها بلاده وأمته وولاة أمره.

أقسام الناس من حيث أهمية حياتهم

أقسام الناس من حيث أهمية حياتهم أما أن يعيش الإنسان كالبهيمة يولد ويأكل ويشرب ويموت، ولا يبقى له أي أثر في هذه الدنيا، فأي فرق بين ذلك وبين البهيمة؟ بل إن بعض البهائم قد تكون أجل شأناً من ذلك، وتذكروا قول إبراهيم بن أدهم يوم أن ذكر الناس وذكر صفاتهم وأن الكثير منهم يعيشون، عيشة البلاء، ولله جل وعلا حكمة في إيجادهم، أما الذين يخلدون ويذكرون إذا فقدوا فهم قلة معدودة، حيث قال فيهم: إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه وموت الحاكم العدل المولى لحكم الأرض منقصة ونقمه وموت فتى كثير الجود محل إن بقاءه خصب ونعمه وموت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمه وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمه فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه وباقي الخلق همج أو رعاع وفي إيجادهم لله حكمه نعم يا عباد الله ينبغي أن يكون الإنسان مجاهداً شجاعاً عالماً تقياً، تاجراً مصدقاً منفقاً في سبل الخيرات، عابداً يرحم الله ببركة دعائه وبركة نفعه، أما الذين يعيشون لا همَّ لهم إلا أنفسهم وشهواتهم وبطونهم ماذا قدموا لأمتهم؟ ماذا قدموا لدينهم؟ أولئك الذين صرفوا الأموال في تلك البلدان وأساءوا سمعة دولتهم، وأساءوا سمعة دينهم، ووقعوا في البلاء، وقد يختم لهم بخاتمة الشقاء عياذاً بالله من ذلك، حتى أنفسهم أقرب الأمور إليهم ماذا قدموا لها؟ أسأل أن جل وعلا أن يستعملنا في طاعته، وأن يستعملنا فيما يرضيه، وأن يجعل أقوالنا وأفعالنا خالصة لوجهه، وأن يجعل جميع أعمالنا عبادة خالصة له جل وعلا. اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين فإنك ربنا تزع بالسلطان مالا تزع بالقرآن، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له، اللهم أبعد عنه من علمت فيه سوءاً وشراً له، اللهم اجمع شمله بإخوانه، اللهم ثبت أقدامهم ووحد كلمتهم، واجمع شملهم، ولا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً. اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم سخر لنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك، اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، واجعل لنا في كل دين قضاء، وفي كل مرض شفاء واحتساباً، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تدع لأحدنا في هذا المكان ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفتيه، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره. معاشر الأحباب! ولو أطلنا عليكم أعود لأتذكر نقطة: إن كثيراً من الذين يسافرون إلى تلك البلدان بحمد الله جل وعلا لم يجدوا مجالاً مفتوحاً للفساد والعهر في هذه البلاد وهذه نعمة عظيمة، قد يقول قائل ويدور بذهن أحدكم الآن يقول: وهل تجهل أن هناك ما يمارس سراً وخفاء؟ نقول: إن المعصية إذا ظهرت عمت، وإذا خفيت خصت، ولا يخلو مجتمع من فساق أو من فعلة الفحشاء وغيرها، ولكن بحمد الله جل وعلا أنهم لم يجدوا متسعاً ومتنفساً في هذه البلاد، فيذهبون إلى تلك البلاد، ولكن رغم ذلك ننصحهم بالتوبة والعودة والإنابة إلى الله جل وعلا. اللهم صل على نبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

أهمية تعمير المساجد

أهمية تعمير المساجد المسجد مدرسة الرجال، ومحضن الأبطال، وبقدر الاهتمام به وتفعيل دوره يوجد الرجال، وفي هذه المادة بيان لأهمية بناء المساجد حسياً ومعنوياً، وأهمية إكرامها والتأدب بآدابها.

معرفة حقيقة عمارة بيوت الله

معرفة حقيقة عمارة بيوت الله إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد! الله اتقوا الله تعالى حق التقوى؛ فهي وصية الله للخلائق أجمعين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. معاشر المؤمنين! ابتداءً من يوم غد السبت ولمدة أسبوع تهتم الجهات الحكومية على اختلاف مهماتها، وطلبة الجامعات والمدارس، كل أولئك يهتمون ويبذلون مزيداً من الجهد للمشاركة في الأسبوع السنوي للمساجد، والموضوع اليوم متعلق بذلك. عباد الله: لقد ذكر الله جل وعلا في كتابه الكريم فضل وثواب المعتنين بالمساجد والمهتمين بها فقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18] وعمارة المساجد ليست قاصرة على إنشائها أو بنيانها فقط، بل إن عمارة المساجد المذكورة في الآية شاملة للعمارة بكل معانيها، فيدخل في ذلك إنشاؤها وبنيانها؛ سواءً كان بانيها متبرعاً بذلك من خالص ماله وحله، أو ساعياً في جمع ذلك المال لبناء المساجد به، أو متبرعاً بشيء مما يصلح لبنيانه وإنشائه، ويدخل في عمارة المساجد عمارتها بالسعي إليها والصلاة مع الجماعة فيها، وقراءة القرآن وتعلم العلم وتعليمه فيها، وقد ذكر الله جل وعلا صفات عمار المساجد بقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة:18] وبذلك دلت الآية أن من اتصف بهذه الصفات فهو بإذن الله من عمار بيوت الله، الذين ترجى لهم الهداية والتوفيق، إذ قد يعمر المساجد من يباهي ويرائي بعمارتها وقد يعمرها من مال حرام، والله طيب لا يقبل إلا طيباً. بنى مسجداً لله من غير حله فكان بحمد الله غير موفق كمطعمة الأيتام من كد عرضها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي إن بعض المسلمين هداهم الله قد يتاجرون في أموال ربوية، وتجارة محرمة، وصفقات مشبوهة، وبعد ذلك يطيب خاطره بقوله: أبني مسجداً أو مسجدين من هذا المال، ويظن أن تبعة ماله بذلك قد انتهت، وقد نسي أنه سيحاسب على ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، ديناراً ديناراً ودرهماً درهماً.

ثناء الله على عمار بيوته بذكره وتسبيحه سبحانه

ثناء الله على عمار بيوته بذكره وتسبيحه سبحانه عباد الله: لقد أثنى الله جل وعلا على عمار بيوته بالتسبيح والذكر والدعاء، ووعدهم بجزيل الأجر والثواب فقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36 - 38] ولقد توعد الله من عطل مساجده، أو كان سبباً في قطع الناس عنها، أو بعدهم عن الصلاة فيها فقال جل من قائل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:114].

الحث على عمارة بيوت الله وفضل المشي إليها

الحث على عمارة بيوت الله وفضل المشي إليها ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على بناء المساجد في الحديث الذي رواه الشيخان: (من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله؛ بنى الله له بيتاً في الجنة) وفي رواية: (من بنى مسجداً لله ولو كمفحص قطاة) ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً كان أول عمل قام به بناء المسجد، وذلك لأهميته، ولا غرو ولا عجب في ذلك، فالمساجد بيوت الله، ومأوى ملائكته، ومهابط رحمته، ودور عبادته، وهي ملتقى عباده المؤمنين، رتب الله على وجود المساجد أجوراً عظيمة، وخيرات عميمة، فجعل سبحانه المشي إليها سبيلاً لرفعة الدرجات، ومحو الخطايا والسيئات، يقول صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح) ويقول صلى الله عليه وسلم: (من راح إلى مسجد الجماعة، فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب حسنة ذاهباً وراجعاً) رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني، وابن حبان في صحيحه. ويقول صلى الله عليه وسلم: (إلا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط! فذلكم الرباط! فذلكم الرباط!) ويقول صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) رواه أبو داود. وهذا الفضل يفوز به الذين يحافظون على صلاة الفجر في المساجد، إذ أن تمام الظلمة في ذلك الوقت وفي صلاة العشاء أيضاً، أما الذين يتكاسلون عنها، ويتهاونون بها، فإنهم على حرمان وغبن عظيم، إذ يفوتون على أنفسهم، فالنور التام يوم القيامة -برحمة الله وفضله- إنما هو للمشائين في الظلم إلى المساجد يبتغون ما عند الله، والذي يعمر المساجد بالصلاة فيها مع الجماعة مشهود له بالإيمان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:18] رواه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، في صحيحيهما. ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة) وروى البخاري: (إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يقم من مصلاه أو يحدث) فكل هذه الأجور، وكل هذه الفضائل والخيرات متعلقة بعمارة المسجد بالصلاة فيها مع الجماعة والذكر والدعاء والتلاوة والقرآن. فما حال الذين لا يعمرون المساجد بالصلاة فيها مع الجماعة، الذين يصلون في بيوتهم، الذين يصلون فروضاً في المسجد، ويتركون أغلب فروض اليوم فيصلونها في بيوتهم، هل ينالون فضل السعي إلى المسجد؟! كيف يسعى إلى المسجد وهو يصلي في بيته؟! هل ينالون فضل نور المشائين في الظلم إلى المساجد وأحدهم يصلي بجوار فراشه؟! هل ينال فضل دعاء الملائكة له بقولهم: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وهو لا يصلي إلا حينما يفرغ من شغله، سواء فوت الصلاة مع الجماعة أو أخرها إلى التي تليها عياذاً بالله من ذلك؟! إن الذين يتركون الصلاة مع الجماعات ليسوا من عمار بيوت الله، ويفوتون على أنفسهم ثواباً وفضلاً عظيماً، فيا غبن صفقتهم! ويا خسارة تجارتهم! عباد الله: ما دامت هذه الأجور العظيمة مرتبطة ومبنية على وجود المساجد، وعمارتها والصلاة فيها، وما يترتب على ذلك من السعي والمشي إليها، فالله الله! بالتبكير إلى المساجد ولا تتهانوا بها، وكونوا من عمارها تشهد الملائكة لكم عند ربكم، يقول صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فإذا جاء الليل صعد ملائكة النهار إلى الله، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهو يصلون) فيا فوز من شهدت له الملائكة عند ربه بالصلاة مع الجماعة! ويا خيبة من خسر هذه الشهادة بالصلاة في داره وبيته! عباد الله! إن التأخر عن الصلاة رويداً رويداً مما يجر الإنسان إلى تعطيل عمارة المسجد، والتهاون بذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) رواه مسلم. عباد الله! إن عدم عمارة المساجد بالصلاة فيها مع الجماعة قد يجر إلى تعطيل الجماعات، وتعطيل الأذان، وإن التأخر عن الصلاة والتهاون بها من صفات المنافقين الذين لا يشهدونها مع الجماعات ويتهاونون بها، ولقد وصفهم الله بقوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] ويقول الله أيضا: {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة:54].

من اعتناء الشرع بالمساجد

من اعتناء الشرع بالمساجد المساجد يا عباد الله فضل الله فيها عظيم، ورتب الله خيرات عميمة لعمّارها، والمهتمين بالصلاة فيها، والمبادرين المتسابقين إلى الصفوف الأولى فيها، فيا بشراهم بفضل الله ورحمته عليهم!

الأمر بصيانتها من الأقذار

الأمر بصيانتها من الأقذار إن من عناية النبي صلى الله عليه وسلم أمره بتنظيفها ونهيه عن توسيخها ببصاق ونحو ذلك، فيقول صلى الله عليه وسلم: (البصاق في المسجد خطيئة؛ وكفارتها دفنها) والدفن إنما هو في المساجد التي تكون تربتها من الحصباء، أما المساجد في هذا الزمان فهي بحمد الله على أحسن حال، وأفضل صورة، فينبغي صيانتها عن كل شيء، وينبغي العناية بها وتنظيفها.

النهي عن إنشاد الضالة في المسجد

النهي عن إنشاد الضالة في المسجد عباد الله: لقد نهى صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء في المساجد فقال: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا ردها الله عليك) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

النهي عن رفع الصوت في المساجد

النهي عن رفع الصوت في المساجد ونهى صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت فيها، فعن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: [كنت في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أين أنتما؟ قالا من أهل الطائف، فقال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم] رواه البخاري.

النهي عن الإتيان بالروائح الكريهة إلى المسجد

النهي عن الإتيان بالروائح الكريهة إلى المسجد فالشريعة جاءت بالعناية بالمساجد واحترامها وتكريمها، ولا أدل علىذلك من تكريم المصلين والملائكة عن كل ما يؤذيهم، وينفرهم، إذ نهى صلى الله عليه وسلم الذين يأكلون الثوم والبصل من إيذاء المصلين فقال: (من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) ولا يتخذن أحدٌ هذا الحديث حجة أو وسيلة للتهاون بالصلاة، فيأكل ثوماً وبصلاً ويقعد في بيته متخلفاً عن الجماعة ويقول: أكلت ثوماً وبصلاً. ألا وإن مما هو أسوأ من الثوم والبصل الدخان، وما يسمى بالشيشة أو النارجيلة أو ما داخل هذا المعنى فإنه مما يؤذي المصلين، ويؤذي الملائكة، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم، فاستغفروه من كل ذنب وتوبوا إليه؛ يمتعكم متاعاً حسناً، ويرسل السماء عليكم مدراراً.

ضرورة فتح بيوت الله ليل نهار

ضرورة فتح بيوت الله ليل نهار الحمد لله الذي أنزل الكتاب، وأنشأ السحاب، وخلق عباده من تراب، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. عباد الله! علمتم فضل المساجد ومكانتها في دين الإسلام، وأن المساجد اليوم لا تعرف من دورها إلا الصلاة والأذان فيها فقط، أما ذلك الدور الذي عرفه الآباء والأسلاف والأجداد، ذلك الدور الذي أنشأ القادة، ذلك الدور الذي أعد الرجال والأجيال، ذلك الدور الذي رفع الحماس في قلوب المصلين، وسيرهم بالجهاد مستبسلين يبتغون الشهادة، ذلك الدور الذي خرج العلماء وطلبة العلم، ذلك الدور الذي جعل المسجد قنديلاً، وجعل المسجد مشكاة يستنير بها من حولها، فهو مفقود في هذا الزمان، وما هو إلا أن الناس لم يعرفوا من دور المسجد إلا أن يأتوا ليصلوا فيها، أو يحضروا قليلاً، فإذا أقيمت الصلاة صلوا فيها، ثم خرجوا منها. إن المساجد -يا عباد الله- ينبغي أن تكون مفتوحة ليل نهار، وإن كان هناك ما يخشى من سرقته أو يخشى من فقده أو العبث به، فإن الدولة مشكورة وفقها الله قد هيأت خدماً وحراساً للمساجد، وهيأت مساكن فيها، فهم الذين يعتنون بها. إن المساجد لا بد أن تكون مشعلاً حياً في الأمم والمجتمعات، ولا بد أن تعود حلقات العلم فيها، ولا بد من السعي لإيجاد حلقات تدريس القرآن الكريم للصغار والكبار فيها، فإن ذلك من أهم الأمور التي تحفظ أبناء المجتمع، أرأيتم لو أن كل مسجد فيه حلقة للكبار والصغار لتعليم كتاب الله، وأن المسجد يبقى مفتوحاً مع عناية وحراسة والتزام وتنبه لما فيه، أتظنون أن غريباً لا يجد من يؤويه سيجد مشكلة أن يتوضأ ويصلي ركعتين فيجلس في بيت من بيوت الله؟ ولا أعني بذلك أن يتخذ المسجد سكناً أو أن يتخذ مكان إقامة، وإنما هو يجد بيتاً من بيوت الله جل وعلا، ليجد فيها أمناً وراحةً واطمئناناً، حتى يدبر شأنه، وييسر سبيله، وينجح قصده، أما الذين يتخذون المساجد مكاناً للنوم، أو يتخذونها مكاناً لقضاء الوقت والفراغ فيها، فإن أولئك في الغالب لا يعمرونها بذكر الله أو الطاعة والعبادة. لذا يا عباد الله! ينبغي لمن كان مسئولاً في مسجد من المساجد أو إماماً أو له كلمة في مسجد قد بناه أو قام بشأنه، ينبغي أن يحرص على ذلك، وأن ينشئ فيه حلقة من حلقات القرآن الكريم لتدريس الناس وتعليمهم، وإن من أهم الأمور التي ينبغي أن توجد في المساجد إيجاد مجموعة من الكتب فيها، أو إنشاء مكتبة في زاوية من زوايا المسجد أو في ناحية من نواحيها، فبفضل الله جل وعلا، ثم بهذه المكتبة يأوي شباب الحي وأطفالهم فيجدون متسعاً نظيفاً لقضاء الوقت، ويجدون مكاناً مهيئاً يقضون أوقاتهم فيه إما بتلاوة أو بذكر أو بعبادة، أو بقراءة واطلاع، أو بنقاش. ومما ينبغي أن يعاد إلى المساجد وذلك بتبرع أهل الخير فيها تبرعاً مالياً أو تبرعاً جهدياً، لتدريس أبناء المجتمع شيئاً من المواد قرب مواسم الامتحانات، فجزى الله من بادر وتبرع بجهده لتعليم أبناء الحي شيئاً من المواد التي سيختبرون، وسيجد فضله وثوابه عند الله جل وعلا. كذلك الدروس الأسبوعية أو الشهرية أو المحاضرات، وتعويد الصغار على الجرأة في المساجد بإلقاء الكلمات، وبالوقوف أمام الناس، على الجرأة بالسؤال والجواب، في سبيل تحصيل العلم، فإن المساجد حينما تقوم بهذه الأدوار عن طريق المهتمين بها وعن طريق جماعات المساجد فيها، فإنهم بذلك يعيدون دوراً حياً ومكانة للمسجد في كل مكان. أسأل الله جل وعلا أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، وأن يبطل كيد الزنادقة والملحدين. عباد الله! إنها لمن أعظم النعم بفضل الله ومنته أن إذا حان دخول وقت صلاة من الصلوات ضجت هذه البلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، ارتفعت أصوات التكبير من المآذن خفاقة عالية بتكبير الله جل وعلا، وحث المصلين وندائهم إلى حضور المساجد، وهذا أمر يندر في كثير من الدول، فالحمد لله على هذه النعمة، نسأل الله أن يجعله صوتاً خفاقاً، وذكراً عاطراً باقياً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بعزة الله جل وعلا للإسلام والمسلمين، وولاة أمورنا خاصة، وولاة أمور المسلمين عامة. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله بإخوانه، اللهم لا تفرح عليهم عدواً ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم ما علمت في أحد خيراً له فقربه منه، وما علمت في أحد شراً له ولأمته فأبعده عنه برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى الجنة مصيرنا ومآلنا، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا أيماً إلا زوجته برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! اللهم أغثنا! اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا إله إلا الله سبحانك إنا كنا من الظالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا خلق من خلقك، وعبيد من عبيدك، فلا تحرمنا بذنوبنا فضلك، اللهم إن كثرت معاصينا فإن فضلك أعظم، وإن كبرت ذنوبنا فإن فضلك أكبر برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لنا ولموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، واجعل ختامنا وميتتنا وفراقنا من هذه الدنيا على الشهادتين ما ظلمنا وما بدلنا وما غيرنا، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وافسح اللهم لهم قبورهم مد أبصارهم برحمتك يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم وفيهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه التي لا تستطيعون حصرها ولا تقدرون شكرها يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الصحة والفراغ عند الشباب

الصحة والفراغ عند الشباب الإجازة الصيفية بوابة يطل عليها الأبناء من الصغار والكبار ولكن ماذا عن؟ ماذا أعمل في الإجازة الصيفية؟ كيف أستغل الوقت فيها؟ ماذا عن ظاهرة سفر كثير من الشباب إلى الخارج؟ أسئلة جعلها الشيخ محور حديثه في هذه الخطبة وأجاب عنها.

أبناؤنا والإجازة الصيفية

أبناؤنا والإجازة الصيفية الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، نحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونتوب إليه، إنه كان للتائبين الأوابين غفوراً، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً نصيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله إلى جميع الثقلين الإنس والجن بشيراً ونذيرا؛ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وأنيبوا إلى ربكم، وأسلموا له من قبل أن يأتيكم يوم تودعون فيه لحوداً وقبوراً، يقول صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ). معاشر المؤمنين: بعد أيام قليلة يستقبل أبناؤنا وشبابنا إجازة طويلة، بعد أشهر مضت في الدراسة والتعليم، ولا يخفاكم أيها الإخوة! أن الإجازة الدراسية في آخر العام تعني فراغاً كثيراً في أوقات الشباب، وهذا ما يدعو إلى أن نطرح أمامهم سؤالاً مهماً وهو أين وفيم يقضون أوقات الفراغ في هذه الإجازة الطويلة؟

الفراغ نعمة ونقمة

الفراغ نعمة ونقمة قبل أن نخوض في توجيه الشباب إلى الترتيب والإعداد لبرامج الاستفادة من الأوقات نود أن نبين لهم أن الفراغ نعمة ونقمة، فهو نعمة لمن أحسن استغلاله واستثمر أيامه، ونقمة لمن جعله موسماً لمزيدٍ من البطالة والكسل، يقول عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: [أشر شيء في العالم البطالة] معاشر المؤمنين: أيها الشباب! تذكروا أن آباءكم وأجدادكم كانوا لا يعرفون شيئاً اسمه الفراغ؛ لأنهم في شغل شاغل، في تأمين لقمة العيش وسد حاجات الحياة الأساسية، كان الواحد منهم من صغره وهو في حاجة أهله وعون والديه على النفقة على إخوانه وأخواته، وسواءً تغرب وسافر من أجل ذلك، أو عمل أجيراً ببدنه؛ لأجل ذلك في بلاده، ولم تكن مرافق الحياة وخدماتها متوفرة لهم، كما توفرت بين أيدينا في وقتنا الحاضر، إذ أننا اليوم نرى الشاب يملك من الوقت الكثير الكثير؛ خاصة أوقات الإجازة الدراسية الطويلة؛ وذلك لأن جميع مرافق الحياة ومستلزماتها وأسباب الراحة والرفاهية قد هيئت له وتوفرت بين يديه، فلا عليه إلا أن يشتغل بما هو أهم وأولى، ولكن كثيراً من الشباب لم يعرفوا قيمة نعمة الفراغ، وبالتالي لم يستثمروا الأوقات كما ينبغي، وقاد ذلك الكثير منهم إلى الوقوع في العادات السيئة الضارة المخلة بالدين والشرف، وتورط بعضهم في جرائم لم يكن يتوقع أو يظن أن يقربوها أو يقتربوها بدون ذلك الفراغ القاتل: إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسده عباد الله: اعلموا إن النفس البشرية لا بد لها من شغلٍ وعمل؛ فإن لم نشغل هذه النفس ونستعملها وما معها من الجوارح في طاعة الله، فستشغلنا بغير ذلك، أي: بمعصية الله ومن هنا ننصح أنفسنا وإخواننا بترتيب الأوقات والاستفادة منها غاية الاستفادة، إذ أن الأوقات هي حياتنا ومراحل أعمارنا تطوى بليلها ونهارها؛ ولأن ما مضى منها لا يعود أبداً، وقد جاء في بعض الآثار: [ما من يومٍ تطلع فيه الشمس على ابن آدم إلا وينادي فيه مناد: يا ابن آدم! أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود أبداً] ولو عمل الإنسان الواجبات واعتنى بالمندوبات والسنن المؤكدة، واعتنى بوقتها عناية دقيقة؛ فلن يجد متسعاً لشيءٍ يسمى الفراغ أو البطالة.

حث الإسلام على اغتنام الأوقات

حث الإسلام على اغتنام الأوقات عباد الله: إن اغتنام أوقات الفراغ بأيامها ولياليها أمرٌ قد حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (اغتنم خمساً قبل خمس، وذكر منها فراغك قبل شغلك وشبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك) فما من أمرٍ فيه خير وصلاحٌ للإنسان في دينه ودنياه إلا وينبغي له أن يبادر الوقت في تحقيقه قبل أن يحل به ما يشغله عنه، يقول صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال، هل تنتظرون إلا فقراً ملهياً، أو غنىً مطغياً، أو الدجال فشر غائبٍ ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر).

مجالات متعددة للاستفادة من الأوقات

مجالات متعددة للاستفادة من الأوقات أيها الشباب: هناك مجالاتٌ متعددة للاستفادة من الأوقات والاستمتاع بها غاية المتعة، ومفتاح ذلك والسبيل إليه الجلساء الصالحون والصحبة الصالحة المعينة على استغلال الوقت واستثماره فيما يعود على الشاب بالنفع والفائدة، فإذا حصل الشاب مفتاحاً معيناً له على الاستفادة من وقته؛ فأمامه عند ذلك سبلاً شتى لاستغلال أوقات الفراغ إن وجدت.

المراكز الصيفية

المراكز الصيفية ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر المراكز الصيفية التي تعنى بها الجهات التعليمية في هذه البلاد المباركة عناية شديدة؛ حيث يتوفر للشاب فيها ألوان مختلفة من الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية يستطيع من خلالها أن يكتشف وينمي مواهب ومهارات موجودة في نفسه لم يكن يعرفها قبل ذلك، وعلى قدر مشاركة الشباب وتفاعلهم في هذه الأنشطة، فإن الواحد منهم يعود على نفسه بخبرات فريدة وتجارب مفيدة تنفعه في مستقبل عمره، ولو لم ينل الشاب من هذه المراكز إلا أن يحفظ نفسه عن مجالسة الأشرار، ومخالطة السيئين لكفى بذلك نفعاً ومغنماً.

الدروس العلمية لدى العلماء والمشايخ

الدروس العلمية لدى العلماء والمشايخ ومن السبل النافعة التي يقضي فيها الشباب أوقاتهم، بل من أجل السبل النافعة التي يقضي فيها الشباب أوقاتهم، الدروس العلمية لدى العلماء والمشايخ الأجلاء والتي تنعم مدينة الرياض بمزيدٍ وافر منها في شتى المساجد المتفرقة في هذه العاصمة، وماذا على الشباب لو رتب الواحد منهم وقته وأعد لنفسه برنامجاً أو جدولاً يحضر فيه عدداً من الدروس المختلفة في العقيدة، أو الفقه، أو الحديث، أو الفرائض، واللغة والأدب؛ ليرتقي بنفسه إلى مراتب العلم والعلماء.

حفظ كتاب الله

حفظ كتاب الله ومن أجل السبل النافعة التي ننصح أنفسنا وإخواننا الشباب بها: استغلال الإجازة في حفظ كتاب الله جل وعلا، وليس ببعيدٍ على شاب مجتهد عرف كتاب الله وما فيه تلاوته وتدبره من الأجر والثواب؛ ليس ببعيدٍ عليه أن يعكف على كتاب الله ليحفظه كاملاً في مدة هذه الإجازة الطويلة، وليس هذا الأمر صعباً أو معجزة بالنسبة لمن فرغ القلب والنفس من الهموم والمشاغل ووحد العزيمة في حفظ كتاب الله، وإني لأهنئ شباباً صغاراً قد بادروا أوقاتهم في إجازات مضت وعزموا بالجد والاجتهاد، فحفظوا كتاب الله في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو أربعة، يقول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17].

القراءة والمطالعة

القراءة والمطالعة ومن السبل النافعة التي يقضي بها الشباب أوقاتهم القراءة والمطالعة في المكتبات العامة والمنتشرة في كثير من المساجد بحمد الله؛ فإن في ذلك من الفوائد الكثيرة ما يضيق المقام بحصره، ولو لم يكن فيها إلا جلوس الإنسان في بيتٍ من بيوت الله قريباً من ذكره وعبادته بعيداً عن الشيطان ووساوسه لكان ذلك وحده كافياً. ومن الشباب من أولعوا بشيءٍ من الهوايات النافعة تعم بالخير كالرماية والسباحة، وهي التي حث الفاروق بن الخطاب رضي الله عنه عليها بقوله: [علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل] فهذه من محاسن الهوايات وأفضلها؛ لما يتعود عليه طالبها من الرجولة والكرامة والإباء، ولا بأس أن يقضي الشاب في ممارستها شيئاً من وقته بشرط ألا تشغله عن ذكر الله جل وعلا. وإن مما ننصح به الشباب الصالحين المستقيمين أن يجعلوا هذه الإجازة فرصةً لمزيد بذل في الدعوة إلى الله، وطلب العلم وتعليم من يجهل احتساباً لذلك عن عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذه من أمور العبادة، والإنسان معلوم أنه يبذل فيها أفضل أوقاته ويبذل فيها أهم أوقاته، لكنه يزيد من جهده ويضاعف من نشاطه في طلب العلم والدعوة إلى الله في مثل هذه الإجازة. ومن الشباب من أولع ببعض الهوايات العلمية التقنية؛ كشيءٍ من الاختراعات أو تطوير بعض الأجهزة، وذلك حسن جداً؛ لما يعود عليه وعلى أمته مستقبلاً بالنفع العظيم. إن كثيراً من الناس حينما تسأله عن انقطاعه وفقده، يقول: كنت منشغلاً بالدراسة والامتحانات، أما الآن فأمامك إجازة طويلة تستطيع أن تقضي فيها أوقاتاً مباركة في صلة أرحامك وبر والديك، وفي زيارة إخوانك في الله، وفي جملة من الأعمال المهنية والعلمية والوظيفية، وإن هذه البلاد بحمد الله قد فتحت معاهد للتدريب الفني والمهني لمن أراد أن يكسب صنعة أو أن يكسب خبرة في أي مجال من المجالات، فاستغلوا الأوقات وبادروها قبل أن تفوت عليكم ولم تستفيدوا منها. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

ظاهرة السفر إلى الخارج

ظاهرة السفر إلى الخارج الحمد لله الواحد بلا شريك، والعليم بلا ظهير، والعزيز بلا نصير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، هو الذي أنشأنا من العدم وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل خير سألناه أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن وجوهكم وجسومكم على وهج النار لا تقوى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار. معاشر المؤمنين: هناك ظاهرة سيئة وقع بعض الشباب -هداهم الله- فيها، ومن المؤسف أن جملة ممن وقعوا فيها لا يزالون صغاراً، ألا وهي سفر بعضهم أو اصطحاب بعضهم بعضاً إلى السفر إلى الخارج، إذ أن الإنسان لا يقف أمامه ما يردعه، فجواز السفر ميسرٌ بالنسبة له، وبعد ذلك قد يذهب بدون إذن والده أو عاصياً امتناع والده عن سفره، ومن ثم يذهب إلى تلك الدول الغربية الكافرة، التي تعرض فيها المنكرات والفواحش في الأسواق عرضاً، ثم بعد ذلك لا يملك أمام شيطانه وضعف نفسه الأمارة بالسوء، لا يملك أمام ذلك إلا أن ينساق وراء هذه الشهوات والمغريات، فيعود عياذاً بالله! شارباً للخمر، أو زانياً، أو واقعاً في كثير من الممارسات الجنسية الشاذة، وإن بعض الشباب قد وقعوا في ذلك -هداهم الله- ومنهم من أخبرني أنه سافر مع صديق له لا يزالون صغاراً، لكن الشيطان أغوى بعضهم أو أغواهم، ومن ثم وقعوا في جريمة كبيرة، وبعد ذلك عاد تائباً يقول: إن الله يقبل التوبة، ولكن ما الذي حدا بك للسفر إلى بلاد لا حاجة لك فيها، لا تطلب فيها علماً معدوماً في بلاد المسلمين، وليس لك فيها تجارةٌ لابد من حضورك فيها، وليس لك من أمرها قليلٌ أو كثير. إننا بحمد الله يوم أن ننصح الشباب ألا يتوجهوا في السفر إلى الخارج، وأن يقضوا إجازاتهم في مصايف بلادهم، وفي أرضهم، وفي ربوع مملكتهم ننصحهم بهذا؛ لأننا نعلم ولله الحمد أنهم في هذه البلاد على ارتباط وثيقٍ بعبادة الله، فهم يسمعون المآذن تعج بالتكبير في كل يوم خمس مرات، أينما ذهبوا في أي جهةٍ من جهات هذه المملكة شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً، وذلك مما يشدهم ويصدهم عن الوقوع في الفواحش، ومن العصمة ألا يقدروا إذ أننا ولله الحمد والمنة لا نرى مظاهر الفساد، أو الزنا، أو الخمور، علنيةً ظاهرة؛ فذلك من فضل الله، والكثير يعجز عن نوالها والحصول عليها، ومن العصمة ألا يقدر الإنسان. أيها الإخوة: إننا ننصحكم أن تنتبهوا لأوقاتكم، وألا تفكروا في السفر إلى بلاد لا حاجةً لكم فيها، وإني لأنصح الآباء أن ينتبهوا لأبنائهم، وأن يتأكدوا تمام التأكد من أحوالهم، وأن يكونوا على صلةٍ وثيقة تحصل الهيمنة والسيطرة من الأب على ولده، لا أن يخرج الشاب ثم يسافر إلى أي جهة شاء، وبعد ذلك يعود فاجراً، أو زانياً، أو سكيراً، أو مجرماً من المجرمين، فإذا عاد الواحد منهم، وقد تكون أول مرة يقع فيها في الفواحش يعود الشيطان إليه يقول: ماذا بعدما زنيت، اترك الصلاة، زنيت دع عنك هذا الأمر، شربت الخمر دع عنك هذه الصحبة، ثم بعد ذلك يهون عليه ارتكاب الجرائم والفواحش والمعاصي مذكراً له بفاحشة كبيرة تهون عليه ارتكاب ما دونها، وإني لأنصح الشباب أن يهتموا بهذا الأمر اهتماماً عظيماً، وألا ينساقوا وراء المغريات التي تنتشر في كثير من المجلات، عبر الدعوة إلى شركات السياحة والمتعة في بلدان الخارج، إذ أن حقيقتها سم زعاف وتدمير للأخلاق، وإفساد للهمم والكرامات، فيما يسمونه بالرحلات السياحية التي تنظمها شركة من الشركات، فتدور على جملة من بلدان العالم، من هو الذي يحفظهم في هذا السفر؟ من هو الذي يوجههم؟ هل معهم من أهل العلم من ينتبه لهم؟ هل معهم من المربين والأساتذة المثقفين من ينتبه لأحوالهم؟ رحلات سياحية في أي جهة كانت، هدفها الأول ابتزاز الأموال ومحصلة آخرها فساد للشباب في أخلاقهم وفي أنفسهم، وصرف لهم عن طاعة رب العالمين. وإن من المداخل الخبيثة السيئة على كثير من الشباب ما يسمونه بفكرة دراسة اللغة الإنجليزية، فترى الواحد منهم يسافر وحيداً أو يدفعه والده إلى السفر بحجة تعلم اللغة الإنجليزية وبعد ذلك يقول: إذا سافرت إلى هناك لا بد لك أن تسكن مع أسرة تخالطها وتحادثها، وتتكلم معها؛ لأن ذلك يعينك على الاستفادة من اللغة وتحصيل المخاطبة بها، وقد نسي ذلك الشاب أو نسي والده أنه يقع في فخٍ وكمينٍ قد أعد له من زمن طويل، أو أعد لفلذة كبده، فالتفتوا لهذا يا عباد الله! وإن سبل تحصيل هذه اللغة متيسر في هذه البلاد ولله الحمد والمنة لمن كان محتاجاً لها.

عاقبة الفراغ وحفظ الشباب لأوقاتهم

عاقبة الفراغ وحفظ الشباب لأوقاتهم الله الله يا شباب المسلمين! إياكم والبطالة، ودعوا عنكم الكسل، واجتهدوا في حفظ أوقاتكم، إن الإنسان أن يفتح متجراً أو مكاناً بسيطاً يتاجر فيه وإن لم يشتغل بذكر الله والدعوة إلى الله وطلب العلم والتعليم خير له من أن يبقى عاطلاً لا عمل له، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [إني لأرى الرجل فيعجبني، فأسأل هل له من عمل؟ فيقول: لا. فإذا قال: لا. سقط من عيني] لأن البطالة أساس الفساد. إن الذين وقعوا في المخدرات وتناولوها، وساروا في بيعها وترويجها، إن الذين ضعفت نفوسهم في تدبير الرشاوى، إن الذين دخلوا بالفساد على أنفسهم وأهلهم، إن الذين وقعوا في كثير من الانحرافات الخلقية وبثوا سمومهم إلى ما حولهم من أبناء مجتمعهم، كان السبب الأول في هذا هو الفراغ. إن الفراغ هو الذي يولد المصائب وهو الذي يولد الجرائم، وهو الذي يولد المشكلات. إذاً فينبغي لنا أن نهتم بأوقاتنا، وأن نشغل أنفسنا بطاعة الله أو بالمباحات التي تعيننا على طاعة الله، قبل أن تشغلنا النفوس بالمعاصي: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمرٌ ثاني إذا اشتغل الإنسان ونفع في بلده وأسرته وفي وطنه وأمته استطاع بذلك أن يحقق لنفسه عقباً صالحاً من جميع المسلمين الذين يذكرون أفعاله بالخير ويدعون له على ما فعل، أما الذين يعيشون الليل والنهار كالبهائم لا يذكرون الله، ولا يعرفون عبادة، ولا صلاة مع الجماعة، ولا يعرفون ذكر الله طرفة عين، وقد وقعوا في حضيض الفساد وهاوية الدمار، إنهم بذلك يجرون الفساد لأنفسهم ولمجتمعاتهم، فإذا ماتوا بعد ذلك قيل عنهم: حجرة زالت عن طريق المسلمين، فينبغي للإنسان أن يجعل لنفسه في هذه الحياة لبنة تعرف له في حياته ويذكر بها بعد موته، يدعو له من رأى ثمرة عمله ونتيجة جهده يقولون: جزى الله فلاناً بن فلان خير الجزاء، فلقد فعل وفعل، مما عاد بالنفع عليه وعلى أسرته وإخوانه المسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بلادنا بسوء وأراد ولاة أمورنا بفتنة وعلمائنا بمكيدة؛ اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين! اللهم اختم بالشهادة آجالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، اللهم لا تدع لأحدنا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، اللهم اعصمنا عما يسخطك وجنبنا ما يغضبك، ووفقنا إلى ما يرضيك. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا غيثاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واغفر لنا وتب علينا. اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له، وابعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله بإخوانه ومن أحببته وأحبه، اللهم لا تفرح عليهم عدواً ولا تشمت بهم حاسداً برحمتك يا رب العالمين! اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم أصلح شباب المسلمين ونساءهم وزوجاتهم وبناتهم يا رب العالمين، اللهم أرنا في شبابنا ما يرضيك ويسرنا يا رب العالمين، اللهم اجعلهم خير الشباب لأمتهم، اللهم انفعهم بأمتهم، اللهم انفع أمتهم بهم، اللهم لا تجعلهم حطباً لجهنم، اللهم لا تجعلهم ممن ينفع أعداء أمتهم، اللهم وفقهم لما فيه صلاح نياتهم وذرياتهم وقلوبهم يا رب العالمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً، إن الله يعلم ما تصنعون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تفعلون.

الخسوف

الخسوف الخسوف والكسوف من آيات الله الكونية التي يجريها سبحانه وتعالى لحكم عديدة، منها: التخويف للعباد، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء والصلاة، لكن الواقع المشاهد للمسلمين يُرثى له، من عدم الاتعاظ والاعتبار بآيات الله والانغماس في المعاصي والذنوب، في ظلال هذا الموضوع كانت خطبة الشيخ.

حكمة الله في الخسوف والكسوف

حكمة الله في الخسوف والكسوف إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، يقول الله جل وعلا: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت:37]. معاشر المسلمين! أجرى الله آياته الكونية، كالنجوم والشمس والقمر وسائر الكواكب وغيرها، وسائر مخلوقاته جل وعلا أجراها على نظام معينٍ تسير عليه: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:38 - 40]. فإذا أخلف الله هذا النظام، وغير تلك القوانين، أو قلب تلك السنن التي تسير عليها مجموع الكائنات والآيات الكونية وغيرها، فإن ذلك تنبيه للعباد على أمور عديدة.

إثبات وجود الله وقدرته

إثبات وجود الله وقدرته أولها: أن الله الذي أوجد هذه الآيات الكونية، أن الله الذي خلق الشمس والقمر، أن الله الذي خلق الجبال والبحار، أن الله الذي خلق جميع الآيات والكائنات، الذي أنشأها من العدم وصرفها كما يرى العباد، وصرفها بقدرته ومشيئته، كما يرى العباد رؤية الأبصار لا رؤية المشيئة، يوم أن صرفها وأنشأها فهو قادرٌ على تغييرها وهو قادرٌ على إخلاف مساراتها وقلب نظمها وقوانينها، فذلك دليلٌ ولفتةٌ وانتباهٌ للعباد أجمعين. إن العباد يوم أن يصبحوا ويرون الشمس مشرقةً من المشرق، ويوم أن يمسوا ويرون الشمس تغرب من المغرب، فإذا جاء الليل رأوا القمر في كبد السماء أو في أحد أطرافها، إذا استمروا على ذلك ولم يروا تغيراً أو تنوعاً أو تقلباً، فإن الكثير من الغافلين يظنون أن هذا أمرٌ لا بد ولا محالة كائن، سواء بتدبيرٍ أو بغير تدبير، وهنا يُظهر الله جل وعلا آياته فيخلف آيةً من هذه الآيات، فقد تحتجب الشمس وقد ينخسف القمر وبعد ذلك يقف العباد وقفة دهشة!! كيف تغير هذا النظام؟ وما الذي غير مسار هذا الكوكب؟ إن الذي خلق ذلك وأبدعه وأوجده من العدم، قادرٌ على تغييره، وقادرٌ على قلب مساره، وقادرٌ على إفنائه كما أوجده، إنها لآية عظيمة من آيات الله جل وعلا، ولكن أكثر الناس عن آيات الله معرضون، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. عباد الله! خسف القمر على وقت النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت الناس تقول: إنما تنكسف الشمس أو ينخسف القمر لموت عظيم أو حياة عظيم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس لا تنكسف، وإن القمر لا ينخسف لموت عظيمٍ أو حياته، وإنما هما آيتان من آيات الله، يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فادعوا وصلوا حتى ينجلي أو ينكشف ما بكم). إذاً فهي آية من آيات الله التي خلقها وهي آية من الآيات التي كونها ودبرها وقرر مسارها ونظامها، ويوم أن يعلم البشر بحدوث خسوف أو كسوف، فإن ذلك لا يضر أو ينقص من قدر آيات الله شيئاً؛ لأن البشر مخبرون عما سيقع، وليسوا قادرين على أن يُوقعوا شيئاً لم يقدره الله؛ لأن البشر يخبرون عما سيقع بما آتاهم الله جل وعلا من وسائل الأسماع والأبصار والأفئدة والعقول والقلوب، لأن البشر يخبرون بما سيقع بما سخر الله لهم من علوم الفلك وعلوم الطبيعة والحسابات وغير ذلك. أما ولو كانوا صماً، وعمياً، وبلهاً؛ فلن يقدروا أن يخبروا عن إمكان حدوث خسوف أو كسوف قد يقع أو لا يقع. إذاً فإن علم البشر بحدوث آية من آيات الله لا ينقص من قدرها، ولا يهوّن من شأنها، ولا يقلل من أمرها، فالتفتوا إلى آيات الله جل وعلا ولا تكونوا عن آيات الله غافلين.

تخويف العباد

تخويف العباد معاشر العباد! ثم إن في ذلك ومع إثبات وجود الله وخلقه وتدبيره في ذلك تخويف للعباد، في ذلك بيانٌ قريب أن الله لو شاء لجعل خطأ هذه الآية أعظم مما هي عليه، ولا يستطيع العباد أمام هذه الآية فعلاً أو تدبيراً أو شيئاً، إن الذي جعل القمر ينخسف، أو جعل الشمس تنكسف، لقادرٌ على أن يجعل القمر غائباً عن الناس آماداً طويلة، ولقادرٌ على أن يجعل الشمس غائبةً عن العباد مدداً ودهوراً بعيدة. فالذي أمر الشمس بالكسوف والقمر بالخسوف فهو قادرٌ أن يأمر غيرها من الآيات والكائنات المسخرة بأمره؛ بتغيير ما تكون عليه من حالٍ إلى حال، ولذلك يقول الله جل وعلا: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [القصص:71 - 72]. فالله جل وعلا حينما يحدث آية من آياته ينبه العباد على أمرٍ عظيم، والتنبيه بالقليل فيه قدرةٌ على الكثير، وفيه بيانٌ بالكثير، إذ إن الله جل وعلا يوم أن خسف بالقمر، أو كسف بالشمس قادرٌ أن يجعل هذا القمر غائباً، وقادرٌ على أن يجعل هذه الشمس غائبةً آبادً ومدداً طويلة، وبعد ذلك من يأتينا بليلٍ نسكن فيه، أرأيتم لو أن الشهور والأعوام انقلبت علينا نهاراً جهاراً من يأتينا بليلٍ نسكن فيه؟!. أرأيتم لو أن الله جعل الدهور والأعوام ليالي مظلمة، من يأتينا بضياء نستضيء به، وما الذي يجعل قدرات البشر الضعيفة، وقدراتهم المحدودة من الكهرباء وغيرها تستطيع أن تؤثر أو تغني ولو أدنى غنى في آية من آيات الله جل وعلا، والله سبحانه وتعالى قد نبه على ذلك صراحةً، ونبه على غيره من الآيات في مواقع عدة، يقول جل وعلا: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:30] هذا الماء الذي جعل الله كل حيٍ منه: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30]. هذا الماء الذي منه الحياة بقدرة الله وإرادته لو شاء الله جعله غائراً فلم نستطع له طلباً، والله جل وعلا يوم أن سخر هذا الماء وقربه إلينا لتناله وسائلنا المحدودة، وقدراتنا الضعيفة إنما ذلك آية من آيات الله، ولكن أكثر الناس عن آيات الله معرضون.

النظر إلى آيات الله ونعمه

النظر إلى آيات الله ونعمه معاشر المؤمنين! انتبهوا إلى آيات الله جل وعلا، وتدبروها أعظم التدبر واعلموا أن أي تغير فيها إنما هو تخويف للعباد من الله، وإن العباد لا بد ولاشك قد أحدثوا أمراً {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] ويوم أن ننظر إلى آيات الله بعين الشمول، والعموم نُدرك أن هذه الآية تذكرنا وتنبهنا إلى عدد من الآيات والنعم التي لا نستطيع لها عدداً ولا إحصاءً ولا حساباً، يقول الله جل وعلا: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:58 - 59] ما الذي جعل هذا النسل البشري يتكاثر {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة:8] من نطفةٍ قذرة تكون في أصلاب الرجال إلى أرحام النساء في ظلمات الأرحام، وبعد ذلك يخلقها الله جل وعلا بأمره لملائكته من نطفةٍ إلى علقةٍ إلى مضغةٍ، وبعد ذلك يؤمر الملك فينفخ فيها الروح وتُكتب الآجال والأرزاق والسعادة والشقاء والأعمال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:58 - 59] إنها لمن آيات الله جل وعلا التي تبين للناس أنه وحده سبحانه القادر على الإنشاء من العدم: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة:65]. إن العباد بأسبابهم الضعيفة لا يملكون إلا أن يشقوا الأرض، لا يملكون إلا أن يحرثوها ويضعوا البذور التي خلقها الله لهم بينها، ثم يفعلون الأسباب التي أمروا بها، وبعد ذلك يتكلون على الله جل وعلا، يتكلون عليه وحده لا شريك له ومن ثم يخرج لهم هذه الثمار اليانعة، تُسقى بماء واحد ويُفضل بعضها على بعضٍ في الأكل، تُسقى بماءٍ واحد وترون ألوانها وأنواعها مختلفةٍ ومتعددة: {أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:68 - 74] كلها آيات من الله جل وعلا، ولكن أين المتأثر وأين المعتبر؟ أين الذي يتأثر لرؤية الكسوف والخسوف؟

غفلة الناس عن آيات الله

غفلة الناس عن آيات الله إن الناس ليعلمون بحدوثه ومع ذلك لا يهتمون ولا يلتفتون، وإن الناس ليرون وقوعه ومع ذلك تجد أكثرهم غافلين، فأين التأثر؟ وأين الخوف والوجل؟. كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى آية من آيات الله تغير لونه واصفر وجهه، وكان يقول: (اللهم سلم سلم) فأين العباد الذين يتجهون إلى بيوت ربهم ليصلوا وليدعوا حتى ينجلي ما بهم؟ إن الناس لفي غفلةٍ عظيمة، وأعظم دليلٍ على ذلك أنكم ترون الكسوف والخسوف ومع ذلك تجد أكثرهم أمام الشاشات، والملهيات، والطرب، والأغاني، والموسيقى، واللهو والمزاح، والضحك لا يلتفتون إلى آية من آيات الله جل وعلا فأي غفلةٍ بعد هذه، والله جل وعلا يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة:22]. هذه آية من آيات الله لو حدثت فهي تذكير، والآيات غيرها كثيرة: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة:22] ويقول جل وعلا: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [الكهف:57] لم يدر أن هذه الآية جاءت تخويفاً له فيما أحدثه من نظرات وخطراتٍ وربا وخروجٍ وتكشفٍ وسفورٍ وتبرجٍ وسبابٍ وشتيمةٍ وغيبةٍ في المجالس ونميمة، وغير ذلك من الفواحش والمعاصي، وغير ذلك من الآثام والذنوب ومع ذلك هم معرضون: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} [الكهف:57] لن يهتدوا إذاً أبداً، أولئك الغافلون عن آيات الله متى يلتفتون إلى العبادة؟ متى يدعون ويتضرعون؟ إذا حصلت الآية ولم يتضرعوا ولم يخشوا ولم يهابوا، إذا لم يهابوا في أوقات الشدة فمتى يلجئون إلى الله؟! أفي أوقات الغفلة والمرح والسرور، إن الذي غفل في أوقات الشدائد لغافلٌ في غيرها من الأوقات. أسأل الله جل وعلا أن يمنّ علينا وعليكم بالذكرى والموعظة والعبرة، ألا وإن حدوث الغفلة هذه لآية عظيمة على ضعف الإيمان في القلوب ولكن نسأل الله جل وعلا أن يوقظنا من نومة الغافلين، ونسأله تعالى أن يمنّ علينا بتوبة إنه هو أرحم الراحمين.

حدوث الآيات الكونية دلالة على وقوع المعاصي

حدوث الآيات الكونية دلالة على وقوع المعاصي معاشر العباد! يوم أن ترون آية من آيات الله قلبوا النظر في أموركم وأحوالكم، من منكم لا يصلي، من منكم لا يحضر الصلاة مع الجماعة، من منكم من يتهاون بصلاة الفجر وهو مصرٌ على تركها مع الجماعة، من منكم يتعامل بالربا، من الذي يقع في الغيبة والنميمة، من الذي يفعل من الأمور ما لا يرضاه الله جل وعلا، إن ذلك لتنبيه لطيف إن ذلك لبيان وتعريف للعباد، أن الله جل وعلا يخوفهم بآيةٍ يسيرة تستمر ساعات معلومة، حتى يلتفتوا، ولو شاء الله جل وعلا لأنزل عليهم العذاب جملةً واحدة، هل الله بحاجة إلينا؟ حاشا وكلا، إن الله لم يخلقنا ليستكثر بنا من قلة، أو ليستعز بنا من ضعف، أو ليستظهر بنا من قلة علم، ولكن خلقنا لعبادته، فأين نحن والعبادة في هذا الزمان، إن الله جل وعلا قادرٌ أن ينزل الآية الشديدة الكونية مرةً واحدة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يوم أن عصت الأمم السالفة أنزل عليها العذاب، يقول جل وعلا: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:38 - 39]. ماذا فعل الله به؟ {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الذاريات:40] ويقول جل وعلا في شأن عاد: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ * وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ * فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ} [الذاريات:41 - 45]. لو أراد الله أن يُحدث آية من آياته جل وعلا بنا، وهو أرحم بنا من أن يعذبنا، وهو أرحم بنا من أمهاتنا وآبائنا أيرده من ذلك شيء؟! لأننا مهما عبدناه لا يزيد ذلك في ملكه، وإنما نحن بحاجةٍ إلى عبادته، ولو عصيناه ما ضره ذلك شيء، يقول جل وعلا في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيدٍ واحد، فسألوني وأعطيت كل سائلٍ مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ منكم، ما زادني ذلك شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما نقص ذلك وما ضرني ذلك شيئاً) فالله جل وعلا غني عن العباد والله جل وعلا أيضا رءوف بالعباد. وينبههم بأيسر الآيات وأهونها حتى إذا اعتبروا بهذه الآيات اليسيرة رفع الله عنهم العذاب، ورأى منهم التضرع والخضوع والانكسار بين يديه، ثم بعد ذلك ينزل عليهم رحمته. أما إذا رأى منهم غفلةً مع الغافلين، ولهواً مع اللاهين، فإن الله جل وعلا لا يضره أن ينزل بهم بأسه، وجنود الله لا حد لها، يقول جل وعلا: {وما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31] لو شاء الله جل وعلا لسلط على العباد أهون شيءٍ بين أيديهم، إن الذي سلط الجراد والضفادع والطوفان والقمل والدم آيات مفصلاتٍ على أمم من الأمم؛ لقادرٌ أن يُسلطها علينا في هذا الزمان. من يرد عنا بأس الله إن أراد بنا سواءً؟! فنسأله جل وعلا ألا يعذبنا بذنوبنا، إنه أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك نستغفرك ونتوب إليك، ونبوء بذنوبنا بين يديك، ونبوء بنعمتك علينا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ربنا لا تعذبنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا لا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، نحن الضعفاء وأنت القوي، ونحن الفقراء وأنت الغني، ونحن الأذلاء بين يديك وأنت العزيز. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

تفضيل الله لأهل الجزيرة بالنعم

تفضيل الله لأهل الجزيرة بالنعم الحمد لله منشئ السحاب، وهازم الأحزاب، وخالق الخلق من تراب، منزل الكتاب، رب الأرباب، لا إله إلا هو وحده لا شريك له عليه توكلنا وإليه مئاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه ومن اقتفى أثره واتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار. عباد الله! كونوا على يقظةٍ في قلوبكم، كونوا على حذرٍ من أموركم، كونوا على بصيرةٍ مما ترون في ليلكم ونهاركم، إن البهائم والسوائم هي التي تأكل وتشرب وتُخرج غير ذلك ولا تلتفت لصباح أو مساء، تعلف وتنتظر جزارها. أما أنتم معاشر العباد! فلقد خلقتم لحكمةٍ جليلة، ولغايةٍ فضيلة، خلقكم الله جل وعلا لعبادته ومن أجل ذلك سخر لكم ما لم يسخره لغيركم، وكرمكم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء:70] وفضلكم على كثيرٍ من الأمم تفضيلا، وفضلكم على كثيرٍ من سائر مخلوقاته، وأنتم يا أمة هذه البلاد: قد فضلكم الله جل وعلا على كثيرٍ من الأمم تفضيلاً فوق غيركم. فاحمدوا الله جل وعلا على نعمه عليكم، واعلموا أن الله جل وعلا لا فضل ولا قيمة لنسب أحدٍ عنده: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي ولا أسود على أبيض ولا أبيض على أحمر إلا بالتقوى) {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ليست بمزية لكم من سائر الأمم، ولستم مفضلين على سائر الأمم. إن المفضل عند الله من كان أتقى له، إنما المفضل عند الله والمقرب إلى جنابه والذي يفوز برحمته وثوابه هو من كان أتقى له وأخشى له، وأعبد وأكثر خضوعاً وانكساراً بين يديه جل وعلا، اعتبروا بالآيات الصغيرة قبل أن تأتي الآيات العظمى، اعتبروا بالآيات اليسيرة، وما هناك شيءٌ من آيات الله صغيرٌ أو يسير، إن جميع آيات الله عظيمة ولكنها تختلف في مراتبها، فاعتبروا بما هو أدنى تنبيهاً على ما هو أعلى، واتعظوا واعتبروا يا أولي الأبصار. أسأل الله جل وعلا ألا يجعلنا وإياكم من الغافلين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته. اللهم احفظ ولاة أمورنا، ولا تُفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم أدم عزك ونصرك لهم، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته برحمتك يا أرحم الراحمين: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الطلاق

الطلاق الزوجية رابطة اجتماعية كريمة، يعد التعدي عليها جريمة، وهدم صرحها مجازفة لئيمة، فلا يشرع الطلاق إلا عند الحاجة الماسة إليه؛ لذلك كان التلفظ به خطراً ينبغي تركه. وفي هذه المادة بيان لمخاطر الطلاق، وتبيين لضوابط الفراق، ونصائح للزوج وأهله، وللزوجة وأوليائها. والله الموفق.

خطر الطلاق وكراهته

خطر الطلاق وكراهته الحمد لله الذي خلق وقدر، وشرع فيسر، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ومن كل فضلٍ وخيرٍ سألناه أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! يقدم بعض المسلمين هداهم الله ومنَّ علينا وعليهم بالتوبة والهداية، على هدم صرحٍ اجتماعي، وإلى تفريق شملٍ مجتمع، بكلمةٍ يطلقها لا يلقي لها بالاً، قد تكون عند سببٍ تافهٍ من الأسباب، وعند أمرٍ حقيرٍ من الأمور، وقد تكون عند سماع أمرٍ لم يتثبت منه، أو شيءٍ لم يتحقق من وقوعه، تلك الكلمة التي يوقعها هي كلمة الطلاق. الطلاق هو: فسخ عقد الزوجية، وقطع هذه الرابطة الاجتماعية الكريمة، ليقدم بعض المسلمين هداهم الله بقطعها وبترها وتفريق شمل اجتماعها، من دون تقديرٍ لمقدمات الأمور وعواقبها، وذلك أمرٌ مكروهٌ مبغوضٌ في الشريعة. روى أبو داود في سننه بسنده عن محارب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أحل الله شيئاً أبغضه مثل الطلاق) فالطلاق أمرٌ وإن كان مشروعاً في حق من احتاج إليه، إلا أنه قد يصل إلى درجة الكراهة الشديدة جداً لمن أوقعه وهو غير محتاج إليه، لما يترتب عليه من ضياع الأسرة، ولما يترتب عليه من فراق الشمل.

خطر الطلاق لأجل الدعوات والضيافات

خطر الطلاق لأجل الدعوات والضيافات أيها الأحبة في الله! إن بعض المسلمين هداهم الله، يجعلون الطلاق ضيافة زوارهم وضيافة أقاربهم، وضيافة القادمين الوافدين إليهم، فإذا وفد إليه قريبٌ أو حبيبٌ من جماعته أو من بلادٍ قريبة، أو من أي مكانٍ من الأماكن، أول ما يحلف بالطلاق ليأكلن ذبيحته، فإذا كان الذي يسمع هذا الكلام فيه شيءٌ من الحمق، أو قد يكون مرتبطاً بأمرٍ من الأمور فلم يوافق على أمره، فإنه عند ذلك قد يجعله متورطاً في أمرٍ كان في غنىً عنه، وإن الكثير الكثير يقعون في هذا، خاصةً من البادية هداهم الله ومنَّ علينا وعليهم بالتوفيق والعلم النافع، تجد الواحد منهم لا يحلف إلا بالطلاق، ولا يهدد إلا بالطلاق، ولا يأمر بأمرٍ إلا وفيه الطلاق، ولا ينهى عن نهيٍ إلا وفيه طلاق، فهذا استهتارٌ بهذه الكلمة، وهذا عدم مبالاةٍ بهذه الكلمة، وهذا إيقاعٌ للأمور في غير مواقعها وهو ظلمٌ، فإن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه. عباد الله! ذات يومٍ طرق عليّ الباب ثلاثة نفرٍ قبيل صلاة العصر، والصلاة قد حان وقتها، فلم أجد بداً من حديثهم، فقالوا: إنما جئناك لأمرٍ، قلت: ما عندكم؟! قال أولهم: أنا أسكن هنا ودخلي محدود، وهذا أخي قدم علي من الجنوب، والثالث أخونا الأصغر، فقلت لما قدم أخي قال: عليه الحرام أن يأكل ذبائحه، فأجاب القادم الوافد هذا بأن عليه الطلاق ألا يأكل ذبائحه، فحلف ذلك الصغير الذي لم يتزوج بعد وإن كان بالغاً مكلفاً، حلف أن عليه الطلاق أن يتم أخوهم هذا الأمر الذي حرمه الأول على صاحبه، فقلت: يا عجباً! ويا عجباً! من هذا الجهل العظيم بالشريعة، ويا عجباً من هذا الحمق الذي يجعل الإنسان يتورط، ويقطع وشائج وعلاقات أسرٍ عديدة، بكلماتٍ توقع من غير معنى! هذا حلف على نفسه بالحرام والتحريم أمرٌ خطير، والتحريم قد يكون أشد من الطلاق، والآخر حلف على نفسه بالطلاق، وذلك الثالث طلق ولم يتزوج بعد، ولا طلاق إلا لمن أخذ بالساق، لأن الذي طلق ولم يتزوج بعد لم يقع منه طلاقٌ على أية حال، لكن الكلام في هذين الاثنين، الذي لم يجد ضيافةً لأخيه الذي وفد إليه، لم يجد ضيافةً له إلا بالطلاق، وإن بعضاً منهم، وسمعتُ ذلك منهم وممن حدثني به بعضهم، قال: إن الواحد منا إذا وفدت عليه، فلم يحلف بالطلاق على وليمته أو على عزيمته، فإنه يتشكك من جزمك في كرمه، ويرد النظر أو يشك أنك غير صادقٍ فيما أقدمت على إكرامه، فإذا حلفت بالطلاق، فإنه عند ذلك يتيقن أنك جازمٌ على احترامه وإكرامه، فقلت: والله لا حباً ولا كرامة، لمن لا يريد كرامته إلا بالفراق والطلاق!

خطر التلبيس على العلماء في فتاوى الطلاق

خطر التلبيس على العلماء في فتاوى الطلاق وهو أمرٌ وقع فيه كثيرٌ من الناس، وتساهلوا فيه وتوغلوا فيه وأوغلوا إيغالاً ضر أنفسهم، فإذا عاد الواحد إلى رشده وصوابه، وذهبت السكرة، وجاءت الفكرة، ذهب إلى شيخٍ أو عالمٍ من العلماء ليحلل له زوجته، من ذا الذي يرد عليه زوجته، فيأتي يقول: يذكرون أن هناك عالماً قال كذا وكذا، ويذكرون أن هذا عالمٌ قال كذا وكذا، ثم بعد ذلك يذهب ليتتبع الرخص، وقد يكذب فيما يخبر به، ليجد مدخلاً أو فجوةً تحل له زوجته بظاهر ما يسمعه المفتي، وإلا فحقيقة الأمر بينه وبين ربه إذا كان أوقع الطلاق على صفةٍ تجعل الأمر بائناً بينونةً كبرى، فإن رجعته زنا، وإن عودته حرامٌ، والعياذ بالله! هذا أمرٌ أيضاً عرفته وعلمته من رجلٍ طلق طلاقاً علم منه أنه قد أبان زوجته بينونةً كبرى، فذهب إلى أحد العلماء الأجلاء، أسأل الله أن يمدهم بالصحة والعافية، فذهب إليه وأخبره، فقال: يا ولدي أسأل الله أن يخلف عليك زوجتك بخيرٍ منها، ولقد استعجلت في أمرٍ لك فيه أناة، فذهب يبحث عن شيخٍ آخر، وعن شيخٍ ثالث، وعن شيخٍ رابع، وعن شيخٍ خامس، حتى يجد من يكذب عليه، وإلا فإن العلماء لا يحلون لأحدٍ ما حرم الله عليهم، لكن تجد الواحد منهم يبالغ أو يغير أو يحرف في الكلام، حتى يجد مدخلاً يرى أنه سبيلٌ لرد زوجته عليه، وكما قلنا فهذا عودٌ إلى زنا، وعودٌ إلى حرامٍ والعياذ بالله، وذلك إذا كان ما تلفظ به، وأوقعه من لسانه يدل على قطع هذه العلاقة قطعاً تاماً ويبين عقد الزوجية بينونةً كبرى. إذاً يا عباد الله! فلننتبه لهذا الأمر، ولا نهدد نساءنا بالطلاق، فإن الذي يهدد زوجته بالطلاق، فذلك دليلٌ على ضعفه وحمقه وجهله، هل ضاقت أسباب الأدب، وهل ضاقت أسباب العلاج، وهل تعسرت سبل حل المشاكل إلا أن يهدد الإنسان بالطلاق والفرار؟! إن هناك أموراً كثيرةً قد بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، فمنها هجر المرأة، ومنها ضربها ضرباً غير مبرحٍ إذا أتت بفعلٍ يحتاج إلى شيءٍ من الضرب الخفيف، وخير الناس الذي لا يضرب زوجته. أما أن يذهب بعضهم فيقول: أنت طالقٌ إن ذهبتي إلى هؤلاء! وأنتِ طالقٌ إن لم تأتي إلى هؤلاء! وإن فعلتِ كذا وكذا فأنت طالق! فإن هذا استهتارٌ وإهدارٌ لعقد الزوجية وعدم احترامٍ وعدم مبالاةٍ بهذا العقد والرابطة الكريمة، نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين بالتثبت في جميع الأمور. وإن من واجب الإنسان إذا أراد أن يقدم على أمر الطلاق ألا يوقعه فجأة، بل عليه إذا كان جازماً وإذا كان متأملاً، وإذا كان مصراً على هذا الأمر، أن يذهب بزوجته إلى بيت أهلها ثم يستشير من يعرف فيه العلم والحلم والأناة، ثم يخبره بذلك، فلعله يدله على أمر خير له من الطلاق، فيعود وقد رد زوجته إلى البيت ولم تعلم بما عزم عليه، أما أن يعود إلى ردها بعد طلقةٍ واحدةٍ أو طلقتين وله حق الرجعة فيها، فإن ذلك يبقي جرحاً أليماً في قلب المرأة؛ لا تنسى ذلك اليوم الذي طلقها فيه، وأخرجها من بيتها، وأرسل حوائجها ولوازمها وأدخلها على بيت أهلها، إن هذا يومٌ مشهودٌ بالنسبة للمرأة، لا تنساه طيلة حياتها، ويبقى طعنةً أليمةً داميةً في قلبها.

الطلاق السني

الطلاق السني إذاً فلنتثبت في هذا الأمر، ولنكن على مستوىً من العلم والفقه في إيقاع هذه الأمور، فلا نوقعها جزافاً، أو في حال غضب، أو في حال شهوةٍ، أو في حال أمرٍ من الأمور التي لا تجعل الإنسان طبيعياً فيها، بل على الإنسان إذا وجد أنه لابد ولا مناص ولا ملاذ من الطلاق أن يقدم على ذلك بعد معرفةٍ واستخارةٍ واستشارةٍ لمن عرف منه العلم والفقه، وبعد ذلك فلينتبه إلى القواعد الشرعية بالطلاق، وهي أن يطلق المرأة في طهرٍ لم يجامعها فيه، فلا يجوز له الطلاق في الحيض، والطلاق في الحيض حرامٌ بالإجماع، ولا يجوز له أن يطلق المرأة في طهرٍ قد جامعها فيه، لأنه قد يضر بالمرأة إضراراً عظيماً، بتطويل العدة عليها، وله من الحكم والأمور الشرعية التي الله سبحانه وتعالى أعلم بأسرارها وحكمتها، وما أوتينا من العلم إلا قليلا. إذاً فلنحرص يا عباد الله! ألا نحتاج إلى هذا الأمر قاطبة، وإذا احتجنا إليه بعد دراسةٍ ورويةٍ واستخارةٍ واستشارة، أن يكون في طهرٍ لم يجامع الإنسان زوجته فيه، لأنه إذا أراد الطلاق ثم صبر حتى تحيض، ثم تطهر بعد ذلك، فلعله خلال هذه المدة (مدة بقية الطهر الذي جامعها فيه، أو مدة الحيض) أن يئوب إلى رشده، ولعله أن يرى حال أطفاله وصغاره، ولعله أن يرى هذه الرابطة الكريمة، ولعله أن يذكر من زوجته أموراً أحبها واستحسنها، فلا تطغى السيئة الواحدة على الحسنات الكثيرة، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر). أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

أضرار التسرع في الطلاق

أضرار التسرع في الطلاق الحمد لله وحده لا شريك له، الحمد لله وحده لا شريك له حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، جل عن الشبيه وعن الند، وعن المثيل وعن النظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، لا إله إلا هو وحده لا شريك له وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين! إن بعض المسلمين قد يقع منه الطلاق في نهاية مدة حملٍ، فإذا وضعت زوجته حملها وقع طلاقه بائناً لا يمكن له الرجعة إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين، ولو كانت طلقةً واحدة، وهو في هذا قد أغلق على نفسه باب الرجعة في هذا الأمر، فإنه لا ينبغي لأحدٍ خاصة إذا كان يعلم أنه متردد أو متذبذبٌ في أمره هذا، خاصةً إذا كان الأمر في قرب وضع ولادة، ينبغي له ألا يستعجل في هذا الأمر، فإن طلقها حاملاً فليبادر بالرجعة قبل وضعها، حتى تعود إلى عصمته، لأنها إذا أنجبت فإنها بعد ذلك لا تعود له إلا بعقدٍ ومهرٍ جديدين، كما قلنا ذلك. إذاً فينبغي للإنسان ألا يستعجل في هذا الأمر، خاصةً قرب مراحل الوضع الأخيرة، لأن هذا دليلٌ على قلة الفقه والعلم في الشريعة، وكما قلنا فإن ضلال كثيرٍ من الناس إنما يكون بالسرعة والتهور وعدم الاستخارة والاستشارة، فينبغي أن ننتبه لهذا الأمر انتباهاً جيداً، وكذلك فإن بعض المسلمين بعد أن يطلق ثم يعود إلى بيته حسيراً كسيراً؛ يعرف فضل زوجته بعد أن تخرج من بيته، تتراكم عليه آنية الأطعمة، ويرى ثيابه متسخة، ويرى بيتاً ليس بنظيفٍ ولا مرتب، عند ذلك يعرف فضل هذه الزوجة، وقد يكون أخرجها لسببٍ تافهٍ صغيرٍ من الأسباب التافهة، أو لأمرٍ حقيرٍ من الأمور، فعند ذلك يعرف فضلها وقدرها، فإذا كان قد طلقها طلاقاً يجوز له الرجعة فيه، كأن يكون طلقها طلقةً واحدة أو طلقتين، ثم يعود بعد ذلك إلى وليها أو والدها، فيقول: إني أريد العودة إلى زوجتي، وإني أستغفر الله عما وقع مني، وإني نادمٌ على ما فعلت إلى غير ذلك، إن بعض الأولياء، إن بعض الآباء يقفون حجر عثرةٍ أمام هذه الرجعة، وهذا لا يجوز لهم، لأن الله جل وعلا يقول: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:232]. فإذا رضيت المرأة أن تعود إلى زوجها، وإذا رأيت الزوج راغباً في العودة إليها، فلا عليك إلا أن تكون عوناً على بناء صرح هذه الأسرة من جديد، وينبغي لك أن تكون معطاء، وينبغي أن تكون يداً بانيةً، لا يداً تعين على الفراق والطلاق، فعند ذلك عليك أن تقنع ابنتك أو من هي في ولايتك، بالعودة إلى زوجها، فإذا رضيت فلا تعضلها أن تنكح زوجها ما دامت قد تراضت بينها وبين زوجها بالمعروف {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [الطلاق:2]. فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجوز له أن يقف حجر عثرةٍ أمام هذه الرجعة المبنية على الندم والرضا والرغبة في بناء صرح الأسرة من جديد: {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:232].

إمكان الزواج بالثانية مع إبقاء الأولى

إمكان الزواج بالثانية مع إبقاء الأولى فينبغي لكل مسلمٍ إذا وقع منه هذا الأمر أن يعود إلى زوجته، أن يعود إلى مراجعتها، وأن يعود إلى تربية أطفاله، وإذا كان محتاجاً أو مضطراً إلى زواج، فإنه ليس سبيل الزواج الثاني طلاق الأولى، إنما ذلك أمرٌ لا يجوز، ولا يجوز لأناسٍ إذا تقدم إليهم من يريد زواجاً من زوجةٍ ثانية، أن يقولوا له: لا نزوجك حتى تطلق زوجتك الأولى، فإن هذا منهيٌ عنه، وهذا محرمٌ شرعاً، لأنه جاء في السنة أنه لا يجوز للمرأة أن تجعل زواجها بطلاق ضرتها، فلتنكح إذاً، أي: فلتبادر بالزواج، إذا قبلت أن تكون جارةً أو تكون زوجةً ثانية لهذا الذي تقدم إلى خطبتها. فانتبهوا لذلك يا عباد الله؛ وكونوا أعواناً، وكونوا أنصاراً ودعاةً لبناء المجتمعات، ولا تكونوا معينين على التفريق والهدم، إذا جاءك من يستشيرك في أمر زواجٍ وقد كان بينه وبين زوجته الأولى شيءٌ من الخلاف، فقل له: لا بأس أن تعود، وأن تصلح هذا الخلاف، وهون عليه الأمر، واذكر له الشاهد من نفسك، ومن أحوالك ومن السلف الصالح، ومن الخلفاء الراشدين الذين تحملوا من النساء ما تحملوا؛ ومع ذلك لم يقدموا على طلاقهن لمعرفتهم بأن عقد الزوجية عقدٌ كريمٌ لا يحل إهداره، ولا يجوز عدم المبالاة به، لأن ذلك خطرٌ اجتماعيٌ كبير، وإلا فلو قلنا: إن كل من أراد أن يتزوج زوجةً ثانية طلق زوجته الأولى، فإننا بذلك نزيد المجتمع مشاكل على مشاكله، ومصائب على مصائبه، والمجتمع اليوم في أمس الحاجة إلى رعاية الموجود من المطلقات والأرامل ونحوهن.

الموقف السلبي من زوجة الابن

الموقف السلبي من زوجة الابن إذاً ينبغي أن ننتبه لهذه الأمور، وأن نكون أعواناً لبناء الأسر والمجتمعات، لا أن نكون سبيل تفريقٍ في هذه الأسر. إن بعض الآباء والأمهات حينما لا يعجبهم سلوك زوجة ولدهم أو يحدث شيءٌ من الخلاف، أول ما تقوله الأم: إن كنت رضعت هذا الثدي مني حلالاً فلا ينبغي لك أن تبقى مع هذه المرأة، بل طلقها. وامرأةٌ تقول لابنها: حرامٌ عليك ثديٌ رضعت منه حتى تطلق فلانة بنت فلان، وأبٌ قد يكون له مشكلةٌ مع آخرين، قد يكون من قبيلةٍ أخرى، أو من فخذٍ آخر، أو عنده مشكلة تافهة، فلا ينتقمون إلا بطلاق الضعفاء المساكين. ما ذنب النساء أن يكن وسيلةً عند غضبٍ يطلقن؟! وعند كراهةٍ يطلقن؟! وعند أدنى مشكلةٍ يطلقنَ؟! هذا أمرٌ جد خطير فانتبهوا لذلك يا عباد الله! وإن من الناس من دعي عليه بسبب فعله هذا، فاستجاب الله دعوة تلك المظلومة على من أشار على ولدها بالطلاق، فبقيت في مصائب ومناكد كثيرة، بسبب ما أشارت به؛ ليست لأمرٍ شرعيٍ وليس لسببٍ معقول، إنما هو لحقدٍ أو لبغضاءٍ على أسبابٍ تافهةٍ من الأمور. فليتق الله أولئك، وليقولوا قولاً سديداً، ولا يحرضوا أولادهم على طلاق زوجاتهم، فإن وجدوا شيئاً من عدم العشرة، أو عدم سلوك زوجة الولد معهم، فلا بأس أن يكونوا عوناً لولدهم، فليعينوه على اتخاذ مسكنٍ قريبٍ منهم، كي يكونوا بالقرب منه، ويكون الولد مع زوجته، لا أن يخسروه خسارةً عظيمة، ويكلفوه تكاليف باهظة في زواجٍ من زوجةٍ ثانية، بعضهم يقول: طلقها، ولا يهل هلال شهرٍ قادمٍ إلا وقد زوجتك بغيرها. ما الذي دعاك إلى هذا؟ وما الذي حدا بك إلى هذا؟ وأنت تعلم أن هذا الولد المسكين ما تزوج إلا راغباً محتاجاً، وقد تعب في سبيل ذلك أشد التعب، فكل هذه الأمور من المخالفات الاجتماعية، ومن الصور الاجتماعية التي يقع فيها كثيرٌ من المسلمين نسأل الله أن يمن علينا وعليهم بالهداية. فاتقوا الله يا عباد الله! ولا تشيروا على أحدٍ بالفراق، ولا تعينوا أحداً على طلاق، وكونوا أسباباً وسبلاً ميسرةً لجمع الأسر والمجتمعات، يثبكم الله على هذا خير الثواب، ويجزيكم به خير الجزاء، ويكون ذلك في خالص أعمالكم في موازينكم يوم تلقون ربكم جل وعلا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم أرشد ضالنا، اللهم علم جاهلنا، اللهم تب على مذنبنا ومن كان فينا عاصياً، اللهم تب علينا أجمعين، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم إنا نسألك توبةً قبل الموت، وراحةً عند الموت، ونعيماً بعد الموت، اللهم أبرم لأمتنا أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك، اللهم أبرم لأمتنا أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر. اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمامنا، اللهم وفق إمامنا، اللهم أصلح إمامنا، اللهم اهد إلى كتابك وسنة نبيك إخوانه وأعوانه، اللهم اجمعهم على كتابك وشرعك، اللهم وحد شملهم، واجمع صفهم، ولا تشمت بهم حاسداً، ولا تفرح عليهم عدواً، وسخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك، واجعلنا وإياهم عاملين بكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك التوبة والإنابة والاستدراك قبل الفوات، والاستعداد قبل الممات، اللهم اختم لنا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم اختم بها آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم أعنا على ما أعنتهم عليه، اللهم أعنا على ما أعنتهم عليه. لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، اللهم يا من لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، اللهم يا من لا يعجزه شيءٌ في كل مكان، اللهم إنا نسألك أن ترينا في الفرس الشعوبيين الزنادقة الفجرة، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم اجعلهم طوائف مختلفة، اللهم اجعلهم أحزاباً متنافرة، اللهم أنزل حيلهم بينهم، اللهم أنزل سوط عذابك عليهم، اللهم عجل زوالهم، اللهم قرب فناءهم، اللهم أحصهم عدداً، وأهلكم بدداً، ولا تبق فيهم أحداً، بقدرتك يا جبار السماوات والأرض، فإنك لا يعجزك شيءٌ يا قيوم السماوات والأرض. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

أبناؤنا أمانة في أعناقنا

أبناؤنا أمانة في أعناقنا الأبناء أمانة عظيمة في عنق كل أب وأم، وفي هذه المحاضرة يبين الشيخ قضايا مهمة في التربية وفي توجيه الأبناء، مع ذكر بعض سلبيات الأمهات والآباء أثناء تربية أبنائهم. وأيضاً بين الشيخ أن السبب الأول لانحراف الأبناء إنما هو إهمال الآباء لأبنائهم، فالأبناء من يهتم بتربيتهم في الصغر يجني ثمرات هذه التربية في الكبر وبعد الموت، فالعمل ينقطع عن الرجل إذا مات إلا من ثلاث، ومنها: (ولد صالح يدعو له).

بركة سماع المحاضرة في المسجد

بركة سماع المحاضرة في المسجد الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه سلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمد الله عز وجل وأشكره ثم أشكر الإخوة القائمين على تنظيم هذه اللقاءات المباركة في جهاز الإرشاد والتوجيه، وأسأل الله سبحانه -لنا ولهم ولكم جميعاً- بمنه وكرمه أن يستعملنا في طاعته، وأن يتوفانا على أحسن حالٍ ترضيه، وأن يضاعف لنا الحسنات، ويكفر السيئات، ويرفع الدرجات، ويغفر الزلات، إنه سميعٌ مجيب الدعوات. أحبتي في الله: قبل أن نفيض في موضوعنا هذا أود أن أذكر بمسألتين مهمتين، الأولى هي مسألة الفضل العظيم الذي يتحقق بحضور حلق الذكر في رياض الجنة، الفضل العظيم الذي يتحقق بالعناية والإنصات والمشي والاستماع إلى مثل هذه اللقاءات؛ إذ رب قائلٍ يقول: ما ضر لو اشتريت المحاضرة، ما ضر لو أنني قرأت كتاباً حول هذا الموضوع ولا داعي لحضورها، وربما يكون هذا الأمر صحيحاً لمن كان مشغولاً شغلاً لا بد له منه، أما من لا شغل يمنعه أو يحجبه عن مثل هذه المحاضرات والكلمات والندوات واللقاءات المباركة فإني أنصحه ونفسي بألا يبخل على نفسه بما فيها من الفضل والثواب العظيم. صحيح أنك تؤجر إذا استمعت إلى المحاضرة والحديث والخطبة في الشريط، كما أن الإنسان يؤزر إذا اشتغل باللهو وساقط القول ورديء الكلام، ولكن لحضور هذه المحاضرات والندوات واللقاءات في بيوت الله مزية لا يمكن أن نجدها في الاستماع أو في تصفح بعض المحاضرات عبر ما يسمى بالإنترنت مثلاً أو غير ذلك، وذلك للحديث الذي جاء فيه: (ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا حفتهم الملائكة، ونزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده) وهذا أجر عظيم لا يتحقق عند سماع الشريط في البيت، أو تصفح المحاضرة في الصفحات الإلكترونية عبر الحاسب. قد يقول قائل أيضاً حتى ولو كان واعظاً أو داعياً أو مرشداً، قد يقول: لو أنني بدلاً من إلقاء المحاضرة على عشرين أو خمسين رجلٍ في مسجد لو أني اقتصرت على المحاضرات في التلفاز والقنوات الفضائية واكتفيت فيها عن إلقاء المحاضرات في المساجد نقول: لا شك أنك عبر القنوات الفضائية تخاطب ملايين البشر، ومن مقاصد التبليغ أن تصل الكلمة والرسالة واضحة جلية إلى أكبر عددٍ ممكن من الناس كما قال موسى عليه السلام: {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} [الدخان:18] ولكن أيضاً أنت أيها المتحدث أو المحاضر أو الواعظ أو المرشد بحاجة إلى الفضل الذي يحتاج إليه ويسعى في طلبه الحضور الذين جاءوا لاستماع المحاضرة، فالمتكلم والسامع والملقي والمنصت، كلهم بحاجة إلى أن يستحضروا الثواب العظيم عند اجتماعنا ولقائنا في بيوت الله عز وجل لاستشعارنا أننا الآن برحمة الله وفي وجوده وفضله وكرمه، الآن الملائكة تحفنا، وتتنزل علينا السكينة، وتغشانا الرحمة، وهذا ثوابٌ لا تجده في قناة فضائية أو في سماعٍ بعيدٍ عن بيوت الله عز وجل، هذه مسألة ينبغي أن نستحضرها دائماً حتى لا نقول: الدعوة تطورت، والاتصالات تطورت، ولا حاجة إلى أن يجتمع الناس لهذه المحاضرات طالما يمكن أن نخاطب الملايين من البشر عبر القنوات وغيرها؟ لا. نعم ينبغي أن نستغل وأن نستفيد مما هيأ الله عز وجل، ومن كل فرصةٍ سانحة، ومزاحمة أهل الشر بشيء من الخير لتذكير أقوام لا يشهدون الجمع ولا الجماعات، ولا يسمعون الأشرطة، ولا يقرءون الكتب من المقاصد الحسنة المطلوبة التي ينبغي لنا أن نلتفت إليها جميعاً. المسألة الثانية: وهي في ظل المتغيرات وما يسمى بعصر العولمة والغزو الفضائي، قد يقول قائل: ليس هناك جدوى ولا فائدة من خطبة جمعة أو محاضرة أو كلمة يلقيها شيخ على ستين شخصاً أو ثمانين شخصاً في مكانٍ ما، والناس الآن يخاطبون الذين في بيوت الحجر والمدر، ما تركوا أحداً في وادٍ ولا قرية، ولا جبلٍ ولا سهلٍ، ولا وعر ولا بحر إلا وخاطبوهم عبر الاتصالات الفضائية، فما هي جدوى اللقاءات في المساجد والناس في عصر العولمة والاتصالات، وإني أقول: لا تزال لهذه المحاضرات والخطب والندوات في المساجد أدوارٌ عظيمة ومهمة وذلك أن الكلمة الطيبة -كلمة لا إله إلا الله- بشروطها وحقوقها وما تقتضيه وما يجب لها وما ينبني عليها؛ أن هذه الكلمة الطيبة حينما تقال في رياض الجنة ويستمعها أقوامٌ جاءوا لا لغرضٍ من أغراض الدنيا، وإنما جاءوا استجابة وامتثالاً لأمر الله وطلباً لثوابه وخوفاً من عقابه، فإن الكلمة الطيبة لها أبلغ الأثر: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:24 - 25] فينبغي ألا نتهاون بشأن المحاضرات والندوات والخطب والكلمات حتى وإن تيقنا غاية اليقين أن جمهور المستمعين عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة المعاصرة أضعاف أضعاف جمهور المستمعين في المساجد وفي حلق الذكر ورياض الجنة، وذلك أن التلقي والاستماع والاجتماع في هذا المكان وأمثاله له مزية فضلٍ وبركة، والله إن بارك في شيءٍ نفع، والبركة شأنها عظيم، وكلنا مدعوون لطلبها والسعي في تحصيلها، بل نحن في كل أحوالنا نسأل ربنا البركة حتى في السلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتى في الأكل: اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، حتى إذا دعونا لأحدٍ ضيَّفنا: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، حتى من نهنئه في الزواج: بارك الله لك وبارك عليك، حتى في الثناء على الله: حمداً كثيراً طيباً مباركاً، بل إن عيسى عليه السلام يمتن أو يذكر نعمة ربه ومنة خالقه عليه وهي منقبة له حيث قال: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31]. فالبركة -بإذن الله- إن لم تكن في مثل هذه اللقاءات فقل لي بربك أنى تكون؟ لذا ينبغي أن ننتبه لهذا حتى لا نزهد في الخير الذي بين أيدينا في مقابلة البهارج والصياح والعويل إلى غير ذلك في الوقت الذي نقول فيه: إننا مأمورون مدعوون ألا ندع مجالاً من مجالات تبليغ الحق إلا وسلكناه وبلغناه: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33].

رحلة الحصول على الولد

رحلة الحصول على الولد أما عن كلمتنا هذه الليلة وهي بعنوان: أبناؤنا أمانةٌ في أعناقنا. أحبتي في الله: لو سألنا واحداً منكم أو سألنا واحدة من الأخوات: صف لنا رحلة الوصول إلى الولد، بيّن لنا كيف بلغت هذه الحال التي أصبحت فيها أباً أو أصبحتِ فيها أماً؟ لقالت بكل لسانٍ فصيح: لقد كانت مرحلة طويلة، ولقال مثل ذلك هو أيضاً، همٌّ في جمع المال لإيجاد المهر، ثم بحثٌ وعناءٌ طويل في البحث عن الزوجة المناسبة، ثم زياراتٌ ومقابلاتٌ واستخارة وما تبع ذلك، ثم مناسبة دعي إليها الأحباب والأقارب، ثم تم الزواج وحصل الزفاف، ثم بدأ همٌّ آخر وقد تكونت الأسرة بمسئولياتها وتبعاتها: (وكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) ثم ما هي إلا أشهر حتى حملت المرأة، وحمل الرجل هماً في النفقة والرعاية والعناية والمتابعة أشهراً طويلة، حتى إذا دنا المخاض وقرب الميلاد، تتابعت الزيارات إلى المستشفيات والفحوصات والكشف وغير ذلك، ثم بشر أحدنا بالمولود، ذكراً كان أو أنثى ولم تنته الرحلة عند هذه، بل فرحنا لحظاتٍ والفرح مستمرٌ بنعم الله علينا وعليهم في عافية وأمنٍ وطمأنينة، ولكن ما زلنا نحمل هماً في علاجهم في دوائهم في لباسهم في تعليمهم في السهر معهم في مداعبتهم في ملاعبتهم في احتضانهم وإشعارهم بالحنان ودفء العواطف، مسئوليات كثيرة ومتتابعة، وما زلنا كذلك ننفق ونعطي ونعالج ونسهر، كم ليلة حرمنا لذيذ النوم! وكم ليلة خرجنا من البيت في ليلة شاتية! وكم ليلة سهرناها وقبلها تعبٌ طويل وبعدها عملٌ شاق! وكم وكم إلى غير ذلك، حتى إذا بلغ الولد أو البنت الذي تعبنا تعباً طويلاً للحصول عليه ابتداءً بفكرة الخطوبة وانتهاءً بهذه المرحلة التي أصبح الوليد فيها مكتملاً في نموه وعقله واستجابته، أخذ يعي ويفهم ويخاطب ويستمع ويستجيب، وينادى فيأتمر حتى إذا بلغ الولد هذه المرحلة قال بعضنا: هذا الولد قد انتهينا منه ثم رموه في زبالة الأفلام والمسلسلات، وفي أحضان السائقين والخادمات، وفي مخالطة السوقة والفسقة ممن ليسوا بأهلٍ ولا كفءٍ أن يدخلوا بيوتنا فضلاً عن أن يكونوا أصحاباً لأولادنا وبناتنا، هذا هو الواقع اليوم. كثيرٌ من الناس كالذي يستدين من فلان وعلان، ويكدح الليل والنهار، ويجمع أجرة اليوم على الأسبوع، وأجرة الشهر على الشهر حتى إذا جمع مالاً اشترى أرضاً، ثم أخذ يكدح ويتعب ليبني بيتاً حتى إذا بناه أخذ يتعب من أجل أن يكسوه داخلاً وخارجاً ثم يؤثثه، حتى إذا اكتمل البيت وأصبح جنة صغيرة فتح الأبواب للكلاب والذئاب وقال لهم: ادخلوا وارتعوا والعبوا واعبثوا كيفما شئتم بهذا البيت الذي تعبنا عليه، هذا واقع كثير من الآباء والأمهات اليوم، يتعبون على الأولاد حملاً وولادة، وتربية وعلاجاً ولباساً، ودواءً وغذاءً حتى إذا اكتمل الولد رموه كما يرمون الزبالة عند الأبواب، وهذا واقع ومشاهد، ومن تأمل يجد أن ذلك أمراً لا مرية فيه ويا للأسف!

فتنة الأولاد

فتنة الأولاد أحبتي في الله: الله عز وجل قد بين لنا أن أولادنا نعمة أو نقمة: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ} [التغابن:14] هذا في جانب الخطر أن يكون الأولاد فتناً وأعداء، وفي الجانب الآخر: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21] {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] فالولد إما أن يكون قرة عين يسرك أن تلقاه في الدنيا وتجتمع به في الجنة في الآخرة، وإما أن يكون فتنة وعدواً تقول: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:38]. كيف يكون هذا وكيف يحصل؟ تأمل أخي الحبيب!! أن الله سبحانه وتعالى جعل الأبناء والأولاد والبنين والحفدة زينة في الحياة الدنيا وبهجة في المجالس، وعوناً على مشاق الحياة وشدائدها: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف:46] بل ما قيمة الحياة بلا ذرية وأولاد؟ إنها شاقة وعسيرة بل إن البيت الذي لا تسمع فيه للأطفال صوتاً ولا عبثاً كأنه مقبرة ليس بها ساكن. لولا بنياتٍ كزغب القطا رددن من بعضٍ إلى بعض لكان لي مطرف واسع في الأرض ذات الطول والعرض وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عيني عن الغمضِ الأولاد الهبة السماوية، المنحة الربانية، سبحان من وهبهم وأنعم بهم علينا! سبحان من أعطانا! إذا أردت أن تعرف عظمة وجلال هذه النعمة فتخيل نفسك واحداً من أولئك الذين ابتلاهم الله بالعقم، يذهبون من طبيب إلى طبيب ومن حكيم إلى آخر طلباً للولد، تخيل أنك تدخل منزلك وكأنك تدخل قبراً لا تسمع به كلمة من طفلٍ يناديك: (يا أبتِ أو يا بابا) سبحان المالك المتصرف: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:49 - 50].

الآباء هم السبب الأول في انحراف الأبناء

الآباء هم السبب الأول في انحراف الأبناء ٍأحبتي في الله: إن هؤلاء الأولاد الذين تعبنا تعباً طويلاً شاقاً بالغاً في الحصول عليهم ما سقط من سقط منهم، وما ضل من ضل منهم، وما انحرف من انحرف منهم بغتة أو فجأة أو بين عشية وضحاها، لا تصدق أن رجلاً قال: بات ولدي ليلة صالحاً فأصبح فاجراً، لا تصدق من قال: أصبح ولدي مؤمناً فأمسى كافرا، لا تصدق من قال: غدا ولدي براً فراح مجرماً!! لا. إنما المسألة لها خطراتٌ وخطواتٌ وكما قال الأول: وللمنية أسبابٌ من السقم قد يكون السبب الأول فيما تكرهه وفيما أقض مضجعك وعذب ضميرك، وآذاك في نفسك، ونكد عليك عيشك، وجعلك تتجرع الغصص في حلقك ربما كان السبب في انحراف ولدك هو أنت أنت من حيث لا تشعر. فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ أخي الحبيب: أنت الولي وأنت الأب والمؤدب والراعي ربما كنت سبباً في ضياع أولادك، وربما دمرت هذه الأسرة بمن فيها من البنين والبنات، ربما كنت السبب بل المتهم الرئيس في إذكاء شعار الفتنة والمتاهة والشقاء في أولادك وبناتك، والبعض يقول: لا. لا تحملني المسئولية وحدي، أليس على الولد كفلٌ من هذه الملامة؟ أليس للولد حظٌ من هذه الأسباب؟ A نعم. ولكن أخي الحبيب! إن الولد حينما يقول: هذا جناه أبي علي، وما جنيت على أحد إذا كان والده من المضيعين له الذين لم يحسنوا تربيته ولم يلتفتوا له أبداً. نعم. كثيرٌ من الآباء والأمهات ما قصروا، ألبسوه ناعم الحلل، وأسكنوه أوسع الفلل، وعطروه وزينوه وعالجوه، ما تركوا موضع إبرة في بدنه إلا ونعموها بطعامٍ وشراب، ولباسٍ ودواء، ولكنهم تركوا أكبر شيءٍ في بدنه وهو فؤاده وقلبه وعقله، جسمه المحدود اعتنوا به، أما عقله وقلبه الذي يتسع لأضربٍ من الشر كثيرة، أو أصنافٍ من الخير كبيرة عظيمة أهملوه، ما تركوا جانباً إلا وقدموا له وافر الغذاء فيه، أما غذاء روحه وغذاء عقله وفكره، فأهملوه غاية الإهمال، وحينئذٍ حينما يتخلى الأب وتتهاون الأم في ذلك الأمر سهل للأعداء من شيطان الجن وشياطين الإنس إفساد الأبناء وسلخهم من الحجاب والحياء، وإماتة العفاف والآداب في أنفسهم، أوليس إذا تخلى الولي عن الولاية والأمانة التي تعلقت برقبته؛ ضاعت الأمور من بين يديه؟! إذاً أنت أنت أيها الأب! أنت المسئول قبل كل شيء؛ لأنك أسلمت الولد والبنت لقمة سائغة للذئاب البشرية، لأنك تواريت وابتعدت وتزاورت ذات اليمين وذات الشمال عن دفة القيادة ومسئولية التوجيه والرياسة، فسمحت لأسراب الخفافيش أن تغزو منزلك في جنح الليل المظلم، ورضيت بالمنكرات والمعاصي أن تتصدر مساحاتٍ كبيرةً من بيتك وتستحوذ عليها، أنت بهذا شعرت أم لم تشعر أفسدت ولدك، وكنت عوناً لشياطين الإنس والجن في تحقيق مآربهم من هنا وهناك، ولذا أيها الأحبة! كان لزاماً علينا أن نتأمل هذه المسئولية العظيمة، وإن القليل القليل من التوجيه والرعاية يحفظ الأولاد بإذن الله، ويغني عن الكثير الكثير من الآداب والوعيد والتهديد والملاحقة في الكبر، فما دام الأمر سهلاً يسيراً، والأولاد لا زال الواحد منهم غضاً طرياً كأغصانٍ غضة لينةٍ كيفما عدلتها اعتدلت، فإن ذلك أسهل بكثير من أن تهمله حتى إذا بلغ الولد سبعة عشر عاماً، أو ستة عشر عاماً أو أقل أو أكثر، أخذت تهدده بالعصا، والحرمان والطرد والإبعاد، والجلد والإهانة، والتوبيخ والعبارات الجارحة التي لا تزيده لك إلا بغضا ولا منك إلا فرارا.

غش الرعية

غش الرعية أيها الأحبة: واجبنا مراراً أن ننتبه لهذه المسئولية وهي مسئولية كلنا يحاسب عنها: كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، بل يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله سائلٌ كل رجلٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) أوليس هذا أمراً عظيماً؟ إن الواحد لو كان أمين صندوق وجاء يوم الجرد لاحمر وجهه، وخفق فؤاده، خشية أن يضيع مما استودع شيئاً من حطام المال قليلاً كان أو كثيراً، لكن لا يبالي حين يضيع من أولاده خمسة، أو لا يبقى من العشرة إلا اثنان لا يبالي أبداً، وهذا -أيها الأحبة! - من الجهل العظيم، بل إن ذلك غاية الغش والظلم والخديعة والخيانة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة). ما تقولون في رجلٍ غش رعيته، وهم زوجته وأولاده وبناته وأهل بيته؟ غشهم فما أمرهم بالصلاة، وما نهاهم عن المنكرات، بل جعل البيت مسرحاً ومستودعاً لكل ألوان الفجور والفساد، وحجته بذلك أنه لا يريد أن يكون مطوعاً، لا يريد أن يكون متشدداً، لا يريد أن يكون متزمتاً، بل يريد أن يكون منفتحاً متساهلاً، معتدلاً متوسطاً، من الذي قال لك إن هذا هو الاعتدال؟ إذا كان هذا الذي يفعله بعض الناس اليوم من الرضا بالمنكرات في بيوتهم، وتربية بناتهم على التبرج والسفور، والسماح للزوجات أن تكون الواحدة منهن خراجة ولاجة، لا شغل لها إلا الذهاب والإياب، ولا يعرف شيئاً عن بيته، فلا يبالي أن يكون هو الذي سعى في تدمير بيته وتدمير أسرته. كثيرٌ غشوا زوجاتهم وأولادهم وبناتهم وضيعوهم غاية الضياع، وأهملوهم غاية الإهمال، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيمن كان هذا حاله: (يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة). إن غاية الإثم أن يضيع الواحد من يقوت، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) وملاك ذلك قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] كل واحدٍ منكم من يسمعني الآن، أو يسمع هذا الكلام بالشريط بعد الآن، كل واحدٍ منكم إما أن يكون أباً، وإما أن يكون ولياً، أو سيكون أباً عن قريب لا بد أن يتحمل مسئوليته وأن يستعد لهذه الأمانة التي ثقلت على السماوات والأرض وحملها الإنسان: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]. أخي الحبيب: إنك يوم أن تعتني بصلاح أولادك وتعتني بتربيتهم وتترك كثيراً من حظوظ نفسك وشهواتها من السهر مع أصدقائك وزملائك، وتحرم نفسك من بعضها في سفراتك وذهابك وإيابك، لتجعل أهلك وأولادك أحق بذلك من هذا كله تذكر أنك تساهم في بناء مجتمعٍ صالح، وتسعى في تكوين أمة مسلمةٍ، نحن بأمس الحاجة إلى إيقاظ جذوة الوعي والشعور اليقظ فيها، يقول ابن القيم رحمه الله: وكم من رجل أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء. اسمع هذه الكلمة من مربٍ فاضل وعالمٍ جليل يقول: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته: -يعني: أغلب فساد الأولاد- من قبل الآباء، انتهى كلام ابن القيم من تحفة المودود في أحكام المولود. أحبتي في الله: بعض الآباء الكرام إذا رأى من أولاده تمرداً أو انحرافاً بدأ يتذمر ويشتكي، وما علم أنه هو السبب الأول في ذلك التمرد والانحراف، بل شأنه كما قال الأول: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء بل يجعل ولده كغنمة في قطيع من السباع والذئاب ويقول: من الذي نهشها؟ من الذي تعرض لها؟ من الذي اعتدى عليها؟! ومن رعى غنماً في أرضِ مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد هذا شيء لا شك فيه، والخلاصة: أن بعض الآباء يدري ما يعمل ابنه لكنه يتعامى وكأنه ما رأى، يقال له: يا فلان! ولدك رئي البارحة ومعه باكت دخان ويدخن في والزاوية الفلانية، يقول: سيهديه الله إن شاء الله، يا فلان! ولدك رئي البارحة مع شباب أكبر منه سناً سيماهم سيما أهل الفجور، يقول: سيهديه الله سيهديه الله، وهو ولد ليس عليه خطر فهو رجل، الخطر على الحرمة -على الأنثى- أما الولد ما عليه خطر، يا فلان! ولدك تغيب عن المدرسة يقول: بكيفه إن نجح فلنفسه، وإن فشل فعلى نفسه، يا فلان! الولد ظهرت عليه العلامات التالية، بل وأقبح من ذلك جريمة الأم التي تتستر على جرائم الأولاد، أم تفتش ثياب الولد تجد سيجارة فتقول: اسكت اسكت وتنتبه أن يعلم أبوه، صبوا عليها سيبون في الحمام وكأننا ما رأينا ولا درينا، لو درى عنه سيذبحه، دعيه يقطعه، دعيه يجلده، هذا أوان التأديب، لكن جريمة من الولد يتبعها جريمة تسترها الأم، ويكملها جريمة غفلة الأب، ثم تكون النتيجة ما يكرهه الإنسان ولا يحمد عاقبته.

المجتمع وتعاونه في تربية الأبناء

المجتمع وتعاونه في تربية الأبناء وينبغي لنا أيضاً أن نكون عوناً لبعضنا في تربية أولادنا، نعم هي مسئولية توجه لكل أبٍ ولكل أم ولكل وليٍ مباشرة، لكن ولنا حقوق متبادلة تجاه بعضنا، فأنت إذا رأيت من أولادي أمراً غريباً فأخبرني، وأنا إذا رأيت من أولادك أمراً عجيباً أنبئك ونتبادل الحديث، وننتبه لهذه المسألة، بل إن بعض الآباء -وهذه سنة حسنة في أحد الأحياء- لاحظوا ملاحظة أن أناساً شباباً كباراً يأتون إلى حيهم وهم ليسوا من سكان الحي، شباب كبار كما يسمون من (الدشر) ينتقلون من أحياء إلى أحياء ثانية، الذي معه السيارة الفخمة، والذي معه سيارة ملونة ويبدءون يغرون الصغار والسفهاء بمختلف الأساليب كما تدور الثعالب على ديكٍ فوق الشجرة، ما الذي يحصل لما رأى رجال ذلك الحي أن غرباء سيماهم لا تنبئ بخير قد جاءوا يترددون في حيهم بسياراتهم وتصرفاتهم، ويأتون في أوقاتٍ مريبة بهيئاتٍ وأشكالٍ عجيبة، قاموا وسوروا أرضاً وسط الحي، واستدعوا رجلاً مربياً فاضلاً من أهل القرآن وقالوا: نعطيك جعلاً، نعطيك مالاً شهرياً، أولادنا هؤلاء الذين يخرجون من البيوت بحجة لعب الكرة، أنت المسئول تجلس معهم من بعد العصر إلى مغيب الشمس، وأول ما تبدأ معهم جلسة الشاي واقرأ أنت وإياهم ولو نصف صفحة من القرآن ثم اجعلهم يلعبون الكرة أمام عينيك أمام هذا السور المسور، أمام أعينكم جميعاً وإذا أراد رجل غريب أن يدخل عليهم فلا تسمح له وامنعهم عنه، ما هي إلا أيام بعد أن نفذوا الفكرة حتى أصبح الحي نقياً سليماً خالياً من تلك الذئاب الزائرة التي تزور لتقتنص من أطفال الحي والمراهقين فيه بين الفينة والأخرى. إذاً حتى مسئولية إصلاح الأبناء نتبادل التعاون فيها ونتبادل الأدوار فيها، وليس هذا والله بكثيرٍ أبداً.

الاعتناء بالأبناء في الصغر له ثمرة في الكبر

الاعتناء بالأبناء في الصغر له ثمرة في الكبر أخي الحبيب: إننا حينما نعتني بتربية الأولاد منذ بداية نشأتهم -كما قلت- ندخر جهداً ومالاً ووقتاً كثيراً في التوجيه حال بلوغهم سن المراهقة، الأمر الآخر أننا بأمس الحاجة أن نقطف ثمراتٍ نحن غرسنا بذورها بأيدينا، نحن في أمس الحاجة أن يستمر عملنا الصالح بعد موتنا، أوليس الواحد منا يحز في نفسه وفي فؤاده أنه إذا مات انقطع عمله، فما عاد كما كان في الدنيا يصلي صلاةً ويستغفر ويذكر ويتصدق، ويجاهد ويدعو ويعمل ويعين ويغيث ويناصح، انقطعت الأعمال، إلا إذا كنت ممن اعتنوا بتربية أولادهم منذ نشأتهم فإنك من الذين لا تنقطع أعمالهم بعد موتهم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالحٌ يدعو له، وعلمٍ ينتفع به، وصدقة جارية) فأنت إذا ربيت أولادك تربية حسنة ثق أن الحسنات لا تزال تجري عليك، ولا تزال يوماً بعد يوم في نعيم، وفي سعادة وفي أنس، وفي رفعة درجات، بل تلقى الله يوم القيامة بخيرٍ ما خطر على بالك، وتقول: يا رب! أنا من أين جيء لي بهذا الخير؟ فيقال: بصلاح ولدك من بعدك، لكن إن كنت ممن يهمهم أمر العمل الصالح كما كان السلف رضوان الله عليهم والصحابة، فـ معاذ رضي الله عنه لما حضرته الوفاة بكى فقيل: [ما يبكيك يا صاحب رسول الله؟ قال: والله ما أبكي على فراق دنياكم هذه، لكنني أبكي على فراق قيام ليالي الشتاء وصيام أيام الهواجر، ومجالسة أقوامٍ ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر آكله] يبكي مع أنه من جبال العمل الصالح، لا يبكي على الموت وفراق ملذات الدنيا، بل يبكي على العمل الصالح أنه سينقطع مع أنهم خلدوا حسناتٍ وصدقاتٍ جارية ماضية، رضوان الله عليهم وجمعنا بهم في الجنة. فأنتم -يا أحبابي- الواحد منكم عمره أربعون سنة: (أعمار أمتي بين الستين والسبعين وقليلٌ من يجاوز) عمرك خمسون، بقي عشر سنوات، عمرك ستين استعد: (قد أعذر الله لامرئ بلغه الستين من عمره) عمرك أربعون إذاً فقد بلغت أشدك: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [الأحقاف:15] فأياً كان عمرك فاستعد للرحيل. ومما يحز في خاطرنا جميعاً أن الواحد إذا تفكر في الرحيل تقطع قلبه ويقول: أنا الآن في المقبرة، تخيل نفسك الآن وأنت في المقبرة، من يصلي عنك؟ من يتصدق عنك؟ من يصوم عنك؟ من يعمل صالحاً عنك؟ كما كان أحد السلف يفعل يقول: إذا قسا قلبي وضعفت نفسي عن الطاعة ذهبت إلى المقابر فجلست في اللحد وقلت: يا فلان! هأنت الآن في دار البرزخ فمن يصلي عنك من يصوم من يتصدق عنك من يجاهد عنك من يعمل صالحاً عنك؟ قال: ثم أقول: لا إن لي فرصة في الدنيا فأخرج وأبادر نفسي في العمل الصالح، لكن إذا مات الإنسان وانقطع عمله فالولد من أعظم الصدقات الجارية والحسنات التي تمضي ولا تنقطع بإذن الله عز وجل لمن اعتنى بتنشئة ولده وتربيته، أسأل الله أن يعيننا وإياكم على تربيتهم، وأن يقر أعيننا وإياكم بصلاح ذرياتنا.

خطر إهمال تربية الأبناء

خطر إهمال تربية الأبناء أحبتي في الله: لما أهمل الأولاد وضيعت حقوقهم؛ ضاقت السجون بمن فيها، وسائلوا دور الأحداث والإصلاحيات، يأتكم إخوانكم فيها بالخبر اليقين، ويصورون لكم حالة الضياع والمتاهات التي يتخبط فيها كثيرٌ من الشباب والأحداث اليوم، بل تصفحوا أرقام وإحصائيات ما يسمى بجنح الأحداث، تجدون من الأمر عجبا، بل ما نجده في أسواقنا وشوارعنا ومفارق طرقنا من هيئاتٍ عجيبة، وبزاتٍ مقززة، وقصات غريبة، وتسكع ومطاردة للنساء، وإغواء للأحداث ما هو إلا أن التربية والرعاية وأمانة الأبناء قد أهملت عند كثير من الآباء إلا من رحم ربك وقليلٌ ما هم. اليوم تصفحت أوراقاً فإذا بي أجد قصة ولدٍ حدثٍ عمره ستة عشر عاماً يقتل ولداً آخر عمره خمسة عشر عاماً طعناً بالسكين، ولعل الشيخ -حفظه الله- ممن عملوا أو لا زالوا يعملون الآن في ما يسمى بإصلاحيات أو دور الأحداث، وقد ذكر لي شيئاً وذكر لي بعض زملائه الفضلاء من أمثاله أشياء يشيب لهولها الولدان، أطفال صغار تربوا تربية بين الآباء والأمهات إلا أنهم تخرجوا ذئاباً مفترسة ووحوشاً كاسرة وهم في بيوتٍ قد امتلأت بالذرية والآباء والأمهات والأبناء والبنات، والسبب الإهمال، وللأسف فبعض الآباء يعلم ولده كيف يكون شرساً، وكيف يكون ظالماً، وكيف يكون معتدياً يقول لابنه: افطن، انتبه لا يأكلوك، خذ منهم ولا تعطهم، اسرقهم لا يسرقوك، هذا من الجهل، هذه من الحماقات ومن عادات الجاهلية التي تعود أصحابها النصب وقطع الطرق واللصوصية. رجل يخبرني يقول: تركت بيتي ورحلت عن الحي الذي كنت أسكنه بسبب أن الدراجة التي تخص ولدي سرقها ولد الجيران، قال: فذهبنا إليهم نريد أن نأخذها، قال: فخرج علينا والده فحييته وسلمت عليه وقلت: أنا جارك فلان ولدي يقول: إن دراجته أخذها ولدك، فاستدعى ولده قال: دراجة فلان عندك قال: نعم. قال: هل تردها له؟! -يشاوره سبحان الله العلي العظيم! هل يحتاج رد المظلمة ورد المال المغصوب إلى مشاورة؟ - وأقبح من ذلك أنه قال له: إذا تريد أن تعطيه فبكيفك! لا يجوز أن نربي أولادنا على هذه العادات القبيحة السيئة، والبعض هو الذي شجع ولده على السطو والجريمة وعلى الاعتداء بحجة: أريده فحلاً رجلاً أعوده الرجولة، ويمكن أن يتعلم الرجولة بدون أن يتعلم الظلم، يمكن أن يتعلم قوة الشخصية دون أن يتعلم الكذب والخيانة، يمكن أن يتعلم الثقة بالنفس دون أن يتعلم اللؤم وخسة الطباع، لكن للأسف بعض الآباء هداهم الله لا يزال في جاهلية جهلاء. وبعض الآباء لا يبالون هل الولد في خير أم في شر؟ ربما منَّ الله على ولده بصحبة صالحة انتشلوا ولده فليس بجهده ولا بجهد أمه ولا أخواله ولا أعمامه، بل بفضل الله ثم فضل جلساء طيبين صالحين، في مكتبة المسجد، أو في جمعية المدرسة، أو في المعهد، التفوا حول هذا الولد وانتشلوه، فتجد في البيت الواحد أبناء صالحين، وأبناء فجاراً ضالين ولا حول ولا قوة إلا بالله! والسبب لا يعود إلى الآباء والأمهات بصلة، بل عائدٌ أول شيء إلى هؤلاء الذين أحاطوا به، وبعضهم أحاط بهم أهل السوء فأصبح سيئاً، وبعضهم أحاط به أهل الضلالة فأصبح ضالا.

توجيه الأبناء بالتي هي أحسن

توجيه الأبناء بالتي هي أحسن أحبتي في الله: لو لم يكن توجيه الأبناء أمراً عظيماً مهماً لما تكرر ذكره في القرآن في مواضع شتى، يقول الله عز وجل وهو يقص علينا وصايا لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16] أنا أجزم وأقطع يقيناً أن نسبة (90%) أو (80%) من الآباء قلَّ منهم من نصح ولده نصيحة مباشرة، نعم الأغلبية الساحقة لم يعرف إلا سبابه وشتيمته، يا خسيس يا كلب يا فاجر يالذي فيك ويعوده من العبارات ما يركب الولد شخصيته على ما يسمع، فإذا قال له الأب: يا حمار؛ فعند ذلك الولد مستعد أنه ينهق ويتحمل الأثقال، ويكون غبياً وتافهاً وركوباً وحمولاً. وإذا قال له أبوه: يا مكار يا مخادع؛ أصبح يتفنن في ابتكار الخدع والأحابيل ونصب الشباك للناس، فبعض الآباء يظن أنه ينصح والحقيقة أنه يسب أولاده، وهذه أيضاً خصلة قبيحة خسيسة! إياك أن تسب أولادك! إياك أن تشتمهم! إياك أن تعطيهم من العبارات السيئة التي لا تليق! فقد تكون سبباً في إحباط وإجهاض الآمال والمعالم التي يطمحون أن يصلوا إليها، بل عودهم أنك تراهم في عينك قمماً ورجالاً وتراهم جبالاً، اجلس معهم وقل لهم: يا أولادي! الصدق منجاة، الصدق سببٌ إلى الجنة، الصدق يهدي إلى البر، والرجل الذي يصدق يحبه الله عز وجل، الصدق كله خير وعاقبته خير، والكذب أمرٌ خسيس ورديء، والكذب من صفات المنافقين، والكذب من صفات أهل النار. ما تجد إلا القليل منا من يناصح أولاده، اليوم كلمة عن الأمانة، فالأمانة أمرها عظيم، والأنبياء هم أهل الأمانة، والعلماء من بعدهم يتحملون الأمانة، والأمانة لا يحافظ عليها إلا المؤمن التقي، والذي يخون فهو من أهل النار، والخيانة صفة ذميمة، أعطهم قصة أو قصتين، مثلاً أو مثلين، بيتاً أو بيتين عن الخيانة، لا بد بين الفترة والأخرى من أن تعطيهم نصائح عن الصدق عن الأمانة عن الوفاء عن التعاون عن الإيثار عن التواضع عن المحبة، تحذرهم من الكبر من احتقار الناس من أذية الناس من الحسد من الحقد، تارة تحذر من أشياء، وتارة تنصح بأشياء، لكن للأسف كثير منا لا ينصح أولاده أبداً! والأدهى والأمر أن بعض الآباء تجده رجلاً صالحاً، من أهل الصلاة ومن أهل الصلاح، إلا أنه لم يعرف كيف ينصح أولاده، ويظن البعض أنه يحتاج إلى أن يكون كـ سحبان بن وائل في الخطابة، أو ثابت بن قيس، أو حسان في الشعر حتى يؤثر عليهم، لا. بالكلمة الدارجة وبالعبارة المفهومة وباللغة الطبيعية التي تحدثهم بها في البيت، ناصحهم وحذرهم، ومرهم وانههم وازجرهم فبهذا يتربون وهم لا يزالون صغاراً.

الأمهات وإهمالهن للبنات

الأمهات وإهمالهن للبنات كذلك الأم، بعض الأمهات لا يعنيها أمر ابنتها، سماعة الهاتف في أذن ابنتها من بعد العصر إلى أذان العشاء، أو من بعد العشاء إلى منتصف الليل، تكلم زميلاتها، كل هذه دراسة؟! كل هذه واجبات؟! كل هذا دراسة ومذاكرة واختبارات تتعلق بالدراسة؟! ما المانع أن تقول الأم: بنيتي! أعطيني زميلتك هذه أسألها عن اسم أمها، أمن آل فلان أو من آل فلان؟ دعيني أتعرف عليهم من أي بيت؟ من أي عائلة؟ من أي قبيلة؟ من أي حمولة؟ على الأقل تتأكد الأم وتعرف. بعض البيوت البنت لها هاتف خاص في حجرتها، ولا يدري أهل البيت من يتصل بها ومن لا يتصل، وهذه من الأسباب التي أدت إلى ضياع كثير من البنات، والذي يريد أن يتأكد من هذه الحقيقة فليسأل رجال الهيئة، وجود هاتف وخط مفتوح للبنت في غرفة نومها من أسباب انحرافها، نحن لا ندعو إلى الشك، لكن ندعو إلى حماية الأبناء من الشر، بعض الناس يضع كأس الخمر ويقول: والله ما في داعي للشك أنهم يشربون، يا أخي! لا تضع الخمر ولا تشك. قالوا لرجل من البادية: إذا وطيت الجني قل: باسم الله، قال: لا تطأ الجني ولا تسمِّ من أولها، فما هناك حاجة أنك تجعل في غرفة كل ولد وكل بنت هاتفاً خاصاً، التليفون في الصالة نعرف من المتصل ومن الطالب، المتصل هو داخلٌ إلى داخل البيت بلا استئذان، الذي يطرق الباب على الأقل ويقف في الشارع وأهل البيت يعرفون أن الباب طرق، ومن هو وماذا يريد؟ لكن الداخل عبر الهاتف شأنه عظيم، يدخل إلى البيت بغير استئذان، وربما يأخذ أسرار البيوت ويعرف ماذا يدور فيها بغير رضاً من أهلها أو لا حاجة له في ذلك، بل ربما يخطط لسوءٍ ويدبر مكيدة وشراً عليه، لذا كان من الواجب أن نتخذ الأساليب التي تدعو إلى الحيطة ثم لا نشك. البعض يقول: أنتم -يا مطاوعة- ما عندكم إلا الشك، إن ذهبت البنت للسوق شككتم فيها، وإن رفعت السماعة شككتم فيها، وإن جاءتها زميلتها شككتم فيها، لا يا أخي الحبيب! نحن منهيون عن التجسس، ولا تجسسوا ولا تحسسوا، ولكن مأمورون بالاحتياط والحذر وعدم الإهمال، وهذه من أهم الأمور، أقول: إن بعض الأمهات لم تنصح ابنتها يوماً من الأيام، كثير من الأمهات لم تحدث ابنتها عن النتائج الوخيمة التي حلت بكثيرٍ من الفتيات اللائى أصبحن يتبادلن الغرام مع شباب يعاكسون عبر الهاتف، بل إن البعض تقول: والله أنا لا أدري البنت هذه ليست طبيعية فقط، ليست طبيعية وساكتة على الموضوع؟!! وبعضهم يقول: الولد هذا ليس طبيعياً، والله لا أدري، وساكت عن الموضوع، كذلك وراضٍ ولا حول ولا قوة إلا بالله!! كل هذه المشاكل التي يتضايق منها الكثير من الآباء والأمهات نستطيع أن نتجنبها، فإذا اعتنينا بالأطفال وهم صغار فإننا نستطيع أن نتحاشى وأن نتجنب الكثير من المشكلات العظيمة. إن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) ولا يلزم أن ابن عشر يمكن أن يقرب أخته أو يزني بها، لكن التربية تقتضي أن تجعل الخط واضحاً ومستقيماً، بلغ عشر سنين؛ إذاً يفرق بينه وبين إخوته في المضجع، يكون في حجرة أو هي في حجرة، إذا كان البيت صغيراً جداً فالأم في وسط والأولاد في طرف والبنات في طرفٍ آخر، لا بد من التصرف بحكمة بالغة حتى لا نندم ولات ساعة مندم أو نعض على أصابع الندم ولا ينفع حينئذٍ ندم.

تعويد الطفل على فعل الطاعة وترك المعصية

تعويد الطفل على فعل الطاعة وترك المعصية أحبتنا في الله: من المعلوم والمشاهد بالتجربة أن الصغير إذا تعود شيئاً ونشأ عليه اعتاده وسهل عليه كبيراً وكما قال الأول: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه وما دان الفتى بحجٍ ولكن يعوده التدين أقربوه ولكن إذا كان الآباء والأمهات ما عودوه على الخير، ولا على التدين؛ الأب يصلي ويتركهم على فرشهم، والأم تفرش السجادة وتصلي ولا تسأل بناتها صلين أم لم يصلين، أما إذا جاء موعد الاختبارات، أو مواسم الدراسة، أو جاءت الساعة السابعة إلا ربع، أو ستة ونصف صباحاً، والله ما أخذت فسحتك؟ والله ما أفطرت يا فلان؟ والله ما أخذت شرابك؟ والله ما لبست الجزمة؟ يتفقدون الولد من رأسه إلى قدمه، كل ما على جسمه يتفقد لكن ما يتعلق بقلبه لا يتفقد أبداً، في حين أن الولد إذا عُوِّد على شيء تعوده، وأخذه يقين بدون الحاجة إلى أي برهان أو دليل، لكن إذا ضيعته وأردت أن ترده من جديد فدبر لك مائة حجة ومائة برهان ومائة دليل، لأجل أن تقنعه بالرجوع إلى الصراط المستقيم الذي تريده أنت. يقول لي أحد الأحباب وهو رجلٍ صالح قال: إني مما عودت أولادي عليه أن أحذرهم من تعليق الصور على الجدران، وأقول لهم: إن تعليق الصور أمرٌ لا يجوز ومنهيٌ عنه، وقد يكون سبباً في عدم دخول الملائكة إلى هذه المنازل إلى غير ذلك، قال: في ذات يوم حصلت مشاجرة بين أحد الأطفال مع أخيه الأصغر ولعل أمه قست عليه في العقوبة قال: فما كان منه إلا أن تهددها وقال: والله إذا ضربتيني سوف أعلق صورة في الجدار فأدع الملائكة لا تدخل بيتنا، مقتنع تماماً بيقين أن التعليق أمرٌ يعني عدم دخول الملائكة، فأنت إذا علمت الصغار كل شيء منذ الصغر فذلك أمرٌ مهمٌ جداً.

التربية على كره أهل المعاصي وحب أهل الطاعة

التربية على كره أهل المعاصي وحب أهل الطاعة كذلك من الأمور المهمة في مسألة التوجيه والتربية، وأبناؤنا أمانة في أعناقنا، أن نربيهم على كره المعاصي وأهلها، وحب الطاعات وأهلها، فنعود أبناءنا، حب أهل الخير، وحب العلماء وحب الصالحين، وإكرامهم وتبجيلهم وتقديرهم واحترامهم، وفي المقابل نعودهم على بغض أهل المعاصي، وإذا رأينا أمراً من أمور المعصية أو وقعت أعينهم على صورة مُهَرِّجٍ أو مطربة أو مغنية أو فاجر أو فاسق، لا بد أن يسمعوا منا عبارات هم في داخل عقولهم يحكمون، ويكونون تصوراً، ويفهمون أن هذه صورة مرفوضة منبوذة غير مقبولة لا ينبغي أن يكون الإنسان في مثل هذه الصورة أبداً بل ينكرون إذا رأوا أحداً يفعلها، ولذلك تجد الأطفال الذين تربوا في بيوت الإيمان والصلاح والاستقامة إذا زاروا أقارب لهم ورأوا أطفالهم قد علقوا الملابس التي عليها الصور قالوا: انظر الطفل معلق صورة على صدره!! -لأن الطفل تعود في تربيتنا له في بيتنا أنه لا يلبس هذا الشيء- يا أماه! انظري هذه بنت مظهرة لأرجلها ولا تستحي، ما تسترت؛ لأننا عودناها وإن كانوا أطفالاً لم يبلغوا أن البنت تستر العورة، ولا يخرج من عورتها شيء، الطفل يقول: انظر يا أبي! هذا يشرب الدخان، هذا يفعل كذا! لأنك ربيته على ذلك، كيف ينكر؟ لأنك من قبل ربيته على أن التدخين من أسباب السخط والعقوبة، وأنه محرم ولا يليق ولا يجوز، علمت الأم ابنتها أن التبرج منه أن تخرج المرأة ساقيها أو فخذيها، وأن اللبس الذي يكون فيه شيء من الصور لا يجوز وغير ذلك، فأنت علمته أشياء، لما رأى ضدها صار عنده معادلة داخلية، تعلم من أهله أن هذا لا يليق، ورأى أناساً ينفذون هذه الأمور ويتلبسون بها وهي لا تليق، فكانت النتيجة الصحيحة أن الطفل الصحيح ينكر هذه المشاهد. الطفل الذي تربى تربية صحيحة، تقول له: تتمنى أن تصبح فناناً؟ يقول: أعوذ بالله، أنا لا أرضى أن أكون فناناً، وقد يقول كلمات طبعاً لا يلزم بالضرورة أن تكون أحكاماً صحيحة، ولكن الصغير يقول: هذا في النار، مباشرة! لأنه تعلم أن هذا أمر لا يليق أبداً، وتسأله تريد أن تصبح أستاذاً؟ يقول: نعم. أريد أن أصير أستاذاً أصير طياراً أصير إماماً أصير شيخاً ولو قلت لاثنين من الأولاد الصالحين: هذا فنان وهذا شيخ، سيغضب الذي قلت له: فنان، ولا يقبل ولا يرضى؛ لأنه تعود وعنده صورة أن صورة الفنان حقيرة خسيسة تافهة، وصورة الشيخ صورة جليلة مهمة، فهو يتمنى أن يطلق عليه الصورة التي تليق، ويتمناها ويحبها، نحن ينبغي أن نربي أولادنا على مثل هذا الأمر. صحيح أن الأطفال لا يفهمون الكثير من القضايا الفكرية لكن التربية تختزل أشياء كثيرة جداً جداً وخاصة في مرحلة الطفولة، فمبدأ تبغيض المعاصي وتكريه المحرمات في نفوس الأطفال بحيث يبدأ الطفل يكره الشر والأشرار، ويحب الخير والأخيار هذا يجعله -ولله الحمد- على درجة مهمة جداً، بل وفي القرآن ما يؤكد ذلك، كما قال تعالى على لسان لقمان عليه السلام وهو ينصح ولده: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:18 - 19] يبغض له الصياح والإزعاج الذي ليس له داعٍ ولا موجب ويقول: هذا الذي يزعق بالصوت مثل الحمار-أجلكم الله- فلنا في هذا حجة قرآنية: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء:37] كل هذا مما يؤكد على أن بيان الصورة السيئة الكريهة، وجعل الطفل يمقتها ويبغضها ويكرهها، أمرٌ في غاية الأهمية.

رقابة الأبناء وتربيتهم روحيا

رقابة الأبناء وتربيتهم روحياً أعود لأكرر -أيها الأحبة- إن بعض الآباء الكرام والأمهات والأولياء يجتهدون في التربية والوعظ والتوجيه لكن دونما رقابة أو متابعة في تطبيق ما ربوا أولادهم عليه، ليس من الحكمة أن نترك للأولاد والبنات الحبل على الغارب. أين يذهبون؟ متى يأتون؟ من يصاحبون؟ كيف سلوكهم في المدارس؟ ماذا يحملون في حقائبهم؟ ماذا يقرءون؟ ماذا يسمعون؟ ماذا يرون؟ أسئلة جوابها لا يمكن أن نراه أو نجده إلا بالمتابعة والرقابة اللطيفة، والسؤال الحثيث في المنزل والحارة والمدرسة؛ مع المدرس والمدرسة ومع الجيران، نستطيع من خلال ذلك أن نحكم وأن نكتشف إلى أي درجة وصلت شخصية هذا الولد، ولكن أيضاً بطريقة لا تشعر الأولاد والبنات بأنهم جنودٌ في ثكنة عسكرية أو كأنهم متهمون تلاحقهم الجواسيس. مسألة مهمة تتعلق بالتربية الروحية، كثيرون يعتقدون أن دورهم على توفير الطعام والشراب، والترفيه والدواء والعلاج، والحقيقة أن كثيراً من هؤلاء قد نسوا أن تربية الروح وتهذيب النفس مطلبٌ من أهم المطالب يا خادم الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسرانُ أقبل على الروح فاستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ

غياب الآباء سبب في ضياع الأبناء

غياب الآباء سبب في ضياع الأبناء أحبتنا في الله: الغياب والفراغ، وعدم التواجد أو الحضور، بعض الآباء غائبٌ غياباً كلياً، مع أنه حيٌ لم يوسد الثرى بل يمشي على الثرى، بل غياب بعض الأمهات عجيبٌ ومريب، السبت في زواج، والأحد في الملاهي، والإثنين في الحدائق، والثلاثاء مع الصديقات، والأربعاء عطلة الأسبوع وهلم جرا، ليس للبنات من حظها نصيبٌ أبداً، أولئك الذين تيتم أولادهم وهم لا زالوا على قيد الحياة، بل إن الأيتام يلتفت لهم الناس فيرحمونهم ويعتنون بهم، ويحسنون إليهم، ويعينونهم، ويتفقدون أحوالهم؛ لأن الناس قد أيقنوا أن الأب أو الأم قد ماتوا أو ماتوا جميعاً، لكن هؤلاء الأولاد والبنات الذين هم في بيوت آباءٍ وأمهات كلهم قد غفلوا وغابوا ولم يلتفتوا إلى حجم المسئولية، وخطورة المرحلة، وفداحة المتغيرات ذلك الأب الذي اتسعت خارطة أعماله لكل شيء لكنها لم تتسع لفلذة كبده وقرة عينه. نعم أيها الأحبة! صدق القائل: ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولا إذا غاب الأب خلف تجارته وعقاراته وشهواته فمن يقوم مقامه؟ إذا غابت الأم خلف الموضات والحفلات والترفيه والصديقات فمن يقوم مقامها؟ يا للأسف! إنهما يسلمان أمر الأبناء للسائق والخادمة ناهيكم عن الذئاب البشرية المتربصة بالشباب.

خطر التناقض في شخصية الأب أمام الابن

خطر التناقض في شخصية الأب أمام الابن وختاماً: إن كثيراً من الآباء يأمرون وينهون لكنهم لا يجدون استجابة، والسبب: أنهم يكسرون ما بنوا أمام أعين أولادهم، ويهتكون أستاراً نصبوها أمام أعين أولادهم، ويتناقضون أمام أعين أولادهم، ويعلمون أولادهم النفاق، كيف؟ تجده ينهى عن شيءٍ فيرتكبه، ويأمر بواجبٍ فلا يفعله، حربائيٌ متقلب؛ في بيته له صورة، وأمام الناس له صورة أخرى، فتنطبع هذه الصفات وهذه السلوكيات من الأب إلى الابن فيصبح الابن حربائياً أمام أبيه دين، ووراء أبيه فاجر، لأن أباه طبق نفس العملية، والولد اكتشف مسألة ليست سهلة، لا تتصور أن الولد سهل تفوت عليه التناقضات، هو يرى الصور الصحيحة ويخزنها، فإذا استمرت الصور الصحيحة لا يرى إلا الصحيح والذي ينبغي أن يكون، لكن إذا وجد صورة صحيحة وتناقضها صورة سيئة، وصورة حميدة وتناقضها صورة خسيسة، يقول: إذاً ممكن الإنسان في الحياة أن يجمع بين الصدق والكذب بين الأمانة والخيانة والخسة بين الخير والشر بين البر والفجور بين الصلاح والفساد، ويمكن أن يتعايش تعاشياً سلمياً في شخصيته، ويستمر في هذا الانفصام النكد ولا حول ولا قوة إلا بالله! الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3] ازدواجية التربية (تناقض القول والفعل) أمرٌ غريبٌ جداً! في سنن أبي داود وسنن البيهقي عن عبد الله بن عامر قال: (دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ في بيتنا فقالت: تعال أعطيك، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمرة، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة) فكم أعطينا أبناءنا من كذب بحجم لا يخطر على بال، بل كثيرٌ من الناس يقول: انظر هذا الصغير عجيب هذا حجمه ويكذب هذه الكذبة الكبيرة! ما تعلمها إلا من أبيه الداهية مصنع الكذب، هو فقط صدر وحدة من المنتجات، لكن المصنع كان من عند الوالد أو الوالدة، فينبغي أن نلتفت لمثل هذه القضايا. إياك أن يكتشف أولادك أو أن يروا منك تناقضاً في كلامك وسلوكك وأفعالك وتصرفاتك، وإذا حصل ذات يوم أن رأوا تناقضاً؛ فيلزم عليك أن تعلمهم بأن هذا خطأ، أنا وقعت في هذا الخطأ من حيث لا أشعر، المهم انتبه أن يستقر في أذهانهم أن هذا أمر طبيعي يمكن أن يكون له وجهان وشخصيتان وأمران وحالان ووضعان إلى غير ذلك، وعند الإمام أحمد وابن أبي الدنيا عن أبي هريرة رضي الله عنه: (من قال لصبيٍ: تعال هاك؛ ثم لم يعطه فهي كذبة). إذاً أيها الأحبة! لا بد أن يشعر الوالد وتشعر الأم أنهم الأنموذج الأمثل للقدوة، وأنه يتأسون ويقتدى بهم، وأن الأولاد ينقلون عنهم كل شيء: (كل مولودٌ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) إن كان الأب يهودياً هود أولاده، وإن كان الأبوان نصرانيين نصرا أولادهما بالوراثة بالانتقال بالسلوك بالفكرة بالتعايش، إن كانوا يهوداً نقلوا بمثل ذلك، فالتأثير واضح: يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، والولد -كما قيل- سر أبيه. لعلنا نكتفي بهذا أيها الأحبة! أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية تحبيب الصلاة إلى الطفل واحترام الآخرين

كيفية تحبيب الصلاة إلى الطفل واحترام الآخرين Q سائل يقول: بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: كيف أحبب الصلاة إلى ولدي والحرص عليها ولو لم أكن بالمنزل؟ وقال أيضاً: كيف أعلم ابني حب المسجد واحترامه وتعظيمه خاصة إذا كان صغير السن، وكذلك كيف أربيه على بر الوالدين وبر والدي -أي: أجداده- واحترام الكبار سواءً كانوا أعمامه أو أخواله أو معلميه أو مدرس حلقة القرآن والمسلمين عموماً عرباً أو عجماً، أفيدونا أفادكم الله؟ A هذا سؤال جيد أخي الحبيب! كما مر معنا: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه إذا كان ولدك يراك تهتم بالصلاة اهتماماً واضحاً فإذا سمعت الأذان رميت بكل شيءٍ في يدك، وإن كنت تعرف ما تعمد إليه من قصد الوضوء ولكن تبين للأولاد أنه إذا أذن فهذا الوقت الذي بعد الأذان لا بد أن يكون للاستعداد للصلاة. هيا جهزوا لي كذا من أجل أصلي، جهزوا ثوبي لأني أريد أن أخرج للصلاة، طبعاً الأم والكبار عارفون؛ لكن من أجل الصغار حتى يعرفوا اهتمام الأب عند الأذان هذه مسألة مهمة، إذا رأوك تبادر لها أسفاً غير راضٍ لأن الصلاة فاتت، أو تكبيرة الإحرام فاتت، يتعلمون هذا منك ويسابقونك -بإذن الله- إلى المسجد، أما إذا رأوا أباهم يُؤذن المؤذن ثم يقول: أريد أن أنام، وإذا بقي على الإقامة خمس دقائق فأيقظوني، ويقول مثلك: أنا أذهب أنام وإذا صلوا قوموني، يتعلم منك تماماً. كذلك إذا وعاك ولدك وأنت تقبِّل أباك يده، فسوف يقبل يدك وسوف يقبل يد جده، إذا رآك تحترم أستاذك ولا تغتاب المدرس، أو تطلق عليه عبارات التنقص أو الاحتقار أو الدونية أو غير ذلك فهو سيحترم الأستاذ، أما إذا رآك أمام المدرس تقدره وإذا غبت عنه قلت فيه كذا وكذا. هو أيضاً سوف يحتقره، فالولد ينقل ما سمع، ويصف ما رأى، فانتبه أن يقع على سمعه منك أمرٌ بذيء أو ترى عينه منك ما لا يليق، إذا عودت ولدك على هذا الأمر منذ البداية. أنا أذكر عندما كنا صغاراً هذا الكلام من قبل ثلاثين سنة، كنا نذكر لنا جيراناً يأتي بهم آباؤهم وعيونهم مغمضة لم يصحوا من النوم بعد، ويدخلون دورة مياه المسجد ويتوضئون فيها ويدخلون المسجد، ومرت السنون وكبر هؤلاء وتزوجوا وجاءهم أولاد، وبعد سنين طويلة انتقلنا من الأحياء القديمة إلى الأحياء الجديدة، وسكنوا أيضاً في الحي الذي نحن فيه الآن، هؤلاء الذين كانت أعينهم لا تكاد تفتح عند دورات المياه يتوضئون في المسجد أولادهم نفس الصورة، يؤتى بهم إلى المسجد ويذهبون لدورة المياه خاصة في غير الشتاء، ويتوضئون ويدخلون المسجد، وتلقى الطفل الذي نراه في هذه الأيام بنفس الصورة التي كنا نرى أباه فيها، لأنه عود على خير فنشأ عليه وشب عليه وكبر عليه، وأنجب ذرية ورباهم على ما تعوده من أبيه، وهكذا التربية وراثة. بعض الإخوة يقول: أنا تفاجأت عندما رأيت بناتي يقبلون رِجْلَ أمهم، مع أنهم ما رأوني يوماً من الأيام أقبل رجل أمي بمشهدٍ منهم، يعني: ربما كان يزور أمه ويقبل رجلها لكن يقول: كيف انتقل فيهم هذا البر إلى هذه الصفة، وهذا يؤكد فيما يتعلق بالبر أنه دين، فمن بر بوالديه بر به أبناؤه: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) ومن عود أبناءه على شيء تعودوا عليه بإذن الله. من الوصايا أن الولد إذا أصبح يؤمن تلويثه للمسجد، ويعرف عنه أنه ما يشغل والده ولا المصلين في المسجد، ويسكن مع أبيه وأنه يأتي به ويصلي معه في المسجد، وإذا صلى قال: اذهب سلم على الإمام وحب رأسه، أنت بهذا تنمي في نفسه حب الإمام وحب المسجد منذ صغره قبل أن يعرف الإنترنت والكمبيوتر والأتاري وما يتعلق به، اجعله يتعلق بحلقة القرآن وأغدق عليه من الهدايا، إن كنت مشغولاً دع أمه تختبره، إن حفظت جزء عم أعطيتك مائتين ريال، إن حفظت جزء تبارك لك خمسمائة ريال، قد يقول قائل: من أين نعطيهم هذا الشيء؟ يوجد البعض لا يستطيع لكن الكثير ممن يقول: كيف نعطيه خمسمائة على جزء وهو يصرف ألفاً على الملاهي، ويصرف مئات على معاصي، ويصرف الكثير على أمور لا تنفع أبداً. يا أحبابي: أشعر أولادك أنك تحبهم، حتى وإن كانوا كباراً، التربية بالحب هذا جانبٌ مفقود، بعض الناس عندنا إذا كبر ولده قليلاً لا يعرف يقبله ولا يحتضنه ولا يضمه ولا يشمه ولا يمزح معه، تصبح علاقة جافة ناشفة، لو يدغدغ ولده قال: لا تمد يدك، وجعله شيئاً مستنكراً غريباً، ما تعود المزاح مع أولاده، صحيح أنهم كبروا لكن لا يمنع أنه يكبر بينكم الصحبة والمودة والمزح والترفيه. يا أخي الحبيب: أنت تدخل البيت وتمسك أصغر واحد الذي عمره سنة، والباقون لا تسلم عليهم ولا تلتفت لهم ولا تصافحهم ولا تقبلهم، لا يا أخي! إذا أتيت إلى البيت من عمره سبعة عشر سنة فأمسكه وقبله، من عمره ست عشرة ونحوها، بل كل عيالك سلم عليهم وقبلهم، واجعلهم يحسون بحنانك وعطفك، والتفت لهذا الصغير الذي لا يفهم شيئاً ولاعبه ووسع صدرك معه، لا كما يقول البعض: الترفيه للولد الصغير فقط، فهذا يجعل الكبير يجد في نفسه حقداً وعداوة لهذا الذي طرده، كما تعرفون في عادات الأطفال، لكن إذا صار الابن يشعر أن والده يحبه يفعل كثيراً من الواجبات تقديراً لمحبة والده، ويترك كثيراً من المناهي تقديراً لمحبة والده، ولا يزال يكبر على هذا الخير حتى يتعبد الله عز وجل بهذا كله.

ظاهرة السب عند الأطفال

ظاهرة السب عند الأطفال Q يقول السائل: إذا كان ابني صغيراً ويسب اكتساباً من أقاربه أثناء زيارته مع أمه أو في مدرسته، فكيف أعاقبه أو أزجره أو أمنعه من السب والشتم والسخرية اللعب؟ A حقيقة بعض الناس -يا أحبابي- لا يفرق بين الأخطاء الطفولية، أي: هناك أشياء الطفل بطبيعته ينقلها وهو لا يدري، فقد يقول أحسن عبارة ولا يدري، ويقول أقبح عبارة ولا يدري، فإذا حصل أن هذا الطفل نقل كلمة سمعها وتلفظ بها من البداية تضربه وتعاقبه مباشرة أم تجلس معه وتقوله له: يا ولدي! هذا الكلام عيب، وهذا لا يليق، وهذا لا يصح، والذي يقول هذا الكلام يصير له كذا تتفق معه على ألا يردد الكلام؟ أسلوب التفاهم عندنا مفقود، أنا سأعطيكم تجربة وقعت لي، كنت ذات يوم في ألمانيا الغربية عند أحد الأصدقاء (مدير مركز إسلامي في فرانك فورت) وكان ذلك الوقت عندي ولد واحد، هو أكبر أولادي الآن، وفي تلك الفترة لم يكن عندي تجربة مع الأولاد، فدخل عندنا في ذلك المجلس أولاد هذا الشخص (مدير المركز) فبينما نحن جلوس أخذ يخاطبهم -وهم صغار لا يفقهون كلام الكبار- أخذ يخاطبهم وكأنه يكلم عمداء كليات أو أساتذة جامعة، أي: يخاطبهم بأسلوب الكبار، يا فلان! كان أحدهم اسمه عمر والثاني سامي والثالث. يا أولادي! فلان ابن فلان، عمكم فلان وهذا أتى من المملكة العربية السعودية، وعندنا اجتماع مهم، ونريد أن نجلس وحدنا ولا أحد يزعجنا أو يخبط الباب، وقام يكلمهم وهم منصتون يدعون أنهم يفهمون، لكن عرفوا أن المطلوب أن يخرجوا، فما هي إلا لحظات حتى خرجوا، قلت له: يا أخي! ولدي يزعجني إذا قلت له أخرج أو ادخل قال: لأنك متعود على طرده أو زجره بالأمر والقوة، لكن لو أنك تخاطب الصغير كما تخاطب الكبير لأصبح يفهم، ونحن من عيوبنا أننا لا نخاطب الصغار باللغة الفصحى يعني: العادية، لا أقصد بالفصحى أن تخرج لك مسلسلاً، لا. إنما أقصد أن تخاطبه بالكلام الطبيعي فعندما تريه مثلاً قطاً صغيراً، وتقول: شوف هذا ثعيل، وهو يحفظ أن الصغير اسمه ثعيل، لكن لو قلت: هذا قط صغير هذا قط صغير فإنه يحفظ أن الصغير اسمه صغير، ونحن نظن أننا لو قلنا: (ثعيل) أن معناه تقريب للمعلومة، والحقيقة أنه يحفظ المسميات خطأ، بسبب أننا نجتهد اجتهاداً خاطئاً، فكذلك الخطاب معهم حينما يكون خطاباً راقياً فإنهم يتأثرون بإذن الله عز وجل. وهنا مسألة أؤكد عليها وهي: تجديد العهد بين الأب والأم باستمرار كما في سؤال الأخ قبل قليل: كيف يحافظون على الآداب إذا كنت غائباً؟ ينبغي أن الأب إذا أراد أن يسافر أن يقول: يا أم فلان! الأولاد أمانة في رقبتك، أنا مسافر ثلاثة أيام مثلاً، فاجعلهم من رقبتي إلى رقبتك، لا أحد يتخلف عن الفجر، لا أحد يسهر بعد صلاة العشاء، لا أحد يخرج بدون إذنك، لا أحد يتغيب عن المدرسة، لا تسكتين عن شيء، وذلك بالأسلوب الطبيعي حتى تشعر الأم أيضاً أنها تحملت هذه المسئولية، أما كما قلنا غيابٌ من الأب وتواطؤٌ وتسترٌ من الأم، وغفلة من الولد وبه ضاعت الذرية، فينبغي أن نتنبه لذلك.

مسألة وعد الأبناء بأشياء مستقبلية دنيوية

مسألة وعد الأبناء بأشياء مستقبلية دنيوية Q يقول السائل: أحسن الله إليكم، ما رأيكم بمن يعدون الأبناء بأشياء مستقبلية كشراء سيارة وما شابه ذلك؟ A لا بأس في ذلك، أنا لا أرى في هذا شيئاً إطلاقاً، قل لولدك: إذا حفظت القرآن سأشتري لك سيارة؛ إذا حفظت عشرة أجزاء أعطيك هيلوكس، وإذا حفظت عشرين جزءً أعطيك كامري، -أيقظ همته- وإذا حفظت جزء واحداً هذه خمسمائة ريال، فلا مانع من ذلك، لأنه لا يزال في مرحلة الماديات والمحسوسات، وذلك أبلغ في التأثير على نفسه من أن تقف له عند مسألة الجنة، لا بأس أن تجعل معها قضية الجنة، فإذا حفظ وأكرمته قلت: الآن من حفظ كتاب الله، وكلما قرأت حرفاً لك حسنة، وكل حسنة بعشرة أمثالها، يا ولدي! يوم القيامة الجنة درجات، وأنت سوف تصعد أعلى درجة -بإذن الله- عند آخر حرف حفظته، عند آخر آية وآخر سورة حفظتها أو قرأتها، تبدأ تقرب له هذه المعاني مع التشويق والتحبيب بالأمور المادية، فهذا لا يمنع، بل هو أمرٌ ينبغي للذي يستطيعه أن يفعله، الذي يستطيع أن يعد أولاده بالجائزة المادية ولو كانت كبيرة فينبغي ألا يتردد في ذلك أبداً.

والدي يدخن

والدي يدخن Q أحسن الله إليكم، والدي يأمرني بشراء الدخان له، وأنا أرفض ذلك إلا أنني أخشى أن يضربني، فما رأيكم حفظكم الله؟ A اجتهد ألا تحضر ذلك، ولا بأس أن تشرح له إن كنت في سنٍ يسمح لك أن تتحدث ببيان لوالدك، والله يا أبتِ الله قال: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] والدخان ضار وقاتل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار) والله عز وجل قال: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] ولا شك أن هذا من الخبائث وليس من الطيبات، ومع استمرار النصيحة لوالدك فأنت على خير بإذن الله. وبالمناسبة بعض الأسئلة من هذا الجانب أغلبها فرضية؛ لأن كثيراً من الآباء المدخنين هم لا يتمنون أو يرضون أن أولادهم يدخنون، صحيح أن الولد إذا وقع في التدخين والأب يدخن قال: ما لي وجه أنكر عليه وأنا واقع فيه، لكن هذا المدخن في قرارة نفسه لا يتمنى أن ولده يدخن، بل وتجد كثيراً من المدخنين يتوارى عن أولاده ولا يدخن أمامهم إلا ذلك الذي لا يبالي بصلاح أو فساد أولاده ولا حول ولا قوة إلا بالله!

والدي يمنعاني من حضور المحاضرات

والديَّ يمنعاني من حضور المحاضرات Q هذا يسأل يقول: بعض الشباب يجد مضايقات من الأبوين إذا خرج للمحاضرات والبرامج الجيدة مثل الرحلات التي تكون فيها مصالح كثيرة، فما هي نصيحتكم للآباء؟ A إذا كان والدك يمنعك بسبب حاجته إليك فإن قضاء حاجته مقدمة على ما ترغب من الذهاب إليه من محاضرات أو رحلات أو غير ذلك، أما إذا كان يريد أن يمنعك رغبة في إضلالك وإفسادك وهذا وإن وقع فهو نادر، فقال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] ولا تقطع نفسك عن الخير وأهله، لا سيما إذا علمت أن في انقطاعك هذا ضلال وانحرافٌ وفتورٌ ووقوعٌ منك في المحرمات والمنكرات.

إزعاج الأبناء في الشوارع والمساجد

إزعاج الأبناء في الشوارع والمساجد Q يقول: أحسن الله إليكم، ما نصيحتكم لمن يترك أبناءه يزعجون في الشوارع، ويزعجون المصلين خصوصاً في المساجد؟ A ننصح هؤلاء بأن يتقوا الله عز وجل وأن يحفظوا أبناءهم، وألا يؤذوا جيرانهم، وألا يكونوا ممن قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة) فإن جار البادية يتحول. فينبغي للإنسان أن يحسن إلى جيرانه: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [النساء:36] وفي الحديث: (ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) من مقتضى الإيمان أن تحسن الجوار: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه). فعلاً بعض الجيران لا يستطيع أن يغيب عن بيته لخبث جاره وخبث أولاد جاره، بل بعضهم يبيع البيت بنصف ما كلفت لأنه ابتلي بجارٍ -والعياذ بالله- ضال ومنحرف ومؤذٍ هو وأولاده، فليتق الله الواحد منا ولا يكون سبباً في أذية جاره. وبالمناسبة من أنواع الأذى ما يفعله بعض الجيران، يخرج الزبالة من بيته ويرميها عند باب جاره، بحجة أن برميل الزبالة جانب الباب، اذهب وخذ لك برميلاً وضعه عند بابك، يا أخي! بابك أو جدارك أولى بزبالة منزلك، ولا تجعل جارك مستودعاً للزبالة، وتسن سنة سيئة في جارك يدعو عليك وأنت لا تدري. كذلك من الأذية أن بعض الجيران بيارة بيته -أجل الله المسجد والسامعين- تفيض على الجيران وتؤذيهم بالنجاسات والروائح الكريهة وهو لا يبالي، ما دام أن ليس عنده مشكلة داخل دورات المياه، وإن الزائد في البيارة -عزكم الله- يفيض إلى الشارع فلا مبالاة، هذا من أذية الجار -والعياذ بالله-. ومن الناس -والعياذ بالله- من تجده يرى أولاده يسرقون من جيرانه، ويأتون بأشياء ليست من متاع البيت ثم يسكت عليها، وهذا لا يجوز بأي حال.

أتعجبون من تأخر الغيث؟

أتعجبون من تأخر الغيث؟ أيها الأحبة: اعلموا أن الذنوب والمعاصي ضررها عظيم وخطرها جسيم، فمن أدرك خطرها وقبحها ساعده ذلك على التخلص منها، ومن تذكر آثارها وعواقبها الوخيمة في الدنيا والآخرة، وأخذ العبرة والعظة من الأمم السابقة، تاب وأناب إلى ربه واستغفره، ودعاه؛ لأن الدعاء مفتاح الفرج.

خطر المعصية

خطر المعصية الحمد لله الواحد بلا شريك، العليم بلا ظهير، القوي بلا نصير، خلق الخلق لعبادته، وما خلقهم ليستكثر بهم من قلة، أو ليستظهر بهم من قلة علم، أو ليستعز بهم من ضعف، سبحانه وتعالى عن ذلك! فهو القوي وحده لا شريك له. الحمد لله الولي الحميد، المبدئ المعيد، المؤمَّل لكشف كل كرب شديد، والمرجو للإحسان والفضل والمزيد؛ نحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، لا نحصي ثناءً عليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتوبوا إليه، واعلموا أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا شك في ضررها على العباد والبلاد، وإن مما يعين العباد على تجنبها أن يعلموا أن عواقب الذنوب أليمة، ومراتعها وخيمة، وأن الذنب الواحد لا بد أن يضر القلب وتوابعه من الجوارح، كما تضر السموم الأبدان بحسب القلة والكثرة، وإذا علم العباد خطر معصية الله، وعظم الذي يعصونه، وتذكروا أن كل شر وبلاء وقع بالعبيد أنفسهم، أو بغيرهم من المسلمين، إنما وقع بسبب الذنوب والتهاون في فعلها كفوا عنها. عباد الله: إذا أدرك المسلم آثار الذنوب والمعاصي في أمم سادت ثم بادت، وملكت ثم هلكت، وكيف أحدثت لهم من الله أنواع العقوبات والبلاء، أعانه ذلك على اجتنابها، والإقلاع عنها، فاجتهدوا يا عباد الله! اجتهدوا في طاعة ربكم، والبُعد عن معصيته، وتوبوا إلى الله بالعودة والرجوع إليه، فإنه ما تُقُرِّب إلى الله بشيء أحب إليه من ترك معصيته والقيام بأمره. ذكر الإمام أحمد عن صفية قالت: [زُلزِلَت المدينة على عهد عمر فقال: يا أيها الناس! ما أسرع ما أحدثتم؟ لئن عادت لا تجدوني فيها] وفي رواية أخرى: [أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما زلزلت الأرض على عهده قال: ما كانت هذه الزلزلة إلا عن شيء أحدثتموه، والذي نفسي بيده لئن عادت لا أساكنكم فيها أبداً]. وذُكر أن رَجْفاً حدث في عهد عمر بن عبد العزيز، فكتب إلى الأمصار: [أما بعد فإن هذا الرجف شيء يعاقب الله عزَّ وجلَّ به العباد، وقد كتبتُ إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا وكذا، في شهر كذا وكذا، فمن كان عنده شيء فليتصدق به؛ فإن الله عزَّ وجلَّ قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14 - 15] وقولوا كما قال آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] وقولوا كما قال نوح: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:47] وقولوا كما قال يونس: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87]]. أيها الأحبة في الله: قد يغتر بعض الناس بفعله للمعصية؛ ولا يجد بعد معصيته فتنة، أو بلية تصيبه، فيظن أن ذنبه يسير، أو أنه لا خطر عليه في فعل هذا الذنب، فهو كما يقول القائل: إذا لم يُغَبِّر حائطٌ في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبارُ وقد نسي ذلك المسكين أن الذنب له من الشؤم والآثار القبيحة، المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله.

آثار الذنوب والمعاصي

آثار الذنوب والمعاصي قد عد ابن قيم الجوزية في كتابه الداء والدواء أربعة وسبعين أثراً من آثار الذنوب والمعاصي، لا تخطئ العبدَ المذنبَ واحدةٌ منها إن لم يجتمع عليه جميعها ومن هذه الآثار: وحشة القلب، حرمان العلم، والعلم نور تطفئه المعصية. ومن آثار الذنوب والمعاصي: أن يحرم العباد الأرزاق بالذنوب التي يصيبونها، كما في الحديث. ومن آثار الذنوب: أن يجد العباد وحشة بينهم وبين ربهم، وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه بقية حياة، أما صاحب القلب الميت فهو كما قال القائل: من يهن يسهل الهوان عليه فما لجرح بميت إيلامُ ومن آثار الذنوب -يا عباد الله- أنها تولِّد بعضها، وتزرع أمثالها، كما قال بعض السلف: [إن من عقوبة السيئة، السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها] فالحسنة تقول: أختي أختي والسيئة تقول: أختي أختي عياذاً بالله من الوقوع في السيئات. فآثار الذنوب والمعاصي عظيمة على القلوب والأرواح والأبدان، وهي كما ذكرها ابن القيم على وجه البيان لا الحصر أربعة وسبعون، لا يخطئ المذنبَ واحدةٌ منها، فإذا علم المسلم هذه المصائب التي تحل بسبب الذنب الذي يرتكبه، أعانه ذلك على حفظ نفسه، واجتناب المعصية. نسأل الله للجميع الهداية. معاشر المؤمنين: استغفروا الله وتوبوا إليه، واحذروا غضبه ولا تعصوه.

أسباب تأخر الغيث

أسباب تأخر الغيث معاشر المسلمين: لا شك أنكم خرجتم من بيوتكم تشكون إلى الله تأخر الغيث، واحتباس المطر، فوالله ما هذا إلا بذنوبنا قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءاً غَدَقاً} [الجن:16] والله ما تأخر ذلك إلا بالذنوب والمعاصي، والفواحش والآثام، والبدع والمنكرات. أنعجب من تأخر الغيث واحتباس المطر، وصلاة الفجر لا تشهد من المسلمين إلا عدداً يسيراً، ونزراً قليلاً من الرجال، وبقيتهم يتقلبون في فرشهم غافلين عن دعاة الفلاح، وأصوات المآذن، لا يجيبون داعي الله! أفيهم مرض! أفيهم مصيبة! ألا يخافون أن يهلكهم الله بإعراضهم عن ندائه؟! عباد الله: هجر بعض المسلمين الصلاة مع الجماعة، ورأوا أن الصلاة مع الجماعة لا تفارق شيئاً عن الصلاة في البيوت، وبذلك عطلوا بيوت الله التي: {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:36 - 37]. معاشر المؤمنين: أتعجبون من عدم نزول المطر، وبعض المسلمين يُسَوِّفُ في أداء الزكاة ودفعها، ولا يؤديها في وقتها، وبعضهم لا يخرج إلا أخبث ماله، وبعضهم لا يخرجها بالكلية، ويستكثر أن يُخرج ربع العشر من ماله، أو النصاب المقدر من الفضل الذي تفضل الله عليه به! معاشر المؤمنين: ألا تشهدون قطيعة للأرحام؟! ألا ترون عقوقاً للوالدَين؟! ألا ترون سباباً وفسوقاً وشتائم؟! ألا ترون قلة ذكر لله؟! ألا ترون إعراضاً عن طاعة الله؟! أتعجبون من تأخر الغيث وقد تساهل كثير من الناس بالربا؟! تجده يصوم ويصلي ويشهد الصلاة مع الجماعة؛ لكن لا يتورع أن يودع المال بـ (4%) أو بـ (5%) أو بـ (7%) في أي بنك من البنوك! من الذي أحل له هذه الفائدة؟! كيف تجرأ واستحل هذه الفائدة، بل هذه اللعنة؟! كيف يجرؤ مسلم على لعنة يشرب بها، ويأكل بها، ويلبس بها، ويتصدق بها -ولا يقبل الله صدقة من ذلك- ويفعل بها من الأمور ما يكون سبباً ووبالاً في هلاكه؟ معاشر المؤمنين: أتعجبون من تأخر الغيث وقد انتهك كثير من المسلمين المحرمات، وتساهلوا بالزنا، وسافر كثير من شباب المسلمين إلى الخارج ولم يبالوا، ولم يراقبوا الله ولم يخشوه، ووقعوا في المعاصي والفجور والبلاء؟! نسأل الله لهم الهداية. عباد الله! أتعجبون من تأخر نزول الغيث، ونحن نرى بداية الاختلاط في بعض المجالات! ونرى تساهلاً في الحجاب! ونرى سفوراً في الأسواق والمستشفيات والطرقات؟! بل إن بعض السافرات المتبرجات قد قوي لها من الشوكة ما لا نعلم سببه، ولا نعرف مصدره، حتى إنك إذا قلت: تستري، أو احتجبي، قالت: وما لك وما لي، وهل أنت ولي أمري، أو مسئول عليَّ؟! ما الذي رفع الشوكة، وأطال الطائلة لهذه المرأة التي قالت هذا الكلام؟! أترونه إلا ما شاهدته في الأفلام والمسلسلات، علَّمها سنين طويلة؟! وقد رأت من هذه المشاهد التي جرَّأتها على كسر الحياء واقتحام الحشمة، وجعلها تخرج عن هذه الدائرة، التي كانت عفيفة لطيفة فيها. أتعجبون من تأخر الغيث -يا عباد الله- وكثير من المسلمين لا يخشون الله، ولا يراقبونه في مكسبهم، وأكلوا بعض المال بالباطل؟! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] ويقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:96] وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] جاء في سنن ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: (كنتُ عاشر عشرة رهط المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال: يا معشر المهاجرين! خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتُلُوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال إلا ابتُلُوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلاطين، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء؛ ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا خَفَر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم). يقول أبو هريرة رضي الله عنه: [إن الحَبارى لتموت في أوكارها هُزالى من ظلم الظالم]. وقال مجاهد: [إن البهائم تلعن عُصاة بني آدم إذا اشتدت السنة، وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية بني آدم]. أتعجبون -يا عباد الله- من تأخر القطر واحتباس الغيث والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يظنه بعضُهم موقوفاً على عدد من رجال الحسبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل). بعض المسلمين يرى المنكرات، ويرى المعصية التي يُعصى بها الله جهاراً نهاراً، وكأنه لم يرَ شيئاً من المعاصي والمنكرات. أين تغير القلوب؟! أين فوران الدماء؟! أين الحمية للدين؟! أين الشيمة والغيرة والإباء؟! أين ضاعت هذه المعاني؟! أين ضاعت تلك الأمور؟! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

معصية الغناء والفيديو

معصية الغناء والفيديو عباد الله: هناك معصية ومصيبة لا زالت باقية، وهي من ظاهرها كسائر المعاصي؛ لكن دُعاتها هم الذين فتحوا على المسلمين بلاء عظيماً، أتدرون ما هي؟ إنها محلات الغناء والفيديو! والله لو أعاننا الله عليها، وأعان ولاة الأمر عليها فأغلقوها فإن في ذلك خيراً للأمة عظيماً، ونفعاً للخلق عميماً، نسأل الله أن يعينهم على ذلك، وأن يعجل إغلاقها، وأن يعجل منع المسلمين من شرورها وأضرارها. ليت الواحد من أولئك الذين يتاجرون بهذه الأفلام يسمع ما شاء في بيته، فمصيبته عليه وذنبه على جنبه؛ لكن المصيبة تكمن في الذي يسهل تأثيراً وعرضاً واستماعاً، ووصلهم من الجديد كذا، وعُرض لهم من الجديد كذا، وما في هذه الأفلام إلا صوت مزمار الشيطان، وصورة امرأة عارية، ورقص خليع، وسباب وشتيمة، وفجور وعصيان، وإغضاب لله، ومحاربة لأمره، واستهزاء بما جاء في كتابه وسنة نبيه. أخبروني: أي شيء في هذه المحلات مفيد؟ أي نفع للمسلمين فيها؟ اللهم عجل فناءها ودمارها وهلاكها, واهد اللهم أصحابها ليقلعوا عنها يا رب العالمين.

العبرة من الأمم السابقة

العبرة من الأمم السابقة عباد الله: الحذر الحذر من الذنوب، اعلموا أنه لم ينزل بلاءٌ إلا بذنب، ولن يُرفع إلا بتوبة، ولو لم يغير العباد على أنفسهم لَمَا غيَّر الله عليهم: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] ولو لزم العباد أمر ربهم ونبيهم لأكلوا من الخيرات من بين أيديهم ومن تحت أرجلهم. عباد الله: إن شؤم الذنوب عظيم، وبلاء الذنوب إذا ظهرت على الأمة عميم، إن الأبوين آدم وحواء أُخْرِجا من الجنة بسبب ذنب واحد، فما تنتظرون وقد ارتكبنا ألواناً وأصنافاً وأشكالاً من الذنوب؟! ما الذي أغرق قوم نوح حتى علا الماءُ رءوس الجبال؟! ما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى جعلتهم كأعجاز نخل خاوية؟! ما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة التي قطعت قلوبهم، وماتوا عن آخرهم؟! ما الذي سلط على بني إسرائيل ألوان العذاب، من قتل وسبي وخراب ديار؟! ما الذي سلط على أهل لبنان اثني عشر عاماً حرباً طائفية شعواء، في كل يوم يرون قتلى وجرحى ومشردين، وأرامل، وأيتاماً، وشيوخاً، وعجائز معذبين؟! والله ما كان ذلك إلا بسبب الذنوب! ما الذي غير الأرزاق في بعض البلاد التي كانت مصدراً لتوريد وتصدير النعم والخيرات؛ فأصابها الجفاف، وأصابها الفقر والجوع، حتى إن البهائم لتموت هزالاً من هذا الذي بها؟! والله إنها الذنوب والمعاصي! ألا ترون الجوع في أفريقيا؟! ألا ترون الجفاف؟! ألا ترون الفقر؟! ألا ترون الحرب في العراق وإيران؟! ألا ترون الفتن الطائفية في لبنان؟! ألا ترون المصائب والتسلط في كثير من الأماكن؟! ألا ترون الفزع والخوف والهلع؟! إلا في هذه البلاد -يا عباد الله- فاتقوا الله، وتذكروا نعمته عليكم، فإنكم في نعمة عظيمة، وإن الكثير عن معرفتها لفي غفلة، وإن الكثير عن إدراك مداها لفي لهو. نسأل الله أن يردنا إليه رداً جميلاً. عباد الله: قد يَبْتَلي الله عباده، كي يضَّرَّعوا بين يديه, ويشكوا ضعفهم وفقرهم إليه، وقد أمرنا الله سبحانه بالدعاء، ووعد بالاستجابة فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]. وقال سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:55 - 56] ويقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110]. ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136]. اعترفوا بذنبكم وتقصيركم، وقولوا: لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، واستغفروا الله فالاستغفار سبب لنزول الغيث. يقول النبي الصالح: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود:52] ويقول الله سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] ويقول الله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. ويقول نوح لقومه فيما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح:10 - 11]. نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله من جميع الذنوب والخطايا. اللهم اغفر لنا ذنوباً علمتَها أنتَ ولم يعلم بها أحدٌ من العباد، اللهم اغفر لنا الجهر والسر والعلن، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، ونبوءُ لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم ارحم ضعفنا، اللهم اجبر كسرنا، اللهم ارحم تذللنا. اللهم إنا عبيد من عبيدك، وخلق من خلقك، اللهم لا تحرمنا بذنوبنا فضلك، ولا تمنعنا بمعاصينا رحمتك، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الحليم العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، مما نسمعه من الملاهي، ونستغفرك ونتوب إليك مما نراه بأعيننا التي خلقتها من المنكرات والمحرمات، ونستغفرك ونتوب إليك مما اجترحته أيدينا من السيئات، ومشت أرجلنا إلى الخطيئات، نستغفرك اللهم ونتوب إليك. اللهم اغفر لنا، اللهم تجاوز عنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً طبقاً نافعاً مجللاً غير ضار. اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم اسق البهائم الرُّتَّع، والمُسَبِّحات الرُّكَّع، والأطفال الرُّضَّع، اللهم إن بنا من الجهد واللأواء ما لا يعلمه إلا أنت، وما لا يكشفه إلا أنت، ولا غنى لنا عن فضلك، يا رب العالمين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا وأغث قلوبنا، اللهم أغث قلوبنا بالتوبة، اللهم أغث قلوبنا بالإنابة، اللهم أغث قلوبنا بالرجوع إلى أمرك وسنة نبيك. اللهم أغثنا، واعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، لا إله إلا أنت، لا غنى لنا عن فضلك، ولا طاقة لنا بأنفسنا إن وكلتنا إليها. ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، اللهم إنا مساكين إلا برحمتك، ضعفاء إلا بقوتك، فقراء إلا بغناك، أذلاء إلا بعزتك، اللهم لا تمنع عنا فضلك، واسقنا واستجب لنا واعطنا. اللهم آتنا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، ما تنبت لنا به الزرع وتدر لنا به الضرع، برحمتك يا رب العالمين. اللهم اسقنا وأغثنا، وأغث المجدبين أجمعين من أمة محمد يا رب العالمين. عباد الله: قلبوا أرديتكم اقتداءً بما كان صلى الله عليه وسلم يفعله، وتفاؤلاً بتغيير الأحوال، وغيروا أحوالكم من المعصية إلى الطاعة، ومن العقوق إلى البر، ومن القطيعة إلى الصلة. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية الصحابة أجمعين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أثر القرآن على الفتاة المسلمة

أثر القرآن على الفتاة المسلمة إن للقرآن الكريم أثراً في حياة المرأة المسلمة الصالحة: في إيمانها واعتقادها، وعلمها بالله عز وجل، وفي إخلاصها وعملها لله سبحانه، والدعوة إلى الله وتربية الأولاد التربية الحسنة، وعلى المرأة المسلمة الصبر على الطاعة والدعوة إلى الله وتحمل الأذى كما يعلمها القرآن.

معجزة القرآن الكريم

معجزة القرآن الكريم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فعنوان محاضرتنا كما تفضل المقدم جزاه الله خير الجزاء " القرآن وأثره على الفتاة المسلمة " ولا شك أن كتاب الله جل وعلا من تمسك به لن يضل أبداً، وقال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بكتاب الله وسنتي) وهذا القرآن الكريم هو حبل الله المتين من اعتصم به نجا، ومن أعرض عنه فإن له معيشة ضنكاً، يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]. وهذا القرآن هو ربيع قلوب المؤمنين، وهذا القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم للبشرية كافة إلى يوم القيامة، وهذا القرآن هو جوابٌ وغذاءٌ ودواءٌ وكنزٌ ثمين، وفيه تلبية لحاجات الأمة الإسلامية إلى أن تقوم الساعة: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] وهذا القرآن قد حفظه الله جل وعلا، فلا خطر أن يحرف أو يزاد فيه أو ينقص: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: وإن كتاب الله أوثق شافعٍ وأغنى غناءٍ واهباً متفضِّلا وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبضٍ على جمرٍ فتنجو من البلا ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديماً وهطَّلا ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا القرآن الكريم ما نزل إلا ليعمل به، ما أنزل الله هذا القرآن لتزين به المجالس، أو لتزخرف به الدور والغرف، أو ليعلق على الرفوف، أو ليكنز في المساجد، وإنما أنزل هذا القرآن لكي يعمل بصغيره قبل كبيره، ولكي يعمل بدقيقه مع جليله، هذا القرآن هو حجة في كل حرفٍ من حروفه، وفي كل سورة من سوره، وفي كل آية من آياته، فهو معجزٌ، ولهذا كان إعجازه شاملاً لكل شيء، إعجاز البيان، إعجاز اللغة، إعجاز الطب، إعجاز الفلك، إعجازٌ في كل أمرٍ من الأمور، ولذا كان معجزةً خالدة إلى يوم القيامة. كانت معجزة عيسى من جنس ما اشتهر به قومه، وكانت معجزته في الطب، يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويحيي الموتى بإذن الله، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله، وانتهت معجزته بانتهاء نبوته ورسالته. كانت معجزة موسى عليه السلام من جنس ما اشتهر به قومه وهو السحر، فجاءت معجزته في يده تخرج بيضاء من غير سوء، جاءته معجزته في عصاه ألقاها فإذا هي ثعبانٌ مبين يلقف ما يأفكون، وانتهت معجزة موسى عليه السلام بانتهاء رسالته. أما نبينا صلى الله عليه وسلم فلما كانت رسالته إلى الثقلين الجن والإنس إلى يوم القيامة، وهو المقفي، والحاشر، والخاتم وليس بعده نبي، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، فكانت معجزته متجددة لكل زمانٍ ومكان، إلى أن يقبض الله هذه البشرية، وإلى أن تقوم الساعة. أيتها الأخوات! القرآن العظيم شأنه عظيم، والذي لا يعرف الشيء لا يمكن أن يتصور حقيقته، وأضرب لكم الآن مثلاً، نتكلم الآن عن القرآن الكريم وبالمثال يتضح المقال، لو أننا نسبح في عرقٍ من شدة الحر والقيظ، قد تضايقنا من انطفاء التيار الكهربائي مثلاً في حر الشمس في النهار، وأصبح الواحد منا يسيح عرقاً على وجهه وجسمه، هل يغني عنه أن نصف له أنه توجد مكيفات من نوع (اسبليت) أو من نوع (كلبنيتر) أو من أي نوعٍ من الأنواع التي من شأنها الهدوء والراحة، والتبريد الجميل، لو أن إنساناً يسبح في العرق من الحر وأخذنا نَصِفُ له ألوان وأنواع المكيفات، وبرودة الغرف التي امتلأت بالمكيفات، لا أظن أن وصفنا هذا وكلامنا سوف يجفف من عرقه قدر قطرة واحدة، لماذا؟ لأن وصف الشيء لا يغني عن الدخول في حقيقته، فكذلك التي نقول لها: إن القرآن كذا وكذا وكذا لن تجد حقيقة ما نصف لها إلا إذا دخلت في سلك الحافظات والمتعلمات والدارسات والطالبات، فهذا الذي ذكرناه مثلاً الذي نقول: إنه يسبح من العرق من شدة الحر، لو أخذنا نصف له ساعة في ألوان المكيفات ما جف عرقه، ولم يجد نوعاً من الراحة، لكن حينما نأخذه وندخله في حجرة فيها مكيف ولو واحداً، سيجد خلال دقائق أنه امتلأ راحة، وبرد جسمه، ووجد الطمأنينة والارتياح الكامل، فكذلك هذا المثل نطبقه على ما نحن فيه الآن، حينما نصف أثر القرآن على أناسٍ لا يعلمون بالقرآن، ونصف أثر القرآن لأناسٍ لا يلتزمون بالقرآن، ونصف أثر القرآن لأناسٍ لا يجعلون القرآن زادهم اليومي يتلونه آناء الليل وأطراف النهار، فإننا كالذي يصف الحسناء للعميان، ولا حاجة إلى مزيد من التفصيل.

أثر القرآن في إيمان الفتاة بالله عز وجل

أثر القرآن في إيمان الفتاة بالله عز وجل أثر القرآن على الفتاة المسلمة: أولاً: في إيمانها بالله جل وعلا، فهذه الفتاة المسلمة صغيرةً كانت أم كبيرة، المهم أنها تعرف أن القرآن من عند الله جل وعلا.

إيمان الفتاة بالقرآن وأنه كلام الله

إيمان الفتاة بالقرآن وأنه كلام الله إذاً: فالقرآن كلام الله منزلٌ غير مخلوق، تكلم الله به جل وعلا، فنفهم من هذا أن من صفات الله أنه يتكلم كلاماً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، لا يلزم من كلامه سبحانه أن يكون له لسان، ولا أن يكون له حنجرة، ولا أن يكون في الحلق لسان مزمار، لا يلزم من كلامه سبحانه أن تكون أدوات الكلام التي يخرج بها الصوت من البشر موجودة في الله؛ لأن معتقد أهل السنة والجماعة أننا نؤمن أن الله يتكلم، والكلام من صفات الله الذاتية، ومن صفات الفعل فإن الله في الأصل متكلمٌ ويتكلم إذا شاء متى شاء، فنؤمن بأن الله له صفة الكلام، وهذا جلي واضح، قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] وقال تعالى: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143] فالله جل وعلا أثبت لنفسه صفة الكلام، فهذا القرآن الذي نحن نقرؤه ونتلوه آناء الليل وأطراف النهار هو كلام الله جل وعلا. فالواحدة منكن حينما تقرأ كتاب الله جل وعلا فإنها تقرأ كلام رب السماوات والأرض، تقرأ كلام الذي البشرية كلها في قبضته جل وعلا، تقرأ كلام الذي السماوات مطوياتٌ بيمينه، تقرأ كلام الخالق الذي هذه الأنفس على وجه الأرض كلها بيده سبحانه، تقرأ كلام الذي يقدر أرزاق الخلائق في الليل والنهار، تقرأ كلام الذي لا تخفى عليه خافية، تقرأ كلام الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فاعرفي كلام من تقرئين، ربما نجد من بعض الناس من يلقي انتباهاً واهتماماً حينما يقرأ كلام مسئول من المسئولين، أو رئيس من الرؤساء، أو عظيم من العظماء، ولكن حينما يتلو كلام الله جل وعلا لا ينتبه له ولا يتدبره، وهذا لا شك أنه من الجهل، فإن من يعرف عظمة ربه ولو أدنى حقوق المعرفة، فإن هذا سيدعوه إلى أن يتأمل هذا الكلام، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، وصدق الله العظيم: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]. فهذا القرآن أثره على الفتاة أن تعلم أن هذا كلام الله جل وعلا، تقول عائشة رضي الله عنها، جاءت المجادلة التي ذكر الله شأنها في سورة المجادلة: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1] تقول عائشة رضي الله عنها وخولة بنت ثعلبة تشكو زوجها، قالت: يا رسول الله! إن زوجي كبيرٌ وقد ظاهر مني، ولي منه عيال، إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن جعلتهم لديه ضاعوا، تقول عائشة: والله إن المجادلة تكلم النبي صلى الله عليه وسلم في الحجرة وما بيني وبينهما إلا الستر -ستارة قماش لطيف- تقول عائشة: الرسول مع المجادلة على يمين الستر في ظاهر الحجرة، وأنا على يسار الستر في باطن الحجرة، والله ما سمعت كلامها، وسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات! فأنزل الله جل وعلا: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة:1]. فأنت أيتها المسلمة! تقرئين كلام الذي يسمع خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، وتقرئين كلام الذي يعلم السر وأخفى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

إيمان الفتاة بالله سبحانه وأسمائه وصفاته

إيمان الفتاة بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أثر هذا القرآن على الفتاة المسلمة أن تعرف الله جل وعلا، فإيماننا بالله إيمان وحي، إيمان غيب، لم ننتظر مجلس الأمن أو هيئة الأمم لكي تعطي بياناً عن صفات الله وأسمائه وذاته، ولا نقبل أن يجتمع هيئة كبار العلماء في أي دولة من الدول أو المجمع الفقهي ليقولوا: لقد اجتمعت الهيئة وقررت أن الله اسمه كذا ومن أسمائه كذا وكذا وأن صفات الله كذا وكذا لماذا لا نقبل من صغير ولا كبير ولا من هيئة ولا من علماء كل ما يتعلق بالله؟ لأن الإيمان بالله إيمان غيبٍ، والغيب لا يمكن أن نعلمه إلا بوحيٍ، والوحي جاء من عند الله في هذا القرآن، فلا يمكن أن نجعل في القلب والذاكرة والذهن معلومة عن الله إلا بوحي من عند الله جل وعلا، ولا يحيطون به علماً: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103]. فأنتِ مثلاً حينما أقول لك مثلاً: إن الله هو العليم، أو إن الله هو السميع، من أين جئنا بهذا؟ بحثنا فوجدنا في القرآن آية فيها أن الله سميع، فسمينا الله سميعاً، ووصفنا الله بأنه سميع، عرفنا في القرآن آية بأن الله عليم، فسمينا الله عليماً ووصفناه بوصفٍ أنه عليم، لكن مستحيل ثم مستحيل ثم مستحيل أن نصف الله جل وعلا بوصفٍ لم يصف نفسه به، ولم يصفه رسوله صلى الله عليه وسلم. مثلاً: أقول لك أيتها الأخت المسلمة: هل تشكين من ضيق الصدر؟ هل تشكين من الهم؟ هل تشكين من القلق؟ هل تشكين من الغم؟ هل بينك وبين زوجك مشاكل؟ هل بينك وبين أهلك مشاكل؟ تهجدي آخر الليل (فإن الله ينزل في الثلث الآخر من الليل إلى السماء الدنيا ويقول: هل من تائبٍ فأتوب عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟) فأنتِ بدلاً من أن تقولي: تعال يا شيخ! من أين جئت لنا بهذه المعلومة؟ تقول: إن الله يتنزل في الثلث الآخر من الليل، أنت تأتي بكلام من عندك؟ أقول لكِ: يا أختي! جزاكِ الله خيراً؛ لأنني لا يمكن أن أنقل شيئاً من أسماء الله أو أصف صفة من أفعال الله إلا بوحي من الله أو كلامٍ من نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في السنة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله ينزل في الثلث الآخر فيبسط يده ويقول: هل من تائبٍ فأتوب عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأجيبه؟) إذاً: أنا لما تكلمت عن الله ما تكلمت من نفسي، ما نقلت خبراً عن مجلة سيدتي وما نقلت خبراً عن مجلة آخر ساعة وما نقلت خبراً عن مجلة النهضة وما نقلت خبراً عن مجلة من المجلات، أو شريطٍ من الأشرطة. إذاً: فكل ما يتعلق بالله لا نقبل فيه إلا ما كان النقل فيه عن الله وعن رسوله، قال الله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] فالله جل وعلا في مقام وحدانيته لم يرض لنا إلا بالعلم، ما قال: فاعرف أنه لا إله إلا الله؛ لأن المعرفة تزيد وتنقص، المعرفة معرضة للنقض ومعرضة للمحاورة وللإبطال، أما العلم فإنه حقائق لا يمكن أن نرضى في مقام وحدانية الله جل وعلا إلا بذلك. فالقرآن الكريم أثره عليك -أيتها المسلمة- أن تؤمني بالله جل وعلا، وما هو هذا الإيمان؟ الحقيقة تقول، وليست حقيقة المعلومات والثقافة، بل الحقائق القرآنية؛ لأننا اتفقنا وإياكن قبل قليل أننا لا نتكلم عن الله إلا بدليل من القرآن أو بدليل من السنة، في أي علمٍ من العلوم، أو أي نظرية من النظريات قد نأتي باجتهادات العقول، بتحاليل المعامل، بالتجارب، بالمختبرات، بالبراهين، بالاستقراء، بالأدلة المختلفة، لكن عن الله جل وعلا وعن أسمائه وصفاته لا يمكن أن نتكلم إلا بموجب الدليل الذي هو عن الله وعن أسمائه وصفاته.

إيمان الفتاة بربوبية الله وألوهيته

إيمان الفتاة بربوبية الله وألوهيته فإيمانك بالله أنه الخالق المدبر المتصرف، المحيي المميت، أرواحكن بيد الله جل وعلا، آجالكن في علم الله جل وعلا، أرزاقكن في علم الله جل وعلا، كل ما يدور الآن في أذهانكن وخواطركن وما سيدور وما دار من قبل كله في علم الله جل وعلا، لا تخفى على الله خافية. إذاً: فهذا التوحيد الذي اسمه: توحيد الربوبية وهو أن المسلمة والمسلم يعتقد كل واحدٍ منهم أن الله الخالق المدبر المالك المتصرف، فكل شيء في هذا الكون بتدبير الله وأمره وخلقه وإرادته سبحانه وتعالى، هذا هو توحيد الربوبية، ويفسره العلماء أهل العقائد ويقولون: توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله، أو توحيد الإقرار يعني: أن نقر ونعترف أن كل تدبير هو من عند الله جل وعلا، فإذا عرفنا هذا أصبحنا ننسب الأمور إلى فعل الله وتقديره، لا نقول: والله حصلت زلازل وبراكين لضعف القشرة الأرضية، بل نقول: بإرادة الله، بأمر الله جل وعلا، حتى الذين يقولون: إن الزلازل والبراكين حدثت بسبب ضعف القشرة الأرضية نقول: من الذي جعل القشرة الأرضية ضعيفة أليس الله جل وعلا؟ إذاً فلا يمكن أن ننسب الأمور إلا إلى الله جل وعلا، نقول: هبت عواصف نتيجة منخفض جوي، بل نقول: بأمر الله، وإرادة الله، ومشيئة الله، فلابد من أن ننسب الأمر إلى الله سبحانه وتعالى. وهذا الإيمان أيتها الأخوات الذي اسمه: الإيمان بتوحيد الربوبية، هل تظنن أن أبا لهب وأبا جهل وعبد المطلب، وكفار قريش كانوا ينكرونه؟ لا. كانوا يؤمنون به، قال الله جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] فكفار قريش يؤمنون بتوحيد الربوبية. إذاً: فهل هذا هو التوحيد المطلوب منا؟ لا. مطلوبٌ منا مع توحيد الربوبية توحيدٌ أسمائه وصفاته وتوحيد الألوهية، وهذا التوحيد يعني: أن نصرف جميع العبادة لله، لا نحلف إلا بالله، فلا نحلف: بالنبي والأمانة والكعبة والشرف، ولا نذبح إلا لله، لا يمكن أن نذبح للساحر أو الكاهن أو الشجرة أو الأثلة الفلانية، لا نتوكل إلا على الله، لا نستعين إلا بالله، لا نصلي إلا لله، لا ننحر إلا لله، فكل عبادةٍ صغيرة كانت أو كبيرة لا يجوز صرفها إلا لوجه الله جل وعلا. أيتها الأخت: خذي مثالاً من واحدة من البنات والفتيات اللائي تربين في حضن الدعوة وفي مجتمع الدعوة، دعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب نور الله ضريحه، وجمعنا به في الجنة. فاطمة بنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت في طريقها إلى الحج، وكانت في الهودج، وكان الذي يقود جملها أو بعيرها خادماً عندهم، فمروا على قومٍ كانوا يعظمون قبراً من القبور، فأنكروا عليهم إلا أن صاحب القبر قال: قربوا قربوا لهذا الولي، قربوا لصاحب القبر شيئاً، فقال خادمها: ما نقرب إلا ترباً في وجهك، بهذه العبارة، فأخرجت -الحصان الرزان المتدينة العالمة الموحدة التي ظهر أثر القرآن عليها- أخرجت رأسها من ستر الهودج وقالت: حتى التراب لا يقرب لغير الله جل وعلا، فدل هذا على أن الفتاة المسلمة قبل أن تكون داعية، وقبل أن تكون مثقفة، وقبل أن تكون أديبة، وقبل أن تكون ذواقة للشعر، وقبل أن تكون قادرة على جمع المعلومات، ونشيطة في التحركات، قبل ذلك كله هي صاحبة إيمان، صاحبة عقيدة، صاحبة توحيد. ثم كذلك هذا القرآن يجعل الفتاة المسلمة تؤمن بأن الله لا شبيه له، ولا مثيل له، ولا نظير له جل عن كل ذلك: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] فمن أراد أن يشبه الله في جملة أو في وصفٍ أو هيئة أو حالٍ من الأحوال فإن هذا يدخل ويتكلف فيما ليس له به علم، بل ربما يصل إلى حد الكفر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

أثر القرآن في استجابة المرأة لله عز وجل

أثر القرآن في استجابة المرأة لله عز وجل بعد ذلك: أثر الإيمان على الفتاة المسلمة أن تعلم أنها أمرت بالاستجابة لله جل وعلا، أعطيكن مثالاً: أثر الإيمان على الفتاة المسلمة أن تستجيب لله جل وعلا، لأن الله هو الإله الخالق المدبر، وهو كفؤ لأن يستجاب له، بغض النظر هل عرفنا الحكمة أم لم نعرف الحكمة، يعني: ما تأتينا فتاة وتقول: لماذا حرم الله الاختلاط؟ لماذا أمر الله بالحجاب؟ نقول: أولاً: بوسعنا أن نجد العلل والحكم التي من أجلها منع الاختلاط وشرع الحجاب، لكن قبل ذلك كله من أثر القرآن على الفتاة المسلمة أن تستجيب لله عرفت الحكمة أم لم تعرف، عرفت الهدف أم لم تعرف، والله جل وعلا يقول: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51]. الفتاة المسلمة أثر القرآن عليها أن تستجيب للأوامر الشرعية لأن الله أمرها بها، فمادام أن الله أمر فإننا ننفذ عرفنا الحكمة أو لم نعرفها، عرفنا العلة أو ما عرفناها، هذه مسألة مهمة يقول الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، ليس هناك خيارٌ في أي حالٍ من الأحوال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]. خذوا الآن مثالاً على الاستجابة، تجد فتاة مثلاً متساهلة بالحجاب، تنظر إلى الأفلام والمسلسلات، قد جمعت في بيتها صور النجوم والمشهورين والشهيرات، وفعلت كثيراً من المعاصي، فعندما تنصحها إحدى أخواتها فتقول: أما هذه وهذه وهذه فنعم، أنا معك أفعلها وأطبقها، وأما هذه وهذه والأغاني لا أستطيع أن أتركها، لماذا؟ لا يوجد شيء أمر الله به ننفذه وشيء نتهاون به، جميع الأمور أمر الله بها، فمن واجبنا أن نستجيب. أثر القرآن أن يعلمنا الاستجابة، والله جل وعلا حينما يأمرنا في القرآن الكريم فليس الأمر للرجال فقط، وكثيرٌ من النساء يجهلن هذه القاعدة ويظنن أن القرآن مقصودٌ به الرجال، بل كل خطابٍ في القرآن فيه: (يا أيها الذين آمنوا) فالمؤمنات يدخلن فيه بالتبع، كل خطاب فيه أمر للمسلمين فإن المسلمات يدخلن فيه بالتبع، وهذه مسألة مهمة جداً ينبغي أن تفهمها الفتاة المسلمة، وإذا جاء خطابٌ أريد به النساء على وجه الخصوص، فهذا فيه دلالة على زيادة الخصوصية لهن أي: للتأكيد على شأن المسلمات والمؤمنات بالرعاية والعناية بهن. المسألة المهمة التي تلي ذلك، يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] فواجبنا الاستجابة وليس واجبنا أن نبحث في التعليل: لماذا، وعلل! وبيّن! واشرح! واذكر! هذا ليس من شأن الخلق مع الخالق، ليس من شأن الضعفاء مع القوي، ليس من شأن الفقراء مع الغني، ليس من شأن الأذلاء مع العزيز المكين الجبار المتكبر، إنما شأن الفقراء مع الغني إذا أمر أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، شأن الأذلاء نحن معاشر البشر مع العزيز الكبير إذا قال الله شيئاً أن نقول: سمعنا وأطعنا، شأن الضعفاء مع القوي سبحانه وتعالى أن نذعن وأن نستجيب له، فمسألة الاستجابة مسألة مهمة جداً جداً، ينبغي أن تفقهها الفتاة المسلمة. أذكر لما حصلت مشكلة قيادة المرأة للسيارات -تلك الفتنة الخطيرة التي قام بها من أراد بالمسلمين والمسلمات شراً، والحمد لله الذي رد كيدهم في نحورهم- قام بعض الجهلة والسفهاء وبعض المساكين يقول: لماذا؟ وعلل! وبين! واشرح! ولماذا المرأة لا تقود؟ وهلم جراً، نحن أولاً وقبل كل شيء أمام قرارات عامة، أمام توجيهات إدارية، نحن قبل كل شيء أمام أوامر ربانية، ولا يسعنا أمام الأوامر الربانية إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا، ثم بعد ذلك إذا وجدنا عللنا بحثنا فيها.

عدم وجود الانفصامية في الأحكام الربانية

عدم وجود الانفصامية في الأحكام الربانية كذلك من أثر الإيمان على الفتاة المسلمة: أن تكون مستجيبة لله جل وعلا، فإن هذا الإيمان يدعوها إلى التصديق والانسجام، أعني بذلك أن الفتاة حينما تؤمن بهذا القرآن أنه كلام الله، وواجب كلام الله أن نطبقه وأن نسمع له، ألا يوجد انفصام عند الفتاة المسلمة في عقيدتها وسلوكها؟! لا يمكن هذا ولا يقبل بأي حالٍ من الأحوال، وبالمثال يتضح المقال. قبل مدة أحد الإخوة كان مسافراً إلى القاهرة يقول: لما هبطت الطائرة إذ بفتاة تتعلق بأمها، ما شأن هذه الأم لما أصبحت الطائرة وشيكة على الهبوط؟ قامت الأم المتمدنة المتطورة التي تشعر بعقدة التخلف -يا للأسف! تلك المسكينة- نزعت حجابها وعباءتها، ثم بدت سافرة كأنما هي أرجوزة من أراجيز السيرك العالمي بمساحيق وجهها وألوانها، وإذ بالفتاة الصغيرة تقول: يا أمي! عيب، يا أمي! تغطي يوجد رجال، يا أمي! استحي، يا أمي! عيب، فتقول الأم لبنتها: اسكتي اسكتي يا بنيه هذا عيب! هذه امرأة مسلمة تؤمن بالله وتؤمن برسوله وتؤمن بالقرآن الكريم؟! لكن المشكلة أنه يوجد انفصام بين النظرية والفكر والاعتقاد، وبين الواقع والتطبيق والسلوك، هذه مشكلة من أعظم المشاكل، فأثر القرآن على الفتاة المؤمنة ألا يوجد عندها انفصام، فكما أنها تصوم رمضان بالكامل من الفجر إلى أذان المغرب فهي تلتزم بالحجاب بالكامل، وكما أنها تؤدي الصلاة فهي تمتنع عن الملاهي، وكما أنها تقوم ببر والديها فهي أيضاً تمتنع عن الوقوع في المكالمات الهاتفية، أو الولوغ في مهاوي هذه الرذيلة وهذا الانحلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذاً: فأثر القرآن على الفتاة المسلمة ألا يوجد عندها انفصام، وهذا الانفصام يعني: أن تقول: أنتمي لشيء والواقع يختلف عنه، أنا مسلم وتصرفاتي تصرفات غير مسلم، أنت فتاة مسلمة والسلوك وبعض المعاملات مخالفة، هذا لا يجوز أبداً. ومصيبة الأمة الإسلامية هي مصيبة الانفصام النكد بين العقيدة والتطبيق وبين النظرية، وتجد الإنسان يعتقد أموراً ويؤمن بها والواقع يخالفها، ومن أجل هذا لما وجد هذا الانفصام ما عادت لنا الهيبة التي كانت موجودة لآبائنا وأجدادنا، لماذا؟ لأننا في هذا الزمان أصبحنا نحمل صورة الإسلام وقد ضيع بعضنا حقيقته، الآن أنتن في هذه المدرسة عدد كبير -ما شاء الله- لو أننا فتحنا البوابة الكبيرة التي خلفكن وأدخلنا عليكن أسداً كبيراً جداً محنطاً، وهذا الأسد قد فتح فمه وبدت أنيابه، كل واحدة منكن -ما شاء الله- ما هذا الأسد! والتي تلمس رأسه، والتي تلمس أنيابه، والتي تنظر من أي شيءٍ حشي هذا الأسد، وستجد الأطفال يركبون على رقبة الأسد ويلعبون بجوار الأسد. عجيب! أسد والنساء والأطفال حوله لا يخافون؟! تقولون: لأن هذه صورة أسد محنط، ليس أسداً حقيقياً، نقول: لا حرج، وفي هذا الوقت لو تَفلَّت عليكن قط ثم أخذ يمشي مسرعاً، وهذا القط متوحش، لسمعت الصراخ، ولرأيت بعض النساء تهرب والأخرى تنحاز، وأخرى تمسك ولدها وهلم جراً. لماذا تدرن حول الأسد، وتلمسن أنيابه، ولا تخفن منه، ولما مرت هذه القطة المتوحشة الصغيرة كل واحدة خافت وصرخت، نقول: لأن الأسد صورة والقطة حقيقة، فالناس تخاف من الحقائق مهما كانت تافهة، الناس تخشى من الحقائق مهما كانت صغيرة، ولا تبالي بالصور مهما كانت عظيمة. فكذلك الإيمان حينما يكون في الفتاة المسلمة إيمان صوري، أو بالأحرى إسلام صوري، وليس إسلاماً حقيقياً ينعكس على واقع الحياة سواءً في معاشرة الأهل والوالدين والزوج وتربية الأولاد وحسن العلاقة والجوار وهلم جراً، فهذا الإيمان لا يكون له أثر، وربما تجد المسلمة مثلاً في الخارج تجلس بجوار الكافرة وتنظر إليها وتحدثها، وتبتسم لها وتتبادل معها السجائر وأشياء كثيرة، ولا تبالي هذه الكافرة أن تنظر إلى هذه المسلمة اسماً نظرة السخرية أو نظرة ازدراء؛ لأنها فتاة مسلمة تعتقد وتدين شيئاً والواقع يعاكس ذلك. الحقيقة -أيتها الأخوات- أن مسألة الصورة والحقيقة من أصدق وأقرب الأمثلة التي ينبغي أن ننتبه لها حتى تعرف الواحدة أثرها، كم عندنا في المدرسة الآن من فتاة مسلمة؟ كم يوجد من زوجة مسلمة؟ كم يوجد من بنت وأم مسلمة؟ المدرسة مليئة، لكن أين الآثار المرجوة وأين الآثار المطلوبة؟ كم رأينا من الأمهات المسلمات (وأفلام الكرتون) تربي أطفالهن! كم رأينا من الأخوات الملتزمات والبيوت مليئة بآخر مجلات البردة والأزياء! كم رأينا من الطيبات الصالحات وللأسف تجد هناك مخالفات كثيرة! لماذا هذا؟ لأن المسألة غلب عليها جانب الصورة أكثر من الحقيقة. إذاً: فنحن نريد الفتاة التي أثر القرآن عليها أثراً حقيقياً، لا نريد الفتاة الضعيفة التي تذوب وتنحل أمام حرارة الإغراء، فتجد سمعة الإسلام الشمعية عندها، لكن لو تواجهها حرارة الدعاية والإعلان والإغراء والإرجاف والمديح والثناء، والفتاة السعودية وصلت! والفتاة السعودية نافست! والفتاة السعودية فعلت! لوجدت الشيطان يعبث بها، وأصبح هذا الإطراء أو هذا المديح أو هذا الإغراء يرجف بقلبها؛ حتى تفكر أن تعطي مزيداً من التنازل عن دينها؛ من أجل أن تصل إلى صدارة الصحف وأبواب المجلات وزوايا الإعلام وغير ذلك. فالواجب أن ننبه الفتاة، ودائماً أعداء الإسلام لا يواجهون الفتاة المسلمة مواجهة مباشرة، ثقوا واطمئنوا أنه لن يأتي يومٌ ما فلم من الخارج أو من الداخل ليقول: أيتها الفتاة! انبذي الحجاب، اتركي الحجاب، مزقيه، أو أيتها الفتاة! اشتغلي راقصة، أو ممثلة، أو اعملي في هذا المجال المهين، لا. لن يقال لك هذا، لكن الواقع يشهد أنه يمكن أن نقنع واحدة من بنات المسلمين من خلال الدعاية بأن تكون عارضة أزياء، لا يمكن أن تأتي رسالة أو مجلة أو فيلم ليقول: يا بنت! كوني عارضة أزياء، أو ممثلة أو راقصة، أو نريد أن تكوني كذلك، لا يمكن هذا، لكن من خلال الدعاية والإعلان يمكن أن نغريها لتكون عارضة أزياء. من خلال الدعاية والإعلان ممكن أن تجد الفتاة التي ترغب أن تكون راقصة، من خلال الإغراء والمديح المزيف يمكن أن نجد من فتيات المسلمات من تتمنى أن تكون مضيفة، ومن تتمنى أن تجتمع بالرجال، ومن تتمنى أن تفعل هذا وهذا، لماذا؟ لأن الفتاة التي لا أثر للقرآن عليها ولا إيمان موجودٌ عندها هذه الفتاة فارغة ما عندها شيء. خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعدٌ فلقاء فاتقوا الله في قلوب العذارى فالعذارى قلوبهن هواء المرأة التي لا أثر للقرآن في قلبها ضائعة، تستجيب عند أدنى دعاية، وأدنى موضة، وأدنى شيء، ولذلك فمن واجب الفتاة المسلمة أن تنتبه لهذه الناحية، وأن تنظر إلى أي درجة بلغ أثر القرآن عليها، نريد أن تعتني بالقرآن، أن تعود إلى كتاب الله جل وعلا، وحينئذٍ سترى الخير يتفجر من ينابيع يديها، وسترى تأثيرها على زميلاتها وأخواتها في كل مجالٍ؛ في مدرستها، في جاراتها، في قريباتها، في كل مكان سترى لها أثراً بإذن الله جل وعلا.

أثر القرآن على المرأة في تلذذها بالتزامها لشرع الله

أثر القرآن على المرأة في تلذذها بالتزامها لشرع الله ومن أثر القرآن على الفتاة المسلمة في إيمانها أنها تتلذذ بذلك، أي: لن يكون أثر القرآن على الفتاة المسلمة أن توجد الفتاة الملتزمة التي تتمنى أن تمزق الحجاب، أو توجد الفتاة الملتزمة التي تتمنى أن تعاكس بالهاتف، أو توجد الفتاة المسلمة التي تتمنى أن تخرج يوماً ما إلى الشارع، أو توجد الفتاة الملتزمة التي هي ضائقة من الالتزام، وتتمنى أن يأتي اليوم الذي يفتح لها البوابة لكي تنحل مما التزمت به، لا. القرآن سيجعلها تتلذذ بالتزامها، تقول: أنا التزمت وأنا استقمت وعلى هدي القرآن مضيت، وسأمضي على هذا الطريق إلى أن ألقى الله جل وعلا، هذا أثر القرآن لأننا ربما وجدنا وسمعنا عدداً من البنات تلتزم الواحدة فترة من الفترات ثم تنحرف بعد شهر، تكون طيبة وتلبس القفاز، ولا تسمع الأغاني، ولا تحضر الرقصات، وتقاطع مجلات الأزياء والبرد التي فيها الصور الخليعة ونحو ذلك، ثم بعد فترة تنتهي لماذا؟ هذا يسمونه: التزام العاطفة، تلتزم بعاطفةٍ بعيدة عن العلم، ثم بعد ذلك تنحرف، لكن التي تلتزم على بركة القرآن وأثره، وتتعامل بالقرآن، وتعرف معاني القرآن من خلال التفسير، وأسباب النزول، ومعاني الآيات، وجمال القرآن ومعانيه الرفيعة الطيبة، فإنما هي فتاةٌ كلما ازدادت بها الأيام مضياً ازدادت في القرآن شغفاً، وبكتاب الله حباً، وفي الدين تمسكاً، وفي الدعوة اجتهاداً. فأثر القرآن على الفتاة أن يجعلها تلتزم التزام متلذذٍ، التزام المنسجم، التزام المنبسط الذي يعيش غاية الفرح والسرور، ليس التزاماً للفتاة التي تتمنى أن يكون للدين تاريخ صلاحية لكي تلتزم خمس سنوات، ثم تنتهي من هذه المدة لكي تنحل من جديد.

أثر القرآن على المرأة أن تعرف أن الله أكرمها

أثر القرآن على المرأة أن تعرف أن الله أكرمها وأيضاً أثر القرآن على الفتاة المسلمة: أن تعرف أن الله أكرمها، والله إن هذا الدين أكرم المرأة كرامة ما حظيت بها من قبل في سابق الشرائع ومختلف الديانات أبداً، لم تحظ المرأة منذ أن وجدت الخليقة إلى يومنا هذا بكرامة أجل وأعظم وأكرم مما نالته في هذا الدين العظيم، وهذا الدين القويم الذي أكرم الله به المؤمنين، وإن الذين يتحللون من هذا الدين أو الذين يتبرمون منه، أو الذين يشعرون أنهم في تعقيدٍ وتشددٍ، وفي حجابٍ أسودٍ من كل جانبٍ يودون التخلص منه، فما تلك إلا واحدة تريد أن تقع فيما وقعت فيه المرأة الغربية التي تجرأت على حيائها، وتجرأت على عفتها، وتجرأت على سمتها، وطبيعة خلقها وتكوينها، ونعومة أنوثتها، فأصبحت مهينة تكلف بأعمالٍ لا يكلف بها الرجال، وماذا بعد ذلك؟ انتهت ولا حول ولا قوة إلا بالله إلى مصيرٍ مظلم، إلى مصيرٍ مزعجٍ جداً جداً! المرأة الغربية، والمرأة الشرقية أيضاً التي أعرضت عن كتاب الله وقلدتها هي امرأة تعيش في ضنك، وتعيش في ضيق، وكما قال سيد قطب رحمه الله: إن المرأة في المجتمعات الغربية كالحمامات الموجودة على ممرات الطرق، كل من لقيها تعرف عليها وبات معها، وكل من عرفها جعلها تحفة في محل أزيائه، وجعلها مادةً للدعاية والإعلان لكي يروج بها بضاعته وما عنده من السلع، وماذا بعد ذلك؟ إذا انتهى منها رماها شر رمية. أما الفتاة التي تربت في المجتمع القرآني، فإن كانت طفلة فبنية يحوطها العطف والحنان من كل جانب، وإن كانت في عنفوان الشباب فنرتقب لها عريساً يسعدها، ويكون سبباً لحصول الذرية الصالحة لها، وإن كانت أماً فأبشري بكرامة الأمهات والجنة تحت أقدامها، والبر من أقرب أبواب التعبد لله جل وعلا، وإن كانت أماً وجدة فلا تسأل عن الحنان، ولا تسأل عن التواضع، ولا تسأل عن الإكرام والتبجيل والتقدير لها. وعلى ذلك فإن الفتاة في المجتمع المسلم، التي تأثرت بهذا القرآن، أثر القرآن عليها طيب بإذن الله وبفضل الله جل وعلا. والله ذات مرة كنت في ألمانيا الغربية في فرانك فورت فرأيت شاباً قد جعل فتاةً في يده يذهب وإياها ويمضي، وفي لحظة من اللحظات إذ به يدفعها على الثلج في الشارع، ويركلها برجله، ويبصق عليها، ويطردها ويبعدها فقلت: سبحان الله! على أقل الأحوال لو كانت هذه فتاة مسلمة في المجتمع القرآني، لو حصل بين رجلٍ وامرأة هذا، لو كانت زوجة مثلاً وحصل شجار لن يفعل بها هذا، فما بالك بهذه المرأة التي عاشت في ذلك المجتمع! فكل من أعرضت عن ذكر الله، فهي تريد أن تعيش في مجتمع الغرب، أو تريد أن تعيش عيشة مماثلة لمجتمع الغرب في مجتمعٍ لا يرحمها أبداً، أي كرامة أعظم للمرأة من مجتمعنا هذا الذي يحوطها ويقوم بواجبها ويكرمها؟!

أثر القرآن على المرأة في العمل بهذا الدين

أثر القرآن على المرأة في العمل بهذا الدين ثم أيضاً أثر القرآن على الفتاة المسلمة في العمل، لا يكفي أن الفتاة المسلمة تؤمن، والفتاة المسلمة تعلم، والفتاة المسلمة عندها تصور، والفتاة المسلمة عندها معلومات، لا. الله جل وعلا في كثيرٍ من الآيات التي ذكر فيها الإيمان كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:277] تجد أن العمل الصالح معطوفٌ على الإيمان في كثيرٍ من الآيات القرآنية، وذلك للدلالة على أن العمل هو برهان الإيمان، أما إنسان يؤمن بأن النار محرقة ولا يبتعد عنها، أو إنسان يؤمن بأن السم قاتل وهو يأكله، أو إنسان يؤمن بشيء ثم هو بعد ذلك لا يطبقه أو لا يفعل ما يقتضيه الإيمان به، أظن هذا تمثيلٌ وتضليل وليس إيماناً حقيقياً. ما أكثر الفتيات اللائي يدعين الإيمان! ولكن لو أردنا أن نبحث عن الإيمان في حجابها، لو أردنا أن نبحث عن الإيمان في سترها، في بصرها وما تنظر إليه، في سمعها وما تنصت له، في خلوتها بنفسها، بماذا تفكر وماذا تفعل؟ لوجدت عند بعضهن -ولا أقول كلهن- لوجدت بوناً شاسعاً بين دعوى الإيمان وبين الواقع. إذاً: فالإيمان دعوى والعمل هو الحقيقة والنتيجة، قال الشاعر: والدعاوى إن لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياء إذاً: فالعمل هو الأثر الذي يتبع الإيمان، أثر القرآن على الفتاة بالإيمان والعمل هو الأثر الآخر الذي يتبع هذا الإيمان. يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [إذا سمعت قول الله: (يا أيها الذين آمنوا) فارع لها سمعك، فإما خيراً تؤمر به أو شراً تنهى عنه] لأن الإنسان ثمرة إيمانه أن يعمل وأن يطبق بذلك. وينبغي أن نترجم هذا الإيمان إلى واقعٍ عملي ليس في سلوكنا فقط فحسب، بل لا بد أن نترجمه إلى واقع تربيتنا لإخواننا وأخواتنا وأبنائنا، طفل من الأطفال يكذب تقولين له: لا تكذب، وافتحي المصحف أمامه وقولي: هذا كلام الله يقول الله جل وعلا: كذا وكذا وكذا طفل يفعل خطأً تقولين: لا تفعل ذلك؛ لأن الله يقول كذا فلتعظم الفتاة المسلمة والمرأة المسلمة بتأثيرٍ من القرآن وبهدى من القرآن، ففي هذا خيرٌ عظيم، ولو أننا عودنا أطفالنا أن نقول: لا تفعلوا كذا لأن الله نهى عنه، وافعلوا كذا لأن الله أمر به، إذا كبروا وأردنا أن نقول: هذا لا يجوز، لا يمكن أن تجد الفتاة أو الشاب في أي مرحلة من مراحل العمر يتجاوز هذه المسائل. إذاً: فالعمل ثمرة أو أثر من آثار القرآن، ولا نريد العمل فقط على السلوك، بل أيضاً العمل بالتربية، لا تكذب؛ لأن الله يقول: كذا لا تسرق لأن الله يقول: كذا لا تفعل كذا لأن الله يقول: كذا افعلي هذا؛ لأن الله يأمر بكذا افعلي هذا؛ لأن الله يجزي بالجنة على هذا، تصدقي؛ لأن الله يجزي المتصدقين، والله يقول: وترينها الآية في القرآن؛ ففي هذا أثر طيبٌ بإذن الله جل وعلا. وبالمناسبة فإن أعداء الإسلام قد استغلوا هذا الجانب ألا وهو غزو عقول الأطفال منذ الصغر، يعني: بعض الأطفال لما تدخل معه في مناقشة ستجد أن معلوماته مبنية على ما ورد في (أفلام كرتون) تجد أن بعض الأطفال معلوماته مبنية على ما ورد في المسلسل المدبلج، والسبب أننا لم نربهم بالقرآن، فتولت هذه الأفلام تربيتهم، وكل من ترك خانة فغيره سينالها ويكون أولى بها، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والواقع يشهد على براءة الطفولة والفطرة، لكن الذين لم يجعلوا للقرآن أثراً في بيوتهم وعلى أطفالهم وذرياتهم: ومن رعى غنماً في أرض مسبعةٍ ونام عنها تولى رعيها الأسد من تركوا أبناءهم ولم يربوهم بالقرآن تربيهم هذه الأفلام والمسلسلات، وعفواً لو تدخلت في شيءٍ من التفصيلات من خلال نوع من الاستقراء الذي أقوم به في بعض الأحيان. اسألي طفلك عن حبة الفول التي نبتت -هذا الكلام من (أفلام كرتون) - في الأرض، واستمرت حتى شقت السحب، ثم وصلت إلى السحابة السادسة أو السابعة إشارة إلى وجود الله، وانتهت هذه البذرة إلى قصر فيه رجلٌ سمين عنده دجاجٌ يبيض ذهباً، فتسلل الطفل -الآن في هذا المكان نحن في المكتب الذي تلقى عليكن فيه المحاضرة معنا طفل ويهز رأسه متابع الصورة جيداً، معنى ذلك: أن براءة الطفولة حينما لم ترب بالقرآن يتسلل إليها خطرٌ عظيم- فيتسلل هذا الصغير، ويدخل فيسرق الدجاجة، ويعرف صاحب القصر الذي في السحابة السابعة، ثم يلحقه، ويفلت منه، ويقفل الأبواب، وينجو من ذلك، ثم يعصر أشياء كثيرة، فينزل المطر، ثم يضرب بعض الأواني فيظهر الرعد، أين تربية القرآن؟ منذ أيام كنت في مركز صيفي مع أطفال في المرحلة الابتدائية، فجلست أسألهم عن هذا، وسألت أحد الأطفال لعله في السنة الثانية، قلت له: هل رأيت هذا (الفيلم الكرتون)؟ قال: نعم، قلت له: ماذا تفهم منه؟ من هو الذي في السماء السابعة؟ قال: يقولون إن هذا هو الله، وليس بصحيح، الله ليس هنا، يعني: جيد لأنه عاش في بيئة أو في أسرة أو في وسط لا بأس به، فقد تلقى العقيدة تلقياً جيداً لكن هذه المشوشات والمفسدات على صفاء فطرته جعلته يعجب، وربما خلطت عليه في يوم من الأيام، وربما بعض الأطفال الذين تتولى تربيتهم الخادمات، وربما لا توجد أمٌ ولا أبٌ ينبهه، فحينئذٍ يعتقد أن الله في السماء السابعة، وعنده دجاجٌ يبيض ذهباً، وهذا من أخبث وأخطر مفسدات البراءة والفطرة عند الأطفال، إذا كان كفار قريش يعتقدون أن الله هو الخالق المدبر وما كانوا يعتقدون هذا، فنحن في هذا الزمن يصور للأطفال بطريقة خفية، وفي الفيلم ما قيل: هذا هو الله، لم يقال لهم هذا، لكن من خلال ذلك تصور الطفل أن هذا حاصل، وطبقي شيئاً من هذه الأمثلة، وأضرب أمثلة: خذوا البرنامج المدبلج (برنامج سنان) من كم سنة رصدت فيه بعض الحلقات؟ ما هو أثر هذه البرامج على بيتٍ لم يترب بالقرآن؟ في أحد المشاهد حيوان من الحيوانات الذي يقوم بدور، يعني: الذئب يقوم بدور نسيت اسمه الآن، ولما انكسرت رجله أخذوا يدورون عليه ويصيحون بتعويذة: (زعبور يشفي جرجور، جرجور يشفي زعبور) ويدورون عليه؛ حتى قام نشيطاً، فلما اتصلوا بالطبيب، وكان الطبيب هو التيس ويلبس المناظر فقال: كيف شفي الذئب جرجور أو زعبور؟ قالوا: صرنا ندور عليه بالتعويذة حتى شفي. إذاً: الطفل في البيت الذي لم يتأثر بالقرآن يتعلم أن الشافي هذه التعاويذ، وهذه التمائم والأمور التي تردد، وهذا مفتاح الشرك والوثنية، ومفتاح إفساد العقيدة على الأطفال الذين يتربون على غير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. مثالٌ ثالث: الحصان الأبيض، قد تقلن: الشيخ جالس يتفرج (أفلام الكرتون) لكن لا حرج، قولوا ما شئتم، المهم أن تعرفوا ماذا يفعل ويدبر بأبنائكم، الحصان الأبيض تدور فكرة هذا البرنامج على إله النور وإله الظلمة، يوجد أطفال معهم الحصان الأبيض يمر على قوز قزح، وعنده شعاعٌ ذري ينثره فينير الكون بالنور الأبيض، ثم الناس يدخلهم البهجة والسرور وينبسطون ويفرحون، ثم يأتي اللص أو الحرامي أو المعاند، ودائماً يجعلون اللص هو الملتحي يقوم بدور المجرم أو بدور القراصنة، ويأتي هذا ويصنع دخاناً أسود ثم ينشره في الكون؛ فيبدأ الحصان يضعف، والأطفال تصيبهم الكآبة، والابتسامة تزول عن الشفاه، إذاً ما هي النتيجة؟ يستنتج الطفل؛ وهذا يسمونه المخيخ المبدع المخيخ المبدع داخل ذهن الطفل، وهذا المخيخ موجود لدى الرجل والمرأة والصغير والكبير، يستنتج المشاهد أن النور هو سبب الراحة والطمأنينة والسعادة، وأن الظلام هو سبب الشقاء والمصائب، إذاً ليس الذي يسعد الناس الله، وليس الذي يقدر على الناس الخير والشر هو الله، وصرفت الأمور إلى غير الله سبحانه وتعالى. وأخيراً: وليس آخراً (عدنان ولينا) يعلم طفلك كيف يحضن بنت الجيران الصغيرة ويقبلها، وربما كشف عن شيءٍ منها، فمن أين جاءت هذه الأمور؟ حينما تركنا الهدى حلت بنا محن، لما أعرضنا عن هذا القرآن، هذا القرآن نزل لكي يستفيد منه الصغير والكبير، هذا القرآن جاء حتى للنطفة قبل أن توضع في الرحم، وحتى للجنين قبل أن يولد، ويوم سابعه، ويوم يسمى، ويوم يؤمر بالصلاة، ويوم يضرب عليها، ويوم يفرق بينه وإخوانه وأخواته في المضاجع، هذا القرآن جاء لهذا الإنسان منذ أن يكون نطفة إلى أن يوضع في القبر، فحينما تركنا التعامل بأثر وتربية القرآن أصبحنا نجد هذه النتائج المزعجة ولا حول ولا قوة إلا بالله!

أثر القرآن على المرأة أن تكون داعية إلى الله

أثر القرآن على المرأة أن تكون داعية إلى الله ثالثاً: أثر القرآن علينا أو على الفتاة المسلمة أن تكون بما آمنت وعملت داعية إلى ذلك، فإن المسلم الثمرة الطبيعية له أن يكون مؤمناً عاملاً داعياً إلى ما يعمل به. انظروا الثمرة الطبيعية التي كانت للصحابة والصحابيات، مجرد أن الصحابية تؤمن بالله جل وعلا تذهب إلى جاراتها وصويحباتها هل سمعتن ما جاء به هذا النبي الذي قدم من عند قريش؟ ويقول: كذا وكذا تدعوهن بأسلوب لبقٍ لطيف، حتى ربما جاءت المرأة ببعض النساء يبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي يبايعهن ولا يصافحهن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة:12] فكانت المرأة بأثرها ودعوتها تؤثر على غيرها؛ فتؤمن بقية النساء ويصبحن من الصحابيات ويجئن لبيعة النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك الصحابي أبو بكر لما آمن، أعتق بلالاً ودعا أبا عبيدة عامر بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، أي: أنه أثر على قومٍ ودعاهم، وكانت هذه هي الثمرة الطبيعية للإيمان. فنحن نقول: أثر القرآن علينا أن نؤمن بالله كما يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وأثر القرآن علينا أن نعمل بما آمنا به، وأثر القرآن علينا أن ندعو الناس، ومن النادر أن تجد بعض المسلمات تدعو صويحباتها لاستماع شريط، أو لقراءة زاوية عن المرأة المسلمة في مجلة من المجلات، أو لمناقشة وضع من الأوضاع المعينة، أو لترتيب زيارة أو دورية أسبوعية بين الجارات يقرأ فيها القرآن، وتفسر فيها آية، ويقرأ فيها حديث وتعرف أحكامه، وتتبادل فيها الأخبار والمعلومات، والأكلات والمشروبات الطيبات لا حرج في ذلك؛ لأن الواحدة مع الأسف أو كثير من أخواتنا إن وجدنا أنها التزمت واستقامت لربما منت علينا وقالت: احمدوا الله، غيري في جمعية كذا، وغيري في النادي الرياضي، وغيري في المسبح الفلاني، وغيري وغيري {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات:17]. فينبغي للفتاة المسلمة ألا تنظر إلى من هي أسوأ منها، وتقارن نفسها بها، أيضاً السيئة ربما قارنت نفسها بالكافرة، وربما قارنت نفسها بالزانية، ربما قارنت نفسها بالفاجرة ولا حول ولا قوة إلا بالله! فأثر القرآن على الفتاة المسلمة أن تكون داعية، وهذه الدعوة لا نريدها أن تضيع زوجها، ولا تكتب له ورقة: زوجي العزيز! أنا مشغولة بالدعوة، تنام الليلة لوحدك، لن أعود إليك، اشتر طعاماً من المطعم لن أرجع إليك، لا. لكن نقول: ليس الرجل كالمرأة لا شك، لا في تكوينه وتركيبه وعمله ومهماته ومسئولياته، لكن نريد منها أن تجعل من كل أسبوع ولو ساعة أو ساعتين أو في أيامٍ مختلفة للدعوة إلى الله جل وعلا. تدعو صويحباتها وقريباتها، ثم تحضر مسابقة ثقافية طيبة، فيها الابتسامة والمرح، وفيها السعادة والسرور بعيداً عن الرقص والطبل، والبردة، والموضة، والأزياء، والكلام الذي وقع فيه كثير من النساء في هذا الزمن، والله إننا نسمع عن بعض البيوت إذا اجتمع النساء أحضرن شريط ورقص وفعلن حلقة، وأصبحت إحداهن ترقص وسط الحلقة، ألهذا خلقت المسلمة؟ {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] المرأة جعل الله لها لساناً وعينين وشفتين، وهداها النجدين من أجل أن ترقص وسط الحلقة؟! {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] سواء كان ذكراً أم أنثى، خلقت في أحسن تقويم لأجل أن تتابع مجلات الأزياء؟! ولقد كرمنا بني آدم من الرجال والنساء والذكور والإناث من أجل أن يصبحوا يتابعوا أخبار قصور الأفراح والولائم والحفلات بآخر الموديلات وآخر ما نزل؟ أستغفر الله لا ينبغي أن يكون هذا من فتاة مسلمة. فأثر القرآن على المسلمة الاستجابة والالتزام والدعوة إلى هذا الالتزام بكل ما أوتيت؛ بالهدية والشريط، والكلمة والزيارة واللقاء، وإن هذه المدرسة التي نحن فيها اليوم لهي ثمرة من ثمرات القرآن بإذن الله جل وعلا، القرآن أمرنا بهذا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] فهذا من التعاون على البر، وهذا من التواصي بالحق والصبر على ذلك، فياليت أخواتنا يعملن لمثل هذا الدور، ويحرصن على ذلك، وتؤسس كل واحدة منهن كما تفضل المقدم يعني: لو أن كل فتاة اجتمعت مع صويحباتها، وكل واحدة نقلت رغبتها مع زوجها. والله لا أكتمكن سراً: عندنا في الحي برنامج دعوي، وهو عبارة عن جلسة أسبوعية يجتمع فيها الجيران، ونبحث أمور الحي، نرسل لكل بيت شريطاً وكتاباً، هذا في كل خمسة عشر يوماً، وربما أقمنا ندوة، والثلاثاء القادم عندنا ندوة بعنوان: (أطفال الحي من المسئول عنهم) وهذا النشاط بأكمله له الآن ستة أشهر، أتدرون من السبب فيه؟ فتاة اتصلت بأحد الإخوة وقالت: لماذا لا يكون لكم دور في الحي؟ لماذا نحن معاشر البنات والنساء والزوجات مالنا فائدة منكم في الحي ولا يستفيد منكم إلا الرجال؟ فبدأنا نرتب لهذا الموضوع حتى هدانا الله جل وعلا إلى هذه النتيجة التي أصبح من شأنها أن يصل كل بيتٍ من بيوت الحارة شريط إسلامي، وكتيب إسلامي، ونصيحة إسلامية، وربما واحدة منهن أرسلت بمشكلتها مع ولدها تشكو من زوجها، أو تشكو من أخيها، فربما اتصلنا بالزوج، وربما ناقشنا القضية، أو امرأة فارقها زوجها في لحظة غضب تدخل فيها الأهل وسببوا مزيداً من الفرقة، والفتاة تتمنى أن تعود لزوجها، فنتدخل بطريقة أو بأخرى لإصلاح ذات البين ورجوعها إلى بيت زوجها، وعودة الأطفال إلى المحضن الطبيعي بينهم. فأقول: إن العمل من ثمرات القرآن الكريم، وهذه المدارس والعناية بها، واجتماع الأخوات فيها، واستغلالها إلى جانب القرآن الكريم بتبادل أمورٍ نافعة، يعني: ما يمنع أن تأتي الأخت بشريطٍ إسلاميٍ نافع، فيحصل تبادل الأشرطة النافعة، والكتيبات النافعة، التواصي بالردود، يعني: منذ مدة قرأت مقالاً في أحد الجرائد تقول فيه فتاة: أيتها الفتاة! ينبغي أن تدخلي غمار الطب ولا تسمعي للذين يقولون: إن في الطب اختلاطاً، وينبغي أن تخوضي هذا المضمار ولا تكوني هيابة خوافة، وعليك بالإقدام وو إلخ، وإن الاختلاط في هذا المجال ليس كالاختلاط الممنوع، بل هو اختلاط الشرف والمهنة وو إلخ، عجيب جداً! حتى اختلاط الطب هل يختلط الرجال مع النساء والممرضين مع الممرضات لشرح البخاري أو تخريج أحاديث مسلم؟! ليس بصحيح هذا، لكن أين الفتاة المسلمة؟! لكن حينما تأتي الفتاة بقصاصة الورق وتعرضها على زميلتها وتقول: ما دامت هذه عاهرة أو فاجرة كتبت فنحن نكتب خمسين رسالة ونرد عليها، ونكتب في أكثر من مجلة وجريدة في (الدعوة) في (المسلمون) في (الاعتصام) في (الرياض) في (الجزيرة) يعني: يا حبذا أن ينشر الرد في نفس المكان الذي ورد فيه الخطر، لكن إذا تعذر ذلك فإنه ينشر الرد في أي جريدة أو في أي مجلة من المجلات الإسلامية، فهذا أمرٌ مطلوبٌ مرغوب، وهذا من ثمار القرآن أن نعمل بما علمنا.

أثر القرآن على المرأة الداعية في الصبر على الأذى

أثر القرآن على المرأة الداعية في الصبر على الأذى أخيراً وختاماً: فإن أثر القرآن على الفتاة المسلمة أن تصبر على ما تؤذى فيه، لا شك أن الفتاة المسلمة سوف تؤذى، ومن اتبع القرآن وعمل به لا بد أن يفتن ولو شيئاً قليلاً: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3] لا بد أن تظهر حقيقة الفتاة التي تدعي الالتزام والتي تصدق مع الله في الالتزام، لا بد أن تظهر حقيقة الحجاب هل هو تجمل أو موضة أو تقليد أو تعبد لله واستجابة له، لا بد أن تظهر حقيقة القرار في البيت وحسن المعاشرة للزوج مع التي تدعي ذلك، وربما أرادت أن تصل من خلاله إلى أمرٍ آخر. فالفتنة ربما وردت، ولكن أثر القرآن أن يثبت الفتاة المسلمة، ربما تلبس القفاز فتقابلها متبرجة سافرة في السوق وتقول: ما هذا التعقيد وما هذا التشدد، والدين يسر؟ نعم. الدين يسر، لكن الدين ما قال: أخرجي نحرك ورقبتك ويديك وساقيك، وافتحي في هذا الفستان فتحة إلى ركبتك، الدين يسر لكن ما أمرك أن تتكسري بالقول وتخضعين به مع الرجال، نعم، الدين يسر لكن ما قال لك: تجملي في كل لحظةٍ تخرجين فيها إلى السوق، وتعطري حتى يشم الناس هذا العطر، ويفتتن الناس به، وربما فعل بعضهم المعصية وهم بها، الدين يسر لكن ما أمرك أن تتسلطي على المتحجبات والملتزمات، صدق الله العظيم: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:29 - 33]. الفتاة المسلمة قد تبتلى من إخوانها، قد تبتلى من أخواتها، قد تبتلى من قريباتها، قد تبتلى من زميلاتها المدرسات، قد تبتلى من أي مصدرٍ من مصادر الابتلاء المتوقع، لكن نقول: أثر القرآن أن يعينها على الثبات: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:11 - 12] امرأة فرعون وزوجة الطاغية تبتلى، لكنها صبرت وكانت من أهل الجنة، وطلبت ودعت أعلى المنازل: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] ربما ابتليت لكن القرآن علمها. سمية بنت الخياط أم عمار بن ياسر، عذبهم أبو جهل، وأراد أن يردهم عن الدين، وأن يكفروا بمحمد، فأبوا؛ فكان ذلك الكافر النذل، القاسي القلب، الحجر الصلب، كان يجر تلك الصحابية الجليلة في حرارة الشمس، فهددها والحربة في يده، فقال: اكفري ارتدي اكفري بهذا الصابئ دعي دين محمد وعودي إلى دين الآباء والأجداد والأسياد، فأبت واختارت إلا أن تستمر على دين الله، فما كان منه إلا أن رمى بالحربة على فرجها، فتفجر الدم من جوفها، وكانت أول شهيدة في الإسلام. هكذا صبرت الفتاة! ونحن وأنتن أيتها الأخوات أمام معترك خطير، الواقع الآن سوف يفرز المجتمع فرزاً واضحاً، فإما ملتزمات وإما منحرفات، إما صادقات وإما مداهنات، إما مخلصات وإما متلاعبات، إما فاجرات وإما طيبات عفيفاتٍ صالحاتٍ، فينبغي أن نتحيز وأن نميل إلى دين الله جل وعلا، وأن نكون مع الصالحين ومع الصالحات، ومع الصادقين ومع الصادقات، ومع المؤمنين ومع المؤمنات بإذن الله جل وعلا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من تسافر في الطائرة بدون محرم، وحكم كشف الوجه عند أمن الفتنة

حكم من تسافر في الطائرة بدون محرم، وحكم كشف الوجه عند أمن الفتنة Q ما حكم من تسافر في الطائرة بدون محرم مع وجود استقبال في المطار؟ وما حكم كشف الوجه عند أمن الفتنة؟ A سافري بدون استقبال ستجدين الفتاة وهذه المرأة تجمع الشر كله من جميع جوانبه، ومن تتبع الرخص تزندق، فما بالك فيمن تتبع الشواذ من كلام العلماء، هذا لا يجوز في أي حال من الأحوال، والعبرة والحجة هو الدليل، ثم إن الذين قالوا بكشف الوجه أيضاً قيدوها بما إذا أمنت الفتنة، ونحن الآن في زمنٍ الفتنة قائمة حتى مع الحجاب، فكيف بكشف الوجه، ثم إن المرأة مطلوب منها أن تكف الشر عن نفسها، فإذا كان كشفها لوجهها ربما علق بعض الذئاب بنظراتٍ متتابعة لها، وجعلهم يعاكسونها ويؤذونها، فينبغي لها بل يجب عليها أن تغطي وجهها حتى لو سلمنا بقولها: إنها تعمل بقول الذين يرون جواز كشف الوجه. فمسألة كشف الوجه في هذا الزمن هي مسألة الفتن، والتي جمعت كل المصائب في مقام واحد، والوجه كما يقول الشيخ ابن عثيمين: هو مجمع المحاسن، الرجل إذا أراد أن يخطب فتاةً هل نقول: انظر إلى يدها أو انظر إلى أصابع رجليها، نقول: انظر إليها أي: إلى الوجه، ولو أن فتاة أراد أن ينظر إليها خاطبها فدخلت عليه وهي متغطية الوجه ورأى قدميها ويديها قال: ما رأيتها، يريد أن يرى مجمع الفتة والحسن، ألا وهو وجهها. فالمسلمة ينبغي أن تعتني بما هو أحظى لها بالقبول والرضا والمغفرة عند الله جل وعلا، لا أن تقول: قال فلان وقال علان.

نصيحة لمن تحفظ القرآن ثم تنساه

نصيحة لمن تحفظ القرآن ثم تنساه Q ما رأيكم فيمن تحفظ القرآن وتنساه؟ A الواجب على من اعتنى بكتاب الله جل وعلا أن يردده حتى لا يضيع منه، ومن أكثر ترداد كتاب الله رسخ في قلبه، وليجعل بداية توجهه لحفظ القرآن، وترداده وحفظه، وفهم معانيه إرضاء الله سبحانه وتعالى، حتى يلقى الله به شافعاً، لا أن يكون مزيداً من معلوماته أو ثقافته أو حصيلته أو شهادته، فمن اعتنى بهذا نفعه الله، وثبت القرآن في قلبه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17].

حكم من تخرج إلى السوق لغير حاجة

حكم من تخرج إلى السوق لغير حاجة Q أرجو نصح وتوجيه الأخوات من الذهاب إلى الأسواق بدون حاجة؟ A الأصل في المرأة أن تكون سعيدة القرار في بيتها: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] وإذا بدا للمرأة حاجة فلا حرج أن تذهب لقضاء حاجتها مع زوجها أو ذي محرمٍ حتى لا تقع في فتنة، أو حتى لا ينفرد بها السباع الذين يتسكعون في الأسواق من غير حاجة. ولكن المصيبة كل المصيبة من فتيات يدخلن الأسواق ولا حاجة لهن، أو ربما من أجل حاجة تافهة بإمكانها أن ترسل زوجها أو ابنها أو أخاها أو ابن أخيها مثلاً لهذا الأمر، فتختار هي أن تذهب، وربما تجد الغالب والسمة الغالبة على كثير من اللائي يشتهين التردد والتجوال في الأسواق، تجدها لا تخرج إلا متزينة أو متعطرة، وربما كانت طويلة اللسان عند الباعة، جيدة للمماكسة والمكاسرة، وهذا ليس من خصال المرأة العفيفة ذات الحياء.

حكم إقامة وليمة عند ختم القرآن

حكم إقامة وليمة عند ختم القرآن Q ما حكم إقامة وليمة بمناسبة ختم القرآن حفظاً، هل له أصل عند السلف، وإن كان جائزاً فهل يدخل فيه رياء أم الأحسن أن يكتم الحافظ ذلك؟ A إذا أقام الإنسان وليمة من أجل أن يعلم الناس به، وكان قصده الرياء، فهنا هذه الوليمة وهذا الفعل حرام: (من سمع سمع الله به) والله أغنى الأغنياء عن الشرك، من كان حفظ القرآن لكي يعلم الناس فالله غني عن عبادته، ولكن إذا أراد الإنسان أو أرادت الفتاة أن تبعث روح المنافسة والاقتداء وروح التشجيع على الخير بين زميلاتها وأخواتها، اليوم فلانة ختمت فحضرنا وليمتها، وبعد أسبوع فلانة تنتهي من الجزء الثلاثين فنحضر وليمتها، وبعد أسبوعين فلانة تنتهي من الجزء الثلاثين أو التاسع والعشرين وهلم جراً، ففي هذه الحالة نقول: هذا خير، أما مسألة: هل له أصلٌ عن السلف؟ فالله أعلم.

نصيحة للنساء المستقيمات تجاه هذه الصحوة

نصيحة للنساء المستقيمات تجاه هذه الصحوة Q أنا مسلمة حضرت وسمعت خيراً كثيراً وسؤالي: ماذا تنصح المسلمات المستقيمات في ظل هذه الصحوة؟ A نقول: نحن بحاجة إلى الملتزمات المستقيمات، إن الصحوة في صفوف الشباب قد وصلت إلى مرحلة جيدة، وأما في صفوف الفتيات والشابات فهي لا زالت تخطو خطواتها الأولى، لا زالت وليدة، وأملنا في الله وفيكن وفي هذه الأخت وأمثالها من الأخوات الصالحات، أن يستعن بالله جل وعلا على ذلك وعلى الترتيب، لو أن كل واحدة جعلت في بيتها أسبوعياً جلسة للصديقات والزميلات والجارات، وملئت هذه الجلسة بالبرنامج الثقافي مبتدئاً بكتاب الله، ثم السنة، ثم المسابقة الطيبة، ثم القراءة، ثم القصيدة الممتازة، ثم البرامج الترويحية، والأكل والمشروب، والأُنس والفرح والسرور، فهذا خيرٌ عظيم، وتوزيع الأشرطة النافعة والكتيبات. لن نرقب النتيجة ولن ننتظر النتيجة خلال شهر أو شهرين، لكن لو استمرت كل فتاة على هذا المستوى بهذا العمل الجاد المستمر البناء الذي يبتغى به وجه الله لمدة خمس أو ست سنوات، ستصبح الفتيات في الثانويات والجامعات فعلاً مثالاً للجامعات الإسلامية ومثالاً للطالبات والمدارس المسلمة، هذا الذي نريده وهو متيسر بحمد الله جل وعلا؛ لأننا في هذه البلاد ولله الحمد والمنة لن تبدأ الصحوة في وقتٍ الفتاة أصبحت تتاجر بالدعارة وتشرب الخمر، وتخرج مع الرجل عياناً بياناً ممن لا يمت لها بصلة، إذا كانت الصحوة بدأت في مصر مثلاً في زمنٍ البارات فيه مفتوحة، والحانات مفتوحة، وبيوت الدعارة مفتوحة، والاختلاط مفتوح في الجامعات وفي المدارس، فيعني: أن مشكلة الإصلاح عندهم صعبة، لكن نحن هنا الحمد لله الخير كثير، فلا بد أن نستغل هذا، وبداية الصحوة في ظل هذه الظروف قبل انحراف المجتمع بالكلية يجعلنا أقدر على تقويم ماذا حصل من الخطأ أو الاعوجاج.

نصائح وتوجيهات لمن أرادت حفظ القرآن

نصائح وتوجيهات لمن أرادت حفظ القرآن Q فتاة تريد تعلم القرآن وحفظه ولكن حفظها ضعيف، فكلما حفظت شيئاً نسته؟ A أولاً: ننصحك بترك المعاصي يقول الشافعي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نورٌ ونور الله لا يؤتاه عاصي ثانياً: اختيار الأوقات المناسبة: والمجرب أن وقت ما قبل الفجر وبعد الفجر مناسب للحفظ بإذن الله جل وعلا. أيضاً لو أن الإنسان اجتهد أن يحفظ ثم ينام بعد ذلك، يعني: لو جعلت هذ الفتاة حفظها في الليل بعد العشاء بأن حفظت صفحتين ثم نامت بعدها، فالغالب أن النوم وعاء الحفظ، لأن هذا مجرب، أيام الامتحانات إذا ذاكرت الفتاة معلومات مثلاً في الفيزياء أول ما تستيقظ وتغسل وجهها فالذي على لسانها آخر معلومة تكون قد دخلت في رأسها قبل النوم، فآخر ما يدخل هو الذي يثبت، فنقول: النوم وعاء الحفظ، لا بأس أن تحفظ قبل نومها، وفي آخر الليل إذا استيقظت، وبعد صلاة الفجر، ونوصيها بأن تتهجد بالقرآن، فإن التهجد بالقرآن يعين على حفظه، ولا حرج أن تقوم الواحدة تتهجد في البداية وتفتح المصحف أثناء التهجد في الليل، يعني: ليس من شرط التهجد أن يقرأ الإنسان من حفظه، بل بإمكان الفتاة أو بإمكان المرء أن يقوم ويتوضأ ويفتح المصحف ويقرأ. كذلك من الوسائل المعينة: ألا يغير الإنسان المصحف الذي يحفظ فيه، فتجد الإنسان تارة يحفظ في هذا المصحف الطبعة العثمانية وبالرسم العثماني، وهذه الطبعة الفلانية وهذه الطبعة الفلانية، هذا أدعى ألا يثبت في الذاكرة موقع الآيات من الصفحات والأسطر؛ لأن كثيراً من الناس ذاكرته بصرية، يعني: البصر هو الذي يحفظ موقع الآية وموقع الحرف من الصفحة، فننصح إذا أرادت أن تحفظ أن تبدأ بمصحف ولا تغير الحفظ في أي مصحفٍ سواه، ولا حرج أن تجعل عندها ثلاث أو أربع نسخ حتى تستطيع أن تجعله في أكثر من مكان، في مدرستها، في بيتها، في أماكن أخر، بحيث لو أرادت أن تقرأ تقرأ في نفس المصحف الذي تعودت أن تقرأ فيه. وكذلك من الوسائل المعينة: العناية بالحضور إلى دور القرآن الكريم والحفظ فيها، والمواصلة؛ لأن الحفظ لا يتم بأن الإنسان يحفظ يوماً ويضيع أسبوعاً ويحفظ يومين ويضيع ثلاثة أيام، هذا يتفلت سريعاً، إنما الحفظ لمن تابع. أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ سأنبيك عن تأويلها ببيان ذكاء وحرص واجتهادٌ وبلغة وصحبة أستاذٍ وطول زمان

نصيحة لفتاة بدأت في طريق الالتزام

نصيحة لفتاة بدأت في طريق الالتزام Q امرأة تقول: ماذا تنصح الفتاة التي بدأت بطريق الالتزام؟ A ننصحها أولاً: بترك صديقات السوء، فإن الإنسان يتأثر بصديقه وجليسه، والفتاة تتأثر بصويحباتها وجليساتها أكثر من تأثر الابن بأبيه والبنت بأمها، وهذا مشهودٌ ملاحظ، فمن أراد أن يتوب ويستقيم استقامة طيبة فما تعود عليه فيما مضى من مجالس اللهو والغفلة فليهجره إلى غير رجعة. والعبرة من قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم سأل راهباً فقال: قتلت تسعة وتسعين نفساً فهل لي من توبة؟ قال: لا. فأكمل به المائة، ثم ذهب إلى عالم فقال: هل لي من توبة؟ قال: ومن ذا الذي يمنعك عنها؟! إن باب التوبة مفتوح، فأول ما نصحه بعد أن أبدى ذلك رغبته في التوبة، نصحه بأن ينتقل من مكان المعصية إلى مكان الطاعة، فمن أرادت أن تستقيم صادقة فلتنقل نفسها من جليسات السوء إلى جليسات الخير. المسألة الثانية: أن تودع ما عندها مما يعين على المعصية، الأفلام، المجلات، الأزياء، الموضات، وأشياء كثيرة من الأمور التي تعين على المعصية، فمن واجب الفتاة الجادة في الالتزام أن تتخلص من كل ذلك. ليس المراد بالالتزام التزام الهوى، التزام الضعف، التزام التشهي والأماني، هذا التزامٌ كلٌ يدعيه، والفتاة البليدة، التلميذة التي تقديرها مقبول أو ضعيف تتمنى أن تدخل أعلى الدرجات، وتنال أفضل الشهادات، لكن البليد يتمنى ولا يحصل شيئاً، لكن الجاد تجده يواظب، يحرص، ثم يتمنى أن يجد النتيجة، فالجادة في طلب الالتزام والتوبة، عليها أن تودع ما كان عندها من أمور المعصية؛ أفلام، مجلات، صور، أشرطة أغاني، أرقام، البوم، أشياء كثيرة، كل هذه الأمور لا بد أن تلغى بتاتاً.

كيفية المحافظة على زيادة الإيمان

كيفية المحافظة على زيادة الإيمان Q الإيمان ينقص ويزيد، فكيف نحافظ على اتزان الإيمان وحلاوته؟ A يقول أهل السنة: الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا مجرب مشاهد، فلتلاحظ الواحدة منكن نفسها الليلة عندما حضرت هذه الجلسة، وهذه الروضة من رياض الجنة من حلق الذكر، ثم عادت إلى بيتها، ستجدين نفسك هذه الليلة نشيطة وعندك رغبة في الوتر، عندك رغبة في سماع شيء نافع، عندك رغبة في التدبر في المصحف، عندك رغبة في فعل كل خيرٍ تدعين إليه، ولو أن الواحدة عادت من حفلة زواج في ليلة من الليالي، وكانت الحفلة مليئة بالمغنيات والدفافات، والراقصات والمطبلات، فتجد الواحدة نفسها ضعيفة، لو أرادت أن توتر فإنها لا تجد القدرة والعون على الوتر، لو أرادت أن تفتح المصحف ما تجد الهمة التي تعينها ولو على قراءة آية واحدة. إذاً: فالإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. ومن أهم الأمور كما كررت وكما أعدت وأعيد الآن؛ مسألة الجليس والجليسة، الصديقة ربما قربت خيراً فأعانت عليه، وربما قربت شراً فأوقعت فيه، وكم من فتاةٍ ضاعت عفتها، وضاع حياؤها، وفضحت سمعتها، وانتشر عارها بسبب جليسة سوء زينت لها المنكر، ثم نصبت لها كميناً فوقعت في الحبائل والفخاخ، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

نفي بدعية وليمة ختم حفظ القرآن

نفي بدعية وليمة ختم حفظ القرآن Q بالنسبة لوليمة ختم القرآن حفظاً لو لم يكن في السنة وارداً هل يعتبر إقامتها بدعة، وهل تدخل هذه البدعة في قوله صلى الله عليه وسلم: (وكل بدعة ضلالة). A ما يصل الأمر إلى أن نقول: إنها بدعة، والمشهور أن الكثير يفعلها، ولا حرج في ذلك، بل هذا من الفرح يعني: الإنسان حينما ينزل بيتاً جديداً ويقيم وليمة لا أحد ينكر عليه، المهم ألا يجعل هذه الوليمة من باب التعبد، يعني: أن يشعر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بهذا، أو أن يفهم فهماً من القرآن أن هذا أمر مطلوب، لكن من الأمور والعادات أو الوسائل الدعوية الاجتهادية التي الباب فيها مفتوح من دون أن يعتقد الإنسان فيها نوع تعبد، وإنما من نوع التهاني والتبريكات الطيبة، من أجل تشجيع الباقيات على قراءة القرآن وحفظه.

ضرورة تغطية القدمين والكفين حال الخروج

ضرورة تغطية القدمين والكفين حال الخروج Q نأمل توجيه نصيحة للأخوات بضرورة تغطية القدمين والكفين ضمن الغطاء أثناء الخروج؟ A نرجو من الأخوات أن يلتزمن بذلك سترهن الله في الدنيا والآخرة.

حكم صبغة الرأس ونتف اليدين والساقين وتشقيرهما

حكم صبغة الرأس ونتف اليدين والساقين وتشقيرهما Q ما حكم الصبغة التي توضع في الرأس (الميش) وما حكم نتف اليدين والساقين، وما حكم تشقير شعر اليدين والساقين والوجه؟ A هذه مسألة فيها كلامٌ، وإذا كان الأمر على حالٍ فيها مشابهة للكافرات وتقليد، فهذا لا يجوز بأي حالٍ من الأحوال. وأما إن كان الأمر من باب التجمل المحض للزوج وليس فيه تقليد أو إغراء أو إعجاب بالكافرات، فأرجو ألا يكون بهذا بأس.

حكم تجعيد المرأة لرأسها

حكم تجعيد المرأة لرأسها Q بعض النساء يقمن بتجعيد الشعر، بتحويله من الشعر الناعم إلى المجعد، وتنتهي مدة التجعيد مع الاستحمام نرجو إفادتكم؟ A نقول: الضابط في هذا ما كان فيه تقليد فما ينبغي، وما كان فيه تجمل للزوج فالأمر لا حرج فيه، لكن الواقع يشهد أن هناك فتياتٌ لم يتزوجن ويسعين إلى فعل هذه الأمور، لأجل من يفعلن هذا، إذاً فمثل هذه التي ليس لديها زوج تتجمل له، نقول: ينبغي أن تكون الأمور على ما كانت عليه حتى لا تقع المرأة في مخالفة أو هوى تقليد من حيث لا تشعر.

حكم لبس القصير للنساء

حكم لبس القصير للنساء Q ما حكم لبس القصير حيث يتجاوز نصف الساق؟ A لا ينبغي للمرأة؛ لأن هذا ربما عرضها لو انكشفت عباءتها فيظهر ساقها، ولبس الضيق والمفتوح من الخلف كل هذه ليست من سمات ستر المرأة المسلمة؛ المرأة المسلمة ترخي ثوبها ذراعاً ولا حرج في ذلك، ليس في هذا إسبال؛ لأنه جاء في الشريعة بالترخيص فيه، هذه مسألة مهمة أما ما وقع من بعض الفتيات هداهن الله في فتح ما يسمى بالتنورة أو باللباس مع النصف، أو لبس نصف الساق أو شيءٍ من هذا، السنة للرجال إلى نصف الساق وليست السنة للنساء ذلك.

حرمة لبس الملابس التي فيها صور

حرمة لبس الملابس التي فيها صور Q أرجو من فضيلتكم بيان حكم الملابس المرسوم فيها وجه إنسان أو قناع من غير جسم؟ A كل لباسٍ عليه صورة مرسومة فلا يجوز لبسه، ينبغي للمرأة ألا تلبس أطفالها هذه الملابس التي عليها الصور.

حكم قراءة القرآن حال الدورة الشهرية

حكم قراءة القرآن حال الدورة الشهرية Q ما حكم قراءة القرآن أثناء الدورة الشهرية إن كانت دارسة؟ A إذا كانت تخشى على نفسها أن تنسى حفظها فلا حرج أن تردد ذلك، وإذا أرادت أن تطلع فلا حرج عليها المهم إذا كان بقصد يعني: تخشى أن يضيع حفظها وأن تنساه. وبعضهم يقول: تمسه بملحفة يعني: تجعل بينها وبين المصحف حائل.

حكم من به سلس بالريح

حكم من به سلس بالريح Q ماذا تفعل من هي مصابة بالريح أكرمكم الله؟ A المرأة التي يكثر فيها الرياح، ومن بها سلس البول، نقول لها: توضئي ثم بعد ذلك لا يضرك ما خرج.

حكم الذهاب إلى المشعوذين لطلب السعادة

حكم الذهاب إلى المشعوذين لطلب السعادة Q كثير من النساء إذا حدث بينها وبين زوجها مشاكل ذهبت إلى المشعوذين وتركت العلاج الحقيقي؟ A هذا سؤالٌ طيبٌ وجيدٌ، وهذا مما ابتليت به كثيرٌ من فتياتنا وبناتنا في هذا الزمن، ربما الواحدة قالت: أنا أعرف لك امرأة تصرفه، والأخرى تقول: أنا أعرف امرأة تجعل الأحوال بينكم سعيدة، وربما من يقول: أنا أعطيكم بخوراً تجعلونه في البيت يطرد الشياطين ويجلب السعادة، وهذا خطيرٌ جداً ربما اعتقدت هذه التي تناولت وأخذت هذا الدواء أن هذه المرأة أو هذا البخور أو هذا الدواء هو الذي يجلب السعادة، والله جل وعلا هو الذي يكتب السعادة، وهو الذي يمنحها الطائعين التائبين من عباده، الله جل وعلا يقول: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} [الجاثية:21]. لا تستوي المرأة ذات المعاصي مع المرأة صاحبة الطاعة، فصاحبة الطاعة سعيدة كما أن صاحبة المعاصي شقية ولو ظنت أنها سعيدة في بعض الأمر؛ لكن شقاءها الحقيقي دائم ومستمر، تلك التي تستمرئ المعاصي وتتعود على فعلها. فالواجب على المرأة المسلمة أن تستعين بالله حينما يصير بينها وبين زوجها مشاكل: أولاً: ألا تخبر أهلها، ولا تخبر أحداً من الناس. ثانياً: أن تتضرع إلى الله جل وعلا: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نابه أمرٌ فزع إلى الصلاة) فتتضرع إلى الله وتتوضأ وتتهجد، وتسأل الله أن يرفع الفتنة والمشكلة التي حصلت بينها وبين زوجها، وألا يفرق بينها وبين بعلها، وأن يجمع شملها، وتلجأ إلى الله لجوء الصادق المضطر، الغريق في لجة البحر، ثم بعد ذلك ستجد أن الفرج بإذن الله مع حسن الأدب، وعلى أية حال كل امرأة تعفو عن زوجها، وكل زوجٍ يعفو عن زوجته، وكما قال أبو الدرداء: [احملي عني وأحمل عنك].

علاج الضيق والكآبة

علاج الضيق والكآبة Q فضيلة الأخ السلام عليكم أما بعد: مع بدء الإجازة يروج سوق ما يسمى بالملاهي والحدائق النسائية، ولا يخفاكم ما في خروج المرأة من أضرار جسيمة، لا سيما إذا كان خروجها من غير هدفٍ أو حاجة، وقرارها في بيتها هو الأصل، والمشكلة التي تواجهنا في التوعية من خطر هذه الملاهي الاحتجاج بنساء المشايخ وطلبة العلم وحضور النساء الملتزمات لهذه الملاهي، ولما لكم من أسلوبٍ مؤثر على جميع المستويات، فأرجو تناول هذا الموضوع من خلال درسٍ خاصٍ أو خطبة جمعة وتوصية كلمةٍ للمشايخ وطلبة العلم بمنع نسائهم من ارتياد هذه الأماكن، وكلمة خاصة للمسلمات الملتزمات لمحاربة هذه الأماكن، لا يخالكم إلا أن تعطوا الموضوع أهمية؛ لأنه فيه مخاطرة، وجزاكم الله خير الجزاء؟ A على أية حال هذه من المسائل المهمة، وكما قلنا في بداية هذه الكلمة أو المحاضرة كما قال الشاطبي رحمه الله: ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديماً وهطَّلا ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا العمر يمضي والقبر هو النهاية، والموت لا ندري متى يصل، وكثيرٌ من الأخوات كلما وجدت من نفسها ضيقاً أو من صدرها كآبة قالت: أذهب إلى الملاهي لأجد راحة، إذا وجدنا امرأة جائعة نقول: اشربي قازاً لأجل تشبعين! لا. القاز ليس هو غذاء الجوع، لو وجدنا رجلاً عطشان نقول له: كل حصى! ليس الحصى هو علاج العطش، فكذلك الذي في قلبه من الكآبة والضيق ليس علاجه الأغاني والملاهي والحدائق العامة، علاج القلب ذكر الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].

التحذير من لبس ما فيه استهزاء بالدين أو فحش

التحذير من لبس ما فيه استهزاء بالدين أو فحش Q ما حكم لبس البلائز المكتوب عليها كتابة إنجليزية؟ A ينبغي أن ينتبه من هذه الكتابة، ربما يكون في الكتابة تعظيم للكفار أو تقديس لهم أو سب دين المسلمين، وهذا للأسف حصل في بعض الملبوسات، يوجد فيها نوع استهزاء -والعياذ بالله- وكلمات فيها تفحش، ومخالفة للدين، فلا ينبغي لفتاة أن تلبس شيئاً لا تعرف ما الذي كتب فيه.

حسن المعاملة في تربية الأولاد

حسن المعاملة في تربية الأولاد Q تظن بعض النساء أن التربية الصالحة للأبناء تكون بتعريفهم الحلال والحرام، وتنسى أن هناك أموراً مهمة مثل توفير القدوة، والرفق في المعاملة، والجلوس مع الطفل وتحديثه بما يفهم، والسرور، وسرد القصص الطيبة عليه، فهل من كلمة حول هذا الموضوع؟ A في الحقيقة نعم، لا بد أن يكون للمرأة دور، والمرأة لها دورٌ طيب، أعرف فتاةً صالحة جزاها الله خير الجزاء زوجها منحرفٌ وأدخل الفيديو والأفلام التي لا تليق في بيته، ولكن بفضل الله ثم بفضل استقامتها جعلت الأطفال يضغطون على والدهم فأخرج الفيديو بحسن التربية، يعني: الزوج يسبها وربما شتمها وآذاها ولا يسمع لها كلاماً، ولكن بحسن تربيتها للأولاد جعلت الأولاد كلما جاء أبوهم يا أبت! أخرج هذا، ما نريده الله يغضب علينا ويعاقبنا، حتى الأطفال هم أنفسهم أزعجوا والدهم حتى أخرجه، وهذا لن يتم لها إلا بطول جلوسها مع أطفالها وما تركتهم للخادمات، وسردت عليهم القصص الطيبة النافعة، وكانت لطيفة بهم، وكانت رقيقة رفيقةً في معاملتهم. هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

أحوال المسلمين في كوسوفا [1]

أحوال المسلمين في كوسوفا [1] مصيبة المسلمين في كوسوفا عظيمة، والمجازر التي يقوم بها أعداء الإنسانية هناك شاهدة على كذب مدعي حماية السلام، وفي هذه المادة تجدد قصصاً من تلك وأعاجيب لعلها تعرفك بمدى الخبث ضد الإسلام والتآمر على المسلمين.

حال المسلمين في كوسوفا

حال المسلمين في كوسوفا الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. أيها المسلمون! لم يعد خفياً أو غامضاً ما يلقاه المسلمون من القتل والتصفية الجسدية البشعة، مع التشريد والتهجير والحرق والتدمير الذي يقع على أنفسهم وأسرهم، وذلك على يدِ الكنيسة الأرثوذكسية، على يد نصارى متعصبين أتباع هذه الكنيسة التي لم تكن من قبل معروفةً إلا بشديد العداء والتعصب، ليس على المسلمين فحسب، بل على أتباع الكنيسة النصرانية الأخرى، وليس التفريق هنا بين الأرثوذكس وغيرهم من باب الذم للأرثوذكس والثناء على غيرهم، فالكفر ملة واحدة، وبعضهم أخبث من بعض، فبعض الطوائف والملل الكافرة أشد عداوةً وحقداً، وبعضها أدنى من غيرها في ذلك. أيها المسلمون! شردت الكنيسة الأرثوذكسية قرابة مليون نفس مسلمة جلهم من الأطفال والشيوخ والنساء، أما الشباب فكانت المقابر الجماعية تنتظرهم على موعد الدفن وهم أحياء، وآخرون في السجون والمعتقلات، ولعل المتأمل والمشاهد للصور التي تعرضها وسائل الإعلام لقوافل المهاجرين والمشردين، لا يظهر فيها إلا الشيوخ والعجائز والأطفال والنساء. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كل هذا الشعب صنفان فقط، أطفالٌ وشيوخٌ وعجائز، أين الشباب؟! هل زاغت عنهم الأبصار؟! أم هوت بهم الريح في وادٍ سحيق؟! A لا. بل هوت بهم أيدي الحقد الصربية الأرثوذكسية في أوديةٍ سحيقةٍ من المقابر الجماعية، بعد أن تمت التصفية والقتل والتمثيل لكل من يظهر عليه أدنى علامات الفهم للدين أو التدين. أيها المسلمون! الحال في كوسوفا مشهدٌ يترجم مفردات الألم والحسرة والذل والمعاناة، التي يمر بها المسلمون هناك، والحال في كوسوفا مشهدٌ يترجم مفردات الحقد والبغض والعداوة الدينية التي بلغت حد القتل والاغتصاب والتشريد، وكل خطبةٍ وكل كلمةٍ وكل فزعةٍ وكل صيحةٍ وأنة وآهة سمعناها من المسلمين إبان عداوة الصرب، وحرب الصرب لهم في البوسنة، نراها متجددةً متكررةً ولكن على مسرحٍ جديد، وعلى عرقٍ من المسلمين جديد، كانت الأولى صربيةً بوسنية، والآن صربية كوسوفية. فيا أيها المسلمون! لن أعيد وصف المأساة بكل صورها، فحسبكم أنكم المسلمين هنا، كما يقول شاعرهم: وإن المسلمين بكل أرضٍ قتيلٌ أو شريدٌ أو طعينُ أرقٌ على أرقٍ وقلبٌ يخفقُ ودمٌ ينزُّ ودمعةٌ تترقرقُ هذا واقعهم، وتلك صيحاتهم، وإليكم أناتهم: امرأةٌ تلد مولودها وتضع جنينها ثم يخرجها الصرب من بيتها وهي لم تتخلص بعد من الانفصال من جنينها الذي لا زال مرتبطاً بها، وأُخرى تموت وهي تُنقل، وشيخٌ يئن يموت جوعاً وعطشاً، وذاك يموت مرضاً وسقماً، وأطفالٌ تدور أعينهم حائرة، لا يعرفون إلى أين الرحلة، ولا إلى أين المصير، ولو أنهم علموا ما يدور حولهم، لشابت رءوسهم قبل أن يبلغوا المشيب.

كوسوفا في الماضي

كوسوفا في الماضي أيها الأحبة! إن وصف المأساة ترجمته الصورة والخبر المنقول حياً على الهواء، وتلك أبلغ من الكلمة. أعود إلى الماضي لأحدثكم قليلاً عن كوسوفا وأهلها، عن حقبة زمنيةٍ ماضيةٍ في التاريخ، لتعرفوا أن من الخطأ أن ننسب العداوة إلى الأعراق والطين، وننسى أن العداوة في العقيدة والدين، يقول سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109]. من هم أهل الكتاب؟ اليهود والنصارى، ومن هم النصارى؟ الكفر بملله، الأرثوذكس والبروتستانت والكاثوليك والأرمن، فكلهم أولياء بعض، ولكن أشدهم عداوةً على طوائفهم وعلى المسلمين خاصة هم الأرثوذكس، وحسبكم أن تعلموا أن الكنيسة الروسية هي كنيسة أرثوذكسية، ويربطها حبلٌ من الولاء الشديد مع الصرب لاجتماعهم واتفاقهم في الملة والمعتقد والديانة، أو في فرع الملة والمعتقد والديانة، فالروس من النصارى الأرثوذكس، والصرب من النصارى الأرثوذكس. ولذا لا غرابة أن نجد مع بعد المسافة، والبون الشاسع في الرقعة الجغرافية، والفواصل وغيرها إلا أن الروس هم أشد الناس وقوفاً أمام الناس في هذه المعركة، ليست رحمةً بهؤلاء البيض، فالمسلمون أيضاً بيض مثلهم، لكنها رحمةٌ بالأرثوذكس. أيها الأحبة! تأملوا قول الله عز وجل: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:105]، وتأملوا قول الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]. فعلى الرغم مما سمعنا وما تردد في كثيرٍ من وسائل الإعلام، أن الحرب بين الإسلام والجاهلية هي حربٌ لن تعود إلى السيف والدم، ولن تعود إلى القصف والقتل، لكنها حربٌ فكرية، وعلى المسلمين بناءً على هذا أن يتركوا الإعداد، وأن يتركوا التدريب العسكري، ومن يتدرب من شباب المسلمين تدريباً عسكرياً في أي رقعةٍ من بقاع الأرض فذلك إرهابيٌ متطرفٌ لا همَّ له سوى التدمير والقتل والتفجير، ولا حاجة إلى هذا النوع من الإعداد في المعركة القادمة لأنها معركة فكرٍ وإعلام، إنها المعركة الحالية، والمعركة القادمة معركة فكرٍ وإعلام، ومعركة كفرٍ وإسلام، ومعركة دبابة، ومعركة بندقية، ومعركة قلمٍ وصحيفةٍ وكتابٍ وجريدةٍ وطائرةٍ وقنبلة، فإنه من الكبائر أن يفصل شباب الإسلام في الإعداد عن الجانب العسكري، ويقال لهم: أعدوا إعداداً فكرياً أو تربوياً فقط. أيها المسلمون! من الذي سوف يدافع عن المسلمين هناك؟ جوابٌ أدعه لكم، لتضعوا كل ما يخطر على بالكم من الأجوبة، ولتعلموا أن من المقاصد الفرعية الجزئية، عزل المسلمين عن السلاح مباشرة. أيها الأحبة! إنها عداوة الكنيسة قبل عداوة الدوما، وعداوة الدين قبل الطين، إقليم كوسوفا معظم سكانه ألبان، تبلغ نسبتهم (90%) وينحدرون من قبائل هندو أوروبية، وصلوا إلى هذه المنطقة قبل أن يسكنها أحد حتى اليونانيون، لم يكونوا من قبل في تلك الرقعة الخالية، كما ينازع الصرب ويدعون، وأرض كوسوفا أرضٌ خصبةٌ مليئةٌ بالثروات الطبيعية، ويوجد بها مناجم ذهبٍ وفحمٍ وزنكٍ ورصاص. ولذا كانت كوسوفا مطمعاً للأعداء، تبلغ نسبة المسلمين في كوسوفا أكثر من (95%) وقد وقعت معركة كوسوفا بين المسلمين والصرب قبل ستمائة سنة، ليست هذه المعركة الثالثة، ولا الثانية، بل قبلها معارك، والأولى كانت قبل ستمائة سنة عام (1389م) وانتصر المسلمون فيها نصراً مؤزراً، وأصبحت هذه المعركة تعتبر منعطفاً في تاريخهم، حتى أصبح التاريخ الصربي يقسم إلى قسمين: ما قبل كوسوفا وما بعد كوسوفا؛ لأن هذه المعركة أنهت نهايةً تامة الدولة الصربية ذلك الوقت، وإحدى المعارك الحاسمة، بين المسلمين والنصارى في أوروبا. وكان قائد المسلمين فيها السلطان العثماني مراد، وهو أحد سلاطين الدولة والخلافة آنذاك يرحمه الله، وقد بسط العثمانيون حكمهم على كوسوفا سنة (1455م) ومنذُُ ذلك الوقت والصرب يرددون ويروجون دعوى تحرير كوسوفا بزعمهم، وبعد معارك عديدة خلال عشرات السنين اندلعت حرب البلقان عام (1912م) اجتاح خلالها الصرب كوسوفا، وبادر الصرب بالتطهير العرقي وقتل وتهجير المسلمين الألبان، بل أرغمت المسلمين الذين كان عددهم آنذاك (95%) وأرغمت الكاثوليك الذين كان عددهم (5%) على اعتناق الأرثوذكسية، وفعلت صربيا كما يفعل اليهود اليوم في فلسطين، في تطبيق سياسة الاستيطان للصرب، في إقليم كوسوفا، فأخذوا يستقدمون الصرب من مناطق أخرى، ويوطنونهم في كوسوفا، ويهجرون المسلمين ذات اليمين وذات الشمال. وبعدها اندلعت الحرب العالمية الأولى عام (1914م) وكانت شرارة الحرب العالمية من هذه المنطقة التي تدور رحى الحرب الآن فيها بين الدوما والناتو، نعم. شنشنةٌ نعرفها من أخزم، وذلك شأن هذه الملة المجرمة التي في النصارى، وكانت المعركة الأولى العالمية، كانت في الأصل بين النمسا وصربيا، اخترقت على إثرها القوات النمساوية صربيا، في نهاية عام (1915م) ومنح النمساويون الألبان في كوسوفا نوعاً من الحكم الذاتي حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما دخلت قوات الحلفاء الفرنسية مع الجيش الصربي كوسوفا سنة (1918م) واعتبر الصرب أن ذلك هو التحرير الثاني، وبعدها فقد الألبان في كوسوفا الحكم الذاتي الذي تمتعوا به خلال الحكم النمساوي، وانبعثت من جديد سياسة الاستيطان التي كانت قد بدأت قبل الحرب العالمية الأولى، إلا أن عملية التصريف توقفت مرةً أخرى، عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، عام (1939م) وانضمت معظم كوسوفا إلى ألبانيا وحدثت هجرةٌ مرتدة للمستوطنين الصرب، وبعد وعود من تيتو حاكم يوغسلافيا سابقاً بأن يقرر السكان مصيرهم بأنفسهم إذا حملوا السلاح وشاركوه في تحرير إقليم كوسوفا وغيره من الأقاليم. وبعد ذلك تأسس حكمٌ ذاتيٌ لـ كوسوفا ولكن في ظل هيمنة صربية عام (1945م) أي: بعد قرابة ست سنوات من اندلاع الحرب العالمية الثانية، واستمر حتى عام (1989م) إلى أن قام مجرم الحرب سلبودان ميلزوفتش ( Melzofetsh Slebodan) بإلغائه عام (1989م) في الوقت الذي منحت فيه بقية الجمهوريات الحكم الذاتي مما تسبب في هذه الأحداث التي ترونها الآن. أيها الأحبة! ليست العداوات مفاجئة وما يوم حليمة بسر: قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هي فإلى كل الأغبياء الذين يريدون أن ينسوا الماضي، وإلى كل الذين يقولون: لا علاقة بين الشعوب إلا علاقة المصالح، لينسوا أن قضايا الدين والعقيدة والملة هي التي تدفع الشعوب وتحركها، وتفني أمماً وتهجر أقواماً وتشتت أجيالاً، إلى أولئك جميعاً نقول: هل تحتاجون بعد الشمس إلى دليل؟! هل تحتاجون إلى برهان لتفهموا وتعرفوا أن العداوة عقدية ودينية؟! والقضية التي يتحدث عنها كثيرٌ من الناس هي الحرب بين الناتو من جهة والصرب من جهةٍ أخرى، وتلك وإن كانت مسألة كبيرة وخطيرة، إلا أنها لا تساوي شيئاً أمام تهجير المسلمين وتشريدهم، وتنصير أطفالهم بعد أن تتقاسمهم الأديرة والكنائس ليتربوا هناك في ملاجئ ومهاجر مشتتة في أنحاء أوروبا، هل يبقى بعد ذلك انتماء، هل تصمد هوية؟ هذا هو الوجه الأخطر للحرب القادمة. نعم إن دمار المباني والمنشآت الصربية إن كان يسرنا ما نراه، من إيلامٍ وقرحٍ يمس الصرب على يد الناتو من خلال ضرباتٍ عسكرية متتابعة على أم رأس الصرب، لكن بيقين أن حفنة من ملايين الدولارات أو ملياراتها تعيد البناء أحسن مما كان. فضلاً عن قلة المتضررين بشرياً من الصرب، لكن من يعيد المسلمين الذين تهجروا، هل تردهم المليارات والملايين، من يعيد المسلمين الذين هم المصيبة العظمى -الجيل المهاجر- من كوسوفا إلى أكثر من عشرين دولة أوروبية في كل دولةٍ جزءٌ منهم، وكل جزءٍ منهم مشتت في مدنٍ مختلفة، وكل مدينة ٍتوزعهم في أحياء مختلفة، والأيتام والصبايا يتربون في الأديرة والكنائس. هل يبقى لمسلمٍ هوية؟ هل يبقى لفتاةٍ مسلمةٍ عرض؟ هل يبقى لامرأةٍ مسلمةٍ عفاف؟ هل يبقى لطفلٍ مسلمٍ دينٌ يرضعه من لبن أمه؟ أو مجتمعٌ أو هويةٌ ينتمي إليها وتمتُ إلى الإسلام بصلة؟!! A هذا بعيدٌ جداً إلا أن يشاء الله، لذا نصيحتنا: أن يظل المسلمون حول أتون الصراع، وعلى فوهة البركان، وأن يبقوا ولا يبرحوا ولو حول هذه المنطقة، ولو في المناطق المجاورة لبلدهم ووطنهم حتى لا يُذوب تحت دعوة الرحمة الإنسانية على يد الكنائس التنصيرية التبشيرية التي تشتتهم وتجعل لكل كنيسة منهم جزءاً مقسوماً. لسنا نقول: عليهم أن يبقوا تحت قصف الطائرات وأزيز الرصاص، لكن لا يبعدوا طويلاً، ولا يسلموا أنفسهم ليستوطنوا هذه الهجرة الطويلة، منذ أشهرٍ قليلة، كنتُ بـ استكهولم piystkhoolm في السويد وفاجأ كل وسائل الإعلام نبأ انهيار مرقصٍ في جوتنبرج Gotonbearg على مئات من الأطفال والشباب والصبايا والفتيات، ولما تبينت الإحصائية وأخبرت أخبارها اتضح أن أغلب الموتى والهلكى هم من أطفال المسلمين الذين تشردوا وأخذتهم السويد لاجئين وقبلت بلجوئهم، لكن لجئوا إلى ماذا؟ وأين عاشوا وباتوا؟ في الكنائس والمراقص وفي الأديرة والنوادي الليلية، وهذا هو المصير المراد بالمسلمين

دعوة لإغاثة المسلمين في كوسوفا

دعوة لإغاثة المسلمين في كوسوفا الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، وتذكروا قول نبيكم صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه) والله عز وجل يقول: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال:72]. أيها الأحبة في الله! من واجب النصرة، ومن واجب الأخوة، ومن واجب الموالاة بين المسلمين أن نلتفت لإخواننا وأن نشاطرهم كما شاطرنا غيرهم من قبل -من فعل ذلك محمودةٌ سيرته- وأن نشاطرهم ما نلذُ فيه من مطعمٍ ودخلٍ ومأكل ومشرب، فلو أن كل واحدٍ منا جعل لقضية المسلمين في كوسوفا جزءاً معيناً من دخله: (5%)، (3%)، (2%) شهرياً حتى نتبنى ما نستطيع من خلاله أن نحافظ على هوية المسلمين. أن نتبنى ما نستطيع من خلاله أن نحافظ على دينهم وعلى عقيدتهم، وعلى ملتهم، وأن نحافظ على هويتهم وانتمائهم لبعضهم، فإنهم إن ذابوا في ظلمات أمواج بحرٍ لجي في أوروبا، فما أعسر وأشد عودتهم إلى دينهم إلا أن يشاء الله. ولذا ومن منطلق الأخوة والولاء ظهر وصدر أمرٌ سامٍ كريم من خادم الحرمين الشريفين، متع الله بحياته على طاعته ونفع به الإسلام والمسلمين، حيثُ أمر بتشكيل لجنةٍ في ظل رابطة العالم الإسلامي، تنفذ أنشطتها هيئة الإغاثة الإسلامية وذلك لجمع التبرعات للمسلمين. وتظل هذه الهيئة مستمرةً في متابعة ورعاية قضايا المسلمين في كوسوفا والمهاجرين والأيتام والمشردين ومن في الداخل وغيرهم، إلى أن تنتهي القضية كما فعل حفظه الله من قبل بقضية المسلمين في البوسنة، ولقد وصلت ولله الحمد بوادر الدعم في طائرات محملة بالعديد من الخيم والطعام والدواء والشراب واللباس، فالله الله يا عباد الله، فإن ما تبذلونه هو درعٌ يقيكم، وإن ما تبذلونه هو سهامٌ في صدور أعدائكم، وإن ما تبذلونه هو حسناتٌ تقدمونها بين أيديكم، يقول العبد: مالي مالي، قال صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم: مالي مالي، وليس لك من مالك إلا ما لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت). وأما ما بقي -يا عباد الله- فهو مالٌ للوارث. فيا أيها الأحبة! الله الله اجتهدوا وتعاونوا، وإننا بإذن الله سوف نجمع تبرعاتٍ لإخوانكم في الجمعة القادمة من خلال شبابٍ عليهم زيٌ معين، حتى لا يتسلل لصٌ في ظل الجمع لإخوانكم ليأخذ شيئاً من حقوقهم ونصيبهم، فإنا نرجوكم أن تجتهدوا في جمع ما تستطيعونه، والجمع ممن تعرفونه، وأن تبذلوا من أنفسكم ما استطعتم حتى تجمع وتُسلم لهذه الهيئة التي شرفتُ أن أكون واحداً من أعضائها، أسأل الله عز وجل أن يقبل ما تفعله هذه البلاد المباركة للمسلمين، وأن يجعله خالصاً لوجهه، وأن يدفع بذلك البلاء عنا وعن ولاة أمرنا وعلمائنا وعن المسلمين يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم أحسن خِتامنا، واستعملنا في طاعتك، وتوفنا على أحسن حالٍ ترضيك عنا، وابسط اللهم لنا في عافية أبداننا وسعة أرزاقنا، وصلاح وإخلاص أعمالنا، وصلاح ذرياتنا، اللهم صل على محمدٍ وآله.

أسئلة في العقيدة

أسئلة في العقيدة في هذا اللقاء أُلقِيَتْ أسئلة على الشيخ، ومنها ما يتعلق بالأسماء والصفات، ومنها ما يتعلق بقضية الخروج على الحكام، وعن الوساوس التي تأتي لبعض الناس في العقيدة، وكذلك قضية الولاء والبراء، وقد تحدث عن الإحسان إلى الكافرين غير المحاربين.

سؤال في أسماء الله وصفاته

سؤال في أسماء الله وصفاته Q نعرف أن موضوع أسماء الله وصفاته ينبغي أن يورث تعلمه خشيةً لله وأثراً في السلوك، فلماذا لم يتحدث علماء السلف رحمهم الله عن آثار الإيمان بأسماء الله في حين نجدهم يطيلون الحديث وبكل إسهاب في الرد على المخالفين؟ وهل تذكر كتباً تحدثت عن أثر الإيمان بأسماء الله وصفاته نستفيد منها؛ أفيدونا أفادكم الله؟ A كان الصحابة رضي الله عنه يقرءون القرآن ويتدبرونه ويرون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مشتملة على أسماء الله وصفاته، ومعلوم أن القرآن إنما نزل للتدبر، وأخبار الرسول لم تكن أخباراً ليس لها غاية، فكانوا يقرءون القرآن ويتدبرونه ويرون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلمون أنه ليس المقصود مجرد العلم، بل يعلمون أن المقصود العمل، أي: المقصود العلم المستتبع للعمل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} [الأعراف:157] واتبعوا النور: الاتباع إنما يكون بالعمل {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157] {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} [التغابن:8] ولم يكن لهم أحاديث خاصة عن الأسماء والصفات، لم يكونوا يخصونها، بل كان الصحابة يتناقشون ويتذاكرون في مسائل الأحكام أكثر من مذاكرتهم في مسائل الصفات؛ لأن مسائل الأسماء والصفات واضحة بينة مسلمة ليست مجالاً للأخذ والرد عندهم، لكن المسائل العملية في بعضها خلاف وهي مجال للاجتهاد، فكانوا يقرءون القرآن ويتدبرونه. ومعلوم أن تدبر نصوص الأسماء والصفات إذا صدر عن إيمان فلابد أن يثمر عملاً، والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] العلم الذي يكون في القلب ويقترن به الانقياد والرغبة فيما عند الله يثمر الخشية، يثمر التوجه، فكانوا يقرءون القرآن ويتدبرونه يورثهم ذلك إخباتاً، يورثهم تذللاً لربهم وإخباتاً بين يديه، وهكذا درج التابعون من بعدهم. لكن لما حدثت البدع كبدعة التعطيل؛ وهي جحد أسماء الرب وصفاته، بدس من عناصر الكفر والنفاق، ورفعت البدع رأسها وكان لها أتباع، وأنصار ودعاة، قيض الله من يجابه هذه البدع، ويدحض شبهاتها، ويقيم البراهين والأدلة على الحق، وهذا لون من ألوان الجهاد، وهذا جانب من جوانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا فيه تعقيب لما أخبر الله به من حفظ دينه، فرسالة محمد خالدة، إذاً فلا بد أن يقيض الله لها من يحملها ويذب عنها ويحميها. إذاً: كلام الأئمة في الأسماء والصفات بذكر الأدلة الدالة على الحق في هذا الباب ورد الباطل الذي قام به ودعا إليه رءوس الضلال والجهلة من أتباعهم ممن تأثر بهم وبدعايتهم، فلم يكن هناك إشكال، ولم يكن هناك اشتباه في أن الإيمان بأسماء الله وصفاته يورث خشية، معلوم أن الإيمان بأن الله سميع بصير إيماناً صادقاً يستحضره المؤمن، كل مسلم يؤمن بأن الله سميع بصير وأنه بكل شيء قدير، لكن الشأن في الاستحضار، الاستحضار لهذه الصفات وهذه الأسماء مع الاستحضار لعظمة الله وشدة عقابه ولجلاله سبحانه وتعالى. لكن ليس كل من علم وآمن بهذه الأسماء وتلك الصفات يكون مستحضراً لها، فلابد أن يغفل الإنسان: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205] الذكر ذكر الله، ذكر يتواطأ عليه القلب واللسان، هذا يصرف كيد الشيطان ويضاد الوسواس، أما مجرد علم لا يستحضره الإنسان في سائر تصرفاته، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) لو كان المقدم على جريمة الزنا أو غيرها مستحضراً لما يعتقده ويؤمن به، مستحضراً له وشاعراً به الشعور الذي ينبغي لما أقدم عليه، لكنه لم يقدم على الزنا أو شرب الخمر إلا عندما يغيب عنه الإيمان ويغفل عن عظمة الله، ويغفل عن أليم عقابه، وعندما يلقي إليه الشيطان بالشبهات يقول له: الله غفور رحيم، والتوبة بابها مفتوح، لا تفكر في التوبة قبل الإقدام على الفاحشة، التوبة فكر فيها وتوجه إليها إذا وقعت، أما قبل الوقوع فالتفكير في التوبة من مداخل الشيطان، أي: أقدم ويمكن أن تتوب، ولكن ما يدريك لعلك لا تستطيع أن تصبر مرة أخرى وأخرى وأخرى، ولعلك أن تعاقب فيحال بينك وبين التوبة، نسأل الله الثبات. المقصود أيها الإخوة: إن أهل العلم إنما تكلموا وبحثوا وألفوا وناقشوا في باب الأسماء والصفات تقريراً للمذهب الحق ورد الباطل الذي ظهر في الأمة الإسلامية على أيدي المنافقين والجهلة الضالين. أما مسألة آثار الإيمان بأسماء الله وصفاته فلم يكن محل اشتباه أصلاً، معلوم عند الجميع أن الإيمان بأسماء الله وصفاته يقتضي آثاراً وله آثار بحسب اصطباغ القلب بهذا الإيمان، هذا الجانب الأول في السؤال. وأما الكتب المؤلفة في هذا الخصوص فأنا لا يحضرني الآن كتاب أستطيع أن أرشد إليه، لكن أصحاب السلوك والتصوف لهم عناية بهذا الجانب، ولعل من أبرز ما أتذكره الآن: مدارج السالكين لـ ابن القيم له عناية؛ لأنه بصدد شرح كتاب منازل السائرين وهو في أثناء الشرح وفي ثنايا كلامه يتعرض لهذا الجانب في مناسبات عديدة، فهو من خير ما يستفاد منه في هذا الباب. والله أعلم.

مسألة الخروج على الإمام الشرعي

مسألة الخروج على الإمام الشرعي Q هناك من يخلط بين مسألة الخروج على الإمام الشرعي وبين عدم طاعته في معصية الله، فلعلكم توضحون للإخوة الفرق بينهما؟ A إن هذا الاشتباه وهذا الخلط يعتبر عجيباً، وكأن هذا الاشتباه ناشئ عن عدم تصور معنى الخروج على الإمام. يجب أن نعلم حقيقة الخروج على الإمام وعلى ولي الأمر الذي جاءت النصوص بالنهي عنه والتحذير منه، واتفق أهل السنة على تحريم الخروج على الأئمة، ومن الأدلة في ذلك حديث عبادة بن الصامت الثابت في الصحيحين، قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكرهنا، وفي أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله) أي: بايعناه ألا ننازع الأمر أهله، قال: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فالرسول صلى الله عليه وسلم بايع أصحابه على السمع والطاعة لولاة الأمر في سائر الأحوال في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وحتى مع الأثرة ووجود الأثرة من ولاة الأمور، وهي: الاستبداد في الأمور المشتركة، ما داموا ملتزمين بأمر الإسلام، وهذا لا يعني: إقرار أهل الأثرة على أثرتهم، وأهل الظلم على ظلمهم، لا. الظلم مرفوض وباطل في شرع الله، والأثرة كذلك باطلة، ولكن لا يجوز أن يتخذ منها أحد طريقاً إلى الخروج وشق الطاعة، الخروج على ولي الأمر وشق الطاعة بنزع اليد من البيعة، لا. وكما أن هذا الواجب أعني وجوب السمع والطاعة وتحريم الخروج لا يبرر الطاعة في المعصية، بل الرسول عليه الصلاة والسلام نص على هذا القيد بقوله عليه الصلاة والسلام: (على المرء المسلم السمع والطاعة ما لم يؤمر بمعصية) فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، حتى قال أهل العلم: إن ولي الأمر لو أمر أحد خدامه بأن يقتل شخصاً وعلم هذا المأمور بأن المأمور بقتله مظلوم لم يجز له أن يطيع وأن ينفذ وأن يقتل، حتى ولو أدى ذلك إلى قتله، أي لو قال: إن لم تقتله قتلتك وجب ألا يطيع، ألا يطيع في قتل معصوم، في قتل مظلوم، لا يجوز أن يفدي نفسه بقتل المعصوم، لا. دع هذا الظالم يقتلك فتكون مظلوماً خير من أن تكون ظالماً. كون الإنسان مظلوماً خير من أن يكون ظالماً، إذا كان مظلوماً فالله تعالى ينتقم له ويعوضه ويجزيه، وإن كان ظالماً كان معرضاً نفسه للعقاب في الدنيا والآخرة، فشتان بين الأمرين. إذاً: لا يلزم من عدم الطاعة في المعصية الخروج، ففي المثال الذي ذكرته: لو قال هذا المأمور: أنا لا أقتل، أنا لا أفعل، لم يكن بهذا خارجاً ولم يكن بهذا نازعاً يده من طاعة ولي الأمر، ولا يخرج بذلك عن الجماعة، التي قال فيها الرسول عليه الصلاة والسلام: (من خرج عن الجماعة قيد شبر فمات فميتته ميتة جاهلية) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فيجب أن يفرق بين الأمرين، والفرق بينهما معلوم وواضح وبين. الخروج على الإمام يعني: الخروج المسلح، الخروج لإزاحته عن السلطة، الخروج بالقوة، وهو ما يسمى في هذا العصر بالثورة على الحاكم. ولكن واجب الرعية أن تناصح ولي الأمر، كل بحسب مستواه وبالطرق المناسبة التي يرجى من ورائها الإصلاح، ومما بايع الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه قال: (وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم). من ولاه الأمر في الأمور الجزئية كالقاضي والأمير والمدير وولي الأمر العام: (وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) فالواجب هو السمع والطاعة والمناصحة والدعاء، وتحرم طاعة ولي الأمر في المعصية، هذا مما لا يحل لمسلم، ولا يدخل ذلك في السمع والطاعة التي أمر الله بها ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ} [النساء:59] فطاعة أولي الأمر من العلماء والأمراء مقيدة بطاعة الله ورسوله.

الفرق بين موالاة الكفار وبين معاملتهم

الفرق بين موالاة الكفار وبين معاملتهم Q نريد من فضيلتكم بيان الفرق بين موالاة الكفار وبين معاملتهم؟ وكيف يجتمع البغض لهم مع البر والإحسان إليهم خاصة فيما يتعلق بالزوجة الكتابية ونحوها؟ A إذا علمنا أن المولاة تتضمن المحبة والمعاداة تتضمن البغض، والله تعالى يحب المؤمنين ولا يحب الكافرين، وعلى المؤمن أن يوافق الله في ذلك فيحب ما يحبه الله ويبغض ما يبغضه الله، والحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، والحب في الله والبغض في الله هو من آثار محبة الله ومن آثار طاعة الله، فمن أحب الله حقاً أحب ما يحب وأبغض ما يبغض. ولا منافاة بين ما أمر الله به من البر والإحسان للكفار الذين لم يقاتلونا ولم يخرجونا، كما قال سبحانه: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] البر هو الإحسان، بحسب المحسن إليه، وبحسب مقتضيات الإحسان. (وتقسطوا إليهم) فالإقساط والعدل واجب، لأن العدل واجب بين المسلمين وبين الكفار. فلابد من العدل: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58] هذا الحكم عام بين الناس مؤمنهم وكافرهم. {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام:152] الأمر بالعدل واجب، والإحسان يختلف فمنه الواجب ومنه المستحب فهو على مراتب، يكون الإحسان إلى الكافر بالصدقة عليه، بالهدية إليه، جار كافر له حق الجوار كما نص أهل العلم على ذلك، فتكف الأذى عنه، وتحسن إليه الإحسان المناسب، والزوجة الكافرة كما ورد به السؤال والزواج من الكافرة -لا سيما في هذه الظروف وفي هذا العصر- خطر، وقديماً كان الصحابة يكرهون الزواج من الكافرة، ولكن لا شك أن الأصل هو جواز الزواج من الكافرة الكتابية بهذا القيد، فالسائل يسأل: كيف يجتمع البر والإحسان مع البغض؟ أقول: لا منافاة، فإن لكلٍ ما يقتضيه، فالمقتضي للإحسان هو أمر الله بذلك والسبب الذي يوجب ذلك، كالجوار والقرابة، والكفر والمعصية مقتضيان للبغض والكراهية، وهذا أمر معتاد أن الإنسان يمكن أن يقدم الإحسان لمن لا يحبه، يحسن الإنسان إلى الدواب البهائم، وهل يقتضي الإحسان إلى البهائم محبتها؟ لا. وإنما هي رحمة وطاعة لله ورسوله، إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فلا منافاة فإن البر والإحسان لا يستلزم المحبة، إذاً البر والإحسان لا ينافي البغض، بل يمكن أن يكون الإحسان واجباً والبغض واجباً، كما في حال الأبوين المشركين الكافرين، الله أمر ببرهما وأوصى ببرهما وهما كافران: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14]، {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [العنكبوت:8] إذاً الوصية ببر الوالدين شاملة للمسلمين والكافرين غير الحربيين، أما الوالد إذا كان حربياً وفي صفوف المحاربين فلا يستحق شيئاً، لكن المقصود غير المحاربين، أن يكون معاهداً. فهذا واضح. فمن كان له والد أو والدان كافران يحسن إليهما بمقتضى الشرع، أي: أن الله أمره ووصاه بذلك، ويحسن إليهما ويبرهما أيضاً بمقتضى الطبع، بموجب المحبة الطبيعية، والمحبة الطبيعية يمكن أن تجتمع مع البغض الشرعي، الله يقول لنبيه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] هذا في مناسبة عمه أبي طالب، الرسول كان يحب عمه المحبة الطبيعية، ويحرص على هدايته، ولكن الأمر لله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ونعلم يقيناً أنه يبغضه لكفره لأنه عدو لله، فهو يحبه المحبة الطبيعية، وهو حريص على هدايته وعلى هداية الخلق، لكن بحكم القرابة، وهو مع ذلك يبغضه فلا منافاة بين المحبة الطبيعية وبين البر والإحسان الواجب أو المشروع بمقتضى الشرع، والحاصل أيضاً بمقتضى الطبع، لا منافاة بين هذا وبين البغض؛ لأن البغض له مقتضى آخر وهو مقتضى شرعي أيضاً، فالله أمر ببر هذا الكافر وببغضه، ومنابذته ومعاملته على أنه كافر. وهذا أيضاً يلمسه الإنسان من الواقع، فالمسلم الآن يكون له الابن يحبه لأنه ابنه، ولكنه في نفس الوقت يبغضه لله وفي الله، وإن كان يحبه المحبة الطبيعية، لكن هنا يأتي الامتحان، فإن كان يكرمه ويقربه ولا ينكر عليه فهنا قد طغت محبته الطبيعية على محبة الله ورسوله، أما إن كان يحبه المحبة الطبيعية ويتعامل معه بمقتضى الشرع ينكر عليه ولا يقف معه موقف المسالمة، ينكر عليه ويناصحه ويلح عليه ويدعوه إلى الله، ويهجره إذا اقتضى الأمر، ولهذا قال الله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24] هذه المحبوبات الخمسة، لا ضير على الإنسان أن يحبها المحبة الطبيعية، لكن يكون الإنسان آثماً إذا قدم محبة هذه المحبوبات على محبة الله ورسوله، فآثر حبها وترك الجهاد وترك الهجرة من أجل الوطن، من أجل الأسرة، من أجل الأولاد، بخل بماله، الإنسان يحب المال المحبة الطبيعية ولكنه إيماناً بالله وتصديقاً لوعده يخرج ما فرض الله عليه فيه، وإن كان يحبه، لعل في هذا القدر كفاية. يقول أحد الحاضرين: وإذا كان الرجل متزوجاً من كتابيه، وهو يحبها، فما الحكم؟ الشيخ: الزوجة إذا كان يحبها المحبة الطبيعية إذ محبة الرجل لامرأته محبة طبيعية، ولكن في نفس الوقت يبغضها لأنها كافرة، وفي نفس الوقت يدعوها للإسلام ولا يرضى بكفرها ولا يترك لها فرصة تؤثر على أولادها بل يدعوها للإسلام ويعمل على التأثير عليها، ومن أجل ضعف شخصية كثير من المسلمين في هذه الأعصار وقوة شخصية كثير من الكافرات يتوجه التحذير من الزواج من الكافرات؛ نظراً لضعف مقام وموقف كثير من المسلمين، وقوة شخصية كثير من الكافرات. ولهذا فالغالب أن يتأثر المسلم بالكافرة، في هذه الأعصار نظراً لحال المسلمين، وضعف مقامهم وشخصيتهم، ولأنهم قد بهرتهم الحضارة الغربية، وكثير ممن يتزوجون الكافرات إنما هو لافتتانهم بجمالهن، هذا هو الكثير. نسأل الله السلامة والعافية، ونعوذ بالله من الفتنة.

حكم الاستعداد للجهاد في سبيل الله

حكم الاستعداد للجهاد في سبيل الله Q هل المقصود بولي الأمر الحاكم أم العلماء؟ وهل لو أعلن العلماء الجهاد ورفضه الحاكم هل يقام الجهاد أم لا؟ ثم ما حكم الاستعداد والتهؤ للجهاد في سبيل الله في ظل هذه الظروف الراهنة؟ A ولي الأمر هم العلماء والولاة، أي: السلطان، هكذا فسرت الآية، من المفسرين من قال في قوله تعالى: {وَأُولِي الْأَمْرِ} [النساء:59] أي: الأمراء، ومنهم من قال العلماء، والصحيح أن الآية شاملة لكل من الفئتين، فهم أولو الأمر، فالله أمر بطاعتهم بهذا القيد ما لم يأمروا بمعصية، فمن أمر بمعصية كائناً من كان فلا سمع له ولا طاعة. المسألة الثانية: هل للعلماء أن يعلنوا الجهاد؟ نعم، يعلنون الجهاد بالدعوة، العلماء يملكون الكلمة، يدعون يبينون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالكلمة بالبيان بالتعليم، هذا هو الجهاد الذي يملكه العلماء، أما الجهاد الذي يحتاج إلى الإعداد المادي وإلى القوة المادية والسلاح فهذا لا يملكه العلماء، هذا تملكه الأمة في جملتها، ومعظم هذا الثقل هو بأيدي ولاة الأمر الحكام والسلاطين، الملوك والأمراء، إذاً: فليس للعلماء أن يقوموا وأن يسعوا في القيام بهذا الجهاد منفكين؛ لأن هذا يعني الانشقاق، وإقامة جماعة أخرى، لكن على العلماء أن يطالبوا ولاة الأمور بالإعداد للجهاد في سبيل الله على الوجه الذي شرعه الله، ليقوموا جميعاً -علماء وأمراء ورعية- ويكونوا أمة واحدة وصفاً واحداً، أما أن تقوم فئة تريد أن تقوم بهذا الجهاد الذي ليس هو من صلاحيتها، ولا تملك أسبابه، فهذا التفكير وهذا النهج لا يكون له مردود إيجابي. تريد أن تقوم بهذا الواجب الذي لا تملك أسبابه؛ هذا يعتبر خروجاً عن مقتضى الحكمة والعقل والمسلك الرشيد. على العلماء أن يدعوا وأن يطالبوا ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويناصحوا ولاة الأمور، ويطالبوهم بالإعداد للجهاد في سبيل الله، أن يهيئوا المجتمع المسلم حتى يكون نقياً؛ لأنه لا يتأتى للمسلم أن يجاهد في سبيل الله على الوجه الذي ترجى عاقبته الحميدة إلا إذا هيء المجتمع المسلم بالإصلاح وبتطهيره من الأمراض الاجتماعية ومن المنكرات، فلا بد من إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وسط الأمة حتى تتهيأ ويصح جسم الأمة من علله وأمراضه فتكون مستعدة للجهاد في سبيل الله، فتكون لها العزة التي كانت لها من قبل. الثالث: حكم الاستعداد، نعم الاستعداد مطلوب، ينبغي للمسلمين أن يستعدوا في حدود مقدورهم: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] أن يستعدوا للجهاد، يهيئوا أنفسهم، ومن وجوه الاستعداد ما يقدر عليه الفرد، ومنها ما لا يقدر عليه الفرد، ولا يتأتى إلا بالتعاون مع ولاة الأمر، فينبغي لولاة الأمور أن يتيحوا الفرصة لشباب المسلمين ورجال المسلمين أن يعدوا أنفسهم، فيدربوهم ويهيئوهم ليكونوا جنوداً مستعدين لحماية بلاد الإسلام، وصد العدوان، وغزو الكفار إذا تهيأت الأمور في عقر دارهم، فالإعداد مطلوب لكن بالوجوه المناسبة الممكنة التي لا يترتب عليها أضرار ولا مفاسد، فشرع الله قائم على الحكمة: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وكما ذكرت آنفاً أؤكد أن الإعداد للجهاد منه ما يقدر عليه الفرد، ومنه ما تقدر عليه جماعة، ومنه ما لا يتأتى إلا بتعاون الأمة وبتهيئة الفرص من قبل ولاة الأمور، وهذا ما نرجوه منهم، وتدريب الشباب أعظم مما حصل ومما يدعى من فتح باب التطوع للنساء للتمريض، التمريض هذا يحتاج إليه إذا حصلت المآسي وحصل القتال فتقديم التطوع أو التوسع بتعليم النساء على ما فيه من المفاسد الملموسة، لكن نتكلم عليه من حيث الأصل، أما التطوع الذي حصل فقد عرف واشتهر، يعني: أن له سلبيات واسعة وكبيرة. ومن الجوانب التي تؤخذ على فتح باب التطوع للمرأة أنه حصل التوسع فيه دون تدريب الشباب والرجال على ممارسة العمليات الحربية وعلى وسائل الحرب وآليات الحرب، وهذا المنطق غير حكيم وغير معقول، فالبداءة بتدريب الشباب هو الواجب، وتطوع النساء أمر ثانوي، وأمر المرأة ليس كالرجل، المرأة إذا خرجت تعرضتها عقبات شائكة من أوسعها اختلاطها بالرجال عند ممارسة هذا الأمر، مع فساد الأوضاع وفساد الأحوال، فهذا يعني مما يتصل بالإعداد بالجهاد.

أيد خفية تعمل على إضلال المرأة

أيدٍ خفية تعمل على إضلال المرأة Q هل ترى -يا فضيلة الشيخ- الظاهرة التي بدت أو التي تبناها أو تبنتها وسائل الإعلام في فتح المجال للمرأة وفتحت ذلك بعض الجهات الرسمية ولم يعط الرجال مثلما أعطيت المرأة، ألا ترى أن هذا يوحي بأن هناك أيادي خفية تعمل على إيقاع هذه البلاد فيما لا تحمد عقباه؟ A قلت: إن هذا الوضع غير طبيعي وغير سديد، ففيه مفارقة كبيرة، وأما أن تكون هناك أيدٍ فلا شك بصفة عامة، والأوضاع تؤيد ذلك بصفة عامة فالمنافقون والفساق كثير، ولا شك أنه يحلو لهم أن تخرج النساء وأن يضعفوا ما في هذه البلاد من التزام المرأة بحجابها وبيتها، ولا شك أن التوسع الذي حصل في فتح الأبواب لتطوع النساء في التمريض أن هذا من حلقات إخراج المرأة من حصانتها والتزامها بحجابها، وإن كان الأصل أن تعلم المرأة لما يمكن أن تقوم به في إطار الشريعة الأصل أنه جائز، لكن ما كل جائز يكون جائزاً بكل كيفية، فالنقد والاعتراض على الكيفية وعلى الواقع، أما الأصل نحن نتكلم فيه أن تتعلم المرأة مع نساء وأن تعلمها النساء، أما أن يفتح الباب من غير ضرورة ومن غير حاجة على نطاق واسع، ثم من بنود ومن فقرات هذا الطريق التطبيق العملي في المستشفيات، والمستشفيات قائمة على الاختلاط، فمن لم تكن ممرضة في المستشفى تكون متطوعة، فكل امرأة تريد حفظ كرامتها نوصيها بعدم المشاركة في هذا السبيل لأنه لم يطبق على الوجه المطلوب ولم تكن هناك الظروف المحتمة لأصل الموضوع.

حكم فعل القربات عادة

حكم فعل القربات عادة Q فضيلة الشيخ! قلت منذ قليل: إنه من صلى وصام على أنه عادة فإنه لا يجوز، وقد شككت في خروجي إلى الصلاة فيما سبق هل عادة أم لا. فكيف أعرف ذلك جزاك الله خيرا؟ A اطمئن ولله الحمد، أنا أعني الذي يصلي عادة لا إيماناً بالله والرسول، ما عنده إيمان ولا يؤمن بأن الصلاة واجبة يصلي مثل الناس فقط، بحيث لو قيل له: ما هي هذه الصلاة؟ قال: والله لا أدري عنها، ولا يؤمن بوجوب الصلاة عليه نعم. من المسلمين ممن يؤمن بالله ورسوله ويؤمن بوجوب الصلاة لا يكون عنده الإيمان العميق لكن للعادة دور في أمر الصلاة، لكن أرجو أن هذا لا يضره، ولست أعني هذا النوع، لكن على المسلم إذا أدى الواجبات أن يستحضر أمر الله ورسوله، وأن يفعل ذلك قربة لله وطاعة لله ورسوله، حتى ينال الثواب والأجر موفوراً كاملاً غير منقوص.

حكم الوساوس في أمور العقيدة

حكم الوساوس في أمور العقيدة Q ما حكم الوساوس والخطرات التي تأتي على الناس في أمور العقيدة وغيرها؟ A فيما تقدم ما يتضمن الإجابة على هذا، وهو أن تعرض عن هذه الوساوس وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وقل: آمنت بالله ورسوله، واغفل عنها ولا تسترسل في التفكير، قاطع هذا التفكير وحاول أن تنساه. ولا تضرك بعد ذلك مجرد الوساوس، وقد جاء بعض الصحابة وقد وجد في نفسه وسواساً قال عنه: (إني أحب أن أخر من السماء ولا أتكلم به، فقال عليه الصلاة والسلام: ذاك صريح الإيمان) يعني: كراهته لهذا الوسواس وبغضه الشديد لهذا الوسواس هو الإيمان، لأنه لو لم يكن عنده الإيمان واليقين ما كره هذا الوسواس ولاسترسل معه وتفاعل، ولنال منه الشيطان ما يريد.

حكم إتقان الأعمال من أجل الناس

حكم إتقان الأعمال من أجل الناس Q هذا السائل يقول: في حديث استماع الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أبي موسى الأشعري وهو يقرأ القرآن وقول أبي موسى: (لو علمت -يا رسول الله- أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا) أليس فيه جواز إتقان العمل من أجل البشر، حفظكم الله ورعاكم؟ A لا شك أن إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم وتحقيق ما يحب هو مما يحبه الله ويرضاه، الرسول يعجبه تحسين القرآن ويحب الصوت الحسن بالقرآن، إذاً ما نواه وقصد إليه أبو موسى هو قربة إلى الله، يتقرب إلى الله بتحسين صوته لأنه مما يعجب الرسول عليه الصلاة والسلام، وتحقيق ما يحبه الرسول هو مما يحبه الله، إذاً فلم يفعل ذلك ليجلب ثناءً على نفسه للمدحة؛ مثل من يقرأ أو يزين قراءته لينال ثناءً من الناس ليثنوا عليه رياءً وسمعة، وإنما قصد أن يحسن تلاوته للقرآن تحقيقاً لما يحبه الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن المؤمن عليه أن يحب الرسول وأن يحقق وأن يحرص على تحقيق ما يحبه الرسول. أقول أكثر من هذا: لو طلب من الإنسان والده أن يحسن له قراءته، فحسن قراءته استجابة لوالده، أو طلب منه والده أن يتلو عليه القرآن ففعل، فهذا برٌ منه بوالده، وكان ذلك عملاً صالحاً أن قرأ عليه القرآن، وأن حسن قراءته؛ لأن والده يرغب في ذلك ويعجبه أن يسمع القرآن من ابنه بصوته الحسن، لأن الوالد الطيب تقر عينه إذا سمع ابنه يتلو القرآن ويحسن قراءة القرآن بصوت حسن، وتحسين الصوت بالقرآن أمر مشروع للحديث الصحيح: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) وحديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) وهكذا لو قرأ المسلم وزيَّن صوته بالقرآن ليؤثر على السامعين لينتفعوا بالقرآن، فهذا أيضاً محمود؛ لأنه لم يقصد التقرب إليهم، بل يريد أن ينتفعوا بالقرآن فيفعل ذلك طاعة لله، وجذباً للناس إلى كتاب الله لا جذباً للناس إليه، لا يريد أن يجذب الناس إليه حتى يعجبوا به، ويثنوا عليه، لا يريد أن يؤثر عليهم بالقرآن فيزين صوته لينتفعوا بالقرآن حتى يقبلوا عليه، فكل هذا ليس من الرياء في شيء، وليس من قبيل العمل للمخلوق.

حكم الوساطة في القروض الربوية

حكم الوساطة في القروض الربوية Q فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقول: طلب مني شخص أن أتوسط له عند شخص لكي يقرضه مبلغاً من المال، وقد فعلت، وعندما انتهى دوري علمت أنه يقرض الناس بالربا، أي: العشر باثني عشر مثلاً، فندمت على عملي لأني خشيت أن أشترك معهم في الإثم، علماً أنني قد ذهبت إلى الرجل الذي طلب مني هذا الطلب ونصحته وأخبرته بأن عليه ذنباً عظيماً، سؤالي الآن: هل عليَّ ذنب لو لم أنصح الرجل علماً بأني في الأساس لم أسع في الأمر على أنه قرض ربوي. وجزاكم الله خيراً؟ A أقول أولاً: أنت محسن في وساطتك، وساعٍ في أمر خيري، ومن التعاون أن تطلب للمحتاج ممن يقدر على إقراضه، وهذا إحسان منك وأنت مأجور إن شاء الله حيث أنك لم تعلم بما قصد إليه المقترض، أما بعدما علمت فواجب عليك أن تنصحه، وأن تنكر عليه، وأن تبدي أسفك على أن ساعدته في تحصيل هذا القرض، ولو لم تفعل كنت آثماً، أما وقد فعلت فقد أديت ما يجب عليك ولا إثم عليك؛ لأنك محسن أولاً، وقمت بالواجب ثانياً، وعليك أن تعين صاحب المال على استرداد ماله، وأن تلح على المقترض أن يرد المال إلى صاحبه.

الفرق بين توكل أولي الألباب وبين الأخذ بالأسباب

الفرق بين توكل أولي الألباب وبين الأخذ بالأسباب Q ما الفرق بين توكل أولي الألباب وبين الأخذ بالأسباب، ونرى من يعيب على الذين اشتروا أكياس الرز والسكر أليس هذا من الأخذ بالأسباب؟ A لا منافاة بين التوكل وفعل الأسباب، فترك الأسباب عجز، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) وقال أهل العلم: إن تعطيل الأسباب بالكلية قدح في الشرع، فالشرع جاء بالندب والأمر بالأسباب، بل من الأخذ بالأسباب ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، ومنها ما هو مباح، أما التوكل فحقيقته اعتماد القلب عليه سبحانه وتعالى وتفويض الأمر إليه، وذلك باعتقاد أن الخير بيده، وأنه سبحانه وتعالى لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، للتحقق بذلك، وأن الأسباب ما هي إلا أسباب، والله تعالى هو خالق الأسباب والمسببات، فتأثير الأسباب في مسبباتها بإذن الله، فهو خالق الأسباب، وهو الذي يجعل الأسباب مؤثرة في حصول مسبباتها، إذاً فعل الأسباب يمارس بمقتضى الشرع والطبع، والأسباب المباحة، والتوكل على الله هو مقتضى الإيمان بالله وبكمال ربوبيته. وأما المسألة الجزئية التي ذكرها السائل وهي أن من الناس ما إن سمع بأحداث الكويت حتى هرع يشتري حوائجه تحسباً للمستقبل، فأرجو أن هذا من فعل الأسباب وأنه لا بأس به، إذا خاف الإنسان أن الماء يتوقف وظهرت بوادر ذلك فلا مانع أن يملأ خزانه إذا تيسر، لكن بدون أن يعتمد على هذا السبب، وبدون أن يكون هناك لهف ولهث وانفعال واضطراب ولكن بهدوء، فمن ذهب واشترى له حاجات وادخرها وهو متوكل على ربه بدون أن يتحمل في هذا السبيل المشاق بالمزاحمة، ويظهر عليه الانفعال، أو يكون عنده شيء من الاعتماد القلبي على هذا السبب، وأن هذه المشتروات ستكون أماناً له، لأنه يمكن أن يحدث له من الأسباب مثل أن يموت ولا ينتفع بها، قد يحدث من الأسباب ما ينفره عنها حتى يتركها، فالإنسان يفعل الأسباب بهدوء بال وطمأنينة وتوكل على الله. والله أعلم.

قيام بعض العلماء بمشروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قيام بعض العلماء بمشروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q هذا السائل يقول: لقد سمعنا عزم بعض أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ للقيام بمشروع الأمر المعروف والنهي عن المنكر، Q هل لا يزال هذا الأمر قائماً حتى يتسنى لنا التسجيل لدى أحد المشايخ. أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A هذا الأمر بشكل منظم لا يزال قائماً وهو تحت الدراسة، والمسئول الأول عنه سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز، وهو بصدد دراسته إن شاء الله، وأظنه قد عهد إلى بعض المشايخ ترتيب ذلك، وأما القيام بهذا عملياً دون ترتيب فهذا متيسر وحاصل من بعض الإخوان دون ترتيب ودون ارتباط بأشخاص معينين ولله الحمد، فكل طالب علم يمكنه أن يخرج ويأمر وينهى لكن بالطريقة الممكنة الميسرة التي لا يترتب عليها ردود فعل ولا مشاكل، ما هي الطريقة؟ الطريقة: أن تناصح من رأيته يفعل منكراً أو يتعرض لفعل منكر، تناصحه بالكلمة الهادئة الطيبة من منطلق الأخوة في الله، لو رأيت إنساناً يدخن فمن اليسير جداً أن تقف معه وتقول: يا أخي! هذا الدخان حرام يضرك في دينك وفي صحتك وفي مالك، فاتق الله، جزاك الله خيراً، الله يعافيك منه، لن يغضب ولن ينفعل إلا أن يكون لئيماً، أما إن كان عنده بقية من الخلق فسيقول: جزاك الله خيراً، وربما كان لكلمتك أثر بالغ على نفسيته، وربما كان ذلك مبعث تفكير قوي لأن يترك الدخان. تمر في الشارع وترى امرأة متبرجة تقول لها: يا مسلمة! يا امرأة! اتق الله واحتجبي، وأنت تمشي لأن المرأة لا يتأتى الوقوف معها والتطويل؛ لكن كلمة تعرف بها المقصود هذه فيها إعذار وفيها بيان وإعلام حتى لا ينسى الحجاب. الحجاب: هناك معاول لرفع حجاب المرأة، وإخراج المرأة من حجابها، ومن هذه المعاول ما حدث في الأيام الماضية من قيام مجموعة من النساء المفتونات أو المغرورات بقيادة السيارات، هذا من جملة الخطوات لإخراج المرأة من بيت حشمتها، وليكون ذلك خطوة في طرح المرأة للحجاب الواجب عليها، والكفرة والفسقة يريدون ذلك، يريدون أن تخرج المرأة سافرة لكنهم لا يستطيعون أن يقفزوا إلى هذه الغاية قفزاً لتخرج عريانة، لا. يسلكون إلى ذلك شتى الطرق، والآن كما ترون في بلادنا حفظها الله وقطع مطامع الكافرين وأعداء الدين مما يأملونه ومما يريدونه بها، كما ترون الأمور فيها تأخر وتدهور في باب الالتزام؛ التزام المرأة بواجبها وبآدابها الإسلامية، ولكن الله غالب على أمره ولو كره الكافرون، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ألا إن سلعة الله غالية

ألا إن سلعة الله غالية إن من علم أنه سيفقد ماله حرص عليه، ومن علم أنه سيفقد ولده أحاطه برعايته، فما بالنا نعلم أننا سنفقد الآخرة إذا ضيعنا دنيانا باللهو ولا نحرص عليها؛ هذا مع ما ثبت لدينا من أخبار صحيحة تثبت المآل في الآخرة، وما أعد الله للمؤمن والكافر، فالبدار البدار إلى جنة سبقنا إليها الأبرار، ولنعمل لآخرتنا كما نعمل لدنيانا.

دوام الحال من المحال

دوام الحال من المحال معاشر المؤمنين! قد وعد الله عباده المؤمنين المخلصين بالجنة، وتوعد العاصين المعاندين المكابرين بالنار، وبين سبحانه أن هذه الجنة دار نعيمٍ لا يكدرها شيء، وبين سبحانه في هذه الجنة ألواناً من النعم، وألواناً من الخيرات والملذات، جاء عن هذه الجنة على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الجنة فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) الله أكبر! الله أكبر! يا عباد الله! تجولوا في هذه البلدان، وانظروا إلى أعظم القصور، وأكبر المراكب، وأفخم المفارش، واعلموا أن في الجنة ما هو خيرٌ منها، وأعظم منها وأبقى وأدوم منها؛ لأن نعيم الدنيا منتهٍ إلى زوال، فانٍ إلى محال، أما الدار الآخرة فنعيمها دائمٌ لا ينقطع. ملذاتنا في هذه الدنيا: صحةٌ في البدن، لكن الأمراض تكدرها، اجتماعٌ بالأحباب، لكن الفراق ينغصه، نوالٌ للمال، لكن الفقر يهدده، حصول على العزة، لكن الذلة قد تفاجئه، حصول بكثيرٍ من الأمور، لكنها فانيةٌ منتهية: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. الله أكبر يا عباد الله! وأكره أيام الوصال لأنني أرى كل وصلٍ معقباً بزوالِ وأحب ليالي الهجر لا فرحاً بها عسى الله يأتي بعدها بوصالِ ويقول آخر: أشد الغم عندي في سرورٍ تيقن عنه صاحبه انتقالا

من لم يغتنم حاضره فاتت آخرته

من لم يغتنم حاضره فاتت آخرته أتدرون أن أرباب الدنيا، وأصحاب المال، وتجار الأرصدة ما لم يسلطوا أنفسهم على أموالهم؛ لكي تكون عوناً لهم على الطاعة وشرفاً لهم في العبودية، فاعلموا أنهم والله أندم الناس يوم القيامة، يندمون على ما بين أيديهم من هذه النعم، وما سخروها لوجه الله جل وعلا، لماذا؟ الواحد منهم تحته الزوجات، ويعلم أنه يموت، فتنكحُ نساؤه من بعده، ويعلم أن أرصدته قد ضايقت البنوك ثم يعلم أنه يموت، فيقتسمها الورثة والعصاة وغيرهم، يعلمُ أنه في هذه القصور، وفي هذه الدور، ويعلمُ أنه يفارقها وبعد ذلك يأتي به أحبابه ليرموه في حفرةٍ ضيقةٍ مظلمةٍ محكمة الغطاء، ثم يعودون ينامون في غرفته ويتقلبون على سريره، ويتطيبون بطيبه، وينسونه وقد لا يذكرونه، فليست هذه الدنيا بدار طمأنينة. والله لو أن القلوب صحيحة لتقطعت ألماً من الحسراتِ نعم يا عباد الله! الصحة بين أيدينا، والمال في جيوبنا، وسخر الله لنا أشياء كثيرة، لكننا عن طاعة الله بها غافلون وننسى أننا نحتاج إلى حسنةٍ واحدة! ألاحق ولدي وتلاحق ولدك، والأم تلاحق ولدها ولدي تعبتُ عليك حملتك كرهاً وضعتك كرهاً أزلت الأذى عنك بيميني جعلت بطني لك وعاء وثديي لكي سقاء وحرمتني لذيذ النوم ببكاءٍ تتقلب فيه حسنةً واحدة، حسنةً واحدة!! والأب يقول: يا ولدي أتعبتُ النهار، وأفنيت الضياء بحثاً عن لقمةٍ لأجلك، وسهرت الليل: كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني وعيني تهملُ إذا ليلةٌ ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهراً أتململُ تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت حقاً مؤملُ يا ولدي حسنةً واحدة، فيقول: يا أبي إليك عني! إليك عني يا أبي!! إليكِ عني يا أمي!! نفسي نفسي! نفسي نفسي: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] لماذا؟! أنسينا الصداقات؟! أنسينا العلاقات؟! أنسينا التجارات؟! لماذا؟ هل انقطعت المعرفة؟! هل زالت المودة؟! {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] شغل، داهية، واقعة، حاقة، زاجرة، غاشية، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37]، فما بال الناس؟ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} [عبس:38 - 41] اللهم لا تجعلنا منهم.

نعيم الدنيا والآخرة

نعيم الدنيا والآخرة فيا أيها الأحبة في الله! هو ذاك نعيمُ الآخرة، وهذا نعيم الدنيا، شتان شتان بين هذا وهذا في البقاء والدوام والملذات: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة:25]. الله أكبر يا عباد الله! هذه الجنة يوم أن تتبادرك الحور العين، يزغردن ويصفقن بقدومك، يتقدمنك إلى قصرك اللؤلئي في جنات النعيم، يوم أن يقال: ادخل وارق، ورتل القرآن كما كنتَ ترتل في الجنة، فمنزلتك عند آخر آيةٍ تقرأها. الله أكبر يا عباد الله! يوم أن تكونوا يا معاشر المؤمنين! يوم العرض الأكبر على الله، فيدخل من نجا إلى الجنة، ويدخل من هلك إلى النار، نسأل الله ألا يكون بيننا أحد من الهالكين، ولا أن نكون منهم، ثم بعد ذلك إذا انتهى الفصل في القضاء والخطاب بين العباد، نادى منادٍ يا أهل الجنة! خلودٌ ولا موت، يا أهل الجنة! خلودٌ ولا موت، يا أهل الجنة! إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، ويا أهل النار! خلودٌ ولا موت، يا أهل النار! خلودٌ ولا موت {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة:92 - 94]. عباد الله! ثم إذا استقر أهل الجنة في الجنة، ناداهم رب العزة جل وعلا، وقال: عبادي هل رضيتم عني؟ عبادي: هل رضيتم عني؟ عبادي: هل رضيتم عني؟ الله أكبر يا عباد الله. خلقنا من العدم، وآتانا الصحة في الأبدان، والأمن في الأوطان، وأنواع الأرزاق، ثم يغفر لنا برحمته، ويدخلنا الجنة بمنه، ثم يقول: عبادي! عبادي! هل رضيتم عني، من ذا الذي لا يرضى عن ربه بعد هذا؟ فيقول: أهل الجنة، يا ربنا! ألم تغفر ذنوبنا! ألم تكفر سيئاتنا! ألم تدخلنا الجنة؟! رضينا عنك يا رب، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:8] لمن خاف الله في السر، لمن اتقى الله في خلوته، لمن خشي ربه. فيقول الله جل وعلا: إن لكم عندي وعداً، يقولون: ألم تبيض وجوهنا! ألم تدخلنا الجنة! ويقول الله جل وعلا: إن لكم عندي وعداً أنجزكموه، فيكشف ربنا جل وعلا عن وجهه الكريم، فينظرون إلى وجه الله العظيم، فما أوتوا نعيماً في الجنة ألذ من النظر إلى وجه الله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22] جميلة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22] مشرقة، بهية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة:22 - 25]. تخشى الهلاك، وتحقق الظن بالعذاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هذه الجنة يا عباد الله! لا نتغوط فيها، ولا نتبول فيها، نلهم فيها التسبيح والتهليل كما نتنفس هذا الهواء شهيقاً وزفيراً، وإذا اشتهيت شيئاً من نعيمها، تدنت لك أغصان الجنة: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:23]، تتدنى للمؤمنين: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24]. كان الناس يسهرون على الأفلام والمسلسلات، وكان أهل الجنة يراوحون الأقدام قيام الليل أُنساً بالله جل وعلا، كان الناس يسهرون في الورق والعبث، وكان أهل الجنة يقلبون كلام الله جل وعلا في كتابه الكريم، ويتدبرون آياته، كان الناس ضاحكين غافلين مسرفين، أما أهل الجنة فكانوا خاشعين خائفين مخبتين: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24].

أعد الصحابة العدة ففازوا في النزال

أعد الصحابة العدة ففازوا في النزال هذه الجنة يا عباد الله! كفى كذباً على أنفسنا نقول: إننا عملنا عملاً مناسباً لكي ننالها؛ لأنه لا يدخل أحدٌ جنة الله إلا برحمته، ولا ينال أحدٌ جنة الله إلا بمغفرة الله، قال صلى الله عليه وسلم: (إنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته) رسول الله الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أول من ينشق عنه القبر، صاحب المقام المشهود، واللواء المحمود، والحوض المورود، أول من يمسك بحلق أبواب الجنة، فيقول: (من؟ فيقول: محمد، فيقول: لكَ أُمرت أن أفتح أدخل يا محمد). هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ولا أنا -لا أدخل الجنة- إلا أن يتغمدني الله برحمته) فيا أيها الأحبة في الله! مع هذا الوصف لجنات الله جل وعلا، والقرآن مليءٌ بذكر وصف الجنة، هل أعددنا لها عملاً؟! من سار أدلج، ومن أدلج بلغ المنزلة، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة. ويوم أن عرف الصحابة رضوان الله عليهم ثمن هذه الجنة، وعظم ثمنها ومنزلتها وما فيها من النعيم، أعدوا لها عدةً وتحملوا البلاء لوجه الله، ثم لأجل نوالها، والفوز بها، إننا ما عبدنا الله إلا طمعاً في ثوابه، وخوفاً من عقابه، هكذا عبده الأنبياء قبلنا، {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. هذه الجنة يا عباد الله! لأجل ما فيها من رضا الله، ولما فيها من النعيم، تحمل النبي صلى الله عليه وسلم ألوان العذاب، والأذى النفسي والعملي، وتحمل الصحابة رضوان الله عليهم كذلك، ولسنا بصدد التفصيل فيما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من وضع الشوك في طريقه، ووضع سلى الجزور وخلاص الناقة بعد ولادتها على ظهره، وطرده من مكة هائماً على وجهه! ووقوف أهل الطائف له سماطين يرجمونه بالحجارة! حتى أدميت قدماه. وتمالأت قريش في دار الندوة ليثبتوه أو يقتلوه ويمكرون ويمكر الله، ثم كذلك ما لقيه الصحابة، فقد جاء خباب بن الأرت، فكشف ظهره للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي ظهره من كي الحديد، (يا رسول الله: ألا تستغفر لنا، ألا تدعوا الله لنا) مما يلقون من العذاب، ويصبرون عليه طمعاً في رضا الله وجنته فيقول صلى الله عليه وسلم: (لقد كان الرجل فيمن كان قبلكم يؤتى به، فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، وينشر بالمنشار من مفرق رأسه إلى قدمه، ما يصده ذلك عن دينه). ويجيء الصحابي في المدينة: (يا رسول الله! متى نأمن؟ أحدنا لا يبول إلا وسلاحه على كتفه، ولا ينام إلا وسلاحه تحت وسادته، فيقول صلى الله عليه وسلم: إنكم قومٌ تستعجلون، والله ليتمن الله هذا الأمر، وليظهرن الله هذا الدين، حتى يسير الراكب إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه). أيها الأحبة! أحد الصحابة من رجالات الدولة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعث مفاوضاً إلى الروم فجيء به وقيل له تنصر واترك دينك، قال: ما أنا بمتنصرٍ ولا بتاركٍ ديني، فقالوا له: نعطيك نصف هذا الملك، واترك دينك، وتنصر؟ فقال: لا، قيل: إن لم تفعل لنعذبنك، فقال: لا، فأمر ذلك الملك بأن تضرم النار العظيمة، وتنصب القدور العظيمة، ويوضع فيها الماء والزيت، حتى إذا صار يغلي، جيء بالصحابي رضي الله عنه، ووقف به أمام هذه القدر التي تغلي ليلقى به فيها، فلما رفع ليرمى به بكى رضي الله عنه، فأنزلوه وعادوا به إلى الملك، قالوا: هل تترك دينك؟ قال: لا والله، قال: إذاً لماذا بكيت؟ قال: علمتُ أن ميتتي هذه شهادةٌ في سبيل الله أنال بها الجنة، فتمنيتُ أن لي مائة نفسٍ تموت هذه الميتة!! لقد عرفوا الله، وعرفوا نعيمه، فطلبوه، وبذلوا النفس والمال رخيصاً في لقاء ذلك وفي سبيل ذلك. عباد الله! يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسرِ الأثمانِ هل منكم من يُصَدُّ عن دينه؟! هل منكم من يُعَذَّب على دينه؟! هل منكم من يُفْتَن في دينه؟! عباد الله! جنةٌ عرضها السماوات والأرض، تنالها بأدنى قليلٍ من العمل، وبأكبر كبيرٍ من العمل إذا كان خالصاً لوجه الله ثواباً على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما الذي يردنا أن نتنافس في هذه الجنة؟! شمسٌ تزف إلى ضرير مقعدٍ يا محنة الحسناء بالعميان نعيم الجنة يوصف لقلوب غافلةٍ ميتة، أسأل الله أن يوقظ قلوبنا من نومة الغفلات، وأن يرزقنا التوبة الصادقة والاستعداد للقائه، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تستمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

هل عملنا لأخرانا كدنيانا؟

هل عملنا لأخرانا كدنيانا؟ الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلاله، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أحبتي في الله! تعلمون أن الجنة تريد منا عملاً، فما هو العمل الذي قدمناه لها؟! إن واقعنا يشهد بالغفلات والتقصير والتفريط، ولكن الذي يطمع في الجنة، يحرص أن يبذل في هذه الدنيا عملاً خالصاً مباركاً يرجو به رحمة الله وجنته، ويحرص مع هذا أن يبقى العمل مستمراً بعد موته، إن أناساً الآن في قبورهم وفي لحودهم، لكن ملائكة الحسنات لا زالت تكتب حسناتهم! وإن أناساً أمواتاً في لحودهم وفي قبورهم، لكن ملائكة السيئات لا زالت تكتب سيئاتهم! فيا عباد الله! ما دمنا نريد الجنة والعتق من النار، لا بد أن نجتهد في هذه الدنيا، وأن نبقي عملاً ينفعنا ويمضي لنا، ولو بعد موتنا، ولو بعد أن نلقى في لحودنا وقبورنا. أيها الأحبة في الله! كل موظفٍ في الخدمة المدنية لو قيل له: إن راتبك التقاعدي سيقطع، إن النسبة التي تؤخذ من راتبك من أجل صرف التقاعد لك بعد انتهاء المدة أو تصرف لك عند حدوث ما يعيقك من العمل، أو تصرف لأولادك بعد موتك، لو قيل له هذا الكلام لزمجر وبعث البرقيات يريدُ أن يمضي الراتب ولو بعد إحالته إلى التقاعد ولو بعد أن تصيبه مصيبةٌ قد تعيقه من العمل، أو بعد موته يصرف راتبه تقاعداً لأولاده! نحن أيها الإخوة! ينبغي أنت نكون أشد فطنةً لأمور آخرتنا من أمور دنيانا، نحن نريد حسناتٍ في التقاعد، نريد حسناتٍ وثواباً بعد انتهاء مدة الحياة، نريد مزيداً من الحسنات تكتب لنا ونحنُ في قبورنا، يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقةٍ جارية، أو ولدٍ صالح يدعو له). فمن منا ورث علماً أو ترك علماً؟! من منا اعتنى بتربية ولدٍ صالحٍ لعل الله أن ينقذه من النار بسبب دعائه؟! يؤتى يوم القيامة بعبدٍ من عباد الله، في منزلةٍ من منازل الجنة، يقول: ربي كيف نلتُ هذا؟! من أين لي هذا؟! يعلمُ أنه ما قدم عملاً كفئاً لهذه الدرجة، فيقال: بفضل دعاء ولدك الصالح لك!! أو صدقةٍ جاريةٍ يا عباد الله! اعلموا أيها الأحبة! أن الذي يموتُ مرابطاً في سبيل الله، يجرى عليه عمله إلى أن تقوم الساعة، إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من هذه الثلاثة، وكذلك المرابط في سبيل الله، من مات في الرباط أجري عليه عمله، وأمن من فتان القبر.

بشرى إلى الدعاة

بشرى إلى الدعاة أيها الأحبة! بشرى أزفها إلى الدعاة إلى الله، إنهم لمن الذين برحمةٍ من الله وفضلٍ، من الذين تمضي لهم الحسنات والدرجات، وهم في قبورهم بعد موتهم. ألسنا منذُ سنين طويلة ندرس كتب التوحيد والعقيدة النقية، لإمام الدعوة/ محمد بن عبد الوهاب، نور الله قبره وجمعنا به في الجنة؟ هذا بفضل دعوته وفضل علمه وعقيدته، ألسنا نقرأ في صحيح البخاري ومسلم، وكتب ابن تيمية وابن قيم الجوزية، وكم نفع الله بها خلقاً كثيراً؟ إن ذلك لمما يوضع في موازين أعمالهم، فأنت يا أخي تقدم على دارٍ ليس فيها إلا الحساب ولا عمل، فاحرص في هذه الدنيا، أن تبذل عملاً تمضي حسناته ولو بعد موتك، ادعُ إلى الله؟ ادعُ إلى سبيل ربك، (من دعا إلى هدى فله أجره، وأجور من عمل به، إلى يوم القيامة) لو سألتُ أحدكم عساك بخير؟ نعم بخير عندي أربع فلل، وعشرة دكاكين، وكذا من الأسهم، فأسأل واحداً من طلاب الآخرة، عساك بخير، هل أعددت لما بعد تقاعدك من هذه الدنيا؟ يقول: نعم، هدى الله على يديَّ عشرةً من الضلالة،، هدى الله على يديّ خمسةً من الفساق، آمن على يدي عشرةٌ من الكفار، أين الذي يقول هذا؟! اعلم أن هذا هو رصيد الآخرة، أن تترك علماً، أو ولداً صالحاً، أو صدقةً جارية، أو تموت مرابطاً، أو أن يهدي الله على يديك عاقاً فينقلب إلى البر، قاطعاً فيعود إلى الصلة، فاسقاً فيهديه الله بفضل دعوتك، فاجراً فيتوب إلى الله بفضل دعوتك، من الذي يتاجر بهذه الدعوة؟! التجارة مع الله رابحة، التجارة مع الله رابحة، لا خطر فيها بالخسارة أبداً، من دعا إلى هدىً فله أجره، أنت دعوت هذا فهداه الله على يدك، كان لا يصلي فأصبح من المصلين، كان زانياً فتاب إلى الله، كان مرابياً فأقلع عن ذلك، ثم حسن التزامه واستقام، ثم هدى الله على يدي هذا الآخر شخصاً آخر غيره، وعلى يدي الثاني ثالثاً، وعلى يدي الثالث رابعاً، ثم تأتي يوم القيامة وفي موازين أعمالك حسناتٌ بعدد أعمال عشرةٍ من عباد الله!! بماذا؟ بفضل الدعوة إلى الله، ادعُ إلى الله، (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) يا طلبة العلم! يا شباب الإسلام! كثيرٌ منَّا قد آثر الصلاح والاستقامة على نفسه، وليس له دورٌ في إصلاح مجتمعه والدعوة إلى الله، فأين التجارة مع الله بالدعوة إلى دينه؟! أين التجارة مع الله بهداية الناس إلى سبيله؟! أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أولئك. وفي المقابل يا عباد الله! عبدٌ من عباد الله يموت؛ لعله ترك شراً، نعم. لقد ترك خمسين ألف شريط من الفيديو، اشتراها الناس من محله، والذين اشتروها دفعوها لغيرهم، فضل أقوامٌ وضل بفعلهم أقوامٌ آخرون، ويوم القيامة يحملون أوزارهم وأوزاراً مع أوزارهم إلى يوم القيامة، ليس هذا من عندنا ومن كيسنا! بل من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله: (ومن دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقصُ من أوزارهم شيئاً) فيا خيبة المفرطين! الذين اتجروا بالأفلام والأشرطة والغناء! يا خيبة الذين ورثوا فناً أو أفلاماً، أو مسلسلاتٍ أو ما يسمى بنشاط فني! يأتون يوم القيامة، وأحدهم يجر نفسه، عاجزٌ عن أن يجر ذنوبه معه، فإذ به يحمل عليه أوزار أقوامٍ قد ضلوا بسبب بيعه ونشره للفساد، فنسأل الله أن يوقظ بصائرنا، وأن يهدي بصيرتنا، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نبوء لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا ميتاً إلا رحمته، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا. اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه، على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم قرب لهم من علمت فيه خيراً لهم ولأمتهم، وأبعد عنهم من عملت فيه شراً لهم ولأمتهم، اللهم سدد خطاهم على ما يرضيك، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، اللهم اهدهم بهدايتك، اللهم أصلح مضغ قلوبهم، اللهم أصلح جلساءهم، اللهم أصلح بطانتهم بمنك ورحمتك يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين، وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت؛ أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم إن بالأرض والعباد والبهائم من الجهد واللأواء ما لا يعلمه إلا أنت، اللهم أنزل علينا بركاتٍ من السماء، وأنبت لنا بركات الأرض تدر لنا به الضرع، وتنبت لنا به الزرع، اللهم أغثنا، اللهم لا تحجبه بذنوبنا، اللهم لا تحجبه بذنوبنا، اللهم لا سبيل لنا إلا ما أنزلت إلا بمنك وكرمك، اللهم نبرأ من آلاتنا وأجهزتنا وحولنا وقوتنا لا نصل إلى هذا الماء إلا بأمرك وقدرتك، اللهم لو شئت لجعلته غوراً: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:30]. اللهم ائتنا به، اللهم ائتنا به، اللهم ائتنا به، اللهم اسقنا وأغثنا يا رب العالمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الاستهزاء بالدين

الاستهزاء بالدين إن التساهل في العبادات والكلام والألفاظ الذي يصل إلى حد الهزل والمزاح الذي لا يليق؛ قد يحدو بصاحبه إلى الاستهزاء بسمات إسلامية، وآيات قرآنية وأحاديث نبوية، فيخرج من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر، بسبب ذلك المزاح وتلك السخرية، وفي هذه المادة تتعرفون على حكم الاستهزاء بالدين ومظاهره وعواقبه.

عاقبة الاستهزاء بالدين

عاقبة الاستهزاء بالدين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين، وهي وصية الله للناس أجمعين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. عباد الله: إن بعض المسلمين -منَّ الله علينا وعليهم بالهداية والثبات- ليتساهلون في عبارات كلامهم، وما يتلفظون به تساهلاً يصل بالكثير منهم إلى حد الهزل الدائم، والمزاح الذي لا يليق، وقد يحدوهم إلى ذلك حب السخرية، والاستهزاء، وتنقُّص الآخرين، ولو أدى ذلك إلى السخرية بسماتٍ إسلامية، وآياتٍ قرآنية، وأحاديثَ نبوية، ولا شك أن هذا النوع -خاصة- يجر صاحبه إلى الهلاك، ويخرجه من الإسلام، ويجعله في عداد الكافرين، جزاء ما هزل، وسخر به من ذكر الله، أو القرآن، أو الرسول. قال أحد أئمة الدعوة، وهو الشيخ/ سليمان في شرحه على كتاب التوحيد لجده/ محمد بن عبد الوهاب، قدَّس الله أرواح الجميع في الجنان، قال: إن من هزل بشيء فيه ذكر الله، أو القرآن، أو الرسول فإنه يكفر بذلك؛ لاستخفافه بجناب الربوبية والرسالة، وذلك منافٍ للتوحيد. ولهذا أجمع العلماء على كفر من فعل شيئاً من ذلك، فمن استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدينه، كفر ولو كان هازلاً لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعاً. فانظروا -يا عباد الله- إلى أي مدى يجني المجترئ العابث بالكلام، يُلقيه على عادته، من غير وزن أو تمحيص؛ ليكون بكلمة يلقيها في حال لهوٍ وعبث؛ ليكون بتلك الكلمة من الكافرين، بعد أن كان من المؤمنين، وقد يكون ذلك مصداقاً للحديث الذي جاء في شأن الفتن التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه قائلاً: (إنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل) وليس من شرط هذه الفتن على كل حال، ليس من شرطها أن يكون فيها نيران وحروب على الإطلاق، بل قد يكون منها ما يفتن الإنسان ولو بالكلام والحديث، ويجعله يتجاوز حد المشروع إلى ما يخرجه من الإسلام، وحسبكم بالكفر فتنة: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:217] وقد يدعوه إلى ذلك عَرَضٌ من المال، أو متاع الدنيا ليقلد، أو ليسخر، أو ليستهزئ؛ قاصداً جلب الضحك للآخرين، وإن كان لم يرد الاستهزاء قصداً إليه. فويل ثم ويل لمضحك القوم على سبيلٍ يتعلق بالاستهزاء والهزل فيما هو من ذكر الله، أو كتابه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ولنتذكر الحديث النبوي الشريف دائماً، والذي فيه: (إن الرجل ليقول الكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً من سخط الله عليه).

قصة المنافقين في غزوة تبوك

قصة المنافقين في غزوة تبوك يقول الله جلَّ وعَلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (إن رجلاً في غزوة تبوك قال: ما رأينا مثل قُرَّائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألْسُناً، ولا أجبن عند اللقاء -يعني بذلك: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابَه القُرَّاء- فقال له عوف بن مالك: كذبتَ يا عدو الله! ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن والوحي قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) -جاء ذلك الرجل الذي استهزأ وقال ما قال، جاء إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم- (وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب، ونتحدث حديث الركب، نقطع به عناء الطريق، قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله -أي: بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم- وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: يا رسول الله! {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65]، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة:65] ما يلتفت إليه، وما يزيد على قوله). فتأملوا هذا الأثر العظيم، وانظروا إلى عواقب الهزل بآيات الله وذكره ورسوله.

عظم وفداحة الاستهزاء بجناب الربوبية

عظم وفداحة الاستهزاء بجناب الربوبية أما إذا كان الهزل بشيء يصل إلى جناب الربوبية والذات الإلهية، فيا ويل فاعله من الله! ويا مصيبته وحسرته يوم يلقاه! ومن ذا يتطاول على من لا يليق له إلا الثناء عليه بما هو أهله، وتسبيحه وتنزيهه عما لا يليق به؟! ومن ذا يتجرأ على مولاه الذي من العدم أنشأه، وإلى الإسلام هداه، ومن كل خير سخر له وأطعمه وسقاه، ومن كل سوء ومكروه سلمه وعافاه؟! من ذا يتجرأ على رب غفور رحيم كريم؟! فما أحلم الله على عباده! ما أحلم الله على خلقه! سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك! سبحانك ربنا ما شكرناك حق شكرك! سبحانك ربنا لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك! سبحانك ربنا لا نعد نعمك، ولا نحصيها! فسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه غفور رحيم.

الاستهزاء بمظاهر الاستقامة والالتزام

الاستهزاء بمظاهر الاستقامة والالتزام الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ الحمد لله له على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه، وعن الندِّ، وعن المثيل، وعن النظير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] كل ذلك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله في كل صغير وكبير، وفي كل قول وفعل، اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. معاشر المسلمين: الزموا جماعة المسلمين، ومن ذلك: أن تشهدوا الصلوات معهم في المساجد جماعة، الزموا جماعة المسلمين، وصلوا الصلوات الخمس في المساجد معهم جماعة. عباد الله: إن كثيراً من الشباب وغيرهم -هداهم الله، ومنَّ عليهم بالتوبة الصادقة النصوح- ليقعون فيما ذكرناه آنفاً، ليقعون فيه على سبيل السخرية والاستهزاء، وقد لا يرون أنهم وقعوا فيه مباشرة، وإنما وقعوا فيه تسبباً وبما يفضي إليه. فالبعض مَن إذا رأى مسلماً كريماً متبعاً للسنة، موفراً للحيته، أخذ يستهتر بهذه اللحية، ويشبهها بما تنظَّف به الأرض، أو يشبهه بفلان أو علان، أو يشبهه بما لا يليق به. ومنهم من إذا رأى شاباً قد اتبع السنة في ثوبه أو في ملابسه أخذ يستهزئ به استهزاءً لا يليق بمسلم ولا يليق بمن قاله. ومنهم إذا رأى امرأة متحجبة قد سترت وجهها، وغطت يديها بقفازَين، أَخَذَتْ تقول -أَخَذَ أو أَخَذَتْ- تستهزئ بها في كلام لا يليق. ألا وإن هذا مما يفضي إلى الكفر والشرك عياذاً بالله. وأولئك الذين يستهزئون باللحى! أيستهزئون بالصانع أم يستهزئون بالصنعة؟! هل يعيبون الخِلْقة أم يعيبون المخلوق؟! نسأل الله جلَّ وعَلا ألا نقع في مثل هذا. وإنه لينبغي لكل مسلم أن يحذر من الحديث ولو على سبيل المزاح والضحك، بشيء يتطرق إلى السنة، أو إلى كلام الله، أو كلام رسوله، أو إلى ما هو من سلوك شاب مسلم مستقيم. إننا سمعنا كثيراً من بعض الناس حينما يرون شاباً مستقيماً متديناً بعضهم يسميه: مُطَوِّعاً، وبعضهم يسميه: مُتَشَدِّداً، وبعضهم يسميه: مُعَقَّداً، وإذا كان اتباع الإسلام والتمسك بالسنة تشدُّداً وتعقيداً فلا خير فيمن يقول ذلك، وإذا كان التمسك بالسنة في نظر أولئك العابثين الهازلين شيء من الحَجْر والانغلاق فإن هذا لأمر نتشرف به ما دام ثابتًا من كتاب ربنا، ومن سنة نبينا، وما فقهه السلف الصالح من علماء المسلمين. معاشر المسلمين: الله َ الله َ معاشر الشباب! الحذر الحذر من الاستهزاء بشيء من الدين! نسأل الله جلَّ وعَلا أن يعافينا وإياكم من ذلك، وألا يوقعنا في ذلك، وإن الإنسان كما سمعتم في الحديث: (لَيَهْوِي بالكلمة لا يُلقِي لها بالاً، تَهْوِي به في النار سبعين خريفاً) نسأل الله جلَّ وعَلا العافية من ذلك. واعلموا أن عليكم ملائكة: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار:10 - 11] فلا تتساهلوا بقليل القول أو كثيره، أو صغيره أو كبيره: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]. نسأل الله جلَّ وعَلا أن يتجاوز عنا سيئاتنا. ونسأله جلَّ وعَلا أن يغفر لنا، وأن يهدينا، وأن يمنَّ على جميع المسلمين بالهداية والثبات. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وأبطِل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم من أراد بشباب الإسلام سوءاً، وأراد بولاة أمورهم فتنة، وأراد بعلمائهم مكيدة، وأراد بنسائهم تبرجاً وسفوراً، اللهم فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، يا سميع الدعاء! اللهم افضحه على رءوس الخلائق. اللهم أذهِب سمعه وبصره وعقله. اللهم مزِّق شمله. اللهم فرِّق جمعه. اللهم لا تبقِ ممن أراد بنا سوءاً أحداً. اللهم مزِّقهم بدداًَ، وأهلكهم من على الأرض منهم جميعاً، يا رب العالمين! اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هَمَّاًَ إلا فرَّجته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره. اللهم يا فرج المكروبين، يا نصير المستضعفين، يا إله الأولين والآخرين، اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمنا، ومن كل فتنة عصمة، برحمتك يا رحمان يا رحيم، يا قيوم السماوات والأرض! اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وعافهم، واعفُ عنهم، وأكرِم نُزُلهم، ووسِّع مُدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقِّهم من الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله آجالنا، واقرن بالعافية غدوَّنا وآصالَنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم إنا خلقٌ من خلقك، وعبيدٌ من عبيدك، فلا تحرمنا فضلك بمعاصينا، ولا تطردنا عن رحمتك بذنوبنا، فمهما عَظُمَت ذنوبُنا فإن رحمتك أكبر، ومهما كثرت معاصينا فإن فضلك أكثر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام! عباد الله: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وزِد وبارك على نبيك محمد، وعلى آله وصحبه، وسلِّم تسليماً كثيراً. وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنِّك وكرمك، يا أرحم الراحمين. عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم؛ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

الامتحانات المدرسية

الامتحانات المدرسية الامتحانات الدراسية بوابة لكل الطلاب، يحددون بها مدى تفوقهم على مدى عام دراسي كامل. وفي هذه الخطبة تناول الشيخ موضوع الامتحانات مركزاً على أهميتها مع ذكر بعض الوصايا المهمة للطلاب والمدرسين والآباء والأمهات.

وقفات مع الامتحانات الدراسية

وقفات مع الامتحانات الدراسية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل، وعن الند والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على مثل البيضاء؛ ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى. معاشر المؤمنين: في هذه الأيام يستقبل شباب هذه الأمة المباركة بجميع مستوياتهم وتخصصاتهم العلمية والمهنية موسماً يستدعي تحصيلاً مثمراً، ليخوضوا غمار الامتحانات غداً، وكل منا أيها المسلمون ينبغي أن يقف وقفة لا بد منها أمام هذه الامتحانات ليرسم لنفسه خطوطاً عريضة تهديه إلى الهدف من تلك الدراسة، وتبين السبيل إلى النجاح فيها إن كان دارساً أو طالباً، وكل واحد منا -يا عباد الله- لا بد أن يكون مدرساً أو متعلماً أو دارساً متعلماً، أو أباً لأولاد متعلمين أو شخصاً له علاقة بمعلم أو بمتعلم. فأما بالنسبة للطالب الذي يبذل قصارى جهده في هذه الأيام، فينبغي له أن يعي أموراً عديدة من أهمها: أن يخلص النية لوجه الله جل وعلا في دراسته التي سيتقدم الامتحان فيها، وأن يجعل قصده رضا الله سبحانه وتعالى، وذلك لأنه إذا كان بدراسته مستحضراً أمامه الوعد الجزيل الذي رفع الله به المتعلمين في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، حيث يقول جل وعلا في محكم كتابه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] ويقول الله سبحانه وتعالى -أيضاً-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يطلب به علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) هذا إذا كان من طلبة العلوم الشرعية التي بها حياة الأرواح والأبدان وصلاح المجتمعات والأمم. وإن كان من طلبة العلوم الأخرى؛ فعليه أن ينصب أمام عينه حاجة المسلمين إلى علمه هذا، وتعليم ذلك لأبنائهم، وأنه ينبغي للمسلمين ألا يبقوا عالة على غيرهم في تلك المجالات، وأن ذلك الطالب يقوم بأحد فروض الكافية التي يأثم المسلمون بإجماعهم على تركها والتهاون بها، ويرتفع الإثم عنهم إذا قام بها فرد أو طائفة منهم، وإن كنا نلاحظ في هذه الأيام حرص المجتمع وعنايته بهذا الموسم، فالشاب تراه مكباً على الدراسة، والأب لا يألو جهداً في التشجيع والوعود الجزيلة بعد النجاح، والأم لا تدخر وسعاً في توفير اللازم وتأمين الراحة لابنها، وفي إعداد ما يلزمه من مأكل ومشرب وترتيب دقيق لمواعيد النوم والاستيقاظ، فتراها توقظه في الصباح الباكر وقد أعدت له كل ما يحتاج إليه، وقد اعتنت بمواعيد مذاكرته ومراجعته. ثم الأب يقوم بنقل ابنه إلى المدرسة وإلى مقر الامتحان، وكل هذه جهود مشكورة للآباء والأمهات، ودليل لا شك على صدقهم وعلى عمق المحبة التي يكنونها لأولادهم وبناتهم، ولكن أمام هذا كله نطرح سؤالاً وهو: هل نرى هذه العناية بالأبناء والبنات في جميع مواسم السنة الحافلة بالخيرات والأجور الجزيلة؟ هل نرى هذا الاهتمام بالأبناء والبنات في أمرهم بالصلوات والحض على المحافظة عليها جماعة، ونهيهم عن المحرمات، ومراقبة جلسائهم وخلطائهم؟ وليسأل الطالب نفسه -أيضاً- وليفسر اهتمامه البالغ بالامتحانات دون غيرها من مواسم العبادات. واعلموا -يا عباد الله- وخاصة أنتم أيها الشباب المندرجون في مراتب الدراسة أو على أبواب التخرج منها، تذكروا أن شهاداتكم التي تحملونها، تذكروا أنها تأهيل علمي ليؤتمن الفرد بها على أمانة الأمة والمجتمع، وليكون كفؤاً قادراً على خدمة أبناء أمته وإخوانه المسلمين، وتذكروا أن الشهادة والوثيقة ليست هي العلم كله بل هي أبواب العلوم ومفاتيح المعارف، فليحرص كل واحد منا على مواصلة الاطلاع وطلب العلم، فلا تكن الشهادات الدراسية هي أكبر همنا أو مبلغ علمنا، فإن كنا كذلك؛ فقد خبنا وخسرنا. أنت أيها الشاب المجتهد في دراستك: إن نويت بها دفع الجهل بها عن نفسك، وجلب نور العلم إليها، وخدمة أمتك، ونفع إخوانك المسلمين بما علمك الله، ووفقك له من علم حصلت عليه من دراستك؛ فأنت بهذا ممن أحسنوا النية والعمل، فيبارك الله لك فيما عملت وفي علمك، ويبارك لك في علمك بعد عملك، ويقنعك الله بما رزقك، وتنال بذلك خيري الدنيا والآخرة. وأما إن كانت الشهادة والوظيفة وما ينجم عنها من مكافئة أو جائزة هي غاية الهم والدراسة، فأنت بذلك ضيعت على نفسك أجر النية العظيمة طيلة حياتك الدراسية، ولن تؤتى إلا ما قسم الله لك من الرزق، فبالنية تنقلب العادات والتكاليف إلى عبادات، وبالنية الصالحة تكتب دراستك في موازين أعمالك وترجو بها أجراً عند الله، وبصرف النية إلى قصد الدنيا وابتغاء حطامها لا تنال إلا التعب والحسرة، وإن واصلت الدراسة، فلن يأتيك إلا ما قُسم لك، ولا تدري هل يبارك لك فيه أم لا، وهل تقتنع بما رزقته أم لا. فعلينا -معاشر المؤمنين- وعليكم معاشر الشباب أن تحسنوا القصد والنية في جميع الأحوال، أحسنوا القصد في الدراسة تنالوا بذلك خيراً عظيماً، ولو قلبتم النظر ­-أيها الإخوة في الله- في أصناف الدارسين لوجدتم القاصدين بذلك وجه الله، والذين يقصدون نفع الأمة وتعليم الجهلة، والدعوة إلى الله، تجدونهم مستقيمين في حياتهم، جادين فيها، غير معتمدين على أحد سوى الله. أما أولئك الذين يطمحون إلى المكافأة والجائزة وحدها، أو المكانة المرموقة والشهرة الاجتماعية، فتجدونهم لا يبالون باستخدام أي وسيلة تؤدي بهم إلى ما يريدونه من نيل الوثيقة والشهادة، وترى بعضهم يفعل الأعاجيب في سلوك سبل الغش والتزوير في الامتحانات، وقد نسي أنه بهذا يخدع نفسه وأمته في المستقبل وهو لا يدري، وقد يعرض نفسه للحرمان من الدراسة عقوبة له على سلوك ذلك السبيل المنحرف. أسأل الله جل وعلا أن يوفق شبابنا، وأن يفتح على بصائر قلوبهم، وأن يعلمهم ما جهلوا، وأن يذكرهم ما نسوا، وألا يخيب جهدهم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

عاقبة سوء التربية

عاقبة سوء التربية الحمد لله منشئ السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، وخالق خلقه من تراب، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، عليه توكلت وإليه مآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله على جماعة المسلمين، ومن شذ شذ في النار. معاشر المؤمنين: كلنا يعلم فضل العلم وطلبه، وقصد الله سبحانه وتعالى فيه، وأهمية العمل به وتعليمه للناس، والصبر على الأذى فيه، وعلمنا -أيضاً- عقوبة الذين يريدون بذلك أغراض الدنيا وشهواتها الخسيسة، وهم غافلون عن العمل به وتعليمه لمن يجهله، إذ أن من علم علماً ثم خالفه، فهو متوعد عليه بأشد العذاب عياذاً بالله من ذلك. إذا علمنا ذلك كله؛ فعلينا أن نحسن تربية الأبناء، وأن نعلمهم الهدف والقصد والغاية من تعليمهم، أما أن نقول للواحد منهم: غداً تصبح مديراً تملك بناية فخمة، أو سيارة كبيرة، وكذا وكذا ونعلق آمالهم على الشهوات الفانية والحطام الزائل، فذلك ظلم لهم في تربيتهم، وجهل منا إن نحن دعوناهم للعلم والدراسة لأجل ذلك. معاشر المؤمنين: إن الأبناء إن شبوا على ذلك لم يبالوا بما ارتكبوا في سبيل نيل الشهادة والحصول على الوظيفة بأي أسلوب كان، بغش أو رشوة أو تزوير أو خيانة؛ لأن المربي علق هذه الآمال العريضة في قلب الابن وعقله، ونحن لا نستغرب يوماً أن نسمع عن شاب يبتعث للغرب ليتعلم علوماً نادرة ينفع بها الأمة، لا يلبث أن يطلب الجنسية الغربية، وينسى أمته خلف ظهره؛ لأن المال والجاه والثروة قد حصلت له، فلا داعي لأن يجهد نفسه أكثر من ذلك. ومما يؤسف له أن كثيراً من شباب العالم الإسلامي ممن يفضلون بعض الخبرات في دول الغرب في شتى مجالات الطب والهندسة، والفيزياء والذرة والأسلحة النووية وغيرها؛ نلاحظ أن كثيراً منهم في بلاد الغرب، أليست أمة الإسلام هي أولى بأبنائها وفلذات أكبادها؟ نعم، هي أولى ولكن لا يجنى من الشوك العنب، فمن أنشأ الطفل ورباه في مراحل تعليمه على نيل الحطام الفاني، والحطام الزائل من الدنيا ومراتبها؛ فإنه لا يعجب من هذه النهاية السيئة. وأنتم أيها الآباء والأمهات يوم أن تربوا جيلاً متعلماً، يقصد بعلمه وجه الله ونفع الأمة وسد حاجتها عن وجوه الكفرة وغيرهم، إنما تغرسون في نفوسهم العزة والكرامة، فلا يلينون لأي دعوة تستهويهم بالمال والجاه والمنصب لأجل الاستفادة من خبراتهم بعيداً عن بلادهم وأمتهم، وبئست الرعية رعية لا تتعلم إلا لمصالحها الخاصة من وراء الوظائف التي تعمل بها، ولكن لو انخفضت مرتبات أمة من الأمم أو احتاجت في يوم من الأيام؛ فهل سيتراجع أبناؤها عن القيام بمصالح الأمة والبلاد؟ نعوذ بالله من ذلك. وإننا لنعجب كل العجب يوم أن نقرأ عن سيرة مشايخ الدعوة وعلمائها في مختلف أنحاء هذه المملكة الطيبة، كان الواحد منهم يعلم العامة، ويجلس للقضاء، ويقضي حاجات المعوزين من دون أن يأخذ أجراً ولا جزاءً ولا شكوراً سوى ما عند الله جل وعلا، وأنعم بذلك من جزاء.

وصايا متعلقة بالامتحانات

وصايا متعلقة بالامتحانات مما ينبغي أن ننتبه له في هذا الموسم المؤدي إلى الامتحانات والمذاكرة هو أن نبعد فكرة الغش في الامتحانات عن أذهان الأبناء؛ لأن ذلك ارتكاب لمحرم، والغش بجميع أنواعه ممنوع في الإسلام، فإذا كان ممنوعاً في المعاملات فمن باب أولى أن يمنع في العلوم عامة، وعلوم الشريعة واللغة خاصة. أسأل الله أن يلهمنا وأبناءنا وبناتنا التوفيق إلى العلم النافع، والسداد في الإجابات في الامتحانات. اعلموا أيها المربون المدرسون! أن عليكم مسئولية عظيمة في طمأنة قلوب الطلبة حال الامتحانات وقبلها، ولا تجعلوا الامتحانات شبحاً يخيف الطلاب، بل اجعلوه أسهل شيء عندهم بكل ما تملكونه من الوسائل التربوية الناجحة. على المدرس أن يساعد الطالب في أداء الامتحان بتوضيح المطلوب من الأسئلة لا أن يطرحها مبهمة، لا يعرف الطالب كيف يبدأ مفتاح الإجابة، والكل منا كثيراً ما يرى طالباً مندهشاً أو مرتبكاً أمام الأسئلة التي تعرض عليه، وقد يكون طالباً مجداً مجتهداً، فعلى المدرس أن يتلطف في مثل حال هذا الطالب، وأن يفتح له أبواب المطلوب من الأسئلة المطروحة، إذ إنه قد يكون حائراً لا يدري من أين يبدأ الإجابة على الرغم من مواظبته وجده واجتهاده، وأظن أن هذا من صلاحيات المدرسين ولا يعتبر من الغش في شيء. على المدرس أن يبقى باسماً لطيف الوجه أمام الطالب، لا أن يبدو عبوساً مكشراً أمام عينيه، إذ إن ذلك مما يسبب شرود المعلومات عن ذهنه. وأنت أخي الطالب استعن بالله جل وعلا واحرص على دخول الامتحان نظيفاً متوضئاً، وقبل أن تبدأ الإجابة لا تنس ذكر الله وحمده والثناء عليه، ثم صل على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واسأل ربك بدعوة نبيه موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} [طه:25 - 27] واستحضر الدعاء المعروف (يا معلم داود علمني، ويا مفهم سليمان فهمني) ثم توكل على الله، وابدأ الإجابة على الأسئلة واحداً تلو الآخر، ولا تنظر إلى جميع الأسئلة في آن واحد فترتبك أو تختلط المعلومات في ذاكرتك، بل ابدأها وكأن كل سؤال هو المطلوب وحده في الامتحان، إلا أن تكون أسئلة اختيارية، فابدأ بحل الأسهل منها متروياً ومرتباً إجابتك، وموضحاً خطك، ولا تعجل بالخروج من مكان الامتحان، وقد بقي عليك شيء لم تكمله لعدم معرفتك به، فلعل الله أن يفتح على قلبك بذكره: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:24] فلعلك أن تتذكر ما نسيته أو تستنبط ما جهلته. وفق الله شباب المسلمين وبناتهم لما فيه صلاح دينهم ودنياهم. عباد الله: هذه امتحانات يقدمها الأبناء أمام لجان بشرية، ومع هذا نرى الجهود الجبارة والمساعدة الهائلة منا لهم، وما ذاك إلا لمحبتنا لأبنائنا وبناتنا، فهل نقف معهم هذا الموقف، وهل نكون عوناً لنقي أنفسنا وإياهم ناراً وقودها الناس والحجارة؟ هل نقف معهم مذكرين لهم بموقفهم أمام الله جل وعلا يوم لا تخفى عليه خافية، ولا يستطيعون غشاً ولا خداعاً، ولا يملكون فرصة أو دوراً آخر؟ هل نذكرهم بهذا الموقف الأول والأخير الذي لا فرصة بعده تعوض، ولا أمل بعده في شيء إلا في الجنة برحمة الله أو النار عياذاً بالله من ذلك. إذا كنا نحبهم حقاً؛ فلنحرص على تربيتهم ودعوتهم بالمعروف، وتشجيعهم في كل ما ينفعهم كي نذكرهم بالامتحان الأكبر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. معاشر الشباب: أوصيكم ونفسي بكثرة الاستذكار والاستفادة من وقت الصباح بعد صلاة الفجر وفي آخر الليل؛ فإنه وقت مشهود لحفظ الأمور والمعلومات؛ ولأنها تبقى في الذاكرة ولا يكدرها شيء، واعلموا أن النوم وعاء الحفظ، فإن الإنسان إذا استذكر شيئاً ودرسه واطلعه، فإنه ينبغي عليه ألا يكدر صفو مذاكرته بمشاهدة تلفاز أو عبث أو انشغال بقصة أو قراءة لا علاقة لها بهذا الأمر؛ لأن الذاكرة تخزن آخر ما يلقى فيها، وتكون أشد استعداداً لبذله وقت طلبه حينما يستدعي الإنسان ذلك بالكتابة، فينبغي لنا -خاصة- إذا كان الكثير من شبابنا يذاكرون في الليل ألا يسهروا سهراً طويلاً، إنما يقرءون بقدر ما يستطيعون من كفايتهم، ثم بعد ذلك يتوجهون إلى فراشهم، ولا يجعلون بعد مذاكرتهم شيئاً من مشاهدة التلفاز أو العبث بشيء من الألعاب والملهيات. أسأل الله جل وعلا أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، أسأل الله أن يوفقهم وألا يخيب تعبهم، وأن يذكرهم ما نسوا، وأن يعلمهم ما ينفعهم، اللهم انفع بهم أمتهم، اللهم انفع بهم أمتهم، اللهم اجعلهم أبناء بررة لأمتهم ولعلمائهم وولاة أمورهم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بهؤلاء الشباب وبهؤلاء الفتيات ومن أراد بالجميع سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمامنا، وأصلح إمامنا، ووفق إمامنا، وارزقه بطانة صالحة، واجمع شمله بمن أحببته وأحبه، ولا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا حيران إلا دللته، ولا ميتاً إلا رحمته. اللهم اختم بالشهادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى الجنة مصيرنا ومآلنا. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لنا ولموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الانتفاضة الفلسطينية

الانتفاضة الفلسطينية في هذه الخطبة يتحدث الشيخ عن أحقاد اليهود الدفينة، وعن المجازر التي ارتكبوها، وحذر المسلمين من خطر الذنوب والمعاصي وعواقبها؛ إذ أنها سبب لما نحن فيه، فهي أخطر علينا من عدونا، ونادى أبناء الأمة الإسلامية بسرعة الأوبة إلى الله.

اليهود وحقدهم الدفين

اليهود وحقدهم الدفين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: كلكم يعلم عداوة اليهود للبشرية، بل هم أعداء الأنبياء والرسل، بل هم الذين تطاولوا على جناب الربوبية الكريم الأعلى، فقالوا -ولعنوا بما قالوا-: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64]، وقالوا: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام فتعب، فاستراح في اليوم السابع، وقال الله جل وعلا وقوله أبلغ وأصدق: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:38 - 39]. ولا يخفاكم -عباد الله- أن طائفة خسيسة ملعونة تطاولت على جناب الربوبية، فلا قدر لأي جناب دون ذلك عندها، إذ لا قدر للأنبياء والرسل عندهم، فمن بابٍ أولى ألا يكون عندهم أدنى قدرٍ لبني البشرية أو لبني الإنسانية، لقد قتلوا الأنبياء والرسل: {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران:181] قتلوا أنبياء الله ورسله، وعاثوا في الأرض فساداً ودماراً، ومنذ زمن طويل وهم يسعون في الأرض تخريباً، وعلى عباد الله تسلطاً وتشريداً. وما ذاك -يا عباد الله- إلا مؤشر ودليل واضح على أن أمة الإسلام فقدت الجهاد من ميادينها، إذ لو رفعت راية التوحيد خفاقة يرفعها التكبير على أيدي شباب صادقين مخلصين، لما بقي لليهود قائمة في أي دولة أو بلاد من بلدان المسلمين، وكلكم يعلم مأساة الأمة الإسلامية ومصيبتها التي فجعت بها بقرار اليهود في قبلة المسلمين الأولى بيت المقدس الذي لا يشرع أن يشد الرحل بشيء إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي. لقد تسلطوا على إخواننا المسلمين في فلسطين، وعاثوا في هذا البيت المقدس تخريباً وتدميرا، لعلهم يجدون ما يسمونه هيكل سليمان، ويجتهد علماء الآثار عندهم في أي مستوطنة يدخلونها، أن يحفروا أعمق الأمتار في أرضها، لعلهم يجدون آثاراً تدل على وجود حضارة يهودية، ليحتجوا بذلك على قولهم: إن الأرض أرض اليهود من قبل، وليست للمسلمين، لكن خابوا وخسروا، وباءوا بالفشل المبين في فعلهم هذا.

البيت المقدس يشتكي اليهود

البيت المقدس يشتكي اليهود عباد الله: إن هذا البيت المقدس الذي هو أول قبلة للمسلمين، ليشكو ويئن بمن فيه ومن حوله من إخوانكم من أهل فلسطين، من تسلط اليهود على أطفالهم، واعتدائهم على نسائهم، وقلة احترام شيخوخة شيوخهم وكبارهم، فلم يرحموا صغيراً ولم يوقروا كبيراً، أليس ذلك دليل على أن أمة الإسلام لا زالت تغط في سبات عميق؟ جاءت إلى القائد المظفر الصالح صلاح الدين الأيوبي رسالة من بيتين فيها: يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكس كل المساجد طهرت وأنا على شرفي أدنس إن بيت المقدس -يا عباد الله- يدنس بهؤلاء الفجرة، الذين ما رعوا حرمات الله وما قدسوها، وما عرفوا قدرها، وما رعوها حق رعايتها، ولن يعرفوا لمثل هذه المقدسات قدراً ولا رعاية ولا حرمة ما داموا تطاولوا على جناب الربوبية، وعلى الأنبياء والرسل، فمن باب أولى ألا يكون لعباد الله عندهم قدر ولا كرامة. عباد الله: الانتفاضة التي تسمعون عنها في بيت المقدس وأرض فلسطين، وقد دخلت شهرها الرابع، انتفاضة نرجو من الله جل وعلا أن يسدد خطاها، وأن يصوب رصاصها في نحور اليهود، ونسأل الله جل وعلا أن يعين أهلها والقائمين عليها ليعلنوا ويرفعوا فيها علم الجهاد، وأن يقولوا بملء أفواههم: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وأن يعلنوها صريحةً أثناء انتفاضتهم ألا بقاء للشراذمة الرجس النجس في أرضهم، وألا حاكمية ولا سلطان ولا قيادة إلا لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. عند ذلك -يا عباد الله- والله لن يقف اليهود أمامهم بما أوتوا من قنابل نووية، ومدافع قاتلة، وأسلحة فتاكة، لن يقفوا أمامهم لحظات قليلة، لماذا؟ لعقيدتنا وقناعتنا وعلمنا بما جاءنا في كتاب الله سبحانه وتعالى، حيث يقول في كتابه الكريم عن اليهود: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14].

اليهود تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى

اليهود تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى معاشر المسلمين: تظنون أن دولة إسرائيل مجتمعة بقادتها وأحزابها، كلا والله، بل قول الله واقع فيهم: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14] فـ حزب العمال على ضيق ومضايقة لهم، وحزب الائتلاف نزاع السلطة قائمٌ بينهم، ومصالحهم واقتصادهم في أمور قريبة إلى حد التدني والانهيار، لشدة ما ينفقونه ويصرفونه على التسلح والسلاح والدفاع، خشية من مواجهة طائفة قليلة لهم في عشية أو ضحاها بصيحات التكبير. معاشر المسلمين: إن اليهود أمة جبن وخوف وخور وضعف، ولا يضركم أن ما لديهم من الأسلحة متقدم أو متطور، ولا يغركم ما تسنده بهم قوى الضلالة وأمم الكفر مهما كبرت وعظم سلطانها في هذا الوجود، إذ إن الله جل وعلا فوق الجميع، إذ إن الله جل وعلا الذي جعل النار محرقة، وجعل السلاح قاتلاً، وركب هذه القوانين في هذه الأمور التي خلقها وأوجدها قادر على أن يجعل النيران برداً وسلاماً، على أمة صادقة تقاتل اليهود لوجه الله، لا تبتغي إلا إعلاء كلمة الله، وسيادة حكم الله، أو الشهادة في سبيل الله. إن الله جل وعلا هو الذي خلق هذا الحديد، وأنزل فيه هذا البأس الشديد، فهو قادر على أن يجعل هذه العادة، وعلى أن يجعل هذه السنة تتخلف في حالة من الحالات كرامة لعباد الله الصادقين المجاهدين.

الخوف ليس من الأعداء بل من ذنوبنا

الخوف ليس من الأعداء بل من ذنوبنا إذاً -يا عباد الله- ليس الخوف من اليهود والأعداء، أو ممن يسند الأعداء، مهما عظم سلطانه، وكبر رقعة سلطته على المعمورة، بقدر الخوف من ذنوبنا ومعاصينا، إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم أن أرسل أحد القواد أميراً على جيش من الجيوش، قال: [اتق الله فيهم، ولا يرون منك إلا حسناً صالحاً، فإني لا أخشى على الجيش من عدوه، وإنما أخشى عليه من ذنوبه]. نعم يا عباد الله! إن الله جل وعلا هو الذي يمكن عباده، وهو الذي ييسر لهم النصر، ويقرب لهم بشائر الكرامة، لكن لمن نصر الله: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40] العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وهيهات أن تتخلف العزة إذا وُجد إيمان صادق، وجهاد مخلص لله، وابتغاء الكرامة لدين الله، أو الشهادة في سبيل الله.

إخواننا في فلسطين وحالهم أمام اليهود

إخواننا في فلسطين وحالهم أمام اليهود عباد الله: لقد تسلطت هذه الأمة الملعونة على إخواننا في فلسطين، فدفنوا مجموعة من الشباب أحياء، قادوهم إلى مكان وأخذت الرافعة تحفر قبورهم أمامهم، حتى إذا تغوروا في عمق الأرض كتفوا أيديهم إلى ظهورهم وأرجلهم مربوطة، الساق مربوط بالساق، ثم قذفوا بالواحد تلو الآخر، ثم أهالوا التراب عليه وهو حي، يصيح بملء فيه: وا إسلاماه! وا إسلاماه! وا إسلاماه! ولكن المسلمين في غفلة، وفي دعة، وفي لهو، وفي بعد عن التفكر والتذكر لما يفعل ويدبر بإخوانهم المسلمين. يا راكعين وراء البحر في دعةٍ لهم بأوطانهم عزٌ وسلطان أعندكم نبأٌ عن أمر إخوتنا فقد سرى بحديث القوم ركبان لقد سرى بهذا الحديث ركبان الإذاعات، لقد سرى بهذا الحديث جميع وكالات النشر، ولكن: رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم إن صيحات الدعاء بالإغاثة، وطلب النجدة لترتفع مدوية إلى السماء، لكنها ما خالطت قلوباً حية وملتهبة، ومشاعر وأحاسيس تهتم بشئون المسلمين، لقد سمعنا ورأينا بأعيننا في الشاشات وعبر التلفاز ماذا يفعل بهؤلاء الضعفاء، كيف تجر المرأة وتسحب سحب الشاة على وجهها، أيكرمونها إذا سحبوها؟ حاشا وكلا، بل والله أول ما يبدءون بكرامتها وعصمتها، فيهتكون حياءها، ويتجرءون عليها. وأما إذاعة أورشليم القدس الذي يظهر صوتها أحياناً، فإنك تسمع منها عجباً عجاباً، تسمع كذباً وبهتاناً وزوراً، يدعون أنهم يعاملون هذه الانتفاضة معاملة الشباب الذي يحتاج إلى رقة وعناية بمشاعره المتهورة في مراحل المراهقة، وخابوا وخسروا مادام ذلك قولهم في الله وفي رسل الله، وهذا فعلهم رأيناه بأعيننا في عباد الله وإخواننا المسلمين، فكيف يصدق لهم شأن؟! والعجب العجاب يا عباد الله! أن ترى قائدة الإلحاد في هذه المعمورة، دولة الشيوعية العظمى تشجب أو تندد بما يفعله اليهود بالعزل في فلسطين، أفلا ينظرون ما فعلوا بالعزل في أفغانستان؟ أفلا نظروا إلى ما فعلوه بالأطفال والنساء والأرامل والشيوخ؟ أفلا ينظرون إلى ما أحدثوه من التقتيل والتخريب والتدمير؟ عجباً يا عباد الله! إن المسلمين في فتنة، وفي محنة، نسأل الله أن يرفع عنهم الكرب وأن يرفع عنهم المصيبة. إن هذه الأمة الخسيسة الملعونة التي لعنت على لسان الأنبياء والرسل ما فتئت تفعل الأعاجيب تعذيباً وتشويهاً وتقتيلاً بإخوانكم في أرض فلسطين، وما هو هذا والله جزاء جنس المعاملة، لقد دخل الملك المظفر والقائد الناصر إلى أرض المقدس، فظن اليهود أنه سيحصد رقابهم، وأنه سيقتلهم، فأمَّن من كان على مكانه، ومن أراد الخروج خرج، فأنشد شاعر الموقف قوله: حكمنا فكان العدل منا سجيةً فلما حكمتم سال بالدم أبطح ولا عجب ذاك التفاوت بيننا فكل إناء بالذي فيه ينضح إن أمة الكفر والضلالة، إن أعداء الربوبية والألوهية، إن أعداء الأنبياء والرسل، وأعداء الإنسانية والبشرية لم يوقروا ولم يرحموا، ولقد نضحوا بما تحمله قلوبهم حقداً وزوراً، وأي حقد أعظم يوم أن دخلوا بيت المقدس، فقال ذلك الأعور موشي ديان: "محمد مات وخلف بنات" وقالوا بلهجتهم: "حطوا المشمش على التفاح دين محمد ولى وراح". وقائدهم لما تعمق في أرض الجولان، ووصل إلى مكان أو هضبة فيها قبر صلاح الدين من جهة الأراضي الشامية، وقف على القبر وركله بقدمه ركلة وثانية وثالثة، وقال: قم يا صلاح الدين ها نحن قد عدنا، وقالوا لما دخلوا: يا لثارات خيبر! فهل تسمع الانتفاضة هذه العقيدة الخبيثة الشرسة الوحشية التي يتعلقون ويتمسكون بها، لكي نتمسك بعقيدتنا، ونقاتلهم بعقيدتنا، ونحرر أرضنا وليست أرضهم، ونطردهم من أرضنا بعقيدتنا وسلاح التوحيد والوحدانية والعبودية؟ هذا ما نرجوه، وهذا ما نوجهه، وتوجهه كل جهة إسلامية صادقة، وكل فرد مسلم مخلص، وكل دولة إسلامية ناصحة، توجهه لأصحاب هذه الانتفاضة والقائمين عليها، بأن يعلنوا الجهاد، وأن يعلنوا كلمة التوحيد. أن يرفعوا راية الإيمان في هذه الانتفاضة، وأن يسموها جهاداً لا هوادة فيه، لا يوضع السيف منه حتى النصر، أو أن يهلك آخر رضيع على ثدي أمه في هذه المعركة الحاسمة، وما يدريكم أنها هي المعركة الحاسمة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان- وهل نحن إلا في آخر الزمان-: (في آخر الزمان تقاتلون اليهود فينصركم الله عليهم، حتى لا يبقى شجر ولا حجر، إلا يقول: يا مسلم! ورائي يهودي تعال فاقتله). كيف ينطق الحجر والشجر؟ لا يكون ذلك إلا لأمة جديرة بأن تخرق لها العادة، وأن تتنزل عليها المعجزة، وأن يكرمها الله بكرامته، كرامة الإيمان والعبودية والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه، وتذكروا أولاً وأخيراً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). فإن أمة التوحيد أمة الإسلام الصادقة منصورة بالرعب، والله لو كبرت آلاف من أصحاب هذه الانتفاضة وشبابها ورجالها تكبيرة، واجتمعوا على قلب واحد، لسقط سلاح اليهود من أيديهم خوفاً ورعباً. نسأل الله جل وعلا أن يرفع المحنة عن إخواننا في فلسطين، وأن يرحم المستضعفين، وأن ينصر المجاهدين، وأن يثبتهم أجمعين، وأن يجمعهم على الحق المبين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

فاعتبروا يا أولي الأبصار

فاعتبروا يا أولي الأبصار الحمد لله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند وعن المثيل والنظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأصلي وأسلم على نبينا محمد البشير النذير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأصلي على نبيه وآله وأزواجه وصحبه، وأسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعظوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: إنه ما من أمة من الأمم غزيت في عقر دارها، إلا ذلت وخسرت إلا ما شاء الله وسلم. معاشر الإخوة: اعلموا أنه ينبغي لكل مسلم أن يتفطن لواقعه، وأن ينتبه له انتباهاً جيداً، ما يبلغ الأعداء من غافل ما يبلغ الغافل من نفسه ما تسلط عدو على دار إلا لأنه وجد نافذة مفتوحة، أو بوابة مهملة، وما تسلطت أمة على أمة إلا لأنها علمت في داخلها أبواباً من الفساد الإداري أو الاقتصادي، وألواناً من الخيانة، وصوراً من الفرقة والاختلاف وعدم الوحدة. فالله الله يا عباد الله! خذوا العبرة ممن حولكم: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2] اجمعوا قلوبكم على المحبة والولاء لكتاب الله وسنة رسوله، ولأئمتكم وعلمائكم ولعامة المسلمين. عباد الله: خذوا العبرة ممن حولكم، وليصلح كل واحد منا نفسه، وليتق الله فيما ولاه الله من عمله، الله الله لا يؤتين الإسلام من قبل واحد منا، إن كل واحد منا على ثغرة من ثغور هذه الأمة، وثغرة من ثغور هذه البلاد، وثغرة من ثغور هذه الشريعة، البقية الباقية في أمم العالم التي تحكم شريعة الله. معاشر المؤمنين: كل واحد منكم على ثغرة في ميدان عمله، وفي جنديته وقيادته، وفي عمله الإداري والتعليمي والوظيفي والميداني والمهني والتقني وغيره، كل واحد منا على ثغرة، فإذا رأى العدو -وأعداؤنا كثير، وحسادنا لا يحصون- إذا رأوا في أمتنا تمسكاً وائتلافاً واجتماعاً على قلوب صادقة مخلصة لله ولكتابه ولسنة نبيه، فإنهم يهابون الأمة. واعلموا أن مؤشر ضعف الأمم وعزها وانتصارها هم شبابها، فإذا عُلم وعُرف الشباب في أمة من الأمم قد اشتغلوا بما ينفعهم، والتفتوا للأمانة التي علقت في أعناقهم أمانة أمتهم، ممثلة في أعمالهم ووظائفهم، وأمن حدودهم، وأمن بلدانهم وأوطانهم ومجتمعاتهم، إذا حفظوها وقاموا بها، وأشغلوا أوقاتهم وأيامهم بما ينفعهم ويعود بالنفع على سائر إخوانهم. فهذه أمة مهابة لا يجرؤ الأعداء على الدنو منها، أما إذا وجدوا شباباً لا همَّ لهم سوى التصفيق والتطبيل والتزمير، إذا وجدوا شباباً لا يعرف إلا الأفلام والمسلسلات، إذا وجدوا رجالاً لا يعرفون إلا التجارة بالملاهي، إذا وجدوا أناساً لا يهم كل واحد منهم إلا مصلحته المادية الشخصية، أياً كان ذلك العمل، الذي يدر المال عليه، فيه نفع أو ليس فيه نفع، فيه ضرر على الأمة والمجتمع أو ليس فيه ضرر، فعند ذلك مؤشر واقع الشباب في الأمة يكون نذير خطر بأنها مهددة بغزو من داخلها أولاً، ومن خارجها ثانياً، فالعزة والبقاء والدوام لله، ما دامت أمة وما بقيت أمة من الأمم عالية الراية، خفاقة الكرامة، لها سيادة دامت إلا بقدر تمسكها بكتاب الله وسنة نبيه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] والضنك في المعيشة: اختلاف في الداخل، وفقر في الأمور، وقلق وزعزعة في الأمن، وتسلط الأعداء من الخارج. فيا عباد الله: لا تحققوا بأفعالكم أو بذنوبكم سنة الله فيكم: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه:124 - 126] فالذين نسوا كتاب الله، ونسوا الصلاة، ونسوا فريضة الله، ونسوا الصلاة مع الجماعة، وتعاملوا بالربا، وأقروا المنكرات، ولم يغيروا ولم ينكروا ولو بقلوبهم، أو بحسب ما بأيديهم من القدرة والإمكانية لعلى خطر عظيم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]. أسأل الله جل وعلا أن يديم الأمن والأمان والعز والاطمئنان على هذه البلاد خاصة وعلى سائر بلاد المسلمين عامة، اللهم ارفعنا ولا ترفع علينا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم اجمع شملنا، ووحد على محبتك قلوبنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على أعدائنا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا غائباً إلا رددته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أسيراً لنا ولإخواننا إلا فككته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته.

هكذا تغزى بلاد المسلمين

هكذا تغزى بلاد المسلمين عباد الله: قبل أن أختم الحديث: اليوم تعود بي الذاكرة إلى قصة ذكرتها بعض كتب التاريخ، قالوا: إن بلداً من البلدان المتاخمة لحدود الفرنجة من جهة الأندلس وأفريقيا، إن بلدة من هذه البلدان أراد أحد ملوك النصارى أن يغزوها، فأرسل قائداً من قواده ليتفقد الأحوال فيها، وهل بالإمكان الميسور أن تغزى، فأرسل قائده، فلما عبر النهر إليها، وأرست سفينته على شاطئها، جاء فوجد شاباً يبكي، قال: ما يبكيك يا فتى؟ قال: إني أبكي لأني أتيت بالسهم والقوس والوتر، فانقطع الوتر وأنا أريد أن أتعلم به الرمي والرماية، قال: لماذا يا فتى؟ قال: لكي نذهب لقتال الفرنجة، ولكي نطرد النصارى عن بلاد المسلمين. فعاد ذلك القائد راكباً سفينته، وعاد إلى الملك الذي أرسله قائلاً: والله لا تستطيع قتالهم إذا كان هذا وضع واحد من صغارهم، فارجع إلى مكانك، واجمع جنودك واحفظ ما عندك، فلما مضت السنون، عاد ذلك الملك وأرسل قائده أن اذهب وانظر أحوالهم، هل نستطيع أن نغزوهم، فلما عبر النهر ودخل قليلاً في البلاد، وجد شاباً مراهقاً يافعاً يبكي، قال له: ما يبكيك يا فتى؟ قال: أبكي على خاتم أهدته لي حبيبتي فضاع مني، وإني أبحث عنه، خشيت أن يضيع مني أو أن تراني وليس علي. فعاد القائد إلى الملك الذي أرسله، قال: الآن تغزوهم، الآن تقتلهم، الآن تستبيح نساءهم وتقتل رجالهم. عباد الله: هذه القصة شاهدٌ على أن شباب الأمة هم الذين يحددون قوتها، وهم الذين يحددون رفعتها؟ يا شباب المسلمين عامة ويا شباب المملكة خاصة! إن الأمل فيكم كبير أكبر مما أنتم فيه، وإن الآمال المعقودة عليكم عظيمة، أعظم من الأمور التي اشتغلتم بها، فاشتغلوا بأمر يرفع أمتكم، ويجعل الأمن يستتب في بلدانكم، ويديم هذا العز والتمكين لكم ولولاة أمركم. يا شباب أهل هذه البلاد: احمدوا الله على نعمة ليست لأحدٍ فيها سواكم، المياه وصلت إلى الأبواب والدور، والتيارات متيسرة؛ تيار الكهرباء وغيره، وقديماً كان الآباء والأجداد لا يعرفون إلا الظلمة والفتيل الذي يضيء قليلاً، لا يعرفون إلا آباراً بعيدة يحملون المياه على أكتافهم، لا يعرفون إلا احتطاباً، لا يعرفون إلا القليل القليل من الذين يتعلم منهم، تعليمكم مجاناً، وعلاجكم مجاناً، وكل أمر تيسر لكم، ماذا بقي إلا أن تقوموا برد الوفاء، وأن تقوموا بحسن الصنيع ورد الجميل. أولاً: بالالتزام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة حاجة الأمة منكم، لا بارك الله في عُمرٍ يحيا ويموت صاحبه ثم لا يخلف أثراً نافعاً في هذا المجتمع، هذا كلٌّ على أمته، وكلٌّ على بلاده. فالله الله يا شباب الأمة: يا شباب التعليم! يا رجال الجامعات! يا من تولى أمر هذه الأمة في أكبر أمر وأصغر أمر فيها! اتقوا الله واعلموا قدر الأمانة التي ألقيت على عواتقكم. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

البوسنة والهرسك

البوسنة والهرسك مآسي المسلمين كثيرة، وجروح الأمة دامية، في الشيشان، وكشمير، وفلسطين، وكذلك في البوسنة والهرسك والفلبين، وهنا الحديث عن البوسنة والهرسك ومآسي إخواننا هناك، ثم دعوة للمسلمين بأن يحثوا الخطى إلى الجهاد في تلك البلاد.

النصر قادم للإسلام

النصر قادم للإسلام الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن ربكم جل وعلا قد أمركم وأمر من قبلكم بها، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]، ويقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: في هذا اليوم أبعث برسالةٍ إلى المتلهفين أن يكونوا طلائع الفتح الإسلامي في أوروبا، أبعث برسالةٍ إلى أولئك الذين يسألون الله أن تدفن عظامهم في وسط أوروبا وهم يغرسون علم التوحيد، وما ذلك على الله بعزيز، إلى أولئك الذين يستبشرون ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم لهم حيث قال: (لتفتحن القسطنطينية وروما، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش، فسُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً؟ فقال: مدينة هرقل) أي: القسطنطينية، وصدقت بشارة النبي صلى الله عليه وسلم ففتحت الأولى وبقيت روما القابعة في وسط أوروبا، وإنا لنرى هذه الأيام بذور فتح الإسلام من جديد، وسقوط دولة النصارى وكتلتهم يوم أن بلغوا غاية مرادهم، في اقتصادهم وسلاحهم وسياستهم: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44]. إلى الشباب الذين يقفون على ثغور البوسنة، وإلى الشباب الذين يعدون العدة للرحيل، أبعث لهم بهذه الرسالة من كلام الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ * فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ * وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:1 - 13]. معاشر المؤمنين: كل هذه الآيات من بشائر النصر، وبشائر الغلبة والعزة والتمكين؛ لأن الله قال: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:1]، وقال سبحانه: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:36]، وقال: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:25]، وقال: {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ} [التوبة:48] فكل كيدٍ وتخطيطٍ وتدبيرٍ ضد المسلمين إنما نهايته وعاقبته وخيره بأمر الله للمسلمين، وشؤمه ودماره على الكافرين. والله إن أوروبا اليوم لفي حيرةٍ لا تعلمونها، لا تدري أي الأمرين أنفع لها: أن تترك الصرب يمضون على المسلمين في البوسنة، وهذا يفضي إلى تدفق شباب الإسلام إلى أوروبا من السماء ومن تحت الأرض، ومن كل جهة، وعبر ذرات الهواء وموجات الأثير، سيصل الشباب المسلم لا محالة مهما قامت أجهزة الغرب وأجهزة الكشف والمراقبة برصد الحدود وتضييق المداخل، ولا يدرون هل ترك هذا الأمر أو إيقافه هو في صالحهم أو ضدهم؟

حال المسلمين في البوسنة والهرسك

حال المسلمين في البوسنة والهرسك أيها الأحبة: سألني أحد الإخوة: هل ستخطب هذه الجمعة عن الدش واستقبال أجهزة البث؟ فقلت له: اليوم لا. لكني سأتحدث عما رأيت وسمعت وما تردد على لسان ضحايا العدوان، ووقود المعركة، الأمر الذي لا ينقله دش، ولا تخبرك به صحيفة أو مجلة. نازلةٌ وصلت إلى المؤتمرين في زغرب عاصمة كرواتيا، وكنت واحداً من المشاركين في هذا المؤتمر، لا بحولي ولا بطولي، ولكن: خلت الديار فساد غير مسودِ ومن الشقاء تفردِ تفردي بالسؤددِ

حال النساء والأطفال في البوسنة

حال النساء والأطفال في البوسنة جاءت ورقة من أحد من المعتقلات التي تقبع فيها مئات المسلمات البوسنيات، وفي هذه الورقة استفتاءٌ يقول: يا علماء الإسلام! يا دعاة الإسلام! نحن عددٌ من المسلمات البوسنيات نقبع منذ أشهر في هذا المعتقل الذي يقف الصرب على رءوسنا، ونحن الآن حبالى من الزنا، ويتحرك الجنين في أحشائنا من الزنا، فأفتونا مأجورين، هل ننتحر أم نجهض الجنين، أم ماذا نفعل؟ الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! أيهنأ للمسلمين طعام؟ أيلذ لهم شراب؟ أيطيب لهم سكن؟ وأخواتهم يغتصبن صباح مساء، وقبل أن أفيض في هذا الأمر أعود بالذاكرة إلى الوراء لنفهم قول القائل: حكمنا فكان العدل منا سجيةً فلما حكمتم سال بالدم أبطح ولا عجبٌ ذاك التفاوت بيننا فكل إناءٍ بالذي فيه ينضح أعود بالذاكرة إلى الوراء يوم أن بعث الأسبان النصارى في عهد طارق بن زياد بعثوا إليه رسالة يدعونه أن يفتح بلادهم وأن يخضعها للإسلام، لماذا؟ يوم أن اغتصب الملك لذريق وحاشيته من ملوك النصارى اغتصبوا فتاةً نصرانية أسبانية جميلة، اغتصبوها ولم يسلم ذلك الرجل والدها من بطش الملك وأعوانه، فصاح وصاح من معه المنتظرون تعليق الجرس صاحوا يقولون ويهتفون ويستغيثون: يا طارق بن زياد! خَلِّصْنا مما نحن فيه، فجاء طارق بن زياد ومضى بجيشه إليهم، وفي الطريق لم يجد الناس ماءً واحتاجوا إلى الماء فقام طارق واستسقى وفصل الصغار عن الكبار، والرجال عن النساء، ثم قام يدعو ويستغفر ويخضع وينكسر لله رب العالمين، فقال أحد المصلين: هلا ذكرت أمير المؤمنين، فقال طارق: هذا مقامٌ لا يذكر فيه إلا الله، فانفتحت أبواب السماء بمطرٍ كأفواه القرب، ومضى بجيشه وخَلَّص شعب الأسبان من طغيان النصارى. أيها الأحبة: يوجد خمس وثلاثون ألف سيدة وفتاة في معتقلات النصارى، في معتقلات الصرب الأرثوذكس، هؤلاء فقط من الذين خُصصن لتسلية الجنود الصرب، خمسة وثلاثون ألفاً في جميع المعتقلات خصصن لتسلية الجنود الصرب، فأين حقوق المرأة؟ وأين جمعيات النساء؟ وأين جمعيات حرية المرأة وكرامة المرأة؟ في معتقل كولي القريب من سراييفو فتحت الأبواب لمائة وأربعين امرأة في الأشهر الأخيرة من الحمل سفاحاً بالزنا من الصرب؛ لأنهن لم يعدن صالحات لمتعة الجنود. وفي معتقل أمارتكو وتشرلنوبين يجمع الصرب العائلة ويغتصبون الفتاة أمام أهلها، ولا تسأل عن أعمار الصبايا من الحادية عشرة إلى الثلاثين، كل من كان في هذا السن وحوله لا يسلم من الاغتصاب. أيها الأحبة: أما الأطفال الذين شردوا والذين هجروا وبيعوا وحيل بين المسلمين وبين بعضهم، قطع الطريق على بعض المسلمين أن يراهم مندوب التنسيق للمنظمات الإسلامية الأوروبية يقول: في ألمانيا ذهبنا إلى أحد الملاجئ التي فيها أطفال المسلمين فأردنا الدخول فمُنعنا، ثم أردنا الدخول فمنعنا، وقد علمنا أن قسيساً بالأمس دخل على هؤلاء الأطفال وأخذ يغني لهم عن المسيح والمخَلصْ.

خطورة تهجير أطفال المسلمين من البوسنة

خطورة تهجير أطفال المسلمين من البوسنة أيها الأحبة: إن خطورة تهجير أطفال المسلمين إلى خارج البوسنة أو بعيداً عنها ليتربوا في أي أرضٍ أوروبية تحت عناية ورعاية النصارى إنما هو أمرٌ خطير ويكفي أن تعلموا خطورة هذا، إن واحداً من حكام القارة الخضراء، إن واحداً من حكام أفريقيا كان طفلاً صغيراً منحدراً من أسرةٍ مسلمة غاية ما هنالك أنه ذُهب به إلى فرنسا، وتربى هناك صغيراً وعاد إلى بلاده حاكماً نصرانياً يذيق المسلمين ألوان القتل والعذاب. القضية خطيرة، وتشجيع المسلمين على الهجرة ليس من باب كرامة الإنسان، ولا من باب الرعاية الإنسانية، بل هو من باب إخلاء الساحة وتصفية المنطقة، والقضية -أيها الأحبة- زوال الملة، يقول الغرب: لا نريد الإسلاميين من جديد، ولا نريد الإسلام من جديد، ولا نريد الأصولية من جديد، وعجباً لأولئك ماذا رأوا من المسلمين إلا العدل، وماذا نقول غير التسامح، وماذا أنتج وجود المسلمين هناك، وفتحهم البلاد إلا خلاص الغرب من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الأديان إلى سعة الإسلام، ومن جور المذاهب إلى عدل الحنيفية. أيها الأحبة: في أوروبا خمسة عشر مليون مسلم، وهذا العدد الكبير لو نفخنا فيه روح العزة وأعدنا إليه روح الجهاد ومددنا له سبل الدعم لتحول هؤلاء إلى قوةٍ تنكس أعلام الغرب، وتجعل كل ما يملك تحت قدرات المسلمين؛ لأننا بهذا ندعو أقواماً يريدون الموت لمواجهة أناسٍ يشتهون الحياة، وصدق الله العظيم: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} [البقرة:96] الغرب يموت في حب الدنيا، يتفانون في حب الدنيا، وأما نحن فنخاطب أقواماً نريد أن نبعث فيهم العزة، عزة الجهاد من جديد؛ لأن ترك الجهاد ذلة، وما ترك قومٌ الجهاد إلا ذلوا، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رضيتم بالزرع، وتبايعتم بالعينة، وتبعتم أذناب البقر؛ سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) يعني: الجهاد في سبيل الله، فترك الجهاد ذلة، والأخذ بالجهاد عزة، ويوم أن نقول هذا الكلام لا تظنوا أنَّا ننتظر غداً أو بعد أسبوع أن ينفجر الوضع في أوروبا عامة، لكن هذه بذرة وعندكم بذور، وعند غيركم شتلات وفسائل عديدة لكي تورق شجرة الجهاد في قلب أوروبا، ووعد النبي حق، ولتفتحن روما بإذن الله. نسأل الله أن يقر أعيننا وأن تكتحل بقتل اليهود في فلسطين، وعودة المسجد الأقصى إلى المسلمين، وسقوط روما وما حولها وكل بلاد الغرب تحت سلطان المسلمين.

هيئة الأمم المتحدة حراس للصرب في البوسنة

هيئة الأمم المتحدة حراس للصرب في البوسنة أيها الأحبة: كنا نظن وقد انخدع بعضنا يوم أن عقد ذلك المؤتمر في لندن وظن الناس أن وصية العدالة وأن محامية الحرية وولية الكرامة الإنسانية أوروبا الغربية سوف تنصف المظلوم من الظالم، والمقتول من القاتل، والمغصوبة من الغاصب، ظننا أننا سنجد في مؤتمر لندن نتيجةً تحقق للمسلمين، ولكن رأينا وسمعنا وقرأنا شواهد القوم من أهلها، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف:26]. في جريدة فرانكفورت صحفيٌ ألمانيٌ مشهور يقول: إذا رأيتم أن هناك تهديداً بفرض مزيدٍ من العقوبات، فاعلموا أن الغرب لم يلجأ للقوة لإنهاء الأزمة في البوسنة والهرسك، ثم يقول: غاية ما في هذا المؤتمر أنه صفعة للمسلمين، وانتصارٌ وتثبيتٌ لمواقف الصرب؛ لأن قوات الأمم المتحدة التي جاءت إلى مواقع القتال التي استولى عليها الصربيون أعطت الصرب أماناً ألا يضربوا وقوات الأمم المتحدة بجوارهم، هذا أولاً. ثانياً: إن تلك البقاع التي عسكرت فيها قوات الأمم المتحدة جعلت منهم حراساً لها، الأمر الذي يجعل الصرب يستفيد من كافة الأسلحة الموجودة في تلك المناطق، ومن ثم التقدم بها إلى مناطق جديدة لا يوجد بها قواتٌ للأمم المتحدة. بالعربي الفصيح: أصبحت الأمم المتحدة حارسةً للصرب، أصبحت الأمم المتحدة وجودها يعني: ألا يضرب الصرب إذ لو أخطأت رصاصة فوقعت في رأس أحد قوات الأمم المتحدة قال الناس: المسلمون يضربون الأمم المتحدة، ونقل الأسلحة من تلك البقاع يجعل المواقع آمنة؛ لأنه لا يمكن للمسلمين الآن أن يغزوا منطقةً يتمركز فيها قوات الأمم المتحدة ليستردوها إلى بلادهم، وليس هذا بغريب، فمكيال هذه القضية هو مكيال فلسطين بالأمس، وقديماً بل وحديثاً قال المسلمون هناك: ليس عندنا ما يحرص الغرب على الدفاع عنه. أيها الأحبة: كلما تسمعون من تطورات وكلمات وشجب وتنديد، وإخراج هذه العقوبات التافهة واحدةً بعد الأخرى إنما هو من استهلاكٍ محلي، ولقد انزعج الصربيون يوم أن حرم فريق بلجراد الرياضي من المشاركة في الأولمبيات، هذه واحدة من الأساليب التي يقاطع بها العدوان، ألَّا يسمح لفريق المعتدي أن يلعب المباراة مع بقية الفرق، هكذا ترد الحقوق، هكذا تعاد الأراضي؟! هكذا ينتصف للمظلومين؟! إنا لله وإنا إليه راجعون!

الجهاد هو الحل في البوسنة وفي كل بلاد محتلة

الجهاد هو الحل في البوسنة وفي كل بلاد محتلة أيها الأحبة: الواقع يشهد أن عودة البوسنة والهرسك يحتاج إلى جهاد في سبيل الله، وأقول من قبل والآن ويقول البعض: وهل المسلمون هناك على مستوى الالتزام حتى يذهب أبناؤنا إليهم؟ أقول: اعلم -يا أخي- أن الدعوة إلى الجهاد هناك هي دعوةٌ إلى جهاد الدفاع، الجهاد نوعان: جهاد الطلب والابتداء، وجهاد الدفاع ورد العدوان، فالجهاد الذي نتكلم عنه هو جهاد رد العدوان، لقد علمنا من علمائنا وهيئة كبار العلماء فينا أن القتال ضد العراقيين المعتدين الغاشمين ومعاونة الكويتيين على استرجاع بلادهم وأراضيهم هو نوعٌ من الجهاد لدفع الظالم وعودة حق المظلوم إلى نصابه، فبمنطلق هذه الفتوى نقول: إن الدفاع عن المسلمين في البوسنة هو بنفس الفتيا وبنفس القول والمنطلق ولا غرابة في ذلك، فالله جل وعلا يقول: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء:75]. أيها الأحبة: إن هذا النوع من الجهاد هو تمهيدٌ لجهاد الطلب والابتداء، وإن الجهاد هناك ينبغي أن تعلموا أن أقل ما فيه نصرة أقوامٍ كان بوسعهم أن يعلقوا الصليب، وأن يتبعوا القسس وأن يرضوا بما أراده النصارى، ومن ثم لن يجرح فيهم جلد، ولن تنحدر من عيونهم دمعة، ولن يظمئوا يوماً، أو يجوعوا ساعة، لكنهم قالوا: نحن نختار الإسلام، نريد الإسلام ولو اغتصبت نساؤنا، ولو انتهكت أعراضنا، ولو قطعت رقابنا، ولو ذبحت رقابنا ذبح الشياة، نريد الإسلام، فهل بعد هذا يقول قائل: إنهم ليسوا ملتزمين فلا يجوز الجهاد أو القتال معهم؟

خطر النظام العالمي الجديد

خطر النظام العالمي الجديد أيها الأحبة: اسمحوا لي أن أقول: إن بركات النظام العالمي الجديد التي طبل لها الصحفيون، وتكلم عنها العلمانيون، وأخذوا يعدون المظلومين بجنان العدالة وبفردوس الرفاهية، أولئك إن كان لهم عقلٌ وبصر فليعرفوا ما هو النظام العالمي الجديد، تجويع الصومال، وذبح وتشريد البوسنة، واستقلال جمهوريات الاتحاد السوفيتي النصرانية أما الجمهوريات الإسلامية فيعود أركان الحزب الشيوعي في روسيا قبل تفككها يعودون حكاماً للولايات الإسلامية، يستقل القوم، فيفرح النصارى باستقلالهم، ويحكمون بلادهم بطريقتهم، أما المسلمون فيستقلون ليعود على رأس النظام وهرمه، ليعود عليهم شيوعيٌ من جديد، بل بعض الولايات الإسلامية ترأسها من كان يظن أو يراهن على أنه خليفة لـ جورباتشوف، ماذا استفاد المسلمون؟ هذا هو النظام العالمي الجديد. والنظام العالمي الجديد يسمح للنصارى أن يهددوا المسلمين في منجناو، اثنا عشر مليون فلبيني مهددون، والآن تحشد الحشود على المسلمين في الجنوب، والنظام العالمي الجديد يسمح لأقلية النصارى في جورجيا أن تحكم أربعمائة ألف مسلم تحت زعامة إدوارد شيفرنادزا، هذا هو النظام العالمي، وشكراً يا هيئة الأمم، شكراً يا هيئة الأمم على ما قدمت للمسلمين. لقد منحتنا هيئة الأمم أن ندفن قتلانا، وأن نداوي جرحانا، وأن نأوي المشردين منا، شكراً وألف شكر، هذه حرية الغرب، وهذه حرية النظام العالمي الجديد، الناس أحرار إلا أن يعبدوا الله، الناس أحرار إلا أن يلتزموا بدين الله، الناس أحرار إلا أن يتبعوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيها الأحبة: قضايا المسلمين فرصةٌ للدعاية، وفرصةٌ للمزايدة، وفرصةٌ لتجييش العواطف وإثارة العداوات واستثمار كثيرٍ من الأموال، وهذا ما نراه وما يحمله الغيب. أمرٌ عجيب أيها القادم ماذا تحملُ أيد بنَّاءة أم معول ليعلم الغرب أن ديننا لا يدعونا إلى العدوان، وقد قلنا وقيلت هذه الكلمة في مؤتمر زغرب، مؤتمر حقوق الإنسان في البوسنة والهرسك، قلنا: بأننا نعلم أن جواسيس الغرب ومخابراته كانت ترصد ذلك المؤتمر الذي لا نعد الخلاص في ذاته، وإنما نعد الخلاص والفرج -بإذن الله- مما ينجم عنه وهو دعوة المسلمين إلى الجهاد لتحرير هذه البقعة، وذهاب الشباب الذين بعثوا روح الحيوية والقوة ورفع المعنوية في الأفغان أن يرفعوها للقادة البوسنويين على أرض البوسنة والهرسك.

العدل والرفق هو منهج الإسلام

العدل والرفق هو منهج الإسلام يقول الله جل وعلا: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:8 - 9] ديننا لا يأمرنا أن نعتدي على أحد، ديننا ينهانا أن نمد يداً على أي أحد، بل قد حُكم ليهوديٍ على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، درع علي بن أبي طالب أخذها يهودي فادعاها علي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (هل لك من بينة -يا علي - أن هذا الدرع لك؟ قال: إنها درعي ولا بينة لي، قال: إذاً لك يمين هذا اليهودي، قال: يا رسول الله! يحلف اليهودي؟ قال: ليس لك إلا يمينه، فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) بالعدل دخلت هذه الشعوب المظلومة إلى الإسلام أفواجاً وزرافات ووحداناً، فلا يظن البعض أن نعتدي، لا والله. كان أبو بكر رضي الله عنه يرافق القائد بعد أن يعقد له اللواء في السرية، فيقول: [امضوا على بركة الله، امضوا باسم الله، ستجدون أقواماً منقطعين للعبادة في الصوامع، فدعوهم وما انقطعوا إليه، ولا تقتلوا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأةً ولا هرماً أو شيخاً كبيراً، وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم] قتال المقاتلة، قتال المعتدين فقط، أما من لا دخل له في ذلك فلا يعتدى عليه، ولا يؤذى، ولا يجرح، ولا يعذب، بل ويعرض عليه الدين بالرفق لينال كرامة الإنسان. أيها الأحبة: لا تجزعوا مما يحل ويدور بإخوانكم، أقول: لقد هُزِمَ المسلمون في مواقع عدة، وانتصروا في مواقع أكثر، ولكن هل انتهى الإسلام بهزيمة المسلمين في أحد؟ هل انتهى الإسلام بهزيمة المسلمين في معارك أخرى؟ لا. بل عادوا مرةً أخرى وسيعود الإسلام وقوة المسلمين من جديد. أيها الأحبة: لا تظنوا أن الساحة قد خلت، والله رأينا شباباً تدفقوا إلى هناك وكلٌ منهم يسأل ربه الشهادة، بل وبعضهم يتناقلون صور الشهداء من إخوانهم، كلٌ يدعو له، ويتمنى أن يكون مصيره مصيره. أيها الأحبة: هؤلاء الشباب هم قنبلة انشطارية إذا وجدت على أرض البوسنة ستفجر المعنويات، وهؤلاء الشباب هم الذين قالوا للبوسنيين: لا تتركوا البوسنة، لا تغادروا منها، اجعلوا بيوتكم قبوركم، واجعلوا مساجدكم أخاديدكم، وليكن ما يكن، إن من خرج من فلسطين صعب عليه العودة إليها، فلا تكرروا المشوار والمأساة من جديد، ولكني أقول: رسالة إلى علمائنا وعلماء الإسلام عامة أن حثوا الشباب على الجهاد هناك، وقولوا لهم كما قيل من قبل: إن مجاهدة البعث العراقي الغاشم وطرده من أرض الكويت نوع جهادٍ في سبيل الله، نقول: يا أحفاد الشباب! إلى مثل هذه الفتيا، لكي يشاركوا البوسنيين في طرد الصربيين من أراضيهم، ولكي تعود بلادهم كما كانت. أيها الأحبة في الله: المأساة أكبر مما نصف، وأضخم مما نتكلم، ولكن إذا أراد الله شيئاً فإنما يقول له كن فيكون. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

جهود المسلمين تجاه إخوانهم في البوسنة والهرسك

جهود المسلمين تجاه إخوانهم في البوسنة والهرسك الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة. أيها الأحبة: أبشروا وأملوا فلا يزال المسلمون بخير، لا يزال المسلمون بخير، إن معنويات إخوانكم في البوسنة والهرسك هي والله في تصاعد، وفي كل يومٍ يمر تسجل الأرقام أعداداً في قتلى الصرب أكبر من ذي قبل، وصدق الله العظيم: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]، {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] ولا زال في المسلمين بقية خير، فتضافروا مع شعوب العالم الإسلامي، رأينا من جاء من فلسطين ومن مصر ومن ماليزيا وإندونيسيا والكويت والإمارات، وجهود السعودية غير خافية في هذه القضية، وغيرهم وغيرهم، بل من إرتيريا، ومن السودان، ومن مواقع شتى ليشاركوا ويقدموا ويبينوا حجم معوناتهم للبوسنيين في قتال الصرب النصارى، وآخذ مثالاً على أن شعوب المسلمين لا تزال بخير: سيدةٌ مصرية لما سمعت ما حل بإخوانها في البوسنة حضرت إلى مقر هيئة الإغاثة الإنسانية المصرية، جاءت بعربة للمعوقين، كرسيٌ أشبه ما يكون بالعربة، أو على هيئة العربة، وقدمت هذه العربة وقالت: لا أملك شيئاً سوى هذا الكرسي، وهو كرسي ابنتي المقعدة المشلولة، خذوا هذا الكرسي لعله يغيث امرأة بسنوية مسلمة، وأنا أحمل ابنتي على يدي. الله أكبر! لا تزال في المسلمين بقايا الخير، والخير في أمتي إلى يوم القيامة، شكراً لأولئك الضعفاء، شكراً لأولئك الفقراء، شكراً لأولئك المساكين الذين لا يجدون إلا جهدهم، والويل لمن يسخر منهم، وشكراً لأولئك الذين إذا جئت: {قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:92]، شكراً لأولئك على مشاعرهم، وعلى دموعهم، ويكفينا دعواتهم، إن عجزوا أن يقدموا شيئاً، والحاجة إلى الدعاء ماسة، إننا نريد منكم -يا عباد الله- أن تَسْتَعْدوا على الصرب دعاء السحر وسهام القدر، وكل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، ادعوا واطلبوا من العجائز في القرى وفي الريف وفي المناطق، اذهبوا إليهم وقولوا للواحدة: يا أمَة! اسألي الله أن ينصر المسلمين. واحدٌ من المسلمين الأفاضل الطيبين قابلته منذ يومين، قال: والله ما أجد شيئاً أقدمه غير أني لما ختمت القرآن وكان من الحفاظ يقول: رفعت يدي وقلت: يا الله! إن كان لي في هذه الختمة دعوةٌ مستجابة اللهم اجعلها فرجاً للمظلومين وانتقاماً من الظالمين في البوسنة والهرسك، هذه والله تعدل الملايين، فالله الله بالدعاء يا عباد الله.

كلمة للأثرياء وأصحاب الأموال

كلمة للأثرياء وأصحاب الأموال هذه كلمة للأثرياء، إلى أثرياء المسلمين، إنهم يستطيعون -بعون الله، ثم بحسن نيتهم- أن يغيروا معالم السياسة الأوروبية خاصة والمواقف الغربية عامة، لو وجدت أموالهم طريقاً إلى موقعها الطبيعي، إنها مصيبة أن تجد مسلماً أمواله في بنك منهاتن أو أمواله في البنك الألماني، أو أمواله في جنيف، من أمواله تبنى البارات، ودور الخنا والزنا، ودور العهر والفساد، من أمواله تُستثمر أو تَستثمر مصانع الأسلحة الذي يذبح بها المسلمون، ولو أنه عرف مكان ماله المناسب لعرف أن الطريق لماله الطريق الطبيعي لماله أن يذهب لكي ينفجر الريال قنبلة في رأس كل كافر من أعداء الإسلام، هذا هو الطريق الطبيعي لأرباب الأموال، ولكن ماذا نفعت كثيرٌ منهم أموالهم، مات كثير من الأثرياء، فدفن كالجيفة، وجاء الدود ليقول له: ليس لك حقٌ في كفنك، خلي بيننا وبينه نقرضه ونقزمه ونأكله، وترك الأموال خلفه، وتشاتم الورثة بعده، وربما لعنوه وسبوه؛ لأنه لم يحسن الاستثمار، أو لم يغتنم الفرص التي مرت، الأموال وبالٌ على أصحابها. أصحاب المليارات أصحاب الملايين أقول لهم: زوروا المقابر، انظروا قبور الملوك، هل عند قبر الملك حارس؟ وانظروا قبور الأثرياء، هل عند قبر الثري شيء؟ وانظروا قبور الوزراء، هل عند قبره موظف؟ وانظروا قبور الأمراء، هل عند قبره خادم؟ لن ينفعك إلا ما قدمت (يقول ابن آدم: مالي مالي مالي، وليس لك يا بن آدم من مالك إلا ما لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فليس بمالك) أقول للأثرياء: تسلطوا على الأموال، أحرقوها في سبيل الله، أطلقوها في السلاح، أطلقوها في القنابل، أطلقوها في المتفجرات. أتعلمون أيها الأحبة: أن القرن الأفريقي لو تسلطت عليه أموال المحسنين المسلمين لحولت المسلمين إلى قوةٍ عسكرية تطرد جميع القوى الغاشمة، ويحكم بكتاب الله وبسنة رسوله في القرن الأفريقي، وكذلك أوروبا، كل من قابلنا من البوسنيين ومن العرب ومن غيرهم يقولون: نريد سلاحاً، نريد سلاحاً، تمر الدبابة وليس في حوزة الجندي إلا كلاشنكوف، كيف يواجهها؟ يريد سلاحاً وقنبلة وصواريخ، مع أن الصرب الذي يستخدم الجيش الاتحادي عنده الطائرات والدبابات والراجمات والمدافع الثقيلة، وإخوانكم ليس عندهم إلا الكلاشنكوف. وأبشركم أنهم غنموا غنائم طيبة وقتلوا قتلاً جيداً في رقاب الصرب، ولكن بحاجةٍ إلى السلاح؛ لأن حجم المعركة أكبر مما نتصور. أيها الأحبة: إننا نريد أن نريق دماءنا باختيارنا، نريد أن نصب دماءنا بإرادتنا، في الزمان والمكان الذي نريده، لا أن نجر كما تجر الشياه من الحظيرة فتذبح في المكان الذي يختاره الجزار، طالما أن الدم مراق، وأن الروح تزهق، وأن النفس متصاعد، نريد نحن أن نختار مكان الموت، وساعة الموت، وطريقة الموت، والقضية التي من أجلها نموت. ختاماً: أيها الأحبة: قضية البوسنة بحاجةٍ إلى دعايةٍ إعلامية، بحاجة إلى إعلام، أن تتابعوا ذلك، وإني أدعو الشباب المسلم وخاصةً من يجد في نفسه كفاءةً صحفية أن ينسق مع الإخوة هناك في كرواتيا، وفي البوسنة؛ لكي تنشأ مجلةٌ على غرار مجلة المجاهد والجهاد والبنيان المرصوص، تنشأ مجلة اسمها طلائع الفتح في أوروبا، أو بأي اسم آخر المهم أن توجد مجلةٌ أسبوعية أو نصف شهرية، ومن ثم يكون للمسلمين في كل مدينة مكتب متخصص لأخبار وقضايا البوسنة والهرسك، ومن خلاله يكفل الأيتام، وتقدم الكفارات، وإفطار الصائم، وإطعام المساكين. ثم بعد ذلك -أيها الأحبة- سيأتي فصل الشتاء والبرد القادم، لقد زرنا مخيمات البوسنيين، فوجدناهم يسكنون في ورشٍ قديمة مهجورة، ماذا تفعل هذه الورش إذا بلغت درجة الحرارة خمسة عشر تحت الصفر، وعشرين تحت الصفر؟ ماذا ستفعل هذه المظلات؟ أو أماكن قديمة، والناس بأمس الحاجة إلى معونة الشتاء القادمة، وأحوج منهم الذين هم في براجدة وسراييفو وبعض المناطق التي تشهد شتاءً قارساً قد ظهرت بدايته من الآن. فيا أيها الأحبة: لا تنسوا إخوانكم، ادعموهم وأعطوهم وابذلوا لهم واسألوا الله أن ينصرهم بنصره، وإنَّا لعلى أملٍ من الله عظيم أن تتحقق سنته في نصرة الإسلام وذلة الظلمة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم آمنا في دورنا، اللهم آمنا في دورنا، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم لا تفرح علينا ولا على بلادنا أو علمائنا أو حكامنا حاسداً، ولا تشمت بنا عدواً، اللهم اجمع شملنا على ما يرضيك، اللهم إنا نرى في عبادك صوراً من الفرقة والشتات أورثت جوعاً وفقراً وتشريداً ومرضاً وقتلى، اللهم فجنبنا ذلك كله، وارحمنا برحمتك، وسخر لنا ملائكة السماء وجنود الأرضين بقدرتك. اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصرهم، اللهم أطعمهم، اللهم اكسهم، اللهم اسقهم، اللهم اجعل شتاتهم دولة، وضعفهم قوة، وتفرقهم اجتماعاً، اللهم أعزهم، اللهم أنزل الرعب في قلوب أعدائهم، اللهم سدد رصاصهم، اللهم عليك بالصربيين، ربنا أهلكهم، واجعلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً، واجعلهم عبرةً لمن بعدهم وحولهم ومن وراءهم يا رب العالمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا. اللهم صلِّ على محمدٍ وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف أمراضنا، اللهم داوِ أسقامنا، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفتيه، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

التبرج والسفور

التبرج والسفور إن تدني الأمة في مستواها العلمي والإيماني، وتركها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له آثار عديدة، ومن أكثر هذه الآثار خروج نساء المسلمين إلى الأسواق والشوارع متبرجات سافرات، فعلى الأمة واجب كبير تجاه هذا المنكر العظيم الذي قد تفشى وانتشر بتأثير أعداء الله فيه، ومن هذا الواجب إقامة الندوات والمحاضرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة الفردية والجماعية وغير ذلك.

ظاهرة انتشار التبرج والسفور

ظاهرة انتشار التبرج والسفور إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه ومن استن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اعلموا أن الله ما خلقكم ليستكثر بكم من قلة، أو ليستعز بكم من ضعف، وإنما خلقكم لعبادته فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. معاشر المؤمنين: لا شك أننا نعيش نعمة عظيمة لا يحيطها وصف، ولا يدركها بيان، نعمة في أبداننا، وأمناً في أوطاناً ومزيداً في أرزاقنا وذرياتنا: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18]. ومن المؤسف حقاً -يا عباد الله- أن نجني على أنفسنا بالسعي الحثيث لزوال تلك النعمة وذلك بما تكسبه الجوارح من الآثام والمعاصي والمنكرات، التي هي أول معول يقوض أطنابها، ويعجل بزوالها، إنا لله وإنا إليه راجعون! معاشر الأحبة: لاشك أن الطاعات برحمة الله أسباب النعم وأن المعاصي جوالب النقم: وإن كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم وإياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديد الوخم وسافر بقلبك بين الورى لتبصر آثار من قد ظلم فتلك مساكنهم بعدهم شهود عليهم ولا تتهم وما كان شيء عليهم أضر من الظلم وهو الذي قد قصم فكم تركوا من جنان ومن قصور وأخرى عليها أطن صلوا بالجحيم وفاتوا النعيم وكان الذي نالهم كالحلم عباد الله: المعاصي التي نرتكبها ونراها ونبصرها كثيرة جداً، ولكن ستر الله وعفوه ورحمته تهون أمرها على كثير من الناس، ومع عفو الله وستره فلا يعني ألا نمعن النظر أو نقلب البصر في لون من ألوان المعاصي الذي يقع فيها بعض المسلمين بإقرارهم، وبعض المسلمات بفعلهن، تلكم المعصية التي كانت سبباً لضلال كثير من الشباب، وانحرافهم عن جادة الصواب، وانحرافهم عن جادة الصلاح، وانحدارهم في ألوان المعاصي والآثام واحدة تلو الأخرى، أتدرون ما تلك المعصية؟ إنها جريمة التبرج والسفور، جريمة اجتماعية وعصيان لله، وكسر للفضيلة والحياء، التبرج والسفور إظهار المرأة للرجال الأجانب الذين ليسوا من محارمها ما أوجب الشارع ستره من زينتها ومحاسنها، وكلكم -معاشر الأحباب- يلحظ هذا الأمر جهاراً نهاراً في الأسواق وغيرها. ومظاهر التبرج في هذه الأيام أخذت أشكالاً متناقضة، فترى المرأة قد غطت وجهها بغطاء شفاف، وارتدت عباءة شفافة أيضاً على كتفيها، وثوباً يقطع ويفصل مفاتنها من أعلاها إلى أسفلها، مع إبداء النحر والذراعين محلاة بالذهب، أو شق جانب الثوب يميناً أو شمالاً لتلتهب الفتنة بخروج الساق عارية، ثم تجوب الأسواق معطرة مزينة بمشية مائلة متمايلة، وإذا خاطبت صاحب الحانوت كشفت عن وجهها وحدثته بلسان متكسر، وعبارة تفوح منها رائحة العبث والفتنة، هذا من أكبر الذنوب، وأخطر المعاصي فتكاً بالنساء والرجال بل بالمجتمع بأسره، فكم من شاب وقع أسيراً لنظرته المسعورة لامرأة كهذه! وكم من رجل واقع الفاحشة ولم يقلع عنها إلى يومه هذا وقد يكون متزوجاً! وكم من رجل زهد في زوجته وتمنى أن لو لم يرها بفتنة تلك المرأة في بصره وقلبه! عجباً عجباً -يا عباد الله- أن تؤثر امرأة ضعيفة! وهي كما يقول القائل: وهن أضعف خلق الله إنسانا أن تؤثر بفتنتها ومشيتها وتكسرها في مجتمع بأسره ولا غرابة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما تركت بعدي فتنة أضر على أمتي أو أضر على الرجال من النساء فاتقوا الدنيا واتقوا النساء). عباد الله: إذا كان القرآن الكريم يخاطبنا بقول الله جل وعلا: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] ذلك في زمان الصحابة وذلك في عصر النبوة والخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف الحال في زماننا هذا وكيف الأمر في واقعنا هذا الذي تكسرت فيه الأقوال! وتلطف الرجال وتكسروا في مقيلهم وقولهم للنساء! إنا لله وإنا إليه راجعون! فانظروا كم حقق الشيطان من نصر في أولئك بجنديٍ من جنوده وهي المرأة المتبرجة السافرة، ويوم أن نسمع هذا الكلام أو نقوله لا نعني أننا نحكم على النساء قاطبة بالتبرج والسفور؛ بل إن من بينهن من يخرجن لحاجة مقصودة في لبس ساتر، ومشية مستقيمة، قد أسدلت خمارها على وجهها، وأضفت عباءتها على ثوبها الواسع الذي لا يصف مفاتنها، ولبست قفازاً لستر يديها، فهذه لا يجرؤ عابث على ملاحقتها في نظره، ولا يجد الشيطان فيها كميناً ينصبه لفريسته، ولا يملك من رآها إلا أن يدعو لها ولبنات المسلمين بالستر والتوفيق.

تحريم التبرج والسفور وآثاره على الناس

تحريم التبرج والسفور وآثاره على الناس نعود إلى مشكلة التبرج والسفور لنرى أن القرآن قد ذكر هذا الموضوع في قوله جل وعلا: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33] فالتبرج من عادات نساء الجاهلية، ولا شك أن امرأة تخرج بهيئة متبرجة فإن الشيطان يستشرفها ويعد بها ولها الفتنة والبلاء بخروجها، ولا يشك مسلم في حرمة هذا الفعل الدنيء، فهو حرام بمقتضى مصالح العباد في تحريمه لو لم يرد دليل ينهى عنه، فكيف وقد جاء الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) فلتعلم النساء، علموهن -يا معاشر الرجال- أن هذا الأمر حرام وشر مستطير، وعلموهن بهذا. ومن مساوئ هذا التبرج والسفور أن يصاحبه اختلاط المرأة بالرجل وانفراده بها في محله أو معرضه أو في الطابق الثاني من المعرض، فإذا جاءت المرأة متبرجة بالصفة التي ذكرنا، وصاحب ذلك الخلوة والانفراد فقد وقع المحذور إلا ما شاء الله، وكيف لا يقع والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه. ومما يجرح القلب أن ترى صاحب الحانوت أو المعرض لا يتردد أن يلبس المرأة التي جاءت إلى معرضه، لا يتردد أن يلبسها حلياً أو مصاغاً أو ملبوساً بعد أن مدت يديها له بحجة أنه يساعدها في ذلك، وهو يعبث بيديها ويقلبها بين يديه في صورة المعونة والمساعدة، وهذا واقع في كثير من النساء اليوم، فإن كانت لوحدها فمن الملوم هي أم وليها أو كلاهما جميعاً، وإن كان زوجها بجانبها فهو ديوث على رضائه بما يرى، ولا شك أن ذلك التبرج يشعل فتيل النظرات الجائعة التي أعقبت حسرات وأنات ضائعة، بفعل غافل أو جاهل عن ذكر الله وأمره ونهيه، فلم يقدر عاقبة نظره: وأعقل الناس من لم يرتكب عملاً قد لا يفكر ما تجني عواقبه إن التبرج والسفور لو لم يأت من مصائبه إلا أن يجعل الناس لا يغضون أبصارهم، وأن يطلقوا نظراتهم في الحرام، فكفى به بذاءة وخسة ودناءة، يقول ابن قيم الجوزية: وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر ويقول الآخر: كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر ولهذا الجانب من آثار التبرج وهو النظر حديث يخصه إلا أنا ذكرناه بأنه أول مصيبة تنجم عن رؤية المتبرجات السافرات، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني: زانية) رواه الترمذي وقال: حديث صحيح، وفي رواية: (أن المرأة إذا استعطرت فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية) أعوذ بالله من التبرج والسفور، نعوذ بالله ونعيذ نساءنا ومحارمنا وبناتنا من التبرج والسفور، ونسأل الله على ألا يرينا فيهن عورة مهتوكة أو ستراً منكشفاً. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

النساء وخروجهن الأسواق لغير حاجة

النساء وخروجهن الأسواق لغير حاجة الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، الحمد لله حمداً يرضي ربنا، الحمد لله حمداً ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، وكلنا لربنا عبد، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار. معاشر المسلمين! لا شك أن ضعف الإيمان في قلوبنا، لاشك أن تقاعسنا عن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلة العلم الشرعي، وسوء التربية والتوجيه من الأمور التي أورثت نوعاً من هذا الجيل يجوب الأسواق والطرقات غاديات رائحات، لا مهمة لهن إلا الفتنة والبلاء، ومن أراد أن يتأكد من هذا فليقف في السوق لحظة ليتأكد أن جميع من في هذا السوق ما جاءوا لقضاء حاجة وإنما النسبة القليلة التي جاءت لقضاء شيء من حاجاتهن أو حوائجهم، والكثير منهن لو دقق الإنسان النظر لوجد أنهن يجبن السوق غاديات رائحات، ولكن الإنسان إذا دخل السوق لحاجة فهو تراه يمشي مسرعاً لقضاء حاجته وللخروج من هذا المكان الذي هو أبغض البقاع عند الله، فيظن أن الناس مثله في قضاء حوائجهم، وفي نفس المقصد في الإتيان إلى هذا المكان، والواقع خلاف ذلك، ومن اتصل أو جالس رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أخذ حديثاً من رجال الأمن لعرف أن كثيراً من المصائب تدبر وتحاك، ويكون موقع العمليات فيها هي الحوانيت، فإن لم تكن فموقع التخطيط والمؤامرة، إن ذلك لا يكون عبثاً، وإنما هو أمر مدبر، ومصيبة تحاك، نسأل الله جل وعلا أن يرينا فيمن يدبرون لهذا المجتمع عجائب قدرته، وأن يفضحهم على رءوس الخلائق أجمعين. معاشر الأحباب: ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن، ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس، وقالت عائشة: أما لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم من النساء أو رأى من النساء ما رأينا -تقوله عائشة في زمانها- لمنعهن المساجد) فتأملوا هذا الحديث وانظروا عظم الفارق بين ذلك وزماننا هذا نسأل الله جل وعلا أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. عباد الله: إن للمجلات الخليعة والأفلام الماجنة لدوراً عظيماً في حث تلك الفتيات إلى أن يجبن الأسواق غاديات رائحات، ومتى عرفنا النساء يتوسطن الشارع ويزاحمن الرجال بأكتافهن؟! ومتى رأينا النساء يرفعن أصواتهن في مجامع الرجال إلا يوم أن انتشر هذا البلاء، ونحن الآن في نعمة عظيمة مع عظم هذه النعم ومع انتشار هذه المنكرات في الجانب المقابل نسأل الله ألا يكون ذلك استدراجاً ونسأل الله ألا يعذبنا بذنوب غيرنا: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25].

دور الأمة أمام مشكلة التبرج والسفور

دور الأمة أمام مشكلة التبرج والسفور معاشر الأحباب: ما هو دوركم أمام هذه المشكلة؟ أيكفي أن تسمعوها أو تحوقلون؟! لا يكفي، فلكلٍ دورٌ ومسئوليةٌ أمام هذا الأمر: أما أول دور: فهو في أنفسنا وأسرنا بالتربية والتوجيه، ومناقشة هذا الموضوع مع محارمنا وبناتنا مناقشة جدية، نبين لألئك الفتيات الغافلات أن هذا أمر مدبر وأن نهايته الانفتاح والإباحية. الأمر الثاني: أن نبث الوعي بخطورة هذه الظاهرة، وأنها تجني على الأجيال بما تجر عليه من الانحلال والإباحية ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهذا الدور بالمشاركة في الندوات والصحف والإذاعة وغيرها من وسائل الإعلام، فلا يترددن مسلم يملك أن يقدم نصيحة في هذا الباب، أو في أي وسيلة من الوسائل يقدمها لينفع المسلمين بذلك. الأمر الثالث من دورنا: أن ننكر هذا المنكر بأنفسنا أن ننكره بألسنتنا؛ لأن الإنسان حينما تتقد في قلبه نار الغيرة فوالله لا يصبر أن يرى امرأة متبرجة، فإن كانت في سيارة مع زوجها وما أكثر انتشار هذه الظاهرة في هذه الأيام، كثيراً ما ترى المرأة قد كشفت عن وجهها متزينة متجملة في السيارة بجانب زوجها، أفنلوم زوجها أم نلومها هي: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم دورنا أمام هذا أن نلتفت إلى زوجها في سيارته، وأن نحدثه حديث المشفق الغيور، اتق الله في زوجتك هذه لو يراها جائع لم ير جمالاً لأصابها بعين فابتليت بها وابتلاها بتلك العين، ولو رآها مجرم لا يهمه في أي وادٍ هلك لتبعك وتبعها مع أعوانه ليفتك بك وبها في مصير أن ينال منها ما تشتهيه نفسه، ولو رآها إنسان حاسد أو فاسق لشنع بها ولذكرك في مجالس الناس وأن زوجة فلان رأيتها في المقام كذا وكذا وأولاً وأخيراً نذكره بأن هذا أمر لا يجوز، فإن كنت مسلماً ومؤمناً وتقول: الإيمان في قلبي فأرنا قليلاً من الإيمان بأمر سهل تأمر به زوجتك، أما إن رأينا امرأة مع سائق من السائقين وما أكثر هذا الأمر! أن تجد المرأة متبرجة كاشفة وولي الأمر في تلك اللحظة هو السائق، لا يملك أن يرد عنها قليلاً حتى لو ضيق ذلك السائق إلى أضيق الطريق، أو يلجأ إلى أن يقف بسيارته لينال أولئك العابثون من هذه المرأة شيئاً، فإنه سائق مسكين لا يملك حولاً ولا قولاً ولا قوة، وبعد ذلك قد تنتهي هذه المصيبة بهذه المرأة بسبب تفريط وليها في هذا الواقع، علينا إذا أمكننا في ذلك إن رأيناها في سيارته أو رأيناها في سوق أو في مجمع أو في مستشفى أو في أي مكان أن نكلمها عبارة لطيفة لا تكسر فيها ولا خضوع؛ لأن المرأة لا تتحمل ما يتحمله الرجال من غلظة القول وغضاضته، علينا أن نقول لها: اتقي الله واستري نفسك هداك الله، اتقي الله، وأنت بهذا تعرضين نفسك ستر الله عليك، بدعاء قليل، وكلمات طيبة، فإنها لا شك أنها تبادر بالخجل، وقد لا تنقاد في المرة الأولى لهذه النصيحة ولكن بتكرار هذه النصيحة منك ومن أخيك ومن غيرك من أبناء هذا المجتمع، فإن النتيجة في نهاية الأمر تكون ولله الحمد ظاهرة منكرة غيرناها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يستر على نسائنا ونساء المسلمين، اللهم يا فرج المكروبين ويا نصير المستضعفين ويا إله الأولين والآخرين! نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت أن تستر على نسائنا، اللهم لا ترينا فيهن فضيحة، اللهم لا ترينا فيهن عورة مكشوفة ولا ستراً مهتوكاً. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد المسلمين بسوء، وأراد المسلمين في هذا البلد خاصة وغيرها من البلاد عامة، اللهم من أرادهم بسوء وأراد ولاة أمورنا بفتنة وعلماءنا بمكيدة، وشبابنا بضلال، ونساءنا بتبرج وسفور اللهم فاجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أرنا فيه يوماً أسود، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً اللهم صل وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، نبيك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء، وعن بقية العشرة المبشرين بالجنة، وأهل الشجرة وأهل البيعة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

التحليل القرآني للأحداث

التحليل القرآني للأحداث إن القرآن الكريم هو منهج المسلم في تفسير الظواهر والأحداث من حوله، وإن فسرها من شاء بما شاء، ولأجل ذلك جاءت هذه المادة موضحة لهذا المبدأ المهم في حياة كل مسلم، ولقد انتقل الشيخ بعد ذكر المقدمة لبيان حقيقة أفكار حزب البعث من الكفر المعلن واتباع مناهج القومية والعلمانية والاشتراكية، وأكد ضرورة الإعداد لمواجهتها.

القرآن هو منهج المسلم في تفسير الأحداث

القرآن هو منهج المسلم في تفسير الأحداث الحمد لله الذي جعل العزة والكرامة والأمن والطمأنينة لمن أطاعه وحَكَّم شرعه، وجعل الذلة والصغار والخوف لمن خالف أمره، وخالف تحكيم كتابه وسنة نبيه، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته وعظمته، الأرض جميعاً قبضته، والسماوات مطويات بيمينه، وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يعلم جنوده إلا هو، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم وللأولين وللآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. واعلموا أن التقوى مع حسن الخلق أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة، وما ذاك إلا أن التقوى تتضمن مراقبة الله في السر والخفاء قبل العلانية، وفي الباطن قبل الظاهر. معاشر المؤمنين: يظن كثيرٌ من المسلمين في خضم هذه الأحداث المتلاطمة التي أصبح يتكلم فيها كلٌ في منهجه، وكلٌ بمنظاره، وبطريقه، فالذين يؤمنون بأن الغلبة والقوة لمن ملك القوة المادية والسلطة العسكرية، والآخرون الذين يظنون أن من ألف الشعوب وجيَّش العواطف، أنه سيكسب هذه الجولة، وقليلٌ من أولئك الذين يظنون أو يعلمون أو يتيقنون أن الأمر لمن كان قريباً من الله جل وعلا بصريح قوله سبحانه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52]، ولقوله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]، ولقوله تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. في خضم هذه الأحداث، وفي هذه الأمواج المتتالية من التحليلات والتوقعات، والأنباء والأخبار وغير ذلك، ليس لدينا إلا منظار واحد، سواء حلل الغربيون بطريقةٍ معينة، أو حلل الشرقيون بطريقة معينة، أو ذهب أرباب الفكر والسياسة إلى منهجٍ معين، اعلموا أن منهج المؤمن وتحليله للأحداث لا يتغير؛ لأنه مرتبطٌ بمرجعٍ واحد ألا وهو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومتى أصبح هذا الحدث أو غيره من الأحداث أعظم من أن يكون موجوداً في كتاب أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله جل وعلا يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]؟ إن أي واقعةٍ، أو نازلةٍ عسكرية، أو سياسية أو اقتصادية، أو أي ظاهرةٍ من الظواهر كما يسمونها، وإن للمسلم فيها منهجاً واحداً يعود إليه في كل حال، ألا وهو هذا الكتاب الذي حوى كل شيء، وما فرط الله فيه من شيء، ولكن من الذي يستطيع أن يفهم هذا الأمر، ويستنبط هذا التحليل، ويدرك هذه الحقيقة؟ إنهم أولو الأمر منهم كما يقول جل وعلا: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] إن أقواماً عجزت عقولهم أن تدرك استنباط تحليل الحدث من القرآن، فذهبوا يستلهمون استنباط الأحداث وتحليلها من إذاعة لندن أو من رويتر، أو من أي وكالة من الوكالات، وعجزت عقولهم أن تدرك معنى القرآن والسنة ذهبوا ليقبلوا أقوال وتحليلات البشر، وبنوا على هذا كل أمر، وتصرفوا على هذا في كل وجهٍ ومسلك. إذا كان ذنب المسلم اليوم جهله فماذا على الإسلام من جهل مسلم إذا تخلفت عقول بعض المسلمين أن يعرفوا كيف يحللون الأحداث، وكيف يفسرونها، وعجزت عقولهم عن تفسير ومعرفة ذلك من القرآن فليس الذنب على القرآن أو السنة، بل العتب واللوم والملامة تقع على هذه العقول المتخلفة التي عجزت عن فهم الأمور القرآنية وقبلت تحليل البشر من كل جانب، نحن لا ننكر أن نتسمع الخبر أو أن نعرف الخبر، فالخبر واقعةٌ ندركها من خلال هذه الوسائل، لكن المصيبة المرة أن نذهب ونقبل تفسير الخبر من كل ناعق، ومن كل ببغاء، ومن كل مقلدٍ ومردد، متى أصبح المسلم يفقد ميزانه؟ متى أصبح المسلم لا يملك ميزاناً يقيس به الأحداث، ويرد إليه الأمور كلها؟ {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} [النساء:83]. أقول: يا معاشر الأحبة! هذه المقدمة؛ لأن في هذه الأيام راج سوق أجهزة الراديو التي تقرب الإذاعات البعيدة، والتي تصفي الإذاعات المشوشة؛ لكي يسمع الناس الأنباء صباح مساء، فإن سمعوا نبأً وتحليلاً مُطَمْئِنَاً ناموا مطمئنين، وإن سمعوا نبأً وتحليلاً مروعاً ناموا خائفين، وبالصباح مرجفين، وتراهم متقلبين، أي مسلمٍ يعير عقله إذاعةً أو يعير عقله تحليلاً لكافرٍ أو لمسلم؟ ليت عنده ذلك البعد القرآني، والفهم النبوي الذي ورد في الكتاب والسنة. معاشر المؤمنين: هذه مسألة ينبغي ألا تغيب عن البال، وينبغي أن نعلم أنهم وإن أطبقوا وجمعوا وحللوا وأرادوا، أو توافقت وتواترت تحليلاتهم وتوقعاتهم في أمرٍ من الأمور هل سيكون غداً؟ فإن مسلماً بلغ من الجهل والغباء منزلة أن يظن أن ما توقعوه يتحقق غداً، وحتى أثبت لكم أن بعض المسلمين وقع بهم الغباء والسذاجة، والبساطة والغوغائية إلى حدٍ بعيد، خذوا هذا المثال: لو سمعنا الآن تصريحاً لأربعة من الوزراء، أو الرؤساء، أو من العسكريين، أو من المحللين والإخباريين، توافقت فيه آراء أربعة أو خمسة لانتظرنا نتيجة وتحقق هذا الحدث في الوقت والساعة واللحظة التي حللوا وقدروا أن يكون الحدث فيها، ويوم أن يقال لمسلم: إن الله يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] تجده يتردد هل يرفع يديه أم لا؟ وهل يدعو؟ وإذا دعا هل يستجاب له أم لا؟ هنا تخرج العقيدة، وهنا يظهر جهل كثير من المسلمين أن يعتقدوا تماماً أن ما يحلله ويقوله البشر ينطبق لا محالة، وأن ما يقوله الله وإن بيتوا في نفوسهم أنه لا شك في صدق الله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87] تجد أحدهم يتشكك ويتردد هل يقع أم لا؟ لماذا هذا اليقين والاعتقاد والجزم الكامل بوقوع ما تنبأ به البشر؟ وذلك الشك والتردد في حدوث ما حكم به رب البشر، أليس هذا خللاً في العقائد؟ والله إنه لخلل. والله إننا -أيها الأحبة! - نشهد حالةً من ضعف التوكل على الله، وإن كنا نقول بألسنتنا: نحن متوكلون على الله، لكن حقيقة التوكل لم تظهر جليةً في السلوك والتصرفات والعلاقات. مثالٌ آخر: لو قلنا لبشرٍ: كل السم، لقال: لا آكله؛ لأن السم قاتل. ولو قلنا: ادخل النار، لقال: لا أدخلها؛ لأن النار محرقة. ولو قلنا: ادع ربك حتى يستجيب لك في هذه النازلة والواقعة فإنك تجد الدعاء آخر سلاحٍ يفكر به، لماذا؟ لأنه يعتقد جزماً ويقيناً أن السم قاتل، وأن النار محرقة، وليس اعتقاده بنفس الدرجة في الدعاء، لماذا يا عبد الله؟! أليس هذا دليلاً على خداع النفس وضعف التوكل على الله؟ بلى والله. وإن مثل هذه الأمور أظهرت خلل بواطن الناس وضعف قوة تنكر العقيدة في قلوبهم، يوم أن التهبت التحليلات والأنباء والأخبار في هذه الواقعة، ولا تجد أحداً إلا وجهازه عند أذنه، يسمع وينصت وإذا تكلم ولده أو زوجه سكته حتى لا يفوت قليلٌ ولا كثيرٌ من الحدث، ولو أن ذلك الوقت الذي صُرف في تتبع الإذاعات والموجات صُرف في التضرع والدعاء والخضوع لله لرد الله هذا البلاء عنهم جميعاً: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام:43] لكن ماذا حصل؟ لم يتضرعوا: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:43] فقسوة القلوب، وضعف تمكن العقيدة فيها هو الذي جعل كثيراً من المسلمين يتخبطون حيص بيص، ويمنةً ويسرة، ويا أسفاً على أمةٍ رجالها بهذا المستوى من ضعف تنكر العقيدة!! ولا أقول كلهم، بل أقول بعضاً قليلاً حتى لا يعم شؤم الأمر عامة المسلمين. أيها الأحبة في الله: ينبغي أن نحلل كل واقعة تحليلاً قرآنياً نبوياً قبل أن نسمع تحليل الأنباء والأحداث من مختلف وكالات الأنباء العالمية وغيرها، ينبغي أن نرد الأمور إلى الله، أن نرد الأمور إلى العلماء الذين يدركون العبر، وما ذكر الله في كتابه، ويدركون حقائق الأمور مربوطةً بالقواعد الشرعية، والمصالح العامة التي تضمنها هذا القرآن وهذه السنة.

حقيقة أفكار حزب البعث

حقيقة أفكار حزب البعث أنتقل بكم إلى أمرٍ آخر أيها الأحبة! إن تزاحم الأحداث في هذا الزمان، وما نلاحظه من تفاعل الناس مع الأحداث يدعونا إلى أن تكون الخطب متعددة المواضيع حتى تغطي أكثر من أمر، وتعالج أكثر من مشكلة تدور في أذهان الكثير من الناس، يظن بعض السذج والبسطاء أن الحملة التي قامت لتكفير البعثيين إنما هي عاطفةٌ وطنية، يظن الكثير أننا يوم أن قلنا: إن البعث ومن اعتقد أفكاره كافرٌ ملحدٌ لا محالة، أن هذا نتيجة الموجة السياسة، أو نتيجة العاطفة الوطنية التي قادتنا ودعتنا إلى هذا الأمر، كلا والله. ولكن كما قلنا: إنما ندين القوم من أفواههم (وعلى نفسها جنت براقش) أعيد لكم أفكار حزب البعث، وحقيقتها، وما يظهر جلياً في بعدها عن كتاب الله وسنة نبيه، وبعد ذلك لا أحكم أنا، بل أنتم الذين تحكمون:

الكفر المعلن

الكفر المعلن إذا كان شعار البعث: آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني هل يبقى على الإسلام من يعتقد غير الله رباً؟ لا والله. إذاً ما كفرنا البعثيين عاطفةً وطنية، وما قلنا بكفر البعثيين عن عاطفةٍ أو موجةٍ سياسية، وإنما نقول ذلك من صريح ما عرفناه من العقيدة، وما درسناه من التوحيد، وما عرفناه من الشريعة. وآخر يقول، وهو من أساطين البعث ورجاله المقدسين: (بلادك قدمها) هذه دعوى القومية في الحزب العربي البعثي. بلادك قدمها على كل ملةٍ ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم هبوا لي ديناً يجعل العُرب أمةً وسيروا بجثماني على دين برهم سلامٌ على كفرٍ يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم (فقد مزقت هذي المذاهب) يعني مذاهب الفقه ومذاهب الاتباع للدين. فقد مزقت هذي المذاهب شملنا وقد أودعتنا بين نابٍ ومنسم هل يبقى على الإسلام من يقول ويعتقد هذا الكلام؟ لا والله. إذاً ما كفرنا البعثيين عن عاطفة، أو عن موجةٍ سياسية أبداً.

قيامها على فكرة القومية العربية

قيامها على فكرة القومية العربية تقوم أفكار البعث على القومية وهي الوحدة، وعلى الاشتراكية ويسمونها المساواة، وعلى العلمانية وهي الحرية، أما القومية: يريدون -كما قلت- أن يجمعوا العرب في إقليمٍ واحد، في إطارٍ واحد، في نظامٍ واحد، أياً كان أولئك العرب؛ نصارى أو مجوساً، أو بعثيين أو نصيريين أو جرذيين، أو أي فئة كانوا، يريدون أن يجمعوا العرب في مكانٍ واحد، إن البهائم وهي بهائم لا تستطيع أن تجمع أصنافها في حظيرة واحدة، فما بالك بالبشر الذين تتباين وتختلف عقولهم وسلوكهم وتصرفاتهم، كيف تريد أن تجمعهم في إطارٍ واحدٍ اسمه إطار القومية العربية، والوحدة العربية جمعاء؟ ثم أين الوحدة؟ أرونا براهين هذه الوحدة؟ نعم، ظهرت براهين الوحدة في قتل الدعاة من العرب المسلمين، ظهرت براهين الوحدة في قتل أفراد السنة، ظهرت براهين الوحدة في الاجتياح لدولةٍ عربية مسلمة، ظهرت براهين الوحدة في اعتقال وتعذيب كل من عرف بالدعوة إلى الله، والصدق في كلامه، أهذه براهين صادقة، أم براهين على تكذيب دعوى الوحدة والقومية العربية التي يدعونها؟ وهذا الشعار الذي يرفعونه يتضمن ما يتضمنه من الكفر والفواحش، والكبائر والآثام والمصائب العظيمة، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فهل بعد هذا يبقى مسلمٌ يظن أن من اعتقد أمور البعث وعمل بها كما هو الحال في هذه الطغمة الباغية، يبقى على الإسلام؟! والله إن النصراني يجوز أن تأكل ذبيحته، وتتزوج أخته، وتأمنه، ولا تستطيع أن تأمن بعثياً ملحداً لا يجوز أكل ذبيحته، ولا يجوز أن تتزوج منه، لا نفرق بين غربيٍ وشرقيٍ، وأوروبي وعربي، الكفر كله ملة واحدة، والعقيدة أمرها واحد؛ سواء كانت محليةً، أو إقليميةً، أو عالمية دولية، لا فرق بين كفر العرب وكفر العجم، لا فرق بين كفر العرب وكفر الأوروبيين وغيرهم، فالكفر ملةٌ واحدة.

قيامها على دعوى العلمانية

قيامها على دعوى العلمانية كذلك أيها الأحبة! في دعوى العلمانية التي يقوم عليها هذا الحزب: لا دخل للدين بالدولة، لا علاقة للدين في الدولة، كلٌ يعمل ما يشاء، كلٌ يتصرف كيفما يحلو له، لا سلطان، ولا أمر ولا نهي، ولا قليل ولا كثير للدين في أمور الحياة، سواء الشخصية أو الاجتماعية، أو الاقتصادية والسياسية والدولية وغيرها، ما فائدة هذا القرآن إذاً؟ إذا كان عمالقة بل أقزام البعث الكفار الملاحدة يعطلون القرآن، وماذا يقولون في القرآن؟ يقول طاغوت البعث مؤسس الحزب، ومن حذا حذوه ممن يسمون بالسنة، وقد خرجوا من الدين، كما يقول أحدهم لما نوقش في أمر البعث، قال: ليس ميشيل عفلق هو مؤسس البعث وحده، بل هناك صلاح البيطار مثلاً، هناك فلان وفلان مثلاً، وهم من السنة، قال: نعم. صدق هذا سني كافر. فعلاً، كيف تضيق عقولنا عن رؤية الجبال، ولا تبصر إلا أدنى الأمور، وليست في محلها ولا في موقعها؟!! يقول أولئك من كافرهم وسنيهم الذي يزعم هذه السنية، والسنية منه براء: القرآن تاريخٌ وكتابٌ أدبي جيد. يعني: أن القرآن كلام الله المنزل من فوق سبع سماوات هذا أمرٌ لا اعتبار به! أن القرآن المعجز في نبئه وخبره، وحكمه وعباراته لا عبرة له! القرآن المتعبد بتلاوته لا عبرة له! القرآن الذي يجب الرجوع والتحاكم إليه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] أيضاً هذا لا عبرة له! إنما نعترف بالقرآن، يقول البعثيون: نعترف بالقرآن؛ لأنه عربي اللغة، ولأنه كتابٌ أدبيٌ جيد. والله إن بعض النصارى لأفضل في معتقدهم من هؤلاء البعثيين؛ لأن بعض النصارى يقولون: الإنجيل كلام الله، والقرآن كلام الله، والتوراة كلام الله، وليس أحدهم أفضل من الآخر. ونحن ولا شك نعتقد أن القرآن خاتمٌ مهيمنٌ حاكمٌ ناسخٌ للرسالات السابقة، لكن أولئك لا يعترفون حتى بأن سندية هذا القرآن في كونه كلام الله، بل لكونه كتاباً أدبياً جيداً، ويقولون: إن محمداً بطلٌ عربي. إذاً، ليست الأمة ترفع رأسها بالنبي صلى الله عليه وسلم لأجل نبوته، وإنما لأجل عروبته، إذاً لماذا لا نرفع الرأس بـ أبي لهب؟ لماذا لا نرفع رءوسنا بـ أبي جهل؟ لماذا لا نرفع رءوسنا بأشقى القوم عقبة بن أبي معيط؟ لماذا لا نرفع رءوسنا بـ كعب بن الأشرف اليهودي، وسلام بن أبي الحقيق؟ إذا كان شرف الأمة في محمدٍ بعروبته فليس محمد وحده عربياً، بل هناك من العرب الكثير؛ عبد الله بن أبي بن سلول زعيم المنافقين أيضاً عربي، لماذا لا يرفع به الرأس؟ لكنهم لم يستطيعوا أن يقولوا هذه الأفكار صريحةً، وإنما خرجوا أو ظهروا بشيءٍ يفهمه من يفهمه ويجهله من لا يعلمه: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30] والله إن من تأمل أفكارهم وقرأ شيئاً من كتاباتهم علم كل العلم منتهى وإغراق الإلحاد والكفر والمروق والخروج من الدين والشريعة فيما يعتقدونه، فهل بعد هذا يا عباد الله! نظن أن تكفيرنا للبعثيين الملاحدة هو عن موجة عاطفية أو نخوةٍ وطنية؟! لا -والله- نجرؤ على تكفير مسلمٍ إلا بما نطق به، وشهد به على نفسه مما يخرجه من الدين ويظهره من الملة، فقد كفروا ولا شك في كفرهم معاشر المؤمنين. نعم. قد يكون معهم من السذج والبسطاء، والجهلاء والغوغاء، لكن إذا أصبح الكافر وزمرته الملاحدة يستخفون بهذه العقول، والنهب والسلب لكي يجتاحوا أرض المسلمين وأموالهم وأعراضهم، هل عند ذلك أكف عن قتالهم لأن في جيش البعث وطغمته عربيٌ مسلمٌ جاهل؟ لا. بل لا بد من مقاتلة الطاغية ومقاتلة جنود الطاغية وأذنابه، أياً كانوا على علم أو على جهل؛ لأن الذي يصل إليك يريد قتلك، وانتهاك زوجك، وأخذ مالك، وتدمير بيتك ليس من المعقول أو من المنطق أن تقف وتقول: أتأكد هل هو بعثي كافر ملحد حاقد، أو مسلم من السذج والبسطاء، أتناقش معه قليلاً ثم نبدأ السلاح؟ لا. هذا من الجهل والغباء، وممن يروجه بعض ضعاف العقول في المجالس. يقول بعضهم: إن في الجيش من البسطاء والضعفاء والعقلاء؟ نعم. كونهم في جيشهم وعلى أرضهم وفي بساطتهم وعقلهم فهم يتحملون ما يفعلون ويقفون فيه، وأما إذا تحركوا نحوك شبراً واحداً فاقتل مسلمهم وكافرهم، لماذا؟ لأن القاتل يقتل بكفره، وهذا المسلم يقتل لرد عدوانه، واعلم أنك يوم تقاتله وإن كان مسلماً في جيشٍ عراقي إنما تقاتل دون مالك: (ومن قتل دون ماله فهو شهيد) وتقاتل دون عرضك: (ومن قتل دون عرضه فهو شهيد) والله تعالى قال: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات:9] وقد سماها في الآية التي قبلها من الطائفة المؤمنة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الحجرات:9] لم يقل: واحدة مؤمنة وأخرى كافرة؛ بل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} [الحجرات:9] يعني: واحدة من المؤمنين، فإن بغت مؤمنة على مؤمنة: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:9] فهل بعد هذا يبقى مسلم يقول: أنا لا أدري، أخشى أن أقابل عراقياً مسلماً فأقتله، ما دام متوجهاً ومتسلطاً بسلاحه، سواء كان ذَنَباً للبعث، أو طامعاً في مالك أو عرضك، فاقتله ولا تخف، ولا بد من ذلك. جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رجلٌ يريد مالي، أفأقتله يا رسول الله؟! قال: اقتله) ما قال الرسول قف واسأله: هل هو مؤمن أم كافر؟ هل أحد أرسله أم أنه جاء باختياره؟ بل قال: اقتله، قال: قاتله (قال: فإن قتلته يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: هو في النار، قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت إذاً في الجنة) (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد) وإن من يقاتل هذه الأمة الباغية إنما يقاتلها دِيناً قبل أن يقاتلها عرضاً ومالاً، والله لو حكم العراقيون شبراً من الجزيرة ما رفعوا فيه منبراً، ولا أقاموا فيه مسجداً، ولا حَكَّمُوا فيه كتاباً ولا سنة، فهل بعد هذا يظن بعضنا أن من التساهل والبساطة أن نقف أمام الحدث ضعافاً سذجاً بُسطاء مكتوفي الأيدي؟ لا والله. تلك مصيبةٌ وفتنة لا شك فيها، ولكن كما جاءت الشريعة بقاعدةٍ جليلة: (نرتكب أدنى المفسدتين دفعاً لأعلاهما) لا بد أن نمشي قدماً مضياً على القواعد الشرعية التي جاءت في الشريعة.

قيامها على مبدأ الاشتراكية

قيامها على مبدأ الاشتراكية ومن أركان البعث أيها الأحبة: الاشتراكية، فما هي الاشتراكية؟ لا يمكن أن يوجد رجلٌ محدود الدخل بجوار رجلٍ غني ثري، ولو كان ذلك المحدود نواماً عاطلاً باطلاً كسولاً، وذلك الثري حركاً نشيطاً جواباً متنقلاً، لا يمكن أن يستوي هذا مع هذا في الدخل. إن أول ما جاء به أرباب الشيوعية بأفكارهم كـ كارل ماركس، وفردريك إنجلز، ولينين، واستالين وغيرهم، لما قرروا هذه النظرية الشيوعية طبقوها في الاتحاد السوفيتي، قالوا: لا بد أن نأخذ من كل واحد طاقته، وأن نعطي كل واحدٍ حاجته، وما فاض نرده إلى خزينة الدولة فنقسمه على احتياجات الشعب، وإن أغنى فئة وملة وطائفة وفرقة الحزب الحاكم في الاتحاد السوفيتي الذين ينادون بـ الاشتراكية، يملكون قصوراً باللَّونية من أولها إلى آخرها، الذين ينادون بـ الاشتراكية ألا يكون أحد إلا وهو متساو مع غيره، وألا يتفاضل أحد على أحد أبداً. ما الذي حصل؟ جاءوا لتطبيق هذه النظرية فدخل العمال، وتسمى ثورة العمال وغيرها في المصانع، فإذ بالعامل النحيل الهزيل الضعيف، لكنه قويٌ في العمل، ضعيف في البنية، قليل الشهية، جادٌ في العمل ينتج في المصنع ما يساوي عشرة كراسي أو أكثر من ذلك في يومٍ واحد، ويأتي العامل البدين السمين، الذي يأكل شيئاً كثيراً لا ينتج إلا كرسياً واحداً، فهذا أخذ جهد يومه، وهذا أخذ جهد يومه، هذا إنتاجه عشرة كراسي، وهذا إنتاجه كرسي واحد، وأعطي هذا فقط حاجته، وأعطي هذا فقط حاجته، فضلوا في ذلك ضلالاً بعيداً، وأوشكت مصانعهم بالخراب، قالوا: لا بد أن ندخل نظام الحوافز، هذا ما ينادي به البعث الآن، يريدون أن يجعلوا أفراد الأمة كلهم خدماً للخزينة العامة، يعملون كلهم ويعود ريع أعمالهم إلى الخزينة، وماذا بعد ذلك؟ يعطى كل واحدٍ منهم حاجته، سواء صرحوا بهذا الآن أم كان مما تدل عليه أفكارهم. ولذلك نطقوا وأنطقهم الله الذي أنطق كل شيء، ماذا قالوا؟ قالوا: الكويت صغيرةٍ غنية، والعراق كبيرة فقيرة، فلا بد أن نقتسم المال معهم، وسيأتي يومٌ يقولون: السعودية متوسطةٌ أو كبيرةٌ ثرية فلا بد أن نتقاسم معهم الأموال، ثم يأتون إلى بقية دول الخليج بحجة دعوى الاشتراكية. إن العراق ليس فقيراً، ليس مسكيناً أو ضعيفاً، ولكن الفقر والمسكنة والضعف أصابه يوم أن صرفت أمواله على العدوان والحروب والعداوات مع البشر، ثمان سنوات استهلكوا دخل البلاد ودخل من جاورها معه أيضاً، في حربٍ مع الإيرانيين، من الذي سلب خيرات البلاد؟ إنها القيادة الغاشمة الغوغائية التي سلبت ثوب العاري، وطعام المسكين، وشراب الفقير، وحليب الرضيع، وطعام الكهل والعجوز، صرفت كل هذا لمقاتلة إيران، وماذا بعد ذلك؟ هل قاتلوهم لإعلاء كلمة الله؟ أو للاإله إلا الله؟ لا والله. ثمان أو تسع سنوات مضت وفي النهاية أعجب بالنصر؛ قتال ينتهي بخضوع القادة المنتصرين، ظن أن العراق خرجت منتصرة على إيران، وإذ بها تقدم أرضاً كلها مخضبة بدماء أبناء العراق وشبابها ورجالها، تقدم أرضاً مليئة بجثث العراقيين، تقدم أرضاً مليئةً بأفئدتهم وجراحاتهم وأشلائهم وتقول لـ إيران من جديد: تفضلي هذه الأرض وفيها منبعان من منابع النفط الكبيرة. أي أمرٍ يحدث في هذا الكون؟!! إن الشعوب هي المسكينة التي تتقلب في أحوال الجوع والضعف، والهلع والخوف تحت رحمة هؤلاء القادة. ورحم الله الشيخ/ عبد الله بن حميد يوم أن كان في مقابلة مع الملك فيصل رحمه الله رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته، بعيني رأيتهم في فيلمٍ مصور وهو يحرك لحيته ويلتفت إلى الملك فيصل رحمه الله ويقول: الشعوب فيها خيرٌ كثير، لكن الفساد في القادة، فقال فيصل رحمه الله: صدقت! الفساد في القادة. نعم. إن الشعوب هي المسكينة التي يصرف لباسها وكساؤها، وطعامها وشرابها في العداوات، وتبقى جائعة مريضة؛ لا دواء ولا طعام، ولا سكن ولا شراب؛ لكي يصرف على هذا العدوان، ومن هنا احتاجت الأمة إلى صمام الأمان؛ وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا يتسلط أحد على رقاب أحد. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

أهمية التجنيد والتدريب لصد العدوان البعثي

أهمية التجنيد والتدريب لصد العدوان البعثي الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: عملاً بقوله جل وعلا: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال:60]. إن بادرة التجنيد والتدريب التي دعت إليها هذه الحكومة أسأل الله أن يجمع شملها على طاعته، وأن يثبت أقدامها على دينه، وألا يفرح عليها عدواً، وألا يشمت بها حاسداً، إن هذا البادرة العسكرية الطيبة لمن البشارات التي نزف ونتبادل التبريكات والتهاني بها؛ لأن من واجب الأمة أن تكون على مستوى من القوة والإعداد، إن من واجب كل مسلم أن يكون عسكرياً في أي لحظة، خطيباً، أو مهندساً، أو مدرساً، أو ضابطاً، أو إماماً، أو تاجراً، أو موظفاً، أياً كان، لا بد مع كونه مسلماً ومع وظيفته يجمع بعسكريته وجنديته وعمله العسكري، في أي لحظة لا بد أن نكون على هذا المستوى، إن هذا زمن القوة بالله جل وعلا، ثم بإعداد الوسائل وإن من أعد نفسه هابه الأعداء، لو علم اللص أن أهل الدار مسلحون ما استطاع وما تجرأ أن يداهمهم، ولكن يوم علم أنهم ليس عندهم إلا الغناء واللهو والطرب استطاع أن يجتاحهم بلحظاتٍ ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا ما شاء الله منهم وقليلٌ ماهم. فيا معاشر المؤمنين: هذه بادرة نحييها ونباركها، ونسأل الله جل وعلا أن يوفق ولاة الأمر عليها، وندعو شبابنا إلى أن يتدربوا، ويتجندوا، ويتعلموا كيف يحملون السلاح، وكيف يطلق النار، وكيف يذبون على الأقل عن أعراضهم وبيوتهم وأموالهم، من المصيبة أن تجد أسرةً فيها اثنا عشر شاباً ليس فيهم من يفهم في السلاح وكيف يفكه أو يركبه أو يصلحه، أي رجولةٍ هذه؟!! لا فروسية، ولا سلاح، ولا إطلاق نار، ولا عسكرية، إذاً أي رجولةٍ هذه؟! رجولة في الفرش، مصيبة هذه!! ينبغي أن نتعلم هذا الأمر، وأن ندركه، واعلم أن ذلك لا يقدم من أجلك شيئاً ولا يؤخره؛ لأن الآجال بيد الله، وحينئذٍ تبقى هذه الجزيرة صداحةً بالحق، حاميةً بإذن الله للحرمين، رافعةً لواء الدين والشريعة، والسلاح على أكتاف رجالها وشبابها، والويل كل الويل لمن أراد أن ينال منها قليلاً أو كثيراً، لقد أثبت شبابنا رجولةً وبطولةً وقيادةً في أفغانستان، أغلب الشهداء من هذه المملكة، من المملكة العربية السعودية من شهداء أفغانستان الذين يقاتلون مقبلين غير مدبرين ويستشهدون في ساحة الحرب. شابٌ يقاتل في أفغانستان حباً للموت، بحثاً عن الموت، هل يعجز الآن أن يتدرب في بلاده والتدريب مفتوحٌ بين يديه؟! لا والله. بل إن من استطاع أن يصل القمة فهو على ما دونها أقدر، وكلا الأمرين في باب الجهاد قمة. أسأل الله جل وعلا أن يهدي شبابنا وأن يوفقهم أن ينضموا لهذه المراكز، وأن يعرفوا قيمتها ودورها. إن مما يحز في القلب ويجعل الأسى يبلغ بالنفس ما تراه من شبابٍ لا يجيدون إلا التفحيط: عربات تدفقت تشبه الهائج الخضم وعلى كل ساعدٍ رايةٌ زاحتة علم ماجت الأرض بالجموع وداء الفحيط عم تفحيط، مصائب، يفعلون حركات ما وجدت في الخدع السينمائية، أولئك الذين بلغوا هذه الدرجة من الانتحارية في العبث، إن ساحات القتال تبرهن تفوقهم وقدراتهم ومهاراتهم في باب القتال، وليس ذلك على الله بعزيز، وليس ذلك على الله ببعيد، لكن يوم أن ندعو شبابنا إلى التدريب بالحكمة والموعظة والدعوة، وأن يلتفت طلبة العلم من الآن، ولا بد على طلبة العلم أن يشاركوا في مراكز التدريب حتى تملأ بذكر الله والتكبير، حتى تملأ بالصلاة والخشوع، حتى تملأ بالذكر والإرشاد، عند ذلك فعلاً تكون هذه المراكز مراكز دعوةٍ إلى الله، وحراسة لدين الله ومقدسات هذه الأمة، أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين. معاشر المؤمنين: أعود فأذكر -ولا نمل من الذكرى-: إن ما حل بـ أفغانستان وبـ الكويت، ليس على الله ببعيد أن يحل فينا، كونوا صرحاء مع أنفسكم، إن كان في الكويت من يترك الصلاة فإن هنا من يتركها، وإن كان في الكويت من يفعل الفواحش فإن هنا من يفعلها، وإن كان في الكويت من يفعل المنكرات فإن هنا من يفعلها، وإن كان في الكويت من انشغل عن ذكر الله فإن هنا من انشغل عن ذكره وإن اختلف الأمر، وهذا فارقٌ مهم بين السر والعلانية، لكن إن استمرينا على غفلةٍ مضت، فوالله لندفعن الثمن من زوجتي وزوجتك، ومن ابنتي وابنتك، ومن أمي وأمك، من عرضي وعرضك، ومن مالي ومالك، إذا لم ننتبه لهذا الأمر فإننا سندفع الثمن غالياً، ولكننا نسأل الله جل وعلا أن يهيئ لنا عودةً ورجعةً، وتوبةً وأوبةً صادقةً إلى الله وإلى مرضاة الله، وإلى طاعة الله والخضوع والانكسار بين يدي الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

التربية بين المدرسة والبيت [2،1]

التربية بين المدرسة والبيت [2،1] إن الناظر في حياة الفرد المسلم بمراحله المختلفة من نطفة، إلى جنين، إلى طفل، ثم شاب، ثم شيخ كبير، يجد أن هناك وسائل عديدة تؤدي دورها في التربية إما سلباً أو إيجاباً، وقد تحدث الشيخ عن ثلاث وسائل مهمة لها دورها الفعال في التربية وصياغة الشخصية عند الأبناء.

نعمة الحياة والعيش في المجتمع المسلم

نعمة الحياة والعيش في المجتمع المسلم إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! أحمد الله وحده لا شريك له الذي منّ علينا وعليكم بالإسلام، وقد ضل عنه خلق كثير، وكتب لنا أن نولد ونعيش ونتربى في مجتمعات المسلمين، فهذه والله نعمة عظيمة، وما ظنكم بواحد منا لو عاش في مجاهل الصين، أو في أفريقيا، أو في دول الإلحاد والإباحية والكفر، لا ينجو من الكفر إلا القليل القليل، فكانت من أعظم المنن وأجل النعم من الله جل وعلا أن عشنا وولدنا وتربينا في هذه المجتمعات الإسلامية، نسأل الله جل وعلا أن يجعل الإسلام قواماً لها في جميع أمورها دقيقها وحليلها. ومن نعم الله أيضاً أن منَّ الله على هذه الأمة بنعمة التوحيد، وقد ضلت كثير من الأمم والخلائق عنه، فما أكثر الأمم والدول التي تنتسب إلى الإسلام، وتعد نفسها في قائمة العالم الإسلامي والإسلام منها براء، تحكم غير شرع الله، وتذبح لغير الله، وتدعو غير الله، وتقيم مناسبات بدعية يشرك فيها بالله جل وعلا، وصدق الله العظيم حيث يقول: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106]. يظنون أنهم على إيمان، ولكنهم في الحقيقة قد وقعوا في الشرك، ونسبة الإيمان أو الشرك أمر يعود إلى الجملة والفئة العامة، ولا عبرة بالنوادر والقليل، إذ لا تخلو أمة أياً كانت بعيدة أو قريبة من موحد من الموحدين. كانت العرب تقر بأن الله هو الخالق وهو البارئ وهو المهيمن وهو المتصرف، وقد ورد ذلك في كلامهم وفي أشعارهم، يقول أحدهم: وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق فالأمر لله نافذ في كل دقيق وجلي، ويقول الآخر منهم: ألا قبض الرحمن ربي يمينها إذاً فهو يعرف أن الرحمن هو الذي بيده الأمر النافذ والحكمة البالغة، وإذا قدر أمراً فقدره نافذ سبحانه وتعالى، لكن مع ذلك يشركون مع الله في عبادتهم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ووداً وسواع ويغوث ويعوق ونسراً وغير ذلك من أوثان وأصنام الجاهلية. ما أشبه الليلة بالبارحة! الكفر الذي مضى والوثنية التي سلفت في الأمم الماضية، هو موجود في هذا الزمان، لكن الذي لا يعلم يظن أن الناس كلهم مثل حاله، ولو قدر له أن يرى ما رآه غيره، لرأى الجاهلية الأولى بل أشد منها؛ لأن أهل الجاهلية الأولى كانوا إذا حزبتهم الأمور، واشتدت بهم الكربات، وضاقت عليهم المذاهب، دعوا الله مخلصين له الدين: وإذا ركبوا في الفلك {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس:22] أما كفار هذا الزمان فالأمر يشتد بأحدهم وبأفرادهم وبأممهم وبجماعاتهم، ومع ذلك يقولون: دعونا نجرب مذهباً رأسمالياً، دعونا نجرب مذهباً اشتراكياً، دعونا نجرب مذهباً بعثياً، دعونا نجرب طريقة بدعية، يجربون ويجربون وما يزيدهم إلا ضلالاً وخساراً وبواراً. فرغم ما حل بهم من المحن والمصائب، ما فكروا يوماً من الأيام أن يتجهوا إلى الله مخلصين له الدعاء، والله يجيب المضطر {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] فالحاصل أن من نعم الله علينا في هذه الدولة ولله الحمد والمنة أن عشنا في مجتمع مسلم.

واقع التربية في مجتمعاتنا

واقع التربية في مجتمعاتنا يا أيها الأحبة! إن الحديث في هذه الكلمة المتواضعة يدور حول التربية، والتربية في واقعنا وفي أرضنا، وفي كل مكان وما أجمل الصراحة في الحديث حتى تكون الأدوية على عين المرض! التربية في واقعنا وفي مجتمعنا تتنازعها مؤسسات عديدة، وشأن التربية لا يخلو بين الولد وأمه وأبيه ومجتمع قريته المتواضع الصغير، فلا يمكن أن يوجد شذوذ أو جنوح أو نشاز في طريقة التربية، أو في منهجها ووضعها، لأن الذي يصنع شخصية الفرد كان فيما مضى إمام المسجد، جو المسجد، بيئة المسجد، جو القرية، المزرعة، المدينة المحدودة المتواضعة. أما الآن فالناس قد انفتحت عليهم السبل، وانفتحت عليهم أمور جديدة، شنّفوا لها الآذان، وفتحوا لها الأسماع، فكان لها دور عظيم في صياغة شخصياتهم، وفي صياغة أنماط حياتهم، ومن ذا يقول: أرى شيئاً فلا أتأثر به؟ ومن ذا يقول: أسمع لهواً فلا أتأثر به؟ ومن ذا يقول: أرى أوضاعاً فلا أتأثر بها؟ والله إن كل واحد منا ليتأثر، سواءً شعر بهذا التأثر أو لم يشعر، لكنه في حقيقة أمره متأثر، لا عصمة إلا للأنبياء، أما سائر البشر فإنهم يتأثرون حتى ولو لم يقارفوا الذنوب والمعاصي، فإن عيشهم في مجتمعٍ تنفتح فيه الذنوب والمعاصي، يؤثر على مدى غيرتهم وإنكارهم للمنكرات. ذكر أن واحداً من السلف، كان قافلاً من المسجد عائداً إلى بيته، فرأى في طريقه منكراً، فاشتد غضبه، وانتفخت أوداجه، واحمر وجهه، فلما عاد ما طاق أن يبول إلا دماً، من شدة تأثره، من شدة الهزة العنيفة التي أدركت أعماق أجهزته الباطنية من هذا الجسم، ثم رأى ذلك المنكر فتأثر تأثراً دون الأول، ثم رآه مرة ثالثة ورابعة، فأصبح الأمر عادياً طبيعياً. فالإنسان يتأثر، ولو كان لا يقع في أي شيء مما نهى الله عنه، إلا أن الإنسان بحكم اجتماعيته ويتأثره بمن حوله، لا شك ولا ريب ولا محالة أنه يتأثر بالأوساط التي يخالطها.

معنى التربية وجوها

معنى التربية وجوها وما دام أن الحديث عن التربية أيضاً، فما هو جو التربية؟ وما الذي نعنيه بقولنا: التربية؟ لن ندقق في التعاريف، فالذي نعنيه في هذه الكلمة بالتربية، هو الجو والحيز الذي يصنع أنماطاً معينة في سلوك الشخص. ما الذي يؤثر على هذا فيجعله صادقاً، ويؤثر على هذا فيجعله كاذباً؟ ما الذي يؤثر على هذا فيجعله أميناً، ويؤثر على هذا فيجعله خائناً؟ ما الذي يؤثر على هذا فيجعله ورعاً تقياً، وما الذي يؤثر على هذا فيجعله مجرماً لصاً، لا يحلل حلالاً ولا يحرم حراماً؟ الوسط الجو البيئة لها دور في هذه التربية، والتربية -كما قلنا- نعني بها سلوك الشخص وتصرفاته فحينما نرى شخصاً قد اتسم حديثه بالصدق، واتسمت معاملته بالأمانة، واتسمت عهوده ومواثيقه بالوفاء، نقول: هذا رجل تربيته حقاً إسلامية، حكمنا على هذه التربية من واقع سلوكه وتصرفاته، فهذا هو ما نعنيه بالتربية.

المسئول عن التربية

المسئول عن التربية إن المعني بالتربية خاصة، وبالدرجة الأولى في هذا التربية هم نشأنا وأبناؤنا وصغارنا، كيف نربيهم؟ من يتحمل مسئولية التربية؟ هل هو الأب؟ هل هي الأم؟ هل هي المدرسة؟ هل هي وسائل الإعلام؟ هل هي الإذاعة؟ هل هو التلفاز؟ هل هي الصحف والمجلات؟ من هو المسئول عن صياغة هذه الشخصية التي هي بمثابة العجينة اللينة الطرية، من خلال ما نسلطه عليها، عبر أي جهاز وعبر أي وسيلة، فإننا نستطيع أن نصنع شخصية بعد مدة، ولو ليست بالكثيرة، وسنراها ماثلة أمامنا. إن الذي يحكم هذا الأمر ليس الأب وحده، وليست المدرسة ممثلة في المدير أو في المدرس، وليس جهاز الإعلام، وليس التلفاز وحده، وليست الإذاعة وحدها، وليست الجريدة أو المجلة وحدها، إن الذي يتحمل مسئولية التربية هو مجموع هذه الأجهزة مجتمعة، وأذكر في ندوة سلفت، ولعلها حررت وطبعت، ماذا يريد التربويون من الإعلاميين؟ لإدراكهم أن التربية مهمة حساسة وللإعلام فيها دور، ومن هنا وقف التربيون وقالوا: معاشر الإعلاميين قفوا معنا نناشدكم وتناشدونا، نحدثكم وتحدثونا، ماذا نريد منكم؟ إن جميع الأجهزة التي بين أيديكم ينبغي أن تخضع لنا معاشر التربويين. لا شك أن جميع ما نراه من الأجهزة والدوائر، ومن المصالح والمؤسسات، كلها بمجموعها تسعى إلى إيجاد شخصية صالحة، أو ما يسمى بالمواطن الصالح، وإن كانت كلمة الإخلاص والنصيحة قد تغني، وهي أوسع من هذا الأمر، لكن لا مشاحة في الاصطلاح، ما دام أن جميع الأجهزة والدوائر والمؤسسات كبيرها وصغيرها معنية بصناعة هذا المواطن وهذه الشخصية. إذاً فإن التربويين هم وحدهم بما لديهم من علوم شرعية، وليس الأمر في قطار التربية وحدها، الذين يقولون: ينبغي أن يوجه هذا الدرس بهذه الطريقة، وينبغي أن يوجه هذا الإعلام بهذه الطريقة، وينبغي أن توجه المجلة والمسلسل والفلم بهذه الطريقة. إذاً فالتربية لها دور، ومكانتها والمسئول عنها ليس المدرس وحده، أو الأم أو الأب وحدهما، أو جهاز معين بحد ذاته، لا، الجميع مسئولون عن قضية التربية هذه.

دور المجتمع المحيط بالفرد في التربية

دور المجتمع المحيط بالفرد في التربية حينما نرى جنوحاً أو شذوذاً في تصرفات طفل من الأطفال، هذا التصرف هل هو مولود معه؟ حينما يكون التصرف شاذاً، حينما يكون سلوكه نشازاً بين سائر زملائه وإخوانه، هل يمكن أن نقول: إن هذا التصرف الذي فيه جنوح، ولد مع هذا الطفل الذي بلغ السادسة أو السابعة أو العاشرة، أو دون المراهقة؟ كل مولود يولد على الفطرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة) والفطرة بمعناها الصحيح هي فطرة الإسلام بكل ما جاء به الإسلام من الآداب، الفطرة على توحيد الله جل وعلا، وما ينبني على ذلك من آداب وأحكام (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه) إذا كان يهودياً فالولد ينشأ ويتخرج ويكبر يهودياً: (فأبواه يهودانه أو يمجسانه) إذا كان يعيش في أسرة مجوسية، فالشاب يكبر وينمو مجوسياً (أو ينصرانه) فإذا كان المجتمع نصرانياً؛ فإن هذا الشاب يكبر وينمو نصرانياً، ولم يجئ في الحديث قوله: أو يسلمانه أو يمسلمانه، لأن الإسلام هو أصل الأمر الذي نشأ عليه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30]. الناس فطروا حنفاء، يقول الله جل وعلا في الحديث القدسي: (خلقت عبادي كلهم حنفاء) على الحنيفية التي تقر بوحدانية الله ووجوده، وصرف جميع أنواع العبادة له لكن: (فاجتالتهم الشياطين) إذاً الأجواء والأوضاع التي تحيط بمجتمع أو فرد أو أمة من الأمم لها دور في تغيير سلوكها وتصرفاتها {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172] في تفسير الحديث، وفي بيان هذه الآية، إن الله جل وعلا أخرج ذرية آدم من أصلاب الرجال كأمثال الذر، واستشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا. إذاً فكل واحد منا قد شهد سلفاً، وفطر -أيضاً- على وحدانية الله جل وعلا، وعلى هذا الدين، لكن من قدر له أن يعيش في مجتمع المسلمين تكون حياته إسلامية، ومن قدر له أن يعيش في مجتمعات اليهود أو النصارى أو المجوس أو غيرهم، فتكون بيئته وسمته وصبغته مجوسية أو يهودية أو نصرانية. هذا فيما يتعلق بالأصل، وبالقاعدة العريضة أن الجميع حنفاء وأهل فطرة وموحدون، لكن ما الذي طرأ؟ ما الذي حدث؟ هذه الأسرة التي احتضنت تلك النطفة، إما أن تكون أسرة احتضنت النطفة من أول يوم ألقيت في رحم أم مؤمنة، إما أن تكون وضعت على ذكر لله جل وعلا: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) من تلك اللحظة، وأثر الشريعة والملة والدين يبدو جلياً واضحاً على هذه النطفة التي تنمو في جوف تلك المرأة، والتي وضعها ذلك الرجل حلالاً، قد اتبع ما جاء وما طلب في ذلك من أوراد وأذكار. ثم ماذا؟ هل غذيت هذه النطفة بالحلال أم بالحرام، فإن غذيت بالحلال، فهي لازالت تسير على خط سليم، فإذا ولدت فأول من يصرخ في وجه المولود الشيطان، ولذا يستهل المولود صارخاً، ثم بعد ذلك لا يترك فقيل في يومه أو في ثالثه، وعلى أكثرها في يوم سابعه، يؤذن في أذنه اليمنى ويسمى، وقضية الإقامة محل بحث ونظر. إذاً منذ نعومة الشعر والأظفار، وهذا الجنين وهذه النطفة ترعى رعاية دقيقة حتى تكبر رويداً رويداً، والطفل أيضاً يكتسب اللغة اكتساباً، ويكتسب أيضاً جملة من الأمور التي يشاهدها، لذا ترى كثيراً من أبناء المسلمين ليس أمر الصلاة عجيباً أو غريباً لهم؛ لأنه على فطرة في مجتمع مسلم، ومنذ أن ينشأ وهو يرى أمه وأباه وإخوانه في صلاة وعبادة. إذاً فهو ينشأ على هذا المنوال، وعلى هذا المسلك، فلا حاجة إذا بلغ أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، في حين أن التكليف والمحاسبة والحساب على الذنوب، والحساب على ما يؤمر به وينهى عنه، إنما يكون بالبلوغ، بعلاماته المختلفة بين الذكور والإناث، لكن لا نحتاج في يوم من الأيام أن نقول له: اشهد أن لا إله إلا الله فقد بلغت التكليف؛ لأن هذه الشهادة وجملة من الأمور والواجبات والمنهيات قد اكتسبها وعرفها، وحصل عليها من واقع الأسرة التي يعيش فيها، فإذا عاش حميداً في أسرة مؤمنة صادقة، بدأ يكتسب إلى جانب اللغة الطباع والأخلاق والمعاملة. اللغة اكتساب: أنتم تلاحظون في أي بيت فيه خادمة، فإنها تحدث الطفل بالإندونيسية فيفهمها، ونحن لا نعلم، كلم أي طفل من الأطفال بالفليبينية أو بالإندونيسية: أغلق الباب تجده يغلق، افتح الباب يفتح، افعل كذا يفعل، لا تفعل كذا لا يفعل. الطفل لديه اكتساب على أدق دراسة ثلاث لغات في مرحلة واحدة. إذاً فليس عجيباً أن تكون قدرة الاستيعاب والاكتساب لدى الأطفال قوية، فمادام يكتسب ثلاث لغات في آن واحد، والعجيب أن الطفل حينما يأتي عند أمه وأبيه يعرف ماذا يصلح لهم من اللغات فيكلمهم، وقد تخاطبه الخادمة أو يخاطبه السائق بلغة أخرى معينة فتجده يتخاطب معه، ويعرف أنهم لا يتحدثون إلا بهذا، وهؤلاء لا يتحدثون إلا بهذه اللغة. إذاً نحن نظن أن هؤلاء الأطفال بلهاء، وأنهم عاجزون عن كثير من الأمور، والله الذي لا إله إلا هو إن الأطفال ليدركون أموراً قد لا يدركها بعض كبار السن، مادام الأمر كذلك ولديهم القدرة على استيعاب هذا المقدار المتباين في الخطاب واللغة والضمير والعبارة، إذاً فالطفل قادر على أن يكتسب ما هو أكبر من ذلك.

دور الأب في التربية

دور الأب في التربية إذا شب الطفل رويداً رويداً، تجده يتأثر بأبيه. صديق لي مؤذن أولاده دائماً في البيت يؤذنون، وآخر والده خطيب ولده دائماً يرقي على كرسي، والآخر يصعد على وسادة، إن الحمد لله إن الحمد لله إذاً الطفل يتأثر بوالده حتى فيما قبل مرحلة الدراسة. الطفل الذي تجد بيته قريباً من المسجد، تجده أكثر قدرة على الإنصات والمتابعة، والإلقاء وإعادة الأذان من غيره، لما يحيط به. يهمنا في الدرجة الأولى أن نعرف وضع الطفل مع والده، شخصية الطفل تكتسب التأثير بالدرجة الأولى من شخصية والده، ولذلك فإن أكبر الجرائم أن يسعى أب من الآباء في إفساد أولاده، وذلك بعدم اجتنابه للمعاصي والمنكرات، وعلى أقل الأحوال حنانيك، فبعض الشر أهون من بعض ألا يرتكب المعصية أمامهم إذا كان واقعاً لا محالة، في حين اتفاق الجميع أن المعصية منبوذة ومرفوضة من صغير وكبير. إن الأب من أكبر المؤثرين على ولده، وله أكبر دور في صناعة شخصية ولده، أتلاحظون أباً في مجتمع لا يهمه إلا التدخين ولعب الورق وأمور أخرى، تجد الأطفال يقلدون هذا السلوك بكل دقة. يحدثني شاب يقول: كنا صغاراً إذا خرج أبي وأصدقاؤه من المجلس جلسنا وكل واحد منا واضع رجلاً على رجل، واتكأ وأخذ الشيشة، وأخذ بعضنا يتكلم مع بعض، ويضرب الذي بجانبه برأس الشيشة يا فلان! بنفس الطريقة يسترقون الطباع استراقاً شديداً. والطفل قد يكون أبوه من أهل الطرب والفن، فتجد الطفل يتقن كيف يمسك العود، وانظر إلى شاب والده ذي صناعة معينة، انظر كيف يستطيع أن يحكم طريقة هذه الصناعة وبكل دقة. أعرف رجلاً صرافاً في مكان ما، رأيت مجموعة من أولاده يعدون عملة معدنية بكميات كبيرة، فيعدون بطريقة عجيبة، أحاول أن أعد معهم بنفس الطريقة فلا أعرف، يمكن أنثر هنا ريالاً وهنا ريالاً، أما أولئك فيعدون بطريقة غريبة وسريعة أيضاً، كان والدهم صرافاً، ومنذ الصغر كان يصحبهم إلى محله أو مكان صيرفته، فتأثروا بأسلوبه وطريقة تعامله. إذاً أكبر من يصنع شخصية الطفل هو الأب؛ فإذا كان الأب ممن يعتنون بزي معين، ستجد الابن بالضرورة يريد من أبيه أن يعطيه مثلما يلبس، طفل يرى أباه مغرماً بالبنطلون والجاكيت والقميص، يقول: اشتر لي مثل هذا يا أبي، وتجد طفلاً أبوه عالم بطبيعة عمله يلبس المشلح أو شيء من هذا، اشتر لي مثل هذا بالضبط، يأتي له ببنطلون يقول له: لا أريد، أريد مثل هذا الذي أنت تلبسه، ولو أعطيت المشلح الصغير لابن صاحب البنطلون أو العكس، لا أحد من هؤلاء يقبل؛ لأن كل صغير يرى أن صورة والده هي الصورة الأكمل والأسمى والمثلى. إذاً فنحن لنا دور في صناعة شخصيات أبنائنا وأولادنا، ولذلك إياك أن يراك ولدك ذليلاً فيتعلم منك الذلة، إياك أن يراك ولدك جباناً أو خواراً أو ضعيفاً فيتعلم منك ذلك، إياك أن يراك ولدك خائناً أو مخادعاً فيتعلم منك ذلك، لو رأى الخيانة والخداع من الآخرين لجاء يخبرك مستنكراً، أما وقد رآها منك فسوف يقلدك مفتخراً. إذاً فللأب دور كبير وعظيم في صناعة شخصية ولده، والكثير منا لا يعرف، وإن كان يعرف لا يبالي أن شخصيته لها دور في صناعة ولده، إلا من رحم الله، وقليل ما هم. ونتيجة للجهل بهذا الأمر لا تجد الأب حينما يكون لديه رجال في مجلس علم لا يدعه يجلس، بالعكس دعه يجلس، حينما يرى طريقتك في إدارة حوار، أو طريقتك في إمساك كتاب، أو طرح نقاش، أو طريقتك في طرح قضية معينة، وإن كان لا زال صغيراً على الدخول في أعماق الفكرة، لكن حقيقة الأمر أنه يكتسب رويداً رويداً. وأضرب لكم مثالاً عن نفسي، ودائماً الذي يرزق بأول مولود يحتار لا يعرف كيف يربي، حتى وإن درس التربية، لا بد له من نماذج عملية يقتدي بها ويعرفها، لي ولد صغير أسأل الله له الصلاح، ما كنت أعرف كيف أتعامل معه إذا خرج من البيت بدون إذني، لا زال صغيراً عمره أربع سنوات، وبجوارنا في بيت الجيران لعبة يلعب الأطفال بها، لكني لا أريد أن يكتسب هذا الطفل من الخارج شيئاً. أعرف أهداف التربية، لكن لا أعرف كيف أتعامل معه، تارة أضرب، وتارة أرفع الصوت عليه، وتارة أهدده بالحرمان، وتارة وتارة، قدر لي أن أزور أحد الأصدقاء في دولة ما، ووجدت أطفاله في سن ولدي بالضبط، فكنت جالساً معه في بحث موضوع لا أريد أن يجلس معنا أحد فيه، فقال لأولاده الصغار: لو سمحتم يا فلان وفلان! أنا عندي اجتماع خاص مع عمكم فلان، ورجائي تتيحوا لنا الفرصة نتحدث لبحث الموضوع بصورة من الهدوء، ولو تكرمتم تفضلوا، فهزوا رءوسهم وخرجوا. أنا واثق أنهم لم يفهموا شيئاً، لكن أسلوب المعاملة دل على أن هناك نوعاً من الاحترام، لكن المحصلة النهائية نريد منكم أن تتفضلوا مشكورين، ففهموا هذه القضية وخرجوا، أما تفاصيل الكلام ما فهموا منه شيئاً، فقلت له: أنت تتعامل مع الأولاد بالطريقة هذه، قال: بغير هذه الطريقة لا يمكن أن تتعامل مع الطفل، وفعلاً جئت وعدلت أسلوب التربية، الولد مستغرب جداً. أبي ما هو بصاحي!! قسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحم أحياناً قد تقسو وقلبك كله يتقطع حسرة وشفقة على ولدك، لكن أحياناً تظن أن هذا هو أقرب ما تملك لتوجيه الطفل من مراحل مبكرة، يستغرب ويعجب، خلال فترة معينة استطاع هذا الولد اسأل الله أن يديم علينا وعليكم وعلى ذرية المسلمين الصلاح والهداية والاستقامة، بمجرد الخطاب العادي، يا بني تفضل يتفضل، يا بني نصلي نصلي، اجلس يجلس، اذهب معنا يذهب. السبب أن البعض لا يستطيع أن يتعامل مع ولده بهذا الأسلوب، وبهذه الطريقة، لماذا؟ مادام لك أكبر أثر في صناعة شخصية ولدك، فثق تمام الثقة أن لديه الاستعداد أن يتقبل منك في المراحل المبكرة، ولا يعني ذلك أن الطفل سيكون ملاكاً لا يخطأ، لا، سيكون عنده أخطاء، وستكون عنده نوع من الغرائز التي تنمو مبكرة، غريزة الاعتداء على الأطفال، وأخذ اللعب التي في أيديهم، غريزة الطمع، يريد أن يكون نصيبه أكثر من نصيب أخته، يريد أن يكون الأول في الخروج والدخول قبل إخوانه. مجموعة غرائز معينة، قضية كونه يريد أن يكون الأول، وإذا ركبت السيارة يريد أن يركب في المقدمة، وإخوانه كلهم في الخلف، هي غريزة حب الشهرة، لكنه في هذه المرحلة يترجمها بهذا الوضع، في مرحلة معينة لها صورة، في مرحلة أكبر لها صورة، لكن أصل الغريزة موجودة، غريزة أخذ ما في أيدي الأطفال، حب التملك، وهذه الغريزة تختلف في صورتها بحسب مراحل نمو الإنسان. والإسلام بالمناسبة، وهذا كلام جميل قاله الشيخ مناع خليل القطان، في رسالة أنصح الجميع بقراءتها وأسمها تهذيب الغرائز في الإسلام، قال: إن الإسلام لا يكبت الغرائز، ولا يكبح الغرائز، ولكن يهذب الغريزة، توجد غريزة تملك تفصل أبواب التملك في الإسلام مفتوحة، لكن عليها ضوابط، ولها أمور تقيدها، حتى لا تكون حرية التملك سبباً في الاعتداء على حقوق الآخرين، خلافاً للأنظمة الشيوعية التي منعت الإنسان أن يتملك، تقول: أنت إنسان تريد أن تأكل وتشرب، خذ وكل واشرب وأما التملك فليس لك فيه حاجة. ولذلك في فترة من الفترات، لاقت الشيوعية عنتاً من إضراب العمال؛ لأنها كبتت هذه الغريزة، يأتي العاملان في مصنع واحد، تجد عاملاً سميناً طويلاً يأكل أربع دجاجات، ويستهلك كذا رطل من الماء والعصير، وثلاثة تباسي رز الخ وفي النهاية يصنع كرسياً واحداً في اليوم، ويأتي عامل نحيل، لا يشتهي الأكل، يأكل نصف دجاجة، ويشرب كأساً واحداً من العصير أو الماء، وينتج نفس الكرسي، عجيب! هذا ينتج نفس الإنتاج وهذا يأكل أكثر من هذا! ذلك العامل يرى أنه مظلوم، فأضرب عن العمل، وأضربت طوائف كثيرة من العمال عن العمل؛ لأن قضية التملك مكبوتة، كونك تعطيني آكل واشرب وألبس هذا لا يكفي، عندي غريزة أحب أن أتملك، أريد أن يكون لي رصيد، وأريد أن يكون لي سيارة أملكها، أريد أن يكون لي بيت أتملكه، ذلك ما بدأت تتنازل الشيوعية عنه. أخيراً ولعلهم -كما يزعمون- في عهد هذا المجرم جورباتشوف هو أوسع من فتح النظم الشيوعية على الإطلاق، ولكن دندنة وشنشنة أخزمية، يراد بها في يوم من الأيام ضربة للمسلمين، أو تصوير جديد للشيوعية بمنطلق أو بصورة جديدة حتى ينخدع المسلمون بها، لكن أما وقد أسفر الصبح لذي عينين، وقد علم الناس وعرفوا مساوئ هذه الشيوعية، وما فيها من كبت للحريات وللحدود وللتملك. الأنظمة الرأسمالية تملك ما تشاء، وكانت قبل قضية الرأسمالية في أوروبا أنظمة الإقطاع، أي: أنك تملك مزرعة كبر السويدي والبديعة وشبرى بمن فيها من الناس والبشر، البشر مسخرون والإقطاع تملكه، وكل هؤلاء يكونون عبيداً تحت هذا المالك، أما الإسلام فما فتح هذا الباب على مصاريعه، تملكوا الناس وتملكوا الأرض وتملكوا كل ما فيها، لا، وما حجب الناس أن يتملكوا، بل لهم أن يتملكوا، وقد جاء من الصحابة تجار أثرياء كبار جداً كـ عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان وكثير منهم. الإسلام لم يكبت هذه الحرية ولم يفتحها، بل هذب غريزة حب التملك، الغريزة الجنسية، الرهبنة النصرانية القسس -كما يزعمون- أنهم يحرمون ويتبتلون ذكوراً وإناثاً عن الزواج، وفي المقابل الآخر انفتاح لا أخلاقي وإباحية مطلقة، وأما في الإسلام فنحن لا نطلق هذه الغريزة الجنسية، ولا تكبت كبتاً كما يفعله اليهود والنصارى، لكن تهذب الغريزة الجنسية بالزواج، وبما تملك الأيمان إلى آخر ذلك. إذاً الإسلام يهذب الغرائز، ولا يكبتها، وثقوا أن هذا الغرائز أيضاً غرائز فطرية، فيولد الطفل ومعه مجموعة من الغرائز، فإياك أن تكبت الطفل من غريزة، لكن ينبغي أن تهذبها وأن توجهها، ولو انطلقت غريزة من غرائزه في وقت مبكر؛ فعليك أن ترعاها بدقة حتى يحين الوقت المناسب لتحقيق رغبته الغريزية في إطار حدود الشريعة. إذاً ينبغي ألا نتجاهل في قضية التربية أن الأطفال والصغار لديهم غرائز فينبغي أن يكون لهم دور، لو سألت الكثير هل

دور الأم في التربية

دور الأم في التربية البنية تتأثر بوالدتها أكبر تأثر، أنا أرى بنيات صغاراً تلبس حجاباً، وعندما يمر رجال تتغطى وهي طفلة صغيرة جداً، لكن أنوثتها مبكرة، ولديها توجه نحو اكتساب صفات الأنوثة، لاحظ هذه الطفلة، إما أن تلف غطاء الرأس بطريقة ما يسمونه الروز، وهي بذلك قد رأت أمها أو أختها تفعل هذه الطريقة، فقلدتها بالضبط، وإما أن تجد الصغيرة تشغل أمها: أعطيني قفازاً مثلما عندك قفاز، وتلبس العباءة بنفس طريقة الحجاب؛ طريقة الستر التي تفعلها أمها. إذاً الفتاة معجبة بأمها غاية الإعجاب، وتتأثر بأمها غاية التأثر، إذا كانت الأم من ذوات الموضات والموديلات إلى حد يشغل غالب أوقاتها، لا يهمها في كتاب أو مجلة أو جريدة إلا صفحة الأزياء وعروض الأزياء، ستكون هذه الفتاة أيضاً متأثرة بنفس وضع أمها، ولذلك تلاحظ الطفلة تلف فوطة صغيرة وتضعها في السرير هذه بنتي، تقليداً لأمها، الدور الذي مارسته الأم معها، تريد أن تمارس هذه الطفلة ولو في الخيال، استعداداً لاكتساب صفات الأنوثة. الأمر الآخر: تجد لها تصرفات وسلوكيات مكتسبة من واقع أفعال المرأة أو أفعال النساء، فإذا كان الفعل الذي تراه في بيتها مع أمها فعلاً سليماً؛ رأيت من الفتاة فعلاً سليماً، وإن كان الفعل خاطئاً رأيت تصرفاً من الفتاة خاطئاً، وعلى أية حال: ربوا البنات على الفضيلة إنها في الشرق علة ذلك الإخفاق الأم روض إن تعهده الحيا بالري أيرق أيما إيراق الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم والأب كل منهما له أثر على أطفالهما، فإن كانا مثلين ساميين ملتزمين؛ سيكون الأطفال بإذن الله بنفس المستوى، وإن كانا خلاف ذلك، فإنك لا تجني من الشوك العنب. تريد الأب مطبلاً والأم رقاصة والولد إماماً! لا يمكن إلا بمنّ من الله وهداية، فإن الله يخرج الحي من الميت، لكن بالصورة العامة والطبيعية العامة هذه هي النتيجة المتوقعة، ولذلك يعجب الناس حينما تخرج فتاة متحجبة من بيت منفلت؛ لأن الثمرة الطبيعية أن تكون الفتاة منفلتة، فلما خرجت فتاة محجبة ملتزمة كان هذا أمراً داعياً إلى العجب والدهشة والاستغراب. ومن العجب أيضاً أن شاباً ملتزماً مستقيماً، محافظاً على الصلاة، في أسرة كلها تفلت وتداخل وفوضى لا انضباط فيها، لا في عبادة ولا في صلاة ولا في مذياع ولا في صوت ولا في موسيقى ولا في غيره، في كل شيء تجد الأمر مفتوحاً على مصاريعه، إذاً تعجب، تقول: كيف خرج هذا الشاب؟! لأن النتيجة المتوقعة أن يكون هذا الشاب كمثل أبيه بلا شك، فلما خرج شخصية أخرى، كان ذلك داعياً إلى الدهشة والعجب والغرابة.

دور المدرسة في التربية

دور المدرسة في التربية قد يوجد الشاب وتوجد الفتاة في أسرة ملتزمة مستقيمة، نستطيع أن نقول: إننا نحكم ونجزم بإذن الله جل وعلا، أن يكون الشاب والذكر والأنثى على أحسن صورة، لكن هذا لو قدرنا أن البيت وحده هو الذي يحكم عملية التربية، لكن هناك متحكم آخر في التربية ألا وهو المدرسة. المدرسة سواءً كانت مدرسة بنات أو مدرسة بنين، فلا بد أن يكون لهذه المدرسة أثر عظيم. أولاً: أول من يكون له أكبر الأثر بعد أثر الأب المدرس، والمصيبة العظمى والداهية الدهياء في قضية المدرسة، أن تكون المدرسة صورة مخالفة لما يدرسه الطالب وما يتعلمه وما يتلقاه من التعاليم، الابن الملتزم أو الابن الذي في أسرة مستقيمة صالحة، يجد جل وأغلب أصدقاء أبيه من الملتزمين والمستقيمين وممن عليهم مظاهر السنة، من إعفاء اللحى والالتزام بالزي الإسلامي. فيجد أن مدرس الدين الذي يدرسهم التوحيد والفقه، هو مدرس حليق، هو يسمع والده يقرأ مع زملائه عن حرمة التدخين وأضرار التدخين، أنتم لا تظنون أن الأطفال لا يفهمون -كما قلنا- حتى الذي في أول ابتدائي في قرارة نفسه أنه يدور موضوع حول قضية معينة، هو لا يفهم القضية كاملة، لكن لو جلس مجلساً مع أبيه ومع أصدقائه فالمحصلة التي يخرج بها هذا الشباب أن التدخين سيئ، لكن أكثر من هذا لا يعرف، فإذا به يجد الباكيت في جيب المدرس، ويا للأسف إنه مدرس المادة الشرعية، ومن هنا يبدأ الانفصام. الأمر واحد من اثنين، إما أن يفهم الطفل أن المدرس مخطئ، وإما أن يفهم الأمر الآخر وهو أنه يمكن أن نفرق بين ما نتلقاه، وبين ما نطبقه، وهذا عين الانفصام الذي دعت إليه النصرانية، وقالوا: لا مانع لدينا أن نتلقى تعاليم الكنيسة في يوم الأحد، في إطار الأحوال الشخصية، لكن ليس للكنيسة سلطان على الأفراد فهم أحرار يفعلون ما يشاءون. إذا وجد هذا الانفصام من مدرس المادة الشرعية، فذلك أكبر خطر على الطالب، ومن واجب الآباء والأمهات أن يطمئنوا على قضية التلقي، من هو الذي يلقن ويجعل أولادك يتلقون؟ البنية عندما تكون في المدرسة عندها المعلمة هي أفضل صورة بعد أمها، أي شيء المعلمة، قالت المعلمة، فعلت المعلمة، لا تعرف إلا هذا المدرسة، الابن لو خالفته في قضية معينة، يقول: أستاذي يقول هكذا، من أنت حتى تخالف الأستاذ؟ الأستاذ له مكانة وله دوره في نفس الصغير، له أكبر الأثر بعد دور الأب. إذاً إذا كان دور المدرس مكملاً لدور الأب، كان الابن بإذن الله إلى درجة سبعين في المائة أو ثمانين في المائة، ينال حظه من الاستقامة والصلاح، وتركت العشرين أو الثلاثين في المائة الباقية لوسائل الإعلام، فلها دور في التأثير وفي التوجيه. المسألة الأخرى في قضية البنت، إذا كانت ترى من معلمتها سلوكاً وتصرفات جيدة، ترى أن المعلمة حريصة ألا تخرج من المدرسة إلا وقد اعتنت بالحجاب، حريصة ألا يكون منها أي تصرف خاطئ، رأت المعلمة حريصة على الاهتمام بأمور معينة، ولا تعطي الأمور التافهة ذلك الاهتمام، فإن هذه البنت تتأثر بها غاية التأثر، وبالعكس إذا رأت المعلمة بشكل مخالف -لا حول ولا قوة إلا بالله- إذا جاءت المدرسة متغيرة بألوان ومساحيق وأشكال، لا تعجب الصغيرة إلا بهذه المساحيق والألوان، وأول ما ترجع إلى البيت تدخل إلى حجرة أمها، وتجلس عند التسريحة، وهات يا مكياج وعدل وشكل ولون! لأنها أعجبت بهذا المنظر وبهذا الشكل وبهذه الشخصية من معلمتها، ومن ثم فالتقليد طبيعة في الصغار. ثم أيها الإخوة! المدرسة قد تشاطر، أو يغلب حظها حظ الأسرة من التربية لماذا؟ أنا أسألكم الآن، هل صافي ما تجلس مع ولدك أربع ساعات في اليوم؟ ثلاثة ساعات صافية؟ ساعتين؟ لا أظن، بالأكثر ساعتين وكثر الله خيرك، المدرسة كم يجلس فيها الطفل؟ ست ساعات متواصلة، مدرس يخرج ومدرس يدخل، مدرس يدخل ومدرس يخرج، كذلك البنية معلمة تخرج معلمة تدخل وهلم جرا. إذاً فللمدرسة دور عظيم في التأثير على صناعة شخصية الأطفال من البنين والبنات، ولذا فإني أدعو كل أم أن تتعرف على من يدرس أطفالها، وأدعو كل أب أن يتعرف على من يدرس أطفاله، إذا ذهبت إلى المدرسة ورأيت المدرس غير ملتزم فليس بيدك أن تعدل أو تغير، هذا هو الذي يدرس ولدك، لا ينبغي أن تقول لولدك: المدرس فيه كذا وكذا، هذا أيضاً خطأ؛ لأنه إذا اتخذ من المدرس موقفاً لم يعد لديه أي استعداد أن يقبل العلم منه حتى واحد زائد واحد، خمسة ضرب اثنين، أ- ب - ت - ما عنده استعداد أن يتقبلها ما دام جرحت في شخصية المدرس فإنه يبدأ ينظر إلى المدرس باحتقار، وليس عنده استعداد أن يتقبل منه. لكن أنت انظر الأوضاع والصور المخالفة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم في شخصية المدرس، والأم تنظر الصور والأوضاع المخالفة لما ينبغي أن تكون عليه المسلمة في شخصية المعلمة، ومن بعيد إلى بعيد تقول: إن الإسلام يأمر بكذا، ويحض على كذا، وينهى عن كذا، ويحث على كذا، يحرم كذا، يوجد كذا، من دون جرح لشخصية هذا الرجل؛ لأن القضية قضية تلقي فهي قضية حساسة، فقد تكون سبباً في حرمان ولدك من قبول العلم والفائدة، لو أسأت تفهيم ولدك هذا الدور المناسب، أو هذا الدور الذي ينبغي أن تقوم به أنت وبكل دقة. هذه من أهم المسائل التي لها أثر عظيم وكبير، والحمد لله فالكثير منا طلبة علم؛ خاصة لو أن الواحد يدرس مواد شرعية، أو يدرس حتى الأطفال، بقدر ما يكون لك دور في التأثير على شخصية المدرس، فإنك بإذن الله تنال أجر التأثير على مئات الطلاب الذين يدرسون تحت يدك، ولذلك كان الاهتمام بالعملية التربوية، والاهتمام بالتربويين والمدرسين من أعظم ما ينبغي أن توجه إليه جهود الدعاة بالدرجة الأولى؛ لأن أولئك لهم دور عظيم في صناعة الأجيال. وكم عرفنا من الشباب الصالحين الأتقياء الأبرار، الذين تبوءوا أماكن طيبة في مجالات علمية ومهنية وتقنية وميدانية وغيرها، بسبب دور قام به المعلم فأثر عليهم فاستجابوا له، فمضوا بقية حياتهم على هدى واستقامة، وانقلبوا بنعمة من الله وفضل على أنفسهم وعلى مجتمعهم وعلى أفراد أسرهم. أما الطفل الذي تراه يقلد من المدرس شكل سيارته، يتمنى أن تكون له سيارة مثل سيارة هذا الأستاذ، مصيبة المصائب إذا كان مثل هذا مدرس، قد يستغرب البعض هل يوجد؟ أقول: نعم، وجد في فترة ما، ولكن ولله الحمد والمنة بدأت هذه الظاهرة تتلاشى، لكن في الحقيقة والله يؤلمك أن يقف المدرس أمام الطلاب، لا ينطق القرآن جيداً، ثوبه مسبل، حليق، الباكيت في جيبه، أشياء كثيرة وكثيرة كلها من المظاهر الخاطئة. هذا والله يحز في النفس؛ لأن الطفل يرى المدرس هكذا فلا دام المدرس فعل، إذاً لا إنكار ولا غرابة ولا مخالفة فيما فعله المدرس، ومن هنا كان توجيه الدعاة إلى الاهتمام بالمدرسين والمدرسات والمعلمين والمعلمات، وإعطائهم أكبر الأثر وأكبر النصيب من جهود الدعوة، إنهم بذلك يصنعون أفراداً أتقياء أبرار مخلصين لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين ولعامة المسلمين أيضاً.

دور وسائل الإعلام

دور وسائل الإعلام الدور الأخير في التأثير في العملية التربوية هو دور وسائل الإعلام، فإن وسائل الإعلام لها دور كبير ليس فقط في صناعة السلوك، بل في صناعة المعتقدات. هناك في فلم كرتون يقول: إنسان زرع بذرة فول ونمت هذه البذرة، وشقت السماء، واخترقت السحب، حتى وجد هناك مكان فيه قصر عامر، وهناك دجاجة تبيض ذهباً، وبين فترة وفترة هذه الدجاجة ترسل الذهب، فحاول أن يسرق الدجاجة ما استطاع، في يوم من الأيام أتى بحيلة واستطاع أنه يسرق الدجاجة. هذا يكون لدى الأطفال أنه يمكن الذي في السماء إنسان له قصر عامر بهذه الصيغة، وقد يظن أن الشخص صاحب الدجاجة التي تبيض هو الإله، في صورة من الصور. مشهد من مشاهد أفلام الكرتون: رعود معينة، ثم ينكشف الأمر فوق السحب، وإذ هناك اثنين يمسكون عصيان ويضربون طبول شديدة، والناس يسمعون الرعود. إذاً الطفل في وقت مبكر، يظن أنه إذا كان هناك رعود، فأكيد أن هناك ملائكة تطبل في السماء، فهكذا يدخل في اعتقاده، قلت: نعم، أو قلت: لا، لا يهم، المهم أن هذا هو ما يوجد فعلاً في تصور هذا الطفل، بعد ذلك يأتي واحد معه صحنان يضرب أحدهما على الآخر، فيكون ذلك هو البرق. قضية ما يتلقاه الأطفال عبر الشاشات والمسلسلات والأفلام، ليس له دور فقط على سلوكهم وتصرفاتهم، بل له دور على معتقداتهم، وأذكر ذات مرة أنني في خطبة من الخطب، وبصريح العبارة ذكرت اسم المسلسل والحادثة التي حدثت، ذئب أو غيره -كل الحيوانات في الأفلام متكلمة- لما شفي من مرض فيه، قال: تعويذة فلان هي التي شفتني. وبالمقابل تجد الأطفال إذا وقع أحدهم منكسراً، يدرون عليه الماء، ويعملون له تعويذة من أجل أن يشفى. إذا الأطفال يتأثرون ويكتسبون، والبيت والمدرسة ووسائل الإعلام أياً كان نوعها هي التي تنازع في قضية التربية، لا أقول: تنازع، أي: تجادل، لكن كلٌ ينال نصيبه وينتزع حصته من قضية التربية، ولهذا ما لم تكن وسائل الإعلام بناءة وخيرة، وموجهة إلى ما يبني الفرد بناءً صحيحاً، وإلا فاعلم أنك لن تجني من الشوك العنب. ذكرت إحدى المجلات في الكويت أن مسلسلاً فيه أن رجلاً أراد أن يسرق بيتاً، فما استطاع؛ لأن أهل البيت كانوا متيقظين، فأتى ببخاخ مخدر وفي غفلة من أهل البيت استطاع أن يبخ كمية كبيرة عبر النافذة تسللت إلى داخل البيت، حتى نام أهل المنزل، واستطاع أن يدخل المنزل ويسرق ما يشاء. بعدها بفترة بسطية حدثت جريمة فيها نوع اغتصاب بنفس الطريقة، شاب جاء وبخ هذا المخدر، ونام أهل البيت واستطاع أن يدخل ويفعل ما بدا له ويخرج حتى أذكر أن المجلة قالت: إن التلفزيون يعلمنا الجريمة. إذاًً الأفلام والمسلسلات العملية لها أكبر الأثر وأكبر الدور في صناعة السلوك والشخصيات، وبالمناسبة ومادام الحديث أيضاً عن التربية، وأوجه هذا الحديث إلى الأستاذة خاصة، وأيضاً يوجه الحديث للطلاب، أنك في أي مرحلة من مراحل تعليمك أنت لا تزال تربي وتتربى، فضيلة الشيخ عبد الله بن غديان حفظه الله وحفظ علماء المسلمين أجمعين، كنت مرة أسأله في مسألة معينة، قلت له: أنا أدرس في الكلية وأحد الطلاب سألني كذا، وأجبته بكذا وكذا وكذا، فقال لي: ينبغي أن تعلم أنه في أي مرحلة من مراحل التعليم، أن الإنسان يربي قبل أن يعلم، ولذلك لم يكن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في كل سؤال هو الإجابة، بقدر ما يكون للتربية دور في جواب السؤال. جاء رجل وقال: (يا رسول الله متى الساعة؟) A بعد كذا سنة، لا، A ( وماذا أعددت للساعة؟) توجيه القضية التعليمية إلى تربية في مرحلة من المراحل، قال: (والله ما أعددت كثير عمل، أو صلاة أو صيام، لكني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت) إذاً النبي صلى الله عليه وسلم وجه هذا الرجل بجواب تربوي، إذاً فالتربية أمر ينبغي أن يكون موجوداً في أي مرحلة من مراحل الحياة، وكل منا لا يزال يتربى، يبلغ الواحد من العشرينات والثلاثينات، ويظن أنه قد اكتسب خبرة في الحياة، وفي يوم من الأيام يمر لك موقف وتعرف أنك أجهل الناس في هذا الموقف. إذاً لازلت تتربى، ومن بعد أسبوع يقابلك موقف جديد، فتقول: هذا درس جديد، وبعد أسبوع تأخذ درساً وتقول: هذا درس جديد، وما تزال تتربى حتى يضعك الناس في قبرك، لأن هذه أمور سلوكية، والإنسان لا يمكن أن يحيط بجميع سلوك الناس وتصرفاتهم، ولا يمكن أن يخبر الناس ويحيطهم في إطار التجربة، ولذلك فكل جديد بالنسبة له يمكن أن يستفيد من خلاله قضية أو عملية تربوية.

مدى دور المدرسة والبيت ووسائل الإعلام في التربية

مدى دور المدرسة والبيت ووسائل الإعلام في التربية أيها الأخوة! لو أردنا أن نحدد إلى أي مدى تؤثر هذه الوسائل الثلاث في التربية فنستطيع أن نقول:

مدى دور الأسرة

مدى دور الأسرة الأسرة لها أكبر دور في التربية وذلك في مراحل الطفولة، المدرسة تشاطر الأسرة هذا الدور أو تماثلها، وكذلك في مراحل ما قبل المراهقة، وبعد ذلك ما لم يكن للمدرس دور عظيم في توجيه المراهقين، في المرحلة الثانوية ونهايات المتوسطة، فتكون هناك تصرفات غريبة وعجيبة. أما وسائل الإعلام فلها أثر في قضية التربية منذ الطفولة حتى أكبر سن، الجهات التي تتنازع حصتها في التربية أيضاً دورها محدود في زمن معين، لكن وسائل الإعلام -ولست بهذا أشتم في الإعلام أو أتكلم في الإعلام- لكن أقول: للإعلام دور إما أن يوجه نحو الصلاح، وإما أن يوجه نحو الخراب، إما أن يوجه نحو الخير أو نحو الشر، ودور الإعلام لا يقف عند مرحلة معينة، بل دور الإعلام منذ الطفولة حتى سن متقدمة ومتأخرة. يحدثني شاب يقول: والله أخي ليس عنده استعداد أن يتزوج، يقول: لازم أحب قبل أن أتزوج، جاءه هذا الحب من فيلم فيديو أو مسلسل رآه، المهم هو لا يرى عملية الزواج تتم إلا بحب، بغرام، باتصالات إلى آخره، وبعد ذلك تحصل قضية الزواج. يابن الحلال تزوج، يقول: سأصبر وأحب ومن ثم أتزوج، ومن هي شقية الحظ التي ستحبك على هذا الوضع، وقد كبر الرجل في السن، لكن لا يزال للإعلام دور مؤثر في شخصيته. تصوروا مجتمعاً من المجتمعات؛ مجتمع عفة وطهارة يغزى بالأفلام والمسلسلات، يرى من خلال هذه النافذة العالم المنفتح كما يسمى، وهو العالم المنفلت وليس المنفتح، يرى هذا الوضع المتدهور، يريد أن يقضي هذه الغرائز في إطار معين، يقف أمام أمرين: إما أن يسافر ويفعل ما بدا له، لا أحد يخاف على نفسه ما دام بعيداً، يريد أن يفرغ ما في رأسه، وفي موقعه هنا يخاف، لأن الشريعة مطبقة والحدود تقام. يا أخي كم تنفق في سفراتك؟ كم تنفق في كذا؟ ينفق الكثير الكثير، يا أخي ألا ندلك على فتاة بلغت ثلاثين سنة من عمرها تتزوجها، يكون لها دور في الحياة، يعطيها الله جل وعلا ذرية بسببك، يكون لك دور في تكثير نسل أمة محمد، يمكن أن يهب الله لك منها بنتين: (من عال جاريتين حتى تبلغا كانتا له ستراً من النار يوم القيامة) يصيبك خير عظيم من جراء تطبيق قضية شرعية، وقضاء الحاجة والغريزة في إطار بناء الأمة والمجتمع. يقول لك: لا، التعدد! مجنون أنت! التعدد مصيبة! وكل ذلك نتيجة الأفلام والمسلسلات التي رآها. نقول أيها الإخوة: خلاصة للفكرة أن الجهات التي تتنازع حصتها في قضية التربية من الفرد في المجتمع، البيت والمدرسة والكلية ووسائل الإعلام، البيت له دور محدود، وما لم يضبط هذا الدور بهذه المرحلة، فبعد ذلك لن يستطيع الأب أن يوجه إلا برحمة من الله. إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا يلين إذا لينته الخشب ما دام هذا الطفل غصناً غضاً طرياً، تستطيع أن تثنيه كيفما شئت، فيمكن أن توجهه، لكن عندما تهمل فإنك ستفاجأ بالجريمة التي حصلت من الولد، لا حول ولا قوة إلا بالله، في هذه المرحلة الوالد فوت قضية التربية، ومن ثم يريد أن يوجهه، ولكن إن شاء الله وهو لا يعطيك وقتاً؛ لأنك ما أعطيته وقته في طفولته، حتى يعطيك وقتاً في شبابه، فهذه مرحلة قصيرة لكنها حرجة وحساسة، ويمكن أن تصنع شخصية الطفل حتى يكون رجلاً أو قائداً عسكرياً أو تاجراً، أي شخصية تريد أن تصنع من الطفل في تلك المرحلة.

مدى دور المدرسة والكلية

مدى دور المدرسة والكلية المدرسة -كما قلنا- لها دور في مرحلة معينة، فإذا جاوز الطالب المراهقة، فمن النادر أن تبقى تلك الهيمنة أو ذاك الدور الذي يملكه مدرس المرحلة الابتدائية يؤثر به مدرس الثانوي أو المتوسط على طلابه، بل إن فتح الله قلبه وسمع منك فذانك، وإلا ما لم يكن المدرس ماهراً في الدخول إلى نفوس الطلاب، وتحسس مشاكلهم؛ خاصة في مراحل المراهقة التي تشهد تقلبات نفسية، يوم فرحان، ويوم غير ذلك، ويوم يضحك، ويوم عنده تصرف معين، ويوم ضد ذلك، ويوم تلقاه مبكراً إلى المسجد، ويومين لا يصلي، ونوع من المراهقة كالجنون. فإذا وجد مدرساً ماهراً للدخول إلى قلبه في هذه المرحلة الحساسة، واستطاع أنه يستوعبها، عند ذلك ننال خيراً عظيماً، أما إذا كان المدرس غير ماهر فثق تمام الثقة أنه لن يكون للمدرس دور على الطالب في هذه المرحلة، ومن باب أولى ألا يكون للمدرس هذا الدور في الكلية، بما أن الرجل قد شب عن الطرق وأصبح كبيراً، ولم يعد أحد يستطيع أن يقول له اذهب يميناً أو يساراً، أيضاً ما لم يكن المدرس في الكلية ماهراً في الدخول إلى قلوب الطلاب، ومحاولة احتواء مشاكلهم، وتحسس المداخل والمنافذ اللينة التي تصل إلى قلوبهم، وعند ذلك قد يوفق للتأثير عليهم.

مدى دور وسائل الإعلام

مدى دور وسائل الإعلام إن التأثير الذي يدوم ولا ينتهي هو تأثير الإعلام، تجد رجلاً كبيراً في السن، نتيجة لمجموعة من الأفلام والمسلسلات، يأخذ من هذا الفيلم نمطاً معيناً في سلوكه، يقول أحدهم: أنا أتابع الأفلام والمسلسلات بكل دقة، ما رأيت إلا ما لا يجوز، صور نساء، مقاطع موسيقية إلى آخر ذلك، قال: لا، أنا آخذ منها الدرس والعبرة، الله أكبر! متى علمتنا الثعالب النصيحة؟ متى عهد أن المنتج أو المخرج الذي ينتج فيلماً فيه اختلاط وعري وترك للحجاب وسفور يمكن أن يعطيك درساً؟ نعم قد يوجد، لكن: وإثمهما أكبر من نفعهما بمراحل كبيرة كبيرة جداً. تخاطب رجلاً آخر وقد تجده يتحسر بسبب ظروف معينة لزوجته فهو يريد أن يتزوج، لكنه بين نارين، يقول: أخاف أن يثور المجتمع ضدي، من الذي يثور ضدك؟ إذا كان المجتمع قد تأثر بما يدور في الأفلام فلا شك أنه سيثور ضدك، نتيجة مجموعة أفلام ومسلسلات متتابعة تعرض قضية المرأة، وقد تعرض أيضاً قضية امرأة معينة في ظروف معينة، يتزوجها رجل فتكون زوجة ثانية له، يخفي الأمر في بداية الأمر، أو يتستر عليها في أيام معينة، ثم يكشف فجأة وتقوم القيامة التي لا تقعد. فحين تعلم الزوجة تسقط على الأرض مغمى عليها، أو تصاب بالشلل النصفي، أو تفقد الذاكرة لمدة كذا يوم، إذاً لدينا شحنات من مجموع الأفلام والمسلسلات ضد قضية التعليم، وأقول وبصريح العبارة، وقد يوجد من لا يعجبه القول: إنه ما لم نؤمن بهذا المبدأ، وإلا فثقوا أننا سنحرم المئات من الطاهرات العفيفات ممن يرغبن في هذا الشيء، ولا يحققنه بالطريقة المشروعة، سيحرمهم من دورهم في الحياة، ومن الذرية الصالحة، وسيحرم الأمة أيضاً من ذرية يمكن أن توجد منه. ثم يا أخي! استكثر من الولد الصالح ما استطعت، وما دمت قادراً على التربية، لكن الإطار العام لكثير من الناس، أنا أريد سيارة، وزوجة وثلاثة أطفال فقط، هذا المبدأ يا إخوان والله شاع في أوروبا مدة معينة، وأصبحت الآن ألمانيا نسبة الكلاب فيها أكثر من نسبة الأطفال، يوجد لكل أسرة في بلجيكا ما يقارب كلبين ونصف في النسبة، وتموت الأسرة وما تجد من يرثها، ولا تجد من يدعو له، نتيجة مبدأ طفل طفلين ثلاثة. أفغانستان لما خاضت قضية الجهاد، واعتدي على العقائد وعلى مقدسات العبادة وعلى الأعراض، وقام الجهاد، لو كانت أفغانستان على طفل طفلين، هل تظنون أن يبقى في أفغانستان رجال، الشباب ماتوا وانتهت المسألة، لا يوجد إلا أطفال صغار، وعجائز وشيوخ كبار، لكن لأن الأسرة الأفغانية أقل ما تجد عند أحدهم ثمانية تسعة عشرة أولاد، وبصريح العبارة صرح بهذا جورباتشوف ل نجيب حاكم أفغانستان العميل الشيوعي، في بداية التلميح في قضية الانسحاب، تفعلونها فينا، في البداية نخوض ونقاتل، وفي النهاية تبدءون تعلنون الانسحاب. قال: لا نستطيع، الوضع في أي ضاحية وفي أي مدينة من مدن الاتحاد السوفيتي، كل أسرة لا تكاد تملك إلا طفل أو طفلين، واحد يكفي، لم يعد هناك هذا يكبر وهناك طفل جديد، لا. هو واحد، في فترة طفل، وبعد فترة رجل يدخل الجندية، إذا مات، يقول: ليس المأتم يقام في البيت، يقام المأتم في البيت وعند الجيران وتعلق الضاحية الأنوار الخافتة، والحزن والتأبين، وأمور عجيبة جداً، لا يوجد إلا واحد أو اثنين. لكن الأسرة التي لديها مجموعة من الأولاد إذا كتب الله لهذا قدراً في وفاته: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] والحمد لله على ما قضى وقدر، فبدله في البيت ستة، يموت هذا في الجهاد فيحل الثاني محله، يموت هذا في الجهاد فيحل الثالث محله. إذاً الأسرة المسلمة هي أكثر عنصر من عناصر قوة الدولة أيضاً، لكن حينما تكون الأسر على واحد اثنين، خوفاً على الدخل القومي، خوفاً على الناتج القومي، خوفاً على قضية من أين نمكن لهم حياة رفاهية معينة، نقول: لسنا نحن الذين نرزق عباد الله، اقسموا مجموع ما في الأرض من خيرات على عدد السكان، في العملية الحسابية النتيجة خسارة، لكن الله الذي يزرق العباد سبحانه. والله غني عن العباد، وخزائنه ملأى، يده سحاء الليل والنهار، يده لا تغيظها نفقة، إذاً فثق بالله وارتبط بالله، حينما يوجد هذا المبدأ لدى الأسرة المسلمة؛ فسيكون أثره عظيماً. هذا الاستطراد قادنا إليه البيان في مسألة أن وسائل الإعلام لها دور مؤثر، ودورها لا يقف عند حد الطفولة أو المراهقة، بل لها دور عظيم، ومن هنا فإني أسأل الله جل وعلا أن يمن على العاملين في هذه الأجهزة الإعلامية، أن يوجهوها لخدمة الإسلام والمسلمين، ونفع أبناء المسلمين، وإذا كان قد عرض أو يعرض شيء يخالف شريعة الله جل وعلا، فالذي نقترح أن يقال للخطأ: هذا خطأ، هذه صورة مجتمع غير مسلم، بهذا الوضع تبرأ الذمة، وإلا فإن الجميع مسئولون أمام الله جل وعلا. وأيضاً أناشد جميع هؤلاء الشباب، أن يساهموا بدورهم الفعال، سواءً في التلفاز أو في الإذاعة أو في الصحافة، في تقديم النافع المفيد، في مناسبات كثيرة الجميع يفتح صدره ويديه، قدموا مفيداً وانظروا من الذي يرفضه، وفعلاً نجح لبيان تقصيرنا، أنه لا تكاد تجد مسلسلاً إسلامياً أو إنتاجاً إسلامياً على مستوى فيلم أو على مستوى أدبي رائع. بعض الإخوة تفكيرهم كلاسيكي لا يعجبهم هذا الكلام، لكن حقيقة الأمر أنه لا بد أن نواجه أي أمر أمامنا، إما أن نشارك بكل ما نستطيع على مختلف الأصعدة والمجالات، وعند ذلك إذا أثبتنا بالتجربة، أن الخير والدين والشريعة قادرة على استيعاب الجميع، وإلا عند ذلك فسيقول الآخرون: هل يوجد فيلم إسلامي؟ هل يوجد إنتاج إعلامي إسلامي؟ هل توجد صحافة إسلامية؟ فما لم نقدم البديل فنحن محاسبون في هذا الأمر على تقصيرنا، وأيضاً عدم وجود البديل ليس مبرراً للوقوع في المنكرات، أو في استباحة ما حرم الله. هذه قاعدة ينبغي أن تعرف، ولا أود أن أطيل أكثر من هذا، أسأل الله جل وعلا أن يجعل فيما سمعتموه خيراً لي ولكم، وإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان خطأ فمن نفسي الأمارة ومن الشيطان، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:182]. أود أن أنبه الإخوان جزاهم الله خير الجزاء، إلى قضية الجهاد في أفغانستان، وأنتم تعلمون أن الجهاد في أفغانستان في مراحله الأخيرة، وكابل تستعد لتلقي ضربة حاسمة، لعلها أن تكون فتحاً كفتح مكة في رمضان إن شاء الله، ولا شك أن هذا يحتاج إلى دعم قوي ومضاعف؛ لأن القضية ستكون يا منصور أمت أمت، ليس فيها إلا موت، وسيكون استبسال. وجميع جهود الحكومة العميلة الآن فقط مركزة في كابل، مع وجود بعض العمليات الاستشهادية في قندهار وفي بعض المناطق، وأبشركم أيضاً باستشهاد بعض إخوانكم من مختلف الدول العربية، ولا زال الشهداء على أرض أفغانستان يروون الأرض بدمائهم، فأسأل الله أن يجمعنا بهم في جناته، لكن لا زالت أفغانستان بحاجة وستظل أفغانستان بحاجة؛ لأن الروس لن يخرجوا منها قصراً عامراً، أو دوحة غناء، أو بستاناً رائعاً، خرجوا عنها إحراقاً للحرث والنسل والزرع، أشلاء متطايرة، أطرافاً متكسرة ومقطوعة، أراضي مزروعة بثلاثين مليون لغم، الآن من أكبر المشاكل التي تواجههم كيف تعود هذه الملايين المهاجرة خارج أفغانستان إلى أرضها، والأرض كلها مزروعة بالألغام. القضية محتاجة إلى دعم قوي وقوي جداً، ومن فضل الله على هذه الدولة أنها قد كلفت الهيئة العامة لاستقبال تبرعات المجاهدين، وهي لجنة أنا بعيني رأيت مكتبها في بيشاور، ومكتب طيب ولله الحمد والمنة، والتبرعات تصل والله ثم والله ثم والله، لا نشك إن قرشاً واحداً أو ريالاً واحداً يخرج بفضل الله جل وعلا، الأيدي أمينة يا إخواني فاطمئنوا، وهذه الهيئة انتشرت مكاتبها ولله الحمد وجهودها ملموسة، أرجو من الجميع التبرع والدعم لإخوانهم، وجزاكم الله خير الجزاء.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة أخي الذي له رفقة سيئة

نصيحة أخي الذي له رفقة سيئة Q لي أخ نشأ في بيئة خيرة، ولكن فجأة تغير سلوكه وأخلاقه ومستواه الدراسي، ويبدو أن السبب هو رفقة السوء وهم كثيرون، أرجو التوجيه في طريقة التعامل معه خاصة وهو في سن المراهقة، وإبعاده عن هذه الرفقة، وجزاكم الله خيراً. A غالباً الإنسان لا يتأثر إلا بشيء استحوذ على قلبه، أحب شيئاً، أعجب بشيء، فما لم تكن قادراً على أن تقدم خيراً بأسلوب يأخذ بلبه، ويستطيع أن يكون له أثر طيب في كسب نفسيته، وإلا فلن تستطيع أن تؤثر عليه، أو يكون هناك موقف معين من المواقف قد يكون سبباً في هدايته، وعلى أية حال فالواجب من الجميع: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7] {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] المطلوب منك النذارة والدعوة، والباقي بيد الله سبحانه وتعالى، هذه قاعدة. الأمر الثاني: لن يسمع أحد مني ومنك شيئاً إذا كان يبغضنا أو يكرهنا، الذي يبغضك لا يقبل منك صرفاً ولا عدلاً، لو تقول له: اصبر لأقرأ عليك صفحة من القرآن، يقول: أرجوك ابعد عني، لا يقبل منك صرفاً ولا عدلاً، لكن حينما يكون لك أثر في قلبه؛ فلا بد أن يتأثر منك. فهذا الأخ الذي ذكرت من حاله، لا بد أن تكسبه بالهدية، وبالتواضع، وبأيضاً السعة في البرنامج، قد يكون بعض الشباب دائماً وقته قراءة وتخريج وبحث، هذا خير عظيم، هذا عمل لا يقوم به إلا علماء الأمة، لكن لا يطيقه عامة الناس، وعامة الشباب، ساعة وساعة بالنسبة لبقية الناس، ليس الجميع يتحمل هذا الأمر. إذاً فأنت تنظر إلى أي مستوى وصل هذا الشخص، ولذلك ينبغي أن تعامله، أما شاب كان أمس في الشارع، ومن ثم تأتي به أربعة وعشرين ساعة حدثنا حدثنا حدثنا، من هو الذي حدثك حتى تشغلني به؟ فيمل منك، لم يعد يقبل منك صرفاً ولا عدلاً، لا أقول يقال، بل بعيني رأيت، كان يوماً من الأيام يحمل كتب الحديث، ويحسن الرواية، وبعد ذلك انقلب ولا حول ولا قوة إلا بالله، السبب، أصبح منبتاً، إن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، شد على نفسه حتى هلكت الناقة في الصحراء، فما استطاع أن يصل بالناقة سليمة ومات في الطريق. لكن مثل هؤلاء الشباب يأخذون، ويدعون بالتي هي أحسن، ويمكنون ما بين الأوقات فيما فيه فسحة لهم، ولذلك دائماً أدعو إخواني الشباب إلى استغلال الأندية الرياضية؛ لأن فيها أماكن تستطيع من خلالها إذا كنت نشيطاً واعياً بمجموعة من إخوانك وزملائك، تستطيع أن تجد المكتبة فتقرأ، وتجد المسبح فتسبح، وتجد صالة التنس فتلعب، وتجد المسجد فيكون هناك درس في المغرب، ويجتمعون على صلاة العشاء، تستطيع أن تستوعب الشاب بجميع مراحل وقته. عند ذلك إذا بلغ حداً معيناً، هو نفسه يعرف ما يضره وما يسره، ولا تخشى عليه شيئاً كثيراً، بإذن الله يتوجه، لكن شاب عادي دعوته؛ فاهتدى واستقام، حدثته اليوم يقبل، بعده يقبل، ثم يمل، ولذلك أوصيكم ونفسي يا إخوان! بأن نأخذ النفوس بما تطيق، يقول صلى الله عليه وسلم: (عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا) أي: لا تضغط على نفسك، وبعض الناس يفهم كلمة لا تضغط نفسك، لا تشدد يا أخي، أن المعنى: اسمع أغاني، واسحب ثوبك، وعدل واصنع، لا، أعني بكلمة لا تشدد على نفسك، أي: أعط نفسك راحة، امرح مع زملائك، العب معهم كرة، يمكن أن تسبح معهم، يمكن أن يصبح بينك وبينهم أنشطة رياضية، وفي نفس الوقت لا يمرن يوم عليك إلا وقد نلت حظك من كتاب الله، من فقه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الأمور النافعة الخيرة.

مصادقة من يستهزئ بالمسلم الناصح

مصادقة من يستهزئ بالمسلم الناصح Q أنا أرى بعض الناس يستهزئون بأي مسلم إذا نصحهم إلى العبادة، وإذا قلت لهم: هذا حلال وهذا حرام، قالوا: إنك مطوع وهكذا فهل أصادقهم؟ أم أقطع صداقتهم برغم أن بعضاً منهم لا يصلون؟ A يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] الفاسق لا يرى المؤمن والمستقيم والملتزم فيتركه يمر دون أذية، بل لا بد أن يفلت عليه واحدة أو اثنتين من بضاعته، والألسنة مغاريف القلوب، ولا يأتينك من واد إلا سيل، كل ما في هذا الوادي سوف يصعد، وما في بطن وجوف هذا الرجل سوف يخرج: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:29 - 30] مطوع معقد {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:31 - 32]. دائماً يجد الشاب الملتزم من يتسلط عليه. وبالمناسبة يا شباب الصحوة! يا أيها الجيل المعاصر! من نعم الله عليكم أنتم ما مررتم بعصر كان الملتحي فيه غريباً، الآن شيء طبيعي أن تجد الشباب الملتزم المستقيم في أي دائرة من الدوائر، والله مر وقت إن الإنسان إذا التحى يتلطم من أجل لا يستمر الناس في السخرية، لا أقول: بتسلط، بالعكس كان الناس فيما يتعلق بعدم انفتاحهم أحسن أحوالاً من الآن، لكن مر بالناس زمن كان الالتزام فيه أمراً غريباً. أما الآن ولله الحمد، في الزواج تجد الشيخ الفلاني يقوم يلقي كلمة، في مناسبة بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، تجد الحديث يبدأ، في كل مكان الخير موجود معك، الشريط تجده دائماً معك في سيارتك وغرفة نومك، وفي أي محل من المحلات، قديماً كنت لا تجد شريطاً واحداً، والآن تجد الأشرطة بالمحاضرات والندوات والفتاوى والأمور الخيرة. إذاً لا تعجب، البقية القليلة من المستهزئين، وبحمد الله جل وعلا نحن لا نرى شيئاً يذكر، ما رأيكم بإخوانكم في مصر يستهزأ بهم في الكاريكاتير، ومنكم من سمع أشرطة الشيخ أحمد القطان العفن الفني، والذي لم يسمعها أنصحه أن يسمعها، يقول: من الكاريكاتيرات المعلقة عليهم، يقول: أن هناك مسرحاً، وفيه مجموعة من المطاوعة، وراسمهم رسام وواضع لهم لحى، ويقولون بعبارتهم مستهزئين: ينبغي ألا نكون سطحيين، وينبغي أن يكون البحث في حقائق الأمور، ما حكم اللمبات الحمراء على المسرح، هل هي بدعة أم لا؟ ما حكم الموسيقى الهادئة قبل فتح الستارة؟ استهزاء بالدين إلى حد بعيد، واستهزاء بالشباب الملتزم. فالحمد لله هنا، هات لي شخصاً يستهزأ بمسلم، لا يستطيع أحد أن يستهزأ بك، بالعكس وأنت ملتزم ترفع رأسك ولا يردك أحد، والخوف على المخالف والذي عنده دخن أو خلل أو معصية، إذاً نحن في هذه البلاد في نعمة وعزة وقوة، أسأل الله جل وعلا أن يزيد الذين اهتدوا هدى، وأن يهدي الضالين إلى الطريق المستقيم. فينبغي أن نعامل أولئك الذين نرى منهم شيئاً من الاستهزاء والسخرية باللطف، لو مررت فنهق حمار عليك، هل تنهق عليه؟ لا، بل تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولو انطلق كلب وعض رجلك فهل تعضه؟ لا أيضاً لأنه غير لائق، معاملة السفيه بمثله. إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت فإذا لم يكن عندك بضاعة جيدة تردها عليه وتقدمها له بخير، فلا أقل من أن تسكت. يزيد سفاهة وأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً

جهاز التلفاز عند الجيران

جهاز التلفاز عند الجيران Q كما تعرفون أن جهاز التلفاز قد انتشر في البيوت، وهذه بلوى، وهناك الأفلام الخاصة بالأطفال قد تؤثر على تربية الطفل، وحاولت منع التلفاز ولكن دون جدوى، فقد يذهبون إلى الجيران لمشاهدة هذه الأفلام، فماذا أفعل؟ A الذي أعرف أن هناك فتوى متعلقة بهذا الأمر من هيئة كبار العلماء فلتراجع.

كيفية التعامل بين الصغير والكبير

كيفية التعامل بين الصغير والكبير Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حلقة الصلة بين الصغير والكبير مفقودة لعدم التواضع للصغير، والحرص على تفهيمه قبل نومه، كيف السبيل أكرمكم الله؟ A يا أخي هذا سؤال وجيه وينبغي أن ينال حظاً طيباً من الكلمة، التأثير على الصغار يا إخواني يحتاج إلى تواضع ورقة، وكثير من الناس حتى أولاده فقط ينظرهم من بعيد ويقبلهم وهو ماشي، الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، كان إذا سجد جاء الحسن أو الحسين فركب على ظهره، فربما أطال السجود حتى ينزل الحسن والحسين باختياره، انظر الرقة واللين للصغير: (إن ابني ارتحلني) أي: جلعني رحلاً وركب على ظهري. جلس النبي صلى الله عليه وسلم وفي حجره أحد أبناء بنته، وكان الأقرع بن حابس التميمي أمامه، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل هذا الولد، قال: (أو تقبلون صبيانكم يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجب! أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يرحم لا يرحم، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم) يقول أحمد شوقي: أحبب الطفل وإن لم يك لك إنما الطفل على الأرض ملك عطفة منك على لعبته تخرج المكنون من كربته إذا رأيت صغيراً معه لعبة، فبقدر ما تحترمه أيضاً؛ أعط لعبته احتراماً، وامدح لعبته، وسله من الذي أعطاها له، وكيف تفعل بها، وشغلها حتى نراها، ولا بأس. بعض الناس رسمي في الداخل وفي الخارج، لا. إذا دخلت بيتك فاترك الألقاب واترك هذه الأمور كلها، وحتى إذا خرجت من بيتك، ولكن كون الناس يطلقون عليك أمراً معيناً هذا ليس بيدك، لكن إذا دخلت البيت فالعب مع الأطفال، اجعل الطفل إذا كان في خاطره شيء يأتي ويلقي بصدره على صدرك، ويقول: يا أبي! عندي كذا وكذا، لا تجعل حاجزاً بينك وبين ابنك. والله أعرف شباباً يقولون لي: نتطارح نحن وآباؤنا، ونمزح معهم، ونصرعه ويصرعنا، وإذا أمرنا بشيء امتثلنا له، الكلفة منزوعة بين الأب وابنه، لكن أعرف كثيراً من الناس ينبسط آخر انبساط مع الشلة والأصدقاء، ولكن إذا دخل ولده قفلها، فينبغي أن نزيل الكلفة بين الأب وابنه، كثير منا توجد بينه وبين أخته وبناته فجوة عظيمة، لماذا؟ بالعكس أنت أب، هذه خرجت من صلبك، أنت وليها، هي ستر لك من النار برحمة الله جل وعلا. كثير مما نعرف من المشاكل، فتاة تجيء تقص مشكلتها أو ترسلها في رسالة، أبوها موجود لم تقص مشكلتها على أبيها؛ لأنه يوجد حاجز وفجوة بينها وبين أبيها، قد تضطر إلى شخص بعيد حتى تشكو له المشكلة، بالعكس لو كان منذ وقت مبكر قد عود الأولاد والبنات منذ الصغر على الانبساط ونزع الكلفة بين الأولاد والبنات وبين أبيهم، عند ذلك سيكون هذا الأب قريباً. إذاً فالتواضع أمر مطلوب، وذكر الحاجات للأبناء أمر مطلوب، وجعل دور للابن في اختيار ما يريد أمر مطلوب، بعض الآباء يدخل ولده عند الحلاق، خذ الماكينة واحلق رأسه أقرع وأخرجه، مسكين الولد الماكينة تشتغل على رأسه والدموع تنهمر، أعطه فرصة يختار الذي يريد، أعطه شيئاً من الحرية، مادام في قضية المباح والمشروع، أما في إطار المحرم فمحل اتفاق أنه لا يمكن، لكن اجعل له حرية الاختيار، لا بد أن تعيطه شخصية واستقلالية، وفرصة يعبر عن رأيه وشعوره في موضوع من المواضيع، ستحقق ما تريد، لكن ما رأيك نفعل كذا؟ أليس الأحسن أن نفعل كذا؟ يقول: نعم. أحسن، هو يظن أنك عملت بمشورته، وأنت أساساً ستطبق هذا الشيء. لكن القضية أننا انشغلنا عن أسرنا وأولادنا وبناتنا، ليس عند الواحد استعداد لأن يتفرغ في البيت ولا في اليمين ولا في اليسار، دائماً مشغول عنهم: ليس اليتيم من انتهى أبواه من همِّ الحياة فخلفاه ذليلا إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولا هذا والله هو اليتيم. إن اليتيم الذي تلقى له أماً تخلت: من مناسبات وروحات وعزائم واتصالات وموضات، أو أباً مشغولاً بتجارته وأصدقائه، والولد من الذي يربيه؟ ويا إخوان! نحن لا نزال في خير في أمر التربية، لو خرج أحدكم من المملكة إلى أي دولة كافرة، تجد كيف الناس يعانون في تربية أولادهم، في الجو العام عندنا الولد يسمع الأذان، ويسمع الصلاة ويسمع التكبير، ويعرف التوحيد عموماً من واقع المجتمع الذي يعيش فيه، لكن في المجتمعات الأخرى، الشخص المسلم والأسرة المسلمة في المجتمع الجاهلي أو الكافر تعاني معاناة عظيمة، فما بالك لو واحد منا على كثر انشغالاته وجد في مثل هذه المجتمعات، والله يتفلت أولاده من بين يديه. وهناك دراسة نتمنى أن ينتهي إعدادها وتقدم في إحدى الصحف، في كولومبيا في منطقة سانتاماريتا في أمريكا الجنوبية، هناك منطقة معينة يوجد فيها أسماء مسلمين أحمد، نايف، سمير، سارة، أسماء كثيرة موجودة لكن نصارى، ومنهم من هو مسلم، لكن لا يعرف الصلاة ولا يعرف يركع، السبب أن الأب مشغول والأم مشغولة، وقضية الدين آخر قضية يهتم بها. نحن على انشغالاتنا هذه لو نحن في مجتمع جاهلي، والله يتفلت منا الأبناء والبنات، لكن نعمة من الله أن إطار المجتمع يساهم في بدور التربية، ما هو شعوركم لو أن الابن يخرج فيجد الناس يسكرون في الشارع، ويجد هذا يصاحب من يشاء، ويجد البارة والحانة، كيف تعيش؟! الشاب الذي لا يتلقى أي تربية ينكر الخمر والمظالم، تجده ينكر أموراً معينة، فالمجتمع بدوره العام يسهم بجزء من التربية، والله لو كان هذا الإهمال في المجتمعات الجاهلية لانفلت الأبناء والبنات من آبائهم.

نصيحة للمدرس المربي

نصيحة للمدرس المربي Q بما أن المحاضرة عن أهمية البيت والمدرسة، لذا أطلب منكم بما أن لكم علاقة بالتعليم، توجيه المدرس أن يكون قدوة؛ بأن يتمسك بالشريعة الإسلامية، وحث الآباء على زيارة المدرسة، وتوجيه المدرسين الذين يراهم لم يتمسكوا بالشرعية الإسلامية، وتطبيق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى لا يكون ما نعمله مخالفاً للتطبيق من المدرسين اليوم؟ A والله ها أنت يا أخي الكريم وجهت عنا بالنيابة، ونحن نعيد التوجيه ونكرره، ينبغي أن يكون المسلم قدوة ما أمكن وإذا المعلم لم يكن عدلاً سرى روح العدالة في الشباب ضئيلاً وقد لا يكونون عدولاً إلا برحمة ومنة من الله فيما يؤثر فيهم من جانب آخر، لذا فواجب الجميع إن كانوا مدرسين أن يتقوا الله، وليعلموا أن شخصيتهم وهيكلهم وتجسيمهم أمام الطلاب له في حد ذاته تأثير، فينبغي ألا يتلقى الطلاب منهم إلا كل خير، هذه واحدة. الأمر الثاني: الاتصال بالمدارس، وحسن الصحبة بالمدرسين، وإهداؤهم الكتب والأشرطة النافعة، والأشياء الرسمية المصرحة، لا بد أن يكون هذا النشاط قائماً بين أفراد المجتمع وبين الأسرة، من أجل أن يكون البيت تتمة للمدرسة، والمدرسة تتمة للبيت، ولا يوجد ذاك الحاجز أو ذاك التضايق بين الشباب من مدارسهم، بالعكس يشعرون أنه وضع جميل وطبيعي، أن ينتقل في بيئة فيها من المدرسين الأفاضل، ويمارس فيها نشاطاً إسلامياً، وفي صحبة مسلمة. اسأل الله للجميع الثبات، وأسأل الله أن يحرم وجوه الحاضرين على النار، اللهم عاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله، إنك أنت أهل التقوى والمغفرة، اللهم وفق الجميع لما تحب وترضى. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، ولحمد لله رب العالمين.

التفكر في خلق الإنسان

التفكر في خلق الإنسان تحدث الشيخ في الخطبة الأولى عن هذه النفس البشرية التي تجادل وتنازع في خالقها وبارئها، مع أنها من أكبر الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وكمال قدرته ومشيئته. وقد تحدث في الخطبة الثانية عن أدلة بدعية المولد النبوي الذي تفعله الصوفية، ولو كان خيراً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولدلنا عليه ولفعله أصحابه من بعده.

يا ابن آدم! تفكر قبل أن تندم

يا ابن آدم! تفكر قبل أن تندم إن الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل خير سألناه أعطانا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى اتقوا الله تعالى حق التقوى. معاشر المؤمنين: يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:12 - 16].

تأمل في عظم خلق الله

تأمل في عظم خلق الله أيها الأحبة في الله: إن المتأمل في كتاب الله جل وعلا خاصة في ما يتعلق بالنفس الإنسانية التي تدب على وجه الأرض، وما جمعت من الصفات والعجائب في دقيق الخَلق والخُلق ومراحل النمو والتطور، وتعدد الغرائز والحواس، ليجد الخضم المتلاطم في بحر عظيم خلق الله وقدرته، وصدق الله العظيم حيث قال: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]. إن هذه النفس البشرية التي تجادل وتنازع في خالقها وبارئها لهي أكبر دليل على ربوبيته ووحدانيته وكمال قدرته ومشيئته: فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد أنت أيها الإنسان لم تكن شيئاً يذكر أو يعرف لولا تقدير الله في خلقك وإيجادك {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2]. تفكر يا بن آدم! من الذي أوجدك من عدم من ماء مهين في صلب أبيك ثم نطفة في رحم أمك ثم يسر لك السبيل إلى هذه الدنيا؟ إنه الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وصدق الله العلي العظيم حيث قال: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:17 - 22]. يا بن آدم! من الذي هداك إلى ثدي أمك تشرب منه لبناً خالصاً سائغاً؟ ومن الذي هيأ هذا الثدي بهذه الطريقة الملائمة لخلقك، المتلطفة بضعفك وعجزك؟ إنه الله الذي أحسن كل شيء خلقه وقدر فهدى. يا بن آدم: من يحفظك في صغرك وشبابك وشيبتك وكهولك وهرمك؟ من الذي يحفظك من مصائب الليل والفلق ومن شرور ما خلق من الجن والإنس والبهائم والسباع والهوام؟ إنه الله الذي يحفظك بحفظه وإرادته، ولولاه جل وعلا لتسلط مارد من الإنس على بدنك ومالك أو شيطان من الجن على عقلك ونفسك، أو حية أو هامة أو غير ذلك يؤذيك في بدنك، ولو أصابك شيء من ذلك لما استقر لك قرار، وما تلذذت بنعيم في هذه الدار، وصدق الله العظيم {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد:11] {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق:4].

تأمل في نعم الله

تأمل في نعم الله قف متأملاً في هذه اللطيفة من جليل خلق الله ورأفته بعباده خاصة في هذا الزمان الذي تعددت فيه سبل الراحة والأمان، وتنوعت فيه أسباب الهلاك، هذه السيارة التي تركبها في كل ساعة ولحظة، من سخرها لك؟ تحث حديداً كيفما شئت، وتوقف حديداً متى شئت، من هيأ لك أسباب التمتع بها؟ ومن سخرها في حاجتك؟ ولو شاء ربك لانقلبت هلاكاً عليك وعلى غيرك لعطب أصغر آلة فيها. هذه الطائرة التي تركبها، من يحفظك فيها وأنت بين السماء والأرض؟ ولو شاء ربك لهوت بك في مكان سحيق، فسبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون. يا بن آدم! هأنت تتمتع بسمع وبصر وجوارح، من آتاك سمعاً تسمع به، وبصراً تبصر به، وعقلاً تعقل به، ويداً تبطش بها، ورجلاً تمشي بها؟ يا بن آدم! كم من عرق ساكن في بدنك والله لو تحرك ما تلذذت بعيش، وما تهنأت بنعيم. يا بن آدم! كم من عرق متحرك والله لو سكن لتمنيت الفراق عن الدنيا إن لم تكن فارقتها. يا بن آدم! تصبح وتمسي معافىً في بدنك، آمناً في وطنك، عندك قوت سنيك ودهرك. يا بن آدم! أطعمك ربك وسقاك وكفاك وآواك وهداك، ومن كل شيء سألته أعطاك، فهل بعد هذا إلا شكر نعمته، وأن تقول: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إن تبت إليك وإني من المسلمين. ماذا بعد هذه النعم التي لا تحصيها ولا تدرك منها إلا القليل؟

شكر النعم سبب لبقائها

شكر النعم سبب لبقائها فتفكروا يا عباد الله! وتذكروا هذه النعم التي تتقلبون فيها مصبحين وفي الليل، وبادروها وقيدوها بالشكر والطاعات، فإن النعم يا عباد الله! كالإبل المتفلتة فاعقلوها بذكر الله وشكره، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عباده الذاكرين الشاكرين. إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم وإياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديد الوخم وسافر بقلبك بين الورى لتبصر آثار من قد ظلم فتلك مساكنهم بعدهم شهودٌ عليهم ولا تتهم وما كان شيءٌ عليهم أضر من الظلم وهو الذي قد قصم فكم تركوا من جنان ومِن قصور وأخرى عليها أُطم صُلوا بالجحيم وفاتوا النعيم وكان الذي نالهم كالحلم إذ تأملتم هذا يا عباد الله! فلينظر كل واحد منا إلى نفسه، ولينظر إلى ضعف نفسه، ولينظر إلى عظيم نعمة ربه، ولينظر إلى جزيل فضل خالقه في هذه النفس الإنسانية على ما فيها من الضعف والجزع والهون وسرعة الزوال والفناء والفراق، كيف تشمخر نفس بني آدم؟ كيف ترتفع وتكابر وتفاخر وتدافع وتنازع؟ وكم تبني من الدور والقصور وتزرع الضياء والبور؟ وفي خضم هذا كله يصيبها الكبر في لذاتها، والعجب في ملذاتها؛ فتغمط الناس حقوقهم وأشياءهم، وتحسدهم على أرزاقهم فيها كأن الدنيا لها وليست لهم، وينسى الواحد شكر نعمة ربه عليه في ما هو ماثلٌ واضحٌ أمام عينه، وكأن الإنسان يقول: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] فإذا مس هذه النفس طائف من قدر الله بمصيبة صغيرة أو مرض أو فاجعة، تذكر الإنسان وصاح: يا الله! {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس:12] عند هذا يعود، وعند هذا تعود كل نفس، وقبل ذلك كم نسيت من الآلاء التي عقدت على حصولها بالطاعة أصدق العهود.

وصف النفس من كتاب الله

وصف النفس من كتاب الله يا بن آدم! إذا تكبرت نفسك، وتجاهلت حقيقة قدرك؛ فتذكر أصل خلقتك من أي شيء خلقت؟ هل خلقت من جواهر الجنة أم من خالص ذهب الأرض، أم من ماذا؟ خلقت من ماء مهين، من مني يمنى، من نطفة قذرة، وتحمل في جوفك الخراءة والعذرة، وتدميك بقطة وتقتلك شرقة، فعلام الكبر إذاً؟ {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5 - 7]. اقرءوا كتاب الله، وتأملوا قوله عن هذه النفس الإنسانية في مواضع شتى من كتابه الكريم: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28] {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34] {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11] {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54] {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس:77] {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} [المعارج:19 - 21] {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة:5] {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:15 - 16] وغير ذلك كثير في كتاب الله العظيم، فيه من العظة والعبر والدروس والفكر لمن ألقى السمع وهو شهيد. فهل بعد هذا أيها الإخوة! هل بعد اطلاع الإنسان على حقيقة نفسه الإنسانية وضعفها وعجزها وقصورها وفنائها وسرعة زوالها وسرعة تغيرها، هل بعد هذا يبقى في النفوس شيء؟ هل بعد هذا يبقى في النفوس شر؟ هل بعد هذا تحمل النفوس حسداً؟ هل بعد هذا تحمل النفوس أحقاداً؟ كلا، لا والله، من أدرك ذلك وعلمه علم اليقين، علم أنه ضعيف إلا بقوة الله، ذليل إلا بعزة الله، مسكين إلا برحمة الله، ضائع إلا بحفظ الله. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

بدعة المولد النبوي

بدعة المولد النبوي الحمد لله، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار.

أدلة بدعية المولد

أدلة بدعية المولد معاشر المؤمنين: نحن في شهر ربيع الأول، وهو شهر قد ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد تعلقت طائفة من أهل البدع والمنكرات الذين يحدثون في الشرع ما لم يشرعه الله، وما لم يشرعه نبيه صلى الله عليه وسلم، وتعلقوا بيوم المولد هذا فأنشأوا حفلات ومناسبات وأهازيج وغير ذلك، يقولون: هذا احتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً} [مريم:89] لقد افتروا إثماً عظيماً، أهم أعلم برسول الله من سنته؟ أهم أعلم من رسول الله فيما أوحى الله إليه؟ لو كان هذا المولد خيراً، لو كان هذا المولد شرعاً، لو كان هذا المولد صلاحاً، لقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوا لي في يوم ولادتي أو في يوم ميلادي عيداً، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك، ونهى من ذلك، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي ترويه عائشة: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). هذه الموالد التي يقومون ويطيرون ويصفقون ويطبلون ويتأثرون فيها، أهي أفضل من يوم عرفة؟ أهي أفضل من أيام العشر؟ أهي أفضل من يوم الجمعة؟ أهي أفضل من آخر ساعة من يوم الجمعة؟ أهي أفضل من آخر الليل الذي يتنزل الله فيه نزولاً يليق بجلاله، فيسأل عباده: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل هذا المولد خير من هذه المناسبات وهذه الفرص الخيرة للطاعات؟ لماذا يهملون هذه المناسبات الجميلة التي شرعها الله وخصها بمزيد فضل في العبادة؟ ولماذا يخصون هذا الميلاد بيوم؟ إننا تعبدنا ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم نتعبد بيوم ميلاده، فلو كان الأمر كما يقولون، ولو فرضنا معهم جدلاً أو على حد زعمهم وخرافتهم وشططهم لكان يوم البعثة أولى بالاحتفال من يوم الميلاد، لكن علمنا بردنا الأمور إلى الله وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن هذا شيء لم يشرعه الله سبحانه، ولم يأمر به نبيه صلى الله عليه وسلم، فلم نفعله ولن نفعله.

ظهور البدعة وانتشارها

ظهور البدعة وانتشارها أول ما ظهرت هذا البدعة ظهرت من ملك الأردن في القرن الرابع أو الخامس، وكان يسمى" كنكبوي "رأى النصارى يقيمون عيد ميلاد لعيسى بن مريم، فقال: نحن أحق بهذا العيد منهم، فقام وأنشأ هذا العيد وتبعه المبتدعة إلى يومنا وزماننا هذا. أولئك الذين يقيمون الأعياد أحمق وأشد جهلاً وجرأة على الله وعلى رسوله من ذلك: أنهم ينصبون الأدلة على شرع هذه الموالد، أهم أعلم من رسول الله بسنته؟ أأولئك خيرٌ من خلفاء الله الراشدين الذين هم أعلم بنبينا صلى الله عليه وسلم وبسنته، والذين هم أقرب لنبينا صلى الله عليه وسلم، الذين هم أخذوا شرعه وطبقوه وجاهدوا معه حق الجهاد؟ أأولئك المبتدعة خيرٌ وأعلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل جهله الصحابة وعلمه أولئك المبتدعة؟ هل علمه الصحابة وسكتوا عنه أو علمه أولئك ودعوا إليه؟ لقد افتروا شيئاً عظيماً، وتجرءوا على الله وعلى رسوله، إن ربنا سبحانه وتعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فقد أتم الله النعمة وأكمل الدين ورسالة النبي خاتمة مهيمنة، فمن جاء بعد ذلك فكأنه يقول: إن هذا شيء جديد في الدين لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله، وإن أولئك الذين هم من أهل الموالد يضيفون هذا الأمر الجديد إلى شريعة الله وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، هذا افتراء وجرأة على الله وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم. والعجب العجاب أن هذه الموالد تعطل لها مصالح المسلمين في كثير من البلاد المجاورة، ويجعل لها عيداً كاملاً، وإذا عرفتم وأردتم حقيقة هذه الموالد وأنها لا تقدم في دين الإسلام شيئاً ولا تؤخر وأنها لا تثير في المسلمين حماساً ولا جهاداً، بل هي من تضييع عاطفتهم وحماسهم في شيء من هذه الطقوس والعادات التي لم يشرعها الله، إذا تأملتم ذلك، أدركتم أن أعداء الإسلام لا يعترضون على هذه الموالد، في البلاد التي يحارب فيها الدعاة ويحارب فيها المسلمون ويحارب فيها المصلون إذا جاء يوم المولد سمحوا لمن أراد أن يقيموا مولداً بعيده هذا ومولده هذا، لماذا؟ لأنه في الحقيقة حيلة على عامة الناس الذين في قلوبهم شيء من الغيرة والشمم والإباء، وفي قلوبهم شيء من الآمال والآلام التي سرقها الطواغيت في بلدانهم هناك، فيرون في هذه الموالد شفطاً وسحباً لهذه النقمة التي في نفوسهم، فتضيع في وسط هذا العيد، وبعد ذلك تنقلب حماسات المسلمين، وعواطفهم تجاه دينهم تتبلور وتصب في قوالب هذه الطقوس التي لم يشرعها الله ولم ترد عن نبيه. هذه الموالد التي يطبلون فيها ويزمرون صدق فيها ابن القيم في ما أورد في كتابه حيث قال: تُلي الكتاب فأطرقت أسماعهم لا خيفةً لكنه إطراق ساهٍ لاهي وأتى الغناء فكالحمير تراقصوا والله ما طربوا لأجل الله دفٌ ومزمارٌ ونغمة شاذن فمتى رأيت عبادة بملاهي ثقل الكتاب عليهمُ لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي ورأوا أعظم قاطعٍ للنفس عن لذاتها يا ذبحها المتناهي في هذه الأعياد وفي تلك البدع يهزون الرءوس ويصفقون ويطربون ويتغيرون ويغنون وما ذاك أمر شرعه الله، وما ذاك أمر أقره الله، بل هو مما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فاحمدوا الله يا معاشر المسلمين! يا معاشر المؤمنين! ألا موالد في بلادكم هذه، ولا أعياد في بلادكم هذه، وإن كان بعض أذناب الصوفية يجتمعون سراً وخفية في السراديب ويقيمون شيئاً من هذه الموالد، لكن ما داموا في درجة من الذل والمهانة والخفية والتستر، فإنهم ولله الحمد في ذلة وفي انكسار وفي سقوط، ولن تقوم لهم قائمة، ولن يقوم لهم رأس بإذن الله جل وعلا ما دام فضل الله قائم علينا، وما دامت شريعة الله تحكمنا، وما دام هذا الحب والإخلاص والوفاء بيننا وبين ولاة أمورنا نمحضهم النصيحة، ونخلص لهم الدعاء، وندين الله جل وعلا بمحبتهم وطاعتهم في المعروف. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد ولاة أمورنا بفتنة وأراد علماءنا بمكيدة، وأراد شبابنا بضلال، وأراد نساءنا بتبرج وسفور اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك. اللهم عليك بالإيرانيين الفرس، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، اللهم اجعلهم بدداً، واهلكهم عدداً، ولا تبق فيهم أحداً، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم أنزل سوط عذابك بهم، اللهم اضرب بعضهم ببعض، اللهم اضرب آياتهم بآياتهم، وشياطينهم بشياطينهم، وطغاتهم بطغاتهم، وفجرتهم بفجرتهم، اللهم أهلكهم وأخرج أمة محمد بينهم سالمين غانمين. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم سددهم، اللهم وفقهم، اللهم ارزقهم العلم النافع والعمل الصالح، اللهم اجزهم عنا خير الجزاء، اللهم اجعل أعمالهم خالصة لوجهك، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أسيراً إلا فككته برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم اسق البهائم الرتع، اللهم ارحم الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، لا إله إلا أنت الحليم العظيم، لا إله إلا أنت رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم. اللهم إن عظمت ذنوبنا فإن فضلك أعظم، وإن كثرت معاصينا فإن رحمتك أكثر وأكبر بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

التهاون بترك أمور الشريعة

التهاون بترك أمور الشريعة جاءت هذه المادة لترد على القائلين بتقسيم الشريعة إلى قشور ولباب، مما يفتح باب التهاون بأمور الشريعة، وادعاء أن الإيمان في القلب، والتجرؤ على فعل المحرمات، وأوضح الشيخ وجوب الأخذ بجميع عرى الإسلام وشرائعه، ثم بين مفهوم سماحة الإسلام ويسره وخطأ الناس في تفسير هذا المفهوم.

وجوب الأخذ بجميع عرى الإسلام وشرائعه

وجوب الأخذ بجميع عرى الإسلام وشرائعه الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم القيامة، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: تعلمون أنه كلما ابتعد المسلمون عن السنن فإن البدع تقترب منهم بحسب ما ابتعدوا عن دينهم، وما تركوا أمراً حسناً إلا وحل محله أمر قبيح، وهكذا النفوس إن لم تنشغل بالطاعات انشغلت بالمعاصي، وإن من الأفكار السامة الخبيثة التي حلت في قلوب بعض المسلمين المغترين ببريق الحضارة دون معرفة لحقيقة خوائها الروحي، وما تنطوي عليه من ألوان الدمار الاجتماعي والاقتصادي والتسلط السياسي، فكرة خبيثة يرددها بعض الناس ومن الشباب على وجه الأخص، تلكم هي فكرة تقسيم أمور الشريعة وأحكامها إلى قشور ولباب، ومظاهر وحقائق، وتراهم يبنون على هذا تهاونهم بترك أوامر الشريعة وتساهلهم بها بحجة أن الأهم والأعظم أكبر من هذا، وقضية الدين هي العقيدة والإيمان الذي هو في القلب، وأن الشريعة سمحة ميسرة، فلو جادلت أحدهم بالتي هي أحسن أَجْلَبَ عليك بِخَيْلِهِ ورَجِلِهِ، بأحاديث أو بكلام يظنه من الحديث ويفهمه فهماً سقيماً، ويضعه في غير مواضعه، فيقول لك: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم) وإذا ناصحته أو دعوته أشار بيده إلى قلبه، وقال: التقوى هاهنا، التقوى هاهنا. وقد تراه حليقاً مسبلاً، متهاوناً بالصلاة مع الجماعة، مداهناً في أمر دينه، أو متساهلاً في أكل الربا، أو نيل المال بالباطل، ولو دار بينك وبينه حوار وأقمت الحجة عليه بوجوب متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأصول والفروع في العقائد والأحكام لانفض النقاش بينك وبينه، متهماً لك بالسطحية والقشورية وعدم الغور في أصول الشريعة أو إدراك مقاصدها. وهكذا يا عباد الله! تنقض عرى الإسلام وأحكامه عروة عروة، وكثير منهم يردد من حيث لا يدري أو من حيث يدري تلك الحجج الواهية والأفكار السقيمة التي استوردها من أعدائه جهلاً وغفلة، وصدرها الأعداء إليه حقداً وحسداً ومكيدة، تقول لأحدهم: صل مع جماعة المسلمين، وإياك والربا، أو وفِّر لحيتك وارفع إزارك، أو تنكر عليه صوراً يعلقها في بيته، أو تماثيل مجسمة وأصناماً لأشخاص أو أفراد في مجلسه، أو تحذره من سماع الأغاني الماجنة، أو تنهاه عن شرب الدخان ومجالسة جلساء السوء، ومع ذلك تراه غارقاً في كل هذه المعاصي والمنكرات، ويرد عليك مرة أخرى بكل جرأة قائلاً: لا تكن سطحياً متشدداً أو معقداً، الأمر أهم من ذلك، القضية قضية عقيدة، القضية قضية أمة إلى آخر هذا الكلام الذي لم يدرك حقيقته، ولو أدرك حقيقته لانبعث سلوكه طيباً سليماً من هذه العقيدة التي يدعو أن القضية إليها، والأدهى والأمَرّ من ذلك -يا عباد الله- أن ترى بعض أولئك راضياً عن نفسه، ويجعلها في عداد الصالحين رغم تلك المنكرات التي يرتكبها، ويزيده ضلالاً ووبالاً أنه يشعر بالرضا عن نفسه لماذا؟ لأنه يقارن نفسه بأولئك الذين يشربون الخمر ويسرقون ويرتشون، فيرى نفسه أحسن حالاً منهم، وقد نسي المسكين أنهم إنما وقعوا في الكبائر والفواحش يوم أن تهاونوا بالصغائر وأصروا عليها. أيها الأحبة في الله: لا يخفاكم أن الذين يدعون هذا الأمر ويتساهلون ببعض أمور الدين بحجة أن التقوى هاهنا، أو أن الشريعة سمحة ميسرة، لا شك أنهم هم المحجوجون بقولهم وما يرددونه بأن مقتضى الإيمان والتصديق العمل والتطبيق، وثمار التقوى التي في القلوب العمل بالمأمور وترك المحظور، والدين كلٌ لا يتجزأ، وليس في الدين قشور ولباب، ويوم أن نصغي لقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:208] يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: هذا أمر من الله لعباده المؤمنين به، المصدقين برسوله، أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجره، ومعنى قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] أي: في الإسلام جميعاً كما قال ابن عباس. وقال مجاهد: أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر، أما دعوى أولئك الغافلين بقولهم: إن الدين والإيمان في القلب، لو سلَّمنا بهذا القول -أن الإيمان في القلب- على إطلاقه لجعلنا فرعون وأبا لهب وغيرهما من الطواغيت في عداد المؤمنين؛ لأنهم يؤمنون بالله، ويوقنون بوجوده وتصرفه في الكون، ولكنهم ضلوا وأضلوا يوم أن تكبروا وتجافوا عن عبادة الله والانقياد له، إذاً فلا يكفي في الإيمان أن يدعيه الإنسان دعوى من دون تطبيق وبرهان صادق على دعواه. ثم إن الحس والملاحظة يشهدان بالارتباط الوثيق بين الظاهر والباطن، فمن صلحت سريرته استقامت علانيته، ومن ساءت وحادت عن جادة الصواب علانيته كان ذلك دليلاً على فساد باطنه، وهذا أمر ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة في كثير من كتبه حول كلامه عن هذا الموضوع، وفي اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم بين ذلك رحمه الله بقوله: والأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب بالقلب شعوراً وأحوالاً. فالمشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2 - 4]. أسأل الله أن يجنبنا وإياكم التساهل بأمور دينه وأحكام شريعته، وأن يجعلنا من الذين يمسِّكون بالكتاب ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

بيان مفهوم سماحة الإسلام ويسره

بيان مفهوم سماحة الإسلام ويسره الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فإن جسومكم ووجوهكم على وهج النار لا تقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعملوا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: إن التساهل بأمور شريعة الإسلام وقولنا لبعض الأمور: هذا أمر يسير، وهذا أمر ليس من القضايا الأساسية، وهذا أمرٌ من سماحة الإسلام ويسره قد يتهاون به أو قد يجعله في ضمن الأمور المعذور عنها، جهلاً وفهماً خاطئاً من القائلين بهذا الكلام، إن هذا يجر إلى سقوط عرى الإسلام عروة عروة، وما وقع الناس في المصائب العظمى والبلايا الكبرى إلا يوم أن تركوا شيئاً من هذه الأمور، وتهاونوا واستساغوا ترك الواحدة بعد الأخرى، حتى وقعوا في الأمور العظمى وتساهلوا بالأمور الكبرى، ومن ثم ترى الواحد منهم قد أفلت جانباً كبيراً من جانب الدين بحجة اليسر والسهولة والمسامحة، وإن كثيراً من المسلمين ليفهمون سماحة الدين ويسر الشريعة فهماً سيئاً خاطئاً؛ بعض الناس يظن أن سماحة الدين ويسر الشريعة إنما هي أن يترك الإنسان شيئاً من المأمورات، أو أن يتهاون بفعل بعض المحظورات أو أي شيء من هذه الأمور، كلا والله. ما أنزلت الشريعة وما أنزل القرآن إلا ليعمل به، إلا ليطبق جملة، وليتقي الله سبحانه وتعالى في فعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، أما ترك بعض الأمور بحجة أن الشريعة سمحة ويسيره، فهذا جهل لا حد له. إن يسر الشريعة وسماحة الدين يرد في أمور: كقصر الرباعية حال السفر، وكالأكل من الميتة حال المخمصة، وكاستعمال التراب حينما يتعذر استخدام الماء، هذا مما يدل على يسر الشريعة، أما أن يتساهل الإنسان بأمور الدين ويظن أن هذا من يسر الشريعة فهذا جهل عظيم، قال مفتي المملكة الراحل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رحمة واسعة، وأعلى منازله في الجنة، ونور ضريحه: إن يسر الشريعة وسماحتها أي: أن مفردات الشريعة جاءت على السهولة كقصر الرباعية ونحو هذا، هذا معنى يسر الشريعة -ليس معناه ترك الواجبات، أو فعل المحرمات- بل يجب القيام بما أمر الله به من إقامة الحدود، فإن بعض الجهلة يظنون ويجعلون هذا تشديداً، وهذا من خداع الشيطان وما ابتلوا به، فإن ذلك قد بُين في الأحاديث وقد تبين معنى يسر الشريعة هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى: عندما يتضايق الحال كالرخص الشرعية كأكل الميتة حال المخمصة. انتهى كلامه رحمه الله رحمة واسعة. واعلموا يا عباد الله: أن دين المرء هو ما يملكه ويقدمه يوم القيامة، فمن تساهل بدينه أقبل على ربه ضعيفاً فقيراً إلى الحسنات قد أثقل كاهله، وحمل عبئاً عظيماً من الأوزار والسيئات، وإنه ينبغي للإنسان أن يحتاط لدينه، وأن يعلم أن الأمور مقيدة محسوبة مسجلة عليه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]، ويقول جل وعلا: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8]، ويقول سبحانه: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] فإن من تساهل بأمر دينه فإنما ذلك على حساب نقص حسناته وزيادة أوزاره وسيئاته، فاتقوا الله يا عباد الله واحتاطوا لدينكم. عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) فأصلحوا مضغ قلوبكم يا عباد الله! وانتبهوا لأنفسكم، وحاسبوا وراقبوا أنفسكم وأعمالكم، فغداً تقدمون على الله جل وعلا إن شاء الله بأعمال يسركم أن تروها في الموازين بمن الله عليكم وفضله، وتوفيقه إياكم في فعل الواجبات، وترك المحرمات، والعناية بأمر الدين والشريعة، لا التساهل بها.

حال المجاهدين في أفغانستان

حال المجاهدين في أفغانستان اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان. عباد الله: نسيت أن أنقل وأزف إليكم بشارة عظيمة محبوبة إلى نفوسكم، أذكركم قبلها بما كان منكم جزاكم الله خير الجزاء من تبرعكم ودعمكم، وبذل أموالكم لإخوانكم المجاهدين، والدعاء لهم في صلواتكم، والقنوت لهم أياماً معدودة في الصلوات، أبشركم بأن عدوهم قد أخزاه الله فانسحب من تلك الموقعة خاسئاً ذليلاً، مهزوماً منكسراً، قد خسر في ذلك عدداً من الطائرات والناقلات والدبابات، وقُتل منهم جمع كثير لا يحصيه إلا الله، كان هذا الانسحاب يوم الخميس أو الجمعة الماضية فالحمد لله رب العالمين، وبهذا دلالة عظيمة على أن الله جل وعلا لا يرد عباده خائبين ولا يردهم محرومين. انظروا يا عباد الله: يوم أن لجأ المسلمون إلى ربهم ثم قنتوا لإخوانهم وألحوا في الدعاء لهم في صلاة تشهدها ملائكة الليل والنهار، وبذلوا سبباً يدل على المشاركة، ويدل على حب الجهاد بالمال والنفس وغير ذلك، استجاب الله ذلك، والله جل وعلا قادر بكلمة (كن) فقط على هزيمة الكفار، ولكن ليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً، فالحمد لله على هذه الحال، ونسأل الله أن يكلل نصرهم وفوزهم بعز أولئك المجاهدين واستلامهم سلطة بلادهم، وأن يطرد الشيوعيين من أرضهم إنه جواد كريم، وبالإجابة جدير، وعلى كل شيء قدير. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم مسك إمام المسلمين بكتابك وسنة نبيك، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على الحق يا رب العالمين، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم ربنا أصلحهم على كتابك وسنة نبيك، فإن بصلاحهم صلاحنا، وبفوزهم فوزنا، وبنصرهم نصرنا يا رب العالمين. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا أسيراً إلا فككته. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم من كان حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم نور عليه ضريحه، وافسح عليه قبره، وافتح له أبواباً إلى الجنة. إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً، سحاً طبقاً، نافعاً مجللاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم لا غنى لنا عن فضلك ورحمتك، فلا تمنعنا بمعاصينا فضلك، ولا تحرمنا بذنوبنا رحمتك، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

التوسل والوسيلة

التوسل والوسيلة خلق الله الخلق ليفردوه بالعبادة دون غيره، لذا كانت عقوبة المشرك من أشد العقوبات، لأنه قد خالف الحكمة العظمى من خلقه، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما بعثه الله عز وجل لكي يزيل هذا الشرك، ولكن ظهر كفار في زماننا يدعون الإسلام وقد وقعوا في أعظم مما كان عليه المشركون من توسل واستعانة واستغاثة بغير الله، وتركوا النصوص الواضحة الدالة على تحريم ذلك، وغفلوا عن التوسل المشروع، والذي ينبغي للعبد أن يتوسل به إلى ربه.

القبوريون ومخالفتهم الشرع

القبوريون ومخالفتهم الشرع الحمد لله، الحمد لله الذي لم يزل بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، أرسله ربه إلى الإنس والجن بشيراً ونذيراً. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله جل وعلا فهي وصية الله لكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]، ويقول جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين! مر بنا في الجمعة الماضية ما وقع فيه كثير من الضعفاء والجهلة والمصرين على الضلالة أولئك الذين يعتقدون في القبور وسكانها واللحود ونزلائها، أولئك الذين يعتقدون فيهم دفعاً أو نفعاً أو إجابة دعوة أو كشف كربة، وأولئك لا يملكون لأنفسهم شيئاً قليلاً ولا كثيراً، صغيراً أو حقيراً أو كبيراً، فكيف يدفعون عن غيرهم؟ وكيف يجيبون من دعاهم؟ وكيف يسمعون من ناداهم؟ ولكن ضلال القبوريين المنتسبين إلى طائفة القبورية، ومن حذا حذوهم وسار سيرهم يشركون بالله وهم لا يعلمون، وصدق الله جل شأنه حيث قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] هذا في شأن من يدعون الإيمان، ومنهم من يكفرون بالله جل وعلا على بصيرة.

ما يستدل به القبوريون والرد عليهم

ما يستدل به القبوريون والرد عليهم وحديثنا اليوم عن التوسل والوسيلة وما كان قريباً منها وفي حكمها من الاستغاثة والاستعانة. فاعلموا يا عباد الله! أن من ضلال أهل الضلالة، ومن جهلاء أهل الجهالة من يحتجون بكتاب الله على باطلهم، فتجد منهم من يحتج بقوله سبحانه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء:57]، ويحتجون بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:35] فيجعلون هذه الوسيلة التي وردت في الآية حجة لهم باتخاذ من يتوسلون بهم من الأحياء فيما لا يقدر عليه إلا الله، ومن الأموات الغائبين المغيبين في اللحود والقبور يجعلون هذه الآية يستدلون بها استدلالاً ضالاً ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويوردون الكلام في غير ما يستدل به، ويحتجون بها لأنفسهم، وقد أجمع العلماء وعلماء التفسير رحمهم الله أن المقصود بالوسيلة في هاتين الآيتين: (العمل الصالح) والمعنى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:35] نداء للمؤمنين، أن اتقوا الله، واجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية، {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة:35] أي: اطلبوا عملاً صالحاً يقربكم إلى الله جل وعلا. وكذلك ما جاء في الآية الأخرى في وصف المؤمنين: {الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء:57] يبتغون العمل الصالح سلماً لرضا الله جل وعلا، وما سوى ذلك من استغاثة المخلوق بالمخلوق الحي فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو استغاثة المخلوق بالمخلوق الميت فيما يقدر عليه وما لا يقدر عليه، فإن ذلك أمر لا يجوز، بل هو شرك لا شك فيه.

أنواع من الاستعانة والاستغاثة الجائزة

أنواع من الاستعانة والاستغاثة الجائزة والاستغاثة والاستعانة إما أن تكون في أمر يقدر المخلوق عليه فهي جائزة، وإما أن تكون في أمر لا يقدر عليه إلا الله فهي شرك لا شك فيه. ومن أنواع الاستغاثة الجائزة: ما ورد في كتاب الله جل وعلا: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص:15] فهذا يستغيث بموسى عليه السلام ليعينه على قتل عدوه. وكذلك استغاثة الإنسان بمن يعينه على رد صائل أو إطفاء حريق ونحو ذلك، فهذا من الاستغاثة ومن الاستعانة الجائزة، وأما ما سوى ذلك كمن يستغيث بحي في شفاء مرضه، أو يستغيث بحي في تفريج كربته، أو يستغيث بحي في حصول خير له، فإن هذا لا يجوز. نعم. الأسباب واردة، والله جل وعلا يقول: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء:85]، وقال صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء) فإن الإنسان إذا نزلت به كربة فسأل الله جل وعلا أن يدفع عنه وأن يسخر له، ثم طلب سبباً من البشر لوجاهته أو لمنزلته أو لأمر يختص به دون غيره، فقال: يا فلان اشفع لنا عند فلان في أمر يقدر عليه الشافع والمشفع عنده أو المشفوع عنده، فليس هذا من الاستغاثة أو الاستعانة المحرمة، لكن المحرم هو أن يستغيث المخلوق بمخلوق ضعيف مثله في أمر لا يقدر عليه الأحياء، أو أن يستغيث بغائب، فترى رجلاً مثلاً في مكة، وآخر في الرياض، فإذا أصاب الذي في الرياض سوءٌ أو مكروهٌ نادى فلاناً وهو بـ مكة وقال: يا فلان ادفع عنا ما نحن فيه، فإن الاستغاثة بالحي على ما يقدر عليه إذا كان غائباً فإن هذا لا يجوز أبداً، وهو الذي وقع فيه كثير من هذه الأمة، حيث ضلوا وأضلوا كثيراً منهم بغير علم. فترى أناساً يستغيثون بالأموات في قبورهم، وأناساً يستغيثون بالأحياء الذين عندهم فيما لا يقدرون عليه ولا يقدر إلا الله، أو يستغيثون بالأحياء فيما يقدرون عليه ولكنهم غائبون عنهم، فحينئذٍ أيها الأحبة ذلك مما لا يجوز، إذ إن الاستغاثة من المخلوق بالمخلوق ومن الحي بالحي في أمر يقدر عليه يشترط له أن يكون موجوداً وأن يكون قادراً على فعل ذلك. فالله جل وعلا يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قدم اللفظ {إِيَّاكَ} لحصر العبادة لله جل وعلا، وقدم لفظ (إياك) لحصر الاستعانة بالله جل وعلا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: إذا سألت فاسأل الله).

ما يفعله من يعرف حقيقة العبودية عند المصائب

ما يفعله من يعرف حقيقة العبودية عند المصائب وهنا مسألة جليلة أيها الأحبة: فإن من واجب العبد المتعلق بربه، العارف بحقيقة وحق العبودية أن يسأل الله قبل أن يسأل غيره، فإذا نزل بك مرض من الأمراض وأنت تعرف أن المستشفى بجوارك، فاسأل الله جل وعلا قبل أن تلتفت إلى سبب الطبيب الذي قد ينفع وقد لا ينفع، وقد يوفق إلى الدواء الذي يصيب الداء وقد لا يوفق، وإذا نزلت بك كربة مالية وأنت تعلم أن جارك فلان غني ثري قريب حبيب إليك، لا يتردد في بذل ماله، فقبل أن تسأله اسأل الله جل وعلا، حتى ولو كان الذي بجوارك قادراً على أن يقرضك من ماله، أو يهبك من متاعه، أو ينفعك بجاهه، ولكن تعلق بالله قبل أن تتعلق بخلق الله. من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب أيها الأحبة: إننا نرى كثيراً من أحبابنا وإخواننا إذا نزلت الحاجة بأحدهم أو حلت بأحدهم الواقعة وهو يعلم أن من عباد الله من يقدر على معونته فيها، تجده أول ما يفزع إلى دليل أرقام هاتفه، أو إلى أرشيف معلوماته وصداقاته وعلاقاته، ثم يقلب الأوراق ورقة ورقة، هذا ينفع وهذا لا ينفع، وهذا ينفع قليلاً، وهذا ندعه للمهمات الملمات، ونسي المسكين قبل أن يتناول الدواء، وقبل أن يلتفت للصديق، وقبل أن يتحول إلى الرفيق؛ نسي أن يسأل الله جل وعلا. فالواجب علينا تحقيقاً للعبودية أيها الأحبة أن نبدأ بسؤال الله، وأن نحتاج إلى الله قبل الحاجة إلى غيره: لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضب ثم إن الله جل وعلا يحب من تضرع إليه، ويحب السائلين بين يديه، أما العباد فإن أعطوا مرة يسأمون الأخرى، ثم يطردون الثالثة. سألنا فأعطيتم وعدنا وعدتم ومن أكثر التسآل يوماً سيحرم وإذا رضيت ببذل وجهك سائلاً فابذله للمتفرد المفضال اسأل الله قبل أن تسأل عباد الله، واسأل الله قبل أن تسأل خلق الله، وتضرع إلى الله، وتملق إلى الله، وقف واسجد واخشع وتضرع ومرغ أنفك وجبهتك على التراب بين يدي الله قبل أن تقدم على واحد من البشر، خاضع الطرف، مطرق الرأس، تمشي على استحياء خجلاً من عرض حاجتك أمام هذا المخلوق الضعيف، لكن أمامك ساحة العزة وفرصة الكرامة، أن تخضع وأن تسجد لله، وما يدريك لعل الله أن يقضي حاجتك قبل أن تذهب أو تحتاج إلى فلان. أيها الأحبة في الله: يقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام وطويت الصحف) هذا فيما يتعلق بهذه المقدمة.

الفرق بين تكفير المعين وتكفير فاعل الفعل

الفرق بين تكفير المعين وتكفير فاعل الفعل أيها الأحبة! فإذا علم ذلك وأيقنه المسلم، أدركنا ضلال وجهل بل ربما شرك المستغيثين والمستعينين بغير الله، والمتوسلين بغير الله، بل يقع أحدهم في هذا الشرك إن كان عالماً ويقع الكثير منهم بهذا، أو إعراضه عن العمل بالتوحيد بعد بلوغه، يحقق فيه الشرك. وهنا مسألة أيها الأحبة! فربما رأيت مخلوقاً ضعيفاً عند قبر من القبور يدعو الله جل وعلا، فلا تعجل بتكفيره، ولا تعجل بإطلاق لفظ الشرك عليه، فهناك أحوال: فقد يكون ذلك السائل عند القبر يدعو الله جل وعلا ولا يدعو القبر، لكنه مبتدع باختيار مكان الدعاء عند القبر، واختيار زمان الدعاء في زمن معين بجوار القبر، فهذا مبتدع ومرتكب كبيرة، وفاسقٌ فسقاً عظيماً، لكن لا يكون مشركاً ولا يكون كافراً إلا إذا اعتقد أن الدعاء لصاحب هذا القبر أو أن الدعاء ببركة صاحب هذا القبر ينفع ويدفع الضر ويجلب الخير، وأنه بالبعد عنه لا يستجاب الدعاء فحينئذ يتحقق، ثم إننا أمة لم يطلب منا أن نكفر الناس بأعيانهم، فهناك كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فرق بين تكفير النوع والشخص المعين. فتقول: كل من دعا غير الله فهو كافر، وكل من استعان واستغاث بغير الله فهو مشرك، ولكن إذا رأيت من يدعو عند القبر أو يتوسل، فقبل أن تقول وأن تشير وأن تحدد أن هذا فلان بن فلان بعينه وشخصه كافر لا بد أن تتثبت من ذلك، إذ قد يكون يدعو الله بجوار هذا القبر معتقداً أنه يدعو الله جل وعلا، ولا يدعو القبر لكنه مبتدع ضالٌ ضلالة كبيرة بالدعاء بجوار القبر، فهذا أمر لا يكفره ولا يخرجه من الملة، فواجبنا أن نتثبت، وواجبنا أن نحذر؛ لأن الفائدة العظمى والنصيحة الأولى هي لأنفسنا ولبيان خطر ذلك على أبنائنا ومجتمعاتنا وذرياتنا ومن حولنا، ويا خيبة أولئك الذين يتعلقون بغير الله! ويا ضلال أولئك الذين يستغيثون ويستعينون ويتوسلون بغير الله، أو بغير أسباب التوسل المشروعة! فـ الرافضة مثلاً يرددون في نشيدهم وحدائهم قائلين: لي خمسة أطفي بهم نار الحطيم الحاطمة المصطفى والمرتضى وابناهما والفاطمة يرددون ما معناه: أن خمسة يرجون بهم أن ينجوا من النار ويكونون في الجنة: لي خمسة أطفي بهم نار الحطيم الحاطمة أي: نار جهنم. الحاطمة: الملتهبة. المصطفى: ويعنون به النبي صلى الله عليه وسلم. والمرتضى: ويعنون به علي بن أبي طالب. وابناهما: الحسن والحسين. والفاطمة هي الخامسة. أولئك يدفعون بهم عذاب الله ويدفعون بهم النار، كيف يفعلون ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كام أمره الله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الأعراف:188]. فالله جل وعلا قد بين على لسان نبيه وجاء هذا في كتابه أن النبي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا، بل يقول صلى الله عليه وسلم: إن هدايته ببركة ما أوحى الله إليه، فقال جل شأنه على لسان نبيه: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:50] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لـ فاطمة: (يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئتِ لا أملك لك من الله شيئاً). والله جل وعلا قد بين هذا الأمر لنبيه صلى الله عليه وسلم في مواقع كثيرة، فلو كان يملك من الأمر قليلاً أو كثيراً لما قال الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ} [آل عمران:128]، وقال الله جل وعلا: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، وقال الله جل وعلا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة:113]. فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك لنفسه أو لذريته أو لمن يريد هدايته أو لمن يريد الاستغفار له، لو كان يملك في هذا قليلاً أو كثيراً، لنفعه ولم يرد في القرآن ما يدل على أن ذلك ليس له صلى الله عليه وسلم، فدلالة النبي دلالة الإرشاد، وأما دلالة الهداية والتوفيق فهي دلالة من عند الله جل وعلا. وإذا نوقش بعض هؤلاء الضّلال، قالوا: إنا لا نعبد من نتوسل به، ولا نعبد من نستغيث به، ولا نعبد من نستعين به، وإنما نجعله بجانب الله، وذلك والله هو عين كفر الجاهلية الأولى الذين يقولون في الأصنام: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] إن مشركي قريش وكفار الجاهلية ما قالوا: إن اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى هم الذين خلقوا، وما قالوا هم الذين يميتون، بل قال الله جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] ولكنهم يعتقدون شيئاً من بركة ونفع وشفاعة هذه الأصنام عند الله جل وعلا، ومع ذلك ما عصم ذلك دماءهم ولا أموالهم ولا أعراضهم من أن يقاتلوا وأن تسبى ذراريهم وأن تؤخذ أموالهم. فإذا أدركت ذلك، تأمل قول الله جل وعلا: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:22 - 23]، وقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73] فضعفهم مع اجتماعهم كضعف الذبابة في هوانها وحقارتها. فإذا تأملتم هذا يا عباد الله! كيف يتعلق مخلوق بمخلوق؟! كيف يتعلق بشر ببشر؟! كيف يتعلق ضعيف بضعيف؟! كيف يتعلق مسكين بمسكين؟! كيف يتعلق حقير بحقير؟! والله إن التعلق بالبشر هو غاية الضلالة والهوان، وأما الكريم الشريف العزيز في نفوسنا حبيبنا الطاهر المطهر نبينا صلى الله عليه وسلم فتعلقنا به هو بحبنا لشخصه صلى الله عليه وسلم، وتعلقنا به هو باتباعنا أمره حيث نهانا أن نعتقد في شخصه نفعاً وضراً بعد موته، وتعلقنا به أن نتبعه استجابة لما أمرنا به: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] ومن أحب الله أحب نبيه صلى الله عليه وسلم لا محالة.

حماية النبي لأصحابة من الشرك

حماية النبي لأصحابة من الشرك أيها الأحبة! إن المتأمل في نصوص السنة يدرك أن خطر التعلق بغير الله حتى ولو كان تعلقاً فيه أدنى شبهه يفضي إلى الشرك بل قد يكون شركاً أعظم، فعن أبي واقد الليثي -والحديث في الصحيح- قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حنين ونحن حديثو عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عليها، وينوطون -أي يعلقون بها أسلحتهم- فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط!) أراد الصحابة فقط، أراد أولئك الذين كانوا حديثي عهد بكفر، أرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم شجرة يعلقون بها سيوفهم لاعتقادهم النفع فيها، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لقد قلتم كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ((اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)) [الأعراف:138]). وهؤلاء تكون أعمالهم كما قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] إن أعمال كثير من الناس في عددها قد تكون أكثر من عمل بعض الصحابة والتابعين، أقول في عددها لكن أعمال كثير من الصحابة والتابعين على قلتها فيها من التعظيم، وفيها من الإخلاص، وفيها السلامة من الشرك، وفيها التعلق بالله، وفيها التوحيد النقي الخالص الذي لا يتطرق إليه ذرة أو شعيرة أو قليل أو كثير من التعلق بغير الله سبحانه، فحينئذٍ بفضل الله وبرحمة الله نفعتهم أعمالهم، وكثير من العباد قد يحبط عمله وهو لا يدري، بل كان الصحابة يتعلقون بالله ويرجون الله ويخشون مع أعمالهم ولا يدلون بها على الله، يخشون من عذاب الله.

خوف أبي بكر على نفسه من المعاصي

خوف أبي بكر على نفسه من المعاصي كان أبو بكر الصديق يبكي وهو يرى عصفوراً يطير من غصن إلى غصن، ويقول: [هنيئاً لك يا طير! تطير من غصن إلى فنن، ثم تموت لا حساب ولا عذاب] وهو أبو بكر الذي قال الله فيه: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40] ذكره الله في القرآن، وهو أبو بكر الذي قال الله فيه: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل:17] سيجنب النار، مبشراً بالجنة، ومع ذلك يبكي ويخشى ويخاف ويرجو رحمة ربه ويخشى عذابه، {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:17 - 21] أي بشارة ل أبي بكر أن يقول الله له: (ولسوف ترضى يا أبا بكر) إذا أرضاك الله فمن يسخطك؟! إذا أغناك الله فمن يفقرك؟! إذا أمنك الله فمن يخوفك؟! (ويقول أبو بكر لما سمع قول الله جل وعلا: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] فيقول أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! ما أسعد من يقال له هذا؟ فيلتفت الحبيب إلى رفيقه الصديق، ويقول: يا أبا بكر! إنك ممن يقال لهم هذا) يا أبا بكر! إنك ممن يقال لهم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. وليس الأمر كما نراه الآن في كثير من الصحف والجرائد والمجلات إذا مات ميت، وقد يكون من الفساق، وقد يكون من الفجار، وقد يكون من مستوري الحال، وقد يكون من الصالحين، وقد يكون من الذين لا يشهدون الصلاة، ثم يكتب تحت نعيه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27 - 28] وما أدراكم أنها اطمأنت؟ وما أدراكم أنها رجعت إلى ربها راضية مرضية؟ فهذا من الجهل، وهذا من الضلال، وهذا من الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس.

النصوص الدالة على تحريم الشرك

النصوص الدالة على تحريم الشرك أيها الأحبة! أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد لا بأس به عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: رأى رجلاً بيده حلقة من صفر، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ما هذه؟ قال الرجل: من الواهنة، فقال صلى الله عليه وسلم: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، ولو مت وهي عليك ما أفلحت). وأخرج أيضاً عن عقبة بن عامر مرفوعاً: (من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له) وفي رواية: (من علق تميمة فقد أشرك). ولابن أبي حاتم عن حذيفة: [أنه رأى رجلاً في يده خيط -خيط للحمى- فقطعه وقرأ قول الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106]] وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولاً ألا يبقى في رقبة بعير قلادة من وتر إلا قطعت). وأخرج أحمد وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك). وأخرج أحمد والترمذي عن عبد الله بن حكيم مرفوعاً، أي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (من تعلق شيئاً وكل إليه). وأخرج أحمد عن رويفع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رويفع! لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته، أو تقلد وتراً، أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمداً بريء منه). فانظروا يا عباد الله! كيف جعل الرقى والتمائم والتولة شرك، وما ذاك إلا لكونها مظنة أن يصحبها اعتقاد أن لغير الله تأثير في الشفاء من الداء وفي المحبة والبغضاء، فكيف من توسل بغير الله؟ وكيف من طلب غير الله؟ وكيف من ناجى غير الله؟ ولا يسلم للعوام قولهم: نحن لا نعبدهم وإنما نستعين بهم. أسأل الله جل وعلا أن يحقق لنا ولكم التوحيد النقي الذي يرضي ربنا عنا، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا غير مبدلين ولا مشركين ولا مغيرين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الأمور التي يتوسل بها إلى الله

الأمور التي يتوسل بها إلى الله الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. إذا علمنا أيها الأحبة! أن التعلق بغير الله في كبير وصغير واعتقاد أن غير الله يدفع أو ينفع، فهذا من الشرك، آن الأوان للشروع في المقصود وأن نعلم أنه لا يتوسل إلى الله إلا بواحدة من ثلاث:

الأولى: أن يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته

الأولى: أن يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته وهي أجل وأسمى وأنفع وأفضل أنواع التوسل، وفيها توحيد المسألة، فتقول: يا رحمن ارحمني. تتعلق برحمة الله طالباً من ربك الرحمة، فأنت تتوسل بأسماء الله وصفاته، وتقول: يا منان مُنَّ علي برحمتك، ويا غفور اغفر لي، ويا جبار امنعني، واحفظني ممن أراد بي سوءاً، ويا قيوم أسألك الفوز بالجنة، وهكذا أن تسأل الله بأسمائه وصفاته، وإذا سألت ربك مطلوباً فاسأله باسم يوافق هذا المطلوب ليكون أدعى إلى تحقيق المسألة.

الثانية: أن يتوسل إلى الله بالعمل الصالح

الثانية: أن يتوسل إلى الله بالعمل الصالح فتقول: اللهم إني أسألك بصيامي شهر رمضان، ما نظرت فيه إلى محرم، وما استمعت فيه غيبة، واجتهدت في الصلاة خلف الإمام، وما انصرفت من التراويح إلا مع الإمام، أسألك اللهم إني عملت ذلك خالصاً لوجهك أن تحقق لي ما أرجو، تقول ذلك سراً بينك وبين الله، تتوسل إلى الله بعملك، فإن هذا من التوسل المشروع. ودليله ما جاء في الصحيحين في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوا وباتوا فيه، فانحدرت صخرة من الجبل فأطبقت عليهم الغار، فقال بعضهم لبعض: إنه لن يخرجكم ولن ينجيكم مما أنتم فيه إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال الأول: اللهم إنك تعلم أنه كانت لي ابنة عم، وكنت أراودها فتتمنع علي، فجاءتني في عام سنة وجدب وقحط وطلبت مني المال، فقلت لها: لا أعطيك المال حتى تمكنيني من نفسك، فقبلت محتاجة، ثم إني لما دنوت منها، وتمكنت منها تمكن الرجل من زوجته، وقبل أن أفعل بها بكت وقالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها خوفاً منك وخشية لك، اللهم إني إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك وخوفاً منك ورغبة فيما عندك فافرج عنا ما نحن فيه، وهي حال عجيبة أن يكون الإنسان في ذروة تلبسه بالمعصية وقبل الشروع المباشر في حقيقتها، يخوف بالله، فينزعج ويضطرب خوفاً من الله ويترك ما هو عليه. قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك وخوفاً منك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلاً عن الغار، إلا أنهم لا يستطيعون أن يخرجوا منه. فقال الثاني: اللهم إنك تعلم أن لي والدين لا أغبق قبلهما ولداً ولا صاحباً، وإني خرجت عشية في طلب الغبوق فتأخرت عليهما، فجئت ووالدي قد ناما، قد باتا، والصبية يتضاغون يبكون يصيحون يتصايحون من العطش والجوع فقلت: والله لا أغبق قبل والدي ولداً ولا صاحباً، فترك الصبية يبكون براً بوالديه ألا يغتبق أحد قبل والديه. انظروا بركة بر الوالدين يا عباد الله! وليسمع هذا أولئك الذين يبرون في زوجاتهم ويعقون آباءهم وأمهاتهم، وليسمع هذا أولئك الذين يتهربون عن والديهم ويبتعدون عن آبائهم وأمهاتهم، متى؟ في وقت العطاء والخير، حينما يقبل خير الفتى ويدبر شره، ويكثر صلاحه ويقل فساده، يقع في فساد عظيم يدبر عن والديه، ليتخلى ويتفرد بابنة الناس ليعطيها بره وخيره، ويغفل عن والديه الأيام والليالي ذوات العدد، فإنا لله وإنا إليه راجعون! قال: فإني ما غبقت قبلهما ولداً ولا صاحباً، حتى أصبح والدايَّ فاغتبقا وشربا من الحليب، ثم بعد ذلك أطعمت زوجي وولدي، اللهم إني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. توسل إلى الله ببره بوالديه، والأول توسل إلى الله بتركه المعصية. فانفرجت الصخرة شيئاً أكثر من الأول إلا أنهم لا يستطيعون أن يخرجوا منه. فقال الثالث: اللهم إنك تعلم أني استأجرت أجيراً فولى ولم يقبض أجرته، ثم إني نميتها وحفظتها له، فجاء إليَّ بعد زمن وقال يا فلان: أعطني أجرتي؟ فقلت: أتنظر ما في هذا الوادي من النعم أو من المال؟ فقال: نعم، فقلت: هذه أجرتك فخذها، فقال: أتهزأ بي؟ أتسخر بي؟ لأن الأجير ذهب وأجرته شيء قليل، لكن ذلك نمّى الأجرة وحفظها لصاحبها، وقال: هذه أجرتك خذها واستقها، فأخذ الرجل أجرته داعياً وشاكراً، قال الثالث: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء ما عندك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة حتى خرجوا جميعاً. فانظروا بركة التوسل إلى الله بالعمل الصالح، والنبي صلى الله عليه وسلم قص هذه القصة لأصحابه، ولو كان التوسل إلى الله بالأنبياء أو بالصالحين أمراً مشروعاً لقال: توسلوا إلى الله بي بعد موتي، أو لقال صلى الله عليه وسلم: توسلوا بحبيبي أبي بكر الصديق، وتوسلوا بشهيد المحراب، والإمام الأواب عمر بن الخطاب، ولكنه صلى الله عليه وسلم ذكر لهم أن التوسل يكون بالعمل الصالح، ولو كان التوسل بالأنبياء أو بذاته أو بشخصه أو بجاهه، كما يقول كثير من الناس: أسألك بجاه النبي، أسألك بجاه النبي، أسأل الله جل وعلا، وإن كنت صادقاً في حب النبي فاتبع ما يقول النبي ولا تتقدم عنه ولا تتأخر.

الثالثة: أن يتوسل العبد إلى الله بدعاء رجل صالح

الثالثة: أن يتوسل العبد إلى الله بدعاء رجل صالح فهذا يدخل في أحكام التوسل، وشاهده ما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما أجدبوا وقحطوا وأصابتهم السنة، قال عمر بن الخطاب وقد خرجوا يستسقون: [اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإن نبينا قد مات، اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبينا، قم يا عباس فادع الله لنا!]. ففي هذا بيان أن الدعاء نوع من الوسيلة، وأن الداعي لا يعطي من نفسه، وإنما يدعو الله جل وعلا، فأنت إذا كانت لك حاجة وعرفت رجلاً من الصالحين، وقلت له: يا فلان ادع الله لي أن يرزقني ذرية، ادع الله لي أن يبارك في مالي، ادع الله أن يرزقني حفظ القرآن، فذلك يدخل في حكم التوسل المشروع، وأما ما سوى ذلك فممنوع لا يجوز أبداً، وقد احتج من احتج بما ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وقالوا هذا إمام التوحيد يقول في آداب المشي إلى الصلاة في أن الماشي يقول في طريقه: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، أني ما خرجت بطراً ولا أشراً، فيقولون: إنه ذكر الحديث، مع أن في الحديث ما فيه، أو قد تكلم فيه، ولكن لو صح واستدل به ففي ذلك دلالة على أن ما ورد في الحديث هو توسل إلى الله بأسمائه وصفاته لأن حق السائلين على الله إجابتهم، وإجابة الداعي صفة من صفات الله، وحق العابدين على الله أن يجيب دعاءهم، فحقيقة التوسل هنا هو توسل إلى الله بما يفضي إليه هذا الحق من السائلين وهو الإجابة، فلا حجة لمن أراد أن يستدل بهذا على جواز التوسل ببشر، أو بجاه بشر، أو بحق بشر. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل. اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم جازهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً ومناً وغفرانا، برحمتك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين، اللهم انصر المجاهدين في البوسنة والهرسك، اللهم انصرهم وأيدهم وثبتهم، وانصرهم على عدوهم، اللهم أهلك الصرب أعداءهم، اللهم أحصهم عدداً، واجعلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً. اللهم ارحم المستضعفين في كل مكان، اللهم فرج عن أهل الزنازين، اللهم فرج عن المستضعفين والمحبوسين والمأسورين، اللهم فرج لهم، اللهم انقطعت بهم السبل ولا سبيل إلا ما عندك يا حي يا قيوم، اللهم نزل عليهم فتحاً من عندك، وثبتهم بتثبيتك، وأيدهم بتأييدك، وارحمهم وفرج عنهم ما هم فيه يا رب العالمين. ربنا لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا أيماً إلا زوجته وأسعدته، ولا ضالاً إلا هديته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم خذ بأيديهم إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، يا حي يا قيوم. اللهم صلِّ على محمد وآله وصحبه وسلم.

الحزم أو الضياع

الحزم أو الضياع الحزم أو الضياع عنوان شمل العديد من الموضوعات المهمة في هذه المادة، منها أهمية الحزم والعمل، وأنه أصل من أصول الدين، وأنه مجلبة لاحترام الآخرين، وأنه مطلوب في جميع الجوانب. وقد تحدث الشيخ عن كيفية اكتساب الحزم والذي بدونه ستئول الأمة إلى الضياع، وختم هذه المادة بذكر بعض صور ضياع الحزم.

سبب طرق موضوع (الحزم والضياع)

سبب طرق موضوع (الحزم والضياع) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم إنا نسألك السداد في القول، والإخلاص في الفعل، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، وآتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفي مستهل هذا اللقاء الذي أتشرف بلقياكم فيه -وأسأل الله جل وعلا أن يجعل جلوسكم والقول بين أيديكم خالصاً لوجهه الكريم- أود أن أزجي الشكر مثنى للقائمين على هذا القطاع المهم الحيوي المتعلق بأمور الشباب، وأسأل الله جل وعلا أن يجعل عملنا وعملهم خالصاً لوجهه، وأخص بالشكر الأستاذ: ناصر المجحج مدير مكتب رعاية الشباب، والمسئول عن هذه الأنشطة وهذا القطاع المهم، أسأل الله جل وعلا أن يجعله من الدعاة إلى دينه، وأن يجعله مباركاً أينما كان، وأن يوفقه وأمثاله وكل مسلم إلى فعل الخير والدعوة إليه وتسهيل أمره. أيها الأحبة: تعلمون أني لست بشاعر ولكني أحب مداعبة الشعراء والسامعين بشيء من الحديث، وفي الطريق أخذت أهمهم وأنمنم بكلمات تجول بخاطري أقول فيها: الحزم وسط المعمعة على جبين المجمعة والجد حال المعضلات يبغي اليقين أجمعه يا فتية الحق اعملوا وليس فيكم إمعة إنا نروم وثبة شما بغير جعجعة فلينأ عن درب الهدى من هاب أرض المسبعه كل جبان لا يجيـ ـد اليوم إلا الفرقعة وليرق نحو المكرما ت رضيع مجد أكتعه بلاؤنا من فارغ في كل جمط لمعه فحقه يا إخوتي كسوته بالبردعة والبردعة: كساء يوضع على ظهر الحمار. فإن أبى معانداً لا بأس في أن نصفعه أيها الأحبة: أما الحديث في هذه الكلمة فموضوعه: (الحزم أو الضياع) ولعل المعنى واضح من العنوان، والداعي إلى طرق هذا الموضوع: أنني رأيت عدداً لا يستهان به من الشباب لا هم لهم إلا التسكع في الشوارع، والتجوال في الطرقات، والجلوس على الأرصفة، وتبادل الأنفاس المشحونة المليئة بسحب الدخان، واجترار الأحاديث التي لا فائدة منها، وتناقل الأقوال التي لا طائل من ورائها، والحقيقة أن نفس كل غيور حينما يرى هؤلاء الشباب يتسكعون على أقدامهم، أو يتجولون بسياراتهم، أو يجلسون على الطرقات والأرصفة، لا هم لهم إلا الدندنة والطنطنة والحملقة بالأبصار في الغادين والرائحين، والغاديات والرائحات، أن القلب والله ليتقطع أسى، وإن الفؤاد ليتألم من شدة ما يرى من مصيبة الأمة في هؤلاء المتسكعين، ومصيبة الأمة من هؤلاء الضائعين، في مصيبة الأمة من هؤلاء الفارغين، الذين لو كانوا عناصر فعالة، أو مواهب منتجة، أو طاقات واعدة لرأينا فيهم خيراً، لكن البلاء كل البلاء أن بعضاً من أولئك كالأنعام؛ يأكلون ولا ينفعون، ويستهلكون ولا ينتجون، وأمة الإسلام تنحر وتذبح، والجرح نازف، والدماء تسيل، والرقاب تقطع، والحوامل تجهضن، والأعراض تنتهك، والبيوت تدمر، والمدن يشرد أهلها منها، ولا حرمة لمسلم. وأنتم ترون هذا كله جلياً فيما نسمعه، ونراه ونقرؤه، وينقل لنا عن أحوال إخواننا في البوسنة والهرسك، وهو مثال من الأمثلة، إذ ما هو في كشمير ما هو أفظع وأشد من هذا، لكن وسائل الإعلام لم تلتفت إليه، وفي بورما ما هو أشد من هذا ووسائل الإعلام لم تلتفت إليه، ولا حجة لنا أن نتعلل بأن وسائل الإعلام لم تطرح هذا، وليس بحجة للمسلم أن يقول: إن هذا أمر لم تطرحه الوسيلة الفلانية، إذ أن الأصل في كل مسلم أن يهتم ابتداءً لا أن نطالبه بالاهتمام بعد بلوغ الخبر، إذ بعد بلوغه الخبر عن أحوال المسلمين لا عذر ولا حجة له ولا يقبل منه قول أبداً، لكن المطلوب أن يبدأ الاهتمام ابتداءً، وأن يكون الباعث هو الغيرة على أحوال المسلمين وأعراضهم. أيها الأحبة في الله: أتسبى المسلمات بكل أرض وعيش المؤمنين إذاً يطيب فكم من مسجد جعلوه ديراً على محرابه نصب الصليب وكم من مسلم أضحى سليباً ومسلمة لها حرم سليب دم الخنزير فيه لهم خلوق وتحريق المصاحف فيه طيب أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول عليه في الدين النحيب فقل لذوي البصائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا أيها الإخوة! هؤلاء الذين نراهم يتسكعون ويدورون لو أن مع كل واحد منهم بندقية، أو لو أن في كل منهم نفساً أبية لما وجدناهم بهذه الحال، مسلم يقتل، ومسلم ينتسب إلى الإسلام، ولا هم له إلا المعاكسة والمغازلة!! مسلم يذبح ومسلم آخر لا هم له إلا النوم على الأرصفة!! مسلم ينتهك عرضه وآخر لا هم له إلا أن يلاحق آخر فيلم خرج وآخر تمثيلية خرجت، وآخر نجم اعتزل، وأول ممثلة ودعت أو غيرت؟!! هذه والله بلية ومصيبة، ولكن أيها الأحبة: هو الحزم أو الضياع، النفس الإنسانية بطبعها ميالة إلى الراحة والكسل، وقديماً قال القائل: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم فخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فافتهم ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

الحزم في العمل

الحزم في العمل أيها الأحبة: إننا لا ننتظر أن تقودنا أنفسنا بطبعها إلى الجد والمكرمات، والمعالي والحزم والقمم، والشجاعة والكرم، والتدين والالتزام والاستقامة، هذه درجات لا يبلغها أحد إلا بالمجاهدة؛ فلكي تكون كريماً لا بد أن تجاهد النفس في بذل المال، ولكي تكون شجاعاً لا بد أن تجاهد النفس في الاستهانة بالموت، ولكي تكون طالب علم لا بد أن تجاهد النفس في سهر الليل بالقراءة والكتابة والمراجعة، ولكي تكون نافعاً لا بد أن تفوت كثيراً من الملذات والمباحات من أجل أن تبلغ هذه القمة التي تريدها. أما أن يريد الإنسان أن يكون قمة بدون بذل، ويريد أن يكون رأساً بدون سعي، ويريد أن يكون جبلاً بدون همة، فذاك كما قال القائل: تسألني أم الوليد جملا يمشي رويداً ويجيء أولا أم الوليد امرأة تقول لأحدهم: لو تكرمت انظر لي جملاً يمشي ببطء -مثلما يقال: على أقل من مهله- ولكن يصل أول واحد. تسألني أم الوليد جملا يمشي رويداً ويجي أولا لا يمكن هذا! تريد كسلاً ونوماً، ومتابعة للنفس؛ النفس تريد مشاهدة فيلم فشاهد فيلماً، النفس تشتهي جلسة مع شباب ضائعين فارغين فتجلس معهم، النفس تشتهي أن تشبع من النوم فتدعها تشبع من النوم، ثم تطالب النفس أن تكون نفس كريم، ونفس شجاع، ونفس داعية، أو نفس معلم أو نفس عالم، هذه مسألة صعبة جداً. لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال المسألة: كل يتمنى أن يكون عالماً، لكن من فاز بالعلم؟ أولئك الذين رأوا فيلماً فأعرضوا عنه وسهروا الليل على القراءة، كل يتمنى أن يكون تاجراً لكن من نال التجارة؟ ذاك الذي هجر الفراش وقام مع الطير: قام مع الطيور صباحاً، وأخذ يسعى في طلب الرزق، ولم يؤب إلى بيته إلا حينما أعشاه المبيت. كل يتمنى أن يكون طبيباً جراحاً، لكن الذي لا يريد من التخصصات إلا أدناها ومن الهمم إلا أقلها، وتجده يغيب في الأسبوع ثلاثة أيام، واليومين الآخرين لا يحضر إلا من الساعة التاسعة والنصف، ويجلس في آخر الفصل، وتقديراته مقبول وأقل من مقبول أو راسب ضعيف، ويريد بعد ذلك أن يكون طياراً، أو أن يكون طبيباً، أو أن يكون أستاذاً، وآخر يريد أن يتفوق في العلوم الشرعية ولكن قد أشغلته المباريات الأولمبية وكأس العالم، لا يا أخي. المسألة لو كانت بالتمني لرأيت كل من حولك علماء، وسادة، وقادة، وأساتذة، وأطباء، وموجهين، ولكن من فاز بهذه الأماني؟ من أمهر الأمنية عملاً، الأمنية: عروس يبذل مهرها بالجد والاجتهاد، والعمل والمثابرة، فمن حزم أمره، وجمع همته، واجتهد في قصده وجد الخير بإذن الله. ومن زرع البذور وما سقاها تأوه نادماً وقت الحصاد أيها الأحبة: ينبغي أن نعرف جيداً أن الحزم أصل من أصول الدين، الله جل وعلا يقول في كتابه الكريم: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63]، وقال جل وعلا: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] إذا أردنا أن نكون أمة ملتزمة مستقيمة، وأردنا أن نكون شباباً على مستوى من العلم والفهم والوعي، والتأثير والإفادة، وتحريك طاقات المجتمع ونفع المسلمين لا بد أن نأخذ الأمور بحزم: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63] قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] فلا نريد مسلماً يأتي يقول: أنا مسلم لكن هذه المسألة يقول الطنطاوي الذي في مصر: إنها مختلف فيها، والمسألة هذه يقول الباقوري الذي في لبنان: إنها مختلف فيها، والمسألة هذه يقول الفاخوري الذي في موزمبيق: مختلف فيها، والمسألة هذه يقول فلان الذي في السلفادور: مختلف فيها، إذاً اختر من الدين أربع مسائل تمسك بها وضيع بقية مسائل الدين؛ لأن هذه فيها خلاف، وهذه فيها أقوال، وهذه فيها سين وجيم، ومن ثم لا تتمسك من دينك إلا بشيء قليل، وضيع ما بقي من دينك بحجة الرخص التي أفتى بها فلان وعلان، وقديماً قال الفقهاء: (من تتبع الرخص تزندق). وإني أعجب -أيها الإخوة! - من رجال وشباب يوم أن تناقشهم في أمر من أمور الدين، يقول أحدهم: يا أخي! ليس في الدنيا إلا مشيختكم في نجد أو في المملكة؟! هناك شيخ في الديار الفلانية يقول: هذا ليس فيه شيء، وهناك شيخ أفتى أن الربا حلال، وهناك شيخ يقول: المرأة أن تكشف وجهها وتخرج مع السائق حلال، وهناك شيخ يقول: ليس من داعٍ أن تصلي مع الجماعة صلِّ في البيت حلال، وهناك شيخ يفتي أن الربا في القروض الإنتاجية حلال، وهناك شيخ يقول: كذا وكذا، و Q افرض أن عندك سيارة من السيارات الفارهة الفاخرة، ولتكن من نوع (لكسز) وحصل في هذه السيارة عطب أو خراب أو خلل، هل تتوقع أن صاحب هذه السيارة التي أعدت وصنعت على أعلى مواصفات التقنية والتطور، والكفاءة والأداء فهل تظنون أن صاحب السيارة يذهب بها إلى بنشري، ويقول: ما هو رأيك في السيارة هل فيها خراب؟ أو يذهب بها إلى إنسان تخصصه دراجات نارية (سوزوكي) أو (هوندا)؟ لا يذهب إطلاقاً، هذه اسمها (لكسز) ولا يمكن لأي مهندس أن يعبث فيها، ولا يمكن لأي واحد حتى ولو كان تخصصه سيارات يابانية أو أمريكية أو سويدية أن يعبث بها محاولاً إصلاحها، لا. القضية تحتاج أن يذهب بهذه السيارة الثمينة إلى الوكيل المعتمد، إلى الوكالة، فإن الوكالة التي صنعت هذه السيارة أدرى بما يصلح لها، وأدرى بالشيء الذي ينفع لها حين خرابها. كذلك إنسان لو أصابه تسوس في سن من أسنانه، أو يريد حشو عصب، أو مشكلة من مشاكل الأسنان، هل يذهب ويطرق على ولد الجيران الذي يدرس في المعهد الصحي الثانوي، ويقول: تعال أصلح لي أسناني؟ وهو أيضاً لا يقبل أن يذهب إلى إنسان يدرس في سنة أولى أو سنة ثانية طب أسنان، يقول: لا. هذا سن مهم، لا بد أن أذهب إلى المركز التخصصي للأسنان، الذي فيه أفضل الخبرات التي استوردت، وتعمل على أحدث أساليب علاج وطب الأسنان. فلما جئنا إلى السيارة ما قبلنا أن يصلح فيها أي واحد، بل ذهبنا إلى الوكيل المعتمد والوكالة التي صنعت هذه السيارة، ولما جئنا إلى سن من الأسنان ذهبنا إلى مركز متخصص في الأسنان، لكن لما جئنا إلى مسألة الدين تلقى الواحد يقابل له واحداً في سوق الخضرة يبيع فجلاً، يقول له: ما هو رأيك في هذه المسألة: حلال أم حرام؟ يقول له بائع الفجل: لا. هذه حلال، يقول له: (الله يوسع عليك هذا الشيخ وإلا بلاش). فتجد من الناس العجب في أمر نفسه، وفي أمر سيارته لا يقبل إلا كلام المتخصصين الوكلاء المعتمدين، وأما في أمر الدين فإنه يقبل قول من هب ودب، هل هذا أمر يقبل؟! سبحان الله! لما كان أمر الدنيا ما قبلت إلا أعلى المستويات خبرة وعلماً في الإجابة عنها، ولما جاء أمر الدين جئت تقول لي: قال فلان الفلاني في مصر، وإلا في السودان، وإلا في البلد الفلانية: هذا حلال! سبحان الله العلي العظيم! لماذا لا تأخذ بقول الشيخ ابن باز، الذي لا نعلم على وجه الأرض أتقى وأعلم بالله ولله منه إلا من لا نعلم، المهم هؤلاء الأتقياء ينبغي أن يؤخذ منهم الدين كما أنك ترجع إلى الوكلاء في أمور دنياك.

الحزم أصل من أصول الدين

الحزم أصل من أصول الدين أيها الأحبة: أقول: إن الحزم أصل من أصول الدين، والله جل وعلا قال: ((ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] أي: اعملوا بالإسلام في كل جوانبه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة:52] والآية الأخرى: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف:169] يأخذون شيئاً من الدين ويتركون غيره ثم بعد ذلك يقولون: إن الله غفور رحيم. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والعزيمة على الرشد) الرشد والرشاد، والخير والفلاح يحتاج عزيمة، يحتاج قوة، يحتاج نفساً قوية جداً. وإن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الأمر أن تترددا

الحزم والجد مجلبة للاحترام

الحزم والجد مجلبة للاحترام أيها الأحبة: إن من سنن الله أيضاً: أن الجد والعمل نتيجته محمودة، فلو أن مائة عامل مسلم كل منهم يصوم الإثنين والخميس ويتهجد الليل؛ لكنه كسول بطال، ومائة عامل بوذي كافر لكن يعملون في الصباح والمساء لأنتج البوذيون عملاً ينفعهم، ولم يستطع ذلك المسلم أن ينفع نفسه بشيء، كثير من الناس يخلط بين قضية التدين والعمل، أو الاستقامة والسلوك والعمل، انظر يا أخي الكريم! فيما يتعلق بسلوكك الشخصي، هذا أمر ترجو به الجنة وتنجو به من النار بإذن الله جل وعلا، وترجو به رضا الله، لكن لا يلزم إذا كنت متديناً أن تفتح لك أبواب السماء ذهباً وفضة. إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء رجل يسأله وأعطاه درهمين أو أقل أو أكثر، فقال: (لو أن أحدكم اشترى حبلاً فاحتطب فباع خير له من أن يتكفف الناس أعطوه أو منعوه) ما قال النبي: أنت من الصحابة ولن يضيعك الله وسيَنزِّل عليك رزقاً من السماء، لا. القضية قضية العمل، العمل للإسلام مطلوب، والعمل بجدية مطلوب، ومن هنا أطالب كل الشباب المسلم؛ ولا أخص الملتحي وأترك الحليق، أو أخاطب الذي لا يدخن وأترك المدخن، أو أخاطب الذي اتبع السنة في ثوبه وأترك المسبل، أقول: نحن جميعاً يا معاشر الشباب المسلم! سواء فينا السابق بالخيرات؛ المهتم المعتني بالطاعات، أو الظالم لنفسه بالمعاصي، أو المقتصد، أخاطب الجميع بأن يجدُّوا في أعمال دنياهم، وأن يجدوا قبل ذلك في أمر دينهم، لا أن تظن أن كونك تدينت أو التزمت واستقمت فإن المسألة قد انتهت، لا. ولذلك قال عمر: [إني أرى الرجل فيعجبني فأسأل هل له من عمل فيقال: لا. فيسقط من عيني] لأنه عنصر مستهلك في المجتمع؛ ولا ينفع ولا ينتج. لذلك -أيها الأحبة! - ينبغي أن نؤكد جيداً أن مسألة الجد والصبر والعمل ينتج في العامل أياً كان نوعه؛ يهودياً، أو نصرانياً، أو بوذياً، ولا تظن أن السماء سوف تنفتح لك، لا بد أن الله جل وعلا وعد المتقين بالخير لكن مع بذل الأسباب، ولو كان مجرد الإسلام والإيمان والإحسان يحقق النصر ويجلب الخير لكفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم مؤنة القتال في بدر، ومشقة القتل لأصحابه في أحد، وكسرت رباعتيه، وشج وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في رأسه الكريم صلى الله عليه وسلم. إذاً: لا تظن أنك إن تدينت انتهت المسألة، نريد منك عملاً، ونريد من الذي لم يستقم بعد أو لم يتدين أن يستقيم وأن يتوب وأن يعود إلى الله، وأن يستحي على وجهه بكل معانيها التي يعرفها والتي لا يعرفها، نقول: استحِ على وجهك وكفاك ضياعاً أن بلغت العشرين أو قاربتها أو جاوزتها، أو قاربت الثلاثين وأنت لا تزال لا هم لك إلا ملاحقة السيقان العارية عبر الفيلم، ورؤية الوجوه المصبغة الملونة بمساحيق التجميل عبر المجلة، وسماع الآهات والأنات الخليعة الماجنة عبر الأغنية. نقول: استحِ! إلى متى هذا الضلال؟ إلى متى هذا الضياع؟ إلى متى وأنت في لغوائك وغفلتك وجهلك والمسلمون يذبحون ويقتلون؟ أما يكون لك باعثاً وحافزاً أن ما آتاك الله من النعم في أمن وطمأنينة أن تقابله بالشكر والجد والاجتهاد في مرضاة الله جل وعلا؟ ثم -أيها الأحبة! - إن الجاد والحازم إذا سعى في أمر من أموره بجدية وبحزم لا شك أنه يناله شيء من التعب أو المشقة، ولكنه يجد راحة وسعادة وطمأنينة، ويجد احتراماً لنفسه لا مثيل له، لكن ذلك الجثة القعدة الرقدة الذي هو كالعنز أو كالنعجة لا تجاوز مراحها، لا هم لها إلا أن يلقى بأكوام التبن عند فمها، ثم تأكل ما تأكل ثم يرفع عنها ذلك ويقدم لها الماء، ذاك الذي يضر الأمة ولا يفلح، ويفسد ولا يصلح، وكما قال القائل: وأنت امروءٌ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع مصيبة إنسان أنه محسوب على الأمة حياته لا منفعة فيها، ولو جاء خطر فجعنا عليه؛ لو أصابه حادث بحثوا له عن أحد يتبرع له بالدم، لو أصابه فشل كلوي بحثوا له عن أحد يتبرع له بكلية، لو أصابته أي مصيبة بحثوا له عن أحد يساعده، فهذه مصيبة ذلك الشاب الذي لا ينفع. أقول: إن الجاد مهما ناله من تعب الجد، ومشقة الحزم فإنه يحترم نفسه، فالإنسان هو الذي يحترم نفسه: أرى الناس من داناهم هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرما من كانت نفسه عزيزة لا تقبل إلا المعالي؛ أكرم نفسه وأكرمه من حوله، وأما من هان على نفسه وهان عند ربه فكما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]. إن من اختار أن يذل نفسه بالمعصية، وأن يهينها بمخالفة أمر الله، وأن يرى نفسه في ذَنَبِ الركب عصياناً لله جل وعلا، كيف تريد أن تحترمه نفسه؟ ولو قرأتم ما كتبه ابن القيم رحمه الله في كتابه الجميل الرائع: الداء والدواء أو الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، قال: ومن عقوبات المعصية: أن صاحبها يجد ذلاً في نفسه، وظلمة في وجهه، وهواناً على الناس، ويتجرأ عليه أدنى من حوله. وكما قال الحسن البصري: [إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه]. هذا الجاد -أيها الأحبة! - وإن ناله تعب من الجد فإنه يشعر بعزةٍ وإكرامٍ لنفسه، وأما ذاك الذي شبهناه بالعنز أياً كانت استرالية أو مصرية، أو سورية أو عنزاً نجدية، سم ذلك الإنسان بما شئت، الكسول تجده يحتقر نفسه، ويرى على نفسه هواناً، ويجد في نفسه ذلة، وإذا عرضت عليه معالي الأمور وأراد أن يرتفع لها جاءه إبليس وجره من رقبته، قال: اقطع عنك هذه الأفكار، أنت لست بكفءٍ لهذه الأمور، اتركها الآن. الشيطان يعرف صاحبه جيداً، نعم وقت التزيين للمعصية تجد الشيطان يؤز صاحبه أزاً: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم:83] تدفعهم دفعاً، لكن لو جاء أمر من الخير عند إنسان صاحب معصية، أو مغرق ومصر على المعاصي، أول ما يأتي صاحب الخير ويريد أن يبدأ، وذلك العاصي سابقاً لم يرد أن يتجه إلى الخير يأتيه الشيطان يقول: مازال وجهك وجه محاضرة؟!! اذهب وانظر لك أناساً يشيشون (معسل باعشن) أو انظر أناساً يتنتنون؛ أو أناساً يفحطون، ابق معهم أفضل لك من أن تجعل نفسك في هذا المقام. الشيطان يتجرأ عليك ويجرك بتلابيبك من خلف رقبتك، ويجبذك ويجذبك ويدفعك إلى مهاوي الرذيلة والانحراف والفساد، ويقعد بك عن أماكن الخير. ولذلك نقول: يحتاج أحبابنا الشباب إلى دعوة، يحتاج كثير من الشباب من ينتشلهم من وحل المعصية إلى طهارة الطاعة، يحتاجون من يأخذ بأيديهم من نتن المخالفات الشرعية إلى عز الموافقات الشرعية؛ لأن القليل القليل من الناس من تجده فكر في أمر نفسه من تلقاء نفسه ثم اهتدى بنفسه، وفي الغالب أن كثيراً من الناس كان لهدايتهم سبب؛ إما أن تكون دعوة، أو نصيحة، أو شريطاً، أو معسكراً، أو حجاً، أو أي عمل من الأعمال التي كانت سبباً في دفعه، لكن يأتي شيء يأخذ بيده وينتشله مباشرة، فذاك أمر في النادر والقليل. أقول: إن الكسول يحتقر نفسه، وزيادة على ذلك يمل من نفسه ويكرهها نفسه، خذ مثالاً على ذلك: شاب مجتهد، وليكن هذا المثل في الشتاء لأن ما بين صلاة الفجر والصباح شيء يذكر: ستجد أن ذلك الشاب الجاد صلى الفجر مع الجماعة ثم عاد وتهيأ وأفطر، ورتب دروسه أو أعدها من قبل، ثم أخذ ما عنده من كتب وكراسات وذهب وجلس طول النهار، عينه في وجه المدرس، وقلبه إلى ما يقول المدرس، وفكره منتبه إلى ما يشير إليه معلمه، ثم جاء بعد الظهر متعباً، لكن قليلاً من التعب أورث كثيراً من العزة، والراحة والكرامة في نفسه فتجده معتزاً معتنياً بنفسه، وفي المقابل ذلك الكسول الذي كان البارحة سهران، لكن سهران على ماذا: أيتهجد؟ لا، وبالمناسبة يقول ابن الجوزي: إن رجلاً كان له جار فاسق فسمعه يبكي في الليل، قال: عجبت من بكاء هذا الرجل هل هو يتهجد أم يقرأ؟!! فلما أصبح طرق عليه، قال: يا فلان! سمعتك البارحة تبكي؟ قال: كنت أقرأ آية وأبكي -قال: إذاً فتح الله عليه لعله إن شاء الله تاب- قال: وماذا كنت تقرأ؟ قال: كنت أقرأ قول الله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] المصيبة أن ذلك السهران البارحة لم يكن سهران في طاعة، بل سهران على فيلم أو مسلسل أو مجلة، أو كلام فارغ أو أشياء لا تليق، ثم بعد ذلك نام متأخراً وترك صلاة الفجر، ثم إن كان حوله من يوقظه أو لم يوقظه، المهم لم يعبأ ولم يلتفت لدراسته جاء من يوقظه فانقلب على جنبه بريح وبخر نتن، ثم انقلب مرة ثانية على فراشه ونام حتى أذن الظهر أو بعد صلاة الظهر، ثم استيقظ كالشيطان، ينظر إلى الناس قد عادوا من أعمالهم، من مدارسهم، من جامعاتهم، وهو قام يفرك عينيه وينظر في الغادين والرائحين، والغاديات والرائحات، ويحسد هؤلاء الذين آبوا بجد وعلم، وفهم وحلم ومثابرة، ويجد من نفسه هواناً. ذلك الجاد تعب؛ من الصباح ذهب وجلس على كرسي قد يكون مريحاً أو غير مريح، وصبر على تعب الدراسة وطلب العلم، أو على الوظيفة، وثابر، لكن هذا كان على فراشه، ذاك عاد بتعب يسير وراحة كبيرة، وهذا قام بعد أن تقلب على الفراش حتى مل الفراش منه، ووسادته لو تكلمت لقالت: قم قبحك الله. لو كان يدري ما المحاورة اشتكى أو كان لو علم الكلام مكلمي شتان بين عنترة وبين صاحب الوسادة، لكن قام وهو يجد لنفسه هواناً، ويجد في نفسه ذلة وامتهاناً بسبب ذلك الكسل. إذاً: فالجد أيها الإخوة سبب احترام الناس. والله العظيم إن مثل هذا لمصيبة، كان عند أحد الأوائل ولد أبله؛ لا يفقه ولا يعمل، أراد أن يستفيد منه ذات مرة قال: يا ولدي! اذهب واشتر لنا حبلاً طوله متران، وأعطاه ريالين، وراح الولد وراح وراح وأبطأ وخاف عليه الأب: يا ربي! ماذا أصاب ا

مطلوبية الحزم في جميع الجوانب

مطلوبية الحزم في جميع الجوانب أيها الأحبة! الحزم مطلوب، الجدية مع النفس، ويكفينا مضيعة الأوقات والساعات، تجد من الناس من إذا أراد أن يحزم في أمر نصف ساعة قال: إيه! النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ولكن ساعة وساعة) [إن النفوس إذا كلت ملت] كما قال علي أو غيره، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إن لعينك عليك حقاً، وإن لبدنك عليك حقاً) قام يأخذ من هذه الأحاديث، لكن يضيع عشر ساعات لا يذكر أنه مسئول عن وقته، ولا يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) ساعة جد تجد فيها هذا الإنسان يتثائب ويتساقط ويميل ما أكمل نصف ساعة، لكن عشر ساعات من الضياع، ومستعد أن يضيع مثلها وأضعافها، فرحم الله ابن هبيرة حيث كان يقول: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يضيع إذاً الحزم مطلوب في كل مجال وعلى كل صعيد، الحزم مطلوب على مستوى الفرد، وعلى مستوى الأسرة، الأب لا بد أن يكون حازماً في تربية أولاده، ولا بد في الحزم أن يوجِد نوعاً من القسوة ولا حرج: فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحمُ بعض الناس الحب العاطفي الزائد عن حده لأولاده جعلهم يضيعوا، وأعرف رجلاً في مدينة الرياض فيه خير كثير يصلي الفجر مع الجماعة لكن (من دلَّع أولاده ودللهم شغل بهم) أصغرهم قال: يا أبي! نريد دشاً، من أجل أن نتابع ألـ ( m b c) وماذا بعد ذلك؟ لكي نتابع قناة القاهرة، وماذا بعد ذلك؟ لكي نتابع قناة كذا، ومازال الولد يصيح عليه ويتعلق به حتى جاء الأب واشترى له دشاً باثني عشر ألف ريال، وركبه على السطح. أين الحزم في التربية؟ سمها قسوة ولا حرج: فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحمُ لكن هذا الدش لما جاء أفسد الطفل الصغير، وأفسد الفتاة المراهقة، حتى الأب بعد مدة أصبح يسهر أحياناً، وربما تفوته صلاة الفجر ثلاثة أو أربعة أيام متتابعة، بسبب أنه ما كان يجلس عند التلفاز في ذلك الوقت، لكن عندما وضع هذه القناة أخذ تارة يقلب هذه وينظر في هذه والنفس لا تنتهي من البحث عن الملذات والشهوات تقول: هاه! يمكن في تليفزيون القاهرة صور زينة، دعنا نتفرج عليها، ثم يتحول إلى ألـ ( m b c) يمكن نلقى في القناة الثانية الهوائية صوراً أفضل من ذلك، وتجد الرجل يلعب بعيونه كالتنس على الطاولة، يبحث عن شاشة أو قناة فيها عرض لفتاة راقصة، أو لفخذ عارية، أو لجسد بادٍ، ونحو ذلك. ولهذا فالحزم مطلوب، ليس فقط على مستوى تعامل الفرد مع نفسه، بل أيضاً على مستوى التربية، يأتيك واحد من أولادك: يا أبي! أعطني مائة ريال؟ ولماذا مائة ريال؟ بل مائة صفعة!! أنا مستعد أن أصرف عليك ألف ريال؛ لكن مائة ريال بلا سبب لا. قال مثلاً: أريد كتاباً. فهل أذهب به وأدعه يشتري؟ لا. بل أسأله: أي كتاب تريد؟ وأشتريه ما لم يكن فيه فساد، يعني: (بيدي لا بيد عمر) لا تجعل ولدك يعبث بدلالك له، ولا تحرمه حرماناً تضطره إلى الآخرين يستجدي منهم، فربما اشترطوا عليه شروطاً في عرضه وفي أخلاقه وفي سلوكه مقابل ما يعطونه من المال، إذاً فسدد وقارب، واحفظ الأمر واجعله بيدك لا بيد غيرك. كذلك الحزم على مستوى العمل، الإنسان حينما يكون عنده عمل معين ويلاحظ الموظفون من حوله أنه لا يأتي إلا آخر الناس، ولا يهتم، وتتراكم الأعمال حوله -وإن كان هو رئيس هذا العمل- تجد من حوله يعبثون لأنهم يرونه قدوة لهم. إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص المسألة ليست غريبة، فإذا كنت تريد السعادة فكن حازماً في عملك، إذا كان عندك مستودع فكن حازماً مع العمال، عندك مؤسسة كن حازماً في المتابعة، عندك عمل إداري كن حازماً في الانضباط، ستجد أن من حولك يحترمون حزمك، ويحترمون شخصيتك ويحبونك، والناس يحبون الشجاع، ويحبون القوي، فالإنسان حينما يكون حازماً وقوياً جاداً ينعكس ذلك سعادة عليه، وينعكس هذا أيضاً على من حوله وعلى أداء عمله، وهذا الحزم مطلوب في كل مجال وعلى كل صعيد كما قلنا.

كيفية اكتساب الحزم

كيفية اكتساب الحزم أيها الأحبة يظن البعض أن الحزم كبسولة تباع في الصيدلية، وبعضهم يظن أن الحزم سلعة تباع في السوبر ماركت، أو في المحلات التجارية، لا. الحزم ليس شراباً يشرب، وليس طعاماً يؤكل، وليس الخلطة السرية (كنتاكي) أو غيرها تُجعل حتى تأكلها، لا. الحزم مجاهدة للنفس: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] الحزم أن تجاهد نفسك، فإن لم تكن حازماً فلا تنتظر أحداً يقول لك: افتح فمك نقطر فيه الحزم، أو أعطنا ذراعك نعطيك إبرة اسمها (فاليوم الحزم) ولا (وريد الحزم) لا. الحزم مسألة تحتاج إلى مجاهدة، والمجاهدة تبدأ من أول لحظة تعرف أنك مقصر، وأنك متهاون، ثم تبدأ تنطلق في معاملة نفسك معاملة جيدة. إذاً: لا ننتظر أن تقدم لنا السعادة، أو أن يقدم لنا المجد، أو أن تقدم لنا القمم، أو أن يقدم لنا النصر في أطباق ذهبية وملاعق فضية، هذا لن يأتي أبداً، ولن نبلغ المجد حتى نلعق الصبر: لا تحسب المجد تمراً أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا فلابد أن تجاهد نفسك وربما تذوق شيئاً من مرارة المكابدة والمجاهدة حتى تصل إلى مقصودك، المودودي رحمه الله، المفكر الإسلامي المعروف، رئيس الجماعة الإسلامية في باكستان، وكان رئيساً لها في الهند قبل انفصالها، يقول رحمه الله تعالى: إن الحضارة الغربية أنتجت من وسائل الرقي والتمدن الشيء الكثير، لكنها لم تنتج شيئاً يصنع الإرادة في الإنسان، إن الحضارة الغربية أنتجت كثيراً مما يحقق الرفاهية والتمدن للإنسان لكنها لم تنتج شيئاً يوجد الإرادة. وخذ على ذلك مثالاً: انظر إلى شاب يريد أن يحفظ القرآن وليس عنده إلا مصحف يمكن أن يكون نسخة باكستانية، لكن توجد عنده إرادة الحفظ، فتجده يقلب النظر في هذا المصحف، وتجده أول ما يؤذن يدخل المسجد ويراجع ويقرأ، ويجلس بعد الصلاة يراجع، وقبل النوم يراجع، وبعد النوم يراجع، وتجده مهتماً بالقراءة إلى أن تمر ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر فتجده قد حفظ القرآن كاملاً، لكن تعال إلى إنسان مدلع، تجده يأتي بمعمل صوتيات يضعه في البيت، ويأتي بالقرآن المرتل بصوت المنشاوي وعلي جابر، والسديس، والعبيكان، والمحيسني، والخامس والعاشر، ويأتي بأشرطة فيها صدى، ومختلف الآلات لكنه كسول، ذاك ليس عنده إلا نسخة من المصحف بالطبعة الباكستانية، حفظ المصحف في أربعة أشهر لكن مع الإرادة، وهذا مع وجود معمل اللغة عنده، مع وجود الصوتيات والمؤثرات والنسخ المختلفة، وكثير من نسخ القرآن المتعددة، تجد عنده مصحفاً في جيبه ومصحفاً في سيارته، ومع ذلك ما حفظ آية ولا حديثاً. القضية ليست قضية أن الإنسان يكدس أشياء، القضية قضية إرادة، إذا وجدت عندك الإرادة فإنك ستفعل شيئاً كبيراً، ولذلك الإنسان قنبلة، لو توجه إلى أمر فهو خطير جداً جداً جداً، ولكن هذه القنبلة قد تكون أضعف من النملة؛ لأن النملة جادة، قد يكون أهون من القملة إذا لم يعتن بنفسه ولم يعمل شيئاً يتدارك هذه النفس من الوقوع في الانحراف. إذاً الحزم مطلوب في مواجهة كل أمر خيراً كان أم شراً، فإن كنت تريد خيراً فاحزم أمرك، وأن كنت تريد أن تدفع شراً فلا بد أن تواجهه بحزم. خذ مثالاً على ذلك: في استخدام الحزم في مواجهة الشر الوافد على المجتمع؛ المخدرات، بما لا يدع مجالاً للشك أن المافيا والألوية الحمراء وكثيراً من العصابات وتجار المخدرات العالميين قد أصدروا كثيراً من القرارات والاتفاقيات على محاربة الجزيرة ودول الخليج بالمخدرات، كيف نحارب فعلهم هذا؟ نقول: قبحهم الله لعنهم الله، قاتلهم الله يريدون أن يخربونا يريدون أن يفسدونا؟! هذه مسألة (أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل) لكن إذا كنا جادين في محاربة المخدرات، كل مروج يقتل كما صدر قرار هيئة كبار العلماء، ومجلس القضاء الأعلى أن المروج يقتل، لا تظل تقول: هذه المرة الأولى أم الخامسة، ما دام ثبت أنه مروج خلِّ رأسه يتدحرج في ستين داهية، نسأل الله ألا يبتلينا، وأن يعافي من ابتلي منا. إن هذه القضية قضية تحتاج إلى حزم. القضية الثانية: آخر عنده مخدرات، لا تقل: هذه والله حبتان أو حبيبات، الحبتان والثلاث تأتي أمامها بنقطتين، ومن الطرائف التي تروى: أن إنساناً أتوا به ليحاكموه، فسأله القاضي: ماذا سرقت؟ قال: سرقت حبلاً، وهل ستقطع يدي لأنني سرقت حبلاً؟ قال: نعم. لأن في طرف الحبل عنزاً، فالمسألة لا تريد تساهلاً، حبتان ثلاث وبعدها تنتهي القضية، وإذا سجنته فليس عندك مشروع تسمين عجول، فبعض المساجين تقول له: اخرج من السجن، يقول: أبداً عَلَيَّ الطلاق لن أخرج، هذه فرصة لا تفوت، أفوت ثلاثة أصناف من الطعام السبت دجاج، والإثنين سمك، والأربعاء لحم، والله لا أخرج من السجن لو تموتوا، من يجد هذا؟!! لكن إذا سجنت مثل هذا فاجعله يبني جداراً، ويحفر بلاعة، ويليس، اجعله ينجر ويصلح، ويلحم ويشتغل وينقل، لكي يصبح من دخل السجن إنما يدخله تأديباً، ويمسه شيء من العذاب، ليس تعذيباً كراهية أو حقداً، وإنما هو من أجل تربيته لينتفع، فهذه المسألة تحتاج إلى حزم. كذلك عندما نكون حازمين أيضاً في معالجة المخدرات: أن كل من يخبرنا ويتابع إخباريته بالمشاركة، والجد والمثابرة، حتى يقبض على مروج، أو إنسان متعاطٍ: خذ هذه المكافأة الكبيرة كما يحصل الآن، وزيادة على ذلك حينما نكون جادين أيضاً في مكافحة المخدرات: إذا كان أفلام الكرتون تستهلك من التلفاز ساعة وربع يومياً نريد أن نجعل ربع ساعة في التحذير من المخدرات بمختلف الوسائل، تارة يحذر من المخدرات في دعاية، وتارة يحذر من المخدرات في قصة، وتارة يحذر من المخدرات في قصيدة، وتارة يحذر من المخدرات في كاريكاتير، وتارة يحذر من المخدرات في أنشودة، وبغير ذلك من الوسائل، تُستخدم كل الوسائل التي يمكن أن تجعلها قناة لتوصيل الفكرة من أجل محاربة هذا الشر. وحينئذ ستجد النتيجة في أن الأمة حينما تتولى هذا الأمر بحزم وعزم، والله إن هذا سوف يقضي بإذن الله على شر وأخطار المخدرات، فالحزم مطلوب في تحصيل خير أو في دفع شر. كذلك -أيها الأحبة! - الحزم مطلوب أيضاً ليس في معالجة الأمور انتهاءً، بل الحزم مطلوب في تكوين الأمور ابتداءً، فأنت حينما تريد أن تنشىء مؤسسة راقية الأداء، عالية المواصفات والمقاييس في إنتاجها وغيره، لا بد أن يوجد حزمك في اختيار النوعيات التي تحقق لك ما تريد، بمعنى: إذا كنت أريد أن أفتح أو أؤسس شركة متخصصة في بناء قصور، فلا أذهب وآتي بأناس يتعلمون بناء طين أو بناء أخشاب، بل لا بد أن آتي بعمالة راقية جداً، لأني أريد أن أنتج شيئاً راقياً، فلابد أن أجعل هذا الأمر محل الاعتبار في التأسيس. خذ مثالاً على ذلك حتى لا نكون بعيدين عن المجتمع ومشاكل المجتمع: قضية هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أننا ولله الحمد والمنة نفخر على سائر دول الأرض جميعاً أنه لا يوجد دولة في دستورها: الدولة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لكن في دستور دولتنا ولله الحمد نص (بند، قرار، فصل) يقول: الدولة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهذا بحد ذاته خير عظيم، وكل ما يُنتظر من الخير أو نرجوه أن يكون قادماً وقريباً، وما هو موجود من الخير نسأل الله أن يبارك فيه ويزيد. لكن مثال على ذلك: حينما أريد أن أكون حازماً في هذا الأمر، أو حينما أريد أن أقدم نتائج راقية وعالية في هذا المجال فينبغي أن أجعل الذين يمارسون الحسبة ويتعاملون مع الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس من هب ودب، إنسان ما لقي وظيفة أدخله في الهيئة!! أنا معاذ الله أن أتهم شاباً من شباب الهيئة، أستغفر الله، بل أحبهم وأذب عن أعراضهم وأدعو لهم بظهر الغيب، لكن أقول كمثال لصورة الحزم في هذه القضية حينما أريد أن أرتفع بمستوى الهيئات إلى أمر راق، أقول: لا ينزل الميدان إلا من كان معه شهادة ثانوية من المعهد العلمي الشرعي، وقد درس دورة متخصصة في الحسبة، وفي الإنكار بالحكمة وغير ذلك، وأجعل الذين يخاطبون الناس في الميدان من الجامعيين، أجعل الوظائف الممتازة؛ وظائف المرتبة السادسة، ووظائف المرتبة السابعة والمرتبة الثامنة للميدانيين، فلا أجعل مركز الهيئة الذي ليس فيه إلا وظيفة واحدة في السابعة والثامنة ثم بعد ذلك أطالب من الذين على بند الساعات وبند الأجور، أو البند الناقص والبند الزائد هم الذين في الساحة، لا، ولست أيضاً أقول: إن القضية تُقَيَّمُ بالشهادات، فإنه يوجد أناس قد درسوا العلم الشرعي على بعض المشايخ عندهم من الحزم، والعلم والحكمة، والقدرة والإدارة ما يفوقون فيه حملة الماجستير والدكتوراه، لكن المهم إذا أردت أن أعطي من جهاز عطاءً نافعاً، وأن أجد منه نتيجة مثمرة، فلا بد أن أقدم عينات على المستوى اللائق. لو أردت أن تفتح مركزاً لجراحة القلب المفتوح أظنك لن تأخذ خريجي المعهد الصحي الثانوي، لا. لابد أن تختار الذي يكون قد اجتاز الزمالة البريطانية للجراحين، وإلا لن تقبله في هذه القضية، فكذلك حينما أريد أن أعطي نتائج جيدة وقوية وممتازة لعمل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في أي صعيد ومجال، لا بد أن أوجد الكوادر الممتازة الراقية ذات الشهادات العليا والكفاءات الممتازة، هذا إذاً من صور الحزم في تكوين الأمور ابتداءً بإذن الله جل وعلا، وعلى أية حال كل أمر بدايته تحدده و (من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة) والشاعر يقول: وكل امرئ والله بالناس عالم له عادة قامت عليها شمائلهْ تعودها فيما مضى من شبابه كذلك يدعو كل أمر أوائلُهْ فالمسألة مرتبطة بالبدايات.

من صور ضياع الحزم

من صور ضياع الحزم أيها الأحبة: إن تسيب وتسكع كثير من الشباب في استهتار، وتهاون كثير من الفتيات بالأخلاق والقيم والتساهل بالحجاب، كل ذلك ما هو إلا صورة من ضياع الحزم الذي نحتاج إليه في هذا اليوم، ما ترى من شاب متسكع متخلف جالس عن المكرمات وعن القيم وعن الخلق وعن الأمور النافعة، وما ترى من فتاة متساهلة بعفتها وحيائها وصوتها، تتكسر مع البائعين، وتعبث بالهاتف مع المتكلمين، فما ذاك والله إلا صورة من صور فقدان الحزم في شيء من هذه المجالات. وأين ضاع الحزم في أي سلسلة؟ قد يكون ضاع في التربية، قد يكون ضاع في درجة من درجات التعامل والسلوك التي يمر بها ذلك الشاب. على أية حال: كل حازم وجاد ومثابر يحمد العاقبة في نجاح وصلاح أمره، والجاد يحمد الاستقامة والعاقبة في جده، والعابد والعالم وطالب العلم يحمد خير ما يقدم من أمر يرجو به رضا الله جل وعلا، وكل متهاون سيجد الغبن: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:9] يوم التغابن: يوم القيامة، سمي يوم التغابن لأن المفرط المضيع المستهتر، المتهاون المتكاسل ضيع فرصة للعمل فوجد الناس يقبضون الصحف باليمين وهو يقبض صحيفته بيساره، ورأى الناس في ظل عرش الله وهو تلجمه الشمس بحرارتها وعرقه بكثرته، يرى أنه مغبون؛ الناس كاسبون وهو من الخاسرين، حتى الذي كان من الصالحين وفرط وتساهل وضيع يشعر بالغبن، كان بوسعه أن يصلي إحدى عشرة ركعة لكنه لم يصل إلا ركعة واحدة، كان بوسعه أن يقرأ جزءاً لكنه لم يقرأ إلا صفحة، كان بوسعه أن يحفظ مائة حديث لكنه لم يحفظ إلا حديثاً واحداً، يشعر بالغبن أنه لم يقدم كل ما بوسعه وكل ما بطاقته. ختاماً أيها الأحبة: أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن أعانهم الله على أنفسهم، ونصرهم على شياطينهم. اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، ونسألك اللهم العزيمة على الرشد، والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم ثبتنا على دينك إلى أن نلقاك، اللهم حبب إلينا الدين والطاعة والاستقامة، وكره إلينا المعصية والفاحشة والمخالفة، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا مباركين أينما كنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

كتب وأشرطة ينصح باقتنائها

كتب وأشرطة ينصح باقتنائها Q ما هي الأشرطة والكتب التي تنصح باقتنائها؟ A حقيقة المكتبة الإسلامية عامرة بكثير من الكتب، فأول ما أنصح به كتب الفقهاء والمتقدمين من أهل السنة والجماعة من العلماء كل بحسب قدرته واستيعابه، وإن كان الإنسان مبتدئاً فبالمختصرات، ولا بأس أن يقرأ ما بسط ويسر وسهل مما كتبه سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، وسماحة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وأئمة الدعوة وعلماء الدين مثل الشيخ عائض بن عبد الله القرني، والشيخ سلمان بن فهد العودة، وكثير من العلماء والمشايخ الذين لهم كتب وأشرطة نافعة، نسأل الله أن ينفع بهم وأن يثبتنا وإياهم.

دعوة للمشاركة

دعوة للمشاركة Q نرجو توجيه دعوة للشباب للمشاركة في الأنشطة الثقافية التي ينظمها ويعلن عنها بيت الشباب للاستفادة من هذا المرفق الهام لأنه منهم وإليهم. A والله -أيها الإخوة! - أنا أقول للشباب الطيب عامة، وأعتبر كل أبناء أمتنا وبلادنا وأبناء المسلمين الذين نتفاءل بهم خيراً أن فيهم خيراً، لكن أنحى باللائمة على الطيبين الصالحين الملتزمين، لماذا لا نشارك في الأندية؟ ولماذا لا نشارك في بيوت الشباب؟ هي لك أو لأخيك أو للذئب، خذها على البساط والمكشوف: يا أخي الكريم! إن هذه المنشآت التي ترونها إما أن تمتلئ بالصالحين وإما أن تكون للطالحين، هذا المسرح أو هذا المكان أو هذه المنصة المعدة إما أن تلقى عليها المحاضرات والبرامج الثقافية الممتعة النافعة، والأمسيات الشعرية الطيبة، وإما أن تكون مرتعاً لكل منكر لا يليق، لا قدر الله ذلك، لكن إذا حصل منكر، قيل: أين الإخوة والدعاة، وأين العلماء؟ أنكروا عليهم؟ لقد فعلوا، لقد خربوا إلخ. والمجال كان مفتوحاً لأن نملأه بالخير. أنا لا أقول: إذا لم يوجد خير فذلك إذن بحدوث الشر، لكن الواجب على كل غيور لم يجد ثغرة يستطيع أن يجعل فيها خيراً إلا أن يبادر بسدها والقيام بها، ومن استطاع وقصر فقد يكون آثماً إذا تعلق به الأمر.

نصيحة لأب يعاني من أبنائه

نصيحة لأب يعاني من أبنائه Q والد يعاني من أبنائه الكسل والإهمال، ولقد وقعت الفأس في الرأس، لا حول ولا قوة إلا بالله بسبب تهاونه، ما هي نصيحتك له؟ A النصيحة: أن تعود من جديد لتوجيههم، أنصح هذا الوالد الحبيب إن كان جاداً في علاج بيته من ذلك المرض الذي وقع الفأس في رأسه كما قال: أن يبادر بالعلاج وألا يتردد في تناول الوصفة، لو قيل لأحدنا: إن ولدك فيه حمى شوكية تجده لا يتردد؛ يذهب ويطرق على الجيران: ما رأيك يا أبا فلان! الولد فيه حمى شوكية؟ تعال غداً إن شاء الله نبحث موضوعك، ونرى هل الحمى من النوع الدائم أو المؤقت، فلا يوجد إنسان يجد مرضاً في ولده ثم يقول مثلما يقول العوام: يقدم رجل ويؤخر أخرى: هل يعالجه أو لا يعالجه؟ تجده أول ما يعلم بالمرض يتجه إلى الإسعاف ومعالجته في العناية المركزة، والمبادرة بإصلاح شأنه قبل أن ينحرف ويفسد، قبل أن يموت من المرض، فكذلك أنت إن كنت جاداً في ذلك فانظر إلى أسباب الفساد الموجودة في بيتك؛ دش، مجلات، فيديو، تلفاز من غير رقيب ولا حسيب، أي: في كل وقت، الليل والنهار يسهرون عنده وقد يضيعون الصلاة بذلك إلى آخره، نقول: انتبه! انتبه انتبه!! حتى لا يقع الفأس لا في الرأس بل يقع الفأس في القلب، وكم من بيت تساهل وليه بشأنه فكان الفساد في البداية في الأولاد، ثم انتقل الفساد إلى الأعراض، انتقل الفساد إلى البنات وإلى -والعياذ بالله- المحارم وذلك بسبب تساهله وهو مسئول عنهم يوم القيامة، والله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته). هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الخروج صور وتاريخ

الخروج صورٌ وتاريخ منهج أهل السنة في معالجة الأوضاع قائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن طرق معالجة المنكر: الخروج على الحاكم الجائر، ولكن هذه الطريقة تؤدي إلى فتن ومفاسد عظيمة في أغلب أحوالها. وفي هذه الخطبة صور تاريخية تبين عواقب الخروج على الحكام، وما نتج عن تلك المحاولات من خسائر، مع بعض أقوال العلماء في حكم الخروج على السلطان.

منهج أهل السنة في معالجة الأوضاع

منهج أهل السنة في معالجة الأوضاع إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين! جرى الحديث من فوق هذا المنبر في جمعٍ ماضية عن منهج أهل السنة في الإصلاح، ومنهج أهل السنة في معالجة الأوضاع وإنكار المنكرات والمحافظة على بيضة الأمة، والعناية بالمجتمع حتى لا تزل قدمٌ بعد ثبوتها، أو يخطئ أحدٌ بقصد الإصلاح، فيكون كمن رام نفعاً فضر من غير قصدٍ، ومن البر ما يكون عقوقاً، وأول مواضيع هذا المنهج ما سبق الحديث حوله في خطبة كان عنوانها (الجور بالقول) ثم لحقه خطبتان الأولى بعنوان: (عندما يختل الأمن) والثانية: (دور الحاكم والمحكوم في الأمن) وهذه الخطبة الأخيرة في هذا الموضوع. أيها الأحبة! تعلمون أن منهج أهل السنة والجماعة قائمٌ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قائمٌ على الغيرة لله ورسوله، والنصيحة لله ورسوله وكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم قائمٌ على تقدير المصالح، فربما ارتكبت أدنى المفاسد لدفع أعلاها، وربما فوتت أدنى المصالح لتحقيق ما هو أعظم منها، والحديث اليوم عن صورٍ من التاريخ، اجتهد فيها المجتهدون، وكان بعضهم لا شك مريداً وجه الله والدار الآخرة، لأجل الإصلاح وإنكار المنكر، وقطع الشر ودابره، ولكن يبقى منهج أهل السنة والجماعة هو المنهج الذي ينبغي لزومه في كل منشطٍ ومكره، وفي كل عسرٍ ويسر، وفي كل صغيرٍ وكبير إذ أن الخروج عن المنهج مهما كان صلاح الخارجين عنه، ومهما كان قصدهم وتأويلهم في ذلك، سواء علموا أنهم في خروج عن المنهج أم لم يعلموا، سواءً اجتهدوا فأصابوا أو أخطئوا، المهم أن ندرك أن الالتزام بهذا المنهج يحفظ للأمة مصالح عديدة، وإن الإخلال بتطبيقه أو بمفرداته ربما أدى وأفضى بالأمة إلى هلاكٍ وعاقبة لا تحمد، أيها الأحبة، على مر عصور التاريخ بعد انقضاء زمن النبوة على نبينا أفضل الصلاة والسلام، ثم تبعه بعد ذلك منهج الخلافة الراشدة، تولى خلافة الأمة بعد رسول صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، وقتل إمام المسلمين شهيداً في المحراب، بفتنةٍ سبأية يهودية، ثم تلا الأمر وتولاه بعد ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه، الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة على فتنة تصيبه، ثم تولى الأمر بعد ذلك علي بن أبي طالب، وكان شهيداً من شهداء أهل الجنة، ثم تعاقبت بعد ذلك على أمم المسلمين خلافاتٌ وقياداتٌ وإماراتٌ متعددة، كان فيها من الفتن بين المسلمين أنفسهم، كان فيها من القتال بين المسلمين أنفسهم، الأمر الذي ما حمدت عاقبته بكلام أئمة السلف وليس بكلام المتأخرين في هذا العصر.

السبب في خروج بعض الطوائف

السبب في خروج بعض الطوائف أيها الأحبة! قد يقول قائلٌ وما السبب في خروج تلك الطوائف في العصور الغابرة على قياداتها، وعلى إماراتها، وعلى الولاة في زمنها؟ أيها الأحبة! الجواب في ذلك جليٌ واضح، فالذين أحسنوا المقاصد، وصلحت نواياهم كانت ذكريات الخلافة الراشدة بما فيها من العدل والأمن والطمأنينة وشوكة الدين وغلبة المعروف ماثلةً بين أعين كثيرٍ من المسلمين، كانوا يتمنون أن تعود الأمور كما كانت عليه، وليس هذا بأماني من أراد، فقد ورد في كل عامٍ ترذلون وتنقصون ولا تزيدون. إن الحنين دائماً إلى النماذج الراشدة، مستمرٌ، إن الحنين دائماً مستمرٌ إلى صور الأمن الذي لا يكدره فزع، والعدل الذي لا يشوبه ظلم، والعطاء الذي لا تقطعه منّة، ولكن سنة الله في العباد {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:118 - 119]. أيها الأحبة! حينما اختل المنهج الشرعي أصيب المسلمون بخيبة أملٍ كبيرة وبمرارة ومعاناةٍ شديدة، حينما بلغ الأمر إلى إماراتٍ ربما أنكر المسلمون منها أموراً كثيرة. فعلى سبيل المثال: في زمن الدولة الأموية لما حلت الخلافة ونزلت إلى بلاط يزيد بن معاوية، حل في قلوب الناس ما حل، ومن الذين خرجوا ولم يرضوا بواقعهم، ولم يرضوا بإماراتهم ومجتمعاتهم، أقوامٌ رأوا ظلماً أو نوعاً منه أو أنواعا، فقصدوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتهدوا في إصلاح ما فسد لا يريدون إلا الخير والإصلاح، ولكن كانت العاقبة وخيمة سيئة عليهم وعلى مجتمعاتهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصدهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كالذين خرجوا بـ الحرة وبـ دير الجماجم على يزيد والحجاج وغيرهما، فالخروج على الولاة كان منذ زمنٍ قديم إما من أقوامٍ رأوا ظلماً وعدواناً أو منكراً فأرادوا تغييره، أو أقوامٍ يرون أن لهم في الخلافة حظاً ونصيباً فيريدون أن يعود الأمر إليهم، وبالجملة فالخارجون على الولاة إما خوارج أو محاربون أو البغاة، وهم الذين يخرجون على الإمام العادل طلباً للملك والإمامة بتأويلٍ سائغٍ أو غير سائغ، فيسمون بغاة. حتى وإن خرجوا بتأويلٍ سائغ يسمون بغاة، وإن خرجوا بتأويلٍ غير سائغٍ فيسمون بغاة، ومن الذين خرجوا أقوامٌ أهل عدلٍ خرجوا على أئمة جور، كما قال الحافظ ابن حجر: قسمٌ خرجوا غضباً للدين من أجل جور الولاة، ومن أجل ترك عملهم بالسنة فهؤلاء أهل حقٍ، ومنهم الحسين بن علي وأهل المدينة بـ الحرة والقراء الذين خرجوا على الحجاج، وإن التاريخ لناطقٌ شاهدٌ بما حل بهؤلاء رضي الله عنهم وجمعنا بهم في الجنة.

سبب طرق هذا الموضوع

سبب طرق هذا الموضوع أيها الأحبة! خذوا أول الأمثلة على مساوئ الخروج وما حصل للأمة فيه، وقبل أن أسوق ذلك، أريد أن أنتزع وسوسة شيطانية ربما جالت في ذهن بعض السامعين الآن أو بعد آن ليقول قائلٌ: وهل رأى هذا الخطيب أقواماً يعدون لخروج، أو سمع بهم أو رصدهم؟! أقول ولله الحمد والمنّة ما عرفنا في هذه الجزيرة أقواماً أعدوا للخروج أو دعوا إليه أو خططوا له، وإنما القصد بيان منهج أهل السنة في سلسلة مضى أولها واليوم ختامها، وليس الحديث عن أي شيء بالضرورة يعني أنه خلف الكواليس يخطط أو يدبر له، بل ومن الضرورة أن نتحدث عن مثل هذا وأن نحذر منه، لأن الأمر كما ورد في خطبٍ ماضية أنه ربما نقل بعض الشباب مناهج مستوردة لبلدان ربما صلح لأوضاعها ما فعل فيها، أقول ربما صلح أو لم يصلح، أما هنا فلزوم هذا المنهج الذي مر بنا أوله واليوم ختامه، من الضرورة أن نعتني به وأن نعتقد، وأن نناظر ونجادل بالحسنى كل من خالفنا فيه؛ لأن في ذلك أماناً وضماناً لسلامة المجتمع، وصلاح الأمة وبقاء بيضة هذه الأمة على ما هي عليه، مع القصد في إنكار المنكر فيها وزيادة المعروف فيها.

خروج الحسين على يزيد

خروج الحسين على يزيد خذوا نموذجاً من النماذج التي خرجت على يزيد بن معاوية كانت قاصدة الإصلاح لا غير، خرج الحسين بن علي وتعرفونه أنه سيد شباب أهل الجنة لا نسوق هذا الكلام قدحاً في ذات الحسين أو كلاماً في عرضه رضي الله عنه وأرضاه، والحسين بالمناسبة قد غرر به وخُدِع من قبل أهل العراق فكان في تلك الوقعة ما كان، لما نبأ وفاة معاوية إلى المدينة، كان الوالي على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فأرسل الوليد إلى الحسين بن علي وإلى عبد الله بن الزبير فدعاهما إلى البيعة لـ يزيد، فقالا: بالغداة إن شاء الله نبايع على رءوس الناس، ثم خرجا من عنده، فدعى الحسين برواحله وتوجه نحو مكة، وركب ابن الزبير رضي الله عنه وأرضاه برذوناً له وأخذ طريق الفرع، قرية من نواحي المدينة حتى قدم مكة. واستقر الحسين في مكة وبدأ الناس يفدون إليه ويلتفون حوله ويعظمونه، وبدأت الرسائل ترد عليه من العراق، من الكوفة، يدعونه إليهم لينصروه ويحاربوا به الدولة اليزيدية، وكأن هذه الكتب لاقت أذناً صاغية من الحسين، كانت الولاية لـ معاوية ثم تولى الأمر بعد معاوية يزيد، وكان يزيد غير مرضيٍ في نظر الكثير من التابعين والصحابة رضوان الله عليهم. الحاصل أن الرسائل وردت إلى الحسين رضي الله من الكوفة يدعونه لنصرته ومقاتلة يزيد، وكأن هذه الكتب لاقت أذناً صاغية من الحسين، فأرسل مسلم بن عقيل بن أبي طالب إلى الكوفة لأخذ البيعة له قبل وصوله، وبالفعل وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة وبدأ يأخذ البيعة للحسين، وبايعه ثمانية عشر ألفاً من الرجال الأشداء الأقوياء ذوي الشوكة والسلاح والآلة، فكتب مسلم إلى الحسين: أن اقدم إلينا فقد بايعنا لك ثمانية عشر ألفاً، وفي ذلك الوقت كان يزيد بن معاوية قد ولى عبيد الله بن زياد على الكوفة فقتل عبيد الله بن زياد -والي يزيد - قتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب -رحمه الله- وفي ذلك الوقت كان الحسين في الطريق إلى العراق، ففوجئ الحسين بجيش عبيد الله بن زياد يمنعه من الدخول إلى الكوفة، بل أصر عبيد الله بن زياد يفاوض ويحاور الحسين ويأمره أن يسلم نفسه أسيراً إلى ابن زياد لتسليمه إلى يزيد بن معاوية، وهكذا نشبت على أرض كربلاء معركة غير متكافئة وقاتل الحسين بجيشه الصغير قتالاً شديداً، وكان الحسين رضي الله عنه رجلاً مغواراً شجاعاً ما أقبل على ميمنة إلا فلها، وما أقبل على ميسرة إلا كسرها، وما أقبل على جمعٍ إلا شتته وأباد خضراءه ولكن سنة الله غالبة في كل حال.

خسارة آل البيت في هذه المعركة

خسارة آل البيت في هذه المعركة كانت نهاية المعركة خسارة أليمة لآل البيت رضوان الله عليهم وللمسلمين أجمعين، قتل فيها من آل أبي طالب اثنان وعشرون رجلاً، واستشهد الحسين رضي الله عنه، وقتل من أصحاب الحسين اثنان وسبعون نفساً، وروي عن محمد ابن الحنفية أنه قال: قُتل مع الحسين سبعة عشر رجلاً كلهم من أولاد فاطمة، وعن الحسن البصري أنه قال: قُتل مع الحسين ستة عشر رجلاً كلهم من أهل بيته ما على وجه الأرض لهم شبه، الله أكبر، والله لا أحد يشك أن الحسين وآل بيت رسول الله أفضل وأجل وأعلى منزلة من يزيد ومن مع يزيد، ومع ذلك فإن سنة الله إذا ولي الأمر إمام فينبغي للقوم أن يطيعوه، سيما وإذا ظهر وثبت أن الخروج عليه مفضٍ إلى فتنة عظيمة، كما كان في هذه الحال، وليس من مقاصد هذا السياق حتى لا يتأوله متأول أو يقوله قائل أننا ننتقد الحسين بن علي رضي الله عنه، وإنما لننظر أن نتيجة الخروج ما كانت مسددة وما كانت موفقة، وستأتي بقية الشواهد لتثبت أن كل خروجٍ على إمامٍ وعلى والٍ انعقدت له البيعة من أهل الحل والعقد، واجتمع الناس عليه، حتى ولو كان في المسلمين من هو خيرٌ منه وأصلح منه وأتقى لله منه وأخشى، أن نهايتها غير محمودة العاقبة.

الخروج الثاني على يزيد

الخروج الثاني على يزيد وخذوا هذا المثال الآخر وهو وقعة الحرة، وما أدراكم ما الحرة؟ لما عزم بعض أهل المدينة على خلع يزيد بن معاوية ووافقهم على ذلك أكثر أهل المدينة وفيهم القراء والفقهاء والعلماء، ولماذا أرادوا خلع يزيد؟ اتهموه بشرب الخمر أو شيء من أمور اللهو، قال ابن تيمية: لم يكن يزيد مظهراً للفواحش كما يحكي عنه خصومه، وقال ابن كثير في البداية والنهاية: أكثر ما نقم على يزيد في عمله شرب الخمر، فأما قتل الحسين فإن يزيد لم يأمر به ولكنه لم يسؤه. اتفق أهل المدينة على الثورة وأمروا عليهم الأمراء، وأخرج أهل المدينة واليهم عثمان فقتلوه، وأخرجوا جميع بني أمية من المدينة، وعندما علم الخليفة يزيد بما حصل قرر على الفور مهاجمة المدينة وإرجاعها خاضعة إلى طاعته، فجهز جيشاً عدته عشرة آلاف جندي وجعل أميرهم مسلم بن عقبة المري، يسميه أهل السنة مسرف بن عقبة لأنه أسرف في الدماء، وأسرف في استباحة رقاب القراء، وأسرف في استباحة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. طلب يزيد بن معاوية من أميره الذي بعثه لإخضاع المدينة، طلب من مسلم بن عقبة أن يدعو أهل المدينة ثلاثة أيام فإن رجعوا إلى الطاعة تركهم وإلا فليقاتلهم، ثم طلب منه أن يستبيح المدينة ثلاثة أيام، وقال له: إذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها أو نصب لك حرباً فالسيف السيف لا تُبْقِ منهم، أجهز على جريحهم، واقتل مدبرهم وإياك أن تبقي عليهم، هذه من الفتن التي ربما سعى الواحد فيها بكلمة وهو لا يدري، أو بخطوة وهو لا يدري، وقد جاءنا في منهج نبينا صلى الله عليه وسلم حال الفتن أن من كان ماشياً فليقف، ومن كان واقفاً فليقعد ومن كان قاعداً فليضطجع هروباً وبعداً ونأياً عن مثل هذه الفتن، قدم مسلم بن عقبة، بل مسرف بن عقبة، لثلاثٍ بقين من ذي الحجة سنة 63 هجرية فاقتتل الناس ساعة والنساء والصبيان يصيحون وينوحون على قتلاهم، وجعل مسرف بن عقبة يقول من جاء برأسٍ فله كذا وكذا، ومن جاء بأسيرٍ فله كذا وكذا، وجعل يغري أقواماً لا دين لهم، فقتلوهم إلا قليلاً وقتلوا ما لا يحصى ولا يعد، واستبيحت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام، حصل فيها من المآسي والفظائع وجالت الخيل في المدينة يقتلون وينتهبون والخيل تجول في كل جهة قتلاً ونهبا، حتى لم يبق من الناس أحدٌ يرفع سيفاً أو يرمي بسهمٍ أو يلوح بنبلٍ، وقد نقل الواقدي عن عبد الملك بن جعفر قال: سألت الزهري كم بلغ القتلى يوم الحرة قال: أما من قريش والأنصار ومهاجرة العرب ووجهاء الناس فسبع مائة قتيل، وأما سائر من قتلوا غير هؤلاء فقد بلغوا عشرة آلاف، عشرة آلاف وسبعمائة قتيل في فتنة كان باعثها رضوان الله، كان قصدها وجه الله، كان باعثها الغيرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهي متى؟ عام ثلاثة وستين للهجرة، يعني بعد موت النبي بثلاثة وخمسين سنة، وقتل الحسين قبلها بأقل من ذلك، فما بالنا في هذا الزمان بعد موت نبينا، أو من هجرة نبينا (1414هـ) إن الأمر جدُّ خطير يا عباد الله، ولأجل ذا نعيد ونزيد ونكرر ونقول لجميع الشباب خاصة، ولجميع أهل الخير والآمرين وذوي الغيرة الذين ما علمنا في قلوبهم إلا حب الله ورسوله، وما علمنا في قلوبهم إلا الغيرة على دين الله وكتابه وسنة نبيه نقول: من الضرورة أن نستحضر هذه الحوادث، وأن نتذكر تلك الوقائع حتى لا يجرفنا الحماس أو تمضي بنا العاطفة إلى أمرٍ لا نحمد عاقبته، ولو بكلامٍ نقوله في مجلسٍ بمجرد الحديث وتبادل الآراء في تلك الوقعة التي استباح بها مسرف بن عقبة المري مدينة رسول الله أصيب نساءٌ وصبيان بالقتل، وقتل جماعة من وجوه قريش والأنصار وخيار الناس من الصحابة وأبنائهم، عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يروي قائلاً: قتل يوم الحرة ثمانون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق بعد ذلك بدري، وعن ابن وهب بن مالك قال: قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن، من حملة كتاب الله جل وعلا، وعلق شيخ الإسلام ابن تيمية على وقعة الحرة فقال عن يزيد: وهذه من كبائره ولهذا قيل لـ أحمد بن حنبل رحمه الله أتكتب الحديث عن يزيد قال: لا، ولا كرامة أوليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل، وقال ابن كثير: وقد وقع في هذه الأيام الثلاثة من المفاسد العظيمة ما لا يحد ولا يوصف، ومما لا شك فيه أن من قام على يزيد بن معاوية لو كانوا يعلمون أن الأمور ستئول وتفضي إلى ما آلت إليه من قتل بعض الصحابة والقراء ووجهاء المهاجرين والأنصار؛ ما رفعوا سيفاً وما أشاروا بنبلٍ أبداً.

خروج ابن الزبير على الأمويين

خروج ابن الزبير على الأمويين ثم هذا نموذجٌ آخر عبد الله بن الزبير الفارس الشجاع المغوار، الذي لما مرت أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه وقد دخل عليها ثم قال: يا أماه إني أخشى أن يمثلوا بي -أي يجعلوه مثلة ويصلبوه- فقالت: يا بني! شد عليك سراويلك حتى لا تنكشف عورتك، واعلم أن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح. لله درها من أمٍ شجاعة مغوارة تعلّم وتغرس في أبنائها الشجاعة، ولكن تأويل ابن الزبير أو ما كان من ابن الزبير رضي الله عنه ما كان محمود العاقبة فيما جرى له رضي الله عنه وأرضاه وجمعنا به في الجنة. عبد الله بن الزبير لما حصل ما حصل من شأنه ثم صلبه الحجاج عليه من الله ما يستحق، جاءت أسماء وهي كفيفة قد عمي بصرها تتحسس ولدها مصلوباً فقالت: أما آن لهذا الفارس أن يترجل، تشير وتصور أنه ما زال على حصانه بطلاً مغواراً، فلما علم الحجاج بمقولتها أمر بأن ينزل ابن الزبير من الخشبة ثم أرسل الحجاج إلى أسماء أن تأتي إليه فقالت: والله لا آتيه! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يكون في هذه الأمة كذابٌ ومبير) فأما الكذاب فعرفناه، وأما المبير فلا نراه إلا الحجاج، فلما سمع بمقولتها جاء إليها قال: سمعت يا أم أنك تقولين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في هذه الأمة كذابٌ ومبير) فأما الكذاب فـ مسيلمة وقد عرف، وأما المبير فعرفناه فما هو إلا الحجاج، قال: نعم أنا مبير المنافقين، قالت: كذبت قال: الحجاج يا أم إن ابنك ألحد في بيت الله، والله يقول: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25]. أيها الأحبة! إن ما قيل وما سطر لا يمكن أن نسمح أن يُنال فيه من عبد الله بن الزبير بكلمة ولو صغيرة أو كبيرة، ولكن ابن الزبير لو علم رضي الله عنه واستقبل من أمره ما استدبر ما كان ليقدم على هذا، ولكن لله الأمر من قبل ومن بعد. عندما جاء نعي يزيد بن معاوية، لما مات يزيد سنة أربعٍ وستين قام ابن الزبير فدعا إلى نفسه وبايعه أكثر الناس وحكم الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وبعض الشام، ولكن لم يستوثق له الأمر ومن ثم لم يعده بعض العلماء في الخلفاء وعد دولته زمن فرقة، فإن مروان قد غلب على الشام ثم مصر وجرت أمورٌ طويلة وحروبٌ مزعجة، وجرت موقعة مرج راهط وقتل ألوفٌ من العرب وقتل الضحاك، واستفحل وعظم أمر مروان إلى أن غلب مروان على الشام، وسار في جيشٍ عرمرم فأخذ مصر واستعمل عليها ولده عبد العزيز بن مروان، ثم دهمه الموت فقام بعده ولده الخليفة عبد الملك بن مروان فغلب عبد الملك على العراق مع الشام، ثم بعث عبد الملك الحجاج بن يوسف إلى ابن الزبير رضي الله عنه وأرضاه، بعث الحجاج إلى ابن الزبير فحاصر ابن الزبير في مكة ونصب المجانيق على جبل أبي قبيس، وعلى جبل قعيقعان فكان الأمر العجيب الخطير يا عباد الله. المجانيق تضرب في وسط بيت الله، المجانيق تقصف جدران الكعبة، فلم يكن أحدٌ يقدر على أن يطوف بالبيت من شدة قصف المنجنيق، من شدة تلك الفتنة، فأسند ابن الزبير ألواحاً من الساج على البيت وألقى عليها الفرش والقطائف، فكان إذا وقع حجرٌ وقع عليها ونبا عن البيت وكان الناس يطوفون دون الألواح واستمر حصار الحجاج لـ ابن الزبير في مكة ثمانية أشهر وسبع عشرة ليلة وبيت الله يضرب بالمنجنيق، في تلك الفتنة القديمة، وانتهت تلك المأساة بقتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ووالديه وأرضاه. عن المنذر بن جهم قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من كان معه خذلاناً شديداً؛ جعلوا يتسللون ويهربون إلى الحجاج، وهكذا شأن الذين يسيرون في الدهماء والغوغاء، أو إذا خرج خارجٌ أو زعم زاعمٌ أن سيخرج تكاثر الناس حوله، فإذا انكشف الأمر وكشفت الحرب عن ساق: ستعلم حين ينكشف الغبارُ أخيلٍ تحت رجلك أم حمار حينما تشتد الأمور ما أقل من يصمد ويثبت، ولذا فلكل من ظن أن الكثرة هي سبيل للتغيير أو الإصلاح فليعلم أن الكثرة لا تغني شيئاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولكن أكثر الناس لا يفقهون. عن المنذر بن جهم قال: رأيت ابن الزبير لما قتل وقد خذله من كان معه خذلاناً شديدا وجعلوا يتسللون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس! علامَ تقتلون أنفسكم؟ من خرج إلينا من ابن الزبير فهو آمنٌ عندنا، لكم عهد الله وميثاقه، ورب هذه البنية ورب هذا البيت لا أغدر بكم ولا حاجة لنا في دمائكم، قال: فقام الناس يتركون ابن الزبير ويتسللون أكثر من نحو عشرة آلاف قال: فلقد رأيت ابن الزبير وحيداً ما معه أحد. وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حضرت قتل ابن الزبير وجعلت الجيوش تدخل على ابن الزبير من أبواب المسجد فكان كلما دخل قومٌ من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، يقتل من يقتل ويجرح من يجرح ويطرد من يطرد وكان ابن الزبير شجاعاً شجاعاً شجاعاً ربما ضرب الرجل ضرب بصاحبه فقتلهما جميعاً، وربما اخترط بسيفه رجلين في ضربة واحدة، لم يكن له مثيلٌ في الشجاعة، إلا من فاقه من الصحابة وأشجع القوم صلى الله عليه وسلم، قال: فكان كلما دخل عليه قوم حمل عليهم حتى أخرجهم، فبينما هو على تلك الحال إذا وقعت شرفة من شرفات المسجد على رأسه فصرعته وسقط وهو يتمثل أسماء يا أسماء لا تبكيني لم يبق إلا حسبي وديني وصارمٌ قد لان في يميني يعلق الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء على ذلك فيقول: فيا ليت ابن الزبير كف عن القتال لما رأى الغلبة، بل ليته لا التجئ إلى البيت ولا أحوج أولئك الظلمة والحجاج لا بارك الله فيه، إلى انتهاك حرمة بيت الله وأمنه، فنعوذ بالله من الفتنة الصماء، هذا من كلام الذهبي في سير أعلام النبلاء. وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الخلفاء: صلبوا ابن الزبير منكسا، وأخرج مسلم في صحيحه أن عبد الله بن عمر بن الخطاب مر على عبد الله بن الزبير وهو مصلوبٌ فقال: السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خبيب السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله إن كنت ما علمت صواماً قواماً وصولاً للرحم، أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير. الله أكبر هذا كلام عبد الله بن عمر وقف على ابن الزبير رضي الله عنه وهو مصلوب فيقول: أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، يعني أنهاك أن تطلب البيعة لنفسك، وآمرك أن تسمع لمن أعطاه المسلمون البيعة.

خروج ابن الأشعث

خروج ابن الأشعث وخذوا نموذجاً رابعاً أو خامساً: خرج ابن الأشعث على عبد الملك بن مروان وبدأت هذه الحركة وانتهت في العراق وهي حركة قوية جداً، كادت بعد استفحالها أن تسقط الدولة الأموية وتسقط الخليفة عبد الملك بن مروان، كان الحجاج قد بعث ابن الأشعث على سجستان فثار هناك وخرج أولاً عن طاعة الحجاج ووافقه جيشه، ثم خلعوا عبد الملك نفسه، وأقبل ابن الأشعث في جمعٍ كبير وقام معه علماء وصلحاء لله تعالى، وسبب خروجهم على الحجاج وعبد الملك لما انتهك الحجاج من تأخير وإماتة وقت الصلاة، ولجوره وجبروته، وبايع الناس ابن الأشعث ودخلوا في فتنة جديدة، وكانت بيعته على كتاب الله وسنة رسوله، وعلى جهاد أهل الضلالة وخلعهم، وجعل الناس يلتفون على ابن الأشعث من كل جانب حتى قيل: إنه سار معه ثلاثٌ وثلاثون ألف فارس ومائة وعشرون ألف راجل، ووصل ابن الأشعث إلى العراق وقد قويت حركته جداً، وانضم الناس إليه ودخل البصرة ووافقه على خلع الحجاج وعبد الملك أيضاً جمعٌ من الفقهاء والقراء، ثم بدأت المعارك ونشبت الحروب، بين ابن الأشعث وجيوش الخلافة بقيادة الحجاج، وخرج الحجاج في جنود الشام من البصرة متجهاً لـ ابن الأشعث فنزل تستر ثم التقوا في يوم عيد الأضحى المبارك في نهر دجيل فهزم مقدمة الحجاج وقتل أصحاب ابن الأشعث من جند الحجاج خلقاً كثيراً نحو ألفٍ وخمسمائة واحتازوا ما في معسكرهم من خيلٍ وقماشٍ وأموال، وجاء الخبر بهزيمة أصحابه فقال: ارجعوا إلى البصرة فإنه أرفق بالجند، فرجع الناس وتبعتهم خيول ابن الأشعث لا يدركون شاذاً إلا قتلوه، ولا فاذاً إلا أهلكوه، ووقعت عدة وقائع بين الحجاج وابن الأشعث وكانت أكثر الجولات لصالح الخارج ابن الأشعث، وأشهر الوقائع بينهم وقعة الزاوية، ووقعة دير الجماجم ووقعة مسكن، وفي آخر الأمر انهزم جيش ابن الأشعث وانفلت جموعه وفر ابن الأشعث ومن معه راجعاً إلى سجستان رحمه الله ومن معه رحمة واسعة. رجعوا إلى سجستان الموقع الذي خططوا فيه للثورة والخروج، وأسرف الحجاج في قتل الناس فلم يقدر على أسيرٍ أو على أحدٍ اشترك في المعركة إلا قتله، وقتل كثيراً من العلماء قتل المحدث العالم الجليل ابن أبي ليلى، وقتل سعيد بن جبير رحمهم الله، وقد نقل أن الحجاج قتل يوم الزاوية أحد عشر ألفاً ما استبقى منهم إلا واحداً، كان ولده في كتاب الحجاج، ونقل أيضاً أن الحجاج قتل أربعة آلاف في موقعة مسكن وعن هيجان بن حسان أنه قال: بلغ ما قتل الحجاج صبراً مائة وعشرين أو مائة وثلاثين ألفاً، هذه نهاية هذه الحركة كنهاية ما سبقها.

خروج زيد بن علي على هشام

خروج زيد بن علي على هشام وإليكم نموذجاً آخر، خرج زيد بن علي بن الحسين على هشام بن عبد الملك، وكان زيد قد وفد على متولي العراق يوسف بن عمر فأحسن يوسف جائزته ثم أراد زيد الرجوع إلى المدينة، فأتاه قومٌ من الكوفة، فقالوا: ارجع يا زيد نبايعك، وزينوا له البقاء معهم وأنهم سيبايعونه على قتال بني أمية، وأن مائة ألف سيفٍ مصلتٍ مشهرٍ معه، ثم استقر زيد في الكوفة وصدق ما قيل له رحمه الله، وبدأ التنقل من منزل إلى منزل وأهلها يسجلون أسمائهم ويبايعون، وكانت الأرقام بالآلاف، وكاتب المدن المجاورة والأقاليم قد استجابوا له ووعدوا أنهم سيتبعونه ويعينونه إذا خرج وحدد لهم موعد الخروج، في تلك الأثناء علم أمير العراق يوسف بن عمر بما يفعل زيد فأخذ يستعد لمجابهته، وعلم زيد أن أمير العراق قد اطلع على ما يجري في الخفاء، وخشي أن يمسك أو تفشل الحركة فأعلنها قبل أوانها ويفاجئ أهل الكوفة بشعارات زيد بدأت تدوي، واجتمع إليه بعض الناس، وبدأ بهم المعركة ولكنهم فئة قليلة وهو ينتظر الجموع، أين الجموع التي سجلت أسمائها؟ وأين الجموع التي وعدت أن عندها مائة ألف سيف مصلتٍ مشهر؟ أين الجموع التي ظن أنها شحمٌ فإذا هي ورم فقال زيد: سبحان الله! أين الناس؟ فقاتل زيد والقلة الذين معه قتال الأبطال فهزموا أهل الشام عدة مرات، ولكن رماة السهام تكاثروا عليه فقتل رحمه الله، ثم صلب وعلق على الخشبة، وانتهت هذه الحركة بأقصر وقتٍ ممكن. يقول الحافظ الذهبي رحمه الله معلقاً على خروج زيد، خرج متأولاً وقتل شهيداً ويا ليته لم يخرج. ما هي نتائج تلك الحركات التي خرجت متأولة إنكار المنكر؟ ورفع الظلم، متأولة قصد الله ورسوله والدار الآخرة؟ كان نتائج ذلك أن حصل بين المسلمين فُرقة عظيمة وفتنٌ أليمة، وقتلٌ بين المسلمين، وإراقة وسفكٌ للدماء، ورءوسٌ قطعت، وأعراضٌ هتكت، وحقوقٌ ضاعت، وأناسٌ تشردت، وسبلٌ اختلت، ومصالح انقطعت، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولو لم يكن إلا أن أعداء الإسلام من الروم والنصارى، كانوا يرون تلك الفرص التي افتتن بها المسلمون فرصاً ذهبية، لجمع الجموع وإعداد العدد لضرب دولة الإسلام لكفى بذلك فساداً.

أقوال العلماء في الخروج على ذوي السلطان

أقوال العلماء في الخروج على ذوي السلطان قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية: وقل من خرج على إمامٍ ذي سلطان إلا كان ما تولد عن فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، وقال ابن حجر الحافظ المعروف في ترجمة الحسن بن صالح في الرد على التهم التي وجهت إليه قال: قولهم كان يرى السيف، أي كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، ثم قال: لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوا الخروج قد أفضى إلى ما هو أشد منه، ذكره في تهذيب التهذيب. وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكار المنكر من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار بالخروج على الولاة، فإنه أساس كل شرٍ وفتنة إلى آخر الدهر، ويقول ابن القيم: وقد استأذن الصحابة رضوان الله عليهم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا الصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يداً من طاعة) ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار من إضاعة وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه. ويقول العلامة المعلمي اليماني رحمه الله: وقد جرب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشر، خرج الناس على عثمان يرون أنهم إنما يريدون الحق فكان عاقبة الأمر أن قتل ثم خرج أهل الجمل يرى رءسائهم ومعظمهم أنهم إنما يطلبون الحق، فقتل علي وحصلت الفتنة، ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه، نعم، علي بن الحسين خدعه أهل العراق، الذين تعجب من أنهم يبكون عليه ويقيمون المناحة والصياح عليه، هم الذين وعدوه واستخرجوه فلما خرج خذلوه، فكان أن وقع فيما ليس بحسبانه. قال المعلمي اليماني: ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه فكانت تلك المأساة، ثم خرج أهل المدينة على يزيد بن معاوية فكانت وقعة الحرة، ثم خرج القراء على الحجاج مع ابن الأشعث فماذا كان، كان ما تعلمون، ثم كانت قضية زيد بن علي، وعرض عليه من عرض أن ينصروه شريطة أن يتبرأ من أبي بكر وعمر فخذلوه قتلهم الله فكان ما كان. أيها الأحبة في الله! إن هذا الكلام لا يعني سكوتاً على منكر ولا تركاً للدعوة إلى الله، إن هذا الكلام يصب في قالبه وفي مواقعه وفي مواضعه وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما لنا عذرٌ في تركه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) إن بعض الناس يفهمون فهماً سقيماً من هذا الكلام، ويقولون ما دام الأمر هكذا وهذه مخاطر الخروج، ثم يستنتج أن إنكار المنكرات يفضي إلى الخروج وهذا فهمٌ عليلٌ سقيمٌ بهيم، إن إنكار المنكر هو حياة الأمة، إن الحسبة هي قلب الأمة، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ضمان بقاء الأمة، فلا نفهمن هذا من هذا. والواجب علينا أن نشتغل بالدعوة إلى الله جل وعلا، إني أعجب من رجلٍ أو شابٍ أو صغير أو كبيرٍ أو ذكرٍ أو أنثى يسمع هذا الكلام فإذا سمع بمنكرٍ قال: اسكت! عليك نفسك فالزم ولا تحدث فتنة! وإنما يعني هذا الكلام أن نجتهد في طاعة ونصيحة، واجتهادٍ على حفظ شوكة أمة ووحدة صفٍ واجتماعِ شملٍ؛ مع إنكار منكرٍ وأمرٍ بمعروف ودعوة إلى الله جل وعلا، قد يرى البعض أن هذا يعني أن تشتغل بمدرستك أو بيتك وعملك ولا عليك من واقعك، لا. إنما سمعته يدعوك أن تهتم بواقعك، فتدعو إلى الله بكل وسيلة من شريطٍ نافع، أو كتابٍ أو رسالة نافعة، أو موعظة حسنة، أو جدالٍ بالتي هي أحسن، بكل وسيلة مشروعة من وسائل الدعوة إلى الله. إن هذا الكلام -أكرر وأحذر- لا يعني ترك الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، ولكن الأمر والنهي بحسب من يوجه إليهم، فإن كان لفردٍ فخذه على انفراد، وإن كان لمجموعة فخذهم بخير طريقة، وإن كان لأميرٍ أو والٍ فاقصده في بيته، فاقصده في مكتبه، فاقصده في مكانه، وكن صريحاً جريئاً قوياً ولا يضرك لو خرجت قتيلاً (سيد الشهداء حمزة ورجلٌ قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله). أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المسلمين! لقد فضلنا الله على سائر الأمم يوم أن كنا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110] ووصف الله المؤمنين بقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] ويقول صلى الله عليه وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدِ السفيه، أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقابٍ أو بعذاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم) وإن ترك الأمر وترك النهي عن المنكر لمن شر بلاءٍ ابتليت به الأمة، فطائفة يتأولون في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنه من الحكمة، والله لا حكمة في ترك الأمر بالمعروف، ولا حكمة في ترك النهي عن المنكر، وربما فهم القوم أفهاماً أو فهوماً أخرى، والحاصل أن من أراد صلاح مجتمعه ومن أراد اجتماع شمله، ومن أراد وحدة صفه، ومن أراد قوة شوكته، ومن أراد تدفق الأرزاق إلى بلاده وأمته فعليه بالأمر بالمعروف لأنه من دلائل التقوى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ} [الأعراف:96]. فيا معاشر المؤمنين! من واجبنا أن نعتني بهذا وأن نجتهد في الدعوة إلى الله. إن من الناس من فهمه سقيم، إما دعه يقول ما شاء كيفما شاء، بأي طريقة شاء سواءً أنتجت وفاقاً أو فتنة أو فيسكت البتة، وليس هذا بصحيح، فليس كل ما يعلم يقال؛ وليس السامعون يتحملون كل ما يسمع. فيا خبيراً على الأسرار مطلعاً اصمت ففي الصمت منجاة من الزلل قد رشحوك لأمرٍ لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ علينا أن نعبد الناس لله، أن نوجه الناس إلى بيوتهم التي فيها من الملاهي ما الله به عليم، علينا أن نوجه الناس إلى منكراتٍ في كل صباحٍ ومساء، من تبرجٍ أو سفورٍ أو لهوٍ أو بطالٍ، أو رؤية صورٍ ومجلات ومشاهداتٍ لا ترضي الله، علينا أن نناصح كل مجلة وكل جريدة، وكل مسئول بالخطاب الرقيق، وبالمقابلة المؤدبة، فإن في هذا خيرٌ عظيم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجمع شملنا، ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، ربنا لا تذر لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته ولا ديناً إلا قضيته، ولا مرضاً إلا شفيته، ولا معوقاً إلا أطلقته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا متزوجاً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر المسلمين في فلسطين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم احفظهم من دعايات اليهود وكيدهم، اللهم احفظ نسائهم وأبنائهم وذرياتهم، اللهم رد المسجد الأقصى إلى أيدي المسلمين يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي رومو وفي الفليبين، وفي سائر البقاع، اللهم اجمع شملهم في سائر البقاع، اللهم انصرهم في طاجكستان، واجمع شملهم في أفغانستان يا رب العالمين، وأقم الصلاة، وصلى الله على نبينا محمد.

الخلاف لمن نرده

الخلاف لمن نرده الاختلاف سنة بين الناس، ولكن قد كثر حتى اختلف الناس فيما لا ينبغي الاختلاف فيه، وبعضهم يجره الخلاف إلى النزاع والشقاق، والمقاطعة والتدابر، وأشقى من ذلك عدم التحاكم إلى مرجعية واحدة، وفي هذه المادة علاج لذلك.

المتفيقهون وضررهم على المجتمع

المتفيقهون وضررهم على المجتمع الحمد لله، نحمد ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ربي عليه توكلت وإليه أنيب، ما من دابةٍ إلا هو آخذ بناصيتها، أشهد أن لا إله إلا الله ربي وحده هو الذي خلق هذا الكون، وخلق العباد عليه، وجعل الحكمة من خلق العباد عبادته {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] أشهد أن لا إله إلا الله ربي ما خلق شيئاً عبثاً، ولا يترك شيئاً سدى، فالأمر والخلق والقدر والتدبير بيده وحده سبحانه فلا يقدر أو يدبر أو يأمر أو ينهى أو يشرع إلا لحكمة فيها تمام العدل، ومعها تمام الرحمة. أشهد أن لا إله إلا الله ما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطوياتٌ بيمينه، أشهد أن لا إله إلا الله ربي وحده رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها، أشهد أن لا إله إلا الله ربي وحده هو الرازق للخلائق أجمعين، لو أراد الخلائق واجتمعوا وكان بعضهم لبعضٍ ظهيراً، أن يطعموا أهل الكون ساعةً لافتقروا وعجزوا عن ذلك {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]. أشهد أن لا إله إلا الله ربٌ عظيم، عظيمٌ في علمه وفي رحمته وفي حكمته، وعظيمٌ في حلمه على عباده، العباد يعصونه بنعمه التي خلقها لهم، ويمهلهم لعلهم أن يئوبوا أو يتوبوا يوماً ما، أشهد أن لا إله إلا الله ربي وحده كل شيءٍ هالكٌ إلى وجهه، وأشهد أن محمداً رسول الله بعثه الله رحمةً للعالمين، أرسله الله للجن والإنس بشيراً ونذيراً، نبيٌ وما وطئ الثرى خيرٌ من قدمه صلى الله عليه وسلم. أشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اعرفوا عظمة الله وقدره واتقوا الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: إن الله جل وعلا خلق العباد لعبادته، وقدر المقادير بحكمته، وأجرى الأمور بعدله ورحمته، وجعل للعباد منهجاً وطريقاً وصراطا ًمستقيماً يرجعون إليه عند النزاع والخلاف {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]. {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51]. {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59]. {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]. عباد الله: أليس في هذه الآيات الواردة في مواضع شتى من كتاب الله غنية لمن أراد أن يستغني بكتاب الله عن زبالة أذهان البشر؟ أليس في كلام الله كفاية لمن أراد أن يكتفي بكلام الله وهدي رسول الله عن أنظمة البشر؟ ولكن يا معاشر المؤمنين: حينما تتكلم الرويبضة ويظهر الأوغاد والسفل، حينما يتكلم من لا خلاق له ومن لم يعرف بالتقى أو المحافظة على الجماعات، أو من عرف بتاريخ أسود وسابقة الخزي وماضي الرذيلة، أو من لا حظ له من التقى والمكانة والإحسان والإيمان في دين الإسلام، حينما يتكلم في هذا الدين من ليس من علمائه وفقهائه، حينما يتكلم في هذه الشريعة من عرفوا يوماً ما بالتطبيل والتزمير للقوانين الوضعية والأنظمة البشرية، حينما يتكلم أولئك: فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جدي إن دهرك هازل ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني حتى أرى وقفة الأوغاد والسفل هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا من قبله فتمنى فسحة الأمل أهبت بالحظ لو ناديت مستمعاً والحظ عني بالجهال في شغل لعله إن بدا فضلي ونقصهم لعينه نام عنهم أو تنبه لي فإن علاني من دوني فلا عجب لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل فيا خبيراً على الأسرار مطلعاً اصمت ففي الصمت منجاةٌ من الزلل قد رشحوك لأمرٍ لو فطنت له فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل عباد الله: في التلميح ما يغني عن التصريح: تكفي اللبيب إشارة مرموزةٌ وسواه يدعى بالنداء العالي

ليس كل خلاف يعتد به

ليس كل خلاف يعتد به يوم أن يخرج في المجتمع حالاتٌ متشنجة، وظواهر متهورة، ليس لها دليلٌ من القرآن ولا برهان من السنة، ولا نورٌ من أهل العلم ولا بيانٌ من دعاة الإسلام، حينئذٍ يتكلم من يتكلم ويقول: إن الخلاف الفقهي في دين الإسلام يسع الأمة، وقديماً كان العلماء يختلفون والخلاف لا يفسد للود قضية، والخلاف فيه مساغٌ وفسحةٌ أن يأخذ من شاء برأي من شاء، والخلاف إنما هو من اجتهادات البشر وما دام الأمر اجتهاداً فلكل واحدٍ أن يأخذ ما شاء وليس لواحدٍ أن يلزم غيره بقول غيره -شنشنةٍ نعرفها من أخزم- حينما نتكلم في دين الإسلام فإننا ننطلق من أمورٍ وأركان: أولها: أن الله جل وعلا تعبدنا بطاعته ومن أراد أن يأتي بأمرٍ من عنده فهذه هي البدعة، وهي فعلة تخالف السنة والشريعة إما بزيادةٍ أو بنقص: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) (ومن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود كما يقول صلى الله عليه وسلم. الحاصل يا عباد الله: أننا ننطلق من هذه الأركان ومن أهمها أيضاً: إن الله لم يأمرنا بأمرٍ إلا لتمام الحكمة وتمام الرحمة والنعمة وتمام العدل والبصيرة واللطف التي يعلمها سبحانه وحده {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. نحن أيها الأمة: أمةٌ نرتبط بالعقيدة حتى في إماطة الأذى عن الطريق (وإماطة الأذى عن الطريق صدقة) هذا الأذى الذي نزيله عن الطريق نرتبط فيه بعقيدة؛ فيوم أن نميط الأذى نعتقد أننا نطيع الله، ونعتقد أننا نثاب على ذلك، ونعتقد أن أجر الإماطة يوضع في الموازين، ونعتقد أن هناك موازين، ونعتقد أن الموازين يوم القيامة، ونعتقد ونعتقد فما من أمرٍ جليلٍ ولا كبيرٍ ولا صغيرٍ إلا ويرتبط بسلسلة من الأمور العقدية التي تنتهي إلى قولنا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]. فإذا قال الله لنسائنا ولبناتنا وأمهاتنا: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] وإذا قال الله جل وعلا: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] وإذا قال الله جلا وعلا: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] وإذا قال الله جل وعلا: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] وإذا قال الله جل وعلا: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53]. نقول كل هذه الآيات البينات الواضحات شرعها الله وأمر الله بها نساء المؤمنين لحكمةٍ يعلمها سبحانه، فإما أن نقول: يا ربنا أنت حكيمٌ ونثق بحكمتك، فنطيع ونسلم لهذه الحكمة. وإما أن نقول: لست بربٍ حكيم عياذاً بالله من ذلك، وهذا مؤدى من يقول: إن هذه أمور قد لا تنتهي إلى مصلحة المجتمع، أو تنتهي إلى تعطيل النصف من المجتمع، أو هي إهدار للثروة القومية، أو خنقٌ للمجتمع، أو كبتٌ للبنات، أو قعودٌ بالمرأة بـ السعودية عن مواكبة حال المرأة الغربية المتطورة. حينما نناقش الذين يدعون إلى التبرج والسفور والانحلال بأي دعوى من الدعاوي فنحن نقول لهم بادئ ذي بدء قبل أن نقول: لا. هنا دليل يقول: يجوز كذلك، وهنا دليل يقول: يجوز كذلك، ونبدأ في معركة فقهية قبل أن نقرر القاعدة التي ننطلق منها، فلنسلم لحكمة الله أو لا نسلم بحكمة الله. كل هذا -أيها الأخوة- أريده مقدمة حتى أصل إلى ما أريده الآن؛ لأن بعد ظهور الدعوة إلى تحرير المرأة، وتبرج المرأة، وسفور المرأة جاء من يقول: إن بعض القضايا يحلها الزمن، وجاء من يقول: إن الناس قد أنكروا البرقية يوماً ما، ثم تعاملوا بها، وإن الناس أنكروا تعليم البنات ثم وافقوه، وإن الناس ردوا التلفاز ثم أدخلوه البيوت، فما دام الناس قد أنكروا بلسان الحال أو بالمقال، ومادام الناس قد أنكروا قيادة المرأة للسيارة فسيوافقون عليها في يومٍ من الأيام، من قال إن قيادة المرأة كتعليمها؟ من قال: إن قيادة المرأة كالبرقية؟ من قال إن قيادة المرأة كالتلفاز؟ لا والله، ثم إن كان هناك من معارض في مسائل معينة، فليست كل هذه المسائل، وهم عدد قليل، ولا أشك أن معارضتهم في أسلوب تعليم المرأة، وهم فئةٌ قليلةٌ محدودة، وإذا كان هناك من عارض، فهل يعني: أن الأمة كلها قد وافقت في هذا الزمان على قيادة المرأة؟ لا والله، بل رفضوها رفضاً مطلقاًً باتاً. ولكن المصيبة -يا عباد الله- أن يقال: إن الإسلام جاء برحابة الصدر في الخلاف في المسائل الفقهية، وإن الإسلام أمرنا ألا ينكر بعضنا على بعضٍ في القضايا الاختلافية، وإن الإسلام جعل لكلٍ أن يأخذ بأي رأي من الآراء، وحينئذٍ أسألكم وأنتم الحكم، ما دمنا نقول: إذا وجد الخلاف في أي مسألة من المسائل فالأمر حينئذٍ واسع كلٌ يأخذ من الأقوال ما يشاء. أولاً: ما هو الخلاف؟ وخلاف من ذلك الذي يعتد به ويعتبر؟ لو أن عالماً من العلماء أفتى، فمر رجل من النخاسة من الذين يبيعون الدواب والجمال فقال: يا شيخ! أنا أخالفك في هذه الفتوى، نقول: قف لقد خالف بائع الحمير هذا العالم! فالمسألة فيها سعة وكلٌ يأخذ بما يشاء من الأقوال هل يعقل هذا الكلام؟ فإذا خالف باعة البصل والثوم العلماء والأجلاء هل يعتبر خلافهم في هذه المسألة؟ وإذا خالف من لا يعتد بخلافه لعلماءٍ شابت لحاهم في الإسلام وعرفوا بالتقوى والقيام والصيام وقضاء حوائج المسلمين وأجمعت الأمة على صلاحهم وحبهم في الله ولله، هل يعتد بخلاف من خالفهم؟ ولو سلمنا بهذا لقلت لواحدٍ منكم: هناك من خالف في الربا وقال يجوز أن نأكل الربا، اذهب وكل ما شئت من الربا، هناك -أيضاً- من خالف وقال: يجوز ألا تغطي المرأة وجهها، بل إن عورة المرأة إلى ركبتها، أخرج امرأتك سافرة الوجه والشعر والساقين. وهناك من يقول: إن الصلاة مع الجماعة ليست واجبة فصل في بيتك. وهناك من يقول: إن مجرد النظر إلى الأفلام والمسلسلات في الشاشات ليس نظرٌ للحقيقة وإنما هو نظرٌ للصورة فانظر إلى ما شئت من الأفلام والمسلسلات. وهناك من يقول: إن المرأة يجوز لها أن تزوج نفسها بغير إذن وليها، يعني: أن تقابل امرأةً فتعجبك فتقول لها: زوجيني نفسك، فتقول: ليس عندي مانع، فتخرج وتذهب أنت وإياها وتجد اثنين من الباطلين العاطلين فيشهدان لك. أي دينٍ هذا؟ هل يجتمع بهذه الصورة دين مسلم ودين زنديق؟ هل يجتمع بهذه الصورة مسلمٌ قد خاف الله وراقبه في كل ما يأتي ويذر وتلفيقٌ وزندقةٌ وبعدٌ عن طاعة الله جل وعلا؟ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بيَّن، وإن الحرام بيَّن، وبينهما أمورٌ مشتبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، إلا وإن لكل ملكٍ حمى، إلا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة). هذه المضغة إذا صلحت تتبعت سبل الحلال وابتعدت وجانبت عن سبيل المشتبهات، وعن بنيات الطرق، وابتعدت عن الأباطيل والمضلات: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت) تتبعت الرخص والأقوال والخلافات ومضلات الأمور وبنيات الطرق وأقوال السفلة: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب قلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع؟ فأوصنا، قال: أوصيكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، واسمعوا وأطيعوا وإن تولى عليكم حبشي كأن رأسه زبيبة، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً). صدقت يا رسول الله والله لقد رأينا اختلافاً كثيراً، ونشهد أن كلامك وحيٌ يوحى وأنك لا تنطق عن الهوى، لقد رأينا اختلافاً كثيراً، وياليته اختلافٌ فحسب بل اختلاف ويقولون: إن الخلاف قد أتى به العلماء ويقولون: إن هذا الخلاف قد قال به العلماء، رأينا تقليباً وتكذيباً وزخرفة للأمور ويقول من يقول: إن الخلاف في الإسلام واسع، ولكل امرئ أن يأخذ ما شاء من الأقوال. لا والله يا عباد الله: ليس هذا بسبيلٍ إلى قيادة الأمة الواحدة والمجتمع الواحد، نحن لسنا كما قلت في مجتمع حزب العمال والمحافظين والمتبرجين والمنحرفين، لا. نحن في أمة ليست أحزاباً بل هي أمةٌ واحدة سواءً من كان أتقانا لله، ومن كان واقعاً في معصية الله فنحن في إطار الأمة الواحدة، فمنا ظالمٌ لنفسه ومنا مقتصد ومنا سابقٌ بالخيرات؛ لكن أمتنا واحدة ولا نقبل ولا نرضى بالتقسيم والتفريق، يوم أن يستدل بكلام أهل العلم على جواز الخلاف والافتراق في مسائل هي باب تدهورٍ للأمة وباب هلاك لها حينئذٍ يستخدم الدواء سماً، ويجعل الطعام قاتلاً، ويجعل الشراب سماً زعافاً ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ثم أيها الإخوة: قال علماء الأصول والقواعد الفقهية وعلماء الشريعة: إن لولي الأمر أن يلزم الأمة بطرفي المباح، أي: حينما توجد مسألة ويوجد لها وجهان وكلا الوجهين يفيدان الجواز والإباحة، فإذا رأى ولي الأمر أن يمنع هذا وأن يلزم الأمة بهذا لمصلحةٍ تجمع شمل الأمة على منهجٍ واحد، ونظامٍ واحد، وطريقٍ واحد، فلولي الأمر أن يلزم الأمة بواحدٍ من طرفي المباح، حينئذٍ لا نفتح عقولنا لفقه الجرائد وفقه المجلات وفقه الزوايا، وفقه القصاصات، وإنما الفقه عند أهله، وإنما العلم عند أهله. تبقى الأمور بأهل الخير ما صلحت وإن تسوء فبالأشرار تنقاد لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا أن يصبح أمر الشريعة وأمر الدين يتكلم فيه من يتخصص في السيا

حكم العمل بالأحاديث الضعيفة والمنسوخة

حكم العمل بالأحاديث الضعيفة والمنسوخة الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى وتمسكوا بسبب عزكم وأمنكم ورخائكم وثرائكم وطمأنينتكم وسعادتكم، تمسكوا بالإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها؛ وكل محدثةٍ بدعة؛ وكل بدعةٍ في الدين ضلالة؛ وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: هناك أمور في دين الإسلام دلت عليها النصوص من القرآن والسنة؛ فلا خلاف فيها أبداً، وأمورٌ دلت عليها نصوصٌ من السنة والقرآن ووردت نصوصٌ لم تثبت أو هي في حكم الضعيفة أو في حكم المنسوخة لا يجوز العمل بها، وإنما يجب العمل بما ثبت وبما صح وبما هو راجح، وأمورٌ في أمور الناس لم يشهد الشارع لها باعتبارٍ لها ولا بإلغاء، فهي عامة لم يرد فيها أمرٌ ولا نهي، وهي التي تسمى بالمصالح المرسلة، فحينئذٍ يجوز للناس أن يجتهدوا في أمور المصالح المرسلة بما يخدم مصالحهم، والمصلحة عند من يرى جواز الاستدلال بها دليلٌ حيثما وجدت، فإذا كانت المصلحة في ذلك الزمن مفسدةٌ في هذا الزمن فلا يجوز الاستدلال بالمصلحة، ولذلك ربط أهل العلم لما قالوا: إن مما يجوز الاستدلال به المصالح المرسلة في أمورٍ ليس فيها دليلٌ من القرآن والسنة، قالوا: ومن الذي يقرر في المصلحة؟ يقررها علماء الإسلام فهم الذين يقولون: في هذا مصلحة وليس في هذا مصلحة، أو في هذه نفعٌ وفي هذا مفسدة، فحينما نقول: إن الشريعة جاءت بأمورٍ والاختلاف فيها واسع ولولا الخلاف لما رأينا هذا الفقه بهذه الدرجة وهذه المنزلة وبهذا نكذب على عقول الناس، وبهذا نخدع شبابنا، ونخدع طلاب جامعاتنا، ونخدع رجالنا، ونخدع أمتنا، فنقول لهم: إنا نتكلم معهم بمنطق الدين والشريعة، ولكنا في الحقيقة نحادثهم بمنطق الخداع والعبث على الدين والشريعة، ينبغي أن ننتبه لذلك، فإذا كانت الأمور قطعية الدلالة، قطعية الثبوت، فحينئذٍ لا مساغ للخلاف فيها، وحينما تكون الأمور ظنية الدلالة أو الثبوت، ولكن رجحت أو جاء ما يرجح دلالتها وثبوتها فإنها تعتبر ديناً ندين الله به، وعملاً نتعبد الله به، ونستبعد ما سواها حتى لا يقول قائل: الربا في القرآن محرم، ولكن يقول الدكتور الفلاني: يجوز التعامل بالربا بهذه الصيغة وبهذه الطريقة؛ لأن هناك دليلاً نقول: حتى وإن جاء دليلٌ فقد يكون موضوعاً أو منسوخاً بالذات مسألة الربا كل دلالاتها واضحةٌ قطعيةٌ بفضل الله جل وعلا. أو مسائل أخرى حينما يأتي من يقول: يجوز للمرأة أن تتبرج أو أن تخرج أو أن تكشف إلى آخره ويستدل بدليل ويأتي الآخر بدليل، نقول: حتى ولو جئت بدليل فإذا كان دليلك منسوخاً أو إذا كان دليلك مرجوحاً أو إذا كان دليلك ضعيفاً وهذا دليلٌ مرفوعٌ صحيحٌ راجحٌ ثابتٌ وأجمعت عليه الأمة، فما الذي يجعلني أترك ما أجمعت عليه الأمة وهو الصحيح الثابت الراجح وأنتقل إلى المرجوح والضعيف رغبةً في تقليد الغرب ومحاكاة أهل الحضارة الغربية. لا. أيها الحبيب: ينبغي أن نكون على مستوى العقل، فخذوا مني نصيحة: إن هذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، لا تقبل الكلام في أمور الدين إلا من عالمٍ قد وثق بعلمه، وحصلت الطمأنينة إلى تقواه وعبادته، إلى عالمٍ لا تجره الدنيا ويطرده حرمانها، خذوا النصيحة من عالمٍ من العلماء الأجلاء، وهل على هذه البسيطة فيما أعلم أجل وأكرم وأعلم وأتقى وأخوف بالله ولله من سماحة الشيخ ابن باز، وعددٍ من العلماء حوله في هذه البلاد المباركة، أنا لا أقول أن علماء العالم في مصر أو في سوريا أو في أي مكانٍ من الأماكن أنهم فساق أو فجار، أو من لم يكن سعودياً فليس بعالمٍ، لا. لكن فيما عرفت وعلمت وعرفنا واطمأننا إلى أن هذا العالم وعددٌ من العلماء فيهم خيرٌ وبركة، أولئك الذين نطمئن إلى دينهم وتقواهم فليكونوا مرجعنا فيما تحدث فيه الزوبعة والبلبلة بسبب تشويش من لا علم له ولا خلاق له، هذه نصيحة إن الدين تسألون عنه أمام الله جل وعلا، وأما طاعة فلان أو القناعة بصوت فلان أو برأي فلان، فذلك إن لم تحاسبوا عليه أو تعذبوا عليه فلن يكون سبباً في دخولكم الجنة أو نجاتكم من النار، إن الأمر دين وإن الأمر أمرٌ تموت عليه، ويكون معك في القبر وتبعث به وتحاسب عليه، وبه تدخل الجنة أو النار فلا نتهاون بأمر الدين في حالٍ من الأحوال. اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم دمر أعداء الدين اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، اللهم من أراد بالأمة خلافاً وفرقة وشتاتاً وفزعا اللهم أفزعه في قلبه، اللهم آته الجنون والمس في عقله، اللهم من أراد بالأمة فتنة فلا تقم له راية، اللهم ترفع له راية، اللهم من أراد بالأمة فتنة فأرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم من أراد أن توجه هذه الأمة على غير وحيٍ من كتابك وسنة نبيك اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، وافضحه على رءوس الخلائق، وعجل خزيه وعاره وفضيحته ومصيبته بين الخلائق أجمعين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم أصلح ذات بينهم واجمع قلوبهم، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك، واجمع شملنا وإياهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم اجعلنا ممن قال فيهم نبيك: (خير أئمتكم الذين تدعون لهم ويدعون لكم) اللهم اجعلنا من أولئك يا رب العالمين، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا كسيراً إلا جبرته، ولا ميتاً إلا رحمته ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم توفنا على الإسلام سعداء واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم توفنا راكعين ساجدين، اللهم اقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، اللهم اجعل خير أيامنا يوم نلقاك، واجعل خير أعمالنا خواتمها، اللهم لا تقبضنا على خزيٍ ولا فاحشةٍ ولا معصيةٍ ولا في سبيل معصية يا رب العالمين يا أرحم الراحمين، اللهم خذ بأيدينا، وخل بيننا وبين ما يسخطك، اللهم خذ بأيدينا إلى ما يرضيك، اللهم حبب إلينا شرعك وبغض إلينا معصيتك، وبارك لنا فيما أبحت يا رب العالمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم اجمعنا بهم في جنتك، وفي دار كرامتك، في دارٍ لا يزول نعيمها ولا يتفرق أحبابها، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً فجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفلسطين والفليبين وأرتيريا، وفي كل مكان، اللهم انصر المجاهدين واجمع شملهم ورصاصهم ووحد صفوفهم، واجمع قادتهم وأقم دولتهم. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم أغثنا، اللهم إن ذنوبنا كثيرة وعفوك أكثر، وإن معاصينا كبيرة ورحمتك أكبر، اللهم لا تمنع عنا الغيث بذنوبنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً نافعاً مجللاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، اللهم اغفر لنا وأجب دعاءنا واسقنا وأغثنا. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الخوف والرجاء

الخوف والرجاء إن تساهل العبد بذنبه مما يدل على عدم خوفه وخشيته من ربه، وإغراقه في الرجاء يدل على الأماني الكاذبة والأحلام الزائغة التي لا تجدي، وهو خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ولابد للعبد أن يعيش في هذه الدنيا -كما قال ابن القيم- كالطائر: يعيش بجناح للرجاء وآخر للخوف ورأس هذا الطائر المحبة.

خوف عباد الله الصالحين

خوف عباد الله الصالحين عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن حسن الظن والرجاء بمغفرة الله ومثوبته ينبغي أن يكون لعبد أخلص النية وأحسن العمل واجتهد في العبادة، أما العصاة المصرون على الذنوب والمستهترون بفعلها والمقيمون على الفواحش، فأي عمل صالح يرجونه ويحسنون الظن به، فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. أيها الأحبة في الله: إن كثيراً من أبنائنا، إن كثيراً من شبابنا، إن بعض المسلمين -هداهم الله- ليتساهلون بالذنوب والمعاصي إلى حد الإصرار المقيم والعمل المديم على المعاصي والفواحش والسيئات، دون تفكير أن يتوبوا أو يقلعوا أو أن ينيبوا إلى الله منها، فأولئك لو حادثت بعضهم وهو مصر مقيم على معصية الله قال: إني أحسن الظن بالله. والله لو أحسن الظن لأحسن العمل.

خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه

خوف النبي صلى الله عليه وسلم من ربه إن المقيم على الذنب والمصر على المعصية لفي أشد الحاجة إلى ما يخوفه ويزجره عن التمادي، ويردعه عن الوقوع في الغفلة والشهوات المحرمة، ومن خاف ربه وخشي الله حق خشيته ما تجرأ على معصيته، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشد الأمة خشية لربه يقول: (أنا أعرفكم بالله، وأشدكم خشية له) ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فمن كملت معرفته بربه ظهر خوفه من الله، وأثَّر ذلك على قلبه، ثم انعكس على جوارحه بكفها عن المعاصي، وإلزامها بالطاعات، تكفيراً لما سلف واستعداداً لما سيأتي. قال صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزلة) ولكن اعلموا يا عباد الله! أن البكاء وحده ليس دليلاً على الخوف من الله، لكن حقيقة الخوف ترك العبد ما حرم ربه مع قدرته عليه، وإذا بلغ الخوف بالمؤمن هذه الدرجة انقمعت شهوته، وتكدرت لذته، فتصير المعصية المحبوبة للنفس مكروهة يبغضها القلب، وتكف عنها الجوارح، وكلما تمكن الخوف من الله في قلب المؤمن زادت مراقبة العبد ومحاسبته لنفسه. عباد الله! إن كثيراً من المسلمين لا يخافون الله حق خوفه، ولا يخشونه حق خشيته، أيغرهم إمهاله لهم؟ أم يظنون أن الله غافل عما يعملون سبحانه جل شأنه؟ وبعضهم إذا وقع في معصية ولم تصبه عقوبتها، ولم ير أثرها في الحال؛ يظن أن المعصية بعد ذلك لا تضره، وهو بفعله هذا على حد قول القائل: إذا لم يغبر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبار وقد نسي ذلك المسكين أن بعض الذنوب -ولا حول ولا قوة إلا بالله- مما لا يرى العبد أثره وشؤمه إلا بعد عشر سنين أو عشرين سنة أو أربعين سنة، ترى بعضاً منهم لا يخشى ولا يخاف عاقبة السيئة وما اقترف من الخطيئة، والبعض يتقلب في لهوه وغفلته كأنما ضمنت له الجنة وقدمت بين يديه الرحمة والمغفرة، فأين هو من جيل الصحابة الراشدين والسلف الصالحين الذين بلغوا أعلى مراتب الخوف والخشية من ربهم؛ وما ذاك إلا لكمال معرفتهم بخالقهم. معاشر المؤمنين: تأملوا كتاب الله تروا كيف كان الملائكة المقربون الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، كيف كانوا يخافون من الله، كيف كانوا يخافون من خالقهم، يقول الله جل وعلا في وصفهم: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50]. أما نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، تقول عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم، وكان إذا رأى غيماً وريحاً عرف ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه مطر، وأراك إذا رأيته عرفت الكراهة في وجهك! فقال: يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا) أخرجاه في الصحيحين. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (أما والله لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تندبون أنفسكم وتجأرون إلى الله).

خوف الصحابة الراشدين من ربهم

خوف الصحابة الراشدين من ربهم أما الصحابة رضوان الله عليهم وفيهم من شهد له الرسول بالجنة، وهم بالجملة من أثنى الله عليهم في كتابه؛ فخوفهم من جلال ربهم عظيم، لقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: [يا ليتني كنت شجرة تعضد ثم تؤكل] وكان رضي الله عنه يقول: [وددت أن أقدم على الله يوم القيامة لا لي ولا علي]. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل عدني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين) وكان رضي الله عنه يسمع الآية فيمرض فيعاد أياماً، وقرأ ذات يوم في صلاة الفجر: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:8] فبكى ونشج نشيجاً عجيباً فعاده الصحابة أياماً في بيته من شدة ما أصابه من خشية الله وخوفه، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء. وكان أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه يقول: [وددت أن كنت كبشاً فذبحني أهلي فأكلوا لحمي وحسوا مرقي] وقال عمران بن حصين: [يا ليتني كنت رماداً تذروه الرياح]. ويقول علي بن أبي طالب: [والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعز، قد باتوا لله سجداً وقياماً يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، إذا طال القيام سجدوا، وإذا طال السجود قاموا، فإذا أصبحوا فذكروا الله عز وجل مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين].

خوف التابعين من ربهم

خوف التابعين من ربهم أما التابعون لهم بإحسان والسلف الصالح فلهم من خشية الله وخوف عقابه ما تهتز لذكره القلوب والأفئدة، كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، ويبكي حتى تجري دموعه على لحيته، وبكى ليلة فأبكى أهل الدار معه، فلما تجلت العبرة عنه قالت زوجه فاطمة: [بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين! مم بكيت؟ فقال عمر: ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير، ثم صرخ وغشي عليه]. والحسن البصري رضي الله عنه بكى بكاءً شديداً وسألوه فتلى عليهم قول الله جل وعلا: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} [الجاثية:33] وتلى أيضاً: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. فهذا خوف الملائكة وذلك خوف الأنبياء، وذاك خوف الصحابة والتابعين، ومنهم المعصوم، ومنهم من شهد له بالجنة فنحن أجدر وأولى بالقول منهم، فاخشوا الله حق خشيته، وتذكروا سطوته وأليم عقابه، واصحبوا -يا عباد الله- من يخوفونكم حتى تأمنوا، ولا تصحبوا من يؤمنونكم حتى تخافوا. معاشر المؤمنين: إن منزلة الخوف من الله جل وعلا قد تقهقرت في النفوس، وتراجعت في الأفئدة إلى حد عجيب جداً، ترى كثيراً من الناس يدفنون موتاهم بأيديهم ثم يخرجون من أبواب المقابر ضاحكين! وترى كثيراً من الناس يرون ما حل بالخلائق حولهم وتراهم في أكلهم وشربهم لاهين غافلين أفأمنوا مكر الله؟ أفأمنوا عقوبة الله؟ أفأمنوا سخط الله؟ إن أمة من الأمم التي سلفت قد عذبت بذنب واحد من الذنوب، فكيف بهذه الأمة التي فيها أناس قد استجمعوا ذنوباً عظيمة، استجمعوا أكل الربا والسكوت على المنكرات، وبيع آلات اللهو والطرب، والتجارة بإفساد العقول والأفئدة، والتهاون بخروج المحارم، والسكوت عن كلمة الحق، وأمور كثيرة نسأل الله جل وعلا ألا يعذبنا بذنوبنا، وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

المؤمن يعيش بين الخوف والرجاء

المؤمن يعيش بين الخوف والرجاء الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: اعلموا أن المؤمن كما أن خوفه من الله عظيم فله رجاء بالله كبير، فالرجاء والخوف جناحان يطير بهما -عباد الله- إلى منازل الخلود والنعيم في الآخرة، والرجاء هو اطمئنان وراحة في انتظار ما يحبه العبد ويشتاق إليه مع قيام العبد بتحصيل أسبابه، والمعنى: أن المؤمن يرجو النعيم في قبره والأمن في محشره، والجنة داراً مقيماً له برحمة ربه، مع بذله أسباب الفوز والفلاح وفعل ما يرضي الله وتجنب ما يسخطه؛ لأن الرجاء مرتبط بالعمل، أما الرجاء الذي لا يصحبه عمل صالح ولا يقترن به عبادة مخلصة فهو تمنٍ مجرد، وما ظنكم معاشر المؤمنين برجل يقول: أرجو أن يوهب لي ولد صالح ولم يتزوج، أو يقول: أرجو أن تنبت هذه الأرض عنباً ورماناً وهو لم يحرثها ولم يبذرها ولم يبذل أي سبب في إصلاحها، فلا شك أنكم تقولون: هذا مجنون لا عقل له. إذاً: فما تقولون في رجالٍ لا يشهدون الصلاة مع الجماعة، غافلون عن ذكر بهم وعبادة خالقهم، في ملهاة الغناء والطرب والمعاصي واللهو، منشغلون بذلك عن كل خير ومعروف، مجترءون بذلك على حدود الله ومحرماته، ثم إذا كلمهم واحد منكم وقال لأحدهم: أي عمل قدمت بين يديك؟ فرد عليه قائلاً: إني أرجو الجنة وأرجو رحمة ربي، وهو مصر على المعصية مقيم على الفاحشة، فهل يسمى قوله هذا رجاءً؟ لا والله، بل هذا هو التمني رأس أموال المفاليس الذي يصدر من العاجزين، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، ورحم الله القائل: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تمشي على اليبس وعلى ذلك فالرجاء الصادق ينطبق على انتظار الجزاء والثواب بعد تمهيد أسبابه المرتبطة بفعل الطاعة وتجنب المعصية، وبعد ذلك ينتظر العبد التوفيق والهداية والقبول من الله سبحانه وتعالى، لقد ذم الله جل شأنه أقواماً هذا شأنهم، أقواماً يرجون بلا عمل فقال سبحانه وتعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف:169] وقال سبحانه: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} [الكهف:35 - 36]. وتأملوا قول الله جل شأنه في وصف عباده الراجين رحمته بصدق: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة:218] فجعل الرجاء بعد الإيمان وبعد الهجرة والجهاد. واعلموا -يا عباد الله- أن الرجاء محمود ومطلوب من العبد؛ بأنه باعث على العمل ومعين على تحسينه، بخلاف اليأس الذي هو مذموم وصارف عن العمل. عباد الله! ينبغي لكل مسلم أن يحسن العمل والرجاء والظن، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي -وفي رواية- فليظن بي ما شاء) وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله).

سعة رحمة الله ومغفرته للذنوب

سعة رحمة الله ومغفرته للذنوب اعلموا -يا عباد الله- أن العبد المذنب إذا تاب وأقلع عن الذنوب والمعاصي فإنه يكون بأمس الحاجة إلى رجاء رحمة ربه وعفوه وغفرانه، إذ أن بعض العصاة والمذنبين يردهم اليأس والقنوط عن التوبة والإنابة، ولا شك أن هذا من كيد الشيطان ووسوسته. حينما يأتي الشيطان إلى العبد فيقول له: أذنبت وعصيت وفعلت ما حرم الله عليه فأنى لك بالتوبة؟! وكيف تدرك التوبة وقد فعلت ما فعلت وجنيت ما جنيت؟! ولا يزال الشيطان بالعبد يجعله يائساً من رحمة الله، ويقنطه من مغفرة ربه حتى يصل به إلى اليأس والقنوط، بل إن بعضهم قد يصل به الأمر مع الشيطان أن يقول له: اكفر بالله ثم أسلم لأن الإسلام يجب ما قبله ويمحو ما قبله. ومن يضمن للعبد المسكين أن يعيش بعد كفره إلى أن يجدد إسلامه؟ وليس للعبد في هذه المرحلة وفي هذه المعركة الرهيبة مع الشيطان إلا أن يجدد رجاءه وعزمه بالله. وعلى ذلك فالواجب على كل مسلم مهما كبرت ذنوبه ومعاصيه أن يتوب إلى الله توبة صادقة نصوحاً، ثم يكثر من الحسنات الماحية للسيئات، ثم يعظم رجاءه بربه ويحسن ظنه بخالقه، وليتذكر قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] وقول الله أيضاً: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد:6] وقول الله جل وعلا: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة:102] وقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] وقول الله أيضاً: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70] وقول الله جل وعلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على سعة الله ومغفرته لعباده التائبين الأوابين المقلعين عن الذنوب، النادمين على ما سلف، الكارهين أن يعدوا إلى المعصية كما يكره المرء أن يقذف في النار. وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لن يدخل أحدٌ الجنة عملُه، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته). وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله علي وسلم قال: (يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم! قم فابعث بعث النار، فيقول: لبيك وسعديك والخير بين يديك، يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فحينئذ يشيب المولود، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم وقالوا: يا رسول الله! وأيَّنا ذلك الواحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد، فقال الناس: الله أكبر! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، فكبر الناس فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض). وقال ابن مسعود رضي الله عنه: [ليغفرن الله عز وجل يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر]. وفي السيرة في قصة سبي هوازن أن امرأة جاءت تسعى بين السعي فوجدت وليداً لها فأخذته فضمته إلى صدرها، ثم ألقمته ثديها والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر، والصحابة ينظرون فقال صلى الله عليه وسلم: (أتظنون أن هذه تلقي بولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال النبي صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعبده من هذه بولدها). وفي الحديث (إن الله جل وعلا خلق مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة في الأرض؛ فبها يتراحم الناس والوحش والسباع والطير والبهائم، وادخر تسعاً وتسعين رحمةً لعباده يوم القيامة) فأقبلوا على الله -يا عباد الله- وأبشروا بمغفرة الله إن صدقتم العدل والعهد والوعد مع الله، أقبلوا إلى الله وجددوا التوبة واستغفروا الله كثيراً، أنيبوا إلى ربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له، بادروا إلى الأوبة قبل أن تبلغ الروح الحلقوم.

التوبة التوبة ياشباب!

التوبة التوبة ياشباب! عودوا إلى الله يا شباب الإسلام! يا شباباً سلف منه ما سلف! يا شباباً مضى منه ما مضى! يا شباباً فعل في سفره ما فعل! يا شباباً اجترح في خلوته ما اجترح! أبشر بقول الله في آياته: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] فأنيبوا إلى الله، ربكم رحيم غني كريم، وهو غني عنكم يتودد إليكم يقول: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] إن رحمة الله لا يستعصي عليها ذنب، ولا تعجزها معصية، فأين العبد التائب؟ وأين العبد الأواب؟ أين العبد البكاء على خطيئته؟ أين العبد الأواه المنيب؟ عودوا إلى الله يا شباب الإسلام! إن طريق الإسلام كله سعادة ولذة وراحة وطمأنينة، إن الاستقامة إن الالتزام إن الارتباط بالصالحين إن حسن العلاقة بالطيبين الصالحين من أسهل الأمور وأهونها، ومن أعظم الأسباب الميسرة للحياة السعيدة خلافاً لحياة المعصية والفواحش والآثام والكبائر فكلها قلق ونكد وحسرة. إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل فيا شباب الإسلام، ويا أمة الإسلام! عودوا إلى الله الذي هو غني عنكم ويتودد إليكم، ويتقرب إليكم، يقول الله جل وعلا: (إذا تقرب إلي عبدي باعاً تقربت إليه ذراعاً، وإن أتاني العبد يمشي أتيته هرولة، وإن لقيني لا يشرك بي شيئاً بقراب الأرض خطايا لقيته بقرابها مغفرة) ذلك فيما سلف والله يعفو عنه، ذلك فيما مضى والله يتجاوز عنه، فعاهدوا الله من هذا المكان، في هذه الساعة، في هذه اللحظة، عاهدوا الله جل وعلا على ترك الذنوب وترك الإصرار على المعصية فإن الله غفور رحيم. وهنيئاً لعبد تاب إلى الله، في الحديث أن الله جل وعلا يدني عبداً من عباده يوم القيامة، والخلائق في الحشر واقفون، والناس ينظرون فيدنيه الله جل وعلا، ثم يكشف له سجله يقول الله: عبدي أتذكر ذنب كذا في يوم كذا في مكان كذا؟ فيقول: إي يا ربي والله أذكر. فيقول: إي عبدي أتذكر كذا في يوم كذا في مكان كذا؟ فيقول: إي يا ربي والله أذكر. فيقول: أي عبدي أتذكر ذنب كذا في مكان كذا في يوم كذا؟ فيقول: أي والله أذكر. فيقول الله جل وعلا لعبد -تغمده الله برحمته وأدركته التوبة-: يا عبدي! إن غفرتها لك وجعلتها حسنات. فيقول العبد: يا رب! إن لي ذنوباً ما رأيتها، أين هي؟ طمع العبد أن يراها حتى تجعل مع حسناته، وحتى تقلب من سيئات إلى حسنات، عند ذلك ضحك النبي صلى الله عليه وسلم، أو كما جاء في الحديث. فيا عباد الله: توبوا إلى الله، إن الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) الجنة قريبة إليكم يا عباد الله، الجنة سهلة ميسرة. يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ ـخطاب عنك وهم ذوو إيمان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان فكونوا من خطاب ما عند الله، كونوا من أهل الشراء للجنة، كونوا ممن ينالون سلعة الله (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) وثمنها التوبة والإنابة والإقلاع والاستغفار وكثرة المداومة على الصالحات، والبعد عن السيئات بعد فعل الواجبات وترك المحرمات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} [الكهف:58]. أسأل الله العلي العظيم أن يمنَّ عليَّ وعليكم بالتوبة الصادقة النصوح. اللهم اهد شبابنا وردهم إلى الحق رداً جميلاً، اللهم أصلح أفئدتهم واهد قلوبهم، واحفظ جوارحهم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم احفظ إمام المسلمين، وارفع اللهم إمام المسلمين، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين! اللهم لا تفرح علينا ولا عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم اقمع أعداء دينك أعداء الدين، اللهم ثبتنا على ما يرضيك إلى أن نلقاك، اللهم جنبنا أسباب سخطك، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

الدجال

الدجال يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا وأنذر أمته الدجال) ومن تأمل هذا الحديث علم عظم الخطر الذي جعل أنبياء الله ورسله يحذرون أممهم هذا الخطر الداهم رغم بعده عنهم، فمن باب أولى أن نحذره نحن؛ لما نراه من ازدياد الفتن في هذا الزمن مما ينذر بخروجه، ومن يدري؟! فالله على كل شيء قدير. وقد ذكر الشيخ هنا شيئاً من صفاته وصفة خروجه وفتنته للناس وكيفية العصمة منه.

سبب الحديث عن فتنة الدجال

سبب الحديث عن فتنة الدجال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، وهو الذي أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وتفضل علينا بسائر النعم، ودفع عنا الكثير من النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، ولم يعلم طريق خيرٍ إلا دل أمته عليه، ولم يعلم سبيل شرٍ إلا حذرها منه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى عملاً بقوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. عباد الله: اعلموا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر عن أماراتٍ وعلاماتٍ تظهر في أمته في آخر الزمان، وبيَّن أنها بابٌ من أبواب الفتن التي حذَّر منها، ونهى عن الوقوع والولوغ فيها، وأخبرنا بها لنأخذ الحيطة والحذر، ولكن أكثر الناس عن التذكرة معرضون، وفي جهلهم وغفلاتهم يعمهون. عباد الله: إن مما يدل على جهل الكثيرٍ من الناس وغفلتهم في هذا الزمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الكثير من الفتن، ومع ذلك ترى الكثير من العباد واقعين فيها، وإن من الفتن التي جاءت فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فتنة المسيح الدجال، نسأل الله أن يقبض أرواحنا إليه على الشهادة والسعادة قبل تلك الفتنة، أو أن يثبتنا على دينه إن مرت بنا. وفتنة المسيح الدجال يا عباد الله! من أعظم الفتن التي سيمتحن بها المسلمون والمؤمنون، وقبل أن نخوض في الحديث عنها أحب أن أقف وقفة لسائلٍ أو قائلٍ أو متعجبٍ بقوله: ما الداعي لهذا الكلام حول الدجال وأمره من الفتن التي لم تقع بعد؟ والجواب على هذا يا عباد الله! واضحٌ فيما يدركه كل واحدٍ منكم في انتشار الفتن التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّر منها، ومع ذلك فالكثير منا فيها واقعٌ إلا من رحم ربك وقليلٌ ما هم، لقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة الدنيا وزهرتها، والتهافت عليها، وبيَّن فناءها وزوالها، ومع ذلك تكالب الكثير عليها يجرون لاهثين، وحذَّر صلى الله عليه وسلم من فشو آلات اللهو والطرب والغناء، ومع ذلك لا تجد إلا القليل النادر ممن يسلم منها، وحذَّر من تفشي الجهل وانقراض العلم، ومع ذلك نرى الإغراق في الضلالات والبدع والجهالات، ونرى البعد عن العلم والعلماء ومجالستهم، نرى النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من الربا وبيَّن أنه ممحقٌ للبركة، ولعنةٌ على آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، ومع ذلك ترى الكثير من الناس وقعوا فيه صراحةً أو حيلة يحتالون عليه، فالحاصل أن وقوع الفتن وتفشيها بين الناس من دون علمٍ بها أو استعدادٍ للبعد عنها مظنةٌ للوقوع فيها، والاصطلاء بنارها، فيكونون كما قال القائل: آتاني هواه قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا فإذا كان صلى الله عليه وسلم بيَّن هذه الفتن، وحذَّر منها، ومع ذلك اغتر الناس ببريقها وزخرفها وركضوا وراءها، فلا غرابة أن يتبع غوغاء الناس وجهالتهم المسيح الدجال بفتنته، ولا غرابة أن يصدقوه لما يرون معه من الفتن والمعجزات التي امتحن الله عباده المؤمنين بها.

ذكر الأحاديث الواردة في الدجال

ذكر الأحاديث الواردة في الدجال اسمعوا إلى هذا الحديث وأنصتوا له.

نزول الدجال إلى الأرض وفتنته فيها

نزول الدجال إلى الأرض وفتنته فيها روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من خلق آدم إلى قيام الساعة أمراً أكبر من الدجال) وفي زمنه صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة سنة كان يخبر أصحابه عن الدجال ويحذرهم منه، جاء في الحديث (أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال ذات غداة فرفع فيه وخفض حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما عرف صلى الله عليه وسلم ذلك فينا، فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله! ذكرت الدجال غداةً فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه دونكم) -اللهم صلٍّ على نبينا محمد، اللهم صلِّ على إمامنا وحبيبنا وقدوتنا محمد، اللهم ابعثه المقام المحمود والوسيلة والدرجة العالية الرفيعة لمحبته لأمته صلى الله عليه وسلم- (قال: إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شابٌ قطط عينه طافئة كأني أشبهه بـ عبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإنه خارجٌ خُلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله! اثبتوا، قلنا: يا رسول الله! فما لبثه في الأرض؟ قال: أربعين يوماً، يومٌ كسنةٍ ويومٌ كشهرٍ ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله!) وانظروا حرص الصحابة على الصلاة حتى في زمان الفتن إن مرت بهم (أرأيت ذلك اليوم الذي كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم واحد؟ قال: لا. اقدروا له قدره، قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ -ما إسراع الدجال في الأرض؟ - قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم ويؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم -أي: أغنامهم- أطول ما كانت براً وأشبعه ضروعاً وأمده خواصر، ثم يأتي الدجال القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيءٌ من أموالهم، ويمر بالخِربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه ويضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه تقطر منه وإذا رفعه تحدر منه جمان اللؤلؤ، فلا يحل لكافرٍ يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله من الدجال فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة) هذا حديثٌ صحيحٌ رواه مسلم.

حديث الجساسة

حديث الجساسة وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في سياق إخباره عن وجود المسيح الدجال في حديث الجساسة الطويل الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه رحمه الله، وفي الحديث: (أن قوماً ركبوا البحر فلعب بهم الموج شهراً إلى أن رماهم إلى جزيرةٍ وسط البحر فدخلوها، فإذا بدابةٍ ذكر من خبرها ما ذكر، قالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدِّير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً، وفي بعض الروايات: أنهم دخلوا عليه فوجدوه مكبلاً بالحديد من رأسه إلى قدميه، ومما دار بينهم وبينه قوله: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب) انظروا إلى هذا السؤال من قديم وإلى يومنا هذا وإنه لموشك الحدث والوقوع (قال: أقاتلته العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه ظهر عليهم وعلى من يليهم من العرب، وأطاعوه، فقال: قد كان لهم ذلك، قلنا: نعم. قال: إن ذلك خيرٌ لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم أنا المسيح الدجال، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قريةً إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة -أي: المدينة - فهما محرمتان عليَّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدةً منهما، استقبلني ملكٌ بيده السيف مصلتاً يصدني عنها) وهذا صحيحٌ أيضاً رواه مسلم.

بعض شبهات الدجال

بعض شبهات الدجال وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي الدجال وهو محرمٌ عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباغ فيخرج إليه رجلٌ هو خير الناس فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدَّثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأمر الدجال به فيشبح، أي يربط في يديه ورجليه على خشبة، فيقول الدجال: خذوه واشبحوه فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب، فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرق رأسه إلى قدمه، ثم يمشي الدجال بين قطعتيه، فيقول له: قم، فيستوي قائماً، ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، ثم يقول: أيها الناس! إنه لا يفعل بعده بأحدٍ من الناس ليذبحه، فيُجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاس فلا يستطيع إليه سبيلاً، فيأخذه بيديه ورجليه، فيقذف به يحسب الناس إنما قذفه في النار، وإنما ألقي في الجنة) هذا أعظم الشهداء عند رب العالمين. وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدجال أعور العين اليسرى جفال الشعر، معه جنةٌ ونار، فناره جنةٌ وجنته نار) رواه البخاري ومسلم. وروى أبو داود رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (من سمع الدجال فلينأ عنه -فليبتعد عنه- فوالله إن الرجل ليأتيه ويحسب أنه مؤمنٌ فيتبعه بما بعث به من الشبهات). وقال صلى الله عليه وسلم: (تعلمون أنه ليس يرى أحدٌ منكم ربه حتى يموت، وإنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه من كره عمله) أي: من كره عمل الدجال، رواه البخاري ومسلم. ومن الجميل -يا عباد الله- أن تعلموا أن أول زمرةٍ كبيرة عظيمة تتبع الدجال إنما هم اليهود عليهم من الله ما يستحقون، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد: (لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره، وحتى تترك الأئمة ذكره على منابر). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ يمتعكم متاعاً حسناً، ويرسل السماء عليكم مدراراً.

كيفية العصمة من الدجال

كيفية العصمة من الدجال الحمد لله الواحد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، بشريعة الإسلام، واستمسكوا وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. عباد الله: لقد بين نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم بطلان دعوى الدجال، وصفاته وما معه من الفتن لتحذر الأمة مكره وفتنته، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنه لا يستطيع الدخول إلى مكة والمدينة، بل تحول الملائكة دونه في دخولها ويمنعونه. وعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ما يعصمهم من فتنة الدجال، ومن ذلك الاستعاذة من فتنته، فقد ثبت في الأحاديث الصحاح من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من فتنة الدجال في الصلاة، وأنه أمر أمته بذلك أيضاً، فكل واحدٍ يقول في صلاته: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال. وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: الاستعاذة من الدجال متواترةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما يعصم من الدجال بإذن الله حفظ آيات من سورة الكهف، روى أبو داود بسنده إلى أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال) ومن ذلك الابتعاد منه، كما جاء في الحديث السابق، حديث عمران بن حصين: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن المؤمن ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه لما يبعث به من الشبهات). ومما يعصم به من فتنة الدجال سكنى مكة والمدينة فقد شرفهما الله تعالى وأدام حفظهما وصونهما كرامةً وطهراً ومثابةً وأمناً للمسلمين، ورفعةً وسيادةً لولاة أمورنا يا أرحم الراحمين! فهل علمنا معاشر المسلمين كل ما يعصم من الدجال؟ وهل علَّمنا أبناءنا وبناتنا ليعتصموا بذلك من فتنته لو خرج في زمنهم أو زمننا، وأن الأحاديث الواردة في شأنه كثيرةٌ وواضحةٌ في صفاته وسيرته، وقد بسطها الحافظ ابن كثير في كتابه النهاية، أو المسمى بـ الفتن والملاحم. ولكن الذي يؤسف له معاشر الأحبة! أن نشهد من أنفسنا وآبائنا وأبنائنا غفلةً عميقة عن الدجال وفتنته وما قبله وما بعده من الفتن، وكأن الواحد منا قد أعطي الأمان بأن الموت لا يأتي في عمر الشباب، أو أن الدجال لا يظهر في زمنه، أو غير ذلك من الفتن، فمنذ ثلاثة أعوام أو أكثر إلى زمننا هذا مرت في بلاد المسلمين فتنٌ عظيمة عمت البلوى بها في بلدنا وفي غيرها من البلدان ولا داعي لذكرها، فالكل يعرف، ومع ذلك ما ازداد بعض العالمين إلا بُعداً وجهلاً وضلالاً، نسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية والتثبيت. ولو نظر الواحد منا لوجد الكثير تلهج ألسنتهم في الدعاء في كل صلاة، نعوذ بك من عذاب جهنم ومن فتنة القبر ومن فتنة الممات ومن فتنة المسيح الدجال، ولكن كثيراً من الناس أصبح تعوذهم تعوذ عادةٍ لا عبادة، تعودنا أن نتعوذ من فتنته، ولكن لا يخطر ببال الواحد منا تلك الفتن والشبهات والمعجزات التي تظهر بظهوره، وإذا كان بعض المسلمين قد افتتن بزخارف الدنيا وبهرج الحضارة، وانغمس في مهاوى المادة، وكل ذلك أقل وأكثر قلةً من فتنة المسيح الدجال، فكيف الحال إذا خرج ومعه صورة الجنة والنار، ومعه معجزات القطر والجدب، ومعه كنوز الذهب والفضة، فإذا خرجت كنوز الأرض وذهبها وفضتها أترون ذلك الغافل الذي يجري لاهثاً وراء المادة، أترون ذلك الذي يجري وراء الشهوة والثروة والمنصب، أترونه يعصم نفسه من تلك الفتن المظلة؟ والمتأمل في بعض حال المسلمين يجدهم يجرون وراء المشعوذين والمتطببين، اغتراراً بما لديهم، فكيف لو خرج الدجال على هؤلاء؟! اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القبر، ومن عذاب جهنم، وفتنة المسيح الدجال. معاشر المسلمين: إن هذا لأمرٌ عظيمٌ وخطيرٌ جداً، وإن كثيراً من الناس لفي غفلة عنه، بل والله ولا أبالغ إن قلت: إن بعض الناس لأول مرةٍ يسمع بتفاصيل أمره، وما ذاك إلا بعد وجهل عن العلم ومجالسة أهله، فينبغي لكل مسلمٍ أن يلم بأمور دينه، وأن يتحقق في أمر عقيدته، وما هو عليه من الدين، وأن يحصن نفسه وإسلامه بكل ما يفضي إليه من سبيل؛ لأن الفتن إذا خرجت عمت وعم بلاؤها البعيد والقريب، فنسأل الله جل وعلا أن يعصمنا من ذلك. اللهم توفنا إليك من غير فتنة ولا خزايا ولا مفتونين، اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً، اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم بطانةً صالحة، اللهم جنبهم بطانة السوء، اللهم ما علمت في مسلمٍ خيراً لهم فقربه منهم، وما علمت في نفسٍ منفوسةٍ شراً لهم فأبعدها منهم، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم قنا واكفنا شر الفتن والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد ولاة أمورنا بفتنة وأراد علماءنا بمكيدة، وأراد شبابنا ونساءنا بضلالٍ وتبرجٍ وسفور اللهم فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه وأدر عليه دائر السوء برحمتك وقدرتك يا جبار السماوات والأرض! اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى الجنة مصيرنا ومآلنا، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، برحمتك يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: صاحب نبيك على التحقيق أمير المؤمنين أبي بكرٍ الصديق، وارض اللهم عن الإمام الأواب شهيد المحراب عمر بن الخطاب، وارض اللهم عن مجهز جيش العسرة بأنفس الأثمان عثمان بن عفان، وعن فتى الفتيان ليث بني غالب علي بن أبي طالب، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه التي لا تستطيعون حصرها، وعلى نعمه التي لا تقدرون شكرها يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

ابن باز فقيد الإسلام

ابن باز فقيد الإسلام تكلم الشيخ في هذه المادة عن فضل العلم والعلماء، ثم عرج بذكر وفاة أحد علماء هذه الأمة ألا وهو الشيخ ابن باز، ثم ذكر لمحات من حياته رحمه الله، وختمها بعزاء ومواساة.

بيان فضل العلم والعلماء

بيان فضل العلم والعلماء الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. معاشر المؤمنين: إن أعظم شيء حصلته النفوس واكتسبته القلوب هو العلم الشرعي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ العلم حياة القلوب، وبه تنشرح النفوس، وهو نورٌ وهدى، وحاجة العباد إليه أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب، بل ضرورتهم إلى العلم تفوق كل ضرورة، والعلم -يا عباد الله- تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معلم الحلال والحرام، ومنار سُبل أهل الجنة، هو الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل في السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والجليس عند الأخلاء، يرفع الله به أقواماً، فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتفى آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم. أهل العلم ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، والعلماء يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظُلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار، والدرجات العلا في الدنيا والآخرة، التذكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به تُوصل الأرحام، وبه يُعرف الحلال من الحرام، وهو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء. يقول عز وجل في بيان فضله ورفعة قدر أهله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] قال القرطبي: أي في الثواب في الآخرة، وفي الكرامة في الدنيا، فيُرفع المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالم على من ليس بعالم. ويقول تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] وتدبروا يا عباد الله! فإنه لو كان أحدٌ أشرف من العلماء، لقرنه الله باسمه واسم ملائكته ورضي شهادتهم كما قرن اسم العلماء. يقول العلامة عبد الرحمن بن سعدي عليه رحمة الله: وفي هذه الآية فضيلة العلم والعلماء؛ لأن الله خصهم بالذكر دون البشر، وقرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وجعل شهادتهم من أكبر الأدلة والبراهين على توحيده ودينه وجزائه، وأنه يجب على المكلفين قبول هذه الشهادة العادلة الصادقة، وفي ضِمن ذلك تعديلهم -أي: أنهم عدول- وأن الحق تبعٌ لهم، وأنهم هم الأئمة المتبوعون، وفي هذا من الفضل والشرف وعلو المكانة ما لا يعلم قدره. وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] فنفى التسوية بين أهل العلم والعوام، وفي التسوية بين أهل العلم والعوام ظلم وأي ظلم، وفي هذا دلالة على أن للعلماء من الاعتبار بالشرع والمنزلة بين الخلق ما ليس لغيرهم من البشر، وجاءت السنة أن العلماء ورثة الأنبياء، وهم المفضلون بعد الأنبياء على سائر البشر، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكنهم ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) رواه الإمام أحمد والترمذي. ولهذا استحق العلماء دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهم بقوله: (نضَّر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها، ووعاها وأداها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) رواه أبو داود والترمذي، وقد أراد الله بأهل العلم والعلماء خيراً، ففقههم في الدين، وعلمهم الكتاب والحكمة، وصاروا سُرجاً للعباد، ومناراً للبلاد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) متفق عليه. وحاجة البشر إلى العلماء عظيمة. يقول الإمام أحمد، إمام أهل السنة رحمه الله: الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه في اليوم مرةً أو مرتين، والعلم يحتاج إليه في كل وقت. ويقول الإمام الآجري: فما ظنكم رحمكم الله بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فإن لم يكن فيه ضياء وإلا تحيروا، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس لابد لهم من السلوك فيه، فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ انطفأت المصابيح، فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟ هكذا العلماء في الناس؛ لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض، ولا كيف اجتناب المحارم، ولا كيف يُعبد الله في جميع ما يعبده به خلقه إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العلماء تحير الناس، واندرس العلم بموتهم، وطم الجهل. ولولا العلم لفسد عمل الناس، يقول الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله: [من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح]. إن مثل العالم كمثل الماء والغيث، انتفاع الناس بهم غير محدود بحد، يقول ميمون بن مهران: إن مثل العالم في البلد كمثل عين عذبة، يستقي الناس منها ويشربون. وقال بعض الحكماء: مثل العلماء مثل الماء حيثما نزلوا نفعوا، وإن نجاة الناس منوطة بوجود العلماء، فإن يقبض العلماء يهلكوا. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) وليس يغني عن وجود العلماء وجود الكتب، حتى ولو كانت كتباً سماويةً، إذ لو أغنت تلك الكتب عن قوم لأغنت عن بني إسرائيل من اليهود والنصارى الذين انحرفوا، فكانوا ضربين في انحرافهم: فمنهم من عبد الله على جهل فكان من الضالين، ومنهم من أعرض عن أوامر الله عن علم فكان من المغضوب عليهم، كل أولئك اليهود والنصارى كانوا أهل كتاب؛ للنصارى الإنجيل، ولليهود التوراة، ولم يغن وجود هذه الكتب عنهم شيئاً عندما لم يكن هناك حَمَلَةٌ لها صادقون في حملها، بعد أن بقوا خُلوفاً غيروا وحرفوا وبدلوا، وكذلك هذه الأمة لن يغني عنها وجود القرآن إذا لم يكن ثمة علماء يحملونه ويبينونه، ويعلمونه ويهدون الناس إليه، إذ لو كان القرآن وحده يكفي من دون علماء ودعاة يبينون، لكفى في هداية البشرية أن تُرسل المصاحف وتراجمها إلى أصقاع الأرض، فيهتدي العباد أجمعين، لكن لابد مع القرآن من علماء وأئمة يهدون ويبينون ويعلمون. عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خذوا العلم قبل أن يذهب، قالوا: وكيف يذهب العلم يا رسول الله وفينا كتاب الله؟ قال: فغضب صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ثكلتكم أمهاتكم! أولم تكن التوراة والإنجيل في بني إسرائيل فلم يغنيا عنهم شيئاً، إن ذهاب العلم أن يذهب حملته). فذهاب العلم إذاً إنما هو بذهاب العلماء، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [أتدرون ما ذهاب العلم؟ قلنا: لا، قال: ذهاب العلماء] وذهاب العلماء معناه هلاك الناس، فعن أبي جناب رحمه الله قال: سألت سعيد بن جبير رحمه الله، قلت: يا أبا عبد الله! ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا هلك علماؤهم. وليس للناس عوضٌ ألبتة عن العلماء إلا أن يكون لهم عوضٌ عن الشمس والعافية، قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي، فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ فقال الإمام أحمد: يا بني! كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف؟ أو منهما من عوض؟!

وفاة الشيخ ابن باز

وفاة الشيخ ابن باز لقد علمتم -يا عباد الله- أنه في فجر يوم الخميس الماضي في السابع والعشرين من محرم سنة (1420هـ) قضى الله قضاءه بالحق، فألحق بالرفيق الأعلى الشيخ الإمام، حسنة الأيام، شيخ الإسلام، العلامة، الحبر البحر الفهامة، مفيد الطالبين، المحفوف بعناية رب العالمين، ناصر السنة، وقامع البدعة، العالم السلفي النقي، الورع الزاهد الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله. جاءه الأجل فشق إليه الطريق، وأماط عنه حياطة الشفيق، ولظى عنه طب كل طبيب، فقبض ملك الموت وديعته بالأرض، ثم استودع مسامعنا من ذكره اسماً باقياً، ومحا عن الأبصار من شخصه رسماً فانياً، فالحمد لله بارئ النسمات بما شاء، ومصرفها بما شاء، وقابضها حيث شاء، اللهم هذا عبدك وابن عبدك نشأ في المأمور به من طاعتك، ومات على الحق في عبادتك، وعاش ما بينهما مجاهداً في سبيل دينك، ناطقاً بالحق في مرضاتك، ذاباً بقلمه ولسانه عن كتابك وسنة رسولك. لقد مات القاضي والمفتي، والداعية والمصلح، والرئيس والإمام والمعلم، والمكرم للضيف، والحنون على الأرامل والأيتام، ومطعم المساكين، والواسطة في الأمور الخيرية. مات الذي بذكره بعد ذكر الله ونبيه صلى الله عليه وسلم تتعطر الأفواه، وبمجالسته تطيب القلوب، وبالأخذ منه تستنير العقول، يقول طلابه: إذا قست قلوبنا جلسنا بين يديه فانجلت تلك القسوة، وزالت تلك الغشاوة، وأحسسنا بروح وإيمان، وقوة في الطاعة والعبادة. مات الذي أحبه الصغير قبل الكبير.

لمحات من حياة الشيخ ابن باز

لمحات من حياة الشيخ ابن باز لقد وهب الله سبحانه وتعالى الشيخ ابن باز القبول في الأرض، يحبه ويجله القاصي والداني، والصغير والكبير، والمرأة والرجل، والعزيز والوضيع، وغيره. أهكذا البدر تخفي نوره الحفرُ ويذهب العلم لا عينٌ ولا أثرُ خبت مصابيحُ كنا نستضيء بها وطوَّحَت للمغيب الأنجم الزهرُ

اهتمام الشيخ ابن باز بقضايا المسلمين

اهتمام الشيخ ابن باز بقضايا المسلمين عرف رحمه الله بأنه كان معطاءً يستقبل الوفود، ويقضي حوائجهم ما استطاع، ويراجع مسائلهم. ذُكر له في بعض المجالس حالة من واقع المجاهدين الأفغان آنذاك، وما يصيبهم من برد وجوع، فأخذت عينه تدمع حتى قام من مجلسه وهو يبكي، وقد عُرض للشيخ رحمه الله مرةً في مجلسه أن المسلمين في جنوب الفليبين قد أصابتهم مجزرة على يد السفاح النصراني ماركس صُرع فيها عددٌ من المسلمين على يد الطغاة هناك، فبكى الشيخ بكاءً اهتز من كثرته باكياً كل من حضر مجلسه.

شجاعة الشيخ ابن باز وصدعه بالحق

شجاعة الشيخ ابن باز وصدعه بالحق إمام يقول الحق ويصدع به، تجلت شجاعته في كثير من المواقف، فبينما هو الرجل السمح السهل القريب الحليم المحب للفقراء سرعان ما ينقلب أسداً لا يرده عن إقامة أمر الله شيء.

كرم الشيخ ابن باز

كرم الشيخ ابن باز أما كرمه فحدث ولا حرج عن ذلك رحمه الله، بل هو طائي زمانه، لا يمسك قليلاً ولا كثيراً، وربما مرت عليه الأشهر تلو الأشهر يستدين الديون على راتبه لإكرام ضيوفه وقاصديه، وليس يكرم كما يفعل بعض الناس لا يعرف بالإكرام إلا علية القوم، بل كان يكرم الفقراء قبل الأغنياء، والوضعاء قبل الرفعاء، فكرمه عامٌ لكل قاصديه، أما ما نزعمه وندعيه من كرم بعضنا حيث لا يحل موائدنا إلا ذوو المناصب والمراكب والأغنياء والوجهاء، فليس هذا وأيم الله من الكرم، إن الكرم أن تكرم من تعرف ومن لا تعرف، وأن تكرم من ترجو ومن لا ترجو، وأن تكرم الرفيع والوضيع، والغني والفقير. وفد إليه أحد المجاهدين مرةً من المرات يريد إعانته على حاجة من الحاجات، فما وجد الشيخ رحمه الله إلا غرضاً مهماً من أغراضه فباعه، وأعطاه قيمته في سبيل الله عز وجل، وكرم الشيخ كرمٌ أصيلٌ لا تكلف فيه ولا تصنع، مائدته لا تخلو من الضيف أبداً، يلتقي عليها الصغير والكبير، والغريب والقريب، حتى لكأنه هو القائل: إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي له أكيلاً فإني لست آكله وحدي أخا سفرٍ أو جار بيتٍ فإنني أخاف ملمات الحوادث من بعدي

علم الشيخ ابن باز ودعوته

علم الشيخ ابن باز ودعوته أمَّا عِلم سماحته رحمه الله، فقد طار كل مطار في جميع الأمصار دعوته إلى التوحيد، والأخذ بالدليل والبرهان، والتمسك بالحجة، ونبذ التقليد، قد شهد له بذلك كبار علماء عصره حتى قال الإمام العلامة الألباني -متع الله بحياته على طاعته-: قد ملأ بعلمه الدنيا شرقاً وغرباً. وبالجملة فإن الشيخ رحمه الله فريد زمانه، ووحيد عصره وأوانه، إمام في كل شيء؛ في العلم والعمل، والدعوة والصبر، والكرم والأخلاق والتواضع. لقد كان أُمَّةً في رجل، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، كان لسانه رحمه الله رقيقاً رحيماً رءوفاً بزائريه، دخل عليه ذات يومٍ شابٌ قد امتلأت ملابسه من رائحة الدخان، فتأفف أحد الجالسين من رائحة هذا الشاب، فلما دنا من الشيخ وسلم عليه، همس الشيخ في أذنه بكلمات، وأبدى له شيئاً من النصيحة في رفق ولطف، فشتان بين متأفف وبين ناصح بر رءوف. كان كلامه دائماً وصية الأمة بالتقوى، والتمسك بالكتاب والسنة، واتباع الدليل والحجة، والنهي عن التقليد، والحرص على الأخلاق الفاضلة، والتأدب بآداب السلف، والحرص على طلب العلم. نعم أيها الأحبة! ولكم أن تعلموا بمكانة هذا العالم أنه يكفل قرابة ألف داعيةٍ في أنحاء الدنيا؛ منهم الفقير، ومنهم خريج الجامعة الإسلامية، ومنهم طالب العلم، كلهم يمدهم ويعطيهم من ماله، ومما يأتيه من صدقات المحسنين ومعوناتهم حتى بلغت نفقاته على هؤلاء الطلبة والدعاة الفقراء وأسرهم قرابة المليون ريال شهرياً، وهذا كلامٌ محققٌ معلومٌ ومعروفٌ.

هم الشيخ ابن باز

هَمُّ الشيخ ابن باز أما همه رحمه الله فقد كان يحمل هماً واحداً هو دين الله ونصرته، وإعلاء كلمته في أنحاء المعمورة شرقاً وغرباً، لذا -أيها الأحبة- عاش زمانه وعمره كله لم يأخذ إجازةً ولو يوماً واحداً، ولا يكاد ينام في يومه وليلته إلا قرابة أربع أو خمس ساعات، أما الباقي من هذه الساعات، ففي ذكر وعبادة، ونشر علم وإفتاء، وقضاء حوائج المسلمين، رحمه الله رحمة واسعة، وجعله مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وجمعنا به في ظل عرشه حيث أحببناه في الله يوم لا ظل إلا ظله. هذي المكارم لا تزويق أبنيةٍ ولا الشبوبُ التي تكسى بها الجدرُ والعلم إن كان أقوالاً بلا عملٍ فليت صاحبه بالجهل منغمرُ لكنه العلم يسمو من يسود به على الجهول ولو من جده مضر زاره رجلٌ من موريتانيا، قال: فأضافني أياماً، وعجبت من دأب الشيخ وجلده على حوائج الناس، والكتابة لهم، وضيافتهم، والجلوس في حلق العلم، وتعليم الطلاب، ومذاكرة المسائل، قال: فسألته مرةً، وقلت: سألتك بالله يا شيخ وأنت قُرب التسعين: كيف تصبر على ما لا يطيقه أبناء الثلاثين والأربعين؟! قال: فأعرض عني، ثم سألته ثانيةً وثالثةً حتى شددت عليه بالسؤال قائلاً: سألتك بالله يا شيخ! كيف تطيق هذا كله؟، فقال: يا ولدي! إذا كانت الروح تعمل فالجوارح لا تَكَلُّ. إذا ما مات ذو علمٍ وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه وموت فتىً كثير الجود محلٌ فإن بقاءه خصبٌ ونعمه وموت الفارس الضرغامِ هدمٌ فكم شهدت له بالنصر عزمه وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمه فحسبك خمسةٌ يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيفٌ ورحمه وباقي الخلق خلق رعاع وفي إيجادهم لله حكمه بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

عزاء ومواساة

عزاء ومواساة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا عليها بالنواجذ وعلى العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها المسلمون: أنتم شهود الله في أرضه، وقد شهد القاصي والداني لسماحة الشيخ ابن باز بالقبول والمحبة، والدعاء والإجلال والثناء، وإنا لنعلم بإذن الله ورحمته ومنّه أن ما عند الله لسماحته خيرٌ مما عندنا، ولكن القلوب تحزن على الفراق، والأعين تدمع على ذلك، ولا نقول إلا ما يُرضي الله عز وجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلف لنا خيراً منها، يقول صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل عليه السلام، وقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وأن عزه استغناؤه عن الناس). أمة الإسلام: إنا على ثقة أن في كبار علماء هذه البلاد وغيرها من يخلفون هذا الإمام الجليل بإذن الله عز وجل، ولعل الله أن يبعث من طلبته والمنتفعين بعلمه من يكون علماً يُذكِّر بسماحته رحمه الله في العلم والدعوة، والنفع والكرم. لقد مات سماحة الإمام: محمد بن إبراهيم رحمه الله رحمةً واسعةً، فكأنما الشمس سقطت، وكأنما النجوم أفلت، وكأنما الدنيا أظلمت يوم مات، فخلف الله للأمة بسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ونسأل الله الذي أخلف بهذا عن ذاك أن يخلف على أمتنا وعلى بلادنا خيراً منهم يا رب العالمين، وأن يجمعنا بهم في المهديين، وأن يجعلهم مع النبيين والشهداء والصديقين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بهذه البلاد فتنةً، وبولاة أمرها مكيدةً، وبالمسلمين شراً وبلاءً، اللهم اجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم عجل فضيحته، واهتك سريرته، اللهم انصر المجاهدين المسلمين في كوسوفا، اللهم انصر المسلمين في كوسوفا، اللهم انصر المسلمين في كوسوفا، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم أهلك الصرب أجمعين، وأهلك الظالمين بالظالمين، وسلط عذابك عليهم أجمعين، وادفع شرهم وبلاءهم عن المسلمين يا رب العالمين. اللهم استعملنا في طاعتك، وتوفنا على مرضاتك، وحبب إلينا كل سبيلٍ يُقرب إلى جنتك، واغفر اللهم لنا ولوالدينا، وأحبابنا والمسلمين، يا رب العالمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وَمَنِّكَ وكرمك يا أكرم الأكرمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم في كل أحوالكم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الدين

الدَّين جعل الله الدَّين بين المسلمن؛ ليعين بعضهم بعضاً في هذه الحياة، وقد جاءت الشريعة بالأحكام والضوابط الشرعية الدقيقة لضمان إرجاع الحقوق ووصولها إلى أصحابها، إذ بدون هذه الأحكام والضوابط والعقوبات يتساهل كثير ممن لا يتقون الله في أموال إخوانهم المسلمين ويماطلون في أدائها والوفاء بها، فاقرأ تستفد.

عقوبة من مات وعليه دين

عقوبة من مات وعليه دين إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، لم يعلم سبيل خيرٍ إلا دل أمته عليه، ولم يعلم سبيل شرٍ إلا حذَّر الأمة منه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي سبب النجاة في الدنيا والآخرة {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:61]. عباد الله: اعلموا أن التساهل بالحقوق وعدم الأمانة في أدائها، والمماطلة في الوفاء بها من الأمور التي شاعت وعمت كثيراً بين المسلمين الذين يعلمون وقد لا يعلمون أن هذا من الأمور التي توعد الله ورسوله من انغمس في الوقوع بها وعيداً شديداً، وكلكم يعلم -يا عباد الله! - أن دين الإسلام وشريعته الفاضلة الكاملة جاءت بالأحكام والضوابط الشرعية الدقيقة لضمان الحقوق ووصولها إلى أصحابها، وجعلت لولي الأمر حق التعزير بالجلد والحبس والعقوبة المناسبة لمن تعود أخذ أموال الناس، ولم يف بحقوقهم فيما يقابلها، بل إن شريعة الإسلام جاءت بقطع يد السارق في أقل القليل صيانةً لملكيات الأفراد وأموالهم، وحفاظاً على إشاعة الأمن والطمأنينة في أرجاء مجتمعات المسلمين، إذ بدون هذه الأحكام والضوابط والعقوبات يتساهل كثيرٌ ممن لا يرعون حق الله في أموال إخوانهم المسلمين، ومن ثم تشيع الانتقامات والثارات الشخصية وغيرها لاسترجاع أصحاب الحقوق حقوقهم من المطلة والغاصبين. واعلموا يا عباد الله! أن التساهل بحقوق العباد خاصةً الديون من الأمور التي وردت بشأنها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين خطورة هذا الأمر وعظم جرم مرتكبه، فمن ذلك ما رواه البخاري وغيره بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) وروى الطبراني بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (من أستدان دَيناً وهو لا ينوي أن يؤديه فمات قال الله عز وجل له يوم القيامة: ظننت أني لا آخذ لعبدي بحقه، فيؤخذ من حسناته فيجعل في حسنات الآخر، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات الآخر فيجال عليه) وروى ابن ماجة بإسنادٍ حسن: (من مات وعليه درهم أو دينار قضي من حسناته ليس ثم دينار ولا درهم). وتذكروا أن المبادرة إلى قضاء الدَّين مما يجعل العبد يصبح ويمسي قرير العين مطمئن البال، إذ إنه لا يدري هل يعود إلى بيته حياً كما دخل منه، وهل يخلع ثوبه حياً كما لبسه؟ وهل ينهض من فراشه حياً كما نام عليه؟ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42] فكيف للمسلم إذا قبضت روحه أن يخبر بأن عليه أو له دَين، فإذا كان النوم بحد ذاته موتاً لا حياة فيه إلا برد الأرواح إلى أجسادها في مضاجعها، فكيف يهدأ بال مسلم قد تحمل حقوق الخلق، واستدان أموال العباد؟! ولو أن الإنسان منا تفكر وتأمل حق التأمل والتفكر أن الموت قد يخطفه من بين أحبابه وأهله وعشيرته وهو على حالٍ قد جمع فيها من حقوق الناس نصيباً عظيماً، إن من أول ما يخطر بباله في سكرات موته، وفي آخر لحظات عمره هي ديونه التي عليه، من يقضيها؟ ومن يؤديها عنه؟ وهل تركته تكفي لقضاء ما عليه؟ أو تكفي لوفاء حقوق العباد منه؟ ومن وقع له مثل هذا فهو من البلاء والفتنة، إن لم يكن له من ماله ما يقضي به، أو يقوم بقضائه من ورثته، ثم تصوروا حال من مات على ذلك، وقد جاء في شأنه أمرٌ عظيم وخطرٌ جسيم يتبين ذلك مما يرويه الإمام أحمد بسندٍ حسن والحاكم وصححه عن جابر، قال: (توفي رجلٌ فغسلناه وكفناه وحنطناه، ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلنا: تصلي عليه يا رسول الله؟ فخطا خطوةً ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملها أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ يا رسول الله! فقال: قد أوفى الله حق الغريم وبرأ منهما الميت، قال: نعم. فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيومٍ: يا أبا قتادة! ما فعل الديناران؟ قلت: إنما مات أمس يا رسول الله! قال: فعاد إليه من الغد، فقال أبو قتادة: قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلدته) وروى مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالميت عليه الدَّين فيسأل هل ترك لدَينه قضاءً فإن حدث أنه ترك وفاءً صلى عليه وإلا قال: (صلوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح قال صلى الله عليه وسلم: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من توفي وعليه دَينٌ فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فهو لورثته) وروى الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم سئل أن يصلي على مدينٍ فقال: (ما ينفعكم أن أصلي على رجلٍ روحه مرتهنة في قبره لا تصعد روحه إلى السماء، فلو ضمن رجل دَينه قمت فصليت عليه، فإن صلاتي تنفعه) وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفسي بيده لو قتل رجلٌ في سبيل الله، ثم عاش ثم قتل ثم عاش ثم قتل، وعليه دَين ما دخل الجنة حتى يقضى دَينه). فهل بعد هذا -يا عباد الله- يجرؤ مسلمٌ على التساهل بحقوق المسلمين عنده، وهو لا يدري هل يؤديها أم هل تؤدى أم لا تؤدى عنه؟ فاتقوا الله يا عباد الله! وقوا أنفسكم ناراً بسبب حقوق العباد إن متم وهي عليكم، واتقوا الله في حقوق إخوانكم المسلمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ وتوبوا إليه؛ يرسل السماء عليكم مدراراً ويمتعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمى.

المماطلة في القضاء

المماطلة في القضاء الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند وعن المثيل والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، كل ذلك تعظيماً لشأنه، أحمده حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. عباد الله: إن من المسلمين هداهم الله من يجد في أمواله ما يسد قضاء حقوق المسلمين عليه، ومع ذلك يسوف ويؤجل الوفاء برد الحقوق إلى أن يضطر صاحب الحق بشكايته وقيام الدعاوى بينها في المحاكم وغيرها، وما ضر المسلم إذا استدان من أخيه دَيناً أو ابتاع أو استأجر شيئاً أن يبادر برد الجميل والمعروف أداءً وزيادة، فإن ذلك كان من هديه صلى الله عليه وسلم، أنه إذا استدان من أحدٍ شيئاً وفاه خيراً منه، فعن أبي رافع رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجلٍ بكراً فقدمت عليه إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكرة، فرجع إليه أبو رافع فقال له: لم أجد في الإبل إلا خياراً رباعياً، فقال صلى الله عليه وسلم: أعطوه، فإن خير الناس أحسنهم قضاءً) وكلكم يعلم -يا عباد الله! - أن الدين المعاملة، ومن المؤسف المحزن حقاً أن نرى رجلاً صالحاً كثير العبادة والإنابة يماطل في حقوق الآخرين، ومثل هذا عبادته لنفسه، وأما حقوق العباد فلهم، فليؤدِ الحقوق لأصحابها، وليحذر من وفاء أصحاب الحقوق عليه يوم القيامة من حسناته، وأياً كان الرجل الذي عليه الحق صالحاً عابداً أو غير ذلك، فإنه لا يمنع من عقوبته وأخذ الحق منه. ثم إن هذا الفعل يورث ضعف الثقة بين المسلمين وعدم الأمانة في آحادهم، فقد يجيء الرجل الوفي الثقة في حاجة له إلى صاحبه المليء الغني يريد العون في الحاجة الملحة، ثم قد يتردد صاحبه؛ لأنه رأى من فلانٍ وفلان الذين يحسبهم كذا وكذا من الدِين والعبادة ما رأى من المماطلة وعدم الوفاء إلا بأساليب العنف والشكايات والقوة. أخرج الشيخان والأربعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم) وفي رواية ابن حبان في صحيحه والحاكم: (لي الواجد -أي: مطل القادر على الوفاء- على وفاء دَينه يحل عرضه وعقوبته) أي: يبيح أن يذكر بين الناس بالمطل وسوء المعاملة، وقال بعض التابعين: يحل عقوبته، أي: حبسه وسجنه حتى يؤدي ما عليه، وروى النسائي وابن حبان في صحيحه والترمذي والحاكم وصححه، والطبراني في الكبير (ما قدس الله أمةً لا يؤخذ لضعيفها الحق من قويها غير متعتع -ثم قال:- من انصرف غريمه وهو عنه راضٍ صلت عليه دواب الأرض ونون الماء -أي: حوته- وليس من عبدٍ يلوي غريمه، وهو يجد إلا كتب عليه في كل يومٍ، وفي كل ليلةٍ وجمعةٍ وشهرٍ ظلم). عباد الله: أبعد هذا يتساهل مسلمٌ بالحقوق التي عليه، وإن كثيراً من الناس من يتهاون بالحقوق إذا كانت من حقوق الدولة، أو من القروض التي تقدمها تسهيلاً لهم في بنائهم، أو في مزارعهم أو في مشاريعهم، فإن الحقوق والديون الواجب الوفاء بها أياً كانت على الفرد من قِبَل الأفراد أو من قِبَل الدولة، وإن كثيراً من المسلمين الذين عاشوا في الضيق، وعاشوا في ضنك العيش في بيوت الطين الصغيرة، توسعوا وعاشوا ونالوا مما يسَّرته لهم الدولة، ومع ذلك يحل الأجل تلو الأجل ولا يسددون ما حل عليهم، أيظنون أن هذا الحق أهون من غيره من الحقوق؟ لا وربي، فهو دَّينٌ، بل هو موثق؛ لأن المستدين قد رهن عقاره وملكه لصالح الجهة التي استدان منها، فلا يبالي صاحب الحق بأي ساعةٍ أن يبيع ملكه أو عقاره ليستوفي منه. ثم إن كثيراً من الناس بتساهلهم في أداء الحقوق خاصةً القروض العقارية والزراعية وغيرها، يحرمون غيرهم من الفرصة، ويحرمون غيرهم من الاستفادة مما استفادوا منه، وكلكم اليوم يرى أن من تقدم يريد بناءً لا يصله أجله إلا بعد ثلاثٍ أو أربع سنين، أو أقل أو أكثر، ولو أن الذين حلت عليهم آجال الحقوق وفوا بها لوجدتم أن الأمر عاد يسيراً كما كان، فاتقوا الله في الحقوق، واتقوا الله في أصحابها، فإنكم محاسبون ومؤاخذون عليها. نسأل الله جل وعلا ألا يميتنا بحق مسلمٍ لا في مالٍ ولا في دمٍ ولا في عرض. أيها الأحباب: لا تقولوا إن فلاناً وفلاناً لا يؤدون ما عليهم، أو أن فلاناً وفلاناً قد استدانوا ومرت عليهم السنون ولم يُسألوا، فإن الهالك إذا هلك فلا يكن لك فيه قدوة، بل عليك أن تسلك طريق النجاة لنفسك ودينك يوم القيامة، وعليكم -يا عباد الله! - بالمبادرة في رد وأداء الحقوق التي على موتاكم، فقد روى الترمذي بسندٍ حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نفس المؤمن معلقة بدَينه حتى يقضى عنه). أسأل الله جل وعلا أن يقضي دَين المدينين، وأن يشفي مرضى المسلمين، وأن يهدي ضال المسلمين. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى فردوسك وجنانك مصيرنا ومآلنا، ولا تجعل إلى النيران منقلبنا وإليها مثوانا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم من أراد أئمتنا بسوء، وأراد علماءنا بفتنة، وأراد شبابنا بضلال، وأراد نساءنا بتبرجٍ وسفور، اللهم فاجعل كيده في نحره، اللهم فاجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أدر عليه دوائر السّوء برحمتك وقدرتك يا جبار السماوات والأرض يا سميع الدعاء! اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم إن عظمت ذنوبنا فإن عفوك أعظم، وإن كثرت معاصينا فإن رحمتك أكبر، بقدرتك ورحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، إمامنا وقدوتنا ونبينا صلى الله عليه وسلم، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء، وارض اللهم عن بقية العشرة المبشرين بالجنة، وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا برحمتك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، وأشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الدعوة إلى الله

الدعوة إلى الله الدعوة إلى الله عز وجل من أجلِّ الوظائف وأعظم الأعمال، أجرها جزيل، والعمل بها جميل، وهي مهمة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ومهمة العلماء والدعاة من بعدهم، ووسائل الدعوة كثيرة منها القدوة الحسنة والكتاب النافع، والشريط الإسلامي وغيرها حول هذا الموضوع يحدثنا الشيخ حفظه الله.

تكليف المسلم بالدعوة إلى الله

تكليف المسلم بالدعوة إلى الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه والند، وعن المثيل والنظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر الأحباب: كلكم يعلم أن الدعوة إلى الله جل وعلا من أجل الوظائف وأطيب الأعمال، ولا غرو في ذلك فالله جل وعلا يقول في محكم كتابه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] ويقول الله جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم). أيها الأحبة في الله: لا شك أن كل مسلمٍ يعلم أن الدعوة إلى الله جل وعلا أجرها جزيلٌ والعمل بها جميل، ولكن كثيراً من المسلمين رغم تشوقهم إلى نيل شرف الدعوة إلى الله، ورغم حبهم إلى الدخول في هذا المجال، قد يحرمونه بسبب عدم توفر الشروط التي ينبغي للداعية أن ينالها أو يقوم بها، وليس ذلك من باب القصور الذاتي فيهم، بل إن جبلة البعض تختلف عن الآخرين، وإن الله جل وعلا جعل الخلق درجاتٍ بعضهم فوق بعض، ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون، أعني بذلك أن بعض الشباب وبعض المسلمين تجده محباً لأن يكون داعية إلى الله، ويشتاق أن يهدي الله على يده فرداً أو أفراداً من إخوانه المسلمين، ولكن قد يكون لقلة علمه، أو بسبب العلم الذي هو فيه أو بسبب أمرٍ من الأمور عاجزٌ عن تحقيق مطلبه هذا، فهل بعد هذا يمكن أن يكون محروماً من ثواب الدعوة إلى الله؟ هل يحرم من هداية الآخرين إلى صراط الله المستقيم؟ كلا وحاشا؛ لأن الله جل وعلا لم يجعل الدعوة إلى سبيله ولم يجعل الأمر بالمعروف الذي شرعه والنهي عن المنكر الذي زجر عن العمل به، لم يجعل ذلك قاصراً على العلماء، وإن كان ينالهم أوفر الحظ والنصيب من المسئولية في هذا الجانب، لم يجعل ذلك قصراً على حملة الشهادات، أو أرباب المناصب والمراتب، بل إن كل مسلم مسئولٌ مطالبٌ مرغوبٌ منه أن يكون داعيةً إلى الله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، وذلك لعموم أدلة كثيرة لو لم يرد منها إلا قوله صلى الله عليه وسلم: (نظَّر الله امرءاً سمع منا مقالة، فبلغها كما سمعها، فرب مبلغٍ أوعى من سامع) وتواترت الأحاديث لفظاً ومعنى في قوله صلى الله عليه وسلم: (ربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل علمٍ إلى من هو أوعى منه).

أساليب الدعوة إلى الله

أساليب الدعوة إلى الله أيها الأحبة في الله: ما دام الأمر كذلك، وما دام كل واحدٍ منّا مسئولٌ ومطالبٌ بالدعوة إلى الله. أيها الأحبة: إليكم جملة من الأساليب التي لا يعجز عنها أي واحدٍ منا مهما كان مستوى تعليمه، ومهما كانت وظيفته، ومهما كان موقعه الاجتماعي:

القدوة الحسنة

القدوة الحسنة فأولها بعون الله وتوفيقه: القدوة الحسنة؛ فإن الرجل إذا أراد أن يعمل بعملٍ، أو أراد أن يدعو إلى أمرٍ من الأمور، فعليه أن يطبقه تطبيقاً جيداً، فإن العباد ليرون من فعله، وليرون من تصرفاته، داعيةً إليهم إلى الاقتداء به، ولا عجب في ذلك، فإن النفوس تعجب وتحب من وافق قوله عمله، روي أن الحسن البصري جاءه طائفة من الرقيق الذين لم يعتقوا، فقالوا: يا أبا عبد الله! حبذا لو حدثت الناس يوم الجمعة، أو في أي يومٍ عن العتق وفضله علهم أن يعتقونا، فقال لهم: خيراً، فمكث ثلاثة أسابيع لم يخطب عن هذا الموضوع، فلما جاء الأسبوع الرابع، خطب الناس في فضل العتق، ثم لما انصرف الناس من المسجد، كان كل من لاقى رقيقاً له، قال: اذهب فأنت حرٌ لوجه الله تعالى، فعجب الرقيق وجاءوا إلى أبي عبد الله - جاءوا إلى الحسن البصري - وقالوا نحمد الله على نعمة الحرية، فلو أنك بادرت بهذا الأمر ولم تتأخر فيه، فقال: جئتموني وليس عندي رقيقٌ أعتقه، فصبرت حتى جمعت مالاً فاشتريت رقيقاً، ثم أعتقته، ثم أمرت الناس بالعتق فعند ذلك فعلوا ما رأيتم. إذاً -أيها الإخوة- إن أول الأساليب في الدعوة إلى الله أن يكون الواحد منا قدوة ما أمكنه إلى ذلك، أن يكون راية، أن يكون نموذجاً صالحاً مطبقاً لكي يقتدي به من حوله من إخوانه المسلمين، وكلكم يعلم أن الإسلام إنما انتشر في دول شرق آسيا وكثيرٍ من المجاهل الإفريقية وغيرها، إنما انتشرت بالقدوة الصالحة من قبل التجار المسلمين، الذين رآهم أهل تلك البلاد فرأوا فيهم ليناً ولطفاً وأمانة في المعاملة، وصدقاً في الحديث والكلام، فتأثروا بأفعالهم قبل أن يتحدثوا بأقوالهم، فأسلموا، فهدى الله أولئك الأمم بفعل أولئك التجار الصالحين من المسلمين.

الكتاب النافع

الكتاب النافع الأمر الثاني: إن الكثير منا قد يرغب أن ينهى صديقاً له عن منكر هو واقعٌ فيه، ويرغب أن ينصح صديقاً لأمرٍ من الأمور النافعة المهمة، ولكن كما قلت لكم: قد يعجز بسبب عدم قدرته على الخطاب والبلاغ المبين، أقول إليك سبيلاً آخر ألا وهو الكتاب النافع، فلوا أردت أن تنصح رجلاً عن التعامل بالربا وكنت عاجزاً عن إقامة الحجة عليه ببيان تحريم الربا، وببيان تحريم الله له، وببيان لعنة الله على آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، فإنك قادرٌ بإذن الله جل وعلا أن تشتري كتاباً مفيداً نافعاً يتحدث عن هذا الموضوع، فتأتي إلى صديقك بكلمة لطيفة وبهمسة خفيفة، دافعها الخوف والنصح، دافعها الوجل عليه من عقاب الله، فتقول: علمت أن عندك كذا وكذا مما لا يرضي الله جل وعلا، وإني والله مشفقٌ عليك محبٌ ناصح، فهذا كتابٌ، أو كتيب، أو رسالة، أو نشرة بقلم سماحة مفتي هذه البلاد الشيخ عبد العزيز بن باز، أو لأحد أصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء المعروفين الموثوقين -مثلاً- فتهديه هذه الرسالة فلعل الله أن يفتح على قلبه فيقبل هذه الورقات فيقرأ ما كتب فيها، ويقرأ الوعد والوعيد الذي فيها، عند ذلك تنزجر نفسه ويقلع عن المعصية أو الفاحشة أو الكبيرة التي وقع فيها وتنال بذلك أجر هدايته، في حين أنك لو أردت أن تتحدث معه يوماً ويومين، وأياماً عديدة، ما استطعت أن تصل إلى مكنون قلبه بأسلوبك، ولكن لو قدمت هذه الرسالة أو هذا الكتاب بشرطٍ مهمٍ أعيده وأكرره: أن يكون مؤلف الكتاب أو الرسالة أو كاتب النشرة أو الكتيب رجلاً عالماً معروفاً موثوقاً مشهوداً له بالصلاح وبالعدل والأمانة، عند ذلك فإنك تنال ثواب هدايته وتنال ثواب إقلاعه عن المعصية وتفوز بأجر توبته، وكل عملٍ من الأعمال الصالحة بعد ذلك يكون لك حظٌ ونصيبٌ منها. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الشريط النافع

الشريط النافع الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام. وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر الإخوة: إليكم مزيداً من الوسائل التي تحقق لكم فرصة الدعوة إلى الله بالأساليب المتيسرة بين يديكم، إذا كان الإنسان عاجزاً بلسانه أو بفعله أو بقوله، فمن ذلك: الشريط النافع، وهذه وسيلة نافعة جداً وإن كان أول من ابتكرها واخترعها الكفار، لكن الله جل وعلا قد ينفع عباده المؤمنين بما يفعله أعداؤهم الكفار، فما خطر ذات يومٍ على ذهن أعداء الله الكفار يوم أن صنعوا تلك المسجلات وغيرها، ويوم أن صنعوا الوسائل المرئية والمسموعة ووسائل النشر وغيرها، لم يخطر على بالهم أنها ستكون في يومٍ من الأيام عنصراً أساسياً وركيزة متينة من وسائل وركائز الدعوة إلى الله، فلو أنك أيها الأخ المسلم! رأيت أخاً لك أو شاباً -مثلاً- وقع في جريمة المخدرات، أو في جريمة حب السفر إلى الخارج بكثرة، وتعلمون ما يدور في الخارج عند بعض الشباب وهم قلة بحمد الله، من الذين تولعوا وشغفوا حباً بالسفر إلى بلاد الخارج فلا تراهم في أرضهم إلا قليلاً، فلوا أنك أردت نصيحته وأردت ضرب الأمثلة له، وأردت ضرب القصص والحكايات التي حصلت لأناس سافروا إلى الخارج فكانت نهايتهم دامية أليمة، قد تعجز عن بيان ذلك، ولكن تجد شريطاً مثل أشرطة ندوات الجامع الكبير، أو تجد شريطاً لعالمٍ من العلماء المعروفين الموثوقين المشهود لهم بالمعرفة والصلاح والاستقامة، قد حوى الحديث عن هذا الموضوع أو أي موضوعٍ من المواضيع التي ترغب أن تنصح صديقك أو أخاك أو قريبك فيها فتشتري هذا الشريط بقيمة رمزية متيسرة، فتهديه إليه، وتقول: أهدي لك هذا الشريط، إذ إن البعض لا يسره أن يعلم الناس بحاله، بل إن الكثير إن لم يكن الكل يرغبون ألا يعلم الناس بأحوالهم، والله جل وعلا ستار يحب الستر على عباده، فلو علمت في أحد إخوانك أو أحد أبناء مجتمعك أنه تورط في المخدرات أو المصائب أو الرشوة أو غير ذلك، فاشتريت هذا الشريط الذي يعالج هذه المشكلة، أو هذه القضية، فقدمته إليه هدية من دون سابق بيان علمك لما هو عليه من حال، فلعله أن يسمعه في سيارته، أو في بيته فيتأثر بذلك تأثراً بليغاً كبيراً. إذاً -أيها الإخوة- هذه وسيلة نافعة من وسائل الدعوة إلى الله جل وعلا، وهي في متناول كل واحدٍ منا ولا يعجز عنها واحدٌ منا، إذاً فلنا فرصة، ولنا مكانة، ولنا دورٌ، وعلينا مسئولية في باب الدعوة إلى الله، ولا نحتج بقلة العلم أو قلة البضاعة، فإن الأمور تيسرت بحمد الله جل وعلا، وإنها لنعمة عظيمة تحسد عليها هذه البلاد دون سائر البلاد الأخرى، فلك اللهم الحمد على ما أنعمت وأتممت، ونسألك اللهم مزيداً، ونسألك اللهم التوفيق للشكر والإنابة إليك.

كيف تنال أجر الدعوة

كيف تنال أجر الدعوة أيها الأحبة في الله: إن هداية الآخرين إلى الصراط المستقيم، ودعوة الضلال إلى صراط الله المستقيم مهمة جليلة، هي مهمة الأنبياء، ومهمة الرسل الدعاة، وهي شرفٌ عظيمٌ جداً، فحققوا لأنفسكم منزلةً في هذا الشرف العظيم، واكتبوا لأنفسكم سجلاً في هذا السجل القويم، واحفظوا لأنفسكم ذكراًَ بعد موتكم بالمشاركة بأساليب الدعوة المتوفرة بحمد الله جل وعلا، فلو أن شاباً كان لا يشهد الصلاة مع الجماعة، ورآك مبادراً سباقاً إلى حضورها مع الجماعة، ثم أهديته كتاباً لأي عالمٍ من العلماء الأجلاء الموثوقين المعروفين، أو أهديت له شريطاً -مثلاً- عن هذا الموضوع، أو نشرةً مأذوناً بتوزيعها وطبعها، أو كتيباً أو رسالةً كذلك، فقرأ الكتاب وتمعن الرسالة وسمع الشريط ورأى فعلته، فإنه لا شك يتأثر، وبعد ذلك تنال مثل أجر كل صلاةٍ صلاها في بيتٍ من بيوت الله، فتدخر لنفسك أجوراً وتأتي يوم القيامة وقد رأيت أعمالاً ما عملتها، يقال لك: هذا بفضل الله عليك يوم أن دعيت عباد الله جل وعلا، وليس هذا من عند أنفسنا بدعة، أو من ذواتنا قولاًَ، بل هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى، فله أجره، وأجور من تبعه إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئا) فما ظنكم برجلٍ يبعث يوم القيامة وقد نفع الله جل وعلا بشريطٍ أو بكتابٍ أهداه أو طبعه، إنه سيجد فائدة عظيمة وثواباً جزيلاً، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له، أو علمٍ ينتفع به) والعلم ليس على الأوراق فقط، بل هو -أيضاً- على الأشرطة، وهو -أيضاً- على كل وسيلة يمكن أن تفيد بها ويمكن أن تنفع بها، وإليكم ضرباً من ضروب أسباب نيل أجر الدعوة إلى الله: لو أن رجلاً ممن أنعم الله عليهم بالمال والثراء اجتهد في طباعة مجموعة من الكتب فوزعها في سبيل الله، وجعلها وقفاً لله تعالى يتداولها المسلمون، فيستفيدون منها، فإنه يأتي يوم القيامة وله أجر كل مصيبٍ في عمله وعبادته، إذا كان ممن استفادوا من هذا الكتاب الذي طبع على نفقته، وأنتم تشهدون بحمد الله جل وعلا كتباً ورسائل عديدة وكثيرة من صدر قيام هذه البلاد إلى يومنا هذا، قد طبعت على نفقة كثيرٍ من الملوك السالفين والأمراء المعاصرين، والعلماء الموجودين، والأثرياء وأرباب المال، يطبعونها ويوزعونها ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى، فلكل واحدٍ من أولئك أجرٌ عظيم بسبب من وقع في يده هذا الكتاب فقرأه فأصلح من عمله إن كان على خطأ أو أقلع عن ضلالته إن كان على غواية، إنها أجورٌ ميسرة، وأبوابٌ مفتوحة، وإن الخير كثيرٌ وكثيرٌ جداً في دين الإسلام ولله الحمد والمنة، فمن تأمل هذا الدين، قال: عجباً لمن لا يدخل الجنة! إن كل أمور الدين ميسرة سهلة، وكل أعمال هذا الدين عليها الثواب والجزاء المضاعف بالرحمة والمغفرة والدرجات العلى عند الله، فذلك فضلٌ عظيمٌ وخير قويم، وقديماً قال الشاعر: عطايانا سحائب مرسلات ولكن ما وجدنا السائلين وكل طريقنا نورٌ ونورٌ ولكن ما رأينا السالكين إن أبواب الدعوة مفتوحة، وإن أبواب الخير كثيرة، لكن الكثير من عباد الله عنها في غفلة، نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليهم بالعودة والتوبة والأوبة والإنابة، والاستغلال لهذه المواسم والخيرات والفرص العديدة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً وأراد بولاة أمرنا فتنة، وأراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بشبابنا ضلالاً، وأراد بنسائنا تبرجاً واختلاطاً، اللهم أرنا به عجائب قدرتك، اللهم أدر عليه دائرة السوء، اللهم اجعل كيده في نحره، وتدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدِ إمام المسلمين، اللهم اهدِ إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم أيده بتأييدك، واحفظه بحفظك، ووفقه إلى ما يرضيك، ووفقه للعمل بكتابك وسنة نبيك، اللهم قرب له من علمت به خيراً له ولأمته، وجانب وأبعد عنه من علمت به شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على الحق يا رب العالمين، ولا تفرح علينا ولا عليهم عدواً ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً، فمتعه بالصحة والعافية، اللهم من كان منهم ميتاً فجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، ونور اللهم ضريحه، ووسع عليه قبره مدَّ بصره، وافتح اللهم إليه باباً إلى الجنة. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الزواج من الخارج

الزواج من الخارج إن المجتمعات الإسلامية اليوم تعاني من كارثة خطيرة تهدد المجتمع والأمة بأسرها، ألا وهي: كارثة الزواج بالأجنبيات، هذه المشكلة التي تفسد المجتمع والنشء، وتسبب العراقيل والصعوبات، وكثيراً من النساء في البلاد تدركهن العنوسة، ويكُنَّ عرضة وفريسة للذئاب الجائعة من أصحاب القلوب المريضة، العابثين بالأعراض الكثير من المشاكل والصعوبات سوف تجدونها في طيات هذه المادة.

وسائل الإعلام وصدها عن التعدد المشروع

وسائل الإعلام وصدها عن التعدد المشروع إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واسمعوا قوله جل وعلا في مواطن عدة من كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر الأحباب: مر بنا الحديث في جمعة ماضية عن غلاء المهور وما تسبب فيه من كثرة العانسات وبقاء كثير من النساء بلا زواج، ولعل من مكارم الشريعة التي سمت بها على جميع الشرائع؛ فاستحقت أن تكون ناسخة ومهيمنة على ما قبلها هو أمر تعدد الزوجات؛ ليكون حلاً لمثل هذه المشكلة، وفاتنا في الجمعة الماضية أن ننبه على أمر نراه بأعيننا، ونسمعه بآذاننا، ألا وهو أمر يصد عن ذلك، ويبين أن مكرمة الشريعة هذه هي مصيبة في هذا الزمان، وكل ذلك جهل وعدوان وبطلان، وأعني بذلك على وجه التحديد تلك الأفلام والمسلسلات التي يكون المُخْرِج فيها حاذقاً؛ ليبين أن الأسرة السعيدة انقلبت شقية مسكينة تعيسة، وتفرق الأولاد والبنات، وانقلب حال الأم من السعادة إلى الشقاء؛ بسبب أن رب الأسرة تزوج بزوجة ثانية. ومن الذي قال إن الزواج هو سبب لشقاء البيوت وقلبها من السعادة إلى الشقاء، ومن النعيم إلى التعاسة، هل ورد ذلك في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وهل جاء على لسان الخلفاء الراشدين أم الصحابة المهديين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؟! حاشا وكلا، إنما جاء به ضلال جهلة، يريدون أن يحاربوا شرع الله عن طريق إخراج هذه الأفلام، ويريدون أن يقولوا للناس: لا تتزوجوا مثنى وثلاث ورباع، والله يقول: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] يريدون أن يقولوا للناس: اتركوا بقية المطلقات والعانسات فرصة للذئاب الجائعين، والخبثاء المفسدين، الذين يعبثون بالأعراض يوم ألا تجد تلك الطائفة من النساء الأزواج لهن، يوم لا يجدن أزواجاً وبيوتاً يسكن إليها، وأمناً يطمئن فيه، ورحمة يتقلبن في نعيمها، ألا وإن تلك الأفلام ينبغي أن نعرف كل المعرفة -ولو رأيناها بأعيننا- أنها تصد عن شرع الله وتحارب قوله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم. ينبغي أن نعرف حق المعرفة أن دين الإسلام ما شرع شيئاً إلا والسعادة فيه، وما قرر أمراً إلا لمصلحة المسلمين أجمعين، لا لمصلحة طائفة على حساب طائفة، ويوم أن نعرف هذا حق المعرفة نعلم إلى أي مدىً ينشط أولئك الذين ينتجون تلك الأفلام، ليقدحوا وليشككوا الناس في شريعتهم.

الزواج من الأجنبيات

الزواج من الأجنبيات نعود إلى المصيبة الثانية التي جرها غلاء المهور ألا وهي الزواج من الخارج، والزواج من الأجنبيات والزواج من النصارى. والسبب الأول في هذه المشكلة الجزئية المتفرعة عما قبلها، ألا وهي سوء اختيار الزوجة، وسوء اختيار المنبت، ولذلك ينبغي أن نقدم بمقدمة ولو قليلة، نبين فيها أن الله جل وعلا أنزل شريعة الإسلام وجاءت شاملة لكل النظم الضرورية للحياة السعيدة، ومن أبرز هذه النظم، نظامها الاجتماعي الذي يبدأ بتكوين الأسرة واختيار النواة الصالحة والبذرة الطيبة، التي إذا كانت في أصل جذر أسرة مسلمة هي النواة فلا بد أن تُنتقى بعناية فائقة وحرص شديد، كي تنمو على أساس من الاستقامة والصلاح؛ ولكي تنتشر فروعها وأغصانها مورقة مثمرة زاكية كأصلها ومنبتها، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً، إذاً: فاختيار الزوجة في بداية الطريق إلى تكوين الأسرة من أهم المراحل، بل هي أخطر مرحلة، إذ إن استمرار الحياة الزوجية على مستوىً من السعادة أو الشقاوة وتحديد واحد من ذينك الاتجاهين، لا شك أنه مرهون باختيار الزوجة الصالحة، ومعرفة بيئتها التي نشأت فيها، ومنبتها الذي ترعرعت فيه، وتلقت الآداب والعلوم، واكتسبت من مخالطة أهلها الأخلاق والطباع، وكلٌ ينال من ذلك، بحسب ما تربى عليه ونشأ فيه: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه

تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس

تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس أيها الأحباب: يقول صلى الله عليه وسلم وهو خطاب نوجهه أيضاً لأولئك الذين يتزوجون من الخارج، بلا قيد أو حساب، يقول صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ويقول صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها، ودينها وحسبها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك) فلماذا نبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) إلا لأن المنابت والجذور إذا كانت فاسدة؛ فإنها تدرك الفروع والأغصان بفسادها، وقد ينقلب الفساد إلى الثمرة، ولو طال البعد وتقادم العهد ولما بين صلى الله عليه وسلم اتجاهات الناس في نكاح النساء، ومقاصدهم من ذلك، وجه إلى خير ما يسر المرء ويسعده وهو نكاح ذات الدين التي قال عنها صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، التي إن نظر إليها سرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله) بل إنه صلى الله عليه وسلم حذر من الحرص والتهافت على نكاح الجميلة الحسناء، من دون مراعاة لأي منبت نشأت فيه، فقال صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه: (إياكم وخضراء الدمن) ولما سئل عن خضراء الدمن، قال صلى الله عليه وسلم: (هي المرأة الحسناء في المنبت السوء) لأن هذا الجمال الذي يبالغ البعض في تحديده ومواصفات من يرغبون بها، قد يكون سبباً للشر والبلاء إن وافق ضعف عناية تربوية أو مجتمع رديء الأخلاق والمروءة، ولا يعني هذا أن يُغفل الراغب في الزواج أمر الحُسن والجمال ويقول: يكفيني التدين أو الاستقامة والصلاح، بل لا بد مع هذا أن تكون المرأة على قدر يُرضيه ولا يصرفه عنها إلى غيرها. ولذلك كان من توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لراغب النكاح، أن ينظر إلى مخطوبته، لعله أن يرى منها إلى ما يرغبه في نكاحها، فإن الخاطب إذا نظر إلى مخطوبته وأقدم على الزواج منها، فإنه بإذن الله يكون راضي القلب مطمئناً للنصيب الذي اختاره لنفسه واقتنع به، بدلاً من أن يأخذ في صرف اللوم والعتاب على أمه وأخواته قائلاً: إنكن قلتن: إنها كذا، وليست هكذا، ثم يأخذ في خلاف معهن إلى أن ينتهي الأمر به إلى الفرقة والخلاف، إذا لم يكن بينهم نصيب من التوفيق والرضا، ثم إن مسألة الرؤيا هي من صالح الفتاة أيضاً، وليس للرجل لوحده، إذ إن كلاً من الزوجين يقتنع ويرضى بما هو مُقدم عليه. أيها الأحباب في الله: لقد آن الأوان أن ننبذ عادة يفعلها بعض الناس، عندما يتقدم أحد الخطاب طالباً ابنته أو أخته أو من هي تحت ولا يته، تراه يقول: هذا فلان بن فلان أهلاً وسهلاً به، أبوه فلان وأمه فلانة، ولقد نسي المسكين أنه سوف يزوج بنته لهذا الشاب المتقدم لا لأمه أو لأبيه. وهذه مسألة ينبغي أن نقف عندها، وأن نتأملها ملياً فليس بالضرورة أن طباع الآباء والأمهات، تنتقل بالسجية والفطرة إلى الأبناء والبنات، فالواجب على الولي إذا تقدم له أحد، ولو كان يعرف أمه وأباه، أن يسأل عن الخاطب وعن جلسائه، وعن محافظته على الصلاة، وهل هو عاطل باطل أم مكتسب، وإلى أي حد هو في بره بوالديه، فإن الفتاة التي سوف يزوجها أبوها إلى هذا المتقدم أمانة، ومن ضيع أمانة الله في الصلوات والعبادات فهو لما سواها أضيع، ومن كان مضيعاً لحقوق والديه، فهو لحقوق زوجته أضيع وأسوأ حالاً في عدم الرعاية والقيام بالحقوق، وكم من فتاة كريمة صالحة، وقعت في يد شاب ليس بكفء لها ولا القرب من أهلها، تزوجها وطلقها وهي حبلى بولد أو اثنين بعد أن رأت منه المنكر والفساد في نفسه وجلسائه، وكانت تظن أنها قادمة على العيش الرغيد السعيد، بسبب ما وصف لها من صلاحه وأخلاقه. وسرعان ما تكشفت الأمور على الحقائق أمام تلك المسكينة الضعيفة؛ بوقوعها بيد ذلك الغافل العابث، وغيرها كثير ممن سقطن وفشل زواجهن، بسبب مديح الخطاب والوسطاء في الأزواج المتقدمين لهن، وهذه مسألة يجب أن ينتبه لها، وهي حينما يُسأل أحد عن فلان من الناس، لأجل معرفته وأحواله بغرض تزويجه، فينبغي على المسئول ألا يسكت عن عيب يراه مخلاً بالدين والأمانة، وليتقِ الله فيما يخبر فإن المستشار مؤتمن. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الزواج من الخارج مشكلة اجتماعية

الزواج من الخارج مشكلة اجتماعية الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير، كل ذلك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى أزواجه، وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر الأحباب: سمعتم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) توجيه صريح لأولئك الذين يتزوجون من أي مكان ومن أي منبت، ألا وهو توجيه بالأخص لأولئك الذين يتزوجون من الخارج ولا اهتمام لهم ولا تقدير لهم بأن زواجهم بالأجنبيات أو من خارج بلادهم، أنه زواج غير مبني على علم أو تحرٍ للمنبت والبيئة التي نشأت فيها المرأة، فقد تكون تلك المرأة صالحة في بيئة فاسدة، وقد تكون فاسدة في بيئة صالحة، وقد تكون البيئة فاسدة والمرأة فاسدة، أولئك الذين لا هم لهم سوى البحث عن الجمال والفتيات الصغيرات أياً كانت النتائج والعواقب. معاشر الأحباب: إن انفتاح باب الزواج من الخارج، يعني أنه بقدر العدد الذي تزوجنا به من خارج بلادنا، نترك نفس العدد عانسات أو مطلقات أو أيامى لا أزواج لهن في بلادنا، ومعنى ذلك أننا نشارك في مشكلة اجتماعية يوم أن نتهاون بالزواج من البلاد ونفتح هذا الباب؛ ولأجل ذلك -يا عباد الله- ينبغي أن نلتفت لهذا الأمر أشد الالتفات، وينبغي أن نحتسب الأمر ولو قليلاً في الزواج من داخل بلادنا؛ حصانة وصيانة لمجتمعنا، وإن من الملاحظ في غالب الأمر أن عدداً كبيراً من الزوجات اللائي هن من الخارج لا تُقدم الواحدة على الزواج من رجل آخر أو رجل بعيد عن بيئتها، وبعيد عن طبيعتها وموطنها وبلدها وأسرتها إلا لأجل إغراء معين، ألا هو إغراء المادة، ذلك الأغراء الذي يجعلها تتنازل عن بيئتها وعن أقاربها وأسرتها، من أجل أن تنال عرضاً من هذه الدنيا مع زوج يجلبها إلى بلد وأسرة غنية، ولا غرابة بما في ذلك أن نرى كثيراً من الأزواج الذين أتوا بزوجات من الخارج، فجاءوا بهن إلى هنا ورأين الغناء بعد الفقر، والسعادة بعد الشقاء وملكن مالاً وحُلياً ومتاعاً كثيراً. لا غرابة أن نرى كثيراً منهم يشكو سوء معاملتها، وتنكيدها لهذه العِشرة التي عاش بها معها، ولا غرابة في ذلك؛ لأنها جاءت من بلاد فقيرة إلى أسرة غنية فحصلت على مأربها ومقصودها، وستعود إلى بلادها ثانية، إنها يوم أن قبلت بذلك زوجاً لها، لم تجعل في ذهنها أنها ستتزوجه وتبقى معه إلى أن يختم الله للجميع، لا. وإنما الكثير منهن قد تزوجته إلى أن يتحسن ظروفها المادية، وتجمع منه حُلياً وذهباً، أياً كانت النتائج، وما دام ذلك الزوج لم يفكر في النتائج فمن باب أولى أن نرى المرأة غافلة بعيدة كل البعد عن هذه النتائج، سواء بالنسبة لها أو لأولادها، وإن كثيراً من المشاكل التي نراها اليوم هي بسبب الزواج من الخارج، ولعل من أخطرها أن ترى رجلاً في وسط عمره أو في آخر عمره أو في أي مرحلة من مراحل عمره، يتزوج بفتاة أجنبية أو من الخارج، فيأتي بها تُنجب منه ولداً أو ولدين. وبعد ذلك قد يكتب الله له الوفاة والفراق من هذه الدنيا، فيبقى أبوه وإخوانه وأقاربه في مشكلة عظيمة مع زوجته التي أنجبت منه، أيجعلونها تعيش في هذه البلاد، ومع من تعيش وزوجها قد مات؟ أيجعلونها تسافر بأولادهم إلى بلادها وهذه مصيبة أكبر من التي قبلها: فإن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم والكثير منهن يسافرن بأولادهن بعد وفاة زوجها أو بعد أن يطلقها إن كان عابثاً لا يُقدر أمر النشء والذرية منها، وبعد ذلك تنتقل المرأة إلى بلدها بأولادها وبناتها، ما هو مصير الأولاد؟ في أي بيئة سيتربى هذا النشء؟ في أي مكان ستنشأ هذه الفتاة؟ وفي أي عقيدة يترعرع هذا الولد؟! إنها لمن أعظم المصائب ومن أهمها. أيها الأحبة: إن أولئك الذين يتزوجون بغير حساب أو تقدير للعواقب، لا يفكرون في هذه الأمور، وما واقع أحدهم يوم أن تترعرع ابنته في بيئة وسخة قذرة، فيجد ابنته راقصة ماجنة أو خادمة في فندق أو مطعم أو في أي مكان من الأماكن، أليس هو الذي جنى هذا بالزواج من الأجنبية؟ أليس هو الذي جنى على نفسه وعلى هذه المسكينة بالزواج هذا؟ وما ذنب شاب صغير ينشأ -بسبب هذا الأب الذي أهمل ووقع في مشكلة سوء الاختيار- جاهلاً أمياً بعيداً عن العلم والتعلم، ينشأ في عقيدة فاسدة، وقد يكون في مكانٍ بعيدٍ عن المدن وغيرها، فيعيش حول القبور ويرى الذين ينذرون لها ويتقربون لها، ويعتقدون في الأموات ويذبحون وينذرون لهم، فينشأ وهو على هذه العقيدة الفاسدة والسبب الأول في ذلك هو ذلك الأب الذي تزوج بدون حساب أو تقدير لعواقب زواجه.

المخاطر التي تواجه الأطفال بعد فراق الزوجين

المخاطر التي تواجه الأطفال بعد فراق الزوجين إذاً: إن من أعظم المشاكل ومن أعظم الأخطار التي تواجه النشء بعد فراق زوجي بين أب من هذه البلاد وأم من بلاد بعيدة يواجه هذا النشء ثلاثة أخطار عظيمة: أولها: خطر العقيدة، أن ينشأ في عقيدة فاسدة. وثانيها: خطر التربية والتعليم فينشأ فاسداً أمياً. وثالثها: خطر مستقبله إن كان أبوه من الآباء الذين لم يلتفتوا إلى هذه الزوجة بعد فراقها، أو إن لم يكن لأولئك الأولاد من الأولياء من يتابع أمورهم في تلك البلاد البعيدة، يوم ألا يعقبون أمورهم، ويتابعون شأن أولادهم أو شأن أولاد المتوفى بالنسبة لهم، فيحاولون إعادتهم من جديد، فلاهم يكتسبون جنسية تلك البلاد ولا يمنحون جنسية هذه البلاد ما دام الزواج مبنياً على أسس غير سليمة. والذين يقعون في هذا أكثر وأكثر هم أولئك الذين يتزوجون بغير إذن أو تصريح من السلطات الرسمية، ألا وإن الزواج ولو كان بعد إذن من السلطات الرسمية لمن الأمور التي لا ينبغي أن نحث عليها، وينبغي أن نتجنبها، وأقصد بذلك الزواج من الخارج. معاشر الأحباب: ينبغي أن ننتبه وأن نقدر هذا الأمر، وأن نعطيه حقه من التفكير والتريث، وأن ننصح كل قريب أو بعيد نعرفه يريد أن يقدم على هذه المهمة، ونبين له أن الأمور لا بد أن يكون لها نتائج وأن هذه النتائج قد تكون سلبياتها ومصائبها وخيمة عليه. معاشر المسلمين: إن الذين اندفعوا للزواج من الخارج في الغالب هم من كبار السن، تزوجوا بنات صغار يعرضونهن للفتنة، لماذا؟ لعجزهم عن القيام بالحقوق الزوجية كاملة، ويوم أن نعرف عن حالات كثيرة من الخيانات الزوجية والعياذ بالله، من زوجات صغيرات، مع أزواج كبار لا يقومون بحقوقهن ولا يستطيعون إرضاء رغباتهن، نُدرك خطر الزواج من الخارج خطراً عظيماً، ومن الملاحظ إن الذي يتجه للزواج من الخارج بحجة غلاء المهور يقع فيما فر منه وذلك بكثرة السفر والذهاب والإياب عند أدنى مشكلة تُصيب هذه الزوجة، فإذا حملت فلا بد أن يسافر بها قبل أن يرتفع بها حملها إلى الشهر السادس والسابع، فيبقى بعد ذلك مدة أعزباً، ثم إذا أنجب عاد ليُسافر من جديد ليعود بها إلى بلاده، فإن أصاب أهلها مشكلة أو مصيبة سافر بها من جديد إلى بلاده، وهكذا لا شغل له إلا الذهاب والإياب إلى بلادها، ولو فكر ملياً وتزوج من داخل بلاده بامرأة ولو مطلقة أو أم أولادٍ أو بلغت من السن فوق الثلاثين إلى الأربعين، فإنه يهنأ بزوجة في مكانه وفي مستقر عينه وفي مستقر بلاده وبين عينيه لا يفارقها من قريب ولا بعيد. إذاً: فالذين يتزوجون من الخارج بدون حساب، أولئك لم يقدروا لهذه الأمور قدرها ولم يلتفتوا للعواقب والنتائج، وإن من المصائب التي سمعنا بها وعرفناها حق المعرفة، أن بعض النساء اللاتي تزوج بهن البعض من هنا الذين يحاولون أن يُواقعوا أزواجهم في أمور الصرف والسحر والشعوذة؛ لأنها لا تريد أن يكون زوجها ملتفتاً إلى أم أولاده أو إلى زوجته الأولى، فتحاول صرف حبه ومودته وهوى قلبه، تريد أن تصرف ذلك كله إليها، بعمل أو سحر، أو شعوذة، ولقد عرفت بنفسي أن رجلاً تزوج زوجة كهذه فلم يلبث مدة قليلة إلا أن أخرج أمه وأختاً له مريضة؛ وأبعدها في بيت بعيد عن داره، وبقي لكي يعيش بالسعادة في ظنه هو زوجته هذه الأجنبية، هل بعد هذا صرف، وهل بعد هذا شعوذة؟ رجل يبعد أمه ويبعد أختاً له مريضة لكي يعيش مع هذه الزوجة الأجنبية. وما ذنب أمه وأخته المريضة، يبعدهما يطردهما بعيداً عن بيته؟ ألا وإنها من أعظم المصائب التي نجهلها ولا نلتفت إليها، ونسأل الله جل وعلا أن يمن على الجميع بالهداية والتوفيق، وأن يرزقنا التفكير والروية والسداد في الأمور؛ لأن الذين لا يفكرون ولا يقدرون، يقعون في مصائب ويُوقعون الجهات والسلطات في مصائب أعظم وبعد ذلك يقعون أمام الأمر الواقع، فمن يا ترى يحل مشاكلهم، أو يكون عوناً لهم نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليهم بالهداية ويهدي الجميع إلى ما يحبه ويرضاه. معاشر المسلمين: ينبغي أن نلتفت إلى هذه المسألة التفاتاً قوياً، ويوم أن نقرأ البيانات والإحصائيات لعدد الذين يتزوجون من هذه البلاد لعدد الذين يتزوجون من الخارج ندرك أن مشكلة العانسات والأيامى والمطلقات، تزداد يوماً بعد يوم، ينبغي أن نلتفت لهذا الأمر عبر ما نستطيعه من وسائل الإعلام، عبر المنابر، عبر جلساتنا ولقاءاتنا، وينبغي أن نلتفت لهذه الأمور التفاتاً عظيماً وأن نُدرك خطورة هذا الأمر إدراكاً حقيقياً؛ لكي ننعم بهذه النعم العظيمة علينا، وأسأل الله جل وعلا ألا يوقع أحدنا في مشكلة كهذه، وأن يمن على الجميع بالسعادة، ألا وإن كل بلاد غنية بأهلها، وبخيراتها وببناتها وبنسائها فما حاجة أحدنا أن يترك بلاده بعيداً، ولا أقول عصبية أو قومية، فالناس أمام الله سواء لا فضل لأبيض على أسود ولا لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ولكن إن لكل أمرٍ حلاً وإن الحلول ينبغي أن توجد من داخل البيئة التي تنشأ فيها هذه المشاكل. أسأل الله جل وعلا أن يمنّ على الجميع بالهداية والتوفيق. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم من أراد بولاة أمورنا فتنة، وبعلمائنا مكيدة، وبشبابنا ضلالاً وبنسائنا تبرجاً وسفورا، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، اللهم اجعل تدبيرهم تدميراً عليهم، اللهم أدر عليهم دائرة السوء بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدهم لكتابك وسنة نبيك، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد كلمتهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم لا تشمت بهم حاسداً ولا تفرح عليهم عدواً وأرنا فيهم عزك ونصرك وتأييدك وهدايتك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر الإسلام والمسلمين والمجاهدين الذين يجاهدون لإعلاء دينك ورفع كلمتك في كل مكان يا أرحم الراحمين، اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، ولا تجعل اللهم إلى النار مثوانا، ولا إليها منقلبنا برحتك يا أرحم الراحمين. اللهم اجعل لنا من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجا، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشةٍ أمناً.

السحر والشعوذة وخطورتهما على الفرد والمجتمع

السحر والشعوذة وخطورتهما على الفرد والمجتمع ما جعل الله من داء إلا وله دواء، وما من شيء في الكون إلا يسير وفق إرادة الله عز وجل، ومهما بلغ الجن والسحرة فهم تحت ملك الله تعالى، ولهم حدود لا يتجاوزونها، وإن كان الله مكنهم من شيء فهو لابتلائنا وتمحيصنا، وقد شرع الله لدفع السحر وعلاجه من الأدعية الثابتة في القرآن والسنة ما إن قام به العبد عافاه الله وحماه وصانه من كل مكروه.

السحر ودوافعه وأسبابه

السحر ودوافعه وأسبابه الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله عز وجل أن يجزيكم خير الجزاء على حضوركم واجتماعكم في هذا المكان الطيب الطاهر المبارك، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم السداد في القول، والإخلاص في العمل، وقبل أن نتناول حديثنا اليوم الذي تعلمونه وتعلمون خطره سلفاً، وإنما الحديث فيه من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، أقول قبل ذلك، أشكر لهذا الطالب هذا البرعم المبارك بإذن الله عز وجل تلاوته الطيبة الجميلة الرائعة التي سمعناها من كلام الله عز وجل، وهو أخونا (مرزوق العنيزان) فنسأل الله أن يقر عينه وعيني والديه بتمام ختمه وحفظه كلام الله عز وجل كاملاً وأن يثبتنا وإياكم على دينه وسنة نبيه. أيها الأحبة! يقول الله عز وجل: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:102]. هذه الآية لو كان في قلوب كل منتسب إلى الإسلام حياة، لعلم وأدرك وفهم من دلالاتها أن السحر خطير، وأن مبدأه ومنتهاه وقطب رحاه ومداره على الكفر بالله عز وجل، فشأنه عظيم، ومن دنا منه يوشك أن يمرق من الدين، وأن يحبط عمله بالكلية.

تعريف السحر

تعريف السحر أما تعريفه: فالعرب تسمي كل شيء خفي سببه ولطف ودق تسميه سحراً، ولذلك تقول العرب لشيء خفي، أخفى من السحر، وقال أبو عبيد -من علماء اللغة-: أصل السحر: صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره. وعرفه ابن عقيل من علماء الأحناف بأنه: علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة لأسباب خفية.

بواعث السحر

بواعث السحر ولهذا السحر الذي هو عُقدٌ ونفث وطلاسم وتعاويذ وشعوذة وحروف يتسلط بها الساحر ليحدث أثراً خفياً في نفس المسحور، أو بفعل خفي ليظهر أثراً جلياً أو خفياً على نفس المسحور، هذا السحر له بواعث، فمن بواعثه: الشر والحقد والأذى: فكثيراً ما سمعنا امرأة سحرت ضرتها وما ذاك إلا من شديد الغيرة وعظيم المبالغة في الحقد والكراهية، وكثيراً ما نسمع أن عاملاً سحر مديره، وأن صغيراً سحر رجلاً أكبر منه في ارتباط بينه وبينه على عمل. فربما كانت بواعث السحر حب الأذى أو الانتقام أو الكراهية الشديدة. وكذلك من بواعثه: الرغبة في الثروة والشهرة وجلب الأموال، ففي البلاد التي لا يعتبر السحر فيها جريمة شرعية أو جريمة قانونية نظامية، يقبل طائفة على السحر، فيتعاطونه من أجل جلب الثروة والشهرة والمال، وأيضاً يتعاطاه طائفة ولكن على سبيل الخفية وغير الظهور من أجل جمع الأموال. وأسألكم بالله: هل رأيتم ساحراً ثرياً، هل رأيتم ساحراً غنياً؟ هل رأيتم ساحراً يملك شيئاً يطمئن إليه ويتلذذ به ويستفيد منه؟ A إن جميع ما يملكه السحرة من الأموال أو من الثروات، ليس لواحد منهم تدبير فيه أبداً وإنما التدبير فيه لأولئك الشياطين الذين يتسخرون له، بسبب هذا السحر أو مقابل ما يفعل ولا حول ولا قوة إلا بالله، فطائفة ولجوا ودخلوا بوابة السحر يريدون أن يجمعوا من وراء ذلك أموالاً ولكن وكما يخبر رجال الهيئة ورجال الأمن والذين يطلعون على خفايا بعض الأمور أنهم إذا قبضوا على كثير من المشعوذين والسحرة وجدوا بيوتهم أضيق البيوت، وروائحهم أنتن الروائح، وثيابهم أقذر الملابس، وأحوالهم أتعس الأحوال، فلا يغبط ساحر على ما ملك، ولا يغبط على ما جمع وإن ادعى وادعى، أو تزيّا وظهر أمام الناس بمظهر السعادة أو الثراء، فإنه في حقيقة أمره عبد مملوك للشياطين والجن الذين يتعاونون معه، أو يسخرهم أو يتصرفون معه في تدبير المكائد والمؤامرات للأبرياء والضعفاء والمساكين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وكذلك من بواعث السحر أيضاً: ما يتسلط به بعض الناس لمحاولة إدراك المجهول أو المستقبل.

قصة فرعون مع سحرته

قصة فرعون مع سحرته ولا تظنوا أيها الأحبة! أن أمر السحر فقط موجود بين المسلمين، بل هو موجود بين الكفرة، بل موجود بين أقوام سالفين، وكلكم يعلم قصة موسى وفرعون، وأن فرعون جمع السحرة أجمعين لميقات يوم معلوم، ثم إن فرعون طلب من موسى معجزة فما كان منه إلا أن سلك يده في جيبه، ثم نزعها فإذا هي بيضاء من غير سوء {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف:107] {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه:20] فقال فرعون: إن هذا لسحر، وقال وزراؤه وشياطينه وجلاوزته: إن هذا لمكر وهذا سحر يريد به موسى وأخوه أن يصرفا بني إسرائيل عنك يا فرعون، ويذرك وآلهتك أي: يتركك وملكك وسلطانك وقدرتك، ليصرف الناس عنك إلى غير ذلك. فأمر السحر ليس بجديد وإنما هو قديم وكلكم يعلم أن الله عز وجل ذكر في كتابه الكريم ما كان في تلك المناظرة العملية المشهودة التي اجتمع فيها السحرة وموسى بما آتاه الله من ثبات البرهان وقوة اليقين وعزيمة الإيمان، قال: {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [يونس:80] وبين الله عز وجل أن ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى، ثم إنهم ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم، فما كان من موسى عليه السلام بتثبيت الله له، وتأييد الله له إلا أن ألقى تلك العصا، فانقلبت تلك العصا إلى ثعبان ضخم كبير عظيم مهيل، ثم التف هذا الثعبان على جميع ما أتى به السحرة مجتمعين فالتهمها ثم عادت إلى سيرتها الأولى، عادت تلك العصا صغيرة بعد أن ابتلعت كل سحر أتباع وشياطين ووزراء فرعون ومن معه، ولا يعرف السحر إلا من كان من أهل الصنعة وأصحابها. لما رأى السحرة هذه العصا الصغيرة التي رميت على هذا السحر العظيم، على تلك الحبال الكثيرة، على تلك العصي المجتمعة، فما كان من هذه العصا إلا أن تعاظمت وتحولت إلى ثعبان حقيقي، وليست كما يفعل السحرة من تخييل وتصوير ورسوم يظنها الرأي أنها حقيقة، وليست بحقيقة إنما تحولت هذه العصا بأمر الله -الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون- إلى ثعبان عظيم فابتلعت والتهمت كل ذلك، فأيقن أولئك السحرة أن هذا ليس بسحر وإنما هي معجزات؛ لأنهم قد بلغوا في السحر غايته وقد بلغوا في الشعوذة قمتها، وقد بلغوا في الصنعة أعلى أقطابها، فما يظنون ولا يعلمون على وجه الأرض أن أحداً سوف يأتي بسحر أقوى من سحرهم، فعلموا أن هذه إنما هي معجزة ربانية وبرهان إيماني من الله عز وجل لإقامة الحجة على هؤلاء، فما كان من السحرة إلا أن خروا جميعاً ساجدين: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [طه:70]. فانزعج فرعون وجن جنونه، وقد كان يجعل السحرة ردأً وحصناً ودرعاً وحزاماً وقوة يلجأ إليها لمواجهة هذا الوحي وتلك الدعوة، فقال: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [الأعراف:123] يريد حتى في قضية العقيدة، وقضية العبودية والفكر والاعتقاد ألا يمارس شيء إلا بإذنه وتدبيره وسلطانه، لا بد أن تستأذنوه قبل أن تتركوا الباطل إلى الحق، لا بد أن تستأذنوه قبل أن تدعوا الكفر وتتجهوا إلى الإيمان، لا بد أن تستأذنوا فرعون قبل أن تدعوا ضلالته وتتجهوا إلى الهدى الذي جاء به موسى وهارون. {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا} [الأعراف:123] فأخذ يدعو بالويل والثبور ويرعد ويبرق ويزمجر ويتوعد: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ} ثم قال: لأصبلنكم أجمعين، ولأقطعنكم، وأخذ يتوعدهم، فانظروا واعجبوا يا معاشر المؤمنين! كيف تبلغ حلاوة الإيمان مبلغاً يجعل الواحد يستحلي العذاب ويصبر على البلاء ويتحدى المواجهات، فقالوا له: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه:72] تقتل، تصلب، تعذب، تجلد، تصادر، تفعل {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:72] ما هذه الحياة الدنيا حتى تتوعدنا وتتهددنا بها في مقابل ماذا؟ في مقابل الإيمان بالله {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} [طه:73] أنت الذي أكرهتنا، وأنت الذي أوردتنا المهالك، وأنت الذي جعلتنا نصل هذه المعاطف، لكنا آمنا بالله الذي سيغفر لنا ذنوبنا وحوبنا {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} [طه:73].

دوافع السحر

دوافع السحر الحاصل أيها الأحبة! أن من دوافع السحر حب التسلط والعظمة، من دوافع السحر حب الانتصار، وكان هذا ما يفعله فرعون لكن جعل الله معجزة نبيه موسى من جنس ما برع فيه شياطين فرعون لتكون المعجزة أقوى وأبلغ، كما أن عيسى كانت معجزته من جنس ما برع فيه قومه، وهم قوم مشهرون بالطب، فكانت معجزة عيسى عليه السلام أنه يداوي ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويصنع من الطين طيراً فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله. الحاصل أن حب السيطرة والتسلط والاستطلاع وتدبير كل الوسائل التي من شأنها أن تجعل الترتيبات المستقبلية في صالح هذا الإنسان يستخدمون السحر لأجل ذلك. ولا غرابة إذا قلنا لكم: إن الرئيس الفرنسي السابق فاليري جسكار كان يستخدم السحرة في كثير من استطلاعات الرأي في معارك الانتخابات، وكذلك رجل البقر الكاوبوي رونالد ريجن الذي كان رئيساً للولايات المتحدة أيضاً كان يستعين بالسحرة في معارك الانتخابات وغيرهم وغيرهم كثير. والسحر موجود إلى يومنا هذا عند اليهود في بيعهم وصوامعهم، وعند النصارى في كنائسهم، وربما وقع فيه بعض المسلمين جهلاً، وبعضهم يقع فيه والعياذ بالله ويجهل أنه يفضي به إلى الكفر، ومن علم بذلك فأصر عليه فقد وقع في الكفر والعياذ بالله، ونسأل الله عز وجل السلامة. أيها الأحبة! هذه دوافع السحر: تسلط، وحقد، وكراهية، وتطلع للمستقبل، وشهرة، ولموع، ونجومية بين الناس.

طرق السحرة لجلب الناس إليهم

طرق السحرة لجلب الناس إليهم ولكن Q إن هؤلاء السحرة لو أعرض الناس عنهم لأصبحت سلعهم بائرة وأصبحت بضائعهم كاسدة، فما الذي جعل سوق السحر عامرة؟ وما الذي جعل أسواق السحر ودكاكين السحر يرتادها الناس بين الفينة والأخرى؟ A يرجع ذلك إلى أمور: إن أهم دوافع اللجوء إلى السحرة يعود إلى الخواء الروحي، ويعود إلى تلك المعاناة، وإلى ذلك القلق، والشرود، والفراغ والجوع الروحي، والظمأ القلبي، كل ذلك من دوافع اللجوء إلى السحرة، فترى الواحد من هؤلاء الذين يشكو كل هذه الأعراض لا يتردد أن يذهب إلى السحرة؛ يظن أن عندهم ما يقلب شروده إلى نبوغ وتألق، وما يقلب ضيقه إلى سعة وأنس، وما يقلب وحشته إلى سرور وسعادة، وهو في الحقيقة كالمستجير من الرمضاء بالنار. المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار أولئك يلجئون يريدون السعة فيقعون في الضيق، يريدون السعادة فيقعون في الشقاء، يريدون الأنس فيقعون في الوحشة، يريدون العافية فيزدادون ألماً وسقماً وعذاباً ومرضاً، وعند الله للأشقياء الذين يعرضون عن ذكر الله مزيد من أنواع البلاء: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]. أيها الأحبة! إن الله عز وجل قد جعل لكل شيء زاداً وقواماً يقوم به، فلو أنا ملأنا الطائرات تراباً لتقلع على المدرجات وتحلق في الهواء ما أقلعت، ولو أننا ملأنا السيارات حصى ورملاً لتتحرك عن مواقعها ما تحركت، فللطائرات وقود معين، وللسيارات وقود معين، وكذلك للبطون شيء يناسبها مما يتحول قوة وعافية في الأبدان، وكذلك للقلوب أغذية معينة فلا تطمئن ولا تنشط ولا تعيش ولا تسعد إلا بتناولها غذاءها الذي شرعه الله لها {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] إن الذي خلق القلوب جعل غذاءها ذكر الله، وجعل دواءها كلام الله، وجعل دواءها اللجوء والفزع والتجرد بالعبادة لله عز وجل، فمن طلب دواءً غير ذلك فهو يزداد من الأسقام والأمراض زيادة، ويتداوى بالداء يظن أنه بهذا يحصل الدواء، لا دواء للقلوب إلا بذكر الله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] اسأل هؤلاء الشاردين، الذين ربما أصيب أحدهم بما يسمى بالاكتئاب أو بالشرود أو بالقلق فستجد بعضهم -حتى لا نعمم- قد دفع أموالاً طائلة كثيرة وربما ارتكب مخالفات شرعية كثيرة من أجل أن يفضي أو أن يضيف إلى نفسه سعادة ومتعة روحية، لكنه غير وجود ذلك رغم أنواع المهدئات وأنواع المفترات، وأنواع الأدوية والعقاقير، لكنها ما نفعت شيئاً، لكن الذي نفع هو كلام الله عز وجل. لكن الذي نفع هو القرآن الذي جعله الله شفاء ورحمة وهدىً للمؤمنين وشفاء لما في الصدور. ولو أن الواحد منا إذا حل به شيء من الضيق أو القلق أو الشرود أو الاكتئاب أحسن الوضوء وتطيب، وتوضأ وأحسن الطهارة في بدنه وثوبه، ثم توجه إلى المسجد وصلى ركعتين وناح إلى ربه، وشكا إلى ربه، وتملق إلى ربه، وعظَّم خالقه، وعفر جبينه وأنفه لله عز وجل، وأطال السجود ليس كسجود الغربان الذين ينقرون الصلاة ركوعاً وسجوداً، وإنما ألح على الله عز وجل والله وتالله وبالله تحقيقاً لا شك فيه، ثقة بوعد الله عز وجل ليخرجن من باب المسجد قرير العين هادئ البال مطمئن النفس، وقد انقلب شروده إلى راحة، وانقلب اكتئابه إلى أنس وانطلاقة بإذن الله عز وجل. نعم أيها الأحبة! إن الخواء والبعد عن ذكر الله، من أهم الأسباب التي دفعت بعض الناس الذين نالتهم أعراض الاكتئاب وما تفرع عنها ظنوا أنهم مسحورون، وبعضهم قال له قائل أو جار أو قريب أو صديق: إنك مسحور وعليك علامات السحر، فصدق الأمر فلجأ إلى هؤلاء، ولو أنه أحسن اللجوء للجأ إلى الله عز وجل الذي بيده مقادير الأمور جميعاً.

ماهية السحر، وهل هو حقيقة أم خيال؟

ماهية السحر، وهل هو حقيقة أم خيال؟ أيها الأحبة! تكلم أناس في السحر هل هو ضرب من الخيال أم حقيقة باصرة ماثلة للعيان؟ فطائفة قالوا: إنه كله تخيل لا حقيقة له، ومن الطوائف السالفة السابقة المعتزلة العقلانيون الذين قالوا: إن السحر لا حقيقة له، وإنما هو ضرب وأنواع من الخيال. وطائفة قالوا: السحر كله حقيقة لا خيال فيه. والحقيقة: أن السحر منه ما هو من الخيال ومنه ما هو من الحقيقة. فالسحر له حقيقة وضرب من ضروبه، يؤثر على الإنسان من باب التخيل. قال ابن قيم الجوزية في معرض كلامه وهو يرد على المعتزلة، الذين يقولون: إن السحر كله تخييل، قال: وهذا خلاف ما تواترت الآثار به عن الصحابة والسلف واتفق عليه الفقهاء وأهل التفسير والحديث وما يعرفه عامة الفقهاء. ويقول ابن قدامة وهو من أئمة وكبار أئمة المذهب الحنبلي: وللسحر حقيقة، فمنه ما يقتل، ومنه ما يمرض، ومنه ما يأخذ الرجل عن زوجته، وما يبغض أحدهما للآخر، أو يحبب بين اثنين، وهذا قول الشافعي. وبالمناسبة على كلام ابن قدامة رحمه الله أن من السحر ما يحبب بين اثنين، فللأسف أن طائفة من شياطين السحرة أخذوا يستخدمون السحر في الدعارة، فتجدهم والعياذ بالله يسحرون امرأة مسكينة ويعلقونها برجل إن كان قريباً أو بعيداً من غير محارمها ثم والعياذ بالله يقع بينه وبينها من الزنا ولا تجد نفسها إلا أسيرة مملوكة في الغالب لا تستطيع أن تخرج عن إرادة هذا الساحر. واللوطية وأهل الشذوذ والعياذ بالله ومروجو الدعارة وأساطين الفساد والانحلال الأخلاقي كذلك ربما استخدموا هذا السحر من أجل أن يروضوا وأن يجروا من يشاءون ممن يريدون أن يتبادلوا معهم فعل الفواحش أو يفعل بهم الفواحش. من المؤسف أن بعض الشباب قد بدأ بداية ضالة بدعوى حب الاستطلاع والاطلاع على العالم المجهول، بعضهم إذا سافر إلى بلد مجاورة يباع فيها كل شيء مما يضر ولا ينفع، تجد هذا الشاب يشتري كتب السحر ثم يأتي بها ثم يحاول أن يعزم ويعقد ويطلسم وينفث ويكتب ويضع المعادلات والمربعات والحروف والمقطعات من أجل أن يسخر فتى أو أن يوقع امرأة في حباله وشره. والحقيقة كما قلنا أيها الأحبة! أن من السحر ما هو حقيقة وبعضه ما هو تخييل. سُئل الإمام العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين هل للسحر حقيقة؟ أجاب سماحته بأن للسحر حقيقة ولا شك، وهو مؤثر حقيقة لكن كونه يقلب الشيء أو يحرك الساكن أو يسكن المتحرك فهذا خيال وليس بحقيقة، انظروا إلى قول الله عز وجل في قصة السحرة من آل فرعون، يقول تعالى: و {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116] وفي الآية: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:66] يعني السحرة أولئك نثروا ورموا تلك الحبال والعصي وسحروا أعين الناس، فتخيل الناس أن هذه العصي والحبال حيات تسعى وبعضها يلتوي على بعض، فجاءت المعجزة أن حية حقيقة وليست خيالاً وهي التي بأمر الله خلقت وبأمر الله انطلقت ابتلعت ذلك السحر كله.

حكم من شك أو نازع في ثبوت السحر

حكم من شك أو نازع في ثبوت السحر ومسألة السحر من شك أو نازع فيها فقد كفر لأنه ثابت، بل سُحر النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر، من الذي سحره؟ يهودي: ويبقى اليهود وراء الأذى في كل قضية، ويبقى اليهود هم الذين يتجرءون على ذات الله، يقولون: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة:64] و {قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] ويقولون: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم تعب فاستراح في اليوم السابع فأنزل الله قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]. يبقى اليهود هم الذين يقتلون الأنبياء، هم الذين يؤذون الأنبياء إلى آخر نبي وهو صلى الله عليه وسلم، فالمرأة التي وضعت السم في الشاة للنبي صلى الله عليه وسلم هي امرأة يهودية، والرجل الذي سحر الرسول صلى الله عليه وسلم هو رجل يهودي. فيا معاشر المؤمنين! أيظن من وراء اليهود خيراً أو يرتجى منهم الأمن أو السلامة من شر، هذا ما كان للأنبياء فكيف نريد أن يكون للمسلمين في دبر الزمان وفي حال الضعف للمسلمين.

إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر

إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر الشاهد: أن هذا الرجل الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم يهودي يقال له لبيد بن الأعصم، سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر فحل، أي: من النخيل، وعقد ووضعها، ثم أصيب النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر، فكان يخيل إليه أنه أتى أهله وما أتاهم، ويخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله، لكن الله سبحانه أنجى نبيه من هذا السحر ورقى جبريل النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين فشفي وأخرج السحر وحل بإذن الله وبمنِّ الله عز وجل. قد يقول قائل: ما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سحر والكفار يقولون: بمعرض احتجاجهم على القرآن {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الإسراء:47] وهو يأتي بالوحي فربما جاءنا بوحي أو شرع تشريعاً وهو في حال من السحر؟ نقول: لا. لماذا لأن الوحي الذي هو من عند الله لا يمكن أن يتسلط عليه الشياطين أو السحرة أو البشر، بل إن سحر النبي صلى الله عليه وسلم فيه إثبات بشريته صلى الله عليه وسلم؛ حتى لا نعبده ولا نتوسل به من دون الله، وحتى لا نفزع إليه ولا نلجأ إليه بعد مماته صلى الله عليه وسلم أو فيما لا يقدر عليه إلا الله في حياته، وأما جانب الوحي: فإن الوحي معصوم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد قال شيئاً من الوحي وهو في حال لا يعقل أو في حال سحر أو نحو ذلك، لماذا؟ لأن الوحي من عند الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) فإذا كان القرآن ينزه أن يكون السحر له تأثير عليه، فكذلك كلامه التشريعي والوحي الذي يقذفه الله إلهاماً وإخباراً وإنباءً من الله لمحمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون سحراً بأي حال من الأحوال. وطائفة قالوا: لا بد نتكلم أو نرد قضية أن النبي سحر حتى لا يتطرق الكلام أو الشك أو الريب والتردد في مسألة الوحي؟ نقول: لا. بل نثب ما ثبت في السنة، ونفهم الأمور على حقيقتها، فكما يقول ابن قيم الجوزية وقبله ابن تيمية رحمه الله: إن منهج الأئمة الأعلام والذين آتاهم الله البصيرة والفقه أنهم لا يردون الأخبار بمجرد إيراد تهمة أو شبهة عليها، وإنما يتدبرون ويعقلون ويفهمون ثم بعد ذلك يصرفون الأمور والأحكام وفق ما دلت عليه النصوص، فلا يكذبون بالنصوص ولا يضربون بعضها ببعض. يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر، وله كتاب قيم جميل عالم السحر والشعوذة، يقول: السحر أنواع: فمنه ما هو حقيقي، ومنه ما هو تخيلي، ومنه ما هو مجازي وهو الذي يعتمد على خفة اليد والألعاب، لكن حتى هذا السحر الذي يظنون أنه يعتمد على خفة اليد لا يخلو من السحر التخيلي، وأنتم تلاحظون أن ساحراً من السحرة يقف أمام الجماهير ثم ينحني راكعاً لهم، وفي الحقيقة يركع للشياطين قبل ذلك ثم يحيونه بالتصفيق وبالصفير والمكاء والتصدية ثم لا يلبث ويأتي بمنديل ويحركه أمامه ثم يدخله في القبعة، ويخرج ثلاثين أرنباً وأربع حمامات وخمسة قطط، وعد من الغرائب والعجائب من هؤلاء الذين يسحرون الناس وهم في الحقيقة سحرة لا شك في أفعالهم. ويظن ظان أو يقول قائل: إن هذا ضرب من خفة اليد أو شيء من ألعاب السرك ونحو ذلك؟ الحقيقة هي الحقيقة؛ أنه سحر يخيل لهذا الرائي أنه رأى مثل هذه الأمور.

ما يبذله الساحر ليمكن من السحر

ما يبذله الساحر ليمكن من السحر واعلموا أيها الأحبة! أن السحر لا يمكن أن يتسخر لساحر ولا يمكن أن يستطيع ساحر أن يعمل السحر ليصرف أو يحبب أو يبعض أو يقرب أو يفرق أو يؤذي أو يجعل في البدن بلاء، أو يجعل الإنسان ضعيفاً إما عاجزاً عن جماع أهله أو عاجزاً حتى عن أن يتحرك، أو عاجزاً عن التفكير أو يجعله في غيبوبة فكرية، أو في نسيان وشرود ذهني عجيب، لا يمكن أن يستطيع الساحر أن يصل إلى هذه الدرجة إلا بعد أن يجتاز المخالفات العظيمة الكبيرة التي بها يترقى لدرجة السحر بعد الوقوع في الكفر. ولا أريد أن أفيض في بعض الأسباب التي يتأهل بها الساحر للوقوع في هذه الدرجات، أو للسيطرة على مثل هذه الحالات، لكن لتعلموا أن السحرة لا يبلغون هذا إلا بكفر عظيم، وأن الشياطين تطلب من الساحر أن يسجد للأصنام أولاً، وتطلب منه أن يتبول على المصحف، وتطلب منه أن يجعل المصحف في دورة المياه ثم يتبرز عليه، وتطلب منه أشياء عظيمة خطيرة جداً، فلا تتصور أن هذا الساحر استطاع أن يصل إلى هذه الدرجة، وأن الجن والشياطين قد وقفوا معه هذا الموقف حباً أو كرامة أو انقياداً أو هيبة أو خوفاً من سطوته، أو لما عنده وعند آبائه وأجداده؟ A لا. إنما هي عملية مقايضة: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102] أي: عندما تتعلم هذا السحر وتعرفه تكفر؛ ولأجل ذلك فلا نصدق أن هؤلاء الذين يدعون -وهم من السحرة- أنهم يتعاملون مع الصالحين وأنهم يتعاملون مع هؤلاء وهؤلاء.

إبطال دعوى السحرة التعامل مع الصالحين

إبطال دعوى السحرة التعامل مع الصالحين الحقيقة أنهم يتعاملون مع الشياطين، وأذكر في مجلس حضر فيه سماحة الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز فسأله سائل قال: أنا رجل أداوي الناس ولي صلة بالجن وهم من الصالحين، ويخبروني عن بعض الأمور ويفعلون ويحققون لي بعض الأمور فما قول سماحتكم بذلك؟ فقال سماحته متع الله به: ما يدريك أنهم صالحون، وهل تعلم أنهم من المنافقين أم من المتقين، وهل تعلم أنهم يصدقون أم يكذبون؟!! فدعوة التعامل مع صالحي الجن أصبحت اليوم معزوفة يغني ويرقص عليها كثير من الذين يأخذون ويتسلقون إلى الجن، إن الطبيب الاستشاري الذي يدرس سبع سنوات طب ثم سنة زمالة، ثم سنة امتياز أو قبلها سنة امتياز ثم زمالة ثم، ثم، ثم، وبعد عمر طويل ويخرج الشيب في لحيته أو في رأسه، وبعد ذلك يكون استشاريّاً أجر كشفيته وأجر فحصه مائة ريال فقط لا غير، لكن يأتي هذا المشعوذ بهذه الدعوى أو يدعي ذلك الكلام كذباً وتطفيفاً على الناس. وقد يكون بعض الناس هو في الحقيقة لا يتعامل، ما كفر لكنه يدعي أنه يتعامل مع صالحي الجن، ويكذب على الناس كذباً صراحاً ثم يأخذ منهم، والمريض مستعد أن يبذل الشيء الكثير، فإذا جيء وقيل له: ما اسم أمك، ما اسم جدتك؟ هل تفعل، ما تفعل؟ أعطنا فنيلتك، أعطنا، أعطنا، ادفع ألف ريال وغداً تعال وخذ شيئاً من التمائم والعزائم والكتابات والمحو والطلاسم وغير ذلك، فتجدهم ينقادون ويستجيبون ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالسحر اتفاق بين السحر والجني على إحداث شيء بالإنسان، وهذا قد يجعل الإنسان إما عاجزاً عن مباشرة زوجته وهو ما يسمى بالربط، أو إحداث نزيف بالمرأة، أو إسقاط للجنين، أو إحداث مرض معين كصداع، أو نوع صمم أو عدم سمع، أو عدم نطق أو شيء من الشلل الجزئي في جزء أو في أجزاء من الشخص، أو إحداث حبٍ أو كراهية ونحو ذلك. لكن حقيقة السحر الذي يستعين به الساحر على فعل ما يريد فعله بالإنسان الذي يراد سحره هو الكفر؛ ولذلك قال عز وجل: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102] وقد تواتر النقل عمن بحث في أحوال السحر والسحرة أن بينهم تلك العلاقة الكفرية الخطرة بين الجن والشياطين، بل إن بعض الشياطين وبعض مردة الجن يأمرون الساحر أن يأكل النجاسة والحيايا والخشاش والحشرات وغير ذلك، ولا يستطيع أن يرفض لهم طلباً بأي حال من الأحوال.

ذكر بعض ما مكن الله للجن

ذكر بعض ما مكن الله للجن فإذا علمنا أن السحر لا يتم إلا بهذا، فهل يبقى في ذهن أحدٍ شك أن السحر مقتضاه ومبدؤه ومعاده وأوله ونهايته مرتبطة بالكفر بالله عز وجل. إن الجن قد يتسخرون في بعض عمليات السحر، والجن مخلوقات موجودة، فالجن ليسوا جمادات إنما هم موجودون. وكذلك من أنكر الجن فقد كفر، وكذلك من أنكر أن الجن يعبثون ويتصرفون ويداخلون بني آدم فقد أنكر شيئاً أصبح شبه متواتر أوشك أن يتم الإجماع عليه بين الناس، لكن الجن كما قال الله عز وجل: {إنه يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27].

قدرة الجن على التشكل

قدرة الجن على التشكل الشياطين والجن يروننا ولا نراهم فلهم القدرة على رؤيتنا ولم نعط القدرة على رؤيتهم، وهم يستطيعون أن ينتقلوا انتقالاً سريعاً في أقطار الأرض، ويستطيعون أن يصعد بعضهم على بعض في طبقات الفضاء يسترقون السمع، وربما ضربتهم الشهب التي تفرق جموعهم، ولدى هؤلاء الجن والشياطين القدرة على أن يتشكلوا بأشكال مختلفة، فقد يتشكلون في صورة بشر أو حيوان أو أفعى ونحو ذلك، وبالمناسبة إذا رأى الإنسان كلباً بهيماً أسود أو شيئاً أسود بهيماً من هذه الحيوانات وقد استوحش منها، ورآها فجأة في داره فليعلم أن ذلك من تصور الجن والشياطين، فعليه ألا يبادر بقتلها، بل عليه أن يتعوذ بالله من شرها ثلاث مرات، فإذا لم تزل ولم تخرج ولم تبتعد عنه فحينئذٍ بعد هذا الإنذار فله أن يقتلها، وقد ثبت في الحديث أن أحد الصحابة رضوان الله عليه أقبل على بيته قادماً من الغزو فرأى امرأته عند الباب، فاشتعلت غيرته وسل سيفه يظن أن امرأته خرجت تريد شيئاً آخر فقالت: دونك لا تعجل انظر ما بداخل الدار. فلما دخل وجد ثعباناً أسود عظيماً على فراشه فما كان منه إلا أن سل السيف مرة أخرى واخترطه على هذا الثعبان ثم التف الثعبان عليه فقتله، قال صلى الله عليه وسلم لما أخبر بالأمر: (لا أدري أيهما أعجل بصاحبه) وقال: (إن لهذه الدور عوامر) والمعنى: أن الإنسان إذا رأى في الدار شيئاً مثل ذلك فلا يستنكر ولا يعجب بل عليه أن يقول: نعوذ بالله من شرك، نعوذ بالله من شرك، نعوذ بالله العظيم من شرك، نعوذ بالله من شرك اخرج عن دارنا، اخرج عن مكاننا، يحذره ويهدده ثم بعد ذلك إذا لم يستجب بعد ثلاث فله أن يقتله ولا يضره بإذن الله عز وجل. ومعلوم أن الجن والشياطين لديهم القدرة على التشكل بأشكال مختلفة، يتشكلون بصورة بشر أو حيوان أو غير ذلك، وأيضاً قد سخرهم الله عز وجل لسليمان، فكانوا سخرة عبيداً بين يدي سليمان عليه السلام يبنون القصور الشاهقة، ويصنعون الصحاف الكبيرة، والقدور الراسية، ويغوصون في أعماق البحار ويستخرجون اللآلئ من جوفها فإذا خالف أحدهم فإن سليمان -قد أوتي ملكاً عظيماً- يصفدهم في الأغلال والأصفاد ولا يخرجون عن ملكه.

تمكين الأنبياء من الجن

تمكين الأنبياء من الجن ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر للصحابة فقال: (تفلت عليّ البارحة شيطان ليفسد عليّ صلاتي ثم إني أمسكت به حتى وجدت برد لعابه على يدي) أي: شيطان تفلت على النبي صلى الله عليه وسلم فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن قبض عليه، وخنقه حتى سال لعابه، قال: (فهممت أن أربطه بسارية المسجد ليلعب به الصبيان ويرونه، لكني تذكرت دعوة أخي سليمان عليه السلام {وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35] فتركه النبي صلى الله عليه وسلم). ومعلوم أن الشيطان أيضاً يجري من ابن آدم مجرى الدم كما ثبت في السنة، لكن هؤلاء الشياطين لا يستطيعون أن يأتوا بمعجزات الأنبياء، ولا يستطيعون أن يأتوا بكلام الأنبياء في عصمته وإعجازه، ولا يستطيعون أن يأتوا بشيء من كلام الله، ولا يستطيعون أن يتصوروا بصور الأنبياء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من رآني فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي) ولا يستطيعون أن يأتوا بمثل كلام الله، قال تعالى: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء:210 - 212].

للجن حدود لا يتجاوزونها

للجن حدود لا يتجاوزونها وأيضاً لا يستطيعون أن يجاوزوا حدوداً معينة، فلا تظن أن هؤلاء الشياطين يفعلون ما يريدون أو يشتهون، فلهم حدود معينة {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33]. وقد بين صلى الله عليه وسلم أن الشياطين لا تحل قربة أُوْكِيَتْ، ولا تكشف آنية خُمِّرَتْ، ولا تفتح باباً مغلقاً، كل ما عليك أن تقول وأنت تغلق الباب: باسم الله فلا يستطيع أكبر شيطان أن يفتحه. يقول لي أحد الإخوة وكان مبتلىً بتسلط الشياطين في بيته، قال: إذا وضعت المسجل على سورة البقرة بتلاوة بعض الأئمة -مسجل وجهين- أعود فأجد أنه ينطفئ فوراً، قلت: هل تقول: باسم الله حينما تبدأ؟ قال: لا. قلت: ارجع وضع السلك في الفيش وقل: باسم الله وأنت تضع الشريط، وقل: باسم الله وأنت تدير الزر الذي يحرك هذا المسجل ثم انظر هل يستطيعون أن يغلقوه أم لا، قال: ففعلت ذلك فوالله أخذ المسجل أياماً تتكرر هذه السورة في صالة المنزل ما انطفأ وما انقطع لحظة واحدة بإذن الله. كل ما عليك إذا أردت أن تجعل الجن والشياطين في عجز أن يفعلوا معك شيئاً فعليك أن تقول: باسم الله، كثير من الناس يرمي ثيابه ولا يسمي، يتعرى في دورة المياه ولا يسمي، ينتقل من مكانه ولا يسمي قل: باسم الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ستر ما بين الجني وعورات بني آدم ذكر اسم الله عز وجل). لنعلم أن لهؤلاء الشياطين والجن قدرة محدودة لا يستطيعون أن يجاوزوها، ومن ادعى غير ذلك فقد أعطى هؤلاء قدراً أكبر منهم.

حكم تعاطي السحر

حكم تعاطي السحر أما حكم السحر والساحر فالسحر كفر وتعاطيه كفر ولا يجوز. من الأدلة على ما ذكرناه آنفاً قول الله عز وجل: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102] وجه الاستدلال: أن الآية رتبت الحكم وهو الكفر على الوصف المناسب وهو السحر، وهذا مشعر بأن العلة في الكفر هو السحر، ومن الأدلة في نفس الآية قول الله عز وجل: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة:102] الآية. وفي الآية التصريح بأن تعلم السحر كفر، قال النووي رحمه الله: عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً ومنه ما لا يكون كفراً، بل يعد من الموبقات والكبائر المهلكة العظيمة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام. والسحر المجازي وإن لم يبلغ مبلغ الكفر إلا أنه حرام لما فيه من إفساد عقائد العامة، فإن العامي إذا شاهد ما يفعله الساحر من أمور غريبة لا يعرف سببها ربما اعتقد في الساحر شيئاً من صفات الربوبية فيهلك بذلك. أذكر مرة في كوالالمبور في ماليزيا أننا دخلنا سوقاً وكان معنا بعض الإخوة على إثر زيارة في مهمة، فدخلنا سوقاً من الأسواق فوجدنا الناس قد اجتمعوا على امرأة، فرأينا عجباً وقلنا ما هذا التجمع على المرأة، فجئنا لننظر لماذا يجتمعون، فإذا بهم يجتمعون حول امرأة ساحرة تفعل أشياء فقلت: لأحد الإخوة قف أمامها وسأقف بجوارها أو خلفها وليقرأ كل واحد منا آية الكرسي، والله يا إخوان لما بدأنا نقرأ آية الكرسي تلخبط الأمر في يديها وأخذت تهرش وتمرش في جسمها وشعرها وجلدها وأخذت تتلفت وشعرت بأن من حولها ما يفسد ما تقوله وما تدبره على هؤلاء الحضور. ثم تضاحكنا عجباً من أن هذا الساحر أمره ضعيف، وكيده في تباب، وأمره في ضلال وخسار، لا يستطيع أن يأتي شيئاً بقوة السلاح الذي تحمله وهو أسماء الله وصفاته، آية الكرسي، القرآن العظيم الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وحينئذٍ فإنك بإذن الله عز وجل تستطيع أن تسلم وأن تعصم نفسك من شر هذا السحر وأنواعه.

عقوبة الساحر

عقوبة الساحر عقوبة الساحر في الإسلام: نوجز مذاهب العلماء في هذه المسألة: القول الأول: بعض أهل العلم بوجوب قتل الساحر من غير استتابة، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة ومالك ورواية عن الإمام أحمد، وهذه الرواية هي المذهب عند الحنابلة، وعزا القرطبي هذا القول إلى جمهور أهل العلم وهو أن الساحر يقتل ولا هوادة، وقال به من الصحابة عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وأبو موسى الأشعري. القول الثاني: وجوب قتل الساحر كفراً إذا عمل بسحره أمراً يقتضي كفره، فإن كان سحره بغير الكفر ولكنه فعل سحراً قتل به حداً، فإن جعل السحر آلة للقتل فيقتل قصاصاً ويضرب عنقه، وفي غير هاتين الحالتين يعزر ولا يقتل وهذا مذهب الإمام الشافعي وهو قول للإمام أحمد رحمه الله. والواجب أن نحذر المسلمين عموماً من هؤلاء السحرة وأفعالهم. ويقول: الشيخ ابن باز: فالواجب على ولاة الأمور وأهل الحسبة وغيرهم ممن لهم قدرة وسلطان إنكار إتيان الكهان والعرافين ونحوهم ومنع من يتعاطى ذلك، والإنكار عليهم أشد الإنكار، وألا يغتر بصدقهم في بعض الأمور، وألا يغتر بكثرة من يأتي إليهم ممن ينتسب إلى العلم، فإنهم غير راسخين في العلم، بل هم من الجهال لما في إتيانهم من المحذور، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إتيانهم وسؤالهم وتصديقهم لما في ذلك من المنكر العظيم والخطر الجسيم. ويقول الشيخ ابن عثيمين: والسحرة يجب قتلهم سواء قلنا إنهم كفروا أم لم يكفروا بل لا بد من قتلهم، لعظم ضررهم وفظاعة أمرهم، فهم يفرقون بين المرء وزوجه وبين الزوج وزوجته، وقد يعطفون فيألفون بين الأعداء، ويتوصلون بذلك إلى أغراضهم إلى آخر ما قال.

الأسباب التي تجعل الإنسان يقع في السحر

الأسباب التي تجعل الإنسان يقع في السحر الأول: ضعف التوحيد في قلب العبد: فإن العبد الذي يضعف التوحيد في قلبه، ويضعف التوكل على الله عز وجل في نفسه وفؤاده، تراه مسكيناً ضعيفاً؛ ولذلك فإن الشيطان صرح كما أخبر الله عز وجل: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82] {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر:40] وقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42] وقال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ} [النحل:99] أي: الشيطان {سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:99]. فالمخلص العابد المعتني بالطاعة المتوكل على ربه حقيقة التوكل، ليس للشيطان عليه سلطان، إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون، فمن لم يتحصن بالتوحيد وقع في حبائل السحرة والمشعوذين إذا خططوا ودبروا ذلك وأراد الله ذلك أو كان ذلك بمشيئة الله عز وجل. الثاني: الإسراف على النفس بالذنوب: كذلك أيها الأحبة! كثير ممن يقعون في السحر وحبائله وفخاخه ممن يسرفون على أنفسهم بالذنوب والمعاصي، والله عز وجل يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30] ويقول عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران:165] وإن كانت الآيات قد نزلت في غزوة أحد، لكن كما في القواعد الشرعية الأصولية: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]. فالإنسان المضيع للواجبات، المرتكب للمعاصي والمحرمات، والمتساهل بكثير من الأمور؛ فإنه يكون أكثر من غيره وأقرب وأسهل من غيره وعرضة أن يؤثر فيه السحر وأن يقع فيه السحر. الثالث: كذلك من الأسباب التي توقع في ذلك: التساهل في مجالسة هؤلاء السحرة، فإن هؤلاء السحرة بما وقعوا فيه من الأذى لا يرضون أن يكونوا فقط هم الذين يتسخرون للجن من بين سائر من حولهم من جلسائهم وأقربائهم، فتراهم إما أن يسحروهم ثم يوقعونهم ثم يستدرجونهم لكي يقعوا في ذات السحر الذي وقع فيه الساحر، وإما يؤذونهم بذلك أو ليجعلوهم تحت رحمتهم والعياذ بالله، وإما أن يمهدوا بذلك الطريق لكي يكونوا سحرة. فمجالسة السحرة ومجالسة المشعوذين والتساهل بذلك ولو بدعوى الاستطلاع فإنه أمر يفضي إلى الوقوع فيه أو الإصابة به، وما كان صلى الله عليه وسلم ينطق على الهوى لما قال: (من ذهب إلى عراف فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) (ومن ذهب إليه وسأله ولم يصدقه -كما في الحديث- لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) ذلك من شدة التحذير والتنفير من الوقوع والقرب من هؤلاء السحرة، وما تظنون برجل يجالس السحرة والمشعوذين هل ستكون نهايته أن يحفظ القرآن؟ أو يحفظ الصحيحين؟ أو يفهم مسائل الفقه وأمور الشريعة؟ A لا، فكل يتعلم من القوم ما عندهم من البضاعة، وكل إناء بالذي فيه ينضح.

الطرق الشرعية في الوقاية من السحر والسحرة

الطرق الشرعية في الوقاية من السحر والسحرة أولاً: السحر شرك وعلاجه التوحيد، فمن أراد أن يُشفى أو يداوي مريضاً من السحر فعليه أن يعمق في قلبه قضية لا إله إلا الله، واللجوء إلى الله، والتضرع إلى الله، وأنه لا يكون شيء إلا بتدبير الله، وأنه لا يفعل أحد شيئاً لم يأذن به الله، ولا يستطيع أحد أن يقرب ما بعّده الله، أو يقبض ما بسطه الله، أو يعطي ما منعه الله، أو يدفع ما قدره الله، إذا اشتعل وتألق الإيمان والتوحيد والعقيدة في قلب الإنسان فإنه بإذن الله يكون من أعظم أسباب وقايته وشفاءه من السحر. ثانياً: ومن السبل أيضاً: الاستعاذة بالله عز وجل: فإن السحر فيه نزغات، والله عز وجل يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون:97]. ومعلوم أن القواقل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1]، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:1]، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، من أعظم الأسباب التي يدفع بها السحر بإذن الله عز وجل. ثالثاً: تقوى الله. رابعاً: الصدق مع الله عز وجل، الصدق مع الله سبحانه وتعالى، وأعجبني قصة فتاة كانت ممبتلاة بألم في رجلها أو في ساقها وفخذها وطلبوا الأطباء وأعيتهم الحيل، فجاءهم رجل عرفوا أنه مشعوذ ساحر فيما بعد، لكنه قال: أريد منكم أن تفعلوا كذا وتأتوا بكذا وتقولوا كذا وتذبحوا كذا، فقالت الفتاة: إن أراد الله أن يشل قدمي الأخرى ولا أفعل ما يقول هذا الساحر، فما أجمل التقوى وما أجمل التسليم، وما أجمل الانقياد لله عز وجل. وقد يبتلي الله عبداً من عباده ببلاءٍ عظيم كما في الحديث: (لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج من الدنيا وما عليه خطيئة) قد يقدر الله على عبد بلاء من أنواع البلاء أو سقماً من أنواع الداء والسقم ليرفع درجاته وليكفر سيئاته، لمنزلة لا يبلغها بعمله، لكن الله اختار له منزلة، فبلغها بصبره على هذا البلاء، الشاهد أن الصبر والتقوى من خير ما يدفع به السحر {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2] {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:120]. خامساً: العناية بالصدقة والإحسان فإنها من الأسباب التي تدفع البلاء والسحر والحسد بإذن الله عز وجل. سادساً: الإكثار من قراءة القرآن والأدعية المأثورة، يقول ابن القيم: ومن أنفع علاجات السحر: الأدوية الإلهية، بل هي من أدويته النافعة بالذات، فإنه من تأثيرات الأرواح الخبيثة السفلية ودفع تأثير هذه الأرواح الخبيثة السفلية يكون بما يعارضها ويقاومها من الأذكار والآيات والدعوات التي تبطل فعلها وتأثيرها، وكلما كان أقوى وأشد كان أبلغ في دفع السحر، وذلك بمنزلة التقاء جيشين، مع كل منهما عدته وسلاحه فأيهما غلب على الآخر قهره وكان الحكم له. ثم يقول ابن القيم كلاماً جميلاً يكتب بماء الذهب: فالقلب إذا كان ممتلئاً من الله، مغموراً بذكر الله، وله من التوجهات والدعوات والأذكار والتعوذات ورد لا يخل به، يطابق فيه قلبه لسانه كان هذا من أعظم الأسباب التي تمنع إصابة السحر له. ومن أعظم العلاجات له بعدما يصيبه، لكي نحمي أنفسنا أيها الأحبة من هذه الشرور علينا أن نلهج بذكر الله، وألا تزال ألسنتنا دائماً لاهجة بذكر الله سبحانه وتعالى، وهناك أذكار بعينها تدفع الشر بأنواعه منه السحر، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب -يعني كمن أعتق عشر رقاب- وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل مثل عمله أو أكثر من ذلك) الحديث متفق عليه.

ترك الصلاة مما يوقع في أعمال السحرة

ترك الصلاة مما يوقع في أعمال السحرة كذلك من الأسباب التي توقع الإنسان أي يكون عرضة لما يراد به من السحر وبضدها تكون حرزاً وحصناً من الوقوع فيه، أو الابتلاء به الصلاة مع الجماعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) رواه الإمام أحمد وأبو داود. فالذي لا يحرص على الصلاة مع الجماعة، ويتهاون بالجماعة، وينقر صلاته في بيته وحده، فذلك عرضة إذا دبر له مكيدة سحر أن يقع. فيا إخوان! كيد السحرة كثير ومنتشر في هذا الزمان، لكن الكثير من الذين يحافظون على صلاة الفجر ما يؤثر فيهم السحر، الذين يحافظون على الصلوات مع الجماعة ما يؤثر فيهم السحر، الذين يحافظون على الأذكار ما يؤثر فيهم السحر، لا تظنوا أن قلة أو ندرة المصابين بالسحر دليل على أنه أمر نادر جداً! لا، إن كيد السحرة كثير لكن الله عز وجل يدفع كيدهم بالأسباب الشرعية التي شرعها على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من الأذكار وأداء الصلوات مع الجماعة، فالحديث الذي بين أنه ما من ثلاثة في بدو أو حضر أو قرية لا يؤدون الصلاة جماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان ماذا تريد من إنسان يصلي وحده، ينقر صلاته نقر الغراب، من الساهين عن الصلاة، يصلي الظهر في آخر وقتها أو في دخول وقت العصر، يصلي المغرب في وقت العشاء وهلم جرا، ما تريد من رجل استحوذ عليه الشيطان وقد دبر له مكيدة سحر، كيف تريد له أن يسلم من ذلك؟! يقول صلى الله عليه وسلم: (قل: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء) في معرض خطاب النبي لأحد الصحابة يقول له: (اقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء). أما إذا ابتلي الإنسان بسحر فعليه أن يعتني بصدق اللجوء إلى الله عز وجل وشدة الاضطرار، والفزع إلى الله، والثقة بأن الله تعالى هو الذي قدر الأمور، وهو يكشف أنواع البلاء، ولا يدفع الضراء إلا هو، ولا يجلب السراء إلا هو عز وجل، فمن ابتلي بالسحر عليه أن يجرد التوحيد واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وليعلم أن مسبب الأسباب هو الله عز وجل، وما هذه إلا بمنزلة حركات الرياح بيد محركها وفاطرها وبارائها لا تضر ولا تنفع إلا بإذنه سبحانه وتعالى {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:107]. وقال صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) رواه الإمام أحمد والترمذي. لنعلم من هذا أن من أوائل ما يفزع إليه الإنسان حينما يبتلى بالسحر أن يفزع إلى الله وأن يحقق التوكل واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى.

مما يدفع السحر: الرقى الشرعية

مما يدفع السحر: الرقى الشرعية كذلك لا بأس بالرقى، قال صلى الله عليه وسلم: (من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه، لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً) فالرقى والتعاويذ إذا سلمت من أمور، فأولها: ألا يكون فيها شرك ولا معصية، ودعاء غير الله أو الإقسام على الله بغير الله عز وجل، رأيت عند أحد إخواننا القراء بعض الحروز من الجلد وحروز من خرق، وغير ذلك فتحناها وقرأنا الأوراق، إذ بها يا عبدوس يا شيطون أقسمنا عليكم بحق عين سين قاف، بحق حاء ميم إلا أجبتم، افعلوا عاجلاً لا تتركوا هذا العبد المسكين فإنه في كربة، فهذا دعاء للشياطين وشرك بالله عز وجل. فمثل هذه الرقى ومثل هذه التعاويذ لا تزيد إلا شركاً، فمن شرط الرقية أن تكون سالمة من الشرك ودعاء غير الله، وأن تكون بالعربية وما يفقه معناه، وألا يعتقد المرقي أو المسحور أو المبتلى أنها تؤثر بذاتها، وإنما التأثير بتقدير وتدبير الله، والله عز وجل قد جعلها سبباً مباركاً. وأنفع الرقى ما كان بالقرآن الكريم، أنفع الرقى ما كان بكلام الله سبحانه وتعالى. وبالمناسبة فإن أناساً تتقطع قلوبهم على فلان بن فلان يا ليت أنه يحصل من فلان ساعة يقرأ عليّ فأنا مبتلى، يا ليت من يذهب إلى فلان أو يعرف عند فلان واسطة كي يقرأ عليّ لأن ذاك راقٍ ممتاز، يا أخي الكريم! أنت ترقي نفسك، يوشك أن يعتقد بعض الناس أن فلاناً بيده أو عنده أو حوله أمر معين يجعله يؤثر بنفسه أو يستقل بالتأثير من دون تدبير الله عز وجل، من شدة اللغو في الأشخاص الذين يرقون. يا أخي الكريم! لا بأس أن تذهب إلى راقٍ لكن لا بأس أيضاً أن ترقي نفسك، ولا بأس أن يرقي بعضنا بعضاً، فليس من شرط الرقية أن يكون الإنسان سالماً من كل ذنب، فقد يبتلى الإنسان بمصيبة من المصائب، فلنفرض أنه مدخن والباكت في جيبه، فلنفرض أن إنساناً عنده معصية من المعاصي، يقول: لا، أنا ما يمكن ينفع الله عز وجل برقيته، لا يا أخي! ترقي ابنتك وترقي ولدك وتقرأ على أولادك، ولا تقول: لا والله أنا عندي ذنب أو عندي معصية أو مرتكب فأنا لا يمكن أن أرقي أو أستعمل هذه السبل الشرعية في دفع البلاء ومعالجة هذا السقم؛ لأن هذه الرقى هي دعاء والدعاء من كل عبد كان عاصياً أو مطيعاً، من كل عبدٍ كان مقتصداً أو كان سابقاً بالخيرات، أو مفرطاً يدعو الله عز وجل ويلجأ إلى الله والله سبحانه وتعالى يكفيه. الشاهد ألا نغلو وألا نغالي في بعض الأشخاص الذين يقرءون ونظن أنه لا يمكن أن يشفي إلا رقية فلان وقراءة فلان، لا بأس قد ينفع الله بقراءة ورقية فلان لصلاحه وتقواه ودينه، وقبل ذلك بإرادة الله الشفاء، ولكن لا نعتقد أن الإنسان إن لم يجد من يرقيه أو يقرأ عليه فإنه لا يمكن أن يستفيد من الرقى، بل أنت ترقي زوجتك وترقي بنتك وترقي أولادك وترقي نفسك، حتى لو كان عندك من الذنوب والمعاصي. فمن ادعى أن الرقية لا يفعلها إلا من هو كامل فقد أبطل كل رقيه إلا من قليل ممن رحم الله، ولا شك أن الصلاح له نفع بإذن الله سبحانه وتعالى، ولا بد للمريض أن يتيقن أن كلام الله نافع ومؤثر حتى يستفيد لأن من الناس من يقول لماذا؟ نجرب إن نفعت وإلا ما ضرت هذه الرقية، أو ما نفع هذه القراءة من القرآن، لا، إذا كنت تقول نجرب القرآن، إن نفع وإلا ما ضر فاعلم أنك لن تستفيد، لا تستفيد إلا إذا تيقنت تمام اليقين بكمال الاعتقاد أن القرآن شفاء وأنه مؤثر ونافع بإذن الله، كما يقول الله عز وجل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [الإسراء:82].

جملة من السبل الشرعية لدفع السحر

جملة من السبل الشرعية لدفع السحر من السبل الشرعية: إذا استطاع الإنسان أن يعرف أو يفتش أو يقلب أو يتوهم، ربما الإنسان يتكرر عليه في المنام رؤيا إنسان معين يشك في عداوته، وربما يرى في المنام رؤيا مكان معين تحت أو خلف الدولاب أو جنب السرير فلا بأس لو كشف مثل هذا المكان فربما وجد عقداً أو تمائم أو مشطاً أو مشاطةً أو أي شيء من ذلك تكون هي مادة السحر، وبعضهم يجعله قريباً من مكان المسحور نفسه، بعضهم يجعله قريباً من بيته، أو فرشه، في مكتبه أو أثاثه، فإذا وجد السحر واستخرج وأبطل وكما يقول ابن القيم، فهذا أبلغ ما يعالج به المطبوب، أي: المسحور وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة وقلعها من الجسد بالاستفراغ. كذلك استعمال الأدوية المباحة فإن ذلك ينفع، ومما ينفع أيضاً تناول سبع تمرات عجوة صبيحة كل يوم، ففي صحيح البخاري عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اصطبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره سحر ولا سم ذلك اليوم إلى الليل). وكذلك من الأمور المهمة: قراءة سورة البقرة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)، (اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما) (اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة) قال معاوية: بلغني أن البطلة هم: السحرة. وقراءة سورة البقرة معلوم ومجرب ونافع بإذن الله عز وجل، وقراءة آية الكرسي حين تبيت فإنه لا يقربك شيطان كما في قصة أبي هريرة، وقراءة الآيتين الآخرتين من آخر سورة البقرة كما في البخاري من حديث ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه). كذلك مما عرف بالتجربة في كتب وهب بن منبه وغيره أنه إذا سحر الإنسان سحراً، ربط به عن زوجته، أي: ما عاد يستطيع أن يجامعها، أو ضعف في جماعها بعد أن كان يعلم أن فيه قوة وحيوية في هذا الجانب، فمن الأدوية النافعة في ذلك أن يأتي بسبع ورقات من سدر، ثم يطحنها بين حجرين، ويضعها في إناء، ويسكب عليها ماءً، ثم يضربها ويقرأ عليها آية الكرسي والقواقل: قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس، قل يا أيها الكافرون، ثم بعد ذلك يشرب منها ثلاث حسيات، ثم يغتسل بالباقي فإنه بإذن الله مجرب، وأعرف كثيراً ممن ربطوا عن زوجاتهم فعلوا ذلك فنفع الله به نفعاً، ولا بأس أن يكرر استعماله مرتين وثلاث حتى بإذن الله ينجلي هذا السحر. ومن الأساليب النافعة في الرقية، رقية المسحور، أن تكرر الآيات التي فيها ذكر بطلان كيد الساحر وأن أمره في تباب، وأنه لا يفلح حيث أتى، كقوله تعالى: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:118]. وقول الله عز وجل: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف:119]. وقول الله عز وجل: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] وكقول الله عز وجل: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69]. اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم احفظنا بأسمائك وصفاتك، اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا، اللهم اكفنا شر كل ذي شر، اللهم يا رب الفلق اكفنا شر ما خلقت، واكفنا شر ما ذرأت وبرأت ومن شر كل ذي شر ومن شر ما أنزلت، ومن شر ما كان في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها. أقول قولي هذا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وجزاكم الله خير الجزاء.

الأسئلة

الأسئلة

الذهاب إلى من يدعون الصلاح ومعهم جن

الذهاب إلى من يدعون الصلاح ومعهم جن Q لدي زوجة قد ابتليت بالسحر، وذهبت بها لعدة مشايخ للقراءة عليها، وعندما يقرأ عليها تقوم بعد القراءة متضايقة جداً ولا ترغب في المنزل ولا الأولاد، وإنني الآن في حيرة، حيث ذكر لي أن شخصاً يفك السحر بمعونة من الجن ولا يسأل عن اسم أم المريض أو أب المريض، وإنما يقول له: قم فتوضأ في هذا الإناء واذكر الله كثيراً، ومن بعدها يقول له: اقرأ المعوذات وبعد القراءة للمعوذات يغطي رأس المسحور ويجعله ينظر في ماء الوضوء ويريه من الذي عمل له السحر، ويحضره في حينه ويحرقه أمام المريض ويشفى بإذن الله، ويوصيها هذا الشخص المعالج بمعاونة الجن بالإكثار من الدعاء لهم، وكثرة قراءة القرآن والأدعية المأثورة في هذا الباب للتحرز من الشيطان، أرجو الإجابة الشافية، وهل ذهابي إلى هذا الشخص يعد من الشرك والعياذ بالله من ذلك، علماً بأن الشخص لا يعمل السحر ولا يشعوذ وإنما يقرأ بعض القرآن ويقول الجن الذين معي خدم لآيات القرآن هل هذا صحيح أرجو توضيح ذلك مشكورين وجزاكم الله خيراً؟ A أما القول بأن هناك جناً خدماً لآيات معينة في القرآن فأقول والله أعلم ولا أدري عن هذا شيئاً، لكن إذا كان الشخص لا يأمرك بفعل شيء يفضي إلى الشرك والكفر، ورجل معروف في دينه وصلاحه، وربما استخدم طريقة معينة لا تتضمن أمراً شركياً وإنما هي من باب الدعاء والرقية والتعويذ، أو بعض الأدوية المجربة والأساليب المجربة، مثل قضية السدر مثلاً هذا سبب من الأسباب المجربة النافعة، فنقول: نرجو أنه مما لا بأس به، وينبغي أن يكون المسلم أصبر من الجن والشياطين، فتجد بعض الناس يقرأ مرة أو مرتين ثم يقول: مللت وكللت وسأذهب إلى ساحر حتى يفك هذا السحر، نقول: لا، اصبر يا أخي الكريم، لا يكون هؤلاء يمشون في سحرهم وفي ضلالهم ويكونون أصبر منك على هذا الكيد الذي يفعلونه، بل عليك أن تصبر على الأساليب والطرق الشرعية حتى يأذن الله بشفائك أو شفاء الأهل. على أية حال نحن عندنا شرط واضح في هذه المسألة وهو السلامة من دعاء الجن واللجوء إليهم أو الاعتقاد بأنهم يفعلون، نحن نتكلم عن ذات الشخص وذات المريض، نقول: إذا كان هذا الطبيب أو هذا الراقي يفعل أسباباً مشروعة معينة أو أموراً مجربة لم يرد في الشرع ما يحذر منها من غير الوقوع في شرك أو ذرايعها أو ما ينافي كمال التوحيد فلا بأس بذلك، أما قضية دعوى أن هناك خداماً للآيات وإلى غير ذلك فأقول: الله أعلم وما سمعنا وما عرفنا أن ذلك من الأمور المشروعة.

حكم تعلم السحر

حكم تعلم السحر Q السلام عليكم ورحمة الله: معظم البيوت تتعرض للإصابة بالسحر وذلك بوجود الشغالات الإندونيسيات أو غيرهن اللاتي يعتبرن هذا الأمر نوعاً من الدين ويقمن بدارسته من سنة مبكرة في مدارس خاصة، والناس هنا فيهم طيبة بحيث يصدقون أقوالهن وأفعالهن، بل إن بعض النساء أصبحن يتعلمن منهن فماذا تنصح أهل البيوت وخصوصاً الرجال، لأنهم هم الذين يتعرضون للسحر من هؤلاء الشغالات لأنهن يعتبرنه في ذلك من التوحيد وأنه لا يخرج من الملة ولا يعرفن أن ذلك حرام؟ A نصيحتي لأهل البيوت أولاً: أن يعمروا بيوت الله بذكر الله عز وجل، فإذا كانت البيوت عامرة بكلام الله وسنة رسول الله والأمور الخيرة النافعة فلو وجد فيها آلاف من الخدم الذين يعقدون ويفتنون والله ما يضرون مادام البيت معموراً بذكر الله، وأسماء الله وصفاته، هذا أمر. الأمر الآخر: أن كثيراً من الناس يبالغون في التلطف مع الخادمات، يقول: مسألة الخدم بلوى ابتلينا بها، كما يقول الشيخ السادات الشنقيطي: في بيوتنا ذنب نذنبه كل يوم لا نستغفر الله منه، وهو وجود الخادم. فعلاً، والله إن هذا ذنب في بيوتنا، وفي أغلب البيوت خدم بلا محارم، وذلك أمر قد عمت به البلوى وكثر به التساهل، فإذا كان ولا بد، فلا بد للإنسان أن يعتني بهذه الأمور. أولاً: ألا ينطلق في التعامل والتباسط من قبل أهل البيت، وألا يذيبوا الحواجز حتى لا يطمع هؤلاء الخدم في أهل البيت وليعاملهم معاملة العدل، فلا يجعلوهم يطمعوا فيهم، ولا يضيقون عليهم فيحقدون عليهم، لأن هؤلاء إن طمعوا فيك سحروك وآذوك وإن حقدوا عليك سحروك وآذوك، وما كل هؤلاء أيضاً من السحرة حتى لا نعمم، لكن ربما يكون فيهم من يعرف ذلك أو يحاول أن يفعل مثل هذه الأساليب، لكن خير ما يتحصن به الإنسان في أهله وبيته ذكر الله سبحانه وتعالى. أما البيت الذي لا تجد في الصالة إلا مطرباً، وما في الحجرة إلا دش، وما في الأماكن إلا صور معلقة، يعني مهيأ أن يكون ضيافة خمسة نجوم للشياطين والسحرة، فكيف تستغرب أن يكون أو أن يوجد فيه السحر والشعوذة، لكن الخير أن يكون بيت مؤمنين، بيت إيمان لا صور معلقة، ولا أغاني تفتح، ولا شر يعلن، ومثل ذلك القرآن دائماً موجود. وبعد ذلك يا إخوان! عندنا فرصة أجمل مما يكون تعلمناها من العجائز، وهي إذاعة القرآن الكريم يتركونها مدة أربع وعشرين ساعة مفتوحة في البيت فلا يستطيعون أن يقعدوا عندك بإذن الله طالما أنت تدخل وتسمي الله، إذا دخلت تقول: باسم الله، قال الشيطان: ارجعوا فلا مبيت لكم ولا طعام ولا غداء ولا عشاء. وإذا خرجت قلت: باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله إلخ كفيت وهديت ووقيت، فالأذكار تحفظ وإنما يقع الناس في هذا البلاء إذا ضيعوا الأذكار، ويا ليت المدارس الحكومية والمدارس الأهلية تفرض حفظ الأذكار على الأطفال صماً غيباً لا يضيعه أحد فإن ذلك من خير ما ينفع ويفيد. أتمنى أن يكتب عدد من الإخوة الحضور اقتراحاً إلى وزارة المعارف وإدارة التطوير والمناهج أن يُجعل الأذكار من أوائل ما يحفظه الطالب في المرحلة الابتدائية، مع تحفيظ الأسرة أولادهم هذا؛ فإنه بإذن الله ينفع، وهي أذكار بسيطة: الفاتحة وآية الكرسي وآخر البقرة والمعوذات وأذكار معينة من دخول وخروج وتعويد على البسملة، فبإذن الله هذا يجدي وينفع.

فضل آية الكرسي ومنعها السحر

فضل آية الكرسي ومنعها السحر Q هل قراءة آية الكرسي صباحاً ومساء هل تمنع من السحر؟ A نعم بإذن الله عز وجل.

كتب تساعد على معرفة السحر

كتب تساعد على معرفة السحر Q نساء يردن أن تشير إلى بعض الكتيبات التي تساعد على زيادة معرفة هذا النوع من السحر والشعوذة من حيث أيضاً ما يتقون به أسباب هذا المرض؟ A هنا كتاب انصح به اسمه: " الصارم البتار في الوقاية من السحر والشعوذة والأشرار " أو شيء من هذا للشيخ وحيد عبد السلام بالي. وهذا كتاب من أجمل وأجود وأنفع ما ألف في السحر وعلاجه.

حكم طلاق المسحور

حكم طلاق المسحور Q سؤال مفاده أن زوجين حصل بينهما طلاق بسبب عمل من أعمال السحر وهما يحبان بعضهما ولكنهما لما تزوجا حصل بينهما الكراهية ثم تفرقا، وصدر قرار الفتوى بالتفريق بينهما، فيقول: هل بالإمكان إعادة بعضهم لبعض بعد أن يتم علاجه، وكأنه يقول: هل لهذا الطلاق تأثير أو يلزم أنها لا بد أن تتزوج آخر؟ A على أية حال نحن لا نعلم الغيب، لكن إذا حصل بينهما طلاق وثبت هذا الطلاق وبقي في رصيده طلاق ما يمكن أن تحصل به الرجعة، يعني لم يكن ذلك الطلاق طلاقاً بائناً مثل أن يكون طلقة ثالثة، وإنما طلق طلقة واحدة ثم انتهت العدة ثم رأوا أن حالهما تحسنت ورغب بعضهما في بعض، فلا بأس أن يرجع من غير خضوع وخوف وضعف أنه تحت رحمة السحرة، وأن السحرة إن شاءوا فرقوهم وإن شاءوا جمعوهم، بل عليهما أن يقدما وأن يمضيا وأن يلتقيا وأن يجتمعا في رعاية ما بينهما من الود والمحبة من سالف عهدهما الزوجي، أو رعاية أبنائهما إن كانت بينهما أبناء ولا يخضعا للضعف، (استعن بالله ولا تعجز ولا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا).

ضعف الإرادة توهم بالسحر

ضعف الإرادة توهم بالسحر Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإني أحبك في الله، ماذا يصنع من يعلم أو يظن أنه مسحور؟ A كثير من الناس فيهم مرض ضعف الإرادة، يريد أن يذهب في الساعة السادسة والنصف إلى الدوام لكن الوسادة تخبط على وجهه ورأسه فلا يقوم إلا في الحادية عشرة، يريد أن يذهب إلى الجامعة في الساعة السابعة أو الثامنة فلذة النوم لا تجعله يقاوم أن يخرج إلى كليته أو معهده، يريد أن يتوجه إلى وظيفته يريد أن يعمل عملاً يريد أن يتجر يريد أن يذهب إلى السوق فتجده كسولاً جثة راقدة قاعدة لا يتحرك أبداً، ثم إذا مرت الأيام وأصبح ضعيفاً مفلساً متخلفاً قال: أنا مسحور، ما ثمة سحر، إنما هو ضعف الإرادة. فأيضاً ينبغي أن نتعلم أن الإنسان يعود نفسه على قوة الإرادة، لا تجعل نفسك بشهواتها تغلب على حي على الصلاة حي على الفلاح، إن شهوة النوم تغلب على الدوام في الوقت المناسب، والوقت المحدد، شهوة الراحة تغلب على طلب العلم والدراسة، ثم بعد ذلك نقول: أنا مسحور أنا إلى غير ذلك، لا يا أخي الكريم! ما فيك إلا ضعف إرادة، ولو أنك بت أو ذهبت قوياً منطلقاً شكيم العزيمة قوي الإرادة بإذن الله عز وجل ما يضرك شيء ولا تتوقع أنك مسحور، ولكن إذا تضاعفت وتضعضعت، وتهيأت نفسياً للسحر، يأتيك جني على الطريق ويركب في المكان الخاوي، فالإنسان عندما يهيئ نفسه للسحر ويخضع، كأنه يفتح ضيافة لهؤلاء الشياطين، وبالمناسبة كلما كان الإنسان قوياً في شخصيته، قوياً في ذاته كان الشياطين أبعد عنه بإذن الله عز وجل، فيعود الإنسان نفسه قوة الشخصية، وقوة الإرادة ولا يضعف ولا يتزعزع بأية حال، أنصح الشباب خاصة فيما يتعلق بالإرادة والعزيمة في الدراسة والعمل والطلب، في محاضرة ألقيت في أحد المساجد بعنوان: (الحزم أو الضياع) أنصح بسماع هذه المحاضرة فلعلها تعالج هذا الجانب الذي يعترض بعض الشباب أو ينتابهم من الضعف والفتور والكسل ثم يدعون أن فيهم مساً أو سحراً أو نحو ذلك.

ما يفعله من وجد حرزا

ما يفعله من وجد حرزاً Q ماذا يفعل من يجد في منزله حجاباً أو ما شابهه؟ A عليه أن يسمي بالله عز وجل وأن يفتفته وإن غمسه في ماء قد قرئ فيه كما يفعل أو كما أخبرني بعض القراء ولا أدري ما الدليل على ذلك وإن أحرقه وأتلفه فلا يضره شيء بإذن الله عز وجل.

حقيقة كتاب حوار صحفي مع جني مسلم

حقيقة كتاب حوار صحفي مع جني مسلم Q أفيدونا عن صحة كتاب (حوار صحفي مع جني مسلم) ما صحة هذا الكلام؟ A هذه الكتب لا ينبغي أن تتداول ولا تنشر ولا تطبع، وهي حقيقة فكرة تسويقية لجلب المال، وقد استطاع صاحب الكتاب بهذه الطريقة، أن يجلب من المال ما استطاع، وإلا من الذي قال لك: إن هؤلاء الجن صادقون، وما الدليل على صدق ذلك، وما هو الدليل على أنك تثير هذه القضايا، وبالإمكان غداً أن يقول لك شخص: والله الشيطان رقم ستة وثلاثين في حوار ساخن على (السي إن إن) وجمع الناس على الصحيفة هذه ونقل مثل هذه المعلومات والأخبار، هذا كلام فارغ ولا ينبغي الإقبال عليه ولا ينبغي تصديقها أبداًَ بأي حال من الأحوال. بالمناسبة أذكر أن شاباً متلبساً بالجن صلى معنا، وقال: والله أنا معي جني وكذا، ويريد أن يتحدث معك، قلت: انظر يا أخي أنا والله لست متفرغاً للإنس فهل أتفرغ للجن، لكن تعال نسمع ما عندك، فبدأ وأعطاني من هذه القصص والسواليف سمعت أول مرة، ورأيت من أحواله عجباً أغلقت عليه الباب ثم فوجئت أن الباب انفتح، والرجل يصرع في حال خروج الجني، وينفتح الباب وينغلق وكذا. ثم جاء مرة ثانية فقلت: والله لست متفرغاً وليس عندي استعداد الآن لهذه الأمور، ثم سألته حتى أتأكد من صدق دعواهم في أنهم يعلمون أو يطببون أو يعرفون، بالمناسبة بعض الجن قد يكون عنده شيء من علم الطب الشعبي أو علم الطب ببعض الأساليب الأولية وغيرها، فقلت له: إن رجلاً مبتلىً بكذا وكذا ما عندك من العلاج له؟ قال: يا أخي يكتب الآيات الفلانية ويعلقها على ظهره، قلت: إخسأ يا البعيد! ما يعلق القرآن على الظهر أبداً، هذا من وسائل الشرك لما يفضي إلى الاستهانة بالقرآن الكريم، فتلاحظ أن بعضهم يدعي أنه يفعل ذلك ثم لا يلبث إلا أن يأتي بالخزعبلات والهرطقات التي لا يقبلها عقل ولا يصدقها، فلا بد من قوة الشكيمة والعزيمة في مواجهة هؤلاء، وإن كنت ضعيفاً وتسلطوا عليك فنسأل الله أن يعيننا وإياك.

من أنواع السحر ما يقتل

من أنواع السحر ما يقتل Q هل السحر يقتل، بمعنى هل المسحور يمكن أن يموت بسب السحر الذي به؟ A نعم ممكن وكما مر معنا في المحاضرة، فإذا ثبت أن الساحر قتل بسحره أحداً فإنه يقتل قصاصاً.

نصيحة لمن يسحر الناس ولو كانوا من محارمه

نصيحة لمن يسحر الناس ولو كانوا من محارمه Q هل من نصيحة لأهل الزوجة الذين يسحرون الزوجة -ابنتهم- بسبب مشاكل بينهم وبينه للانتقام منه؟ A السحر كيد ومكر وخداع، والله عز وجل قال: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43] فكل من دبر مكراً، سحراً بمكر أو مكراً بسحر فسوف ينقلب عاقبته وشره على من فعل، والمخادع لا يخدع إلا نفسه، والذي يضر لا ينقلب إلا عليه سعيه والعياذ بالله، فينبغي أن ننتبه وأن نحذر، ولنعلم أن المقة من الله، وفي البخاري باب المقة من الله، والمحبة من الله سبحانه وتعالى، إذا قسم الله المحبة انتهى الأمر، وإذا لم تكن هناك محبة فلا نذهب نأتي له بالشعوذة والطلاسم مثل ما يقول العوام: (المطبق يصيح والملص يطيح) القضية إن لم يُقْسَم بين الزوجين محبة {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130]. ولماذا نجعل الطلاق قضية وكأنما هي قضية انشطار الكون واحد تزوج واحدة وما صار بينهم توفيق فكل يذهب بستر الله وانتهت القضية، ابحثوا لهم، دبروا لهم، هاتوا عمل، هاتوا تحبيب، هاتوا صرف، هاتوا جمع، هاتوا هاتوا إلى آخره، فإن هذا من أخطر الأمور، ثم أيضاً لا تزيد القضية إلا تعقيداً، ولا تزيد الأمر إلا بلاء وشدة وضنكاً.

علاج السحر لا يكون إلا بكتاب الله

علاج السحر لا يكون إلا بكتاب الله Q شخص مسحور وقد قيل له لا يفك سحرك إلا ساحر، فهل هذا صحيح أفتونا مأجورين؟ A قد أفتى من أفتى بذلك واستدل بكلام بعض السلف، الإنسان إذا كان في حالة اضطرار شديد جداً وعلى بلاء عظيم ولا سبيل له إلا ذلك، قد تكلم بهذا، لكن الذي عليه عامة العلماء وأئمة الدعوة ومشايخ هذه البلاد الأجلاء الأكارم أن السحر لا ينبغي أن يلجأ إلى الساحر لفك السحر، لأنه يفضي إلى استمرار السحر والسحرة أعاذنا الله وإياكم، وبالمناسبة فإن مثل هذا الكلام لا يصح أن يكون فتوى عامة، أي: من كان في بلوى خاصة في وضع معين، فله أن يذهب ويذكر جميع ظروفه وأحواله وما يتعلق به، ثم بعد ذلك يأخذ من سماحة المفتي أو الأئمة الكبار ما يطبقه تفصيلاً على واقعته وقضيته.

كيف يعرف الإنسان أنه مسحور

كيف يعرف الإنسان أنه مسحور Q كيف يعرف الإنسان أنه مسحور؟ A إذا كان لا يدري أنه مسحور فإنه غير مسحور.

نصيحة لمن لا تطيع زوجها

نصيحة لمن لا تطيع زوجها Q وماذا تنصح المرأة التي لا تطيع زوجها؟ A المرأة التي لا تطيع زوجها نذكرها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولو أني أمرت أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) فإذا كان السجود الذي لا يجوز إلا لله، لو جاز لغير الله لكان لامرأة لزوجها من عظيم حق الزوج، وبالمناسبة بعض النساء إذا اختلفت مع زوجها تظن أن هذا يبيح أن تسقط حقوقه، فربما اختلفت معه على النفقة على أمر يتعلق بالأولاد أو على فرش أو على أثاث أو على شيء متعلق بالبيت، ثم تكون حزينة، فيقول لها: يا بنت الناس أعطينا غداء؟ ما في غداء، يا بنت الناس تعالي للفراش؟ لا، يا بنت الناس كذا؟ لا. فلتعلم أنها إذا دعاها زوجها إلى الفراش ثم أبت وبات عليها زوجها ساخط لعنتها الملائكة حتى تصبح، فلو قلنا لها: يا أمة الله يا فلانة، إن الشيخ فلان وفلان يلعنونك من الآن إلى الصباح قالت: ماذا سويت وماذا فعلت أرجوكم كفوهم لا يلعنونني، إن الملائكة يلعنونك أيتها المرأة التي لا تسمعين أوامر زوجك إذا كان يأمرك بالمعروف أو في أمر تطيقينه، ولا تعجزين عنه، إلا إذا أمرت المرأة بمعصية، فلا طاعة، وإن أمرت المرأة بما لا طاقة لها به فلا طاعة.

رد الشيخ على فهم خاطئ من محاضرة سابقة

رد الشيخ على فهم خاطئ من محاضرة سابقة Q في شريطك: (حاول وأنت الحكم) بداية شريط بارك الله فيك خصصت دقيقة للدعاء الجماعي فهل لك بهذا العمل دليل شرعي أو أثر ترد إليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)؟ A أشكر للسائل هذا السؤال ولكن يا أخي الكريم لقد أوردتها على غير ما تورد. أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل ما هكذا يورد السؤال لأنك قلت: إني خصصت دقيقة للدعاء الجماعي! لا، الذي أذكر أنني قلت: ماذا تستهلك منا قراءة سبحان الله مائة مرة، كم تستهلك منا من دقيقة، وليجرب كل واحد في نفسه، فكون والله كل واحد سكت وأخذ يجرب في نفسه، ليعد كم تستهلك قراءة سبحان الله وبحمده، هل هذا دعاء جماعي؟ لا، يا أخي الكريم افهم الأمور، لا تكن كمن ساء فهماً وأساء نطقاً ونقلاً بارك الله فيك، قلت مثلاً في ذلك المجلس، قلت: يا إخوان قال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكسب ألف حسنة، وتمحى عنه ألف خطيئة، قال الصحابة: وأينا يطيق أن يفعل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: من قال: سبحان الله مائة مرة كتبت له ألف حسنة أو محيت عنه ألف خطيئة). ثم قلت: يا إخوان ليجرب كل واحد منكم كم تستغرق مائة مرة من قول سبحان الله حينما يقرؤها بينه وبين نفسه، فسكت الجميع مدة دقيقة أو دقيقتين أو ثلاث، كل واحد يقول في نفسه: سبحان الله، سبحان الله، يعني كل واحد يسبح الله ويعد لكي يعلم كم تستغرق قول سبحان الله مائة مرة من دقيقة، فإذا بها ما جاوزت الدقيقة ونصف، ويكسب بها ألف حسنة وتمحى عنه ألف سيئة، هل يسمى هذا بدعة؟ إذاً افهم قبل أن تسأل.

سداد ديون المتوفى من قبل الورثة

سداد ديون المتوفى من قبل الورثة Q رجل توفي وعليه مخالفات مرورية وفواتير هاتفية وكهرباء هل تعتبر هذه من الديون التي عليه وهي تختص بالدولة أو أنها تسقط بمجرد موته؟ A الأحوط والأحرى أن يجتهد في سدادها، وأن يجتهد ورثته من بعده في براءة الذمة منه، لا شك أن الأصل أن بيت مال المسلمين يقضي دين من مات وعليه دين ولا يوجد في تركته ما يقوم بسداد هذا الدين، فالأصل والواجب في بيت مال المسلمين أن الإنسان إذا مات أو تحمل حمالة أو دية ثم عجز عن أن يدفعها أو لم يكن في عاقلته ما يؤدي هذه الدية شرعاً، فإن بيت مال المسلمين ملزم أن يقضي عن هذا المسلم دينه، وأن يقضي عنه هذه الدية. لكن فيما يتعلق عليه من مخالفات وأمور ورسوم أو أو إلى آخره فنقول يا أخي الأحوط براءة ذمة هذا الميت، فمن المعروف أنه يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين، والقصة باختصار أن أحد الصحابة توفي، فقدم بعض الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه قال: هل عليه دين؟ قالوا: نعم ديناران يا رسول الله قال: (صلوا على صحابكم فقال أبو سعيد الخدري: علي يا رسول الله فقام صلى الله عليه وسلم وصلى عليه، فلما لقيه من غد قال صلى الله عليه وسلم له: ما فعل الديناران؟ -هل سددت؟ - قال: يا رسول الله إنهما ديناران، فلما قضاهما من بعد، قال: قضيتهما يا رسول الله قال: الآن بردت جلدته). فالذين يتساهلون بالديون ويأخذون أموال الناس وهم لا يريدون السداد أو يأخذون الأموال حتى وإن كان صندوق تنمية عقاري أو زراعي أو نحو ذلك إن وقع على عقد فتوفي، فمن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله، ومن أخذها يريد أن يؤديها أدى الله عنه، فالواجب على كل من اقترض قرضة أو استدان ديناً من الدولة أو من شخص أن يعزم في قرارة قلبه على سداد الدين ورده لأهله ولا يلقى الله عز وجل بدين.

تفسير قوله تعالى: (وما ملكت أيمانكم)

تفسير قوله تعالى: (وما ملكت أيمانكم) Q حول قول الله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36] هل قول الله ينطبق على المرأة إذا اشترت بمالها عبداً وأصبح مملوكاً لها؟ A لا، إن المرأة قد تشتري رقيقاً تملكه وتبيعه وتشتري رقيقاً عبداً وأمةً فتى وجارية، ثم يكونان رقيقين لها ويتناسلان، ونسلهما ملكاً لها، لكن للرجل إذا اشترى جارية أن يستمتع بها، لكن ليس للمرأة إذا اشترت عبداً أن تستمتع به لأن ذلك لا يجوز ألبتة. كل الأسئلة التي وردت إلينا يشيرون فيها إلى ذكر محبتهم لك في الله سبحانه وتعالى، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعنا في دار كرامته.

السلاح المعطل

السلاح المعطل لقد يسر الله عز وجل لنا أسلحة هي أشد قوة وأكثر نفعاً من أسلحة أعداء الله، ولكننا اعتمدنا اعتماداً كلياً على الإمكانات البشرية الضعيفة، وأهملنا هذه الأسلحة وعطلناها بالرغم من فعاليتها الأكيدة، وهذه الأسلحة لو استخدمها المسلمون بصدق وإخلاص لكان لها الدور الكبير في رفع راية المسلمين وتمكينهم في الأرض، وإعادة ما أخذ منهم. ألا فليعودوا ليسودوا.

الطمأنينة لا تكون إلا بالقرب من الله

الطمأنينة لا تكون إلا بالقرب من الله إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. معاشر المؤمنين: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي سبب الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وتعلمون أن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وقد بيَّن الله جل وعلا أن من صفات المؤمنين الجميلة الإيثار والإخلاص والبذل والتضحية يقول جل وعلا: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]. أيها الأحبة: كل يعرض للنكبات والمصائب، وكل ينال حظاً من الجراح والآلام، ولكل شيء ضد، ولكل وجود فناء، ولكل بداية نهاية، ولكل نهاية غاية، وأحوال البشر في الدنيا متقلبة، هذه الدنيا سميت دنيا؛ لأنها دانية دنية وضيعة، طبعت على كدر وأنت تريدها صفو من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار واعلموا أنه ليس لأحدٍ من البشر أن ينال حظاً من الاستقرار على وجه هذه البسيطة إلا بقدر قربه وصلته ودنوه من الله جل وعلا، فمن كان إلى الله أقرب كان حظه من التوفيق والطمأنينة والاستقرار أوفر، ومن أعرض عن ذكر الله وكان بعيداً عن شرع الله فإنه يلقى جزاءه: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:118] {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. والحاصل -يا عباد الله- أن البشر لا يمكن أن ينالوا حظاً مستقراً مستمراً أبدياً أزلياً إلا بقدر قربهم من الله جل وعلا: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:96]. معاشر المؤمنين: إياكم والركون إلى الدنيا، إياكم والطمأنينة بها، إياكم والخلود إليها، وإياكم والثقة بما فيها، فإن هذه الدنيا شاهدة على الأمم الغابرة والأمم السالفة أنها قلبت فيها أحوالاً وأوضاعاً ودولاً. لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الحياة كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شان يا راتعين وراء البحر في دعة لهم بأوطانهم عز وسلطان أعندكم نبأ من أمر إخوتنا فقد سرى بحديث القوم ركبان يا رب طفل وأم حيل بينهما كما تفرق أرواح وأبدان وغادة ما رأتها الشمس إذ بزغت كأنما هي ياقوت ومرجان يقودها العلج للمكروه مكرهة والعين باكية والقلب حيران لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان فيا معاشر المؤمنين: لا شك أن الطمأنينة في هذه الدنيا، وأن القرار والبقاء على عز وطمأنينة لا يمكن أن يكون لأحد أبداً إلا بقدر قربه وحظه من الله، ولكن: أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض إن المصائب بعضها أهون من بعض، فهناك من المصائب ما هو في الزلازل والبراكين، وهناك من المصائب ما هو في الأموال والتجارة، ومن أعظم بل أشد المصائب مصيبة كسر الدين: وكل كسر فإن الله يجبره وما لكسر قناة الدين جبران ويليها مصيبة الناس في العرض: أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال معاشر المؤمنين: المصائب مختلفة ودرجاتها متفاوتة، لكن إذا حلت جملة واحدة فليس للعباد في قليلها وكثيرها إلا أن يفزعوا إلى الله وأن يتضرعوا إلى الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50] الفرار الفرار، والنجاة النجاة، والعودة العودة، والأوبة الأوبة، والتوبة التوبة بالرجوع إلى الله جل وعلا، عند ذلك يكون شأن المسلم أعظم مما هو عليه، وأما من يصاب بمصيبته ولا يلتفت في أمر وقيعته فذلك قد يكون من الذين قال الله فيهم: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19].

واجب الأمة عند نزول الكوارث والمصائب

واجب الأمة عند نزول الكوارث والمصائب معاشر المؤمنين! نسوق هذه النصوص والأحاديث عن الأخوة لكي نعرف دورها في أحوال الكوارث، ولنعرف قدرها وفاعليتها وطبيعة فعلها وعملها حال الكوارث والنكبات والمصائب، وعند ذلك -أيها الأحبة- حينما تحل كارثة بأي أمة من الأمم فإن من أول واجباتها أن تضرع إلى الله، وتفزع إليه، وأن تعلم أن هذه الأبدان وهذه الأرواح خلقها الله ورزقها على الله، وآجالها بيد الله، ونواصيها بيد الله وقلوبها بيد الله، فالذي خلقها يحفظها، والذي أحياها يميتها، والذي أماتها يبعثها، والذي بعثها يحشرها، والذي حشرها ينشرها، وهو أعلم بكل أحوالها وأفعالها، فالفرار الفرار إلى الله، ما من أحد تفر منه إلا إلى غيره، إلا الله فإنك تفر منه إليه، تفر من الله إلى الله. فيا معاشر المؤمنين! حينما تحل كارثة بأمة من الأمم فإن أول واجباتها الفرار إلى الله جل وعلا، والعودة إليه؛ لأن هذا مقتضى العقيدة، ومقتضى التوكل، ومقتضى الثقة بالله جل وعلا، أول ما يصيب المؤمن من أي فتنة أو بلاء من قليل أو كثير، أول ما يلزمه العودة إلى الله، يعود إلى الله بماذا؟ بتفقد حاله، هل هو عزيز على الله أم ذليل على الله؟ إذا أصابتك مصيبة ينبغي أن تفزع وأن تضرع إلى الله. هل أنت مستهين بشرع ربك؟ وعند ذلك إذا عرفت موقعك من ربك بين العز والذل، وبين الكرم والإهانة، إذا عرفت موقعك من هذه المنازل عليك أن تحاسب نفسك حساباً شديداً: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} [آل عمران:165] من أين جاء لنا هذا؟ من أين أصابنا هذا؟ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] بل إن رحمة الله ومنة الله وفضل الله وسعة جود الله جل وعلا تجعلنا في نعم ونحن لا نستحقها، لكن: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:45]، {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ} [يونس:11] لو حصل لهم هذا ما بقي أحد يدب على الأرض أبداً. فيا معاشر المؤمنين: اعلموا أن من أول واجبات أي أمة من الأمم حينما يصيبها أي أمر من الأمور والأقدار أن تفزع إلى الله، وأن تضرع إلى الله، وأول درجات الفزع والضراعة إلى الله أن تعرف موقعها هل هي قريبة أم بعيدة من الله؟ فإن كانت قريبة فلتزدد في القرب درجات، وإن كانت بعيدة فلتتب إلى الله من الخطايا والسيئات، ولتتقرب إلى الله بترك المعاصي والمنكرات، فإن ما عند الله لا يستجلب بمعصيته، وإن ما عند الله لا يستدر بمخالفة أمره، وإن ما عند الله لا يستنزل بارتكاب ما نهى عنه، بل إن ما عند الله يستدر ويستنزل ويطلب ويستجلب بطاعة الله جل وعلا.

قصة أصحاب الغار

قصة أصحاب الغار إن التوسل إلى الله يكون بالأعمال الصالحة، وبأسمائه وصفاته، وكثير من البشر يتوسلون إلى الله بالسفر إلى الخارج، ويتوسلون إلى الله بالسهر في الليل، ويتوسلون إلى الله باستعمال نعم الله من بصر وسمع في رؤية وسماع ما حرم ونهى، ويتوسلون إلى الله برؤية الأفلام والمسلسلات، ويتوسلون إلى الله بالسكوت على المنكرات، أم يتوسلون إلى الله بترك الصلوات مع الجماعة في المساجد. إن التوسل يكون إلى الله بالأعمال الصالحة، ويكون بالصدقات وبالصيام وبالصلوات وبتقوى الله جل وعلا، وبمراقبتة جل وعلا، وبترك ما نهى الله عنه، وبفعل ما أمر به، عند ذلك يكون التوسل مشروعاً. إن الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانحدرت الصخرة من الجبل، فانطبق الغار عليهم بهذه الصخرة، التفت بعضهم إلى بعض يدفعون هذه الصخرة ومع ذلك لم يستطيعوا أن يدفعوها عنهم، هل عندهم اتصالات لا سلكية حتى يقولوا: أرسلوا لنا النجدة فإن الصخرة أطبقت الغار علينا؟ ليس ذلك عندهم، ولم يفكروا في ذلك، بل قال أعقلهم وأنبلهم: (إنه لن ينجيكم مما أنتم فيه إلا أن تتوسلوا إلى الله بصالح أعمالكم). في هذه الكربة وفي هذه المحنة والشدة وفي ظلمة الغار وانطباق بابه وانسداد فوهته، إنه لن ينجيكم إلا أن تتوسلوا إلى الله بصالح أعمالكم، فقال الأول: اللهم إنه كان لي أبوان وكنت لا أغبق قبلهما أحداً، حتى يغتبقان أو يشربان، وإني جئت ذات ليلة والصبية يتضاغون -أي يصيحون من العطش والجوع- فما أردت أن أسقي الصبية قبل والدي، فانتظرت حتى بات الصبية على بكاء وجوع، ولما استيقظ أبواي ولم أشأ أن أوقظهما من نومهما جعلتهما يغتبقان ويشربان فلما شربا ناولت فضلتهما للذرية والولد، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء ما عندك ورغبة فيما عندك ففرج عنا ما نحن فيه، تقرب إلى الله ببره بوالديه، البر بالوالدين من أعظم القربات -يا عباد الله- فما الذي كان؟ انفرجت الصخرة شيئاً قليلاً. وجاء الآخر وقال: اللهم إنه كان لي ابنة عم وكنت شغوفاً بها شغف الرجال بالنساء، وكنت أراودها عن نفسها فتأبى، وإنها أصابتها سنة -أي قحط وجدب- ثم جاءت إلي شاكية باكية محتاجة، فقلت: لا أعطيك من المال حتى تمكنيني من نفسك، ثم إنها تحت وطأة الحاجة والجوع والألم قبلت ورضيت أن تمكنه، فلما أعطاها المال، ثم جلس منها أو دنى منها مجلس الرجل في الجماع من زوجته، وأراد أن يبدأ بفعله، قالت: اتق الله، ولا تفضن الخاتم إلا بحقه، فانتفض وقام عنها وهو يقول: اتقيت الله، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك وطلباً فيما عندك، اللهم فرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً أكبر من ذي قبل، إلا أنهم لا يمكنهم الخروج. ثم جاء الثالث وقال: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً فذهب ولم يقبض أجرته، ثم إني نميت ماله فتنامى المال بالشاء والنعم والغنم، ثم جاءني ذات يوم يطلب ماله، فقلت له: أترى هذه النعم التي في الوادي؟ قال: نعم. قال: هذه أجرتك، فاذهب وخذها، قال: أتهزأ أو تسخر بي؟ قال: لا والله إنما هي أجرتك نميتها لك، وكل هذا من مالك اذهب فاخذ أجرتك، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاءً فيما عندك وابتغاء وجهك، اللهم فرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا أحياء بعد أن عدوا في عداد الأموات. نعم يا عباد الله! يتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وترفع الأكف بالضراعة إلى الله بالعمل الصالح. فيا معاشر المؤمنين إن أول أمر حينما تحل مصيبة بأمة الإسلام أن نضرع إلى الله، وأن نفزع إلى الله، وأن نتقرب إلى الله، الذي خلقنا من العدم فهو قادر على أن ينجينا وينجي أمة الإسلام مما هي فيه.

الدعاء وأثره

الدعاء وأثره معاشر المؤمنين! ثم ماذا بعد ذلك؟ الدعاء: أتهزأ بالدعاء وتزدريه ولا تدري بما فعل الدعاء الدعاء شأنه عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: (يرتفع الدعاء وينزل القضاء فيعتلجان في السماء فأيهما غلب على الآخر غلب عليه) ولا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يدفع البلاء إلا الدعاء، ولكن كثيراً من المسلمين تركوا سلاحهم هذا. سلاح الدعاء تركناه وراءنا ظهرياً، والبعض لا يرفع يديه ألبتة، وبعضهم يظن أو يرفع يديه وهو موقن أنه لم يسمع، أو موقن أنه لا يأبه بدعائه، لماذا هذا اليأس وهذا القنوط؟ لماذا يا عباد الله؟ وأنتم يا من في هذا المسجد لو وقفتم على باب أحد البشر تسألونه شيئاً استحى أن يرد ألفين أو ثلاثة آلاف خائبين أو أن يرد واحداً منهم، والله لو وقف هذا الجمع على باب واحد من الناس يسألونه أمراً من الأمور أو يستشفعون بين يديه في حاجة من الحوائج، ولو في قود الدماء وإزهاق النفس لعفا قبولاً لشفاعة هذا الجمع، فما بالكم لو رفعتم أيديكم إلى الله الذي هو أجود الأجودين وأكرم الأكرمين يستحي أن يرد عبده خائباً، ويستحي أن يرد يد عبده خاوية أو أن يرده خائباً. عباد الله! وإذا بليت ببذل وجهك سائلاً فابذله للمتفرج المفضال الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب يا معاشر المؤمنين: والله إن عندنا سلاحاً من أقوى الأسلحة ما جربناه وما استعملناه، ألا وهو الدعاء، فيا للأسف! ويا للمصيبة! أن يكون أعداؤنا الكفار يثقون بربهم في باب الدعاء أعظم من ثقة المسلمين بربهم. أقول لكم أمراً من الأمور: في بلد من البلدان وليست بعيدة جماعة من النصارى أصابهم قحط وجدب فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأطفالهم وصبيانهم ودخلوا الكنائس، ثم أخذوا يدعون ربهم أن ينزل عليهم الماء، فما خرجوا إلا وقد سقوا الماء، نصارى كفار يسألون الله الغيث فيغيثهم. نعم. إن رحمة الله واسعة ولولا أن رحمته واسعة ما جعل الكافر حياً على الأرض، وما جعل للكافر عيناً ولا سمعاً ولا رجلاً ولا يداً، لكنه سبحانه سنته ماضية: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] أي: مضطر ولو كان كافراً حينما يلجأ إلى الله فإن الله يجيبه، فهل نحن معاشر المسلمين معاشر المؤمنين الموحدين! هل لجأنا إلى الله لجوء الاضطرار؟ هل فزعنا إلى الله فزع المحتاج؟ الذي يعلم أن السبل إذا انقطعت به ليس له سبيل إلا سبيلاً وحبلاً بينه وبين ربه، وهذا قليل في المسلمين هداهم الله. واعلموا -أيضاً- أن قائداً نصرانياً كان يرسل فرقة عسكرية وقبل أن يرسلها طلب من البابوات والرهبان والقسس أن يجمعوا الناس في الكنائس وأن يدعوا الرب لهذه الفرقة العسكرية المقاتلة، هذا ثقة أعداء الإسلام بربهم، هذه ثقة أمم كافرة بربها، فما حد ثقتكم أنتم بالله جل وعلا؟! إذا كان الدولار مكتوب عليه كلمة إنجليزية معناها نحن نثق بالله، فاعلموا يا معاشر المؤمنين! أن حاجتنا إلى الثقة والفزع والقرب واللجوء، والاضطرار إلى الله أحوج من أولئك الكفار، فيا معاشر المؤمنين! أين حظنا من هذا؟! أين حظنا من الله جل وعلا؟! يوم أن غزا نابليون مصر ماذا حصل؟ قام العلماء بجمع الناس في الأزهر وفي المساجد، وجمعوا طلبة العلم وحفظة القرآن حتى من الصبيان الصغار، وقالوا لهم: اقرءوا القرآن واقرءوا صحيح البخاري، وادعوا الله وتضرعوا حتى انقلبت المصيبة على ذلك الغازي الفاجر ورده الله مهزوماً. يا معاشر المؤمنين: الدعاء سلاح معطل، الدعاء في الوتر، والدعاء في الفجر، والدعاء في القنوت، وفي السجود، وفي كل الأحوال، لماذا نعطل سلاحنا؟! هل بلغ بنا الهوان إلى حد نجد معنا سلاحاً ثم نعجز أن نرفعه ونحمله؟! هل بلغ بنا الهوان أن نجد في قلوبنا دعاء فلا نرفع أيدينا لنتلفظ به؟! هذه مصيبة عظيمة، أسأل الله ألا نكون من الذين قال الله فيهم: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67] ولا حول ولا قوة إلا بالله! إن كفار قريش، وكفار الأمم السالفة كانوا يعرفون صدق اللجوء إلى الله جل وعلا، يقول الله سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ} [العنكبوت:65] دلت أنهم لما دعوا الله مخلصين نجاهم من أمواج البحر المتلاطمة: (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] مع ذلك استجاب الله فزعهم ولجوءهم واضطرارهم، فهل تفزعون إلى الله؟ هل تلجئون إلى الله؟ هل تدعون الله دعوة المضطر؟! {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} [غافر:60] الله الذي خلقكم يقول لكم: ادعوني، وأنتم تقولون: لا. مستحيل! نستحي ندعوك يا رب؟ لا نستطيع أن ندعو، إذا كان الكفار دعوه فأجابهم، أفلا تدعون أنتم يا معاشر المسلمين؟ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر:60] فدل على أن من ترك الدعاء خشية أن يكون قد تركه كبراً والعياذ بالله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]. ويقول سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] لكن أين من يدعو؟ عطايانا سحائب مرسلات ولكن ما وجدنا السائلين وكل طريقنا نور ونور ولكن ما رأينا السالكين عجباً للخلق والعباد في هذا الزمان. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

بماذا يدفع البلاء؟

بماذا يدفع البلاء؟ الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. اللهم يا من بيده مقاليد السموات والأرض، اللهم يا من الأرض يوم القيامة في قبضته، والسموات مطويات بيمينه، اللهم يا من وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما، اللهم يا من لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، اللهم يا من يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، اللهم يا فرج المكروبين، اللهم يا نصير المستضعفين، اللهم يا إله الأولين والآخرين، نسألك اللهم أن تدفع البلاء عن أمة المؤمنين، اللهم إنا نسألك ونحن نثق أن مقاليد الأمر بيدك، وأن نواصي العباد بيدك، وأن قلوب العباد بيدك، وأن الأمر إليك أولاً وآخراً، يا من تعز من تشاء وتذل من تشاء، يا من تخفض وتبسط، يا من ترزق وتمنع، يا ربنا يا خالقنا يا مولانا، يا من خلقتنا من العدم، يا من أوجدتنا من العدم وخلقتنا نطفاً ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم إلى هذا الوجود بأمرك خرجنا، وترعرعنا على ما رزقتنا، اللهم إنا خلق من خلقك وعبيد من عبيدك، نسألك اللهم أن تحمي حوزة الدين، اللهم احم حوزة الدين، اللهم احم الشريعة والكتاب والسنة، اللهم احم حوزة الدين، اللهم إنا نسألك أن تديم هذا الدين على قلوبنا رأفة ونعمة، اللهم اجعلنا جنوداً لدينك وأنصاراً لكلمتك وجنوداً لرايتك، اللهم احفظنا بلا إله إلا الله، اللهم إنك تعلم وفي علمك أن تزول السماوات والأرض أهون عليك من أن يسفك دم مسلم، اللهم لا تعذبنا وأنت بنا راحم، اللهم لا تعذبنا وأنت علينا قادر، اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله عدد ما مشى بين الأراضين ودرج، والحمد لله أولاً وآخراً، والحمد لله الذي بيده مفاتيح الفرج، ربنا إليك لجأنا ربنا إليك فزعنا، وعند بابك أنخنا، اللهم لا تسلمنا، اللهم احفظنا، اللهم اكلأنا برعايتك واحفظنا بحفظك يا رب العالمين يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك بمنك وجودك وكرمك وفضلك؛ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، وأنت على كل شيء قدير، لا يكون في هذا الكون أمر إلا بعلمك وقدرتك ومشيئتك، نسألك اللهم أن تحفظ أعراض المؤمنين والمؤمنات، اللهم احفظ أعراض المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات. معاشر المؤمنين! تقربوا إلى الله بالبكاء بين يديه، تقربوا إلى الله باللجوء إليه، تقربوا إلى الله بالصدقات وترك المنكرات، يقول الله جل وعلا: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:43] إن من العباد من لا يزال في غفلته، وإن من الشباب من لا يزال في ضلالته، وإن من الناس من لا يزال في لهوه. عباد الله! نحن نرى المصائب تحل بالمسلمين تترا وما منا من أخرج اللهو عن بيته، والغناء عن بيته، والفساد عن بيته، يا عباد الله! ألا نخشى أن نكون من الذين قال الله فيهم: {فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس:88] أو من الذين قال الله فيهم: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101]. لا حول ولا قوة إلا بالله! إن من رأى ما يحل بالمسلمين حوله ولا يزال في غفلته وفي ضلالته، فذلك دليل على موت بصيرته وعلى هلاك قلبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. معاشر المؤمنين: يقول صلى الله عليه وسلم: (لئن تزول السماء والأرض أهون عند الله من أن يراق أو يسفك دم مسلم) ولكن من هو هذا المسلم؛ أهو الذي يملأ سهره بالعبث ونهاره بترك الصلوات، وتجارته بالربا والمحرمات؟ أم ذلك المسلم الذي يتقرب إلى الله بالطاعات؟ أيها المسلم! قيمتك عند الله غالية: لئن تزول السماء والأرض أهون عند الله من أن يراق دمك، إذاً فارفع يدك إلى الله والجأ إلى الله، واعلموا يا معاشر المؤمنين! أن الصدقة وإطعام الطعام وإفشاء السلام وتصفية القلوب من الضغائن والإحن والحسد والعداوات، من أعظم الأمور التي يدفع بها البلاء، يقول الله جل وعلا في وصف المؤمنين: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:8] ويقول سبحانه في بيان شأن أولئك الذين دخلوا النار قالوا: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:42 - 45]. ويقول تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:1 - 3] فأطعموا المساكين وتصدقوا وصوموا وتوبوا، ومن الليل قوموا وتهجدوا، واسألوا الله أن يرفع البلاء عن الأمة، فوالله ثم والله لو اجتمعت قوى الأرض وكان بعضها لبعض ظهيراً ما استطاعت أن ترد من قدر الله أمراً، إلا الدعاء فإنه بفضل من الله وبرحمة ومنة من الله فإن الله بقدره يجعل الدعاء قدراً يدفع هذا القدر النازل بالبلاء، فادعوا الله وتضرعوا واحرصوا على تفريج كربات المسلمين، وإياكم والشماتة بأحوال المسلمين. معاشر الشباب! معاشر الرجال! معاشر الآباء والإخوان! لا بد لكل مسلم أن يكون له دور ومجهود في هذا الأمر، فينبغي لكل شاب ولكل رجل وليست هذه مسئولية من يعد نفسه ملتزماً أو متديناً وأن من ليس كذلك معفىً عن المسئولية، إننا نبدأ الحليق والمسبل بهذه المسئولية قبل الملتحي والمتدين، أقول للأول: عد إلى الله وأنت من جنود الله ومن أنصار دين الله، بادر بخدمة المسلمين وتفقد أحوالهم، وعليك بالصدقة والدعاء فإن الله جل وعلا يجعل لهذا أثراً، ولا يكون الكفار أفضل منكم يا عباد الله، الله جل وعلا يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73]. يوم أن بدأ سور برلين يهدم ثم بدأ الناس يتسللون منه وقف الألمان الغربيون على أبواب الطرقات وأفواه السكك يقفون بالملابس والأطعمة والأشربة والأموال يعطونها الذين يهاجرون من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية، فأنتم يا معاشر المؤمنين! تفعلون ذلك لوجه الله، ابذلوه لإخوانكم، وقفوا مع المسلمين في مصائبهم وفي نكباتهم، واعلموا أن لهذه البلاد -أسأل الله ألا يكلها إلى نفسها وألا يكلها إلى جهودها وألا يكلها إلى ما عندها- لهذه المملكة ولله الحمد والمنة، دور طيب في إطعام الطعام وأعمال الإغاثة، نسأل الله جل وعلا أن يجعلها سبباً لدفع البلاء عن المسلمين. يا شباب الأمة! يا رجال الأمة! إياكم والترف فإنه مصيبة وهو سبب البلاء الهوان، يقول الله جل وعلا: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] إياكم والترف والإسراف في الولائم وفي المناسبات، فإن من أسرف وجاوز حده في الطغيان في أي أمر من الأمور كان حرياً بالعقوبة والعقوبات إذا نزلت تعم، نسأل الله أن يدفع البلاء عن المسلمين. ما رأيكم -يا عباد الله- لو أن المسلمين اقتصدوا في مناسباتهم وأفراحهم وولائمهم وجميع أعمالهم، وما زاد من ذلك يدفع صدقة لله، ولوجه الله جل وعلا، فإننا والله ندفع عن أنفسنا بلاءً عظيماً. ثم اعلموا يا عباد الله! أن ليس لكم إلا الله، وليس لكم مفر ولا منجى ولا ملجأ إلا إلى الله وحده، فثقوا بالله ثقة حقيقة، ولا تعلقوا آمالكم بشرق أو غرب، بل علقوا ثقتكم بالله، واسألوا الله جل وعلا أن يسخر لكم من هو فوقكم ومن هو دونكم، نسأل الله أن يسخر لنا من هم أقوى منا ومن هم دوننا، وليس هناك أحد أقوى منا إذا كنا آمنا بالله حق الإيمان واليقين. فيا معاشر المؤمنين! عليكم بالثقة بالله والتوكل على الله، والفزع إلى الله، إن من الشباب هداهم الله من يتتبعون أموراً حينما يحدث في الكون ما يحدث يسألون: ماذا فعل أولئك؟ وماذا قدم أولئك؟ لا. ينبغي أن تكون ثقتنا بالله، وضراعتنا إلى الله، وفزعنا إلى الله، وعند ذلك -يا معاشر المؤمنين- لن نكون عند الله في حظ من الهوان، بل إن الله جل وعلا لن يخيبنا.

إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم

إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم وإني أرجوكم وأطلب منكم من هذا المقام أن تتبعوا كبار السن من العجائز والشيوخ وأن تخصوا بالصدقات المحتاج منهم، ومن ليس محتاجاً، ابحثوا عنهم وتتبعوهم في منازلهم وقولوا لهم: اسألوا الله أن يحمي حوزة الدين. ابحثوا عن الناس في بيوتهم، ابحثوا عن العجائز والشيوخ، ليس في هذه المدينة فحسب، بل في القرى والحواضر والبوادي، رب عجائز هم أفضل عند الله من خلق كثير، رب شيوخ هم أفضل عند الله من أمم كثيرة، فتتبعوا الناس الذين تعرفون فيهم الصلاح، واسألوا إن كنتم لا تعرفون، هل تعرفون أناساً منقطعين للعبادة من كبار السن من الصالحين والصالحات، من القانتين والقانتات، من العابدين والعابدات؟ تتبعوهم في مختلف مدن المملكة واطرقوا عليهم الأبواب، وقبلوا رءوسهم وما بين أعينهم، وإن كانوا محتاجين فتصدقوا عليهم، واطلبوا منهم أن يسألوا الله للإسلام والمسلمين وأن يحفظ هذا الدين، وأن يحمي حوزة الدين، وأن يحفظ أعراض المؤمنين، اطلبوا منهم ذلك فإن الله لن يخيبنا ولن يخيبهم، وربما أجيب دعاء بعضنا ببركة بعض. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم كما جعلت هذه البلاد آمنة مطمئنة وهي الآن تعيش في طمأنينة قال تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً} [القصص:57] وما حولها في تخطف وهلاك، نسأل الله أن يديم الطمأنينة علينا وألا يَجرُؤ الأعداء علينا، وأن يرفع البلاء عن جيراننا وعن إخواننا، اللهم انصر المسلمين، اللهم ارحم المستضعفين، وأجب دعاء المؤمنين، اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، لا حول ولا قوة لنا إلا بك. نسألك اللهم أن تنصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المؤمنين في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المؤمنين، اللهم أهلك الكفار والمجرمين، اللهم عليك بمن أرادوا بالمسلمين سوءاً، نسألك اللهم أن تفرق شملهم وأن تشتت جمعهم، اللهم أرسل عليهم ريحاً كريح عاد وثمود، اللهم إنا نسألك يا من لا يرد أمره شيء، نسألك اللهم أن تعجل البلاء بالفجرة والمجرمين، اللهم اجعل الفرقة والخلاف في دورهم وفي بيوتهم وفي بلدانهم وفي مدنهم وفي أنفسهم، اللهم اضربهم بالرعب، اللهم اضربهم بالفزع، اللهم اضربهم بالهلاك، اللهم خرب بيوتهم بأيديهم، اللهم كما خرب اليهود بيوتهم بأيديهم في زمن نبيك نسألك اللهم أن تسلط على هؤلاء بلاءً يجعلهم يدمرون بيوتهم بأنفسهم، وأن تخرج المؤمنين الصالحين المتقين من بينهم سالمين يا رب العالمين. اللهم عليك بالفجرة الذين يريدون العدوان على أراضي المسلمين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، اللهم اجعلهم صرعى ومجانين، اللهم إن زرع الباطل قد نمى ودنا حصاده؛ اللهم هيئ له يداً من الحق حاصدة تستأصل شروره وتجتث جذوره.

الشباب اللاهثون

الشباب اللاهثون كم سعى أناس ولهثوا وراء الشهوات ليس في أمتنا أو زماننا فحسب، بل في كل الأمم وعلى مر العصور، فما كانت النتيجة؟ إن من لم يتب منهم فحاله كما حكى الله: ((وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً)) فلست وحدك أول من سلك هذا الطريق وراء الشهوات، فلك عبرة بمن سلف، ولك قدوة في نبيك وأصحابه إن أردت الخلاص. فإلى كل من ضيع أيامه وساعاته في معصية نقول لك: إن الباب مفتوح فسارع إلى مغفرة وجنة.

من هم اللاهثون؟

من هم اللاهثون؟ الحمد لله، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله على آلائه التي لا تنسى، الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، الحمد لله خلقنا من العدم وهدانا إلى الإسلام ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ومن كل خير سألناه أعطانا، الحمد لله على كل حال، الحمد لله الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله يا أهل رابغ نشهد الله أنا نحبكم في الله، ونسأله جل وعلا بأسمائه وصفاته واسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، أسأل الله لكم يا أهل رابغ ولنفسي ولإخواني المسلمين أن يجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاجعة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، ربنا لا تدع لهذه الوجوه في هذا المكان الطيب ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا كسيراً إلا جبرته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته. إلهنا أنت تعلم مقامنا وتعلم يا ربنا أننا اجتمعنا نرجو جنتك ونخشى عذابك، إلهنا جئنا واجتمعنا بأحبابنا وجلس أحبابنا إلينا، والله لا نريد منهم ولا يريدون منا جزاءً ولا شكوراً من عرض الدنيا ومتاعها الفاني وإنما جئنا نستغفرك اللهم لذنوبنا، ونستجديك العون لحياتنا، ونسألك الاستقامة في سبيلنا. أيها الأحبة موضوع محاضرتنا هو: (الشباب اللاهثون) وقبل أن أخوض في الموضوع فإني أشكر الإخوة الذين يعملون في مكتب الدعوة للتعاون التابع لإدارة أو رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وأسأل الله أن يجزيهم وأن يجزي إمام الجامع هذا خير الجزاء، وأن يوفقه ويعينه على تحمل أعباء الدعوة وإخوانه المشائخ الفضلاء وطلبة العلم النبلاء. أيها الأحبة الشباب اللاهثون، اللاهثون: جمع لاهث، واللاهث هو الذي يركض يمنة ويسرة، ويرمي ببصره ويلتفت بعنقه ويسارع خطوه، ويحرك يده، ويشرئب ببصره يمنة ويسرة، ومن شدة الجهد والعناء والسير تجده يلهث، يتراد النفس، تجد الزفير والشهيق في نفسه متتابع، ولكن إلى أين؟ ومن أين؟ ولأجل من؟ وفي سبيل من؟ وعلى طريقة من؟ شباب لاهثون هم من أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا وأحبابنا وأقاربنا وقريباتنا، ألم تروا يوماً من الأيام شباباً يملئون الأرصفة والطرقات؟ ألم ترو يوماً من الأيام شباباً يتسكعون في الأسواق؟ ألم تروا يوماً من الأيام شباباً يجوبون الطرقات بسيارتهم ذاهبين آيبين؟ ألم تروا يوماً من الأيام شباباً أضناهم التشجيع وأتعبهم التصفيق والنعيق والتطبيق لكل ما يرونه من زبالات الحضارة الأجنبية وحثالات الفكر المستورد؟ ألم تروا شباباً ضاع وقتهم بين الأفلام والمسلسلات وأشرطة الفيديو ومسلسلات التلفاز؟ ألم تروا شباباً ضاعت أسماعهم في سماع الأغاني والملاهي؟ ألم تروا جيلاً ربما تعب جسده وأضنى بدنه وراء الرقص والطبلة والمزمار؟ ألم تروا شباباً يتابع آخر فريق فاز وآخر دوري نصب، ومن هو الذي نال الكأس، ومن هو الذي رشح للبطولة، ومن الذي تقدم لدوري الأربعة؟ ألم تروا شابات أشغلتهن موضات الأزياء ومجلات البُردَ؟ ألم تروا جيلاً أشغلهم السهر يتبادلون السجائر والأحاديث التي لا فائدة فيها؟ ألم تروا هؤلاء؟ هؤلاء هم شريحة اللاهثين. أولئك يلهثون ويتعبون، وتجد أحدهم يوم أن تجده قافلاً إلى بيته وتقول: يا فلان تعال معي خمس دقائق. يقول: أنا الآن تعبان، أنا الآن نفسي يتطاير، أنا الآن نفسي يتصاعد. تجده يلهث من شدة التعب والمشقة، لكن من أين؟ من الجهاد في سبيل الله؟ من الدعوة إلى الله؟ من مساعدة المنكوبين؟ من إغاثة الملهوفين؟ من طلب العلم؟ لا، جاء متعباً، جاء مضنىً، جاء منهكاً، ولكن من أين؟ جاء من معصية، أو من قضية تافهة، أو أمر لا يليق أن ينشغل به بشر كرمه الله جل وعلا وخلقه الله سبحانه وتعالى، وجعل فيه السمع والبصر والفؤاد، وخلقه في أحسن صورة وأحسن تقويم، وأسجد الملائكة لأبيه، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلاً، وحمله في البر والبحر، بشر أكرمه الله بهذه النعم ثم تراه بعد ذلك يأبى ويرفض ويرد كرامة الله ويختار النجاسة والزبالة والوحل والوضيعة والنقيصة والهوان!! أولئك هم اللاهثون، اللاهثون وراء الشهرة، اللاهثون وراء الوظيفة، اللاهثون وراء المنصب، اللاهثون وراء اللذة الجنسية والشذوذ الأخلاقي، اللاهثون وراء الفاحشة، اللاهثون وراء المعصية، اللاهثون وراء ما لا ينفع، واللاهثون وراء كل ما يضر هذه ليست صفة كل أبناء مجتمعنا لا، ففي مجتمعنا خير كثير، وأنتم من وجوه الخير الدالة على الخير في مجتمعنا، ولكن في مجتمعنا شريحة محدودة من الشباب والشابات، من البنين والبنات، من الرجال والنساء، هؤلاء يلهثون وراء ماذا؟ وراء ما لا ينفعهم في الدنيا ولا يرفعهم في الآخرة، ولا يسرهم في القبور، ولا يضيء لهم اللحود، ولا يؤنسهم في الوحشة.

السبب في وجود شباب لاهثين

السبب في وجود شباب لاهثين أيها الأحبة وقبل أن نعالج أحوال كثير من الشباب اللاهثين وراء المعاكسة، أو اللاهثين وراء الفاحشة، أو وراء السفر للخارج، أو وراء المجلات، أو وراء الأفلام، أو وراء الكرة، أو اللاهثين وراء ما لا ينفع من ما صدرته الحضارة الغربية أو الحضيرة الغربية، أولئك قبل أن نعالج مشكلة كل واحد على حدة فلنسأل: ما هو الخلل الموجود في الدماغ؟ أين الخراب الموجود في الفكر، أو في المخ، أو في المخيخ، أو في طريقة التفكير التي جعلت هذا يتجه نحو الأفلام، وهذا نحو المخدرات، وهذا نحو الشذوذ، وهذا نحو الفواحش، وهذا نحو الآثام والمعاصي؟

قدوة غائبة

قدوة غائبة إن هناك عنصراً واحداً هو الذي أنتج كل هذه المشاكل، فمن العقل أن نعالج سبب المرض لا أن نعالج أعراض المرض، لو أن مريضاً من المرضى جاء إلى الطبيب في المستشفى فقال: عندي ارتفاع في درجة الحرارة، وعندي آلام في المعدة، وعندي شعور بالبرد، وعندي آلام في المفاصل، وعندي صداع في الرأس، وجمع خمسة أعراض. إن الطبيب الأحمق هو الذي يصرف خمسة أدوية فيعطي الصداع دواءً، وآلام المعدة دواءً، وارتفاع وانخفاض الحرارة دواءً، وآلام المفاصل دواءً، وأوجاع الظهر دواءً، لكن الطبيب الذكي الحاذق هو الذي يبحث عن الشيء الذي سبب هذه الأعراض الخمسة فيعطيك علاجاً يقطع السبب، ثم تنقطع الأعراض، ثم لا تحتاج إلى تلك الأدوية، كل مشكلة لها علاج على حدة. نعم من الحماقة أن نناقش كل قضية على حدة بمعزل عن مناقشة السبب الذي أوجد لنا هذه الشريحة التي بات اهتمامها وأصبح بعضهم كما قال الله: {كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] يتعب ويكد وفي نكد ونصب ووصب ومشقة، يلهث، يذهب، يجيء، يروح، يرتفع صوته، ينخفض، يتقدم، يخطو، يرحل، يسافر، لكن إلى أين؟ ومن أين؟ ولماذا؟ ولأجل من؟ ينبغي أن نسأل: ما هو السبب المولد لهذه المشكلة؟ واسمحوا لي -أيها الإخوة- أن نقول: يمكن أن نجعل السبب الذي هو مجموعة عناصر ولدت هذه المشاكل في نقاط: أولها: شعور كثير من أبنائنا وبناتنا بعقدة النقص، فيرون الآخرين جبالاً ويرون أنفسهم أقزاماً، يرون الآخرين عمارات سامقة ويرون أنفسهم حشرات ضئيلة، يرون الآخرين قمماً عالية ويرون أنفسهم ذرات مهينة، ثم بعد ذلك يمتلئون إعجاباً بالغرب، إعجاباً بالآخرين، ويمتلئون احتقاراً لأنفسهم فلا يرى أحدهم سبيلاً إلى إثبات وجوده وتحقيق ذاته، وإيجاد نفسه في مجتمعه، ولكي يقول للناس: إني موجود، وإني أتكلم، وإني صاحب هواية، وإني صاحب فكر، فتراه يختار وسيلة من وسائل الشذوذ أو الانحراف أو المعاصي لكي يلتفت إليه الناس وينظرونه وهذا هو أقرب تفسير لظاهرة كثير من الشباب الذين تجدهم أصلاً لا يعرفون التدخين فيحمل السيجارة ويدخن، ويجبر نفسه على التدخين حتى لا ينظر إليه نظرة نقص، أو حتى يلفت الآخرين إلى نفسه، وهذا هو السبب الذي تفسر به وجود بعض الشباب الذي تراه قد جعل من شعره مجسماً تشكيلياً، صوالين الحلاقة الآن امتلأت بمختلف القصات والموضات، آخر قصة "قصة أزمة الخليج" رأسه في أزمة، ولذلك كانت الحلاقة على شكل أزمة الخليج، ومنهم من قال: هذه "قصة كولن باول " وبعضهم من قال: هذه أزمة أو هذه "قصة شوار سكوف " أو هذه قصة فلان أو علان، المهم يريد أن يثبت للآخرين أنه يعرف شيئاً جديداً ويسلك مسلكاً جديداً حتى يلتفت إليه الناس، فعقدة الشعور بالنقص تجاه الآخرين ولدت في نفسه أن يسلك سلوكاً بموجبه يلبس أو يحلق أو يفعل أو يتصرف بطريقة تجعل الآخرين ينظرون إليه نظرة مستقلة عن سائر الناس. ولو أنه يعلم أن الآخرين ينظرون إلى هذا بمنظار الازدراء والنقص والهوان لوجدته لم يفعل هذا أبداً، ولكنه رأى ما حوله من المجلات والشاشات والدعايات والإعلاميات وما شئت يجدها تصب في قالب إبراز أولئك الشاذين وغض النظر والإغفاء عن أحوال القدوات الجميلة الراقية في المجتمع.

تربية منفلتة ضائعة

تربية منفلتة ضائعة أيضاً أيها الأحبة من الأسباب الجوهرية في هذه القضية: مسألة التربية. نحن نربي أطفالاً بلا هدف، تسمين عجول، تسمين أبقار وأغنام في كثير من البيوت، تجد الطفل يتدحرج من العافية لكن عقله كالطبل لا يوجد فيه شيء، عجبت للطفل الشيوعي أو الطفل الروسي قبل سقوط روسيا تجده شيوعياً من صغره، والطفل العراقي التابع لمدارس حزب البعث تجده بعثياً من طفولته، والطفل المنحرف الفاجر الذي هو في بؤرة فاجرة تجده يحقد على المسلمين منذ صغره، والطفل النصراني تجده عقلاً ممتلئاً بكراهية المسلمين والشعور بالفخر للعنصرية البيضاء تجاه الآخرين. ولكن طفلنا اليوم اسأله عن انتمائه، اسأله عن اتجاهه، اسأله عن آلامه، اسأله عن آماله، لا يجد شيئاً، طفلنا يعرف أفلام الكرتون، ويعرف مجلة ميكي والوطواط، ويعرف قصة البيضة الفارغة والعصفور المكسور، أما أن تجد عند أطفالنا تربية ذات هدف هذا لا يوجد إلا عند أسر محدودة من الناس، أما البقية الباقية من كثير من هذه الشريحة تجدها -ويا للأسف! - يربون أطفالاً تربية التسمين، بل لو قيل لأحدهم: يا فلان ما ضرك لو أنك مع مجموعة من جيرانك استقدمتم أو استوفدتم مدرساً من إحدى البلاد العربية الإسلامية أو حتى من بلاد العجم من باكستان وغيرها وجعلته يدرس أولادك القرآن براتب شهري قدره ألف ريال إذا قدرنا نحن عشرة بيوت، وعند كل واحد منا طفلان، يعني: عندنا عشرون طفلاً، كل واحد منا يقدم قرابة مائتي ريال شهرياً من أجل أن ندفع مرتباً قدره ألف لمدرس يحفظ أبناءنا بعد العصر ويدرسهم، وبعد المغرب يعطيهم درساً في السيرة، وبعد العشاء ربما راجع مع بعضهم شيئاً من الواجبات لقالوا: وهل نحن مجانين؟ نحن نخسر الأموال بهذه الطريقة؟ هل نحن حمقى؟ إذاً ما دور المدارس؟! يا أخي الكريم إن المدرسة لا تغني عن التربية شيئاً، بل إن الأصل في تفوق الطالب ربما كان صلاح تربيته في أسرته، وفي المقابل تجد كثيراً من البيوت فيها خادمة بستمائة ريال، والسائق بقرابة ثمانمائة ريال، الخادمة دورها تلميع الزجاج والأبواب والنوافذ، ونبذل الستمائة ريال ونحن في منتهى الشعور بالراحة والطمأنينة، لكن أن نقدم ستمائة ريال لمدرس يدرس أولادنا لا، هذا ولد إن نفع فلنفسه وإن أساء فعليها لا يا أخي، هذا الولد يحتاج إلى تربية، ولذلك كثير من الشباب الذين وجدناهم بصفة اللاهثين الذي يجوبون الطرقات، ويملئون الأرصفة، ولا هم لهم إلا آخر أغنية وآخر مقطوعة، ومن الفريق الذي فاز، ومن هي الممثلة التي اعتزلت، ومن هو الفنان النجم الذي مات، ومن هو ومن هو إلخ، أولئك تجدهم لم يتلقوا تربيةً على مستوى علمي أو عقلي أو ثقافي أو ديني، ولأجل ذلك امتلأت عقولهم بالزبالات، أما الذين يتربون تربية راقية يشعر الرجل منهم أن ولده فيه عقل في رأسه، وهذا العقل الذي في الرأس بمثابة الزجاج البلوري الكريستالي اللامع الجميل، فتجد الرجل يقول: أنا لا أجعل عقل ولدي الزجاجي البلوري الناعم مكاناً للزبالة ولا للرمال المختلطة ولا للنفايات، بل أحترم هذا العقل -عقل الطفل أحترمه- وأجعله مكاناً يحفظ القرآن ويحفظ السنة، ويتعلم الشعر، ويعرف الآداب، ويقرأ عن أخبار العرب وعن معارك المسلمين، ويكون لديه اطلاع بأحوال المسلمين في العالم هذا أمر ممكن أيها الإخوة. منذ أيام كنت في زيارة لأحد الأصدقاء وعنده ولد صغير نجح من المرحلة الخامسة الابتدائية إلى السادسة الابتدائية، فبينما نحن نتحدث إذ دخل معنا الطفل في الحديث، وإذ بي أجد طفلاً يتحدث عن البوسنة والهرسك، ويتكلم عن سراييفو، ويتكلم عن ميتران رئيس فرنسا النصراني الحاقد الذي حال دون المسلمين واستلام المطار ليكون مهبطاً لدعم الأسلحة، ويتكلم عن مؤامرات الصربيين إلى تقسيم البوسنة والهرسك بين الكرواتيين، فجن جنوني! قلت: ما شاء الله! لا إله إلا الله! تبارك الله! هذا الطفل ينجح من خامسة إلى سادسة ابتدائي ويتكلم عن هذه المعلومات؟! فلما تأملت إذ بوالده ووالدته يتحدثان إذا جلسا على الطعام وإذا جلسا للشاي عن هذه القضايا، ويلقنان الولد هذه الأمور فتجد طفلاً يحمل قلباً كبيراً، وتجد صغيراً يحمل عقلاً فذاً، وتجد ناشئاً يحمل هموم أمة، وفي المقابل تجد رجلاً عمره خمسة وعشرون سنة أو سبعة وعشرون سنة لا هم له إلا أن ينتظر حبيبته تفتح النافذة لكي يلقي عليها بنظرة، أو لا هم له إلا أن ينتظر رسالة المعشوقة متى ترسل بالرسالة مع طفل أو مع سفير أو مندوب، أو لا هم له إلا أن ينتظر متى يحين الوقت لخبص البلوت وتعمير الشيشة وهلم جرا! وأين قضايا المسلمين؟ وأين أحوال المسلمين؟ وأين العبادة؟ وأين الخوف من الله؟ وأين الطمع في الجنة؟ وأين الإعداد للموت؟ وأين الإعداد لما بعد الموت؟ وأين الإعداد للسؤال والجواب بين يدي الله؟ لا تجد شيئاً. إذاً: أيها الأحبة! التربية سبب، فربما ربينا أطفالاً أصبحت أجسامهم أحسن من أجسام البغال، يصلحون للكد والتحميل، ولكن عقولهم -أيضاً- كعقول البغال: لا بأس بالقوم من طول ومن قصر جسم البغال وأحلام العصافير بل إن بعض المجانين أصبحوا أحسن من بعض اللاهثين، والشيء بالشيء يذكر، خذوا هذه الطرفة اليسيرة: يقال: إن رجلاً -شاب من الذي جاء يفحط بسرعة- جاء ولف بسرعة عند مكان من الأماكن فمن شدة لف الكفرات صواميل الكفر -البراغي التي تمسك الكفر في السيارة- انقطع، فجلس هذا الشاب المفحط يدور إذ به يدور حول مبنى مستشفى المجانين، وإذ بمجنون يطل على هذا الشاب من النافذة فقال المجنون: لماذا أنت تدور على السيارة، ما بك؟ قال: والله أنت ترى، لفيت بسرعة وانقطعت صامولة الكفر وجالس هكذا. قال المجنون: فقط، يا أخي فك من كل كفر صامولة وركبها محل الصواميل التي انكسرت. قال: والله اقتراح جميل وفكرة صحيحة! طيب أنت لماذا أنت جالس في مستشفى المجانين؟ قال: صح، هذا مستشفى المجانين وليس مكان أغبياء. فالواقع أن عندنا من الغباء ما يتعدى الجنون، بل إن بعض المجانين أفضل حظاً من بعض شريحة اللاهثين الأغبياء، ولا نقول هذا مزيداً لاحتقارهم، ولا نقول هذا مزيداً من هوانهم بل فيهم من الهوان ما يكفي قال تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]. ولكن نقول: إن هوان العقل عند شريحة من أبناء الأمة بلغ حداً مضحكاً عجيباً.

تربية بلا هدف

تربية بلا هدف كذلك إذا وجد هؤلاء الشباب وهم في الطفولة تربية بلا هدف، وفي المراهقة أنشطة بلا اتجاه، ولا يجدون قدوة سوية ممتازة، أضف على ذلك الغزو المكثف الموجه إلى أبناء المسلمين، هذه الشريحة -شريحة اللاهثين- كيف أصبح بعضهم يربط على جبينه خرقة حمراء، ويلبس فنيلة قد أبدت كتفيه، وأخذ يستعرض بعضلاته وكأنه يقول للشباب: انظروا إلى رامبو يدور في رابغ، انظروا إلى رامبو يدور على شواطئ جدة، انظروا إلى رامبو يدور في الرياض، ويتمثل هذا الأمر هذا الشاب في الحقيقة فعل هذا، وغيره فعل غيرها من العزف على العود والمنافسة في مثل هذه الأمور الرديئة بسبب النجومية التي وجه الإعلام أسهمه فيها، يعني: الآن أنت ترى، من هو أفضل واحد على مستوى الإعلام الذي يغزى به الناس ويوجه إلى الناس؟ النجم هو اللاعب الرياضي، النجم هو الفنان الكبير، النجم هو المخرج السينمائي، النجم اللامع هو الذي أصبح هداف الدوري، النجم اللامع هو الذي أصبح ممثلاً قديراً، النجم هو الذي أصبح منتجاً سينمائياً رائعاً، لكن لم يعرف الشباب يوماً من خلال الإعلام، ولم يعرفوا من خلال الجرائد، ولم يعرفوا من خلال المجلات، ولا من خلال الداعية أن النجم هو الذي حفظ القرآن بسبع قراءات، ولم يعرفوا أن النجم هو الذي حفظ البخاري ومسلم، وما رأوا أو سمعوا يوماً أن النجومية واللموع لمن دعا إلى الله على بصيرة، ولم يعرفوا يوماً أن النجومية واللموع لمن كان جاداً في متابعة المخدرات. نعم يوجد أحياناً إشادة بإنسان كان له دور في عمل ثقافي أو اجتماعي، لكن الغالب على الضخ الإعلامي والحرب الإعلامية والجرائد والمجلات والمنشورات أن النجم هو اللاعب والفنان بالدرجة الأولى هذان -المطرب واللاعب- تجدهما يتقدمان السباق في قضية النجومية والشهرة. نعم حينما يرى الصغار والشباب أن النجومية واللموع لهاتين الشريحتين؛ يصبح أحدهم يقول: وكيف أكون مشهوراً؟ وكيف أكون لامعاً؟ وكيف أكون معروفاً؟ إذاً الطريق إلى أن أكون مشهوراً، والطريق إلى أن أكون معروفاً، إما أن أنخرط في سلك الرياضة، وإما أن أنخرط في سلك الفن، لكن ما تجد إلا أندر من أندر النادر من يقول: أريد أن أطور جهاز الهاتف الموجود بين أيدينا، أو أريد أن نستفيد كيف نستطيع أن نبث على الغرب معلومات عن الإسلام، أو يقول: كيف أستطيع أن أصنع شيئاً ينفع الإسلام والمسلمين هذا نادر؛ لأن التلميع والدعاية والإعلان والتشجيع في الغالب لا تجده إلا لهاتين الشريحتين، هذا في الغالب، ولأجل ذلك لا غرابة أن تجد بعض الشباب، بل حتى بعض الفتيات من تلك الشريحة يتمنين أن يكن أصدقاء لمطربين أو لفنانين.

تلميع لأهل الفن والعهر والفساد

تلميع لأهل الفن والعهر والفساد مدرسة من المدرسات قبضت ذات يوم على طالبة من الطالبات وهي تتبادل مع زميلاتها أوتوجراف؛ الأوتوجراف: هو دفتر صغير ربما صنع على شكل القلب أو على شكل العود أو على شكل الكمنجة، وفيه ألوان وورود، ويتبادل به الفتيات العناوين، والأسماء، والأكلة المفضلة، واللاعب الممتاز، والمطرب الذي تهواه، والأغاني فجن جنون المدرسة! وجدت الصفحة الأولى: الاسم فلانة، الهواية: أن تكون مضيفة، كيف دخل على عقل فتاة من بناتنا هواية أن تكون مضيفة؟! لأنها ما سمعت يوماً من الأيام انتقاداً للمضيفة التي تختلط بالرجال ولا تستحي أو يعرف عنها أنها سافرة، قليلة الأدب، قليلة الحياء، قد انكسر حجابها وحياؤها وماتت عفتها؛ ولأجل ذلك لو سمعت انتقادات المجتمع والإعلام من حولها والجرائد من حولها تقدح وتذم وظيفة المضيفة لكرهت الفتاة أن تكون مضيفة، ولكنها لما قرأت المقال ورأت صورة المضيفة وشاهدتها تقف تمنت أن تكون مثلها. والأخرى ماذا تتمنى؟ قالت: أتمنى أن أكون عارضة أزياء! والثالثة ماذا تتمنى؟ قالت: أتمنى أن أكون نجمة سينمائية! بل وبعضهن قالت: أتمنى أن أسافر إلى بانكوك! هذا أمر يا إخوان ليس من ضرب القول وإنما هو من أوتوجراف قبضت عليه مدرسة موجود في يد بعض الطالبات، وإذا كانت المدرسة فيها ألف طالبة فإنا لا نقول: كل طالباتنا خربن، لكن نقول: يوجد شريحة من طالباتنا أو من طلابنا هذا مستوى تفكيرهم؛ والسبب: لا توجد تربية حسنة، ولا توجد مثل أعلى في القدوة الحسنة. وزيادة عن ذلك رأت وقرأت في الجرائد والمجلات والشاشة، وسمعت في الموجات أن المضيفة هي الملاك الطاهر، هي اليد الحنونة، هي التي تبعث الطمأنينة في نفوس الركاب إذا أقلعت الطائرة وأبحرت سفينة السماء في خضم أمواج الهواء، فإذا أصاب الناس ما أصابهم رأوا مضيفة وادعة كلها الأمن والطمأنينة وهذا ليس بصحيح، بل أول ما يتدافع على الأبواب عند مشاكل الطائرات المضيفات، وأول من يخوف الناس المضيفات، وأول من يروع الناس المضيفات، ولكن ما يقال للناس وكل ما يقرأ الناس ويسمعون أن هذه المضيفة هي الملاك الطاهر هذا شيء آخر، زد على ذلك أنها ذات اللباس الرشيق، والمساحيق المختلفة، والصورة من الألوان المجمعة في عينها وخدها وفمها وشفتيها، ثم بعد ذلك إذا زيد هذا الوصف بثناء ومديح عبر كتابة واحد من الكتاب المأجورين أو المسعورين أو المخدوعين أو الأغبياء أصبحت الفتاة تتمنى أن تكون مضيفة. إذاً: فتاة تلهث كي تكون مضيفة أو لكي تكون عارضة أزياء أو لتكون نجمة سينمائية لماذا؟ لأنها رأت أن التلميع والسطوع والأضواء والثناء والمديح يكال لهذه حتى تكون مثلاً أعلى فتتمنى كل فتاة أن تكون مثلها. والله لو أننا أعطينا الأمور حقائقها فنقول: إن المضيفة خادمة في الطائرة، مسئولة هذه المضيفة إذا تقيأ رجل أو تقيأت امرأة وأخرج المتقيئ ما في جوفه من الوسخ مسئولة المضيفة أن تفتح الكيس وأن تقف عند فم المتقيئ، وأن تمد الكيس لفمه فتنتظر حتى يمتلئ الكيس قيئاً، ثم تحزمه، ثم ترميه، ومسئولة المضيفة إذا وجد رجل يعجز أن يوضئ نفسه بعد البراز والبول مسئولة المضيفة أن تمسح برازه وأن تمسح بوله، لو أعطينا المضيفة صفاتها الحقيقية بمعنى خادمة، بل أشد من خادمة لما اشتهت فتاتنا أن تكون مضيفة، لكن قلب العرض بدلاً من أن يقال هذه وظيفتها يقال: لا، الملاك الطاهر القلب الحنون الوديعة؛ فإذا رأت فتاتنا أو بنتنا أو أختنا المضيفة -يعني: قد يقدر لواحدة من بناتنا أن تصعد في الطائرة- ثم ماذا بعد ذلك؟ تجد هذا الملاك الطاهر الذي كتب عنه في الجرائد والمجلات ورأته في كثير من الأفلام وغيرها رأت هذا الملاك الطاهر يقف حتى تسمع صوت المزلاج، ثم ارفع اللسان إلى أعلى، ثم يسقط عليك القناع من تحت -أو القناع يسقط من فوق- ثم يسقط عليك القناع من فوق وهم ينظرون إلى حركات المضيفة فتجد الفتاة معجبة بهذه الفتاة التي كأنها تمثل عرض كراتيه بحركات يدها. ثم إذا سرقت النظر أختنا أو بنتنا أو بنت مجتمعنا إذا سرقت النظرة إلى المضيفة وجدتها تجلس بجوار المضيف، كتفها على كتفه، فخذها على فخذه، ثم وجدت في يدها سيجارة والمضيف يولع لها السيجارة، ثم يتبادلان هذا الشيء ماذا الذي يحصل؟ تزداد إعجاباً بهذه المضيفة، ويؤجج ذلك شهوة الفساد والانحراف التي وجدت في النفس، ولكن لو قيل: إن هذه المضيفة هكذا صفتها، وهذا دورها، يعني: لو قلنا لفتاة من بناتنا: أعطنا مثالاً لفتاة لا تستحي من الرجال. قالت طفلة: المضيفة. نقول: الإجابة صح، ومثال لفتاة لا تستحي وتكسر حياؤها وعفتها بين الرجال، هات مثال. A المضيفة. صح، طبعاً المحاضرة ليست هجمة على المضيفات وإنما أقول لكم كيف تغسل الأدمغة؟ كيف تسلط الأضواء على عمل قبيح فيكون حسناً؟

غيبة إبراز العلماء ورجالات المجتمع

غيبة إبراز العلماء ورجالات المجتمع يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن وقول الله أبلغ: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8] والعياذ بالله، فالشاب كذلك إذا وجد النجم الفلاني هو الذي تصفق له الجماهير، وهو الذي يقدمونه، وهو الذي إلخ، تجده نعم يعجب بهذا المطرب، ويقول: كيف أكون مطرباً؟ ثم بعد ذلك يصدق بعضهم -بعض الشباب يصدق- أنه أصبح فناناً. وأذكر مرة من المرات -ولا وقت عندي للتلفاز ولله الحمد والمنة فضلاً عما فيه من المغالطات والمخالفات- أذكر أن مطرباً من منطقة ما أجريت معه مقابلة، فقالوا له: الفنان فلان بن فلان ذو الموهبة المتفجرة المعطاءة. الله أكبر! ما هي الموهبة المتفجرة المعطاءة؟! هل أغنت عن صاروخ باتريوت في رد قذائف الصد؟ هل أغنت عن طائرات أباتشي في قذف الدبابات؟ هل أغنت عن الترنيدو أو ألفا 15 المقاتلة؟ الموهبة المعطاءة ماذا أعطتنا؟ أعطتنا ضياعاً للجيل، وخراباً في الأمة، وتدجيلاً على الناس. فقيل له: الموهبة المعطاءة، متى بدأت مشوارك الفني؟ سؤال وجيه جداً جداً جداً -جداً تكعيب- فقال وهو يتأوه حسرة والأسى يعصر قلبه قال: لقد كنت بدأت مشواري الفني قبل فلان وفلان وفلان ولكن الحظ ساعدهم ولم يلتفت لي. مسكين! أهبت بالحظ لو ناديت مجتمعاً والحظ عني بالجهال في شغل لعله إن بدا فضلي ونقصهم لعينه نام عنهم أو تنبه لي لكن هذا كلام يقوله ابن الوردي أو غيره ولا يقوله ذاك. قلت: والله مسكين يا أخي، حرام تجلس ثلاثين سنة تدقدق وتخرش العود اثنا عشر وتراً ولا أحد يعرفك! والله حرام يا جماعة، أظهروه في الدعاية، اجعلوه قبل البقرات الثلاث، انظر والله مشكلة يا أخي، أظهروه، هذه موهبة حرام ما تطلع في المجتمع، حرام هذا مسكين ما أحد عرفه، قاعد ثلاثين سنة قبل فلان وفلان وفلان ما أحد يعرفه، والله قهر يا ناس! سبحان الله العلي العظيم! هل هي موهبة اختراع؟ هل موهبة سلاح؟ هل هي موهبة فكر؟ هل هي موهبة تعليم؟ هل هي موهبة دين؟ هل هي موهبة دعوة؟ هل هي موهبة عطاء؟ هل هي موهبة قضاء؟ هل هي موهبة طب جراحة وقلب؟ علاج في سكر؟ لا. موهبة فن، ثلاثون سنة ما أحد يعرفه، ومثل ما يقولون -هناك مثل عند أهل مصر -: قليل البخت يتكعبل في السديرية. يعني: لو يلبس سدارية يتعثر فيها، قلنا: يمكن هذا حظه كذا ولا حول ولا قوة إلا بالله. فالشاهد: أن اللاهثين الذين نراهم من أسباب ركضهم ولهثهم وراء هذه المتع والشهوات والملذات الضائعة الفانية التي ما تنفع الأمة أنهم يرون المجلات والجرائد والشاشات والموجات كلها لا تلمع إلا فناناً ومطرباً ولاعباً، وقل بل وندر أن تجد في مقابلة أولئك أن يلمع العلماء أو الدعاة، بل إننا لا نحتاج إلى تلميع، فالعالم علمه يلمعه، وأعجب من هذا أن تسمع من الناس من يقول: والله يا أخي هؤلاء المطاوعة مجانين، مجرد ما الشيخ ابن باز يطلع الناس يلحقونه ويحبون رأسه ويحبون يديه ويسلمون عليه، وبمجرد الشيخ ابن عثيمين يطلع الناس يسدون الشارع وراءه مجانين! إذا لحقوا عالماً يبارك الله بعلمه ويستجيب الله دعوته وليسوا مجانين إذا صفقوا وراء لاعب أو مدرب يحملونه فوق أكتافهم! لا إله إلا الله! أين هذه العقلية والموهبة الوثابة التي جعلتك تكتشف أن الناس إذا تبعوا العالم ودعوا له ومشوا في إثره ولحقوا جادته واقتفوا طريقه صاروا مجانين، ويوم أن كانوا يلحقون الممثل والممثلات ما كانوا مجانين؟ لا إله إلا الله! إن الشيطان يفتح على أوليائه صنوفاً وضروباً من الشر ولا حول ولا قوة إلا بالله. فشريحة اللاهثين من أبنائنا يحتاجون في الحقيقة مع الدعوة واللطف والكلمة الطيبة والهدية المناسبة والأسلوب والمدخل يحتاجون أن يقال: إن من ترك الفن واتجه إلى الجهاد فهو نجم لامع، إن من ترك الضياع وملأ الفراغ بما ينفع فهو النجم الساطع، إن من ترك الغناء واشتغل بحفظ القرآن هو الكوكب الذي لا ينطفئ، إن من ترك مشاهدة الأفلام واشتغل بمطالعة الكتب هو مفكر الأمة، إن من ترك الفساد وسلك الصلاح هو الذي تحتاجه الأمة، حينئذ يشعر الشباب أن لا شيء يئزهم أو يدفعهم إلى الفساد، وإنما يرون أن كل ما حولهم حتى الداعية والإعلام وكل ما يحيط بهم يدفعهم دفعاً إلى مراقي الفلاح ومدارج الصعود، وما يرفعهم إلى كل خير بإذن الله جل وعلا.

دعوى الوسطية ودوافع اللهث

دعوى الوسطية ودوافع اللهث شريحة من الناس تجد بعضهم إذا قلت له: يا أخي الكريم -يعني: تجده من اللاهثين وراء الأفلام، أو اللاهثين وراء المعاصي، ويعد نفسه أنه معتدل وسط- يا أخي الحبيب! لماذا لا تستقيم على أمر الله؟ لماذا لا تستقيم على دين الله؟ يا أخي الطيب، يا أخي المبارك لماذا لا تكون من الهداة المهتدين؟ يقول لك: أنا أريد أن أكون وسطاً، أنا لا أريد أن أكون أصولياً متطرفاً، ولا أريد أن أكون مروج مخدرات وصاحب شذوذ أخلاقي، أنا أريد أن أكون وسطاً. ما هو الوسط؟ الوسط: أن تقبل التفرج على الأفلام، وأن تطلق بصرك في الشاشة على صور النساء، والوسط: أن يضيع وقتك بلا استفادة، الوسط في نظره: ربما أخرت صلاة الفجر إلى وقت الدوام الساعة السابعة، الوسط: أن تسمع الأغاني وأن تتذوق الفن، الوسط: أن تجامل مع الناس ولا تكون إنساناً جلفاً -يعني: آمراً بالمعروف أو ناهياً عن المنكر حسب مصطلحه- الوسط: ألا تكون فضولياً تتدخل بالنصيحة في الآخرين إذاً أنت أيها الأخ الكريم أنت الوسط؟ أنت المعتدل؟! وأنت يا فتاة لماذا لا تتحجبين؟ لماذا لا تتركين الرقص؟ لماذا لا تتركين اللهو؟ لماذا لا تتركين الغناء؟ لماذا لا تتركين مجلة سيئتي أو سيدتي؟ لماذا لا تتركين المجلات السخيفة مثل " نورا " و" كل الناس " والفيديو والتلفزيون ومجلة كذا وكذا؟ تقول: لا والله، إنني لست بفتاة متشددة، ولا منحرفة -تعني: زانية- أنا بنت وسط معتدلة. طيب نقول لذلك الشاب الوسط ولتلك الفتاة المعتدلة: أنتم وسط ومعتدلون ماذا تسمون الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الرسول وسط أو متشدد؟ عائشة وسط معتدلة أو متطرفة أصولية؟ سبحان الله! دعوى الوسط والاعتدال أصبح يدعيها الذين يطئون المنكرات، ويصبحون ويمسون على المعاصي بحجة أنهم وسط لا والله، أنا لا أقول: حرام أو لا ينبغي أو لا يمكن أو لا يعقل أن يوجد في المجتمع صاحب معصية أو صاحبة معصية لا، المعاصي وجدت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ووجدت من الرجال ومن النساء، وفي مجتمعنا توجد المعاصي من الرجال ومن النساء، لكن كانوا قديماً إذا عصى أحدهم ما قال: أنا وسط معتدل، قديماً إذا عصى أحدهم قال: أذنبت فأستغفر الله. إذا عصى أحدهم أو إحداهن قالوا أو قالت: زللت فأستغفر الله، فيعودون إلى الله. أما نحن فتجد العاصي ما يقول أذنبت يقول: أنا ممتاز، وأنا وسط، أنا أحسن من الذين يروجون المخدرات، أنا أحسن من الذين يروجون الخمور، أنا أحسن من الذين يروجون الأفلام الخليعة وهذه مصيبة: أن العاصي المقصر لا تجده راضياً عن نفسه فقط بل معجب بنفسه، فوق الرضا تجد إعجاباً ولا حول ولا قوة إلا بالله!

البحث عن اللذة من دوافع اللهث

البحث عن اللذة من دوافع اللهث ومما جعل شريحة من أبنائنا وشبابنا وشاباتنا يلهثون وراء ألوان المعاصي والشهوات، وبعضهم في ألوان الفواحش والمنكرات أنهم يتعاطون اللذة، فإذا انتهى طعم اللذة بحثوا عن لذة جديدة. مثال ذلك: تجد إنساناً مدمناً على التدخين، وتجده ما يسمع بلون من ألوان التدخين إلا ويجربه، وتجده مغرماً بأنواع التبغ والدخان الذي -مثل ما يقول- يجعل رأسه يكيِّف، ولست أدري معنى يكيف؟ يعني: يبرد؟ نحن نعرف التكييف أنه يبرد، لكن تجده عند حد معين يأنف، يقول: التدخين هذا ما أصبح يؤثر شيئاً في رأسي، إذاً ما الحل؟ الحل أن ندخن سيجار، السيجار أقوى تركيزاً من السيجارة، فتجده يدخن سيجار وبعد السيجار ينتهي، يعني يستخدم السيجار مدة ثم ينتهي إشباع لذة السيجار فيبدأ يقول: ماذا لو أننا استغنينا عن مشاكل تكييف الدماغ عن طريق الإحراق والتدخين نجرب نوعاً من الحبوب، حبوب سيكونال أو حبوب كابتيجول أو حبوب -هناك حبوب يستخدمها أصحاب المخدرات- اسمها ملكواشيجرا، طبعاً شجرا منطقة في الوشم لكن هذه الحبوب مجرد أن الواحد عندهم يأخذ حبة يصبح يرى شعلة الحرية في نيويورك وهو في مكانه، ويرى برج إيفل في فرنسا، ويرى جسور اليابان، يتوهم أنه يراها وإلا في الحقيقة هو لا يرى إلا وجهه الذي امتلأ بالمعاصي، ويرى يده التي اقترفت الآثام، ورجله التي مشت إلى الخطايا، لكن مثل ما يقول الشاعر العربي قديماً: وإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير الخورنق: هذا قصر كسرى، والسدير: هذا قصر قيصر، يقول: إذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير إذا صحوت من هذا الشراب أدور عن القصر الذي كنت أتمشى فيه أطيح في البغل الذي قاعد هنا في مربضي، أو أطيح في الجمل أو العنز التي كانت قاعدة بجانبي، هكذا: فإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير فكثير من هؤلاء نتيجة للإشباع المتناهي للذة يستخدم التدخين ثم تنتهي لذة التدخين، ثم يستخدم السيجار فتنتهي لذة السيجار، ثم يبدأ بالحبوب فتقف لذة الحبوب مع التعطيب والإشباع، الدم يستهلك ويطلب زيادة، فبدلاً من أن يستخدم حبة حبتين، وبدلاً من حبتين ثلاث، وبدلاً من ثلاث أربع، حتى تراه كالمجنون، وترى أمامك بشراً لكنه يفكر تفكير البهائم، بل إن بعضهم كما عرض علينا طبيب من الأطباء في إحدى المعامل ويشرح بشرائح البروجكتر يقول: مما يصيب المدمنين على هذه الحبوب أن أحدهم يتوهم القدرة الخيالية، بمعنى يظن أنه يستطيع أن يمد يده هكذا ويلوي العمود لويتين ثم يسقط السقف، يصل إلى درجة والعياذ بالله من الهستريا وهذا الأمر الذي يفسر كثرة حوادث السيارات من الذين يستخدمون حبوب الهلوسة وسائقي الناقلات وبعض عمال المصانع الذين بعضهم ربما انقطعت يده تحت المنشار وهو يظن أن يده بعيدة؛ لأن من آثار هذه الحبوب عدم السيطرة على الجوارح وعدم القدرة في التحكم. ثم ماذا بعد ذلك؟ تنتهي إشباعات الحبوب فيبدأ إلى إشباع الشم، لأن السيجارة والسيجار والحبوب لم تعد تعطينا لذة، نبحث عن لذة جديدة لأن اللذة متناهية، اللذة انتهت فنريد لذة جديدة فيذهب إلى الكوكايين المسحوق ثم يأخذه ويشمه، فإذا شم أول شمة ضيع، قال: مضبوط هذا هو الذي ينفع، فيشم مرتين وثلاثاً وفي الخامسة تنتهي إشباع الكوكايين فيحتاج أن يزيد الكوكايين أو يخلطه بشيء من الهروين ويحقنه في الوريد، ومع كثرة حقن الهروين في الوريد يصير عند النفس إشباع تريد مزيد، ورأيت بعيني صوراً لشباب من اللاهثين وراء المعاصي والمخدرات أصبح يأخذ الإبرة ويجر جفن عينه ويدخل الإبرة هنا تحت جفن العين حتى تكون أقرب إلى الدماغ وسرعة التكييف؛ من شدة -والعياذ بالله- اللهث والجري وراء اللذة الموهومة. إذاً: فحينما نتكلم عن اللاهثين لا نتكلم عن إنسان من أول مرة بدأ بالكوكايين والهروين، ولا نتكلم عن إنسان من أول مرة بدأ بالزنا لا، كان لأولئك بدايات بدأت بالتدخين، مرت بالسيجار، عبرت الحبوب، انتهت إلى الكوكايين، وانتهت إلى نهاية الوفاة. ومن مدة كنت في مدينة من المدن في الفندق فأخبرني أحد الشباب -نزلاء الفندق- قال: منذ يومين وجد شاب في هذا الفندق دخل عليه أهله بعد أن اتصلوا به مراراً ولا يرد، وسألوا الفندق عنه قالوا: والله ليس مفتاح حجرته عندنا حتى نقول خرج. فاقتحموا عليه باب الحجرة فوجدوه هكذا منكفئاً على وجهه والإبرة -إبرة حقن الهروين- في يده، وجدوه ميتاً على هذه الحال.

بداية كل لاهث

بداية كل لاهث إذاً: فاللاهثون لم يبدءوا بالهروين من أول بداية لا، إنما بدءوا بجليس سيئ، بدءوا بأغنية، بدءوا بمعصية، بدءوا بمخالفة، ثم زادوها وزادوها وزادوها وزادوها حتى وصلوا إلى هذه النهاية المريرة. وحتى هذا يا إخوان موجود في الغرب، الغربيون ليس عندهم حياء ولا خوف من الله، فالشذوذ الجنسي في العلاقات الجنسية عند الغربيين مر قبله بمرحلة الخيانات الزوجية، وعدم احترم الحرمات الاجتماعية، أو ما يسمى بالعلاقات الاجتماعية المفتوحة، أو ما يقال عنه (البوي فريند) تجد الفتاة لها صديق، والفتى له صديقة، ومعنى صديق وصديقة يعني أن يمارس معها كل شيء، ثم بعد ذلك يمل بعضهم من بعض فيستبدل الصديقة بصديق والصديقة تستبدل صديقها بآخر، ومرحلة استبدالات حتى يملون من المعاصي، وجدت شريحة من النساء يمارسون الشذوذ مع النساء، وشريحة من الرجال يمارسون الشذوذ مع الرجال، فمل بعضهم إلى درجة أن إحدى الدول الغربية أصبحت تنتج أفلاماً اسمها "مان آند أنيملز" "وومن آند أنيملز" الرجال والحيوانات والنساء والحيوانات، ماذا يوجد في الأفلام؟ يوجد في الأفلام نساء يفعلن الفاحشة مع البهائم، ورجال يفعلون الفاحشة مع البهائم! اللذة متناهية فيبحثون عن لذة جديدة، لم تقف اللذة عن العلاقات الاجتماعية المفتوحة، ولم تقف اللذة عند تغيير الفرش بين الرجال والنساء والشباب والشابات، ولم تقف اللذة عند اللواط أو عند الشذوذ والسحاق، بل تعدتها في نظرهم، وهي لذات موهومة ليست لذات حقيقية، وبعد أن يصلون إلى هذه الدرجة تنتهي أحوالهم إلى جنون أو إلى انتحار أو إلى ضياع أو إلى اكتئاب أو إلى مخدرات نهايتها الهروين، ثم نهايتها الموت البطيء أو الموت القاتل سواء علم أو جهل بذلك.

نهاية المطاف بعد اللهث

نهاية المطاف بعد اللهث ثم أيها الأحبة! نقول لأحبابنا وشبابنا: أيها الشباب اسألوا الفنانين الذين تابوا وتركوا الفن، واسألوا المخرجين الذين تابوا وتركوا الأقذار الفنية والوحل الفني، اسألوهم: ماذا وجدوا في الفن والوسط الفني؟ فنانون يعترفون ويقولون: الوسط الفني وسط قذر، فنانات بعد التوبة يعترفن وتقول إحداهن: لا يمكن أن تكون فتاة نجمة العام أو نجمة الاحتفال أو بطلة فيلم إلا إذا وافقت على شروط مخرج أو صاحب القصة أو بطل الفيلم، ما هي الشروط؟ الفواحش والشذوذ والمعاصي! إذاً: يا إخوان لا تغركم صورة هذا الممثل مع هذه الممثلة على الشاشة، لكن ما الذي حدث قبل أن يخرجا على الشاشة؟ ما الذي حصل وقت بروفات التمثيلية؟ ما الذي حصل قبلها؟ حصل كل ما لا يخطر على بال من السفالة والقذر والوسخ وكل تعدٍ لحدود الأخلاق ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذاً: نقول للاهثين وراء هذه الأمور: اسألوا الذين عرفوا هذا وتركوه، اسألوا الذي عرفوا الفن وتابوا منه، اسألوا المطربين الفنانين التائبين، أحد الفنانين جلس عندي في بيتي وأسأله: ما الذي كان يبلغ إليه الفن في جلسات العود والطرب؟ قال: يا شيخ لا تصدق أن الفن هو ريشة ووتر، الفن جلسة بنات وكأس يدور، وفواحش تمر بهذه المرحلة، وتقف عند المخدرات، وتنتهي إلى الانتحار ولولا أن الله مَنَّ علي وهداني وإلا لكنت واحداً من ضحايا المخدرات الذين كنا نجلس في جلسات أولها الوتر وآخرها الخمر والمخدرات. إذاً: نقول للاهثين وراء شهرة الفن، واللاهثين وراء النجومية نقول: اسألوا الذين سبقوكم وعادوا، إن مجموعة من الفنانين والفنانات تابوا إلى الله ورجعوا ومعهم الراية البيضاء يلوحون بها ويقولون: يا معاشر الشباب، يا معاشر الشابات عودوا فإنا جئناكم من آخر نقطة ينتهي إليها طريق الفن، فلم نجد في هذا الطريق إلا الدعارة والفساد والعهر والانحراف، لم نجد لحظة نخشع فيها، ولا دمعة نبكي خوفاً لله منها، ولم نجد ساعة خشوع، ولم نجد ساعة طمأنينة، بل كنا نصبح في قلق، ونمسي في قلق، ونمشي في هلع، ونتنقل في فزع هذه حياة الفن والفنانين إلا من رحم الله من الذين عادوا وتابوا أو في طريقهم إلى العودة والتوبة. آخر: قابلته في السجن، أحد الفنانين كان مسجوناً فزرته في السجن، قلت له: يا فلان كيف تجد نفسك؟ لقد من الله عليه بالتوبة وحفظ جزأين من القرآن في السجن، قلت له: يا فلان كيف وجدت نفسك الآن؟ قال: والله لقد عرفت الفن أيام لبنان، أيام بيروت، والآن والله إني لا أستطيع أن أصف لك تلك المرحلة التي مررنا بها مروراً على الجلسات والحفلات حتى ما جمعناه من المال لا بركة فيه، وحتى إن المعجبين والمشجعين حولنا ويصفقون لنا، ويتقدموننا، ويتبعوننا، ويعطوننا بطاقات التعارف، ويدعوننا إلى حفلات اللقاء، ومع هذا كله والله ما كنا نأنس، وما كنا نلذ -وقال كلمته المشهورة-: ولو مت على ما أنا عليه لمت ميتة حمار. يقوله ذلك الفنان التائب العائد. فإلى شبابنا اللاهثين نقول: عودوا إلى الله فإن الطريق الذي تسلكونه قد سلكه أناس قبلكم وخبروه وسبروه واكتشفوه، وعرفوا غايته وأبعاده، ثم رجعوا ولكنهم قالوا كما قال رجل لما حضرته الوفاة، رجل من الذين كان لهم جلسات أنس وطرب مع صديق له، مع نديم حبيب له، توفي نديمه وتوفي حبيبه وصديقه، وأوصى هذا الرجل لما حضرته الوفاة أن يدفن عند نديمه أو بجوار قبر نديمه، وقبل موته قال كلمات، قال وهو يشير إلى قبر صديقه يقول: يا صاحبي قم فقد أطلنا أنحن طول المدى هجود فقال لي لن نقوم منها ما دام من فوقنا الصعيد تذكر كم ليلة لهونا في ظلها والزمان عيد هذا الذي يحتضر قبل الموت يكلم صاحبه الذي في القبر تحت التراب، ويذكره يقول: تذكر كم ليلة لهونا، كم سهرنا، كم فيلم رأينا، كم مجلة قلبنا، كم مرة عاكسنا، كم مرة صلحنا، كم مرة فعلنا تذكر كم ليلة لهونا في ظلها والزمان عيد وكم سرور همى علينا سحابة ثرةً تجود كل كأن لم يكن تقضى وشؤمه حاضر عتيد يقول: كل هذا كأن لم يكن، كأنما صار وتقضى وانتهى ومضى وانقضى وشؤمه -يعني: شؤم الذنب، وخطر الذنب والفاحشة والمعصية- وشؤمه حاضر عتيد. كل كأن لم يكن تقضى وشؤمه حاضر عتيد حصله كاتب حفيظ وظمه صادق شهيد {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار:10 - 11] يا ويلنا إن تنكبتنا رحمة من بطشه شديد يا رب عفواً وأنت مولى قصر في أمرك العبيد ثم مات الرجل ودفن إلى جوار صاحبه. لو قدرنا لأولئك الذين مارسوا الملذات وهم من اللاهثين وراء الشهوات، وراء الأرصفة، والبنات، والطرقات، والمجلات، والمسلسلات، وراء كثير من الأمور، ثم ماذا؟ إن أهنأ عيشة قضيتها -كما يقول ابن الوردي لولده-: اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل ودع الذكرى لأيام الصبا فلأيام الصبا نجم أفل إن أهنا عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتق الله البطل العنترية والحموشية وقطع الطرق والاعتداء على الناس، والتسلط عليهم ليست بطولة. وإنما تقوى الله، ومراقبة النفس، وإحكام تصرفات النفس هي البطولة الحقيقية التي ينبغي أن يتربى عليها الشباب وأن يعرفها الجميع.

ما يجنيه اللاهث على نفسه ومجتمعه

ما يجنيه اللاهث على نفسه ومجتمعه أيها الإخوة بهذه الأمور مجتمعة: تربية منفلتة ضائعة، وقدوة غائبة، وتلميع للفنانين ولنجوم الكرة ولغيرهم، وغيبة لأن يلمع العلماء ورجالات المجتمع؛ جعلت الشباب هشاً مستعداً أن يقلد أدنى صيحة، ولذلك الآن ما ترى تقليعة توجد في الأسواق إلا ولبسها شبابنا وشاباتنا، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه). وبالمناسبة يذكر أن أحد الوعاظ أو الخطباء كان ذات مرة يروي هذا الحديث، يقول قال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) أخرجه الترمذي، فكان هناك أحد من البادية قال: الترمذي هو الذي طلع الضب، أخرجه الترمذي يعني الحديث رواه الترمذي، وهذا يحسب الترمذي هو الذي طلع الضب! وأقول: هذه الأمور مجتمعة جعلت عندنا شباباً مستعداً للانزلاق عند أدنى تقليعة، وأدنى دعاية، وأدنى صيحة. وبالمناسبة هناك دراسات أجريت على مجتمعنا فأظهرت أن عندنا مجتمعاً يتأثر بالإعلان والدعاية بشكل غريب جداً جداً، واحد يقول: عندي ولد إذا مسك الصابونة عند الغسالة قعد يناقز ويناقز إلى أن أمسكه. قلت: لا تلومه، هذا صابون زفت، ما تعرفه. يعني: عندنا شيء مؤثر جداً على عقول الشباب والشابات بطريقة غريبة وعجيبة! فإذا كانت هذه تأثير الدعايات وتأثير الإعلان فما بالك إذا أصبحت تخاطب المشائخ، وأصبحت المجلات والجرائد والبث المباشر الذي بدأ يأتينا من خلال الدش أو الأطباق التي تنصب على السطوح، وكثير من الناس -يا للأسف! - يشتريها دين، بعضهم يتدين ويركب دش، حتى لو أن عنده مليار ما ينبغي لمسلم أن يضر ببيته. يا إخوان هل فينا رجل أو هل يعقل أن رجلاً يشتري دشاً لكي يستقبل به بثاً يجعل زوجته تتعلم الخيانة الزوجية؟ هل يوجد رجل يشتري دشاً يستقبل أفلاماً تعلم بناته المعاكسة واللف والدوران، وكيف تخرج وتلعب على أهلها وتصاحب صديقها ومن يعاكسها؟ هل يوجد رجل يختار ويشتهي لنفسه أن يستقبل بث يجعل زوجته تنظر إلى أناس يتصارعون شبه عراة؟ أنا لست أدري أين ضاعت الغيرة وأين ضاعت الحمية وأين فقد الإباء والشمم؟!! عجباً لناس تقول لأحدهم: يا حبيبي يا سيدي يا أخي الكريم هات مدرساً شهرياً بثمانمائة ريال يدرس أولادك الحساب والقراءة ويعلمهم أموراً تنفعهم، ويعلمهم القرآن، ويدرسهم السيرة فترفض، ثم تذهب لتشتري الدش بإثني عشر ألفاً، وإذا كان من الدشوش التي تحضر مائة وستين محطة أو أربعة وستين محطة تجده بأبهض الأثمان وأغلى الأسعار؟؟ والله مصيبة! اللاهثون في مجتمعنا كثر، ولم يقف حد اللاهثين عند الشباب المراهقين بل تجاوزه إلى كبار السن، التي يسمونها مراهقة الشيوخ أو مراهقة الكبار، ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذه الأوضاع كلها: بث مباشر، مجلات، تلميع إعلامي، نجومية من هنا، وهلم جرا، جعلت الشاب مثل ما قال: يسكر بزبيبة، ينزلق في أدنى شيء؛ ولأجل ذلك ينبغي أن نعرف كيف ندفع الشر عن هذا المجتمع إن كنا صادقين.

ختاما متى العودة؟ ومتى الرجوع؟

ختاماً متى العودة؟ ومتى الرجوع؟ إلى كل شاب ضيع أيامه وساعاته وأوقاته في معصية الله نقول لك: إن الباب لا زال مفتوحاً، إن الباب لا زال مفتوحاً، ونقول لك قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] ونقول لكل شباب: هب وافترض جدلاً أنك تمتعت بكل لذة فهل هذا سيدفع عنك الموت؟ هل هذا سيدفع عنك سكرات الموت؟ هل هذا سيجعل لك إضاءة في القبر؟ أو يجعل لك سريراً أو فراشاً ناعماً في اللحد؟ هل هذا سينفعك عند الله يوم الحشر والنشر؟ إن أردت الهداية فأقبل واسمع النصيحة والتزم الموعظة، وعد إلى الله، وإياك أن تكون بهيمة قولها كما قال القائل: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري ولماذا لست أدري لست أدري بعضهم تقول له: يا حبيبي لماذا خلقت؟ يقول: أنا داري؟ ما دورك في الحياة؟ والله ما أعرف. ما غايتك؟ ما هدفك في الحياة؟ يقول: اسأل أبي! هذه مصيبة، شاب يبلغ هذا العمر ولا يزال لاهثاً وراء المجلات والأفلام والمسلسلات والطرقات ولا يعرف هدفه وغايته، هذه مصيبة! شباب أشبه ما يكونون بالأغنام التي تسمن ثم تتجه إلى المسلخ فتنحر وتؤكل، بل إن الأغنام والأبقار نستفيد منها، وأما اللاهثون إن لم يهدهم الله وإن لم يتوبوا ويعودوا إلى الله فأولئك شر على المجتمع.

التوبة هي الطريق الأسلم من رحلة اللهث

التوبة هي الطريق الأسلم من رحلة اللهث وختاماً: لا نقول للشباب حتى وإن كانوا في السجون الآن، وإن كانوا من أهل المخدرات، وإن كانوا على الأرصفة والمتسكعين في الطرقات، لا نقول لهم: لا يمكن أن نستفيد منكم، أو مستحيل أن نستفيد منكم، بل نقول: نحن نحتاجكم، الصومال تحتاج إلى الإغاثة، فبدلاً من أن تضيع جهدك ونشاطك وصحتك في الأرصفة والطرقات اجعلها في سبيل الله والوقوف مع المسلمين بدلاً من أن يأتي المنصرون وينصرونهم، الفليبين بحاجة إليك، الفقراء في كل مكان محتاجون إليك، الأرامل، المعوقون، المشلولون، اليتامى، الأيامى، كفالة الغزاة، مساعدة المسلمين، دعوة الكفار إلى الإسلام، على الأقل لو تعرف جزء عم أو نصف جزء عم، لو تجلس وتعلم أناساً حديثي العهد بالإسلام لأصابك أجر وخير كثير بإذن الله جل وعلا. أيها الأحبة! نقول لكم بلغوهم وقولوا لهم: إننا لم نستغن عن شباب المسلمين، ولم نستغن عن شبابنا وأبنائنا، ونقول لهم: إن فيهم خيراً كثيراً إذا أقلعوا عن الذنوب وأنابوا إلى الله واتبعوا سبيل المهتدين، إننا لا نحقر من شأنهم فنقول: لا فائدة منكم أبداً لا، بل فيكم خير كثير، في شبابنا خير كثير جداً، ولكن يوم أن يفتحوا الطريق للخير يتدفق من قلوبهم إلى مجتمعهم، ويوم أن يزيلوا جبال المجلات والمسلسلات ومجالس الأشرار والسيئين عن طريقهم، حينئذ سترى الخير يتدفق منهم، نحن لم يأت اليوم الذي نقول فيه أو قلنا فيه لشاب: ليس فيك نفع أبداً، ولا يمكن أن يقال هذا لشاب، حتى الشاب الذي نزوره في السجن أو في سجن المخدرات ما نقول له: ما فيك نفع، نقول له: فيك خير، ولكن أين الخير؟ له طريق وبداية، الذي يقول: ما فيك خير هذا أمر صعب جداً وربما يحطم. الشيء بالشيء يذكر، خذوا هذه فهي تحرك الجمود: رجل كان عنده سائق، يبدو أن السائق هذا غير مسلم، فذهب به يصلي الاستسقاء صبيحة يوم من الأيام، وتعرفون أنه من السنة بعد الاستسقاء أن الإمام يقلب رداءه تفاؤلاً بتغيير الأحوال من الجدب إلى المطر، فقلب الإمام رداءه ثم قلب الناس أرديتهم، وهذا السائق ينظر إلى سيده يقلب الرداء والناس كلها تقلب الأردية، وكان الرجل متأثراً جداً من الخطبة -جزاه الله خيراً- فجاءه السائق قال: بابا أنا أيش في أقلب؟ قال: أنت اقلب وجهك! لأنه فعلاً منزعج من هذه الأحوال التي سببت انقطاع المطر والجدب والقحط، فنحن ما نقول للشاب: أنت اقلب وجهك ما فيك نفع. أو نقول كما قال بعضهم، مجموعة من الشباب كانوا في رحلة، فأحدهم وجد هذا ينزل العفش وهذا ينصب الخيمة وهذا يأتي بالماء، قال: وأنا ماذا أفعل؟ قالوا: أنت اذهب هش الطيور! لا نحن لا نقول للشاب هذا الكلام أبداً، لا نقول له: اقلب وجهك، ولا نقول: هش الطيور، ولا نقول: ما فيك نفع؛ نقول: فيك خير كثير متى؟ إذا صدقت مع الله وتبت إلى الله، وأسدلت ستار التوبة على صفحة مضت، وفتحت صفحة جديدة كلها عودة وأوبة ورجوع إلى الله مهما بلغت ذنوبك. لا تظن يا أخي الكريم أن التوبة لإنسان معاصيه قليلة لا، التوبة حتى ولو كان الإنسان زانياً، حتى لو كان لوطياً، حتى لو كان تاجر مخدرات أو مروج مخدرات أو كان فاجراً أو كان فاسقاً أو كان ظالماً {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] باب التوبة مفتوح لا يغلق أبداً إلا يوم أن تطلع الشمس من مغربها، أو يغرغر العبد فتبلغ روحه الحلقوم، حينما تصل سكرات الموت، وتبلغ الحشرجة في الصدر، حينما تبلغ التراق حينئذ تقول: الآن أتوب، يا أولادي، يا إخواني عندي عشرون فيلماً أخرجوها من البيت، وعندي ثلاثون شريطاً أحرقوها، وعندي خمسون مجلة مزقوها، وعندي كذا شريط أتلفوه لا، ستحاسب عليها، فالتوبة ما دمت مستطيعاً الآن: أحسن إذا كان إمكان ومقدرة فلا يدوم على الإحسان إمكان تب إلى الله ما دام البصر الذي نظر إلى الحرام قادر أن يغض عن الحرام، قبل أن يأتي اليوم الذي تزول فيه نعمة البصر فحينئذ تقول: أتوب إلى الله من النظر إلى المسلسلات والمجلات والمعاصي -الصيف ضيعت اللبن- نعم هذا أمر بينك وبين الله، لكن التوبة ما دمت قادراً، ما بتوبة العاجز، تب إلى الله ما دمت قادراً أو يوم أن كنت قادراً على الذهاب إلى مكان المعصية، الآن تتوب وتقول لرجلك: هنا قفي، مكانك قف، لا تذهب إلى المعصية. أما الإنسان الذي تضربه سيارة وينشل ويصاب بشلل نصفي وبعدين يقول: لا، خلاص أنا الآن لا أذهب إلى المعصية، أصلاً رجلك مشلولة كيف تذهب؟ والناس لا يعصون الله إلا بنعمته، هل رأيت أعمى يتفرج على أفلام فيديو لا. لأن الذين يعصون الله بالنظر إلى المسلسلات الماجنة يعصون الله بنعمة البصر. هل رأيت أصم يستمع إلى الأغاني؟ لا. لأن الذين يعصون الله بسماع اللهو يعصون الله بنعمة السمع. هل رأيت أبكم يعصي الله بالغيبة؟ لا. لأن الذين يعصون الله بالغيبة الذين عندهم نعمة الكلام، وما رأيت مشلولاً يعصي الله بنعمة الذهاب إلى الفاحشة لأن الذين يذهبون إلى المنكر يعصون الله بنعمة العافية في الأقدام، وما رأيت مشلولاً يعصي الله بالسرقة لأنه لا يوجد مشلول اليدين يسرق. إذاً: فلا يعصى الله إلا بنعمة فعيب علينا، استحوا وأستحي ونستحي جميعاً أن نعصي الله بنعمه علينا، يعطينا الله نعمة فنعصيه بها. اللهم إنا نسألك أن تتوب علينا، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا، اللهم افتح على قلوبنا، اللهم إنا نسألك في هذه المكان الطيب المبارك أن تنزل علينا توبة نقلع بها عن الذنوب وتستر بها العيوب، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، ونبوء لك بذنوبنا، ونبوء لك بنعمك علينا فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. اللهم يا من سترت القبيح وأظهرت الجميل استر علينا بسترك، اللهم يا من عافيتنا وسترتنا فيما مضى فاعف عنا وأعنا على أنفسنا فيما بقي، اللهم حبب إلينا طاعتك وبغض إلى نفوسنا معصيتك، اللهم نشكو إليك قلوباً ميالة إلى اللهو، اللهم نشكو إليك أنفساً ميالة إلى الغفلة، اللهم نشكو إليك أنفساً تباعة للشهوات، اللهم فاجعل ميل نفوسنا وهوى قلوبنا إلى مرضاتك وطاعتك، حبب إلينا مرضاتك وبغض إلى نفوسنا معصيتك. يا رب العالمين لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، يا إلهنا، يا ربنا، يا خالقنا، يا مولانا إلى من تكلنا؟ اللهم إنا نشكو إليك قسوة القلوب، وجمود الأعين، وكثرة المنكرات، وتسلط الشهوات، وقلة الناصر، وكثرة المرجفين، وكثرة المثبطين، اللهم فثبتنا على دينك يا رب العالمين، وتوفنا وأنت راض عنا. إلهنا لا تخزنا يوم يبعثون، واغفر لنا ما لا يعلمون، واجعلنا من عبادك الصالحين، واحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

انتقاد الجوانب السلبية في الحضارة الغربية

انتقاد الجوانب السلبية في الحضارة الغربية Q يرى بعض الشباب أن انتقاد الحضارة الغربية تخلف، وأن الذي ينتقدها متخلف أو معقد ومتأثر بما يقال من أكاذيب عن الملتزمين، كذلك ما يوجد في المجتمع من نظريات، والمصيبة العظمى جهل الشباب بنعمة الله وفضله عليهم، وجهلهم بعظمة الله وقدرته، فنريد تعليقاً من فضيلتكم يعالج ذلك الأمر. A لا يوجد أحد يعجب بالحضارة الغربية إلا إنسان متخلف، نعم يوجد أناس لا يزالون -والعياذ بالله- مفتونين بالحضارة الغربية لدرجة أن شاباً درس في فرنسا سنوات، فلما رجع إلى أهله في القرية وكان عندهم نخل ودجاج وبط وطيور قال: حتى الآن دجاجكم يقوقي؟! سبحان الله على شان أنك درست في فرنسا تريد الدجاج يدرس في السربون ويتكلم فرنسي؟ طبعاً الدجاج منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا وهو يقوقي، هل سمعت بدجاج تطور فأصبح ينبح؟! غريبة والله! درس في بريطانيا ودرس في فرنسا وجاء ينكر على الدجاج البقبقة هذه! فمصيبة بعض المنهزمين أنه لا يرغب في شيء من مجتمعه أبداً، حتى بعضهم جاء وأول شيء حط له ماسة وكرسي يأكل عليها، لم يعد يريد أن يجلس بجانب أبيه وأمه يأكلون على الأرض إن اليابان التي وصلت قمة الرقي في عالم الإلكترونيات والاتصالات لا يزال اليابانيون يأكلون بالطريقة التقليدية، طريقة متعبة: يجلس الواحد على ركبته ويجلس هكذا، يمد ساقه والركبة هكذا والفخذ والجسم كله واقف ويأكلون بهذه الطريقة بالخشبتين، ما تركوا الخشبة التي يأكلون بها، وبعض شبابنا إذا دخل مطعماً يستحي أن يأكل بيده، ولذلك يضطر يأخذ الشوكة ويضغط في الزيتونة تروح هناك، ثم يرجعها مرة ثانية يطعنها فتروح هناك، أخيراً يضطر يمسكها ويضربها هكذا ثم يدخلها فمه، ولهذا ليس بيننا وبين أن نصنع طائرة، وليس بيننا وبين أن نصنع مفاعلاً نووياً، وليس بيننا وبين أن يوجد عندنا قنبلة نووية نهدد بها العالم كما يهددوننا إلا أن نلبس بنطلوناً وقميصاً وكرفتة، وليس بيننا وبين أن نسابق على التسلح الذري وحرب النجوم إلا أن نضع هتفون ونسمع الدسكو في الأذان، وليس بيننا وبين أن ننافس على عالم الاتصالات إلا أن نضع الدش ونستقبل البث وبعد ذلك نصل إلى قمة الحضارة! مصيبتنا أننا استوردنا أخس ما عند الغرب، وقل فينا من استفاد من أفضل ما عند الغرب، ولذلك الآن أغلب الذين سافروا إلى الغرب لو أن كل شباب المسلمين والعرب الذي سافروا إلى الغرب رجعوا مخترعين، صناع قنابل نووية، صناع متفجرات، وأسلحة، وقاذفات، وراجمات، ومخترعين في عالم الإلكترونيات والاتصالات لأصبح عندنا ثورة صناعية نهدد بها الغرب كما يهدوننا لكن للأسف نعود بشهادات كرتونية اسمه فلان بن فلان، يحمل كذا في التخصص النووي أو يحمل كذا في التخصص الإلكتروني ولو يخرب الراديو ما يعرف يصلحه، ولو تريده أن يعطينا مفاعلاً نووياً ما صلح، نريده أن يطور لنا سلاحاً لكي يصبح من أسلحة الدمار الخطيرة ما عرف. الأمة الإسلامية يا إخوان بحاجة إلى أن تدخل في النادي النووي الذري، هناك نادٍ اسمه نادي النواة أو نادي الذر، ما معنى النادي النووي الذري؟ يعني أي دولة تملك قنبلة نووية تهدد بالسلاح الذي تهدد به، وقديماً كانت روسيا وأمريكا كل منها يملك عشرات الآلاف من الرءوس النووية التي لو أطلقت إحداها على الأخرى عشرة لانطلق في الاتجاه المضاد ما يكفي لدمار العالم، كان الروس يعلمون أنهم لو أطلقوا من بعض الجمهوريات الإسلامية حالياً -التي كانت تحت الاتحاد السوفيتي - بعض الرءوس النووية لكان الرد من نيويورك أو من واشنطن أو من بعض مناطق الصواريخ أو منصات الصواريخ الأمريكية كافياً لدمار الدولتين، ولذلك ما الفائدة من أن تطلق روسيا سلاحاً النتيجة الطبيعية أن تطلق أمريكا في المقابل سلاحاً مثله فتنتهي الدولتان؟ فكانت كل دولة تحترم الدولة الثانية ولا تتجرأ عليها أبداً لأنها تعرف لو قهرتها بالذرة تلك تقابلها بالذرة، لو فجرت فيها قنبلة نووية تلك تقابلها، ولذلك لماذا الضجة على باكستان؟ لماذا الضجة على المفاعل النووي الإسلامي الباكستاني؟ لماذا؟ قنبلة إسلامية يمكن يوماً ما تفجر في اتجاه أوروبا أو أمريكا. إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تملك القنبلة النووية في منطقة الشرق الأوسط، وتسمى منطقة الشرق الأوسط تباعاً للتسمية الغربية وإلا هي منطقة فلسطين، أرض الآباء والأجداد، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن قالوا يقول الغرب: نحن لو قلنا فلسطين لكنا معترفين بأننا اغتصبنا الأرض من المسلمين وبهذا نعيد لهم الرجوع والأماني في استردادها، وتسمى -أيضاً- بمنطقة الشرق الأوسط حتى تكون تسمية متوازنة لا تحرج أبداً، لا فيها اعتراف بحق للمسلمين ولا فيها إحراج للآخرين، والآن أصبحت بعض الدول تسميها إسرائيل صراحة، وعلى أية حال سيأتي ذلك اليوم الذي ترد فيه فلسطين. يقول أحد المفكرين: كنت ذات يوم أستمع إلى صوت تل أبيب من إسرائيل أو من فلسطين، يقول: كان السائل مسلماً ويقول لمدير البرنامج اليهودي الإسرائيلي: يقول: قلت له: اعلم أننا في ديننا حديثاً يقول: (تقاتلون يهود فتنتصرون عليهم حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم ورائي يهودي تعال فاقتله) فبماذا رد المذيع؟ قال: أولاً: أنا لست من خبراء الأديان، ثانياً: لا أعرف صحة هذا الحديث الذي تقول، ثالثاً: لو قدرت صحة هذا الحديث فلسنا نحن اليهود الذين نقاتل ولستم المسلمين الذين يقاتلوننا؛ لأن المسلمين الذين يقاتلوننا سيكونون مسلمين من نوع آخر، مسلمين همهم الإسلام، قضيتهم الإسلام، الإسلام في عقولهم وأسماعهم وأبصارهم ليل نهار. فقضية الذين لا زالوا مولعين بالغرب بماذا يولع بعضهم؟ تجده مولعاً بالصرف الإلكتروني، بالخدمات الفندقية، بالريمونت كنترول، بالفيديو، بأشياء من قصور الحضارة، بكماليات تافهة لا تقدم ولا تؤخر، حتى التقنية ربما بعضنا اشتراها ولم يعرف يستخدمها، نحن في تخلف علمي عجيب وغريب جداً، ونسأل ونقول: أين الخلل؟ العالم يتجه إلى تطوير مناهج تعليمه، ونحن نحتاج إلى أن نطور مناهج تعليمنا حتى تكون عقول أبنائنا وبناتنا مواكبة لآخر ما وصل إليه العالم في شأن العلوم والتقنية والصناعة. أما أن نقول للذين يحتقرون الحضيرة الغربية متخلفين، وأنت يا حبيبي ماذا قدمت أيها المطور المتقدم؟ ماذا قدمت يا صاحب الذرة؟ لا ذرة ولا شيء مثل ما قال أحدهم، فمرة كنا في نادي الهلال في محاضرة قدمت فيها للشيخ عائض القرني، فجاء سؤال للشيخ عائض، يقول السائل: يا شيخ أنتم منذ سنين وأنتم تتكلمون عن صحيح البخاري وفتح الباري والروض المربع وما صعدتم القمر. فقال له الشيخ عائض: وأنت لا صعدت القمر ولا قرأت صحيح البخاري. يعني: هؤلاء الذين ينتقدون المتدينين على الأقل المتدين قد حصل دينه، أما هذا الذي ينتقد المتدين فلا دنيا ولا دين، لا صناعة ولا علم، لا شريعة ولا تقنية، لا اتصالات ولا أصول فقه. فهذه عقدة ينبغي أن تزول من كثير من الذين لا زالوا معجبين بالغرب، لكن مثل ما قال بعضهم، سأله واحد من هؤلاء المعجبين بالغرب قالوا له: ما هي مؤهلاتك يا شاطر؟ قال: أنا والله معي سادسة ابتدائي وأعرف واحد في أمريكا هذه المؤهلات. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ولا أود أن تقولوا جاء الشيخ فأخذ وقت المحاضرة إلى المغرب، ثم جاء يتحدث بعد العشاء، ولولا ما سحبنا منه الميكرفون ما سكت، يا ليته سكت لا، نحن نسكت قبل أن تقولوا هذا، وكان صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة، المهم أن نطبق ما سمعناه. أسأل الله أن يسعدكم وأن يوفقكم وأن يصلح ذرياتكم، وأن يجعل أولادكم وبناتكم قرة أعين لكم، وأن يملأ قلوبكم سعادة وحبوراً وفرحاً وطمأنينة، وأن يتوفانا وإياكم على طاعته إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الشباب بين غرور النفس واحتقار الذات (1 - 2)

الشباب بين غرور النفس واحتقار الذات (1 - 2) في هذه المحاضرة نحلق جميعاً مع الشيخ في درس نفيس يحوي إجابات كثيرة مفصلة عن: الغرور مكمنه ومظاهره، وأسبابه الاحتقار: أنواعه، وأسبابه، وعلاجه، وفي طيات هذه المادة تجد فوائد تحل كثيراً من مشكلات الشباب.

الغرور منبعه القوة

الغرور منبعه القوة الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: فرصةٌ سعيدة، ومناسبةٌ طيبة أن يتكرر اللقاء في مثل هذه الأماكن التي طالما ظمئت إلى الندوات والمحاضرات، والتي طالما التفت بعض الشباب عنها ظناً أن ليس فيها إلا رياضة الأقدام فقط، وما علموا أن الأندية هي مجتمعات لغذاء الأرواح والعقول والقلوب والأبدان، فلا بد أن نعيد النظرة السليمة الصحيحة إلى أنديتنا، ولا بد أن تتميز أنديتنا بما تتميز به بلادنا وأرضنا وأمتنا عملاً بقول الله جل وعلا: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104]. أيها الأحبة! حديثنا اليوم هو: الشباب بين غرور النفس واحتقار الذات، وقد يقول البعض: ما الحاجة إلى هذا الموضوع؟ ولماذا اختير هذا الموضوع من بين آلاف المواضيع المطروحة على الساحة؟ أقول: نعم، اخترناه واختاره الإخوة الذين رتبوا لهذه المحاضرة؛ لأن هلاك وضلال وبعد كثير من الشباب بسبب واحد من أمرين: إما بسبب الغرور وإما بسبب الاحتقار أعاذنا الله وإياكم منهما جميعاً. أيها الأحبة! الغرور في الغالب يكون منبعه القوة؛ وشعور الإنسان بأنه قوي، وشعور الإنسان بأنه بما يسر الله جل وعلا له قادر على أن يذلل جميع الصعاب، هذا قد يقوده وقد يدعوه إلى أن يقف لحظات موقف المغرورين وهذا خطر عظيم، ولو تأملنا الإنسان لوجدناه أقوى مخلوقات الله قاطبة، فقد تغلب على كثير من المخلوقات، لقد تغلب على الريح، فاستطاع أن يصرفها بما ألهمه الله جل وعلا، فجعلها دافعة موجهة له في البحر، ولقد تغلب على الجبال، فاستطاع أن يشق الأنفاق فيها، ولقد تغلب على الأودية وعلى البحار، فاستطاع أن يتخذ له طريقاً ومكاناً فيها. إذاً هذا الإنسان الذي لم يقف أمامه شيء بما سخر الله سبحانه وتعالى له، لا شك أنه قوي وحريٌ لمن كان في هذه الدرجة أن يشعر بالقوة، ولكن ما مقدار هذه القوة؟ وما درجة هذه القوة؟ ذلك الأمر الذي تباينت فيه عقول الناس واختلفت فيه أفهامهم ومداركهم. أيها الأحبة! بعد أن قلنا إن القوة قد تكون سبباً يفضي إلى الغرور، فإن القوة بأنواعها؛ قوة المال، وقوة الشهرة، وقوة المنصب الاجتماعي، والقوة البدنية، وما شئت من أصناف القوة هي داعية في الحقيقة إلى أن يقع الإنسان في الغرور، ما لم يربط هذه القوة بما أوجب الله عليه، وما لم يخضع هذه القوة بما أمره الله سبحانه وتعالى أن يخضعها له، ومن لم يفعل ذلك؛ فإن نهاية قوته ضلال عليه ووبال على نفسه وماله ومجتمعه.

غرور قارون

غرور قارون ولقد جاء في القرآن الكريم أمثلة لمن نالوا شيئاً من القوة، فبلغ بهم ذلك إلى حد الغرور، فمن أولئك قارون الذي بلغ قوة مالية عظيمة، حتى {إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص:76] مفاتيح خزائنه التي يودع فيها الذهب والجواهر لا تستطيع العصبة من الرجال أن يحملوها، هذا حجم ثقل المفاتيح التي هي مفاتيح الخزائن التي يودع فيها الأموال فما ظنكم بحجم أمواله! ولما نال هذه القوة ولم يسخرها لما أمره الله سبحانه وتعالى؛ أصابه داء العجب والغرور، فقال: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:78] وخرج على قومه في زينته، وأخذ الناس ينظرون إليه، ويقلبون الطرف فيه، وبعضهم قال: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} [القصص:79]. إن بعض من ترونهم يتقلبون في جنبات القوة، قد ترى من الناس من يحسدهم ويتمنى أن ينال منزلتهم، ولكن فيما بعد أولئك الذين يتمنون مكانة الأقوياء في جوانب عديدة، يقولون: الحمد لله أن لم نكن مثلهم، وكان نهاية هذه القوة المالية التي لم تربط تسخيراً وإخضاعاً لأمر الله ونهيه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص:81] أهذه نهاية القوة التي أفضت بصاحبها إلى الغرور؟!! وبعد ذلك كانت عاقبته وخيمة أن خسف به وبداره الأرض وبكنوزه ومفاتيحه فلم تغنِ عنه شيئاً أبداً.

غرور صاحب الجنة

غرور صاحب الجنة مثال آخر من كتاب الله جل وعلا على أولئك المغرورين الذين كانت نهايتهم الهلاك: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [الكهف:35] لاحظوا قول الله جل وعلا: {وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [الكهف:35] {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً} [الكهف:35] كيف تفنى هذه الجنان، هذه الحدائق وهذه النخيل والبساتين {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف:35 - 36] يقول: وما هي الآخرة التي أنتم تقولون إنها ممكن أن تقوم وتأخذ أموالي وتنهيني عن هذه الحياة {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف:36] وإن قامت {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً} [الكهف:36]. أنا فلان بن فلان، أنا مرتبتي كذا، أن من مدينة كذا، لو رددت لأجدن خيراً من هذه الجنة التي أنا فيها في الدنيا {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً} [الكهف:36]. جاءه من يحاوره ويقول له: اتق الله! لا يجوز، ما هذا الغرور؟ {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} [الكهف:37] أنت الآن في قمة الغرور بالقوة التي عندك، أذكرك بأصل ضعفك {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} [الكهف:37 - 38] إلى أن بينت لنا الآيات من خلال السياق أن الله جل وعلا جعل عاقبة هذا الغرور أن هلكت بساتينهم جميعاً كما قال الله جل وعلا: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} [الكهف:42] أُحيط بهذه الجنة والبستان وانتهى الأمر وما عاد له من شيء يعتمد عليه بعد أن كان يغتر ويتقلب في نعيم تلك الجنان.

مظاهر الغرور

مظاهر الغرور أيها الإخوة! الغرور داء موجود فينا في الحقيقة، حتى أن طوائف من الضعفاء والفقراء فضلاً عن ذوي المناصب والأثرياء لم يسلموا من داء الغرور، وهذا خطر عظيم جداً، ينبغي أن نصارح أنفسنا، وأن نكتشف داء الغرور من خلال المظاهر التي قد تبدو من معاملاتنا وسلوكنا وتصرفاتنا.

احتقار الآخرين

احتقار الآخرين من مظاهر هذا الغرور: احتقار الآخرين، وكما يقولون: الغرور مقبرة النجاح، تجد إنساناً والله لا مكانة له ولا منزلة، ولا مرتبة ولا علم ولا درجة، ومع ذلك تجده يحتقر الآخرين، ولا يعني هذا أن من كان في منزلة ومرتبة ودرجة ومكانة وهيئة أن يحتقر الآخرين، لكن هذا مثلما يقال: عائل مستكبر. فما هي مقومات الغرور التي عندك؟ نحن قلنا: القوة قد تفضي إلى الغرور، لكن للأسف أنك تجد كثيراً من الناس رغم ضعفهم وفقرهم ومستواهم إلى آخره تجدهم مع ذلك مغرورين. إذاً يظهر هذا الغرور من خلال احتقار الآخرين، ومعروف أن القليل يسلمون على الكثير، والماشي يسلم على الراكب أو على الواقف، فتجده يمر ويشمخ بأنفه ويلفت برأسه وكأنه لا يرى أحداً، أو كأنه لا يرى إلا الذر أمامه ولا يقيم لمن حوله وزناً أبداً. يا أخي! لماذا التطاول، ولماذا الغرور، وأي درجة بلغتها حتى تشمخ بأنفك؟ مغتر بنفسك ولا تؤدي التحية للآخرين! احتقار الآخرين في مجالات كثيرة: احتقار الآخرين في آرائهم، احتقار الآخرين في كلامهم، تجده في مجلس، فيتكلم أحد الناس نحوه، وهو لا ينظر إليه، وما عنده استعداد ليسمع له، من هو هذا حتى يفتح فمه في هذا المكان، لماذا يا أخي؟! أحرام عليه أن يقول، وحرام عليك أن تسمع؟ لماذا تحتقره أليس بشراً مثلك؟ أليس له عينان ويدان ورجلان وأنف واحد؟ ما الذي ميزك وفرق بينك وبينه؟ لا فرق بينك وبينه إلا بالتقوى. إذاً من مظاهر الغرور أن تجد الإنسان محتقراً للآخرين، وكما قلنا في مسألة سماع آرائهم والالتفات إلى كلامهم، فتجده بكل سهولة عنده استعداد لأن يقطع كلامه، وأن يذهب ويتركه يتحدث لوحده، وبكل سهولة تجده ينشغل، هذا غرور عميق جداً في النفس قد لا يشعر به، وإلا لو أعطى محدثه وزنه وقدره، وأعطى نفسه وزنها وقدرها لما اغتر بنفسه لهذه الدرجة من الغرور التي جعلته ينصرف عن سماع كلامه وعن رأيه، وأذكر قصة، قالوا: إن رجلاً صعلوكاً فقيراً وقف لملك من الملوك، فكان ذلك الملك في موكب لا يمكن أن يقف به أمام هذا الصعلوك، فالتفت إليه ذلك الرجل الفقير، وقال: اسمع! لقد وقف الهدهد يكلم سليمان عليه السلام، فاستمع سليمان للهدهد، ومن أنت حتى لا تسمع لي؟ فعجب الملك من بلاغة بيانه وخطابه، وتوقف وسمع كلامه حتى انتهى. أحياناً أنت تعرف شخصاً، وأنه هذا فلان بن فلان، وقد يجمعك به النادي، أو يجمعك به زواج، أو مسجد أو مكان ما، ومع ذلك: ما عندك استعداد تعترف أن فلاناً موجود أبداً، وهذا مرضٌ خطيرٌ في النفوس من جانبين: جانب حب الشهرة، وجانب احتقار وازدراء الآخرين، وفيه مسة من مس الكبر. حصل أن هشام بن عبد الملك كان يطوف بالبيت، ورأى زين العابدين بن الحسين بن علي وقد كان من العباد الزهاد الأئمة الأعلام الفقهاء ومن آل البيت، وكان الفرزدق في نفس ذلك المقام، فكانوا يطوفون حول البيت، فقال هشام بن عبد الملك: من هذا؟ وهشام يعرف أنه زين العابدين بن الحسين بن علي إلى آخر شيء، فالتفت الفرزدق قائلاً: وليس قولك من هذا بضائره العرب تعرف من أنكرت والعجم هذا ابن خير عباد الله قاطبة هذا التقي النقي الطاهر العلم ما قال (لا) قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم يغضي حياءً فيغضى من مهابته فلا يكلم إلا حين يبتسم فتمنى هشام بن عبد الملك أنه ما ازدراه وما التفت إليه، لأن زين العابدين نال بهذا السؤال مدحاً ومكانة ومنزلة، وما كان من الذين يشتهون المدح أو الشهرة، لكن حينما تجد من يزدري في الحقيقة فذلك نابع من الغرور والكبر والحسد، ولله در الحسد ما أعدله! بدأ بصاحبه فقتله، وكما قال الشاعر: وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود حينما يريد حاسد من الحاسدين فيه غرور أن يحتقرك وأن ينزل من مقامك، فيسوقه الله جل وعلا للكلام عنك ازدراءً، فإذ بالمقابل تجد في نفس المجلس من يذود عنك ويدافع، ويذب عن عرضك، فهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، إذاً فالذين يغترون بأنفسهم ويحتقرون الآخرين هم في الحقيقة لا يعودون بالاحتقار إلا على أنفسهم.

عدم قبول النصح

عدم قبول النصح ومن المظاهر التي تدلنا على وجود الغرور أن تجد الواحد منا لا يقبل النصح أحياناً، مثلاً: شاب مسبل ثوبه، وإسبال الثياب كما تعلمون الإصرار عليه كبيرة، وفعله لا يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) والحديث ثابت، فتأتي إلى شاب تقول له: يا أخي! أسعدك الله ومتع الله بك، ثوبك طويل مسبل -وذلك بينك وبينه، دون أن تفضحه على ملأ، بل تنصحه على انفراد- يقول لك: ليس بطويل! يا أخي! ثوبك طويل يسحب على الأرض تحت الكعب (ما أسفل من الكعبين ففي النار) يقول لك: لا، ليس بطويل، أنا خاص بنفسي، هذا ثوبي وأنا أدرى به. أو تجد الآخر يقول: والله يا أخي! الخياط دائماً يتهاون بالثياب، لكن الخياط ما ألزمك أنك تلبس هذا الثوب بدليل لو لم تدفع له الأجرة إلا بعد أن يعدل هذا الثوب كما ترى لعدل أموراً كثيرة. وآخر يقول لك: أنا عارف أن ثوبي طويل، لكن أنا ما ألبسه خيلاء ولا ألبسه تكبراً يعني: اطمئن، هذه نصيحة ينبغي أن تقبلها، يجب عليك أن تقبل النصيحة ولا عذر لك في ردها ورفضها، وإن رددتها، فهذا باب من الكبر كما قال صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق وغمط الناس، قالوا: وما بطر الحق؟ قال: رده مع من جاء به، وغمط الناس هو احتقارهم) إذاً فرد النصيحة مرتبط بالكبر وباحتقار الآخرين وبالغرور أيضاً.

عدم الخضوع للكبير والإجلال للعالم

عدم الخضوع للكبير والإجلال للعالم كذلك أيها الإخوة من مظاهر الغرور الذي نجده كثيراً في أنفسنا وما أجمل الصراحة! كلٌ يسأل نفسه هل هذا يوجد فيه أم لا؛ سواء ما قلناه أو ما سنقوله؟ عدم الخضوع للكبير والإجلال للعالم وطالب العلم؛ تجد البعض يقول: لماذا أنتظر هذا العالم؟ أنا في خير، أنا عندي فلوس وعندي مال وأكل وشراب، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة) هذا رجل شاب في الإسلام، فإن من إجلالك لله سبحانه وتعالى؛ أن تكرم شيبة شابت في الإسلام، بغض النظر عمن شاب في الإسلام على علم وعلى دعوة وعلى جهاد، وعلى الأمور الحميدة التي تشهد لصاحبها بكل خير وفضل وسابقة إحسان، فمن مظاهر وجود الغرور في النفس أن تجد هذا لا يخضع للكبير ولا يجل العالم، ولا يحترم كبير السن، وهذه مصيبة من المصائب. الناس الذين يحبون لله وفي الله إذا كان لديهم شيخ من المشايخ الكبار الأجلاء، تجدهم هذا يسلم، وهذا يبدي مشاعره، وبعضهم ينظر من بعيد والله أعلم ما الذي في قلبه، كأنه ليس عنده استعداد أن يجل هذا الرجل الذي بلغ خمسين سنة أو بلغ ستين سنة. وقد تكون المسألة أحياناً مسألة توازن فيما يتعلق بالمستوى الاجتماعي، أو من نفس الأسرة أو المنطقة، لكن ما هو الذي فضله علينا؟ وهذا أمرٌ قاد أبو جهل إلى أن يدفع الحق ولا يقبله، لما قابل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، قال: يا محمد! إني أعلم أن ما جئت به حق، ولكن ماذا نفعل إذا أطعمتم الحجيج وأطعمنا، وسقيتم وسقينا، وأكرمتم وأكرمنا، حتى إذا كنا وإياكم كفرسي رهان وتجافينا على الركب قلتم منا نبي! من أين نأتيكم بنبي؟ فبالمقابل نحتقره حتى يظهر من أسرتنا واحد، وفي تلك الساعة نرفع الرأس بأمر واحد، ومن خالط الناس ودقق في أحوالهم، وجد أن هذا موجود.

كلام العامة

كلام العامة ومن الأمور التي فيها شيء من الغرور والكبر: كلام العامة يقولون: من عرفك صغيراً احتقرك كبيراً، وهذه عقدة موجودة عندنا، أما عند الغرب وليس إعجاباً بهم، إذا رأوا فيه منذ الصغر شيئاً من النباهة والفهم والذكاء، فتجد له عناية ومعاملة خاصة. يوجد في أمريكا برنامج اسمه رعاية النابغين، النابغون وفيه من الذين يقيسون قدرات الذكاء العقلي في المرحلة الابتدائية، وفي المرحلة المتوسطة، وفي المرحلة المتقدمة، فمثلاً: المرحلة الابتدائية فيها مائة ألف أو مليون طالب فيختار على عدد الأصابع من كل مدرسة من جاوز مقياس الذكاء العقلي عندهم حداً معيناً، وبالتالي يعطونهم عناية معينة خاصة بالنابغين، ثم بعد ذلك يفرغون لأبحاث تخص هذا المجتمع وتخص هذه الأمة، مكفيين في شأن أكلهم وشربهم ومعاشهم، والدولة مستعدة أن تقدم كل شيء، فالمهم أن نرعى هذا النابغ منذ الصغر رعاية خاصة؛ حتى ينتج لنا في المستقبل أمراً نستطيع أن نستفيد منه، وما القمر الصناعي الذي أطلقته إسرائيل قريباً ولا شك هو قمر تجسس ومحاولة جديدة لنقل المعلومات بأساليب متقدمة ومبتكرة، ولم يولد هذا القمر بين عشية وضحاها، بل ظلوا عشرين سنة في الأبحاث؛ ولد فيها علماء ومات علماء، ودخل أجيال وخرج أجيال في هذه الأبحاث، حتى خرجت إسرائيل بهذا القمر التجسسي الذي أطلقته. والمسألة مسألة اعتراف بالآخرين وليست احتقاراً للآخرين، طائفة معينة من المجتمع ينظر إليها نظرة معينة فتعزل وحدها، ليست عزلة مقاطعة، تغزل في منهجها التعليمي؛ في معاملتها ودخلها في أمر معين من أجل أن تخدم مصالح الأمة خدمة متقدمة متطورة مبتكرة، فنحن أيها الإخوة! إذا استمرينا على مشكلة الغرور التي تفضي وتؤدي إلى احتقار الآخرين، فإننا لن نرعى نابغاً في مجتمعنا، ولن نقدم أحداً لكي يأتي يوماً ما فيعلو منبراً أو يقدم اختراعاً، أو يأتي بنظرية جديدة، وهذا خطر الغرور لا يعود على الفرد فحسب، بل ينقلب على المجتمع بأسره، لذلك فإن من علامة سلامة النفس من الغرور: أن يتمنى الإنسان الخير للآخرين ولو كانوا يفوقونه في سبيل خدمة أمته ومجتمعه، المهم أن الناس تقدم إلى الخير، أن الناس يرتقون بالأمة، أن الناس يقدمون أشياء نافعة للجيل والمجتمع، فهذا دليل صادق على عدم وجود الغرور المرتبط بالاحتقار والكبر وغمط الناس حقوقهم ودرجاتهم. من الصور التاريخية الجميلة التي تشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأجلاء بصفاء السيرة ونقاء السريرة والسلامة من الغرور: أن كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم ومعه ثلة من الصحابة يمشون في الطريق، فأوقفته عجوز فخضع برأسه وطأطأ وقال لها: ما حاجتك يا أمة الله؟ قالت: أنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وبالأمس يدعونك عمير، كنت ترعى إبل الخطاب. انظروا عمق النصيحة وصدق المواجهة، وقوة قبول الحق في النفس وعدم الغرور، فسمع لها وطأطأ، ثم كلمته كلاماً طويلاً حتى شق ذلك على أصحاب عمر الذين وقفوا ينتظرونه، فلما انتهت وقضت حاجتها منه، عاد إلى أصحابه فكأنه وجد في وجوههم شيئاً، قال: [كأني أجد في وجوهكم ما أرى! أما تعلمون من هذه؟ هذه التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أفلا أسمع لها، هذه خولة بنت ثعلبة التي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تجادله في زوجها فأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1]] سمع الله كلامها من فوق سبع سماوات، تقول عائشة: [جاءت المجادلة تحادث النبي صلى الله عليه وسلم، والله ما بيني وبينها ورسول الله إلا الستر، والله ما سمعت لها كلاماً وسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات] يقول عمر: [هذه المجادلة أفلا أسمع إلى امرأة سمع الله كلامها من فوق سبع سماوات] والحاصل أن عمر قد خضع وطأطأ برأسه لها وسمع كلامها. قمة إذابة الغرور من النفس، لا يوجد غرور ولا يوجد احتقار للآخرين مهما كانت منازلهم ودرجاتهم، وبالمناسبة الذين يُقيّمون الناس بالسيارات والمظاهر، والأسر والمال والمراتب والمناصب تقييمهم فاسد، العبرة من حيث القرب والدنو والبعد من الله جل وعلا، وبمقدار التقوى والحسنات والصالحات: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) رب أشعث الرأس، أغبر الجسم، ذي طمرين: ثياب بالية أطمار ممزقة، مدفوع في الأبواب، يدق الباب فلا يقال له: تفضل، مدفوع في الأبواب لو أقسم على الله لأبره. إذاً أيها الإخوة: الناس لا يقدرون بملابسهم ولا بمظاهرهم ولا بمراتبهم ولا بمناصبهم، التقدير الحقيقي للناس هو بحقيقة مدى قربهم وبعدهم من الله، نعم إنزال الناس منازلهم أمر مطلوب، لكن التقييم الدقيق الشديد ليس فقط في هذه الملابس والمراتب والمناصب والأسر وغيرها. في الحقيقة أيها الإخوة: يوجد احتقار من كثير من الناس لبني جنسه، والدليل على ذلك أن تجلس في مجلس ما، واطرح موضوعاً معيناً، تكلم في السياسة مثلاً، يقول لك: هؤلاء السياسيون أهل دجل وكذب لا يفهمون شيئاً، ولا يقضون حاجة، يكذبون على الناس؛ احتقار الآخرين وعدم تقدير الجهود بأي حال من الأحوال، اطرح موضوعاً آخر، تكلم مثلاً عن طائفة معينة، يقول: هؤلاء يتأخرون، لا يعطون الناس وجهاً، لا يتلفتون إلى آخره. تعجب في كثير من المجالس أن تجد من الناس من لا يرضى عن أحد، أينما اتجهت بالحديث عن طائفة معينة في المجتمع، فهو ليس راضياً عن أحد أبداً كما يقولون: (لا يعجبه عجب، ولا الصيام في رجب) فهو ليس راضياً عن أحد أبداً، فمثل هذا الذي تجده دائم الاحتقار والانتقاد لكل فئة وطبقة من طبقات المجتمع، هذا في الحقيقة مصاب في قرارة نفسه بداء الغرور الذي جعله يحتقر الآخرين ولا حول ولا قوة إلا بالله.

اعتزاز الإنسان بنفسه

اعتزاز الإنسان بنفسه كذلك أيها الإخوة من علامات الغرور: أن تجد الإنسان سريع الاعتزاز بالنفس، وتجده دائماً معتزاً برأيه ومعتزاً بنفسه، ويهمه أن يطبق الناس ما يقول، ويهمه أن تكون المشورة مشورته والقول ما يقوله والذي يُنَفَّذ هو ما رآه. تجد الإنسان الذي هو مصاب بداء الغرور دائماً عنده اعتزاز شديد وقوي إلى درجة أنه لا يود الاستشارة ولا يستشير أحداً أبداً؛ لأن في الاستشارة شيئاً من طأطأة الرأس لمن تستشيره، والاستشارة أمر مطلوب، وقد مدح الله سبحانه وتعالى الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم بأن أمرهم شورى بينهم، وأمر الله نبيه أن يشاور أصحابه: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران:159] والنبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بالوحي، لكن لكي تتعلم الأمة أن المسألة ليست غروراً بالرأي ولا بالذات، وليست اعتداداً بالشخصية دون الآخرين، بل إذا كنت موجوداً فالآخرون موجودون، إذا كنت تسمع فالآخرون يسمعون، إذا كنت تبصر فالآخرون يبصرون، إذاً فلا بد أن يكون لهم نصيب من هذا القرار الذي سيكون منك، ولابد من الشورى، وبدون الشورى فإن هناك مظاهر أو إشارات تدل على وجود الغرور ولا حول ولا قوة إلا بالله. تجد الإنسان المصاب بداء الغرور لا يستشير إلا نفسه، أما الآخرون فلا يرى وجودهم، أما من سلم من هذا الأمر، فإنه يستشير في كل أمر يقول ابن الوردي: لا تحقر الرأي يأتيك الحقير به فالنحل وهو ذباب طائر العسل فلا تحتقر أحداً، ولو كان هناك أمر من الأمور وأردت بنفسي أن أعتد برأيه فبه، قد أحصل نسبة الصواب فيه (10%) لكن لو أنني اجتمعت بعشرة من أصدقائي وأصحابي، وقبل أن أقرر عملاً من الأعمال استشرت وأبعدت الغرور والاعتداد بالنفس بعيداً وجانباً، ما الذي يحصل؟ فلنقدر أن كل واحد منا تكلم لمدة عشر دقائق، نفرض أن نسبة اثنين إلى عشرة من الدقائق كلام سليم وما سوى ذلك ليس بصحيح أي: أن كل واحد أصاب الصواب أو وفق إلى الصواب في دقيقتين من مجموعة عشر دقائق ونحن عشرة إذاً فقد حصلنا عشرين دقيقة من الصواب، ولو قررت في نفسي فإني لا أملك إلا دقيقتين صواب، إذاً فالمشورة دلالة على عدم الغرور، والاعتداد بالنفس هي في الحقيقة من أعظم دلالات وجود الغرور بالنفس. أيها الأحبة: القرآن الكريم كثيراً ما يتناول هذا الداء والمرض لكي يشعر الإنسان ألا قيمة له ولا وزن إلا بخالقه الذي أوجده من العدم، وهداه إلى الإسلام، وآتاه السمع والبصر والفؤاد، والعقل والقوة، ولولا ذلك لكان جماداً من الجمادات أو بهيمة من سائر الحيوانات، يقول الله جل وعلا: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ} [النحل:53] ليست من قوتك ولا من ذاتك ولا رصيدك: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ} [النحل:53] إذاً بأي شيء نغتر؟ الأمر كله لله: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114] {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76] لا تعجب بنفسك: فقل لمن يدعي في العلم معرفة علمت شيئاً وغابت عنك أشياء بعض الناس يغتر إذا عرف مسألتين أو ثلاثاً، وقد يصاب بالغرور لأنه يحدث عامة الناس، لكن لو جلس أمام العلماء وطلبة العلم الكبار لم يجد إلا كلمة صواباً وكل كلامه أصبح خطأً، إذاً فلا يغتر الإنسان أبداً: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76] هناك من هو أعلم منك، وهناك من هو أقوى منك في هذا الجانب العلمي فلا تغتر بنفسك أبداً، ثم أيضاً: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85] فلنفرض أنك نلت العلم، فهل نلت العلم كله؟ لا، ما أوتيت من العلم إلا قليلاً. ثم لو عرجنا أيضاً وعدنا إلى شيء من الصور الجميلة التي ذابت فيها قضية الغرور ذوباناً عجيباً بحيث لا وجود له بتاتاً، أو لم يوجد هذا الغرور أساساً على الإطلاق، تعرفون أنه في مراحل النصر العسكري يكون الإنسان مزهواً غاية الزهو بالنصر، خاصة إذا كان عدوه صلب المراس شديد القتال والعداوة طويلة، كم دامت العداوة بين رسول الله وبين قريش؟ منذ أن نزل عليه {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] وصدع بالدعوة إلى أن فتح مكة وهو في حرب مريرة ومكائد وتدبير من قومه وأهل أرضه وتربته، فلما أن فتح الله له ذلك الفتح المبين ودخل مكة صلى الله عليه وسلم، هل سل السيف وأخذ يقول: إني أرى رءوساً قد أينعت وحان قطافها؟ لا ما قال ذلك صلى الله عليه وسلم، دخل مكة مطأطأً رأسه قال الرواة: حتى أن رأسه ليكاد يمس قتب الرحل من شدة خضوعه صلى الله عليه وسلم لله سبحانه وتعالى وعدم الزهو أو الغرور أو الإعجاب. والناس في أمر عظيم لقد ملك أمرهم محمد الذي قاتلوه عشرين سنة، ترى ماذا سيفعل بهم؟ فلما وقف الناس وكلهم لا يدري من سيقتل، من سيأخذ ماله أولاً، التفت إليهم صلى الله عليه وسلم، قال: (يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً يا محمد! أخ كريم وابن أخ كريم، فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء) وهذا أمر ربما تظنونه سهلاً، لكن جرب أخي نفسك في عداوة مع أحد البشر، تجد أنك تتمنى اللحظة التي يقع فيها بين يديك، تقول: يا ليت القرار هذا بيدي حتى أنفيه من الخدمة المدنية تماماً، وأسحب منه الجنسية بالكلية، وأخرجه خارج المملكة. لكن الحمد لله أن أمر البشر بيد رب البشر وفي أيدي أمة عادلة وإلا فالبشر ظلمة: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلةٍ لا يظلم من ذا الذي يسلم من الغرور خاصة في لحظة قمة النصر مع عدو طال مراسه، أنت تلاحظ أن هذا إنسان تكرهه وتبغضه، تجد الدنيا ما تسعك وما تسعه، وقديماً قيل: القبر يسع متحابين والدنيا لا تسع متباغضين، تجد قلبك يضيق عليه وإن ذكر في بلاد وأنت في بلاد أخرى. إذاً فيا أيها الإخوة! هذه صورة جميلة من الصور النبوية التي علمنا فيها النبي صلى الله عليه وسلم ألا نغتر حتى وإن ظفرنا بأعدائنا أو كنا في أعلى مراحل ودرجات الانتصار على الأعداء. كذلك أيها الإخوة من المواقف النبوية الجميلة التي تعود الإنسان على عدم الغرور وتعوده على لين الجانب وخفض الجناح للآخرين: موقفٌ حصل للنبي صلى الله عليه وسلم فقد كان ذات يوم يوزع غنائم حنين، وكانت كثيرة جداً من السبي والإبل والغنم، فأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس التميمي مائة من الإبل، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أعطى عيينة بن حصن الفزاري مائة من الإبل، وكان إعرابياً من الأعراب ينظر إلى الغنم لها ثغاء في واد من الأودية، وذلك الأعرابي يقلب النظر والطرف معجباً بهذه الغنم في الوادي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيسرك أن لك مثل هذا الوادي غنماً؟ قال: أي نعم يا رسول الله! قال: فهو لك) كاد يجن هذا الأعرابي، وأخذ يصيح بأعلى صوته: يا قومي اسلموا فقد جئتكم من عند رجل يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. وجاءه أعرابي وكان على النبي برد نجراني غليظ الحاشية، فجذب النبي صلى الله عليه وسلم جذبة شديدة حتى أثرت في رقبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فما الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم؟ التفت إليه مبتسماً، فقال الإعرابي: يا محمد! أعطنا من مال الله الذي آتاك، فإنك لا تعطينا من مالك ولا من مال أبيك، ومع سوء التصرف فأنت ترى العبارة الجافة، وهكذا كان شأن الأعراب الحاصل أنه التفت إليه صلى الله عليه وسلم وأرضاه بكلام وأعطاه ما أعطاه، وقال: (لو كانت الدنيا كلها بين يدي ما وجدتموني بخيلاً عليكم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

تمييز النفس عن غيرها

تمييز النفس عن غيرها كذلك أيها الإخوة من الأمور التي يلاحظ فيها الغرور عند كثير من الناس: أن تجده يحاول تمييز نفسه بشيء معين، وتجد حب الكلام عن الأنا والذات، وبعضهم تمل مجلسه من كثرة ما يتحدث عن نفسه، ويحاول أن يتكلم بطريقة فيها مبالغة لكي يميز نفسه عن سائر الناس، فنقول: ما الذي يدعوك إلى هذا؟ أنت بشر من سائر البشر، إن كنت تتكلم عن خير وعبادة فحديث الإنسان عن نفسه في العبادات مدخل إلى الرياء، تكلم عن الحق، تكلم عن الخير، تكلم عن مكارم الأخلاق، لكن تمييز نفسك حتى تنظر إلى الآخرين وتضعهم في درجة غير لائق، تجد مثلاً بعض الناس يقول: والله أنا ما أعالج إلا في تخصصي، ونحن ما نشتري ملابسنا إلا من المكان الفلاني، وأنا ما أفصل إلا عند الخياط الفلاني، أنا بصراحة ما يعجبني إلا البنز فقط، أي سيارة ثانية لا أستطيع أن أقودها، فهو مغرور بنفسه غروراً عجيب جداً، ويحاول أن يميز نفسه بطريقة ممقوتة، وإن كان الجالسون يهزون رءوسهم أمامه إعجاباً ظاهرياً وهم في حقيقة الأمر يحتقرونه ويمقتونه. إذاً محاولة تمييز النفس بشيء دون سائر الناس من علامات الغرور ولا حول ولا قوة إلا بالله، النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل، فقال: (يا رسول الله! أين أبي؟ فقال: أبوك في النار، فولى الأعرابي يبكي، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا أعرابي! أبي وأبوك في النار) يعني: المسألة أني وإياك في أمر واحد، فمحاولة تميز الإنسان بشيء من أجل أن يظهر وضع نفسه، أو مكانة نفسه بدرجة معينة عن الآخرين هذا في الحقيقة من قمة الغرور، وهذا والله ملاحظ وموجود عند كثير من الناس.

أسباب الغرور

أسباب الغرور ما هي أسباب الغرور أيها الإخوة؟ من أسباب الغرور: الشهرة، والشهرة الرياضية بالذات من أسباب الغرور، نجم الكرة الفلانية لا يلتفت ولا يريد أحداً يسلم عليه. هداف الدوري لهذا العام فلان بن فلان، لماذا لا يسلم، وما هو الذي ميزه عن عباد الله أجمعين؟ أليس سيقف مع سائر الخلائق يوم القيامة؟ أليس الموت سيأتيه كما سيأتينا؟ فما الذي ميزه؟ فالشهرة سواءً كانت في الجانب الرياضي، والحديث يكون عليها مناسباً ما دمنا في نادي النصر. الشهرة المالية: إنسان مشهور بالمال والثراء، تجد كثيراً من الناس وهذا للأسف موجود بكل صراحة، ومن خالط الناس لاقى منهم نصباً، يعرف هذا الأمر الذي يخالط طبقات الناس على مختلف مستوياتهم الفكرية والعلمية والمادية والاجتماعية والوظيفية، فتجد الإنسان الذي في الطبقة الرابعة عشرة أحياناً لا يريد أن يسلم، لأن هذا في السادسة والخامسة، وكأنه لا يعلم أن الله قادر على أن يميت كل ليلة واحداً، وأن الطبقة الرابعة عشرة سيحل فيها شخص محل الثاني، أقصد أنه: ينبغي للإنسان ألا يغتر بشيء زائل، وإن كان هناك من شيء نرتفع به ونرتقي به، فهو أمر باق، ولا يبقى للإنسان ذكر إلا ما كان بالدعوة إلى الله والطاعة والانقياد والخضوع لله سبحانه وتعالى. شهرة المنصب، شهرة المستوى الاجتماعي، كونك من أسرة معينة من جهة معينة تنظر للناس، لكن: (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى) أتدرون من أغنى الناس؟ أتدرون منهم الملوك؟ الذين يقنعون بما آتاهم الله ويستغنون عن الناس، يستوي أغنى الناس وأفقر الناس إذا كان هذا الفقير غنياً عن هذا الغني ولا يمد يده إليه. لماذا ساد الحسن البصري أهل البصرة؟ قالوا: احتاجوا لما عنده من العلم واستغنى عما عندهم من المال، فكن غنياً عن الناس تكن أغنى الناس، وإذا احتاج الناس إلى علمك وفقهك ومشورتك وفزعتك ونحو ذلك، فستكون سيداً عليهم وإن كنت من أفقرهم. إذا أيها الإخوة: كل شهرة زائلة إلا ما كان مرتبطاً بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وبالفقه في دين الله، فكم نجم رياضي مر علينا في تاريخ النجوم والرياضة ولكنه يلمع شهراً شهرين ثم ينتهي، وكم نجم مالي لمع فقيل: فلان بن فلان رأس ماله ملياران، ولكن مات وانتهى، والناس تشمت في ورثته حين يتقاتلون على قسمة المال. كم رجل تولى منصباً كبيراً ثم انتهى. إذاً كل مظاهر الشهرة تنتهي وقد تعود وبالاً وضلالاً على صاحبها: إن أهنا عيشةٍ قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل يبقى الحساب والعقاب ويبقى الموقف بين يدي الله جل وعلا على هذه الشهرة التي وقفت بها هل سخرتها في طاعة الله؟ هل سخرتها لدعوة إلى الله؟ هل بذلتها لله سبحانه وتعالى أم بذلتها لكي تفتح لك السيارات، وتعطيك الكرة توقع عليها، وتعطيك الفنيلة تختم عليها وإلى آخره؟ الشهرة التي تبقى في الحقيقة هي الشهرة المرتبطة بدين الله، فبإمكانك أن تكون لاعباً مشهوراً في دنياك وبعد مماتك إذا ربطت هذه الشهرة بطاعة الله، يأتي لاعب في دولة معينة، فيؤذن ويصدح ويقول: الله أكبر في تلك البلاد الكافرة، نعم هذه شهرة أوجبت له ذكراً حميداً في حياته وبعد موته، يأتي لاعب يصلي في الملعب والناس يقفون ويصلون معه، فيقتدون بصلاته، هذه أوجبت له ذكراً حميداً في حياته وبعد مماته، هذه هي الشهرة الباقية، أما الشهرة الزائفة الزائلة والضعيفة المؤقتة فسوف تنتهي ويبقى عليك حسابها.

احتقار الذات

احتقار الذات الشق الثاني وهو الاحتقار: الشباب بين غرور النفس واحتقار الذات: كما أننا نجد في مجتمعنا صوراً كثيرة متعددة من شباب وشيب وصغار وكبار على اختلاف أعمالهم الإدارية والميدانية والوظيفية من أصيب بدار الغرور ففي المقابل نجد عينات كثيرة، بل أعداداً كبيرة من الذين ابتلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله باحتقار الذات، ولا شك أن أصل الإنسان مجرداً عن الكرامة الإلهية حقير، الذي يغتر ينبغي أن يذكر بأصل الحقارة؛ لأنه اغتر بجانب مادي بحت، فإذا اغتر بالجانب المادي، فنقول له: أين منشأ هذا الجانب المادي؟ {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المرسلات:20 - 21] {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5 - 7] نذكره أيضاً بأصله من حيث التكوين والخلقة؛ لكي يعرف إذا كان يغتر بهذا العظم واللحم والجسم، والطول والعرض والمال؛ نذكره أيضاً أنك مرتبط بماء مهين، فما خلقت من يواقيت الجنة، ولا من جواهر الفردوس، ولا من لآلئ العطش، أنت مخلوق من ماء مهين، ما هو الأمر الذي تجد لنفسك به علاوة على الناس؟ يا بن آدم تقتلك الشرغة، وتدميك البقة وهي بعوضة وحشرة ضعيفة جداً تقع على يدك، ثم تدخل هذا الأنبوب الماص في جسدك وتمص الدم، ثم فجأة تلتفت فلا تجدها وتجد الدم على يدك. تقتلك الشرغة وتدميك البقة، وتحمل في جوفك العذرة، إذاً فلا تتكبر، أنت تحمل في بطنك مثلما يحملون إذا كنت تنظر إلى مقياس نفسك من هذا الجانب المادي البحت. وأنت بعد ذلك جيفة قذرة، بعد الموت لولا أن الله شرع الدفن لكان أحبابك يتضايقون من وجودك بينهم، تصبح جيفة قذرة فعلام الكبر إذن؟

أنواع الاحتقار

أنواع الاحتقار الاحتقار قد يكون مباشراً وقد يكون بسبب، ومن الناس من يكون عنده ضعف نفسي عجيب جداً مع ضعف الإرادة، تجده دائماً يحتقر نفسه احتقاراً عجيباً جداً، إذا قيل له: احضر هذه المحاضرة، قال: أنا لا أقدر، أي: لا يقدر أن يقف بين الناس، من أنا حتى آتي هذه المحاضرة؟!! يا أخي ادع الله جل وعلا. أنا إنسان ضعيف مسكين مغلوب على أمري لا أستطيع. يا بن الحلال تسبب في هذه الدنيا المباركة {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك:15]. ما أصلح لشيء. تجده دائماً يحتقر نفسه احتقاراً مباشراً. وأحياناً قد يكون الاحتقار بسبب أنه أعمل جهده وجوانب من نفسه في أمور رديئة خبيثة سببت له احتقاراً عظيماً. وتلاحظ أن كثيراً من الذين يحتقرون أنفسهم عندهم تحطم في الأعصاب، الإرادة مسلوبة، تعطيه أملاً معيناً ولو مدة أسبوع أو شهر أو ستة أشهر أو سنة، ما عنده أدنى أمل أبداً، وبعد ذلك تجده لا يدرك دوره في الحياة إطلاقاً، يقول: أنا ما لي مكانة، أنا ما لي منزلة، والشيطان يغذي وينمي هذا الاحتقار نماءً عجيباً إلى أن يصل الإنسان إلى أن يقول: ما دوري أنا في الحياة؟ لماذا لا أرتاح؟ لماذا لا أنتحر؟ تجده دائماً في قلق وفي شرود وفي عذاب عجيب جداً جداً، وهذا الشيطان يحقر من نفسه وينقص من نفسه تجاه نفسه، وفي النهاية تجده يقتل نفسه وينتحر.

الإسلام يزيل احتقار الذات

الإسلام يزيل احتقار الذات مرض الاحتقار خطير جداً، وإذا بليت الأمة به بلاءً، فذلك يجعلهم يعجبون بالأعداء ويتمنون القرب منهم والذلة بين أيديهم والخضوع والخنوع لهم، وفي المقابل لا يريدون أن يقدموا أو يؤخروا بالنسبة لهم في أي حال من الأحوال. إن دين الإسلام قد بعث هذه الأمة بعد أن كانت أمة تأكل خشاش الأرض، بعد أن كانت جاهلة فقيرة مريضة، أعزها الإسلام، فإذا بك تجد من نفسك احتقاراً للذات! انظر ما الذي رفع أمة حقيرة، ففتحت قصور الأكاسرة والقياصرة، أمة سيوفها مثلمة، خيولها قصيرة، ملابسها بالية، هددت وروعت العالم وبنت حضارة في مدة قياسية، وحطمت حضارات كان لها من العمر القرون الطويلة، إذاً ما السر الذي رفع هذه الأمة؟ فالحق به وأدركه، وابحث عنه وتأمله، وقم به لعلك أن تصل إلى ما وصلت إليه تلك الأمة. والقرآن الكريم يرفع من شأن هذه الأمة لكي يشعر الإنسان بالعزة في النسبة إليها، فأنت لا تحتقر نفسك وأنت تنتسب إلى الله الذي خلقك وتنتسب إلى هذه الأمة الإسلامية وتنتسب إلى الرسالة التي أنت مكلف بأوامرها ونواهيها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] كنتم خير أمة وهذا شرف ما بعده شرف، فضلنا الله وجعلنا من أمة محمد وجعل لنا الخيرية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] ومعنى وسطاً أي: عدولاً {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143]. قد رضي الله شهادتنا على سائر الأمم {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ} [آل عمران:139] قد رفع الله من مكانتنا ومن مكانة أمتنا. النبي صلى الله عليه وسلم دائماً يحرص على أن يشعر الإنسان باستقلاليته الشخصية وألا يحتقر نفسه، (لا يحتقرن أحدكم نفسه) كما جاء في الحديث، وفي الحديث الآخر: (لا يكون أحدكم إمعة، يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساء الناس أسأت، ولكن عليه أن يحسن إذا أحسنوا، وألا يسيء إذا أساءوا). الحاصل أن النصوص النبوية والآيات القرآنية كلها تحث الإنسان أن يستقل بشخصيته، وفي الحقيقة لا يوجد في الإسلام احتقار للذات، كما لا يوجد في الإسلام العبارة المشهورة عند كثير من الناس فناء الذات أو تناسي الذات أو تجاهل الذات، هذا غير موجود في الإسلام على الإطلاق، بعض الناس يقول لك: فلان متجاهل لذاته يمدحه، أو يقول لك: فلان شمعة يحرق نفسه ليضيء للآخرين، المسلم يضيء طريقه ويضيء للآخرين طريقهم، المسلم ينفع نفسه؛ لأن الذي يحرق نفسه من باب أولى ألا يقدم للآخرين نوراً، الذي يحرق نفسه لا يقدم للآخرين إلا إحراقاً، فاقد الشيء لا يعطيه، إذاً لا يوجد في الإسلام إلا تحقيق للذات، واعتراف المسلم بدوره ومكانته في الحياة، ولا يوجد اعتداد بالذات ولا يوجد تجاهل أو نسيان للذات، بل يوجد تحقيق للذات، ومن حقق ذاتها؛ فإن تحقيق الذات هذا يودي به في نهاية المطاف إلى أن يكرم أمته ومجتمعه وأن ينفعهم، هذا نوع من الاحتقار المباشر وتكلمنا عنه قبل قليل.

أسباب الاحتقار

أسباب الاحتقار الاحتقار له أسباب عديدة منها:

ابتذال النفس

ابتذال النفس أن يبتذل الإنسان نفسه، تجد بعض الشباب عنده احتقار عجيب لنفسه؛ لأنه ابتذل نفسه ابتذالاً عجيباً في جوانب عديدة، فقد يكون ابتذل نفسه في الجانب الجنسي، فتجده فتح على نفسه المراهقة وبلا حسيب ولا رقيب، فوقع في الفواحش والمنكرات والآثام إلى الحضيض، وتجده لا يتورع في سفره إلى الخارج فيفعل فيه كل ما يفعله الشاذون والزناة وغيرهم. وإذا وجد فرصة للمعصية والفاحشة والشذوذ واللواط لا يفوتها أبداً. هذا أيها الإخوة يورث صاحبه احتقاراً للذات، فلا يستطيع أن يرفع رأسه، تجده دائماً يطأطئ ويطنن برأسه؛ لأنه هو الذي احتقر وابتذل الجانب الجنسي في نفسه، فهذا الابتذال سبب له احتقار نفسه، ولذلك قال الحسن البصري رحمه الله: [إنهم وإن هملجت بهم البغال وطقطقت بهم البراذين؛ إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه] فتجد الذين يبتذلون أنفسهم ابتذالاً رخيصاً شاذاً في الجنس والفساد واللواط وغيره، والله لو ركب أطيب مركب وسكن أكبر مكان، فإنك حينما تقابله تجد في وجهه ذلة. فمن ابتذل نفسه فإنه يحتقرها ولا يعرف لنفسه قيمتها، ومن ثمَّ فإن الإنسان يشعر باللذة والسعادة والعلو إذا رفع نفسه عن الابتذال. وأدنى درجات الابتذال ابتذال النظر: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس مسموم، من تركه مخافتي أورثته إيماناً يجد حلاوته في قلبه) لأنه لم يبتذل النظر، وفي المقابل عزة وحلاوة وطمأنينة عالية في النفس. فيا أيها الإخوة: اعلموا وأدركوا هذا الأمر إدراكاً جيداً لكي تخبروا به من يقعون في هذه الفواحش والمنكرات، قولوا لهم: إن انفتاح الإنسان على ما يشتهي من الملذات والمنكرات لا يعني أن يكون محققاً للسعادة، وكونه محققاً لشهوات الذات، فهو يحفر لنفسه قبراً تحت قبر تحت قبر يهين نفسه في قاعه.

ابتذال الوقت

ابتذال الوقت كذلك -أيها الإخوة- من أسباب احتقار النفس: أن يبتذل الإنسان وقته، تجد الإنسان يبتذل وقته، فيلعب ليلياً البلوت من الساعة الثامنة ونصف إلى الساعة الواحدة، يقول ابن هبيرة: والوقت أعظم ما عنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يضيع الوقت ثمين جداً، وهذا مسكين عنده ابتذال شديد للوقت، ويضيق صدره إذا لم تجتمع (الشلة) ذاك اليوم، يذهب يبحث عنهم فلا يجدهم، ينادي فلاناً ببوق السيارة، ويدق بابه، ويذهب إلى فلان ويذهب إلى فلان، وأخيرًا يعود إلى البيت وصدره ضيق، ونفسه منكسرة، لقد وجد احتقاراً حقيقياً في النفس؛ لأن الإنسان إذا كان في لحظات العزة يجد سعادة، وفي لحظات الأنس يجد رفعة، لكن في لحظات احتقار الذات يجد انكساراً وضعفاً، فهذا مسكين ابتذل وقته، فمن ثم أفضى إلى أن يحتقر ذاته فعاد منكسر البال، وهذا شأن كثير من شبابنا نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية.

ابتذال العقل

ابتذال العقل كثير من الناس تفكيره سطحي حتى وإن بلغ ثلاثين أو أربعين سنة، أو حتى ولو كان جامعياً، عندما تناقشه في مدركات عقله وفي أمنياته، يقول: أتمنى سيارة بورش تأتي من ألمانيا. ثم ماذا؟ وأتمنى قطعة أرض. ثم ماذا؟ وأتمنى زوجة. ثم ماذا؟ ما أريد شيئاً! أماني ضعيفة وهابطة، العقل مبتذل في الحقيقة، ولذلك أصبحت الأماني على قدر هذا الابتذال، لكن الإنسان الذي همته عالية وكبيرة، تقول له: ماذا تتمنى يا أخي؟ فيقول: لا تكفيني سيارة بورش، أتمنى أن يسخر الله هذه الأموال في خدمة الجهاد والمجاهدين. أتمنى أن أكون غنياً عن الناس بما آتاني الله، مستغنياً بعلم الله وفضله، نافعاً لهذا المجتمع، مؤدياً دوراً مهماً يذكرني الناس به بعد موتي، لا حباً في الثناء والشهرة، بل طلباً للدعاء والذكر الصالح؛ لأن الخلق هم شهود الله في هذه الأرض: إذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام وأتعب الناس من جلت مطالبهم وإنسان همته علية ما يكفيه: ولو كان ما أسعى لأدنى مذلةٍ كفاني ولم أطلب قليلاً من المال المسألة لست مسألة عَرَضٍ قليلٍ من الدنيا، فالمسلم الذي لا يحتقر ذاته ولا يبتذل عقله؛ تجدون همته عالية، ليست الهمة محدودة، وكثير من الناس للأسف همته ضعيفة ومحدودة جداً، وذلك يدلك على حجم التفكير. أذكر أن شاباً كنت في مقابلة جادة معه، قلت له: يا أخي الكريم! ما هي أمنيتك؟ قال: أفتح سوبر ماركت، آخر ما يفكر فيه أن يفتح سوبر ماركت! هذه همة شاب؟! لا أقول: إنه عيب أن تفتح سوبر ماركت، لكن ينبغي أن تكون الهمة أعلى، قد تفتح سوبر ماركت، تفتح متاجر، تفتح محلات، تفتح مؤسسات، مباني، إنشاء، تعمير، لكن هذه وسيلة لغاية أعلى وأسمى ينبغي أن ترفع نفسك إليها، إذا لم تجعل لنفسك غاية وهدفاً تسعى وتتمنى أن تحققه في يوم من الأيام؛ فما هو دورك في هذه الحياة؟ الناس في هذا العالم كثر ولكن وكما قال إبراهيم بن أدهم: فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه وباقي الخلق هم همج رعاع وفي إيجادهم لله حكمه فأنت إذا لم يكن لك شأن ومكانة وعلو منزلة فلا تحتقر نفسك، اعترف بوجودك، وحقق ذاتك في هذا الوجود؛ لكي لا تكون من الذين هم من سقط المتاع أو من الذين لا يعدون بأي حال من الأحوال. إذاً أيها الإخوة الاحتقار من جانبين: احتقار مباشر؛ نتيجة إحباط أو نتيجة ضعف نفسي، وهذا قد يقول له إبليس: يا أخي لماذا لا تريح نفسك وتنتحر وتريحنا منك؟ وقد يفعلها، وقد فعلها كثير من الناس. وفي الجانب الآخر يكون الاحتقار بسبب ابتذال النفس جنسياً، وبسبب ابتذال الوقت، وبسبب ابتذال الفكر.

علاج الاحتقار

علاج الاحتقار

شغل الوقت بالنافع

شغل الوقت بالنافع من الأمور التي ترفع هذا الابتذال: أن يحرص الإنسان على إشغال وقته بالنافع، والحقيقة أنه لا حد لإشغال النفس بالنافع، الأمور النافعة كثيرة جداً، وانظر هوايتك فوجهها توجيهاً نافعاً، وتقدم وانفع بها، أنا أعرف شاباً تخصصه فيزياء، لكنه أشغل وقته بالأمور النافعة في مجال الكمبيوتر لأنه هوايته، وبعد ذلك أخرج برنامج المواريث عبر جهاز الكمبيوتر، فأنت يا أخي الكريم لابد أن توجد عندك همة، ولا بد أن توجد عندك موهبة، وتجد في المقابلات الفنية إذا سئل أحد الفنانين: الأخ الفنان الموسيقار الكبير! لو سمحت من الذي اكتشف الموهبة الفنية الموجودة فيك؟ قال: في الحقيقة كان محمد عبد الوهاب أو كان فلان أو فلان هو الذي اكتشف هذه الموهبة فيَّ، أي: أنه كان يجهل الموهبة الموجودة فيه، وهذا في الحقيقة قد يصدق، ونقولها لكثير من الشباب: فيكم مواهب دفينة ومطمورة، ويوجد في جنباتكم طاقات معطلة، لو بحث الإنسان عن نفسه لاستطاع أن يكتشف أن لديه جانباً سيبرز فيه وسينتج فيه، وسيحقق فيه ما لا يحققه غيره، ولذلك فإن الله فاوت بين الناس في المدركات والدرجات والمستويات؛ لكي تكتمل البشرية بهذا التسخير المتبادل.

حسن اختيار الصحبة

حسن اختيار الصحبة كذلك من الأمور التي تجعل الإنسان يبعد عن نفسه احتقار الذات: أن تبحث لنفسك عن صاحب لا يحييك بلعنة، ولا يكلمك بكلام خبيث، ولا يحدثك بعبارات ساقطة، ولكن هذا شأن الكثير من الشباب في مجالسهم للأسف، فلا تجد أسباب الاحترام في مجالسهم أبداً. فعليك أن تبحث من جديد عن صحبة طيبة تبعد جانب الاحتقار، فتجد الفرد فيها حينما يقابلك، يقابلك بالبشاشة، يصافحك، يلتزمك، يعانقك، يسأل عن أحوالك؛ ماذا قرأت البارحة؟ رأيت الخبر الجميل في المجلة الفلانية عن الجهاد؟ تجده يحدثك بأمور عالية جداً، ليس عن آخر أغنية، وكم سجلوا من هدف؟ وأنا لا أعترض بهذا على الرياضة على أية حال، لكن أقول: تجد الاهتمامات محصورة في هذه الجانب فقط؛ سمعت الشريط الفلاني، ما سمعت الشريط الفلاني، ما خرج الفيلم الفلاني، وهذا غاية مسعاهم من العمل ولا حول ولا قوة إلا بالله. فحينما يكون لك جلساء صالحون فإنهم يرتقون بمستواك، وأنا ألاحظ هذا جيداً، تجد شاباً عادياً أو من الشباب الذين أسرفوا على أنفسهم بالذنوب والخطايا، ثم يمن الله عليه بالجلساء الطيبين الصالحين، وبعد مدة تلاحظ مشيته تعجبك، ومظهره وملابسه وطريقته، تجد الرجل تغير حتى في أسلوب كلامه، لأن الرجل وجد من يرتقي به، ووجد من يطرد عنه احتقار الذات، وفي الحقيقة حتى هو وإن لم يشعر باحتقار الذات إلا أن سلوكه وتصرفاته دالة على احتقار ذاته، لكن لما منَّ الله عليه بالهداية وبالجلساء الصالحين الصادقين، وأكرمه بهذه الدرجة العلية تغير أسلوبه، وتغيرت هيأته وطريقته في ذهابه وإيابه وخطابه إلى آخر ذلك.

عاقبة إضاعة طاقات الإنسان

عاقبة إضاعة طاقات الإنسان الذين يضيعون الطاقات الموجودة في النفس الإنسانية هم بهائم. الذين يصرون على إهدار الطاقة الجنسية والطاقة العقلية والأوقات، ومختلف الطاقات الموجودة في هذا البدن؛ الذين يضيعونها هم والله لا يكونون إلا كالبهائم، ولذلك تجد في مواضع كثيرة من كتاب الله مثل قول الله جل وعلا: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] هناك سمع راقٍ ولكن لا يوجد عقل وتدبر على مستوى، إذاً ما هي محصلة الأمر؟ {إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ} [الفرقان:44] وكذلك قول الله جل وعلا: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:179] وقول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد:12] وقول الله جل وعلا: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة:18] الذين يعطلون وسائل العلم والمعرفة بالنفس وقد قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:36] سمعك وبصرك وفؤادك وعقلك هي آلات التعلم والتعليم والإنتاج والابتكار فلا تضيعها، فمن ضيعها وأصرَّ على ابتذالها في جوانب ناقصة وهابطة، فوالله ليكونن كالبهيمة، بل إن البهائم قد تنفعنا ولا تضر، وذلك قد يضر ولا ينفع ولا حول ولا قوة إلا بالله!

سبب احتقار الشباب للنفس

سبب احتقار الشباب للنفس ختاماً أيها الإخوة نقول لبعض الشباب: لماذا تحتقر نفسك؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها أمر دينها). لماذا لا يكون أحدكم هو المجدد وليس ذلك أمراً عجيباً، ولا على الله بعزيز أن يكون من بينكم مجدد، ليس على الله بعزيز أن يكون أحد لاعبي نادي النصر هو مجدد الأمة في يوم من الأيام. إذاً أيها الإخوة: لماذا نحتقر أنفسنا؟ لماذا أولئك يعجبون بأنفسهم إعجاباً بليغاً وهم كفار، والمسلم وهو على حق يذل نفسه ويحتقرها ولا يرى لنفسه دوراً ولا مكانة؟ والبعض قد تحدث له صدمة تهزه حتى يبتعد عن الاحتقار إلى تحقيق الذات، ومن أولئك الإمام الطحاوي الذي كان في حلقة مجلس، وكان شيخ تلك الحلقة هو خاله أخو أمه، فكان يجلس بجوار خاله، وكان خاله يشرح ثم يسأله: فهمت يا ولدي؟ قال: ما فهمت، فضرب على كتفه ذات يوم، وقال: قم، أنت لا تصلح لشيء، فقام ذلك العالم النحرير، قال: أنا لا أصلح لشيء؟ ثم طلب العلم حتى انتهت إليه إمامة الدين في زمانه، وجلس ذات يوم في حلقة خاله، وقال: أين خالي ليرى ذلك الذي لا يصلح لشيء. فأنت يا أخي قد يقابلك من يقول لك: أنت لا تنفع في شيء، أنت لا تصلح لشيء، أنا أذكر شاباً قابل مدير مدرسة أو شيء من هذا، وقال: أنت ما تصلح حتى خباز (طردة شنيعة للأسف!) أخبرني بها وأدركها جيداً، فاستمر حتى أنهى دراساته العليا كاملة عقب هذه الكلمات. فيا إخواني: ينبغي ألا تكون عبارات الآخرين المسلطة علينا سبباً في احتقار ذواتنا، أنت أدرى بنفسك: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] مهما حاول الآخرون أن يحتقروك، أو أن يغضوا من شأنك، فأنت أدرى بنفسك درايةً عجيبةً دقيقة، ولكن إياك والغرور، ولا تحتقر نفسك بأي حال من الأحوال. أيها الإخوة! أقول: ينبغي ألا نحتقر أنفسنا، وينبغي أن يظهر من هذه القاعة عدد من الدعاة والخطباء والمصلحون في هذا النادي وفي المجتمع وفي أماكن عديدة، ينبغي ألا نستسلم للشيطان، وينبغي أن نحقق ذواتنا في مجتمعنا، ينبغي أن نعرف دورنا في الحياة، نحن -أيها الإخوة- ما خلقنا لكي نأكل ونشرب: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] جهاز هضمي، وجهاز عقلي، وجهاز تنفسي، وعروق وشرايين، وقلوب وأفئدة، هذا الإنسان قد أودع الله فيه أعجب مخلوقاته ودقيق صنعه سبحانه! ما أودع الله فيك هذا الأمر إلا لسرٍ عظيمٍ جداً ألا وهو أن تكون عامراً لهذه الأرض، وأن تقوم بعمارتها على الوجه والجانب الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، فينبغي ألا يحتقر أحد نفسه، ومن ابتلي بشيء من هذا، فليتذكر قول القائل: دواؤك منك وما تشعرُ وداؤك فيك وما تبصر وتزعم أنك جسمٌ صغيرٌ وفيك انطوى العالم الكبير لا تحتقر نفسك، بل أنت كل شيء إذا منَّ الله عليك بالهداية وأكرمك بالاستقامة والملازمة واتباع كتابه وسنة نبيه، ولا أود أن أطيل أكثر من هذا، فإن الإخوة قد أرسلوا لي كرتاً أصفر أو أحمر ما أدري ماذا تسمونه، المهم أنه حان وقت الصلاة بعد قليل. وأختم هذه المحاضرة بأن أسأل الله جل وعلا أن تكون خالصة لوجه، فهذه نفثات من محب لكم في الله، ومن محب للأندية الرياضية خاصة أن تعود على أنشطة اجتماعية وثقافية ورياضية، وأن يعود التوازن إليها من جديد، وأن تتميز أنديتنا تميزاً، فهذه نفثات ميسورة إن وافقت فيها حقاً فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان فيها خطأ فمن نفسي والشيطان. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التعصب للأندية

حكم التعصب للأندية Q هناك بعض الإخوة هداهم الله متعصبون لبعض الأندية لدرجة أنهم يطلقون مثلاً على نادي الهلال: الاتحاد السوفيتي، فما رأيكم جزاكم الله خيراً؟ A أنا أعرف حقيقة لماذا كتب هذا السؤال، لأننا في نادي النصر والكلام يتعلق بنادي الهلال، لكن وليكن ما يكن، الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. يا إخواني! ليس هناك شيء يمنع الإنسان من أن يمارس الرياضة، الرياضة في الإسلام كما تعلمون وسيلة لا غاية، ما هناك شيء يمنع، لكن أن تصل ممارسة الرياضة إلى حد التعصب للأندية تعصباً يوقع الشحناء والعداوات والبغضاء والفراق إلى آخره، فهذا لا ينبغي ولا يليق بأي حال من الأحوال، وما يضيمك إن كنت من محبي نادي النصر مثلاً لأن اللاعبين يعجبك لعبهم، أو من محبي نادي الشباب أو الهلال أو أي نادٍ من الأندية، هذه رياضة معينة، والناس بين نوعين: بين من يمارس هذه الرياضة، وبين من يشجعها ولا يمارسها، ولا نطلق عبارات التحليل والتحريم على الفريقين، لكن نقول: الأمر مشروع بحدوده، أما أن يرمي الإنسان غيره من مشجعي الأندية أو من أصحاب الأندية بمثل هذه العبارات، فهذا لا ينبغي ولا يليق بأي حال من الأحوال، وأنا أظن أنه من وصل به التشجيع إلى هذه الدرجة التي أصبح بموجبها يسب ويشتم ويفرق ويغير فقد احتقر نفسه احتقاراً ينبغي أن يبعده عن نفسه؛ لأن المسلم لا يصل إلى درجة الاحتقار (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره) إلى آخر ما جاء في الحديث. فكل عبارة فيها بغضاء أو شحناء أو عداوات، فينبغي أن تزول، نحن نريد أن تعود الجماهير الرياضية من جديد عوداً على بدأ والعود أحمد، فقد مرت حقبة من الزمن عرف الناس عن الرياضة والرياضيين الكلام السيئ والسمعة الرديئة، نريد أن نبعث هذا الأمر من جوانب جديدة، نريد أن يعرف الناس أن الأندية فيها مدارس تحفيظ القرآن وهي محاضن للدعوة والدعاة وهي أماكن لتربية العقول والأبدان والأجسام، وفيها فرص مناسبة لممارسة الرياضة بأنواعها، وحينما ننظر إلى هذه الأندية بهذه النظرة الشمولية ونعرف الهدف من هذه الأندية الرياضية، عند ذلك لن نجد هذه العبارات ولن نجد الجنون في التشجيع، الذي نراه من بعض الشباب، يفوز نادٍ على نادٍ فيخرجون في الأسواق بالأعلام وبالطبول والكلام الذي لا يليق، وبإزعاج الآخرين بالليل، أذكر أن المنتخب في المملكة منذ مدة فاز، والحاصل أن خرج الناس بأعلام المملكة يتجولون في الشوارع، هذا علم دولة رسمي تهينه وتعلقه على رفرف دراجة. وفي الحقيقة حينما تحصل مظاهرات في جامعة أمريكية بين الليبيين والإيرانيين أو بين العراقيين والإيرانيين، يقوم الإيرانيون بإمساك العلم الإيراني فيمزقونه ويعلقونه على صدامات المواتر وفي المقابل كذلك، فالذي يفعل هذه القضية يمارس إهانات رسمية ممنوعة نظاماً، قبل هذا كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله كلمة التوحيد والوحدانية والرسالة، فيسقط العلم، فتظؤها السيارات في الشوارع والناس هذا جنون، ونوع من احتقار الذات حيث لا يشعر الإنسان بقيمة نفسه ولا بقيمة دينه، ولا بقيمة هذه الراية التي يحملها، ولا بالكلام الذي في طياتها وجنباتها. إذاً فالمسألة ليست مسألة جنون، فنريد أن تعود الجماهير ٍمن جديد بكل عقل وروية وبكل قناعة، شاب يسأل، يقول: حرام عليّ أن أرى المباراة في التلفزيون؟ الحقيقة المسألة ليست مسألة حلال أو حرام، قد نقول: ليس هناك ما يمنع، لكن لا تكون الرياضة هي شغلك الشاغل أربعاً وعشرين ساعة؛ ترى السعودية والكاميرون في الفيديو، السعودية والإمارات في الفيديو، وتجده يشغل أفلام فيديو للمنتخب ومباريات على الشاشة، هذا وقته ضائع، فابتذاله للوقت سبب لاحتقار الذات، فنحن نريد ممن كان رياضياً أن يحترم الرياضة، وأن يحترم نفسه أمام الرياضة، فلا تطغى عليه ولا يطغي نفسه فيها.

إيقاظ الجار لصلاة الفجر

إيقاظ الجار لصلاة الفجر السؤال يقول: لي جار أوقظه لصلاة الفجر، ولكن يقابلني بقوله: إنك أزعجتني وأزعجت أهلي فلا توقظني أبداً؟ A على أية حال يا أخي! الواجب عليك أنك لا تمل في دعوته إلى الله سبحانه وتعالى، والذي أراه لك في البداية أن تنصحه نصيحة بينك وبينه، وألا تمل النصيحة، قد يكون الرجل يصلي في بيته ولا نظن بمسلم أنه يترك الصلاة بالكلية، لا شك أن ترك الصلاة في المسجد لا يجوز، لكن ليس السبيل أن تذهب وتتركه، ولا شك أنه ينزعج، ولا تضرب الباب في هذا الوقت، وليس هذا من أجل راحته، ولكن من أجل أن تصل إلى قلبه في لحظة قبول واقتناع واستجابة، فعند ذلك سيصبح يصلي بنفسه بدون أن تطرق عليه الباب، أو قد يطلب منك في المستقبل، يقول: أعني على نفسي واطرق علي الباب لكي أشهد الصلاة مع الجماعة، فهذا أمر مطلوب.

علاج داء الغرور لدى المسئولين

علاج داء الغرور لدى المسئولين Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: لدينا مسئولون عندهم داء الغرور، فمال الحل لإقناعهم أن لديهم داء؟ A أسمعوهم هذه المحاضرة لعل الله أن ينفع، ونسأل الله جل وعلا أن ينفع بجهودنا وجهودكم هذا شيء. الشيء الثاني يا إخوان: أن الغرور داء دفين في النفس، والأمراض الخفية تكون في خبايا النفس خاصة في الجوانب السلوكية، وداء الغرور يكتشف من سلوك الإنسان؛ من دخوله وخروجه وقدومه وانصرافه ومقابلته للناس ومعاملته مع الناس، فعلى أية حال هذا الذي عنده داء الغرور أكثر له من الأشرطة التي فيها بيانٌ لأصل هذا الإنسان وأصل خلقته تكوينه، وأنه ضعيف، ومناقشة الغرور لا ينتهي أبداً، يا أخي بأي شيء تغتر؟! {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} [الإسراء:50 - 51] أي: لو كنتم حجارة أو حديداً أو خلقاً أكبر من هذا فسيأتي بكم الله ويعذبكم ويحاسبكم، فالمسألة ليست بحديد فولاذي لا تبلى ولا تفنى، بل بالعكس فأنت بشر ضعيف، الواحد لو أصابه جرح في إصبعه، فمن نعمة الله أن توجد مادة في الدم تسبب التجلط حتى يقف الجرح ويعود بناء الأنسجة من جديد، وإلا فإن هذا الجرح ربما ينزف قطرة قطرة لمدة يومين أو ثلاثة أيام حتى ينتهي، فهذا الإنسان الذي شق الأنفاق وركب البحر والغواصات والطائرات والصحاري له جهوده في مجالات عديدة، لكن أيضاً هو ضعيف جداً. الكلى: أسأل الله أن يعافي الذين ابتلوا بمرض الفشل الكلوي، وأن يمن عليهم بالشفاء والعافية، انظروا هذه الكلية حجمها بنصف حجم القلم وبشكل قريب من نصف الدائرة، من الذي يعوضها؟ الإنسان ضعيف جداً وانظر إلى هذه الناحية من أمرين: الأمر الأول: دقة وعظيم خلق الله لعبده. والأمر الثاني: لا يعوضك أحد إذا تخلى عنك الله سبحانه وتعالى، وإذا زالت عنك عافية الله جل وعلا فلن تستطيع أن تعوضها بشيء. الذين أصيبوا بالفشل الكلوي مستعدون لأن يبذلوا ملايين من أجل أن تعود الكلية كما كانت، وذلك لا يكون إلا إذا أذن الله جل وعلا لأحدهم بأن توجد له زراعة كلية من إنسان آخر أو من متبرع وتكللت عمليته بالنجاح، فالإنسان ضعيف. وآخر فقرة في العمود الفقري لو سقطت عليها لأصبت بشلل نصفي، نقطة بسيطة في الدماغ إن تتحرك عن مكانها يحصل شلل كامل، وقد تتعطل حاستين أو ثلاث. فالخلاصة: أنك ضعيف جداً جداً، وأدنى شيء يؤثر في حياتك، ويجعلك تتألم وتتعذب، لكن من كان في العافية فهو لا يعرف قيمتها، ولا يعرف قيمة العافية إلا من ذاق المرض: لكل ما يؤذي وإن قل ألم ما أطول الليل على من لم ينم لو أن الإنسان تقلب على فراشه ساعتين من وجع سن، قال: أقلعوا حنكي كله وليس ضرسي فقط، دعوني أرتاح، لأنه يتألم ألماً شديداً. إذاً هذا الإنسان أكثر له من الأشرطة والرسائل والمحاضرات، وأيضاً إذا وجدت الجلسة المناسبة معه لكي تبين له أن الإنسان ضعيف ومسكين، ولا بقاء ولا قدرة ولا ثبات له إلا إذا منَّ الله عليه بالشفاء والعافية، إذاً فهو محتاج لأن يرتبط بالله حتى يتمتع بهذه العافية، إنسان يملك ملياراً، لكنه محروم من السكريات والنشويات، ومحروم من أن يمشي كثيراً، ومحروم من تناول الملح لأن عنده ظغطاً في الدم؛ ما هذه الحياة! حقيقة يا إخوان! هل الدنيا مال؟ لا، الدنيا بعد طاعة الله عافية، ولذلك ينبغي للعبد أن يسأل الله سبحانه وتعالى؛ اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدنيا والآخرة، العافية نعمة عظيمة من أكبر النعم، فإذا أكثرت على هذا المسئول من هذه الجوانب وهذه النقاط، فلا بد أن يعود ويئوب إلى الله يوماً من الأيام.

الرد على من يقول: المحاضرات ليس مكانها النادي

الرد على من يقول: المحاضرات ليس مكانها النادي Q فضيلة الشيخ: أعيانا الرد على بعض الإخوة الذين يجادلون بأن المحاضرات الإسلامية ليس هذا مكانها فما تقولون لهم؟ A فهل مكان المحاضرات المساجد فقط؟ لا. نحن لا يوجد عندنا فصل الدين عن الدولة، الدين في المسجد فقط وما سوى ذلك فلا علاقة له بالدين أبداً! الدولة من أكبر جهاز فيها إلى أصغر جهاز فيها هي محل بالدين، وما هي إلا مطبقة للدين وحاكمة للدين ومأمورة بأمر الدين، لا يمكن أن نتصور هذا الأمر، والذي يقول: هذه الأندية ليست للمحاضرات، نقول: فماذا تكون؟ تكون لتربية الأجسام فقط؟ تربية عجول؟ لا، هذه الأندية لتربية العقول وتربية الأبدان على مستوى متوازن متمازج وإلا ما قيمة بدن قوي نشيط لكن ما عنده عقل. أذكر في يوم من الأيام في الشارع الثلاثين في العلية بعد مباراة من المباريات كان هناك مجموعة شباب واقفون في سيارة (جيمس) يلبسون فنايل (نصف كُم) وقد سدوا الطريق بالسيارة في ممر بجوار شارع الثلاثين فلا تمر منه سيارة، هل هذه الأندية تقر هذه الأعمال؟ لا، هو الآن يشجع نادياً أو يشجع نخبة من مجموعة أندية، فهل تأثر بهذه الأندية إلى هذا الحد؟! ليست الأندية التي فرضت عليه هذا الفعل، سلوكه وخطؤه ينسب إليه ولا ينسب إلى الأندية، لكن ما دام أحب الأندية، فلا بد أن يسمع كلمة في النادي حتى يصلح من الخطأ في سلوكه. ثم يا إخوان لا بد للدعاة أن يدخلوا كل مكان، شاب لا يدخل المسجد لكنه يدخل النادي؛ أليست فرصة أن تقابله فيه وتوصل إليه كلمة الحق؟ بلى والله، بل إن من الدعاة من دخل أماكن لهو لم يجلس فيها لاهياً وإنما اقتنص صيده واحداً تلو الآخر لكي يهديهم إلى الله جل وعلا، وحصل أن اهتدت طوائف بهذه الطريقة. الداعية الذي يهمه أن يهتدي الناس، والذي يشفق على الآخرين من عذاب الله، الداعية المحب لإخوانه لا بد أن يدخل إليهم في كل محل، ما هي العداوة بيني وبين أبناء النادي حتى لا أدخل إليهم؟ وما هي العداوة بينهم وبيني حتى لا يسمعوا مني في النادي؟ هم إخواني وأنا أخوهم، يصلون معي الجمعة وآتي إليهم في ناديهم، ويزورونني وأزورهم، ويأتون إلي في المكان وآتي إليهم في المكان، لماذا نحاول أن نجعل المجتمع طبقات، طبقة أندية لا يمكن أن تهتدي، وطبقة مطاوعة شغلها في المساجد، وطبقة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر (صلوا صلوا). لا. المجتمع كله بوظيفة ومهمة واحدة في حفظ الأمة، حفظ شباب الأمة، حفظ كيان الأمة، هذا ليس مسئولاً عنه النادي وحده، كل دائرة من دوائر الدولة بجميع وزاراتها ومؤسساتها وأجهزتها مسئولة عن حفظ كيان الأمة وأمن الأمة وشباب الأمة جميعاً.

استمرار المحاضرات في الأندية

استمرار المحاضرات في الأندية Q فضيلة الشيخ حفظك الله: أخبرك أني أحبك في الله، ثم أخبرك أننا معشر الشباب في أشد الحاجة إلى مثل هذه المحاضرة المباركة، وأتمنى أن تتكرر وتكون في مكان أكبر من هذا لأن الذين رجعوا إلى منازلهم أكثر من الذين وجدوا مكاناً لهم؟ A على أية حال نسأل الله للذين رجعوا أن ينفعهم بما سمعوا، وأن يجعل بقاءهم معنا المدة التي جلسوا فيها في موازين أعمالهم، وأن يثيب الجميع، وأن يثيب من بقي معنا، وفي الجميع البركة إن شاء الله، على أية حال ليس هذا هو اللقاء الأول، هذا فيما نرجوه لإخواننا في نادي النصر الرياضي، وأيضاً نرجو من جميع المسئولين عن الأندية أن يجعلوا من الأندية منابر نور وإشعاع للمجتمع، ما ظنكم أن نادي النصر الرياضي يتبنى كل شهر ولا نقول نصف شهر مناسبة ثقافية، أمسية شعرية، حفلاً مسرحياً، محاضرة، مسابقة، قصيدة، كلمة، المهم أن نرفع من مستوى أبناء المنطقة؛ منطقة الدخل المحدود ما شاء الله مكتظة بالسكان، هذه الكثافة السكانية بحاجة إلى الوعظ والإرشاد والتوجيه والإفادة، وخير من يقوم بهذا التوجيه هي الأندية الرياضية، فليس دور الأندية الرياضية فقط أن تربي أجيالاً تلعب الكرة جيداً، وتحسن أن تسدد الأهداف جيداً في الشباك، لا، أيضاً من مهامها أن تنفع المجتمع، وكل نادٍ رياضي يفتح لائحة تأسيسية فيقال: نادي رياضي اجتماعي ثقافي ينفع المجتمع، المهم أن مهمة الأندية نفع رياضي مع الثقافي والاجتماعي وتوجيه وإيصال هذا الخير إلى أكبر أفراد المجتمع، فلماذا تخلف الجانب الثقافي والاجتماعي في النادي؟! هذه مسئولية المسئولين في النادي، ولا أدري هل في الحضور أحد من العلاقات العامة، وكنا نطمح أن يحضر عدد أكبر من إدارة النادي نفسه، ما يكفي واحد أو اثنين أو ثلاثة، نطمع أن يكون في مثل هذه المناسبات مستوى أكبر من إدارة النادي أن يكونوا موجودين لكي يثبتوا لكم معاشر الإخوة أن إدارة النادي حريصة على هذا الأمر، وليس جهد واحد أو اثنين أو ثلاثة فقط في هذا النادي.

ستر العورة أثناء لعب الكرة

ستر العورة أثناء لعب الكرة Q فضيلة الشيخ حفظه الله: نحن اللاعبين الموجودين في الأندية، نحب أن نلبس سراويل تستر العورة، ولكن من يفعل ذلك يتهم بالتعصب، مع أن اللاعبين في الدول الغربية يلبسون (هيلاهب) كامل ولا أحد يتهمهم بتعصب وتزمت فما قولك في ذلك؟ A على أية حال عليك أن تعرف الصواب وتعمله، ثم بعد ذلك لا يضرك من خالف: إذا الكلب لم يؤذك إلا بنبحه فدعه إلى يوم القيامة ينبح نعم. ما دام أنك تعرف أن هذا هو الحق، وأنه لا ينبغي لرجل أن يلعب وفخذه مكشوفة، فافعل ذلك ثم العب، ثم ماذا إذا لبس سواء تحت الركبة بقليل أو لبس الترنك الطويل هل هذا يؤثر على أداء اللاعب رياضياً؟ بالعكس أظن أنه يضفي إليه شعوراً بالطمأنينة والارتياح بأنه يمارس رياضة مباحة، ولم يفعل في ممارسته أمراً حراماً، عند ذلك يضفي عليه قناعة وارتياحاً وحسن أداء.

حكم رد السلام على النساء ومخاطبتهن لغير المحارم

حكم رد السلام على النساء ومخاطبتهن لغير المحارم Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: هل يجوز رد السلام على النساء وإفشاء السلام عليهن، ومخاطبتهن لحاجة وهن ليس من محارمي، والله الموفق؟ A يجوز رد السلام على المرأة، ويجوز إفشاء السلام عليها ما لم تكن صغيرة يخشى الفتنة من صوتها، ولا تجوز مصافحتها ولا الخلوة بها إذا كان ليست بمحرم لك.

حب المدح والثناء من الناس

حب المدح والثناء من الناس Q أنا عندما اختلط بناس لا أعرفهم، أحاول أن أجمل أخلاقي وأحسنها، وأحاول ألا أحد يتكلم بشيء ينزل بقيمتي، وعندما أختلي بنفسي أحاسبها على ذلك، ويعجبني إذا كان أحد يمدحني وأنا أسمعه، وأتراءى له كأني لم أسمعه، فكيف أتخلص من تلك الظاهرة السيئة جزاكم الله خيرا؟ A على أية حال -يا أخي- فالنفس مولعة بحب العاجل، كثير من الناس يحب الثناء والمديح، لكن إذا كان الإنسان يفعل أعماله من أجل أن يثنى عليه، فهذا رياء ومحبط للعمل، لأنه لا يفعل الشيء ابتغاء وجه الله، بل ينتظر من الناس أن يمدحوه وأن يثنوا عليه، وإذا جاء وقت لا تمدحه الناس ولا تثني عليه سيحزن، ولن يفعل شيئاً، وهذا لا يصلح، فينبغي للإنسان أن يحاسب نفسه. ثم يا أخي! أي عمل من الأعمال أنت تبذله فسوف يكون هناك مشقة وارتباط، فجهدك ومشقتك وارتباطك بدلاً من أن يضيع هباءً منثوراً، احتسب واخلص نيتك لله سبحانه وتعالى. ثم يا أخي! هب أن كل من في القاعة مدحوك، هل قدموك إلى الآخرة درجة؟! وهب أن من في القاعة ذموك هل ردوك عن الجنة؟ إذاً لا تنتظر الثناء والمديح من أحد، والذي يغرق في حب الثناء والمديح فهو في خطره شديد، وقد يقع في الرياء ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن إذا فعلت أمراً محموداً، ثم أثني عليك بعد ذلك فلا حرج عليك، ولو أعجبك ذلك كما ورد في الحديث لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يفعل الخير، فيحمده الناس على ذلك فيعجبه، فقال صلى الله عليه وسلم: (تلك عاجل بشرى المؤمن) هو أساساً ما فعل هذا الفعل لكي يمدحوه، هو عمل عمله ابتغاء مرضات الله، فأثنى الخلق على عمله، فتلك عاجل بشرى المؤمن بالرضا والقبول، فلا حرج في ذلك، أما أن تشتهي هذا وتحب أن يمدحك الناس وأن تكون دائماً في الطليعة: (رحم الله امرءاً إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الميمنة كان في الميمنة، وإن كان في الميسرة كان في الميسرة). يا أخي! إن كنت داعية إلى الله بحق خالصاً مخلصاً لا يهمك أين تكون على الخشبة، أو وراء الباب، أو خلف الستارة، أو خلف البوابة، المهم أن يكون عملك لله، وأن يمضي لك عمل بينك وبين الله سبحانه وتعالى، إذا بلغت هذه الدرجة؛ فأنت على مرتبة من الإخلاص، أما إذا كان لا يحلو لك الحديث إلا تحت الأضواء، فهذا خطر عظيم فراجع نفسك وحاسبها.

ظاهرة انتشار المقاهي ومحلات الفيديو

ظاهرة انتشار المقاهي ومحلات الفيديو Q فضيلة الشيخ: في الآونة الأخيرة انتشرت المقاهي ومحلات الفيديو، ونرجو من فضيلتكم التعليق على هذا الوباء الخطير؟ A كلها من مظاهر الفراغ، ومن مظاهر ابتذال الوقت المفضي إلى احتقار الذات، تعال انظر إلى مقهى من المقاهي وعد كم سيارة واقفة عنده وادخل على هؤلاء الشباب، ثم ماذا؟ مضيعة وقت. هل يحلون قضية الشرق الأوسط؟ لا. أعندهم مشاريع نافعة؟ لا. بل مضيعة وقت، وإفساد أخلاق، وإتلاف أبدان، وخسارة أموال، كل هذه مجتمعة، فلا غرابة أن تجد الذي يخرج من هذا المقهى بعد ما أخذ له عشرة رءوس أو اثني عشر رأساً؛ أن تجده مسكيناً هزيلاً ضعيفاً، عندما تخاطبه يجد من نفسه ذلة وإهانة، هو بنفسه يحتقر نفسه لفعلها، والحاصل أنها دلالة على الخطر العظيم. منذ مدة قدم لي أحد الشباب ورقة فيها مقالة: أين المتنفس؟ يقول: أين يتنفس الناس إذا أردنا أن تكون المقاهي خارج المدينة؟ وهذه كلمة حق أريد بها باطل، وكاتب يقول: لماذا يحرصون على إبعاد المقاهي من داخل البلد، ونحن نقول هذا ونكرر: هذه المقاهي يشربون فيها الشيشة، وتجد الطفل الصغير يأتي ويضع رجلاً على رجل، ويقول: أعطني رأساً، أعطني رأسين، والعامل مستعد أن يعطيه عشرة رءوس ما دام يدفع على الرأس كذا مبلغ، مستعد يعطيه إلى أن ينفجر رأسه، لكن القضية وما فيها في كيفية تأثيرها على الشباب، يخرج الولد من المدرسة إليها فيأخذ له رأساً أو رأسين حتى يُدمن، ويأتي الولد البريء النزيه ويقولون له: اجلس اشرب معنا شاي، ثم يجلس يشرب الشاي، ويقول: أعطني رأساً، ثم ثبت بما لا يتطرق إليه الشك أن نسبة من هذه المقاهي خاصة التي يتناول فيها ما يسمى بالشيشة تستخدم لتهريب وتوزيع المخدرات: (الكمية المطلوبة اثنا عشر حبة، الموعد قهوة كذا في المحل الفلاني، سلم واستلم، الكمية المطلوبة خمسين حبة، من أي نوع؟ من النوع الفلاني كبتاجون، هروين، كوكائين، الموعد المحل الفلاني) وهم أذكياء يبدلون المحطات، وفي فترة من الفترات انتشرت على خط الحجاز محلات تغيير زيوت انتشاراً رهيباً وبشكل غريب جداً، وما بين هذه المحطة والتي بجانبها إلا عشرين متراً أو خمسين متراً، أيعقل هذا؟! فينبغي للشاب الذكي أن يقف عند أي ظاهرة معينة ويحلل، وأخيراً قال: هؤلاء كلهم ما وجدوا إلا الزيوت، ربما يكفي واحد، لكن لماذا يوجد خمسة ستة متجاورين؟ فتبين بعد مدة أن فيها ما فيها من المخدرات. إذاً المسألة يا إخوان لا يوجد من وراء محلات الفيديو والمقاهي داخل البلاد إلا الشر المستطير، وحينما تجد شاباً عمره أربع عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة ولديه مجموعة أشرطة داخل محل الفيديو يبدل ويغير، فيمكن أن يأتي يوم يطمع صاحب المحل في هذا الشاب ويعطيه شريط خلاعة، ومن يقول: إن هذه المحلات ليس فيها أشرطة خليعة؟ أتصدقون هذا الكلام؟ هل نحن بلداء إلى هذه الدرجة؟! لا شك أن الأنظمة تمنع وجود الأشرطة حتى التي فيها القبلة أو الفخذ العارية، لكن هل التزم أصحاب المحلات بهذا؟! والذي يتورع من أن يبيع خناً وفساداً وخلاعة ورقصاً ودفاً ومزماراً، هل فعل مثلما فعلت تسجيلات الهداية؟! للأسف محل واحد هو مركز الهداية للصوتيات، وأنا من هذا المنبر أدعوكم لزيارته والتعامل مع مركز الهداية للصوتيات في شارع الأمير عبد الله في الرياض محل واحد وعندنا الكثير من محلات الفيديو، من منكم يبدأ بخطوة جبارة ويفتح محل فيديو إسلامي، أول ما فتح هذا المحل وقف ضده بعض الصالحين هداهم الله يقول: لا يجوز، يا أخي هذا نقطة نور في بحر الظلام، الآن تستطيع أن تؤثر على مجموعة عندما تكلم الناس عن وضع الجهاد بدون صورة؛ لكن خذ شريطاً من أفلام الجهاد الأفغاني واعرضه على الناس وانظر كيف الوضع. وبالمناسبة أدعو إدارة النادي والأخ مسئول العلاقات موجود أن يدعو مجموعة في يوم من الأيام وأن يعرضوا فيلم عن الجهاد في أفغانستان كما فعل نادي الشباب حيث وضع يوماً ثقافياً أو معرضاً عن هذا لـ أفغانستان، فلابد أن تكون هذه الوسائل نافعة لا أن تكون ضارة. ففي الحقيقة وجود المقاهي ووجود أفلام الفيديو فيه ضرر بالغ على الأمة، كم عندنا من محل فيديو؟ لا يخطر على بالك لو ذكرت لك الرقم الموجود، ولن أعطيك إياه، أريدك أن تبحث وتسأل. مقابل محل واحد فقط لا غير؛ هل جاء أحد يطلب منه تصريحاً أو رفضه؟ انظر أنت إلى التسجيلات الإسلامية كيف انتشرت وكيف فشت في المجتمع، وكثير من الشباب قلبوا محل الفيديو والأغاني إلى محل فيديو إسلامي، فهل توجد خطوة جديدة لمحلات الفيديو؟ نسأل الله ذلك.

التردد بين مجالس الذكر والدراسة المتوسطة

التردد بين مجالس الذكر والدراسة المتوسطة Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: فضيلة الشيخ! أفيدكم بأنني من الشباب الذين هداهم الله ومنذ فترة وأنا ألازم مجالس الذكر وأجد فيها زاد نفسي ومتعة روحي، ولكنني سجلت في المدارس المتوسطة في الليل وهذا أدى إلى انقطاعي عن مجالس الذكر، وأنا الآن في حيرة من أمري هل أواصل دراستي أم أحرص على مجالس الذكر، علماً أنني أستفيد من مجالس الذكر أكثر من استفادتي في المدرسة، فبماذا توصيني جزاك الله خيراً؟ A والله يا أخي هذه قضية شخصية، فإذا وجدت أنك تستفيد من دراستك الليلية شيئاً يعود عليك بالعلم النافع الذي يعود عليك في الدين والدنيا، فنقول: هذا خير لك، وأما إن كنت تجد من نفسك قدرة وقوة على ملازمة حلقات ومجالس الذكر، فابحث عما يقربك إلى الله، وابحث عما يزيد نفسك زاداً إلى الآخرة، فأيهما وجدت فيه زاد نفسك، فتقدم إليه ولا تتردد أبداً.

الخشوع في العبادة وحكم تقصير اللحية

الخشوع في العبادة وحكم تقصير اللحية Q كيف يكون الإنسان خاشعاً في عبادته وخاصة في الصلاة، وتكون أعماله خالصة لوجه الله. ثانياً: روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يمسك لحيته بيده وما زاد عن ذلك يقصه، فهل يجوز تقصير اللحية أو يجب أن يتركها ولا يمسها أبداً؟ A بالنسبة للسؤال الأول: الخشوع في الصلاة هو العبادة المفقودة في هذا الزمان، وفي آخر الزمان لا ترى فيها خاشعاً أبداً، ونسأل الله لنا ولكم التوبة والمعافاة، ومسألة الخشوع الجميع مقصرون فيها تقصيراً عظيماً، لا من حيث التلاوة ولا من حيث الركوع ولا من حيث السجود، لكن {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] نجاهد أنفسنا لعل الله جل وعلا أن يرزقنا الخشوع ولذة المناجاة بين يديه سبحانه، ومن الأمور المعينة على الخشوع: أن تدخل إلى الصلاة وأنت متفرغ من المشاغل بالكلية. أن تبكر إلى الصلاة، وأن تسبقها براتبة أو بتحية المسجد، وأن تقرأ ما يسر الله لك. كذلك متابعتك لقراءة الإمام وتدبرك للمعاني. كذلك أن يكون بصرك إلى موضع سجودك، لا أن تطلق البصر يميناً ويسار. أما بالنسبة لما قلت إنه عن عمر فلم يثبت عن عمر، وإنما روي عن ابن عمر؛ أنه كان يقبض لحيته وما زاد على القبضة قصه، ولا يظن أن هذا دليل على جواز الأخذ أو التقصير، لأن الأحاديث والنصوص بإكرام وتوفير وإعفاء اللحى ما استثنت شيئاً من ذلك أبداً، فيبقى الأمر على إطلاقه ما لم يرد مخصصاً أو صارفاً صريحاً.

التمارين من وقت صلاة المغرب إلى العشاء

التمارين من وقت صلاة المغرب إلى العشاء Q فضيلة الشيخ! أنا لاعب من لاعبي النادي، وأتمرن في وقت صلاة المغرب وأحضر قبل هذا الموعد كما يأمرني المدرب ولا أصلي صلاة المغرب، وينتهي التدريب بعد صلاة العشاء، فما رأيك بهذا الأمر؟ A آمرك أن تأمر مدربك أن يصلي أولاً، وأن تذهب أنت وإياه سوياً إلى الصلاة، وإذا كان وقت التدريب يتعارض مع وقت الصلاة اتصل بإدارة النادي، ولا أظن أن إدارة النادي تمانع في أن تعدل برنامج التدريب، ما نظن بأي حال من الأحوال، ولو ظننا لاتصلنا بهم شخصياً، المسألة وما فيها ينبغي أن تعدل البرنامج، إذا كان وقت التدريب مع وقت الصلاة {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] احترام المسلم لعبادته هذا فيه عزة وفيه كرامة وفيه قمة له لا يتصورها أحد. طبيب سعودي ذهب يمثل المملكة في مؤتمر طبي في الولايات المتحدة، ولما أقلعت الطائرة حان وقت الأذان فأراد أن يؤذن، فذهب إلى كابتن الطائرة الأمريكي وقال له: لو سمحت أريد أن أؤذن؟ قال: لا يمكن أن تؤذن، قال: يا ألله! أفرجها من عندك، الرحلة إلى واشنطن أو إلى نيويورك ست عشرة ساعة، وكل ثمان ساعات يتغير الطاقم، المهم تغير الطاقم في اللحظات القريبة من كلامه، جاء إلى الكابتن السعودي، قال له: لو سمحت أؤذن؟ قال: أنا الذي أؤذن عنك، وما هي إلا لحظات إلا وهو يصدع بالأذان بين السماء والأرض، ثم صلى، ولما نزل إلى المطار استقل طائرة صغيرة من نيويورك إلى الولاية التي يعقد فيها المؤتمر، يقول: حضرت صلاة أخرى وأردت الأذان، قلت: يا ليتني جمعت الصلاة حتى ما أحرج معك، أخيراً استعنت بالله أن أؤذن، فرجعت إلى مؤخرة الطائرة ورفعت الآذان قليلاً وإذا برئيس الأمن والمضيفة أو لعلها مساعدة الطيار جاءا فوراً، أرادا أن يتقدما، أشرت عليهما قفوا مكانكما وهو يكمل أذانه، فلما انتهى، قالوا: خيراً ماذا بك؟ هم متوقعون في الطيران الأجنبي أنه سكران، ثم يبدأ ينهق ويصيح، فيأتوا يمسكوا رقبته، لكنه طبيب على مستوى عالي من العلم والأخلاق والفقه والالتزام والاستقامة، ولما انتهى؛ قالوا: ما بك؟ قال: أنا معي موعد دقيق ومهم لا أستطيع أن أؤخره، قالوا: مع من؟ قال: مع الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] والله يأمرني أن أقيم الصلاة في وقتها {وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] فأنا لا يمكن أن أتردد في هذا الموعد، فشد انتباه المرأة شداً عجيباً، من هذا الذي يلتزم بمواعيده مع الله حتى في الطائرة؟!! قالت: أريد أن أتحدث معك، قال: دعيني أصلي، ثم صلى وجلس في محاورة معها انتهت بإسلامها، ولما حضر المؤتمر -والقصة شيقة جداً أكملها للفائدة- لمدة ثلاثة أياماً كان المؤتمر يبحث قضية دور الكالسيوم في جسم الإنسان، في الجلسة الأخيرة قال رئيس المؤتمر: نعطي الصوت لفلان لكي يحدثنا، يريدون أن يسمعوا منه شيئاً، فتقدم للمنصة وحمد الله وأثنى عليه، وتحدث مثنياً على المؤتمر والأبحاث التي قدمت في هذا المؤتمر، ثم قال: أنتم تبحثون منذ ثلاثة أيام عن دور الكالسيوم في جسم الإنسان، وأنا أطرح بحثاً ما هو دور الإنسان في الحياة؟ شد انتباههم إلى أمر، ثم أخذ يحدثهم عن هذا الإنسان كيف خلق وبأي تركيب. {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] الأطباء وكما يقال: الطب مجرى الإيمان، الأطباء أقرب الناس لمعرفة هذا الإعجاز الدقيق في خلق الإنسان، انتهت كلمته، كان الحضور ثلاثمائة، انفضوا جميعاً إلا ستة وأربعين، أسلم من الستة والأربعين ستة رجال وامرأتان في تلك الجلسة. المسلم الذي يعتز بإسلامه محبوب وله كرامة، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عليه الناس، حتى لو عاندت المدرب وذهبت وصليت؛ سيرضى عنك المدرب رغماً عن أنفه، لكن لو جاملته من أجل أن ترضيه، والله ليسخطن الله عليك وليسخطن عليك المدرب، لأنك أردت سخط الله برضى الناس، فهذا لا يجوز أبداً ولا ينبغي، وإذا كان وقت التدريب يتعارض مع وقت الصلاة فالمرجو من الإخوة المعنيين بأمر النادي تعديل هذه النقطة والتنسيق مع الإدارة فيها.

حكم إحضار مدربين كفار

حكم إحضار مدربين كفار Q بعض الأندية تحضر مدربين كفار هل يجوز ذلك؟ A الله أعلم.

حكم حلق اللحية واستماع الأغاني

حكم حلق اللحية واستماع الأغاني Q فضيلة الشيخ: هل حلق اللحية حرام أم مكروه، ما حكم استماع الأغاني؟ A لا شك أن حلق اللحى لا يجوز، والأحاديث الآمرة بإعفائها صريحة ومتواترة وثابتة، فالذي يخالفها معاند، ولكن نسأل الله له الهداية، نعرف الكثير ممن يقعون في هذا وهم يعتقدون ويشعرون بالذنب وما يجحدون النصوص النبوية؛ لأن من جحد الشيء كفر، هم يقولون: نحن نعتقد أن توفير اللحية يجوز، لكن نحن نتساهل، نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية، وينبغي ألا يسوفوا في هذا الأمر أبداً. وكذلك فيما يتعلق بالملاهي والمعازف وغيرها، فحكمها واضح ولا أظن أحداً يجهله، والناس في هذا الزمان يعلمون الأحكام، لكن نريد منهم الالتزام بالأحكام.

حكم التصوير بالفيديو

حكم التصوير بالفيديو Q فضيلة الشيخ ما حكم التصوير بالفيديو في مثل هذه المحاضرة؟ A لا حرج إن شاء الله.

حكم رؤية المسلسلات

حكم رؤية المسلسلات Q هل المسلسلات حرام؟ A ما هذه المسلسلات؟ مسلسل حب وغرام، وتعرفت عليه في التليفون، وقابلته في العمل، وتواعدت معه في الشاطئ، وصارت لا ترقد الليل، وصار لا يرقد الليل ولا عاد له يرغب في الأكل، وكلام فارغ، ذبحنا من هذه الأفلام والمسلسلات والكلام الفارع، والله ما أضيع نصف ساعة على مسلسل لا يستحق، ما هذا الكلام؟ إذا كان هناك إنتاج إسلامي على مستوى فأهلاً وسهلاً، إذا كان هناك إنتاج على مستوى عمر المختار هذا إنتاج إعلامي فعلاً فيه مكسب وإن كان فيه شيء من الملاحظات، لكنه إنتاج يستحق أن تجلس له ويأخذ من وقتك، لكن أن أجلس لمسلسل فيه ذهب وذهبت، ومات وماتت، وأحبها ثم اكتشفت أنه تزوج عليها وأصابتها سكتة قلبية، هذا كلام فيه احتقار للنفس. والله يا جماعة إن الوقت أثمن من هذا، يا أخي! ضع في رأسك سماعة واسمع لك محاضرة، اسمع لك آيات من كتاب الله، خذ كتاباً، اقرأ نوراً ومعارف، والله لو تأتي بهذه الآلة التي تنسج ثم تجلس لتنسج لولدك الصغير جورباً لكان أشرف من أن تضيع وقتك في فيلم ساقط، ما الفائدة من هذا يا إخوان؟ الأمة بحاجة إلى ما ينفعها، أما أفلام ليست نافعة، ولابد أن نبث أربعاً وعشرين ساعة فلا، دعنا نتوسط، أنتم تعلمون أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الرابحة من كل هذا البث، تنتج سنوياً ثلاثمائة ألف ساعة برامجية (إنتاجها الإعلامي) سبعين ألف ساعة لمصالح الولايات المتحدة الخاصة، ومائتين وسبعين ألف ساعة لمصالح اليهود سواء كانت مصالح مباشرة أو تتضمن مصالح اليهود، يعني: هذا السيل من الأفلام والمسلسلات والغزو، لا تظنوه حباً في ترفيهنا. الذي ينام مبكراً يجد لذة النوم في الليل ويجد لذة الاستيقاظ في الفجر، ويشم أفضل هواء طلق في الصباح الباكر، لكن شأن هذه المسلسلات سهر إلى آخر الليل، وترك لصلاة الفجر، ويقوم متأخراً، هذه حياة كثير من الناس مع الأفلام والمسلسلات، وأنا أعرف شاباً ما تقدر تقول أنه ملتزم وهو بنفسه يحكم، ويقول: هذه أفلام ساقطة. فإما أن ترى شيئاً يستحق لأنه يفيدك وينفعك وإلا فنم، وبالمناسبة أنا أدعو الشباب أن يتابعوا أفلام الجهاد الأفغاني، هذا الفيلم يصنع في قلبك حياة، فترى فيه وجهاً مشوهاً؟ والذي شوهه هم هؤلاء المجرمين الروس لأنهم قالوا لا إله إلا الله، طفلة جميلة صغيرة مقطوعة اليد، رجل منقطعة رجله، لغم، صاروخ، قنبلة، تعيش مآسي الأمة، تعيش حياة الجهاد، عندما تشرب ماء بارداً تتذكر هل هم يشربون مثلي أم لا، تأكل لقمة فتقول: هل هم يأكلونها كما آكل، تركب سيارة مريحة فتفكر كيف يركبون، وماذا وبأي طريقة ينتقلون، تعيش قضايا الأمة، تصبح همتك أعلى، وليس همك الدنيا، فبالمناسبة أقول: البديل الآن موجود، الأفلام كثيرة عن الجهاد في أفغانستان، وأفلام محاضرات وغيرها، وأيضاً لا أقول: أغلق التلفاز بالكلية أو على طريقة البعض يأتي بالفأس ويكسره، توجد برامج مفيدة في التلفاز بإمكانك أن تستفيد منها، المهم أن الشيء الذي تعرف أنه ساقط وغير نافع عليك تجنبه وتركه، الأفلام المصرية مع تقديري واحترامي لـ مصر هل هي تعالج مشاكلنا الخاصة؟ هل هي تبحث في مجتمعنا يا إخوان؟! هم مجتمع قائم مستقل له عاداته وتقاليده وطبيعته وأموره الخاصة، ونحن مجتمع مستقل مرتبط بحكومة وتشريع معين، إذاً لماذا أضيع وقتي هنا؟ استفد وتوجه لما ينفعك يا أخي الكريم.

قول العصاة: الدين يسر

قول العصاة: الدين يسر Q فضيلة الشيخ! حفظك الله نحن إذا نصحنا الشباب الذين يسمعون إلى الملاهي ومنها الأغاني وما شابهها، فيقولون: لماذا تتعصبون في الدين وتتعقدون والدين يسر وليس بعسر، ما تعليق فضيلتكم على هذا الرد؟ A أنا أقول: هم صادقين في أن الدين يسر وليس عسراً، وهذا لا شك فيه، لكن يا إخواني! إذا دعوت أحداً إلى الله فاقبل منه من الخير ما تيسر، شاب لا يصلي، وثوبه مسبَل، وهو حليق، ويسمع أغاني، وعنده أسفار وسهرات، إذا وافق معك على الصلاة مع الجماعة فهذا خير عظيم وكثَّر الله خيره، فإنه لا يمكن أن يصلي الجميع، ويترك الملاهي والمعازف، ويرفع ثوبه ويوفر لحيته في يوم وليلة، فنقل الجبال أسهل من نقل الطباع، لا سيما الشباب تجد فيهم العناد والصلابة، فإذا جاء الشاب معك إلى المسجد وصلى وأصبح يحافظ على الصلاة فكثر الله خيره، وماذا بعد الصلاة؟ أشد الأمور تحريماً في الأمور الباقية ناقشه فيها قليلاً قليلا ً، وينبغي أن تعطيه فرصة، ربما هو بنفسه يعدل من ذاته، فابدأ بالأهم، ثم بعد ذلك هو سيلتفت إلى المهم ويتغير من ذات نفسه، أما أنك لا تقبل شاباً إلا إذا فعل هذه الأمور جميعاً فلا، ولماذا التحجر على الناس؟ نعم مطلوب منا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] أي: ادخلوا في الإسلام جميعاً، لكن مقام الدعوة مقام فقه، ومقام عناية وترتيب أولويات، فابدأه بالصلاة مع الجماعة، ثم رويداً رويداً فيما يتعلق بما تبقى من المنكرات التي هو مرتكبها والرجل سيهتدي، المهم أعطه خفض الجناح ولين الجانب، ولا تحدثه من منطق الغرور، كثير من الشباب -نكررها ونقول:- إذا جاء يأمر أحداً يأمره بصيغة الآمر للمأمور، بصيغة السيد لعبده، بصيغة العلو إلى الدنو، فنقول: لا. انزل معه إلى مستواه واجعله يحبك، قدم له هدية إذا كنت تريد أن يهديه الله، وكنت داعية بصدق، والنفوس لا تقبل إلا ممن تحب، لو كنت تبغض إنساناً فلن تقبل منه خيراً، بل بالعكس، فلو جاء بالخير فإنك سترده عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن إذا شعر منك بالمحبة فتهديه شريطاً ممتازاً، شريط فيديو مناسب طيب تهديه إياه، زجاجة عطر، قلم باركر، قطعة قماش، ومع هذا كله رسالة، فهنا ستفتح الطريق إلى قلبه، لكن تريد مباشرة أن تحقق ما أردت بدون أن تفتح الطريق إليه، فلن تستطيع أن تفعل شيئاً، لأن الناس عندهم استقلالية من هو فلان بن فلان، يأتي يأمرني ثم أنا أنقاد له؟! المسألة ليست سهلة، مراعاة مشاعر الناس وأوضاعهم ومنازلهم أمر مطلوب.

ظاهرة الإعجاب بلاعبي الكرة العالميين

ظاهرة الإعجاب بلاعبي الكرة العالميين Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ظهرت ظاهرة خطيرة منذ مدة، وهي الإعجاب بلاعبي الكرة العالميين المشهورين مثل مارادونا وأمثاله من الكفرة، والتي تتجاوز إلى تعليق صورهم، وتقديرهم التقدير الذي لا يليق بالمسلمين، نرجو منك التنبيه لذلك؟ A نقول والله يا إخوان: لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلامٌ وإيمان مايكل جاكسون هذا الذي أزعج العالم، فذهب الشباب بالمئات والآلاف للأسف في الإعجاب به وتشجيعه، آخر تصريح له يقول: لو أعلم أن العرب يسمعون الأغاني التي غنيتها ما غنيت، إنسان تأخذه على كتفك وتطبل له وتعلق صورته، ومع ذلك هو غير راضٍ بالاعتراف بك أساساً. ولو اعترف بك ماذا حقق لك؟ فالمسلم عزيز، في نادي الهلال أذكر جرى سؤال: هل يجوز حمل المدرب بعد فوز المنتخب أو فوز الفريق إذا كان كافراً؟ أأحمل كافراً! أين الولاء والبراء؟ أين حب التوحيد وأهل التوحيد؟ رجل يكفر بالله أحمله على كتفي! شلت هذه الكتف إن حملت كافراً، لو كان المسلم في قلبه ولاء وبراء لما سأل عن هذا، لكن ذهبت قضية العقيدة أمام الغزو الفكري، فأصبح الإنسان يجري وراء البالون المنفوخ بالهواء (الكرة) وفي سبيل ذلك مستعد لأن يحمل كافراً ويقبل رأس كافر، هذا لا يجوز، فالرياضة كما قلنا حينما تعطيها قدرها ووزنها ستتعامل مع الرياضة والرياضيين بحدود، ونحن لا زلنا نرجو ونأمل أن تكون هذه البلاد بأنديتها إذا تميزت نموذجاً للرياضة في الدول الإسلامية، لا أن تكون كما هي الحال مجمع شباب وضياع وفراغ ولهو إلى آخر ذلك، وهذا التميز ملحوظ ولله الحمد، فإلى المزيد من هذا التميز مع بقاء الرياضة على أصولها، نحن لا نقول: اجعلوا الأندية مجالس وعظ وذكر وصياح وحلقات، لا، تبقى جميع الأنشطة كما هي ولا يمنع من هذا، ولكن بشكل لا يتعارض مع العبادات والصلوات والأحكام والأخلاق الإسلامية، فعند ذلك يوفق المسلم بين التزامه بدينه وبين ممارسة نشاطه ورغبته.

حكم قول: الله لنا يا أخي

حكم قول: الله لنا يا أخي Q حكم هذه العبارة عندما يرى واحد متكبراً، يقول: الله لنا يا أخي؟ A قصده بهذا أن الله سبحانه وتعالى لا ينسانا ولا يضيعنا ولا يتركنا، على آية حال من العبارات ما لا يقصد بها الإنسان معناها، وبعض العبارات ليس فيها محذور واضح، نعم لك الله سبحانه وتعالى يحفظك ويبقيك ويغنيك ويوفقك، والأمر فيه سعة إن شاء الله.

السروال وقانون اللعبة

السروال وقانون اللعبة Q ما هو الحل في لبس السروال القصير إذا كان قانون اللعبة يجبرك على لبسه جزاكم الله خيراً؟ A الأولى بالإنسان أن يخرج من هذا الإشكال سواءً بلبس الترنك أو اللباس الآخر، وأظن أن الذي يكون في موقع حساس وجيد في ناديه أو في منتخبه لن يفرط النادي فيه من أجل لبس سروال. والشيء الثاني: أنه ينبغي علينا إذا كان هذا الشيء موجوداً أن نقنع الإدارة الموجودة، ثم إذا لعبنا بترنك أو لعبنا بما دون الركبة بقليل فما الذي يمنع منه؟ فمحاولة إثبات وغرس هذه الفكرة لدى إدارة الأندية هذا أمر ينبغي أن يقوم به شباب الأندية، وأنا أعرف ولله الحمد والمنة في نادي النصر وفي نادي الهلال والشباب والشعلة، وأندية كثيرة من اللاعبين الممتازين شباباً على مستوى الاستقامة والصلاح والالتزام، وكذلك على المستوى المشرف من حيث الأداء الرياضي ونقول لهم: اثبتوا مكانكم، بعض الشباب إذا فتح الله على قلبه، قال: مباراة اعتزال وسلام عليكم، فنقول: قد هداك الله سبحانه وتعالى فاثبت في فريقك واثبت في ناديك، وحقق الخير لنفسك وللآخرين.

كلمة قصيرة عن الآخرة

كلمة قصيرة عن الآخرة Q نرجو تذكيرنا بكلمة قصيرة عن الآخرة وجزاك الله خيراً؟ A في الحقيقة لعلي أحوجكم إلى التذكير والله، لكن لا بأس أن يداوي الطبيب وإن كان مريضاً. إخواني! نحن أمام ثلاثة أمور: الرصيد، والخاتمة، والمستقبل، أما الرصيد فأعني به الحسنات والسيئات، فالمسلم لا يضيع عليه شيء، جلوسكم في هذا النادي مكتوب لكم عند الله جل وعلا، وسوف تفتح السجلات والصحف يوم القيامة وكلٌ سيرى أعماله، فمن قدم خيراً فسيجده مكتوباً، ومن قدم غير ذلك فسيجده مكتوباً ولا يضيع عند الله شيء: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] اللمز والغمز، وإماطة الأذى عن الطريق، والبشاشة والمصافحة والكلمة الطيبة، وكل دقيق وجليل سوف تجده مكتوباً: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:7 - 8] {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]. فيا إخوان! الرصيد دائن ومدين، له وعليه، فينبغي أن تجتهدوا في ملء الرصيد ما دام أن هناك حركة وقدرة على العبادة والدعوة وإمكانية التزام، لكن إذا وضع الإنسان في قبره: {قَال رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100]. المسألة ليست بالأمر الهين، فالذي يهمه رصيده في الدنيا، فليفكر في رصيده في الآخرة، والذي يدخلك الجنة بعد رحمة الله سبحانه وتعالى هو العمل، فالميزان سوف يوضع لك، وتوزن الحسنات والسيئات، نعم الكثير منا يعمل حسنات كثيرة، لكن رجل عنده مليونان، والمطلوب منه ثلاثة ملايين، هذا لا شك أنه خاسر، فلا يغرك يا أخي! إذا صليت الفجر مع الجماعة، وكذلك الظهر والعصر والمغرب فكثر الله خيرك، لكن فلنقدر أن ذلك اليوم رصيدك من الحسنات كان ألف حسنة وجلست ذلك المجلس، فأخذتم فلان بن فلان، وأخذتم تغتابون عرضه، وهكذا غيبة وراء غيبه حتى استلم من حسناتكم خمسمائة حسنة، وقلتم: خذ يا فلان هذه حسناتنا مجاناً، فأنتم بفعلكم هذا توزعون الحسنات التي اكتسبتموها على الناس، بقي لكم خمسمائة حسنة مثلاً فقلتم: هاتوا لنا شريطاً وشغِّلوه وفيه صورة امرأة، ومقطع أغاني، ومعزف وذهبت ثلاثمائة حسنة وإلى آخره، ما باقي لك من عملك إلا مائتي حسنة، وفي المقابل قد يكون عندك سيئات تفوق هذا كله، إذاً مسألة الرصيد انتبهوا لها جيداً وحساب الادخار والتوفير مهم جداً، اسأل نفسك كم بلغ رصيدك في الحسنات والسيئات تلق الطوام والمصائب. سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: يا رسول الله! الذي لا دينار له ولا درهم، قال: لا، المفلس من يأتي يوم القيامة بأعمال وصلاة وصيام كالجبال، فيأتي وقد ظلم هذا، ولطم هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته؛ أخذ من سيئاتهم فطرح على سيئاته، ثم طرح في النار) ولا حول ولا قوة إلا بالله! فيا إخوان لا تقدموا على الله مفلسين، وحاسبوا أنفسكم، وقدموا لأنفسكم خيراً، ومن ثم ننتقل من قضية الرصيد إلى قضية الخاتمة: متى نموت؟ لا ندري، هل نضمن أن هؤلاء الموجودين كلهم يعيشون إلى الغد؟ ربما أن واحداً منهم يموت الليلة ونسأل الله طول العمر للجميع، لكن: يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل ينبغي للإنسان أن يستعد، لو قيل لك: ملك الموت عند الباب، فهل أنت مستعد جاهز؟ فتقول: لا والله، هذه الحاجة الفلانية لم أتب منها، والوديعة الفلانية ما أرجعتها، والمظلمة الفلانية ما تحللت منها، والإنسان في الختام تبرز أمامه ذنوبه في الأفق، فليحرص الإنسان أن يقدم على الله خفيفاً من الذنوب، مثقلاً بالحسنات والأعمال الصالحة، فالخاتمة يا إخوان أمر ينبغي أن يشغلنا، وكفى بالموت واعظاً. لماذا قست القلوب وماتت؟ يسهر الواحد من بعد المغرب إلى آخر الليل ما ذكر الله قط، ثم يأتي ويرمي نفسه كالجيفة مضيعاً لصلاة الفجر، ويقوم الصباح وفمه ذو رائحة نتنة، ويأتي وينظر إلى الناس بعيون جاحظة من السهر، ثم هو متأخر عن أعماله ووظيفته، ثم يعود إلى البيت بصياح أعدوا الطعام إلى آخره، ثم ينام إلى العصر ويستيقظ، هذه حال كثير من الناس المساكين؛ سهرات في الليل وتأخر عن العمل، وسوء علاقة مع أهله، إنها حياة مملة، حياة الموت أريح منها والله، لا يذكر الله أبداً، من حين يركب إلى حين ينزل وهو في موسيقى ودندنة ما هذه الحياة! أخي المسلم! أعط نفسك حظاً كاملاً من الراحة والنوم، يصلي الفجر: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] صلاة الفجر تشهدها ملائكة الليل والنهار، ثم يجلس في مكانه يستغفر قليلاً، ثم يشم هواء الصباح الذي ما خبثته ذنوب بني آدم بعد، ثم ينطلق قوياً نشيطاً، ثم بعد ذلك يعود إلى بيته أنساً بأهله وأولاده ويفتح بابه لإخوانه، حياة الطاعة والاستقامة والالتزام بأمر الله ومجالسة الصالحين والأبرار؛ حياة كلها لذة. قبل أيام يقول لي شاب في مسجد: والله كانت حياتنا أفلام سكس، وخلاعة وسهرات، وقلة أدب وسفرات، يقول: كنا نعيش عيشة نكد، يقول: ونحن نعطي كل ما تريده النفس، نعطيها سفرة لـ بانكوك أو كازبلانكا، نشرب ونشرب، نفعل ونفعل، شريط وشريط، كل ما تشتهيه النفس، يقول: والله ما وجدنا راحة، وأنظر إليه وأتأمل في وجهه، وإذا في وجهه نور، وهذه اللحية الموفرة، ثم ماذا يا أخي؟ قال: والله ما وجدت الراحة إلا في التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ومجالسة الأبرار والصالحين، والالتزام بأمر الله، لقد اطمأننت اطمئناناً عجيباً حتى لو جاء الموت فأنا مستعد. الأمر الآخر: أمر المستقبل: كثير من الشباب يهمه أمر المستقبل، أقول: يا أخي أطمئن نفسي وأطمئنك أن إذا كنت حريصاً على المستقبل فالزم طاعة الله، وفي الحديث: (من أصبح وهمه الدنيا، جعل الله فقره بين عينيه، ووكله إلى نفسه، وشتت الله عليه ضيعته، ومن أصبح وهمه الآخرة، تكفل الله برزقه، وأتته الدنيا راغمة، وجمع الله له ضيعته). إذاً يا إخوان إذا كان يهمك مستقبلك خاصةً المستقبل المادي والمستقبل الوظيفي فالعمر بيد الله، إذا كتبت لك حياة، فالزم طاعة الله وسيأتيك من الخيرات: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:96] هات إيمان وتقوى وخذ حظوظاً من المال والنعم والخيرات من الله، بل قد يكون حظك من الدنيا ملايين، لكن أنت تفنيها وتذيبها بالمعاصي كما في الحديث: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) تصبح ذاك اليوم وقد كتب الله لك مكسباً خمسين ألفاً أو ستين ألفاً في صفقة ما خطرت على بالك، لكن تصبح على معصية -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فتحرم الرزق بالذنب، ثم بدلاً من أن تكون الخمسين الألف لك صارت لعبد من عباد الله الصالحين؛ لأنها كانت مقسومة لك، فدفعت ما قسم لك بمعصية ولا حول ولا قوة إلا بالله. والله لا يزيد العباد إلا بالطاعة: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] فلا بد يا أخي أن تطمئن إلى أن أمر المستقبل بيد الله، فألح بسؤال الله دائماً: من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب بقدر سؤالك وإلحاحك إلى الله؛ فالله يعطيك: (ما من عبد يسأل ربه مسألة إلا دفع عنه من البلاء بقدرها أو ادخرها له في الآخرة أو آتاه إياها) اسأل الله كل شيء، ارتبط بالله، تفتح لك خيرات الدنيا، وإذا التزمت بأمر الله وكتابه، فلك نعيم الآخرة. أسأل الله أن يجمعني وإياكم في دار كرامته، وأن يغفر لنا ولكم، وأن يجعل اجتماعنا هذا مبروراً وذنبنا مغفوراً، وألا يجعل من بيننا شقياً ولا محروماً، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

الشهود

الشهود لم يخلق الله الإنسان إلا لعبادته وحده لا شريك له، ولأجل ذلك استشهد عليهم سبعة من الشهود، وجعله نفسه سبحانه. ثم الملائكة، والرسول صلى الله عليه وسلم، والنفس، والأعمال، والعباد، والأرض. هذا ما وضحه الشيخ في هذه المادة، ولعل من طالعها راقب الله وأطاعه، فطالعها تتعظ وتتذكر.

الشهود السبعة

الشهود السبعة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: لا يخفاكم ولا يجهل أي واحد منكم أن الله ما خلقكم عبثا، ولن يترككم سدى، ومن أجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وشرع الشرائع، وآتاكم الأبصار والأسماع والأفئدة، ولكن أكثر الناس لا يشكرون. معاشر المؤمنين: إن كثيراً من المسلمين انطلقوا في هذه الدنيا غير ملتفتين للغاية التي من أجلها خلقوا، ولا مبالين لهذه الشريعة التي بها أمروا، فانطلقوا يتفننن في ألوان الملذات، والمعاصي والشهوات، متجاهلين أو جاهلين أن الله رقيب حسيب عليهم.

شهادة الله على عباده

شهادة الله على عباده أيها الأحبة في الله: من استقرأ كتاب الله جل وعلا أدرك شيئاً على حسب فهمه وقدراته وإدراكه، أدرك علماً على حسب ما آتاه الله جل وعلا من الفهم، ومن ذلك يدرك أن هناك سبعة من الشهود على بني آدم، هناك شهود عليكم -يا معاشر المؤمنين! - وأعظم وأجل وأكبر شهادة هي شهادة الله جل وعلا على عباده، فهو الذي خلقهم من العدم، وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئاً، وهداهم إلى الإسلام، ووفقهم وآتاهم النعم التي لا تحصى، فالله شهيد على عباده، ومن أجل هذا جاءت الآيات كثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} [النساء:33] فالله شهيد على أعمالكم، وشهيد على كل صغير وكبير من الأعمال التي تفعلها جوارحكم، ويقول الله جل وعلا: {وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:98] مطلع على أعمالكم: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} [سبأ:3]، ويقول الله جل وعلا: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة:105]، ويقول جل وعلا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16] علم الله عمل العبد سابقاً لابتدائه واستئنافاً لفعله، علم الله لأعمالنا سابقاً لها، فهو عالم بأعمالنا وما نجترحه، وهو يعلم ما توسوس به نفوسنا، وما تحدث به قلوبنا قبل أن يصل الأمر إلى حركة الشفاه أو أفعال الجوارح، فهذه شهادة عظيمة جليلة من الله عليكم يا معاشر المؤمنين، فمن تيقن هذا وراقب الله سبحانه وتعالى وأدرك أن الله شاهد شهيد مطلع رقيب حسيب عليه لم يجترئ على معصية من المعاصي، ولم يجترئ على أن يقابل نعم الله بالجحود والكفران.

شهادة الملائكة

شهادة الملائكة أما الشاهد الثاني: فهم الملائكة -يا عباد الله! - إن الله جل وعلا جعل عليكم ملائكة حافظين، كراماً كاتبين، يكتبون كل أعمالكم وكل تصرفاتكم وحركاتكم، وسنجد هذا يوم العرض الأكبر على الله، يوم لا تخفى من العباد خافية، كل صغيرة وكبيرة مسطورة في الكتاب، كل دقيق وجليل مقيد في هذه الصحائف والسجلات: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]، ويقول جل وعلا: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] فالملائكة شهود عليكم يا عباد الله! يقول الله جل وعلا: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ} [الانفطار:10 - 11]، ويقول جل وعلا: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} [ق:17 - 18] ليس الأمر عند حد الفعال، ليس الأمر عند حد الحركات والتصرفات، بل الأقوال محسوبة مكتوبة: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، ويقول جل وعلا: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} [الأنعام:61] فهل بعد علم عبد من عباد الله أن الله شهيد شاهد مطلع على أعماله، وأن الملائكة كاتبة للدقيق والجليل من أفعاله، يتجاهل أمر ربه؟! أم ينسى زواجر خالقه؟! أم يتغافل عما أوجب الله عليه؟! حاشا وكلا يا عباد الله، ولكن المعصية تأتي إلى العباد في حين غفلة عن مراقبة هؤلاء الشهود.

شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم

شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم معاشر المؤمنين: واعلموا أن رسولكم صلى الله عليه وسلم شهيد عليكم، يقول الله جل وعلا: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41]، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: قال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم: (يا بن أم عبد! أو يا بن مسعود! اقرأ عليّ القرآن، قال: أأقرأه عليك وعليك أُنزل يا رسول الله؟! قال: اقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري، فافتتح قول الله جل وعلا من أول سورة النساء: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)) [النساء:1] حتى وصل قول الله جل وعلا: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] فقال: حسبك، حسبك، فالتفت إليه ونظرت فإذا عيناه تذرفان) فإذا عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان بالدموع من قوله جل وعلا: {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41]. يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو العالم بكلام ربه جل وعلا: (ليذادن أقوام عن حوضي يوم القيامة، فأقول: يا ربي! أمتي أمتي؟ فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) فاتقوا الله يا عباد الله، وتذكروا شهادة نبيكم صلى الله عليه وسلم عليكم، يقول الله جل وعلا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143] أنتم يا أمة محمد! جعلكم الله أمة وسطاً عدولاً لتكونوا شهداء على الناس، وعليكم شهيد من الله وملائكته وكتبه ورسله، ويكون الرسول عليكم شهيداً، ويقول الله جل وعلا: {َيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ} [النحل:89] فهل بعد هذه الشهادة؛ شهادة الله على خلقه، وكتابه، والملائكة على أفعالهم، وشهادة الأنبياء على أممهم، هل بعد هذا يا عباد الله! نغرق في الذنوب والمعاصي؟! أو ننسى واقعنا وما نحن فيه من اللهو والغفلة عن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟!!

شهادة النفس

شهادة النفس وإليكم شهيد رابع من أنفسكم يا عباد الله: تلكم هي شهادة أنفسكم على أنفسكم، شهادة جوارحكم على أنفسكم، إن أول شهادة منكم على أنفسكم: أنكم شهدتم وأقررتم بأن الله خلقكم، أنتم شهدتم بأن الله واحد خلقكم: {وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172] قد أخرجكم الله من أصلاب الرجال، أخرج الله ذرية آدم من أصلاب الرجال كأمثال الذر، وأشهدهم على أنفسهم بأن الله ربهم فشهدوا على أنفسهم، ومع ذلك فالله جل وعلا يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] وفطرتكم ناطقة حية بتوحيد الله سبحانه وتعالى، فأنتم شهود على أنفسكم، وجوارحكم شهود عليكم، يقول الله جل وعلا: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور:24]، ويقول جل وعلا: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} [فصلت:20 - 21] كل مجرم، كل عاص، كل رجل يحاسب نفسه يوم القيامة إلا من نجاه الله وكتب له الفوز والسعادة، يقول لجوارحه: لم شهدت يا يدي عليَّ؟ لم شهدت يا سمعي عليَّ؟ لم شهدت يا لساني عليَّ؟ {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت:21 - 22] ومن ذا يستتر عن علم الله وملائكته والله لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ومن ذا الذي لا يستتر عن ملائكة الله وهم على يمينه وشماله لا يلفظ أو يفعل أو يكتب أو يقول إلا وهم شهود على فعله، فتنبهوا لهذه الشهادة من أنفسكم على أنفسكم يا عباد الله! وليحاسب كل واحد منا نفسه، وليتذكر أنه سيقف خصيماً لجلده، خصيماً لجارحته, خصيماً لسمعه، خصيماً لبصره، وقد نسي أن الله جل وعلا ينطق هذه الجوارح وينطق الجلود والأجسام فهي شهادة رابعة عليكم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

شهادة الأعمال

شهادة الأعمال الحمد لله الواحد الصمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه والمثيل، والند والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى وتجنبوا سخط ربكم فإن أجسامكم على وهج النار لا تقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. معاشر المؤمنين: إن عليكم شهادة عظيمة من خالقكم، وملائكة ربكم، ومن أنفسكم، ومن الرسول الذي بعث في أمتكم، فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوا أنفسكم في أفعالكم وأعمالكم وأقوالكم، واعلموا يا عباد الله! أن أعمالكم شاهدة عليكم، اعلموا أن العمل شاهد على صاحبه، وأن الأعمال هي من أعظم الشهادات على صاحبها، وشهادة العمل هي: شهادة المآل والمنقلب والنتيجة، فمن كان مآله ومنقلبه وخاتمة أمره إلى السعادة، والخلود في الجنة والرضوان والنعيم المقيم فعمله شاهد له بهذا، ونال فضل الله ونعيمه برحمة الله ثم بعمله، ومن كان من أهل الشقاوة والعذاب المقيم، والخلود في الجحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، فإن عمله شاهد عليه بحكم المنقلب والمآل بأفعاله وأعماله: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42] ما الذي جعل المجرمين في سقر؟ {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:43 - 47]. إذاً يا عباد الله! أعمالهم سبب وشاهدة على مآلهم ومنقلبهم، فاتقوا الله في أعمالكم وأفعالكم.

شهادة العباد

شهادة العباد عباد الله: واعلموا أن عباد الله شهود عليكم أجمعين: (يقول النبي صلى الله عليه وسلم وكان جالساً ذات يوم مع صحابته وقد مرت جنازة فأثنى الصحابة عليها خيراً فقال: وجبت، ثم مرت جنازة فأثنى الصحابة رضوان الله عليهم شراً، فقال: وجبت، قالوا: يا رسول الله! مرت الأولى فقلت: وجبت، ومرت الثانية فقلت: وجبت؟ قال: أما الأولى فأثنيتم عليها خيراً فوجبت لها الجنة، وأما الثانية فذكرتم عنها شراً فوجبت لها النار، أنتم شهود الله في أرضه، أنتم شهود الله في أرضه، أنتم شهود الله في أرضه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. إذاً يا عباد الله! ففوزوا بشهادة إخوانكم المؤمنين، عليكم بالصلاح والاستقامة، وإن الناس ليشهدون في هذا الزمان وفي كل زمان ومكان لأهل الخير بالخير، ولأهل الفساد بالفساد، ولأهل الباطل بالباطل، ولأهل المعاصي بالمعاصي. إذاً يا عباد الله! اغتنموا الأعمال الصالحة تنالوا رضا ربكم، وشهادة الملائكة عليكم، وكتابة الحسنات لكم، ومضاعفة الثواب والأجور لكم يوم القيامة، وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لكم، وتفوزوا بأن تكونوا في زمرته يوم القيامة، وشهادة الأعمال لكم، وشهادة أنفسكم وجوارحكم لكم، وشهادة إخوانكم المسلمين أجمعين لكم.

شهادة الأرض

شهادة الأرض واعلموا يا عباد الله! أن الأرض التي نمشي عليها هي والله أيضاً شاهدة بأعمالنا وأفعالنا، إن الأرض إذا زال الرجل الصالح منها بكت عليه وافتقدته، وإذا مشى الرجل المجرم فيها تمنت أن تنفتح فجاجها لتبتلعه إلى أسفل سافلين. إذاً يا عباد الله! فكونوا من الذين تشهد لهم السماوات والأرضون بأفعالهم، يقول الله جل وعلا: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29] إذاً فالسماء تبكي والأرض تبكي؛ تبكي على فراق الصالحين المحسنين، على فراق الأتقياء المخبتين، على فراق الخاشعين الساجدين، أما المجرمون، أما الفاسقون، والظالمون، والمعاندون فإن السماء والأرض لا تبكي عليهم: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان:29]. إذاً يا عباد الله! اغتنموا هذه الشهادة في الأعمال الصالحة، وراقبوا أنفسكم، فاليوم عمل ولا جزاء، وغداً جزاء ولا عمل، وحقيقة الأمر يا عباد الله! أن الناس يجزون على أعمالهم في الدنيا والآخرة، ولكن قد يؤخر الجزاء ليكون أغلظ وأشد عقوبة على صاحبه، اعلموا أن كل من حولكم يشهد لكم حتى الجمادات، حتى النباتات، إنها لتشهد للصالحين بالصلاح، ولتشهد على الفاسقين بالإجرام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إذا كنت في راعيتك أو في غنمك فحضرت الصلاة فارتفع صوتك بالأذان أو أذنت -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- فإنه ما من شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد للمؤذن يوم القيامة) الأشجار نباتات، والأحجار والمدر جمادات، كلها تشهد لكم معاشر المؤمنين! فاغتنموا شهادة الشهود السبعة، واغتنموا أعظم وأجل وأكرم شهادة شهادة الله عليكم، والله شهيد عليكم: {وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:98]، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج:9]. اللهم اجعلنا ممن شهدت لهم بالعمل الصالح، والسعادة والفوز والنجاة، اللهم اجعلنا ممن شهدت لهم ملائكتك وأنبياؤك ورسلك، والخلق أجمعون بالصلاح والسعادة والأعمال التي ترضيك يا رب العالمين. اللهم لا تجعلنا من المشهود عليهم بالفسق والإجرام، والمعصية والعناد، والمكابرة والإصرار، اللهم وفقنا إلى أسباب مرضاتك، وجنبنا سبل سخطك. اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم أعنا ولا تعن علينا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، اللهم ما سألناك فأعطنا، وما لم نسألك فابتدئنا. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحي القيوم، اللهم إن كثرت ذنوبنا فإن فضلك أكثر وأعظم، وإن عظمت معاصينا فإن رحمتك أكبر وأعم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، اللهم ومن أراد بولاة أمورنا فتنة، اللهم ومن أراد بعلمائنا مكيدة، اللهم ومن أراد بشبابنا وفتياتنا اختلاطاً في التعليم والوظائف اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وأسوأ من ذلك يا جبار السماوات والأرض! فإنهم لا يعجزونك. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم ارفع إمام المسلمين، اللهم اجمع شمله وأعوانه وإخوانه على كتابك وسنة نبيك، اللهم لا تفرح عليهم حاسداً، ولا تشمت بنا ولا بهم عدواً، وسخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم جازهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً ومنّاً وغفراناً، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً فاجعل اللهم الرحمة على قبره، وأفسح له في قبره مد بصره، وافتح له أبواباً إلى النعيم والجنان، وآنس وحشته وغربته برحمتك يا أرحم الراحمين. إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماَ، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك! اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لك الحمد على ما أغثتنا به، اللهم اجعله صيباً نافعاً، وانفع به اللهم عموم المسلمين، اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا فلا غنى لنا عن فضلك ومنك ورحمتك يا رب العالمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الصبر عند الابتلاء

الصبر عند الابتلاء إن هذه الدنيا قد جبلها الله وطبعها على الابتلاء، وعلى الفتن والكدر حتى لا يطمئن العباد إليها، فإذا نغصت صحتهم بسقم اشتاقوا إلى جنة لا أمراض فيها، وإذا كدر اجتماعهم بفراق اشتاقوا إلى جنة لا فراق فيها، وإذا تكدر عيشهم بخوف أو فزع اشتاقوا إلى دار لا وجل ولا فزع فيها، وهم فيها خالدون. وفي هذه المادة تطلع على أنواع الابتلاءات ومرارتها في الدنيا، وحلاوة عاقبة الصابر المحتسب

الدنيا دار البلاء

الدنيا دار البلاء إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح ا­­­­لأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله وتوبوا إليه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] يا نفس توبي قبل ألا تستطيعي أن تتوبي واستغفري لذنوبك الرحمن غفار الذنوب إن المنايا كالرياح عليك دائمة الهبوب اتقوا الله حق تقاته قبل أن يخطفكم الأجل أو يفجعكم الوجل. عباد الله: يقول الله جل وعلا: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157]. معاشر المؤمنين: إن هذه الدنيا قد جبلها الله وخلقها وطبعها على البلايا، وعلى الفتن والكدر، حتى لا يطمئن العباد إليها، فإذا نغصت صحتهم بسقم اشتاقوا إلى جنةٍ لا أمراض فيها، وإذا كدر اجتماعهم بفراق اشتاقوا إلى جنةٍ لا فراق فيها، وإذا تكدر عيشهم بخوف أو فزع اشتاقوا إلى دارٍ لا وجل ولا فزع فيها، وإذا كدر عزهم بذل أو غناهم بفقر اشتاقوا إلى دارٍ لا يمسهم فيها نصب ولا هم فيها يحزنون. أيها المؤمنون: إن من أراد السعادة الكاملة في الدنيا، طلب المستحيل بأصنافه وأنواعه، وكيف تراد السعادة من دارٍ جعلها الله سجن المؤمنين وجنة الكافرين؟ كما في الحديث الصحيح: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر). مرَّ أحد السلف رضوان الله عليهم بيهودي حداد فاعترض اليهودي طريق ذاك العالم، فقال: نبيكم يقول: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فكيف تكون الدنيا سجناً لك، وأنت على هذا الخيل وتلبس هذه الحلة والناس من حولك؟ وكيف تكون جنة لي وأنا حداد بين الكير والنفخ والنار؟! قال: نعم. هي سجن لنا لأننا ينتظرنا من النعيم أضعاف أضعاف ما نحن فيه، وهي جنة لكم؛ لأن من مات كافراً ينتظره من الشقاء والعذاب أضعاف أضعاف ما هو فيه. وبالجملة فليس في الدنيا نعيم لا ينقطع. طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار فاقضوا مآربكم عجالى إنما أعماركم سفر من الأسفار وتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تسترد فإنهن عوارِ أيها الأحبة: قد جعل الله في هذه الدنيا ألواناً وأنواعاً من البلاء، وما من بلاء قل أو كثر صغر أو كبر إلا وهو بقضاء الله وقدره {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] فهذا مبتلى بزوجة نغصت عليه حياته، وهذا مبتلى بأولاد يعقونه، وهذا مبتلى بأقارب يصلهم فيقطعونه، ويبذل لهم فيحسدونه، ويعطيهم فلا يشكرونه، وذاك مبتلى بعلة في بدنه علة في الرأس أو في القلب أو في الجوف أو في الأطراف، أو في أي موضع من بدنه، وذاك مبتلى بعلة في ماله، ترددت تجارته بين كساد وخسارة أو جائحة وحريق، وآخر مبتلى بفقد الأبناء، كلما ولد له مولود وعاش أياماً ودب على الأرض يخطو، وعاش كأنما تمشي فراشة على وردة قلبه إذ به يموت بين عينيه، وآخر مبتلى بالحل والترحال والتشريد والطرد، وآخر وآخر وآخر كل هذه أنواع من البلاء {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ} [البقرة:155] ولم يبتل العباد بالخوف كله، أو بالجوع كله، أو بنقص المال كله، أو بنقص الأنفس كلها، أو بنقص الثمرات كلها؛ لأن العباد لا يطيقون البلاء كله، وإنما يبتلون بشيء {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ} [الزمر:8] لو نزل الضر كله، لهلك العبد ولم يطق، ولكن يناله شيء، يناله مس يسير من هذا.

أنواع البلايا وأعظمها

أنواع البلايا وأعظمها هي حكمة بالغة فما تغن النذر هي حكمة بالغة؛ لأن الله جل وعلا حكيم عليم، يُبتلى العباد بهذا وبأشكاله وأضربه وأنواعه، وكل هذا يهون إلا أن تكون البلية في الدين. إذا كانت بلية المرء في دينه ومعتقده، وإذا كانت بلية المرء في إقباله على الله وفي صلاته وعبادته فذاك الخطر كل الخطر، والمصيبة كل المصيبة؛ لأن المصائب بأنواعها ربما تهون إلا مصيبة الدين. وكل كسرٍ فإن الله يجبره وما لكسر قناة الدين جبران من كل شيء إذا ضيعته عوضٌ وما من الله إن ضيعته عوض أيها الأحبة: إذا تقرر هذا فلنعلم أن الدنيا بلاء بأنواعها. إنما الدنيا بلاء ليس للدنيا ثبوت إنما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت كل من فيها لعمري عن قريب سيموت إن ما يكفيك فيها أيها الراغب قوت فقد يكون الابتلاء حتى بظاهر ما يسر العبد به من زيادة النعم، وقد يكون استدراجاً ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال تعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [القلم:17] ابتلوا بنعمة ونعيم، وقد يكون الابتلاء باليسر والعسر، والمنشط والمكره، والحبيب والبغيض، قال تعالى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف:168] وقد يبتلون بما يؤمرون به فهل يعملونه ويقيمونه ويبتلون بما ينهون عنه؟ هل يرعوون وينزجرون عن فعله؟ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31] قال ابن كثير في التفسير: "أي لنختبرنكم بالأوامر والنواهي". أيها الأحبة: إن العبد يبتلى يوم أن يسمع "حي على الصلاة" "حي على الفلاح" فيسقط كثير من الناس في معركة الفراش والوسادة أمام داعي التوحيد، ويبتلى العبد أمام دريهمات من المال فترمي به نفسه في أحضان الحرام، ويستعجل أرزاقاً كانت قد كتبت له بالحلال، يستعجلها بالحرام، ويبتلى العبد في أحوال كثيرة بصورة أو فلم أو ملهاة أو عزف أو طرب، فربما فشل في هذا الامتحان اليسير. إن العباد يبتلون بالأوامر والنواهي {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] من هو أحسنكم في فعل الواجب والقيام به؟ ومن هو أصبركم على ترك المعصية؟ ومن هو أقدركم على تركها والتجافي والبعد عنها؟ إن العبد يبتلى في كل شيء، في كل أمر بطاعة يبتلى، وفي كل زجر عن معصية يبتلى.

الابتلاء يكون على قدر الإيمان

الابتلاء يكون على قدر الإيمان ابتلاؤنا على قدر إيماننا، وكان الأوائل يبتلون بأنواع البلاء كالجبال لصلابة دينهم، وقدم سابقتهم، وثبوت خطاهم في الدين، كلما كان الرجل صلباً في دينه كانت درجة الابتلاء والامتحان عليه أعظم، فابتلاء كثير منا بصوت أو صورة أو حالة أو موقف يسير يسير جداً، فسرعان ما ينهزم، هذا يبتلى بأولاده يصارعونه: نريد طبقاً يستقبل البث، نريد ما يسمى بالدش، نريد ونريد ونريد فيسقط أمامهم، ويهزم في معركتهم فيقدم لهم ما يشتهون في معصية الله. وذاك يبتلى من أماني وأهواء أهله -زوجه- فيقرهم على ما يسخط الله، وذاك يبتلى بقليل وكثير وصغير وكبير ومع ذلك لا يصمد أمام الابتلاء إلا يسيراً أو قليلاً، ثم يكون كجبل من الشمع أو جبل من الثلج يذوب عند أدنى حرارة من الابتلاء. وكان الأوائل يبتلون بالأمور العظيمة والكبيرة. وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام ابتلي الشيخ/ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المحدث العالم الأصولي الفقيه النحرير البارع المعروف، حفيد إمام الدعوة، وليس أول من ابتلي وإنما نضرب الأمثلة من التاريخ القريب حتى لا يقول أحد: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:134] فيستدل خطأً بهذه الآية على أن أخلاق الأوائل تنعدم في الأواخر. ابتلي أمام الأتراك -أمام العثمانيين- قالوا له: أنت تكفر من يدعو الأضرحة أو يستغيث بالقبر أو يتوسل بهذا القبر ليدفع بصاحبه بلاءً حل أو يرجو به نعمة فقدت؟ قال: نعم. من دعا غير الله كفر، ومن طلب النصرة من غير الله كفر، ومن توكل على غير الله في نصرة كفر، فما كان منهم إلا أن امتحنوه فأوثقوه وما رجع، وعذبوه وما رجع، ثم وضعوه في فوهة المنجنيق وأطلقوا قذائف المنجنيق حتى تطاير لحمه وعظمه وأشلاؤه ودماؤه وهو يموت من أجل لا إله إلا الله، من أجل كلمة التوحيد، ابتلاء على قدر جبال الإيمان. ثم ابتلي أبوه مرة أخرى، فجاء الباشا، وقال: يا شيخ! قتلنا ولدك، فقال الشيخ/ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: لو لم تقتلوه لمات في ساعته في مكانه، فثبت أمام هذا النوع العظيم من الابتلاء بفقد الولد الصالح العالم. وآخرون يبتلون بأمور عظيمة، يبتلون فيصبرون، ويمتحنون فيثبتون، بل إن بعضهم قدم نفسه حتى يرفع شيئاً من البلاء عن الناس، من يقرأ التاريخ يعلم أن الدولة السعودية الأولى قام زعيمها وإمامها لما حاصره الأتراك وضربوه ضرباً شديداً في الدرعية، ولم يبق معه من القوة على القدرة بالمقاومة شيئاً يستطيعه، خرج إليهم فقال: ما تريدون؟ قالوا: نريدك أنت، قال: نعم. أسلمكم نفسي بشرط: ألا تغتصبوا امرأة من أهل الدرعية، وألا تعترضوا لشرفها أو عفتها، وألا تنتهكوا الناس في دورهم، وألا تأخذوا من قوتهم وأرزاقهم، فلما قبلوا العرض سلم نفسه صابراً على هذا الابتلاء، فذهب به إلى مصر ثم إلى الأستانة فقتل هناك رحمه الله. ابتلاء عظيم يقدم فيه الرجال، يرون الموت {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران:143] يقدمون على الموت طائعين مختارين راضين غير مكرهين. خرجنا إلى الموت شم الأنوف كما تخرج الأسد من غابها نمر على شفرات السيوف ونأت المنية من بابها ونعلم أن القضا واقع وأن الأمور بأسبابها ستعلم أمتنا أننا ركبنا الخطوب حناناً بها فإن نلق حتفاً فيا حبذا المنايا تجيء لخطابها وكم حيةٍ تنطوي حولنا فننسل من بين أنيابها أيها الأحبة: يبتلى أهل القلوب الكبيرة والعقول الكبيرة بدرجة إيمانهم، وكلما كان الرجل صامداً صلباً في دينه كان بلاؤه أعظم، وعلى كل حال فالابتلاء لكل العباد، لا تغبطنَّ ملكاً في ملكه، ولا أميراً في إمارته، ولا وزيراً في وزارته، ولا رئيساً في رئاسته، ولا غنياً في غناه، ولا ذا ولد فيما أوتي، ولا بعيد أو قريب في حال، فإن جميع العباد في كدر {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]. من ذا الذي قد نال راحة عمره فيما مضى من عسره أو يسره يلقى الغني لحفظه ما قد حوى أضعاف ما يلقى الفقير لفقره وأبو العيال أبو الهموم وحسرة الرجل العقيم كمينةٌ في صدره ولقد حسست الطير في أوكارها فرأيت منها ما يصاد بوكره أو ما ترى الملك العظيم بجنده رهن الهموم على جلالة قدره فتراه يمشي والهاً في نفسه همٌ تضيق به جوانب صدره ولرب طالب راحةٍ في نومه جاءته أحلام فهام بأمره والوحش يأتي حتفه في بره والحوت يأتي موته في بحره كيف التخلص يا أخي مما نرى صبراً على حلو القضاء ومره فالواقع أن الناس جميعاً في بلاء، فمستقل ومستكثر ولو رأيت ذا نعمة، فهو في بلاء. قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم أيها الأحبة في الله: إن واقع المؤمنين يعلمون أن الله لم يقدر قدراً وإن كان في ظاهره مصيبة إلا وهذا القدر مشتمل على تمام العدل؛ لأن الله لا يظلم، ومشتمل على تمام الحكمة؛ لأن الله لا يقدر عبثاً، ومشتمل على تمام الرحمة؛ لأن رحمة الله وسعت كل شيء؛ ولأن رحمته سبقت غضبه، ففي كل حال ليس في الدنيا لذة إلا وهي مشوبة بالكدر، فما تظنه في الدنيا شراب فهو سراب، وعمارة الدنيا وإن حسنت صورتها خراب، وما جمعت فيها فهو للذهاب، ومن خاض الغمر -الغمر هو: الماء الكثير- لم يخل من بلل، ومن دخل بين الصفين لم يخل من وجل، فالعجب كل العجب ممن يده في سلة الأفاعي كيف ينكر اللسع؟! وأعجب منه من يطلب من المطبوع على الضر النفع!

مرارة الدنيا حلاوة في الآخرة لمن رضي واحتسب

مرارة الدنيا حلاوة في الآخرة لمن رضي واحتسب مرارة الدنيا على ما ينال العبد فيها إذا صبر واحتسب ورضي، فهي حلاوة في الآخرة، وليعلم المسلم أن مرارة الدنيا بعينها قد تكون حلاوة في الآخرة، ولأن ينتقل المرء من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة فذاك خير ولا شك؛ دل على ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال: (يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الدنيا من أهل النار، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا بن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال: يا بن آدم! هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس ولا رأيت شيئاً قط). إذاً: فما ينال العبد في هذه الدنيا من مرارة المصائب هو بإذن الله معوضٌ في الآخرة بخير عوض إن كان من الصابرين المحتسبين. ثم إن العباد مساكين يطغون عند الغنى {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7] فلو مرت حياته من غير منغصات لأصابه من الكبر والعجب وقسوة القلب ما قد يكون سبباً لهلاكه، ولكن الله يبتليه إذا رأى منه بعداً لكي يرجع، وإذا رأى منه ذنباً كي يستغفر، وإذا رأى منه ضلالاً كي يئوب ويتوب، ولكي يسمع تضرعه وأنينه وشكواه ولجوءه إلى ربه ومولاه، فسبحان من جعل الرحمة في كل شيء حتى في المصيبة والبلاء، فمقام المحنة تتفاوت عقول الناس فيه، فمنهم من يرى بثاقب البصر والبصيرة، وبصادق العقل واللب يرى أن في المحنة منحة، ويرى أن في البلاء هدية فيصبر ويحتسب؛ وحينئذٍ يتفاوت الرجال في عقولهم وتقديرهم لما يمر بهم، تتفاوت حقائق الرجال، فمنهم من لا يصبر ويؤثر حلاوة فانية على لذة باقية، يؤثر حلاوة منقطعة على لذة دائمة، ولكن منهم من يتلذذ بشيء من المر أو من الصبر على المصيبة حتى يلقى الله موفور الأجر قد أجزل له الثواب. قال ابن الجوزي رحمه الله: رأيت جمهور الناس إذا طرقهم المرض أو غيره من المصائب اشتغلوا تارة بالجزع، وتارة بالشكوى، وتارة بالتداوي، إلى أن يشتد عليهم فيشغلهم اشتداد المصيبة عن الالتفات إلى المصالح الواجبة من الوصية قبل حلول الموت، أو فعل الخير أو التأهب فكم ممن له ذنوب لا يتوب منها! وكم ممن عنده ودائع لا يردها! وكم ممن عليه دين أو حلت زكاة في ذمته أو في ذمته مظلمة لا يخطر له دفعها وبذلها وتداركها. قال بعض السلف: رأيت جمهور الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجاً يزيد على الحد، كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذا وضعت، وهل ينتظر الصحيح إلا السقم؟ وهل ينتظر الكبير إلا الهرم؟ وهل ينتظر للموجود سوى العدم؟ على ذا مضى الناس اجتماعٌ وفرقةٌ وميتٌ ومولودٌ وبشرٌ وأحزان ولكن حقيقة الأمر تنكشف يوم ينكشف الغطاء، فإذا وقف الناس يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه الترمذي بسند حسن عن جابر رضي الله عنه قال: (يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب يودون لو أن جلودهم كانت قرضت بالمقاريض) مما يرون من كرامة الله لأهل الابتلاء، فمن كان مبتلى، فليحمد الله، وليرجع الأمر إلى الله مردداً {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]. قال بعض السلف: ثلاثة تمتحن بها عقول الرجال: كثرة المال، والمصيبة، والولاية. وقال عوف بن عبد الله: الخير الذي لا شر معه: الشكر مع العافية، والصبر مع المصيبة. وقال شريح: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات وأشكره إذ لم تكن أعظم مما هي، وأن رزقني الصبر عليها، ووفقني إلى الاسترجاع عندها، ولم يجعل مصيبتي في ديني. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

ثواب وفضل الصبر على البلاء

ثواب وفضل الصبر على البلاء الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة؛ وكل بدعة في الدين ضلالة؛ وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: نداء نوجهه إلى كل سقيم على فراش السقم، وإلى كل مريض على مرقد المرض، وإلى كل مبتلى ببلية في بدنه أو في غير ذلك، نقول له: اسمع ما بشرت به وما ينتظرك من الفضل والثواب إن كنت صابراً محتسباً! فأول ذلك: أن البلاء قد يكون من دلائل صلابة العبد في دينه، وأن الله ربما أحبه فابتلاه في الدنيا لتكفر ذنوبه وخطاياه فيقدم على ربه طاهراً مطهراً، فعن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) رواه البخاري. فلا تجزع يوم أن ترى قريباً من أقاربك أو ذوي رحمك أو عصبتك أو من جيرانك أو المسلمين مريضاً وإن طالت به أشهر المرض وسنينه، فإن الله جل وعلا يكفر من ذنوبه بكل لحظة يرقد فيها على علته وسقمه. وعن فاطمة رضي الله عنها قالت: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوده في نسائه، فإذا سقاء- يعني: قربة- معلق نحوه صلى الله عليه وسلم، يقطر ماء السقاء على النبي صلى الله عليه وسلم من شدة ما يجد من حرِّ الحمى، قلنا: يا رسول الله! لو دعوت الله لشفاك؟ قال صلى الله عليه وسلم: إن من أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) رواه الإمام أحمد بسند صحيح. وتقول عائشة رضي الله عنها: [كان صلى الله عليه وسلم رجلاً مسقاماً] أي: كثيراً ما يطرقه السقم وكثيراً ما ينزل به المرض، وربما وصف له الدواء فتداوى. ثم إن هذه المصائب هي بقدر الله وقدر الله خير، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يذكره عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد مع أصحابه إذ ضحك، فقال: ألا تسألونني مم أضحك؟ قالوا: يا رسول الله! وممَّ تضحك؟ قال: أضحك عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه الإمام أحمد. والمرض يكفر الذنوب كما في حديث أم العلاء يوم أن كانت مريضة فزارها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا أم العلاء! أبشري فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة) رواه أبو داود بسند صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته) رواه مسلم والوصب: هو المرض، والنصب: التعب، والهم: من أمر المستقبل، والحزن: على أمرٍ قد مضى. سبحان الله! حتى الهموم التي تحل بذهن العبد وخاطره يكفر الله بها من ذنوبه وسيئاته، لك الحمد يا ربنا على هذا الدين العظيم الذي ما ترك لنا شيئاً في سراء أو ضراء إلا وفتح فيه باباً إلى الرضا والمثوبة والجنة، حتى الهم لو اشتغلت بأمر سكنى أولادك أو نفقة زوجتك أو أهمك أمر بناتك، أو أهمك أمر من الأمور الدنيوية المباحة، فإن هذا الهم تكون مأجوراً عليه، فما بالك بمن أهمه حال المسلمين في البوسنة، أو حال المسلمين في كشمير، أو حالهم في الفليبين، أو حالهم في فلسطين، أو حالهم في أي بقعة من البقاع؟ الهم لمصلحة الشخص فيه تكفير للسيئات، فما بالك بالهم الذي هو لأجل الدين وأبناء الدين؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنزل المعونة من السماء على قدر المئونة، وينزل الصبر على قدر المصيبة) رواه البزار والحديث صحيح، والمئونة: القوت، ومن نعم الله أن الله يوطئ للمصيبة في قلب العبد شيئاً من الرضا وشيئاً من الاحتساب وشيئاً من الصبر، حتى إذا نزلت المصيبة، نزلت هينة على العبد، فلا يفوته حظه فيها من الاسترجاع والفوز والأجر العظيم عند صبره عليها لكي يصبر في أول وهلة تطرقه المصيبة (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).

الحذر من التسخط والسخرية

الحذر من التسخط والسخرية ليحذر المسلم كل الحذر أن يتكلم عند المصيبة بشيء يحبط به أجره أو يسخط به ربه مما يشبه التظلم والشكوى والجزع، فإن الله عدل لا يجور، وأفعاله كلها حكمة وعلى مقتضى المصالح {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] وهو الفعال لما يريد، فالحذر الحذر أن تأتي وساوس الشيطان على العبد، فربما تذكر أحوالاً، أو سخط بكلام، أو جزع بدعاء لا يليق، ثم يكون حاله كحال من كره لقاء ربه، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء ربه كره الله لقاءه، فالواجب على العبد ألا يقول عند المصيبة إلا ما يرضي ربه، وربما كان سخطه هذا سبباً إلى جزع أبنائه وبناته وذويه من حوله، فيقولون ما لا يليق، والملائكة تؤمن على حاله، وتؤمن على حال من حوله ولا حول ولا قوة إلا بالله. وإن من الأسباب التي يدفع بها البلاء أن يحرص العبد إذا رأى مبتلى أن يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً. فمن قالها لم يصبه ذلك البلاء كما في الحديث الحسن عند الترمذي. وإن من آداب قول هذا إذا زرت مريضاً مبتلى ألا تشخص ببنانك إليه وتقف عن وجهه، فتقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وإنما تقولها يوم أن تخرج من عنده، أو تسرها في نفسك حتى لا يعتقد المريض أنها شماتة، وحتى لا يصيبه شيء من الإحباط أو عدم الفأل والأمل في شفاء حاله. وكذلك الحذر الحذر من الشماتة، فإن الشماتة بالناس سبب في الوقوع فيما وقعوا فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله، فمن شمت بأخيه، فربما عافاه الله وابتلاه، وقال القائل: إذا ما الدهر جر على أناسٍ حوادثه أناخ بآخرينا فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا وكم رأينا أناساً من رجال ونساء، نساء شمتن بنساء فحل بهن ما حل بالمشموت بهن، ورجال شمتوا بآخرين فحل بهم ما حل بالمشموت بهم، فالعبد لا يشمت، ولا يفرح على مصيبة أخيه، بل واجبه الدعاء له، وواجبه إخلاص النصيحة، ووصيته بالصبر عند هذا، واعلموا أن الدعاء بإذن الله ينفع مما نزل وما لم ينزل من البلاء كما في حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) هذا إذا حرص العبد على توفر شروط الدعاء وبذل أسباب قبوله بإذن الله. فعلى كل حال: اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد أوما ترى أن المصائب جمةٌ وترى المنية للعباد بمرصد من لم يصب ممن ترى بمصيبةٍ هذا سبيل لست فيه بأوحد فإذا ذكرت مصيبة ومصابها فاذكر مصابك بالنبي محمد إن من حلت به مصيبة فتذكر مصيبة المسلمين في فاجعتهم بموت نبيهم صلى الله عليه وسلم كان ذلك مهوناً عليه ما يرى، فإذا تذكرت حال الأمة وقد مات نبيها وحصل لها ما حصل بعد موته؛ علمت أن كل مصيبة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم تهون كما في الحديث (من عظمت مصيبته عليه فليتذكر مصيبة المسلمين فيَّ) فإن المسلمين لم يصابوا بمصيبة- كما تعلمون أيها الأحبة- كقدر مصابهم بموت المصطفى صلى الله عليه وسلم. والواجب على العبد أن يسترجع في كل حال حتى لو انكسر في يده كأس، أو انكفأ قدر، أو انشق ثوب، أو زلت به قدم أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، حتى يصبر عند الصدمة الأولى، فإنما الصبر الذي عليه الأجر عند الصدمة الأولى، والذي يصبر عند الصدمة الأولى فلا محالة سيصبر في اليوم الخامس أو العاشر أو الأسبوع الأول أو الثاني. من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم وإني لأعرف رجلاً من أهل هذه المدينة قد ابتلي ببلية ذات يوم: كان متجهاً يريد المغسلة أو دورة المياه، فلم يبصر بعد ذلك شيئاً، وأظلمت الدنيا من حوله، والناس في نهار وضياء، وأصبح لم ير شيئاً، ابتلي فجأة بأن أخذ الله بصره هكذا، فما كان منه إلا أن أكثر من" إنا لله وإنا إليه راجعون" " لا حول ولا قوة إلا بالله" وانزعج الناس من حوله، نذهب بك إلى أسبانيا، نذهب بك إلى بلد كذا، لم يكن حينها في هذه البلاد مستشفيات أو أطباء على درجة في تخصص العيون، فقال: بل ربي يرد علي ما أخذ مني، فلم يمكث أياماً لم تتجاوز السبعة عشر يوماً إلا وهو يرى ما كان حوله كما كان قبل أن يؤخذ بصره. إذاً: فاسترجاع العبد وصبره على المصيبة من أسباب دفع البلاء عنه، ومن دلائل نجاحه في امتحان الابتلاء الذي مر به، وعلى المسلم أن يخفف على الناس مصابهم يوم أن يراهم في مصيبة (من قال: هلك الناس، فهو أهلكُهم، وفي رواية: أهلَكهم) وهذا في كل حال، فإذا رأيت في الناس مصيبة من غلاء، فهوِّن على الناس ما يرون، وإذا رأيت الناس في مصيبة خوف، فهوِّن على الناس ما يرون، وإذا رأيت الناس في مصيبة كرب، فخفف عليهم ما هم فيه حتى ينبعث الأمل من جديد ويشق التفاؤل طريقه إلى قلوبهم فيمضون أقوياء ذوي عزيمة بإذن الله. اللهم ادفع عنا أصناف البلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نسألك أن تقدر لنا كل خير وأن تصرف عنا كل شر. اللهم إنا نشكو إليك ضعف الإيمان ووسوسة الشيطان، وقرناء السوء، وشحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، وقلوباً قاسية، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم ثبتنا على دينك إلى أن نلقاك، اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً فجازه اللهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمامنا إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم متع به على طاعتك واجمع شمله وإخوانه وأعوانه، وقرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته. اللهم إنا نسألك ونستعين بك على كل من أراد بولاة أمرنا فتنة، وأراد باجتماعنا فرقة، وأراد بشبابنا ضلالة، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم أبعده عنا، اللهم اجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم انصر المسلمين في طاجكستان، اللهم انصر المجاهدين في طاجكستان، اللهم انصر المسلمين في فلسطين وأرومو وعفر والفليبين وفي مورو وكشمير وفلسطين وسائر البلاد يا رب العالمين. اللهم اجمع شمل المسلمين في أفغانستان، اللهم أعنهم على إقامة التوحيد، اللهم أعنهم على هدم القبور والأضرحة، اللهم أعنهم على تحقيق التوحيد يا رب العالمين، اللهم مكن لهم بقربهم واجتهادهم في العناية بالتوحيد يا رب العالمين. اللهم آمنا في ديارنا ولا تفرح علينا عدونا، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا متزوجاً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا أسيراً إلا فككته بمنك وكرمك يا أرحم الرحمين. اللهم صل على محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

الصبر عند المصيبة [1]

الصبر عند المصيبة [1] لا يخلو مسلم من المصائب والابتلاء في هذه الدنيا، ولله في ذلك حكمة، والله سبحانه وتعالى لم يبتل العبد ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء كما له عليه عبودية في السراء. والصبر: حبس النفس عن التسخط في المقدور، وحبس اللسان عن الشكوى لغير الله تسخطاً، وحبس الجوارح عن المعصية، والصابرون لهم ثلاث خصال من الله وهي: التبشير، والصلاة من الله، والرحمة. هذا ما سيتضح لك -إن شاء الله- أيها القارئ الكريم خلال ثنايا هذه المادة.

الصبر على ثلاثة أوجه

الصبر على ثلاثة أوجه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى؛ فهي وصية الله لكم، ولمن سلف قبلكم من الأمم يقول تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ويقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: اعلموا أنه لا يخلو عبد مسلم من المصائب والابتلاء في هذه الدنيا، ولله في ذلك حكمة حيث يقول سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31] وقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155] قال ابن القيم رحمه الله تعالى: إن الله سبحانه وتعالى لم يبتل عبده ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإن لله تعالى على العبد عبودية في الضراء، كما له عليه عبودية في السراء، وله عبودية عليه فيما يكره كما له عليه عبودية فيما يحب، والصبر: حبس النفس عن التسخط في المقدور، وحبس اللسان عن الشكوى لغير الله، وحبس الجوارح عن المعصية، واعلموا -يا عباد الله- أن الصبر ليس مقصوراًَ على المصائب والآلام فقط، بل هو وارد في غيرها من الأمور. روي عن ابن عباس رضي الله أنه قال: [الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه: صبرٌ على أداء فرائض الله، وصبرٌ عن محارم الله، وصبرٌ على المصيبة عند الصدمة الأولى] ويقول الله سبحانه وتعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران:186] فمن ابتلي ببلية في نفسه أو ماله أو فقد حبيباً له ولداً كان أو قريباً، فلا دواء له إلا الصبر على ما أصابه، فإذا صبر المبتلى واسترجع في مصيبته ممتثلاً أمر الله في ذلك: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156] فقد هانت عليه البلوى وضاع أثرها، واستراح من همها وعذابها في الدنيا، وفاز بأحسن الجزاء عليه في الآخرة، وعزى نفسه وسلاها باليسر بعد العسر، والفرج بعد الشدة، متذكراً قول الله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5 - 6].

الشكوى لا تكون إلا لله

الشكوى لا تكون إلا لله واعلموا -يا عباد الله- أن إظهار البلوى والمصيبة سواء كانت مرضاً أو فقراً أو غير ذلك، إما أن يكون شكوى إلى الله تعالى، كما قال أيوب عليه السلام: (أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] وكما قال يعقوب عليه السلام: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86] فهذا النوع من إظهار البلوى لا ينافي الصبر، بل قد يكون مقصوداً من الابتلاء والامتحان؛ لأن الله جل وعلا قد يبتلي عبده بالمصيبة والمحنة ليسمع أنينه متضرعاً إلى ربه، ولينظر خشوعه وإخباته ومناجاة العبد له، وإما إظهار البلوى لغير الله، فإن كان لحاجة كبيان مظلمة لمن يقدر على رفعها، أو شرح العلة لطبيب يداويها، فإن ذلك لا ينافي الصبر ما دام العبد راضياً بقضاء الله وقدره، غير متبرم أو متضجر مما نزل به من البلاء، وأما إن كانت شكواه لغير الله إلى من لا حاجة ولا فائدة في ذكرها له، وبثها المبتلى متبرماً متضجراً ساخطاً معترضاً، فهذا لا يستفيد من المصيبة شيء سوى العذاب في الدنيا، وقد يحاسب على سخطه وتضجره في الآخرة، سيما إن كان ذلك السخط مصحوباً بما يوحي الاعتراض، وعدم الرضا بقضاء الله وقدره. وقد يظهر العبد بلواه وقد يبوح العبد بمصيبته إلى حبيب يواسيه أو صديقٍ يسليه في مصيبته بما يثبته ويعينه على الاسترجاع فيها، واحتساب ثواب الله عليها، فهذا مما لا بأس به -أيضاً- وفي هذا يقول القائل: وأبثث عمراً بعض ما في جوانحي وجرعته من مر ما أتجرع ولا بد من شكوى إلى ذي مروءةٍ يواسيك أو يسليك أو يتوجع واعجبوا إن شئتم -يا عباد الله- ممن إذا حلت به البلية ونزلت به المصيبة، دعا بالويل والثبور على نفسه وضج بالشكوى ساخطاً، متبرماً لغير الله، إلى من لا يملك لنفسه دفعاً ولا نفعاً ولا ضراً، فضلاً أن يدفع عن غيره سوءاً أو يجر إليه مغنماً أو خيراً، وكأن لم يبتل في هذه الدنيا سواه، ولم يصب من الخلق إلا إياه، وترون مثل هذا النوع من الناس يزداد بالتشكي يأساً وجزعاً وقنوطاً وهلعاً وهو كما قال القائل: تلذ له الشكوى وإن لم يجد بها صلاحاً كما يلتذ بالحك أجرب فمثل هذا الجاهل في مصيبته وشكواه، كمن يشكو الله إلى الناس، وهذا في غاية الضلال عن الهدى، رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فاقته وضرورته فقال: يا هذا! والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك، والعارف إنما يشكو إلى الله وحده، ولنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (من عظمت عليه مصيبته فليتذكر مصيبة المسلمين فيَّ) إذ لا مصيبة على الأمة في سالف زمنها وآخره أشد من مصيبتها في فراق نبيها صلى الله عليه وسلم. إذاً فالذي ينبغي لكل مسلم حلت به المصيبة أو نزلت به البلية أن يصبر، ويحتسب امتثالاً لأمر الله عز وجل عباده بالصبر حيث قال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة:153] وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران:200] وامتدح الله عباده الصابرين وأثنى عليهم بقوله جل شأنه: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177]، وأخبر الله سبحانه وتعالى بمعيته مع الصابرين بقوله: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46] وحسبكم في ثواب الصبر أن الله يجزي أهله الصابرين أجرهم بغير حساب: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

بيان أنواع الصبر

بيان أنواع الصبر الحمد لله الواحد الصمد على إحسانه، والشكر لله على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن المثيل، وعن الند وعن النظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، كل ذلك تعظيم لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن جسومكم على وهج النار لا تقوى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

الصبر على الطاعة

الصبر على الطاعة عباد الله: مر معنا أن الصبر أنواع أهمها: الصبر على طاعة الله، وذلك بالمحافظة والمداومة عليها، ومراعاة الإخلاص فيها، ومن تأمل ما يناله العبد المسلم، في مجاهدة نفسه وشيطانه وهواه؛ لأجل طاعة ربه ومولاه في فعل الأوامر واجتناب المناهي، وجد أن هذه المجاهدة مستلزمة لصبرٍ ومصابرة ومرابطة على ذكر الله، واستحضار رجاء جميل ثوابه، والخوف من أليم عقابه، وحسبكم بهذا الصبر عبادة، حسبكم بها عبادة توضع في ميزان العبد، ويرجو ثوابها عند الله.

الصبر عن المعصية

الصبر عن المعصية ومن أنواع الصبر أيضاً: الصبر عن معصية الله خوفاً من الله وهيبةً منه أن يستعين العبد بنعمه على معصيته، ولا بد للعبد من الصبر عن معصية الله؛ لأن المعاصي تظهر للعبد غالباً في ثوب الشهوة، وقالب اللذة، فإن دفع نفسه بالصبر عن الوقوع فيها فقد نجا وسلم من الوقوع في معصية الله، وأسباب سخطه وعقابه، والصبر عن المعصية -يا عباد الله- صبر اختيار، صبر رضاً ومحاربة للنفس، لا سيما مع وجود الأسباب الدافعة إلى المعصية. ومن أروع أمثلة الصبر عن معصية الله: صبر يوسف عليه السلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه الأمور جرت عليه بغير اختيار، ولا كسب له فيها، وليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عليه السلام عن المعصية، فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس مع وجود الأسباب الداعية إلى المعصية، فقد كان عليه السلام شاباً عازباً غريباً مملوكاً، والمرأة جميلة ذات منصب وجمال وهي سيدته وقد غاب الرقيب وهي التي دعته إلى نفسها، وحرصت على ذلك أشد الحرص وتوعدته بالسجن والصغار إن لم يفعل ما راودته عليه ومع ذلك كله صبر مختاراً مؤثراً ما عند الله متحملاً ذلك الأذى وتلك العقوبة، حيث قال عليه السلام: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:33].

الصبر على المصائب وجزاؤه

الصبر على المصائب وجزاؤه قال الإمام أحمد رحمه الله: إن الله سبحانه وتعالى ذكر الصبر في القرآن في تسعين موضعاً، وقال بعض السلف وقد عزي على مصيبة نالته فقال: ما لي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر بثلاث خصال، كل خصلة منها خيرٌ من الدنيا وما عليها، وهي التي ذكرها الله في كتابه الكريم بقوله: {وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157] وعلى أية حال العاقل يلزم الصبر في المصائب والمحن، ويدرك أن الرضا بقضاء الله فيها، والصبر عليها يخفف عنه شدة وقعها ويخلف عليه ما هو خير منها في الدنيا والأجر والثواب في الآخرة، وأن السخط والجزع، والتشكي والهلع، فلا يدفع من قدر الله شيئاً، ولا يزيد العبد إلا إثماً وبلاءً، فمن رضي بالمقدور وصبر عليه فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط. معاشر المؤمنين: إننا لنعجب من الذين نراهم في زماننا هذا، وقد خسر الواحد منهم جزءاً يسيراً من أمواله وتراه لا يحمد الله على مصيبته ولا يسترجع في ما حل به وإذا قيل له: احمد الله على ما حل بك، قال: كيف أحمد وقد نزل بي كذا وكذا؟ وقد خسرت في تجارتي كذا وكذا؟ فذلك في غاية الاعتراض والدفع وعدم الرضا بقضاء الله وقدره عياذاً بالله! من الاعتراض على قدره، ومن السخط بقضائه. أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من الذين هم في البأساء من الصابرين، وفي الضراء من المسترجعين وفي النعماء من الشاكرين، وأن يجعلنا من عباده المحسنين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، وأراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بشبابنا ضالة، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً واختلاطاً، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أدر عليه دائرة السوء يا جبار السماوات والأرض! اللهم اختم بالشهادة والسعادة آجالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا ولا تجعل اللهم إلى النار منقلبنا ولا فيها مثوانا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مديناً إلا قضيت دينه، ولا أسيراً إلا فككته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحة وهبته، ولا غائباً إلا رددته، ولا حاجةً من حوائج الدنيا هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها، وأعنتنا على قضائها يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك التوبة والاستدراك قبل الوفاة والاستعداد قبل الممات برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمامنا، اللهم أصلح إمامنا، اللهم وفق إمامنا لما تحبه وترضاه، اللهم أصلح بطانته وقرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته وباعد بينه وبين من علمت فيهم شراً له ولأمته، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لموتانا وجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم منزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين!. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]. فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الصبر عند المصيبة [2]

الصبر عند المصيبة [2] لقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة الدالة على فضل الصبر وجزاء الصابرين على ما أصابهم من أنواع البلاء والمحن، ومنها: أن أي مصيبة تصيب المؤمن فهي كفارة له حتى الشوكة يشاكها، وهذا من عظيم فضل الله علينا، فمع هذه الفضائل للصابرين نبقى مع الشيخ في هذه المادة

أحاديث في فضل الصبر والصابرين

أحاديث في فضل الصبر والصابرين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: كلنا يعلم أن الصبر دواء ناجع، وعلاج نافع في تخفيف آثار كل بلية أو مصيبة تقع بالعبد، في نفسه أو أهله أو ماله، وليس للعبد إلا أن يصبر لا محالة، فمن لم يصبر في أول المصيبة رضا واختيارا، فمرده على الصبر عليها قهراً واضطراراً، قال الشاعر: أرى الصبر محموداً وعنه مذاهب فيكف إذا ما لم يكن عنه مذهب وقال الآخر: اصبر ففي الصبر خير لو علمت به لكنت باركت شكراً صاحب النعم واعلم بأنك إن لم تصطبر كرماً صبرت قهراً على ما خط في القلم ولقد مر معنا ذكر طرف من الآيات في فضل الصبر ومدح الصابرين، ولنتأمل اليوم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حيث يقول: (عجباً لأمر المؤمن كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن يتصبر يصبره الله، فما أعطي أحد عطاءً خيراً من الصبر) متفق عليه. فمن ذلك نعلم أن الخير كل الخير للعبد: أن يصبر في جميع أموره؛ لأن المسلم يعلم أن البلاء مهما عظم أمره، أو صغر قدره فإن الله قد جعله سبباً لتكفير ذنوبه، فعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب المؤمن من نصبٍ، ولا وصبٍ ولاهمٍ، ولا حزنٍ ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه.

عظم الجزاء لمن رضي بالبلاء

عِظَم الجزاء لمن رضي بالبلاء فإذا تيقن المسلم هذا، انفتح له باب الرضا بالقضاء، والتلذذ بالصبر حين البلية، لماذا؟ لأنه علم من كلام نبيه صلى الله عليه وسلم، أن أصغر بلية حتى الشوكة، فإنها تكفر عنه الذنوب والخطايا، فإذا تأمل العبد وعلم قول نبيه صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه، حتى يوافى به يوم القيامة) إذاً فلا خسارة في الصبر، بل الخير والسعة فيه صغرت المصيبة أو كبرت، قال صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وجاء في حديث آخر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فما يبرح البلاء في العبد، حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فمن ذا الذي يسخط ويجزع ولا يصبر، وهو يوقن بهذه النعم الجزيلة في رفعة الدرجات وتكفير السيئات، حينما تنزل به البلية، أو تحل به المصيبة. جاء في الحديث عن أبي سعيد: (أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك على قطيفة، فوضع يده فوق القطيفة، فقال: ما أشد حماك يا رسول الله! قال: إنا كذلك يشدد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر، ثم قال: يا رسول الله! من أشد الناس بلاءً؟ قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال: العلماء، قال: ثم من؟ قال: الصالحون، كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله، ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها، ولأحدهم كان أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء) رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا واللفظ له، وقال: صحيح على شرط مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره، حتى يبلغه إياها) وفي رواية أخرى: (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، فلم يبلغها بعمل، ابتلاه الله في جسده، أو ماله أو ولده، ثم صبر على ذلك، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل) رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط. فمن كان مؤمناً حق الإيمان بربه ولطف رحمة خالقه، ومن كان مؤمناً حق الإيمان بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهل يجزع أو يتضجر من مصيبة حلت به؟! وقد علم أن الخير كل الخير فيها، لا والله، بل موقف المؤمنين الرضا بتدبير الله واختياره لهم، والقناعة بقسمة الله فيما قدر وقسم، ولا يدفع المؤمن ما حل به إلى البعد عن طاعة الله، بل يحدوه ويدفعه إلى مزيد الطاعة والعبادة والمحافظة على ما فرض الله، وتجنب ما يسخطه.

المصائب والمحن تدفع إلى محاسبة النفس

المصائب والمحن تدفع إلى محاسبة النفس أيها الإخوة: إن المصائب والمحن مدارس تفتح للعبد مع نفسه كتاب المحاسبة والمناقشة، إذ لو تأملنا في كثير من أحوالنا، وما يحل بنا من المصائب والآلام، لوجدناه بسبب أنفسنا وبما جرحته أيدينا، ومع ذلك يثيبنا الله على الصبر والرضا به، يقول الله جل وعلا: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] فمن حلت به المصيبة وحاسب نفسه، لا بد أنه سيجد تفريطاً وتقصيراً في جنب الله، قد يستوجب مصيبة أو بلية توقظ من الغفلة في سبات المعصية، وتكون سبباً في التوبة والرجوع، والقصد والإنابة إلى الله جل وعلا، وما أكثر الغافلين السادرين في لهوهم وغفلتهم، يسمعون الوعظ والخطب والآيات والأحاديث، فلا تحدث في قلوبهم أي شعور بالندم، أو أي عزم على التوبة، ولكنهم تابوا وأنابوا واستيقظوا بمصيبة قدرها الله على الواحد منهم، فكانت كالهزة العنيفة الموقظة لسكير الغفلة والشهوة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

فوائد الصبر على المصائب

فوائد الصبر على المصائب الحمد لله الواحد الأحد على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واتقوا سخط ربكم فإن الأقدام والجسوم على وهج النار لا تقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: من نزلت به مصيبة أو عظمت في نفسه فليصبر، وليتذكر هذه الأمور واحداً بعد الآخر، وسيجد بعد ذلك أن المحنة منحة له من الله جل وعلا، وسيدرك أن الله وحده لا شريك له، هو المحمود في السراء والضراء، وهو أرحم الراحمين: الأول: أن المصيبة تدفعه إلى محاسبة نفسه، لأنها بما كسبت يداه والله يعفو عن كثير. الثاني: أن الله يجازيه بها تكفيراً لذنوبه، وتطهيراً له من السيئات، ولنعلم أن عظم الجزاء مع عظيم البلاء. الثالث: أن العبد إذا صبر فاز بوعد الله للصابرين، وهو أن يجزيهم الله أجرهم بغير حساب. الرابع: أن يعلم العبد أن الجزع والضجر، لا يرد من قدر الله شيئاً، وأن يعلم أن الرضا والحمد لله يخفف أثر المصيبة الواقعة، ويدفع عنه الدعاء غيرها من المصائب وما هو أعظم منها. الخامس: أن الرضا والصبر على المصائب يدفع عن المسلم شماتة الحساد. كل المصائب قد تمر على الفتى وتهون غير شماتة الحساد السادس: أن يتذكر المسلم عند حلول المصيبة، أن هذه الدنيا ليست بدار نعيم يطمئن لها، ويعلم عند ذلك أن الراحة والسعادة التامة في دار النعيم، دار الخلود الأبدي في الجنة، التي أعدها الله لعباده المتقين، فيدفعهم ذلك إلى مزيد من البذل والمجاهدة لنفسه حتى يصل بها إلى مرضاة الله في جنانه، في تلك الدار التي لا يكدر صفوها غصص المصائب والآلام، فلا تجزع من المصيبة في دار المصائب والآلام وهي الدنيا، يقول عنها القائل: طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار السابع: أنه لو سلم أحد من المصيبة والبلية، لسلم من ذلك صفوة خلق الله في أرضه، الأنبياء والمرسلون، ولك في نبيك أسوة حسنة، فيما لقي من العذاب والابتلاء، من قومه وعشيرته، وسائر الجاحدين المعاندين له، فإذا علمت ذلك فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، وليكن لك في صبر نبيك أسوة حسنة. الثامن: تذكر مصيبة من هو أعظم منك فيما ابتلوا به، فإن كنت مصاباً بشيء يسير فإن غيرك قد أصيب بمصيبة أعظم، وإن كنت مصاباً في جارحة معينة، فإن غيرك قد أصيب ببلية عظيمة في نفسه أو في ولده، وإن كنت مصاباً بخسارة في مالك، فإن غيرك قد أصيب في ماله وولده ونفسه، إذاً فالمصائب يخفف بعضها بعضاً، وإذا تأملت مصيبة غيرك هانت عليك مصيبتك. التاسع: وهو أولها: أن تحمد الله في هذه المصيبة أنها لم تكن في الدين؛ لأن مصيبة الدين عظيمة: وكل كسر فإن الله يجبره وما لكسر قناة الدين جبران العاشر: أن هذه المصيبة لم تكن أعظم، فثق -أيها المسلم- بوعد الله وجزائه ولا تيئس ولا تقنط، فالفرج بعد الشدة وبعد العسر يسر، بإذن الله ورحمته، فاحمد الله على كل حال: إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق بما به الصدر الرحيب وأوطنت المكاره واطمأنت وأرست في مكامنها الخطوب ولم تر لانكشاف الضر وجهاً ولا أغنى بحيلته الأريب أتاك على قنوط منك غوث يمن به اللطيف المستجيب فكل الحادثات وإن تناهت فموصول بها فرج قريب ويقول الآخر: ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج فمن ذا الذي يجزع ويضجر، ويسخط لقضاء الله وقدره عند حلول المصيبة، لا والله إن المؤمن إذا وقعت به المصيبة، يتذكر قول الله جل وعلا: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]. والصبر على المصائب كما علمتم -أيها الإخوة- أعظم وأنفع علاج في هذه الدنيا، التي هي بطبيعتها دار لا تصفو لأحد، فمن صفا له الأمر لا بد أن يتكدر عليه في ولده، أو في ماله، أو فراق أحبابه، أو سقمٍ في بدنه، أو مصيبة في أي جانب ممن حوله، فليجتهد في دارٍ لا مصائب فيها، وليجتهد للعمل في دار يجتمع أحبابها ولا يفترقون، ويدوم نعيمها ولا ينقطع، وتصفو لذتها ولا تتكدر بشيء من موت أو هرم أو سقم. أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من أهل تلك الدار، التي رضي عن أهلها وجزاهم بمرضاته أوفر الجزاء. اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين، اللهم اجعلنا في السراء من الشاكرين، وفي الضراء من الصابرين، ولا تجعلنا من القانطين اليائسين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم أصلح إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته وقرب له من علمت فيه خيراً له، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله بمن أحببته، واجمع شمله بإخوانه، ووحد صفهم واجمع شملهم ووحد كلمتهم، ولا تفرح علينا وعليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مكسوراً إلا جبرته، ولا كسيراً إلا جبرته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم اختم بالشهادة آجالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، ولا تجعل إلى النيران منقلبنا ومثوانا، لا إله إلا أنت الحليم العظيم رب العرش العظيم، رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم، أنت أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، فتلطف بنا فيم حل بنا، وأعنا ولا تعن علينا، وأكرمنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وارفعنا ولا تخذلنا، برحمتك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وراض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع موتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم وسع على أهل القبور قبورهم، ونور على أهل اللحود لحودهم، وافتح لهم أبواباً إلى الجنان، وأعنا على ما أعنتهم عليه بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الصبر عند المصيبة [3]

الصبر عند المصيبة [3] كلنا نعلم أنه ما من راحة تامة، أو سعادة دائمة، إلا في الدار الآخرة، دار الخلود والبقاء، وأما هذه الدنيا فدار الابتلاء والكبد والشقاء، ومن أجل ذلك كان عيش المؤمن فيها مشقة، ولولا ما فيها من عبادة الله، واللجوء إليه، والاستئناس والاطمئنان بذكره لما أطاق المؤمن البقاء فيها، ولله في ذلك حكمة بالغة.

ذم الدنيا

ذم الدنيا إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل وعن الند والنظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم من الأمم، يقول تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أيها الأحبة في الله: مر معنا في جُمع ماضية الحديث عن الصبر، وأنه أنجع وأطيب علاج أمام المصائب والمحن والآلام, وتتمة الحديث في هذا الموضوع، يقول الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: روي من طريق أبي مورود سمعت الحسن قرأ هذه الآية فقال: [يكابد أمراً من أمر الدنيا وأمراً من أمر الآخرة، وفي رواية: يكابد مضائق الدنيا، وشدائد الآخرة] واختار ابن جرير أن المراد بالآية: مكابدة الأمور ومشاقها. أيها الأحبة في الله: كلكم يعلم أنه ما من راحة تامة، أو سعادة دائمة، إلا في الدار الآخرة، دار الخلود والبقاء، وأما هذه الدنيا، فدار الابتلاء والكبد والشقاء، ومن أجل ذلك كان عيش الإنسان فيها في مشقة، ولولا ما فيها من عبادة الله، واللجوء إليه، والاستئناس والاطمئنان بذكره، لما أطاق المؤمن البقاء فيها، ولله في ذلك حكمة بالغة، إذ لو صفت الدنيا لأهلها من الأكدار والمصائب لركنوا إليها واطمأنوا بها، ولما اجتهدوا في الأعمال الموصلة إلى دار النعيم والخلود المقيم، قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله: يا أبتِ متى الراحة؟ فقال: يا بني! الراحة عند أول قدم نضعها في الجنة! عباد الله: تأملوا هذه الدنيا وما فيها من خلق الإنسان من كبد، وهي برمتها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تعدل ذلك لما سقى منها كافراً شربة ماء، فالاجتماع فيها مآله إلى الفراق، قال صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس) فنهاية الحياة موت، وغاية الاجتماع فراق. أما اللذات في الدنيا، من المآكل والمشارب والمناكح، فتزينها الصحة والعافية، وأكثر أرباب الدنيا وأصحاب الأموال فيها، يعانون أنواع البلاء والأمراض والأسقام، فيرون نعيماً ولذات لا يقدرون التمتع بها، وأعمار الخلائق في الدنيا محصورة محدودة الأجل، رب معمر شقي بعمره، سيما إذا كان مفرطاً فيما مضى من عمره، قيل للأعشى ميمون بن قيس، وقد بلغ من الكبر عتياً: كيف وجدت الحياة؟ فقال: المرء يرغب في الحياة وطول عيش قد يضره تفنى بشاشته وبعد حلو العيش مره وتسوءه الأيام حتى ما يرى شيئاً يسره كم شامت بي إذ هلكت وقائل لله دره فلا أنس ولا لذة في الدنيا إلا بطاعة الله وذكره وعبادته، وذلك يوم أن حضرت معاذ بن جبل الوفاة، بكى فقيل له: [ما يبكيك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أما والله إني لا أبكي على ملذات الدنيا وشهواتها ولكني أبكي على صيام أيام الهواجر، وقيام ليالي الشتاء، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر آكله] ذلكم والله، هو ما يحقق السعادة ويربطها بالحياة ربطاً وثيقاً، فاجتهدوا -يا عباد الله- في طاعة ربكم ومرضاته، وتنافسوا في الأعمال الصالحة، والتجارة الرابحة، ولا تغبطوا أحداً كائناً من كان، لا تغبطوا أحداً إلا في طاعة الله، وحفظ كتابه ومرضاته، وما سوى ذلك فحطام غير حقيق بالحسد والغبطة، واعلموا أن كل من ترون في هذه الدنيا، مهما علا منصبه أو سفلت مرتبته، شقي لا محالة، شقي بنفسه أو ماله أو ولده، أو سلطانه أو فقره أو غناه، أو عزه أو ذله، إلا من شد وثاق النفس عن المعاصي والآثام، وأحكم السير وجد في المسير وأمسك بالزمام: كل من لاقيت يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن؟

تقلب الدنيا

تقلب الدنيا عباد الله: إن بعض المسلمين هداهم الله، قد انشغلوا باللهو عن ذكر الله، وغرهم إقبال الدنيا عليهم، وخدعهم تردد خلان الغنى والرخاء إليهم، وما تأملوا حقيقة دنياهم ونعيمها، وأن الأيام فيها دولة يداولها الله بين الناس، وكأن بعضهم ما سمعوا وما عرفوا أحوال الأمم السالفة فيما مضى والحاضرة في هذا الزمان، كيف هوت وسقطت من عز إلى ذل، ومن قوة إلى ضعف، ومن غنى إلى فقر، ومن شمل مجتمع إلى شتات وتفرق وتشرد، قالت هند بنت الملك النعمان بن المنذر: لقد رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكاً، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا ونحن أقل الناس، وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها، قالت: أصبحنا ذات صباح وما في العرب أحد إلا يرجونا، ثم أمسينا وما في العرب أحد إلا يرحمنا، وقال إسحاق بن طلحة: دخلت عليها يوماً فقلت: كيف رأيت؟ كيف الأمر بكم يا بنت النعمان؟ فأنشدت قائلة: فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة متنصف فأفٍ لدنيا لا يدوم نعيمها تقلب ساراتٍ بنا ونصرف قال صلى الله عليه وسلم: (حقاً على الله ما رفع شيئاً إلا وضعه) فلا تغتروا بالدنيا -يا عباد الله- ولا تجزعوا على المصائب فيها، فإذا كانت النفوس التي تملك الأشياء، تذهب فكيف نبكي على ما ذهب من مال أو متاع أو ولد؟! قال الشاعر: نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة فكيف أبكي على شيء إذا ذهب فكونوا من دنياكم على حذر، واتخذوها معبراً ولا تجعلوها مقراً. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب وتوبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى، ويمطر السماء عليكم مدراراً.

الدنيا دار البلاء والمصائب

الدنيا دار البلاء والمصائب الحمد لله الواحد الصمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن أقدامكم على وهج النار لا تقوى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها؛ وكل محدثه بدعة؛ وكل بدعة ضلالة؛ وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ؛ شذ في النار. عباد الله: هاأنتم ترون حال الناس في الدنيا، وتقلبهم بين أنواع المصائب والبلاء والمحن فيها، ولله في ذلك حكمة بالغة، إذ لو صفت هذه الدنيا لأحد، لصفت لنبينا صلى الله عليه وسلم خير من وطأت قدمه الثرى، لو صفت هذه الدنيا لأحد لصفت للأنبياء، صفوة الله من خلقه أجمعين، إذاً: فلا غرابة أن يصاب الإنسان فيها، ولا غرابة أن يعترضه وأن يعتمره شيء من آلامها، والبلاء والمحن فيها، ولله في ذلك حكمة بالغة، نبيكم صلى الله عليه وسلم قد عذب وأوذي وطرد من بلاده حتى تركها، وألقي سلى الجزور على ظهره ومع ذلك صبر واحتسب، هذه من أقدار الله جل وعلا، من أقداره والأقدار الكونية كثيرة يقدرها الله على العباد أجمعين، فإذا تأملتم وقلبتم النظر، لم تجدوا أحداً يسعد في هذه الدنيا، سليماً معافى من الأكدار والمصائب والآلام، إلا من رضي بقضاء الله وقدره، وصبر واحتسب فعند ذلك تكون المصيبة منحة له وإن كانت في ظاهرها محنة، يقول القائل: من ذا الذي قد نال راحة فكره في يسره من غمره أو يسره يلقى الغني لحفظه ما قد حوى أضعاف ما يلقى الفقير لفقره فيظل هذا ساخطاً في قله ويظل هذا تاعباً في كثره عم البلاء ولكل شمل فرقة يرمى بها في يومه أو شهره أو ما ترى الملك العزيز بجنده رهن الهموم على جلالة قدره فيسره خبر وفي أعقابه هم يضيق به جوانب قصره وأخو التجارة حائر متفكرٌ مما يلاقي من خسارة سعره وأبو العيال أبو الهموم وحسرة الرجل العقيم كمينة في صدره ولرب طالب راحة في نومه جاءته أحلام فهام بأمره والطفل من بطن أمه يخرج إلى غصص الفطام تروعه في صغره ولقد حسدت الطير في أوكارها فوجدت منها ما يصاد بوكره والوحش يأتيه الردى في بره والحوت يأتي حتفه في بحره ولربما تأت السباع لميت فاستخرجته من قرارة قبره تالله لو عاش الفتى في أهله ألفاً من الأعوام مالك أمره متلذذاً معهم بكل لذيذة متنعماً بالعيش مدة عمره لا يعتريه النقص في أحواله كلا ولا تجري الهموم بفكره ما كان ذلك كله مما يفي بنزول أول ليلة في قبره كيف التخلص يا أخي مما ترى صبراً على حلو القضاء ومره فالحياة وحدها شقاء وبلاء، ولا سعادة فيها إلا بطاعة الله، وملازمة أمره واجتناب نهيه، وملازمة ذكره سبحانه، فتلك بإذن الله سعادة في الدنيا وموصلة إلى دار السعادة الأبدية، فاستعدوا استعدوا للرحيل وتزودوا قبل أن تردوا مفازة لا موارد للزاد فيها، وكن -أيها المسلم- كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، ألا وإن الضعيف المحروم الذي سكن إلى الدنيا واطمأن إليها، وغفل عن دار البقاء والخلود، واشترى الدنيا بالآخرة، وباع الغالي بالخسيس، عياذاً بالله من تجارة كاسدة. اللهم إنا نعوذ بك من حلول نقمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً وبعلمائنا فتنة وبولاة أمرنا مكيدة، وبشبابنا ضلالة، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم اختم بالشهادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، ولا تجعل إلى النار مثوانا ومنقلبنا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا قضيتها، اللهم أعنا ولا تعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وأعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم آمنا في دورنا، واصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم اجمع شمله ووحد صفه، وثبت قدمه وارزقه بطانة صالحة، وقرب إليه من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا ولإخواننا ولوالدينا وموتى المسلمين أجمعين، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]. فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الصبر

الصبر منزلة الصبر في الإسلام عظيمة، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وهذه الدنيا لا تستقيم لإنسان على حال سعادة وشقاء، بل شأن العباد فيها تقلب وتبدل وتغير، ولا علاج أنجع لذلك من الصبر، مع ما له من فضل في الدنيا والآخرة.

عظم فضل الصبر

عظم فضل الصبر إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحد في ذاته، واحد في أسمائه وصفاته: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا ربكم: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71]. معاشر المؤمنين! اعلموا رحمكم الله تعالى أن الله جل وعلا خلق الخلق والخلائق، وقدر مبدأهم ومعاشهم ومعادهم، وكل صغير وكبير من الأفراح والمصائب في حياتهم، إما ابتلاءً وتمحيصاً أو تكفيراً وتطهيراً، أو لحكمة يعلمها سبحانه جل وعلا، وما أوتينا من العلم إلا قليلاً. ولعل من الأمور المدركة بمنتهى الوضوح والبيان لنا وبين أيدينا، هي أن الدنيا لا تستقيم لسعيد مسرور على حال، ولا تبقى لشقي مكسور على حال، بل شأن العباد فيها تقلب وتغيير وتبدل وتغير وانتقال: هي الحياة كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] وبالجملة فما حي من البشر على هذه المعمورة، إلا وأصابه في دهره من المصائب والأقدار المحزنة ما يكفيه للعبرة والتدبر والاعتبار. وكل ذلك صغيره وكبيره بقدر الله جل وعلا، فمن رضي؛ فله الرضا، ومن سخط؛ فعليه السخط، والله سبحانه وتعالى حينما أراد أن يبتلي عباده فيما قدر عليهم -وهو أحكم الحاكمين- أرشد أولياءه إلى ما تنطفئ به نار المصائب، وما يبرد على القلوب حرارة الفاجعة. وذلك بأمور شرعها في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك قوله جل وعلا: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157]. وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من أحد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها؛ إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها) يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الحديث: وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصائب، وأنفع شيء في العاجل والآجل، فإنها تتضمن أصلين عظيمين، إذا تحقق العبد بمعرفتهما تسلى عن مصيبته: أحدهما: أن العبد وأهله وماله ملك لله عز وجل حقيقة، وقد جعل عند العبد عارية، فإذا أخذه منه؛ فهو كالمعير يأخذ متاعه من المستعير. والثاني: أن مصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، ولا بد للعبد من أن يُخلف الدنيا وراء ظهره، ويجيء ربه فرداً كما خلقه أول مرة، بلا أهل ولا مال ولا عشيرة، بل بلا ثوب، حافياً عارياً لكن بالحسنات والسيئات، فإذا كانت هذه بداية العبد، وما خوله ونهايته؛ فكيف يفرح بموجود أو يأسى على مفقود؟ ففكرة العبد في مبدئه ومعاده من أعظم علاج المصائب والمحن. وإن من المسلمين -هداهم الله- من إذا أصابته مصيبة في نفسه أو ماله، أو موت حبيب قريب له، ملأ الدنيا صراخاً ونواحاً وبكاءً منكراً ونحيباً، ودعا بالويل والثبور، وقد يقع بعضهم -والعياذ بالله- في الشرك، بدعاء الميت نفسه بالتدارك، مثلاً أن يموت أبوه، فيقول: يا أبتي أدركني! يا أبتي الحقني! يا أبتي افعل بي! وهو يندب ويدعو ميتاً لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا حياةً ولا نشوراً، وما ذلك إلا من ضعف الصبر على المصيبة، وضعف الإيمان أمام الأقدار، وكأن المصائب في الدنيا لم تقع إلا على ذلك الذي حلت به تلك المصيبة، ولم تقع على أحد قبله ولن تحل بآدمي بعده. وهذا يا عباد الله! من الأمور المنكرة التي لا تنبغي، إذ أقرب ما يكون فيها السخط والاعتراض على قدر الله، إن لم يصل الأمر والعياذ بالله إلى حد الشرك في ندبة الأموات ودعائهم، فأين أين أولئك الجزعة الساخطون من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من عظمت مصيبته فليذكر مصيبة المسلمين فيّ) وهل مر على المسلمين منذ فجر الرسالة والنبوة مصيبة أكبر على المسلمين والإسلام من مفارقة النبي صلى الله عليه وسلم عن الدنيا؟! لا والله، فكل مصيبة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم تهون، إذاً فعلام الجزع والخوف والهلع؟! ولو تأمل العبد ونظر إلى ما أصيب به، لوجد أن ربه أبقى عليه مثله وأفضل منه، وادخر له إن صبر ورضي، ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة. وأن الله لو شاء لجعل مصيبته أعظم مما هي، فليتق الله العبد وليصبر، ولو تدبر العبد حال مصيبته في أحوال أهل المصائب يمنةً، فهل يرى إلا محناً؟! ثم يلتفت يسرةً فهل يرى إلا حسرة؟! وأنه لو فتش العالم كله؛ لم ير فيهم إلا مبتلى، إما بفوات محبوب أو بحصول مكروه.

الدنيا فرح وترح

الدنيا فرح وترح والدنيا إن أضحكت قليلاً، فبكاء الناس فيها كثير، وإن سُر الناس بها يوماً استاءوا بها دهراً، وإن تمتعوا قليلاً، امتنعوا طويلاً، وما مُلئت دار خيرة إلا ملئت عبرة، ولا سرت بيوم سروراً إلا أخبأت لأهلها يوم شروراً. قال ابن مسعود رضي الله عنه: [لكل فرحة ترحة، وما مُلئ بيت فرحاً إلا ملئ ترحاً] وقال ابن سيرين: [ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء] وقالت هند بنت النعمان بن المنذر: [لقد رأيتنا ونحن أعز الناس وأشدهم ملكاً، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا ونحن أقل الناس، وأنه حق على الله ألا يملأ داراً خيرة إلا ملأها عبرة] وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها، فقالت: [أصبحنا ذات صباح، وما في العرب أحد إلا يرجونا، ثم أمسينا وما في العرب أحد إلا يرحمنا] فهذه حال الدنيا وما فيها من المصائب المختلفة في الأرواح والأبدان والأموال، بل إن المتأمل فيها يريك أنها دار المصائب، إذ إن هذه النعم لو دامت لمن قبلنا لما انتقلت ولما وصلت إلينا. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

وقفات مع الصبر

وقفات مع الصبر الحمد لله منشئ السحاب، ومنزل الكتاب، وهازم الأحزاب، وخالق خلقه من تراب، سبحانه وتعالى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

عاقبة الجزع عند المصائب

عاقبة الجزع عند المصائب معاشر المؤمنين! إن المصائب لا يردها الجزع، بل يضاعفها، ولو علم العبد أنه بجزعه على المصيبة يفوت على نفسه ثواب الصبر والتسليم، من الصلاة والرحمة الهداية، التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع، لأدرك أن ذلك أعظم من المصيبة في الحقيقة. ثم إن الجزع على المصائب يا عباد الله يُشمت الأعداء، ويسوء الأصدقاء، ويُغضب الرب ويسر الشيطان، ويحبط الأجر ويُضعف النفس، فإذا صبر واحتسب على ما قدر الله عليه؛ أقصى شيطانه ودحره خاسئاً، وأرضى ربه وسر صديقه وساء عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، والصبر الأجل عند أقدار الله، لا كما يفعل الجهال من لطم الخدود وشق الجيوب، أو الدعاء بالويل والثبور والسخط على المقدور. ثم إذا علم العبد أن ما يعقب الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي له، ويكفي العبد الصابر في صبره على مصيبته بيت الحمد، الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه، فلينظر أي المصيبتين أعظم؟ مصيبة العاجلة أم مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد؟ روى الترمذي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا، لما يرون من ثواب أهل البلاء يوم القيامة) وقال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس. ثم إن العبد المؤمن إذا حلت به المصيبة وصبر عليها واحتسب؛ فإنه يُروح قلبه رجاء الخلف من الله. من كل شيء إذا ضيعته عوض وما من الله إن ضيعته عوض لكل مصيبة من المصائب حظ يلحق بصاحبها، بحسب حاله وموقفه منها، فإن رضي فله الرضا، وإن سخط فله السخط، فاختر إما خير الحظوظ أو شرها، فإن أحدثت لك سخطاً وكفراً؛ كُتبت في ديوان الهالكين، وأن أحدثت مصيبتك جزعاً وتفريطاً في ترك واجب أو فعل محرم، كُتبت في ديوان المفرطين، وإن أحدثت لك شكاية وعدم صبر؛ كتبت في ديوان المغبونين، وإن أحدثت لك اعتراضاً على الله وقدحاً في حكمته وقدره؛ فقد قرعت باب الزندقة إن لم تلجه، وإن أحدثت لك صبراً وثباتاً ورضا؛ كُتبت في ديوان الصابرين الراضين، وإن أحدثت لك حمداً وشكراً؛ كتبت في ديوان الشاكرين، وكنت تحت لواء الحمد مع الحمّادين، وإن أحدثت لك محبة واشتياقاً، كتبت في ديوان المحبين المخلصين. فيا عباد الله! لا ألذ ولا أنجع في المصائب من الصبر عليها، والحمد والرضا بقضاء الله وقدره فيها، يقول بعض الحكماء: العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الصبر عند الصدمة الأولى).

حكمة الابتلاء بالمصائب

حكمة الابتلاء بالمصائب المصائب يا عباد الله! إنما قدرها وابتلى العباد بها أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وهو سبحانه لم يُرسل إليهم البلاء ليُهلكهم، ولا ليُعذبهم ولا ليجتاحهم، وإنما ابتلى عباده ليمتحن صبرهم ورضاهم عنه، وإيمانهم به، وليسمع تضرعهم وابتهالهم، وليرى العبد منهم طريحاً ببابه، لائذاً بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعاً قصص الشكوى إليه، ولو لم يُصب العبد بهذه المحن والمصائب، لأصابه من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً وآجلاً. فمن رحمة الله أرحم الراحمين، أن يتفقد عباده بأنواع ومن المصائب بين حين وآخر، تكون حماية لهم من هذه الأدواء، وحفظاً لصحة عبوديتهم. قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم ويا عباد الله! إنما يبتلى الناس على قدر دينهم، فأشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون فالأمثل ثم الأمثل، كل يبتلى على قدر دينه، وإن الذين يقعون في جزعٍ وهلعٍ وخوفٍ، فإنما هم يفوتون على أنفسهم أعظم الأجر بفعلهم هذا، وإلا فإن من المصائب ما يكون بعدها خير ونصر وظفر. ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج يقول الله جل وعلا: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] ويقول جل وعلا: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:216] فهل بعد هذا نجزع أو نعترض أو نولول أو ندعو بالمصيبة والهلكة أمام شيء من المصائب؟ لا والله ما يفعله إلا غافل أو جاهل. وكما سمعنا آنفاً: من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم، أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم عند البلاء من الصابرين، وعند النعماء من الشاكرين، وأن يجعلنا يوم القيامة من الآمنين، وأن يُدخلنا الجنة أول الداخلين، وأن يثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل أقدام العابرين، وأن يؤتينا صحفنا باليمين، وإن يجعلنا مع الصديقين والنبيين والشهداء والصالحين. اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم اختم بها آجالنا واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له وللمسلمين خيراً، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له وللمسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تُفّرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، ولا تهتك لنا ستراً، ولا تفضح لنا عورة، اللهم اغفر لموتانا ولنا أجمعين، الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء، صاحب نبيك على التحقيق أمير المؤمنين أبي بكر الصديق، وارض اللهم عن الإمام الأواب شهيد المحراب، الذي وافق حكمه حكم الكتاب عمر بن الخطاب، وعن مجهز جيش العسرة بأنفس الأثمان عثمان بن عفان، وعن فتى الفتيان ليث بني غالب علي بن أبي طالب، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]. فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الصداقة والشباب

الصداقة والشباب شباب الأمة الإسلامية اليوم -إلا من رحم الله- إما في الأسواق بين التفحيط والمعاكسة، أو في المنزل أمام الدش ما بين أغنية ماجنة أو صورة فاضحة، وإما في الشوارع والحارات مع قرناء السوء بين دخان ومخدرات، أو فواحش ومنكرات، ما سبب ذلك؟ إن السبب بعد عدم مراقبة الله، هو: قرين السوء الذي يزين القبيح ويقبح الحسن، قرين السوء خطره عظيم، وشبابنا اليوم في أعمار الزهور يدمرون مستقبلهم الدنيوي والأخروي بسبب مصاحبة شلل الفساد الذين لا همَّ لهم إلا شهوة البطن والفرج. فاختيار الجليس الصالح الذي يدل على الخير أمر تُعنى به الشريعة الإسلامية.

الصراع دائم بين الحق والباطل

الصراع دائم بين الحق والباطل الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. من دواعي الغبطة والسرور أن يأذن الله عز وجل ويكرمنا بلقاء أحبابنا وإخواننا وزملائنا وأبنائنا جميعاً في لقاء المحبة والأخوة والنصيحة، وفي لقاء التواصي بالصبر على كل عملٍ نافعٍ رشيدٍ وقولٍ سديد. أيها الأحبة في الله: قبل أن أتبوأ مكاني هذا؛ أكرمني فضيلة الشيخ سعد جزاه الله خيراً بزيارةٍ وكان معنا أحد الأخوة الأفاضل من رجال الأمن الشامل، واطلعنا على ما تميزت به ثانويتكم المباركة؛ من سبقٍ نافعٍ في إيجاد هذا المعرض الذي يحذر الشباب من مغبة معصية الله عز وجل؛ إن الكلمة الجامعة لكل ما رأيناه في زوايا وفي ثنايا هذا المعرض النافع المفيد، ينطق صارخاً ليقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] فالحياة الضنك والمعيشة النكد، والحشر السيئ في الآخرة لا شك أنه ثمرةٌ لمعصية الله عز وجل والإعراض عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيا أحبابي: يدور بنفسي الآن كلمة؛ بين القنوات الفضائية والأغاني الماجنة والمجلات الخليعة والأفلام المفسدة وجلساء السوء ودعاة الضلال ومروجي المخدرات الذين يصدون عن صراط الله المستقيم، من جهة، ومن جهةٍ أخرى الكلمة التي ربما تأتي تارةً ضعيفة، وتارةً قوية، وتارةً توأد في مهدها وفي بدايتها، وتارةً تشق طريقها ثم تقف عند عمدٍ معين، ولكن تبقى الكلمة هي السلاح الذي نفهم به كل ما ينفعنا ونحذر به كل ما يضرنا، ذلكم أننا في عصر الصراع؛ صراعٌ بين الصوت والصورة والكلمة المفسدة الماجنة من جهة، وصراعٌ من طرفٍ آخر تقوم به وتجاهد به الكلمة الناصحة الصادقة، الكلمة الطيبة كشجرةٍ طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها. إن الباطل صورٌ شتى، وألوانٌ عديدة، وأشكالٌ لا تنتهي، وهيئاتٌ تتجدد، وأما الكلمة الصالحة، الكلمة الطيبة، تبقى هي الكلمة ولا يزيدها مضي الزمان إلا تعمقاً في جذور الأرض، وإشراقاً وثمراً وينعاً ونفعاً لعباد الله عز وجل أجمعين. أيها الشباب: كأني بقائلٍ يقول: ماذا يفعل أستاذ المواد الدينية؟! ماذا يقول هذا الشيخ الذي يخطب يوم الجمعة؟! ماذا يقول هذا الأستاذ الذي يزورنا اليوم ليلقي محاضرة؟! ماذا يقول هذا الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟! ماذا يقول رجل مكافحة المخدرات؟! ماذا يقول رجل الأمن؟! لا يملكون إلا كلمة، وأمام الباطل بصوره وفساده وأفلامه وقنواته ومجلاته بالغناء الخليع بالمغنية التي تبرز مفاتنها وتغري بحركاتها وتقتل بلحظاتها، ماذا يفعل هؤلاء أمام هؤلاء؟!. أقول: أيها الشباب! إن هذه الكلمة إذا كانت في مستقبل صدرٍ رحبٍ حيٍ نشطٍ، فإنها تتفاعل بإذن الله عز وجل معه، وإذا صدرت -بإذن الله- من مخلصٍ ناصحٍ صادقٍ محبٍ مشفق، يكون لها أثر بإذن الله عز وجل، ولا يضيركم ولا يخيفكم ولا يزعجكم هذا الصراع القوي بين الباطل بأشكاله وصوره وألوانه وهيئاته وقنواته مع كلمة الحق الداعية الناصحة المعلمة المرشدة، لأن الله عز وجل قال: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33] {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81].

الضياع والهلاك يبدأ من معصية صغيرة

الضياع والهلاك يبدأ من معصية صغيرة ربما نجد شاباً من الشباب، يقع في فترةٍ من الفترات، وفي وقتٍ من الأوقات ضحية جلساء السوء، أو بداية المخدرات، أو فعل أمور لا تليق، أو ارتكاب شيءٍ من الفاحشة، أو الوقوع في أمرٍ من الخنا، ولكن بهذه الكلمة، بإذن الله عز وجل التي تنفذ إلى سويداء قلبه، وببقية الإيمان الباقية التي تنتعش وتتحرك، لتقول له: أفق وانطلق وقم وانفض غبار النوم، فقد مضى ما مضى من اللهو والغفلة، وقد آن لك أن تستقبل حياةً جادةً مشرقة. أيها الشباب: إنه لا يوجد شابٌ على وجه الأرض نام في ليلةٍ من الليالي صالحاً ثم أصبح فاسقاً فاجراً، لا يوجد شاب بات ذات ليلة بريئاً أمينا ثم أصبح غادرا ًخائناً، لا يوجد شاب بات في ليلة من الليالي على طهرٍ وعفافٍ وصلاحٍ واستقامة ثم فجأةً أصبح خبيثاً سيئاً مجرماً ضالاً مضلا، لا يوجد أحدٌ ينحرف فجأة، ولكن الانحراف والمصائب والجرائم التي رأينا صورها ورأينا في هذا المعرض ما يدل عليها، إنما جاءت درجات، وجاءت خطوات، كما قال تعالى: {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:168]. الحلال فيه غنيةٌ عن الحرام، والحلال من كل شيء، الحلال من القول يغني عن الحرام من القول، والحلال من الطعام، يغني عن الحرام من الطعام، والحلال من المرئي والمسموع والمقروء يغني عن الحرام من المرئي والمسموع والمقروء وغيره. إذاً أيها الشباب: نريد أن ننتبه أن الواحد على خطر، ومبدأ الخطر إشارةٌ يسيرة قد لا يتلفت لها بعض الشباب، ثم هي التي تقوده إلى ذلك، لو أننا مثلاً ذهبنا إلى سجون المخدرات، وزرنا شاباً في زنزانة، وقلنا له: ما الذي جعلك الآن خلف القضبان وغيرك من الشباب يستمتعون بالحرية؟ ما الذي جعلك لا تتحرك إلا في هذه المساحة الضيقة وغيرك ينطلقون كالطيور يغدون ويروحون؟ ما الذي جعلك في هذه الحال من المذلة والهوان وغيرك يعيش العز والكرامة؟ ما الذي جعلك في هذه الحال من سوء السمعة، وكلٌ يتجنبك ولا يرضى أن يصاحبك، بل لو خطبت ما زوجوك، ولو أردت أن تتعامل ما عاملوك؟ لماذا؟! الجواب شيءٌ واحد: أنه استهان ببدايةٍ خطيرة وهي المعصية، ثم لا زال مصراً عليها، ولا زال متكئاً عليها، ولا زال يصبح ويبيت ويظن أنها ذكاء، وأنها فطنة أن يكون أمام الناس كالحمل الوديع البريء الذي لا يرتكب شيئاً، ثم إذا خلا بنفسه، ارتكب ألوان الذنوب، وفنون المعاصي وأشكال المخالفات الشرعية، إذا خلا بنفسه أو مع أقرانه، أو مع أترابه، أو بعض من زملائه من جلساء السوء، لا تظن أن شيئاً يظل خفياً أبداً. ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ أيها الشباب: ينبغي أن تعلموا أنه إن لم تستعينوا بالله عز وجل وتحافظوا على أنفسكم، فإنه لا يوجد في الصيدليات ولا في باندا ولا في العثيم ولا في سوق الخضرة، لا يوجد طعام أو شراب أو دواء إذا أكلته أصبحت محصناً من الشر، وبمأمنٍ من الجريمة، وفي أمانٍ من الفساد والانحراف أبداً!! لا يمكن أن تحافظ على نفسك بعد فضل الله ورحمته وعونه، لا يمكن أن تحافظ على نفسك إلا بمجاهدة هذه النفس: والنفسُ كالطفلِ إن تهمله شب على حب الرضاعِ وإن تفطمه ينفطمِ النفس لابد أن تجاهدها مجاهدة، الشاب الذي وقع في التدخين كيف يقلع عن التدخين؟ هل يوجد شراب يشربه ثم يصبح يكره التدخين؟!! مساكين هؤلاء الذين يظنون أنه بوسعه بمجرد أن يأكل حبوباً أو كبسولات، أو شراباً أو يأخذ إبرة من الطبيب أنه بهذا سوف يقلع عن التدخين مرةً واحدة، أبداً هذا مستحيل، ولا يمكن أن يقلع، إلا إذا تاب إلى الله عز وجل وعلم أن فعله حرام، ورافق ذلك نية صالحة صادقة، ومجاهدة وعزيمة لمجاهدة النفس للإقلاع: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. لا تتصور أن شاباً وقع في الفاحشة الخلقية التي نستحي أن نتكلم عن اسمها أو تفاصيلها، لا تتصور أن شاباً وقع في ذلك بأنه يمكن أن يقلع عن ذلك، لأنه أراد أن يشرب شراباً أو يطعم طعاماً ثم ينتهي من ذلك، أبداً، هذا مستحيل، لا يقلع أحد عن ذنبٍ أو معصية إلا إذا جاهد نفسه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

إهمال تحديد المستقبل عند الشاب

إهمال تحديد المستقبل عند الشاب أيها الشباب: ينبغي أن تعلموا جيداً أن هذه الحياة وهذه المرحلة بالذات التي تعيشونها الآن في وقتكم الحالي هي التي ترسم مستقبلكم، فالشاب الذي تراه عاكفاً على دروسه، مجتهداً في دراسته، منتفعاً بالعلم، حريصاً على أن يطبق ما تعلم، مجتهداً في طاعة ربه قبل ذلك، متجنباً جلساء السوء، همته عالية، هذا الشاب بإذن الله عز وجل سوف يرقى إلى أسمى الدرجات، والمستقبل خيرُ شاهدٍ على ذلك يبشره بخيرٍ عظيمٍ بإذن الله عز وجل. وأما الشاب الذي همته لا تتجاوز حذاءه، بعض الشباب همته وأمنياته وطموحاته لا تتجاوز الحذاء، لو تسأل بعض الشباب: ماهي أمنيتك؟ لقال: أتمنى سيارة (ديتسن) أفحط بها، هذه هي الأمنية! ما هي أمنيتك؟ قال: أتمنى أني آخذ شارع التخصصي ذهاباً وإياباً من أجل أن أشخص مثل الناس المشخصين هناك ما هي أمنيتك؟ قال: والله أمنيتي أن يكون عندي مرواس أو عود أو دمبك أو طبل ما هي أمنيتك فتجد أماني حقيرة ساقطة ذليلة، أماني تحت النعال وتحت التراب، وأمثال هؤلاء أيها الشباب! لا يمكن أن يكون لهم شأن في الحياة وفي المستقبل أبداً، بل من الآن تبشرهم بمستقبلٍ منذرٍ بالشؤم والفقر والكد والنكد وخذوا مثالاً على ذلك:

العلم يحدد مستقبلك

العلم يحدد مستقبلك منذُ أيام في إحدى المستشفيات رئيس أحد الأقسام في المستشفى رجل من الهند؛ هندي وراتبه يتجاوز أربعين ألف ريال، ومن نفس مدينته وبلده أو قريته عامل لا يتجاوز راتبه ثلاثمائة ريال أو أربعمائة ريال، هذا من الهند وهذا من الهند، وهذا يتكلم نفس اللغة وهذا يتكلم نفس اللغة، وهذا راتبه أربعون ألفاً، وهذا راتبه ثلاثمائة ريال!! يأكل بمائة وعشرين ويرسل إلى أهله مائة وثمانين ريالاً، ما الفرق بين هذا وهذا؟!!. الفرق هو العلم! هذا أقبل على العلم منذُ صغره، ووجد أبوين يعينانه على العلم منذُ صغره، وتحملوا شظف العيش في سبيل تعليم ولدهم في طفولته ونشأته حتى نشأ وشبّ وترعرع متعلماً، فأصبح عالماً فأصبح أستاذاً ورئيساً، وهذا نشأ لم يلتفت إلى العلم، ولم يتلفت أبواه إلى تعليمه، فلم يكن عنده من قدرةٍ ولا خبرةٍ ولا صنعةٍ ولا مهنةٍ ولا وظيفةٍ ولا إمكانيةٍ ولا موهبةٍ أبداً. فأصبح هذا في الحضيض وذاك في مستوى الوظائف في أعلى الدرجات، نعم. إن أكرم الناس عند الله أتقاهم، لكن الآن لو خيرتك أن تسكن خيمة أو بيت بلك، تقول: لا. بيت بلك أفضل، ولو خيرت أن تسكن بيت بلك أو فلة من دورين جميلة مشطبة ممتازة مؤثثة مفروشة، قلت: والله أطمع أن أسكن فلة، ولو خيرت بين فلة وبين قصر جميل وواسع وحدائق وأنهار، قلت: أريد قصراً. فبطبيعة الإنسان في مصلحة نفسه وملذاته وشهواته وأمنياته يعرف ما هو الوضيع وما هو المنحط، ويعرف ما هو العالي وما هو الرفيع، فكذلك في حياتك وتعليمك، وسلوكك، ومستقبلك، في دراستك أنت تستطيع أن تكون وضيعاً وتستطيع أن تكون رفيعاً، تستطيع أن تكون حقيراً ذليلاً وتستطيع أن تكون إماماً خطيراً، تستطيع أن تكون شخصاً مهماً، وتستطيع أن تكون شخصاً تافهاً. الأمر بيديك والإرادة بين يديك، والقدرة -بإذن الله- بين يديك، لكن تحتاج منك: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5 - 7]. من جاهد وصبر أعطى من نفسه، أعطى من وقته من ماله من فكره من جهده من صبره، وعمل، فإنه -بإذن الله- ينال الحسنى؛ حسن الدنيا وحسن الآخرة، أما من بخل واستغنى وقال: لا حاجة للعلم، لا حاجة إلى العمل يصبح فقيراً يمد يده إلى الناس، إن أعطوه أو منعوه ولا حول ولاقوة إلا بالله!

اختيار الجليس

اختيار الجليس أيها الشباب: من الأمور الخطيرة ألا يفكر الشاب في مستقبله، وألا ينظر إلى مستقبل حياته، لو أن أحداً سافر إلى بلدٍ من البلدان، لا شك أنه يعلم كم سيمكث في هذا البلد، وأين سيسكن في هذا البلد، وما هي ترتيباته وأموره وأعماله في هذا البلد ومتى سوف يعود من هذا البلد!! لكن كثيراً من الشباب وهم الآن في سفر الدنيا: فاقضوا مآربكم عجال إنما أعماركم سفرٌ من الأسفارِ نحن في سفر الدنيا، فكثيرٌ من الشباب لا يبالي ماذا يعمل في هذه الرحلة! ماذا يتعلم! ماذا يقدم! ماذا ينتج! ما الذي يقربه من الله! ما الذي يباعده من ربه! ما الذي يسبب له سخط الله عليه! كل ذلك لا يبالي به، ولا يهتم بأي حالٍ من الأحوال، لماذا هذا الأمر؟ تجد الشاب لو قلت له: اشتر شماغاً، قال: لا. أنا أذهب إلى شارع ثميري؛ لأني أعرف أن هناك شماغات جديدة من نوع بسام، أو من نوع ملكي عجلان ألجنت خطين كلاسيكي جميل، لا يمكن أن أختار غير هذا النوع، يا أخي! هذا الشماغ قال: لا هذه شماغ بخمسة عشر ريالاً أو بعشرين، فتجده ينتقي الشماغ الجيد، الطاقية كذلك لابد أن ينتقيها، لا يمكن أن يلبس (جوطي أو علبة أو غبارة) لا. يريد أن يلبس طاقية ممتازة من نسجٍ جميل، ومريحة على رأسه، وكذلك الثوب، فيذهب ويدخل محل فلان وعلان، ومحل فلان، ويختار القماش المناسب، لا يقول للخياط: يا أخي! انظر ثوباً على مزاجك وأعطني إياه، لا. بل أرني هذا القماش، أرني هذا القماش، حتى الحذاء تجده ينظر إلى الحذاء هل يناسب قدمه، أهو واسع أم ضيق، كبير أم صغير، مريح وثمين؟ يعرف حتى حذاءه كيف ينتقيه. لكنه لا ينتقي جليسه، لا ينتقي صديقه، لا ينتقي الشخص الذي يؤثر عليه ويتأثر به ومنه، أبداً هذا -للأسف- غير موجود عند كثير من الشباب، ينتقي الحذاء، ويختار الشماغ، ويختار الثوب، لكنه لا يختار الصديق؛ أي صديق من الشارع، يكفيه صديق عنده سيارة ديتسن غمارتين، يضرب له بوق السيارة عند الباب بعد صلاة المغرب مع أصحابه فيدعوه إلى أين؟ اركب يا رجل! تفحيط وضجة ولفات ويمين وشمال، يا أخي! يقول المؤذن: الله أكبر، ادخل نصلي، يا شيخ! يوقفك على الصلاة!! يأخذه ويجعله معه في السيارة، والله يا شباب! أنا أعجب حينما أقف عند إشارة مرورية، ثم ألقى هذا الولد قاعداً يلعب، يا رب! ما الذي فيه، عسى أنه يكون من فرقة القرود خرجت من الحديقة، سوف أبلغ الدوريات الآن، ثم أجد أنهم قرود بشرية وللأسف! شباب أشكال غريبة، تقليد للغرب، موسيقى مزعجة إلى أعلى الدرجات، وحالة سيئة، ووجوهٌ كالحة، لم يصلوا، لم يركعوا، لم يسجدوا، لم يسمعوا نصيحة، لم يحضروا محاضرة، لم ينصتوا لخطبة الجمعة، بل قد لا يحضرون لصلاة الجمعة، لا يسمعون درساً، ولا ينتفعون بمقولة، أبداً. حياتهم أغنية آخر شريط آخر مطرب آخر حفلة آخر مجلة، وهناك أشياء تُدس سراً بالسر، الكيس الفلانية ترى فيها من لوازمك الفلاني لا أحد يراها، والكيس الفلاني فيه حاجتك الفلانية لا يراها أحد، ما عليك المهم الذي تريده موجود عندي، إذا رجعنا الليلة البيت أصرف الشلة وأعطيك الذي تريد.

جليسك الصالح من يدلك على الخير

جليسك الصالح من يدلك على الخير للأسف أصبح الشباب يذبح بعضهم بعضاً، وينحر بعضهم بعضاً، وأشدهم ذبحاً لصاحبه أشدهم صداقة له، انظروا المقاييس المختلفة الذي ينصحه ويدعوه ويحذره من الشر، ويتمنى له الخير ويرجو له مستقبلاً مشرقاً، هذا نذل متشدد وقح مزعج متزمت لا يطاق ولا يقبل، لأنه لا يكلمه إلا بما ينفعه، لكن الآخر هو صديقه، لماذا؟ لأنه هو الذي يملأ عقله بالأغاني والملاهي!! وهو صديقه لأنه الذي يملأ عقله بالأفلام والمسلسلات!! وهو صديقه لأنه الذي يزين له السهر بعيداً عن البيت أمام القنوات والأفلام الماجنة!! صديقه لأنه هو الذي يبعده بعيداً، يهربه بعيداً عن أمه وأبيه!! هو صديقه لماذا؟ لأنه هو الذي يشجعه على قطيعة رحمه، وعقوق والديه، لأنه صديقه الذي معه فأسٌ ومعول يضرب على وجهه وعقله وصدره ليدمر حياته ومستقبله. كم عدد الشباب الآن الذين يتسكعون في الصباح وهم من أبناء وطلاب المدارس؟ ما الذي أخرجهم من المدرسة؟ ما الذي جعل الواحد يصبر على الدوران وألم الرأس والوجع واللف يمين يسار في الحارات وفي المقاهي ويمين شمال إلا جلساؤهم الذين زينوا لهم، وأغروهم ودعوهم إلى ذلك بحجة: تعال هنا اللذة وهنا الراحة وهنا الطمأنينة، نعم، جليسه هذا ربما استطاع أن يبعده عن المدرسة أسبوعاً وأسبوعين وشهراً وشهرين، لكنه جعله ذليلاً فقيراً حقيراً سنين طويلة لأنه أبعده عن العلم ومكانه.

الصبر عند طلب العلم

الصبر عند طلب العلم يا شباب: العلم يحتاج إلى صبر؛ فالطيارون الذين يقودون الطائرات، والأطباء الذين يعالجون الناس، ويجرون العمليات الجراحية لإنقاذ حياتهم، وطلبة العلم والعلماء الذين يدرسون في الجامعات، ويتبوءون التوجيه والإرشاد، هل حصلوا ذلك بالتجوال والدوران واللفلفة يميناً وشمالاً؟ لا. إنما أخذوه بطول نفس. أخي لن تنال العلم إلا بستةٍ سأنبيك عن تفصيلها ببيانِ ذكاءٌ وحرصٌ واجتهادٌ وبلغةٌ وصحبة أستاذٍ وطول زمان ستة أمور حتى يصل الإنسان إلى ما يصل إليه، الآن إذا رأيت ضابطاً معلقاً نجمة، تراه أخذ سنوات ثلاث عجاف شديدة قاسية، من الأمر والنهي والعسكرية والانضباط والجد حتى علَّق نجمةً واحدة!! ثم دورات حتى يعلق الثانية، ثم هكذا وهلمَّ جرا حتى يصل إلى مكانةٍ ما، فهؤلاء الذين يريدون الحياة شربة ماء، بدون أي بذل، بدون أي جهد ومشقة مساكين. تسألني أم الوليد جملاً يمشي رويداً ويجي أولا تريد أن تزحف على بطنك وتكون الأول في السباق، لا. إذا أردت أن تكون الأول في السباق لابد أن تعد نفسك باللياقة والتدريب وأن تأخذ نفسك بالجهد ويتصبب عرقك حتى تكون أنت الأول في هذا المضمار وفي هذا الميدان. بعض الشباب عنده حكمة يقول: من نام على الدرب وصل، ليس من سار، لا. بل من نام على الدرب وصل، إن جاء أحد من هنا أو من هنا يقوده من هنا أو يجره من هنا، فبعض الشباب لولا لطف الله عز وجل، بل كلهم بلطف الله عز وجل وجدوا الهداية والاستقامة، لكن بعضهم قد يكون من الأسباب المعينة، أن نفعه الله عز وجل بمركز النشاط في الثانوية، أو أستاذ من الأساتذة الصالحين؛ مدرس رياضيات أو علوم شرعية أو لغة إنجليزية، صار يعظه وينصحه كل ما دخل الدرس أعطى درساً في الآداب في الأخلاق والسلوك، والتواضع، والحذر من معصية الله، والحذر من الجريمة، والخطيئة ومغبة المعاصي ومن شؤم المخالفات الشرعية، وعلى مدى اللقاء كل يوم استطاع أن يؤثر فيه، لكن بعض الشباب أيضاً قلبه أغلف أو لم يهيأ له ذلك المدرس الذي ينصحه، أو لم يكن له ذلك الأخ الشقيق في بيته، أو لم يكن له ذلك الأب الحنون المنتبه الواعي الفطن لمغريات الحياة، الآن وقوف الشاب مع والديه نادراً وقليلاً، أصبح أغلب وقتٍ يمكثه الشباب في المدرسة، ثم أمام القنوات التلفازية فضائيةً وغير فضائية. ولا يمكن والله لو تأخذ- أجلكم الله- حماراً وتقابله كل يوم وتأخذه على نمط معين وعلى وتيرة معينة وعلى تصرفات معينة بمقدار ما يدرسه الشباب في المدارس وأمام الشاشات، لكان أكثر وتغير ولأصبح له طبعٌ غريبٌ وعجيب، بل البهائم الفيلة والحمير والأسود والبغال تساق لمدة زمنية معينة فتعرف المسألة تماماً، تعرف القضية تماماً، مثل ما وقفت على السواني بئر معلقه بها الدلاء وأطراف الحبال مربوطة- أجلكم الله- في الحمير والبغال، تعودها الحمار ففهمها، يمشي في المنحاة الذي هو الطريق الممر المخصص له حتى تنزل القربة في الماء، فإذا أحس بأن القربة امتلأت بشعور الثقل الذي يعلق به، تحرك من جديد إلى آخر المنحاة ثم القرب تصب الماء في الحوض، ويتصرف الحوض إلى المزرعة أو إلى غيره، ثم يرجع من جديد، إذاً لا أحد يقول: أنا لا أتأثر!!

شؤم المعصية وذلها

شؤم المعصية وذلها بعض الشباب يقول: صحيح، الكلام هذا أنا أعرفه تماماً، المخدرات التي رأيناها نحن نحذرها ونخشى منها، نقول: نعم تحذرها وتخشى منها ولابد أن تفعل الأسباب التي تجعلك بعيداً عنها، ليس فقط والله عرفناها بل عرفناها، فكثيرون من الذين وقعوا في المخدرات يعرفون أنها مخدرات، ويعرفون أنها حرام، ويعرفون أنها ضياع وهلاك ودمار، ولكن لما زين لهم جلساء السوء هذه الأمور، وفعل بهم كما فعل الشيطان {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:22]. يا أخي! جرب هذه السيجارة، لا تصير مطوعاً، لا تصير متشدداً، لا تصير متزمتاً، مرة واحدة ويتوب الله علينا وعليك، مرة واحدة يغفر الله لنا ولك، أنت ما الذي يمنعك؟ هناك أناس يقولون ليس بحرام، هناك أحد يقول: مكروه، ولا يزال به رويداً رويداً، حتى يقول: طيب ما المانع لو جربت في سيجارة؟ ما الإشكال؟ ثم تتحول بعد الإقناع إلى شيء من حب الظهور والشخصية والرجولة. مجموعة شباب يجلسون كل واحد يضع الباكت، يضع الولاعة، ويظهر أحدهم كأنه كريم، فك الباكت ولع سيجارة، تشرب؟ تشرب؟ وذاك المسكين يستحي من بينهم ويأخذ سيجارة معهم، ثم يجاريهم ولا يزال بهذه الطريقة، حتى يتحول إلى الإدمان والعادة ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذا كان بعض الشباب قد دخل الكلية ولا زال من شدة أسر السيجارة له، يخرج من المحاضرة، ويدخل دورة المياة ويولع سيجارة سيجارتين ويرجع إلى القاعة!! ماذا تقولون في شابٍ يفعل هذا؟ السبب أن هذه السيجارة أذلته وأخرجته من مجلس العلم، ومجلس الذكر، ومجلسٍ يقال فيه: قال الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأخرجته لكي يجلس في دورة المياة خمس دقائق لكي يقف مع الحشرات والصراصير ليدخن. إنه أسر عظيم جداً ولو أن أحداً من الأساتذة أو المدير أو الوكيل أو العميد أو المساعد جاء إلى الفصل قال: فلان! ادخل في الحمام واجلس فيه خمس دقائق، لماذا؟! ما هذه الإهانة؟! تخرجني من بين الطلاب وتهينني وتجعلني من مقام الدرس أذهب إلى دورة المياة من بين هؤلاء، أمام النجاسات وعند القاذورات والفضلات؟!! أي ذلةٍ تذلني بها؟!! أنا لا أرضى!! سأكتب إلى وزير المعارف سأكتب للتعليم!! سأنشر في الصحافة!! سأقول ما أقول!! لا. لا توجد حاجة إلى أن الوكيل أو العميد يخرج هذا الطالب، السيجارة هي التي تخرجه وتذله وتجره رغماً عن أنفه وتدخله دورة المياة أمام الفضلات، أمام القاذورات، وتجعله يمزها أو يرتشفها الخمس والعشر دقائق، ثم يخرج وقد تلوثت رائحته برائحة الفضلات والتدخين، ثم يعود أسيراً ذليلاً لهذه السيجارة. أي ذلةٍ أوقعك هذا الحرام فيها؟!! ثم ماذا بعد ذلك؟ لو أن أخياراً جلسوا، وقال أحدهم: تعال اجلس معنا يا فلان، ربما في قلبه: والله لماذا لا أجلس معهم، يمكن أسمع شيئاً ينفعني؟ هل أنا لست كفؤاً بهذه المجالس؟ فتهم نفسه، يوشك أن يحضر ويجلس معهم، فيأتيه الشيطان؛ الشيطان نفسه، يقول: اقلب وجهك، أنت لست لهذه المجالس، اذهب وانظر لك أناساً يدخنون ويشيشون على الرصيف فاجلس معهم، أولئك هم أشكالك، أما الناس الطيبون أهل عطر، أهل طهر، أهل صفاء، ونقاء، لست حرياً ولا حقيقاً ولا جديراً أن تجلس معهم.

المعصية تحرمك مجالسة الصالحين

المعصية تحرمك مجالسة الصالحين أيضاً هذا من أذية وإذلال السيجارة لصاحبها، في مجلسٍ آخر: تعال والله الشيخ الفلاني موجود، والشيخ الفلاني موجود، يقول: لا والله أخاف أن يشموا رائحتي، لا أقدر؛ فيحرم من مجالس أهل الخير، يحرم من مقابلة العلماء وأهل العلم، يحرم من الانتفاع، ويذل ويبقى في حالة من النفاق، تارةً يظهر أمام الناس بشيء، وتارةً يخفي شيئاً، تارةً يبرز شيئاً، وتارةً يكتم شيئاً، ويعيش متذبذباً؛ والذي يعيش في حياته منافقاً تجده متقلباً وتجده ضعيفاً، ولا يستطيع أن يكون له قوة شخصية، ولا قوة إرادة، ولا قوة ثبات في طريقه وفي حياته. لأجل هذا أيها الشباب! ليست الرجولة في سيجارة. إن أحد الشباب من مدة، وهو من طلاب الكلية للأسف، وجدت معه سيجارةً ومعه مذكراته وكتبه، فناديته في حرم الكلية إلى هذه الدرجة! يعني: بلغ به الذلة والهوان للسيجارة أنه لم يستطع أن يصبر، بمجرد الخروج من القاعة ولع سيجارته يدخن، قلت له: تعال؛ اسمك؟ فلان الفلاني، قلت له: يا أخي! أنا أرى عليك سمات الشاب الرجل الممتلئ رجولةً ما أرى فيك نقصاً تكمله بسيجارة! هل ترى نفسك ناقصاً حتى تكمل نفسك بسيجارة؟ قال: لا. توجد مشكلة داخلية في النفس، اسمها عقدة النقص، عقدة النقص، فبعضهم يكملها بالسيجارة، وبعضهم يكملها بالتفحيط، وبعضهم يكملها بالظهور أمام الناس والمباهاة بسيارته وما عنده، وبعضهم يكملها بتصرفاتٍ عجيبةٍ وغريبة، وما ذاك إلا لهذه العقد الموجودة الكامنة في هذه النفس، إن الرجل رجل، ولا يحتاج إلى مثل هذه وأسخط من ذلك بعض الشباب تلقاه لم يدخن حتى سيجارتين أو ثلاث سجائر! ومخرج رجله وليست يده من زجاج السيارة! يعني: انظروا أنا أصبحت رجلاً أدخن، ولو تلتفت تقول له: يا أخي الشاب! يا أخي الحبيب! إن شاء الله أنت شكلك فيك خير، ولا يليق بك التدخين؛ قال: لا أقدر أن أقلع عنه، هل له خمسون سنة خبرة تدخين؟! له يومان لقي سيجارة تحت جدار، وبدأ بحبتين أو ثلاث أو أربع أو لم يدخن باكتاً ثم باكتين، ثم يدعي أنه رجل؛ والله لا أقدر أن أقلع عنه، هذه رجولة أنك ذليل أسير! هذه رجولة أنك لا تستطيع أن تجعل في جوفك إلا الخبيث! كذلك الملاهي وأشكالها وأصنافها وألوانها تأتي لبعض الشباب. يا شاب! عقلك كالزجاجة الصافية البيضاء البلورية الألماسية، لماذا تملأ عقلك بالأوساخ والزبالات والخرافات والأمور التي لا تليق؟! فيكم -بإذن الله- من الفطنة والفهم والإدراك ما يغني عن مزيدٍ من التفصيل، لكنها نصيحة، لأننا رأينا شباباً لما زرنا سجون الأحداث، وزرنا بعض زنازين السجون، وبعض عنابر السجون، وجدنا شباباً في أعماركم، في مقتبل العمر، قد تفتحت ورود وزهور شبابهم، ولكنها تفتحت على جليسٍ سيء، فقادهم إلى السجن، أنت تستطيع أن تحدد المستقبل من هذه اللحظة، ومن هذه البداية بقرارٍ صامد، بقرارٍ جزل قوي، وعهد صادق، ألا تنكث مع الله توبة، وإن زلت بك القدم، فعد وتب إلى الله عز وجل، وإذا أذنبت فلا تقل: خربت، دعني أخرب الباقي! افرض أن بعض الشباب وقع في ذنب -دخن مثلاً- يقول: ما دام دخنت ألحق بعدها الفاحشة، وألحق بعدها المخدرات، لا. إذا وقعت في ذنب، فتب إلى الله عز وجل وجاهد نفسك بالإقلاع عن الذنب، حتى لو وقعت فيه مرةً ثانية، جاهد نفسك بالإقلاع ولا تجعل هذا مبرراً للمزيد من الذنوب والمعاصي، وأقم الصلاة كما قال الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على محمد.

الأسئلة

الأسئلة

شباب يهزءون بالصلاة

شباب يهزءون بالصلاة Q بأن هناك مجموعة من الشباب، إذا أرادوا الصلاة فإنهم يصلون ويركعون ويسجدون وهم على غير وضوء! وعلى غير طهارة! بل هناك منهم من يتكلم في الركوع والسجود، بل من يغني وهو ساجد عياذاً بالله، فقد وردت هناك أسئلة حول هذا، ويذكر بعض الطلبة أنهم قد يسمعون مثل هذا، فنرجو بياناً وتوضيحاً من فضيلة الشيخ؟ A هذه التصرفات هي من الاستهزاء بهذه الفريضة العظيمة التي هي ركنٌ من أركان الدين، وكلنا يعلم أن من استهزأ بشيءٍ من كلام الله أو كلام رسوله أو شرعه، فإنه يمرق من الإسلام ويخرج من الملة ويكون كافراً والعياذ بالله، ومن فعل ذلك فعليه التوبة، ولا أظن أن شاباً من إخواننا الحضور ولله الحمد والمنة وأعيذهم بالله أن يكون فيهم من يفعل ذلك، لكن لنعلم أن حكم هذا هو الكفر والعياذ بالله؛ لأنه من السخرية ومن الاستهزاء، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} [التوبة:65 - 66]. وهذا الفعل أقبح من الزنا، وأقبح من الخمر، وأقبح من المخدرات، وأقبح من عقوق الوالدين، وأقبح من كل القبائح، أن يتعمد شابٌ ويدخل الصلاة استهزاءً ويركع ويسجد على غير طهارة، ويغني أو يتضاحك مع من حوله بصلاته، هذا أمرٌ لا يجوز أبداً. أما من فعل ذلك جاهلاً، فنقول: عليه التوبة، ويستغفر الله من هذا الفعل الشنيع العظيم، وينبغي للشباب إذا علموا أو عرفوا أن أحداً من إخوانهم يقع في هذا الأمر، ألا يسكتوا عليه، ليس من باب ما يسمونه اللقافة، لا. لكنه من باب النصيحة، أنت لو رأيت أن أحد طلاب المدرسة في حقيبته إبرة هروين يريد أن يدخل دورة المياة ليحقن جسمه بها، أليس من الشفقة والرحمة أن تبلغه ليحذر، أن تبلغ عنه لكي يمنعوه ويحولوا دون وقوعه، وكذلك من الشفقة والرحمة به أن تبلغ عنه حتى يناصح بالحكمة واللين والموعظة الحسنة.

طريقة لإخراج الدش من البيت

طريقة لإخراج الدش من البيت Q لدينا دش في البيت، فما هي الطريقة لإخراجه؟ A أحضر حبلاً وعلقه في شكمان السيارة واسحبه، هذا الإخراج العملي، أما الإخراج الفكري والعقلي فبالإقناع، فهذا يحتاج إلى الآتي: أولاً: أن تقنع والدك ووالدتك إقناعاً فعلياً، قبل الإقناع القولي، أن يروا منك الصدق والنصيحة والجد في دراستك والإخلاص في أعمالهم وقضاء حاجاتهم والسمع والطاعة لهم، يرون أنك الابن البار المحبب الذي لا يستغنى عنه في البيت، ليس بذلك الابن الذي لا هم له إلا الأوامر والنواهي! لا. أنت الذي تصلح السباكة إذا فسدت، والكهرباء إذا انطفأت، والمقاضي إذا انتهت أنت الذي تأتي بحاجات البيت أنت الذي تذهب بوالدتك أنت الذي تصل رحمك أنت الذي تقوم بحاجات والدك، يكون لك مكانة من المحبة، ومنزلة من الاستجابة في نفوسهم، بعد ذلك، أو أثناء ذلك تقول للوالد يا أبتي: هذا الدش أو هذه القنوات الفضائية تعرض أشياءً لا تليق بنا، ولا بديننا ولا بمجتمعنا ولا بأمتنا، يا والدي انظر في هذا الدش الرجال يحتضنون النساء ويقبلون النساء، الأطفال الصغار الذين ينظرون إلى هذا، هل يقرءون أو يعرفون أن هذا حرام، وأن هذا إفسادٌ للتربية؟ A لا. الصغار المراهقون الذين في البيت، ما شأنهم إذا اشتعلت الغريزة عندهم وهم يرون النساء العاريات الكاسيات، بل ويرون تعليم المعاكسات، والمغازلات، والخروج من البيت سراً، وتعليم خيانة الأهل، وتعليم الخيانات الزوجية، لا أحد يرضى أن يكون أولاده وبناته وزوجته ممن يقع في هذه الفواحش، بالإقناع، فإن ذلك بإذن الله حريٌ وحقيقٌ بأن يؤثر عليهم لإخراج هذا الطبق الذي لا يستقبل إلا السموم، ثم قل لأبيك: يا أبتي! هذا الطبق لو أنك تقاعدت من وظيفتك، هل سيعطيك راتباً إضافياً؟ هذا الطبق لو أن أحد إخواني فصل من دراسته لضعف مستواه العلمي هل سينفعه تعليمياً؟ هذا الطبق لو أننا جعنا هل يطعمنا؟ لو ظمئنا هل يسقينا؟ لو بردنا هل يكسونا؟ لو لو لو، هل ينفعنا؟ أبداً. بالإقناع تستطيع أن تقنع والدك، فإن لم يقتنع والدك فعليك بكثرة الدعاء له، وأرسل له من يقنعه، كما أوصي بسماع شريط بعنوان الغزو الفضائي، بحمد الله هذا الشريط أعلم علم اليقين أن عدداً سمعوهُ فأخرجوا الدش والقنوات الفضائية من بيوتهم، أخرجوا آلات استقبال القنوات الفضائية من بيوتهم، فهذه نصيحتي.

نصيحة لمن يتعاطى المخدرات

نصيحة لمن يتعاطى المخدرات Q أنا شابٌ أتعاطى المخدرات، فبماذا تنصحونني جزاكم الله خيراً؟ A لا أرى لك إلا أن تبادر بالتوبة إلى الله عز وجل بادئ ذي بدء، ثم بالاستعانة بالجهات التي تعينك على الإقلاع عن هذا، ولن يجعلك تقلع كما قلت إلا التوبة، ومجاهدة النفس؛ لأن المخدرات إذا اختلطت بالدم والجسم أصبح من الصعب الإقلاع عنها، إلا لمن صبر عن معصية الله، وصبر على طاعة الله، وصبر ابتغاء مرضاة الله، وصبر خوفاً من عذاب الله، فإن صبره هذا سوف يجعله -بإذن الله- يقلع. الأمر الآخر: لابد أن تبوح بسرك، بعض الشباب وقع في المخدرات، وهو أسيرٌ في نفسه حبيسٌ لسره، لا يستطيع أن يتجاوزه، تخبر الشيخ، أو تخبر مدير المدرسة، تقول له: والله أنا وقعت في الحبوب، في كذا في كذا أعينوني واستروني، وأنا أضمن ضمانة مستشفى الأمل، إذا جاءه إنسان عاقل يريد أن يعينوه على الإقلاع عن المخدرات، فإنهم يعينونه ويسترونه، بل لو شاء ألا يكتب اسمه ولا يرون بطاقته، فإنهم يسجلون اسماً رمزياً أو رقماً معيناً، ويتعاملون معه، معاملة هدفها الستر عليه وعدم فضيحته، هذه واحدة. الثانية: أن تجتهد في الصحبة الصالحة التي تعينك على إشغال وقتك عن مجالس المخدرات، الصحبة التي تعينك، فأحد الذين يتعاطون المخدرات بنفسه قال لي: وهو يصارع نفسه. يقول: والله إنني إذا قربت وخالطت أهل الخير، أو جلست في محاضرات وندوات واعتنيت بالصلاة مع الجماعة إني أجد نفسي أتركها أياماً، ولكن ليلة من الليالي يأتي فلان بن فلان ويطلع بنا في استراحة أو في مكانٍ ما أو مخيم أو يمين أو يسار، قليلاً وقد وقعنا في المخدرات وتعاطيناها وبعضنا ينظر إلى بعضٍ ويضحك، فإذاً مجالس أهل الخير؛ مجالس الصلاح والتقى هي التي تجنبك -بإذن الله- هذا الفساد.

واجبك نحو أصدقائك الذين لا يصلون

واجبك نحو أصدقائك الذين لا يصلون Q ما واجبي تجاه بعض أصدقائي المتهاونين في الصلاة؟ A واجبك نصيحتهم؛ انصحهم بالقول بالكتاب النافع بالشريط النافع، إذا علمت منهم هذا التهاون، تبلغ أيضاً من يؤثر عليهم لينصحهم، وأنا أقول لكل ناصح: إياك وفضيحة الناس، لا يكون هدفك الفضيحة، ولتكن النصيحة سراً كما روي عن الشافعي: تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعه

شراء السيجارة للأب

شراء السيجارة للأب Q والدي يدخن، وفي بعض الأحيان يقوم بإرسالي إلى البقالة لأشتري له الدخان، فهل أطيعه في ذلك أم لا؟ A أسأل الله عز وجل أن يشفي والدك من هذا البلاء، وما دمت تعلم أن التدخين محرمٌ بالنصوص، ولما يفضي إليه من الأذى والفساد والضرر، فينبغي أن تتجنب إحضار هذا لوالدك، وأن تقول له: يا والدي! لو أمرتني أن أمشي على يديّ إلى أعلى الجبال لفعلت، ليس على رجلي، أما أن أحضر لك، أنت كمن تقول: يا ولدي! اذهب فائتني بسكين أطعن بها نفسي، أنا لا أرضى، فحبي لك يا أبي لا يجعلني أرضى أن أتسبب في أن أقرب لك شيئاً يقتلك ويؤذي صحتك، ولو أحضرت لك هذه السجائر أو الباكت الذي تريده، لكنتُ ممن يشارك في طعنك وقتلك، يعني: لا تأتي تقول له: لا. لن آتي لك بهذا، تب إلى الله عز وجل، سوف أعلم عليك الهيئات، أو سأجعل أمي تخرجك من البيت، لا يصلح هذا الأسلوب تقول: يا أبي! من حبي لك ومن شفقتي عليك ومن نصحي لك لا تسمح نفسي أن آتي بشيءٍ يؤذيك ويضرك، لو تأمرني أن أنقل الجبال لنقلتها، لكن أنقل لك شيئاً يؤذيك ويضرك ويقتلك، هذا دليل على أني لا أحبك، وأنا لا يمكن أن أخفي حبي لك وشعوري تجاهك.

تكرار الوقوع في الذنب بعد التوبة

تكرار الوقوع في الذنب بعد التوبة Q فضيلة الشيخ: هناك من إخواننا من يتأثرون بالمواعظ والتوجيهات، فيتوبون إلى الله عز وجل، ثم يعودون مرةً أخرى، ثم يتوبون ويعودون، فما توجيهكم لهؤلاء؟ A نصيحتنا لهؤلاء أن يعرفوا ويسألوا أنفسهم، متى يتركون الالتزام والاستقامة ثم يقعون في المعصية؟ الجواب واضح: إذا أبتعدوا عن الطيبين واستمرءوا المعاصي والمنكرات بهذا البعد، وأصبحت أوقاتهم وخلواتهم بأنفسهم طويلة من دون جلساء صالحين، وتساهلوا بمجالسة السيئين، وقعوا في ذلك، فالعكس هو الجواب، أن يعودوا إلى زملائهم الصالحين، أن يحذروا من مجالسة الأشرار، ومجالسة السيئين، فليس بشرط أن الشرير إنسان صورته مثل الشيطان الذي في الكرتون الشكل العجيب وغريب، لا. قد يأتيك الشرير ومعه سيارة شبح، وقد يأتيك ومعه سيارة ممتازة، وقد يأتيك ويلبس شماغاً من أحسن ما يكون وثوباً من أحسن ما يكون، وليس بالضروري أن الشرير إنسان شكله يروع أو يخوف أو يفترس، لا. يأتيك وهو يضحك ويبتسم: يعطيك من طرف اللسان حلاوةً ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ تعال، وسع صدرك، انبسط، الدنيا خلها على ما قال: شربة ماء، قدامك عمر طويل، الشباب ما زال أمامك. لا يا أخي الحبيب! ما ظنك لو أن الله قبض روحك وأنت مع هذا الشرير ترتكبان أو تفعلان المعصية؟! وما أكثر الذين قبضت أرواحهم وفارقوا الدنيا وهم سكارى، أو زناة، أو عصاة، وهم يفعلون المعاصي والمنكرات، هل يسرك أن تموت على أسوأ حالة، وتلقى الله على شر حالة، وتكون يوم القيامة من الخزي والهوان؟! A لا.

كيف أترك التدخين

كيف أترك التدخين Q أنا طالب أدخن، فكيف الطريقة التي من أجلها أترك التدخين، علماً بأنني أدخن منذ ثلاث سنوات؟ A ثلاث سنوات! هذه مدة سهلة، وتستطيع أن تقلع -بإذن الله عز وجل- بسهولة، لكن تحتاج إلى إرادةٍ صادقة، إرادةٍ عازمةٍ جازمة، وللعلم التدخين عادة وإدمان. الإدمان: يقع فيه بعض الشباب بالاستمرار والتتابع في الفعل، لكن بعضهم مجرد عادة، يعني: لم يحسّ بالشعور بالحاجة إلى السيجارة، لكن تعودوا وأشعلوا كذا إلى آخره، فاجعل في يدك عادة غير السيجارة، خذ سبحة، خذ المسواك، تعود دائماً التسبيح، سبحان الله! سبحان الله! عود لسانك بذكر الله دائماً، مع كثرة ذكر الله عز وجل يصبح التسبيح عندك عادة تتعبد الله بها عز وجل، ثم أيضاً إذا أردت أن تدخن، تقول: سبحان الله! سبحان الله وأنا أدخن! فتبعد عن السيجارة، فتكون شيئاً يذكرك الإقلاع والبعد عن هذه المعصية.

كيف أتخلص من معاكسة الفتيات

كيف أتخلص من معاكسة الفتيات Q أنا شاب ممن ابتلي بمعاكسة الفتيات عبر الهاتف، أرجو إرشادي كيف أتخلص من هذا البلاء وجزاكم الله خيراً؟ A أولاً: تأكد أن أهلها ما عندهم كشف الرقم بعد ذلك يكسرون رأسك بالفئوس. يا أخي الحبيب! قبل كشف الأرقام، وإن كانت ظاهرة المعاكسات خفت بدرجة كبيرة، بعد وجود جهاز كشف الرقم المتصل الذين يعاكسون ويؤذون بعضهم، لا شك أننا وجدنا فرقاً ملحوظاً في قلة المعاكسات، ولكن قبل كشف الأرقام أين خوفك من الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء؟! يعني: أنت تخاف من الخط ومن السلك؛ لأنه يكشف الرقم، لكن الله عز وجل الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ألا تخشاه؟ ألا تخافه؟ هذه مسألة. المسألة الأخرى: ماذا تريد بهذه الفتاة التي تتصل بها؟ تريد أن تتزوج؛ اطرق الباب، السلام عليكم أنا فلان بن فلان، أدرس في ثانوية البيروني، أدرس في كلية كذا، أعمل في كذا، وأريد أن أخطب ابنتكم فلانة بنت فلان، وهذه شهادة من إمام المسجد أنني من المحافظين على الصلاة مع الجماعة، وأنا شابٌ مقتدرٌ وأستطيع بإذن الله عز وجل أما أن تأتي البيوت من المجاري، وتأتي البيوت من الخلل والتجسس وتتبع العورات، هذا لا يجوز أبداً، ثم تخيل أن أختك اتصل رجل أو شاب وقال: لو سمحت أعطني أختك فلانة، تقول له: عجيب عيني عينك فلانة! فيرد عليك: أي نعم أعطني أختك فلانة، ألست تغازل بنات الناس، دعنا نغازل مثلك، فكيف ترضاه على الناس وتأباه على نفسك؟! كما أنك تغار على محارمك، الناس يغارون على حرماتهم ومحارمهم، كما أن للناس أصلاً ولهم عرض، فلغيرك أصولٌ وأعراض، فينبغي أن تنتبه لذلك، ثم اعلم أن هذا طريقٌ نهايته الزنا {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]. نعم. الزنا خطير، وشره مستطير والعياذ بالله، وما أكثر الذين تهاونوا به لذة دقائق معدودة، هذه المعاكسة، تجد الشاب قد وقع في المعاكسات، افرض أنك وقعت في بيت أناس عندهم كشف رقم، وقعدت تعاكس أو التي تعاكسها تعرفك وأنت تعرفها، ثم ماذا؟ والله أني أعرف شاباً أسأل الله عز وجل أن يتجاوز عنا وعنه ويغفر لنا وله، اتصلت بي فتاة قالت: هذا الرجل منذُ ست سنوات وهو يعاكسني، ويغازل ويعدني ويمنيني بالزواج، وما زلت معه، فقلت: أسأل الله ألا تكوني قد خرجت معه، قالت: لا. مع أنه ما ترك شيئاً من الوعود والإغراء والتهديد من أجل أن أخرج معه إلا أنني لم أخرج، قلت: والآن أنتِ اتصلت لماذا؟ قالت: تزوج وغدرني، غدّار، قلت: وهل تنتظرين الوفاء من رجلٍ يخون الأمانة ويخون دينه، ويخون أعراض المسلمين؟!! يعني: هل كنتِ تظنين أن هذا صادق؟! هل هذا الشاب الذي يزعم أنه سيتزوجك سيكون صادقاً؟! أو على القصة والطرفة التي تقال: هناك شخص كان يعاكس واحدة وصوتها جميل إلى آخره، وبعد ذلك أخيراً أقنعها أن تطلع وركبت معه، اكشفي وجهك، يا بنت الناس، فعندما رأى وجهها، وإذا هي ليست على المستوى الذي ظنها، نتع بالسيارة، قال: السيارة طفأت، أخاف يأتي أحد، حاولي ادفعي لو سمحتي، فذهب وتركها، فما يمكن أن تجد للمعاكسين وفاء ولا عهداً ولا ذمة، ولا يمكن أن يوجد هذا منهم بأي حالٍ من الأحوال. فالشاب الذي يعاكس، أقول له: إن الزنا دينٌ فإن استقرضته كان الوفاء من أهل بيتكَ فاعلمِ من قد زنى يوماً بألفي درهمٍ في بيته يزنى بغير الدرهمِ الزنا خطير، ولا ينبغي لأحدٍ أن يقع فيه أو في مقدماته من معاكسات، أو تسكع في الأسواق، أو مغازلات أو رمي الأرقام وقلة حياء، تجد بعض الشباب يخرج لوحة من السيارة، إذا مرت السيارة بين بنات أخرج لوحة أنا قلت: يمكن أن يكون سباكاً أو نجاراً لا بل كاتب رقم أربعة خمسة ستة إلخ. من أجل أن تلقط البنت الرقم وتكلمه، هذه عيشة؟! هذه حياة؟! من أين تعلمنا هذا؟ من مزبلة الأفلام والقنوات، من أين عرفنا هذا؟ من مزبلة الثقافات التي صدرت عبر هذا الغزو الفضائي، والمجتمع يراد به الشر، ولا يمكن أن يفسد المجتمع إلا بهذه الطريقة، إن أعداء الإسلام لا يمكن أن يأتوكم -يا شباب- ويقولون: باسم الله اهدموا المسجد الأول، اهدموا المسجد الثاني، اهدموا المسجد الثالث، اهدموا المسجد الرابع، ابنوا الكنيسة، ابنوا المعبد اليهودي، نبني الكاثلوكية والبروتستانتية، لا، لا يفعلون هذا، ولو أن أحداً هدم بلكة من المسجد، كلكم قمتم ضده، لكن يرسل أفلاماً أغاني مسلسلات يعلمك كيف تعاكس وتغازل؟ كيف تخرج البنت؟ كيف تكذب؟ كيف تواري؟ كيف كيف إلى آخره، بهذا يصلون إلى إفساد المجتمع وأهله.

الطريقة السليمة للتخلص من الغناء

الطريقة السليمة للتخلص من الغناء Q إني أكثر من سماع الأغاني وأريد الطريقة السليمة للتخلص من هذا الوباء، أفيدونا أفادكم الله؟ A املأ قلبك بذكر الله عز وجل، تمتلئ شوقاً وحباً بكلام الله، ثم أيضاً في ذاك الوقت، ستمتلئ بغضاً وكراهيةً لمزمور الشيطان. حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعان تأكد أنك إذا امتلأ قلبك بحب كلام الله عز وجل، لن تجد ألذ منه، اجعل مسجلك في السيارة، وفي بيتك، بالقرب منه كل الأشرطة النافعة، أفضل مقرئ تلذذ لتلاوته وتخشع لها ائت بأشرطته محاضرات أناشيد إسلامية أشياء نافعة، كل هذه الأمور ستجد أنها تصرفك عن الأغاني، أما هذه الأغاني كما قلت يا أحبابي! إنها وجع رأس، ولن تنفعك عند الله يوم القيامة، يعني: يوم القيامة لك أن تقول: يا ربِ! سمعتُ جزءاً كاملاً من كلامك، وبكيت وخشعت، وربما تكون سبباً أن تكون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، ذكرت الله خالياً ففاضت عيناك، وربما تكون ممن يكرمهم الله فلا تمسهم النار؛ عينٌ بكت من خشية الله، سمعتَ تلاوة فدمعت عينك، فبكيت من خشية الله عز وجل، لكن هل تقول: يا ربِ! عندي ألف شريط أغاني، عندي خمسمائة، عندي كذا في الفيديو عندي عندي؟ أسألك بالله هل هذه تقربك من الله أم تباعد عنك الموت، أم تخفف عنك السكرات، أم تزيدك في الدنيا وتنفعك في الآخرة؟! A لا. فلماذا الإصرار على قتل أنفسنا؟ لماذا نصر على ملء عقولنا بالتافه؟ الآن لو يأتي أحد قال: تعال يا فلان، تعال معي لك شيء، أعطني جيبك، يوم أن فتح له جيبه، وضع فيه تراباً، تضع في جيبي تراباً؟! تضع في جيبي زبالة؟! تراني أنا سيارة بلدية؟! ما هذا الكلام أو تضع في جيبي تراباً؟ هاأنت تفتح عقلك ليوضع فيه زبالات الأغاني والمجلات والكلام الفارع والأفلام الساقطة! لو أن أحداً سكب تراباً، يعني: لو ما وجدت الماء، فضربت على التراب ضربةً واحدة ومسحت به يديك ووجهك، كانت طهارةً لك، وكان هذا تيمماً، هذا التراب لو وضع في جيبك ما قبلته، لكن أن يوضع في ذهنك مزابل وأغاني وأفلام ما عندك مانع، هات المزيد، هات المزيد، حتى إذا جاء يوم وحضرت المنية، يقولون لك: قل: لا إله إلا الله، تذهل فلا تعرف أن تقول: لا إله إلا الله، لماذا؟ لأن عقلك وقلبك وروحك وفكرك ونفسك وهجيراك ودأبك وصوتك دائماً: ومُتنا على سُنة المصطفى وماتوا على تنتنا تنتنا

الحبوب المنشطة حرام

الحبوب المنشطة حرام Q هل الحبوب المنشطة محرمة؟ A نعم. لأن لها آثاراً ضارة ما لم تكن حبوباً نافعة مثل الفيتامينات التي يحصل منها النشاط، وليس لها ردود فعل عكسية، أما الحبوب المنشطة المصنفة ضمن قوائم المخدرات، أو المواد المخدرة، فإنها لاشك أنها ضارةٌ حرامٌ وكل ضارٍ فهو حرام.

لا يجوز إفطار رمضان بسبب الاختبارات

لا يجوز إفطار رمضان بسبب الاختبارات Q سمعتُ من بعض الشباب أنهم يريدون أن يفطروا في رمضان في وقت الاختبارات بحجة المشقة والتعب، ما حكم ذلك؟ وجزاكم الله خيراً؟ A لا يجوز، واستعينوا بالله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] ومن يتصبر يُصبِّره الله عز وجل، وكل الذي عليك أنك تستيقظ قبل أذان الفجر وتتسحر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تسحروا فإن في السحور بركة) وهو الطعام المبارك، السحور مهم، بعض الشباب تلقاه يتعشى الساعة الثانية عشرة في الليل، أو واحدة وينوم، ولا يتسحر، ثم يقول: أنا جائع، أنا عندي اختبارات أنا لازم أفطر، لا يجوز هذا، واعلم أن هذا من أكبر الكبائر، ومن أعظم العظائم أن تتجرأ على الفطر في نهار رمضان وأنت شاب قد بلغت التكليف ولزمك الصيام، هذا من الكبائر التي لا تجوز، لكن عليك بالسحور واستعن بالله، وبعد ذلك تجنب في السحور أشياء قد يأكلها الإنسان تسبب له العطش، فبعض الشباب يتسحر على فول وموز وطحينية، ثم قد يأتي الضحى وهو يلهث، لأن الفول يريد ماءً، والطحينية تريد ماءً، وكذلك الموز، ولكن اجعل سحورك من الأشياء التي فيها كميات من المياه، اجعل آخر السحور أشياء تمنحك الماء الكافي في البدن، وفي هذا خير، اجعل في السحور فواكه، أمسك على الماء، فهذا شيء طيب، وإياك والأشياء التي تسبب العطش أو تحتاج إلى كثرة مياه.

الهروب من المدرسة إلى المقاهي

الهروب من المدرسة إلى المقاهي Q إن هناك من زملائي من يتركون الدراسة في بعض الأيام ويذهبون إلى المقاهي وذلك لشرب الشاهي وغيره، فما نصيحتكم لهؤلاء الشباب؟ A نصيحتي لهؤلاء إن لم يقلعوا عن هذا، فسوف يتعودون حتى يكرهوا المدرسة، ثم ينسحبوا أو يفصلوا، ثم يصبحون من المتسكعين بالطرقات، انظر الشرف العظيم الذي يناله الواحد منكم، أين ذاهب؟ ذاهب للثانوية، فعندما تنظر إلى شاب متعلم تحترمه، له مكانة ومنزلة، من أين أتيت؟ من الثانوية، ماذا عندك؟ عندي واجبات الثانوية، عندي اختبارات المرحلة الثانوية، استعد للجامعة، تنظر إلى رجل فتحترمه، لكن يقابلك واحد فتسأله من أين أتيت؟ والله أتيت من الطريق، عرابجة ذاهبين آيبين لا نفع ولا فهم، ولا علم!! ماذا عندك؟ الغترة منسفة، وثوبه المثقوب من السجاير، ويوم في الملهى الفلاني، ويوم في المقهى الفلاني، ويوم في المكان الفلاني، وعالةٌ على الناس، لو يمشي عليه موتر، ويصيبه نزيف، هيا هيا، تعالوا تعالوا نتبرع له بالدم، عنده نزيف، عنده نزيف، ليته مات وارتحنا منه، لماذا؟ لأنه لو أسعفناه وداويناه ورجع سليماً ما نفع المسلمين، ولا نفع البلد ولا نفع المجتمع، ولا نفع العلم ولا التعليم: وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفعٌ وموتك فاجعُ فلو أن واحداً من الشباب الصائعين الضائعين الذين يتسكعون ويتركون المدارس، لو يصيبه حادث، ويأتي الآن واحد من الهلال الأحمر: يا شباب! نريد تبرعاً بالدم حالة خطرة لشاب عنده نزيف، يمكن نصفكم بل كلكم تذهبون تتبرعون، رجال وعندكم كرم وأريحية، تتبرعون ولو بالدم، لكن هذا الذي تبرعنا له، وفتحت عيونه ورأى العافية، وأفاق من المرض، أين ذهب؟ هل رجع للمدرسة! هل رجع للجامعة؟! هل رجع يتعلم؟! هل نفع المجتمع؟! لا. رجع من جديد يتسكع كما كان في عهده السابق، ما الفائدة من مثل هذا وأشكاله؟!!

من هو الجليس الصالح؟

من هو الجليس الصالح؟ Q عرفنا الاستقامة وعن فضلها، فكيف نختار الجليس الصالح؟ A يا أخي الحبيب! قد قلتُ في المحاضرة أو في كلمة علامات الجليس الذي ينهاك عن ما حرم الله، ويأمرك بطاعة الله، ويأمرك بالصلاة مع الجماعة وبر والديك، وصلة رحمك، والانتباه لدروسك والعناية بتعليمك، والاستفادة من وقتك، فهذا جليسٌ صالح، أما الذي يعينك على عقوق والديك، وترك الصلاة مع الجماعة، لا يهديك إلا غناءً، ولا يهديك إلا فلماً، ولا يحذرك إلا من الخير، ولا يقربك إلا إلى الشر، تراه يقربك إلى التدخين، والسهر، واللهو، ومجالس السوء، هذا هو جليسٌ سيئ، وإن أغراك أو أعطاك شيئاً من المال، أو الهدايا، فبعض الشباب يقول لك: إنه صديقي، لماذا؟ والله أهداني ساعة بثلاثمائة ريال، ماذا وراء الساعة يا مسكين؟! ماذا وراء الساعة؟! وبعض الشباب يجر لا يعرف أين هو ذاهب، ويذهب ويعود ولا يفهم ولا يعرف ما يراد به ويخبط عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

فهد بن سعيد ترك الغناء أم لا؟

فهد بن سعيد ترك الغناء أم لا؟ Q سمعتُ محاضرةً بعنوان أيها الشاب حاول وأنت الحكم، وذكرت أن فهد بن سعيد رجع وترك الغناء، وسمعنا أنه رجع إلى الغناء مرةً أخرى؟ A يا أخي الحبيب! أخونا فهد أسأل الله لنا وله الثبات كسائر الشباب، أو كسائر الناس: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46] هذه واحدة. الشيء الثاني: ليس بصحيحٍ أنه رجع إلى الأغاني. الشيء الثالث: أن جلساء السوء عرضوا عليه الأموال من أجل أن يحيي سهرات ورفض، والرجل حالته المادية ميسورة، يعني: يحتاج إلى المساعدة، فجاء جلساء السوء، يقولون: تعال، هذه خمسة آلاف ريال، تعال في الليلة الفلانية اسهر معنا، انظر الذين يريدون أن يردوه من جديد إلى مستنقع الرذيلة والفساد، قد يترك الإنسان الفن، لكن هل إذا تركت الفن صرت عالماً؟ ممثل من الممثلين ترك التمثيل، هل يصبح عالماً؟ هل يكون خطيب جمعة، أو عالماً في الناس؟ A لا. كل ما هنالك أنه تاب من الفن، لكن لا يعني أنه يصبح عالماً وإماماً وداعية، فكذلك أخوكم ترك الفن، ولا يزال في صراع مع جلساء السوء، يريدون أن يردوه إلى الفن من جديد لأمرين: الأمر الأول: من أجل أن يرضوا أنفسهم التي عز عليها أن يستقيم هو وهم باقون على انحرافهم. الثانية: من أجل أن يقولوا: إن الدعوة فاشلة وخاسرة وخائبة، ولم تستطع أن تحقق شيئاً مع هذا الرجل، ونحن نقول: ما عندنا أموال ولا مناصب ولا جاه، نقول: من تاب، من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها. افرض ابن فلان ترك الفن، ومن غدٍ قعد يضرب عشرة أوتار أو عشرة أعواد، أيحاسبنا الله عنه؟ إن الذي علينا أن ننصح وندعو، إنما عليك البلاغ والله بصيرٌ بالعباد. لعلنا نكتفي بهذا القدر، وأشكر لكم حرصكم على الاستزادة والسماع، وأسأل الله أن ينفعكم، وأن ينفع بكم، وأن يثبتكم، وأن يهديكم، وأوصيكم بالاستقامة، والتوبة، والرجوع إلى الله، أوصيكم بالجد في الدراسة، أوصيكم ببر الوالدين، ومجالسة الطيبين، والحذر من الأشرار والفاسقين، وعدم ضياع الوقت في الرياضة والملاهي والأغاني والأمور التي لا تنفع، فإننا ما عرفنا أحداً أصبح مرموقاً لأجل أنه من أهل الغناء واللهو والفن والطرب، إنما عرفنا كل خيرٍ وكل نافعٍ للمجتمع بصبره وجده على علمه وعبادته.

الطريق إلى الجنة

الطريق إلى الجنة إن الجنة غاية الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، ومنتهى ما يتمنونه، ولذلك سارعوا وبادروا إليها بالسير في الطريق الموصلة إليها، ومن أجل ذلك جاءت هذه المادة مدافعة عما يشاع عن هؤلاء الدعاة إلى الله تعالى من إرادتهم مقاصد دنيوية أو غير ذلك من الاتهامات الباطلة مبينة كيفية الوصول إلى الجنة، بطرق يسلكها الدعاة ويتفانون فيها.

الجنة غاية الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى

الجنة غاية الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله جل وعلا كما اجتمعنا واحتشدنا في هذا المكان المبارك أن يجمعنا بكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، أسأل الله جل وعلا أن يغفر الذنب، وأن يستر العيب، وأن يمحو الخطيئة، وأن يسترنا وإياكم بستره. أيها الأحبة في الله: لكم الفضل بعد الله علي أن دعيتم، ومن دعيُ فليجب، ومن لم يجب فقد عصى أبا القاسم، ولكم الفضل بعد الله جل وعلا أن حضرتم، وحضوركم هذا ضمانٌ وعزيمة ومضاءٌ يجعلنا نشعر بواجبنا تجاهكم، ويجعلنا نشعر بالمحبة نحوكم، لا عدمناكم، ولا حرمنا محبتكم، ولا حُرمنا ذاك العلم وتلك المحبة التي نراها في وجوهكم. أيها الأحبة في الله: الفجر يطلع لا محالة والقلب يخفق كالغزاله إني أحن إلى البكور من لم يحن فلا أبا له قالوا تعسفت الهوى وطلبت ربحاً أو إقاله من كان يهوى صادقاً قبل المبيع بكل حاله المجد يطلب قائداً قد زانت التقوى فعاله والعز يهتف بالشباب المعرضين عن الضلاله والقمة الشماء حظ الشامخين عن الجهاله هم فتية الكون الكرام أبناء أشراف السلالة فيهم مصابيح الهدى ولكل مصباحٍ دلاله فيهم دعاةٌ للهدى ولكل داعية جلاله فيهم سميٌّ للجهاد تهاب في الهيجا نزاله يا إخوة الإسلام هبوا فالأذى جاد المقاله أنمل من عرض الوساد وغيرنا ينعى عياله أنموت من ألم الطعام وغيرنا يرجو النخاله نجتر ألوان الخلاف والكفر جمع كل ماله كلمات وليس شعراً، ولست بشاعر، لكنها في الطريق بين يدي القدوم إليكم، أسأل الله جل وعلا أن يجعل قولنا وكلامنا وعملنا خالصاً لوجهه الكريم. اللهم إنك تعلم أن فينا من العيوب والذنوب ما لا يعلمه إلا أنت، ولا يستره إلا أنت. إلهنا! جملتنا بسترك، ولو كشفت سترك عنا ما أحبنا عبدٌ من عبادك. إلهنا! زينتنا بمغفرتك، ولو كشفت عنا سترك لما قبلنا عبدٌ من عبادك. إلهنا! لو كان للذنوب رائحة لما أطاق أحدٌ من الحاضرين مجلسنا. إلهنا! لو كانت الذنوب أحجاراً في المنازل لما وجدنا مكاناً نسكن فيه أو نطمئن إليه. إلهنا! جملتنا بالستر فيما مضى، فاسترنا وأعنا على الثبات فيما بقي يا رب العالمين. اللهم اجعل لهذه الوجوه من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشةٍ أمنا، ومن كل فتنةٍ عصمة. اللهم لا تدع لهذه الوجوه ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً من ذكرٍ أو أنثى إلا زوجته وأسعدته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. أيها الأحبة في الله: قد يقول قائل: في خضم هذه الأمواج المتلاطمة من الفتن وأنواع البلاء التي تعرض على المسلمين صباحاً ومساءً، غدواً وعشياً: هل من اللائق أن يكون حديثك اليوم معنا: الطريق إلى الجنة؟ كنا نظن أن يكون الحديث عن فتنة البوسنة والهرسك، أو أن يكون الحديث عن مآسي المسلمين في كشمير، أو أن يكون الحديث عن آخر تطورات القضية الأفغانية، أو أن يكون الحديث عن أحوال المسلمين وأحوال الدعاة بالأغلال والزنازين. أقول أيها الأحبة: إن الحديث عن الجنة هو منتهى المطاف في كل قضية لمن دخل واحدة منها وكان مريداً وجه الله جل وعلا. أيها الأحبة: الحديث عن الجنة حديثٌ عن هدف الدعوة، وحديثٌ عن غاية الدعاة، وحديث عَمَّا يعد به الدعاة، وما يتمنونه، وما يرجونه لأنفسهم ولأتباعهم، ولأعوانهم ولأحبابهم، ولطلابهم وتلامذتهم، ما عرفنا داعيةً وعد ضالاً بعد الهداية بمنصب، وما عرفنا داعيةً وعد منحرفاً بعد الاستقامة بعطية، وما عرفنا داعيةً وعد جاهلاً بعد العلم بحظية، وإنما وعدنا وما نرجوه لأنفسنا وما نعد به كل من سلك الطريق هو الجنة، فمن أبى فعلى نفسه، ومن قبل فليلزم الطريق، وليعرف المبيع، وليأخذ الأهبة، وليعمل وليقم بالاستعداد. أيها الأحبة في الله: الحديث عن الجنة كلامٌ عن غاية الدعاة، لا كما يظن الظانون، أو يرجف المرجفون أن الدعاة يريدون مالاً، أو يريدون جاهاً، أو يريدون سلطاناً، وذاك أمرٌ ليس بغريبٍ ولا عجيب، لقد ظنت قريش يوم أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ونبأهم بما أمره الله جل وعلا أن يبلغه، أن الرجل يريد مالاً، أو يريد جمالاً، أو يريد جاهاً، أو يريد سلطاناً، أو به رئيٌ من الجن، أو به أذىً من السقم، فقالوا: يا بن أخينا! لقد أغريت بنا سفهاءنا، وتجرأ علينا صبياننا، فإن كان بك رئيٌ من الجن عالجناك، وإن كنت تريد مالاً أعطيناك، وإن كنت تريد جمالاً زوجناك، وإن كنت تريد جاهاً سودناك، فإنهم أخطئوا الطريق يوم أن ظنوا أن هذه بغية وطلبة النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانت طلبته إلا قوله صلى الله عليه وسلم: (إلهي وإله المستضعفين قبلي! إلهي وإله المستضعفين! هل تكلني إلى بشرٍ ملَّكْته أمري؟ أم إلى عدوٍ يتجهمني؟ إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، لك العقبى حتى ترضى) والله ما كانت غاية النبي إلا أن يرضى الله جل وعلا، وإن رضي الله فلا تسل بعد ذلك عن حال العبد، وإذا تقبل الله فاعلم أنها النجاة والسعادة، والفوز والطمأنينة: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]. أيها الأحبة في الله: الغاية الجنة، ولسنا بصدد الحديث عن ذكر أو عدد أو تعداد الأعمال التي من فعلها دخل الجنة، فلكم فيها باعٌ واسع، وعندكم منها حظٌ وافر، ولكن الحديث عن الجنة حتى يُقطع الطريق عن كل مساوم وعلى كل مزايد يرمي الدعاة بما ليس في جعبهم، ويمقت الطيبين الصالحين بسوء ظنه بهم.

هدف الدعاة مرضاة الله وليس ما يقوله المرجفون

هدف الدعاة مرضاة الله وليس ما يقوله المرجفون أيها الأحبة: طالما حضرنا مجالس، وسمعنا أقاويل، وعلمنا أموراً مدارها وديدنها وحديث أصحابها: إن هؤلاء الذين يظهرون الدين، إن هؤلاء الذين يتنسكون في ظاهر أمرهم يريدون أموراً، ويخططون لأمور، ويرتبون أشياء، ووالله ما هذه غاية الدعاة فضلاً عن أن يعدوا لها، أو يخططوا لها، أو يجعلوها غايةً في ذاتها. قال ذلك السلطان للإمام ابن تيمية لما دخل عليه: إنك تريد ما عندي، فغضب ابن تيمية ورفع صوته على ذلك السلطان، وقال: أنا أريد مالك أو أريد جاهك أو أريد حبوتك؟ والله إن ما عندك لا يساوي خيطاً من هذا القميص. ولا غرابة فإن شيخ الإسلام وغيره من الأئمة والدعاة كانوا يطلبون الجنة؛ الجنة التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، الجنة التي هي من الآخرة، ليست تنسب إلى الدنيا بشيء، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (ما مثل الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة إلا كما يُدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما يرجع) ومن الذي يرغب بقطرة عن بحارٍ متلاطمة من الخير. نقولها وبكل صراحة: إن الجنة هي غاية كل داعية، وهي غاية كل متبوع تابع على منهاج أهل السنة والجماعة. أما الدنيا، وأما الجاه، والمناصب، والرياسات، والأموال، فاللهم لا تجعلها في قلوبنا، ولا تجعلها أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا. وإني والله أعجب من أولئك الذين يقبلون مثل هذه الأقاويل ويصدقون بمثل تلك الأكاذيب، ويقول قائلهم: عند الدعاة كذا وكذا، ويريد الدعاة كذا وكذا، ويطمح الدعاة إلى كذا وكذا، وهل رأيت دليلاً عند أحدهم يصدق ما تظنه أو تقوله؟ والله إنه لأمرٌ عجيب، وقلتها ذات مرة في لقاء من اللقاءات السابقة يوم أن كان أهل تلك المنطقة فيهم خوفٌ من كل داعية إلى الله جل وعلا أنه يريد كذا وكذا مما تخافه نفوسهم، وتضطرب منه أفئدتهم، فقلت لبعض الأحباب: يا إخواني! هؤلاء الذين تظنون أنهم يريدون ويدبرون ويطمحون هل فتحت مطبخ واحد منهم فوجدت طائرة دفاعية أو مقاتلة؟ وهل دخلت حظيرة واحدٍ منهم فرأيت طائرةً مضادةً للدبابات؟ وهل دخلت مخزن واحدٍ منهم فرأيت ذخيرةً من الأسلحة؟ والله لو دخلت بيوت الدعاة بيتاً بيتاً؛ ما وجدت عند بعضهم ما يصطاد به الحمامة، ولو تأملت ما عندهم؛ لوجدت عندهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والسنن، والمسانيد، والشروح، وكتب العلماء، ذاك سلاحهم، وذاك زادهم، وتلك عدتهم، وذاك طريقهم حتى يبلغوا بذلك وجه الله والدار الآخرة راضين مرضيين، فمن ظن غير ذلك فلينظر إلى برهان قلبه، وليتأمل بعين بصيرته حتى لا يُحذر نفسه من وهمٍ جعل الأغلال في يديه والقيد في رجليه، فقعد به عن شرف الدعوة والدعاة، لقد عرفنا كثيرين فيهم خيرٌ كثير، وفيهم صلاحٌ كبير، وفيهم استقامة، وفيهم جبنٌ وخوفٌ كثير، وذلة عجيبة، والأمر سوء الظن، وتصديق الأكاذيب واتباع الأقاويل، ولو أن أحدهم سمع شريطاً أهدي إليه، أو قرأ كتاباً بذل له؛ لعرف أن غاية الدعاة وأن ما عندهم هو الجنة، لا يريدون غير الجنة، لا يريدون إلا مرضاة الله جل وعلا، وذاك أمرٌ أي كرامة، وأي عزة، وأي منقبة أن يرضى الله عنك في عباده! والله أيها الأحبة! إن جندياً من الجنود يوم أن يُقال له: إن قائد الكتيبة راضٍ عنك، معجبٌ بك، مؤيدٌ لك؛ تجد ذلك الجندي يكاد يطير فوق الأرض من شدة ما ناله من السعادة والإعجاب والطمأنينة؛ لأن قائد الكتيبة قد رضي عنه، وواحدٌ من الموظفين لو قيل له: إن أمير المنطقة قد رضي عنك، وأعجب بك، وأثنى عليك في المجالس خيراً، لجعل يطلب ترداد وإعادة الكلام، لماذا؟ لأن بشراً قد رضي عنه، فما بالك أن يرضى عنك ملك الملوك، جبار السماوات والأرض، ما بالك يوم أن يرضى عنك الذي خلق الأولين والآخرين، والجن والإنس، الذي الأرض جميعاً قبضته والسماوات مطويات بيمينه، الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء. فتلك غاية الدعاة وهي الجنة، وذلك مطلب الدعاة، وهو رضا الله سبحانه وتعالى، مطلبٌ على منهج الأنبياء والرسل، لا على منهج المنحرفين، والضُلال والمبتدعين، الذين قال بعضهم: عبدنا الله خوفاً من عذابه فقط، أو على منهج الضُلال الذين قال قائلهم: عبدنا الله طمعاً في ثوابه فقط، أو على منهج المتصوفة الذين قال قائلهم: والله ما عبدنا الله طمعاً في ثوابه ولا خوفاً من عذابه، وإنما عبدنا الله حباً في ذاته، فذاك أيضاً منهج الضلالة، ومنهج الغواية، أما منهج الصواب والصراط المستقيم في هذه الغاية فهو صراط الأنبياء الذين قال الله جل وعلا عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً} [الأنبياء:90] يرغبون في الجنة: {وَرَهَباً} [الأنبياء:90] خوفاً من الله ومن عذابه: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. فالدعوة عبادة، والعبادة ذلة وانقيادٌ وخضوعٌ مع المحبة والتعظيم للمعبود، قال ابن القيم: وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قطبان

البدار البدار إلى الجنة

البدار البدار إلى الجنة أيها الأحبة: أي نعيمٍ يوم أن يكون هدفنا وغايتنا وسعينا، وصمتنا ونطقنا، وكل ما نملكه وكل ما ندخله ونخرجه يصب في أمرٍ نريده ألا وهو الجنة التي يقال فيها لمن دخلها: يا أهل الجنة! خلودٌ ولا موت، ويا أهل النار! خلودٌ ولا موت. أيها الأحبة في الله: يوم أن يدخل سجينٌ من السجناء زنزانة من الزنازين في جريمة من الجرائم، ثم يقال له: هذا سجنٌ إلى أبد الحياة، هذا سجنٌ مؤبد لا تخرج منه إلا يوم أن تخرج روحك من بدنك، حينئذٍ تخرج من هذه البوابة، أليست مصيبة؟ أليست بلية؟ أليست حسرةً وعذاباً؟ إذاً فالخوف من سجن جهنم والطمع في نعيم الجنة هو أولى أن يكون شغلاً شاغلاً وأمنيةً وغايةً يرددها السالك في طريقه إلى الله جل وعلا حتى ينال هذا الرضا: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ 9 وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:106 - 108]. أيها الأحبة: (ألا إن من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) إن هذه السلعة الغالية لا تنال بالأماني، ولا تنال بالأقوال، ولا تنال بالتحلي ولا بالتمني، وإنما تنال بالصدق، ولذلك كان الشهداء أقرب الناس إلى بلوغ الجنة؛ لأنهم أثبتوا أمنيتهم بأغلى ما يملكون، وبرهنوا أمانيهم بأغلى ما يجدون، ألا وهي دماؤهم وأرواحهم التي بذلوها رخيصةً لوجه الله، سهلةً ميسورةً في سبيل الله جل وعلا، ويقول قائلهم: إن رضي الله فليس بكثيرٍ ما ذهب وما ولى وما رحل. أيها الأحبة: يا من تريدون الجنة! أيها الأخ الحبيب: يا من تضيق ذرعاً بشدة الحر يوم حلوله! وتضيق ذرعاً لشدة البرد يوم نزوله! وتضيق ذرعاً بامتلاء البطون من الطعام يوم أن تتخم! وتضيق ذرعاً بالجوع وآلامه وأسقامه! إن كنا نريد حياةً أبدية، حياةً لا تنقطع، جليسنا فيها من لا نكرهه ومن لا نبغضه، ومن لا يحقد علينا، ومن لا يحمل في نفسه علينا، جليسنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، جليسنا فيها أبو بكر الصديق صاحب النبي على التحقيق، جليسنا فيها شهيد المحراب الإمام الأواب عمر بن الخطاب، جليسنا فيها مجهز جيش العسرة بأنفس الأثمان عثمان بن عفان، جليسنا فيها فتى الفتيان ليث بني غالب علي بن أبي طالب، والصحابة الكرام، جليسنا فيها التابعون ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، جليسنا فيها الصالحون والدعاة، والعلماء البررة، والدعاة الأخيار، هذه هي كل الأمور التي يعد بها الدعاة ويتمنونها ويرجونها: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} [التوبة:111] إنها لأعظم آيةٍ فيها عجب، المعطي هو الله، ثم يعود يشتري منا ما أعطانا، والمتفضل هو الله، ثم ينعم علينا بالجنة: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ} [التوبة:111]. أيها الأحبة: نداءاتٌ ودعاءٌ لكل مسلم أن يسارع إلى الجنة ليعلم أن هذه الدنيا ليست لحرٍ سكناً، يقول ربنا: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:133 - 136]. أيها الأحبة: هل بعد هذا الثواب من ثواب؟ هل بعد هذا النعيم من نعيم؟ هل بعد هذه الكرامة من كرامة؟ يا سلعة الرحمن سوقكِ كاسدٌ فلقد عرضتِ بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن سوقكِ كاسدٌ بين الأراذل سفلة الحيوان يا سلعة الرحمن لستِ رخيصةً بل أنتِ غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ خُطَّاب عنكِ وهم ذوو إيمان أيها الأحبة في الله: إن هذه الجنة التي انشغل عن طلبها كثيرٌ من الناس بما تكفل الله لهم به، إننا نعجب من رجلٍ يشتغل ليل نهار بأمر الدنيا، ووالله لو سعى سعي الوحوش لن ينال أكثر مما قُدر له، أمرٌ قد تكفل الله به، نجد كثيراً من البشر اشتغلوا به ليل نهار، وأمرٌ دعانا الله أن نعمل له وأن نجتهد فيه وجدنا إعراضاً وبعداً عن الاشتغال به، فأي انقلابٍ للموازين هذا؟ وأي سوء في المفاهيم هذا؟

كيفية الوصول إلى الجنة

كيفية الوصول إلى الجنة أيها الأحبة: بعد هذا بقي أن نقول: إذا كانت الجنة هي غاية الدعاة، وهي أمنية الدعاة، وهي موعود الدعاة، وهي وعد الدعاة، وهي ما يعد به الدعاة لكل طالبٍ وتابعٍ، ومحبٍ ومخلصٍ، بقي أيها الأحبة في الله! أن نقول: كيف الوصول إليها؟ قد وصفت فدل على طريق يبلغ. أيها الأحبة: كلٌ يعرف أن الوصول والبلوغ إلى شيءٍ يعني سلوك الطريق الموصل إليه، ومن السهل أن تقول: إن طريق القصيم السريع هو الذي يوصل إلى مكة، لكن من المهم إن كنت جاداً تريد أن تبلغني إلى مكة، فهلا أسعفتني بدابة؟ هلا حملتني معك؟ هلا قربتني بجوارك؟ هلا أخذتني بيدك؟ من السهل أن تقول: إن هذا الطريق ينتهي إلى الدمام لكن هل تستطيع أن تجعل لي معك مركباً؟

معرفة هوان النفس في جنب الله سبحانه وتعالى

معرفة هوان النفس في جنب الله سبحانه وتعالى هذه البداية أيها الأحبة! إن كنا صادقين في الرغبة بالجنة، والرغبة في رضا الله، أن يرضى ربنا عنا، فلا يسخط علينا أبدا، ً إن كنا صادقين مع الله، إن كنا صادقين في هذه الدعوة بقي أن نقول: هناك ثلاث مسائل: أولها: اعرف أنك مهين ذليل حقير في ذات الله وفي جنب الله جل وعلا، فمن أراد سلوك الطريق وهو يشمخ بأنفه في كبرٍ وتصعرٍ وتسلطٍ على العباد، فليعلم أنه أهون عند الله من الجعلان والجنادب، وفي الحديث: (يحشر الله المتكبرين يوم القيامة أمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم) فأنت وهذا وذاك في يوم الموقف، في المشهد العظيم ربما أنت تمشي فتطأ بقدميك عشرة أو عشرين من الطغاة، أو عشرين من المتكبرين، أو ثلاثين من الظلمة، وأنت لا تراهم، كيف دست عليهم بقدمك! كيف وطأتهم برجلك! كيف لم تلتفت لهم! إنهم كانوا في الدنيا متكبرين متغطرسين متجبرين، لم يذلوا أنفسهم لله، ولم يخضعوا لله، ولم ينقادوا لأمر الله، فكان جزاؤهم يوم الموقف هواناً بين العباد، يطؤهم الصغير والكبير، والعبد والحر والغني والفقير، كلٌّ يطؤهم بأقدامه وهو لا يشعر بهم، فمن أراد طريقاً موصلاً إلى الجنة فليبدأ أن يعرف هوان نفسه، وليدرك ذلة نفسه، وليدرك وضاعة نفسه في جنب الله جل وعلا. ولا كرامة لهذه النفس إلا بالسجود لله، ولا كرامة لهذا الأنف إلا أن يمرغ بين يدي الله، ولا كرامة لهذه اليد إلا أن ترتفع مكبرة لله، ولا كرامة لهذه القدم إلا أن تثبت في القنوت والقيام لله جل وعلا، اعرف أنك بدون هذا الخضوع لله، وبدون هذه الذلة لوجه الله، وبدون ذلك الاحتقار والهوان من نفسك في جنب الله جل وعلا أنك لن تبلغ شيئاً. قال الله جل وعلا: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]، وقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} [الأعراف:179]، وقال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين:4 - 5] ولكن الله قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] فكيف تجتمع الكرامة ويجتمع الهوان لهذا الإنسان؟ ليس ضدان في القرآن، ولكن الكرامة لمن أذعن وخضع واستجاب، وخشع وأخبت وأناب إلى الله جل وعلا، والهوان لمن استعصى ومن ارتفع وشمخ بأنفه، أو ارتفع بنفسه عن الذلة والعبودية والانقياد لله سبحانه وتعالى. أرني متكبراً متجبراً هل يحمل في جوفه غير الخراءة والعذرة؟ أرني متغطرساً هل يحمل في عينه غير القذى؟ أرني متكبراً هل يحمل في أنفه إلا المخاط؟ أرني متغطرساً هل يرى في فمه إلا البخر ونتن الرائحة؟ أرني متجبراً هل يحمل في جوفه إلا البول والنجاسة؟ لماذا يفتخر بعض البشر على بعض؟! وبماذا يعلو بعض العباد على بعض؟! إن كانت مقاييس مادية، أو مقاييس الطينية، أو مقاييس التراب، فوالله ثم والله!! إن الإنسان لأنجس مخلوق بعيداً عن الذلة لله والعبودية له سبحانه: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28]. وأما بالانقياد لوجه الله والاتباع لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم: (فلأن تزول السماوات والأرض أهون عند الله من قطرة دم مسلم تراق بغير حق) هذه عزة المسلم، يوم أن يكون مسلماً قطرةٌ من دمه أعظم حرمة وأعظم شأناً من زوال السماوات والأرض، ولكن إذا ضل الإنسان عن هذا المنهج وابتعد عن مرضاة الله فحظه جنهم وساءت مصيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

معرفة عظمة الخالق سبحانه وتعالى

معرفة عظمة الخالق سبحانه وتعالى أيها الأحبة: المهم في الطريق إلى الجنة، بعد أن عرفت هوان نفسك: أن تعرف عظمة خالقك، أن تعرف أن كل جبارٍ فوقه جبارٌ أعظم منه، أن تعلم أن كل ظالمٍ فوقه يدٌ أقوى منه، وما من يدٍ إلا يد الله فوقها، ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم، أن تعلم أن كل غني فوقه من هو أغنى منه، بل خزائنه لا تنفد، ويده سحاء الليل والنهار، أن تعلم أن من ملك شيئاً من الجنود أن فوقه جنود السماوات والأرض لا يعلمها إلا هو، أن تعلم أن من ملك قدرة يحتاج ساعاتٍ إلى تحريكها فإن فوقه من إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن، فيكون، أن تعلم أن من تعب زمناً طويلاً ليخترع أو يصنع أن فوقه من يقبض الأرواح ولا يبالي، ومن يحيي الأجداث ولا يبالي، بل إن البشر كلهم -والله- ما عظم شأنهم على الله جل وعلا. يقول أحد المفسرين: إن خلق الناس ليس أمراً جليلاً على الله جل وعلا، بل هو عليه هين؛ لأن البشر منذ آدم إلى يومنا هذا خلقوا بكلمة كن، فالناس يتوالدون ويتناسلون وتنتشر البشرية طولاً وعرضاً على هذه الأرض بكلمة من الله: (كن) أن يكون من كل نواةٍ تلتقي بحيوانٍ منوي أن يوجد منها المخلوق الذي قدره الله ذكراً كان أم أنثى، من أي لونٍ من ألوان المخلوقات: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:28] بل وأعجب من هذا الأمر العجيب أن من خلق هؤلاء الخلق على اختلاف ألوانهم وأجناسهم لم يعجز عن رزقهم ساعة واحدة، من استكثر أمواله فليرزق أهل بلدته ساعة، ومن استكثر قوته فليحرك جبلاً من مكانه، ومن استعصم نفسه فليتسلط ولو بدقيقة بدون أمرٍ أودعه الله فيه من قوةٍ خلقها له. أيها الأحبة في الله: إن من ضرورات الوصول إلى الجنة بعد أن تعرف هوان نفسك، أن تعرف عظمة الخالق، الذي بأمره تكون البحار نيراناً: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6]، الذي بأمره تتفطر السماء: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1]، الذي بأمره تتكدر النجوم: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير:2]، الذي بأمره تحيا النفوس بعد موتها، اعرف عظمة هذا الخالق، ليس الدين قضية قصر ثياب أو طول لحية، ليس الدين قضية كذا أو كذا، الدين قبل كل شيء إدراك وشعورٌ بعظمة الخالق، يوم أن تسجد تسجد لعظيم، انظر إلى أولئك الذين عبدوا البشر في دنياهم، من الطواغيت من لا يدخل عليه أحد إلا بعد أن يسجد ويقبل الأرض بين يديه، وتجد بعض المنافقين، بل الكفرة الذين يسجدون للطواغيت من دون الله، يوم أن يقبل بلاط سيده ومولاه يشعر بكل عظمة أن يقبل التراب والبلاط بين يدي عبدٍ حقيرٍ ذليل، فما بالك وأنت تحني الجبهة إعظاماً لله جل وعلا؟! فما بالك وأنت ترمي هذه الهامة من طولها على الأرض لوجه الله جل وعلا، وتقول: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، وتحني جسمك وجذعك وتقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم؟! أيها الأحبة: حتى ندرك ما نحن بصدده ينبغي أن نعرف: نبذل الصلاة لمن؟ ونسجد لمن؟ وندعو من؟ ونرجو من؟ ونخاف من؟ ونهاب من؟

معرفة حقارة الدنيا

معرفة حقارة الدنيا وبعد ذلك من المهمات التي تعين في الطريق إلى الجنة أن ندرك حقارة الدنيا، فهذه الدنيا حقيرة، وأكبر دليلٍ على هوانها أن كل صحيحٍ لا تدوم صحته، بل يتكدر بالمرض، وكل عزيزٍ لا يدوم عزه، بل مخوفٌ بالذلة، وكل قوي لا تدوم قوته، بل مخطور بالضعف، وكل مجتمعٍ لا يدوم اجتماعه، بل يكدره الفراق، وكلٌ لا يستقيم له من أمره شيءٌ على حال، إذاً إذا عرفت حقارة هذه الدنيا، وعرفت حقارة ملذاتك فيها علمت أن دنياك حقيرة. فاقضوا مآربكم عجالاً إنما أعماركم سفرٌ من الأسفار طبعت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلبٌ في الماء جذوة نار أيها الأحبة: هذه الدنيا من تفكر في مآلها وما فيها وجد أمراً عجباً. وافتكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراً جلل. إذا كان الشراب يحتبس بولاً نجساً تتضايق منه، تشرب ما تشتاق إليه وتتجرع ما تريده، ثم تريد التخلص منه فتراه نجساً يخرج من جوفك، وتتلذذ بالطعام ثواني، فمدة اللذة ثوانٍ معدودة على اللسان، ثم بعد ذلك لو احتبست في الجوف هيجت كل عرقٍ ساكن، وسكنت كل عرقٍ متحرك. أيها الأحبة: اعرف أن دنياك حقيرة، واعرف أن دنياك مهينة، ولو كانت تعدل شيئاً لما سقى الله منها كافراً شربة ماء، ولن يعرف الطريق إلى الجنة من اغتر بنفسه، أو جهل عظمة خالقه، أو اغتر بدنياه واشتغل بها عن آخرته، هل يطمع بالجنة من قدم فلةً صغيرة على دارٍ عرضها السماوات والأرض؟! هل يطمع في الجنة من اختار إضاءةً تنطفئ واشتغل بها عن قناديل في العرش معلقة؟! هل يطمع في الجنة من اشتغل بحفنةٍ من المال عن خيرات عند الله لا تنفد: (إن آخر أهل الجنة دخولاً للجنة من يساوي ملكه مثل ملك أعظم ملكٍ في الدنيا عشر مرات)؟ هذا آخر رجل يدخل الجنة ملكه يساوي مُلْكَ مَلِك من أهل الدنيا عشر مرات، فالذي يقدم داراً صغيرة أو يقدم عرضاً حقيراً تافهاً من الدنيا على مرضاة الله، أتراه يشتاق إلى الجنة شوقاً يبلغه إليها؟ والله إنه لأمرٌ عجيب!

الأخذ من الدنيا للبرزخ والآخرة

الأخذ من الدنيا للبرزخ والآخرة ولن يعرف الطريق إلى الجنة من لم يأخذ من دنياه لبرزخه ثم لآخرته، أنت الآن في هذه الإضاءة، فأين الإضاءة في القبر؟ وأنت الآن في النور، فأين النور في اللحد؟ وأنت الآن في السعة، فأين السعة في المقبرة؟ وأنت الآن تحت المروحة والمكيف، فهل تجد مروحةً أو مكيفاً في القبر؟ وأنت الآن تأنس بمن حولك، فهل ستجد أربعة أو خمسة يحدثونك في قبرك؟ والله لا ينفعك إلا عملك الصالح، والله لا يسرك إلا عملك الصالح، دع عنك أولئك الذين زينوا وزخرفوا، وقربوا وقلبوا وغيروا لك الأمور، دع عنك أولئك فوالله ما منهم أحدٌ يسر، ولو كان أحدٌ في الدنيا يسر صاحبه لنفع الابن أمه، والرجل زوجته، والولد أباه، ولكن: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]. أيها الأحبة: من أدرك ذلك فليهيئ للسفر مركب التوبة، وليبدأ بدايةً صادقة، لو أن الحاضرين في هذا المسجد الآن كلٌ منهم عاهد الله بتوبةٍ صادقة؛ إن كان مقصراً أن يتمم، وإن كان مخطئاً أن يقلع، وإن كان مسرفاً أن يتوب، لو أن كل واحدٍ من الحاضرين بدأ وقطع العزم على نفسه أن يهيئ مركب السير في الطريق إلى الله جل وعلا، لانتشر الخير في كل بقعة من بقاع الأرض، كم عدد الحضور؟ سمِّ ما شئت من العدد، كل واحد منهم تاب إلى الله توبةً نصوحاً، وكانت ثمار التوبة أن لو كل واحد دعا اثنين ممن يعرف، وكل اثنين دعوا اثنين ممن يعرفون لانتشر الخير، لا أقول في عشيةٍ وضحاها، ولكن في فترة يسيرة من الزمن. ولكن أيها الأحبة: ما أكثر ما نسمع قلوباً تعرف، وألسنةً تصف، وأفعالاً تخالف، الران قد علا قلوبنا، الصغائر قد تساهلنا بها: هذه صغيرة، هذه كلمة لكن لا نقول: غيبة، هذه نظرة لكن لا نقول: ليست لغضٍ للبصر، هذا موقفٌ أو تساهل لكن لا نسميها باسم المعصية، بل نسميها باسم آخر، ولو حاسبنا أنفسنا محاسبة الشريك لشريكه لوجدنا أننا قد أكثرنا على أنفسنا من السيئات، ولأجل ذلك خربنا مركب السير. لو أن سيارة سليمة في قارعة الطريق، ولكن أبوابها مفتوحة، فجاء طفلٌ وعبث بسلك، وآخر عبث بالمقود، والثالث عبث بالإشارة، والرابع عبث بكذا وكذا، فعلى مدى الأيام وجدت هذه السيارة السريعة المطيعة خربة لا تنفع ولا تصلح أن تكون دابة تمشي بك ولو كيلو متر واحد لماذا؟ لأنك فتحت أبوابها لكل راكب، وجعلتها عرضةً لكل مخرب، فكذلك من فتح أبواب نفسه لكل جليس، ولكل صديق ورفيق وصاحب طريق، إنه يجلب على نفسه خراب دابته إن عاجلاً أو آجلاً. نعم. تساهلنا بالصغائر ونخشى أن نكون ممن طال عليهم الأمد، فقست قلوبهم.

التوبة مركبة الطريق إلى الجنة

التوبة مركبة الطريق إلى الجنة أيها الأحبة: أي دليلٍ أعظم من ضعف شوقنا إلى الجنة وعظم غفلتنا عما ينتظرنا، أن الواحد يقف بين يدي الله جل وعلا فتراه يذكر كل شغلٍ فائتٍ ولا يذكر عظمة ربه الذي هو واقفٌ بين يديه جل وعلا، تذكر كل شغلٍ ماضٍ، ولكن قلَّ أن تذكر ما أنت بصدده مما يقابلك من حسابٍ، أو ثوابٍ أو عقابٍ، أو حشرٍ أو كتابٍ تأخذه بيمينك أو بشمالك!! أيها الأحبة: ينبغي أن نستعد لهذه الغاية التي نتمناها؛ لأن المسافر لابد أن يهيئ دابته، ولابد بعد ذلك أن يحسن الظن بهذه الدابة، بعد أن يهيئها أن يحسن بها الظن، لا أن ينقطع ويتكل ويركن إليها، أقول: لابد أن يهيئها ويحسن الظن بعد ذلك؛ لأن الله جل وعلا يعد من ظن به خيراً: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأ خيرٍ من ملئه). أيها الأحبة: وهذه التوبة التي هي مركبة الطريق إلى الجنة بشروطها التي تعلمونها، نريدها توبة المريد، لا توبة العادي، نريدها توبة الاختيار، لا توبة الاضطرار؛ توبة الذين غرغرت أرواحهم وبلغت الحلقوم، أو توبة الذين قد رأوا الشمس قد خرجت من مغربها، لا. نريدها توبة القدرة، أن ترى الفلم أمام عينيك، ميسرٌ بين يديك فتعرض عنه لتقرأ كلام الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، هذه توبة وإعراض عن المعصية إلى الطاعة بالاختيار، أما أولئك الذين أرادوا الحرام فعجزوا عنه، ولما عجزوا عنه قالوا: نتوب إلى الله. قد تكون توبة، لكنها ليست توبة المريد، وليست توبة المختار، وليست توبة الذي عرف العظمة وأدرك ذلة نفسه فاختار ما عند الله جل وعلا، أو أنها توبة الخائف على سمعته، أو توبة الخائف على منصبه، أو توبة الخائف على أمرٍ يتعلق بأسرته ونحو ذلك، أو توبة من خاف على نفسه، لا نريد من ترك الفاحشة أو المعصية؛ الخمر أو غيره لأنه يخشى من المرض على نفسه، بل نريد توبة الاختيار، نريد توبة أن تكون قوياً صحيحاً شحيحاً ترجو الغنى وتخشى الفقر، حينما توجد هذه التوبة فإنها تخرج جيلاً ينفعون الأمة، وينشرون الدعوة، ويقمعون البدعة، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أما قول بعضهم: نشبع من المعاصي، ثم نعود إلى التوبة بعد ذلك، أو على حد قول قائلهم: وكثر ما استطعت من المعاصي إذا كان القدوم على كريم لا والله. بل لابد أن تكون تارك المنكر مع القدرة والإرادة التامة، هذا أعظم امتحان لصدق كل عبدٍ قد أراد الله والدار الآخرة. إن هذا الكلام لا يعني أن يذهب شابٌ إلى حانة خمر، أو مكان للزنا فيقول: الآن أختبر نفسي إن كنت صادقاً بالتوبة أم لا، (لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية) لا تتمنوا الفتنة، وإذا بليتم فاصبروا، لكن نقول لكل شابٍ الآن ربما هو يعلم من نفسه ما عنده من الأشرطة، وما عنده من المجلات، وما عنده من الأفلام، وما عنده من الجلساء، وما يقضي ليله فيه من المكالمات والاتصالات، نقولها لكل شاب: أقلع ما دمت قادراً. أحسن إذا كان إمكان ومقدرة فلا يدوم على الإمكان إنسان أنت اليوم مستطيع، لكنك غداً لا تستطيع، أنت اليوم تستطيع أن تصلي واقفاً على قدميك، ولكن بعد مدة قد تعجز أن تصلي وأنت جالس، أنت الآن قادرٌ على الصيام، وبعد مدة قد تعجز عن ذلك، أنت الآن قادرٌ أن تذهب برجليك إلى المسجد، وبعد مدة قد تكون عاجزاً عن ذلك، أنت الآن قادرٌ أن تخرج المال الذي جمعته من حرام بإرادتك واختيارك، ولكن بعد مدة لو قيل لورثتك: اجعلوا هذا المال بعيداً أو ردوه إلى أهله أو تصدقوا به، أو أخرجوه من تركة والدكم لقالوا: لا. هو الذي جمعه، وهو المسئول عنه ويحاسب عليه، إذاً انفع نفسك، ومن لم ينفع نفسه فلا يلم الناس إذا لم ينفعوه.

الجنة تريد عملا

الجنة تريد عملاً بقي أيها الأحبة في الله أن نقول ما تعلمون، وأن نذكر ما تعرفون: أن الجنة تريد عملاً، والعمل لا يشترط بعد المفروضات والواجبات أن يكون منصباً في جانبٍ معين، فإن ترك المحرمات، وحسن معاملة الناس من أعظم الأعمال، ولذلك لما سئل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، قال: (تقوى الله، وحسن الخلق) والتقوى: الخشية من الله في السر، فليس عجيباً أن تكون مؤدباً بين الناس، لكن إذا أغلقت الحجرة على نفسك، هل بينك وبين الله أدب؟ ليس عجيباً أن تكون خلوقاً طيباً لبقاً بين الناس، لكن إذا أرخيت الستر وأغلقت النور على نفسك هل يكون هذا الأمر موجوداً؟ التقوى: مراقبة الله في السر، خشية الله في السر، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك من مقامات الإحسان. أيها الأحبة: من الأعمال: الكف عن المعاصي، وبكل صراحة احفظوا هذه القاعدة: (نحن في هذا الزمان لا نشكو من قلة الحسنات، ولكن نشكو من كثرة السيئات) رُب بعض الناس يعمل أعمالاً ما فعلها بعض التابعين، قد تجد رجلاً يبني مسجداً، وينفق، ويعطي أشياء كثيرة، هذه الأمور بعض التابعين وبعض علماء المسلمين ما قدروا عليها، ولكن مع كونه بنى مسجداً، وأنفق وكفل أيتاماً، ما أكثر ما ترى من ذنوبه وسيئاته! وما أكثر ما ترى من زلاته وهفواته! فإذا كانت النتيجة النهائية ومحصلة الرصيد وجدت أن مجموع السيئات أكثر من رصيد الحسنات، إذاً العمليات الهامشية في الحساب في الدائن والمدين ليست مشكلة، المشكلة في الرصيد النهائي، لا تعجب أن تخسر مائة ريال لكنك في النهاية تجد في الرصيد أرباحاً كثيرة، المشكلة أن تغتر برصيدك الدائن وتنسى نصيبك في المدين، أن تنسى الخسائر، أن تنسى الذنوب التي تعصي الله بها ليل نهار، وإن كثيراً من الناس عنده عدد من الذنوب يومياً يرتكبها ويفعلها، وله جانبٌ من الحسنات. نسأل الله جل وعلا أن يعينه على ترك الذنوب وأن يبارك له بالقبول بحسناته. أقول أيها الأحبة: ليست المشكلة قلة حسنات، فقد جاء أعرابي قال: يا رسول الله! ما عندي غير الصلاة والصيام وحج البيت وأمور الأركان الخمسة، والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا، لم يقل: أريد صيام اثنين وخميس، ولم يقل: سوف أجاهد، ذكر فقط الواجبات الخمسة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق) وفي رواية: (من سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا) لكن التزامٌ بالواجبات مع عدم وقوع وولوغ في المحرمات والمعاصي، لكن الآن تجد عندنا تقصيراً أو تفريطاً في بعض الواجبات، توجد عدد من الحسنات، لكن تجد كثرة وإسرافاً في السيئات، فيظن الإنسان أن عنده خيراً كثيراً، ويجهل أنه في خسارة كبيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إذاً القاعدة: (ليست المشكلة قلة الحسنات، لكن المشكلة كثرة السيئات) إذا حصَّل الواجبات فكثر الله ألفَ ألفٍ خيره، لكن المصيبة كثرة السيئات وعدم المبالاة بها، تجد رجلاً يجلس ويبحلق بعينه في صورة امرأة لا يحل له النظر إليها، ولو قيل له عن رجلٍ يفتح النافذة وينظر إلى بنت الجيران، لقال: هذا خسيس، هذا نذل، هذا لا يستحي على وجهه، وأنت خلفه أما تستحي على وجهك؟! فعلاً القضية أن الإنسان عنده حسنات، لكن عنده سيئات كثيرة، فالمصيبة ليست قلة الحسنات فقط، ولكن المصيبة كثرة السيئات ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الموت في سبيل الله

الموت في سبيل الله أخيراً أيها الأحبة: إن أقرب الطرق إلى الجنة الموت، من أراد أن يختصر المسافة من الدنيا إلى الجنة فالقضية قضية التماس كهربائي، قضية اهتزاز لمدة ثوان معدودة وهي فترة خروج الروح، وبعد ذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، هذه الفترة الثواني؛ ثواني الاهتزاز، ثواني الكهرباء، ثواني التردد التي يحصل فيها هزة في لحظات بسيطة، من أصابته هذه الهزة أو هذا التردد أو هذه الموجة الممغنطة في عروقه وهي لحظة الشهادة في سبيل الله، لحظة الموت في سبيل الله التي لن يجد فيها إلا كألم القرصة، من أقرب الطرق الموصلة الموت في سبيل الله، وإن أعجب فعجبٌ ذات ليلةٍ ليست بعيدة طرق عليَّ الباب شابٌ، فقلت له: من أنت؟ قال: لن أخبرك عن اسمي، قلت له: أنا ما طرقت بابكم، أنت الذي أتيت تطرق بابي، أي خدمة يا أخي الكريم؟ قال: والله عندي حاجة، قلت: ما هي حاجتك؟ قال: والله -والرجل عليه سمة الصدق- أني أدعو الله وأرجوك أن تدعو لي، قلت: وما أنا بمجاب الدعوة أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم، قال: اسأل الله أن يقطع جسمي إرباً في سبيله، قلت: أسأل الله لك الشهادة، قال: لا. اسأل الله أن يقطع جسمي قطعة قطعة في سبيله، قلت: الآن جاءت المسألة، إذا يوجد عندنا في الأمة شباب كهؤلاء الواحد مستعد أن يقطع الأصبع الواحد من يده إلى خمس أنامل، واليد الواحدة إلى عشر قطع، والرأس إلى مئات الجرامات، والقدم إلى عشرات القطع، إذا يوجد شباب بهذه الصفة فالجنة قريبة، ولا نقول: إن الجنة لا توجد إلا بهذا الطريق، لكن نقول هذا أقرب الطرق إلى الجنة. كان ابن رواحة كثيراً ما ينشد ويقول: لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وطعنةً ذات فرغٍ تقذف الزبدا وطعنةً بيدي حران مجهزة بحربة تنفث الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا وقول الآخر: ألا موتٌ يباع فاشتريه وهذا العيش ما لا خير فيه ألا رحم المهيمن نفس حرٍ تصدق بالوفاة على أخيه الأمة تحتاج إلى أناس يشربون الموت كما يشربون الماء البارد، الأمة بحاجة إلى رجال كما قال خالد بن الوليد لـ رستم: [فإن أبيت الإسلام والجزية فقد جئناك بقوم يشتهون الموت -يحبون الموت، يتعطشون للموت، يبحثون عن الموت- كما تحبون الحياة]. إن مصيبة الأمة: حب الدنيا وكراهية الموت كما بينه صلى الله عليه وسلم في داء الوهن الذي ترى فيه كثرة كغثاء السيل، ويتسلط، ويتداعى، ويتكالب الأعداء عليها من كل جانب. أيها الأحبة: أقرب الطرق إلى الجنة الموت في سبيل الله، وهنيئاً لأولئك الذين سالت دماؤهم على أرض أفغانستان، ويا فوز أولئك الذين بذلوا أرواحهم للجهاد في سبيل الله، وأولئك الذين جاهدوا فكتب الله لهم الحياة كما كتب لإخوانهم الشهادة، هنيئاً لهم ما بقي الإخلاص والثبات في قلوبهم. أيها الأحبة: كنت في الجبيل من مدة فدخل شابٌ أسود اللون، ولكن في وجهه نورٌ يتلألأ، فأحببته منذ أن دخل ذلك المجلس، وما كنت أعرفه من قبل، فدنوت له، وكنت في صدر المجلس ودعوته أن يجلس بجواري، فالتفت إليه وقال لي أحد الإخوة: هذا فلان أبو الزبير من خيرة شباب جلال آباد، فقلت: ليس عجباً أن أميل إليه، وأن أحبه، وأن تميل نفسي ويهفو قلبي إليه، وأن أرى هذا النور يتلألأ في وجهه، وودعت ذلك المجلس ومن بينهم هذا الشاب ونفسي ما زالت تتذكره على كثرة من أقابل وأجالس، وبعد أيام قالوا لي: إن ذلك الشاب الأسود اللون البراق الوجه قد استشهد في سبيل الله، قلت: إذاً لا غرابة أن أحبه بلا خيار، وأن أميل إليه بلا إرادة، وأن أتعلق به بلا سابق معرفة. أيها الأحبة: يبقى أمرٌ واحد، هل نموت في سبيل الله؟ هل عندنا استعداد أن نقدم الأرواح في سبيل الله؟ إذا وجدت أمة تلعب بالموت كلعب الورق بكل استعداد، أول ورقة في النزال الموت، ولست أدعو بهذا إلى الانتحارية، فيا صاحب الفيديو! تب إلى الله يقول: لا ما أنا بتائب، فأقوم باسم الله الموت، أدخل عليه بحزام ناسف وانتهي أنا وإياه، لا. ليس المقصود هذا، لكن المقصود أن يوجد في النفس المفاوضة على آخر قطرة دم، بمعنى أن الإنسان بآخر قطرة دم مستعد أن يجعلها أول سعر في المساومة، إذا وجد هذا النوع من الشباب والله إن الأعداء يذلون ويهابون ويخافون، فقد قال الله جل وعلا في الكفار: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة:96] الكافر وصاحب البدعة ومن ليس على صراطٍ مستقيم كل أولئك يخافون الموت، لكن المسلم يقول: أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر؟ يوم لا يقدر لا أرهبه وعن المقدور لا ينجي الحذر إذا لم يكن من الموت بدٌ فمن العار أن تموت جبانا. إذا كان الموت ساعة لا تتقدم ولا تتأخر، فجميلٌ جداً أن نموت ميتة الأُسُود، لا ميتة النعاج والخراف، والجبناء والضعاف. أيها الأحبة: الموت في سبيل الله من أقرب الطرق إلى الجنة، وقضية الموت قضية ينبغي أن نبسطها بكل وضوح وبكل سهولة، من الناس من يخاف الموت خوفاً عجيباً، وأعجب من البعض، الجمعة الماضية خرجت من المسجد فإذ بي أجد شاباً، قلت له: أعطني يدك، قال: إلى أين؟ قلت: إلى المقبرة، أحد جيراننا فلان هو من أهل الإحساء ومن جيراننا في الرياض توفي، أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة ونعم الجار، ما علمت عنه إلا خيراً، فأصابه حادث سيارة توفي إثره، قلت: نصلي الجمعة ونذهب نشهد جنازته إن أدركناها وإلا نصلي على قبره ثم نعود أهله فنعزيهم فيه، فقال: والله يا أخي! أنا أخشى من المقبرة، أخشى من الموت، قلت له: فقط هذا الدور وتعال اركب، فذهبنا أنا وإياه، قلت له: تخاف من الموت؟ قال: نعم، قلت له: أي شيء من الموت تخاف؟ أي: ما هي المشكلة في الموت؟ تخاف من الموت يأخذك هنا مع الرقبة، وإلا مع الرجل، وإلا مع الظهر، ما هي المشكلة في الموت؟ الموت ظاهرة طبيعية، كما تخرج الفرخة أو الصوصة من البيضة، الموت خروجٌ من بيضة الدنيا إلى عالم البرزخ، الموت ظاهرة طبيعية جداً جداً، فهذه الدجاجة حينما تبيض بيضة، الصوص الموجود في البيضة يفرخ، يخرج من البيضة، سواء كان في محضن أو في فقاسة حرارية، أو كان في غرفة نوم أو في عش، أو كان في نافذة، سوف تنكسر جدران هذه البيضة الكلسية، ويخرج منها هذا المخلوق، فأنت سوف تنكسر عنك بيضة الدنيا وتنتقل إلى عالم جديد، فما هي المشكلة في الموت؟ المشكلة ليست في الموت، المشكلة مشكلة ما بعد الموت، المشكلة مشكلة الانتقال من الضوء إلى الظلام، الانتقال من السعة إلى الضيق، الانتقال من الأنس إلى الوحشة، الانتقال من الري إلى الظمأ، من الشبع إلى الجوع، هذه المشكلة، فمن كان جاداً في خوفه من الموت، فليقدم على الموت حتى تكفر ذنوبه، ويشفع في سبعين من أهل بيته، ويلبس تاج الوقار، ويرى مجلسه من الجنة، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين، هكذا من خاف من تلك المصائب بعد الموت، فليقبل على الموت، واحرص على الموت توهب لك الحياة، وإلا لم نجد تفسيراً بدون الرغبة في الموت، لا نجد تفسيراً لتصرفات الصحابة، أحد الصحابة طعنه مشركٌ اسمه جبار بن سلمة، طعنه طعنةً تفجر الدم من جوفه، فأخذ الصحابي يصرخ ويقول: [فزت ورب الكعبة] فارتعد الكافر، جبار بن سلمة ووقف مشدوهاً: رجلٌ أطعنه طعنة من ظهره بالسيف ثم يصرخ ويقول: [فزت ورب الكعبة] فكانت سبباً في إسلام جبار بن سلمة، دعاةٌ حتى آخر قطرة دم، دعاةٌ إلى الله حتى في النفس الأخير، وآخر من الصحابة يطعن وتبقر بطنه، فيغرف الدم من جوفه ثم يصبه على رأسه، ويمسح به وجهه ويقول: [اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى] هذه فلسفة الموت، فلسفة الموت عملية طبيعية، ربما الإنسان يجد في عملية زائدة، أو في أي عملية جراحية آلاماً أشد من آلام الموت، لكن المصيبة مصيبة الذين يموتون على المعاصي، تشدد عليهم آلام الموت وسكراته، وأما الذين يموتون مقبلين في سبيل الله فأولئك لا يجدون من آلام الموت إلا كما يجد أحدنا من ألم القرصة.

الصبر على طول الطريق

الصبر على طول الطريق وأخيراً أيها الأحبة! من أراد الجنة فليصبر على طول الطريق، وليوطن نفسه إذا انغلق عليه بابٌ في الطاعة والدعوة فليفتح باباً آخر، إن من الناس من تجده قد عود نفسه في الدعوة والعبادة على خطٍ معين، فربما انغلق عليه الطريق ذات يومٍ بسببٍ من الأسباب، نقول: إذا أُغلق الطريق فافتح طريقاً آخر، وإذا أُغلق هذا الطريق فافتح طريقاً ثالثاً، وهكذا إلى أن تلقى الله جل وعلا وهو راضٍ عنك غير غضبان، بمنه ورحمته، نريد طول النفس، لقد صنع في إحدى دول أوروبا نوع من اللمبات إضاءة هذه اللمبة يقال: تمكث عشر سنوات لا تنفد. أنتم تلاحظون الآن الواحد كل أسبوع اللمبة عنده محترقة، فيذهب ويأتي بلمبة جديدة، نحن لا نريد المسلم الذي تاريخ فعاليته قصير؛ عشرة أيام ويحترق، أو سنة ويحترق، أو ثلاث سنوات ويحترق، نريد مسلماً ليس من النوع الأوروبي هذا في اللمبة، بل طويل المدى، نريده مستمراً لا يخفت أبداً، مسلم من نوع: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]، مسلم من نوع: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]. فإن من أراد الجنة صبر على طول الطريق، ومن ضعف أو تقاعس أو تكاسل، أو مل أو اضمحل؛ فربما كانت خاتمته خاتمة المفرطين أو المنهزمين، أو الضائعين أو المنحرفين، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فعلى كل مسلمٍ أن يجعل الطريق نصب عينيه، وكما قال علي بن أبي طالب: [اللهم أشكو إليك طول الطريق وقلة الزاد] ولكن نستعين على هذا بما أرشد الله نبيه إليه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:1 - 4] لماذا القيام؟ لماذا الترتيل؟ لماذا القراءة؟ لماذا الذكر؟ {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:5 - 6] فمن أراد أن يأنس بما يعينه وأن يتزود بما يثبته في طريقه إلى الجنة، فليجعل التسبيح والقيام، والعبادة والتهجد، والاستغفار والإنابة زاداً له، فإنها نعم الطريق بمن الله، وهنيئاً لكل مؤمنٍ عبد ربه على بصيرة: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:103 - 104] {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:3] يعملون ويشقون وينصبون {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:4]. فهنيئاً لكل مسلم عبد الله على بصيرة، وسلك متبعاً منهج نبيه صلى الله عليه وسلم، أولئك في الغرفات آمنون، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، وهذا الكلام ليس للرجال وحدهم فحسب، بل هو للرجال والنساء، فإن خطاب القرآن يوم أن ينادي المؤمنين لا يخص الرجال دون النساء، أو النساء دون الرجال، بل الخطاب عامٌ إلا ما استثنيُ فيه ببينة أو خص فيه النساء بقرينة. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الأسئلة

الأسئلة

ثمرة الالتزام الدعوة إلى الله في مختلف مراحل الحياة

ثمرة الالتزام الدعوة إلى الله في مختلف مراحل الحياة Q أنا شابٌ فقير إلى الله حيث كنت من الشباب الذين يغارون على الدين، وكان لديَّ نشاطٌ قوي قبل فترة، وبعد الزواج أصبحت أتقاعس عن الطاعة، وكذلك عندي أحد الإخوة يدعوني إلى أمور الدنيا ويزينها لي، أرجو نصحي وتوجيهي إلى الطريق الصحيح، علماً أن أهلي يعينوني على الطاعة؟ A الحمد لله وبعد: أما بالنسبة لقولك أنك بعد الزواج قد ضعفت وتكاسلت عن الطاعة فليس بغريب، ومن المنعطفات الخطرة في حياة كثير من الشباب المسلم ما يصيبهم بعد زواجهم من انشغالٍ بأمور حياتهم الخاصة عما أكرمهم الله به من الدعوة إليه جل وعلا، وطالما سمعنا من الزوجات أن زوجها يقصر في حقها، التقصير شيء، لكن أن يصرف الإنسان جل وقته لزوجته، والله لو كان صرف هذا الوقت ينجي من النار ويقرب من الله جل وعلا لكان في هذا خير، والقضية حقيقة تحتاج إلى ضبط ومقياس، فكثير من الإخوة حينما يتناقش مع أهله، تجد زوجته تقول له: كان صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) (كلُّ لهو لا يثاب الرجل عليه، إلا حديث الرجل مع امرأته أو ملاعبته أهله) إلى آخر ذلك، لكن هل سنستمر في الليل والنهار في سواليف مع النساء وملاعبة للأهل؟ المنتظر من زوجة الشاب المسلم، كما أن الشاب له دورٌ في الدعوة أن يكون لها هي أيضاً دورٌ في الدعوة، أما أن تريد شاباً ملتزماً لكي تقفل عليه الأبواب الأربعة لا يخرج إلا للصلاة وتسأله بعد الصلاة: تعال، ولماذا تسهر؟ ولماذا جلست؟ نعم. لابد أن يعطيها حقها، لابد أن يخصص حديثاً معها، لكن أن يكون الظُّهر معها، والعصر معها، والمغرب معها، والعشاء معها، أظن هذه تربية أنوثة وليست رجولة ولا زواجاً. فالحقيقة ربما أو لعل صاحبنا ممن فهم نصوص الحض والحث على العناية بالأهل والزوجات فهماً أسرف فيه وأبعد النجعة، فأشغله ذلك عن إخوانه، والمرء ضعيفٌ بنفسه قويٌ بإخوانه. الأمر الآخر: النفس دائماً ميالةٌ إلى الترف، ميالةٌ إلى الدعة، ميالةٌ إلى السكون. والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم فخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما ما حظاك النصح فافتهم ولا تطع منهما خصماً ولا حكما فأنت تعرف كيد الخصم والحكم النفس حينما تعودها الدعة والراحة، والسكون والخمول، بل إن طول الجلوس مع المرأة ربما يورث مللاً، وهذا أمرٌ ليس بعجيب؛ لأجل ذلك نقول: أعط أهلك حقهم، ولكن لا يكون هناك إسراف يشغلك عن حضور مجالس الذكر، وحلق العلم، ومجالسة العلماء، وطلبة العلم، وقراءتك واشتغالك بالدعوة إلى الله جل وعلا، والمصيبة التي طالما نرددها كثيراً: أن الشباب الطيب في هذا المسجد كثير، لكن كم عدد العاملين في الدعوة؟ نحن شركة استقدمنا ألف عامل، فجعلنا كل عاملٍ يلبس لباس الشركة، ثم وقفنا عند هذا الحد، آلاف الشباب ما شاء الله ملتزمون محافظون على الصلاة وكفى، عمال مدربون مهرة ممتازون وكفى، فهذا لا يقبله إنسان يستقدم ألف عامل مدربين ممتازين على فنون الصناعة والتقنية والإنتاج ومجرد أن يلبسهم بدلة الشركة أو شعار الشركة يقول: إلى هنا وانتهى العمل، بالضبط هذا مثلنا الآن في هذه الصحوة على اختلافٍ في التسمية أو في وجهات النظر في هذه التسمية، الصحوة الآن آلاف مؤلفة من الشباب لكن: وأنت امرؤٌ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفعٌ وموتك فاجع ما أكثر الطيبين! نفجع بموت أحدهم، أو بمصيبة أحدهم، وما أقل من ينفع منهم، والله لو أن كل شاب ملتزم وكل شاب فيه خير يعمل؛ يدعو إلى الله؛ إلى شريط أو كتاب، إلى زيارة، أو ندوة، أو حلقة ذكر، دعوة جار، أي عمل من أعمال الدعوة إلى الله، والله لتجدن الخير يتدفق طولاً وعرضاً، وشرقاً وغرباً. لكن في الشركة لبس عمالها الزي ووقفوا عند هذا الحد، إن أبا بكر لم يقبل الإسلام ووقف عنده فحسب، بل لما أسلم وبدون أن يقول له النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ذهب وأتى بـ أبي عبيدة، وبـ عبد الرحمن بن عوف، وبغيرهم من الصحابة، إن الثمرة الطبيعية للإسلام والالتزام: الدعوة إلى الله، هل هي موجودة أم لا؟

التوبة المؤثرة

التوبة المؤثرة Q أنا شاب قد أسرف على نفسه وحاول التوبة كثيراً، ولكني أفشل في كل مرة فأعود إلى الذنوب، فماذا أفعل؟ A يا أخي الحبيب! يسمونها توبة الثعالب، لكن لا حرج، نقول: تب إلى الله ثانية وثالثة، ورابعة وخامسة وعاشرة، وسأقول لك أين الخلل. الخلل: أنك لما عزمت التوبة لم تصدق في تجريد القصد، ولم تكن جاداً في تطبيق بنود هذه التوبة. البند الأول من التوبة: الإقلاع عن الذنب، الإقلاع، ما معنى إقلاع الطائرة؟ ما بقي منها جزءٌ على الأرض، فإقلاعك عن الذنب ألا يبقى عندك قطعة مرتبطة بالذنب موجودة في البيت، لكن بعض الشباب -كما قلنا ونردده- يقلع عن الذنوب؛ عن كل الأفلام إلا فيلمين جعلهما تحت السرير، وأحرق المجلات إلا مجلةً فوق الدولاب، ومزق الأشرطة إلا شريطاً في الجيب الأيسر للسيارة، وهنا يظهر الخداع والتحيل على النفس، ما صارت توبة، بل مجرد تبديل أشرطة في وقت معين، أما نية العودة إلى المعصية موجودة وأكبر دليل عدم التخلص من البقايا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] أي: في الإسلام كافة، لابد أن يوجد هذا القصد وهذا الهدف، فإذا كنت جاداً ابذل هذا الأمر. الأمر الآخر: ألا وهو -أخي الحبيب! - تغيير البيئة، رُب كثير من الناس يعصي الله بسبب الوسط الذي هو فيه، فإذا ترك هؤلاء الجلساء في وسطهم وبيئتهم التي لا يسمع فيها إلا غيبة ونميمة، ولهواً وصوراً محرمة، وغناء خليعاً ونحو ذلك، إذا تركهم وخالط أقواماً يذكرون الله ويتلون كتابه، ويتعاونون على العبادة ويهتمون بأمور أهلهم وصلات رحمهم وحاجات والديهم يستقيم ويستمر، فقضية الانتقال مهمة، والحديث الذي تعرفونه وطالما رددناه، والذكرى تنفع: أن رجلاً من بني إسرائيل قتل تسعة وتسعين نفساً، فندم وأراد التوبة -الله لا يهينه بعد تسعة وتسعين نفساً يندم- فجاء إلى راهب، قال: إني قتلت تسعة وتسعين نفساً، فهل لي من توبة؟ قال الراهب: لا. ما لك من توبة، فقام وغرس الخنجر في صدره فأكمل به المائة، ثم ذهب إلى عالم -المرة الأولى ذهب إلى راهب، فمجرد العبادة، ومجرد طقوس العبادة، أو مجرد إنسان يتعبد بدون علم هذه مسألة ضعف، فلابد مع العبادة العلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]، لابد أن تكون العبادة بعلم، والمتعبد بلا علم قد يضل- المرة الأولى ذهب إلى راهب فأخبره، فقال: ليس لك توبة، فذهب إلى عالم في المرة الثانية، قال: إني قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟ -وكأني بذاك الرجل يقول: إذا قال: لا، أكمل المائة وواحد، نعم. كما يقال عن رجل كان يدور على حفرة ويقول: تسعة عشر تسعة عشر تسعة عشر، فجاء رجل قال: أيش تسعة عشر؟ قال له: تعال، ولما طل دفعه في الحفرة وقال: عشرين عشرين عشرين، فالمسألة مسألة تكميل عدد- ذهب ذلك الرجل إلى العالم قال: قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟ قال: ومن ذا يمنعك التوبة؟ إن باب التوبة مفتوح، ما لم تغرر أو تطلع الشمس من مغربها، ارحل إلى قوم بني فلان، أو اذهب إلى قرية بني فلان، فإن فيها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم الحديث فالمسألة الأولى بداية العمل، وبداية الأمل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53] ونقولها لكل شاب، مهما بلغت ذنوبه، أياً كان، بعض الشباب يظن أن التوبة على قليل أغاني، وقليل أفلام، أما اللواط والزنا، والسرقة والشعوذة، والسحر والكهانة، هذه أمور لا يمكن أن يتوب الله على من فعلها، لا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] حتى من وقع في الكفر فجدد الإسلام ودخل الإسلام على نيةٍ صالحة صادقة، وعلى بصيرة، وعلى توحيدٍ صحيح، فإن ذلك يجب ما قبله (أسلمت على ما أسلفت والتوبة تجب ما قبلها) فتخلص من بقايا المعصية، والحق بشبابٍ أو بصحبٍ أو بقومٍ يعينونك على الطاعة، ويذكرونك إذا غفلت، ويعينوك إذا ذكرت. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

العدل في المعاشرة

العدل في المعاشرة هذه رسالة نتحدث فيها عن مشهد من المشاهد الاجتماعية المؤلمة، وهي مشكلة قائمة في الواقع وليست ضرباً من الخيال، ألا وهي إعراض المعددين في الزوجات عن زوجاتهم الأولى وأمهات أولادهم، تتعرفون في هذه المادة على أسباب هذه الظاهرة ودوافعها، وأنه لا اعتراض على تعدد الزوجات ولكن يجب المعاشرة بالمعروف.

ظاهرة إعراض الزوج عن زوجته الاولى لأجل الثانية

ظاهرة إعراض الزوج عن زوجته الاولى لأجل الثانية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: الحديث اليوم عن واحدٍ من المشاهد الاجتماعية المؤلمة، وهي مشكلةٌ قائمة ليست ضرباً من الخيال أو الافتراض. عباد الله: ما هو ذلك المشهد؟ وما أسبابه ودوافعه؟ وقبل أن نخوض في هذا، سنقف لنعرض عليكم هذا المشهد الاجتماعي الأليم، الذي يحدث وكثيراً ما يحدث ويتكرر في كثيرٍ من بيوتنا. أيها الإخوة: كثيراً ما نسمع ونعرف وينقل إلينا أن بعض المسلمين حينما يصلُ إلى سن الأربعين أو الخمسين وما حولها، يحلو له أن يتزوج امرأةً ثانية، لأسبابٍ عديدة، ولعل من أهمها: أن المرأة مع زوجها في هذا السن، قد تكون قاربت نهاية الشباب في أنوثتها وقوامها، لا سيما بعد أن قدمت أكبر وأجل واجباتها ممثلاً في إنجاب الأولاد، والقيام عليهم بحسن الرعاية والتربية، وإلى هذا الحد من هذا المشهد، فلا غبار ولا اعتراض على ما يحدث، لأن شباب الرجال أطول عمراً من شباب النساء، لكن المشكلة والمصيبة والمأساة، هي إعراض بعض المتزوجين عن زوجاتهم الأُول، وأعني بالإعراض عدم المبالاة والتقدير والمراعاة لشعور الزوجة أم الأولاد، فترى الواحد من أولئك ينقلب وحشاً فظاً غليظ القلب، لا يطيق أن يسمع من زوجته الأولى شكوى، ولا يجد فراغاً ليقضي لها حاجة، وكثيراً ما يتذرع بقلة ذات اليد؛ أو عدم أهمية حاجتها، وحينما تسأله زوجته الأولى شيئاً من المال لقضاء حوائجها ومتطلباتها، يدخل الواحد من أولئك عابساً أو مقطباً، ويخرج كذلك، ويغضب لأتفه سببٍ عند زوجته الأولى، ويقيم الدنيا ولا يقعدها، ويحمل الأمّ المسكينة مسئولية أي خطأٍ أو تقصيرٍ يقع من أولاده، والويل ثم الويل لها إن فقد شيئاً من حاجياته، وإن كانت زوجته الثانية -الجديدة- تسكن معه في نفس البيت، فالويل للأولى إن شكت الثانية منها، أو أبدت على الزوج تغيراً بسببٍ مزعومٍ ينسبُ إلى الزوجة الأولى، وفي جوٍ مدلهمٍ بالمشاكل والخلافات، يصل الأمر إلى غايته ونهايته، فتقف الزوجة الأولى أم الأولاد، لتفصح عن مكنون سترها، ولتكشف عن خفي سترها، فماذا تكون الإجابة من ذلك الزوج؟ وماذا تتوقعون أن يقول مجيباً؟! إن الإجابة المريرة المؤلمة والتي سمعنا بها في كثيرٍ من هذه الحالات هي قول الكثير منهم: إن أعجبك هذا الوضع على ما فيه ورضيت به فأهلاً وسهلاً، وإن لم يعجبك فالطلاق الطلاق ليس عندي لك شيءٌ سواه. وهنا تنكسر كبرياء الأمومة، وتضيع سنون العشرة، ويقابل المعروف بالأذى، والإحسان بالإساءة، ثم يحصل الطلاق في لحظةٍ من غضبٍ وجدال، أو تبقى الزوجة الأولى معذبة بين نارين مشتعلتين: الأولى: نار الطلاق والفراق. الثانية: نارُ الآلام والعيش المليء بالسخط والتبرم وسوء المعاملة وتحطيم المشاعر. أيها الإخوة: أليست صورة واقعة؟! ألم تسمعوا بها؟! ألم تعرفوا عنها؟! ألم تقرءوا في رسائل المعذبات إلى الصحف والمجلات؟! نعم، كل هذا واقعٌ وحاصل، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

الفهم الخاطئ لهذه الظاهرة

الفهم الخاطئ لهذه الظاهرة أيها الإخوة في الله: وفي خضم هذه المشاهد الاجتماعية المؤلمة، يقف من يقف من المخدوعين، أو الجاهلين، ليقول: هذه ثمرات تعدد الزوجات، وهذه نهاية الذين يجرءون على التعدد، ويغيرون على أنفسهم، إلى غير ذلك من عبارات الإرجاف والتشكيك والوسوسة الشيطانية، ليقف من أراد الزواج محتاراً خائفاً غير واثق، وحينها قد يفضل بعضهم السفر أو الالتفات يميناً أو شمالاً ليقضي مآربه وأوطاره في سبيلٍ حرام وبطريقٍ خفيٍ، ليسلم من سبة ما سمعه زوراً واختلاقاً عن مشاكل تعدد الزوجات.

لا اعتراض على تعدد الزوجات ولكن عاشروهن بالمعروف

لا اعتراض على تعدد الزوجات ولكن عاشروهن بالمعروف أيها الإخوة: وأمام هذه الصورة المأساوية نقف قليلاً موضحين لما سبق أنه لا اعتراض لأحدٍ على تعدد الزوجات، وأنه أمرٌ شرعيٌ لا شك في سنيته وترغيب الشريعة فيه، ولكن هنا ألف اعتراض واعتراض على تعدد الزوجات لمن سيعامل زوجته الأولى بذلك الأسلوب، وهنا ألف اعتراض واعتراض على تعدد الزوجات لمن سيعامل زوجته الأولى بتلك الطريقة؛ لأن العدلَ شرطٌ في التعدد، ومن كانت تلك سجيته، وذاك سلوكه في معاملة زوجته الأولى، فهو في وادٍ والعدل في وادٍ آخر، فليتق الله، ولا يحمل نفسه من الإثم والعذاب ما لا يطيق، وذلك بالجور والجنف والميل المتعمد في المعاملة والمعاشرة. فإلى الذين يقعون في تلك المشاهد السيئة من المعاملة والمعاشرة لأزواجهم، وأمهات أولادهم، وينسون المعروف والجميل، لسبب زوجةٍ عارضةٍ جديدة، وفتاةٍ صغيرة. إلى أولئك الذين نسوا حق الزوجة الكبيرة التي صبرت على آلام الفقر، ورضيت بالعيشة قانعةً بزوجها على أقل القليل من الطعام والشراب، راضيةً بالضيق من السكن والمكان. إلى أولئك الذين تزوجوا بنات الأمس، وأمهات اليوم، ولم يشترطن عليهم بالزواج خادماتٍ أو سائقين. إلى أولئك الذين لم تثقل كواهلهم بالمهور الغالية والصداق الباهظ. إلى أولئك الأزواج جميعاً نقول: اتقوا الله، اتقوا الله، اتقوا الله! أهذا جزاء الإحسان؟! أهذا جزاء الصبر والمصابرة على أيام عيشٍ مضت بين الفقر والضيق والضراء؟! أهذا هو الوفاء بالمعروف؟! أهذا هو رد الجميل أن تجعل ضرتها في وجهها وتسكن معها وهي كارهةٌ غير راضيةٍ بمساكنتها؟! أمن حسن العشرة أن تجعل الزوجة الثانية الصغيرة أمام الزوجة الأولى الكبيرة لتجرح قلبها وفؤادها؟! حينما يضاحك الزوج هذه الزوجة الصغيرة، وحينما ترى الزوجة الكبيرة ضرتها الصغيرة، وهي في شباب أنوثتها وصغر سنها، وهي ترى زوجها يميل إليها بنظراته، ويضاحكها بعباراته، ويسارقها الحركات والألفاظ والعبارات. إن هذا لأكبر جرحٍ لشعور أمٍ مسكينة، إن هذا لأكبر ظلمٍ لمشاعر وفية صادقة، إن هذا لأسوء جزاءٍ يجزى به المعروف والإحسان. أيها الإخوة: نعود فنقول: إن هذه ليست دعوة إلى ترك التعدد وعدم الزواج، بل إنما هو دعوة إلى حسن المعاشرة، خاصةً مع ذلك الجيل الوفي الصادق من النساء الذي يندر أن نجد مثله في هذه الأيام، ذلك الجيل اللاتي قدمن أفضل التضحيات وأجملها في سبيل الحفاظ على رباط الزوجية الكريم، وتربية النشء الصالح، مهما كدرته شوائب الفقر والمرض، وضيق المسكن وقلة ذات اليد. إلى أولئك الذين وقعوا في هذا المشهد الاجتماعي الأليم، ننصحهم ألا يجمع المرأة بجارتها أو ضرتها إلا برضىً منهما، وإلا فليقسم الدار قسمين، وليكن قريباً منهما، وهما منفصلتان عن بعضهما، أو فليجعل داراً مستقلةً أخرى إن قدر على ذلك. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمع بين امرأتين تحت سقفٍ واحد، فلكم في رسول الله أسوةٌ حسنة، ننصح أولئك ألا يتحدث الواحد منهم بجمال زوجته الصغيرة أمام الأخرى، وخواص أمورها، من لباسٍ أو فراشٍ أو غيره، لأن ذلك يشعل الغيرة، ويؤجج نيرانها، وربما أدى ذلك إلى الانتقام بما لا تحمد عقباه، والعياذ بالله. ننصح أولئك بحسن الخلق ولطف المعاشرة للجميع، وليتذكر الجميع قول الله سبحانه وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] فأين المعروف في هذا التصرف؟! وأين الإحسان في هذا السلوك؟! أمن المعروف أن تجعل الفتاة الصغيرة، تتباهى بجمالها وإظهار مفاتنها أمام زوجتك الأولى الكبيرة، لتجرح كبرياء الأم، وتكسر مشاعرها التي قدمت وتقدم كثيراً مما لا يتسع المجال لذكره. أمن حق هذه الأم التي صبرت معك على الفقر والآلام، وعلى الضراء والسراء، وعلى الحل والترحال، أمن معاشرتها بالمعروف أن تبادل ضرتها الصغيرة بنظراتٍ وعباراتٍ لتجعل في ذلك خنجراً يطعن قلبها، ولتجعلها لا تجد شكوى إلا إلى ربها؟ فتنطلق مسكينةً مهرولة؛ هذا ما سمعته، وهذا ما نقل إلي، وليس افتراضاً كما قلته لكم، بل هو واقعٌ ويتكرر ويكثر وقوعه في مجتمعنا.

خيركم خيركم لأهله

خيركم خيركم لأهله إلى أولئك نقول لهم: تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارهم خيارهم لنسائهم). نذكرهم بهذا الحديث، فلتنصت له الآذان، ألا وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى أحدهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل) حديثٌ صحيح رواه الإمام أحمد وغيره، وليس الميل هنا في الأمور الغريزية الفطرية، إذ أن شهوة الرجل تغلب على نفسه، لكن الميل الذي ينهى عنه إنما هو في النفقة، وفي السكنى والعطاء، ومن أشد الظلم ومن أشد الميل جرح كبرياء الزوجة الأولى وكسر مشاعرها أمام ضرتها الصغيرة، هذا أعظم وأخطر من الميل، وأشد إثماً وعقوبة، ما يريد أولئك؟ ما الذي يدفع بعض الأزواج لكي يتلذذوا بإثارة غيرة أمٍ مسكينة قد بدأ الشيب في شعرها؟ ألا يحترم سنها؟! ألا يقدر عشرتها؟! ألا يقدر الحمل والولادة وإنجابها له عدداً من الأولاد والبنات؟! إن الذي يقع في ذلك ويصر عليه لمن اللؤم بمكان، وفي سوء العشرة بدرجةٍ عظيمة. نسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.

حكم التشاؤم من شهر صفر

حكم التشاؤم من شهر صفر الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، الحمد لله وحده لا شريك له أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ومن كل ما سألناه أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: منذ يومين أهل علينا هلال شهر صفر جعله الله باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام لنا ولولاة أمورنا وسائر إخواننا المسلمين، ولكن البعض هداهم الله يتشاءمون من شهر صفر، ومن بعض الأيام في السنة. أيها الإخوة: هذا من التشاؤم المنهي عنه في الشريعة الإسلامية، وهو من جنس الطيرة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها من أمر الجاهلية، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر) والتشاؤم بشهر صفر من الطيرة المذمومة التي وقع فيها بعض الناس، فلا تراهم يتزوجون فيه ولا يسافرون، ولا يذهبون أو ينزلون أو ينتقلون، وهو شيءٌ يجدونه في أنفسهم لا أصل له، إذ أن شهر صفر كسائر الشهور يقع فيه الخير والشر، وقد يفضي هذا التشاؤم إلى شيءٍ من الشرك والعياذ بالله، والعياذ بالله لمن غالى في تطيره وتشاؤمه، فظن أن للأيام فعلاً بذاتها من دون تدبير الله وقضائه وقدره. عن عروة بن عامر رضي الله عنه قال: (ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أحسنها الفأل، ولا تردوا مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك) رواه أبو داود بسندٍ صحيح. أيها الإخوة: اعلموا ذلك علم اليقين، ومن رأيتموه يتشاءم أو يتشكك أو يتردد في هذا الشهر فانصحوه بالمضي والتوكل على الله جل وعلا في هذا الشهر وفي غيره من سائر الشهور والأيام؛ لأن الإنسان إذا بالغ في تشاؤمه من يومٍ معين، أو من شهرٍ معين، فكأنما يظن أن لهذه الأيام فعلاً وتدبيراً في إحداث بعض المقادير والأقدار، وإنما الأمور بيد الله سبحانه وتعالى، لا يأتي بأحسنها إلا هو، ولا يدفع السيئ منها إلا هو، فلا حول ولا قوة إلا بالله في كل حال. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم من أراد ولاة أمورنا بفتنة، اللهم من أراد شبابنا بضلالة، اللهم من أراد نساءنا بتبرجٍ وسفور، اللهم من أراد شبابنا بفسقٍ وضلال، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم أدر عليه دائرة السوء، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، ربنا لا تحجب دعاءنا، واستجب لنا فيما دعونا. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم سدد رصاصهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد صفهم، اللهم أبعد الفرقة والنزاع بينهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم اجزهم خير الجزاء، اللهم ضاعف لهم الحسنات، وكفر عنهم السيئات، اللهم وفق الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر في زمان غربة الدين، وفي زمانٍ أصبح المنكر معروفاً فيه أمام كثير من الناس، وأصبح المعروف منكراً فيه أمام كثيرٍ من الناس، اللهم وفق الآمرين بالمعروف، اللهم ارزقهم الفقه والعمل الصالح، والعلم النافع برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم عجل زوال الفرس، اللهم عليك بالإيرانيين، اللهم عليك بالفجرة الظلمة الفَسقه منهم، اللهم عجل بزوالهم، اللهم عجل زوالهم، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود، اللهم أرنا فيهم الكارثة، اللهم احصهم عدداً وأقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، اللهم اجعلهم غنيمةً للمسلمين، اللهم أشعل الفتنة بينهم، اللهم أشعل الفرقة بينهم، اللهم أوقد الاختلاف بينهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم اجعل تدبيرهم في نحورهم، اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين والكافرين بالكافرين والفاسقين بالفاسقين، وأخرج أمة محمد من بينهم سالمين، اللهم عليك بهم، اللهم فعجل زوالهم، اللهم إنهم لا يؤمنون بكتابك ويقولون: هذا كتابٌ ناقص، إذاً فإنهم يقولون: إن الله لم يحفظ القرآن، وأنت يا رب العزة والجلال تقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. فالله يحفظ كتابه، وهم يقولون: إن القرآن لا يحفظ، اللهم إنهم يسبون صحابة نبيك، اللهم عليك بهم، اللهم فعجل زوالهم، اللهم عجل زوالهم وفناءهم، اللهم لا تحجب دعاء المسلمين فيهم، اللهم قد نما زرع باطلهم وترعرع، اللهم هيئ له يداً من الحق حاصدة تحصد زروعهم، وتستأصل شرورهم بقدرتك وجبروتك يا رب السماوات والأرض. اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، اللهم اجعلنا على حوض نبينا واردين، ولكأسه من الشاربين، وعلى الصراط من العابرين، وآتنا صحفنا باليمين، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمجرمين، وأدخلنا الجنة، وأدخلنا الجنة، وأدخلنا الجنة بسلامٍ آمنين أول الداخلين. اللهم إنا نعوذ بك من فجاءة نقمتك، وزوال نعمتك، وتحول عافيتك، لا إله إلا أنت، سبحانك إنا كنا من الظالمين. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تعذبنا بما اجترح السفهاء منا، اللهم ارحمنا فأنت بنا راحم، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً وهبته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم انصر إمام المسلمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، وجنبه بطانة السوء، اللهم أصلح ووفق إخوانه وأعوانه، اللهم اجمع كلمتهم على الحق، اللهم وحد صفهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم لا تقرب لهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، ولا تفرح عليهم كائداً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم اجز والدينا عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً، اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم افسح على أهل القبور قبورهم، اللهم نور على أهل القبور قبورهم، اللهم أعنا على ما أعنتهم عليه، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم إنا نسألك توبة قبل الموت، وراحةً عند الموت، ونعيماً بعد الموت. عباد الله: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلملوا تسليماً، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

العناية بشئون المساجد

العناية بشئون المساجد إن الله جل وعلا قد عظم شأن المساجد ورفع منزلتها وقدرها، وعظم منزلة المشائين إليها، ولما كان اهتمام جل المسلمين بعمارة المسجد حسياً كان لابد من بيان أهمية عمارتها المعنوية، وهو ما بينه الشيخ في هذه المادة، واذكراً آداب المساجد وضرورة العناية بها.

فضل المساجد

فضل المساجد الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاّ هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. معاشر المؤمنين: لا يخفاكم أن الله جلَّ وعلا قد عظَّم شأن المساجد، ورفع منزلتها ودرجتها، وعظم منزلة المشَّائين إليها، فقال جل وعلا مضيفاً هذه المساجد إلى نفسه إضافة تشريف ورفعة، جل من قائلٍ عليما: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18]. وقال جل وعلا في بيان أولئك الذين يعتنون بالمساجد ويقيمونها إقامةً حسيةً ومعنوية: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]. فيا عباد الله: هذه بيوت الله جل وعلا، قد رفع منزلتها وجعلها مهابط رحمته ومتنزل ملائكته، بل تكفل الله جل وعلا على لسان نبيه برفعة الدرجات وتكفير الخطايا والسيئات بالمشي إلى المساجد، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يكفر الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم أيضاً: (بشر المشَّائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة). لم هذا كله يا عباد الله؟! لأن المشي إلى المساجد، ولأن إقامة الصلاة في المساجد، ولأن عمارة المساجد بالصلاة مع الجماعة فيها ركنٌ عظيم من أركان الإسلام، ولذا فلا عجب ولا غرو أن تكون هذه المنزلة العظيمة لمن قام بحق هذه المساجد، وعرف قدرها بمعرفته قدر الله جل وعلا بتعظيمها ورفعة منزلتها.

عمارة المساجد وأنواعها

عمارة المساجد وأنواعها أيها الأحبة: لسنا بحاجةٍ إلى بيان مزيدٍ من الأحكام المتعلقة بالمساجد؛ كأن لا يمكث فيها الجنب، وألا تمكث فيها الحائض وإن كان يجوز لها المرور بها، وألا يدخلها ويقربها من أكل ثوماً أو بصلاً لئلا يؤذي المسلمين إلى غير ذلك من الأحكام. لكن يهمنا أيها الإخوة! حكم من أهم أحكامها ألا وهو عمارتها؛ عمارتها الحسية، وعمارتها المعنوية.

عمارة المساجد الحسية

عمارة المساجد الحسية فأما عمارتها الحسية، فإن الله جل وعلا قد أذن برفع هذه المساجد وتشييدها وبنائها، يقول سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاةٍ بنى الله له به بيتاً في الجنة) وكلكم لا يخفاه هذا القدر، من البناء الحسي للمساجد وتشييدها، ولكن الأمر المهم أيضاً هو أن نهتم بالبناء المعنوي لهذه المساجد.

عمارة المساجد المعنوية

عمارة المساجد المعنوية ونعني بها اهتمام المجتمعات الإسلامية بمساجدهم، إن طوائف كثيرة من المسلمين يظنون أن المسجد فقط للأذان، ثم للإقامة، ثم للصلاة، ثم تغلق أبواب المساجد بعد ذلك، لا والله! ما شيدت المساجد لكي يستفاد منها أربع ساعات أو خمس ساعات في اليوم والليلة فقط، بل شيدت لتكون مساراً للذاكرين والتالين والقارئين وطالبي العلم والمتعلمين والمتفقهين والدارسين، إن هذه المساجد شيدت لكي يفزع ويضرع إلى الجلوس فيها لمناجاة الله جل وعلا من هَمَّ بمحاسبة نفسه؛ لكي يخلو فيها مع نفسه خلوة تدبرٍِ واستغفارٍ ومحاسبةٍ وتذكر، فلو أن كل المساجد لا تفتح إلا في ساعاتٍ معينة من اليوم والليلة فقد حصرت مكانة المسجد في الأذان والإقامة والصلاة، إنما مكانة المساجد أن تكون خلية نحلٍ يرد الناس إليها ويصدرون عنها، مليئة عقولهم وأفئدتهم بالذكر وبالعلم النافع والمواعظ الحسنة. فيا عباد الله: انتبهوا لهذا الأمر المهم انتبهوا لهذا الدور العظيم للمسجد، إن كثيراً من مساجدنا لا نرى لها دوراً إلا الصلاة والنداء والإقامة فقط، فلو فتشت في جنبات المسجد فلن ترى فيه مكتبةً تضم أهم الكتب النافعة، وأمهات كتب مذاهب الإسلام العظيمة، وكتب الحديث والتفسير، والفقه والعقيدة، لوجدتها خلواً من هذا العلم العظيم، ولو تأملت هل يوجد فيها من الأشرطة السمعية النافعة فيما حوته من كلام العلماء الثقات الأجلاء لوجدتها خلواً من هذا كله. إن هذين الأمرين لمن أهم الأمور التي ينبغي أن نعتني بها، وأن نقررها ونثبتها في مساجدنا، لكي تكون المساجد خليةً يرد إليها كل منهوم لعلم، ويصدر عنها ريان النفس والفكر، عبقاً بالمواعظ والنفع والفوائد والأحكام. فانتبهوا لذلك -يا عباد الله- وتفقدوا مساجدكم، فأي مسجدٍ ترونه خلواً من هذا فاعتنوا بعون الله جل وعلا على إنشاء المكتبة النافعة، سواء كانت داخل المسجد أو في جنبة من جنباته، أو خارج المسجد أو قربه، المهم ألا يخلو المسجد من مكتبةٍ إسلاميةٍ نافعة، مكتبة مقروءة، ومكتبة مسموعة. كذلك أيها الأحبة في الله: ينبغي ألا تخلو المساجد من حلقات الذكر، وحلق تعليم القرآن الكريم، وفي هذا المقام نشكر الله جل وعلا، ثم نشكر الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن، التي كان لها دور عظيم منذ سنين عديدة، كان لها الأثر السباق، وكان لها الفضل الأجل بعد الله جل وعلا في تأسيس كثيرٍ من هذه المدارس الخيرية، فجزى الله القائمين عليها خير الجزاء. أيها الأحبة في الله: إن كثيراً من المسلمين يعتنون ببناء المساجد، ولكن المؤسف حقاً أن ترى ملايين طائلة قد بذلت وأنفقت وصرفت في بناء مسجد واحد، وما زالت مناطق أخرى يصلي الناس فيها تحت البناء البدائي من الحجر والسقف المخشب ونحو ذلك، فلو أن من قام ببناء مسجدٍ أنفق عليه هذه الملايين الطائلة قسم هذه المبالغ لكي يبني بها عدداً أكبر من المساجد لنال بذلك خيراً عظيماً، واعلموا أن أهم ما تحتاج إليه المساجد، إن كان من الجوامع أن يكون في مكانٍ محاطٍ بالفسحة والرحبات الواسعة من جوانبه، لكي يتمكن الناس أن يجتمعوا فيه، ولكي يكون أهلاً أن يجمع فيه، أما ما نراه اليوم من كثرة مساجد الجمع فهذا فيه مخالفةٌ للسنة، وإن كان الأمر قد اضطر القائمون إليه اضطراراً لعدم التقدير الدقيق، وهذا ليس راجعاً إليهم، لأن المناطق لا تعلم سلفاً من سيجتمع فيها ومن سيفترق عنها، إلا أن من الواجب أن تقلل الجوامع، وأن تكون مركزيةً، ففي كل جهةٍ وفي كل منطقة، عددٌ محدودٌ من الجوامع والمساجد حتى نعتني بتطبيق السنة في أمر الجمعة، أما ما نراه في كثيرٍ من الناس، ومطالبتهم وإصرارهم وإلحاحهم على كثيرٍ من المسئولين بأن تكون مساجدهم مساجد جمعة، فهذا ليس بسبيل، وليس هذا في طريقٍ مشروع، فالواجب أن نعتني بالسنة، وأن نجتهد في معرفة الجوامع معرفةً دقيقة، وأحكامها، وما ينبغي لها، ومواقعها، ولو كان ذلك على حساب التجميع في مساجدنا التي نعلو بها، أو التي نعتني بها، فنسأل الله أن يمن على القائمين بهذا الأمر، وأن يلتفتوا إليه التفاتاً مهماً. أيها الأحبة في الله: إننا ينبغي أن ندرك أن عمارة المسجد بإقامة الصلاة فيها من أهم الأمور، إن كثيراً من الناس قد يعمرون مساجد لا يشهدونها، ويقيمون بيوتاً لا يصلون فيها، إن أهم عمارة للمساجد أن يجتمع الناس للصلاة فيها، وإن المساجد في هذا الزمان لتشكو إلى ربها هجر المصلين، لتشكو إلى ربها ضعف المسلمين من العناية بعمارتها، والصلاة مع الجماعة فيها، وليسأل كل واحدٍ منكم نفسه، فَسِّروا واشرحوا وعللوا؛ لماذا لا ترون صفاً مكتملاً أو صفين مكتملين في صلاة الفجر؟! أين أولئك الذين يملئون المساجد؟ هل عرج بهم إلى السماء أم خسف بهم باطن الأرض؟ أم خطفت أرواحهم في ليلةٍ واحدة؟! إنه لأمرٌ عجيب غريب والله يا عباد الله!! وما الجواب في ذلك إلا ضعف العناية بعمارة المساجد، وضوى الجهل بالفضيلة الجليلة العظيمة بالمشي إلى المساجد، حتى ولو كانت بعيدة، فإن كل خطوة إلى المسجد يخطوها العبد لترفع له بها درجة ولتحط عنه بها خطيئة. جاء بنو سلمة يريدون أن يقتربوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن دُورَهُم بعيدة شيئاً ما عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا بني سلمة! دياركم تكتب آثاركم) والتقدير: الزموا دياركم وابقوا في أماكنكم، ولا تُقرِّبوا مساكنكم؛ لأن الآثار والخطا لتشهد لمن قام بها عند الله جل وعلا يوم القيامة. إن الأزقة والطرقات لتشهد عند الله جل وعلا: لفلان بن فلان يوم كان يعبرها متجهاً في طريقه إلى المسجد، والملائكة تشرح له جنبات الطريق، فلم هجر المساجد؟! ولم هذه الجفوة عن صلاة الفجر خاصةً في المساجد؟! اسألوا وتواصوا وتناصحوا ومروا بعضكم بالمعروف وتناهوا عن المنكر، واعمروا بيوت الله بأجَلِّ فريضةٍ من فرائض الله ألا وهي الصلاة بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

وجوب التزين للمساجد

وجوب التزين للمساجد الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلاله، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. يقول الله جل وعلا: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]. أيها الأحبة في الله: إن كثيراً من الناس لا يعتنون بأمر الزينة عند المساجد، ولا يعتنون بالهيئة والملبس والشخصية والصفة عند المساجد، وهذا أمرٌ ينبغي ألا يتفق وألا يقع عند المسلمين، ينبغي أن نعرف للمساجد قدرها ومكانتها، لو أن واحداً أراد أن يتابع أمراً من أموره في دائرةٍ عليا من الدوائر، لتراه تطيب بأحسن طيبٍ، ولبس أحسن حلة، فالله جل وعلا أحق من تزين له، كما قال ذلك ابن عباس، فينبغي أن نتزين لمقابلة الله، وللقاء الله سبحانه وتعالى. ألا وإن من الأمور التي وقع فيها كثيرٌ من الناس، أن تجدهم يشهدون صلاة الفجر بثياب باليةٍ، أو بثياب خلقةٍ، أو بثيابٍ كلها من الروائح التي تؤذي المصلين والمسلمين، فهذا مما لا ينبغي، فصلاة الفجر كغيرها من سائر الصلوات ينبغي أن نستعد لها بالزينة المناسبة، وأن يجعل الإنسان ثوب الصلاة أبهى حلة، وهو ثوب مقابلة أجل حبيبٍ يحبه، لا أن يكون بيت الله أهون الأماكن في المقابلة بالنسبة له، ولا أن يكون الله هو أهون الناظرين إليه، فينبغي له أن يعتني بذلك، وأن يلبس الحلل الجميلة البهية الزاهية، لكي يشهد بها الصلاة في المسجد. أرأيتم لو أن كل واحدٍ اعتنى بتطييب نفسه، ولبس أبهى حلةٍ من حلله يوم أن يتوجه إلى المسجد، أتجدون رائحةً خبيثة؟ أترون زيَّاً خَلِقاً؟ لا والله يا عباد الله! ثم ما الأمر إذا اجتمعت هذه الروائح العبقة العطرة الطيبة في بيتٍ من بيوت الله، ترى المصلي يتمنى أن يمكث في هذا البيت في جوٍ تملؤه الملائكة، والروائح العطرة الطيبة عبقةٌ في جنباته، أما من دخل المسجد وقد شم الروائح الكريهة والخبيثة من الدخان والعرق والأوساخ وغيرها، فكيف يحلو له أن يبقى في هذا المسجد؟ وكيف يطمئن للمكث أو الاعتكاف أو البقاء فيه؟ فينبغي أن نعتني بذلك. ألا وإن مما تركه الناس في هذا الزمان، ترك التزين لصلاة الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجبٌ على كل محتلم) وقال صلى الله عليه وسلم: (من غسّل واغتسل، وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ومس ما تيسر من طيبه، وجلس وأنصت ولم يَلْغُ، غفر له ما كان في جمعته السابقة، أو ما كان منه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فيا عباد الله: ينبغي أن نعتني لصلاة الجمعة بمزيدٍ من النظافة، ومزيدٍ من الحلل، كان الناس في العصر القديم، بل في العصر القريب أيضاً، لا يخرجون إلى صلاة الجمعة إلا وما يسمى بالمشالح أو البشوت كلٌ يرتديها، ومن خرج إلى الجمعة ولم يرتدِ عباءته أو مشلحه نظر الناس إليه نظرة قصورٍ أو نظرة انتقاد، لأنها فريضةٌ ينبغي أن يتزيّ الناس وأن يتزينوا لها، فالتفتوا لذلك -يا عباد الله! - واعتنوا بذلك، والبسوا مشالحكم، وبشوتكم، وأبهى حللكم للحضور لصلاة الجمعة، لكي نبرز هذا اليوم الذي هو عيد الأسبوع، ولكي يرى الناس ويرى الوافدون، ويرى القادمون، ونري ربنا قبل ذلك تعظيماً منا لهذه الشعيرة العظيمة، فالتفتوا لذلك ولا تتغافلوا عنه، ولا تظنوا أن هذا الزي -وأعني به: العباءة- أو المشلح هو قصرٌ على العلماء، أو الأمراء، أو على المشايخ، بل هو زينةٌ ينبغي لكل مسلمٍ أن يتزين بها، وأن يلبسها، وأن يحضر بها ما تيسر له من المناسبات، لأنه زينة القوم في هذا الزمان، والله جل وعلا يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] فالحاصل أن هذا من الأمور التي غفل عنها كثيرٌ من الناس. وفي القديم -القريب ليس البعيد- كان النادر من لا ترى عليه عباءة، والآن تجول ببصرك في الجوامع والمساجد، لا ترى في أربعة من الصفوف أو خمسة إلا واحداً أو اثنين قد لبسوا عباءاتهم، فلم هذا البخل على هذه الفريضة الجليلة؟ وإن كل واحدٍ بحمد الله ومنّه، لا يعجزه أن يوجد في بيته هذا الزي الجميل، فالتفتوا لذلك واعتنوا به عباد الله.

الاهتمام بالمساجد مسئولية الجميع

الاهتمام بالمساجد مسئولية الجميع أيها الأحبة: إن من النعم العظيمة على هذه الأمة، أن المساجد لها هيئة، ووزارةٌ، وجهةٌ مسئولة تقوم بخدماتها وحاجتها وصيانتها وتأمين كل ما يلزمها، فهذه من النعم التي تفردت بها هذه البلاد دون غيرها من كثيرٍ من الدول، فالحمد لله الذي فضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، ويبقى أن يتحد الناس ويجتمعوا لمعرفة مصالح مساجدهم، فإن كان المسجد يحتاج إلى شيءٍ من التكييف طالبوا وذهبوا وراجعوا واتصلوا من أجل إثبات ذلك، لا أن يقول جماعة: هذه مسئولية الإمام، أو هذه مسئولية المؤذن، لا وألف لا. كمسجد الحي، كل واحدٍ من أفراد الحي مسئولٌ عن نظافته وزينته، وعن مرافقه وخدماته، فينبغي أن نعتني بذلك عنايةً عظيمة. وإن من نعم الله على هذه الدولة أنك لا ترى أضرحةً ولا قبوراً ولا مزارات قرب المساجد، فهذه نعمةٌ من نعم الله جل وعلا، خلافاً لما عليه الأمر في كثيرٍ من دول العالم، حيث يندر في بعضها أن ترى مسجداً إلا وفي قبلته ضريح، أو في جنباته قبرٌ أو قبورٌ عديدة، فإنها نعمةٌ عظيمةٌ قد من الله على هذه الأمة بها، والفضل لله أولاً، ثم للشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود، حيث قاموا بدعوة التوحيد التي طهرت أرجاء الجزيرة من أدران الشرك والوثنية. أسأل الله أن يديم علينا النعمة والأمن والطمأنينة في هذه البلاد، وأن يجعل مساجدنا حيةً عطرة بحلقات الذكر ومجالس تعليم القرآن، والندوات والمحاضرات والتذكير، والنفع العام لعموم المسلمين أجمعين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر عبادك الصالحين المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، وانصر اللهم المجاهدين في فلسطين، وارحم اللهم المستضعفين، اللهم ارفع الكربة عنهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم اجمع شملهم، ووحد صفوفهم، واجمع كلمتهم، وسدد رصاصهم في نحور أعدائهم يا رب العالمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة يا رب العالمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا حيران إلا دللته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلى شفيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مريضاً إلا شفيته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً. اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً طبقاً، مجللاً غير ضار، اللهم أسق العباد والبهائم والبلاد بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تحرمنا بذنوبنا فضلك، ولا تمنع عنا بمعاصينا رحمتك، اللهم إن عظمت منا الذنوب فإن الرحمة منك أعظم وأكبر يا رب العالمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

العولمة والتحديات المعاصرة [1]

العولمة والتحديات المعاصرة [1] العولمة خطر يداهم ديار المسلمين، بهدف غزوهم فكرياً وإعلامياً وثقافياً، ولابد للأمة الإسلامية أن تعرف ما يحاك لها من المؤامرات، فالعولمة إنما هي نقل لمعتقدات الغرب وممارساته الشاذة إلى بلاد المسلمين، إنها نقل للإباحية إلى بلاد العفة.

الدين الإسلامي صمود وشموخ

الدين الإسلامي صمود وشموخ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. معاشر المؤمنين: على مشارف القرن الواحد والعشرين وقبل بزوغ فجره بسنواتٍ، يحسن أن نقف على حقيقةٍ مهمةٍ وقضيةٍ خطيرة، وهي أنه يمضي على ظهور هذا الدين أكثر من أربعة عشر قرناً هجرياً لم يضعف ولم ينحرف ولم يضل الطريق، بل يزداد قوةً ومضياً وعطاءً وكثرة أتباع، دينٌ لا يمكن أن يقضي عليه خصومه، أو يوقفون حركته كما يظنون أو يتوهمون؛ تلك أمانيهم وما يضمرون، فبئست من أمانٍ وخسأت من منون. أربعة عشر قرناً وأمة هذا الدين تجابه التحديات الخطيرة، فتستجيب لها وتخرج منها ظافرةً مرفوعة الرأس، عالية الراية، قامتها فوق الهامات وأهدافها فوق الأهداف، إن هذا الدين، قد واجه أصنافاً وألواناً من العداء والعدوان، مشركي الوثنية بقيادة الملأ من قريش اليهود المنافقين المرتدين أدعياء النبوة الزعامات الكاذبة رءوس الطواغيت في بلاد كسرى وقيصر الصليبيين المغول المستعمرين القدماء والمستعمرين الجدد، موجات إثر موجات يتكسر عنقها الشرس اللجوج على صخرة هذا الدين فترتد زبداً وغثاء، ولا يبقى إلا عطاء هذا الدين الذي ينفع الناس: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. أربعة عشر قرناً وهم يقاتلون هذا الدين، في محاولةٍ مديدةٍ متواصلة، لرد أبنائه عنه، لا يرضون له، أن يمضي إلى غايته التي رسمها له الله، ولا لأبنائه أن يختاروا طريقاً شرعه الله، أربعة عشر قرناً ونداءات القرآن تحذر وتنذر فما من لحظةٍ سيلقى فيها السلاح، أو يكف الخصم فيها عن البغي والكيد: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32]. فلتقر أعينكم، ولتقرَّ أعين أتباع هذا الدين في أنحاء الدنيا، ولترغم أنوف خصومه؛ فإن النصر لن يكون إلا لهذا الدين: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171 - 173] تلك حقيقةٌ واضحة، وذلك أمرٌ ينطق به الوحي: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105].

النصر للإسلام

النصر للإسلام حقيقةٌ يؤكدها التاريخ، ويشهد لها أربعة عشر من قرناً من الصراع الذي لا يرحم، والنتيجة الواحدة التي لا تتغير أو تتبدل مهما عظمت التضحيات أو غلا الثمن، فالنصر للإسلام والانتشاء لنوره، هل ثمة من دين أو مذهب اجتاز رحلةً طولها أربعة عشر قرناً؟ أو حتى قرناً واحداً أو اثنين دون أن تتشعب به المسالك، أو تنحرف به الطرق، أو تضل به الأهداف. عشرات الأجيال والمذاهب، قطعت خطواتٍ لكنها قصيرة، قصيرةً في الزمان والمكان، فما لبثت أن تعرضت لأكثر من محنة، فلم تصمد لها، بل ذابت شموعها أمام حرارة أعدائها، فتمزقت وتشتت وانحرفت عن الطريق وتفرق أتباعها شيعاً وأحزاباً. لقد أكمل الله هذا الدين على يد رسوله الكريم ليكون دين البشرية الأخير، ومعنى هذا أنه دينٌ أُريد له أن يظل باقياً ما تنفس إنسانٌ على وجه البسيطة، دائماً ما طلعت الشمس من مشرقها، خالداً ما دامت السماوات والأرض، ولن يخشى عليه: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يبقى بيت حجر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين؛ بعز عزيزٍ أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل به الشرك وأهله). طيلة هذه القرون التالية وإسلامنا وديننا وعقيدتنا وأمتنا تتعرض لتحدياتٍ أقوى ما جابهت في كثيرٍ من الأحيان، تواجه أعداءً يفوقونها عدداً وعدداً لكن هذا الدين دائماً هو المتصدي لتحدياتها لكن ديننا هو المتقدم بصدره لمجابهتها، المنتصر عليها في نهاية الأمر، وليس ثمة من لا يعرف ما فعله هذا الدين وأتباعه إزاء هجمات الصليبيين وغزوات المغول، رد أولاها على أعقابها، واحتوى الثانية فإذا بالغالب القاهر يتقبل ويقبل الانتماء للدين، الذي يتصور أنه غلبه ثم يخضع له ويطيع. اسألوا المغول والتتار، جاءوا يريدون أن يبيدوا الإسلام وأهله، فانقلبوا جنوداً له يدينون به، يعتقدون عقيدته، نعم هي تجربةٌ تكاد أن تكون نادرة بين سائر التجارب في التاريخ، أن يخضع غازٍ لمغزو! أن يخضع غالبٌ لمغلوب! لكنها في حقيقة الأمر غلبةٌ لغير الغازي، وانتصارٌ لمن هجم عليه، والسر يكمن في عظمة هذا الدين.

تحديات عظام تواجه الإسلام

تحديات عظام تواجه الإسلام واليوم وديننا يقترب من عقده الثالث من القرن الخامس عشر الهجري، وهو على عتبة القرن الحادي والعشرين الميلادي، يجد نفسه محاصراً بألف تحدٍ وتحد: ولو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالث هذا الدين وأمة هذا الدين تجد نفسها محاصرة، إن الاستعمار الجديد والمادية الملحدة يضيقان الخناق شيئاً فشيئاً بالغزو الفكري والتخريب الأخلاقي، والتدمير الاجتماعي، وتجويع الشعوب، والاستنزاف الاقتصادي، والصهيونية التي أقامت أشد العنصريات في التاريخ سلفاً ووحشيةً وأنانيةً وغروراً، تضع كافة إمكانياتها جنباً إلى جنب، تضع كافة ما أوتيت مع أتباعها وبعضهم لبعضٍ ظهير؛ لسحق هذا الدين وإبادة أتباعه، وإضعافهم أو شلهم على الأقل، وغير هؤلاء وهؤلاء عشراتٌ بل مئات من الضغوط والتحديات، تظن أنها ستهدم هذا الدين، أو ستخرج بنيانه أو تهد أركانه، والسؤال الذي ربما سأله بعض أبناء المسلمين: هل سيقدر هذا الدين هذه المرة أن يخرج من المعركة الطاحنة ظافراً ومنصوراً وأعداؤه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وشماله، ومن تحته أعداءٌ آخرون لا تعلمونهم والله يعلمهم: وسوى الروم خلف جسمك روم فعلى أي جانبيك تميل نعم. إنه لمن البديهيات في عمر هذا الدين بالأربعة عشر قرناً وزيادة أن يخرج ظافراً منصوراً حيثما وجد نفسه في وضع المتحدي طال الزمان أم قصر، فالعبرة كما هو معروفٌ بنتائج الأمور وأخرياتها لا ببدايتها، والعبرة ليست بنقص البداية، لكن بكمال النهاية والليالي من الزمان حبالى مثقلاتٍ يلدن كل عجيبة هناك ضروبٌ وضروبٌ من التحديات القادمة، ليست جديدةً عن هذا القرن في مضمونها أو جوهرها وحقيقتها، لكنها ربما ظهرت بلونٍ جديد، وشكلٍ غريب، واسمٍ براق، وقال: ابن مضرم: يظن البعض أنها تحديات لا تقهر، لا تبارى ولا تجارى ولا تغلب، وقد نسوا أن الله قد أهلك أمماً هي أقوى من أمم الغرب التي صنعت عابرات القارات، والتي صنعت الغواصة والقنبلة، واكتشفت الحاسب، وبحثت عن أدق العجائب في هذا الكون، إن الله من قبل قد أهلك أمماً أشد منها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم:9]. اسمعوا قول الله أيضاً: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:13] {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} [الأنعام:6]. أو بعد هذا يبقى في نفس مسلمٍ شكٌ أو ريبٌ في أن الغلبة لهذا الدين؟ أو بعد هذا يبقى في نفس مسلمٍ شك أو ريبٌ أن ما بلغه الأعداء من تقنيتهم ومكتشفاتهم وحضارتهم، سيكون السلاح الذي به يقتلون، والمال الذي يفتك بهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36]. نعم. ينفقون أموالاً طائلة على الطابور السادس، وأموالاً طائلة على شراء العقول، وأموالاً طائلة على إفساد الانتماء، وأموالاً طائلة على حربٍ لم تأت بدبابات زاحفة، ولا بطائراتٍ راجمة، ولا بقنابل منفجرة، وإنما هي حرب الفضاء، حرب الإعلام، حرب الصورة والكلمة، ينفقون أموالاً طائلة: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36].

العولمة وحقيقتها

العولمة وحقيقتها أيها الأحبة! طالعتنا منذُ أيامٍ ليست بالقليلة، وما هي علينا بغريبة: إذا بنيَّ ضرجوني بالدمِ من يلق آساد الرجال يُكلمِ شنشنةٌ نعرفها من أخزم جاءونا بمصطلحٍ جديد اسمه العولمة! فما هي هذه العولمة؟ مصطلحٌ لا تزال كثيرٌ من القنوات، وكثيرٌ من وسائل الإعلام تردده وكثيرٌ من مؤسسات صنع العقول تطرحه وتسوقه إلى المثقفين خاصة، وغيرهم عامة، ما هو مضمون هذه العولمة؟ كلمة جميلة خفيفة على اللسان؛ لكنها تحوي من السم ما يفتك بكل إنسان. ما هو مضمون هذه العولمة؟ اسمعوا وعوا يا عباد الله! حتى لا تُخدعوا بما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان: (يأتي في آخر الزمان أناسٌ يشربون الخمرة، يسمونها بغير اسمها) وسيأتي قومٌ ينطقون بالعولمة ويتلذذون بها، ويدعون إلى تسويقها، وفتح الأذرعة لاحتضانها، وفتح القلوب لاختزالها، وفتح العقول لتخزينها، وفتح كل شيءٍ يملكونه من أجل ما يظنونه مكسباً حينما يتعاملون معها وبها ولها. مضمون هذه العولمة: أن يتحول العالم كل العالم إلى قرية كونية واحدة صغيرة، وهذا النمط المطلوب المقصود هو النمط الغربي بنموذجه المادي، تحول العالم إلى قريةٍ واحدة على نمطٍ واحد، في نمطٍ غربيٍ في نموذجه المادي المغرق بحب السيطرة، ومعنى هذا أنه من حق الأمة المسيطرة أن تسعى لفرض ثقافتها وسلوكها ومعتقدها ومصالحها، لماذا؟ ليروج بين حينٍ وآخر أن هذه العولمة ليست شراً محضاً، ففيها مصالح شتى، وفيها فوائد كثيرة، انتقال المعلومات، ونقل التقنية، وتزحلق رءوس الأموال اللازمة، لتنمية البلدان الفقيرة والنامية والأقل نمواً. هذا ظاهر العولمة، ولكن ما هي شروط العضوية فيها؟! بل ما هي رسوم الاشتراك للدخول إلى مسرحها؟ التي يريد الغرب من أمة الإسلام أن يكونوا مطنطنين مطبلين مقلدين لكل ما فيها!! العولمة أيها الإخوة: لا تعني انتقال البضائع والخدمات والنقد والمعلومة والشركة والسلوك والثقافة، لا تعني انتقال هذه الأمور منفردةً مستقلةً واحدةً تلو الأخرى لتختار منها ما تشاء! وترفض ما لا ينبغي! وما لا يجوز! وتطرد ما يضر ويهلك، لا. العولمة جملةٌ متسقة متناغمة مرتبطٌ بعضها ببعض، تطبيعٌ في العقول وفي القلوب، وفي الاقتصاد، وفي الإعلام، بل وخلط للعقائد مع المبادئ مع الأخلاق مع العادات مع المذاهب، مع الآراء، مع النظريات. كما قال الساقط قريبا في مبدئه المسمى: بـ الشتيلا ( Balshtella) اخلطوا عقائد الأديان الخمس، واجعلوها مزيجاً واحداً، لا تجد صراعاً على وجه الأرض: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32] ولا يمكن أن تتلوث عقيدة نقية بوحيٍ معصوم مع عقائد محرفة أو أفكارٍ من زبالة أذهان البشرية. إن العولمة تعني أن يقدم هذا الطعم كله جملةً واحدة، لا خيار لا خيار لا إرادة لا خيار في الانتقاء فيه، إن العولمة تعني أن تقبل الحاسب مع الموضة، وأن تقبل التقنية مع الثقافة، وأن تقبل النظرية الفيزيائية والكيميائية مع الذوبان الاجتماعي، والانصهار الأسري، والانحطاط الأخلاقي، والتردي فيه مستنقعات الرذيلة، إنها قضيةٌ لا تحتاج إلى ذكاءٍ شديدٍ لنعرف حقيقتها، بل ذكاءٌ فطريٌ يسير، يكفي لتعرف أن العولمة هي الثقافة الغربية النصرانية المادية الكافرة في نموذجها الأشد فجاجةً، والأشد غطرسةً وتعالياً. العولمة: كلمةٌ رقيقة، لكن أنيابها مفترسة، ومخالبها جارحة، دمرت الاقتصاد في دول شرق آسيا، ونظمت مؤامرات المرأة والسكان، والبقية قادمة. العولمة: هي التي جعلت النمور الأسيوية تعيش مرحلةً في هزة اقتصادية غريبة وعجيبة، ونسأل الله أن يجعل العاقبة خيراً للإسلام والمسلمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

حاجة الأمة الإسلامية إلى إدراك ما يحاك لها

حاجة الأمة الإسلامية إلى إدراك ما يحاك لها الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ في الدين بدعة، وكل بدعةٍ في دين الله ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها المسلمون إننا بحاجةٍ إلى مسلمٍ ذكيٍ واعٍ منتبهٍ يقظ ملتفت لما يحاك حوله من مؤامرات، ولما ينصب حوله من فخاخ وشباك، إننا بحاجةٍ إلى مسلمٍ يعتز بدينه، ويدرك حجم المؤامرة على بيته ونفسه وأولاده ومجتمعه، وولاة أمره وأمته، إننا بحاجة إلى مسلمٍ يمارس دوره الذي أكرمه الله به، وشرعه الله له، أما ما تراه من غثاءٍ أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلةٍ نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن وينزع الله المهابة من صدور أعدائكم منكم، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت). أيها الأحبة: الحديث عن العولمة وعن خطرها له بقيةٌ في جمعةٍ قادمة، أسأل الله أن يبصرنا لنرى الأمور بعين البصائر والأبصار، لنرى الحق حقاً ونسأله أن يرزقنا اتباعه، ولنرى الباطل باطلاً ونسأله أن يرزقنا اجتنابه، وألا يجعله مشتبهاً علينا فنظل ونخزى، ولا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم آمنا بدورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أهد إمامنا وولي عهده وأصلح حالهم واجمع شملهم، ولا تفرق كلمتهم، وأعنهم وأصلح حالهم مع إخوانهم، ربنا لا تفرح علينا ولا عليهم عدوا، ً ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك، واجعل اللهم ذلك بطاعتك وإعلاء كلمتك يا رب العالمين،. اللهم توفنا على أحسن حالٍ يرضيك عنا، اللهم عاملنا بعفوك، وجازنا بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم اغفر لنا زللنا وهزلنا وجدنا وعمدنا وخطأنا وما أنت أعلم به منا، وما قدمنا وما أخرنا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت. اللهم اجعل هذه الأيام القادمة، وهذا الفجر الجديد على المسلمين في إندونيسيا، فجراً يشهد لهم بمزيد تمسكٍ بالإسلام، واجعله اللهم فجراً قادماً يرفع الظلم عن المظلوم، واجعله اللهم فجراً مؤذناً بنصرٍ يجعلهم أمتةً واحدة، يواجهون الكنيسة والنصرانية والتبشير، اللهم أصلح حالهم، واجعل اللهم قوتهم خدمةً للإسلام والمسلمين يا رب العالمين. اللهم صلِّ على محمدٍ وآله وصحبه.

العولمة والتحديات المعاصرة [2]

العولمة والتحديات المعاصرة [2] العولمة فرض لكل ما يريده الغرب في بلاد الإسلام، فهي هدف للغرب، لذلك كان لابد لأصحاب هذا الهدف من وسائل تعينهم على تحقيق هدفهم، ومن أهم وسائل العولمة: القنوات الفضائية الإنترنت المؤتمرات المنعقدة في شتى البلدان تحت مسمى العولمة، فإذاً: واجب على شباب الإسلام ودعاته وعلمائه أن يقفوا يداً واحدة أمام هذا التحدي المسمى اليوم بالعولمة.

العولمة فرض لإرادة الغرب على العالم

العولمة فرض لإرادة الغرب على العالم الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. معاشر المؤمنين: مر بنا في جمعةٍ ماضية الحديث عن تحدياتٍ معاصرة وقادمةً لا زال الغرب يحيكها، ويتربص بالمؤمنين، الدوائر كي يوقعهم في حبائلها وفخاخها، ولئن تغيرت أساليب الحرب، واختلفت ألوان العداوة، وتغيرت أنماط التحدي في هذا العصر، إلا أن الحقيقة هي الحقيقة، ما تغيرت ولا تبدلت: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89]. آيات القرآن تترى محكمةٌ ثابتة تؤكد هذه المبادئ التي هي من صميم الحرب الدائمة الباقية بين الإسلام والشرك بين التوحيد وبين الهدى والجاهلية، وإن تصافحت الأيادي وظهرت الابتسامات على الشفاه أو تنوعت الكلمات والتصريحات: قد ينبت المرعى على دمر الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هيا من أواخر الصيحات والصرخات التي أطلقها الغرب مدويةً فاستقرت في قلوب بعض أذنابهم من المسلمين وغيرهم من المغرورين المخدوعين بأقوالهم وشعاراتهم، كلمة العولمة وقد تحدثنا في الجمعة الماضية عن هذا الضرب الجديد من التحدي. ولا تزال وسائل الإعلام الفضائية، ومؤسسات صنع العقول، تطرحه وتسوقه إلى المثقفين خاصة، ومضمون هذه العولمة: تحول العالم إلى قريةٍ كونيةٍ أو عالمٍ واحد، لكن هذا التحول في مقاصده وأنماطه يصب في النمط الغربي بنموذج المادي المغرق في حب السيطرة، ومعنى هذا أنه من حق الأمة المسيطرة أن تسعى لفرض ثقافتها وسلوكها ومعتقدها ومصالحها على غيرها من الأمم. العولمة أيها الإخوة: لا تعني انتقال البضائع والخدمات والنقد والتقنية والمعلومات والشركات والسلوك والثقافة، لا تعني انتقال هذا منفرداً عن الآخر لنختار منه ما ينفعنا، ولننبذ ما لا ينفعنا أو لنرفض مالا يجوز، كلا. إنها تعني أن يقدم لك ذلك كله، فاقبله جملةًَ أو عش في ضمير التاريخ وذاكرته متخلفاً مع القرون الرجعية البائدة الحجرية، هكذا يرددون ويقولون. أيها الأحبة: اتجاه العولمة استمرارٌ لاتجاهات السيطرة الغربية على بقية العالم، بل والعالم الإسلامي والعربي خاصة، ولئن كانت هذه الكلمة كلمةً جديدة، لكن مضمونها قديمٌ ومعانيها معلومة، لكن الجديد فيها: أنها كلمةٌ بعبارات ملطفة، تقلل الأثر البشع لها.

بدء حركة العولمة

بدء حركة العولمة أيها الأحبة في الله: إن العولمة ما هي إلا استمرارٌ لتحركات الغرب لإخضاع الآخرين، هي هي تلك التحركات التي بدأت بغزوات الإسكندر المقدوني، أو تحركات الصليبين الغزاة، مروراً بكل حربٍ خاضها الإسلام مع الشرك والجاهلية، وانتهاءً إلى معركتنا الكبرى اليوم مع الإمبريالية الحديثة، وما تخلل ذلك من التحركات والمطلوب أيها الأحبة: ألا يستسلم أبناء المسلمين، وألا تستسلم أمة الإسلام، وألا تخدع بهذا الشعار الذي خفيت حقيقته، وزورت هويته، وجاء عبر الصوت والصورة والكلمة، وقد كان من قبل يأتي عبر الجندي والدبابة والطائرة والقنبلة، هذه الحرب الجديدة بشعارها المستحدث الجميل، يعني أو يزعم أو يصور أن العالم سيغدو متحداً يحمل ملامح متشابهة، ويحكمه نمطٌ اقتصاديٌ واحد، هو نمط اقتصاد السوق الرأسمالي الغربي، وتقوم مناهج التربية والتعليم فيه على أساسٍ واحد هو أساسٌ غربي صرف، بمعنى فصل الدين عن الحياة والتربية، وما ظنكم لو أن شعباً أو أمةً أو دولةً أرادت أن تستقل أو تنفصل أو تسير بركاب أمتها وشعبها في مساره، بعيداً عن هذه العولمة، وبعيداً عن هذا التحدي، فالويل لها إن صراحة أو ضمناً، إن تلميحاً أو تلويحاً، إن تصريحاً أو كناية، إذا جاهد شعبٌ بإعلان انتمائه واتباعه لأنماط سلوكٍ اقتصاديٍ أو تربويٍ أو تشريعيٍ أو إعلاميٍ يخالف ما أراده الغرب في ظل هذه العولمة المعاصرة، شنوا عليه النكير، شن عليه الغرب بدوله الثمان أو العشر أو الأكثر أو الأقل، شنوا عليه النكير، بدعوى مخالفة بقية القطيع البشري، والشذوذ عن الأعراف الدولية، وما يسمى بحقوق الإنسان، ألا تعلمون أنكم في هذه البلاد ومنذُ زمنٍ ليس بالقليل محل الرفض، ومحل عدم الرضا، ومحلُ عدم القناعة، من أجل ماذا؟ من أجل سارقٍ تقطع يده، أو مجرمٍ قاتلٍ سفاكٍ يقطع رأسه، أو لأجل حدٍ من حدود الله يقام، لا تزالون إلى هذه الساعة صورةً مرفوضةً أمام الغرب، ولقد رأيتُ بأم عيني مجلةً ألمانية اسمها مجلة سبيجل على غلافها صورة ميدان الصفاء بجوار الجامع الكبير، وصورة الصياح الذي قطع رأس مجرمٍ قد تدحرج رأسه قريباً من جثته، والدماء سائلةٌ من جثة ذلك المجرم، وقد عبروا بكلماتهم الغربية وعباراتهم الحاقدة، كيف يجوز هذا في عصر العلم والحضارة؟!

وسائل محاربة الإسلام بالعولمة

وسائل محاربة الإسلام بالعولمة أيها المسلمون! إن أمة الإسلام على اختلاف درجات تمسكها بدينها تواجه حرباً، ولن يرضى الغرب أو الأعداء بقليلٍ أو كثيرٍ أو نوعٍ من التساهل والمجاملة، لكنهم لا يرضون إلا بالتبعية لا يرضون إلا بالذنبية لا يرضون إلا بمبدأ القردة والببغاوات التقليد والترديد، وما سوى ذلك فمرفوض، قال الله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]. أيها الأحبة: وتشن هذه الحرب الشرسة، بالعبارة الحريرية الناعمة، عبارة العولمة تحت شعار حقوق الإنسان، تحت عبارة الشذوذ والمخالفة للأعراف الدولية، والويل كل الويل، الويل جملةً أو الويل تفصيلاً أو الويل تدريجاً أو الويل مجزأً أو متفرقاً، من جانبٍ واحدٍ أو من جوانبٍ شتى، الويل لأمةٍ تخالف ما أراده الغرب، وتخالف ما سنته وشرعته من قوانينها، نعم -أيها الأحبة- من خالف ذلك -في زعمهم- فهو أصوليٌ إرهابيٌ متطرفٌ لا يمكن أن يعيش في هذا العصر، ولا ينبغي أن تبقى له بقيةٌ أو تقوم له قائمة. يا أيها المسلمون: إن معركة العولمة قائمةٌ ولا يزال شرها يسري ويجري، وما مؤتمرات السكان التي عقدت في القاهرة وفي بكين إلا مؤتمراتٌ تحضيرية، وجسُ نبضٍ لإعداد قوانين رادعةٍ في المستقبل، تسلط على كل سلوك مخالف، وتردع كل من يخالف شريعة الغرب في إباحية السلوك الجنسي قبل الزواج، وإباحية الإجهاض والتحديد القسري للنسل، بل وإكرام وتدليل الشاذين جنسياً، ومنع أي لونٍ من ألوان التمييز منهم أو الإنكار لسلوكهم، بل وكل من تحدثه نفسه لمعارضة هؤلاء الشاذين، عوقب وجرى إقصاؤه عن بقية القطيع البشري تماماً تماماً كما جرى لدعاة الفضيلة الأوائل، وذكر القرآن شأنهم في خبر قوم لوط: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56]. أصحاب قرية العولمة، يقولون لكل طاهر، ولكل عفيف، ولكل مسلم، ولكل متمسكٍ بالشرع، ولكل مقيمٍ للحج، ولكل من يصر على فصل الرجال عن النساء، يقولون له المقالة الأولى: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56] أخرجوهم من عالم العصر والحضارة والمدنية والتقنية، واجعلوهم هنوداً حمر أو متخلفين في ذاكرة التاريخ وعصوره الحجرية، هل تدركون هذه الحرب؟ هل يعلم شبابنا بهذه القضية؟ شبابنا الذين أهلكوا أوقاتهم أمام قنواتٍ فضائية وقنوات غنائية، وقصص غرامية، ومغامرات ومطاردات ومصارعات غريبة وعجيبة، هل يدرك شبابنا حجم هذا التحدي وحجم هذه المعركة المعاصرة؟ إن القليل من القليل يدركون ذلك: وقد كانوا إذا عدو قليلاً فقد صاروا أقل من القليل

عقد مؤتمرات تحت مسمى العولمة

عقد مؤتمرات تحت مسمى العولمة أيها الأحبة: المؤتمرات الدولية والمؤامرات هي التي جعلت النمور الأسيوية ترزح تحت وطأة اضطرابٍ في سياساتها النقدية، وفي أوضاعها الاقتصادية؛ لأن ثمة دول أرادت أن تحذو حذو اليابان في مواجهة المعركة المعاصرة، لتخرج بالمعركة من الدبابة والقنبلة إلى الآلة والمصنع وعوامل الإنتاج، فالتفت الغرب لذلك مبكراً، وأرادوا أن يلقنوها درساً لا تنساه هي، بل لا ينساه كل من أراد أن يخرج من دور الحلقات المفرغة في إطار التبعية والبقاء في حاجة إلى الغرب، وكل مجموعةٍ إسلامية أرادت أن تنهض وأن تظهر، وأن تكبر في ظل استثماراتٍ إسلاميةٍ نظيفةٍ طاهرةٍ نقية فالويل لها من الغرب أيضاً، وسرعان ما توجه لها أنواع التهم مباشرةً أو بواسطة العملاء، ليقال إنها شبكات لتمويل الإرهاب، لماذا؟ لا يريد الغرب أن ينقطع الربا عن الأرض، لا يريد الغرب أن يستمتع الناس باستثمارٍ حلال ولقمةٍ حلال وتجارةٍ حلال، وتصنيعٍ وإنتاجٍ حلال، لا يريدون ذلك أبداً، والمقام يضيق عن ذكر الشواهد.

العولمة ووسيلة الإنترنت

العولمة ووسيلة الإنترنت أيها الأحبة: إن من وسائل العولمة، ما ضج به كثير ممن لا يعلمون أبعاده فرحاً به، ألا وهو مسألة شبكة الإنترنت، وهي فرعٌ عن قضية العولمة، بل وسيلةٌ من وسائلها، إنها تبدو بحجمٍ ضخمٍ في ذاتها، وكأن هذه الشبكة خطرٌ مستقل، والحقيقة أنها من أكبر أدوات العولمة، ومنها ينهال على العالم شرها الوبيل، في مواد ضارة على رأسها وأعلى قائمتها: الصور الجنسية الإباحية، التي تتيح للطالب وهو بجوار سريرة، أو على مقعده الدراسي في غرفته، أن يفتح نافذةٍ إلى الحانات والبارات والأفلام الخليعة والصور الجنسية، ليجعل من بيته في بلدٍ وإن كانت موحدةً تضج المآذن فيها بالتكبير، ليجعل من شاشته هذه في بيته المجاور للمسجد، حلقة ًونافذةً للعيش مع الغرب في حاناتهم وباراتهم ودور بغائهم. نعم أيها الأحبة: إن من أخطر ما في هذه الشبكة هذه الصور الجنسية الإباحية التي ضج منها ليس علماء الإسلام وحدهم، بل سبقهم وشكى من ذلك علماء الغرب وقساوسة الكنيسة، وبعض رجالات التربية الذين يقولون: هذا خطرٌ مدمر: كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً وأن المنايا قد غدون أمانيا إن هذه الشبكة تنقل كل ما يريد البعض بثه، وعنها تغيب الرقابة أو السيطرة، إن هذه الشبكة جد مغرية؛ لأنها وسيطٌ إعلامي، ودليلٌ تعليمي حديث جداً، يتزايد الإقبال على هذه الشبكة في أوساط الشباب حتى أصبحت وكأنها صرعةٌ أو موضة، بل أداةٌ لتحديد حداثة الإنسان وتقدميته، بل وربما تصبح غداً أداة لتحديد من يعيش في هذا العصر أو لا، وهي في كثيرٍ من الدول توجد حتى في صفوف وفصول المدارس الابتدائية، فينشأ عليها الطفل من سنوات حياته الأولى، وتصبح جزءاً من حياته، وهاجساً له، ومصدراً دائماً يتلقى منه العلم وأنماط وقواعد التوجيه ولسهولة التعامل مع هذه الشبكة، ربما اتخذها الطالب أو الشاب وسيلةً ومصدراً للمعلومات والمعارف بل وبدون شعورٍ منه، تصبح هذه الشبكة مصدره في السلوك والتصرف. ألا تعلمون أن من أراد أن يطلع على شيءٍ وهو يملك خطاً مباشراً إلى هذه الشبكة، فلا عليه إلا أن يعطي هذه الشبكة أو أن يعطي هذا الجهاز الحاسب أمراً للاتصال بالشبكة، ويقول له: ابحث لي عن كذا، ثم لا تلبث هذه الشبكة، أن تمده عبر جهازه بملايين المعلومات بل والصور والكلمات، ومن هنا اختل مصدر التلقي، فما بالكم بمن يأخذ الإسلام عن هذه الشبكة؟ وما بالكم بمن يأخذ الحلال والحرام عن هذه الشبكة؟ وما بالكم بمن يرى أن الحسن والقبيح هو ما رآه حسناً أو قبيحاً في هذه الشبكة؟ إن الأمر ليس بخطير فقط، بل إن بعض المسلمين اليوم أصبحوا لا يعرفون أين المعركة، ولا أين أبوابها، ولا أين مسرحها، ولا أين ميدانها، وذلك وايم الله في غاية الخطورة ولا حول ولا قوة إلا بالله! نحن لا ننكر أيها الأحبة! أن شبكة الإنترنت وإن كان فيها ما فيها من الشر، فهي أيضاً لا تخلو من فوائد نافعة ومن أساليب منتجة، ولكن لا يتعامل مع السلاح إلا من هو خبيرٌ به، أما إذا تعامل مع سلاح المعلومات هذه، فجاهلٌ لا يفقه أو لا يحسن التعامل والتمييز بين الغث والسمين، فإن ذلك من أخطر الأمور ولا حول ولا قوة إلا بالله!

القنوات الفضائية وسيلة للعولمة

القنوات الفضائية وسيلة للعولمة أيها الأحبة: والوسيلة الثالثة بعد الوسيلتين الأوليين من وسائل العولمة المؤتمرات الدولية، وشبكة الإنترنت: هي وسيلة القنوات الفضائية، ولن أطيل في التعليق على هذا، فأنتم خير من يعلم أنها أداةٌ تمنح الشعوب انتماءً لأعدائها، وتجعلها طائعةً مذعنةً لقاتل أبنائها، وتجعلها محبةً لمشردي إخوانها، وتجعلها قردةً مقلدة لعادات من أراد أن يفتك بها. إنها قنواتٌ تجعل الأبرياء يفتحون صدورهم لخناجر الغزاة، بل ويلبسون أثواب الغزاة، ويحبونهم في الوقت الذي تتمكن طعنات المجرمين من قلوبهم وصدورهم، وما أكثر الذين يرضون بهذه المعركة، ما أكثر الذين الآن يرون أبناءهم صرعى وقتلى في هذه الحرب الفضائية المدمرة، عبر الشاشة وعبر الطبق الفضائي وهم مع ذلك لا يرضون بل لا يتحملون انقطاع التيار، أما أن ينقطع البث فأمرٌ لا يتحملونه، قد يتحملون غيبة الماء البارد شيئاً، لكن لو انقطع البث اشترى بدل الطبق اثنين وبدل الجهاز جهازين، عجباً لهؤلاء الذين أصبحوا لا يفتئون في تعاطي هذه الحقن المخدرة والمدمرة.

ماذا قدم لنا الغرب

ماذا قدم لنا الغرب والسؤال أيها المسلمون: ماذا قدمه الغرب؟ ماذا قدمه النمط الغربي في ظل العولمة للعالم؟ لقد قدم نموذجاً واحداً هو النموذج المصلحي، لقد قالت: مارجريت تاتشر إبان أزمة الخليج وصرحت بذلك لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ليعرف حقيقة العداوة، قالت: نحن ليس لنا أعداءٌ على وجه الدواء، وليس لنا أصدقاءٌ على وجه الدواء، نحن لنا مصالح دائمة، فمن يحقق مصالحنا فهو الذي نحافظ على علاقتنا معه، أو نحرص على مصالحنا معه، وما سوى ذلك فليهلك في أي وادٍ ولن نسأل عنه، وهذا واضح اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قومٌ ليس يدرون الخبر قلبوا الخريطة الجغرافية وضعوا أناملكم على دولٍ معينة، أين هي، وأين أنظمتها؟ وأين ما كانت تفعله من ولاءٍ وانتحارٍ من أجل طاعة الغرب؟ أين هي؟ وهل نفعها الغرب بقليلٍ أو بكثير؟ A لا. لأن المصلحة انتهت، ولا نستطيع أن نكون على مستوى مواجهة هذه المعركة إلا من خلالكم أنتم وأبنائكم وأبناء المسلمين وإخوانهم، أن نكون جميعاً على مستوى قوي جداً، وعلى درجة مرهفة الحساسية في إدراك هذه المعركة والشعور، لو أن أمة الإسلام تعيش يقظة لاستطاعت بأيسر الوسائل وأسهلها أن تملي الكثير، ونحن نحمد الله عز وجل على ما منَّ به من توازنٍ وعنايةٍ ويقظة نشهدها في بلادنا هذه، من ولاة أمرٍ ومن علماء، ومن رجالات التعليم فينا، ولكن نريد أن ننقل هذا الوعي إلى عامة المسلمين رجالاً ونساءً وذكوراً وإناثاً. أيها المسلمون: ماذا قدم الغرب؟ لا ثقافة أصيلة، ولا حضارة إنسانية حقيقة، لم يقدم إلا أفلام الجنس والعنف والجنز والأغاني والرقص، هذا ما يسمى اليوم بالثقافة السائلة الدارجة المستهلكة، وإن تعجب فاعجب من بعض أقوامنا أو بعض أُناسٍ منا، حينما يستقبلون هذه العولمة بحرارةٍ، ويظنون أن من أوجب واجباتهم أن يسوغوا أن يسوقوا هذا المصطلح وما يتضمنه، وتلك -والله- من أشد المصائب والبلايا وعندها إذا بلغ الأمر بأبناء الأمة أو بعض أبناء الأمة أن يردد بعضهم متحمساً على جهله بما يريده الأعداء، فلا تعجب أن تجمع مثل هذه التصريحات التي صرح بها قادة الغرب، حيث قال أحد حكامهم: إن الله لم يهيئ الشعوب الناطقة بالإنجليزية لكي تتأمل نفسها بكسل أو دون طائل، لقد جعل الله منا أساتذة العالم كي نتمكن من نشر النظام حيث تكون الفوضى، وجعلنا جديرين بالحكم لكي نتمكن من إدارة الشعوب البربرية الهرمة، وبدون هذه القوة ستعم العالم مرةً أخرى البربرية والظلام، وقد اختار الله -يقوله افتراءً على الله- يقول: وقد اختار الله هذا الشعب دون سائر الأجناس، كشعب مختار يقود العالم أخيراً إلى تجديد ذاته. خلالك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري يا لك من قنبرةٍ بمأمن مثل هذه العنجهية. يقول: مسئولٌ آخر في دراسةٍ نشرتها مجلةٌ غربية عام (1995م) يقول في كلامه: إن هذا هو قدرنا أن نقود العالم، وأن ننشر ما وصلنا إليه، لكي نحدد به اتجاهات البشرية، هكذا يظنون أن العالم كله كرةٌ في أيديهم، ونسوا وإن كانوا يعلمون، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم أن الأمر لله وأن الحكم لله: {أَلا لَهُ الْحُكْمُ} [الأنعام:62] لكنهم لم يحسبوا لأمة الإسلام أي حساب.

واجب العلماء والمثقفين أمام العولمة

واجب العلماء والمثقفين أمام العولمة أيها الأحبة: إن العولمة تحتاج إلى تحدٍ من علماء الأمة ومثقفيها، وعلمائها ومفكريها رصداً وتصدياً وتأملاً من منظورٍ إسلامي، هذه القضية الشائكة تحتاج إلى تفهمٍ لكي نستفيد مما يمكن الاستفادة منه، بوضع الضوابط ونصب المحاذير، ورفض كل ما يضر هذه الأمة وصدق الله عز وجل إذ يقول: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم. الحمد لله على إحسانه، والشكر له توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في دين الله ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: إننا نستطيع أن نواجه هذه الحرب مهما بلغت ومهما كبرت، ومهما تنوعت، بالاستعانة بالله، والتوكل على الله: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:120]. إننا حينما نذكر بهذه الحروب وهذه التحديات، ليس ذلك من باب تعظيم الخصم وتفخيمه وتكبيره، وإنما لبيان الخطر، ولبيان الشر، يقول حذيفة رضي الله عنه: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يدركني). علمت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين. أيها الأحبة: لقضية العولمة بقية باقية، أجعلها في الخطبة القادمة إن شاء الله، ليكن ختام الحديث بهذا الأمر. وإني أسأل الله بأسمائه وصفاته أن يصرف عنا وعنكم كيد الكائدين، أسال الله أن يصرف عنا وعنكم مكر الماكرين، اللهم من أراد بولاة أمرنا وعلمائنا وشبابنا، ونسائنا ورجالنا، والمسلمين شراً، اللهم عجل فضيحته، وافتك سريرته، وأرنا فيه اللهم عجائب قدرتك. اللهم يا حي يا قيوم، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم أرنا فيمن أراد بالإسلام والمسلمين سوءاً أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف. اللهم انصر المسلمين على الوثنيين، اللهم انصر المسلمين في باكستان وسدد قنبلتهم النووية على الوثنيين في الهند يا رب العالمين، اللهم اجعل هذه القنبلة تفجيراً وتدميراً لقلوب الغرب وما أراد من الفتك والكيد والدمار للمسلمين، اللهم أبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك، اللهم ثبتنا على مرضاتك، واستعملنا اللهم في أحسن عملٍ يرضيك يا رب العالمين. اللهم صلّ وسلم على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. عباد الله: إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا! صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ وعلى آله وصحبه.

العولمة والتحديات المعاصرة [3]

العولمة والتحديات المعاصرة [3] لقد أصيبت الأمة اليوم بهزيمة نفسية، وأصيب شبابها بالإحباط إزاء التقدم العلمي والتقني في بلاد الغرب، فرضخت الأمة الإسلامية وكادت تستسلم للعولمة، فأصبحت دول الإسلام مستوردة لا مصدرة مستهلكة لا منتجة آكلة لا زارعة، وما سبب ذلك إلا الانشغال بسفاسف الأمور دون معاليها. وستجد في هذه الخطبة حثاً للأمة على شحذ الهمم، وكيف غير شاب ياباني من تاريخ اليابان.

إصابة كثير من المسلمين بالإحباط والخذلان

إصابة كثير من المسلمين بالإحباط والخذلان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. معاشر المؤمنين: مر بنا الحديث في جمعتين ماضيتين عن تحديات العصر والقرن القادم، وما أعده ويعده أعداء الإسلام على اختلاف ألوانهم ومللهم ونحلهم ولغاتهم، ما أعدوه ويعدونه لأجل حرب الإسلام، في صورة الحرب الجديدة، حرب الصوت والصورة والكلمة، وإن كانوا لا يألونكم خبالا ما أمكنتهم الفرص إلى ذلك سبيلا لإجهاض أي قوة، أو ضرب أي قوة يجدها المسلمون أو يستطيعونها، وإتماماً للحديث؛ فإن من التحديات الخطيرة التي لا زال الغرب يكرسها مصطلح العولمة الذي طبل له من طبل، وردد له طائفة أو كثيرٌ ممن لا يدركون أبعاده. هذا الأمر الخطير العجيب -يا عباد الله- يتضمن تحدياً قادماً وقائما، وهو تحدي المسلمين في استمرار عجزهم عن نقل أسرار التقنية، واكتشاف أسرار الصناعة في مجالات شتى حربية وعسكرية، طبية وكيميائية وفيزيائية وغيرها، حتى لقد أصبح لدى بعض شبابنا عقدة اليقين بالعجز والقطع بالمستحيل أنه لا يمكن أن نواكب الغرب فضلاً عن أن نتحداه في مخترعاته وابتكاراته، وربما سمعت من شبابنا من يردد مقولة الغربي المشهورة: إذا دخل العرب عالم الحضارة والذرة نكون قد بلغنا عالم ما فوق الذرة. أيها الأحبة في الله: وإن من دلائل هذا التحدي، ومن دلائل الإخفاق الذي يواجهه لدى كثير من أبناء المسلمين وشبابهم أن ترى الواحد منهم يغفر فاه، ويندهش من كل جديد ولا يفكر أن يوجد جديدا؛ لأنه قد استقر في قلبه ولبه وجوهره أنه لا يمكن أن يجاري الغرب، ولا يمكن أن يتحداهم، ولا يمكن أن يصنع ما صنعوه، فضلاً عن أن يسبقهم إلى مجالٍ لم يكتشفوه، وإنهم بهذا وكأنهم يقولون في حرب الصوت والصورة والكلمة، وحرب التحدي العلمي، وحرب الاحتكار لنقل أسرار التقنية والاختراع، كأنهم يقولون: أتظنون أن خطبكم أو ندواتكم أو أشرطتكم أو محاضراتكم أو دروسكم الدينية، أتظنون أنها سوف تواجه هذا المحيط المتلاطم في أمواجه، الذي يعصف بالدول والقارات والأمم، تريدون أن تتحدوا الغرب بخطبة على منبر؟ تريدون أن تتحدوا الغرب بمحاضرة لا يحضرها إلا صفان أو ثلاثة؟ تريدون أن تتحدوا الغرب بقرآن قد وضع على الرفوف؟ تريدون أن تتحدوا الغرب بأحاديث ترددونها في مجالسكم؟ هذا وجه خفي باطنٌ لوجه العولمة، الذي تريد من كل واحد أن يسلم خاضعاً مذعناً مستسلماً أن القيادة والقوة والسيطرة قد أصبحت بيد الغرب، وما سوى ذلك من أمور الدين والقرآن والسنة، ومن أمور الشريعة والعقائد والقيم والمبادئ، إنما هي محض أمور شخصية، ومحض قضايا شخصية بحتة، لا يمكن أن تعمم في العالم، ولا يمكن أن تتحكم في سلوك البشر إلا في إطار الأمور الشخصية الضيقة البحتة، من طلاق أو زواج أو تغسيل ميت، أو دفن ميت، أو شيء أقل أو أكثر من ذلك، وما سوى فإن العولمة تفرض ما تريده في القضايا السياسية، والجوانب الاقتصادية، والعلاقات الاجتماعية، وتفرض ما تريده في المادة والطرح الإعلامي، وتفرض ما تريده فيما شاءت، يريدون أن يسلم الناس وأن يذعنوا للنظام الجديد المتوحد المتفرد بزعمهم، ويأبى الله ذلك إذ أن الله وحده لا شريك له هو المتفرد بالحكم، لا شريك له هو المتفرد بالأمر لا شريك له، هو المتفرد بالتدبير وما شاء كان وما سواه فخلق قد جعل الله لهم من أقوياء وضعفاء أنداداً وأمثالاً يصارعونهم ويغالبونهم ويدالون عليهم دولة وينهزمون أخرى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] لا تظنوا أن أحداً يمكن أن يتفرد بالعالم قيادة وتحكماً وسيطرة في أي جانب من جوانبه عسكرية كانت أو اقتصادية أو إعلامية أو تعليمية ولكل شيء آفة من جنسه حتى الحديد سطا عليه المبرد

العولمة تعارض الإسلام وأحكامه

العولمة تعارض الإسلام وأحكامه لا تظنوا -يا عباد الله- أن العولمة التي لا يزال الغرب، ولا يزال كثيرٌ ممن يطرحها، ولا يطرحها بكامل أبعادها، نعم هناك من يطرحها في جوانب مشرقة، أو في زوايا مضيئة، أو في أمور فيها منفعة لقد قال الله في الخمر: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219] فالخمر المسكرة (أم الخبائث) ربما وُجِد فيها ذرات أو شيء من النفع، فكذلك العولمة لن تكون أمام الناس وأمام من يتناولها شراً محضاً، لكن وإن وجد فيها خير قليل فشرها وفسادها وتدميرها أغلب وأعظم وأطغى، فحري بنا -أيها المسلمون- أن نلتفت لهذه القضية وألا نسلم تحت دعوى العناوين البراقة، والكلمات المضيئة أن العولمة هي أقرب سبيل لنقل التقنية، والعولمة هي أحسن طريقٍ لتدفق رءوس الأموال، وانفتاح التجارة الحرة بين الدول، قولوا كما تقولون في العولمة هذا، قولوا أيضاً: وهي السبيل الذي لا يسمح لأمة مسلمة أن تقول: إن القرآن هو التشريع، وهو السبيل، العولمة التي لا تسمح لأمة مسلمة أن تقول: إن القاتل يقتل، والسارق يقطع، والزاني المحصن يرجم، إن العولمة ترفض هذا كله، فهل يعي المسلمون هذه القضايا؟ هل يعي المسلمون هذه الحقائق؟ إن أكبر تحدٍ في العولمة السياسية ما ضجت به وسائل الغرب وقامت قائمتها وقيامتها، ولم تقعد إلى الآن لا لشيء إلا لأن قنبلة إسلامية نووية قد أثبتت قدرتها، وأثبتت جدواها في تفجير مفاعل نووي وقالت للعالم: كما تملكون قنبلة فنملك أمثالها، وللمجرمين أمثالها. عجباً للغرب والعولمة! إذا فجر عباد البقر والهندوس قنبلة نووية فذلك أمر لا يحتاج إلى سوى تصريحاتٍ يسيرة قليلة بدعوى تذكير الدول والأمم بعدم التورط في التعمق في أبحاث التسلح النووي، وتذكير الدول والأمم باتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية، واليهود الذين يقولون: يد الله مغلولة، والذين يقولون: إن الله فقير؛ غلت أيديهم، والله غنيٌ عنهم وعمن سواهم، واليهود قتلة الأنبياء المستهزئون بالرسل، واليهود الذين لا يألون المسلمين خبالاً منذ وجدوا إلى يومنا هذا، اليهود يحق لهم ويسمح لهم، ولأنهم البنت المدللة والولد اليتيم والضعيف العاجز الذي يقبع ويسكن في سوار أو إطار من الدول التي تخالفه، يحق لذلك المسكين أن يمتلك مئات القنابل النووية، والعشرات من المفاعلات. أما إذا قامت دولة يقول شعبها: لا إله إلا الله، وامتلكت قنبلة نووية فتلك قضية لا بد أن تبحث، وانتظروا وتذكروا ألوان الضغوط الغربية على هذه البلاد يوم أن قالت: لا. وفجرت مفاعلها، انتظروا كيف ستعامل بمختلف أنواع الحصار الإعلامي والاقتصادي والفكري بكل أنواعه وسبله ومجالاته وميادينه. أيها الأحبة في الله: ينبغي أن ندرك تماماً أن الحرب الجديدة ليست كما قلت في الجمع الماضية، ليست حرباً تقودها الدبابة الزاحفة، ولا الطائرة القاذفة، ولا القنبلة المتفجرة، إنما هي حرب الصورة والصوت والكلمة عبر المؤتمر الدولي، وإرغام الكثير من الدول للخضوع في سياسات غربية بحتة، وعبر شبكة الإنترنت، وعبر القنوات الفضائية، وعبر تصوير كثير من المصطلحات حتى لا يبقى لأحد مقولة لكي يرفض ما يريده الغرب، ونحن بكل ثقة وعلى أتم يقين أنه لن يكون للغرب تفرد بقيادة هذا العالم، حتى وإن ملكوا ما ملكوا، وإن وجدوا ما وجدوا، فإن ربك لبالمرصاد، وأموالهم التي يجمعونها وينفقونها لحرب الإسلام: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36].

لماذا لا ننقل أسرار التقنية إلى بلادنا

لماذا لا ننقل أسرار التقنية إلى بلادنا أيها الأحبة في الله: أعود إلى التحدي الخطير الذي يصدره الغرب للمسلمين وأبنائهم، وهو تحدي نقل أسرار التقنية، نقل أسرار الاكتشافات والمخترعات، يريدون من دول الإسلام أن تبقى مستهلكة لا منتجة، أن تبقى آكلة لا زارعة، أن تبقى مستوردة لا مصدرة، إن صدرت شيئاً سيحاصرونها، وإذا لم يجدوا سبيلا من الحاجة إلى منتجاتها فالويل لهذه الأمم إلا من رحم الله، فالويل لها، سيؤخذ إنتاجها بأبخس الأثمان في ظل معادلات تسويقية ومعادلات اقتصادية تحكمها القوى السياسية، حتى تستورد المواد الخام من بلاد المسلمين بأرخص الأثمان، وتعاد مصدرة إليهم بأغلى الأثمان وأبهضها، ولكن إن التحدي حقيقة هو في القلوب وليس على الأرض، إن التحدي هو في العقول وليس على الأرض، إذا كنت تواجه رجلاً أو تواجه عدواً قد امتلأت استخفافاً به، وقد امتلأت ثقة بحقارته وهوانه، وإنه وإن قتلك فذريتك تقتله، وإن أهانك فذريتك تنتصر عليه، فذلك أمر مهم، أما إذا طغى في النفوس وعلا الران على القلوب بأن هذا العدو لا يقهر لا يبارى لا يجارى لا يتحدى، فتلك هزيمة قبل بداية المعركة، وذلك اختناق قبل أن يخلق الغاز. أيها الأحبة في الله! هذا التحدي يعيشه كثيرٌ من شبابنا، ولا يزال الكثير يقف أمام نفسه وأمام ما يرى من مكتشفات حائراً يظن أنه لا يمكن أن يقدم شيئاً. أضرب لكم مثالاً بسيطا: ألستم تروا من أبناء بلادنا الموحدين المصلين الصالحين المصلحين -بإذن الله- من فاق في الطب والجراحة وأدق أمور الصحة كثيراً من الغربيين، حتى إنهم ليتمنون أن يقبل عروضهم المغرية ليهجر هذه البلاد ليعمل في بلدانهم، نعم يسلمون بأن في البلاد في جانب الطب وفي مجالات الصحة، وفي الأبحاث الطبية من يفوقهم وإن كان لديهم الكثير من أمثال هؤلاء، فكذلك بالإمكان أن يتحول الكثير من شبابنا إلى عقول منتجة قادرة على استيعاب الحضارة والآلة المعاصرة، ونقل أسرارها ومن ثم القدرة على تصنيعها. أيها المسلمون: إنه ليس أخطر على حاضر أمة أو مستقبلها من شيء عليها أن تخرج أجيالاً تقتصر آمالها العاجزة على التلهي بمنتجات حضارة غيرها بل عدوها، بل والتقوت منها بالضرورات من مطعم أو ملبس أو دواء أو سلاح دون مشاركة بالإضافة للإحساس بالقهر والدونية والعجز إزاءها وفي مقابلتها.

تاريخ اليابان يتغير بسبب شاب واحد

تاريخ اليابان يتغير بسبب شاب واحد يا شباب الإسلام: ألا تعجبون من أمم وثنية ليس لها دين صحيح، وليس لها وحي معصوم منزل، هذه الأمم الوثنية استطاعت أن تتحدى الغرب، واستطاعت أن تجعله راكعاً أمام عقلها وإنتاجها وقدرتها، استطاعت أن تهزأ وتسخر بالخرافة القائلة إن الغرب لا يُتحدى ولا يبارى. واسمعوا إن شئتم قصة طالب يابانيٍ لتعلموا أن الهزيمة ليست في العناصر والمواد، لكنها -والله- في العقول والقلوب، إن المهزوم قلبه لا يستطيع أن يطلق طلقة واحدة في وجه عدوه، ولو كان السلاح في يده: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176] طالب ياباني اسمه أوساهير بعثته حكومة اليابان للدراسة في ألمانيا، في بداية محاولتها للنهوض والخروج من ضربة عسكرية قاتلة مميتة في هيروشيما ونجزاكي، هذا الطالب يقول: لما بعثت إلى ألمانيا لو أنني اتبعت نصائح أساتذتي الألمان الذين ذهبت لأدرس عليهم في جامعة هاربرج لما وصلت إلى شيء، كانت حكومتي قد أرسلتني لأدرس أصول الميكانيك العلمية، وكنت أحلم كيف أصنع محركاً صغيرا، وبدلاً من أن تأخذني الأساتذة إلى معمل أو مركز تدريب عملي أخذوا يعطونني كتباً لأقرأها، وقرأت وقرأت حتى عرفت نظريات المكانيك كلها، ولكنني ظللت أمام المحرك أياً كانت قوته وكأنني أقف أمام لغز لا يحل، وفي ذات يوم قرأت عن معرض محركات إيطالية الصنع وكان ذلك أول الشهر، وكان معي راتب وجدت في المعرض محركاً قوة حصانين، ثمنه يعادل كامل مرتبي، فأخرجت الراتب ودفعته، وحملت المحرك، وكان ثقيلاً جدا، وذهبت إلى حجرتي، ووضعته على المنضدة، وجعلت أنظر إليه كأني أنظر إلى تاج من الجوهر، وقلت لنفسي: هذا هو سر قوة الغرب، هذا هو سر قوة أوروبا، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا لغيرت تاريخ اليابان، انظروا إلى هذه الهمة وإلى هذه النفس التي هاجرت من اليابان إلى ألمانيا تريد أن تغير تاريخ اليابان! من دولة مهزومة إلى دولة غازية منتصرة! ومن دولة مستهلكة متخلفة إلى دولة منتجة متحدية! يقول أوساهير: وطاف في ذهني خاطر يقول: إن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال وطبائع شتى: مغناطيس، أسلاك، أذرعة، عجلات، دوافع، ولو أنني استطعت أفكك قطع هذا المحرك وأعيد تركيبها بالطريقة نفسها التي ركبوها، ثم شغلته فاشتغل، أكون قد خطوت خطوة نحو سر الصناعة الأوروبية، وبحثت في رفوف الكتب التي عندي حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات، وأخذت ورقاً كثيراً، وأتيت بصندوق وأدوات العمل، ومضيت أعمل، رسمت المحرك بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمي أجزاء المحرك، ثم جعلت أفككه قطعة قطعة، وكلما فككت قطعة رسمتها على الورق بغاية الدقة، وأعطيتها رقماً، وشيئاً فشيئاً فككته كله، ثم أعدت تركيبه وشغلته من جديد فاشتغل، فكاد قلبي أن يقف من الفرح. يقول: استغرقت العملية ثلاثة أيام، كنت آكل في اليوم وجبة واحدة، ولا أصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل، وحملت النبأ إلى رئيس بعثتنا فقال: حسناً ما فعلت الآن لا بد أن تختبر، سنأتيك بمحرك متعطل وعليك أن تفككه وتكشف موضع الخطأ وتصححه، وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل، وكلفتني هذه العملية عشرة أيام عرفت أثناءها مواضع الخلل، فقد كانت ثلاثاً من القطع البالية متآكله صنعت غيرها بيدي، صنعتها بالمطرقة والمبرد، يقول عن نفسه: مع أنني بوذي على مذهب رن ومذهبي هذا يقدس العمل ويعتبره عبادة، ثم قال رئيس البعثة: عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك ثم تركبها محركاً، ولكنني أستطيع أن أفعل ذلك إذا التحقت بمصانع صهر الحديد، وصهر النحاس والألومنيوم، وبدلاً من أن أعد رسالة الدكتوراة على الورق كما أراد مني أساتذتي الألمان تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء، وأقف صاغراً أمام أو بجانب عامل صهر المعادن، كنت أطيع أوامره كأنه سيدٌ عظيم، حتى كنت أخدمه وقت الأكل مع أنني -يقول عن نفسه- من أسرة ساموراي العريقة التي تُخدَم ولا تخدم، ولكنني كنت أخدم اليابان وفي سبيل اليابان يهون كل شيء. يقول: قضيت هذه الدراسات والتدريبات ثماني سنوات كنت أعمل خلالها ما بين عشر وخمس عشرة ساعة في اليوم، بعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة، وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة، وعلم الحاكم الياباني الميكادو بأمري فأرسل لي من ماله الخاص خمسة آلاف جنيه إنجليزي ذهب، واشتريت بها أدوات مصنع محركات كاملة، وأدوات وآلات، وعندما أردت شحنها إلى اليابان كانت النقود قد فرغت، فوضعت راتبي وكلما ادخرته وعندما وصلت إلى نجزاكي قيل لي: إن الميكادو الحاكم يريد أن يراني، قلت: لن أستحق مقابلته إلا بعد أن ننشئ مصنع محركات كامل، واستغرق ذلك تسع سنوات، وفي يوم من الأيام حملت على ساعدي عشرة محركات صنعت في اليابان قطعة قطعة، حملناها إلى قصر الميكادو، ووضعناها في قاعدة خاصة، وأدرنا المحركات، ودخل الميكادو يقول: وانحنينا تحية له، وابتسم وقال لما رأى هذه المحركات: هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي، صوت محركات يابانية خالصة، هكذا ملكنا الموديل وهو سر قوة الغرب، نقلناه إلى اليابان، نقلنا قوة أوروبا إلى اليابان، نقلنا اليابان إلى الغرب وبعد ذلك نمت عشر ساعات لأول مرة في حياتي منذ خمس عشرة سنة. أيها الأحبة: ألا تعجبون؟ أيها الشباب! وأنتم على أبواب الامتحانات وفي مرحلة من مراحل التحدي: ألا تعجبون من هذه الحادثة التي هي من جنس سر التحدي الياباني الغربي اليوم؟. بهذا أصبحت اليابان المدمرة عسكرياً في نجزاكي وهيروشيما المحظور عليها الدخول في الصناعات الحربية والعسكرية، أصبحت قوة اقتصادية تحسب لها الصين ذات المليار ونصف المليار نسمة، وتحسب لها الغرب ألف حساب، ألا يستحق ديننا تضحية وبذلاً وسهراً لأجل الجهاد والتحدي في مجالات الجهاد المعاصر جهاد الاقتصاد، وجهاد الكلمة، وجهاد الصوت، وجهاد الدعوة، وجهاد نزع الذل الذي خيم في قلوب كثير من الشباب، حتى أصبحوا لا يستطيعون إلا أن يقودوا سيارة قد صدرها الأعداء إليهم، وأصبحوا لا يظنون سوى أنهم قادرون على الاستهلاك، أما الإنتاج فهم سيظلون عالة على غيرهم؟ بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

كلمة موجهة إلى الطلاب قبل الامتحانات

كلمة موجهة إلى الطلاب قبل الامتحانات الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة في دين الله ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها المسلمون: تحت سعير المونديال ولهيب بدعايته وسياطه المغرية المشغلة للطلبة عن الامتحانات والاستعداد لها، يوشك أو يستقبل أبناؤنا غداً موسماً حافلاً من الاختبارات والامتحانات، وهو مرحلة من مراحل التحدي لكل جيل وفي كل مرحلة وفي كل مجال، والذي نريده من شبابنا وأبنائنا أن يتقوا الله عز وجل، وأن يحتسبوا دراستهم ومذاكرتهم وطلبهم للعلم، وأن يتذكروا قول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي يا شباب الإسلام: عليكم بطاعة الله، عليكم بتقوى الله تفوزوا بعلم الدنيا والآخرة، تجنبوا المعصية فإنها من أسباب حرمان الرزق والعلم، وأحسنوا النية واجتهدوا وجدوا في الطلب، واصبروا وصابروا في كل مجال تدرسونه، في الطب أو الشريعة أو الاقتصاد أو السياسة أو الأنظمة، أو في أي مجال، احتسبوا ذلك عند الله عز وجل، ولا تجعلوا مقاصدكم محدودة في شهادة أو وظيفة، والأمة بأمس الحاجة إلى كثير مما تعلمون وما لا تعلمون، وإلى كثير مما تتعلمون وما لا تتعلمون، ولكن أملنا في الله عز وجل الذي ما خاب من أمله أن يجعل فيكم البركة، وأن يسدد على طريق الخير خطاكم، وأن يعلمكم ما جهلتم، وأن يذكركم ما نسيتم، حتى نتجاوز مرحلة التحدي، ونقول للغرب: إننا أمة مسلمة منذ أربعة عشر قرناً والإسلام هو الإسلام، والقرآن هو القرآن، والسنة هي السنة، وما بقي إلا الرجال فهم في سبيل الجد والطلب والمثابرة والاجتهاد رحم الله فتىً قد هذب الدين شبابه ومضى يزجي إلى العلياء في عزمٍ ركابه مخبتاً لله صير الزاد كتابه وارداً من منهل الهادي ومن نبع الصحابه إن طلبت الجود منه فهو دوماً كالسحابه أو نشدت العزم فيه فهو ضرغام بغابه جاذبته النفس للشر فلم يبد استجابه متقٍ لله تعلو من يلاقيه المهابه رق منه القلب لكن زاد في الدين صلابه بلسمٌ للأرض يمحو عن محياها الكآبه ثابت الخطو فلم تطفِ الأعاصير شهابه جربته صولة الدهر فألفت ذا نجابه إن يقم يوماً خطيباً يسمع الصم خطابه أو يسر في الدرب يوماً أبصر الأعمى جنابه مسلم يكفيه فخراً أن للدين انتسابه نريدكم هكذا يا شباب الإسلام، واحتسبوا الأمر وأنتم تذاكرون وتستعدون لهذه الامتحانات، ونريدكم أيضاً -يا شباب الإسلام- أن ترتفعوا بأنفسكم إلى مستوى المرحلة، لا أن تقنعوا من المليار بالهلل، لا تقنعوا بعرضٍ حقيرٍ وحطام يسير لتعرضوا به عن جنة عرضها السماوات والأرض، نريد منكم الشهيد والمخترع، والمبتكر، والداعي، والمعلم، والذي ينفع الناس بعد أن ينفع نفسه وأهله وأمته. نريد من شبابنا أن يرتفعوا بأنفسهم إلى مستوى العلياء الذي يريده الإسلام منهم، وإنا لنحزن حينما نرى شاباً جل همه انتظار مكالمة من صديقته، أو جل همه انتظار موعد مقابلة مع حبيبته، أو جل همه أن يفوز بحطام يسير لا لينفقه في سبيل الله بل لينفقه على شهوته وملذته، إنا لله وإنا إليه راجعون! عظم الله أجرنا وأجركم في شباب هذا همهم وذلك ديدنهم! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اهد شبابنا، اللهم اهد أبناءنا وبناتنا، اللهم وفقهم في امتحاناتهم، اللهم يسر لهم العلم النافع والعمل الصالح، اللهم يسر أمورهم، واشرح صدورهم، واحلل عقداً من ألسنتهم، اللهم يا حي يا قيوم اجعلهم هداة مهتدين نافعين للدين والمسلمين يا رب العالمين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجمع اللهم شملنا وشمل حكامنا وعلمائنا ودعاتنا، ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسدا، اللهم صل على محمد وآله وسلم.

الغزو الفضائي [1]

الغزو الفضائي [1] إن أعداء الله من اليهود والنصارى قد غزونا إلى عقر دارنا، وداخل بيوتنا ومجتمعاتنا، وأدخلوا السم الزعاف من إلحاد وفسق وفجور وتمييع للمجتمعات وغير ذلك عبر الأطباق (الدشوش)، ولكن الأسى والحزن على بني قومنا الذين ظل بعضهم يدافع عن مثل هذه الأطباق، ويدعي أنه يريد معرفة الواقع، وآخر يقلد الغرب في كل شيء من أخلاق وصفات، ومأكل ومشرب، وملبس وهيئة، وآخر يعترف بجرمها وفسادها لكنه يدعي أنه لا مفر لأحد منها إذ لا بديل من ذلك!! ولكن لابد من الرجعة، وتصحيح الدين، وهجر هذه الأطباق والقنوات حتى نحافظ على أخلاقنا ومجتمعاتنا، وأسرنا المسلمة.

فساد الأخلاق والانخلاع من الدين

فساد الأخلاق والانخلاع من الدين الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا شبيه، ولا مثيل ولا نظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا لله تعالى حق التقوى، فلا نجاة ولا سعادة، ولا فوز ولا فلاح إلا بها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. أيها الأحبة في الله! كثيراً ما يشكو بعضُنا إلى بعض في المجالس والمناسبات المتعددة ما نشكو مصائب مفجعة، وحوادث مؤلمة في مجتمعاتنا، ونتفق بلا خلاف أننا في خطر، ولا نتنازع في وجوب الاهتمام والعناية؛ ولكن يبقى شيء واحد قل ما نتطرق له، ألا وهو الحديث بدقة وجُرأة وصراحة عن الأسباب بوضوح والعلاج: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]. ولو أردنا أن نتحدث بصراحة عن سبب من أسباب الدمار في المجتمعات المعاصرة اليوم، لقلنا: إن مجتمعاتنا الصغيرة، ومجتمعاتنا الكبيرة التي غزتها رياح التغريب والانحلال، وتعاودها أعاصير الإباحية، وزلازل التخريب والفساد، فتُحدث بين الفينة والأخرى، براكين مسعورة تقذف بحممها على بعض الأسر والبيوت. كل ذلك من نافذة لا نستطيع إغلاقها، ومن سقف لا نستطيع له سداً، إنها الحرب القادمة من الفضاء، حرب القنوات الفضائية التي هي أشد تنكيلاً، وأشد تخريباً، وأشد إفساداً من حرب الدبابات والطائرات. إنها الحرب التي تمنح طوائف ممن تقبلوها قبولاً حسناً، تمنحهم جنسية أعدائهم، وهوية من يودون عنَتهم، ولا يألونهم خبالاً، تصيرهم عبيداً لغير خالقهم، وأتباعاً لغير قادتهم، ومنتمين لغير مناهجهم وأفكارهم وأوطانهم، الكل ينادي ويصيح: الفضاء مملوء بالصور والكلمات، والعالم أصبح قرية صغيرة، وانتقال الأفكار والسلوك والعادات والمناهج أصبح أسرع من الريح، ويقابل كل ذلك الشر الوافد من تلك القنوات تهافت عند طائفة من الذين يتسابقون أيهم يجعل من عقله وذاكرته، ويجعل من عقول أبنائه وبناته وذاكرتهم، أيهم يجعل من هذه العقول مسرحاً ومرتعاً لذلك الإعلام الوافد، والخراب القادم. فترى بعضهم يباهي ويفاخر بعدد القنوات التي يستقبلها ذلك الجهاز والطبق دون تأمل وتبصر فيما تجنيه تلك القنوات على نفسه وزوجه وأولاده أولاً، وعلى المجتمع من حوله ثانياً من دمار وبلاء. إن السكوت على ضرر هذه الأطباق، أو ما تُسمى بالدشوش، وإن السكوت عن نصيحة المسلمين في شرها وخطرها، ربما عُد من الخيانة، والله -عزَّ وجلَّ- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27]. أيها الأحبة! قد نستثني طائفة ممن تعنيهم وتهمهم بعض أمور تبثها بعض تلك القنوات؛ لاعتبارات أعمالهم ومهماتهم، وهم نزر يسير، ومع ذلك فهم محاسَبون عما يسمعون ويشاهدون في حدود ما تتطلبه مسئولياتهم؛ ولكن هل نرى كل من حولنا، من هؤلاء الذين ركَّبوا هذه الأطباق التي تفتح أحضانها لغزو الشهوات والشبهات القادم من الفضاء، هل كلهم من أصحاب تلك الاهتمامات، وتلك المواقع؟ الجواب الذي لا ينازع فيه منازع: أن لا، بل السواد الأعظم ممن ركَّبوا هذه الأطباق من الذين يقول فيهم القائل: ويقضى الأمر حين تغيب تَيْمٌ ولا يُستشهدون وهم شهودُ أيها الأحبة! ليس الموضوع هجوماً سافراً، أو تنديداً فاضحاً بالذين ركَّبوا هذه الأطباق أو المستقبلات، إنما هو حديث: (الدين النصيحة) وإنما هو حديث من القلب إلى القلب: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46]. تعالوا إلى كلمة سواء، مستحضرين كافة قوى العقل والتدبر والاعتبار، مستبعدين كل الأهواء، ودوافع الشهوات؛ لنتساءل، ولنتواصى، ولينصح بعضنا بعضاً، فإن الدين النصيحة، وليأمر بعضُنا بعضاً بالمعروف، وينهى بعضُنا بعضاً عن المنكر، فتلك صفات المؤمنين: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71].

شبهة والرد عليها

شبهة والرد عليها يا قومنا! يا أصحاب الأطباق! إما أن تقولوا أو نكون أول من يسأل: لماذا ركَّبتم هذه الأطباق؟ سيجيب طائفة كبيرة منهم قائلين: جعلناها في بيوتنا لمعرفة الأخبار لا غير. وتلك حجة داحضة، دخل الشيطان بها على كثير ممن وضعوا هذه الأجهزة في بيوتهم، فما وجدوا من أوقاتهم لتلك الأخبار إلا قليلاً، أما بقية ما يُعرض في هذه القنوات من أفلام ماجنة، ومسلسلات خليعة، وأغانٍ تعلم الشباب التخلف، وتعلم النساء الترجل والرذيلة، بقية العرض من تلك الأفلام أصبح من نصيب الزوجة والأولاد. فيا عارف الأخبار! فيا مهتماً بالأخبار! هل أغنت تلك الأخبار عنك من شيء؟ وهل أغنيت عن أحوال أهل تلك الأخبار من شيء؟ وهب أنك تابعت كل خبر، وكل شاردة وواردة، فهل استطعت أن تقدم أو تؤخر شيئاً؟ وحينما استطعت، هل فعلت شيئاً؟ أيها الأحبة! إن كثيراً ممن وضعوا هذه الصحون المستقبلة للبث ما كان حجتهم يوم أن وضعوها سوى قضية الأخبار، مع العزم والإصرار على حجب الأولاد والأسرة عن مشاهدة تلك القنوات، ولكن ما لبث الأمر أن تفلت من يد صاحبه، فما عاد صاحب الطبق الذي أدخل بيته يجد وقتاً للأخبار، وربما أصبح يبحث عن غير الأخبار، ولن أسمي قنوات جديدة فاضحة ضجت منها البيوت، وشكت منها النساء إلى الله خراب أزواجهن، وفساد أبنائهم، ومصيبة بناتهم فيها، انتقلت العدوى إلى البنين والبنات، خاصة المراهقين والمراهقات، فتسللوا لواذاً، واسترقوا النظرات، وتأججت غريزة حب الاستطلاع على هذا الجهاز الذي أسره والدهم في مجلسه أو حجرته إلى أن طغى الماء على الجارية، وتدفق الشر إلى أهل البيت؛ لأن بعض الذين أدخلوا هذه الأطباق إلى بيوتهم يقول أحدهم: إنما الجهاز في حجرتي، أو إنما الجهاز في مجلس معين، ولا يوجد في بقية المجالس، وحاله مع حال أولاده، وهو يدافعهم عن هذا الجهاز الذي أدخله، كقول القائل: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماءِ يقول الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته). فيا أيها المسلم الكريم! إني على يقين مع وجود هذا الطبق وجهاز الاستقبال في بيتك، إني على يقين أنك لا تزال غيوراً على محارمك، محباً لخالقك، ونبيك، ودينك، ولا يسرك أن ترى أولادك أو بناتك يقلدون ما يرون في هذه القنوات، أو يتفرجون على مشاهد مخزية، أو صور خليعة؛ ولكن تبقى الشهوات والغفلة تقلبك بين التساهل بالأمر والتسويف في التخلص منه. لماذا لا تتخلص من هذا الجهاز، وأنت أدرى بحقيقة حاجتك إليه: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14]. والله إن هذا الجهاز ليس بشراب تشربه حتى تهلك من الظمأ إن عُدم من بيتك، وليس بطعام تأكله حتى تموت من الجوع لو أُزيل من بيتك، وليس بدواء فيه الشفاء حتى تموت من المرض لو أُخرج من بيتك.

نجاح التغريب

نجاح التغريب أيها الأخ المحب! لعلك ترى وتلحظ كثيراً من المراهقين في مجتمعنا أصبحوا في سلوكهم، وتصرفاتهم، بل وفي زيهم برهاناً ودليلاً قاطعاً على نجاح التغريب، أتدرون ما هو التغريب؟ أن تتعلق النفوس والقلوب والأفكار بالغرب وما فيه، وبما أنتجه، وبما صدَّره، وبكل رذيلة وفاسدة، مع بقاء هذه الأجسام حتى لو لبست زيها، أو تقلدت سمتها، إن هذا لأكبر دليل على نجاح التغريب عبر القنوات الفضائية، وإلا فبِمَ تفسرون ظاهرة تقليد الكثير من المراهقين وغيرهم لغالب ما يرون من الشاشة؟ فكم رأيتم وعُدوا وأحصوا في تجوالكم وفي أيامكم، في ذهابكم وإيابكم، في تجوالكم وتطوافكم، كم رأيتم من شاب من المراهقين خرج على غير عادة أهله، وسمت مجتمعه في سروال إلى ركبته، وقد لبس قميصه، يحمل من الشعارات والعبارات ما يفقه وما لا يفقه، ولا تنسَ تلك القبعة المضحكة، التي أصبحت اليوم تقليداً لبسه أغلب المراهقين، ولو لُبست بالأمس قبل أن يراها المراهقون على تلك الشاشات والقنوات لضحكوا على من لبسها، لكنها الآن لا تجد طفلاً صغيراً أو مراهقاً أو شاباً بالغاً إلا وقد لبسها إلا القليل، فيا سبحان الله! كيف يُصبح أولياء المهزوم والمذبوح والقتيل مغرمين بتقليد السفاح والمتسلط في هيئته، ولبسه وزيه؟ لو أن أحداً قتل قريباً من أقاربه، أو آذى ولداً من أبنائه، أو آذى أحداً من أقاربه لكرهت زيه وهيئته وما كان من خصوصياته، لو أن شخصاً بينك وبينه عداوة، لوجدت أن أبغض ما لديك أن تقلده أو تحاكيه فيما هو من خصائص شخصيته، فَلِمَ يقلد بعض شبابنا اليوم أعداءهم الذين يحتقرونهم ويبغضونهم، ولا يكفون عن تدبير المؤامرات لسلب ثرواتهم، وإضعاف شوكتهم؟! إن إيقاظ جذوة العداء النفسي عند المسلمين تجاه أعدائهم، من الأمور التي تحفظ على الأبناء تميزهم، واستقلال شخصياتهم. إن تبسيط مفاهيم الولاء والبراء لدى هؤلاء الناشئة، في المدارس وعبر الإعلام وغير ذلك، وغرسها في قلوبهم من أهم ما يحفظ على الأمة استقلال شخصيات أبنائها. إن إيحاء وتصريح المعلمين إلى الطلاب في تلك المراحل بأن أعداء الإسلام وإن ضحكوا أو هادنوا إلا أن الأحقاد الكامنة تبدو في فلتات الألسنة، وتقلبات المواقف. قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هِيَ نحن لا نريد أن نضخم أعداءنا فنعطيهم أكبر وأكثر مما يستحقون من واقعهم وقدرهم؛ ولكن لا يجوز أن يُنسينا لين ملامس الأفعى عما في جوفها من السم الزعاف. إن الأفاعي وإن لانت ملامسها عند التقلب في أنيابها العطبُ

أسر ومجتمعات دمرتها الأطباق

أسر ومجتمعات دمرتها الأطباق هذا واحد من أخطار الغزو القادم عبر السماء في قوالب الصور والكلمات، ومن أخطاره المدمرة: إفساده للأسرة، فكم تلقينا، وكم قرأنا، وكم سمعنا، عديداً وعدداً من الشكاوى التي تحكي أسرة كانت آمنة مطمئنة، فلما دخل المشئوم عليها جعل عاليها سافلها، وبدل شكر نعمة الله فيها كفراً، وأحل أهلها الشقاق والطلاق؟! هذه امرأة غيور تبكي وتستنجد، من ينقذ زوجها من هذه العزلة التي اختارها لنفسه، أو اختارها مع شلته أمام ما يُسمى بـ (الدش) حتى الهزيع الأخير من الليل، والزوجة الحرَّى تطاول ليلها، واحلولك ظلامه، وزوجها مشغول عنها وعن أطفالها الذين قد ناموا، مشغول بتلك القنوات الجديدة، وبتلك القنوات القديمة، وعبر ما يُسمى بـ (الريموت كنترول) يتنقل من قناة إلى قناة، ومن وجه إلى وجه, ومن صدر إلى صدر، ومن ساق إلى ساق، ومن صورة ماجنة إلى حالة عارية، فما المخرج والبديل لتلك المرأة الحرَّى، التي تطاول ليلها، واحلولك ظلامه؟! إن كانت صالحة: جاهدت نفسها بذكر الله وطاعته، والتهجد، وقراءة القرآن، تدعو الله عزَّ وجلَّ في ليلها الذي غفل فيه زوجها، تدعو الله أن يرد زوجها إليها رداً جميلاً. وإن كانت امرأة غير صالحة: أشغلت نفسها بمثل ما أشغل به زوجُها نفسه، وربما بما هو أسوأ من ذلك "ودقة بدقة، وإن زدت زاد السقا" "وكما تدين تُدان" فهل ترون في حياة كهذه سعادة أو حبوراً؟! لا أشك لو أن بين أيدينا إحصائيات دقيقة لرأينا تزايد نسب الطلاق، والفشل في الدراسة، والإخفاق في الوظيفة، وتوالي الأحداث، وأنواع الجرائم من السرقات والخطف والسطو، قد تزيد طرداً مع تزايد انتشار تلك الأطباق المستقبِلة للبث. نعم لا يخلو مجتمع من جريمة قلَّت أو كثرت؛ لكن الخط البياني للجريمة يرتفع ويعكس زيادة الجرائم كماً ونوعاً وكيفاً، بازدياد انتشار قنوات البث، وأجهزة استقبالها، فهل يبقى نزاع أو شك في أن تلك الأجهزة التي تستقبل البث قد جلبت إلى المجتمع أخطاراً متعددة؟ وهل يليق بعاقل أن يقبل ما يُفرزه وجود تلك الأجهزة من أخطار وأضرار أمام مصلحة أو فائدة يسيرة اسمها: أخبار، أو أسعار العملات والأسهم؟ وهل عُدمت أسباب الاطلاع على تلك الأمور أو الأخبار أو أسعار الأسهم والعملات إلا بطريق تخرب معها البيوت، وتُهدم الأسر، وذلك بهذه الأطباق؟! أيها الأحبة! ليس غريباً ولا عجيباً من رجل ولو في بيته جهاز الاستقبال وآلته أن يغضب وأن ينزعج، ولا يرضى حينما يرى غريباً يكلم أولاده وبناته حتى لو كان ظاهره الصلاح، حتى يعلم ولي البيت الذي في بيته الطبق ماذا يقول هذا الغريب لأولاده، وما نوع الحديث الذي يدور؟ وما مداه؟ وإلى أي قضية يتطرق؟ لكن العجيب المدهش أن ترى هذا الغيور على أهله وبيته يسمح للداخلين بغير استئذان، وهم ضيوف الشاشة من ممثلين ومطربين، وعارضات وراقصات، يسمح لهم بالخلوة مع أولاده الساعات الطوال، بل وفي كل عُصَير ومساء، فهلا تحركت تلك الغيرة لتطرد هؤلاء اللصوص بإبعاد هذا الطبق، أو هذا الدش عن البيوت؟! لقد نادى بعض الغربيين الذين لا يتمسكون بدين صحيح بإبعاد هذا الجهاز، وكتبوا، وحاضروا، وناظروا، مثبتين خطر تلك المستقبلات على عقول الناشئة، ومن ثم على الأسر والمجتمعات. لقد صرَّحت منظمة اليونسكو، وهي منظمة غربية بأن البث المباشر أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين، وممارسات حضارية كرَّسها الزمن، ولا يريدون أن يقولوا بصريح العبارة: إن البث المباشر قد أفسد على المسلمين دينهم وعبادتهم.

مفكرون يصفون خطر الأطباق

مفكرون يصفون خطر الأطباق يقول أحد المفكرين: لقد خرج الاستعمار الفرنسي من شوارع تونس عام: (1956م) لكنه عاد إليها عام (1989م) إن هذا الاستعمار الفرنسي الجديد لم يرجع إلى الأسواق فقط، بل رجع ليشارك الناسَ في بيوتهم، وأسرة نومهم، ورجع ليقضي على الدين والأخلاق. كان المستعمر يقيم بين أهل تونس بغيضاً مكروهاً؛ لكنه رجع ليُستقبل بالحب والترحاب، كانوا ينظرون إلى المستعمر يمشي في شوارعهم، فيمقتونه، أما الآن فيتلذذون بمشاهدته وبالجلوس معه، إنه الاستعمار الجديد، استعمار القلوب، وليس استعمار الأرض، إنه يهدد الأجيال الحاضرة والقادمة، والبنين والصغار. ويقول الدكتور العبدان، أمين المجلس الأعلى للإعلام في هذه البلاد المباركة حماها الله وحرسها: إن البرامج الموجهة للصغار هي أكثر البرامج خطورة؛ لأن الطفل أكثر تعلقاً، وأسرع تأثراً، وأقل تمييزاً لِمَا يُقَدَّم من خلالها؛ لأن تأثيراتها السلبية قد يؤثر على سلامة العقيدة والسلوك. ويقول الدكتور حمود البدر عضو مجلس الشورى: إن الأبحاث والدراسات أثبتت أن بعض التلاميذ في البلاد العربية عندما يتخرج من الثانوية العامة يكون قد أمضى أمام التلفاز خمسة عشر ألف ساعة، بينما لم يقضِ في حجرات الدراسة أكثر من عشرة آلاف وثمانمائة ساعة على أقصى تقدير، إذا لم يتغيب درساً أو حصة واحدة. أيها الأحبة! ولو ذهبنا نسرد وننقل لكم ما قاله الغيورون، وما قاله المفكرون، وماذا قاله أهل الاختصاص عن خطر هذه الأطباق لطال بنا المقام؛ ولكن تبقى كلمة واحدة: من يستجيب، ومن يبلغه النداء إلى قلبه، فيبادر بجوارحه لإخراج هذا الطبق. أيها الأخ الحبيب! لا تتستر عن جيرانك برفع السور، أو وضع الطبق أقصى السطوح فإن الله يراك، وما يضرك وما عليك إذا رضي الله وسخط جيرانك؟ وما ينفعك لو رضي جيرانك وسخطَ الله؟

نصيحة وتوجيه

نصيحة وتوجيه يا أيها الأخ الحبيب! لا تتوار عن القوم، وأنت تعلم أنك تدخل سماً زُعافاً إلى بيتك وإلى أولادك وأهلك، ولا تخادع نفسك. يا أيها الأخ الحبيب! بادِر بإخراجه قبل أن يكون تركةً تورَث بعدك، فيقال: مات فلان، وخلف دُشَّين أو طبقين. إن من المضحكات المبكيات، وما سمعناه، وما تأكدنا منه: أن رجلاً قد ملأ بيته بسبعة دشوش، بسبعة أطباق، كل واحد منها يجلب ألواناً وأنواعاً من هذه القنوات، فلما ضاقت السطوح بهذه الدشوش، طلب من جيرانه أن يسعفوه، بأن يُسْلِفوه سطحهم أو يؤجروه، لماذا؟ لكي يضع فيه مزيداً من الأطباق. يا خيبة هذه العقول! ويا خسارة عقول هؤلاء الذين لا يجدون فيها مجالاً أو مسرحاً أو ميداناً، إلا وترتع فيه هذه القنوات بسُمِّها، وفسادها، وخرابها، ومن ثم ينتقل إلى أولادهم. إننا لتدمى قلوبنا، وتتقرح أكبادنا حينما نسمع أن فلاناً بن فلان مات، وترك في بيته ثلاثة أطباق أو أربعة أطباق، هلك هالك عن زوجة وأولاد، وماذا ترك لهم؟ ترك دُشَّين أو ثلاثة، وترك مستقبِلات، وترك أسهماً وأموالاً، ذلك أمر مخزٍ أن تموت وقد تركتَ هذا. وخير لك أن تموت، وقد حجبت هذا الطبق عن بيتك ليُقال: هلك فلان عن ولد صالح، وصدقة جارية، وعلم يُنتفع به، هذا خير ما تموت عنه. أيها الأحبة! وثمة أخطار! وثمة أضرار بهذه المستقبِلات! وهذه الأطباق في الجوانب الأمنية، وفي الجوانب الاجتماعية، وفي الجوانب التربوية، وفي الجوانب التعليمية، تكون موضوعاً لخطبة الجمعة القادمة. أسأل الله عزَّ وجلَّ بمنه وكرمه أن يهدي من وضعها لإخراجها عاجلاًَ غير آجل. اللهم اهدِ من وضعها، واشرح قلوبهم، وافتح على أفئدتهم بأن يتبصروا عِظَم الخطر الذي يوجد في منازلهم ليخرجوها عاجلاً غير آجل. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم. الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله! انظروا أنفسكم وناصحوا جيرانكم وأقاربكم، وبينوا لهم خطر هذا الأمر، خطره في الدين، وخطره في الدنيا، خطره على الزوجات، وخطره على الأولاد والبنات، خطره في كل جانب، وفي كل مجال وميدان، وما ضر الناس إذا غابت هذه الأجهزة عن بيوتهم؟! بل كثير من الناس لا يوجد في بيوتهم تلفاز أيضاً، ومع ذلك يأكلون ويمشون في الأسواق، وأولادهم يدرسون ويتخرجون وينافسون وينالون أعلى الأوسمة والدرجات والشهادات، لا كما يظنه البعض أن بيتاً لا يوجد فيه طبق فإن أهله يبقون متخلفين، تلك كلمة أو مصيبة أصبح البعض ينهزم أمامها لما يقوله بعض من ينتسبون إلى الثقافة، فيقول: إن بيتاً ليس فيه آلة، أو ليس فيه جهاز يطلع أهل البيت على واقع العالم من حوله يبقى بيتاً متخلفاً، وتبقى شخصيات أهله ناقصة. وهل هذا البيت سيحكم العالم؟ وهل هذا البيت سيربط العلاقات الخارجية والسياسات الدولية؟ وهل هذا البيت سوف يعقد اتفاقيات الجات؟ وهل هذا البيت سوف يعقد صفقات عالمية؟ أو يدخل في ترسيم حدود حتى يضطر إلى مثل هذه الأجهزة؟ لا والله؛ لكنها دعاوى؛ لكنها مداخل يدخل فيها الشيطان على كثير من الناس، حتى يتزين بها في بعض المجالس، فيقول: رأيتُ في القناة الفلانية ذلك البرنامج الذي قيل فيه، ورأيتُ البرنامج الفلاني في القناة الفلانية ذلك البرنامج الذي يقال فيه، وخير لك أن تقول: غضضتُ بصري عن كل شر، وحميت سمعي عن كل لفظ، وأسلمتُ قلبي لله رب العالمين، لا شريك له.

الغزو الفضائي [2]

الغزو الفضائي [2] إن أعظم خطر يداهم الأمة في عصرها الحاضر، ويؤثر على أخلاقها وجيلها هو خطر هذه الدشوش التي نشرت السم الزعاف بين أبناء المسلمين؛ فأثرت على المجتمع في الملبس والمأكل والمشرب، والأخلاق والتربية وغير ذلك، ولكن ثمة مخرج وهو: إخراجها من البيوت وتكسيرها، وغرس المفاهيم الصحيحة بدلاً عنها، والتناصح بين أفراد المجتمع، وغير ذلك من الأمور.

آثار الغزو الفكري على الفرد والمجتمع

آثار الغزو الفكري على الفرد والمجتمع {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. معاشر المؤمنين! مر بنا الحديث في جمعة ماضية عن خطر يقع فيه بعض إخواننا باختيارهم، ومرض يحل في أبدانهم بمحض إرادتهم، ذلكم هو خطر غزو الإعلام القادم الذي يتقبله بعض المسلمين بقبول حسن، وربما ترى وتسمع من بين هؤلاء من ينتقص أو يتهم الناصحين والمحذرين من شؤم هذه السموم الوافدة، يتهمهم بالرجعية أو التخلف، أو عدم مواكبة العصر والقدرة على فهم متطلبات الحياة المعاصرة، وحيث وعدنا بالحديث عن آثار هذا الغزو الفكري الإعلامي على جوانب عديدة في حياة الأفراد والمجتمعات فهاك ذلك.

خطره على العقيدة

خطره على العقيدة فأولها خطره على العقيدة: (الخطر العقائدي): ذلك أن الحقائق المستقرة في نفوس الناشئين خاصة وغيرهم عامة، ذلك أن الحقائق المستقرة في نفوسهم عن ربهم، وعن الغيب، وعن النبوات، وعن الأديان، وعن الملل تتعرض للزعزعة، وتدخلها الشكوك والرِّيَب، بسبب ما يُعرض في تلك القنوات من مضامين متعددة، في قوالب الأفلام والمسلسلات والحوارات والندوات. ولقد علمتم وربما بعضُكم رأى أن حوارات تدور حول مُسَلَّمات العقيدة وتُطرح قضايا العقيدة، التي لا يجوز الشك والريب فيها للجدال والنقاش؛ لتصبح فرضيات ونظريات تقبل الرد أو القبول أو التطوير، مع كونها مُسَلَّمات لا يجوز أن ترد محل الخيار في القبول أو الرد، فأي خطر أعظم من هذا؟ في قناة فضائية عربية، عُرض فيلم هندي مترجم، ومن مشاهده الأليمة أن طفلاً لما رأى أخته الجميلة قد لدغها الثعبان، هرع مسرعاً إلى صنم، وأخذ يدعوه وينحني له، ويرجوه ويتوسل إليه أن يشفي أخته اللديغة، وإن لم يفعل هذا الصنم فالطفل يقول له -والعبارات بالعربية مكتوبة-: وإن لم تفعل فلن تُعبَد بعد اليوم، ثم عاد هذا الطفل إلى أخته ليجدها قد أفاقت وسلمت من شر الثعبان، وليستنتج الطفل المشاهد أن الصنم قد أجاب الدعاء، وكشف كربة أخته، ودفع المرض والسم عنها، فعاد الطفل إلى الصنم مرة أخرى، وقال له: سأظل أصلي لك شكراًَ على ما فعلت لأختي. أيها الأحبة! تأملوا ما في هذا المشهد من المصائب الخطيرة: أولها: الكفر بالله عزَّ وجلَّ. ثانيها: دعاء لغير الله، واعتقاد أن المخلوق يقايظ أو يهدد الخالق إن لم تفعل لم أفعل، وإن فعلتَ فعلت. أي خطأ أعظم من هذا؟ أن تتعرض حقائق الربوبية الربوبية التي آمن بها كفار قريش، وهؤلاء يعرضونها في طفل يعبد صنماً، ويهدده إن لم تفعل لم أفعل، وإن فعلتَ فعلت، إن لم تشف أخته لم يعبد، وإن شفيت أخته عبد!! أي ضلال أعظم وأخطر من هذا؟! هذا غيض من فيض المشاهد التي تدعو صراحة إلى عبادة غير الله، واللجوء إلى غير الله، وعدم الثقة بالخالق، واتخاذ الوسطاء مع الله، فهل من غيور يخاف على ذريته الشرك، فيبادر بإخراج هذا الجهاز وذاك الطبق؟! لقد تصور كثير من الأطفال تصورات غريبة عن الرب والإله المستحق للعبادة وحده لا شريك له، من خلال تَجسيم تلك الأفلام، وتشبيهها، وتقريبها صورة الخالق بصفات المخلوق، أو تصوير المغيبات التي لا يعلم حقيقتها إلا الله، بصور تفسد مقاصد الرهبة منها، أو الترغيب فيها، ناهيك عن نسج العجائب والقصص عن الأنبياء، أما تعويد نفوس الناشئة على صور الصلبان، ومشاهد الكنائس والطقوس الشركية، فذلك أمر بات معهوداً في جل ما تعرضه تلك القنوات، ولا تسل عن تحبيب الكفار والمجتمع الكافر والأسرة الكافرة إلى نفوس ناشئتنا عبر تلك المشاهد والمواقف التي تحكي السعادة المزيفة، والأنس والحيوية الوهمية من قبل أبطال تلك الأفلام والبرامج، وربما قارن المشاهدون حياة الكفار بحياتهم فوجدوا بَوناً شاسعاً بين التمثيل وما هم فيه من بعض المشكلات، فلا يلبث أحدهم أن يتمنى أن يعيش بين الكفار، ثم يحتقر من حوله من المسلمين؛ لأوهام ما رأى، أليس هذا هدماً للولاء والبراء. أين البراءة من الكافرين؟ وأين الولاء للمسلمين، والله عزَّ وجلَّ يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71]؟! والله عزَّ وجلَّ يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال:73] إلا تفعلوا ولاءً أعظم من هذا، إلا تحققوا ولاءً بينكم، كما يحقق الكفار ولاءً بينهم: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73]. فهل يدرك هذا الخطر إخوانُنا وأحبابنا الغيورون على دينهم وعقيدة أبنائهم، فيبادروا بإبعاد هذا الجهاز وإزالة هذا الصحن؟!

تقليد الكفار في اللبس وغيره

تقليد الكفار في اللبس وغيره قلتُ في خطبة ماضية: إن من المشاهد المؤلمة التي أصبحت ظاهرة في كثير من الطرقات والأسواق، مشاهد بعض الشباب الذين قلدوا الكفار في لبس قبعة، وذلك اللباس الذي تقسم أنك رأيت مثله يرتديه أبناء الغرب وشبابهم في بلدانهم، ولا أقول: إن لبس القبعة حرام؛ لكن لبسها على وجه مشابهة الكافر، وتقليد الكافر هو الحرام، فقد أُمرنا وسُن لنا وشُرع في ديننا أن نخالف الكفار. إليك تعدو قلقاً وضِيْنُها معترضاً في بطنها جنينُها مخالفاً دينَ النصارى دينُها أيها الأحبة في الله: يا من يضعون هذه الأطباق في بيوتهم، ويستقبلون ما يعرضه الغرب عبر تلك القنوات! هل رأيتم الغربيين يقلدونكم في لبس ثيابكم، وغُتَركم، وعباءاتكم، أو أي أمر من طبيعة مجتمعكم؟! A لا. بل إن الغرب يجعلون زيكم شعار الجريمة، ويجعلون سمتكم عنوان التخلف في أفلامهم ومسلسلاتهم، فتراهم كثيراً ما يعرضون الزي العربي وزي المسلم، يعرضونه على حال رجل مشغوف بالجواري والنساء، يعبث بالأموال ويسرف بها، يعبث يميناً ويساراً بالمخدرات، متسلط بالسطو والجريمة. فاسأل نفسك: من المهزوم ومن المنتصر؟ من الذي يقلد الآخر منهما؟ لو قدر لك أن تخالط أحد المنهزمين لأي سبب من الأسباب، لوجدت تقليداً أعمى في كثير من الأمور، لا لشيء سوى أن الغربي يفعل ذلك. كثير من الفتيان والفتيات اليوم يرقصون ويسمعون ويسهرون ويلبسون ويخرجون ويتحدثون ويتصرفون، بل ويتخذون الكلاب، ويؤيدون الغرب في سلوك حياتهم المرفوضة ديناً وعقلاً، ويفعلون ما يفعله الغربيون، لا لنسب ولا لسبب، سوى الهزيمة أمام هذا الغزو القائم القادم. أما الأثر الثقافي الذي أحدثته تلك القنوات الفضائية: فحسبك أن تعلم أن نسباً كبيرة من الطلاب قد انحدروا في مستوياتهم التعليمية إلى حد يعجز الكثير منهم عن المواصلة في المجالات النافعة المثمرة والبناءة. ولا غرابة في ذلك فقد أثبتت الإحصائيات أن كثيراً من الطلاب اليوم يجلسون أمام الشاشة في متابعة القنوات أكثر من جلوسهم في مقاعد الدراسة. لقد أصبح حتى الكفار يشكو بعضهم من غزو بعض؛ لما رأوا من تأثر شبابهم بما يُعرض في تلك القنوات، على الرغم من تقاربهم في شتى المجالات، ومع ذلك باتوا يشكون هذا الأمر، والخطر على الثقافة والتعليم؛ أفترون أننا بمنأىً عن ذلك الشر؟ لقد وقف رئيس فرنسا وزعيمها يشكو إلى الجماهير من خطر الأفلام الأمريكية، وتسلط المسلسلات الأمريكية على الشباب الفرنسي، ويصيح غاضباً: لماذا استولى الفكر والثقافة الأمريكية على التقاليد الفرنسية؟ بات الكفار يشكو بعضهم من بعض. إننا لفي أشد خطراً، وأولى بالحذر مما يقع. لقد أنتجت هذه القنوات جيلاً غريباً، صاغت القنوات الإعلامية فكره، وحددت مساره وثقافته، غالبهم حصرته في الفن والرياضة والأفلام والتمثيل، لقد أنتجت تلك القنوات جيلاً ليس له جلد على البحث والقراءة، أو التطبيق والتجربة أو المشاهدة والاستنتاج. فيا أيها الغيور! هل ترى ذمتك بريئة في وضعك لهذا الدش وأنت ترى فيه ضياع مستقبل أولادك العلمي والثقافي، في وقت أصبح الحصول على مقاعد الدراسة بالجامعات من صور النجاح التي لا تُنال إلا بالدرجات والمستويات العالية؟! فهل ترى هذا الجهاز يقرب فرص النجاح والقبول لأولادك أم لا؟

آثار الغزو في جانب التربية

آثار الغزو في جانب التربية أما آثار هذا الجهاز من جهة التربية: فثق أن من يتابع هذه القنوات من أهل بيتك إما صالح تفسده، وإما فاسد تزيده، وإما بريء تعلمه، وكلها شرور وظلمات بعضها فوق بعض. فهل يسرك أن تجعل طبيعة وسلوك وسمت أبنائك وأسرتك يتكيف بما يرون ويشاهدون في هذه القنوات؟ من أين تعلم الأطفال والشباب الجريمة في بيت ليس فيه مجرم؟ لقد علمهم الدش. من أين تعلمت الفتاة الجرأة على هتك الحياء والاستهتار بالعفاف؟ لقد علمها الدش. تشكو أمٌّ من الأمهات فاجعتها في بُنَيَّتها الصغيرة التي تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، لما اكتشفت الأم أن الطفلة الصغيرة تعاكس بالهاتف رجلاً كبيراً. فمن علم هذه الطفلة؟ إنه الدش. من علم المرأة الإعراض والتكبر والنشوز على زوجها، والإمعان في هذا الإعراض، ومناقرته نقار الند للند، بعد أن كانت مطيعة قاصرة الطرف؟ إنه الدش. وما الذي جعلها تهمل أولادها وبناتها لتشتغل بما رأت، أو بآثار ما رأت في ذهاب وإياب لا طائل وراءه ولا نتيجة بعده؟ بل ما الذي علم بعض النساء والرجال أساليب الخيانة الزوجية، وسبل إخفاء الجريمة؟ إنه البث المباشر الذي قاد بكثيرين إلى الزنا، الذي قاد بالكثيرين إلى الخنا، الذي قاد بالكثيرين إلى الفاحشة: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] والدش اليوم من الأساليب التي تقرب إلى الزنا.

تطور أساليب الجريمة

تطور أساليب الجريمة إن من آثار هذا الغزو القائم والقادم: تطوُّر أساليب الجريمة، وانتشار مجالاتها. لقد كانت الجريمة بدائية بسيطة سرعان ما تنكشف للأدلة الواضحة التي يخلفها المجرم وراءه. أما الآن فقد تعلم كثير من المجرمين أساليب جديدة، منها ما يعتمد على التفكير المسبق، والتخطيط الدقيق، ومنها ما يعتمد على الفن والتقنية؛ لذا شاع وانتشر عند بعض المجرمين أساليب جديدة في السطو على المنازل، وسرقة السيارات، وترويج المخدرات، هذا مع إدراكنا وعلمنا أن بلادنا هذه ولله الحمد أقل البلدان على وجه الأرض من حيث وجود الجريمة ونوعها؛ لكن هذا لا يمنع من خطر الغزو القادم في هذا المجال، والتأثر به، ولو لم يكن من خطر هذا البث سوى تصدير أنواع الأفلام التي لا تمر على الرقابة الإعلامية، ومن ثم بيعها وترويجها، لكان كافياً في إفساد أمن المجتمعات وأخلاقها. وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً إنما الأمم الأخلاق ما بقِيَتْ فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا لقد أشارت إحصائيات أُجريت في أسبانيا إلى أن (39%) من الأحداث المنحرفين قد اكتسبوا أفكار العنف من مشاهدة الأفلام والبرامج العدوانية. وذكر بحث عن السلبيات في التلفاز العربي أن (41%) ممن أجري عليهم الاستبيان يرون أن التلفاز يؤدي إلى انتشار الجريمة و (47%) يرون أنه يؤدي إلى النصب والاحتيال. لقد تعلق بعض الشباب بالسفر إلى الخارج لما رأوا من مشاهد وصور خدعتهم بزيفها وبريق باطلها. فظن بعضهم أن السعادة والأنس في تلك البلاد التي رآها عبر تلك القنوات، سيما وقد رأى صور النساء الفاتنات في الدعاية، يدعونه ويُغرونه، ويغمزون ويضحكون له في الشاشة؛ للسفر إلى تلك البلاد. فلا تعجب يوم أن ترى بعض الشباب يعمل مدة، ثم لا يجد بعدها شيئاً يدخره أو يجمعه، لقد أنفق كل ما ادخره بلا اختيار، تحت سياط الدعاية الملحَّة؛ لإخراجه من بلاده الآمنة المطمئنة، إلى بلاد يجد فيها الخنا والفساد والخمور؛ حيث لا رقيب ولا حسيب.

صور مما تجني المجتمعات من الدشوش

صور مما تجني المجتمعات من الدشوش ثم حدث ولا حرج -أيها الأخ الغيور- عما يعود به المهزوم الذي سافر إلى تلك البلدان بقصد الخنا والفساد، تحت وطأة تلك الدعايات المفسدة للأخلاق والحياء والعفة! فكر بما يعود به ذلك المهزوم المنحرف الذي قضى وقتاً طويلاً في تلك البلاد، بين جنبات الغانيات, وبين صور الخنا، وبين صور الفساد! يقول المفكر الأمريكي بلومر، في بيان خطورة التلفاز الأمريكي على الأمريكيين، يقول: إن الأفلام التجارية التي تنتشر في العالم تثير الرغبة الجنسية في معظم موضوعاتها، كما أن المراهقات من الفتيات، يتعلمن الآداب الجنسية الضارة من الأفلام. وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل والحب والمغازلة والإثارة الجنسية والتدخين يتعلمها الشباب من خلال السينما والتلفاز. وقام الدكتور ريتشارد الأمريكي، بدراسة مجموعة من الأفلام التي تُعرض على الأطفال عالمياً فوجد أن (29%) تتناول موضوعات جنسية و (27%) تتناول الجرائم و (15%) تدور حول الحب الفاسد. وأنا أقول للذين يضعون الجهاز وطبق الاستقبال: اسألوا أنفسكم: كم نسبة مئوية من مسلسلات أو برامج تربوية، أو هادفة أو بناءة تعرضها تلك القنوات؟ أيها الأحبة! لِمَ نصر ونكابر ونعمد بإصرار على إهلاك أولادنا وبناتنا؟! لِمَ نتعمد طعن قلوب أبنائنا؟ لِمَ نتعمد هتك حياء وعفاف بناتنا؟ لِمَ نصر على بقاء هذه الأجهزة في بيوتنا؟! ألسنا نكد ونكدح من أجلهم، ونجمع المال لننفق عليهم، ونسهر إذا أصابهم مس أو ألم أو مرض؟ لماذا نعارض أنفسنا؟ لماذا نناقض أنفسنا بعد هذا كله؟! ثم بعد أن نعتني بلباسهم وعافيتهم وصحتهم وتعليمهم ندخل مجرماً يطعنهم في وجوههم، ومن خلف أظهرهم. أيها الأحبة! بِمَ تفسرون تعلق بعض الشباب والشابات -والمراهقين خاصة- بشخصيات أقل ما تستحق عند اللقاء الركل والبُصاق، وأقل ما تستحق عند السماع الاشمئزاز والإعراض من أولئك الذين يسمَّون بالنجوم؟! لا شك أن البث المباشر هو الذي صنع لهم هذه القمم الشمعية التي تذوب عند أدنى حرارة في مواجهة بين الحق والباطل. إننا أمة لنا تاريخ مجيد، فيه صفحات مشرقة، مملوءة بمواقف حقيقية، وليست كرتونية، وليست مواقف في خدع سينمائية، بل هي مواقف حقيقية؛ فجدير بشبابنا أن يتشبهوا بالقمم السابقة في الحق والجهاد، والبطولة والإباء. ولكن يا للأسف! لقد استطاع هذا البث أن يرضيهم بالبديل عنها، جعله في الثرى مكان الثريا، والقبر مكان الصدر، والتبعية محل القيادة. ومن خلال النقل المباشر يتعرف أولئك الشباب على الشخصيات العالمية التي تسمى بارزة في مختلف الأنشطة أو النجومية، ويتأثروا بها غاية التأثير، ويتعلق قلبه بها، ويحاكيها في سلوكياته المنحرفة، فكم تأثر من شباب بالشاذ الذي يسمى: (مارادونا) وكم تأثرت فتاة وفتى بالذي يُسمى: (مايكل جاكسون) في شذوذهم وفي تعاطيهم للمخدرات، وفي رقصهم، وفي عبثهم؟! أليس في القوم رجل رشيد؟! لقد أفسد هذا البث على الأسرة والمجتمع روابطه وأواصره التي كانت متينة في كثير من المجتمعات، فهل ترضى أن يظل هذا البث عندنا أو في بيوتنا حتى يصيبنا ما أصابهم من التمزق والتفكك؟ إن ضعف العلاقات الأسرية، وتضييع حقوق الوالدين والأرحام والجيران، وبروز الأخلاقيات الفردية السيئة من الأنانية وضعف الروح الجماعية، وضعف التعاون والتكافل الاجتماعي، وظهور المشكلات الزوجية، والتأخر في الزواج، وتفشي العزوبة والعنوسة، وتفشي الطلاق، ومحاربة تعدد الزوجات، والتعارف والصداقة، صداقة الفتى بالفتاة قبل الزواج، والتشجيع على ذلك، وتأثر المرأة المسلمة بتقاليد المرأة الغربية من الاهتمام بالأزياء العالمية، والحرص على صرخات وصرعات الموضة، وأنماط حياة الغرب، والإعجاب بعاداتهم، لَمِنَ الأمور التي أفرزها وجود هذه الأجهزة، ووجود هذه المستقبلات، وكل ذلك قد تزايد بنسب عالية بالتزامن مع قدوم الغزو المباشر، عبر تلك القنوات الفضائية. أيها الأحبة! لقد أصبح مشاهَداً ملحوظاً على كثير أو على بعض المنهزمين ممن يتابعون قنوات البث المباشر أن البث والإعلام القادم قد اختص بنصيب الأسد من ساعات المشاهد، ولا شك أنه يعرض أنماطاً وعقائدَ وقيماً وسلوكاً وتعاملاً وأخلاقاً لا تمت إلى دينه أو مجتمعه أو قيمه بأدنى صلة؛ اللهم إلا العداوة والبغضاء. لقد أصبح هؤلاء يرون كل بث وإعلام قادم بعين الإعجاب والمتابعة، وأما النافع من إعلام بلادهم والجيد منه فلا يرون له اعتباراً أو قيمة. نسأل الله أن يردهم إلى الحق رداً جميلاً. نسأل الله أن يوقظ في قلوبهم جذوة الغيرة، وجذوة الفهم، وجذوة الإدراك لخطر هذه الأجهزة الموجودة في البيوت، وأن يدفع عنا وعنهم العناد والإصرار على المعصية. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

شبهة والرد عليها

شبهة والرد عليها الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله! قد يقول كثير من الناس، وقد يقول بعض المثقفين، وقد يقول كثير من المتعلمين: ليس كلامك هذا وصراخك ونواحك حلاً جذرياً لمشكلة البث المباشر والقنوات الفضائية، أن تقول للناس: أخرجوه من بيوتكم، بل لا بد من التحدي والمواجهة، وهذا كلام فيه تخليط وتقريب بين الخطأ والباطل، وذلك أن مواجهة الشر لا تكون بقبول الشر، وإنما تكون أولاً برفضه وإبعاده، وتكون بأخذ الوقاية منه والتحذير من شره؛ حتى لا يقع الناس فيه وهم يشعرون أو لا يشعرون، وبعد ذلك التصدي له بجهد نعده ونصدره، لا أن نجعله في بيوتنا، ونجعل أولادنا وبناتنا وزوجاتنا وأطفالنا يتفرجون عليه، ثم نقول: إن مواجهة البث المباشر لا تكون بإخراجه من البيوت. نعم إن سلامة أبنائنا وزوجاتنا وبناتنا من خطره تكون بإخراج هذه الأجهزة من البيوت أولاً، ثم نتصدى للبث المباشر بإعلام آخر، وبفكر آخر: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33]. كثيراً ما سمعتُ هذه الكلمة في حوارات ومناقشات وفي جلسات يقول أحدهم لناصح أو لغيور: كلامك هذا فيه عاطفة إسلامية، وفيه غيرة جياشة؛ ولكن لا تظنن -يا أخي- أن الوقاية من خطر البث المباشر تكون بإخراجه من البيت، ثق أولاً، واعلم قبل كل شيء أنك مسئول عن نفسك، ثم من ولاك الله أمره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. فأول ما نريد منك أن تسلم من خطر البث المباشر في نفسك، وأن تدفع عن أولادك خطره وأن تسلمهم من شره بإذن الله، لا أن تجعله في بيتك، ثم تقول في الأندية والمقالات والمناسبات: لا تكون السلامة من الخطر إلا بفكر آخر، أو بطريق آخر، وهو موجود في بيتك! أبعده أولاً، أخرجه من بيتك أولاً، ثم بعد ذلك نفكر كيف نغزو هذا الإعلام في ذاته. إن مُكِّن لنا ساعات من البث المباشر نُلقي فيها من المحاضرات والدروس والندوات؛ حتى ولو كانت المحاضرة بين فيلمين ومسلسلين ومشهدين، لا يمتنع أن يكون الخير في وسط يحارب فيه الشر، ولو كان الشر محيطاً به من كل جانب، لا يمنع أن نستأجر ساعات من تلك القنوات لنبث فيها فكراً إسلامياً، ولنفند فيها أباطيل وشبهات، لا يمنع أن تكون عندنا قناة إسلامية لنجعل بثها من أوله إلى آخره لتفنيد ذلك الشر الوافد، والأفكار المسمومة. أما أن نجعله في بيوتنا، وأن نوزعه في المجالس وغرف النوم على أولادنا وبناتنا، ثم نقول: إن مواجهة الخطر المباشر أو البث المباشر لا تكون بالسب والشتم وإخراجه من المجالس، لا، إخراجه من المجالس يجعلنا في مأمن على أولادنا وفي طمأنينة على بناتنا وزوجاتنا، ثم محاربتُه ولو كانت هذه المحاربة في ذات قنواته، وأنتم تعلمون أن المجتمع الغربي خاصة، وكثيراً من هذه القنوات العربية أيضاً هي تجارية محضة، فلو دفع لها من المال ما يغريها لقبلت أن توجد من بين بثها ومن بين برامجها برامج ربما كانت داحضة ومبطلة لما يبثه أصحاب تلك القنوات، وأصحاب تلك البرامج. إذاً أيها الأحبة! هذه الحيلة لا تنطلي علينا، فقول البعض: ليس الحل إخراجه من البيت خطأ، بل السلامة والعافية والصحة والنجاة بإذن الله بإخراجه من البيت، هذا فيما يتعلق بشخصك وأبنائك. وأما فيما يتعلق بعموم الأمة، فذلك بأن نغزو، وأن نجاهد هذا الإعلام، إما بقنوات نصدِّرها ونبث منها، وإما بأن نستأجر من تلك المحطات، أو نشارك فيها بقدر ما استطعنا، فكلمة حق تقذف بالباطل: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81].

كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته

كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته أيها الأحبة في الله! إن من أهم الأمور التي ندفع بها هذا الخطر: أن نعود إلى الله عودة صادقة، وأن نتذكر: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:8] إن الرجعى إلى الله، وإن المآل إلى الله، وإن المنتهى إلى الله، فماذا نفعل أو نقول، أو نُبدي حجة أو عذراً حينما يسألنا الله عزَّ وجلَّ: ماذا فعلتم بهذه النعم التي بين أيديكم؟ اجعلوا الله عزَّ وجلَّ بين أعينكم، وراقبوه في أفعالكم وتصرفاتكم. ثم إن من الأمور التي ندفع بها هذا الشر: أن يهتم كل واحد منا ببيته، وأن يحذر على أولاده وأسرته: (كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته). إن غاية الاهتمام والعناية بالولد لا تقف عند كونك تربيه أو تعالجه، بل إن كنت تريد أن تستفيد منه فاجعله ولداً صالحاً يدعو لك: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث منها: ولد صالح يدعو له) أتخلف ولداً صالحاً يدعو لك وأنت قد جعلت الأفلام والقنوات بين ناظريه منذ طفولته؟! أتخلف ولداً صالحاً يدعو لك وأنت قد أسلمت له الزمام والقيادة فذهب كيفما شاء، وارتحل كيفما اتفق؟! إنها لمن أعظم المصائب! وإن التفكير الجاد، وإنها دعوة لأولي العقول والمخترعين والمكتشفين والنابغين من المسلمين، أن يفكروا بكل جدية ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، أن يفكروا في إيجاد أجهزة أو اختراعات تشوش على هذا البث، وتمنع من شره وخطره. إن هذا داء (وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه, وجهله من جهله) وإنا نقول بإذن الله: ما عقمت عقول أبنائنا الشباب الذين برزوا في الطب، والهندسة، والذرة، والهندسة النووية، وفي شتى المجالات، ما عقمت ولن تعجز بإذن الله عن اكتشاف ما يشوش على هذا بإذن الله ومنه، خاصة إذا استحضروا التقوى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. ثم إن المناصحة، والمكاتبة، والمراسلة، والزيارة لأولئك الذين تهاونوا بهذه الأطباق، وجعلوا هذه الأجهزة في بيوتهم، ومناصحتهم غاية النصيحة لمن أهم الأمور. إننا لنفزع ونتحرك ونبادر حينما نرى رجلاً أهمل زوجته، أو نبادر حينما نرى آخر في ذمته دين وهو يقدر على سداده فيماطل، ونبادر حينما نرى خطراًَ على أحد لنناصحه، فلماذا لا نناصح أصحاب هذه الأجهزة في بيوتهم؟! لِمَ لا نزورهم فرادى وجماعات؟ {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46] ادخلوا عليهم، واسألوهم وقولوا لهم، وردوا وأجيبوا بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن. يقول سماحة العلامة الشيخ: محمد بن صالح بن عثيمين في خطبة له ألقاها في يوم الجمعة: (25/ 3/1417هـ) قال فيها: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرجل راعٍ في أهله، ومسئول عن رعيته) وعلى هذا فمن مات وقد خلف في بيته شيئاً من صحون الاستقبال -الدشوش- فإنه قد مات وهو غاش لرعيته. ولهذا نقول: إن أي معصية تترتب على هذا الدش الذي ركبه الإنسان قبل موته فإن عليه وزرها بعد موته، وإن طال الزمن وكثرت المعاصي. فاحذر أخي المسلم أن تخلف بعدك ما يكون إثماً عليك في قبرك، وما كان عندك من هذه الدشوش فإن الواجب عليك أن تكسره؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا في وجه محرم غالباً، لا يمكن بيعه؛ لأنك إذا بعته سلطت المشتري على استعماله في معصية الله، وحينئذ تكون ممن أعان على الإثم والعدوان، وكذلك إن وهبته، فأنت معين على الإثم والعدوان، ولا طريقة للتوبة من ذلك قبل الموت إلا بتكسير هذه الآلة (الدش) التي حصل فيها من الشر والبلاء ما هو معلوم اليوم للعام والخاص. ثم يمضي فضيلته قائلاً: احذر يا أخي أن يفاجئك الموت وفي بيتك هذه الآلة الخبيثة، احذر احذر احذر فإن إثمها ستبوء به، وسوف يجري عليك الإثم بعد موتك. نسأل الله السلامة والعافية. أيها الأحبة! إذا علمنا أن هذا خطره، وقلنا وبيَّنا فيما مضى أن الذين تلزمهم طبيعة أعمالهم أو مهماتهم أو درجاتهم ومناصبهم الأمنية والسياسية أن يتابعوا ما يلزمهم متابعته، أو يفترض عليهم متابعته، فإن ذلك ليس بعذر لبقية الناس، ولبقية بعض الذين وضعوه لا لشيء إلا للشهوات، أو النظر إلى الشبهات، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ثم اعلموا -عباد الله- أننا ننتظر من الله الفرج في إنزال الغيث من السماء؛ ولكننا نغفل أن من بيننا من يستقبل هذا البث وأن فينا من يتعاطى الكبائر، وأن فينا من غصب الحقوق ولم يرد المظالم. فالله الله بالتوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، وإن كثيراً من المسلمين يستقبلون تلك المصائب والمنكرات برضىً وطيب نفس، كأنهم أمنوا مكر الله عزَّ وجلَّ, ونسوا لقاءه وحسابه، إن الله يمهل ولا يعاجل العقوبة بعباده. فاحذروا يا عباد الله سخط الله وعذابه، وتأملوا حال السلف وحذرهم من المعصية، حتى أن بعضهم قال: [إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات] أي: من المهلكات. اللهم وفق واهد وأصلح أولئك الذين وضعوا هذه الأطباق في بيوتهم إلى إخراجها. اللهم أصلح ذرياتهم، واهدهم واهدنا جميعاً، وأعنا وإياهم على الحق بإخراجها، والبراءة من المنكر في إبعادها وتحطيمها. اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم لا تمنع عنا الغيث بالربا، أو المنكرات، أو المعاصي، اللهم إن عَظُمت ذنوبنا فإن فضلك أعظم, وإن كثرت معاصينا فإن فضلك أكثر وأكبر، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، لا غنى لنا عن رحمتك، ولا غنى لنا عن فضلك ومنك وجودك وكرمك، يا من رحمتك وسعت كل شيء. اللهم اسقنا غيثاً هنيئاً مريئاً مغيثاً سحاً طبقاًَ مجللاًَ نافعاً غير ضار. اللهم اسق العباد، والبهائم، والبلاد، واجعله اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، يا رب العالمين! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجمع اللهم شملنا وعلماءنا وحكامنا، واهد اللهم ولي أمرنا، ومتعه بالصحة والعافية على طاعتك، واجمع شمله وإخوانه وأعوانه، وسخر له ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، واجعل اللهم ذلك في عز دينك وإعلاء كلمتك. اللهم ثبتنا على طاعتك إلى أن نلقاك، وتوفنا على أحسن حال يرضيك عنا. اللهم إنا نسألك عيشة هنية، وميتة سوية، ومرداً إليك غير مخز ولا فاضح، يا رب العالمين! اللهم صلِّ على محمد وآله وأزواجه وصحبه.

الغفلة في حياة الناس

الغفلة في حياة الناس الغفلة داء معنوي يصاب به الناس، فلا يروق لهم سماع الموعظة، ولا التفكر في الموت أو الآخرة، والمشكل في هذا الداء أن المصابين به لا يشعرون به، بل ويظنون أنهم في حال حسنة. وفي هذه المادة بيان لمظاهر الغفلة، وبعض أسبابها، والمواطن التي ينتبه فيها الإنسان من غفلته. كما وردت في ختام هذه المادة بعض الأمور التي تعتبر علاجاً للغفلة، وبعض الأمور التي تحتاج إلى التفكر فيها.

غفلة الناس عن المواعظ

غفلة الناس عن المواعظ الحمد لله القائل عن أهل الغفلة: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله! الحديث عن الغفلة وواقعنا في الغفلة، وحينما نتحدث عن الغفلة لا نخاطب أقواماً خارج المساجد فقط، أو بعيدين عن حلق الذكر ورياض الجنة، بل نخاطب أنفسنا الغافلة، وعقولنا التي تشتت بها أمور الدنيا وذهبت بها كل مذهب، لعلنا أن نعالج أنفسنا قبل أن نعالج غيرنا، ولعلنا أن نعظ أنفسنا قبل أن نعظ غيرنا، فحاجة القلوب إلى المواعظ والزواجر كحاجة النبات إلى الماء إذا انقطع عنه الماء مات. أيها الأحبة! إن طائفة من إخواننا المسلمين لا يجعلون لتعهد إيمانهم ومراقبة حياة قلوبهم وقفات أو جلسات كما يجعلون الأوقات الطوال لأمور معيشتهم ودنياهم، وكثير منهم يحبون الحديث عن الرجاء والرحمة والمغفرة والجنة فقط، أما الحديث عن الغفلة والخوف والنار وسوء الخاتمة وعاقبة الذنوب والموت والقيامة وأهوال الحشر فلا ترى الكثيرين يحبون الحديث عن ذلك. بل لقد سمعنا هذا مراراً من أقوام إذا ذكروا بالله عز وجل وخوفوا بعذابه وعقابه، وخوطبوا بالتذكر والتدبر لآيات الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي فيه الاستعداد قبل الممات، والاستدراك قبل الفوات قالوا: هذا شيخ متشائم! وهذا شيخ عباراته قاتمة! وليس عنده عبارة فيها بشارة أو تفاؤل! لا يحدثنا إلا عن الموت، عن الصراط، عن القبر وعذابه، عن الحشر وأهواله، عن سوء الخاتمة، عن خطر الحرام ماذا تشتهون من المواعظ؟ يقولون: حدثنا عن الرحمة الواسعة، حدثنا عن المغفرة الشاملة، حدثنا عن الجنة، حدثنا عن الوعد ولا تحدثنا عن الوعيد. وذلك أمر خطير إذ الحق والشرع والدين أن يتحدث عن ذاك وذاك، عن الخوف والرجاء، والمغفرة والعقوبة، وعن الجنة والنار.

الإعراض عن معرفة الآخرة والاهتمام بمعرفة الدنيا

الإعراض عن معرفة الآخرة والاهتمام بمعرفة الدنيا فيا أحبابنا! ينبغي أن نقف وقفات تلو وقفات، فإن تكلمنا عن نعيم الجنة فلنتحدث عن عذاب النار، وإن تكلمنا عن البشائر والتفاؤل فلنتحدث عن الخطر والتغافل، إن حرصنا على الدنيا ومعرفتنا بها بلغ حداً لا يوصف، أما شأن الآخرة فكثير منا قد جمع فيه بين الجهل والغفلة، يقول الحسن البصري: [والله لبلغ من أحدهم بدنياه أن يقلب الدرهم والدينار على ظفره فيخبرك بوزنه وما يحسن أن يصلي]. معاذ الله، وعياذاً بالله، ونلوذ بالله ونلتجئ به أن نكون ممن قال الله فيهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] الذين يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا: يعلمون أمر معاشهم كيف يكتسبون، وكيف يتجرون، ومتى يغرسون ويزرعون، ومتى يحصدون، وكيف يعيشون ويبلون، أما شأن الآخرة فهم عنها ساهون وبها جاهلون، لا يتفكرون فيها ولا لأجلها يعملون.

إنكار الناس لغفلتهم

إنكار الناس لغفلتهم نرى كثيراً من إخواننا هداهم الله ينزعج من الكلام عن قضية الغفلة، ولا يحب طرح هذا الموضوع، بل ربما بادرك برده قائلاً عاجلاً: ألست ترانا نصوم ونصلي فعن أي غفلة تتحدث؟ لا إله إلا الله! ويا سبحان الله! لقد عظمت هذه الغفلة حتى حجبت الكثير عن التفكر والتدبير، نحن في غفلة عن الآخرة، والحساب قريب: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1]. فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صريع الأماني عن قريب ستندم أفق قد دنا الوقت الذي ليس بعده سوى جنة أو حر نار تضرم أهل الدنيا في غفلة، ونحن نعيش غفلة بالغة في دنيانا، ويردنا ويبعدنا ويوقظنا من سبات الغفلة أمثال هذه المجالس، حلق الذكر ورياض الجنة التي بإذن الله يجد الذين ضلت قلوبهم منها بغيتهم، والذين فقدوا رقة وشفافية أفئدتهم يجدونها في هذه الأماكن، حيث تغشى السكينة، وتحف الملائكة، وتتنزل الرحمة، ويذكر الله هذا الملأ فيمن عنده بمنه وكرمه ومشيئته. أيها الأحبة في الله! نحن في غفلة عظيمة، وأهل الدنيا عموماً في غفلة، قال تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [مريم:39] فأهل الدنيا في غفلة، روى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل النار النار، وأدخل أهل الجنة الجنة يجاء بالموت كأنه كبش أملح فينادي مناد: يا أهل الجنة أتعرفون هذا؟! قال: فيشرئبون وينظرون فيقولون: نعم، هذا الموت. ثم ينادي مناد: يا أهل النار أتعرفون هذا؟! فيشرئبون وينظرون، وكلهم قد رأوه، فيقولون: نعم، هذا الموت. فيؤخذ ويذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة خلود ولا موت!، ويا أهل النار خلود ولا موت! فذلك قول الله تعالى: ((وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ)) [مريم:39] قال: أهل الدنيا في غفلة) رواه البخاري ومسلم والنسائي. كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يتمثل بهذه الأبيات: أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم وكيف يطيق النوم حيران هائم فلو كنت يقظان الغداة لحرقت مدامع عينيك الدموع السواجم نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم يغرك ما يفنى وتشغل بالمنى كما غر باللذات في النوم حالم وتشغل في ما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم

الدنيا أهم أسباب الغفلة

الدنيا أهم أسباب الغفلة نحن في غفلة عظيمة، غفلة في الدنيا عن الآخرة، وذلك -وايم الله- جماع المصائب وبؤرة الحرمان، وقال صلى الله عليه وسلم في هذا: (من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة) رواه ابن ماجة وابن حبان والإمام أحمد رحمهم الله. الذين يتشاغلون وهم في غفلة لأجل ماذا هذه الغفلة؟ ولأي غاية هذه الغفلة؟ تجد جواب الحال إن لم يجيبوا بلسان المقال، تجد جواب الحال: أن غفلتهم من أجل دنياهم. وما علموا أن اشتغالهم بأمر الدنيا يشتت عليهم أمورهم، ويجعل الفقر بين أعينهم، ولا يزيد لهم في قسمة الله التي قسمها لهم من أرزاقهم، ولو أنهم جعلوا الهم والغاية والمنى والقصد في مرضاة الله عز وجل لجمع لهم كل ما تشتت، وجعلت الدنيا تتبعهم رافضة ذليلة تلحقهم، وتكفل بشئونهم وأمورهم، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به هموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك) رواه الحاكم وأبو نعيم في الحلية. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: [ما انتفعت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم منفعتي بشيء كالذي كتب به إلي علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ قال: أما بعد: فإن المرء يسره درك ما لم يدركه فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك، وليكن أسفك على ما فات منها، وليكن همك لما بعد الموت].

أهم الأمور التي نغفل عنها

أهم الأمور التي نغفل عنها أيها الأحبة! نحن في غفلة عن يوم القيامة وما ينتظرنا فيه، ونحن في غفلة عن القيامة أو عن أول أحوال القيامة ألا وهي سكرات الموت وأهواله ومطلعه، يقول تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:19 - 22] والمعنى: لقد كنت في غفلة من هذا اليوم، كنت في الدنيا في غفلة عن ذلك اليوم فكشفنا عنك غطاءك: ذلك الران، وذلك الغطاء الذي كان على قلبك وسمعك وبصرك، فبصرك اليوم حديد: أي نافذ تبصر ما كنت تنكره في الدنيا.

الغفلة عن الآيات الشرعية والكونية

الغفلة عن الآيات الشرعية والكونية ونحن في غفلة -يا عباد الله- عن آيات الله عز وجل، وكما يقول ربنا سبحانه: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس:92] الآيات الكونية والآيات الشرعية التي توجب الاعتبار والتدبر والادكار والتفكر، التي توقظ من سنة الغفلة، ونحن عنها غافلون إلا من رحم الله وقليل ما هم ذلك، ونحن في غفلة عن آيات الله عز وجل، ومعاذ الله أن تبلغ بنا الغفلة إلى أن تكون غفلة كاملة مستحكمة تامة كما غفل الكافرون عن آيات الله سبحانه وتعالى، فجمعوا بعداً وقنوطاً من الآخرة، ورضىً بالدنيا وطمأنينة بها، وهم بعد ذلك وقبله في غفلة عن آيات الله: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7 - 8]

غفلة الإنسان عن نفسه وذنوبه

غفلة الإنسان عن نفسه وذنوبه الغافل عن نفسه، والغافل عن ذنوبه، والغافل عن أعماله يجمع المصائب تلو المصائب، وبلايا مع البلايا، وفتناً مع الفتن، وعظائم مع العظائم، وهو لا يدري ما تجمع عليه وما تحصل له من سوء عاقبة ما اجترحت يداه، ونطق به لسانه، ومشت إليه قدماه أو نظرت إليه عينه، أو سمعته أذنه، لا يبالي أأصبح مطيعاً أم عاصياً، أمضى ومشى إلى طاعة الله أم إلى معصيته، إلى حلقة ذكر أم إلى جلسة لهو، إلى مجلس عبادة أم إلى مجلس فسق وباطل، إلى مجلس حلال أم إلى مجلس حرام، أولئك الذين غفلوا عن أعمالهم فلا يحاسب الواحد نفسه قبل أن يخرج: إلى أين؟ ولأجل من؟ وما هي العاقبة؟ وما الخاتمة؟ وما النتيجة؟ أولئك هم الغافلون. الذين يتذكرون، الذين هم أصحاب القلوب الحية والسليمة يسائلون أنفسهم في كل حركة وخطوة وكلمة وصمت وذهاب وإياب وغدو ورواح: ماذا أرادوا بهذا؟ ولأجل من؟ وما الغاية؟ وما الطريق؟ وما النتيجة؟ وكيف العاقبة؟ وهل يباعد من الله أم يقرب منه؟ أما الغافل والجاهل وأما المنافق فهو لا يبالي بذلك أبداً، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به: هكذا] رواه البخاري ومسلم موقوفاً عن ابن مسعود. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاًُ يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) رواه البخاري ومسلم. فيا سبحان الله! ممن تراهم يكابرون ويصرون ويعاندون وينكرون أنهم في غفلة، تقول لهم وتحذرهم وتخوف نفسك وإياهم من الغفلة فيقولون: وأي غفلة تتحدث عنها؟! وأي غفلة تخوف الناس منها؟! وأي غفلة تصيح بها في كل ناد وفي كل واد؟! وتقول للناس: أنتم في غفلة. الناس في خير، والناس على كل خير، والناس إلى خير، فأي غفلة تتحدث عنها؟ عن أشباح في الظلام، أم عن شياطين وهمية؟ ما هي هذه الغفلة التي تتحدث عنها؟ وذلك من أعظم المصيبة: ألا يعلم الغافل أنه في غفلة كما قال الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19] إنهم في نسيان وينسون أنهم في نسيان، وذلك هو العذاب المضاعف، وذلك هو البلاء المركب. أو ما ترون -يا عباد الله- البث المباشر يعرض ألوان الفساد في البيوت وينكر الكثيرون أنهم في غفلة، الغناء واللهو ينعق في دور كثير من المسلمين ليل نهار وينكرون أنهم في غفلة، أولادهم في حالة يرثى لها من سوء التربية وسوء الأخلاق وينكرون أنهم في غفلة، نساء وبنات غاديات رائحات متبرجات متعطرات في الأسواق وينكرن أنهن في غفلة، ويعاندون ويكابرون أنهم في غفلة! إن لم تكن هذه هي الغفلة، وإن لم تكن المعصية هي الغفلة فبم نسمي هذه الغفلة؟ نسميها القربات؟ نسميها الدرجات؟ نسميها المسابقة إلى الخيرات؟ نسميها المنافسة إلى الصالحات؟ لا إله إلا الله ما أشد جدلنا! وما أعظم إعراض المعرضين والغافلين! ولا حول ولا قوة إلا بالله! {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:97 - 99].

ضرورة المبادرة باليقظة من الغفلة

ضرورة المبادرة باليقظة من الغفلة نعم -أيها الأحبة- الذين هم في غفلة وينكرون أنهم في غفلة متى يستفيقون؟ ومتى يستيقظون؟ ومتى ينتبهون؟ ينتبهون إذا حلت المصائب بدورهم، وتربعت بين أظهرهم، ونزل الخوف وتسربلت به أيديهم وأقدامهم وأرجلهم، وفصل على أبدانهم، إذا ذاقوا لباس الخوف والجوع بما كانوا يصنعون، إذا رأوا عاقبة ما كانوا يفعلون أدركوا بعد غفلتهم أنهم كانوا في غفلة، وقد كانوا يجادلون ويكابرون وينكرون أنهم في غفلة، ولا يحبون الناصحين، ولا يحبون من يقول لهم: إنكم في غفلة. عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج) رواه الإمام أحمد وغيره.

غفلة الناس عن ذكر الله

غفلة الناس عن ذكر الله الغفلة عظيمة، وحسبنا الغفلة عن ذكر الله، إن كثيراً منا وإن عد نفسه من الأخيار والصالحين لا يذكر الله عز وجل في غالب أحيانه، وإنما نصيب الذكر من أوقاته، ونصيب الذكر من حالاته نصيب قليل، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9] الخاسر: الذي يغفل عن ذكر الله، المغبون: الذي تضيع أيامه وتضيع لياليه وسنواته وأشهره وساعاته وأوقاته، قد شغل بكل قيل وقال وكل غاد ورائح، وقد شغل بما لا يعنيه إلا ما كان من ذكر الله عز وجل، الذي يهمه وينفعه في الدنيا والآخرة فتراه مشغولاً عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهل يعجز أحد عن ذكر الله؟ تلكم العبادة التي جعل الله فيها أجوراً كثيرة في جارحة صغيرة بحركة يسيرة، تلكم العبادة العظيمة الجليلة، لا تعجز عن ذكر الله، ولا تعجز المسلمة عن ذكر الله في كل أحوالها، لا يعجز الجميع عن ذكر الله غادين أو رائحين، قائمين أو قاعدين، مضطجعين أو يتحركون، مصبحين أو ممسين، في كل أحوالهم، والله لو كان الذكر بحركات الأيدي لخلعت الأيدي، ولو كان الذكر بحركات الأقدام لكلت عن المشي، لكن الذكر بحركة اللسان، بأصغر جارحة، وبأيسر جارحة، وبأهون حركة في أيسر جارحة، أن تحرك لسانك قائلاً: لا إله إلا الله، سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، أستغفر الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، تستغفر ربك وتدعوه وتناجيه فيكتب لك ذلك. وفيه من الأجر العظيم ما الله به عليم، تمحى به السيئات، وترفع به الدرجات، وتحيا به القلوب، ويكون حرزاً لك من الشيطان، لا يصيبك مس، لا يصيبك سحر، لا تصيبك عين، ولا أذى: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مائة مرة كان كمن أعتق عشرة من ولد إسماعيل، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة خطيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان سائر يومه ذلك) بنقل جبال؟ بنقل بحار؟ بمشي أميال؟ بصدقة أوزان الجبال من الأموال؟ لا، حركة يسيرة على جارحة صغيرة، بهذا اللسان الذي لو جعلنا آلة تحصي حركاته وتحصي كلماته وتحصي حروفه لوجدنا أننا تكلمنا ملايين الكلمات أو مليارات الكلمات، ولو أحصينا ما نطقنا به من ذكر الله وطاعة الله وتسبيح الله وتهليله وتحميده وتكبيره لوجدنا أقل القليل من ذلك ما كان في ذكر الله عز وجل. يقول ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب: الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها، والغفلة أصل معاداة الله ورأسها، فإن العبد لا يزال يذكر ربه عز وجل حتى يحبه الله فيواليه، ولا يزال العبد في غفلة عن ربه حتى يبغضه الله فيعاديه. فيا حسرة الغافلين عن ذكر الله! يا حسرة الغافلين بالملاهي! ويا حسرة الغافلين بالأغاني! ويا حسرة الغافلين بالأفلام! ويا حسرة الغافلين والغافلات بالمسلسلات في القنوات الفضائية عبر الدشوش وغيرها! إن بعض المسلمين -هداهم الله- منذ أن يصبحوا إلى أن يمسوا وهم في غفلة، وهم في لهو عن ذكر الله عز وجل، البيت مملوء باللهو، والسيارة مشغولة باللهو، والمجالس مشغولة باللهو، فأخبروني بالله عليكم متى يتذكر أولئك؟ إذا بلغت الروح الحلقوم متى يتذكر ذلك؟ إذا حلت المنية متى يتذكر أولئك؟ إذا عجز عن الذكر وأصبح مقهوراً عاجزاً حاسراً بعد أن كان قادراً، أحسن إذا كان إمكان ومقدرة فلا يدوم على الإحسان إمكان

غفلة الناس في مجالسهم

غفلة الناس في مجالسهم لقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الغفلة عامة، وحذرنا عن الغفلة بالمجالس، واعلموا أن كل مجلس لم يذكروا الله فيه إلا عدوا من الغافلين، وكان مجلسهم شاهداً عليهم في الغفلة، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلسهم لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة) رواه أبو داود والحاكم. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا لله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) أخرجه الترمذي والحاكم وغيرهما، ومعنى: (إلا كان عليهم ترة): أي تبعةً وحسرةً وندامةً يوم القيامة. فيا أيها الأحباب! إذا علمنا أن المجالس، أن العلاقات، أن الجلسات، أن اللقاءات ستكون حسرات وندامات ما لم يكن ذلك في طاعة الله ومرضاته، ما لم نطرد الشياطين ونعطر القلوب والأسماع والحاضرين بذكر الله سبحانه وتعالى وبالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، وهل يضيرنا أي اجتماع اجتمعناه، وأي لقاء التقينا فيه، هل يضيرنا قبل أن نبدأه -أياً كان- أن نستفتحه بآيات من كلام الله، وأن نعلق عليه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجتمع لنا خير المجلس، وخير الكلام، وطيب الدعاء، ثم بعد ذلك نفيض فيما نشاء أن نفيض فيه من أمور دنيانا، أيضيرنا ذلك؟ أيعجزنا ذلك؟ لا والله، لكنك تعجب يوم أن يكون الذكر ثقيلاً على الأنفس، فإذا استفتح جالس من الجالسين مجلسة وقال: أيها الحضور أيها الأحباب أيها المجتمعون حتى لا يكون المجلس ترة، حتى لا يكون حسرة، حتى لا يكون ندامة دقائق نستفتح بها هذا المجلس بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، رأيت كثيراً أو رأيت بعض الجالسين يشمئزون ويزورُّون وتدور أعينهم كما تدور أعين الذي يغشى عليه من الموت يا سبحان الله! ولو كان الحديث أوله وآخره وأوسطه وقلبه وقالبه وباطنه وظاهره في سخافات وفي هراء، وفي ما لا تحمد عاقبته لقهقهوا وضحكوا، وطال المجلس إلى ساعات طويلة حتى يرتفع النهار أو ينتصف الليل، ولا يبالون ولا يعدون ذلك شيئاً، ولا يعدونه أمراً ثقيلاً، لكن إذا قام قائم أو ابتدأ متكلم وقال: يا معاشر الأحباب! يا معاشر الحاضرين! في هذا الزواج، في هذه المناسبة، في هذه العقيرة، في هذه الوكيرة، في هذا اللقاء، قبل أن نفيض في شأن دنيانا وعلاقاتنا نبدأه بذكر الله عز وجل، وجدت منا من تدور عينه، ووجدت منا من يزوَّر بوجهه، ووجدت منا من يتأفف مم تتأفف؟ أما تخشى أن تكون من الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45]؟ أي غفلة استحكمت في المجالس اليوم؟ أي غفلة استحكمت في اللقاءات اليوم؟ حتى بلغ الأمر إلى درجة أنهم لا يذكرون الله فيها؟ بل يعترضون ويتأففون ممن يدعوهم إلى ذكر الله عز وجل.

الغفلة خسارة عظيمة

الغفلة خسارة عظيمة أين نحن ممن أوصاهم النبي صلى الله عليه وسلم وحذرهم من الغفلة كما أخبر صلى الله عليه وسلم في وصيته لـ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما أخذ الحبيب بمنكبه فقال له: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وكان ابن عمر يقول: [إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك] لقد غبنا، إننا نخسر خسراناً مبيناً ونخسر خسراناً عظيماً، والله لو أن الواحد إذا جاء يستلم راتبه أو يستلم أجرته أو يستلم ما يتقاضاه من أجر على عمل أنقص له من أجره وراتبه شيء لجحظت عيناه، وشخص بصره، واشرأب عنقه، واشتد حنقه، وانتفخت أوداجه، واحمر وجهه غضباً على ما نقص من حطام الدنيا من أجر أو متاع قليل، ولكننا نخسر خسارة عظيمة، صفقات خطيرة تضيع منا ونخرج متضاحكين، ونخرج ساهين، ونخرج لاهين، لقد استحكمت فينا الغفلة حتى إننا لنغبن غبناً واضحاً ثم لا ندري ما الذي حل بنا. أي غبن وأي صفقات نخسرها من الصحة والعافية ومن الفراغ؟ يضيع منا الكثير منه في غير طاعة الله عز وجل، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري. أرأيتم صحيحاً سخر عافيته وجلده وقوته ونشاطه لطاعة الله سبحانه وتعالى أيعد مغبوناً؟ لا وايم الله، ولكن الكثيرين من الأقوياء يسهرون ويتعبون، ويجعلون أوقاتاً مخصصة محددة بكل دقة لتخفيف الوزن ولرفع الأثقال، ولكمال الأجسام، ولبلوغ الأرقام القياسية في تنمية عضلات الزند وعضلات الفخذ وتقوس الظهر وعضلات البطن وعضلات الصدر، وينفقون على ذلك أموالاً وأوقاتاً ولا يذكرون الله فيها، ومع ذلك لا يرى أنه ضيع شيئاً، هذه العافية بدلاً من أن تكون في طول القيام وطول القنوت وطول الخشوع وطول التذلل والانكسار لله عز وجل، الجلد، الحيوية، القوة، الشباب ما صرفت في صيام النهار، وما صرفت في قيام الليل، وما صرفت في قضاء الحوائج، ولا في شفاعة للمسلمين، ولا في إغاثة للملهوفين، ولا إعانة للمحتاجين، ولا كفالة للأيتام، ولا إعالة للأرامل، ولا قيام على المساكين في ماذا؟ كثير من الشباب جعلها في العدو والركض والسباق، وكمال الأجسام وحمل الأثقال والسير على الجهاز والعدو على الدراجة الواقفة وغير ذلك. إننا لا نحرم أن تنمي بدنك، وأن تعتني بصحتك، وأن تتعاهد قوتك، ولكن انظر الفرق العظيم والبون الشاسع بين ما تجعله لبدنك، وما تجعله لطاعة ربك: يا خادم الجسم كم تسعى لراحته ضيعت عمرك فيما فيه خسران أقبل على الروح فاستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان إن كانت النفس والقلب وإن كان الفؤاد والعقل يحمل هماً في طاعة الله ومرضاته، والاشتغال بعبادته والخوف من عذابه فتلك والله نفس إنسان، وإن كانت نفساً لا هم لها إلا الأكل والشرب والنكاح والنوم فتلك نفس بهيمة إذ البهائم تشاركه في هذا.

موقفان يتنبه فيهما الغافلون

موقفان يتنبه فيهما الغافلون لقد استحكمت فينا الغفلة حتى فاتتنا غنائم كثيرة فلم نسخر هذه الغنائم في طاعة الله ونيل مرضاته، بهذه الغفلة -أيها الأحبة- فاتتنا غنائم الحياة فلم ننتبه إلا عند الموت، وفاتتنا غنيمة الصحة فلم ننتبه إلا عند المرض، وفاتتنا غنيمة الفراغ فلم ننتبه إلا عند الانشغال، وفاتتنا غنيمة الشباب فلم ننتبه إلا عند الهرم، وفاتتنا غنيمة الغنى فلم نفق إلا حال الفقر. قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان. ولذا يتفطن الغافلون إلى هذه الغفلات ولكن متى ينتبهون أنهم كانوا في غفلات، وكانوا في أمر مريج، وفي أمر عجيب في غفلتهم، في تضييع هذه الأمور مجتمعة؟ ينتبهون في موقفين: الموقف الأول: في ساعة الاحتضار يعلم الغافل أنه كان غافلاً، الغافل الذي ضيع وقته وشبابه وعافيته وفراغه وصحته متى يعلم أنه غافل؟ الغافل الذي كان يكابر ويعاند في هذه الغفلة متى ينتبه؟ عند ساعة الاحتضار، عند هجوم المنية، إذا بلغت المنية منه مبلغها: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100] في هذه اللحظة يعلم أنه غافل ويستفيق ويصرخ: (رَبِّ ارْجِعُونِ) أريد العودة، أريد الرجعة (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ) فيرد بكل زجر وتوبيخ (كَلَّا) لا مرد ولا رجعة، ما بعد هذا إلا حياة برزخية، مضى وفات وانقضى زمن العمل وأنت في زمن البرزخ، إما أن تكون في حسرة فتقول: رب لا تقم الساعة، وإما أن تكون فرحاً جذلان مما ترى من كرامات الله وفضله ومنه، وروح من الله وريحان فتقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة. ينتبه الغافلون في ساعة الاحتضار فيقول أحدهم: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون:10] ولم لم تتصدق يوم كنت تدعى إلى الصدقة وكنت غنياً؟ ولم لم تتصدق وأنت تدعى إلى أداء الزكاة والأموال تملأ حسابات البنوك بأرصدتها؟ ولم لم تتصدق وأموالك تئط أطيط الرحل من كثرة الأرصدة؟ ولم لم تتصدق وكنت قادراً على الصدقة من قليل أو من كثير؟ أما إذا جاء الموت: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100]، {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون:10] و A { وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:11] هذا هو الموقف الأول يتذكر فيه الغافلون أنهم في غفلة، في ساعة الاحتضار. والموقف الثاني الذي يتذكر الغافلون أنهم في غفلة: هو موقف الآخرة: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12] الصيف ضيعت اللبن! إنا موقنون الآن! موقنون الآن بعد أن قامت القيامة! موقنون الآن بعد أن تركتم ما خولناكم وراء ظهوركم! موقنون الآن بعد أن جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة! لا ينفع اليقين حينئذٍ، كان اليقين نافعاً في حياة الدنيا، يوم أن كنتم تؤمرون وتنهون وأمامكم فرصة للعمل وفرصة للكسب والسعي في طاعة الله عز وجل، لذلك يتذكر الغافلون فيقولون: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37] هيهات هيهات انتهى زمن العمل وفات. يقول أبو سليمان الداراني: لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على تفويت ما مضى منه في غير طاعة الله لكان خليقاً أن يحزنه ذلك إلى الممات فكيف من يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من جهله؟! كيف من يستقبل ما مضى من عمره من الغفلة يستقبل بقية العمر بمثل الغفلة السابقة؟!

نفور الناس من ذكر الموت

نفور الناس من ذكر الموت فيا أحبابنا سؤال يسأله كل واحد منا نفسه: لماذا هذه الغفلة؟ وكيف حلت بنا هذه الغفلة؟ وما السبيل إلى العلاج من هذه الغفلة؟ لقد حلت الغفلة واستحكمت لما نسينا الموت ونسينا أو تناسينا أو تشاغلنا أن كل نفس ذائقة الموت، الموت بشديد أهواله وأهوال كربه وما فيه من كربات وسكرات وغصص نسيه كثير من المسلمين وتناساه، بل وكما قلت: كثير منا لا يحب أن يتحدث في مجالسه عن الموت، بعض المجالس إذا استفتحت الآية وأردت أن تذكر فيه بقول الله عز وجل {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق:19] {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [العنكبوت:57] {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:42] قالوا: أف يا شيخ ما هذا الكلام؟!! ما تستفتح إلا بالموت! ما تتكلم إلا عن الموت! ما كأن أمامنا إلا الموت! والله أمامك الموت، الموت أمامك والموت ينتظرك، لقد أخذ ملوكاً قبلك ورؤساء وأنبياء، وأعزة ونبلاء وأجلاء، وأغنياء وفقراء، فلم تنزعج من ذكر الموت؟ هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب لا بد أن تركب هذه الآلة الحدباء، ولا بد أن تغسل، ولا بد أن تكفن، ولا بد أن تدفن، ولا بد أن تترك، ولا بد أن تودع في هذه الحفرة الضيقة وفي هذا اللحد المظلم، تكره أن نحدثك عن مصيرك؟ أولست تحب من يكون صادقاً معك في تجارتك؟ ألست تحب الطبيب الذي يكون صادقاً ماهراً حاذقاً في تشخيص دائك ومرضك؟ فلماذا تكره الواعظ، أو تكره الداعي، أو تكره المذكر، أو تكره أخاك الذي يذكرك بحقيقة ما أنت مقدم عليه؟! نعم، الموت يكدر عليك أغنيتك، والموت يكدر عليك فيلمك، والموت يكدر عليك مسلسلك، والموت يكدر عليك ما يعرض في هذه القنوات الفضائية، والموت يكدر عليك ما تقبض من الحرام، والموت يكدر عليك سهرك في المعصية، والموت يكدر عليك فسادك حينما تسافر للخارج، والموت يكدر عليك كل معصية فتكره ما يكدر! والعاقل من يحب هذا الكدر من أجل أن يستفيق من تلك الغفلة، من يحب هذا الكدر في ظاهره وإن كان في حقيقته موعظة وذكرى ولكن لمن؟ لأولي الألباب، لمن ألقى السمع وهو شهيد. أيها الأحبة! أوليس الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2] قال ميمون بن مهران: دخلت على عمر بن عبد العزيز يوماً وعنده سابق البربري ينشده شعراً، فكان مما قال: فكم من صحيح بات للموت آمناً أتته المنايا بغتة بعدما هجع فلم يستطع إذ جاءه الموت بغتةً فراراً ولا منه بحيلة امتنع ولا يترك الموت الغني لماله ولا معدماً في المال ذا حاجة يدع لا تكره أن تذكَّر بالموت وإن كرهت سماع اسمه، لا تكره أن تذكر بالخاتمة، لا تكره أن تذكر بالعاقبة، لا تكره أن تذكر بالنار وأنت تذكر بالوعيد، وأنت تذكر بالتخويف من الزقوم والغسلين وكل ما أعده الله لمن عصاه، لا تكره هذه الذكرى، إن الذين يبتعدون عن الأجواء الإيمانية إذا قيل لأحدهم: تعال يا رجل الأعمال، تعال يا تاجر، تعال يا غني، تعال يا كبير، تعال يا مسئول، تعال يا حبيب، تعال يا قريب بعضهم يقول: لا يا أخي، هذه مجالس، أنا أريد أن أتمتع بدنياي لا أريد أن يكدرها علي شيء. فيبتعد عن مجالس الإيمان وأجواء الإيمان فتستحكم الغفلة مع ترك للجمع والجماعات، وتستحكم الغفلة مع إعراض عن العبادات والطاعات ولا حول ولا قوة إلا بالله! ثم ما الذي يحصل؟ تقع منه غفلة كالظلمات التي بعضها فوق بعض.

أهمية حضور المجالس الإيمانية والتأثر بها

أهمية حضور المجالس الإيمانية والتأثر بها ما أكثر الذين نرى حضورهم في كل المناسبات الاجتماعية واللقاءات الدورية وغيرها، لكن بعضهم حضوره لمجتمع الإيمان وطاعة الرحمن وحلق الذكر لا يكون إلا قليلاً أو نادراً، وبعضهم لا يحضر مثل هذه المجالس البتة، ولذلك بعض العصاة الذين من الله عليهم بالتوبة، الذين أشرقت قلوبهم بنور الهداية يقول أحدهم: والله كانت الهداية وكانت الاستجابة وكان الرجوع وكانت الإنابة في أول مجلس حضرته من مجالس الذكر ورياض الجنة وحلق الذكر. كان في غفلة وفي بعد عن مجالس الإيمان. ولذلك -أيها الأحبة- نحن في حاجة أن نستمع إلى هذه المواعظ، وأن نستمع إلى هذه الدروس، وأن نستمع إلى هذه الكلمات منا أو من غيرنا، إني لأعجب من علماء أجلاء والله لا يشق لهم غبار في قيام الليل، وفي الصدقة، وفي الجهاد، وفي الدعوة، وفي التعليم، فإذا جلس أحدهم يسمع موعظة من طفل صغير أو من واحد من طلاب طلابه وجدته يهز رأسه، وجدته يتأثر وربما سمعت له نشيجاً وبكاءً، إنه يعلم مهما بلغ علمه ومهما ارتفعت في مراتب الدين درجته وسمت؛ فإنه يعلم أن لا غنى له عن الذكرى، إن بعض الشباب يقول: هل من قضية فكرية؟ هل من قضية سياسية؟ هل من قضية اجتماعية؟ هل من قضية إعلامية؟ أما المواعظ والكلام عن الغفلة، عن الجنة، عن النار، عن الموت، عن الصراط، عن الأهوال فاصرفوها لغيرنا، تحدثوا بها مع غيرنا، نحن شباب لا نريد أن نسمع إلا عن الأطروحات السياسية، المستقبل العالمي، القضايا المعاصرة، أل أل الخ، نحن ما حرمنا وما أنكرنا عليك هذا الاهتمام ولكن ثق أن انشغالك بهذه القضايا وابتعادك عن مجالس التذكير والمحاسبة والمعاتبة والمصارحة ليقف كل واحد منا موقفاً صريحاً مع نفسه، ولينظر حقيقة ما قدمه بين يديه يوم أن يلقى الله عز وجل، إذا لقيت الله سبحانه وتعالى وأنت سياسي حاذق وإعلامي متفنن واجتماعي متمكن، لكن لست من أهل عناية بالطاعة، ولا اهتمام بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم وحرص على السنة، أينفعك ذلك؟ إن الناس ينفعهم أن يردوا إلى طاعة الله، وأن يخوفوا بالله، وأن يذكروا بعذاب الله وعقابه، وأن يشوقوا إلى جنته، وأن يرغبوا في رحمته، ولا بأس أن يأتي ما يأتي بعد ذلك تباعاً من الوعي السياسي والاقتصادي والإعلامي والتربوي وغير ذلك، أما أن نظن أن الناس لا حاجة لهم إلا في هذه القضايا، وما الفائدة من وعي سياسي مع صاحب سيجارة ثم بعد ذلك تنتهي السيجارة ويضطجع على جنبه، وإن أعجب بهذا الطرح لكنه لم يتحرك من مكانه إلى المسجد، لكنه لم يقلع عن الربا، لكنه لم يقلع عن الدعوة إلى الاختلاط، لكنه لم يقلع عن أفكار خبيثة رديئة. إن الفلاح والنجاح في رد الناس إلى طاعة الله ومرضاته، في تعبيد الناس لله، في أن يكون في قلوب الناس لله وقار: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13] أول وأعظم وأجل وأكبر نجاح في أمر الدعوة أن تتحول القلوب القاسية، الصماء، إلى قلوب لينة تخشع وتهتز وتضطرب حينما تسمع كلام الله، تذكر الله خالياً فتفيض الأعين بالدمع، تسابق إلى الجماعات، تنافس في الطاعات: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط). فيا أحبابنا! لم لا ننتبه إلى حقيقة مهمة ينبغي لنا أن نعتني بها غاية العناية؟ أقول: ما أكثر الذين نراهم يحضرون مناسبات عديدة، لكن مناسبات كهذه، ورياض جنان كهذه، وحلق ذكر كهذه، ودروس علمية تراهم لا يحضرونها ولا يشهدونها، ذاك لا يصلي مع الجماعة، ولا يأتي الجمعة إلا دباراً، وهذا لا يحب الدروس العلمية، وذاك لا يفضل حلق الذكر، وآخر لا يلتفت إلى محاضرات أو ندوات لا حضوراً ولا استماعاً، لكنهم يجلسون مجالس القيل والقال، والبيع والشراء، ارتفعت الأسهم، انخفضت الأسهم، زادت البرصة، انخفض الين، ارتفع المارك، سقط الدولار، هلك الجنيه هكذا كلامهم، وهذه مجالسهم، ولو سألتهم عن ذكر الله! لا حرج أن تبيعوا وتشتروا، لا حرج أن تتاجروا فيما أباح الله، ولكن أكل المجالس هكذا؟ أكل الأوقات هكذا؟ أكل الساعات هكذا؟ لا يوجد ذكر لله؟ لا ترطب الألسنة والقلوب بذكر الله عز وجل؟ لا، مجالس الإيمان، حلق الذكر لا يحضرونها البتة. ثم بعد ذلك إذا قلت له: لا تكن من الغافلين. قال: أنا من الغافلين؟! سبحان الله العظيم! لا يشهدون الجمعة ولا الجماعة ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ولا يأتون الجمعة إلا دباراً، وفي غفلة عظيمة ومع ذلك ينكر أحدهم أن يكون من الغافلين!! {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3].

أهم أسباب الغفلة

أهم أسباب الغفلة لقد اتفقت وصايا الأنبياء وأتباع الأنبياء على أن المؤمن ينبغي له أن يكون في الدنيا كأنه على جناح سفر يهيئ جهازه للرحيل، قال صلى الله عليه وسلم: (ما لي وللدنيا، ما أنا فيها إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) رواه أحمد والترمذي وغيرهم.

طول الأمل من أسباب الغفلة

طول الأمل من أسباب الغفلة إن من أسباب الغفلة -أيها الأحبة- طول الأمل، هذا الذي ينزعج حينما تعظه وتخوفه من الغفلة التي هو واقع فيها، لو كان يعلم أن المنية ربما تأتيه، تصبحه أو تمسيه لاستعد لها، ولكنه في أمل طويل، لا بأس أن توقع لمشروع لعشرين سنة قادمة، لكن لا يعني أن تغفل مدة عشرين سنة، لا بأس أن تؤجر عمارتك عشر سنوات قادمة لكن لا يعني أن تكون في غفلة وفي جهل خلال عشر سنوات قادمة، وهل يلزم أن تعيش هذه الفترة كلها؟ نعم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا تقوم -أي الساعة- حتى يغرسها فليغرسها فإن له بذلك أجراً). لا بأس أن تؤجر -كما قلت- عشرين سنة، عقد ثلاثين سنة، خطة خمسية، عشرية، ربع قرن، ليس هناك إشكال، خطط لخمسين سنة قادمة لا إشكال، خطط للدعوة -أيضاً- خمسين سنة قادمة، ليس التخطيط فقط للهاتف أو للمواصلات أو للنفط أو لأمر آخر لا، خطط للدعوة -أيضاً- لمدة خمسين سنة قادمة، ما يمنع ذلك، لكن لا يعني أننا سنعيش خمسين سنة، لا يعني أننا سنعيش عشرين سنة إذا وقعنا عقد إيجار مدته عشرين سنة، فمشكلة كثير من الناس طول الأمل الذي أهلكهم وضيعهم، وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا ارتحلت مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل]. يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: اعلم أن الإنسان ما دام يأمل الحياة فإنه لا يقطع أمله من الدنيا، وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها، ويرجيه الشيطان بالتوبة في آخر عمره، فإذا تيقن الموت ويئس من الحياة أفاق من سكرته في شهوات الدنيا؛ فندم على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه، وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب وليعمل صالحاً فلا يجاب إلى شيء من ذلك، فيجتمع عليه مع سكرات الموت حسرات الفوت. وقد حذر الله في كتابه عباده من ذلك ليستعدوا للموت قبل نزوله بالتوبة والعمل الصالح فقال سبحانه: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر:54 - 56] أحد الذين حضرتهم المنية وبلغت به الروح الحلقوم، أخذ يلطم وجهه ويقول: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر:56] وقال آخر عند احتضاره: سخرت بي الدنيا حتى ذهب بأيامي. وقال آخر عند موته: لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتني. إذا هبت رياحك فاغتنمها فعقبى كل خافقة سكون ولا تغفل عن الإحسان فيها فما تدري السكون متى يكون ما دمنا في هبوب ريح العافية وإقبال ريح الشباب، ما دمنا في قوة، ما دمنا في منعة رجالاً ونساءً، فماذا علينا لو أننا رجعنا إلى الله رجوعاً صادقاً وعدنا إلى الله عوداً حميداً فيجعل الله سيئاتنا حسنات؟ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] يا معاشر الإخوة! ويا معاشر الأخوات! بادروا بادروا فوالله ما ندري متى نفارق، بادروا بادروا فالذنوب كثيرة والعمل قليل ولا ندري من المقبول، بادروا بادروا فجنود الشيطان وأعوانه قد جرت في الدماء ووسوست في الصدور، وزخرفت المعاصي، وقربت الخطيئات، وجعلت الهوى مطاعاً، والشح متبعاً، بادروا بادروا اليوم بل الآن قبل أن نعجز عن الاستدراك.

الركون إلى الدنيا سبب للغفلة

الركون إلى الدنيا سبب للغفلة أيها الأحبة! إن هذه الغفلة التي استحكمت ببعض إخواننا وفينا ما فينا من الغفلة -أيضاً- {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} [يوسف:53] من أسبابها: الركون إلى الدنيا والتعلق بها، إذ الدنيا لها بريق لامع تأسر صاحبها وتشده إليها فيسعى جاهداً في تحصيلها، ويزداد بها تعلقاً حتى يصبح لها عبداً تأمره فيطيع، وتزجره فينزجر، فيهون عليه فعل الحرام بتحصيلها، ويفرط في الواجبات ليستكثر منها، وبذا تستحكم الغفلة، قال يحيى بن معاذ الرازي: الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموت نادماً مع الخاسرين. لذا كان واجباً على كل عاقل أن يجعل من دنياه، أن يجعل من ماله، أن يجعل من قوته، أن يجعل من جاهه، أن يجعل من موقعه، أن يجعل من دنياه أبواباً وسبلاً تعينه على طاعة الله. فيا أخي الحبيب! هل جعلت من دنياك على سبيل الاستمرار لا على سبيل المرة الواحدة فقط؟ هل جعلت منها في نشر العلم؟ هل جعلت منها في تحفيظ القرآن، وطباعة الكتب، وكفالة الدعاة، وسقيا الماء، وكفالة الأيتام، وكفالة المجاهدين، وإعانة المحتاجين؟ إذا كنت ذا دنيا فاجعل الدنيا مما يعينك على الآخرة، واستخدم الدنيا ولا تخدمها، واستعبدها ولا تكن عبداً لها. إن أناساً -والله رأيناهم بأعيننا وعرفناهم- أصبحوا عبيداً للدنيا، أذلتهم، كسرت رقابهم، خضعت برءوسهم إلى الأرض، ولو أنهم استخدموها لوجدوا في تسخيرها لطاعة الله عزاً وكرامةً، قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، وتعس عبد الدرهم) رواه البخاري. فالذي لم يجعل من دنياه وأمواله جسوراً وأبواباً إلى مرضاة الله ونيل ثوابه واتقاء عقابه، فإنه عبد للدنيا تعيس، وعبد للدرهم تعيس، ذليل، خدم الدنيا وما خدمته، وصار عبداً لها وما رفعته وإن ملك ما ملك وسكن ما سكن، وتقلب فيما تقلب. لقد حذر صلى الله عليه وسلم من الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه الإمام أحمد ومسلم. وما أكثر الذين غفلوا عن الذكرى ولجَّوا في الغفلة لجوجاً بيّناً، وأمعنوا فيها إمعاناً واضحاً بسبب شهوات النساء وفتنتهن، تجد أحدهم متزوجاً يعاكس هذه ويخادن هذه ويخالل هذه، فلا ينتهي من علاقة إلا وقد توسط في أخرى وبدأ في علاقة أخرى، ولا ينتهي من علاقة إلا وقد تورط في أخرى ووقع في علاقة أخرى ولا حول ولا قوة إلا بالله! وربما يقول: سأقلع فيما بعد: أقلع. ولكن متى يقلع؟ إذا كانت نهاية كل علاقة هي بداية لعلاقة جديدة، وعلى حد قول الشاعر: وحلفت ألا أبتديك مودعاً حتى أهيئ موعداً للقائي بل إن بعضهم من شدة لجاجته في الغفلة واستحكام أمر الغفلة في شأنه في أمر النساء لا يدع امرأة إلا إذا رتب علاقة مع امرأة أخرى، ولذلك لا عجب أن يتقلب وأن يتدحرج وأن يسحب على وجهه في هذه الغفلات.

فتنة النساء سبب للغفلة

فتنة النساء سبب للغفلة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: أيها الأحبة! إن كثيراً من الذين لجَّوا في الغفلة لجاجة واضحة كما قلت كان داؤهم ومرضهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إنما غفلوا بسبب الدنيا أو بسبب فتنة النساء، وفتنة النساء اليوم أصبحت أمراً خطيراً وتلونت، فليست فتنة المرأة في شيطانة تتسلط على رجل لتغريه، بل -أيضاً- في شياطين يتسلطون على النساء، ومنظمات عالمية لا يتسلطون على فرد أو على مجتمع بل يتسلطون على شعوب بأكملها لإفسادهم وتخريبهم عبر هذه القنوات، وإن فتنة النساء اليوم قد استحكمت في هذه القنوات أو ما يسمى بالدش فتنة عظيمة، وأصبحت القنوات الفضائية تنافس أيها أكثر خلاعة وأيها أكثر مجوناً، وأيها أكثر سخافة وإسفافاً، وكسراً للحياء، وهدماً للفضيلة حتى تنال من المشاهدين والمتابعين أكبر حظ ورصيد، فأصبحت فتنة المرأة فتنة عظيمة. وخير للرجال والنساء العفة وغض الأبصار، لكن مكر الأعداء عظيم: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54] {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:46] {وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً} [نوح:22] في أمر النساء والفتنة بالنساء، بداية بعضهم معاكسات، عبث بالهاتف، ثم لا تلبث أن تتطور إلى علاقات، ثم لا تلبث أن تتحكم في القلوب عشق الصور والمشاهد فلا يبالي أحدهم ولا يبالي كثير منهم أن يعمق ويسفي شهوة الصور بهذه القنوات وما يعرض فيها، فتعلق في القلوب صور وأشكال لغفلة أصحابها لا يجدون لها دواءً إلا الداء ذاته، وداوني بالتي كانت هي الداء لا يجدون لها دواءً إلا أن يذهبوا إلى ما رأوا، وأن يركعوا ويخضعوا عند من وجدوا وعشقوا، ثم والعياذ بالله تستحكم فيهم هذه الغفلات، وبعضهم بهذا الشر يتسلط على بنات مجتمعه فيترصد لهن ليسقطهن وليغريهن وليقتنصهن في حبائل وشرك مغازلاته ومعاكساته، فكم من عفيفة انقلبت فاجرة! وكم من طيبة انقلبت فاسدة! وكم من صالحة تحولت أحوالها وبكت بعد الدمع وقبله دماً؛ بسبب هذه الفتنة العظيمة التي أورثت فتنةً لا أول لها ولا آخر، ولا سبيل إلى النجاة منها إلا عود صادق ورجوع وإياب بقوة إرادة وجلد وعزيمة وإصرار، تقول لكل معصية: الطلاق الطلاق الطلاق، ثلاثاً بتاتاً، بينونةً كبرى لا رجعة فيها أبداً؛ طاعةً لله، خوفاً من عذابه، رغبة في ثوابه. هو أحق أن يخشى، هو أحق أن يذكر فلا ينسى، وأن يطاع فلا يعصى، فمن عظم أمر الله في قلبه شفي بإذن الله من داء الغفلة. يقول سلمان الفارسي رضي الله عنه: أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: ضحكت من مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل لا يغفل عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أمسخط ربه أم مرضيه، وأبكاني ثلاث: فراق الأحبة محمد وحزبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي رب العالمين حين لا أدري إلى النار انصرافي أم إلى الجنة. فيا أيها الأحبة! هل نعود؟ وهل نرجع؟ وهل نئوب من هذه الغفلة أم نخلط ونلفق ونرقع؟ نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع فطوبى لعبد آثر الله ربه وجاد بدنياه لما يتوقع

الوسط المحيط سبب للغفلة

الوسط المحيط سبب للغفلة أيها الأحباب! إن أردنا أن نستيقظ من هذه الغفلة فلننظر هذا الوسط والمحيط والمجتمع الذي نخالط أصحابه ونتقلب فيه، فإن كان في خير خرجنا من الغفلة إلى خير، وإن كان في شر فنحن كمن رام تغسيل الدم النجس بالدم، من غفلة إلى غفلة، ومن معصية إلى معصية، كيف تريد السلامة من البلل وأنت ترمي بنفسك ذات اليمين وذات الشمال في المياه؟ ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء من تعود في منزله المعصية، ومع جلسائه المعصية، وفي سيارته المعصية، وفي عمله المعصية، وفي علاقاته المعصية، وفي سمته وسلوكه المعصية كيف يريد أن يسلم من الغفلة؟ إذا أردت أن تسلم من الغفلة فاخرج عن هذا الوسط، أقلع، ابتعد، ابحث عن قومٍ تخالطهم، ومجتمع تخالطهم، وعلاقات تجددها في غير معصية الله، تعينك على طاعة الله، تذكرك إذا نسيت، تعينك إذا ذكرت، أما الذين تعودوا سهر المعصية ومجالس المعصية، ومهما تغيرت الأسماء: البشكة، الشلة، المجموعة التي فيها ما فيها، لا تخادع نفسك، أسأل: هل هم أهل غفلة فيجعلونك غافلاً معهم أم أهل ذكرى فيجعلونك من الذاكرين معهم؟ لا تزين هذا الفساد الذي تراه في شلتك وتسميهم: الشلة، الحبايب، الأصحاب، الفرندز لا، اجعل قولك ونطقك بهم صحيحاً: هم أهل غفلة أم أهل طاعة، أم أهل عودة إلى الله سبحانه وتعالى؟

نتيجة الغفلة وثمرة الطاعة

نتيجة الغفلة وثمرة الطاعة أيها الأحبة! لقد قست القلوب من فضول النظر، ومن فضول الكلام والمخالطة، وقست القلوب واستحكمت الغفلة مع هذا بإفراط في الشهوات، وإفراط في الملذات والمباحات، فماذا حصل بعد ذلك؟ حصلت قسوة القلب فأورثت اكتئاباً وقلقاً وشروداً وأمراضاً نفسية، يقول لي طبيب استشاري من أطباء الأمراض النفسية يقول: يأتي إلي شباب قد بلغ بهم مرض الاكتئاب -يسمونه ديبرسيشن- قد بلغ الاكتئاب بهم إلى درجة أن بعضهم مرات ومرات حاول أن ينتحر غفلة لم تجد طريقاً أو لم يفتح عليها من الوعظ والإرشاد والإصلاح والتوجيه طريق، غفلة مسورة بأسوار الشهوات والمعاصي وجلساء السوء، ولا يزال يمضي ويمضي حتى إذا خلا بنفسه تمنى أن ينتحر. لكن انظر إلى أصحاب الطاعة: الدنيا زاوية من زوايا قلوبهم، تجد الدنيا كلها يدخلها في زاوية من قلبه، لا أعني أنه يتعلق بها بل الدنيا صغيرة في قلبه، لكن أصحاب المعاصي والإصرار عليها والعناد والمكابرة؛ أتفه قضية تجعل الدنيا علامة إكس في وجهه ينتحر من أجلها، يحاول أن يتخلص من نفسه عند أدنى مشكلة، لكن انظر إلى أهل الإيمان وطاعة الرحمن: ترددت في الأهوال حتى تركتها تقول أمات الموت أم ذعر الذعر مصيبة تلو المصائب، تكسر النصال على النصال، ومع ذلك لا يزال رابط الجأش، ثابت الجنان، أشم كالجبل، كالطود العظيم من شدة ثقته بالله عز وجل، ما هذه الدنيا بالنسبة لما يرى؟ أما أهل المعاصي الذين يعودون ويئوبون ويتوبون ويرجعون فحيهلا على باب التوبة، وحي على الإنابة والرجوع، أما أهل المعاصي المصرون على هذه المعاصي، المعرضون عن ذكر الله وطاعته فيا ويح عيشهم! وما أبأس حالهم! {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] لما استحكمت الغفلة شاع ما شاع وانتشر ما انتشر في كثير من الناس: أنواع القلق والاضطراب والاكتئاب، وضيق النفس، والأمراض النفسية، ولو تأملوا وعرفوا أن مرضهم وعلتهم وداءهم هو الغفلة، وعالجوه بذكر الله واليقظة والرجوع لوجدوا أنساً بالله، ولذة وسعادة بذكر الله عز وجل: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].

كيفية معرفة الغافل

كيفية معرفة الغافل أيها الأحبة إن كثيراً من الغافلين لا يعلمون أنهم في غفلة، وإذا أردت أن تعلم هل أنت من الغافلين أم لا، فانظر كما قال ابن مسعود: [ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي]. إن كنت تمر عليك الأيام والليالي لا تتحسر على فواتها لأنها مضت في غير طاعة أو لم تتزود منها كما ينبغي فاعلم أنك غافل، إذا أردت أن تعلم هل أنت من الغافلين أم لا فانظر اهتمامك بوقتك، فانظر عنايتك بالوقت إن كنت تقتله سدى، تضيعه هباءً، لا تبالي بما أدبر وأقبل منه فأنت غافل مسكين، وإن كنت كما يقول القائل: ينافس أمسي في يومي تحرقاً وتحسد أسحاري علي الأصائل إن كنت كذلك فأنت بإذن الله من أهل الذكرى إذا كنت تجعل ذلك في مرضاة الله سبحانه وتعالى. أيها الأحبة في الله! إن من المصيبة -كما قلت- أن ترى من الناس من لا يعلم أنه في غفلة فلا تراه يتألم على فوات الجماعة أو قيام الليل، أو فوات العبادة أو انقضاء مواسم مضاعفة الأجر دون أن يستفيد منها، كل ذلك لا يهمه، بل لا يتحسر لِمَ لم يزرع في موسم الزراعة؟ لِمَ لم يقترض يوم أن كان البنك متاحاً؟ لِمَ لم يتوظف يوم أن كانت الوظيفة والفرصة سانحة؟ لِمَ لِمَ لِمَ؟ كل حسراته على فوات دنياه، والدنيا لا يسوفها أبداً ويبادر ويكابد من أجل الحصول عليها، ويتحسر على ما فات منها، وأما الآخرة فسيان عنده إن أقبلت أو أدبرت في أمرها، أو حصَّل أو فرط أو ضيع في شأنها.

ظاهرة عدم مبالاة الغافل بذنوبه

ظاهرة عدم مبالاة الغافل بذنوبه أيها الأحبة! أيضاً من دلائل استحكام الغفلة في القلوب أن يرى الواحد منا نفسه يقع في الصغيرة تلو الصغيرة ولا يبالي بما ارتكب من الذنوب، يجمع محقرات الذنوب ولا يهتم بها، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره فقال: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وذا بعود حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه) يقول كعب: إن العبد ليذنب الذنب الصغير ولا يندم عليه ولا يستغفر منه فيعظم عند الله حتى يكون مثل الطود -يعني: الجبل- ويعمل الذنب العظيم فيندم عليه ويستغفر منه فيصغر عند الله عز وجل حتى يغفر له: ومن البلاء وللبلاء علامة ألا يرى لك عن هواك نزوع العبد عبد النفس في شهواتها والحر يشبع مرة ويجوع أيها الأحبة! ما أعظم غفلتنا وإن عدنا الناس ملتزمين أو قالوا متكلمين، كيف لا نقر بالغفلة ونحن نرى التقصير الفاضح البين في قيام الليل وفي نوافل العبادات والتسابق إلى الخيرات؟

طريق الشفاء من الغفلة

طريق الشفاء من الغفلة يا أيها الأحبة! ليست الغفلة ضربة لازب أو مرضاً لا يوجد له دواء لا، الغفلة داء وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء؛ علمه من علمه وجهله من جهله، يمكننا أن نتخلص من هذه الغفلة بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة: (يا فاطمة! ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) رواه البزار والنسائي والحاكم.

التقوى والدعاء علاج للغفلة

التقوى والدعاء علاج للغفلة إذا أردنا أن نعالج أنفسنا من الغفلة فلنتعلق بالله ولنقل: يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، لنتعرف بأننا غافلون، ولنتعلق بالله لينجينا ولينقذنا من هذه الغفلة تعلق الغريق، وننادي نداء المكروب: اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله لا إله إلا أنت. يا أيها الأحبة! حطموا قسوة القلوب بتمريغ الأنوف والجباه سجوداً لله، واشكو إلى الله قسوة قلوبكم وشدة غفلتكم وطول طريقكم وقلة زادكم، عسى أن تنجلي تلك الغشاوة من الغفلة، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينما القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم إذ تجلت عنه فأضاء) إذاً فهذه الغفلة سحابة على القلب يمكن أن تنجلي بإذن الله عز وجل، لكن سحابة الغفلات لا تنجلي بالأماني ولا تنجلي بالكلام وإنما تنجلي بالتطبيق، وتنجلي بالمجاهدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

تذكر الخاتمة علاج للغفلة

تذكر الخاتمة علاج للغفلة أيها الأحبة: تزول الغفلة بتذكر الخاتمة، عش ما شئت فإنك ميت، يقول أبو الدرداء لما حضرته الوفاة: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لساعتي هذه؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ ثم تلا قول الله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:110] مر ابن الجوزي مرة بقصر من قصور الأثرياء فقال وهو يخاطب صاحب القصر الذي كان جالساً في شرفة من شرفات القصر، فقال ابن الجوزي له: ستنقلك المنايا عن ديارك ويبدلك الردى داراً بدارك وتترك ما غنيت به زماناً وتنقل من غناك إلى افتقارك فدود القبر في عينيك ترعى وترعى عين غيرك في ديارك إذا أردنا أن تنجلي هذه الغفلة فلنتذكر أننا راحلون، كم جنازة صلينا عليها تذكر أنك يوماً من الأيام واحدة من الجنائز التي يصلى عليها، زر المقابر وتأمل أحوال هذه المقابر: أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر وأين المدل بسلطانه وأين الغني إذا ما افتقر أين الملوك ذوي التيجان من إرم وأين ما ساسه في الفرس ساسان أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا زر قبر الرئيس وقبر الزعيم، وقبر الأمير وقبر الوزير، وقبر الملك، وقبر الثري وقبر الفقير؛ كلها بجوار بعضها، أين الحجاب، وأين البواب، وأين الاستئذان، وأين البرتوكول، وأين المواعيد؟ انتهى الأمر: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] هذا هو المرد وهذه هي النهاية، فمن تذكر ذلك حتى وإن ركب ما ركب وسكن ما سكن وجمع ما جمع فإنه بإذن الله عز وجل يعود منكسراً إلى الله: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:8] لذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور لأنها تذكر الآخرة، بل (لما جيء بجنازة وجلس صلى الله عليه وسلم على شفير القبر بكى حتى بل الثرى، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا إخواني لمثل هذا فأعدوا) رواه ابن ماجة وغيره. فليتفكر العبد في هذا، وليعلم أنه لا يعالجه من هذه الغفلة إلا أن يكسر ويحطم قسوة قلبه بأن يرى الأموات يغسلون، ويرى الأموات يكفنون، ويقف عند المقابر، ويزور المرضى، وينظر أحوال أصحاب العاهات الذين سلبت منهم العافية بين لحظة ولحظة ليعرف حاله وأن ما أصابهم ليس ببعيد أن يصيبه. هكذا -أيها الأحبة- ينبغي أن ننتبه وأن نحذر من هذه الغفلة، ومن لازم ذكر الله عز وجل فهو في خير وعلى خير بإذن الله سبحانه وتعالى.

مجالس الذكر علاج للغفلة

مجالس الذكر علاج للغفلة فيا أيها الشاب! ويا أيتها الفتاة! من شكا قسوة فؤاده، ومن شكا هذه الغفلة فعليه برياض الجنة، وعليه بمجاهدة النفس، وعليه بمجالس الذكر عسى أن يجد قلبه هناك، وليعلم أن هذه الدنيا برق خلب وفيء زائل: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً} [الكهف:45]، {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس:24] انظروا إلى الذي غرس غرساً فما أكل ثمره، وبنى قصراً فما سكنه، وهيأ داراً فما انتقل إليها، وأعد وظيفة فما وصلها، ورتب شيئاً فما أدركه، وكان الموت سابقاً له قبل ذلك، ثم افترض وهب لو أنك عشت فيما شئت من شهوات ولذات أوليس الموت نهايتك؟ وهب أنك عشت منذ أن ولدت في مفارش الحرير إلى أن مت أوليست غمسة في النار تنسي هذا كله؟ كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره قال صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في جهنم صبغة ثم يقال له: يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤساً من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة فيقال له: يا ابن آدم! هل مر بك بؤس قط؟ هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول: لا والله يا ربي ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط).

أمور نحتاج إلى التفكر فيها

أمور نحتاج إلى التفكر فيها فيا معاشر المؤمنين! الصبر الصبر فإنما هي أيام وكل يعرف مكانه، وكل يعرف مرتبته، وكل يرى منزلته، وكل يرى عاقبة عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} [آل عمران:196] {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:205 - 207] كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه جالساً ذات يوم على عرش الخلافة يقرأ القرآن فلما بلغ هذه الآية {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:205 - 207] نزل من عرش الخلافة وكرسيها، وأخذ بلحيته يهزها ويقول: {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:207]. فليست هذه الدنيا بشيء تسوؤك حقبةً وتسر وقتا وغايتها إذا فكرت فيها كفيئك أو كحلمك إذ حلمتا سجنت بها وأنت لها محب فكيف تحب ما فيه سجنتا وتطعمك الطعام وعن قريب ستطعم منك ما فيها طعمتا وتشهد كل يوم دفن خل كأنك لا تراد لما شهدتا ولم تخلق لتعمرها ولكن لتعبرها فجئت لما خلقتا وإن هدمت فزدها أنت هدماً وحصن أمر دينك ما استطعتا ولا تحزن على ما فات منها إذا ما أنت في أخراك فزتا فليس بنافع ما نلت منها من الفاني إذ الباقي حرمتا وتذكر مواقف يشيب لها الولدان، تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، الشمس تكور، النجوم تنكدر، السماء تنفطر، البحار تسجر، الجبال تتطاير كالعهن المنفوش، يجعلها الله قاعاً صفصفاً كل ذلك من الأهوال التي بين أيدينا سنراها ونعتقدها ونؤمن بها حق اليقين، أفلا يليق بواحد منا تأمل ذلك أن يقلع عن غفلته وأن يتدبر لنهايته؟ فيا أيها الأحبة! حري بنا أن نعد أنفسنا لما نحن قادمون عليه، يقول إبراهيم التيمي: مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: يا نفس! أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً. قلت: فأنت في الأمنية فاعملي، فأنت في الأمنية فاعملي. وخف من سوء الخاتمة، وأعد لهذا الأمر عدته، لقد بكى سفيان الثوري ليلة إلى الصباح فلما أصبح قيل له: كل هذا خوفاً من الذنوب؟ فأخذ جفنة من الأرض وقال: الذنوب أهون من هذا وإنما أبكي من خوف سوء الخاتمة. قال ابن القيم: وهو من أعظم الفقه؛ أن يخاف الرجل أن تخذله ذنوبه عند الموت فتحول بينه وبين الخاتمة. أفي دار الخراب تظل تبني وتعمر ما لعمران خلقتا وما تركت لك الأيام عذراً لقد وعظتك لكن ما اتعظتا تنادى للرحيل بكل حين وتعلن إنما المقصود أنتا وتسمعك النداء وأنت لاه عن الداعي كأنك ما سمعتا وتعلم أنه سفر بعيد وعن إعداد زاد قد غفلتا تنام وطالب الأيام ساع وراءك لا ينام فكيف نمتا معائب هذه الدنيا كثير وأنت على محبتها طبعتا يضيع العمر في لعب ولهو ولو أعطيت عقلاً ما لعبتا فما بعد الممات سوى جحيم لعاص أو نعيم إن أطعتا أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب أن يوقظنا وإياكم من هذه الغفلة، وألا يجعلنا من الغافلين، وأن يجعلنا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم إنا نسألك عيشة هنية، وميتة سوية، ومرداً إليك غير مخز ولا فاضح. اللهم استعملنا في طاعتك، وتوفنا على مرضاتك، إلهي وربي وخالقي لا تدع لنا جميعاً في هذا المقام وفي هذا المسجد؛ ذكوراً وإناثاً، رجالاً ونساءً ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته.

الغنيمة الضائعة

الغنيمة الضائعة إن هناك غنائم تضيع على كثير من الناس إلا من رحم الله، ومن تلك الغنائم: الشباب، الصحة، الفراغ، الحياة، الغنى. وفي هذه المحاضرة يحث الشيخ على اغتنام هذه الخمس ذاكراً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، كما تكلم عن أهمية اغتنام الصحة والفراغ؛ لأن الكثير من الناس إلا من رحم الله مغبونون في هاتين النعمتين.

وقفات مع كلمة (اغتنم)

وقفات مع كلمة (اغتنم) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد على آله وصحبه أجمعين، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرضين ومن فيهن، ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت يا رب من شيءٍ بعد، أشهد أن لا إله إلا الله حده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرةً أخرى، وأسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم السداد في القول والإخلاص في العمل، وقبل أن ندخل في موضوعنا أود أن أنبه إلى مسألة مهمة: وهي أنه ليس من منهج أهل السنة والجماعة أن يمدح الإنسان على الملأ، ولا يجوز هذا ولا ينبغي، وكلٌ أدرى بعيوب نفسه، والله جل وعلا يقول: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] فالناس لو مدحوك آناء الليل وأطراف النهار فأنت أدرى بعيوبك وذنوبك، ولو نالوا من عرضك واغتابوك وذموك فأنت أدرى بما ترجوه من ربك. وابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر يقول: [يا ضعيف العقل! اعلم أن الناس إذا أعجبوا بك فإنما أعجبوا بجميل ستر الله عليك] ويقول أبو العتاهية: قد أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح على أني أذكر أخي المقدم جزاه الله خيراً، ولا بأس بالشعر وإن كان أعوج مكسورا، وعلى أية حال فهذا جهد المقل: {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف:88]. أيها الأحبة: الحديث أو المحاضرة بعنوان: "الغنيمة الضائعة" وإن كان أهل هذا الحي معظمهم من البادية أو من أهل الغنم والوبر والإبل والرعي والماشية، فقد يظن البعض أن العنوان "الغُنيمة الضائعة" وليس هذا بصحيح بل العنوان: "الغَنيمة الضائعة" فمن جاء يبحث عن غنمةٍ ضائعةٍ فليست ضالته هنا، ليبحث عن معرفٍ لها لعله أن يجدها، فمن فاته شيء نسأل الله أن يخلف علينا وعليه ما فات. أيها الأحبة: قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) هذا الحديث أخرجه البيهقي والحاكم عن ابن عباس بسندٍ صحيح، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، وذكره الألباني حفظه الله في صحيح الجامع، وفي معناه الحديث الذي قال به النبي صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنىً مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائبٍ ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر؟!) رواه الترمذي وقال حديثٌ حسن، وفي سنده محرر بن هارون، قال الحافظ في التقريب: متروك. أيها الأحبة: العبرة في الحديث الأول الصحيح وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس) ونحن نذكرها واحدةً واحدة.

في كلمة (اغتنم) إشارة إلى السرعة والمبادرة

في كلمة (اغتنم) إشارة إلى السرعة والمبادرة في قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم: (اغتنم) إشارةٌ إلى أهمية وضرورة المبادرة بالإسراع فلا يقال لأمرٍ غير ذي بال، ولا يقال لأمرٍ ليس ذي شأن، ولا يقال لأمرٍ حقيرٍ أو تافه اغتنم، وإنما يقال اغتنم لأمرٍ مهم، ولخطبٍ جلل، ولحدثٍ ذي بال، ولمسألة تركها يفوت، وإهمالها يضيع فرصةً عظيمة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم) من الغنيمة والمسارعة والمبادرة وإدراك الشيء قبل فواته، والمسارعة إليه قبل أن تتقضى فرصته أو يتقاسمه الناس والمقبلون عليه ما وجدنا رجلاً يقول لصاحبه وهو عند الخباز مثلاً والخبز قد ملأ هذه الطاولة يميناً ويساراً وليس في المخبز إلا هو واثنين أو ثلاثة ويقول: اغتنم اغتنم هذا الخبز لا يفوتك، لأنه شيءٌ كثير، والزبائن قليل، وليس بأمر يخشى فواته، فلا يقال لصاحبه أو من يدعى إليه اغتنم، وإنما يقال (اغتنم) لأمر ثمينٍ خطيرٍ مهمٍ جللٍ ذي بالٍ لو فوته الإنسان اعتبر مضيعاً لفرصةٍ ثمينة.

غنيمة الله غالية

غنيمة الله غالية أيها الأحبة: الغنيمة فيها إشارة إلى أن الأمر لا يدرك إلا بالجهاد، وهذه مسائل خمس قد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فغنيمة الحياة قبل الموت، وغنيمة الصحة قبل السقم، وغنيمة الفراغ قبل المشاغل، وغنيمة الشباب قبل الهرم، وغنيمة الغنى قبل الفقر، مسألة لا تنال بالنوم والكسل والدعة والتعليل والتسويف، وإنما تكون غنيمة وتنال بالمجاهدة، وتنال بدفع الإنسان مشاغل كثيرة للحصول على ما هو أجل وأهم، لأن الواحد ربما عرضت له مكاسب عديدة، ولكن قد يفوت الإنسان مكاسب عدة من أجل تحصيل مكاسب أعظم ومكاسب أكبر وأجل، فإذا أدرك العاقل ذلك علمنا -أيها الأحبة- أنا وإياكم والله في هذه الدنيا قد دعينا إلى دارٍ عظيمة؛ إلى دار البقاء، وإلى دار الخلود، وإلى دار النعيم، وإلى دار الرضوان، وإلى دارٍ الحياة فيها أبدية لا موت يكدرها، والصحة فيها أبديةٌ لا سقمٌ يفسدها، وشباب دائمٌ متجدد، وغنىً مما أعطى الله وأنعم الله به على عباده قال جل وعلا: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15]. أيها الأحبة في الله! إننا ندعى ونعد ونبشر ونقرب وكل واحدٍ منا ينادى إلى دارٍ فاعمل لدارٍ غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها إلى أن قال: ترابها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيشٌ نابتٌ فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها أيها الأحبة: أنا أسألكم سؤالاً: هل رأيتم واحداً دخل المحكمة وقيل له: ما الذي جاء بك إلى دار القضاء؟ ما الذي جاء بك إلى هذه المحكمة؟ فقلت أو قال الداخل: إني أنازع فلاناً مبلغاً عظيماً وقدره مثلاً مليون ريال، ثم لما دخل هذا الرجل في ردهات المحكمة التفت إلى ما فيها من الأساس وانشغل بوجوه الداخلين والذاهبين من حوله، فلما جلس وعرضت دعواه وتأمل ما عنده إذ به يقنع بريالين أو ثلاثة، رجلٌ يطالب بمليون أتظنونه يقنع بثلاثة ريالات أو ريالين، هذا ضربٌ من الخبل أو ضربٌ من الجنون، إذا كان يطالب بحقٍ ولم يكن عفوه أو إعراضه عن التسامح بفضل ماله ولم يكن عفوه لأجل مرحمةٍ أو ثوابٍ أو مغفرةٍ يرجوها، نحن وإياكم في هذه الدنيا نشبه من دخل تلك الدار يطالب بشيءٍ عظيم فرضي بمتاعٍ حقير ويسير.

الجنة تنال بالمجاهدة

الجنة تنال بالمجاهدة نحن خلقنا لعبادة الله، ووعدنا بجنات الله، وبشرنا برضوان الله، ودعينا إلى خلودٍ في دارٍ أعدها الله، فلما بقينا على ظهر هذه الدنيا واستوينا واستتمت لنا العقول، واكتملت لنا الأفئدة، وأصبحنا نبصر بالبصيرة وندرك بالتجربة؛ اشتغل الكثير منا بمتاع الدنيا وحطامها الفاني، فاشتغلنا بحفنةٍ من الرمال عن جنةٍ عرضها السماوات والأرض، واشتغلنا بلذةٍ زائلة، واشتغلنا بأمرٍ يزول وينتهي وتعقبه الندامة والحسرة عن نعيم لا ينقطع أبداً، لأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم) والغنائم لا تكون إلا بعد الجهاد ولا تكون إلا بعد الصبر والمصابرة، ولا تكون إلا بعد الرباط، وبعد التواصي، فمن حصل ذلك نال -بإذن الله- هذه الغنائم على أوفر حظٍ يطلبه، ومن اشتغل عنها بسواها من حطام الدنيا وقليلها الفاني فقد ضيع الغنيمة ونالها رجالها وأبطالها: يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان يا سعلة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن كيف تصبرالـ ـخطاب عنك وهم ذوو إيمان أيها الأحبة في الله: من لم يجاهد فلن ينال غنيمة نريد الغنيمة بالنوم على الفرش؟!! نريد الغنيمة بالاشتغال بالدنيا على الآخرة، نريد الغنيمة بتقديم شهوات أنفسنا على ما رضيه الله لنا وما طلبه منا، وما شرعه نبيه صلى الله عليه وسلم لنا؟! الغنيمة لا تنال إلا بالصبر، ولا تنال إلا بالمجاهدة، أما الذي يعلل النفس أو يتعلل بسوف ولعل وربما وليس ولو أنه فلا يستطيع أن ينال شيئاً، وكما قال القائل: أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل الواقع أن التمني هو رأس أموال المفاليس، أما الأثرياء بالحسنات، والتجار بالصالحات، والمتنافسون بالطاعات، فأولئك جعلوا مهرهم أن أعرضوا عما يسخط الله، وأقبلوا على ما يرضي الله جل وعلا، وأنتم -معاشر الأخوة السامعين- فيكم خيرٌ كثير ولكن اسألوا أنفسكم: هل تريدون الغنائم أم تعرضون عنها؟. ثم أيضاً: الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اغتنم) فإنه خطابٌ للسامع، والشارع يخاطبنا إلى يوم القيامة؛ فالمرأة مدعوةٌ للغنيمة، والرجل مدعو إليها، والذكر مدعو للغنيمة، والأنثى مدعوةٌ إليها، والشاب مدعو للغنيمة والفتاة أيضاً، فلا يظن سامعٌ أن هذه دعوةٌ أن يغتنم الرجال هذا الخير دون النساء، أو أن يغتنم الذكور دون الإناث، أو يغتنم الشباب دون الشابات، فهي غنيمة وربما كان حظ كثيرٍ من النساء أطيب وأكثر وأبلغ من حظ كثيرٍ من الرجال ولو كان النساء كمثل هذه لفضلت النساء على الرجال فما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخرٌ للهلال إذاً: فهي دعوةٌ أن يغتنم الرجال والنساء هذه الخيرات على حدٍ سواء.

اغتنام الحياة قبل الممات

اغتنام الحياة قبل الممات الأولى: (اغتنم حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك). الحياة -أيها الأحبة- قصيرة فإن عاش الواحد في ملذة واجتماع شملٍ، وإن عاش في نعمةٍ، وإن عاش في مال، ربما مرت عليه الأيام والليالي سريعة، ومن عاش في زنزانة، أو في سجن، أو عاش في نكد وفي قلق، وفي ضيق عيشٍ وتنغيص من حاله، فربما مرت عليه الحياة بطيئة، والحقيقة أن اليوم والليلة أربعٌ وعشرون ساعة، تمر على الملوك كما تمر على الصعاليك، وتمر على الأثرياء كما تمر على الفقراء، ولكن بطبيعة الحال تمر أيام اللذة سريعة، وتمر أيام البلاء بطيئة، وقديماً قال الشاعر: مرت سنون بالوصال وبالهنا فكأنها من قصرها أيام ثم انثت أيام هجرٍ بعدها فكأنها من طولها أعوام ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأننا وكأنهم أحلام أيها الأحبة: الحياة سريعة الزوال، واسأل من عاش مائة عام، أو ستين عاماً، ومن بلغ الستين فقد أعذر كما روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قد أعذر الله إلى امرئ بلغه الستين من عمره) من بلغ الستين فلا عذر له في التقصير ولا عذر له في التواني وليس هذا بحجة أن يضيع الواحد العمل ويقول: لم أبلغ الستين، فإن الواحد محاسبٌ بالتكليف فإذا بلغ العبد أصبح مكلفاً مخاطباً بالشريعة، وما يدري الواحد متى يموت: فكم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر أيها الأحبة: الواجب أن الواحد ينتبه لهذه الحياة فهي تمر سريعة، وروي أن نوحاً عليه السلام قيل له: يا أطول الأنبياء عمراً! كيف وجدت الدنيا؟ وتعلمون أنه لبث في قومه: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت:14] فقال: كداخلٍ من باب وخارجٍ من آخر، الدنيا مهما طالت فإنها قصيرة لأننا إذا نسبنا الدنيا إلى الآخرة وجدنا الدنيا متاعاً يسيراً قليلاً بالنسبة للآخرة، قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت:64] {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38] فكل متاعٍ في الدنيا؛ سواءً كان صحةً أو غنى، أو شباباً، أو ثراء أو مالاً، أو عافية أو جناناً، أو زوجاتٍ حسان، أو ضيعاتٍ ومزارع، فهي ليست بشيء بالنسبة لما في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة كمثل ما يدخل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع) تخيل -أخي الكريم- أنك وقفت على ساحل المحيط ثم جعلت أصبعاً من أصابعك في البحر، ثم أخرجتها من البحر مرةً أخرى إن القطرة التي تعلق بأنملك هي الدنيا، وأما الآخرة فهي البحر المتلاطم العظيم الكبير بكنوزه وأسراره، فمن ذا يبيع قطرةً بمحيط؟ من ذا يبيع يسيراً بشيءٍ كثير؟ سبحان الله العلي العظيم!! إن عقول كثيرٍ من العباد في غفلة، وإننا والله في غفلة، ولو كانت قلوبنا في تمام الحياة لما وجدتنا نصر على المعصية، نصبحها ونمسيها، ونقارفها ونرضى بها، ونداوم عليها، وربما جاملنا فيها. أيها الأحبة: من عرف الآخرة عشقها وطلبها وأحيا ليله وأظمأ نهاره وجاهد نفسه وعصى هواه وعارض شيطانه، حتى تبلغ به المنية، وكما قال عبد الله بن الإمام أحمد وقد رأى ما فعل بأبيه، وقد رأى ما ثبت عليه أبوه من المجاهدة في الثبات على السنة قال: "يا أبت متى الراحة؟ فقال أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي عنه: يا بني! الراحة عند أول قدم تضعها في الجنة" فمن تأمل هذه المسألة أدرك أن الحياة غنيمة، كم عاش قبلنا من الملوك ومن الأثرياء ومن العظماء ومن الفقراء ومن الوضعاء والرفعاء، عاشوا وسكنوا القصور، ثم دفنوا في القبور، وتنوروا بأنواع الإنارة ثم انتهوا إلى ظلمة اللحود، وجلسوا على ألوان الحرير ثم نازعهم الدود أكفانهم، وعبث بنواعم أبدانهم.

اغتنام الشباب قبل الهرم

اغتنام الشباب قبل الهرم أيها الأحبة: لو نظرنا إلى شأن الدنيا لوجدناها برقٌ خلب، سحائب طيفٍ عن قريبٍ تقشع، ويقول صلى الله عليه وسلم: (اغتنم شبابك قبل هرمك) فالشباب أيضاً سريع التحول وسريع الزوال: شيئان ينقشعان أول وهلة شرخ الشباب وخلة الأشرار إن غنيمة الشباب فيها مصلحةٌ عظيمة، ذاك لأن في الشباب مقدرةٌ على فعل الطاعات، ومجاهدة النفس عليها، نعم في الشباب قدرةٌ، من الشباب من يقدر على أن يتهجد واقفاً على قدميه، أما الكهل الكبير المسن فربما تهجد قاعداً لا يستطيع الوقوف، الشاب ربما صام ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وصام الإثنين والخميس وصام فرضه وصام نوافله، أما الكبير فربما كان عاجزاً عن أن يقوم بهذا، في الشباب طاقات وقدرات لا يجدها كبار السن، في الشباب قدرةٌ على الإقلاع عن الذنوب، يوم أن تخاطب شاباً مدخناً أو سامعاً للملاهي والأغاني، أو شاباً قد وقع في شيءٍ من المعاصي والمسكرات، فإن عنده من القوة والطاقة والحيوية والمقدرة ما يستطيع معه أن يصارع شهواته، فينتصر عليها في شبابه، أما إذا شاب على المعصية فإنا لله وإنا إليه راجعون! والشيء بالشيء يذكر. حدثني أحد طلابي في الكلية ووقفت في نفسي على نفس صاحب المحل، وقال عن ذلك الرجل: إنه كان يبيع الأسطوانات من زمنٍ قديم ثم يبيع الأشرطة (المكرات) ثم أخذ يبيع ألوان الأشرطة الكافرد والكاسيت وغيرها، قال فقلنا له: يا عم! كم عمرك؟ قال: فوق الستين أو عند السبعين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك) يقول: قلنا يا عم: أنت في هذا السن وتبيع أسطوانات الأغاني، وتبيع الأشرطة، وتبيع الملاهي في هذا الدكان بجوار أهل الشيشة، وأهل هذه الأمور المحرمة النجسة والروائح النتنة؟ قال: يا (وليدي) أنا من عهد محمد بن إبراهيم إلى يومك هذا وأنا على هذه الحال، إنا لله وإنا إليه راجعون! أهذه مفخرة أن يستمر الواحد على معصية من حياة الشيخ محمد بن إبراهيم إلى يومنا هذا! وأقبح من هذا أن قال: إن الشيخ سبق أن نصحني ولكني ما تركت، يعني في معنى: أنني عاجزٌ عن أن أقلع أو أغير، والله ما عجز ولكن على الران القلوب: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] لأن من نشأ في معصية، وترعرع في معصية، وشب في معصية، وشاب في معصية، وبات شيخاً على معصية، فإن الشيخوخة في هذه الحال تعني: إدماناً وبقاءً على المعاصي وربما رأى الإنسان ألواناً من المواعظ والمذكرات والمغيرات ومع ذلك لا يتغير إلا يوم أن يأتيه الموت، فإذا أدركه الموت قال: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ} [يونس:90 - 91] الآن تتوب لما وصل الموت فحينئذ: {لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158] إن الواحد ينبغي له أن يغتنم حياته -أيها الأحبة- وأن يستغلها في طاعة الله سبحانه وتعالى. أنا أسألكم سؤالاً: نحن خلقنا لأجل عبادة الله جل وعلا، وأما نكاحنا زواجنا بيعنا شراؤنا سكنانا دوابنا سياراتنا هذه حاجات على الطريق، أما الغاية هي أن نعبد الله وأن نرضي الله حتى ندخل جنة الله، فتخيلوا معي الآن هذا المثال: رجلٌ سافر إلى مكة أو يريد السفر إلى مكة، وفي الطريق مر على محطةٍ وجد فيها دكاناً أو حانوتاً يبيع ألوان الخبز والمرطبات والمشروبات والمكسرات، ماذا تقولون لرجلٍ وقف عند هذا الحانوت أو هذا الدكان وقال: هنا وصلنا مكة، لا. الحانوت الذي على الطريق تأخذ منه حاجتك وليس غايتك أن تأخذ الشراب أو الطعام أو الملبس، غايتك أن تتجه إلى مكة أما وقوفك عند الحانوت لأجل أن تغير ثوباً أو تغير قطعةً أو تشتري دابةً أو تحصل حاجة، فحالنا حال الذي أراد السفر إلى مكة فظن أنه وصل إلى مكة بمجرد وقوفه عند محطةٍ من المحطات، أي: جعل ما يتزود به إلى الطريق غاية ونسي الغاية العظمى، فنحن غايتنا الآخرة خلقنا لعبادة الله، لكن كثيراً منا وقف عند حوانيت الدنيا، كثيرٌ منا جعل غايته عند زوجةٍ نالها، غايته عند بيتٍ سكنه، غايته عند سيارةٍ ملكها، غايته عند أرضٍ يبنيها، غايته عند أموالٍ يستثمرها، هذا المال والزوجة والسيارة والدابة هي مثل الكيك والكعك والمرطبات والمكسرات التي تجدها على جنبات الطريق؛ لكن لا يعقل أن واحداً يرضى بهذه المكسرات ويقول: هذه الغاية، بل ربما أكل منها شيئاً في الطريق ثم رماها من نافذة سيارته وحث السير بخطىً جادة حتى بلغ مكة أو بلغ غايته. إذا علمنا هذا -أيها الأحبة- فلا نخلط بين الغاية وبين المتاع الذي في الطريق قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77] لا بأس أن تقف عند أي حانوتٍ وتأخذ منه حاجتك من لباسٍ أو طعامٍ أو شراب، لكن الغاية أن تبتغي بما أوتيته من سمع أو بصرٍ أو مالٍ أو جاهٍ أو قوةٍ أو وجاهةٍ أو قدرةٍ أن تبتغي بها وجه الله سبحانه وتعالى، ففي الشباب قدرةٌ على الإقلاع عن الذنوب، وفي الشباب قدرةٌ على طلب العلم، وفي الشباب قدرةٌ على مجاهدة النفس: ومن لم يذق ذل التعلم ساعةً تجرع ذل الجهل طول حياته ومن فاته التعليم وقت شبابه فكبر عليه أربعاً لوفاته أيها الأحبة في الله: الحياة قصيرة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم:55]. {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:112 - 115] والله عشتم سنين!! عشتم منكم من بلغ العشرين سنة، ومنكم من بلغ الثلاثين، ومنكم من بلغ الأربعين، ومنكم من بلغ الخمسين وجاوزها، والسبعين وتعداها، ماذا فعلتم بها؟ ظننتم أنكم لن تحاسبوا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36]. يا أخوان: لو أن رجلاً استقدم مائة عامل ثم تركهم هكذا لقلنا: هذا مجنون يستقدم مائة عامل ويتركهم هملاً في الأرض!!، أو استورد مائة جهاز ثم يقفل عليها في الخزينة ويتركها!! فما بالك بأحكم الحاكمين أتظنونه خلقنا عبثاً؟! هل خلقت هذه الأبدان لنلبس عليها أفخر المشالح والثياب وألوانها وأنواعها، أم خلقت الأعين لنقلبها في أفلام الفيديو والمجلات الخليعة؟! أم خلقت الآذان لنسمع بها إلى الأغاني والأهازيج والموسيقى والطرب؟! لا والله ما خلقت لهذا وإنما خلقت لطاعة الله. إذاً خلق الإنسان كله لغاية وهي عبادة الله، لا يعقل أن يكون جزء منه لغير عبادة الله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] كلك يا بن آدم من أخمص قدمك إلى مفرق رأسك مخلوق لعبادة الله، أتظن أن الجسم كله خلق لعبادة الله والعين خلقت لكي تنظر إلى فلانةٍ وعلانة؟: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:30 - 31]. أيها الأحبة في الله: الواقع يشهد أننا ضيعنا كثيراً من الفرص وفاتتنا كثيرٌ من الغنائم، فيا ترى هل نعود لاستدراك ما فات؟ هل نستعد قبل الممات؟ هل نجتمع ونعقد العزم على تكفير السيئات وتجاوز الزلات والخطيئات؟

اغتنام الصحة قبل السقم

اغتنام الصحة قبل السقم اغتنم خمساً قبل خمس، وذكر منها: (صحتك قبلك سقمك) أنت الآن معافى وأنت الآن قادر. أحسن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ فلا يدوم على الإحسان إمكان ليس كل مرةٍ أنت قادرٌ على أن تفعل الخير، فما دمت اليوم قادراً على فعل الخير فافعله وبادر وأسرع واغتنم فربما غداً لا تستطيع، ما دمت اليوم قادراً على أن تبذل الفضل في مرضاة الله فعجل فربما تكون غداً عاجزاً عن ذلك، اليوم الناس يحتاجون إليك، وغداً أنت تحتاج إلى الناس، اليوم أنت تخدم غيرك وغداً قد تسقط صحتك وتقف قواك فتبحث عمن يعينك. ولقد رأينا وزرنا وجالسنا أناساً كم كان لهم في الحياة من صولات وجولات، وكان لهم مواقف شهدت لهم الأرض وشهدت عليهم، ولو نطقت جوارحهم لتكلمت بما فعلوا، كانوا بالأمس يبطشون، وبألسنتهم يتكلمون، وبأقدامهم يمشون، وربما إلى حرامٍ أو مشبوهٍ يسعون، فنالهم من أمر الله ما نالهم، كان الواحد منهم يقضي حاجته بنفسه والآن على سرير المرض إن لم تأت ممرضة ثم تعطيه في دبره ما يخرج الغائط من جوفه وإلا ما استطاع، كان بالأمس يقضي حاجته بنفسه واليوم تُقضى حاجته ويُعان على قضاء حاجته، كان بالأمس يحتاج الناس إليه واليوم احتاج إلى الناس، كان بالأمس يتحرك حيثما أراد واليوم لا يتحرك إلا بمن يدفعه بعربيته إلى المكان الذي يريد، كان بالأمس يقرأ ما يشاء واليوم يُقرأ عليه فقد فَقَدَ بصره، كان بالأمس يسمع كل كلام واليوم احتاج إلى الإشارة لأن نعمة السمع فاتته في أمرٍ من الأمور. إذاً الصحة عارية وربما تذهب الصحة بمرضٍ أو بسقمٍ أو بموتٍ أو ببلاء، ولأجل ذلك فإن من نعمة الله عليكم -يا معاشر أمة محمد- أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً) هذه بركة الطاعة، وهذه بركة المجاهدة، وهذه بركة مجاهدة الله في الشباب؛ إذا كنت في شبابك مطيعاً فقعد بك الهرم والشيخوخة عن النوافل وأنت على فراش مرضك كتبت لك حسناتك وصيامك وقيامك، إذا كنت في إقامتك وحلك مجتهداً في الطاعة، فإنه يكتب لك في سفرك ما كنت تفعله كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً). العمر جميلٌ بطاعة الله وفي غير طاعة الله نقمةٌ على صاحبه، العمر لذيذ في مرضاة الله، ومن كان معمراً على معصية، أو معمراً على فساد أو فاحشة، فمثل ذلك حياته وبال عليه ولو مات لكان خيراً له: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:4]. قيل للأعشى ميمون بن قيس وقد جاوز مائة سنة: يا أعشى! كيف وجدت الحياة؟ فقال: المرء يرغب في الحياة وطول عيشٍ قد يضره تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره وتسوءه الأيام حتى ما يرى شيئاً يسره كم شامتٍ بي إذ هلكت وقائلٍ لله دره أيها الحبيب: إذا علمت هذا فاسأل الله ربك أن يجعل حياتك في طاعته، وفي الحديث: (إن الله إذا أراد بعبدٍ خيراً استعمله!! قيل: وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه إلى عملٍ صالح ثم يتوفاه عليه) هكذا يستعمل الإنسان في طاعة الله، وكم سمعت مراراً من سماحة المربي العالم المفتي سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز وهو يدعو ويردد ويقول: اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم استعملنا في طاعتك. فيا أيها الأحبة: العاقل يسأل الله أن يكون عمره في طاعة الله، إن كنت بلغت العشرين فقل: اللهم اجعل ما مضى خالصاً لوجهك في طاعتك، وأسألك أن تعينني وأن تثبتني على ما بقي؛ لأنك -أيها المسكين- لا تدري فأنت في زمن الفتن، يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، فعمرك نعمة، وما أسعد حال أولئك الذين شابت لحاهم في الإسلام! ولأجل ذلك في الحديث: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم) رجل كبير طاعن في السن لحيته بيضاء قد اشتعل الرأس منه شيباً، إن إكرامك له وإجلالك له من تعظيم الله سبحانه، لماذا؟ لأنه مكث ستين عاماً على التوحيد، أو سبعين عاماً على التوحيد، أو ثمانين عاماً على التوحيد، وأنت يا مسكين يا شاباً قد أعجبتك خطابتك أو محاضراتك، أو يا شاباً قيل لك: أنت ملتزم، أو أشير إليك بالبنان، أو قيل من الصالحين ما تدري ماذا يختم لك به، وكم من أناسٍ كانوا شباباً على الطاعة فتهاونوا أو غيروا أو تساهلوا فانقلبت طاعاتهم إلى معاصٍ، وختم لهم بسوء الخاتمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! لأجل ذلك فإن الحياة على طاعة الله نعمةٌ عظيمة، أما الحياة على المعصية؛ أو على أحوالٍ يبعد فيها المرء عن مرضاة الله، ذلك بابٌ من الحرمان والخذلان.

قصة رجل تجاوز السبعين يحرص على الربا

قصة رجل تجاوز السبعين يحرص على الربا شابٌ يعمل في أحد البنوك قال: جاء إلي رجلٌ عمره فوق الستين عاماً حول السبعين، قال: وكان له وديعة ربا قدرها ستين مليون دولار قال: جاء إلي ذلك الرجل الكبير ومعه عصاه وقال: يا ولدي! كم بلغت الفوائد الآن؟ فقلت: يا أبي يا عم يا رجل يا طيب يا كريم، أنت الآن عمرك ستون، قال: بس خل عنك كلامك كم بلغت الوديعة؟ قال: فأخبرته، ثم بلغني أنه أصابه مرضٌ في قلبه واحتاج إلى صمام أو شريان أو شيئاً من هذا قال: فقلت: لا أظن أن هذا الرجل الكبير يعود إلى الربا، بل ربما وهو في المستشفى يتصدق بجميع أمواله كي ينجو، قال: فما لبثت أشهراً إلا وجاءني ذلك الرجل ومعه عكازته دخل به رجلٌ معه علي وقال: يا ولدي! كم بلغت الفائدة؟ كم بلغت الوديعة؟ قال: فقلت: يا عم! أنت الآن في قلبك ما فيه، وفي صحتك ما فيها، وأنت الآن جاوزت الستين وقاربت السبعين، قال: أنت حاطينك البنك هنا مطوع وواعظ تعظ الناس، قال: فعلمت قول الله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] ستين مليون دولار وديعة فضلاً عن فوائدها صاحبها مصابٌ بشريان أو بجلطةٍ أو بصمام يرى الأموال والملايين، هل يستطيع أن يتزوج فتاة؟ لا هل يستطيع أن يأكل ما يشاء؟ لا. هل يستطيع أن يسافر حيثما شاء؟ لا. هل يستطيع أن يمارس أي رياضةٍ شاء؟ لا. ومع ذلك يسأل عن ستين مليون، هذا هو المحق بعينه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} [البقرة:276] قد يكون صاحب الربا يرى مليارات بين يديه ويرى أموالاً طائلة لكن بمعصيته وبعمره في معصية تمحق منه بركة المال، ينتظره الورثة متى يموت، ويتمنى العصبة والورثة فراقه ودفنه وإيداعه في اللحد حتى يتلذذوا كما يشتهون بأمواله التي جمعها، إن كان حراماً فعذاب، وإن كان حلالاً فحساب.

العصاة يدعون الوسطية

العصاة يدعون الوسطية أيها الأحبة: إن هذه الحياة وهذه الصحة إذا لم تستغل في طاعة الله فلا شك أنها ماضيةٌ في معصية الله، وإن كثيراً من الناس قد وسوس له الشيطان بقوله: لا تكن فاجراً زانياً خبيثاً مروجاً للمخدرات، ولا تكن مطوعاً متشدداً معقداً تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وإنما كن وسطاً؛ بمعنى: صل كما يصلي الناس ولا تتشدد على أولادك، وإن فاتتك الفجر فلا بأس، وإن جعلت المنبه قبل الدوام بنصف ساعة فلا بأس، وإن سمعت أغنية فلا بأس، وإن دعيت لتكتتب في أسهم بنك من البنوك فغاية الأمر سهمان أو ثلاثة فلا بأس، وإن دعيت إلى كذا فلا بأس؛ المهم ألا تكون مطوعاً معقداً متشدداً كما يريد هؤلاء الدعاة، ولا تكن متساهلاً مروجاً للمخدرات مسافراً لتلك البلدان التي يفعل بها الزنا، اجعل نفسك وسطاً. وإني أعجب وأقول: إذا كان هذا يعد نفسه وسطاً فما هي وسطية النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان هذا الذي يتساهل ويضيع ويسمع ويداهن ويترك الأمر بالمعروف، ويرى المنكر ويسكت، ويرى أهله أو إخوانه أو أهل بيته على معصية ويقول: أنا لست متشدداً، إذا وصلت المسألة الزنا تكلمت، أما مادام لم تصل الزنا فأنا ساكت، لا تكن متشدداً اجعل نفسك وسطاً، إذا كنت وسطاً فماذا يكون أبو بكر الصديق؟ ماذا يكون عمر بن الخطاب؟ ماذا يكون عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان؟ ماذا يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال: (أتعجبون من غيرة سعد؟! إني لأغير من سعد، وإن الله لأغير مني، وإن غيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه) وفتاةٌ أخرى تقول: لا أريد أن أكون متشددة معقدةً مطوعةً متخلفةً، إذا خرجت لبست القفاز ولبست عباءةً صفيقةً غير شفافة، ولبست ثياباً واسعة لا تحجم بدني ولا تصف جسمي، ولا أتكلم مع الباعة أو أكاسرهم أو أماكسهم وإذا أردت أن أخرج لا أتطيب، أنا لا أريد أن أكون متشددةً هكذا، ولا أريد أن أكون منحرفةً زانيةً أو مضيفةً لكن لا بأس أن أخرج إلى الشارع ويداي ظاهرتان، وشيءٌ من الساق قد بدا بما شق من الثوب من أسفله، ولو ظهر شيءٌ من النحر فلا حرج، وإن كان الغطاء خفيفاً فلن أبصر الطريق كما ينبغي، ولو تكلم رجلٌ في الهاتف تحدثت معه حديثاً لا بأس به، وأخذت وأعطيت ولو من باب التعرف، أو من باب قضاء الوقت؛ أنا لا أريد أن أكون زانيةً أو مضيفةً على الطائرة، ولا أريد أن أكون متشددةً متحجبةً ملتزمة، أريد أن أكون وسطا. يا أمة الله! يا بنت المسلمين! إذا كنت تدعين الوسطية بهذا فماذا تكون فاطمة رضي الله عنها، وماذا تكون عائشة رضي الله عنها، أصبح العصاة يدعون الوسطية، فإذاً ماذا يسمى أهل الطاعة، وأهل العبادة؟ هذا أمرٌ عجيبٌ جدا!

الصحة والفراغ

الصحة والفراغ أيها الأحبة: في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس الصحة والفراغ) وهذا الحديث الصحيح فيه من معنى الحديث الذي هو موضوع المحاضرة: (صحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك). إذاً الصحة والفراغ نعمتان عظيمتان وإن كنا كثيراً ما نسمع على ألسنة الشباب قولهم: هيا بنا نحل مشكلة الفراغ، ونقضي على مشكلة الفراغ، ونتأمل مشكلة الفراغ، النبي يقول: الفراغ نعمة وليس بمشكلة كما يقول القائلون، ولاحظ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الصحة والفراغ نعمتان عظيمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس) كثير جداً يغبنون في هذه النعمة، فدل ذلك على أن القليل من الناس هم الذين لا يغبنون في الصحة بمعنى: يسخرونها في طاعة الله، قليلٌ من الناس هم الذين لا يغبنون في الفراغ فيسخرون فراغهم لطاعة الله، نعم الفراغ هو إناء الأعمال، الوقت هو زمن العمل أو هو وعاء العمل، فهذه ساعةٌ أنتم جلستم الآن في هذه المحاضرة تسمعون الكلام تذكرون الله تسبحونه تنزهونه تكبرونه وتصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الساعة بالضبط الآن فيها شابٌ يبيع في محل الفيديو، وفيها شاب يتعاطى المخدرات، وهذه الساعة فيها رجلٌ الآن يبيع في البنك ويشتري بالودائع والفائدة، وهذه الساعة هناك من يبيع ويشتري أسهم البنوك الربوية، وهذه الساعة فيها من يمشي إلى معصية، وهذه الساعة فيها من يراود على معصية، وهذه الساعة فيها من يجاهد نفسه عن معصية الله، وهذه الساعة فيها معتكفٌ في بيتٍ من بيوت الله، وهذه الساعة فيها طائع لله جل وعلا، إذاً فالزمن هو وعاء العمل، ساعةٌ فيها من يعصي الله وفيها من يطيع الله، لكن من عصى مغبون؛ لأن الساعة ولت، هل يستطيع الآن واحد منكم أن يمسك دقيقة حتى لا تفلت؟ هل يستطيع إنسان أن يمسك ثانية من الوقت؟ أبداً يسر المرء ما ذهب الليالي وكان ذهابهن له ذهابا الواحد منا يفرح أن ينتهي الشهر يقول: الحمد لله اليوم ثلاثين يصرفوا له الراتب، نعم إنهم صرفوا الراتب ولكن صرف من عمرك شهر، اذهب إلى صندوق الدفع وهو القبر لترى ماذا صرفت هذا الشهر فيه، أنت تفرح أن مضت خمس سنوات حتى يخرج اسمك في صندوق التنمية العقاري، نعم اسمك أنت في الدفعة التي ستخرج الآن، أنت في الدفعة التي سيؤخذ ما عندها من القمح أو البر، ولكن أنت في الدفعة التي دنا أجلها وستموت في ذلك اليوم الذي قدر لها. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً] أي: فارغاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة. الأصل أن المسلم لا يعيش فارغاً، فإما يكون في عبادة، وإما أن يكون في مباحٍ يفضي إلى عبادة، أو يقوي على عبادة، فالذي يجلس في المغرب في حلقة تحفيظ القرآن، أو في المحاضرة، أو في ندوة، أو في كلمةٍ نافعة، فهذا يؤجر بإذن الله، والذي يبيع ويشتري في دكانه ثم يجني أرباحه آخر النهار، فيكفل يتيماً، أو يجهز غازياً، أو يحفر بئراً، أو يتصدق، أو يغيث ملهوفاً، أو يفرج كربة، فهو أيضاً في مباحٍ جمع به مالاً قاده إلى عبادة، لكن الذي ليس في عبادة وليس في مباحٍ يعين على عبادة ماذا يفعل أيها الأحبة؟ ثم اعلموا أنه ربما حصل للإنسان صحة ولم يحصل له فراغ، وربما وجد فراغاً لا صحة فيه، فأنت ترى المرضى الذي لهم في المستشفى ست سنوات وثلاث سنوات وسبع سنوات لا شغل عندهم، ولكن فراغهم هذا بسبب زوال صحتهم، فهل فكرت يوماً ما أنك الآن في نعمةٍ عظيمة بإمكانك أن تستغل الدقائق والثواني والساعات والأيام قبل أن يهدمك الموت، وينقلك إلى دارٍ قريبةٍ، وما أكثر من تراهم كل يومٍ يحملون على الأكتاف هو الموت ما منه ملاذٌ ومهربٌ متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في السما وفي علمنا أنا نموت وتخرب وقال الآخر: أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها إذاً الآن اجتمع لكم الصحة الفراغ فاغتنموها يا عباد الله. إن الذين يرقدون على الأسرة البيضاء في المستشفيات فارغون لا شغل لهم، ولكن فراغهم لزوال صحتهم وعافيتهم، يتمنى الواحد أن يقوم من الشلل أو من الفشل، أو من البلاء أو من السقم والمرض ويعبد الله ليل نهار ولكن هيهات، إن ابن آدم ظلومٌ كفار قال تعالى في شأنه: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12]. خذ هذا المثال: شابٌ قوي البنية مفتول والعضلات، طويل عريض ضخماً أصابه ذات يوم مرض الزائدة -قطعةٌ صغيرةٌ في أسفل بطنه- فأخذ يتلوى ولا يستطيع أن يقف، كان سابقاً يقف نافخاً صدره مصعراً خده ينظر إلى الناس بنصف عين من شدة ما في نفسه من القوة والعافية وربما بطرته العافية، فلما أصابه أمرٌ من أمر الله ومسه الألم ما استطاع أن يقف، وأنتم تعرفون أن صاحب الزائدة لا يستطيع أن يقف هكذا بل يتلوى ويمسك أو يضع يده على أيسر بطنه ثم يتلوى ويصيح أو ينوح يريد الوصول إلى المستشفى، يريد أن يشق بطنه، يريد أن يقبض على هذه الزائدة وسط لحمه ودمه ثم تقطع وتجرح بالمشرط ثم يخيط بطنه كما يخاط السقاء والوعاء. هكذا شأن الإنسان إذا أصابه البلاء: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ} [يونس:12] لما شفي وعوفي وزال عنه المرض وولى البلاء: {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12] بعد ذلك إذا جاءت الممرضة حاول أن يلمس يدها، حاول أن ينظر إليها، حاول أن يضاحكها، حاول أن يكون له معها شأن، سبحان الله! لما جيء بك على السرير وأنت داخلٌ المستشفى تقول: يا ألله آه يا رب عالجوني اقطعوا هذه الزائدة شقوا بطني شرحوني افعلوا بي ما تشاءون، ولما عادت العافية: {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12] لماذا أيها الحبيب؟ لماذا أيها الأخ؟ لماذا هذا شأنك؟ ألا تعرف ربك إلا في الشدة؟ (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) تعلق بالله في الرخاء ينفعك في كل حينٍ وفي حال شدتك أيضاً.

لا فائدة من صحة دون فراغ

لا فائدة من صحة دون فراغ ثم تأملوا -أيها الأخوان- أن الصحة قد تكون موجودةً لكن لا يكون معها الفراغ، خذ مثالاً على ذلك: هل رأيتم عمالاً يحملون أكياس الرمل على ظهورهم؟ خذوا مثالاً على ذلك: العمال الذي يحمل الواحد منهم (الطوبتين) والثلاث (البلك) يحملها على ظهره من طلوع الشمس إلى مغيبها، ثم ترى الآخر يحمل أكياس الرمل على ظهره من الدور الأرضي إلى الدور الثالث والرابع، عنده صحة وعافية، لكن عنده فقر فذهب للبحث عن لقمة العيش، فإذا جاء المساء وحان المغيب وجدته لا يستطيع أن يتمالك نفسه واقفاً من شدة الإعياء والتعب، ثم إذا وضع رأسه على فراشه غط في نومٍ عميق يداوي بنوم الليل تعب النهار، لكن أنتم في عافية وفي فراغ وفي نعمة، لو كان الواحد فقيراً ما كان عنده وقت أن ينظر إلى الفيديو أو ينظر إلى معصية أو أن يضيع أوقاته في منكرٍ أو فاحشة. يوم أن كنا في الحدود الصومالية في منطقة منديرا وما حولها والحدود الأثيوبية أيضاً في المجاعة التي لا يخفاكم شأنها، الناس هياكل عظمية من الجوع، والأقوياء من القوم يحفرون القبور ويدفنون الموتى، هذه حياة المخيمات، فكان بجواري أحد الأخوة فقلت له: هل ترى هؤلاء النساء الواحدة منهن تفكر في مشغل نسائي؟ هل ترى واحدةً تفكر ماذا تلبس من فساتين في المناسبة الفلانية أو الزواج الفلاني؟ هل ترى هؤلاء الرجال يفكر أحدهم أين يقضي سهرة الليلة في حديقة كذا أو على رصيف كذا؟ هل يخرج إلى قوم معهم شيشة على الطريق الدائري؟ هل يخرج إلى قومٍ عندهم طربٌ وسمر بالمكان الفلاني؟ لا. يا أخي! القوم جياع، القوم لا يفكرون إلا بشبع بطونهم فقط، إذاً: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7] لما حصل له الغنى ظهر منه الطغيان، ولو كان مريضا ً ما ذهب يبحث عن قومٍ يعصي الله معهم، ولو كان مشغولاً بلقمة العيش والسعي والكد لما وجدته يضيع وقته، هل وجدت عاملا ً من العمال طول النهار يشتغل فلما جاء الليل قلت له: تعال معنا في مجلس للشباب عندهم بلوت، وعندهم شيشة، وعندهم أغاني، وعندهم لهو وطرب، تعال وسع صدرك معنا، يقول العامل: لا يا أخي، أنا مسكين أولادي ينتظرونني، أنا أعمل عندك بستمائة ريال بألف ريال أكد عافية النهار وأداوي بالنوم في الليل تعب النهار، وهكذا تتوالى الأيام حتى أجمع لأولادي مالاً أعالج فيه مريضهم، وأستر فيه عاريهم وأبني لهم بيتاً أو كوخاً صغيراً يؤويهم.

نعم الله علينا تترى

نعم الله علينا تترى أيها الأحبة: والله لقد اجتمعت لنا نعم ما اجتمعت لغيرنا، نحن الآن على قيد الحياة، هل في المسجد أحد ينازع سكرات الموت لا يدري هل ينطق الشهادة أو لا؟ نحن الآن نتقلب في نعمة الحياة، هل فينا مريضٌ مرضا ًيقعد به على فراشٍ لا يستطيع أن يقضي حاجته بنفسه؟ من الناس من يكون عنده مرض بسيط (ربو أو سكر خفيف) أو أي مرض من الأمراض، لكن فرق بين من يمشي بعلته وبين من أقعدته علته على فراشه، شتان بين هذا وهذا، من الناس من يقول: والله أنت تتكلم عن الصحة وأنا مريض ما أمشي إلا ومعي ما يفتح التنفس، أو لا أمشي إلا ومعي حبوب السكر والضغط، أو لا أمشي إلا ومعي، يا أخي الكريم! حتى ولو كانت ما يدريك أن الله جل وعلا ابتلاك بهذا السكر أو بهذا الربو أو بهذا الأمر الذي تعاني منه من أجل أن يستمر تكفير سيئاتك، من أجل أن تنتهي هذه السيئات قال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من همٍ ولا غمٍ ولا نصب ولا وصبٍ؛ حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بذلك من خطاياه). إذاً: أنت في صحة؛ لكن السقيم الذي تراه الآن في المستشفى؛ جهاز البول يمتد إلى أنبوب لا يستطيع أن يتحكم فيه، ومثله الغائط ومثله التنفس، وبعضهم يفتح له في رقبته فتحة حتى يصل الطعام إلى المريء، لأنه لا يستطيع أن يبلع ذلك؛ فأنت الآن في عافية وأنت في فراغ؛ عندك فراغ يا أخي؛ نعم عندك دوام من الصباح من الساعة السابعة إلى الساعة واحدة أو اثنتين، لكن ما هو شغلك؟ تحمل طوباً، أو تحمل أكياس رمل، أو تحت السيارات، أو ترفع أثقالاً؟ أبداً؛ على كرسي دوار وعلى مكتب، أو تشرح لطلاب وفي مكان مكيف، أو في حانوت وآمن ومطمئن ولست تخشى شيئاً أو تخاف شيئاً. (وشبابك قبل هرمك) أنت الآن قادر تستطيع أن تذهب إلى المحاضرة، وتمشي إلى المسجد، وتستمع الخطبة وتنصت إلى كلام الله وتناقش بعقلك، هل أنت على حقٍ أم على باطل؟ هل أنت في رضى الله أو في معصيته وأنت في غنى؟ لست فقيراً تخاف أن تموت جوعاً، من الناس وللأسف من فقره في قلبه ويده. منذ مدةٍ جاءني في المسجد رجل وعليه علامات النعمة، يعني: لا بأس به، فقال: أريدك أن تساعدني، قلت: والله يا أخي الكريم أنت تعلم أننا نساعد المحتاجين نتكلم في جماعة المسجد ونقول: يا إخواني! جزاكم الله خيراً ساعدوا محتاجين منكوبين في البوسنة والهرسك، ساعدوا الذين يموتون جوعاً في الصومال، ساعدوا المعوقين والأرامل في أفغانستان، ساعدوا المجاهدين في الفليبين، ساعدوا رجلاً معوقاً في مستشفى النقاهة هو الذي يصرف على أولاده أصابته إعاقةٌ وشلل دائم يعني: اجمعوا له مالاً واصرفوه على أولاده. لكن -يا أخي الكريم- أنت والله ليس وراءك نصراني يلحقك يذبحك كما يفعل الصرب بالمسلمين في البوسنة والهرسك، ولست الآن تموت جوعاً، قال: والله إني بعض الأيام لا أجد ما آكل، قلت: لو تقف عند زبالة شبعت؛ لو تقف عند زبالة من زبائل المطاعم شبعت، ما تستحي؟ أنت في نعمة وفي عافية وفي خير، ثيابك جميلة، وصحتك جميلة، وفي غنى، وفي نعمة، وفي أمن، وراءك صربي أو نصراني يلقي عليك النار بالرشاش؟ قال: لا. قلت: أتموت جوعاً أو واحد من عيالك الآن هيكل عظمي يموت جوعاً؟ قال: لا. قلت: عريان ما عليك ما يكسوك؟ قال: لا. قلت: ما تتقي الله عندما تقول: أنا أحوج من هؤلاء؟ ما تخشى الله جل وعلا عندما تقول: أنا أحوج من الذين في البوسنة والهرسك، وأنا أحوج من الذين في الصومال؟ أين غنى القلب؟ (من يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستغن يغنه الله جل وعلا). فالحاصل أننا -أيها الأخوة- في نعم، ولا يغرك بعض الناس ويقول لك: انظر إلى فلان وانظر إلى علان، وأنت المسكين ليس عندك شيء، لا. أنت في نعمةٍ عظيمة، من قال: أنا فقير ليقف الآن أمامي وأقول له: تبيعني عينك بمليون؟ تبيعنا أذنك بمليون؟ تبيعنا لسانك بمليون؟ تبيعنا واحدة من الكلى بمليون؟ تبيع قلبك بمليون؟ أنت تملك ما يقارب ملايين!! كل جارحة من جوارحك لو قيل لك نشتريها بالملايين رفضت وأبيت، فتقول أنا فقير وأنت تملك هذا كله. أقول أيها الأحبة: إن الواحد منا يملك الشيء الكثير، ولكن الشيطان يغرر بالإنسان ويوسوس له، ويضعف قدرات نفسه أمامه، حتى يجعله عبداً لشهواته، وعبداً لوسوسة قرينه من شياطين الإنس، وقرينه من شياطين الجن الذين: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112]. والآن أيها الأحبة: أما آن لنا أن نغتنم؟ أما آن لنا أن نستفيد مما نحن فيه مادمنا على القدرة؟ فلنبادر قبل أن نكون عاجزين، ولعل من الناس من يقول: لا بأس ولكن أمامنا شبابٌ لا بد أن نتلذذ به، وأمامنا فرصةٌ من الحياة لا بد أن نتمتع بها، فبماذا تتمتع؟ تتمتع بمعصية الله أو تقول: ليس هذا أوان الطلب، وليس هذا زمان الاجتهاد، أو تسوف فيما بعد، وتؤجل إلى ما بعد، فما يدريك أن الموت يفاجئك؟ إذا كان يؤذيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا ويلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي متى

إياك والتسويف فالقبر أمامك

إياك والتسويف فالقبر أمامك اغتنم هذا كله وإياك أن تسوف؛ فإن الدنيا دول والدهر قلب: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] تلك الأيام يداولها الله جل وعلا بين أمم وأمم. ذكر أن واحداً من البرامكة دخلت عليه ابنته وقالت: يا أبت! ما الذي حول حالنا إلى ما نحن فيه اليوم، بتنا في عزٍ وأصبحنا في ذل، بتنا في غنىً وأصبحنا في فقر؟! فقال: يا بنيه رب قومٍ أمنوا في نعمةٍ زمناً والدهر ريان غدق سكت الدهر زماناً عنهم ثم أبكاهم حين نطق أيها الأحبة: العاقل يغتنم كل شيءٍ حوله، ثم أسوق لكم أبياتاً جميلةٍ أريد من كل واحدٍ أن يحاسب أو يسائل نفسه بها: خل ادكار الأربع والمعهد المرتبع والضاعن المودع وعدِ عنه ودع واندب زماناً سلفا سودت فيه الصحفا ولم تزل معتكفا على القبيح الشنع كم ليلةٍ أو دعتها مآثماً أبدعتها لشهوةٍ أطعتها في مرقد ومضجع وكم خطىً حثثتها في خزيةٍ أحدثتها وتوبةٍ نكثتها لملعبٍ ومرتع وكم تجرأت على رب السماوات العلا ولم تراقبه ولا صدقت فيما تدعي وكم غمضت بره وكم أمنت مكره وكم نبذت أمره نبذ الحذا المرقَّع وكم ركضت في اللعب وفهت عمداً بالكذب ولم تراعِ ما يجب في عهده المتبع فالبس شعار الندم واسكب شآبيب الدم قبل زوال القدم وقبل سوء المصرع واخضع خضوع المعترف ولذ ملاذ المقترف واعصِ هواك وانحرف عنه انحراف المقلع إلى متى تسهو تني ومعظم العمر فني فيما يضر المقتني ولست بالمرتدع أما ترى الشيب وخط وخط في الرأس خطط ومن ينح وقت الشمط بفوزه فقد نعي ويحك يا نفس احرصي على ارتياد المخلص وطاوعي وأخلصي واستمعي النصح وعي واعتبري بمن مضى من القرون وانقضى واخشي مفاجأة القضا وحاذري أن تخدعي وانتهجي سبل الهدى وادكري وشك الردى وأن مثواك غدا في قعر لحدٍ بلقع آهٍ له بيت البلى والمنزل القفر الخلا ومورد السفر الألى واللاحق المتَّبع بيت يرى من أودعه قد ضمه واستودعه بعد الفضاء والسعة قيد ثلاث أذرع لا فرق أن يحله داهية أو أبله أو معسرٌ أو من له ملكٌ كملك تبع هذه النهاية إن نهاية الذين اغتنموا حياتهم أن ينتقلوا إلى المقبرة، ولكنهم يبشرون بروحٍ وريحان وجنة نعيم، ويفتح لهم أبوابٌ إلى الجنان فيروا ما أعد الله لهم فيقول قائلهم: رب أقم الساعة رب أقم الساعة، وأما الذين ضيعوا أوقاتهم وأصروا على المعصية، وسمعوا الموعظة ثم دخلت من هاهنا وخرجت من هاهنا، وسوفوا ثم جاءهم داعي الموت وخطفتهم سهام المنون ونقلتهم إلى بيت الدود وضيق اللحود يقول أحدهم: رب لا تقم الساعة رب لا تقم الساعة، لأنه يرى شيئاً يستوحش منه فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك السيئ.

حث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

حث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها الأحبة في الله: أيها الأخوة في الله عامةً! ويا أهل هذا الحي خاصةً! عليكم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعليكم بالمبادرة والتوبة إلى الله، وعليكم بأن تجتهدوا في إصلاح أحوالكم ظاهراً وباطناً وداخلاً وخارجاً، ليكن كل واحدٍ منكم عضواً ورجلاً من رجال الحسبة، إذا رأيت متبرجةً فقل: يا أمة الله! أيتها الكريمة! يا بنت الطيبين! تستري وتعففي لا تدعي البرقع هكذا يكشف وجهك ولا تخرجي يدك، ولا تخرجي متعطرة ولا تخضعي بالقول مع الرجال {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] وإن رأيتم من يتردد على السحرة أو الكهنة أو المشعوذين أو العرافين فقولوا له: يا مسكين! إن قدر الله ماضٍ لا يرده كيد كائد ولا يدفعه حرص حريص، فعليك بطاعة الله، وما عند الله لا ينال إلا بمرضاة الله، فاجتهد في ذلك تنل من الله مغفرةً ورضواناً. وتناصحوا شباب هذا الحي وتعاونوا على نشر الخير، ودعوة الضال، وتعليم الجاهل، لأن من كان جاهلاً قد يعذر بجهله، لكن كلكم الآن يا من تجتمعون في هذا المسجد ليس فيكم أحد إلا وقد سمع شريطاً أو محاضرةً أو خطبةً، وقرأ كتاباً وعرف أحكاماً وعلم علوماً، فأسألك بالله ماذا عملت بعلمك، هل نصحت جيرانك؟ هل أصلحت بيتك؟ هل دعوت زملاءك؟ هل سترت على من حولك؟ واجبكم أن تتناصحوا وما دمتم بفضل الله على فطرة ودينٍ وتآلفٍ وتعاونٍ فيما بينكم فضعوا أيديكم في أيدي بعض، وتعاونوا على مرضاة الله وإظهار كل خير، ومقاومةٍ كل منكر فإنه أمرٌ يدفع عن المسلمين الهلاك قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117] وقال في الآية التي قبلها: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:116 - 117] نبشركم بالنجاة من الهلاك إذا تعاونا على إصلاح نسائنا وبناتنا وزوجاتنا وأولادنا وشبابنا وصغارنا وكبارنا. أقول قولي هذا، وأسأل الله أن يجعل اجتماعكم هذا في موازين أعمالكم، وأن يجعل اجتماعكم في صحائف حسناتكم، اللهم لا تدع لهذه الوجوه التي حضرت هذه المحاضرة ولإخواننا المسلمين ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا كسيراً إلا جبرته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا ميتاً إلا رحمته. اللهم خذ بأيدينا إلى طاعتك، واصرفنا عن معصيتك، اللهم إنك تعلم تسلط الهوى، وتحكم الشهوة، ووسوسة الشيطان، وجليس السوء، وقلة المعين، اللهم فأعنا على طاعتك، واصرفنا عن معصيتك، وخذ بأيدينا إلى ما يرضيك، وتوفنا على أحسن حالٍ تقربنا إليك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله على محمد.

الأسئلة

الأسئلة

أعظم الغنائم

أعظم الغنائم Q هذا سائل يقول: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخبرك بأني أحبك في الله وسؤالي: ما هي أكبر الغنائم التي ضيعت في هذا الزمان؟ A أعظم غنيمةً يحصلها العبد هو أنه مؤمنٌ بالله ولد بين المسلمين وعاش في مجتمع مسلم، إذ أن كثيراً كما قال الله جل وعلا عنهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] فأعظم نعمة هي نعمة الإسلام ونعمة الإيمان، فمن تساهل بهذه النعمة ولم ينمها، ولم يرفع درجة إيمانه ويترقى في مدارج السالكين وطرق السائرين في منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، أعني: الواحد لا ينبغي أن يكون هكذا، تجد شاباً يتساهل في الصلاة، ويسمع الغناء، ويرتكب بعض المعاصي ويستمر عشرين خمسة وعشرين ثلاثين خمسة وثلاثين وهو هكذا لم يتغير، الأصل أن المسلم إذ زل الزلة فهي حال استغناء أما الأصل فهو استقامته على طاعة الله، وإن زل تاب من الزلة: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود:114] ثم بعد ذلك يترقى في الإسلام والإيمان والإحسان واليقين ودرجاتٍ تقربه إلى رب العالمين. أما أعظم نعمةٍ أرى كثيراً من الناس ضيعها فهي كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، ولن يكون أفصح وأبلغ منه، فانظر إلى حال هذه المسائل الخمس: الحياة قبل الموت، الصحة قبل السقم، والفراغ قبل الشغل، والشباب قبل الهرم، والغنى قبل الفقر. أكثر الناس قد ضيع حياته ولم يأخذ منها ولم يستعد لموته، وكثيرٌ ضيع صحته وصرفها فيما لا ينفعه، انظروا مثالاً على ذلك: بعض الشباب الذين يتدربون في الصالة الرياضية، ويتدرب في كمال الأجسام ويتدرب في كذا تعد هذا الجسم لماذا؟ هل تدرب رجلك على طول التهجد والقيام في الليل؟ هل تدرب نفسك على حمل السلاح في الجهاد سبيل الله؟ هل تدرب نفسك على أمرٍ ينفعك؟ من الشباب من تدرب فرفع مائتين كيلو وزن أثقال، ثم نزل مائتين كيلو ورفع مائتين كيلو وصفق له الحاضرون وخرج من الملعب وماذا بعد ذلك؟ صحةٌ لم تستغل في طاعة الله، وحياةٌ ما نفعت صاحبها؛ لأن الواحد يندم يوم أن يكون بينه ويبن الموت شعرة، فيندم على ما مضى ويندم على ما فات ويندم إذا حل به المرض ويقول: آه يا ليتني أطعت الله! يا ليتني تخلصت مما عندي! بل إن بعض الشباب نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم وأن يتجاوز عنا وعنهم ربما مات ووراءه من المعاصي ما وراءه. شابٌ أعرفه جيداً جاءني ذات ليلة ووجهه متغير، وخاطره متكدر قلت له: يا سليمان! ما الذي بك؟ ما شأنك؟ قال: فلان ابن فلان من أقاربي لتوه جاء من مكان كذا وأعطي بيتاً في كذا حصل له حريقٌ فمات على إثره، ولما دخلنا لنقلب تركته وجدنا كذا شريط فيديو، وكذا شريط أغاني، وكذا مجلة. يا أحبابنا! لو مات الواحد منا هذه الليلة؛ أشهد أن هذا اليوم صلاة الظهر صلينا في مسجد سارة على امرأةٍ هي قريبةٌ؛ لي أسأل الله أن يعفو عنا وعنها وأن يتجاوز عنا وعنها سألت ولدها: متى ماتت؟ قال: ماتت الصباح، كيف حدث ذلك؟ قال: كانت عندها جارةٌ من جاراتنا وهي تشرب الشاي هكذا ثم أصابها أمر أقل من التشنج ثم تقيأت قليلاً وجاءت ابنتها وأسندتها على صدرها، وجاء الطبيب قال: هذه ماتت، مع أنها مصبحة مع الناس ما فيها شيء، تقول هذا يقودها إلى الموت، فالموت قريب {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:85]. ولا تشعرون. يا أحباب: الواحد يستعد، فلو أن ملك الموت استأذن في هذا المسجد ليقبض روح واحد من الحاضرين، أو ليقبض عدداً منهم: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49] هل فينا من يستعد للقاء الله؟ والله لو قيل لأحد الشباب: إن ساعة موتك قد حانت الآن قال: هاه طلعوا الأفلام الذي تحت الدولاب، والمجلات التي فوق الماسة أبعدوها أحرقوها أتلفوها وصل الموت وأحاسب عليها، وأعذب بها، لا يراها أحد بعدي، ثم آخذ وزره، فتوقع أن يأتيك الموت في أي لحظة وبماذا تستعد، ولذلك أحد السلف من صلاحه وورعه يقال عنه: لو قيل له إن ملك الموت سيأتيك الآن لما زاد في عمله شيئاً. هكذا يستعد المسلم لطاعة الله سبحانه وتعالى، اجعل بيتك خالياً من آلات اللهو والمعاصي والأفلام والأشرطة، الطرب واللهو، لا تجعل السيئات تتراكم عليك بتساهلك بالصلاة مع الجماعة، لا تجعل صحائفك تسود بالذنوب والمعاصي بمجالس اللهو والغيبة والنميمة وفلان وعلان، لا تجعل أقدامك ويدك تشهد عليك بما اقترفت وبطشت من المحرمات، هذا هو استعدادك في طاعة الله، ثم امض حيث شئت في تجارة وزراعة وصناعة المهم ما دمت لم ترتكب محرماً في طريق.

علاج قسوة القلب

علاج قسوة القلب Q فضيلة الشيخ! ما هو علاج القلب القاسي؟ A الله جل وعلا قال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] وقسوة القلوب إنما تكون بكثرة المعاصي والرضا بها، نحن لا نتصور أن بشراً لا يعصي أبداً، قد تحصل المعصية؛ ولكن إياك أن تجعل المعصية تتراكم وتتضاعف، يعني: حصلت اليوم معصية أتبعها بصدقة، أتبعها بمائة تسبيحة وتكبيرة وتهليلة، اجلس في المسجد ساعة وساعتين، اجعل رأسك بين رجليك وأطرق برأسك واستغفر واندم وتفكر، واسأل الله أن يسلمك من شؤم هذا الذنب، وأن لا يؤاخذك به، وأكثر من التوبة والاستغفار. ولكن هنا مسألة تعينك على علاج قسوة القلب: فأولها: مجاهدة النفس، بمعنى: قد يكون الإنسان قلبه أقسى من الحجر، لكن إذا كنت تريد أن تلين قلبك فجاهد نفسك على الجلوس في حلق الذكر؛ لأن حلق الذكر تزول عنها الشياطين، لماذا يبقى قلبك قاسياً؟ لقرب الشيطان منك، فلا بد أن توجد في بيئة ومحضن ليس فيه شيطان، المساجد لا تدخلها الشياطين، ذكر الله والاستغفار والتسبيح والتهليل يجعل الشيطان بعيداً عنك، فأكثر من حلق الذكر وجلوسها، وأكثر من زيارة المرضى وعيادتهم. وإن تيسر لك أن تشهد رجلاً يعاني سكرات الموت فقف عند رأسه وانظر كيف تبرد أطرافه، وتجذب الروح من ساقيه، ثم تنتفض ركبتاه، ثم يهتز فخذه، ثم تقرقر الروح في جوفه، ثم تسمع لها حشرجة في صدره، ثم تخرج من نحره، وترى بصره يتبع روحه حيث خرجت. هذه مشاهد تؤثر على الإنسان، إذا أراد أن يمشي إلى معصية وتذكر صورة ذلك الذي يحتضر ويموت وتذكر حاله ونفسه. أيضاً تغسيل الموتى فيه عبرة وفيه عظة، تجد الرجل الذي كان طويل اللسان قد عض على لسانه من شدة آلام الموت وسكراته، تجد الرجل الذي كان يبطش بيده تترك يده هكذا فتسقط، وتترك يده الأخرى هكذا فتسقط، تجد الرجل التي مشت وسارت الأميال والفيافي والقفار هامدة لا حراك بها، تجد الذي له صولة وجولة الآن يقلبه الغاسل يمنة ويسرة لكي يجعل الحنوط في مغابنه ونحوها. ثم أيضاً عليك بزيارة المقابر، وشارك في دفن الموتى، وكن مع الذين يضعون الميت في لحده، لترى كيف أنت تحمل رأس الميت ثم يسقط رأسه من يدك في الحفرة، حينما أنت تضع يدك تحت رأس الميت لتدفنه، ثم آخر الوداع أن تسحب يدك من عند رأسه ويبرد رأسه، ويرتطم قليلاً في الأرض ولا يئن ولا يصيح والشاش على وجهه، ثم تحل الأربطة منه، ثم تأتي باللبن وتصفها واحدة واحدة، حينئذٍ تتذكر، عجيب! هذا فلان بن فلان الذي ما كنا ندخل عليه إلا باستئذان، ولا نقابله إلى بحجز مواعيد، ولا ندخل عليه إلا بسكرتير وطريقة سكرتير، الآن يوضع في القبر، ويوضع التراب عليه، ثم توضع اللبن والتراب عليه، ثم نخرج من المقبرة ونتركه لوحده، كان يمشي وعنده خدامه وحشمه وموظفوه، وعنده من عنده، الآن يترك لحاله في المقبرة؟ ثم ماذا بعد ذلك؟ قد تأتي ذات يوم إلى قبره تعوده فيهولك المنظر أن ترى كلباً من كلاب المقبرة قد ربض على قبر فلان بن فلان. الله أكبر! فلان الذي لا يستطيع أحد أن يجلس عنده إلا باستئذان ومقدمات وحجز، تجد كلباً من الكلاب يربض على قبره؟! هذه نهاية الدنيا، هذه نهاية الدنيا يا إخوان، الذي يتعلق بها يتعلق بسراب بلقع، لا نتيجة لهذه الدنيا، العصير والماء الذي نشربه يخرج بولاً نجساً يضايقنا لو بقي في أجوافنا، الطعام الجميل الذي نأكله يخرج من بطوننا عذرة وغائطاً لو احتبس في بطوننا لذهبنا إلى المستشفى ونقول: شقوا بطوننا وأخرجوا الطعام الذي أكلناه. أي ضعفٍ في دنياك وفي حالك يا مسكين أنَّ ما تشتهيه تفارقه؟ الذي تشتهيه على أطيب حال يخرج منك على أخبث حال وأنجس حال، وجعلت مفاتن الدنيا في مناتنها، ولأجل ذلك ملذات الدنيا رخيصة أما الملذات العظيمة هي طاعة الله ولذلك قال أحد السلف: في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، يعني: مع الداخلين الأول، أي: جنة العبادة وجنة الخضوع، وجنة التوبة، وجنة مواجهة النفس بالصراحة. افرض أنك الآن ضابط تحقق، أو تحقق مع خادم من عمالك، أو مع واحد من أولادك، تقول: لا تلف ولا تدور، أنا أعطيك الحقيقة اعترف، أنا أريدك -يا أخي- أن تقف أمام المرآة وتقول لنفسك، وتؤشر بيدك إلى يدك، وتضع عينك في عينك، ووجهك أمام وجهك وتقول: يا فلان! لا تلف ولا تدور، هل أنت على حالٍ ترضي الله أم لا؟ هل لو مت الآن تموت على حالٍ تسرك أم لا؟ هل أنت راضٍ عما تفعل؟ هل نهايتك هذه لو مت عليها نهاية سعيدة أم سيئة؟ يا أخي الحبيب: صارح نفسك، إلى متى العبث؟ إلى متى الخداع؟ الواحد منا لو يصب بنزيناً ثم يخدعه موظف محطة البنزين، صب بواحد وعشرين ريالاً وقال: هات خمسة وعشرين، تلتفت إليه وتقول: ماذا يا مجرم؟ أنت تخدعني؟ لك واحد وعشرين وتطلب خمسة وعشرين؟ نعم. لا نرضى أن يخدعنا أحد في ريال أو ربع ريال، لكنا نخدع أنفسنا، الواحد منا معاصيه أدرى بها وأعلم بها، لو كل واحد يسأل عن ذنوبه، وأنا أسأل الآن وكل يجاوب نفسه في نفسه، ما هي ذنوبك؟ تقول: والله إني أعرف ذنوبي، ولأجل ذلك ليس من منهج أهل السنة والجماعة أن يمدح الإنسان بين الناس؛ لأنك أدرى بضعفك ونقصك وتقصيرك، ما هي ذنوبنا يا إخوان؟ كل واحد يعرف الذنب كما يرى هذه النجفة وهذه الثريا أو هذا الكرستال، أنت تعرف ذنبك جيداً، وإن مدحك الناس فأنت أدرى بأحوالك. صارح نفسك، ولماذا لا تتوب؟ هل أنت ليست بكفء للتوبة؟ قد تاب من هو أفجر منك، فحفظ القرآن وأصبح إماماً ومؤذنا، قد تاب من هو شر منك فجاهد في سبيل الله ومات شهيداً بإذن الله، قد تاب من هو أسوأ منك فطلب العلم وأصبح معلماً وأستاذاً، لماذا لا تتوب؟ هل أنت بهيمة من البهائم عجماء لا تفقه الخطاب، ولا تدرك الخطأ من الصواب؟ حاشاك أخي الكريم، إذاً لماذا لا تتوب؟ هل كتب للناس أن ينالوا منازل الشرف والرفعة وكتب لك أن تكون مع العصاة في منازل الهوان والذلة؟ لماذا لا تتوب؟ لماذا لا تراجع نفسك؟ اسأل نفسك، وتب من هذه اليللة وارجع إلى الله، وكن مسلماً، إذا كنت موجوداً ظهر نفعك بالعبادة والدعوة، وإذا غبت ذكرت بصلاح عملك.

الكفالة والضمانة

الكفالة والضمانة دعت الشريعة إلى الكفالة والضمانة رفقاً بالمسلمين ورحمة بهم، ولكن يقترن مع ذلك -حتى لا يتحمل الكافل أو الضامن عواقب شهامته- التأكد من المضمون عنه، ومقدار المبلغ المضمون، وهو ما بينه وأكد عليه الشيخ في هذه المادة، والتي بين فيها معنى الضمان والكفالة، والفرق بينهما وبعض أحكامهما.

الضمان

الضمان إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فالتقوى وصية الله لكم ولسائر الأمم قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]، وقد رتب جل وعلا على التقوى أجوراً عظيمةً وثواباً جزيلاً، يقول جل من قائلٍ عليماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: لقد جاءت شريعة الإسلام شاملةً كاملةً عامةً لجميع شئون الحياة، وجاءت فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات والجنايات والعلاقات على مختلف أنواعها، وفيما يتعلق بالمعاملات جاءت الشريعة بما يضمن الحقوق، وما يضمن سلامتها لأصحابها، ألا وإن من ذلك: الكفالة والضمان. إن الضمان والكفالة لمن أهم الأمور التي جاءت بها الشريعة إرفاقاً بالمسلمين، ورحمةً بهم، وتوسيعاً لهم في مجال المعاملات والمداينات، وسائر أنواع العقود بينهم، ولكن كثيراً من الناس يخطئون في فَهْمِ هذين النوعين ويذهبون فيهما مذاهب خاطئة، وبعد ذلك يقعون في الزلل والحسرة.

تعريف الضمان

تعريف الضمان أما الضمان: فهو في اللغة: مشتق من الضم؛ وهو ضم ذمةٍ إلى أخرى، أي: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون، فيثبت الحق المضمون به في ذمتهما جميعاً. ويقول الفقهاء: الضمان: التزام رجلٍ ما وجب على غيرٍ وما قد يجب. والأصل فيه قول الله جل وعلا: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72]، وللترمذي مرفوعاً: (الزعيم غارم). أيها الأحباب: الحميل أو القبيل أو الزعيم أو الضمين، كل هذه العبارات يتم بها الضمان عن الحق المضمون به، وكل هذه العبارات التي جاءت لتُثبت ضم ذمة الضامن إلى المضمون عنه في الحق المضمون به، ولتؤكد أن الضمان أمر ليس بالهين ولا باليسير.

التحذير من الضمان دون تحر

التحذير من الضمان دون تحرٍ كثير من الناس حينما يقع صديقٌ له في عُسرٍ، أو في بليةٍ من جراء مالٍ لم يستطع سداده، أو من جراء عملٍ لم يستطع إنتاجه أو تقديمه، جاء شهماً مبادراً ليضمن عنه أو ليكفله من دون أي تحديد لقدر هذا الضمان أو لمدته، أو من دون معرفةٍ دقيقةٍ للمضمون عنه، ألا وإن ذلك يصدق عليه قول القائل: (الضمان والكفالة أولها شهامة، وأوسطها ندامة، وآخرها غرامة) نقول ذلك -أيها الأحبة- لأننا نرى كثيراً ممن يسارعون ويبادرون من غير تثبتٍ أو تحققٍ في كفالة أو ضمان أحدٍ من الناس، وهم لم يتأكدوا عن مقدار الدين الذي في ذمته، ولم يعرفوا مقدار صلاحه واستقامته؛ ليعلموا بذلك أنهم حينما يسدون إليه جميلاً، ويقدمون إليه معروفاً أنه يعرف ذلك لهم، ويقابل إحسانهم بالإحسان؛ فيرد ما ضمنوه عنه، أو يلتزم بالحضور في الوقت الذي كفلوه بأجله، إن بعض الناس لَيَقْدُم على الضمان والكفالة من غير تحديدٍ أو تقديرٍ لهذه الأمور. لذا ينبغي للإنسان ألا يضمن إلا فيما يقدر عليه، وألا يكفل إلا من يثق به، ولكن الملاحظ والذي نراه الآن أن كثيرا ًمن الناس حينما يهب منجدا ًومسرعاً لصديقٍ أو رفيقٍ أو قريب يضمنه بمالٍ في ذمته، أو يكفله بالحضور إلى أمدٍ معين، أو في مدةٍ محدودة، فإذا حل الأجل وجرت المطالبة بين صاحب الحق، وتوجهت على المكفول أو المضمون عنه، ثم لم يجدوه توجهوا إلى الضامن فأخذ يدعو بالويل والثبور، ويسب تلك الساعة التي عرف فلاناً فيها، أو ضمنه في حقٍ بها، أو التزم شيئاً من أجله، ألا وإن الإنسان هو الذي يخطئ على نفسه. ولا يبلغ الأعداء من جاهلٍ ما يبلغ الجاهل من نفسه لذا يا معاشر المؤمنين: إذا احتاج الإنسان إلى ضمان قريبٍ أو صديقٍ يعرفه بالثقة والاستقامة والخوف من الله والمحافظة على حقوق الله أولاً وأخيراً، لأن من حافظ على حقوق الله فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيع حقوق الله فهو لما سواها أضيع، ينبغي لمن هَبَّ لكفالة أو ضمان قريبٍ أو رفيق أن يضمنه في مالٍ يستطيع تقديمه عند عجز المضمون عن أدائه، أما فعل كثيرٍ من الناس، فتراه يسأل: من فلان بن فلان!! أنا أضمنه في كل ما تريدون، وما يدري أنه يضمنه في مالٍ لا يستطيع هو ولا أسرته ولا قبيلته سداده، وبعد ذلك يعيش أسير الهم والحزن والبلاء من جراء ما اكتسبت نفسه عليه من دون توثقٍ أو تأكد.

بيان من تتوجه إليه المطالبة وتعدد الضمناء

بيان من تتوجه إليه المطالبة وتعدد الضمناء ونلاحظ أن كثيراً من الناس حينما يكون ضامناً أو كفيلاً وتتوجه المطالبة عليه ابتداء يضجر ويجزع ويشتكي، ويقول: لم لا تطالبون من ضمنته أولاً، ثم إذا عجز عدتم إليّ!! ألا وإن المقرر والمعمول به في المذهب، والمعمول به هنا أن لصاحب الحق مطالبة من شاء منهما؛ (الضامن والمضمون) وإن هذا الحق ليثبت في ذمة الضامن في حياته، ويثبت في تركته بعد مماته، من قوة وشدة الضمان. إذن: ينبغي لكل مسلمٍ أن ينتبه لهذا الأمر، وألا يزج بنفسه فيما لا طاقة لها به، فالله جل وعلا يقول: {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا} [البقرة:286] فالله جل وعلا قد علمنا هذا الدعاء وينبغي أن نمتثله، وهو جل وعلا القائل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. فينبغي للإنسان ألا يتحمل شيئاً يجر البلاء عليه، وقد يجر البلاء على نفسه فتُباع داره التي يسكن فيها، وقد يؤخذ ماله من بين يديه وهو يرى، من جراء هذا الضمان الذي لم يقدر له قدره، أو يحسب له حسابه، وإن الضامن لا يبرأ أبداً إلا إذا برئت ذمة المضمون عنه؛ إما بإبراء صاحب الحق له، أو بقضاء المضمون عنه لذلك الدين، أو لتحويل الدين حوالةً تبرأ بها الذمة، وأما غير ذلك فلتعلموا أن الضامن ملزوم ملتزم بالحق في حياته ومماته إذا لم يكن الإبراء. وإذا تعدد الضمناء لم يبرأ أحدهما ببراءة الآخر، ألا وإن ذلك معناه: أن إنساناً ما قد يكون مطلوباً في دينٍ معين، فيتقدم اثنان أو ثلاثة لضمان ما عليه من الحق، فإذا جاء صاحب الحق وأبرأ أحدهما فإن الاثنين الباقيين لا تبرأ ذمتهما إلا بإبرائه لهما، أو بأدائهما ذلك الحق، وليس لأحد الضامنين أن يقول: مادام فلان قد برئ فأنا أبرأ بالتبع، إن ذلك لا يمكن أبداً فالتفتوا لهذا الأمر.

تعريف الكفالة والفرق بينها وبين الضمان

تعريف الكفالة والفرق بينها وبين الضمان أما الكفالة: فهي التزام رشيدٍ إحضار من عليه حقٌ ماليٌ لربه؛ أن يلتزم إنسانٌ بإحضار إنسانٍ آخر عليه حق ٌ من الحقوق، والكفالة تنعقد بما ينعقد به الضمان، والناس في هذا مما يشيع على ألسنتهم بقولهم: كفيل غرم وأداء، أو كفيلٌ غارم، ألا وهو الضمان، أما الكفيل الحضوري فهو الذي يصدق عليه أمر الكفالة، والكفالة أهون قليلاً من الضمان؛ لأن المكفول إذا مات برئ الكفيل؛ ولأن العين إذا تلفت بفعل الله جل وعلا برئ الكفيل؛ ولأن المكفول إذا سلم نفسه برئ الكفيل. أما الضمان فإن المضمون عنه لو مات لم يبرأ الضامن، ولو أن من عليه الدين سلم نفسه فإن للمضمون له الحق في أن يُطالب هذا الضامن ولو سلم ذلك نفسه، فينبغي أن ننتبه لهذا الأمر أشد الانتباه، وكم سمعتم وعلمتم بكثيرٍ من الناس بدءوا أمر الكفالة والضمان بالشهامة والنخوة والنجدة، وبعد ذلك عضوا أصابع الندم حينما رأوا من كفلوهم أو ضمنوهم يتهربون ويجعلونهم أمام المطالبة والمطاردة والإلزام بالدفع أو التقييد بالسجن ونحوه. ألا وإن ذلك من ثبات الحقوق وضمانها في الشريعة الإسلامية، ولكن ينبغي للإنسان ألا يتسرع في ضمان أو كفالة شيءٍ حتى يتأكد منه، وحتى يعرف قدرته على أدائه وسداده عند عجز المضمون عنه. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الشريعة تدعو إلى الضمان والكفالة

الشريعة تدعو إلى الضمان والكفالة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه وعن المثيل وعن النظير، ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، كل ذلك تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا لله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر الأحباب: لا يظن مسلمٌ أننا بهذا الحديث المتقدم آنفا ً نحذر الإنسان أن يكفل أو يضمن! لا. لأن الشريعة قد جاءت بهذا الأمر فلا ينبغي ولا يجوز أن يُحذر عن أمرٍ جاءت الشريعة به، ولكن الذي نُحذر فيه أن يضمن الإنسان في شيءٍ لا يعلم مقداره أو حدوده أو قدره، وهو الملاحظ من كثيرٍ من الناس، فإذا حُجز أحد أصحابه أو أقاربه جاء مقدماً هذا الضمان أو الكفالة وهو لا يدري ما مقدار الدين الذي في ذمته، ولا يدري ما مقدار جريمته، ولا يدري ما مقدار الحق الذي ثبت في ذمته، ومع ذلك تجده يبادر من غير سؤال، ألا وإن ذلك غفلةٌ وبلاهة وليس شهامة!! لأن الإنسان حينما يزج بنفسه فيما لا طاقة له به فإنه قد يكون من الجهل أقرب من العقل والتؤدة والتأني. فلذلك ينبغي للإنسان أن يعرف أولاً نوع هذا الضمان، وما هو مقدار المال الذي سيضمن فيه، ثم ليجعل في حسبانه أنه لا بد مسلمٌ ومقدمٌ هذا المال الذي يضمن عنه، وليجعل في ذهنه أسوأ الاحتمالات وأشدها ضيقاً، ألا وهو عجز من ضمنه عن الأداء، وعند ذلك يُحاسب الإنسان نفسه في هذه اللحظة، هل يتقدم وهل يجترئ على هذا الضمان أم لا؟ وبعد ذلك ينبغي أن يعرف مقدار الدين، فقد يكون شيئاً يسيراً هيناً، لا يصعب عليه أن يقدمه عند عجز المضمون عنه، فبذلك يكون مأموراً ومندوباً ويُحث على أن يتقدم بالضمان عن ذلك إذا كان في مالٍ يسيرٍ يستطيع تقديمه، خاصة إذا كان الذي توجه عليه الحق معسراً ممن له عائلة وأسرةٌ يعولها، وأطفالٌ ينتظرونه، وزوجة لا تعرف كيف تُنفق على أولاده، فينبغي للإنسان أن يبادر إلى هذا النوع من الضمان فيما يستطيع به وفي معرفته حاجة المضمون عنه. ثم بعد ذلك ينبغي أيضاً أن يعرف أن حقه ثابت ٌ في ذمة المضمون عنه، فإذا طالب صاحب الحق الضامن، ثم قدم هذا الضامن الدين الذي في ذمة الأول، فإن له بعد ذلك أن يعود إلى مطالبة من ضمنه بحقه الذي قدمه وسلمه، أما أن يضمن الإنسان فيما لا يستطيع فأكرر وأقول: إن هذا قد يكون من الجهل والبلاهة. وكذلك الكفالة في الأمور التي تحتاج إلى إحضار إنسان معين في دائرةٍ معينةٍ أو في مكانٍ معينٍ، فينبغي للإنسان ألا يستعجل بكفالة هذا النوع قبل أن يعرف من هو هذا الذي يكفله، أهو من الذين يقدّرون المعروف، أهو من الذين يعرفون حق الله، فمن باب أولى ألا يضيع حق العباد.

قصة وعبرة

قصة وعبرة كم من إنسان قد ضمن من هرب وتركه أسير المطاردة والملاحقة من جراء جرأته في الضمان وفي بدايته من غير تقديرٍ لعواقبه، وكم من إنسانٍ قد كفل آخر وهو لا يدري أين يسكن؟ أو أين مكانه؟ أو أي جهةٍ تعرفه أو تُعرف به؟ وبعد ذلك في وقت الحاجة إلى حضوره يراه مفقوداً، وأذكر لكم قصةً أعرف صاحبها تمام المعرفة: كان سجيناً في يومٍ من الأيام مع آخر في حقٍ من الحقوق، فقال الأول الذي دخل السجن أولاً للآخر: اكفلني حضوراً وأنا أقضي ما عليك من الدين، فظن ذلك المسكين أو الجاهل أو الغافل أن هذا أمرٌ من الإرفاق أو النفع أو تقديم العون، فقال: إذن كيف أخرج أنا؟ قال: أنا أدفع عنك ما تريده من المال، وكان مرهوناً بمالٍ يسير، فقدم السجين الأول ذلك المال ليخرج الآخر، فلما خرج عاد ثانيةً ليُخرج الأول، فلما خرج هرب ولم يعلم أن الدين الذي عليه يقدر بخمسة ملايين من الريالات التي لا يستطيع هو ولا أسرته ولا قبيلته ولا من معه أداء هذا الدين. وبعد ذلك عاد أسيراً مرهوناً بسبب هذه الكفالة التي اجترأ عليها ووقع أسيراً بها، وإن بعض الناس قد يجعلون الكفالة والضمان سبباً للاستدرار المالي، وسبباً لتحصيل المال، ألا وإن ذلك مما لا ينبغي، إن بعض الناس قد يكفل آخر مقابل شيءٍ من المال، فإذا خرج بعد ذلك تركه يبقى قبيلاً وحميلاً ضامناً أمام خصمائه وغرمائه، وأخذ يقلب ويدعو بالويل والثبور على ذلك المال اليسير الذي أوقعه في هذه المصيبة العظمى. أكرر وأقول: أيها الأحباب! إن الشريعة لا تنهى عن الضمان والكفالة، بل جاءت من الإرفاق والرحمة والحاجة إليها بين المسلمين، ولكن ينبغي أن نعرف حدودها ومقدارها ومن نكفلهم أو نضمنهم فيها، ونوع الحق الذي نقدمه فيها، وبعد ذلك يكون الإنسان على بينةٍ وحذر. أسأل الله العلي العظيم رب العرش الكريم أن يجنبنا وإياكم مواقع الزلل، وأسأله جل وعلا ألا يميتنا بحق مسلمٍ في ذممنا؛ لا بمالٍ ولا دينٍ، ولا مظلمةٍ ولا عينٍ، ولا شتيمةٍ ولا عرضٍ أو نحو ذلك. اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء. اللهم اختم بالسعادة آجالنا وأكرم بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله، اللهم ثبت قدمه، اللهم لا تفرح عليه وعلى من حوله حاسداً، ولا تفرح أو تشمت بهم عدواً برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا ألا تجعل لنا في هذا المقام ذنباً إلى غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً راغباً في النكاح إلا زوجته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره برحمتك يا أرحم الراحمين. إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي، وارض الله عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم ارحم موتانا وجميع موتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الكنوز الضائعة

الكنوز الضائعة إن الله جل وعلا قد أعطى هذه الأمة كنوزاً كثيرة، تحصنهم من الشيطان، وتلين القلوب، وتنشط الجوارح، وتطرد الهموم، وتهدي إلى الصراط المستقيم، وتصل العبد بربه حتى تجعله لا يتعلق بأحد سواه، ومن مارس عرف، وفي هذه المادة ذكر طرف من ذلك.

المسارعة في الخيرات

المسارعة في الخيرات إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله عز وجل في مستهل هذا اللقاء أن يجعل قولنا واستماعنا وسعينا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجنبنا النفاق والرياء والسمعة، وألا يجعل للشيطان في أعمالنا حظاً ولا نصيباً، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! الحديث عن الكنوز الضائعة حديثٌ يطول ولا يسعه مقامٌ قصير كهذا، ولكن حسبنا أن نشير إلى أن ثمة كنوزٍ نضيعها بأيدينا ونسعى في تلفها، ويا ليت ما ضاع منها يتدارك، لكن ما مضى منه مضى بظرفه وزمانه، ومن كان له حظٌ في الاستدراك قبل الفوات والاستعداد قبل الممات، فإنه إن أعين على ذلك بنية وعزمٍ صادق فلعل الله عز وجل أن ينيله خيراً فيما بقى من حياته. إن الله سبحانه وتعالى وصف خيرة خلقه وهم أنبياؤه ورسله بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:90] فالمسارعة والمسابقة والمبادرة والاغتنام من الأمور التي لا تكون إلا على شيء يضيع أو يفوت، إن شيئاً قد توفر وتجمع بكمياتٍ هائلة لا أظنك تقول لأخيك: اذهب فاغتنم حظك من هذا؛ لأنك تعلم أن الكثير الكثير من أجناسه وأنواعه باقية لا تنفذ، لكن ما فات وما يزول وما يتخطفه الناس فإنك تقول لصاحبك: بادر واغتنم وأسرع ولا تدع الفرصة تفوتك وانتهز ذلك، إنها غنيمة، والمحروم من حرم والخاسر من خسر في أمرٍ إذا مضى ربما كان فوته لا يستدرك أبداً، فما بالك بأعمال تضيع في أوقاتٍ لا يمكن أن نتداركها، بل لو اجتمع الإنس والجن وكان بعضهم لبعضٍ ظهيراً على أن يعيدوا لنا ساعة مضت قبل غروب شمس هذا اليوم لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فما بالك بما مضى من الأيام والسنين والأعوام وما فيها من خزائن، الله يعلم كم من حسرة سوف يبثها العباد إذا فتحوا خزائنهم يوم القيامة ليروا أنه قد مضى عليهم أوقاتٌ كثيرة وودعت خزائنها خالية فارغة ليس فيها من العمل الصالح شيء، قال الله سبحانه: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148]، وقال عز شأنه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]. فيا عجباً كيف يدعونا ربنا إلى المسارعة؛ نسارع إلى المغفرة ونسارع إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ولماذا ندعى بخطاب المسارعة والمبادرة؟ الجواب واضح: لأن الآجال لا تدع أحداً ربما يحقق أو يطبق ما سوف أو وعد بفعله في المستقبل صادفن منها غرة فأصبنها إن المنايا لا تطيش سهامها يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

فضل ذكر الله جل وعلا

فضل ذكر الله جل وعلا قال ربنا جل وعلا: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] والخيرات كثيرة، ولكن حسبنا أن نركز جل وقتنا هذا على عبادة جليلة، بجارحة صغيرة لتحقيق وتحصيل حسناتٍ كثيرة، ألا وهي: ذكر الله، قال عز وجل: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45]. والذكر شأنه عظيم، وإني أسألكم الآن: هل يستطيع أحدكم أن يحرك يديه ورجليه بقدر ما يحرك لسانه؟! إنك لا تستطيع، بل لا يمكن أن تحرك جفن عينك على خفت وزنه وقربه فضلاً عن تحريك يدك أو قدمك بقدر ما تحرك لسانك، فهذا اللسان يمكن تحريكه بأيسر وسيلة وطريقة لتحصيل عبادة جليلة ثوابها كثير وخيرها وفيرٌ بإذن الله، ولكن من الناس من لديه استعداد أن يهجر ويلغو ويثرثر ويتكلم ويهرف بما لا يعرف، ويهذي بما لا يدري ليقول ما يضر ولا ينفع، الليل والنهار، وإذا قيل له: قل لا إله إلا الله {اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45] فيا عجباً كيف يطيب لهذه الألسنة أن تتكلم الساعات الطوال في الغيبة والنميمة، وفي القيل والقال، والغادين والرائحين، والذين أعطوا والذين حرموا، والذين أخذوا والذين منعوا، ثم يكل عليها أن تتكلم بذكر الله الذي هو شفاء الأبدان ودواء القلوب، {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. أيها الأحبة السلامى هي المفاصل، فهذه الأنملة كل مفصلٍ فيها يسمى سلامى، فكم في بدنك منها؟ إنها كثيرةٌ جداً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن علينا لله في كل سلامى من أبداننا صدقة) حيث قال في الحديث الذي يرويه أبو ذر: (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما العبد من الضحى). أولاً: هذا الحديث رواه الإمام مسلم فهو حديث صحيح، ومفاده: أن علينا لنعم الله علينا واجب الشكر وأداء النعم وإن كنا لا نستطيع حصرها ولا شكرها، إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الآماد واتصل الدهر إذا عم بالسراء أعقب مثلها وإن عم بالضراء أعقبها الأجر إذا كان مجرد هذا المفصل الذي يتحرك في الأنامل لله عليك فيه صدقة؛ بتسبيحة، أو بتهليلة، أو بتكبيرة، أو بأمر بالمعروف، أو بنهيٍ عن المنكر، أو إغاثة ملهوف، أو مساعدة محتاج، أو ابتسامة في وجه مسلم، أو ما شئت من وجوه الصدقات، فما بالك بما لله علينا من الصدقات الواجبات في أبصارنا؟! ماذا أحدثك عن عينك، ماذا أحدثك عن هذه الماسحات التي كلما علق الغبار على هذه الزجاجة أو هذا الغشاء الرقيق تحركت حركة أنت لا تدركها برطوبة لكي تغسل العين، وماذا أحدثك عن القَرَنِية وعن الشبكية وعن عصب العين؟! وماذا أحدثك عن جارحة الشم أو جارحة السمع أو جارحة الهضم أو جارحة التنفس أو جوارح كثيرة؟ إذا كانت السلامى -المفصل- لله عليك فيه صدقة، فكم من صدقة لله عليك في سمعك، وكم لله عليك من صدقة في بصرك، وكم لله عليك من صدقة في يدك وفي قدمك وفي جوفك وفي الكلى. خذ على سبيل المثال واسألوا إخواننا الذين يرقد الواحد منهم في كل أسبوعٍ أربع مرات على السرير أو في غرفة الغسيل الكلوي لكي يغسل الدم، إن جلوس هذا المريض في وحدة الكلى ست ساعات كاملة من أجل تنقية الدم إن هذه العملية ليست كما قرر الحذاق من الأطباء إلا عشرة في المائة من الوظائف التي تؤديها الكلية، فما بالك بتسعين في المائة من الوظائف؟ أليس لهذه الكلى من حقوق الله علينا في شكرها الشيء الكثير؟ فحدث ولا حرج عن كل عرقٍ ساكن لو تحرك لما وجدت للحياة طعماً ولا لذة، وحدث ولا حرج عن كل عرقٍ متحركٍ لو سكن لما وجدت للحياة طعماً ولا لذة، ناهيك عن هذه الجوارح وهذه الحواس العظيمة. ثم إنا لنعجب أيضاً من هذا الحديث، وفيه دلالة على أن هذا الدين لم يجعل طريق الخير واحداً لا يحسنه إلا فئة أو شريحة أو طبقة من الناس، فإن الله عز وجل لما أوجب علينا الصدقات في شكر هذه النعم التي لا نحصيها فضلاً عن القيام بشكرها وحق الله علينا فيها، إن الله عز وجل لم يجعل كل الخير في بابٍ واحد، بل جعل الخير في أبوابٍ شتى، بل جعل الخير في مذاهب شتى حتى يستطيع كل عبدٍ أن يذهب كل مذهب وأن يأتي بكل خير في وسعه وقدرته واستطاعته ليحقق لله شكراً في نعم الله عليه، فتسبيح صدقة، وتحميد صدقة، وتهليل صدقة، وتكبيرٌ صدقة، واحتسابٌ صدقة، ودعوة صدقة، وإماطة الأذى صدقة، وإعانة المسكين صدقة، وحمل متاع الرجل معه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، والابتسامة صدقة، بل وحتى إتيان العبد شهوته في حلالٍ صدقة، قال الصحابة لما قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة! قالوا: يا رسول الله! يأتي أحدنا شهوته ثم يكون له بذلك أجر؟ قال: أرأيتم إن وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك لما وضعها في حلالٍ كان له بها أجر). إذاً -أيها الأحبة! - لم يعجز أحدٌ أن يأتي بخير، لا أظن أن أحداً يعجز عن ابتسامة، أو عن كلمة طيبة، أو عن إفشاء السلام، أو إطعام الطعام، أو التسبيح والتهليل والذكر.

تلاوة كتاب الله كنز ضائع على الكثير

تلاوة كتاب الله كنز ضائع على الكثير أيها الأحبة: من أجل الأذكار تلاوة كتاب الله عز وجل، والقرآن شأنه عظيم، ففي الحديث الذي يرويه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (آلم) حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. سبحان الله العلي العظيم، أن تجلس قبيل أو بعيد الصلاة أو في سيارتك أو في متجرك أو في مكانك فتفتح المصحف فتقرأ حروفاً وكلماتٍ وجملاً من كتاب الله عز وجل، فإذا بك تؤجر أجراً عظيماً وتثاب ثواباً عظيماً، هل تعبت؟ هل تنفست الصعداء؟ هل حملت أثقالاً؟ هل مشيت خطواتٍ؟ هل أخرجت مالاً؟ هل تعبت في ذلك؟ مجرد أن تفتح المصحف وتقرأ لك بكل حرفٍ حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لنسأل أنفسنا يا من ننظر إلى من حولنا نظرة الرحمة والإشفاق بأنهم يضيعون أوقاتنا، كم نحن نضيع من الأوقات الكثير الكثير لا نقرأ فيها من كتاب الله. ينبغي ويجب علينا أن نجعل في كل يوم علينا فيه ورد وحق واجب، ولكن -أيها الأحبة- إنها كنوز القرآن الضائعة، ولو أن الإنسان بنية إذا شئت -يا أخي الكريم- حتى تفرح بعاجل بشرى المؤمن خذ معك ورقة وقلماً وعد عدد الأحرف في صفحة من صفحات المصحف، ستجد مئات الأحرف بمئات الحسنات مضروبة في عشر أمثالها، كم مر عليك من يوم لم تفتح المصحف فيه؟ كم مضى عليك من أسبوع لم تقرأ فيه من كلام الله عز وجل؟ فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا كما قال الشاطبي رحمه الله: وإن كلام الله أوثق شافعٍ وأغنى غَناءٍ واهباً متفضلا وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبض على جمرٍ فتنجو من البلاء ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديماً وهطلا ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا

من فضل قراءة القرآن

من فضل قراءة القرآن إن قراءة شيء من القرآن يعدل شيئاً كثيراً، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عقبة بن عامر: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين -يعني: بناقتين سمينتين- في غير إثم ولا قطيعة رحم، فقلنا: يا رسول الله! كلنا نحب ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خيرٌ له من ناقتين، وثلاث خيرٌ له من ثلاث، وأربع خيرٌ له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل) رواه الإمام مسلم. فهذا فضل آيتين من كلام الله يعدل الكثير الكثير من ناقتين وثلاث وأربع وأعدادهن من الإبل، وقال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة، فإن من قرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2] في ليلة فقد قرأ ليلته ثلث القرآن) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي. {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] الله الذي اختار هذا الكلام، وهو من هذه الأحرف التي نتحدث بها، ولكن الله اختار هذا الكلام ليكون أطيب الكلام وأجمله وأحكمه وأصدقه، واختار من هذا الكلام آيات وسوراً جعل الله فضلها عظيماً عميماً ومن ذلك: قل هو الله أحد. عن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال: (خرجنا في ليلة مطرٍ وظلمةٍ شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركناه فقال: قل، قلت: ما أقول؟ قال: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تصبح وحين تمسي ثلاث مرات تكفيك من كل شيء) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي.

القرآن شفاء لما في الصدور

القرآن شفاء لما في الصدور أين الذين يذهبون للعيادات النفسية ويشكون القلق والانفصام والاكتئاب؟ أين الذين يذهبون لعلاج ما يسمى بضيق الصدر؟ أين الذين يخسرون أموالاً بل ويرتكبون شركاً في الذهاب إلى المشعوذين والكهنة والعرافين ليعلق عليه من التمائم وليعطيه من الرقى والطلاسم، وليلبسه من التول ومن أشياء كثيرة كلها لا ترضي الله بل تجرح وتقدح في التوحيد إن لم تنافي التوحيد كله؟ والعلاج سهلٌ بين يديه أن يقرأ عند صباحه ومسائه: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، اسألوا الذين يترددون على العيادات النفسية، فقد بذل بعضهم مئات الآلاف من الأموال، أنا أعرف رجلاً، قال: إن ما خسرته على العيادات النفسية متردداً عليها والأدوية أكثر من أربعمائة ألف ريال، يعني: أقل من نصف مليون، فوالله إن هذا لقليل يعني: قد خسر أكثر، قلت: وهل وجدت نتيجة؟ قال: لا. قلت: إذاً كيف تعالج نفسك؟ قال: والله ما وجدت علاجي إلا في جزءٍ من القرآن آخر الليل، إن قرأت تلك الليلة جزءاً من القرآن في تلك الليلة أو قبل النوم أو في آخر الليل فإني أصبح نشيطاً سوياً سليماً معافى، وإن تركت القرآن أصبحت مريضاً قلقاً مكتئبا، فانظروا كم لله من النعم والفضل حينما يبتلي عبداً من العباد بلاءً يجعل دواءه في ذكره ليؤجر في دواء بلوى أصابته، أو في شفاء سقمٍ قد ألم به، نعمة عظيمة لكن ما أكثر الذين يترددون على المشعوذين، ويحيطون أنفسهم بالسرية وبالكتمان، وأنا أعرف لك واحداً موجوداً وراء الجبل وتحت الوادي وخلف المكان وفي آخر الطريق ولا تخبر به أحداً، ثم يأتي إلى بيتٍ نتن الرائحة خسيس المنظر والشكل؛ في حالة مزعجة وفي هيئة مريبة، ثم لا يلبث أن يعطيه من الطلاسم ومن البخور ومن التمائم ومن أمور الشعوذة ما الله به عليم، ثم يظن أنه بهذا قد سلك سبيلاً للشفاء والدواء، ووالله ما سلك إلا سبيلاً لزيادة البلوى والأذى، فهل يفهم هذا إخواننا؟ هل يفهم هذا أخواتنا؟ هل يفهم هذا الرجال والنساء الذين حينما يبتلى أحدهم ببلية في نفسه أو في ولده لا يتردد أن يذهب إلى فلانة التي تكشف، أو فلان الذي يشعوذ، أو علان الذي يعقد ويفك ويحل ويربط إلى غير ذلك؟ {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102] ولا يدبرون ولا يقدمون ولا يؤخرون شيئاً قد قدره الله سبحانه وتعالى. من العجائب: يقول لي أحد الإخوة الذين يتبرعون في الرقية يقول: جاء رجل ومعه امرأة تشكو آلاماً وأمراضاً من أجل الرقية عليها، قال: فكنت أرقيها ولا تجد أي أثرٍ أبداً، قال: فسألته: هل هذه المرأة تلبس شيئاً من الحروز؟ هل تلبس شيئاً من التمائم؟ هل تعلق شيئاً؟ هل أعطيت شيئاً؟ قال: إن شئت الحق فإنها سبق أن ذهبت إلى رجلٍ وأعطاها حرزاً تعلقه على جسدها ولا تستطيع أن تفكه لأنها إذا فكته أصابها البلاء، قال: فطلبته منه وبعد إصرار وإلحاح شديد أخرجه لي، قال: فلما فككناه وجدنا فيه نداء لشياطين الجن ومردة الشياطين: يا عبدوس يا شيطون يا حبوس يا كذا يا كذا، زد على ذلك قال برائحة نتنة قال: والذي استظهرته أنه مكتوبٌ أجلكم الله والملائكة وبيته والسامعين أنه مكتوبٌ بدم حيض -والعياذ بالله- انظروا كيف يبتلى هؤلاء؟! بل وبعضهم يشرك وهو لا يدري {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] بسبب الوقوع في هذه الأمور وعندهم الكنز الثمين وعندهم المورد العظيم كلام الله عز وجل، لو تداووا به واهتدوا به وتذكروه وجعلوه ذكراً لكان حرزاً ودواءاً وشفاءً وكفاءً ولكن: ومن العجائب والعجائب جمة قرب الحبيب وما إليه سبيل كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول

التسبيح كنز ضائع

التسبيح كنز ضائع من الكنوز الضائعة في ساعاتٍ تمر علينا فلا نغتنمها: ذكر الله في التسبيح، والتسبيح هو أن تقول: سبحان الله، تصوروا يا إخوان أنك حينما تسبح مائة تسبيحة فلك بها من الأجر ألف حسنة، وأنا الآن أريد أن أجري معكم اختباراً بالدقائق، قال صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكسب كل يومٍ ألف حسنة؛ يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب الله له بها ألف حسنة، ويحط عنه بها ألف خطيئة) رواه الإمام مسلم والإمام أحمد والنسائي، حديث صحيح. نختبر أنفسنا دقائق، أريد أن نسبح مائة، اختبار وعبادة وذكر، كلٌ يسبح مائة بينه وبين نفسه لننظر كم تستغرق مائة تسبيحة من الوقت، ابدءوا من الآن. أظن أكثر إنسان استغرق في مائة تسبيحة دقيقتين، ثم عدل ما بين دقيقة ونصف إلى دقيقتين إلا ربع، يعني: يا إخوان! ألف حسنة أليست كنزاً يضيع، في دقيقتين تحصل ألف حسنة، بإطراق بإخبات بخشوع بتذكر بتدبر أيضيرك هذا؟ كم يضيع من التسبيح أدبار الصلوات؟ كم يضيع من التسبيح وقت السحر؟ كم يضيع من التسبيح الأوقات المشروعة لهذه الأذكار؟ وذكر الله مشروع للإنسان في كل وقتٍ أيضاً. فيا أيها الأحبة: يفوتنا والله من الخير الكثير، وتلك أيضاً كنوزٌ ضائعة، قال صلى الله عليه وسلم: (خير العمل أن تفارق الدنيا ولسانك رطبٌ من ذكر الله) رواه أبو نعيم في الحلية. وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) رواه الإمام أحمد وابن حبان. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما من ساعة تمر بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حسر عليها يوم القيامة) أخرجه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في شعب الإيمان. فكم ساعة سوف نتحسر عليها؟: (وما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه إلا كان عليهم ترة وندامة) يعني: حسرة وندامة يوم القيامة، فيا أحبابنا! فعلاً تضيع منا كنوزٌ لا نحصيها.

أذكار غائبة عن كثير من المسلمين

أذكار غائبة عن كثير من المسلمين وهنا كنزٌ عظيم ينبغي لكل واحد من الشباب والشيب، والرجال والنساء، والكبار والصغار ألا يضيعه أبداً، قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يومٍ مائة مرة؛ كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمل عملاً أكثر من ذلك) وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم. حرز وعتق رقاب وكفارة مائة سيئة وكسبٌ لمائة حسنة، وعمل عظيم تنافس به خلق كثير بمجرد أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، والله لو استطعنا أن نركب على هذه الألسنة والأفواه عدادات لتعد كم كلمة قلناها في غير ذكر الله وكم كلمة قلناها في ذكر الله لنعلم أن حظ القيل والقال، وفضول السؤال والتدخل فيما لا يعنينا، والسؤال عما لا يهمنا، والانشغال بالغيبة وبالنميمة وبالكلام الذي لا يليق أو لا يجوز، لوجدنا الذكر شيئاً قليلاً بالنسبة إلى ما نقول من لهو القول أو رديء الكلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إنها أذكار باللسان، تحريك اللسان كما قلت شيء يسير وخفيف جداً لا يكلفك بشيء، وتستطيع أن تحرك لسانك وأنت قائم وقاعد ومضطجع وعلى جنب، ومستلقٍ وعلى فراشك، وأنت ذاهب وآيب، وراكب وماشٍ، ومسافر وفي حل وفي ترحال وأنت قادرٌ على هذا الذكر، أما والله إنها لكنوزٌ ضائعة، أما والله إننا في غفلة وضياعٍ في أعمارنا ولا حول ولا قوة إلا بالله!

أذكار بعد الآذان

أذكار بعد الآذان قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله رضيت بالله رباً وبمحمدٍ رسولاً وبالإسلام ديناً، غفر الله له ما تقدم من ذنبه) رواه الإمام مسلم وغيره. ثم -يا شباب! - ليس عيباً إذا جلسنا مجلساً ثم كثر لغطنا وكثر قيلنا وقولنا ينبغي أن يقول أحدنا ليكن أوسطنا وأقومنا وأعدلنا: يا إخوان! جلسنا ونقوم ما ذكرنا الله، اجلسوا والله لا تقوموا من بيتي وما تخرجوا من مجلسي حتى تذكروا الله عز وجل، كلٌ يذكر ربه في نفسه، لا تقوموا من هذا المجلس الذي يشهد علي وعليكم بأننا جلسنا وأكلنا وشربنا فلم نسمِّ ولم نحمد ولم نشكر ولم نذكر، ثم نقوم هكذا، لا يمكن هذا، لا بد أن نؤجر في هذا المجلس أقلها دقيقتين نقول: سبحان الله مائة مرة، أقلها خمس دقائق نقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، نقولها مائة مرة، ممكن مجاملات وابتسامات وزيارات ولقاءات يا فلان! أزورك تزورني، لكن لا يوجد تواصٍ، نعم. يوجد تمادح؛ أنت ما مثلك، وأنت أحسن من ذاك، وذاك أحسن منك بقليل، وأنت أوشكت أن تتعدى ذاك، وكثير من الشباب قد ضر بعضهم بعضاً بهذا التمادح وهذا الثناء في الوجوه، أما النصيحة والتناصح، أما التواصي بالحق والتواصي بالصبر والتعاون على الخير فما أقل أن نجد ذلك في مجالسنا! ماذا يمنع أنه عندما أزورك أو تزورني أو يزور بعضنا بعضاً أمسك بتلابيبه وقل له: تعال -يا أخي- أكلنا وشربنا وما ذكرنا الله عز وجل في هذا المجلس، اجلس نذكر الله عز وجل (ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة وندامة) أي: حسرة وندامة يوم القيامة.

سيد الاستغفار

سيد الاستغفار إذاً نحن نحقق خيراً كثيراً بعبادة يسيرة في وقتٍ قصيرٍ جداً، ولكن كما قلت: التمادح والتشاغل أمرٌ عجيبٌ جداً. في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم: (من قال حين يصبح أو حين يمسي: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة) كلنا نحفظ هذا الدعاء ومن لم يحفظه فليحفظه، فهو سيد الاستغفار، إقرارٌ بالربوبية وإقرارٌ من العبد بعبوديته لله، واعترافٌ بالذنب واعترافٌ بالنعم لله عز وجل ووعد على الثبات والتوبة، أمرٌ يسير وسهل فلا ينبغي لأحدٍ أن يضيع حظه من هذا الدعاء في صباحه ومسائه.

سبحان الله العظيم وبحمده غرس الجنة

سبحان الله العظيم وبحمده غرس الجنة قال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة) قل فقط: سبحان الله وبحمده غرست في الجنة، بنية صادقة، بقلبٍ مخلص، القضية ليس فيها صعوبة: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] لا تقل: إن ذلك أجرٌ كثير بعملٍ يسير، هذا فضل الله لا يحده شيء، خزائنه ملأى، يده سحاء الليل والنهار، الدنيا كلها بما فيها بالنسبة لما عند الله في الآخرة لا تساوي إلا قطرة تنحدر من أناملك إذا أنت أدخلت إصبعك في اليم، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام مسلم في كتاب وصف الجنة: (ما الدنيا بالنسبة للآخرة إلا كما يضع أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع) أنت حين تدخل إصبعك في البحر وفي المحيطات هذه كلها والبحار ثم تخرج إصبعك من البحر هل خرجت بنصف البحر؟ بربع البحر؟ بكيلو بكيلوين بلتر؟ خرجت بقطرة، اعلم أن هذه القطرة هي الدنيا بملوكها وأملاكها وثرواتها وما فيها، وكل كنوزها الظاهرة والباطنة في هذه القطرة، أما الآخرة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هي ما أعده الله لعباده المتقين المؤمنين، نسأل الله أن نكون منهم. يمكن أن ندرك فضل هذه الآخرة بأسبابٍ عديدة: ومنها: ألا نضيع هذه الكنوز، وأن نستثمر وأن نغتنم هذه الفرص العظيمة. سبحان الله العظيم وبحمده غرس في الجنة، لا تقل كيف ولماذا ولعل وربما وأين؟ أبداً، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] الله عز وجل اختار أن تكون هذه الكلمة ثوابها غرسٌ في الجنة، تعترض على الله، تستكثر على الله، تستكثر أن الله يعطيك غرساً في الجنة مقابل أن تقول: سبحان الله وبحمده، لا. لكن الضياع والخسران والحرمان في هذه الألسنة والأبصار والقلوب، قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثل ذلك وزاد عليه) يعني: بأعمالٍ صالحة، رواه الإمام مسلم وأبو داود والترمذي. وفي الحديث الذي رواه الشيخان: (من قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) أجر عظيم وفضل عميم في ذكر الله عز وجل.

حكم التسبيح بالسبحة

حكم التسبيح بالسبحة بعض الناس عندما يرى أحداً يذكر الله كثيراً قال: أظن أن هذا صوفي، وهذا غير طبيعي، لأنه كثير ذكر الله تقول عنه صوفي؟ أو مجرد بعض الناس حينما يرى أحداً مولعاً بالذكر مشغولاً به قال: لا يهمك هذا سبحته لا يتركها من يده، ويسبح بها، الشيخ محمد بن صالح العثيمين في (نورٌ على الدرب) قبل أيام سئل وبأذني هذه وأنا مسئول عن هذا، سئل عن رجلٍ يقول: إنني أحرص أن أسبح ألف أو خمسمائة تسبيحة، وعندي سبحة فيها خمسمائة حبة، فهل هذا جائز، هل التسبيح بهذه جائز؟ فقال الشيخ: التسبيح بالسبحة لا بأس به ما دام أن السائل يقول: أنه يضبط بها العدد، لا يعتقد في السبحة اعتقاداً، إنما لضبط العدد، وهو يريد أن يسبح المائة يضيعها بسبحةٍ ما، أنا لست أدعو إلى التسبيح بالسبح، وقال الشيخ العلامة ابن عثيمين متع الله به: ولكن التسبيح بالأنامل أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على إحدى زوجاته ورأى عندها حصىً تسبح به ما أنكر عليها ولكن أرشدها إلى التسبيح بالأنامل، فالأفضل أن تسبح بأناملك لأنهن مستنطقات. فيا أخي الكريم إذا رأيت من هو على عناية بذكر فاستعن بالله واستفد منه، ما لم يكن يبتدع لنفسه أذكاراً معينة، من قرأ ألم نشرح لك صدرك مائة مرة فإنه يفعل كذا، من قرأ ويل لكل همزة لمزة؛ لأن هناك بعض المخرفة وإن كان الذكر حقيقة لكنه يعتقد عدداً معيناً في وقتٍ معين بشيء لم يشرعه الله ورسوله فهنا نقول: قفوا ولا تبتدعوا وإنما عليكم الاتباع. لكن إذا جاء واحد وقال: يا أخي! أنا أعد بأناملي وأخشى وربما يجيك شايب كبير يقول: أنا لا أستطيع ضبط العدد بأناملي، مضطر أعد بهذه السبحة أو بشيءٍ من هذا، مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، تقول له: لا. قد ورد الشرع والنص والدليل بهذا الذكر وبهذا العدد، فلماذا تعترض عليه؟ لماذا تنكر عليه؟ إن كان بك خير، فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح في الحديث أيضاً: قال صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يمسي: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم يصبه فجأة بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يمسي ثلاث مرات لم يصبه فجأة بلاء حتى يمسي) رواه أبو داود وابن حبان والحاكم وصححه الألباني. بصراحة وبعبارة واضحة: يا معاشر الإخوة! يا معاشر المسلمين! نحن قد ضيعنا الأذكار، أقل الكلام حظاً على ألسنتنا هو ذكر الله عز وجل، وما سوى ذلك فحدث ولا حرج، نحن ضيعنا الأذكار، أذكار الصباح أذكار المساء أذكار الصلوات أذكار الحفظ؛ الأذكار التي تحفظنا من شر العين والحسد والشيطان والجان ومن كيد الإنسان؛ كل هذه الأذكار نحن ضيعناها، وما كان السلف يتهاونون بها أبداً أبداً.

(لا حول ولا قوة إلا بالله) وفضلها

(لا حول ولا قوة إلا بالله) وفضلها عن أبي موسى الأشعري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: يا عبد الله بن قيس! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) أخرجه البخاري. سبحان الله! لا حول ولا قوة إلا بالله كنزٌ من كنوز الجنة، الآن الناس إذا رأى شيئاً عجيباً صفر هذه التصفيرة الطويلة، لا يقول: (سبحان الله) حينما يرى شيئاً عجيباً لا يقول: الحمد لله على هذه النعمة، أو إذا حل بلاء لا يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، بل يقول: (أف) أو بعضهم يسخط على الله، وأنا ماذا عملت -يا رب- حتى يقع لي كذا، بل بعضهم يقع في الاعتراض وربما السخط على مقادير الله عز وجل؛ وذلك من الجهل العظيم، لكن لو ألزمنا أنفسنا الأذكار إذا رأينا عجباً سبحنا، وإذا صعدنا مرتفعاً كبرنا، وإذا هبطنا منخفضاً سبحنا، وإذا رأينا مبتلى قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله وسألنا الله العافية، إذا رأينا نعمة حمدنا الله، إذا رأينا شيئاً يعجبنا قلنا: ما شاء الله، فسنجد أن هذه الأذكار على ألسنتنا في كل مناسبة وفي كل ما نرى، لكن لما تعودت الألسنة المكاء والتصدية (التصفيق والصفير) والكلام العجيب والألفاظ الغريبة والحركات التي لا تليق أصبحت هي السائد عند كثيرٍ من الناس، وعند الشباب خاصة، ولو أننا عودنا أنفسنا هذا الذكر لكان بإذن الله خيراً نؤجر عليه.

اللسان وعظم أمره

اللسان وعظم أمره يا أحبابي إن الإنسان إذا تعود الذكر ربما ذكر الله في موطنٍ يؤجر فيه فيبلغ به أعلى الدرجات، قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليقول الكلمة لا يلقي لها بالاً تبلغ به من رضوان الله أعلى الدرجات) ما هي الكلمة التي يمكن أن تقولها من غير أن تخطط لها ومن غير أن تدبر لها، أنت قلتها ولم تلق لها بالاً فبلغت بك أعلى الدرجات من رضا الله؟ A هي الكلمة التي أنت قد تعودت عليها يا حبيبي، إذا كنت متعوداً على ذكر الله عز وجل، فسيأتي مقام أو مكان أو ظرف أو شيء معين، فتقول كلمة من ذكر الله في رضوان الله ما خطرت على بالك لكنك بلغت بها أعلى الدرجات: (وإن الرجل ليقول الكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً) فإذا شئت أن تتعود الأجر والخير فعود نفسك أن تكتب لك الحسنات وأن تمحى عنك السيئات كما تأخذ هذا الزفير والشهيق في النفس بمحاولة تعويد النفس على ذكر الله عز وجل، والسلامة من الكلمات التي لا تليق، فحينئذٍ تؤجر بأجرٍ عظيم، فكما أن اللسان وهو الجارحة الصغيرة الذي يسبب أو تحصل به على حسناتٍ كثيرة يجعلك تنال درجات كبيرة ومنازل عظيمة وهذا اللسان ربما كان سبباً أن يكب عبدٌ من عباد الله على أنفه في نار جهنم، وكلكم يعلم حديث معاذ حيث قال: (يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون على ما نتكلم به؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ) وهذه كلمة تقولها العرب لا تعني بها معناها، يعني: الرسول لا يدعو على معاذ بأن أمه تفقده وإنما هي من الكلمات التي تقولها العرب ولا يراد بها معناها، فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم) فكما أن هذا اللسان جارحة الذكر يسبب لك أجراً وخيراً عظيماً، فربما جر عليك وبالاً وشقاءً عميماً وكبيراً ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الثلث الأخير من الليل كنز ضائع

الثلث الأخير من الليل كنز ضائع إن من الكنوز الضائعة الثلث الأخير من الليل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن في الليلة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة) رواه الإمام مسلم. وفي حديثٍ لـ مسلم أيضاً: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر) رواه مسلم والترمذي، وفي حديث عند الإمام أحمد والنسائي: (ينزل الله في كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائلٍ فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له، هل من تائبٍ فأتوب عليه حتى يطلع الفجر) هذا فضلٌ يتكرر وكنزٌ يفتح بابه ويدعى الخلق إليه في كل ليلة، فأين الذين يسألون؟ أين الذين يطلبون؟ أين الذين؟ لو قال: يا إخوان! توجد قطعة أرض عشرة في عشرة مجاناً من أراد وقد تجمعت فيه الشروط فليأت في المكان الفلاني، وجدت الناس من بعد الفجر إلى أن تغيب الشمس كل واحد يمسك ملفه ويقدمه ويتنافس مع غيره، يا أخي! هنا كنوز عظيمة من عند الله عز وجل من فضل الله، الذي يفرح إن سألته ويرضى عنك إن دعوته: الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب وإذا بليت ببذل وجهك سائلاً فابذله للمتفرد المفضال الناس إذا أعطوك اليوم غداً يمنون، وبعده يسخطون، وفي الرابعة يضربون، ولذلك لما رأى الأعرابي عطاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حنين جن ذاك الأعرابي، جاء ينظر إلى وادٍ مليءٍ بالغنم والنعم يسمع فيه الثغاء والرغاء والخوار فقال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم معناه أن الخير كثير، وهذه النعم جيدة، وهذه الغنم ممتازة، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيسرك أن لك هذا؟ قال: إي والله يا رسول الله، قال: اذهب فهو لك) فقام الرجل يصيح بأعلى صوته: يا قوم! أسلموا فإن هذا ليس بعطاء بشر هذا عطاء نبي لا يخشى الفقر أبداً. فالبشر إن أعطوا مرة مرتين ثلاثاً يملون، بل قال الله: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء:100] ما التفسير؟ لو أنك تملك خزينة ليس المقصود أنها خزينة عظيمة لا يخطر على البال الذي فيها، بل أيضاً مع هذا خزينة لا تنقص أبداً لأمسكت خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً، لكن الله عز وجل كلما ألححت عليه كلما رضي عليك، فأين الملحون على الله عز وجل؟ أيها الأحبة أين أصحاب الحوائج؟ من الناس من له حاجات وحاجات وحاجات، ما ترك باباً إلا طرقه، ولا وجيهاً إلا تشفع عنده، ولا ثرياً إلا قصده، ولا معطاءً إلا مدحه، ولا باذلاً إلا بلغه ووصله، يريد منه أن يقضي حاجته، وربما رده الناس مراراً وتكراراً، فنقول لمثل هذا: هل سألت الله في آخر الليل؟ هل سألت الله في ساعة الإجابة يوم الجمعة؟ هل سألت الله في أوقات الإجابة؟ أبداً ما سأل ولا فكر أن يدعو، بل جلس الأيام الطوال في زمهرير الشتاء وحر شمس الصيف يسأل فلاناً وعلاناً لكنه ما سأل الله، ومن تعلق بشيء وكل إليه، بعض الناس ربما تعجل له العقوبة يوم أن ينصرف إلى سؤال الناس قبل أن يسأل الله عز وجل، اسأل الله أولاً وإن كانت حاجتك عند البشر، السماء لا تنزل معاملات وتعاميد هذا صحيح ومؤكد، لكن قبل أن تسأل فلان بن فلان اسأل الله عز وجل أن يسخر لك فلان بن فلان وأن يقضي حاجتك وأن يغنيك عنه: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:52].

فضل الصلاة على رسول الله

فضل الصلاة على رسول الله هنا كنزٌ أيضاً وهو كنز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ يصلي علي إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي علي فليقل العبد من ذلك أو ليكثر) رواه الإمام أحمد وابن ماجة. صل على النبي فتصلي عليك الملائكة وتدعو لك، الآن لو أقول سماحة الشيخ ابن باز، وسماحة الشيخ ابن عثيمين متع الله بهما وعافاهما من كل مكروه وإياكم أجمعين، لو قلت إنهم يدعون لك، قلت: أسألك بالله العلامة الجليل سماحة الشيخ يدعو لي، بل أقول: الملائكة تصلي عليك وتدعو لك إذا أنت قلت: اللهم صل على نبينا محمد، فالصلاة والسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم أجرها عظيم جداً، ولكن أيضاً من الغافلين، بل بعض الناس لو يذكر عنده اسم بشر استعد وغير جلسته وأنصت وقال كلاماً يعني: أشعركم أني مهتمٌ بهذا الاسم، فيمر اسم النبي صلى الله عليه وسلم فكأن اسم نبيٍ من أولي العزم لم يمر على مسمعه فلا يصلي أبدا، صلى الله على نبينا محمد. وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي واحدةً صلى الله عليه عشر صلواتٍ، وحط عنه عشر خطيئاتٍ ورفع له عشر درجات) رواه أحمد والنسائي وغيره. وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة).

يوم الجمعة كنز عظيم

يوم الجمعة كنز عظيم وأما الكنز الذي يلي ذلك فهو كنز يوم الجمعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: (إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائمٌ يصلي يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه، وقال بيده) قال صلى الله عليه وسلم بيده، يعني: يقلل هذه الساعة، يعني الساعة قصيرة جداً، فعلاً ساعة من آخر النهار كما في بعض الأحاديث الأخرى، من الذي يعجز أن يوقت الساعة ويرتب نفسه لكي يجلس بعد صلاة العصر، وعندكم هذا البيت العتيق والكعبة المباركة، ومقامٌ الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، أفلا نجلس لذكر الله عز وجل؟ أفلا نجلس لمحاسبة النفس؟ أفلا نجلس للاستغفار؟ أفلا نجلس للسؤال والدعاء وطلب الحاجات وقضاء الحوائج؟ إن ذلك ميسر ولكن القلوب ما امتلأت بالاعتقاد الكامل القوي العظيم الذي يكفيها عن الحاجة إلى البشر، قال صلى الله عليه وسلم: (التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس) رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبدٌ مسلمٌ يسأل الله فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) رواه أبو داود والنسائي. وهنا مسألة فقهية: ورد في بعض الأحاديث: (لا يوافقها عبدٌ يصلي) وإذا كانت بعد العصر فإن بعد العصر من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فكيف يكون ذلك؟ لقد سبقنا أئمة الفقه من الصحابة، ففي الحديث الذي يرويه أبو هريرة قال: صلى الله عليه وسلم: (خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، وفيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط منها، وفيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم يصلي فيسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه. قال أبو هريرة: فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له هذا الحديث، فقال: أنا أعلم بتلك الساعة، فقلت: أخبرني بها ولا تضنن بها علي، قال: هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس؟ قلت: فكيف تكون بعد العصر وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: أليس قد قال صلى الله عليه وسلم: من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة) وهذا دليل على فقه الصحابة رضوان الله عليهم. فالخيبة والخسران لمن تكلم في الصحابة أو قال في أبي هريرة خاصة إنه يروي من الأحاديث ما لا يفقه ولا يدري، هذا أبو هريرة يحاور ويناقش عبد الله بن سلام، صحابيان جليلان إمامان عظيمان يتناقشان حول هذه المسألة العظيمة، قال: (أليس قد قال صلى الله عليه وسلم: من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة. قلت: بلى، قال: فهو ذاك) رواه أبو داود والترمذي والنسائي.

حث على التبكير لصلاة الجمعة

حث على التبكير لصلاة الجمعة من الكنوز الضائعة على كثيرٍ من الأخيار قبل عامة الناس، كنز يوم الجمعة، فكلكم يعرف الحديث الذي رواه أبو هريرة قال صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح من الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) رواه البخاري ومسلم. لو قلنا لك يا أخي الحبيب: تعال أعطنا ثلاثة آلاف ريال نريد أن نشتري بعيراً على حسابك ونذبحه لوجه الله ونوزعه على الفقراء، قلت له: يا أخي! أنا رجل فقير ما عندي هذه الثلاثة آلاف أشتري بعيراً، لو أردت دجاجة ما وجدتها عندي، حسناً: تعال -يا أخي- بإمكانك أن تقرب بعيراً كاملاً؛ تعال الساعة الأولى إلى المسجد وكأنما قربت هذه الناقة لوجه الله عز وجل وقسمتها على الفقراء، تعال في الساعة التي تليها كأنما قربت بقرة، تعال في التي تليها، فكأنما قربت كبشاً، وهذا من الخير العظيم. إذاً: الإسلام ما تعامل مع أرباب الأموال فقط، هذا التشريع لم يتعامل مع طائفة من الناس عندها قدرات معينة، بل الجميع يستطيعون أن ينالوا قدرات، فالذين لا يملكون الأموال، إذا كان ذهب أهل الدثور بالأجور لهم فضول أموالٍ يتصدقون بها فإن الفقراء عندهم فضول التسبيح والتهليل والعبادة والتكبير يستطيعون أن يسبقوا هؤلاء، بل وربما وجدت فقيراً لا يملك ريالاً قد أجر أجر الملايين بدلالة على خيرٍ أو دعوة إليه: (من دل على خيرٍ فهو كفاعله، ومن دل على هدىً فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة).

الاغتسال يوم الجمعة

الاغتسال يوم الجمعة خذ أيضاً من كنوز يوم الجمعة من اغتسل يوم الجمعة كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة: (من اغتسل يوم الجمعة، ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم يصلي معه؛ غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام) وبعض الناس يقول: ما دام هذا كافياً إذاً لا داعي للصلاة مع الجماعة، ولا داعي إلى العناية بكثير من الأمور ما دامت هذه تغفر، لا، هنا مسألة الإصرار على الصغائر كبائر، ترك الصلوات من أعظم الكبائر، التهاون بالصلوات مما توعد عليه بويل: (وهو وادٍ في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من حره). فيا أخي الكريم: لك أجرٌ عظيم بهذا، ووالله هذا الحديث الذي سأتلوه عليكم الآن قلبت وأعدت وسألت بعض طلبة العلم عن الرجال وبحثت عن الرجال رجلاً رجلاً يعني: أمر عجيب من عظم الأمر العظيم الذي يترتب على هذا الحديث، قال صلى الله عليه وسلم: (من غسل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع وأنصت ولم يلغ -بعض الروايات ليس فيها: ومشى ولم يركب- كان له بكل خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد عمل سنةٍ أجر صيامها وقيامها) الله أكبر! كم بينك وبين المسجد مائة خطوة، ربما أجرت أجر مائة سنة، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن ورجاله ثقات. قال النووي في شرح المهذب معنى غسَّل: يروى غسل بالتخفيف والتشديد والأرجح عن المحققين التخفيف والمختار أن معناه: غسل رأسه ويؤيده رواية أبي داود في هذا الحديث: (من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل) وإنما أفرد الرأس بالذكر؛ لأن الناس قريباً كانوا يجعلون في الرأس الدهن والخطم ونحوهما وكانوا يغسلون الرأس أولاً ثم يغتسلون، وقيل المراد: غسل أعضاءه ثم اغتسل وقيل: غسل أي: جامع أهله قبل الخروج إلى الصلاة؛ لأنه يعين على غض البصر في الطريق، يقال: غسل الرجل امرأته بالتخفيف أو غسلها أي: جامعها.

فضل الوضوء وإسباغه

فضل الوضوء وإسباغه في فضل الوضوء كنزٌ عظيم فعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: (كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي أرعاها، فروحتها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يحدث الناس وأدركت من قوله: ما من مسلمٍ يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة، فقلت: ما أجود هذا! فإذا قائلٌ بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب فقال: إني قد رأيتك قد جئت آنفاً، قال: ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ الوضوء أو يسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) أخرجه مسلم. فهذا الطهور وهذا الوضوء فضله عظيم، فإذا أعقبته بصلاةٍ كانت سبباً في مغفرة ذنبك كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ يذنب ذنباً فيتوضأ فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفر الله له) رواه أحمد وأصحاب السنن. وقال صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر الله له ما تقدم من ذنبه) رواه الإمام أحمد وأبو داود. فكل هذا من الفضائل العظيمة ومن الخيرات العميمة ومن الأجر الذي كتبه الله واختاره عز وجل وقربه إلى هذه الأمة لما كانت أمة أعمار أهلها قصيرة، جعل الله لها من الخيرات والبركات في ليلة القدر وفي ساعات الإجابة، وفي فضل الذكر، وفي فضل التسبيح، وفي فضل هذه الأعمال ما نسبق به الأولين ونفوق به الآخرين إذا صلحت منا النية، وصدق منا الفعل، وكان ذلك خالصاً لوجه الله عز وجل.

كنوز أخرى

كنوز أخرى

فضل صلاة الفجر جماعة

فضل صلاة الفجر جماعة يا إخوان أليس من فضل الله العظيم أن صلاة الفجر مع الجماعة تجعلك في ذمة الله عز وجل: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله فانظر يا بن آدم! لا يطلبنك الله من ذمته بشيء) كما قال صلى الله عليه وسلم؟ كم الذين تفوتهم صلاة الفجر الآن؟ بل كم من الذين يؤقتون ويثبتون الساعة والمنبه على وقت الانصراف إلى الدوام، والله يا أخي الحبيب إن قصد تفويت الصلاة وقصد تثبيت الساعة على وقت ينبهك بعد خروج وقت الصلاة لفيه دلالة على ترك الصلاة عمداً وتأخيرها عمداً، وهذا ربما كان سبباً أن يطبع على قلب صاحبه، وربما كان ذريعة إلى ترك الصلاة بالكلية؛ لأن ذلك تأخير (إن لله بالليل عملاً لا يقبله بالنهار، وإن لله بالنهار عملاً لا يقبله بالليل) الآن لو يأتي موظف يريد أن يداوم بعد صلاة العشاء والناس مداومون الصباح هل يقبل منه هذا العمل؟ لا يقبل مديره منه هذا، ولله المثل الأعلى، لا يمكن أن يقبل عمل الليل بالنهار أو عمل النهار بالليل، إلا من كان له عذرٌ شرعي، فحينئذ الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده، ويعذر عباده عز وجل، وقد يقول قائل: ما بال الفقراء، ما بال الأقوياء الذين سلبت منهم نعمة الصحة فأصبحوا من ذوي السقم والمرض، ما بال العجزة، ما بال الذين لا يقدرون على فعل هذه الأعمال ما حظهم من الثواب؟ نذكرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض المسلم أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيما) فأنت -يا أخي الحبيب- عود نفسك الآن على الأذكار وعود نفسك على العبادة، واجعلها برنامجاً يومياً لا يشغلك عنه شاغل، ولا يصرفك عنه صارف، فلو كتب لك بعد ذلك أمرٌ من المقادير يحول بينك وبين ما كنت قد تعودته وأمضيته من العمل الصالح والأذكار فإن أجرك باقٍ كما هو لا ينقص من أجرك شيءٌ بأي حالٍ من الأحوال.

من الكنوز الضائعة السنن الرواتب

من الكنوز الضائعة السنن الرواتب من الكنوز الضائعة السنن الرواتب، قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى في يومٍ وليلة اثنتي عشرة ركعة بني له بيتٌ في الجنة: أربع قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الغداة) رواه الترمذي وصححه الألباني، وفي رواية أخرى للإمام مسلم وذكر فيها هذا الأجر العظيم. فيا أحبابنا! هذا أجرٌ عظيم! السنن الرواتب أدركتها حققت خيراً كثيرا، ثم إذا لقيت الله عز وجل وقد نقص من الفريضة شيء فإن الله سبحانه يقول: (انظروا -يا ملائكتي- هل لعبدي من تطوع؟) فإن كان لك من عملك تطوع من صيام النافلة لصيام الفريضة، تطوعٌ من صلاة النافلة لصلاة الفريضة، تطوعٌ من حج النافلة لحج الفريضة، تطوعٌ من هذا العمل لهذا العمل، فإنه -بإذن الله- يكمل به ما نقص من عملك، فما الذي يضرك أو يجعلك تتقاعس أو تتأخر، أو ما الذي يثبطك عن القيام بهذا، ونحن اليوم في يوم صيامٍ وغداً وبعد غدٍ عاشوراء ويومٌ قبله وبعده أو قبله وبعده.

الصيام كنز ضائع

الصيام كنز ضائع فيا أحبابنا أيضاً كنزٌ ضائعٌ الصيام، وكثير من الناس عنده استعداد أن يفوت أجر كفارة سنة ماضية مقابل وجبة الساعة الحادية عشرة، ويمكن أنه لا يأكل الوجبة الثانية إلا قبل المغرب بربع ساعة، يا أخي الكريم! ارفع رأسك قليل من الصوم ينفعك -بإذن الله- في بدنك وفي عبادتك قال صلى الله عليه وسلم: (صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية) رواه الإمام مسلم والترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) فالله الله لا نترك الصيام يا أحبابنا، وامروا أهلكم وأزواجكم وأولادكم وبناتكم وخذوا أجرهم، فإن في هذا من الثواب ما تدركونه بأمركم وإرشادكم إليه.

فضل الصدقات

فضل الصدقات كذلك من الكنوز الضائعة: الصدقات من الحلال، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره؛ حتى أن اللقمة لتصير مثل جبل أحد) أنت تتصدق من حلال بلقمة فالله عز وجل يتقبلها بيمينه ويربيها لك كما تربي مهرك أو فلوك، ثم تأتي يوم القيامة وتجد أن هذا الريال أصبح مثل جبل أحد، تجد أن هذه اللقمة أصبحت مثل جبل أحد. أذكر ذات مرة تكلم أحد إخواننا في مسجدنا في الرياض أو المسجد الذي نصلي فيه فدعا الإخوان المصلين أن يتصدقوا وأن يساعدوا رجلاً محتاجاً، وكالعادة توضع الأوراق خلف المصلين من أراد أن يجود بشيء، فرمقت بعيني وتابعت عاملاً رث الهيئة خلق الثياب فما كان منه إلا أن ذهب ووقف عند هذا المكان الذي توضع عليه الصدقات فأخرج خرقة معقدة كذا وفكها وأخرج منها ريالاً ووضعه مع الصدقات، سبق درهمٌ ألف درهم، هذا عامل نسأل الله عز وجل أن يعيننا وإياه وجميع إخواننا المسلمين من عرق جبينه ومن كد يمينه، والله -يا أحباب- ربما الواحد أحياناً يقول: يا ليت أن الإنسان يعلم لو تقبل منه نصف ريال أو ريال، أو أنه من الحلال المحض، اليوم اختلط الحلال بالحرام واختلطت الشبهات بالمباحات، واختلط الحابل بالنابل فتغبط من ترى درهمه ومدخله ومصرفه ونفقته من عرق جبينه ومن كد يمينه، فمن تصدق من حلال وزاد أن تصدق سراً فإن صدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وفعل المعروف يقي مصارع السوء، فقال صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).

وقفات مهمة مع حسن الخلق

وقفات مهمة مع حسن الخلق أيها الأحبة! حسبنا في هذا الوقت الذي مضى ما ذكرناه من هذه الكنوز، وثمت كنوزٌ كثيرة وعظيمة ومن أجلها وأهمها: حسن الخلق: أبني إن البر شيءٌ هين وجه طليقٌ وكلامٌ لين وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافا) وقال صلى الله عليه وسلم: (وإن المسلم ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم لا يفطر والقائم لا يفتر). ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام إنني أوصي جميع إخواني وأخواتي، وأوصي الشباب الطيبين خاصة ألا يجعلوا في التزامهم ثلمة يمقتها من رآهم، أو ينتقدهم بها من قابلهم؛ إما بغلظة، أو جفاء، أو إغضاءٍ، أو انصرافٍ عن الخلق بهذه الابتسامة (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) ماذا تخسر أن يكتب الله لك صدقة، ماذا تخسر أن تكسب الناس، وأن تؤثر عليهم بحسب الخلق بخفض الجناح بلين الجانب بالتواضع، ماذا تخسر يا أخي الكريم حين تبدؤهم بالسلام؟ وبالمناسبة فإن من إخواننا من رأى رجلاً عليه معصية لا يعطيه من الخلق الحسن شيئاً، وهذه من المفاهيم الخاطئة، أنت تمر على رجل يدخن أيضيرك أن تقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبابتسامة وبوجه طليق، وتحنو عليه وتدنو إليه، وتقول: يا أيها الحبيب! إن هذا لا يرضي الله ولا يرضي رسوله، وإن هذا يضرك، ونصيحتي لك محبة وغيرة وإشفاقاً ألا تفعل هذا. تجد بعض الإخوان -وفقهم الله ونفع بهم- بمجرد أن يرى على شخصٍ منكراً من المنكرات فإن وقوع هذا الشخص في المنكر كفيل بإسقاط حقوقه، فلا يبدأ بالسلام ولا يرد إذا سلم، ولا يشمت إذا عطس، ولا يعاد إذا مرض، ولا يصلى عليه إذا مات، ولا ينصح إذا استنصح، ولا يدل إذا استرشد، هذا ليس بصحيح يا أخي الكريم، بل إننا حينما نقابل هؤلاء بحسن الخلق، وربما تجد من الناس على ما فيه من معصية ظاهرة قد سلم من ذنبٍ قد يكون في أو فيك وهو خطير. فيا أخي الكريم لا تتصور أن ما تراه من كمال الظاهر هو الدليل على الكمال في كل شيء، ولا تتصور أن ما تراه من النقص في الظاهر أو شيءٍ من الظاهر هو الدليل على النقص في كل شيء، نعم جنس الكمال في الظاهر صلاح الظاهر إشارة وقرينة على صلاح الباطن بإذن الله، وربما كان فساد الظاهر قرينة أو إشارة على تقصيرٍ في الباطن أعظم، لكن هذا ليس على إطلاقه، وإن من الكنوز الضائعة المتعلقة بمعاملة الخلق هي حسن الخلق وإنك لتؤجر عليها أجراً عظيما، يا أخي الحبيب! كما من الله عليك بالالتزام والاستقامة، واتباع السنة، وحب الخير، والدعوة والإرشاد إليه، وحب الدعاة إليه، احرص على أن تكون على درجة طيبة من حسن الخلق. أما أنا فوالله إذا قابلني شابٌ لا أرى فيه حسن الخلق يمرضني يوماً أو يومين، أمرض مرضاً شديداً حينما أقابل إنساناً بابتسامة فيكفهر، أو أبدؤه بالسلام فلا يرد، أو تعطيه معاملة حسنة ثم لا تجد إلا جماداً لا تتحرك فيه مشاعر، لماذا يا أخي الكريم تصد بوجهك عني، ما أنا فحمة ولا أنت فرقد، يعني: ما بالناس فحم وأنت النجم، فحسن الخلق أمر مطلوب جداً، وأكرر ما أقول لكم أنني يؤذيني إذا رأيت من إنسان تعطيه من حسن الخلق ما تعطيه ثم ينصرف عنك بكل فظاظة وجفاء، وهذا لا يجوز ولا ينبغي: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} [الحجر:88] {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:54] {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]. يا أحبابنا لماذا لا نتصف بهذه الصفة؟ لماذا نجعل الخلاف في مسائل فرعية، الخلاف في مسائل فقهية، الخلاف حول قضايا معاصرة، شخص اختلفت أنت وإياه في أزمة الخليج، انتهى، فأصبح لا يسلم عليك، ولا يبتسم في وجهك، ولا يقابلك كأن أزمة الخليج هي فتنة القول بخلق القرآن؟ وهل نلزم أن نجعل عقولنا أجهزة نسخ أفكار بدون أن نحرر أو نغير أو نناقش؟ هنا قضايا متفق عليها، فمالي ولا لك فيها رأي ولا اجتهاد مع النص، وهنا مسائل محل اجتهاد؛ فما اجتهادك بأولى من اجتهادي، لكن إذا اختلفت معي فإن ذلك لا يبيح لي أن أغتابك، ولا يجيز لي أن أتناول عرضك، ولا يسمح لي أن أنم فيك، ولا يجيز لي أن أسقط حقوقك، أو أن أسكت عن الذب عن عرضك إذا تُكِّلم فيك وأنا جالس، وكذلك العكس بالنسبة لي، لأن من إخواننا من ضيع الكنز العظيم كنز الخلق الحسن بسبب الاختلاف، يقول أحدهم: فلان لا يهمك تراه يرى الرأي الفلاني في القضية الفلانية، وهل هذه القضية الفلانية هي تحويل القبلة، لا يسع أحد الانصراف عنه، مسألة ربما ليست ربما من الشرع في شيء وإنما محل اجتهاد فكري أو سياسي أو اقتصادي أو إعلامي، وللنظر فيها مجال، وللاجتهاد فيها مكان ومرتع، لكن أبداً، تعال ووافقني على آرائي وكن نسخة طبق الأصل، وببغاء قلدني وتابعني فيما أقول وإلا فلست من جماعتي ولا من أحبابي ولا أعترف بك وأنت من هؤلاء ولست من هؤلاء. متى خلقنا هكذا؟ العقول التي خلقها الله عز وجل عظيمة دفاقة كالبحار؛ آتي وأضع عقلي في قربة من أجل أتبعك في هذه المسألة، أنا أخالفك في هذه المسألة؛ لكن مخالفتي لك لا تجعلني أسكت إذا اغتيب عرضك في مجلس، ومخالفتي لك لا تسمح بأن أغتابك أو أتكلم فيك أو أنم عنك، وكذلك العكس لك علي هذه الحقوق ولي عليك مثل هذه الحقوق، فلا نضيع حسن الخلق بمثل هذه الخلافات الفرعية في المسائل الفكرية والمسائل الاجتهادية. أقول ما تسمعون أيها الأحبة، وأسأل الله عز وجل أن يجعل أعمالنا وأعمالكم خالصة لوجهه، إنما نؤكد ونوصي ونشدد ونعيد ونزيد أن الأزمة أزمة العمل، ما أظن أنني في هذه المحاضرة قد جئتكم بجديدٍ لا تعرفونه، بل كل ما قلت أنتم أدرى به مني، وحالي معكم كقول الشاعر: فقل لمن يدعي في العلم معرفة علمت شيئاً وغابت عنك أشياء ما جئتكم بجديد، لكن جئنا بذكرى لأنفسنا ولكم حتى نعلم ونطبق والله عز وجل يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا} [النساء:66] إذا نحن طبقنا ما نسمع في خطب الجمعة وفي المحاضرات وفي الندوات، وفي إذاعات القرآن الكريم، وفي المناسبات النافعة: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:66 - 68] أربع ثمار وفوائد عظيمة تكفل الله بها لمن جعل نيته فيما يسمع أن يعمل ويطبق، أما السماع للثقافة، السماع للمناظرة، السماع للنقد، السماع للتشفي، السماع للتمحل والتأويل، السماع لأغراض أخرى، هذا يضر صاحبه ولا ينفعه بأي حالٍ من الأحوال. أيها الأحبة ختاماً: أود أن أؤكد على ضرورة الالتفات لإخواننا في البوسنة والهرسك، فلا يخفاكم معاناتهم وحاجتهم إلى الدعم والبذل والمساعدة، ولعل الشيخ قد جعل على الباب الشمالي من يجمع التبرعات التي تجود بها أنفسكم وستصرف للهيئة العليا التي بدورها على أتم حرصٍ وعناية فيما أشهد وأعلم واطلعت على ذلك لإيصالها لإخواننا المحتاجين في البوسنة، فالله الله يا إخواني {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14 - 15] صدقة وذكر وعبادة، نسأل الله أن يجعلها كفارة لذنوبنا ورفعة لدرجاتنا ورحمة لنا ولوالدينا. اللهم أعز الإسلام والمسلم ودمر أعداء الدين، اللهم اجمع شملنا وحكامنا وعلماءنا ودعاتنا، اللهم لا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم ثبتنا على دينك واستعملنا في طاعتك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الماضي والمستقبل

الماضي والمستقبل المؤمن تراه دائماً يحاسب نفسه، فإذا مضى عليه يوم أو أسبوع أو شهر رأيته يحاسب نفسه على هذه الساعات التي انقضت، والتي تعتبر شيئاً من عمره، فيحاسب نفسه: ماذا فعلتُ من خير في هذه الأيام؟ ما هي الذنوب التي اقترفتها؟ مما يدعوه لعمل الخير فيما يأتي من عمره، وفي هذه المادة ما ينشطك لذلك، فطالعها.

الموقف الأرشد تجاه العمر

الموقف الأرشد تجاه العمر إن الحمد لله؛ نحمده ونستعنيه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إني لأقف في هذا المقام خجلاً بين أيديكم مع أن في القوم من هو أمثل وأخير وأعلم مني، ولكن المحبة في الله جمعت بيننا في هذا المكان، بين متكلم وسامع، ومستفيد ومتذكر، لعل الله عز وجل أن يجعل هذا الكلام عوناً لنا على طاعته، وحجة لنا لا علينا بمنّه وكرمه. أيها الأحبة: الحديث اليوم عن الماضي وعن المستقبل، وله مناسبة وهي أننا قبل أيام ودعنا عاماً كاملاً بأشهره ولياليه وساعاته، وما مر فيه شاهد لنا أو علينا، كلما أُحدث في هذا العام على وجه الأرض، وفي كل مكان من هذه الدنيا، فإنه في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسى. أيها الأحبة الماضي والمستقبل هو العصر والليل والنهار، الماضي والمستقبل هو الضحى والصباح والمساء، هو الأيام والشهور والسنون والأعوام: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:1 - 2] {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:17] {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [التوبة:36] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190]. هذا هو الماضي، وهذا هو الحاضر، وهذا هو المستقبل، لا نتحدث عن كوكب غريب، ولا عن عالم عجيب، إنما هي أيامنا وساعاتنا التي تمر على أعمارنا، لتقضى فيها مقاديرنا وآجالنا وأعمالنا، وإن أقواماً لا يدركون قيمة الحاضر، ولأجل ذا لا يأسفون على ما مضى، ولا يستعدون لما بقي، لقد اشتغل أقوام بالحسرات على ما مضى، تحسروا دون أن يحدثوا توبة وندماً واستغفاراً ورجوعاً إلى الله عز وجل، وإن أقواماً يخافون من المستقبل دون أن يستعدوا لهذا المستقبل. إن الحزن على الماضي والخوف على المستقبل ما لم يكن لأجل الإعداد والاستعداد بالعمل الصالح فهو ضرب من الوسوسة، وهو ضرب من الأمراض النفسية؛ لأن الذين يخافون من المستقبل، ويحزنون على الماضي، إما أن يكون حزنهم وخوفهم مملوءاً عبقاً، باستعدادٍ لهذا المستقبل بالعمل الصالح، وندماً على ما فرطوا في جنب الله عز وجل، وحرصاً على أن يجعلوا مكان السيئة حسنات، وحرصاً على أن يجعلوا هذه الحسنات ماحية للسيئات، فأولئك حزنهم على ما مضى محمود، وخوفهم على المستقبل ممدوح. أما الذين يحزنون ويخافون من غير إعداد ولا استعداد، فذاك ضرب من الوسوسة والجنون. ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كلام جميل معناه يدور حول ما نملكه للماضي وللمستقبل، قال في الفوائد: هلمّ إلى الدخول على الله، هلمّ إلى مجاورة رب العباد في دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء، بل من أقرب الطرق وأسهلها، وذلك أنك في وقت بين وقتين، وهو في الحقيقة عمرك، وهو وقتك الحاضر، بين ما مضى وبين المستقبل. فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار، وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة، إنما هو عمل قلب، وتمتنع فيما تستقبل من الذنوب، وامتناعك ترك وراحة، وليس هذا الامتناع عملاً بالجوارح يشق عليك معاناته، وإنما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك، فالذي مضى تصلحه بالتوبة، وما تستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية، وليس للجوارح فيما مضى، ولا للمستقبل نصب ولا تعب، ولكن الشأن كل الشأن في عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين، بين الماضي وبين المستقبل.

اشتغل بالساعة التي أنت فيها

اشتغل بالساعة التي أنت فيها إن الساعة التي نجلس الآن فيها هي ساعة بين ساعات مضت، وبين ساعات قادمة، فما مضى لا نستطيع أن نفعل فيه شيئاً إلا ما قدمنا، إن كان خيراً سألنا ربنا الثبات عليه، وإن كان تفريطاً استغفرنا وندمنا، وأما المستقبل فلا نملكه، وليس بأيدينا أي شيء منه، يقول ابن القيم رحمه الله: الشأن في عمرك هو وقتك الذي بين الوقتين، بين الماضي والمستقبل، فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك، وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكر، نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم. وحفظ الوقت الحالي أشق من إصلاح ما قبله وما بعده، فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها، وأنفع لها، وأعظم تحصيناً لسعادتها، وفي هذا يتفاوت الناس تفاوتاً عظيماً، فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك. ثم يقول رحمه الله رحمة واسعة ما معناه: إن الصبر عن المعصية والصبر على الطاعة في اللحظة التي تعيشها الآن لهي أهون بإذن الله من ندم على معصية فيما مضى، وأهون من خوف ووجل وقلق وهم على معصية تهم بها أو تخطط لفعلها. قال الغزالي: إن الساعات ثلاث: ساعة مضت لا تعب فيها على العبد كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية، وساعة مستقبلة لما تأت بعد، لا يدري العبد أيعيش إليها أم لا، وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد العبد فيها نفسه، فإن لم تأتِ الساعة الثانية، لم يتحسر على فوات الساعة الحاضرة، وإن أتته الساعة الثانية استوفى حقه منها كما استوفى من الأولى. ومن كلام ابن القيم أيضاً: إن دأب العبد واجتهاده في ساعته ولحظاته في طاعة الله عز وجل، وصبره عن معصيته، واجتهاده في مرضاته، تمر به الأيام بعد، ثم ينسى تعب الطاعة، ويبقى الأجر والثواب، وأما أهل المعصية فمهما تفننوا وفعلوا واجترحوا وأجرموا من الذنوب والمعاصي، فإن لذاتهم الموهومة قد مضت وانقضت وولت، ونسوا تلك اللذة، وبقي إثمها ووزرها وشؤمها. يقول الحسن البصري رحمه الله عن الدنيا: إنها ثلاثة أيام: أما أمس فقد ذهب بما فيه، وأما الغد فلعلك لا تدركه، وأما اليوم فهو الذي لك أن تعمل فيه، إنك أيها المسلم بين مخافتين: بين ماض لا تدري ما الله قاض فيه، وبين مستقبل لا تدري ما الله صانع فيه، فاستعن بالله ولا تعجز، وإن من جهل قيمة الوقت، وتهاون بوقته وزمنه وعمره، والله ليأتين عليه موقفان وسيعرف حينئذ أنه قد ضيع، وفرط في أمر ثمين. إن كثيراً من الناس لا يعرفون قيمة الماضي والحاضر والمستقبل، ولكنهم سيعرفونها أتم المعرفة، ويدركونها أوفى الإدراك، وذلك ساعة الاحتضار إذا استدبر العبد الدنيا واستقبل الآخرة، يتمنى أن يمنح ولو ساعة من الزمان، يتمنى أن يؤخر إلى أجل قريب ليصلح ما أفسده، وليتدارك ما فاته: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100] {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:10 - 11]. فالساعة الأولى التي سينقلب كل غبي بالوقت إلى ذكي، وكل جاهل بالوقت إلى عالم، وكل مفرط في الوقت إلى حريص، الساعة الأولى التي سيتحول فيها المفرط إلى حريص على وقته هي ساعة الموت، ولكن لا ينفع الندم ولات حين مندم، وأما الساعة الثانية، والموقف الثاني فذاك في الآخرة، يوم توفى كل نفس ما عملت، وتجزى بما كسبت، ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هناك يتمنى أهل النار أن يعودوا ولو مرة واحدة إلى حياة التكليف، ليبدءوا عملاً جديداً صالحا: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12] ويقول عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر:36 - 37] ألم تعيشوا ثلاثين وأربعين وخمسين وسبعين وثمانين: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37] وفسر النذير في بعض الآيات بالشيب. هيهات هيهات! يطلبون أمراً في زمن قد مضى، ويتمنون الخروج من دار هم يجنون ما زرعوا، ويحصدون ما بذروا. اغتنم ركعتين زلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحا وإذا ما هممت بالقول في الباطل فاجعل مكانه تسبيحا

الوقت ومحافظة السلف عليه

الوقت ومحافظة السلف عليه قال ابن هبيرة صاحب الإفصاح رحمه الله: والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يضيع كان عمرو بن دينار قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء، فجزء يدرس فيه الحديث، وجزء ينام فيه، وجزء لصلاته وتهجده، والحال اليوم قد تبدلت، والأمور قد تغيرت، إن في الليل لسهراً، وإن في الليل لجهداً، وإن في الليل لعملاً، ولكن عمل على ما يضيع هذه الحسنات، وجهد فيما يفوت الصالحات، وسعي لأجل دنيا فانية، ولأجل حطام حقير، أما الآخرة فلا ينظر إليها بعين، ولا يرمى لها بسهم إلا من عباده من الأقلين، وما أقلهم: وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل كان الشافعي رحمه الله يجزئ الليل ثلاثة أجزاء: جزء يكتب فيه، وجزء يتهجد فيه، وجزء ينام فيه، أما ليل شبابنا وليلنا وليل كثير من الناس، بل وليل بعض الصالحين هدانا الله وإياهم، فسهر طويل في القيل والقال، والحال والمآل، والكلام عن أحوال أقوام منهم من مضى ومنهم من بقي، وأقوام لا نسأل عنهم يوم القيامة ألبتة، فلا نلبث إلا أن ندرك أن منتصف الليل قد أدركنا، ثم نقوم إلى بيوتنا كسالى، ونأوي إلى فرشنا ضعافاً، الواحد ينقر الوتر نقراً، هذا إن كان فيه بقية من عزم على صلاة الوتر، ثم ينام متأخراً ليدرك ركعة أو ركعتين من الفجر، وربما فاتته صلاة الفجر، بسبب ماذا؟ بفيروس الوقت وهو ضياعه، وهو سهر فيما لا ينفع، وإنها من الأمراض التي يشكو منها كثير من الناس في هذا الزمان. إنك تلاحظ ضغطاً اجتماعياً غريباً عجيباً على الناس، إذا اعتذر أحدهم عن موعد أو مناسبة بعد العشاء، فربما قال له بعضهم: وهل أنت من العجائز؟! وهل أنت من الشيوخ والكهول حتى تنام بعد العشاء؟! بمعنى: لم لا تسهر؟ لم لا تبقى؟ لم لا تجلس؟ حتى يمضي من الليل أكثره، ثم عد إلى فراشك ضعيفاً هزيلاً كسلاناً، حتى تضيع الفجر أو تضيع تكبيرة الإحرام. قال أبو سليمان الداراني: لو لم يبك العاقل فيما بقي من عمره إلا على تفويت ما مضى منه في غير طاعة لكان خليقاً أن يحزنه ذلك إلى الممات، فكيف بمن يستقبل ما بقي من عمره بمثل ما مضى من جهله؟! وقال ابن عبد القدوس في قصيدته الزينبية: صرمت حبالك بعد وصلك زينب والدهر فيه تصرم وتقلب فدع الصبا فلقد عداك زمانه وازهد فعمرك مر منه الأطيب ذهب الشباب فما له من عودة وأتى المشيب فأين منه المهرب ضيف ألمّ إليك لم تحفل به فترى له أسفاً ودمعاً يسكب دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب واخش مناقشة الحساب فإنه لا بد يحصى ما جنيت ويكتب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب كانت سمات أهل العلم وأهل الآخرة، والسلف الصالح المحافظة على الوقت؛ لأن المحافظة على الأوقات من علامات ذوي الهمم القوية العالية، قال حماد بن سلمة: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً، وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه متوضئاً تالياً، أو عائداً مريضاً، أو مشيعاً لجنازة، أو منتظراً لصلاة، قال: فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله عز وجل، كنا نرى أنه لا يعرف كيف يذنب ويعصي، ويرتكب جريمة أو فاحشة أو منكراً أو معصية. أما اليوم فكثير من الناس تجده وقت الصلاة نائماً، ووقت الجد والعلم لاهياً، ووقت الغنيمة غافلاً ساهراً على لهو أو فيلم أو أغنية أو ملهاة، وما أكثر ما يضيع من الخيرات والثواب والحسنات من أوقاتنا وأعمالنا! كان الحسن يقول: [ما مر يوم على ابن آدم إلا قال له: يا ابن آدم! أنا يوم جديد، وعلى ما تعمل فيّ شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخر ما شئت فلن يعود أبداً إليك]. وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة، فإن في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة). فكم نضيع -يا عباد الله- من نخلات ومن غراس في جنات النعيم؟! ومن عجب الأيام أنك جالس على الأرض في الدنيا وأنت تسير فسيرك يا هذا كسير سفينة بقوم جلوس والقلوب تطير الإنسان العاقل يحرص على اغتنام عمره إلى النفس الأخير من حياته، قال عيسى بن الهذيل: يا ابن آدم! ليس لما بقي من عمرك ثمن، وهو قريب المعنى من قول سعيد بن جبير: إن بقاء المسلم كل يوم غنيمة لأداء الفريضة والصلاة، وما يرزقه الله ويفتح الله عليه من ذكره، وللنظر إلى اللحظات الأخيرة، والبقية الباقية من عمر الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري المتوفى سنة مائة واثنين وثمانين، الذي كان يعرف بأنه كبير القضاة في زمنه، قال القاضي إبراهيم بن الجراح: مرض أبو يوسف فأتيت أعوده، فوجدته مغمى عليه، فلما أفاق أبو يوسف، قال للقاضي إبراهيم: يا إبراهيم ما تقول في مسألة كذا؟ قلت: في هذه الحالة -أي: مسألة فقهية وبحث ونقاش وحوار وفائدة، وأنت في هذه الحالة من الإغماء أو في سكرات الموت- قلت: في هذه الحالة؟! قال: لا بأس بذلك، لعله ينجو به ناج. ثم قال أبو يوسف: يا إبراهيم! أيهما أفضل في رمي الجمار -أي: في مناسك الحج- أن يرميها ماشياً أو راكباً؟ فقلت: راكباً، قال: أخطأت، قلت: ماشياً، قال: أخطأت، قلت: قل فيها يرضى الله عنك، قال: أمّا ما كان من الجمار يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه ماشياً، وأما ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكباً، ثم قمت من عنده، فما بلغت داري، حتى سمعت الصراخ عليه، وإذا هو قد مات رحمه الله. أما الإمام شيخ المفسرين والمؤرخين ابن جرير الطبري رحمه الله، فقد كان على فراش الموت وكان قد سمع دعاءً عن جعفر بن محمد، فاستدعى محبرة وصحيفة، فكتب الدعاء، فقيل له: يا ابن جرير! أفي هذه الحال؟! فقال: ينبغي للإنسان ألا يدع اقتباس العلم حتى الموت. وعن نعيم بن حماد قال: قيل لـ ابن المبارك: إلى متى تطلب العلم؟ قال: حتى الممات إن شاء الله. بقية العمر عندي ما لها ثمن وإن غداً ليس محسوباً من الزمن يستدرك المرء فيها كل فائتة من الزمان ويمحو السوء بالحسن

المسارعة في الخيرات قبل فوات الأوان

المسارعة في الخيرات قبل فوات الأوان أيها الأحبة: إن ما بقي من أعمارنا فيه خير كثير بإذن الله، إن أحسنا النية، وصدقنا العزيمة في طاعة الله عز وجل، ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الواحد منا أن يتمنى الموت لضر نزل به، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، إنه إن مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً) رواه مسلم، وقوله: (وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً) قال في هذا ابن حجر: وفيه إشارة إلى أن المعنى في النهي عن تمني الموت أو الدعاء بالموت؛ لأن فيه انقطاع العمل بالموت، فإن الحياة سبب العمل، والعمل يحصّل به العبد زيادة الثواب، ولو لم يكن فيما بقي من العمر إلا زيادة التوحيد، فهو أفضل الأعمال. ولنستمع لوصية محمد بن يوسف حيث قال: إن استطعت ألا يكون شيء أهم إليك من ساعتك فافعل، فاغتنم هذا العمر قبل فراق الحياة، واغتنم هذا العمر قبل فراق العافية، واغتنم هذا العمر قبل فراق الأمن. يا رافلاً في الشباب الرحب منتشياً من كأسه هل أصاب الرشد نشوان لا تغترر بشبابٍ رائقٍ نضرٍ فكم تقدم قبل الشيب شبَّان ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم يكن لمثلك في اللذات إمعان هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها ما عذر أشيب يستهويه شيطان كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ويحك يا يزيد من الذي يصلي عنك بعد موتك؟! من الذين يصوم عنك بعد موتك؟! من الذي يرضي ربك بعد موتك؟! ثم يقول: أيها الناس! ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم بقية حياتكم، ويا من الموت موعده، والقبر بيته، والثرى فراشه، والدود أنيسه، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر كيف يكون حاله؟! وأما الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه، فقد قام عند الكعبة ذات يوم، فقال: يا أيها الناس! أنا جندب الغفاري -هلمّ إلى الأخ الناصح الشفيق- فاكتنفه الناس، فقال: أرأيتم لو أن أحداً أراد سفراً أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه، قالوا: بلى، قال: فسفر يوم القيامة أبعد ما تريدون، فخذوا منه ما يصلحكم، قالوا: وما يصلحنا؟ قال: حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يوماً شديداً حره لطول يوم النشور. وهنا أقول لإخواني: صوموا يوم تاسوعاء ويوم عاشوراء، واقتدوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم، واغتنموا الأجر، فإن فيه من تكفير الذنوب ما الله به عليم. قالوا لـ أبي ذر: وما يصلحنا؟ قال: حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يوماً شديداً حره لطول يوم النشور، صلوا ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها، أو كلمة سوء تسكت عنها لموقف يوم عظيم، تصدق بمالك لعلك تنجو من غيرها، اجعل الدنيا مجلسين، مجلس في طلب الآخرة، ومجلس في طلب الحلال، والثالث يضرك ولا ينفعك فلا ترده، اجعل المال درهمين، درهم تنفقه على عيالك من حله، ودرهم تقدمه لآخرتك، والثالث يضرك ولا ينفعك فتجنبه. ثم نادى بأعلى صوته، يا أيها الناس! قد قتلكم حرص لا تدركونه أبداً، وإننا لنقول لكل من فتح الله عليه بشيء من المال: لماذا تسوف بالإنفاق والبذل والصدقات؟ فتقول: إذا مت فأخرجوا من تركتي، وافعلوا بها كذا وكذا. نعم إن الوصية فيها خير ونفع، والوقف على أمور الخير فيه خير، ولكن من الخير -أيضا- أن تعجّل بما تحرص على بذله وفعله، ما الذي يضيرك لو أن المسجد الذي أوصيت ببنائه من تركتك بعد موتك أن يبنى الآن وأنت حي، فتصلي فيه وتتابعه وتعتني به؟ ما الذي يضيرك أن الدعاة الذين أوصيت أن يكفلوا من تركتك بعد موتك أن تكفلهم وأنت حي؟ ما الذي يضيرك أن الغزاة الذين يجهزون بوصيتك من تركتك بعد موتك أن يجهزوا وأنت حي؟ ما الذي يضيرك في هذه الكتب التي أوصيت أن تطبع من تركتك بعد موتك أن تطبع وأنت حي؟ إذا كان عندك مصنع، وتملك أن تجعله يشتغل من الآن، وينتج من الآن، فلماذا تؤخر الإنتاج إلى ما بعد الموت؟ إن كل من صلى واعتكف في مسجد أنت تبنيه، أو استفاد من داعية أنت كفلته، فلك أجره إلى أن تلقى الله عز وجل، فلماذا تسوف؟ وتقول: إذا أنا مت فافعلوا كذا وكذا؟

محاسبة النفس تعين على فعل الخير

محاسبة النفس تعين على فعل الخير {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] هذه إشارة إلى محاسبة النفس، أخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]]. كم من شريك جلس وحده ربما أحسن الظن بشريكه أو أساء الظن؟ وكم من شريك أخذ بتلابيب شريكه يحاسبه عن الدرهم والدينار والهللة والريال؟ فيا من عملك جنايته عليك ونفعه لك، هل جلست لتحاسب نفسك؟ هل حاسبت نفسك في أعمالك؟ قال مالك بن دينار: رحم الله عبداً قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم خطمها وألزمها كتاب الله، فكان لها قائداً، فحق على العبد المؤمن الحازم، ألا يدع محاسبة نفسه. تمر الليالي والحوادث تنقضي كأضغاث أحلام ونحن رقود وأعجب منها أنها كل ساعة تجد بنا سيراً ونحن قعود الذي يجب علينا في ساعتنا ولحظتنا، وكل حال من أحوالنا ألا نضيع الزمن حزناً على ما مضى، أو خوفاً على ما بقي، بل الواجب أن نجتهد في الساعة؛ لأن الساعة هذه هي قبل حصولها كانت مستقبلاً، وبعد مرورها تصير ماضياً، فإن اجتهدت فيها فإنك قد أخذت بزمام أمرك، وتحكمت في حسنات من عمرك بإذن الله، فالواجب عليك التوبة والرجوع إلى الله، والعودة إلى ما يرضي الله.

المبادرة بالتوبة مسارعة في الخيرات

المبادرة بالتوبة مسارعة في الخيرات يظن كثير من الناس أن التوبة واجب من الواجبات الموسعة على التراخي، وليست على الفور، وهذا من الجهل، إذ أن التوبة أمر واجب، لا تسوف التوبة إلى عام هجري جديد، أو إلى حج قادم، أو إلى ما بعد الزواج، أو إلى ما بعد بناء البيت، أو إلى ما بعد كذا، فإن كثيراً من الناس لا يزالون يسوفون والموت أقرب من تسويفهم هذا، قال عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. فتأجيل التوبة إصرار، فإن كنت من المتقين، أو من الذين يراد بهم الخير، فلا تصر على ذنب، ولا تأخر التوبة، وبادر بالرجوع والإنابة، قال صلى الله عليه وسلم: (ويل للمصرين على ما فعلوا وهم يعلمون). يا أحبابنا! هل يؤتى الناس اليوم من جهلهم بالحلال والحرام؟! أترى كثيراً من الذين يرتكبون المعاصي، ويقترفون السيئات، ويتلبسون بالشهوات والفواحش والآثام والمنكرات، أتراهم يفعلونها جهلاً بأنها حرام؟ أو جهلاً بأنها لا تجوز؟ أو جهلاً بأنها تسخط الله؟ أو جهلاً بأنها تخالف أمر رسول الله؟! A لا. لكنه الإصرار، فهل ترضى أن تكون مصراً على عناد أمر الله؟! هل ترضى أن تكون مصراً على عناد أمر رسول الله؟! فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم دائرة، فليحذر هؤلاء المصرون أن تقع بهم مصيبة أو تنزل بهم نازلة على إصرارهم وعنادهم. المسوف يقول: أتوب غداً، أتوب بعد غد، قال سهل بن عبد الله: وهذه دعوى النفس، وكيف يتوب عبدٌ غداً، وغداً لا يملكه؟ كيف تقول: أتوب غداً، وأنت في الغد لا تدرى هل أنت في مغسلة الموت، أم في غرفة الإنعاش، أم في ظلمات المقابر، أم في حال أنت لا تدري بها؟ إن الإنسان لا يعطي إلا مما يملك، فإن كنت تملك الغد فأعط فيه توبة، لكنك لا تملك الغد، بل أنت لا تدري أي نَفَس تدره، وأي نفس تجذبه. إذاً الذي جعل كثيراً من الناس يسوفون أمر التوبة هو الاستغناء، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7] لما استغنوا بالمال والمنصب والجاه أصابهم الطغيان، ولو علموا أن العافية عارية ومردها إلى المرض، وأن الصحة عارية ومردها إلى السقم، وأن العمر عارية ومرده إلى الموت، وأن الجاه والمنصب عارية ومرده إلى الزوال أو العزل أو البعد عنه، فحينئذٍ يعلم العبد ما الذي يضره وما الذي ينفعه. إن من الناس من يعلق توبته بأمر، ودون هذا الأمر أمور، ودون كل أمر أمر، وهذا ملاحظ عند كثير من المتذبذبين الذين لا يملكون الإرادة، ولا يملكون زمام أنفسهم، والمسوف المسكين يتصور أن يكون للخائض في الدنيا فراغ، وهيهات فما يفرغ من الدنيا إلا من اطّرحها. فما قضى أحد منها لبانته وما انتهى أرب إلا إلى أرب قال ابن رجب رحمه الله: واعلم أن الإنسان ما دام يأمن الموت، فإنه لا يقطع أمله من الدنيا، وقد لا تسمح نفسه بالإقلاع عن لذاتها وشهواتها من المعاصي وغيرها، ويرجّه الشيطان بالتوبة في آخر عمره، فإذا تيقن الموت، وأيس من الحياة أفاق من سكرته بشهوات الدنيا، فندم حينئذٍ على تفريطه ندامة يكاد يقتل نفسه، وطلب الرجعة إلى الدنيا ليتوب وليعمل صالحاً، فلا يجاب إلى شيء من ذلك، فتجتمع عليه سكرات الموت، وحسرات الفوت، وقد حذر الله عباده من ذلك في كتابه، ليستعدوا للموت قبل نزوله، حيث قال عز وجل: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:54 - 56]. وقد سمع بعض المحتضرين من الناس وهو يعالج سكرات الموت، يلطم وجهه ويقول: يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله! وقال آخر عندما حضرته سكرات الموت: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي، وقال آخر عند موته: لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتني، فغاية أمنية الموتى الآن وهم في قبورهم، يتمنون حياة ساعة يستدركون فيها ما فات من توبة وعمل صالح، ونحن وإياكم يا أهل الدنيا نفرط في الحياة، فتذهب الأعمار بالغفلة، ومنا من يقطعها بالمعصية، قال بعض السلف: أصبحتم في أمنية أناس كثير، أي: أن الموتى كلهم يتمنون حياة ساعة، ليتوبوا فيها، ويجتهدوا في الطاعة، ولا سبيل إلى ذلك. قال ابن القيم رحمه الله فيما نظم من نظمه: شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب وضاع وقتك بين اللهو واللعب وشمس عمرك قد حان الغروب لها والفيء في الأفق الشرقي لم يغب وفاز بالوصل من قد جد وانقشعت عن أفقه ظلمات الليل والسحب كم ذا التخلف والدنيا قد ارتحلت ورسل ربك قد وافتك في الطلب فيا أحبابنا! اسألوا أنفسكم كيف مضى وقت الصحابة، وكيف مضى وقت التابعين؟ لقد مر عليهم المغرب والعشاء، والليل والنهار، والظهر والعصر والضحى، والإصباح والمساء، لقد مر عليهم ذلك فكانوا يكابدون الأيام ويجاهدونها، كان السلف يعتبرون اليوم معركة ساخنة حامية، إذا استطاع الواحد منهم أن ينتصر في يومه ذاك، انتهى من يوم مضى وانطوى، واستعد لمعركة يوم جديد، فكم من يوم مضى صرعنا فيه بغفلة؟! وكم من يوم يمر علينا نصرع فيه بالتسويف والإعداد لما لا نسأل عنه، والتفريط فيما نحاسب عليه؟!

قصر الأمل وأهميته في تدارك الأوقات

قصر الأمل وأهميته في تدارك الأوقات إن قصر الأمل في الدنيا مما يعين على تدارك الأوقات بإذن الله، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) رواه البخاري، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (مالي وللدنيا؛ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها) رواه الإمام أحمد والترمذي وغيره، وقال علي بن أبي طالب: [إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصدكم عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل] رواه البخاري تعليقاً، ووصله ابن أبي شيبة في المصنف، ورواه ابن المبارك في الزهد. قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم تحت حديث ابن عمر: (كن في الدنيا كأنك غريب) قال: وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة وليست له وطناً، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على واحد من حالين: إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد الغربة، همه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير مقيم ألبتة، بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة، فلهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يكون في الدنيا على واحدٍ من هذين الحالين. تأملوا أحوال كثير من الناس، هل بنوا لأنفسهم في الآخرة شيئاً؟ هل أعدوا لأنفسهم في الآخرة شيئاً يرجونه؟ ربما تجد كثيراً من الخلق قد بنوا لأنفسهم في هذه الدنيا قصوراً ودوراً ومزارعاً وضيعات وبساتين، ولكنهم ضيعوا أنفسهم في دار الخلود الأبدي السرمدي، قال ابن القيم: فحيا على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلّم وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطَّت به أوطاره فهو مغرم وأي اغتراب فوق غربتنا التي لها أضحت الأعداء فينا تحكم قال الحسن: اجتمع ثلاثة من العلماء، فقالوا لأحدهم: ما أملك؟ قال: ما أتى علي شهرٌ إلا ظننت أنني أموت في هذا الشهر، فقال صاحباه: إن هذا لأمل طويل، فقال للآخر: فما أملك؟ قال: ما تمر علي جمعة إلا وظننت أني أموت فيها، فقال: إن أملك لطويل، فقيل للأخير: ما أملك؟ قال: ما أمل من نفسه في يد غيره؟! رواه ابن المبارك في الزهد. نعم أيها الأحبة: هل منا من كتب الآن وصيته تحت وسادة رأسه؟ هل منا من تخيل أنه يلبس ثوباً فلا يخلعه؟ ويدخل داراً لا يخرج منها؟ ويركب دابة لا ينزل عنها؟ هل منا من يتخيل أن الموت قد يفاجئه في أي لحظة؟ الواقع -أيها الأحبة- أننا لا نفكر بهذا أبداً، بل ربما نسمع المواعظ، ونتكلم بالمواعظ، وقلوب تعرف، وألسنة تصف، ولكن الأفعال تخالف، القليل من يستعد لهذا، وأكبر دليل أن الكثير منا عنده من الذنوب ما لم يتب منها، وعليه من الحقوق ما لم يردها، وعنده من التفريط ما لا يصلح به حاله. فكيف -يا أخي الكريم- تعد نفسك من الأخيار، وتعد نفسك من أهل الآخرة، وأنت لا تزال متعلقاً متشبثاً بهذه الدنيا، وعن الآخرة معرضاً؟ كان أويس القرني إذا قيل له: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل إن أمسى ظن أنه لا يصبح، وإن أصبح ظن أنه لا يمسي، فيبشر بالجنة أو بالنار، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان، حب المال وطول العمر) رواه البخاري. وفي الأمل سر لطيف؛ لأنه لولا الأمل ما تهنّا أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا، إنما المذموم الإسراف والاستغفال في طول الأمل، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك فهو على خير، قال ابن الجوزي: الأمل مذموم للناس إلا العلماء، فلولا أملهم لما صنفوا وما ألفوا. إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران في العمل قال ابن مسعود رضي الله عنه: [ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أملي ولم يزد فيه عملي]. أيها الأحبة: المبادرة المبادرة! عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمساً قبل خمس، حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) رواه الحاكم وصححه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) رواه الإمام البخاري رحمه الله. أيها الأحبة في الله: كم يمضي ويمر علينا من الأيام والشهور والأعوام، والواحد قبل خمس سنوات أو أكثر قد عزم على أن يفعل كذا ولم يفعل، عزم على أن يقلع عن كذا ولم يقلع، وحرص على أن يرد لصاحبه كذا وكذا فلم يرد. فإلى متى؟ وحتى متى؟ خل ادكار الأربع والمنزل المرتبع والضاعن المودع وعد عنه ودع واندب زماناً سلفا سودت فيه الصحفا ولم تزل معتكفاً على القبيح الشنع إلام تسهو وتني ومعظم العمر فني فيما يضر المقتني ولست بالمرتدع يا أحبابنا! ويا إخواننا! إذا رأينا جنازة، فهل تخيلنا أننا ذات يوم على مثلها نحمل؟ وإذا رأينا نعشاً هل نتخيل أننا على مثله نغسل؟ وإذا رأينا عجوزاً قد احدودب ظهره وابيض عارضاه، وقد ذبل خداه، وضمر جنبه من الضعف والسقم، هل تخيلت نفسك يا بن العشرين والثلاثين والأربعين؟! هل تخيلت إن غفل عنك الموت، أو إن أخرتك المنية؟! هل تخيلت نفسك وأنت تدب على عصا قد احدودب ظهرك؟ الله المستعان! انظر إلى أقوام قد جمعوا وجمعوا، ثم أصبحوا ينظرون إلى دنيا ما استطاعوا أن يتلذذوا منها بشيء في أي حال من الأحوال، فو الله -أيها الأحبة- إن هذه الدنيا ليست بشيء، والعاقل من تأمل فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول ابن آدم: مالي مالي، وليس لك من مالك إلا ما لبست فأبليت، أو أكلت فأفنيت، أو تصدقت فأمضيت). مضى أمسك الماضي شهيداً معدلاً وأعقبه يوم عليك جديد فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثنِّ بإحسان وأنت حميد فيومك إن أعتبته عاد نفعه عليك وماضي الأمس ليس يعود ولا تُرجِ فعل الخير يوماً إلى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيد فيا أحبابنا! إنها نصيحة ونحن في استقبال عام جديد، أن ننتبه ونستعد، وألا يكون مغيب الشمس أمراً عادياً، إن الذي تصارعه نفسه إذا غابت الشمس وقف وقفة حرقة كيف غاب الشفق؟! وهل أدركتُ من هذا اليوم أمراً جليلاً في مرضاة الله عز وجل؟ إذا صلى الجمعة وغابت آخر ساعة من يوم الجمعة، وهو جالس في مصلاه يتحرى ساعة الإجابة، وقلبه يتحرك كيف مضى من عمره أسبوع، وهل قضى فيه شيئاً يرضي الله عز وجل؟ إذا هل هلال شهر ليعلن شهراً منصرماً ماضياً، ويعلن شهراً جديداً قادماً، تحرك قلبه كيف مضى الشهر؟ أليست هذه المفكرة تنزع منها كل يوم ورقة، كأنها ورقة تنزع من عمرك، وكأنها صفحة تنزع من عمرك، وكأنها مرحلة تنزع من عمرك؟ إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل أسأل الله عز وجل أن يجعلنا في ختام هذا العام المنصرم ممن ختم له بالتوبة والمغفرة والرجوع والإنابة، فنسأله عز وجل أن يجعلنا ممن استعد لهذا العام القادم بنية صالحة، فإن من الناس من استعد بالمعصية، واستعد بالسفر للخارج، واستعد أن يفعل كذا وأن يعصي الله بكذا، وأن يمشي إلى الحرام، وأن ينفق في الحرام، وأن يفعل الحرام، ومن الناس من استعد لحفظ كتاب الله وسنة نبيه، والدعوة إلى سبيله، والسعي في مرضاته، والشفاعة لحاجات خلقه، والسعي فيما يرضي مولاه عز وجل عنه. فالعاقل من استعد بخير، والجاهل من استعد بشر، وكلٌ سيدرك ما أمّل، والله عز وجل يقول: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني) فاستعدوا بخير، وظنوا بالله خيراً، أسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يهدي ولاة أمورنا، وأن يجمع شملنا وحكامنا ودعاتنا وعلماءنا، وألا يفرح علينا عدواً، وألا يشمت بنا حاسداً، اللهم أصلح أحوالنا واهد شبابنا واستر نساءنا، اللهم من أراد بالشباب والنساء فتنةً وضلالة واختلاطاً، اللهم من أراد بالعلماء مكيدة، وأراد بالولاة فتنة، اللهم اكفناه بما شئت، إنك أنت السميع العليم يا رب العالمين. أقول قولي هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

المصرون على الهلاك

المصرون على الهلاك يتحدث الشيخ عن رحمة الله لخلقه، وعن حكمته في أوامره ونواهيه، ثم يضرب أمثالاً لرحمة الله وحكمته في خلقه، وبعد ذلك ينتقل إلى ذكر أسباب هلاك المجتمعات والأمم بعقاب من الله جل وعلا، فمن أسباب الهلاك التي تكلم عنها الشيخ: الإصرار على الذنوب؛ وجود أئمة في الضلال، كراهية صلاح الناس؛ عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلخ.

فضل حلق الذكر

فضل حلق الذكر الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجه ربنا وعظيم سلطانه، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله حتى يرضى والشكر له إذا رضي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم القيامة، نشهد أن لا إله إلا الله ولا رب ولا معبود بحقٍ سواه، نشهد أن الذي خلقنا هو الله، وأن الذي أحيانا ويميتنا ويبعثنا ويحشرنا وينشرنا هو الله، نشهد أن الذي يرزقنا ويمنعنا ويقبض رزقنا ويبسط في حظنا هو الله جل وعلا. نشهد أنه المتصرف المالك المدبر المحيي المميت، المعز المذل، مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك عمن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، أشهد أن لا إله إلا الله فلا سجود ولا ركوع ولا توكل ولا حلف إلا به وعليه وله، ولا يجوز صرف قليل أو كثيرٍ من ذلك لغيره: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]. أشهد أن الله له الأسماء الحسنى والصفات العلى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180] فأسماء الله حسنى بالغة في الحسن غايتها، وصفات الله جُلَّى لا يشابهه فيها أحد جل عن الشبيه والند والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. أيها الأحبة في الله: أحمد الله الذي جمعنا وإياكم وهدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله الذي منَّ على قلوبنا فأَمرَتْ جوارحنا وانقادت لحضور حلقة من حلق الذكر لا نرجو فيها إلا ثواب الله جل وعلا، أنتم تعلمون أن المكان هنا ليس فيه حظٌ من حظوظ الدنيا، لا مال نقبضه، ولا رزق تقبضونه، ولا مرتبة تنالونها، وإنما اجتمعنا ونشهد الله ربنا المطلع علينا وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور منا، نشهده أنا جئنا حباً لكم في الله وأشهد الله جل وعلا وأشهدوا ربكم على أنفسكم أن ما جاء بكم إلا ابتغاء أن تحفكم الملائكة، وتغشاكم السكينة، وتتنزل عليكم الرحمة، ويذكركم الله فيمن عنده، ففي الحديث (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خيرٍ من ملئه). أحبابنا إخواننا يا رجال التوحيد يا وجوه الإيمان يا عزة الأمة بإذن الله جل وعلا: أيسركم أن تذكروا الآن في السماء السابعة في الملأ الأعلى؟ الله أكبر! فلان بن فلان تذكره الملائكة في الملأ الأعلى في السماء السابعة، يجلس حلقة من حلق الذكر جاء إليها لا يريد ريالاً ولا درهماً ولا خميصة ولا خميلة، ولا وظيفة ولا منصباً، جاء لكي يرضى الله عنه، وفي الحديث الطويل تعرفونه وأعيده حتى نستذكر النية: (إن لله ملائكة سيارين يبتغون حلق الذكر، فإذا وجدوا نادى بعضهم بعضاً أن هلموا، فإذا اجتمعوا ناداهم ربهم علام اجتمع عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! اجتمعوا يسألونك الجنة، ويستعيذون بك من النار، فيقول الله جل وعلا: يا ملائكتي! وهل رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: لا يا رب! ما رأوها، فيقول الله: كيف لو رأوها؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد لها طلباً، فيقول الله جل وعلا: وهل رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: لا. فيقول الله جل وعلا: يا ملائكتي! كيف لو رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد منها هرباً، فيقول الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني قد غفرت لهم). هنيئاً لنا إن مشت بنا الأقدام إلى هذا المكان خالصين مخلصين لوجه الله لا نريد إلا رضا الله، هنيئاً لنا إن خلصت نياتنا لا نبتغي إلا رضا الله، إن رضي الله عنا فلا نسأل، إن رضي الله عنا فلا نبالي، إن صحت الحال بيننا وبين الله فما بيننا وبين الناس يصلح. فليتك تحلو والحياة مريرةٌ وليتك ترضى والأنام غضاب إذا صح منك الود فالكل هينٌ وكل الذي فوق التراب تراب وليت الذي بيني وبينك عامرٌ وبيني وبين العالمين خراب وفي الحديث وقول النبي أبلغ وقول الله أبلغ: (من ابتغى رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن ابتغى رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عنه الناس). اللهم اجعل لنا من كل همٍ فرجاً، اللهم اجعل لنا من كل ضيقٍ مخرجاً، اللهم اجعل لنا من كل بلاءٍ عافية، ومن كل فتنة عصمة، اللهم جئنا نبتغي خيراً من فضلك ونعمة من نعمك، اللهم فلا تردنا محرومين يا رب العالمين! اللهم لا تفرق جمعنا إلا بذنبٍ مغفور، وعيبٍ مستور، وتجارة لا تبور، اللهم لا تدع لهذه الوجوه الطيبة المباركة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً من ذكرٍ أو أنثى إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين!

رحمة الله لخلقه وحكمته فيهم

رحمة الله لخلقه وحكمته فيهم أيها الأحبة: حديثنا اليوم بعنوان: " المصرون على الهلاك " تصور أن ناراً ملتهبة وألسنتها تتطاير في السماء، وأنتم ترون مجموعة من الرجال والنساء والفتيان والفتيات كلٌ ينزع ثيابه يريد أن يدخل هذه النار ويقتحمها، وأنتم تمسكون بحجزهم، وتأخذون بأعناقهم، وتدفعونهم إلى الوراء عن النار دفعاً، وهم يقولون: ابعدوا أيها المعقدون! ابعدوا أيها المتشددون! ابعدوا أيها المطاوعة! انقلعوا، يا أيها الذين لا تفقهون! نحن نفقه، هذه ليست ناراً هذه حضارة هذه مدنية هذه جنة هذه ليست ناراً هذه تقدم وتمدن وتحضر! أولئك هم المصرون على الهلاك. المصرون على الهلاك: الظالمون الفاسقون، المصرون على المعاصي الذين لا يريدون أن يتوبوا المصرون على الهلاك الذين آذوا عباد الله، وناصبوا أولياء الله العداوة، وجعلوا وظيفتهم ومهمتهم إيذاء الصالحين من عباد الله جل وعلا، هؤلاء هم المصرون على الهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولن نستعرض اليوم كل المصرين لكن سنستعرض طائفة منهم. أيها الأحبة: ديننا عظيم! ديننا عظيم عظيم عظيم! ومادام الذي شرع الدين عظيماً فلا غرابة أن يكون الدين عظيماً، إذا شرع الدين حكيمٌ فلا عجب أن تكون الحكمة فيه، إذا شرع الدين رحيمٌ فلا غرابة أن تكون الرحمة في هذا الدين: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] إن ما ترون مِنْ شرع الله في هذا الدين في كل أمرٍ ونهي فيه من علم الله وصفاته جل وعلا حظاً ونصيباً، فرفع الحرج ودفع المشقة والتخفيف عن الناس من باب الرحمة بالعباد، والرحمة من أين جاءت؟ جاءت من الرحمن الرحيم، الذي نردد ونلهج بذكر اسمه في كل يومٍ في سبع عشرة ركعة في المفروضات: بسم الله الرحمن الرحيم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2 - 3] وأنت يوم أن يحرم عليك في الدين شيء ليقال لك: اجتنب واترك وانزجر وابتعد وجانب ولا تقرب إنما ذلك لحكمة؛ لأن الله لا يشرع بلا حكمة، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً! لأن الله لا يشرع عبثاً لأن الله لا يشرع حيفاً أو ظلماً أو جوراً، إنما يشرع الله لحكمة: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8]؟ بلى. إذاً: فإذا قال الله: افعلوا كذا، اجتنبوا كذا، فإن الله ما أمرنا بهذا الأمر تشدداً أو تزمتاً أو هوىً أو ظلماً أو جوراً، إنما ذلك لحكمة يراها الله. ما هو رأيكم -يا إخوان- لو أننا زرنا مريضاً في المستشفى ووجدناه ينتفض من البرد، ووجدنا الطبيب قد مد يده هكذا على السرير ووضع المغذي في وريده، ماذا سيكون في المغذي؟ (جلوكوز) أو (دكتروز) سكر ثنائي أو سكر أحادي على ما يقرر الأطباء مع أشياء تنفع المريض في حالة الحمى أو البرد أو انخفاض درجة الحرارة، فإذا جاء واحدٌ من الذين لا يفقهون قال: يا دكتور! لماذا لا تضع في هذا المغذي زنجبيلاً حتى يدفيه؟! هذا مريض بردان ما تراه ينتفض من البرد؟ ما رأيك لو أننا أخذنا حقنة زنجبيل وجعلناها في المغذي لأجل يستدفئ الرجل فيتصبب عرقاً!! ماذا يقول الطبيب؟ يقول: يا أحمق! وهل تفقه في الطب شيئاً؟! هل تظن أننا جعلنا هذا المغذي من هذا النوع من فصيلة هذا الدواء عبثاً، أم أننا جعلناه لحكمة يعرفها الأطباء، ويعرفون أنها حينما تسري في بدن المريض فإن حرارته تعتدل من الانخفاض إلى الاعتدال أو من الارتفاع إلى الاعتدال؟! إذاً الطبيب لا يقرر من هوى نفسه حينما يعطيك دواءاً، وإنما يقرر لحكمة يعرفها درسها في الطب أن الذي يناسب هذا المريض هذا الدواء. الطبيب حينما يكشف عليك ويقلب السماعات على صدرك -والحمد لله أن السماعات ما تخرج ما في القلوب لو أن السماعة تخرج ما يفكر به الإنسان لما ذهب أحد إلى المستشفى؛ لأن الناس في نفوسهم الشيء الكثير الكثير، ومن رحمة الله أن الله جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله غفر لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل) فحديث النفس معفو عنه، قال جل وعلا: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:284] قال الصحابة: يا رسول الله! إن كان الذي نبديه نحاسب عليه، وإن كان الذي نخفيه نحاسب عليه فقد هلكنا، فأنزل الله جل وعلا: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:184 - 286]. فإذا كان حديث النفس مما لا يقدر الإنسان على رده وكبحه، وإذا كانت خطرات الفكر مما لا يستطيع الإنسان أن يردها فحينئذٍ يعفى عن ذلك، وقال الله جل وعلا حينما دعاه المؤمنون، قال: قد فعلت قد فعلت {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة:286] وفي كلٍ يقول الله: قد فعلت قد فعلت، فالله جل وعلا لحكمة سلمنا وعافانا من حديث القلوب وما يدور في الخطرات، الحاصل أنك حينما تذهب إلى الطبيب ثم يعطيك الكبسولة الحمراء والصفراء والخضراء فإذا ذهبت إلى (الصيدلي) وأعطيته الورقة وقلت له: تفضل الطبيب كشف عليَّ وأعطاني هذا العلاج، فقام (الصيدلي) ونظر ما كتب الطبيب فأخذ كبسولاتٍ صفراء وحمراء وخضراء، لا يمكن أن يقول أحد: يا أخي! أنا هلالي أريد كبسولة زرقاء وبيضاء، أو أنا نصراوي أريد كبسولة صفراء وزرقاء! لا. القضية ليست أمزجة وهوى، المسألة مسألة حكمة، الطبيب يعرف ما يناسبك من الدواء فلا تتجاوز ذلك. إذاً: فليست هوى، أتظن أن الطبيب الذي يصرف لك من الدواء ما يناسبك ولا يتعداه إلى ما تشتهي أو تهوى، يعطيك الدواء المر وأنت تشتهي الحلو، ويحرمك هذا الحلو ويختار لك المر؟ الطبيب يفعل ذلك لحكمة، أفتظن أن الله حرم عليك شيئاً وأباح لك شيئاً لغير حكمة؟! الله أكبر! الله جل وعلا ما شرع عبثاً وما خلق عبثاً: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ} [المؤمنون:115 - 116] تعالى الله ربنا، جل تعالى وتقدست أسماؤه! ننزه ربنا أن يحرم علينا أشياء هوى، أو أن يأمرنا بأشياء مزاجاً وإنما هي لحكمة، وقد عرفنا أن الطبيب يأمرك لحكمة وينهاك عن حكمة، ويأمرك بأكل هذا الطعام وينهاك ويحجبك عن الطعام الآخر لحكمة، فإن الله أحكم الحاكمين يوم أن يأمرك وينهاك أيها العبد الفقير الذليل المسكين! يوم أن ينهاك عن الربا وعن التحاكم إلى غير شرعه، وينهاك عن الظلم، ويأمرك بالصلاة، ويأمرك على لسان نبيه بإعفاء لحيتك، ويأمرك بترك اللهو، ويأمرك بترك المعاصي، ليس ذلك عبثاً وإنما ذلك لحكمة جليلة. إذا عرفنا ذلك -أيها الأحبة! - فإن كل خصال الدين مبنية على الحكمة، والله جل وعلا لا يقدِّر عبثاً.

من رحمة الله عدم محاسبته على حديث النفس

من رحمة الله عدم محاسبته على حديث النفس الطبيب حينما يكشف عليك ويقلب السماعات على صدرك -والحمد لله أن السماعات ما تخرج ما في القلوب لو أن السماعة تخرج ما يفكر به الإنسان لما ذهب أحد للمستشفى؛ لأن الناس في نفوسهم الشيء الكثير الكثير، ومن رحمة الله أن الله جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله غفر لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تفعل) يعني: حديث النفس معفو عنه، قال جل وعلا: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:284] قال الصحابة: يا رسول الله! إن كان الذي نبديه نحاسب عليه، وإن كان الذي نخفيه نحاسب عليه فقد هلكنا، فأنزل الله جل وعلا: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:184 - 286]. فإذا كان حديث النفس مما لا يقدر الإنسان على رده وكبحه، وإذا كانت خطرات الفكر مما لا يستطيع الإنسان أن يردها فحينئذٍ يعفى عن ذلك، وقال الله جل وعلا حينما دعاه المؤمنون، قال: قد فعلت قد فعلت {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة:286] وفي كلٍ يقول الله: قد فعلت قد فعلت، فالله جل وعلا لحكمة سلمنا وعافانا من حديث القلوب وما يدور في الخطرات، الحاصل أنك حينما تذهب إلى الطبيب ثم يعطيك الكبسولة الحمراء والكبسولة الصفراء والكبسولة الخضراء فإذا ذهبت إلى الصيدلي وأعطيته الورقة وقلت له: تفضل الطبيب كشف عليَّ وأعطاني هذا العلاج، فقام الصيدلي ونظر ما كتب الطبيب فأخذ كبسولاتٍ صفراء وحمراء وخضراء، لا يمكن أن يقول أحد: يا أخي! أنا هلالي أريد كبسولة أزرق وأبيض، أو أنا نصراوي أريد كبسولة أصفر وأزرق! لا. القضية ليست أنسجة وهوى، المسألة مسألة حكمة الطبيب يعرف أنما يناسبك من الدواء الكبسولة الزرقاء والخضراء والحمراء لا تتجاوزها. إذاً: فليست هوى، أتظنون أن الطبيب الذي يصرف لك من الدواء ما يناسبك ولا يتعداه إلى ما تشتهي أو تهوى يعطيك الدواء المر وأنت تشتهي الحلو، ويحرمك هذا الحلو ويختار لك المر، الطبيب يفعل ذلك لحكمة، أفتظن أن الله حرم عليك شيئاً وأباح لك شيئاً إلا لحكمة؟! الله أكبر! الله جل وعلا ما شرع عبثاً وما خلق عبثاً: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ} [المؤمنون:115 - 116] تعالى الله يجل ربنا جل تعالى تقدست أسماؤه تنزه ربنا أن يحرم علينا أشياء هوى، أو أن يأمرنا بأشياء مزاج وإنما هي لحكمة، وقد عرفنا أن الطبيب يأمرك لحكمة وينهاك عن حكمة، ويأمرك بأكل هذا الطعام وينهاك ويحجبك عن الطعام الآخر لحكمة، فإن الله أحكم الحاكمين يوم أن يقول وينهاك أيها العبد الفقير الذليل المسكين يوم أن ينهاك عن الربا وينهاك عن التحاكم إلى غير شرعه، وينهاك عن الظلم، ويأمرك بالصلاة، ويأمرك على لسان نبيه بإعفاء لحيتك، ويأمرك بترك اللهو، ويأمرك بترك المعاصي، ليس ذلك عبثاً وإنما ذلك لحكمة جليلة. إذا عرفنا ذلك -أيها الأحبة! - فإن كل خصال الدين مبنية على الحكمة، والله جل وعلا لا يقدر عبثاً.

مثال يدل على حكمة الله

مثال يدل على حكمة الله حدثني قبل يومين رجلٌ عن صديقٍ له قال: توفيت زوجته أثناء الولادة رحمها الله، والمرأة التي تموت بالولد شهيدة، وهذه من كرامات النساء إن المرأة إذا ماتت أثناء الولادة فلها أجر الشهيد عند الله جل وعلا، قال: ماتت هذه المرأة وقد أنجبت طفلة وخرجت الطفلة إلى الحياة، روحٌ تخرج وروحٌ تصعد! روحٌ تخرج إلى الحياة من ظلمات ثلاث وروحٌ تصعد إلى باريها! انتهى أجلها، فأين الثدي الذي يرضع هذه البنية؟! من يربي هذه الفتاة؟! من يلتفت لها؟! كتب الله أن تزوج الرجل زوجة أخرى، فمكث معها سنة وسنتين وثلاث سنوات ما أنجبت فأراد أن يطلقها، قال له أحد العلماء: لا تطلقها يا أخي، لا تعجل والله جل وعلا سيقسم لك رزقاً، فبلغت السنة الرابعة ما أنجبت، فأبى الرجل يريد أن يطلق قال له الشيخ: يا بن الحلال! لا تطلق، الله عز وجل يريد لك خيراً، فلما جاءت السنة السابعة حملت المرأة فأنجبت، فجاء الرجل إلى الشيخ وقال: يا شيخ! أنجبت المرأة في السنة السابعة، قال: لو أنجبت المرأة في أول سنة لانشغلت بولدها عن طفلتك، فمنعها الله الحمل سبع سنين حتى تتفرغ لرعاية ابنتك الصغيرة، ولما بلغت سبع سنين في بداية التمييز، أذن الله بالنطفة أن تلتقي في رحمها بما أودع في جوفها فكان إنساناً كونه الله وهو أرحم الراحمين. أحبابنا لا تظنوا أن الله جل وعلا قدر شيئاً عبثاً، وما دامت مقادير الله في العباد ليست عبثاً، فمن باب أولى أن شرع الله دينه الذي هو مبني على افعل ولا تفعل التزم واجتنب وأن تلتزم وتفعل وأن تنتهي وتترك هذه مبنية على الحكمة البالغة.

دخول الجنة برحمة الله لا بالأعمال

دخول الجنة برحمة الله لا بالأعمال أيها الأحبة: قال صلى الله عليه وسلم: (الجنة أدنى إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك) إن الجنة التي عرضها السماوات والأرض، الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، الجنة التي يقول فيها ابن القيم: يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ ـخطاب عنك وهم ذوو إيمان خودٌ تزف إلى ضرير مقعدٍ يا محنة الحسناء بالعميان الجنة قريبة إلينا، إن بغياً من بغايا بني إسرائيل نزلت بئراً لتستقي فشربت، فلما خرجت من البئر إذ بها تر ى كلباً يأكل الثرى من العطش، فقالت الزانية: لقد بلغ بهذا الكلب ما بلغ بي من العطش، فنزلت مرة أخرى إلى البئر فنزعت موقها -أي: خفها- ثم ملأته ماءً وخرجت به إلى الكلب فسقت الكلب؛ فغفر الله لها فدخلت الجنة. يا إخوان أتظنون أن الله جل وعلا محتاج إلينا حتى يجعل قضية الجنة محاسبة، القضية مبنية على الرحمة، وبعد ذلك على الاستجابة، الله جل وعلا حينما يدخلك الجنة لا يدخلك الجنة بأعمالك فقط، إنما قبل عملك برحمته، وبعد رحمته ينظر إلى استجابتك، ولو أن من عصى الله لا يدخل الجنة، ما دخل الجنة إلا المعصومون، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنه لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).

من رحمة الله مناداة المسرفين بـ (يا عبادي)

من رحمة الله مناداة المسرفين بـ (يا عبادي) فيا أحبابنا الجنة قريبة لنا، والجنة تفتح أبوابها صباح مساء، والتوبة أبوابها مفتوحة والغني ينادي الفقراء، العزيز ينادي الأذلاء، والقوي ينادي الضعفاء: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] الذنوب جميعاً: اللواط، الزنا، المخدرات، المسكرات، الأفلام، المجلات، الملاهي، كل هذه إن نتب إلى الله توبة صادقة يغفرها الله جميعاً، بعض الناس يظن أن المغفرة تتناول أو تقبل النظرة والغلطة واللمسة والهمسة والقبلة والضمة فقط، أما الزنا واللواط والمخدرات والربا والفواحش فهذه كبائر لا يغفرها الله، لا. الله جل وعلا ما نادى المذنبين ما قال: أيها المذنبون! بل حببهم إلى نفسه وقال: (يا عبادي) وكلمة (عبد) حينما يسمي الله عبداً من عباده أو خلقاً من خلقه بلفظ العبد فهو نداء التحبيب والتقريب والتشريف، قال الله جل وعلا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الإسراء:1] وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَاب} [الكهف:1] وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله). الله جل وعلا ينادينا نحن المذنبين المفرطين المسرفين، وينادي معنا الذين زنوا، والذين فعلوا اللواط، والذين أكلوا الربا، والذين اقترفوا المكس، والذين نشروا الملاهي، والذين فعلوا، الذي يتوب منهم توبة نصوحاً بشروطها يغفر الله له: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزمر:53] ما قال: أذنبوا فقط، بل أسرفوا وبالغوا في الذنوب: {أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] (وأنيبوا) نريد إنابة! نحتاج إلى استجابة: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]. وهذا نداءٌ فيه بشارة وبعده تحذير: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] لأن الله ما دعانا ليشق علينا، وإنما دعانا لكي يحيينا ويسعدنا وينفعنا ويجعل الطمأنينة في قلوبنا، وإن لم نستجب، وإن لم نتب؟ فإن ذلك يعني أن الإنسان قد يحال بينه وبين قلبه، ويصبح كالذي أصيب بحالة إدمانٍ لا يمكن معها الشفاء إلا برحمة الله جل وعلا. أرجو ألا يقول سامعٌ: إنني في حالة إدمان ولست من الذين يشفون، لا. أنت الآن بإمكانك الشفاء، والطريق بين يديك، وباب التوبة مفتوح إلى أن تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت الشمس من مغربها أو أن روحك بلغت الحلقوم وأصبحت في حال الغرغرة فحينئذٍ تنتهي القضية، لكن لا شك أن الذين يتوبون من قريب خيرٌ من الذين يتوبون من بعيد، الذي يتوب بعد فاحشة واحدة أقرب إلى الله من الذي يتوب بعد عشر فواحش، والذي يتوب إلى الله بعد ذنب أقرب إلى الله منه بعد كبيرة، والذي يتوب إلى الله بعد كبيرة أقرب إلى الله من الذي يتوب إلى الله بعد كبائر، وكل الناس قربهم من الله بحسب تقواهم، وبحسب إخباتهم إلى الله جل وعلا، المهم أن نعرف أن ديننا يدعونا إلى الخير، ويقربنا إلى الجنة، ويفتح لنا أبواب السعادة عطايانا سحائب مرسلات ولكن ما وجدنا السائلينا وكل طريقنا نورٌ وعزٌ ولكن ما رأينا السالكينا

من سعة رحمة الله عدم مضاعفة السيئات بعكس الحسنات

من سعة رحمة الله عدم مضاعفة السيئات بعكس الحسنات الله جل وعلا حينما تفعل حسنة من الحسنات لا يضيعها، ولا يجعلها تذهب هباءً منثوراً إذا حافظت عليها ولم تضيعها؛ لأن من الناس من يفعل الحسنات ويعطيها الناس، إنسان يصلي الفجر مع الجماعة، افرض كتبت له ألف حسنة، ثم صلى الظهر مع الجماعة وكتبت له ألف حسنة، ثم تصدق بعد الظهر بألف ريال وكتبت له ألف حسنة، -على سبيل المثال- جمع الرجل ذلك اليوم ثلاثة آلاف، لكنه بعد صلاة العشاء عاد يعلب البلوت، ومع اللعب يدخل في السباب والشتام واللعان، تنتهي اللعبة وقد استهلك بسبب اللعان والشتائم والكلام الزور الذي لا يرضي الله جميع حسناته، عنده ثلاثة آلاف حسنة ذهبت خمسمائة حسنة أثناء اللعب، ثم يجلس ويلعب الحجر ويأخذ المعسل ويبدأ مع زملائه بالغيبة: فلان ما فيه خير، وفلان فيه كذا، وفلان وفلان حتى استهلك ثلاثة آلاف وخمسمائة حسنة، بمعنى: أنه كتبت عليه أربعة آلاف سيئة من بعد المغرب إلى الساعة الثانية عشرة من الليل، والرجل جمع الصباح ثلاثة آلاف حسنة، فخرج ذلك اليوم عليه خسارة قدرها ألف حسنة؛ لأن الرجل جمع ثلاثة آلاف حسنة وفعل أربعة آلاف سيئة، والله جل وعلا من رحمته يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40]. من بركات هذا الدِّين أن السيئة سيئة والحسنة حسناتٌ تتضاعف، لكن الذين يعاجلون الحسنات، بعض الناس منذ أن يعمل حسنة يتبعها بسيئة، نحن أولاً متى نعرف أن الحسنة قبلت؟ متى نعلم أن هذه العبادة قبلت حتى تكتب لنا بها حسنة؟ فليس كل من صلى كتبت له الحسنات، إن من الناس من يدخل الصلاة فلا يكتب له إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها، ومن الناس من يخرج من الصلاة لم يكتب له منها شيء، بمعنى أنه يؤدي الركوع والسجود ويحضر الجماعة فقط ليسلم من الإثم لكن قد لا يكسب حسنات يكبر: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وقلبه في درج المدير. وفيما يروى أن موسى عليه السلام قال: يا رب! إن عبدك فلان يدعوك فلا تستجيب له، فقال الله: يا موسى! إنه يدعوني وقلبه عند ماله. لو أن أحدكم يكلم المدير أو الضابط أو الرئيس وتنظر بعينك إلى وجهه، وقلبك عند الغنم أو عند الإبل، ولله المثل الأعلى، ولا نقيس الخالق بالمخلوق، لكن حتى تعرف أن المسألة ليست مجرد أفعال بل هي أفعالٌ وعبادة قلب، فمن حضر قلبه نفعته عبادته بإذن الله جل وعلا.

من هم المصرون؟

من هم المصرون؟ قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) سبحان الله! يوجد إنسان يأبى أن تفتح له أبواب الجنة يقول له: تفضل، يقول: لا أريد (قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟) من هو المجنون الذي يأبى؟ من هو الذي لا عقل له يدعى إلى الجنة فيأبى؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى). أيها الأحبة: إننا بحاجة أن نبلغ اليقين أن وعد الله حق، إذا بلغنا هذه الدرجة وأدركنا أن الله إذا توعد بوعيدٍ فإن وعيده يحل، وإذا وعد بوعدٍ فإنه يعطي؛ والله يعطي عطاء لا حدود له، والناس إن أعطوك اليوم يمنون عليك غداً، وإن أعطوك غداً منعوك بعد غد، وإن أعطوك بعد غد، منوا عليك وطردوك وأقفلوا الباب في وجهك. الله يغضب إن تركت سؤاله وبُني آدم حين يُسأل يغضب لا تسألن بُني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب قال الله جل وعلا: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ} [هود:102 - 104] هذا يوم القيامة {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود:105 - 106] هؤلاء المصرون على الهلاك الذين دعوا إلى السعادة فاختاروا الشقاوة، والذين دعوا إلى الهدى فاختاروا الضلالة، والذين دعوا إلى الاستقامة فاختاروا الانحراف، والذين دعوا إلى التوبة فاختاروا الإصرار على المعصية: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:106 - 107] الله فعال لما يريد، من الذي يشفع لك عند الله؟ من الذي يتوسط لك عند الله إذا كتبت لك النار وأخذت كتابك بشمالك وعدت تدعو ثبوراً لتصلى سعيراً؟

خطر قرناء السوء

خطر قرناء السوء جاء إلي شاب -والله- ما لبث دقائق حتى أخذ يبكي، قلت: ماذا فيك يا فلان؟ قال: والله أنا أذنبت وأسرفت وفعلت وتعرف ما هو؟ قال: أنا أشعر بعقدة الذنب، أنا أشعر أنني حينما أخطئ أعرف أنني أخطأت، أنا ما أرتكب معصية وأقول: إني صليت، أو أفعل فاحشة وأقول: إني تصدقت، وأعرف أن للفاحشة شؤماً، وأن للمعصية عاقبة وخيمة، ولكن عندي مجموعة أصدقاء يقولون لي: يا أبا فلان! لا يهمك، نحن نتوسط لك وسنقف معك، ولا نتركك أبداً. قلت: يا أخي الحبيب! هذا كلامٌ لا ينفع، ولكن افرض أن أصدقاءك كانوا صادقين جادين فيما يقولون، أنك إذا وقعت في ورطة خلصوك منها، هل يستطيع إخوانك إذا حملت على النعش أن ينزلوك من النعش وتمشي على قدميك؟! هل يستطيع زملاؤك إذا جاءت الملائكة لتقبض روحك أن يدفعوا الملائكة عنك بواسطة؟! هل يستطيع زملاؤك إذا جاء أقرباؤك وأدخلوك القبر ثم أدخلوك ظلمة اللحد، وضرب رأسك على الأرض؟! أحد الإخوان في البارحة قال: كنا في مسجد الشيخ ابن قعود قال: وإذ بي أجد شاباً شعره ما شاء الله، مسرف على نفسه -أسأل الله لنا وله الهداية- أجده متأثراً ويستغفر ويقرأ القرآن، يقول: فرأيت فيه علامات الانكسار وظاهره الانحراف، فسلمت عليه، فقال: يا (مطوع)! تعرف تدفن ميتاً؟ قلت: خيراً إن شاء الله، نصلي وبعد ذلك ندفنه، قال: فصلينا ثم صلينا على الجنازة، وكل واحد منكم سيُصَلَّى عليه، وسوف تُخْلَعُ ثيابه، ويُصَبُّ الماء على بدنه، وأنا أولكم وسوف أُغسَّل وتُغسَّلُون، وأُكفَّن وتُكفَّنُون، ونُحمل على النعش وتُحْمَلُون، وندخل في ظلمة اللحد وتدخلون، وسوف نُسْأَل وتُسْأَلون، وسوف يغلق اللِبنَ -ويمكن أن لبنةً تنزلق على وجهك في القبر- وسوف يغلق اللبن علينا ويغلق عليكم، وحينئذٍ لا تجد بصيص نور ولا شمعة أو نصف شمعة أو ربع شمعة في اللحد، هذه الفلل الفسيحة التي تتمشى فيها وتتعب من المشي، أين تتمشى في اللحد؟! لا تستطيع أن تحرك كتفك هكذا ولا هكذا، هذه قضية ضعوها بين أعينكم، وهذا المصير سوف يجمع كل الناس، الملوك الأمراء الوزراء الأثرياء الأغنياء الفقراء كلهم سيدخلون المقابر، كلهم سوف يوضع اللبن على رءوسهم، كلهم سوف يدخلون ظلمة اللحود، كلهم سوف يلبسون الشاش الأبيض وتنزع منهم الملابس وكل ما تحلو به في الدنيا. تذكروا هذا جيداً يقول صاحبنا: فلما صلينا على الجنازة وذهبنا إلى المقبرة ثم نزلنا، وهؤلاء لا يعرفوا كيف يقبرون؟ وهذا صديقٌ له وربما من أهله كذلك. أحياناً -يا إخوان- تعجب! والله رأيت بعيني جنازة ويتبعها ثلاثة أو اثنين فقط، سنة اتباع الجنائز مضيعة، الناس لا تتبع إلا جنازة من تعرف، وإذا جاء الناس دخلوا المقابر يتفاخرون، وأعجب ما ضحكت له -وشر البلية ما يضحك- قبل مدة كنا في المقبرة وإذ بي أجد شخصاً قاعداً يوزع على الناس قوارير ماء بارد، جزاكم الله خيراً يوزع على الناس ماءً بارداً، أيها الحبيب! اجعلهم يذوقون العطش قليلاً، أنت الآن توزع على الموجودين الذين دفنوا الميت ماءً بارداً، لكن هذا الميت الذي نشف ريقه، والتراب انهال على رأسه، من الذي يعطيه قارورة ماء؟ القضية صعبة صعبة جدا، ً ولكن الناس في غفلة، والغافلون من المصرين على الهلاك، الذين يستمرون ويصرون على الغفلة هم من المصرين على الهلاك. قال صاحبنا: فنزلنا وأخذنا الشاب الذي نريد أن ندفنه، ونزلت في القبر ومعي صاحبي قال: فلما جئنا ننزله هكذا تعرفون الإنسان عندما يقف على شفير اللحد، أنت حينما تضع الميت ربما تضع رجلاً في اللحد ورجلاً فوق اللحد أو رجليك فوق اللحد وأنت تنحني لتضع الميت في القبر، قال: فلما وضعته هكذا سألت نفسي، قلت: ماذا ينفعه الآن؟ هل ينفعه أنه فلان بن فلان آل فلان؟! هل ينفعه أنه فلان بن فلان من قبيلة كذا أو من قبيلة كذا أو من نسب كذا؟! هل ينفعه أن أباه كان صاحب ملايين؟! هل ينفعه أن عنده شهادة ترجمة؟! هل ينفعه أن عنده وعنده؟! والله لا ينفعه إلا عمله الصالح: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:89]. يقول صلى الله عليه وسلم: (يموت ابن آدم ويتبعه ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع ماله وولده ويبقى عمله) ثم إذا وضعوك في اللحد وأغلقوا اللحد باللِبن وأهالوا التراب، ثم بعد ذلك ذهبوا وتركوك، أيها الناس! في فصل الشتاء لا أحد يعطينا بطانية، درجة البرودة في الأرض عالية لا يوجد شيء ينفع، عندك عمل صالح يدفئك في البرد، أيها الناس! درجة الحرارة خمسين، وباطن الأرض ملتهب بالحرارة لا أحد يعطينا (مكيفاً) لا أحد يعطينا ماء لا أحد يرش على القبر ماء حتى يصلنا أيها الناس! كلبٌ من الكلاب يتبول على القبر لا أحد يبعد الكلب عن القبر! أنا فلان بن فلان ما يدخل علي أحد إلا بعد أن يستأذن من السكرتير، الآن الكلب بن الكلب يدخل ويبول على القبر ولا أحد يرده عن القبر؟! أيها الحبيب! هذا مصير الدنيا. افتكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراً جلل آخر الشراب بول نجس، وآخر الطعام خراءة وعذرة، وآخر الجمال دودٌ وضعف، وآخر التفتح ذبولٌُ ونهاية. إن الذين يتأملون حقيقة الدنيا وما تئول إليه يزهدون فيها حتى لو اجتمعت بين أيديهم، نسأل الله أن يبصرنا بحقيقة هذه الدنيا: {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33].

تبرؤ الأصحاب والأحباب منك يوم القيامة

تبرؤ الأصحاب والأحباب منك يوم القيامة أيها الأحبة: المصرون على الهلاك الذين شقوا في النار لهم فيها زفير وشهيق: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] من الذي يرد عنك عذاب الله؟ من الذي يحول بينك وبين ملائكة جهنم؟ من الذي يثبت لك الجسر على الصراط حتى تمر عليه مطمئناً؟ من ينفعك: رئيسك؟ قريبك؟ حبيبك؟ أميرك؟ ما ينفعك إلا الله ثم عملك الصالح؛ فتعلق بهذا يا مسكين. وقال كل خليل كنت آمله لا ألهينك إني عنك مشغول أمك التي جعلت جوفها لك حواءً، وثديها لك سقاء، وسهرت عليك الليل، وزالت عنك القذى والأذى بيمينها التي تأكل بها تأتيك وتقول: أعندك حسنة يا ولدي؟ {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] إذا نفخ في الصور تضيع الأنساب، الأم ما عادت أماً، والأب ما عاد أباً، والزوجة لم تعد زوجة، والقريب لم يعد قريباً: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] ما الذي ينفع؟: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [المؤمنون:102 - 103] خسروا أنفسهم، ما خسر المال ولا خسر سيارته، ولا خسر وظيفته، بل خسر نفسه، أولئك الذين نسوا الله فنسيهم، خسروا أنفسهم. {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون:101 - 105] وهذا السؤال لكل مصرٍ على المعصية ولكل مصممٍ على الذنب، ولكل متكبرٍ على التوبة والأوبة والرجوع إلى الله: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون:105 - 106] الشقاوة جلساء السوء الشيخ فلان بن فلان في الجمهورية الفلانية العربية يفتي بجواز الربا، وأخذت بفتواه واكتتبت في بنك كذا، اذهب نادي الشيخ بسلامته واجعله يحاج لك عند الله جل وعلا: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النساء:109]. الشيخ الذي أفتى الناس بجواز الربا إذا جاء يوم القيامة رب العباد يفصل بينهم ويحاسبهم ولا تخفى عليه منهم خافية يقول: يا ألله! أنا الذي أفتيتهم، لا. أبداً أنت كنت تعرف أن الشيخ ابن باز أتقى علماء الأرض، وأنت تعرف أن الشيخ ابن عثيمين لا يحابي أحداً، وأنت تعرف أن الشيخ ابن جبرين من أتقى عباد الله الصالحين، نحسبه ولا نزكي على الله أحداً، فما الذي جعلك تترك فتوى الصالحين الأتقياء الأبرار الأطهار الأخيار وتختار فتوى المدخنين وفتوى الذين ربما أفتوا مداهنة للحكام وإرضاء للعوام؟ {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون:105 - 106] كانت شطارة ومعلومات صحافة وتحدياً وإمعاناً في العناد، الأصوليون يفعلون، والمتشدقون يتوصلون والذين يفعلون يتركون، وهلم جرا {غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} [المؤمنون:106] لكن عندنا طلب {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:107 - 108]. انتهت القضية فصل الأمر طويت الصحف جفت الأقلام وقف الناس للقضاء {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:109 - 110] أولئك المصرون على الهلاك الذين يستهزئون بدين الصحوة، الذين يستهزئون بالذين نوَّر الله وجوههم بالطاعة، وشرَّف الله جباههم بالسجود، وكرم أنوفهم بالركوع، المستهزئ بهؤلاء ولم يتب من المصرين على الهلاك: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:109 - 110] تستهزئون بهم تعلقون عليهم (كاريكاتير) زاوية صحفية تنكيت مجالس (مطاوعة) هيئة أمر بمعروف ونهي عن منكر، (مطاوعة معقدون): {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا} [المؤمنون:111]. لقد كان الاستهزاء يؤذينا، لقد كان (الكاريكاتير) يجرح قلوبنا، لقد كانت الكتابات الصحفية تؤذينا: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:111] هذه النتيجة في الصبر والثبات بإذن الله جل وعلا.

أسباب الهلاك

أسباب الهلاك

من أسباب الهلاك: الإصرار على الذنوب

من أسباب الهلاك: الإصرار على الذنوب أيها الأحبة: إن الإصرار على الذنوب من أسباب الهلاك، والمصرون على الذنوب هم المصرون على الهلاك، الذين يدعوهم الله جل وعلا، ويدعوهم نبي الله، ويدعوهم الدعاة إلى الله بكلام الله وكلام رسوله فيصرون، يقول الله جل وعلا وياليتنا نتدبر القرآن: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} [الأنعام:6]. أنتم الآن تعيشون على أرضٍ عاش فيها قومٌ قبلكم، ومنهم من أهلكهم الله جل وعلا، ومن هذه الأمم التي كانت قبلكم كانت أشد منكم قوة، وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمرناها نحن، لا تظنوا أننا سخر لنا في الأرض ما لم يسخر لمن قبلنا، بل لقد سخر للذين من قبلنا أشياء أعظم مما سخرت لنا: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ} [الفجر:1 - 11] قبلنا أمم أقوى منا فأهلكهم الله بذنوبهم وأنشأ بعدهم قرناً آخرين. أفتظنون أنا معاشر هذا القرن نكون أقوى ممن قبلنا، أو نكون أقوى على الله جل وعلا؟ لا والله؛ والله ما صنعنا شيئاً وإنما أودع الله في الكون شيئاً وخلق لنا عقولاً أدركته فاستفادت منه، الذين صنعوا الطائرة هل صنعوا القوانين التي ترفعها من الأرض، أم أن الله جل وعلا جعل قوانين الجاذبية والسرعة وقوانين أخرى تتناسب مع سرعةٍ معينة في اتجاه ريحٍ معينة، في دفعٍ معين أن ترتفع الأجسام بسببها عن الأرض، إذاً نحن ما خلقنا الهواء الذي له دورٌ في رفع الأجسام عن الأرض، ونحن ما خلقنا قانون الجاذبية الذي يثبت هذه الأمور على الأرض، وإنما هدانا الله إلى سنن أودعها في الكون فعملنا بها وأنتجنا. هذه السنن لا يختص بها الكفار، بعض الناس يتوقع أنه لا ينتج إلا كافر، ولا يخترع إلا كافر، بل الذي يعمل عقله ينتج، بوذي ينتج نصراني ينتج يهودي ينتج مسلم ينتج، المهم من أعمل عقله وتفكر في سنن الله جل وعلا فإنه ينتج ويطور ويخترع ويبتكر، وإلا فما معنى أن شخصاً يسافر من إسرائيل يدرس في كندا، وشخصاً يسافر من دول عربية يدرس في كندا، وآخر يسافر من كوريا ويدرس في كندا، ورابع يسافر من الصين ويدرس في كندا، فيرجع ثلاثة يخترعون والرابع لا يخترع؟ هل العقل العربي عقل منتهي الصلاحية لا يخترع والعقل الإسرائيلي والعقل الكوري والعقل الصيني يخترع؟ لا. القضية قضية اعمل وفكر وطور وادرس وحلل واستنتج واستقرئ حينئذٍ تستطيع أن تعلم أن القضية ليست قضية عجز، أنوفنا كأنوفهم، وعيوننا كعيونهم وآذاننا كآذانهم لا نستطرد كثيراً، المهم ينبغي أن ندرك ذلك جيداً، فهناك أمم أقوى منا عاشت على الأرض وملكت أكثر مما ملكنا، وأبدانهم أقوى من أبداننا، ومع ذلك لم يبال الله بهلاكهم، فلنتنبه جيداً. ولذلك قارون لما قال قومه له: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:76 - 77] ماذا قال؟ {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] ماذا قال الله؟ {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:78] إذا أصر الإنسان على الذنوب وأصبح في هذه الحالة من العناد والإصرار والمكابرة والغفلة فهو مصرٌ على الهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله!

من أسباب الهلاك: كراهية الصلاح للأمة

من أسباب الهلاك: كراهية الصلاح للأمة المصرون على الهلاك أولئك الذين يريدون لنا ألا تصلح بيوتنا ومجتمعاتنا وأمتنا؛ لأن الله جل وعلا قد جعل سنة كونية إن نحن اجتهدنا في الإصلاح أن الله لا يهلكنا، وإن تهاونا ورأينا المعروف يضمحل ويقل، والمنكر يزيد ويكبر وسكتنا، وكلٌ جعل عمامته على وجهه وكأن الأمر لا يعنيه، هذا مؤشر الهلاك، قال تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} [هود:116] اسمع: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117] يعني: إذا أصلحنا أنفسنا فإن الله لن يهلكنا، وإذا تساهلنا وقعد بعضنا يثبط بعضاً وقع الهلاك. ما رأيت أقبح من الذين يلومون المصلحين على العمل، تجد عبداً من عباد الله وداعية من الدعاة إلى الله مجتهداً في الإصلاح، فإذا ابتلي بنوعٍ من أنواع البلاء يأتي أحد عامة الناس، ويقول: ما الذي جعله يتدخل في الناس؟ لماذا يتدخل فيما لا يخصه؟ نحن أمة خير فضلنا الله لأننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونصلح مجتمعاتنا وندعو إلى الله، أما أمة الماعز هذه ليست أمة الإسلام، أمة الغنم! أمة النعاج! هذه ليست أمة الإسلام. ولذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: (أنتم يومئذٍ كثير) تصور! الأمة جفنة من الطعام وكل الأيدي تخدش وتأكل من الطعام، وتنهش من كل جانب: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير -الآن العالم الإسلامي مليار مسلم، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة، ولكن قال صلى الله عليه وسلم- أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن، وينزع الله المهابة من صدور أعدائكم؟ قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) أصبحت أمة غثائية إلا من رحم الله وقليلٌ ما هم، ولو كانت أمة شهادة أمة تضحية أمة فداء أمة تتاجر بالدم ما يقتربها صربي ولا يقتربها كرواتي ولا شيوعي ولا غربي ولا نصراني. نقول أيها الأحبة: إن ترك الإصلاح من أسباب الهلاك، والذين يثبطون أو يرجفون بالمصلحين أولئك الذين يريدون الهلاك، ولماذا لا نتعاون على إصلاح بعضنا بعضاً، إصلاح بيوتنا، إصلاح مجتمعاتنا؟ فإن من حذرنا ونهانا وأبعدنا وطردنا عن الإصلاح فذلك الذي يريد هلاكنا علم بذلك أو لم يعلم: فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم

من أسباب الهلاك: انتشار الظلم

من أسباب الهلاك: انتشار الظلم أيضاً من أسباب الهلاك: الظلم، هلكت أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتعٍ فيه. أيها الأحبة: الظلم من أخطر الأمور، رب عبدٍ من عباد الله يرتكب ذنباً فيما بينه وبين الله فيتوب منه، ورب شاب يفعل فاحشة ثم يتوب توبة نصوحاً بعدها، لكن الظلم من أخبث أسباب الهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله! قال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [يونس:13] وقال ابن تيمية رحمه الله عند قوله جل وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] قال: وإن دلت الآية ابتداء وأصالة على أن الظلم الوارد فيها معنيٌ بالذي جاء في سورة لقمان: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] لكن يدخل فيه ظلم العباد بعضهم بعضاً. وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه) لأن هذا فلان بن فلان! هذا له واسطة! هذا له جاه! (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيع) أحضروا هذا الذي لا يستحي، هذا الذي ليس بكفوٍ، أحضروه لنا: (أقاموا عليه الحد) هذا من أسباب الهلاك؛ لأن هذه صورة من صور الظلم، إذا كان الظالم قوياً لا ينتصف منه للمظلوم فبقي المظلوم مظلوماً. تنام عينك والمظلوم منتبهٌ يدعو عليك وعين الله لم تنم وما من يدٍ إلا يد الله فوقها ولا ظالمٍ إلا سيبلى بأظلم هذه من صور الظلم والحيف والجور في التطبيق، ولذلك ينبغي أن نتواصى في أن يكون الإنكار على الشريف والوضيع، والصغير والكبير، فإن كان منكراً كلٌ ينكر عليه، ويؤتى إليه، ويعطى ما يناسبه، لكن لا يعني ذلك محاباته ومداهنته، وإن كانت القضية حداً من حدود الله: (وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) لما سرقت المخزومية فعظم ذلك على قومها فقالوا: بمن نشفع؟ من الذي يتوسط لنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: حب رسول الله وابن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسامة بن زيد بن حارثة، كان الرسول يحبه ويحب أباه، فجاء أسامة يتوقع أن المسألة شفاعة عادية، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم واحمر وجهه وانتفخت أوداجه: (يا أسامة! أتشفع في حدٍ من حدود الله؟! وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). فإذا رأيت الأمة تقام فيها الحدود على الصغير والكبير، والشريف والوضيع، والعالي والحقير فهي علامة من علامات سلامتها، وإذا رأيت الأمة في محاباة: فلان يفعل وفلان لا يفعل وفلان يسجن وفلان لا يسجن وفلان يقام عليه الحد، وفلان لا يقام عليه الحد، وفلان تقع عليه العقوبة وفلان لا تقع عليه العقوبة وفلان عليه القانون وفلان لا قانون عليه، فهذه من علامات الهلاك ومن مؤشرات الهلاك.

من أسباب الهلاك: الترف والإعراض عن المواعظ

من أسباب الهلاك: الترف والإعراض عن المواعظ المصرون على الهلاك أولئك المتسلطون بالترف، المعرضون عن المواعظ، المصرون على الذنوب، الغارقون في وحل الشهوات، القاعدون بكل صراطٍ يوعدون وكما قال الله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام:26] ينهون الناس عن الخير، وهم أيضاً ناءون عن الخير، يعني: لم يقتصر شره على نفسه أنه بعيد عن الخير لوحده، بل هو بعيدٌ ويقول للناس: ابتعدوا، قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16] إذا رأيت المترفين الفساق متسلطين معرضين فتلك من علامات الهلاك، قد تقول: يا ربنا! وما بالنا نحن، هؤلاء مترفون مصرون غارقون؟! لا. لأن الأمة إذا رضيت بالمنكرات وسكتت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر النصيحة، مصيبة الأمم الآن ألسنة في المجالس الخاصة، حال الشخص إذا أغلق المجلس في الأربعة الجدران قام يتكلم وينتقد (فيلسوف) وأستاذ، وإذا خرج وجلس مجلساً لا ينكر منكراً ولو برسالة، إذا كنت لا تستطيع أن تواجه لقصور أو لعدم قدرة أو لعدم تعود، اكتب رسالة إلى صاحب المنكر الذي تراه وقل له: اتق الله وأنت فلان بن فلان. أعرف شاباً لم يؤت لساناً فصيحاً ولم يؤت بلاغةً ولم يؤت علماً ولا شيئاً يذكر، ولكن متخصص في أسلوب من أساليب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول: أنا أنصح بالرسالة، أي إنسان صاحب منكر أرسل له رسالة، وأرسل له الرسالة الثانية، ومستمر معه في الرد، أنا ماذا أخسر؟ حبر أكتبه على ورقة، والدافع الغيرة على الأمة إرضاء لله جل وعلا، تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم). فقعودنا وسكوتنا عن إنكار المنكرات فيما نرى في مجتمع لا أحد يقول: مجتمعنا خير، نعم. مجتمعنا فيه خير عظيم، أقول: في مجتمعنا خير عظيم، لكن لا يعني وجود الخير عدم وجود الشر، ولذلك كان لا بد من الثناء على الخير وعرفان الفضل لأهله، ولا بد من إنكار المنكر، وأنزلوا الناس منازلهم، وحدث الناس بما يفقهون حتى لا يكذب الله ورسوله. البطر أيضاً من الأسباب التي تذكر ضمن الترف، والتي من وقع فيها وأصر عليها ولم يلتفت لطاعة الله حريٌ بأن يختم له بخاتمة السوء ما لم يتب إلى الله جل وعلا قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص:58] بطرت من البطر والأشر. يا أمة محمد! أسأل الله ألا يأتي زمان يقال: كان هنا أمة يقال لهم: أمة كذا. أسأل الله ألا يأتي زمانٌ بعدنا يقال: كان في ذلك المكان بيوتٌ ودورٌ وضِياعٌ ومزارع. أسأل الله ألا يأتي يومٌ يقال: كان في البلد الفلانية كذا وكذا من المنشئات والطرق، وغيرها؛ لأن الله تعالى قال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص:58] نعم، {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} [الدخان:25 - 28] القضية قضية عبودية لله، خلقنا للعبادة فلماذا نضيع الوقت في بنيات الطرق، أنت مخلوقٌ للعبادة أين كان منصبك؟ وأين كان موقعك؟ الناس للناس من بدوٍ ومن حضرٍ بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدم الناس وجدوا ليخدم بعضهم بعضاً: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف:32].

من أسباب الهلاك: الإصرار على الكبر

من أسباب الهلاك: الإصرار على الكبر أيضاً من أسباب الهلاك: الإصرار على الكبر والإصرار على التعالي والإصرار على ادعاء الفضل للنفس، يوسف عليه السلام لما عبر الرؤى للمساجين في السجن، وأثنوا على تعبيره والتفتوا إليه وأعجبوا به قال لهم: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف:37] لم يقل: معكم شخص محترم، أنتم معكم إنسان متخصص في تعبير الأحلام بالقدرة الخارقة والتنبؤات الصادقة: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف:37] {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:39] اعترف أن الفضل لله واشتغل بالدعوة إلى الله في السجن. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:50] ما نسب النبي صلى الله عليه وسلم الهداية إلى نفسه أو قوته الذاتية أو قدراته الشخصية، قال: {إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:50] ولذلك فالمتكبرون من المصرين على الهلاك بالتكبر وغمط الناس. أولاً نقول لكل متكبر: يا سعادة المتكبر! إذا ذهبت إلى دورة المياه ما الذي يخرج من جوفك؟ عسل مصفى، إن ذبابة النحل أطيب منك، يخرج من جوفها عسل: {شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:69]. الذي يفتخر بطوله وعرضه وشحمه ولحمه يقال له: لا تحقر الرأي يأتيك الصغير به فالنحل وهو ذبابٌ طائر العسل المتكبر نقول له: إذا دخلت إلى دورة المياه فانظر ماذا يخرج من جوفك؟ لا يخرج إلا نجاسة، فالذي يتكبر فلينظر ماذا يخرج؟ يخرج العذرة، مر أحد الضعفاء بجوار واحد من المتكبرين أخذ يبحلق ويلتفت ولا يراه إلا بطرف عينه، فقال ذلك المتكبر للمسكين: أنت أما تعرفني؟ قال: بلى والله أعرفك؛ أنت ابن آدم المسكين، تحمل في جوفك العذرة، وبعد موتك جيفة قذرة، وتدميك البعوضة، وتقتلك الشرقة: إلى الماء يسعى من يغص بلقمة إلى أين يسعى من يغص بماء الماء الذي أنت تسعى إليه لكي تدفع الغصص إذا شرقت بالماء هلكت، وتقتلك الشرقة، فعلامَ الكبر إذاً؟ ولذلك المتكبرون من صورة هلاكهم قال صلى الله عليه وسلم: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم) نعم. يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر من هوانهم على الله، قال ربنا جل وعلا: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري) من الذي ينازع الله في صفاته؟ {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الجاثية:37] الله جل وعلا له الكبرياء فالمتكبر على العباد هذا أهون الناس يوم القيامة. فيا أخي الحبيب: كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد) وكان صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين يتواضع، تأخذه العجوز وتجره إلى قارعة الطريق وتتحدث معه الساعة، فيسمع حاجتها ثم ينتهي ويعود إلى صحابته، والصبي يقابله ويكلمه، ويجلس الصبيان على حجره، ويحمل أمامة بنت زينب بنت بنته على كتفه، وجدها تتعثر فحملها صلى الله عليه وسلم وصلى وهي معه، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها، نسأل الله أن يمنح المسلمين التواضع.

من أسباب الهلاك: التنطع والتشدد

من أسباب الهلاك: التنطع والتشدد أيضاً من أسباب الهلاك: التنطع والتشدد الذي يخرج الإنسان عن دائرة تعبد الله بالشرع حتى يخرج عن الشرع، النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث قال: (هلك المتنطعون! هلك المتنطعون! هلك المتنطعون!) من هم المتنطعون؟ الذين يتقربون إلى الله بالتشديد على أنفسهم في الامتناع عن أمورٍ أباحها الله لكي يتقوى بها العباد على طاعة الله، أولئك الذين جاءوا إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادته فأجيبوا عما سألوا فكأنهم تقالوها، فقال أحدهم: وما نحن بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لكن نحن ينبغي أن نتعبد عبادة خاصة، فقال أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: وأما أنا فلا أستظل، وقال الآخر: وأما أنا فلا أتزوج النساء، وقال أحدهم: وأما أنا فأصوم ولا أفطر، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك غضب وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني، إني آكل اللحم، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

أسباب أخرى للهلاك

أسباب أخرى للهلاك من الناس من يهلك نفسه ويصر على الهلاك بأن يرى أن الناس هؤلاء كلهم ليس فيهم خير ولا أمل أن ينجوا أو يتوبوا ولا يدخل أحد منهم الجنة ولا يبقى إلا هو فتجده متنطعاً متشدداً، حتى يأتي اليوم الذي ربما مل من العبادة فعصى الله ولا حول ولا قوة إلا بالله على بصيرة! وقد سمعنا بأناس عجباً لشأنهم تجده يتقرب إلى الله بما ليس من أسباب القربة، التقرب إلى الله يكون بما شرع الله جل وعلا. أيضاً إذا انتشر الفساد وكثر الخنا والخبث فإن ذلك من علامات الهلاك، قالت عائشة: (أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث) والخبث هو الزنا ودواعيه، فإذا رأيتم البلاد ينتشر فيها ما يدعو ويقرب إلى الزنا، ويتيح الاتصال الممنوع بين الرجال والنساء عبر كل صعيدٍ ومجال فذلك نذير الهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله! ومن علامات الهلاك: ترك الإنفاق في سبيل الله، كان الصحابة في غزوة فحمل أحد المسلمين على الروم، فقال الناس: أما هذا فألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب الأنصاري: نزلت فينا نحن معاشر الأنصار لما نصر الله نبيه؛ كنا أهل ضياعٍ وزراعة، فقلنا: لو عدنا إلى زراعتنا وضياعنا، فأنزل الله جل وعلا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]. إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فاعلم أنها من علامات الهلاك، إذا وقف الصائح يصيح تبرعوا للمسلمين الذين ذبحوا ذبح الشياه، تبرعوا للبوسنة والهرسك تبرعوا لـ أفغانستان، تبرعوا لـ كشمير، تبرعوا للفليبين، تبرعوا لـ بورما، تبرعوا لـ أرومو، تبرعوا لكذا، ورأيت الناس يمرون معرضين لا يبالون، وإذا نظروا إليه يبيع أحذية بريالين سارعوا إليه معرضين عن الإنفاق في سبيل الله مقبلين على عرضٍ تافه من الدنيا حقير. فهي خطيرة جداً ومن الذي يدعى إلى ذلك إلا الذي يجد فضلاً من المال، أما الذي لا يجد إلا ما يكفي نفسه وأولاده فلا حرج عليه: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة:91].

من أسباب الهلاك: وجود أئمة الضلال

من أسباب الهلاك: وجود أئمة الضلال من المصرين على الهلاك أولئك الذين يَضلون ويُضلون وينهون عن الحق وينئون عنه، أولئك الذين يحملون أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون، مجموعة علمانيون يجلس بعضهم يقول: اللحى سبب التخلف الثياب القصيرة سبب التخلف من يوم نظرنا هؤلاء (المطاوعة) ونحن نرجع عشر سنين إلى الوراء، يا أخي الحبيب! ولو حلق الناس لحاهم هل يستطيعون صنع طائرة؟ لو أسبل الناس ثيابهم هل يصنعون صاروخاً؟ سبحان الله! كأن اللحى هي التي منعت التقنية والتطور، كأن اتباع السنة في الثياب هو الذي منعنا من التقدم، وكأن بيننا وبين أن ننافس في صناعة القنبلة الذرية إلا أن نشتري في كل بيتٍ طبلةً وعوداً وبثاً مباشراً، سبحان الله العلي العظيم! إذا كان -كما يقول العلمانيون وأذنابهم- هؤلاء المتدينون المتشددون المعقدون هم سبب التخلف والتمدن، ففي المقابل سيكون الفن والسينما وما أدراك ما تحت هذه الأسماء من أسباب التقدم، هل رأينا شيئاً؟! الدول تدخل في حروب فحينما يشتد حمى الحرب، فهل نذهب ونرسل ثلاثين فناناً وثلاثين طبالة على الحدود من أجل أن يرجع العدو؟! لا. لا ينفع إلا جندي في قوة، ويقاتل على عقيدة وفي سبيل الله، وعالِمٌ يثبت بقال الله وقال رسوله، ويعد الناس إن صدقوا وجاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا بالجنة، هذا الذي يدفع عن البلاد الشر. أحياناً أجلس في مجالس وقد لا أعرف فيها، بل أُعد من عامة الناس بفضل الله جل وعلا، أحضر مجلساً بدون (بشت) وبدون شيء وأجلس، وأستمع فيأتيك شخص يقول: والله -يا أخي- هؤلاء المعقدون هؤلاء (المطاوعة) والله لا يدرون ما في الدنيا، هؤلاء الملتحون هم سبب التخلف، أقول: الذين عصوا وعاندوا هل هم الذين قدموا للأمة الخير؟ ماذا قدم مجموعة من أولئك الذين أخذوا ينتقدون الدين والمتدينين والأصوليين ولا همَّ لهم إلا: الهيئة فعلت الهيئة طاردت الهيئة لاحقت شخصاً، والهيئة شخص قفز من السور ومات، والهيئة والهيئة؟! يا أحباب: هل تظنون أننا إذا حلقنا لحانا سوف نتقدم؟! وهل إذا أسبلنا الثياب سوف نتقدم؟! وإذا عصينا الله سوف نتقدم؟ والله ما يزيدنا ذلك إلا هلاكاً: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) لقد عرفنا أناساً أهل ذنوب ومعاصي لكن إذا تلكم علماء الدين والشباب الذين يدعون إلى الدين ورقعته قبلوا ذلك، نعم. سيجارته في جيبه لكن كل شيء يهون إلا الدين فلا يترك أحداً يتعرض للدين وأهله، أنا صاحب معصية لكن إياك أن تتعرض للدين! فهذا ترجو له خيراً عظيماً، فذلك العاصي الذي يحب الصالحين ويحب الدعاة وأهل الخير، تسأل الله له بحبه الصالحين أن يمن عليه وأن يرزقه ويستر عليه، وأن يعينه ويعافيه ويهديه إلى التوبة، وربما يأتيك إنسان قد يكون ربما أقل ذنوباً ومعاصيَ، لكن يكره شيئاً له دين ومتدين، وكلمة حق، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، هذا فليبشر بالفضيحة، وليبشر بالمصيبة: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب). اللهم من أراد بنا فتنة فأشغله في نفسه، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، اللهم من أراد بنا وبعلمائنا وولاة أمرنا وحكامنا هلاكاً فأشغله بنفسه، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا ودعاتنا وحكامنا على طاعتك، اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك بأعداء الصالحين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم من افترى عليهم فأخرس لسانه، وعطل أركانه، وأهلك بنانه ولسانه يا رب العالمين! اللهم إنك قلت: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) اللهم من عادى الصالحين بغضاً فيهم ومن عادى العلماء كرهاً لهم، ومن عادى الدعاة أشراً وبطراً وكبراً، اللهم أهلكه وخذه أخذ عزيزٍ مقتدر، عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! إنهم لا يعجزونك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام! ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين وصلى الله وسلم على محمد.

الأسئلة

الأسئلة

السبيل الأمثل في البعد عن الملاهي

السبيل الأمثل في البعد عن الملاهي Q ما هو السبيل الأمثل في البعد عن الملاهي والملذات التي توقع الإنسان في المعاصي والهلاك؟ A أول طريقٍ إلى ذلك التخلص؛ فالذي يريد أن يتخلص من الخمر لا يبقي عنده قوارير منه، والذي يريد أن يتخلص من المخدرات لا يبقي حبيبات فوق الرف، والذي يريد أن يتخلص من المجلات الخليعة يحرقها كاملة، والذي يريد أن يتخلص من الأغاني والصور الخليعة فعليه أن يحرقها جميعاً، هذا أمرٌ ينبغي أن ندركه، أنت كيف تتخلص من نفايات بيتك؟ تخرجها من البيت وترميها في الزبالة، فكذلك زبالة المعاصي وحثالة الذنوب تتخلص منها بإبعادها. الأمر الثاني: بأن تبتعد أنت عن أهلها، لا تجالس أصحابها، ولا يعني ذلك أن تترك مجالسة أهل الشر وتبقى وحيداً، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، لكن عليك أن تبحث عن الأخيار وأن تجالسهم.

خطاب يمنع توظيف النساء في ميادين عمل الرجال

خطاب يمنع توظيف النساء في ميادين عمل الرجال أيضاً هذا خطاب يقول: إشارة لحالة سعادة وكيل وزارة الصحة المبني على إحالة معالي وزير الصحة لخطاب سماحة الشيخ ابن باز الرئيس العام للإفتاء والدعوة، المعطوف على ما جاء في اللائحة التنفيذية لنظام المؤسسات الطبية الخاصة للمادة (27) فقرة (د) حول قيام بعض العيادات الخاصة بتوظيف نساء في الاستقبال يستقبلن الرجال والنساء في مرافق العيادات والتحدث معهن وهن متبرجات، وقد كثرت الشكاوى في هذا الجانب، وعليه فيجب مراعاة عدم توظيف النساء في ميادين عمل الرجال، كما يجب أن تكون العيادات غير مختلطة بين الرجال والنساء، مع التأكيد على منع التبرج والسفور من الموظفات والطبيبات، نأمل الاطلاع والتمشي بما جاء به. مدير عام للشئون الصحية في منطقة الرياض الدكتور/ بدر بن عبد العزيز الربيع جزاه الله خير الجزاء وفرج عنه كل كربة، وصلى الله وسلم على محمد.

المعوقون يتكلمون [1]

المعوقون يتكلمون [1] المعوقون والمعوقات طائفة منسية في المجتمع، وما أقل من يذكرهم، أو يتابع شئونهم أو يرصد أحوالهم، أو يتفقد حاجياتهم ومشاكلهم؛ لأنهم في اعتقاد بعض المفكرين عالة على المجتمع، وما علم هؤلاء أن الإعاقة الحقيقية في العقل وليس في البدن.

مناط التكليف هو العقل وليس الجسد

مناط التكليف هو العقل وليس الجسد الحمد لله على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، نحمده سبحانه خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل خير سألناه أعطانا، نحمده سبحانه ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، نرجو رحمته ونخشى عذابه، إن عذابه الجد بالكفار ملحق، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته، واحدٌ في ألوهيته، واحدٌ في أسمائه وصفاته، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، لم يعلم سبيل خير إلا دل أمته عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا حذر أمته منه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، وذلك بالتمسك بأوامره، والانزجار عن زواجره {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين! حديثنا اليوم عن طائفة من أحبابنا وأبنائنا وإخواننا وأخواتنا يتقطع القلب حسرةً وألماً على ما هم فيه من الحال، ولكن قضاء الله وقدره بعباده جميلٌ ولو جهلنا حكمة ربنا فيه. أيها الأحبة! حديثنا اليوم عن المعوقين والمعوقات من أبنائنا وبناتنا، وإخواننا وأخواتنا، أولئكم طائفة منسية من هذا المجتمع إلا من رحم الله، وما أقل من يذكرهم، أو يتابع شئونهم، أو يرصد أحوالهم، أو يتفقد حاجياتهم ومشاكلهم، وليس بدعاً، أو جدارةً، أو ذكاءً مني أن أطرقه بينكم، ولكن لما وجدته من إلحاح ومتابعة من طائفة من المعوقين من خلال رسائلهم واتصالاتهم الشخصية إلى حد قال لي فيه أحدهم: والله إن المشايخ لا يهتمون بنا، وإنهم هم أول الذين يحتقروننا، قلت: يا سبحان الله! ما الذي بلغك إلى هذا الحد حتى قلت هذا الكلام، أو أصدرت هذه الأحكام؟! فقال: لأننا منذ مدة طويلة نجتمع مع أمثالنا المعوقين، ونكتب حاجياتنا، ونرسلها إلى عدد من إخواننا، ولكن لا نجد من يلتفت لنا، أو يتفهم مشاكلنا، أو يتفقد حاجياتنا. اعلموا -أيها الأحبة- أن الله جل وعلا جعل مناط التكليف العقل، فحيثما وجد العقل فالإنسان مكلفٌ بعقله، وإذا غاب العقل سقط التكليف، يقول صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن الصغير حتى يكبر، أو يبلغ). وكل هذا فيه دلالة جلية واضحة على أن مناط ومتعلق الأمر والنهي هو العقل، فحيثما وجد العقل، فصحابه مكلف سواءً كان أعمى أي: لا يبصر بعينيه، أو كان مشلولاً، أو معوقاً، لأن مركز الاستجابة والاستقبال وهو العقل لا يزال حياً يقظاًَ نابضاً بتلقي وتفهم الأمر، فعند ذلك يكون صاحبه مكلفاً مهما كانت نوع إعاقته بالقدر الذي يستطيع العمل معه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. أيها الأحبة في الله! إذا علمنا ذلك، علمنا أن كل معوقٍ مطالب بالالتزام، ومطالبٌ بالاستقامة، ومطالبٌ بالمحافظة على الصلوات مع الجماعة بحسب استطاعته وقدرته، ومطالبٌ بالاستجابة لأمر الله في كل دقيق وجليل من أوامر الله جل وعلا ومناهيه، لا كما يظنه بعض النفسانيين أو التربويين الذين هم أجهل الناس بحقيقة علمهم، ولا أقول كل النفسانيين أو التربويين جهلاء، لكن أقول: إن الجهل يخص طائفة منهم أولئك الذين يعالجون المعوقين بالطبول والعزف والموسيقى والطرب وعرض أمور لا ترضي الله جل وعلا، ويقولون: هذا نوعٌ من العلاج النفسي، وهذا نوعٌ من العلاج التدريجي لأولئك المعوقين، نقول: ينبغي أن تعيدوا لأولئك المعوقين الثقة بأنفسهم، أعيدوا لهم الجدارة والقدرة، وأشعروهم بأنهم قادرون أن يفعلوا أشياء قد لا يفعلها كثيرٌ من الأصحاء السليمين، ألم يعلموا أن أحمد ياسين من قادة الانتفاضة في فلسطين وهو رجل مصابٌ بالشلل الثلاثي، أو الرباعي، ما عاقه شلله، وما ردته إعاقته من أن يكون عنصراً وقطباً محركاً محرضاً مجاهداً في فلسطين. أولم يعلموا أن عمرو بن الجموح الأنصاري قبل أحمد ياسين وقبل غيره كان رجلاً أعرج، وأراد الدخول في معركة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له أبناؤه: إن الله أعذرك، فأنت من أهل الأعذار {وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} [الفتح:17] فغضب عليهم، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! أولادي هؤلاء يردونني عن الجنة، والله لأطأن بعرجتي هذه الجنة يا رسول الله! فأذن له الرسول في الجهاد، فجاهد في سبيل الله، وصبر وثبت حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه. ألم يعلموا أن كثيراً من علماء المسلمين وقادة الجهاد والمجاهدين لا يزالون على نوع إعاقةٍ، وما ردتهم إعاقتهم عن أن يمضوا في سبيل الله، وأن يقدموا لدين الله ما استطاعوا من جهودهم.

النظر للمعوقين بنظرة الاستخفاف والعجز ونتائج ذلك

النظر للمعوقين بنظرة الاستخفاف والعجز ونتائج ذلك ينبغي أن ننظر إلى أولئك المعوقين نظرة الثقة، ونظرة الجدارة، ونظرة المسئولية، ونظرة الكفاءة بأنهم ليسوا من العاجزين، أو المخلفين، وكثيرٌ منهم يسرف في عبارات الخضوع والرحمة والانكسار إلى حد يجعل المعوق يضيق من نفسه، أحدهم يقول: والله لا يؤذيني معوقٌ من المعوقين، يقول: والله لا يؤذيني إلا مبالغة كثيرٍ من الناس في هذا الانكسار، وفي تلك العبارات التي يظنون أنهم بها يترحمون، وما علموا أنهم بها يكسرون الجدارة والقوة والكفاءة، نعم. نحن ننظر والله لهم بعين نسأل الله معها أن يعينهم، وأن يرفع إعاقتهم، وننظر لهم -أيضاً- بأنهم عليهم نصيبٌ من مسئوليات مجتمعهم، ولا أقول إن كل المعوقين من الذين وقعوا في هذه الحال، بل منهم رجالٌ عرفناهم يعولون أسراً عديدة، ولهم أدوار بارزة بناءة في مجتمعاتهم. لكن المصيبة في هذه الأيام مصيبة طائفة من الشباب المعوقين يشكون هذه الحالة، وهذه النظرة، وهذا الموقف الاجتماعي منهم، ما هي النتيجة؟ ما هي النتائج التي ظهرت من خلال هذا الموقف الاجتماعي من نظرتنا إلى المعوقين؟ لقد انعزل طائفة من المعوقين، والتف بعضهم حول بعض، وماذا تظنون -أيها الأحبة- أن تملأ اجتماعاتهم به؟ يقول صاحبنا هذا: والله إننا لنجلس، وقد يكون صاحب المنزل، أو المعوق الذي يضيفهم يدق نوعاً من الحبوب، فيمزجه بالشاي، فنشربه حتى يطرب، أو يتخدر طائفةٌ منهم، فقد وقعوا في المخدرات. ومن خلال رسالته، ومقابلتي له شخصياً، واطلاعي على هذا الأمر، علمت أن صديقاً له من المعوقين نظر إلى مجتمعه نظرة البعد، ونظرة اليأس والقنوط من أن يفتح له المجتمع دوراً، أو مجالاً بارزاً بناءً، فآثر العزلة، ووقع في طلق المخدرات ومصيبتها، فأخذ يتناول حبوباً بيضاء، وما هي إلا مدةً يسيرةً حتى أدمنها جسمه، فتناول حبوباً حمراء حتى أدمنها جسمه، ثم أصبح يتناول أنواعاً من الحشيش وغيرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما هي النهاية؟ لقد مات على هذه الحالة، مات وهو معوقٌ على هذه الحالة، وكثيرٌ من زملائه وأصدقائه لا يزالون يعانون من هذه المشكلة، يقسم بالله العلي العظيم، يخرج لي عصاه وعكازه الذي يتوكأ عليه، يقول: أرأيت هذا العكاز، والله إن من خلاله لتدخل مئات الحبات من المخدرات، وتدخل سجائر الحشيش، وتدخل أمور محرمة ممنوعة، وقد ينظر إلى هذا المعوق نظرةً بالغةً في الشفقة والرحمة، فيمر، ولا يقع في أيدي رجال الأمن، ولا ينتبه لما يوجد في عكازه، لست هنا أدعو إلى التشديد وسوء الظن بالمعوقين وتفتيش عكازاتهم. ولكن أقول: اعلموا أن الالتفات عنهم، وعدم إعطائهم مكانتهم ومنزلتهم المناسبة في المجتمع جعلتهم يبحثون عن أمور أخرى حتى وقعوا في جحيم المخدرات، وما أدراك ما يقع بين بعض الشباب من المعوقين، ولا أعمهم، لأني أعرف منهم طائفةً من الصالحين، وطلبة العلم، والرجال الأكفاء، لقد اجتمع كثيرٌ منهم على مثل هذه المجالس مع ترك الصلاة والسباب والشتيمة، والجلوس على أفلام خليعة لمشاهدتها، وكثيرٌ ينظر إليهم بعين الرحمة والشفقة، يراه يقع في نوعٍ من المخدر، أو يقع في شرب الدخان، أو ينظر إلى الأفلام الخليعة، ويقول: هذا مسكين، هذا معوق. إذا كنت تنظر إليه بعين الرحمة والمسكنة، فواجبك أن تشعره بدوره، وأن توقظه من غفلته، وأن تبوأه مكاناً مناسباً يزول عنه به تلك العقدة التي علقت به من نظرة مجتمعه إليه. ووالله -أيها الأحبة- إن الحديث عن بعض الشباب المعوقين ليؤلم ألماً عظيماً إلى حدٍ يستحي الإنسان أن يذكر ما يدور بينهم، ولكن لم نجد ألذ من الصراحة، ولم نجد أسرع في العلاج من تشخيص المرض بصراحة: يقع كثيرٌ من بعض الشباب المعوقين حتى في اللواط والزنا -والعياذ بالله- والله لقد وقع كثيرٌ منهم في هذا، وبعضهم يلتف حول بعض، ويجالس بعض، فأصبحوا في بوتقة، وفي حلقة مفرغة مغلقة، لا يعلم كثيرٌ من رجال المجتمع ما يدور في أوساطهم، ولا يجدون من يدخل إليهم حتى ينظف دائرتهم وحلقتهم مما يدور بينهم فيها. فيا أيها الأحبة! ينبغي أن ننظر إلى إخواننا المعوقين، وأن نلتفت لهم، وأن نعطيهم من أنفسنا، ومن وقتنا، ومن شفاعاتنا، ومن حاجياتهم التي نبذلها لهم، ومن كل سبيل نستطيع أن نشعرهم من خلاله أن لهم محبة ومكانة ودوراً عظيماً، لا كما يظنه الكثير منهم أن المعوق ليس واقفاً إلا للاستجداء والمكيدة وسؤال الناس عند أبواب المساجد. أحدهم يقول: كنت ذات يوم في المسجد، فإذ برجل يخرج من جيبه ريالات، فيضعها في يدي، إلى هذا الحد تضاءل وتناقص الفكر والعقل عند بعضهم؛ إلى حد أنه يظن أن كل معوق فقير، ليس هذا هو النظر العاقل، وليس هذا هو الموقف المطلوب، بل المطلوب هو أن نشعرهم بمكانتهم، وعن المكانة التي يمكن أن يتبوءوها، وإذا كان بعضهم لم يجد سبيلاً يستطيع من خلاله أن ينفع المجتمع، فعلينا أن نقترح، وأن نبحث عن أساليب نستطيع أن نضعهم فيها في مواقع اجتماعيةٍ مناسبةٍ نرد إليهم بها ثقتهم بأنفسهم، ومكانتهم، ونظرات المجتمع إليهم العادلة، لا كما وقع الآن من كثير من الناس بنظرة كلها انكسار وخضوع وشفقة متناهية، فالغلط أن ينظر إليهم بهذه العين حتى أصبح بعض الذين يعنون بشئونهم لا يرون علاجاً لهم إلا بالموسيقى وبالطبول وبالزمر ونحو ذلك. آلمني ذات يومٍ ما رأيته في مجلة في مقابلة لأحد المعوقين بماذا برز؟ بماذا تفنن؟ أخرجوه وهو يضرب عوداً، ويدق أوتاراً، أهذا نموذج للمعوقين أن يظهر بين الشباب، لماذا لا نظهر معوقاً مخترعاً؟ لماذا لا نظهر معوقاً من طلبة العلم؟ هو معوقٌ، ولكن الأصحاء حوله جلوسٌ يستمعون إلى علمه، لماذا لا نظهر معوقاً له الدور البناء؟ نستطيع أن نجد آلاف ومئات المجالات التي نظهر ونبرز ونعيد الثقة لهم فيها، لا كما يظنه البعض نظراً لحالتهم الاجتماعية المرتبطة بالأحوال النفسية لا نجد لهم إلا الرسم التشكيلي، والفنون التشكيلية، والطبول والزمر، ونحو ذلك. ليس هذا بعلاج للمعوقين، وليست هذه بخطة عمل للمعوقين، بل العلاج والخطة المناسبة أن تشعرهم أن مناط التكليف عقولهم، وليس مناط التكليف هو الرجل، أو اليد، أو العين، أو السمع، لقد سرني ما رأيته ذات يومٍ في نادي معهد الأمل للصم والبكم أن وجد عشرات عديدة من الشباب الصم والبكم عليهم سيم الالتزام في لحاهم، وفي ثيابهم، وفي سمتهم، وفي صلاتهم، بسبب شباب -أسأل الله أن يجعل جهودهم في موازينهم- دخلوا بين هؤلاء الصم، وفهموا إشاراتهم وعباراتهم، ووجدوا في صفوفهم حتى ظهر هذا الالتزام، وظهرت هذه الصحوة حتى بين الذين يشكون الصمم والبكم. فمن الذي يكون لأولئك المعوقين، ويدخل مجتمعاتهم، ويخالطهم، ويعيد إليهم الثقة بأنفسهم حتى يشعل صحوة في الاستجابة والاستقامة لأمر الله جل وعلا؟ إن أوامر الله عامة، وليست تستثني من فقد عيناً، أو رجلاً، أو يداً، بل إنها تخاطب من له عقل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} [الملك:23] الآيات كثيرة التي تبين وتظهر أن مناط الأمر والاستجابة والتكليف والنهي هو العقل والقلب، وليست هي اليد والرجل. أسأل الله أن يعافيهم، وأن يشفيهم، وأن يردهم إلى الحق رداً جميلاً، وأن يرينا من بينهم العلماء وطلبة العلم، والمجاهدين والمفكرين والمخترعين؛ إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

من مشاكل المعاقين

من مشاكل المعاقين الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! إن مما يشكوه، بل إن أشد ما يعانيه إخوانكم المعوقون نظرة محجمة منصرفة معارضة من القرب والدنو منهم ألا وهي: مشكلة زواجهم، مشكلة الزواج عند المعوقين من أعظم المشاكل -أيها الإخوة- كثيرٌ منهم وأكثر ما وصلني من رسائلهم أنهم لا يجدون من يزوجهم، أتدرون ما الحل؟ ما هو البديل؟ أليسوا بشراً؟ أليس لهم شهوة وغريزة؟ بل إن بعضهم ليكون أشد شهوة وغريزة ممن نراهم أمامنا من الأصحاء والأقوياء، إنهم يعانون من هذه المشكلة، ولا يجدون من يزوجهم، وإذا تقدم أحدهم رد ولم يزوج. ولا أقول: إن بوسع كل واحد أن يكره، أو يجبر ابنته على أن تتزوج منهم، ولكن ما الأمر برجل عنده ابنة معوقة، وفتاة معوقة، فإذا خطبها شابٌ معوقٌ رده، ولم يسأل ابنته، ولم يعرض الأمر عليها، ينتظر رجلاً سوياً صحيحاً يأتي ليخطبها، إذا تقدم لابنتك نصيب، وما أكثر البنات اللائي يرضين! ولو بمعوق خير لهن من أن يبقين عانسات بلا أزواج، لو أن الأب عرض الأمر عليهم؟ والله قال لي واحد منهم: التمس لي زوجةً جزاك الله خيراً , ولو كانت أكبر مني، ولو كانت معوقةً، ولو كان فيها الذي فيها، أريد أن أتعفف بالحلال، ثم أخرج لي بطاقته بطاقة التخفيض للمعوقين، إذا سكن فندقاً يخفض له نصف التكلفة، وإذا صعد طائرة يخفض له نصف التذكرة، وإذا نزل مكاناً فيه رسوم رسمية يخفض له نصف ذلك، قال: اعلم أن هذا هو البديل، اعلم أن أمثالي من زملائي كثيرون لم يجدوا بديلاً إلا بطاقة المعوق المخفضة، قلت: وكيف تكون البطاقة بديلاً؟ قال: السفر إلى البلاد الفلانية، فأفخر الفنادق نسكنها بنصف الأجرة، وما نطلبه من البغاء والشراب، وغير ذلك يبذل بنصف التكلفة، هذا هو البديل يا عباد الله. إذا أجرمنا في حقهم، قدناهم وسقناهم واضطررناهم إلى الوقوع في أوحال المعصية، لماذا لا يزوجون؟ لماذا لا يوجد من يهتم ويعتني بأمرهم؟ أليس في المجتمع فتيات معوقات؟ بلى والله، ما الذي يمنع أن تقوم طائفة من الصالحين بالتنسيق مع دائرة رسمية بحصر المعوقين والمعوقات، أو من يرغبون الانتساب والانضمام إلى هذه المؤسسة، أو هذا المكتب؟ لا لغرض تعليمهم الموسيقى والفنون التشكيلية، لا. بل لتزويجهم، وهو يعانون أكبر المشاكل من الزواج، يعانون من ذلك أعظم المشاكل، والكثير منهم أصبح يائساً من مجتمعه حتى أن بعضهم يقول لأحد الصالحين منهم: أنت أشغلتنا بالشيخ فلان وعلان، لو كان في أولئك خير، لتناولوك أو تحدثوا عنك أو التفتوا لك، تعال واشرب، ويقسم بالله العلي العظيم أنه أرسل رسالة إلى أحدهم، قال: فرد لي الرسالة وفي داخلها حبوب مخدرات، هذا جواب الرسالة، جواب الرسالة ظرف فارغ إلا من الحبوب المخدرة، يعني: بلسان الحال، لا بلسان المقال، الجواب ما ترى لا ما تسمع، الجواب هو: الانحراف، الجواب هو: الغفلة، الجواب هو: الضلالة، ووالله لو تلطف بعض الشباب في الدخول إلى أوساطهم ومجتمعاتهم، لوجدوا خيراً عظيماً فيهم، ولاستطاعوا أن يوجدوا من أولئك المعوقين قادةً من الدعاة إلى الله جل وعلا، ليس العمل للإسلام محصورٌ للجهاد في أفغانستان، أو محصور في المنابر، أو محصور في الوعظ والإرشاد في المساجد، أو محصور في الخطب والمحاضرات. إن العناية بأمثال المعوقين، ودراسة أحوالهم، وتتبع مشاكلهم-والله- لمن أعظم وجوه الدعوة إلى الله، والعمل لدين الله. فيا أيها الأحبة! من عرف معوقاً فليساعده، وليكن نعم العون له على طاعة الله جل وعلا، لا أن يكون معيناً له على سفرٍ، أو غفلةٍ، أو لهوٍ، أو ضياعٍ، بل كن معيناً له في تفقد حاجته، في البحث له عن زوجة، توجد لهم سيارات تناسب قدرتهم بدلاً من الأجهزة التي تعتمد على الأقدام في القيادة وعلى الأيدي، وأعرف كثيراً منهم وهم معوقون يسوقون السيارات ويقودونها، توجد سيارات من هذا النوع- وأنتم تعلمونها- بعضهم يحتاج إليها فلا يستطيع أن يجمع قيمتها، ينظر المجتمع إلى هذا المعوق، سيارته عكازته، إذا زوجناه، لا يستطيع أن يذهب بابنتنا، أو يأتي بها، من الذي يصرف عليه؟ من الذي ينفق عليه؟ والله لو أن القلوب فيها رحمة وشفقة، لوجد المعوق من يزوجه ويصرف عليه وينفق عليه ابتغاء ما عند الله، ولا أقول إن المجتمع قد خلا من المعوقات، الكثير منهم يقولون: نحن لا نريد ملكات الجمال، نحن لا نريد شروطاً في زوجاتنا، نريد زوجة ولو معوقة مثلنا، لكن الكثير يرفضون تزويجنا، ومنهم من قال: حتى إني طلبت أن أتزوج من الخارج، فرفض أهلي وجماعتي، لأن هذا ليس من طريقتنا، أو من عاداتنا، فإذا كان من عادتكم ألا تزوجوا معوقاً، وليس من عادتكم ألا يتزوج من الخارج، ماذا يفعل؟ أينتحر المعوق؟ لا بد أن تلبى حاجته، لا بد أن تفرغ شهوته في قالب شرعي غريزي فطري مناسب ألا وهو بالزواج، فأعينوهم وتفهموا مشاكلهم. ويا معاشر الدعاة! يا معاشر الشباب عليكم بجبهة المعوقين، اقتحموها وادخلوها، وانظروا ماذا يدور بينهم؟ أصلحوا شأنهم وأحوالهم، ووالله لو توغلتم في داخل ما يدور بهم، لوجدتم ما تشيب له الرءوس من المصائب التي يقعون فيها. أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المعوقون يتكلمون [2]

المعوقون يتكلمون [2] من ابتلاه الله ببلية ثم صبر، وعلم أن الله رءوف بعباده، ولولا رحمة الله ورأفته بعباده لما قدر عليه ذلك، ثم سلَّم الأمر والحكمة لله جل وعلا - كان هذا من أجلِّ وأعظم أنواع التوحيد الذي لصاحبه عند الله مكانة عظيمة وأجر عظيم، وديننا الإسلامي قد أوصانا بالمعاقين، وأخبرنا أن في مساعدتهم أجراً لنا وصدقة، بخلاف الأديان الأخرى، فإنها تعتبرهم عضواً غير فعال في المجتمع، لا يجب الاهتمام بهم ورعايتهم، ومن الأشياء التي تحدث عنها الشيخ: المعاقات، وما هي أهم مشاكلهن في المجتمع

كل ابتلاء من الله فيه حكمة

كل ابتلاء من الله فيه حكمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً. معاشر المؤمنين! كان الحديث في الجمعة الماضية عن المعوقين ونظرة المجتمع إليهم، وموقفهم من ذلك، وما ينبغي نحوهم، ولهم وعليهم، واليوم الحديث عن المعوقات ومشاكلهن -والله- أعظم أثراً وثقلاً على النفس من مشاكل المعوقين؛ لأن المعوق -الذكر- قد يتحرك يمنة ويسرة، وقد يذهب ويجيء، ويغدو ويروح، أما المعوقة، فطائر مكسور جناحاه. فيا عباد الله! قبل أن نخوض في هذا الحديث ينبغي أن نقف وقفة متأملة، ألا وهي أن الإسلام نظر إلى من ابتلي ببلية نظرة فيها وعد جزيل بالثواب لمن صبر واحتسب على ذلك، أليس الله جل وعلا يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157] فمن ابتلي ببلية أياً كانت، أو إعاقة أياً كانت، ثم صبر واحتسب الأجر من الله على ذلك، فعليه من ربه صلوات ورحمة، وله من ربه الفوز والهداية، أليس الله جل وعلا يقول في شأن من صبر على ما ابتلي به: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]. فمن رأى بلية الله فيه، ومن رأى ابتلاء الله له جل وعلا، ثم صبر وعلم أن الله رءوف بعباده، ولولا رحمة الله ورأفته بعباده لما قدر عليه ذلك، ثم سلم الأمر والحكمة لله جل وعلا، لكان هذا من أجل وأعظم أنواع التوحيد الذي لصاحبه عند الله مكانة عظيمة وأجر عظيم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه: (من أخذت حبيبتيه -أي: عينيه- فصبر واحتسب، لم أجد له جزاءً إلا الجنة) الله أكبر يا عباد الله! الله أعلم بك، وأعلم بما يسرك، وأعلم بما ينفعك، وآتاك بمقدار فيه خيرك وصلاحك وهدايتك، ثم يأمرك بالصبر على ذلك، وبعد ذلك يعدك بالجنة التي فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر من النعيم المقيم. إن الله جل وعلا ما قدر أمراً من المقادير إلا وللعباد فيه مصلحة، ووالله كم من شخص يتمنى أنه لم يبتل ببلية، ولو سلم من هذه البلية التي قدرها الله جل وعلا، فقد يكون له شأن آخر من الضلال، أو الغواية، ولكن لحكمة وتقدير وتدبير ينبغي أن يسلمها العبد لربه جل وعلا، وإذا رأى عافيةً، أو تحسناً، أو صحةً، أو مزيداً، فذاك تقديرٌ وتدبيرٌ من الله فهذا ينبغي أن يتمثله كل واحدٍ منا، وليس منا في هذه الدنيا إلا مبتلى سواءً كانت بلية ظاهرة، أو بلية باطنة ليجعل الله جل وعلا لنا هذه الدنيا داراً ننظر منها إلى الأكدار وما ينغص ملذاتها، فتكون طمعاً إلى دار لا ينكدها، ولا ينغصها شيء. ما أضيق العيش ما دامت منغصةً لذاته بادكار الموت والهرمِ وهذه الدنيا ليس يخلو أحدٌ فيها من بلية، أو ابتلاء، أو امتحان أياً كان هذا النوع، ظاهراً وباطناً، ولله جل وعلا في ذلك حكمة، وفي قصة أهل الكهف مما يدل على أن تقدير الله في المصيبة سواءً كانت في النفس، أو في المال، أو في غير ذلك، إنما هي لحكمة ربانية عظيمة، أليس الخضر لما ركب السفينة، خرقها، فقال له موسى: ما هذا الذي أحدثته؟ هذه مصيبة على أصحاب السفينة {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف:71] إن هذا لأمرٌ عظيمٌ جداً، فقال له الخضر: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:67] ثم إنه مر على قرية، أو مكان فيه صبية، فأخذ واحداً منهم، ثم قتله وأزهق روحه، فعجب موسى من ذلك، فقال: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:74 - 75] ثم لما أراد أن يبين له جميع ما عجز عن الصبر عليه، قال: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79]، وفي قراءة: (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً). انظروا -يا عباد الله- أي الأمرين أعظم أن تخرق السفينة، فيمنع ذلك الظالم الغاشم عن مصادرتها وأخذها، أو تترك السفينة، ثم يأخذها ويدع المساكين بلا سفينة أبداً. إذاً: فمصلحة المصيبة في خرق السفينة كانت أولى وأعظم وأجل من ترك السفينة صالحة، فهذا قدر من أقدار الله يفضي إلى الرضا، ويفضي إلى معرفة عين الحكمة، ودقة وجليل الصواب، والرحمة بأولئك الذين كان لهم الأمر والشأن، وأما الغلام الذي أزهقت روحه، فجاء بيان أمره {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} [الكهف:80 - 81] فكانت مصلحة قتل هذا الغلام خيرٌ من أن يبقى، فيكون سبب فتنةٍ أي: كفرٍ على أمه وأبيه، والفتنة أشد من القتل، والكفر أشد من القتل، فكان مصلحة قتله فيها، وكان قدر قتله، أو تقدير إزهاق روحه فيها عين الرحمة، والصواب بالأم والأب وما نسل منهما من الذرية. وهكذا فكل مصيبة نحن فيها سواءً كانت أمراضاً باطنيةً، أو عللاً ظاهرةً، والله، ثم والله، ثم والله إنها لعين العدل، وعين الحكمة، وعين الرحمة، والله جل وعلا أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا فما قدر لنا شيئاً إلا وفيه مصلحة عظيمة. لما كان النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً من معركة حنين، ومعه سبي هوازن، حصل لهم من السبي شيء كثير من الشاء والنعم والأطفال والنساء، فبينما هم كذلك -وقد أعطى كل سائل ما أعطى وطلب- بينما هم كذلك إذ جاءت امرأة تركض من بين السبي، ثم أخذت وليداً من بين السبي، فضمته إلى صدرها، وأخرجت ثديها أمام الناس، وألقمت ثديها في فم الصبي، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتظنون أن هذه تلقي بولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعبده من هذه بولدها). إذاً: فمن عين رحمة الله، وعين تدبير الله وتقدير الله أن قدر على العباد ما قدر، وكثيراً ما جاء من يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء والعافية من البلية، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن شئت، دعوت لك فشفيت، وإن شئت صبرت، ولك الجنة) وجاءت المرأة التي تصرع، فتتكشف، وقالت: (يا رسول الله! إني أصرع وأتكشف، فادع الله لي، فقال: إن شئت دعوت الله لكِ فشفيت، وإن شئت، صبرتِ ولك الجنة، قالت: أصبر يا رسول الله! ولكن ادع لي ألا أتكشف) فدعا لها ألا تتكشف، فصبرت حتى تنال الجنة، وأجيبت دعوة المصطفى أن إذا أتاها الصرع، أو ابتليت به أنها لا تنكشف عورتها.

الفرق بين الإسلام والأديان الأخرى في النظر للمعوقين والفقراء

الفرق بين الإسلام والأديان الأخرى في النظر للمعوقين والفقراء نظرة الإسلام لمن ابتلي بشيء من هذه البلايا أنه عين الرحمة، وعين القدر واللطف، وعين العدل من الله جل وعلا، لا كما ينظر إليه اليهود والملاحدة والنازية الذين قال زعيمهم هتلر: ينبغي أن نحرق كل من ليس للمجتمع منه نفع في الأفران ونصهرهم حتى لا يكونوا عبئاً على المجتمعات، هذه نظرة النازية، ونظرة الشيوعية، ينبغي أن يزهق كل من ليس للمجتمع فيه نفع أبداً، ويقول أحد مفكري اليهود -وليس من مفكريهم، بل هو والله من معتوهيهم ولو كان مفكراً، لهداه فكره إلى الإسلام- يقول: ينبغي ألا نتصدق على الفقراء، لأننا إذا تصدقنا عليهم، قادهم ذلك إلى النكاح فتزوجوا، ثم انتشرت ذرية فقيرة، ومن بين هذه الذرية ذريات أخرى، فتعظم مشكلة الفقر، فعلى ذلك ينبغي أن يترك الفقراء، ولا يتصدق عليهم حتى يموتوا ويبقى المجتمع في طبقة تنال كفايتها ورفاهيتها وجميع احتياجاتها. هذه مفرزات الحضارة الغربية، وهذه مفرزات المذاهب الإلحادية، الله أكبر على دين الإسلام العظيم الذي جعل لكل مسلم صغيراً أو كبيراً، سليماً أو غير ذلك، جعل له منزلة ومكانة عظيمة عند الله، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه العتاب يوم أن انصرف عن رجل كفيف جاء يسأله والنبي صلى الله عليه وسلم كان مشغولاً بصناديد قريش طمعاً في إسلامهم {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} [عبس:1 - 2] انشغلت، أو تجهمت، أو تكشرت قليلاً يوم أن جاءك الأعمى طمعاً في إسلام أولئك من الصناديد وغيرهم. هذا خطاب رباني من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن تكون العناية بأولئك عناية عظيمة، وحاشا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتقر معوقاً، أو غير ذلك، ولكن كان يطمع أن يلتفت إلى هذا الكفيف في وقت آخر، وهو مشغول بإسلام صناديد قريش، وكبار رجالاتها، فجاء العتاب، وجاء التعقيب سريعاً {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس:1 - 4] أما صناديد قريش {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} [عبس:5 - 7] هذا من معجزات ومبينات، ومن موقنات هذا الدين العظيم أن لنا فيه أعظم السعادة، وأجل الرفعة والكرامة لكل فرد من أفراد هذا المجتمع. أيها الأحبة! هذه نظرة الإسلام إلى المعوقين، وإن كان في النفس شيء أن يسموا معوقين، بل هم-والله- رجالات المجتمع، ومنهم قادة الأمة، أليس رجلٌ قد أعيق في أطرافه الأربعة بشلل رباعي، ليس فيه إلا رأسه يهدد دولة تملك القنابل الذرية، رجلٌ معوقٌ يهدد دولة إسرائيل، وقدم، أو سيقدم للمحاكمة في فلسطين وهو أحمد ياسين الذي نسب إليه القتل، وكيف يقتل من ليس له يدٌ يبطش بها، أو رجلٌ يمشي عليها؟ شلله رباعي، ويحاكم من اليهود بتهمة القتل، والله لقد قتلهم بإيمانه وبصبره وبثباته وبتحريضه للمؤمنين على القتال. نعم -أيها الأحبة- فنحن لا نرضى أن ينسب لمسلم أياً كان نوع البلاء الذي ابتلاه الله به، لا نرضى أن ينسب له ضعف، أو نقص، أو عجز، بل له مكانة، وله منزلة، وله كرامة، وله قيادة، وله شأن عظيم، ولو عرف قدر نفسه وقدر تكريم الإسلام له لتبوأ منزلةً مناسبةً، ولكان أعظم من مئات الأصحاء. والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ وواحدٌ كالألفِ إن أمر عنى لرب معوقٍ خير من آلاف القاعدين الجبناء الضالين المنشغلين عن عبادة ربهم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

المعوقات

المعوقات الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراًَ. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: كما وعدنا في صدر هذه الخطبة أن يكون الحديث عن المعوقات، فهذا أوان الشروع في المقصود. عباد الله! إن في مجتمعنا أولياء ظلمة، إن في هذه الأمة من أولياء المعوقات -والله- ينسبون إلى الظلم والظلمة، ألا يخشون الله فيما بين أيديهم من المعوقات؟ ولم أبحث معكم، أو أتكلم به أمامكم إلا بعد اتصال بعدد من المعوقين والمعوقات، وأخبرتكم في الجمعة الماضية ما الذي يفعله بعضهم، أو يشكو منه بعضهم تجاه مشاكله وإعاقته، واليوم اسمعوا إلى فتاة لها معونة سنوية من الدولة -أعزها الله- أبوها ووليها يصادرها ويأخذها في شهواته وملذاته، قد يقول قائل: أنت ومالك لأبيك، وأقول: إن شأن من ابتلي ببلية، وأعطي وليه مكافأة، أو معونة لتحسين حاله ينبغي أن يثمرها، وأن ينميها في عقار، أو في أسهم شرعية، أو في تجارة مناسبة حتى ينمو هذا لصاحبه، فإذا يسر الله له يوماً من الأيام زواجاً، أو حظاً مباركاً، كان له من المال -والله هو الرزاق ذو القوة المتين- كان له من المال ما يعينه على نفسه، لا أن يأكلها الأب، ويراها مناخاً أو شرهةً، أو عادةً يأكلها، وبين يديه من ابتلي ببلية في يده، أو قدمه، أو شيء من التخلف في مستوى ذكائه، ولا ينفقها لأجل تحسين تعليمه وتربيته، هذا -والله- من الظلم، وهذا لا يجوز أبداً. كذلك -أيها الأحبة- فتاة معوقة تشكو أن أباها لم يعرض عليها أمر الزواج أبداً، وهي تعلم أنه يتقدم إليها من المعوقين من يرغب الزواج منها، وأبوها يرفض أن يزوجها، ما دامت رغبت هذا الحظ والنصيب فما الذي يجعلك تردعها وتمنعها؟ أتحرمها أن تتزوج فيدور عامٌ أو عامان، فتنجب طفلاً أو طفلةً صحيحةً سويةً سليمةً، وما أسرع مرور الأيام والأعوام، ثم يكون هذا الطفل شاباً جلداً يرعاها ويتولاها، وينفق عليها؟ أتظن أن هناك ما يمنعك من تزويجها؟ والله إن من كانت عنده كهذه، فرغب من الزواج منها فمنعها بحجة أن من تقدم إليها ليس سوياً كامل البنية، فإنه آثمٌ آثمٌ آثم، لا يجوز فعله، وابنته حجيجته أمام الله، فلينظر مظلمتها، وما تأخذ من حسناته، أو تعطيه من سيئاتها. كذلك -يا عباد الله- ينبغي للأولياء من كانت عنده بنية معوقة أن يتلطف، وأن يبحث لها عن زوجٍ، ينبغي أن يحمل همها وشأنها، لا أن يكون قصارى همه وجهده أن يجعل لها عربية في البيت، أو يجعل لها حجرة مستقلة، فيضع التلفاز أمامها، وأنواع الفيديو بأنواعها، ثم يقول: ما قصرت معها، وأمامها كل المغريات، وكل وسائل الترفيه، والله لقد قتلتها فوق أمرها، ولقد ذبحتها فوق ذبحتها، والله ثم والله إنك لا تزيدها إلا هلاكاً، وإن من واجبك أن تبحث لها عن زوج حتى لو كانت ثانية وثالثة. واعجبوا -يا عباد الله- إلى الطوائف المنحرفة والمذاهب الضالة الذين يزوجون المعتوهين والسفهاء والمجانين، يزوجونهم العوانس وكبيرات السن اللائي لم يتقدم لهن أحد، يقولون: هذا معتوه، لكن يخرج من نسله صحيح سوي، وهذه مجنونة، ويخرج من نسلها صحيح سوي، ويكاثرون أمة السنة، ويكاثرون أمة العقيدة والتوحيد يريدون أن يكونوا أكثر منهم بأي سبيل وأسلوب حتى ولو بتزويج السفهاء والمجانين والمعتوهين وكبار السن، وغير ذلك. فنحن -يا عباد الله- انطلاقاً من أمر الله لنا، ورحمةً بإخواننا، وذكراً للفضل بيننا ينبغي أن ننتبه للمعوقات في مجتمعنا، وأن نسعى بكل ما نستطيعه بتيسير شئون زواجهن، وترتيب ذلك، وتقريب وجهات النظر بين من يبحث عن زوجة، وبين من تبحث عن زوج، فنقرب هذا من هذا، وإن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، وينبغي أن نجمع لهم ما تجود به الأنفس، وتطيب به الخواطر، فنهيئ لهم المكان والسكن والوسائل المناسبة لخدمتهم ورعايتهم حتى يأتي اليوم الذي تنشأ فيه ذريتهم، فيقوموا بخدمتهم وعنايتهم. أما أن نظن أن قصارى همنا وجهدنا أن نعلمهم الطبل والزمر، وأن نخرج لهم الأفلام والمسلسلات، ونقول: إنا قد قمنا بحقوق المعوقين علينا، فما-والله- قمنا بحقٍ، بل بذلنا لهم بلاءً إن نحن فعلنا ذلك، وغفلنا عن تربيتهم وتوجيههم على الإسلام، والله ثم والله إنه يندر أن تجد من يفهم الفكرة الإسلامية الصحيحة في مسألة البلاء والامتحان، أو قضاء الله وقدره، فتراه راضياً مطمئناً، بل أكثرهم تجدهم من الساخطين على المجتمع، أو من الساخطات على المجتمع، ولو كان جل ما تعلموا أو نشئوا عليه أن يعلموا أولاً وبادئ ذي بدء أن قدر الله حكمةٌ وعدلٌ، ولطفٌ ورحمةٌ، وأن هذا عين الرحمة من الله بهم، لكان أول ما نرى منهم الرضا، والاستعداد، والإيجابية في كل مجال يعرض عليهم، لكن نظن أنهم بحاجة إلى اللهو والطرب، أو بحاجة إلى أن ننسيهم واقعهم، لا والله، بل يتذكروا أنفسهم ويتلذذوا بهذه المنحة. يقول أحد مفكري الإسلام: ومن عرف ربه، وعرف ثواب ربه، تكون المحنة عنده منحة، يوم أن نعلمهم هذا تكون البلية بالنسبة لهم نعمة وشهادة وشفاعة، ويكونون بها أقرب إلى دخول الجنة من غيرهم، هذا هو الفكر والعلم الذي ينبغي أن يعمق في أذهانهم بعد التوحيد بادئ ذي بدء. أسأل الله جل وعلا أن يوفق الجميع إلى ما يرضيه، وأسأله سبحانه وتعالى أن يوفق من له ولدٌ معوقٌ، أو ابنةٌ معوقةٌ إلى تنشئتهم وتربيتهم وتعليمهم وتزويجهم، والعناية بهم حتى يكون لهم أكبر الأثر وأطيب المكانة في أنفسهم ومجتمعاتهم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح مضغة قلبه، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح جلساءه، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، واجمع اللهم شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين! وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، ربنا لا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ولا تفرح علينا ولا عليهم عدواً. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم وحد صفهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم فك أسرهم، اللهم انصرهم بنصرك، وأيدهم بتأييدك، وأهلك أعداءهم يا جبار السماوات والأرض، فإنهم لا يعجزونك. اللهم انصر المجاهدين في الفليبين، اللهم انصر المجاهدين في أثيوبيا، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم أقم علم الجهاد في جميع دول العالم الإسلامي المغتصبة، اللهم أقم علم الجهاد، ورد بلدان المسلمين إلى حوزتهم، اللهم أقم علم الجهاد في قعر ديار الكفار، وأهلك الظالمين بالظالمين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمد من بينهم سالمين. اللهم اهد شبابنا، اللهم أرنا فيهم خيراً مما نرجو، اللهم أرنا فيهم ما يرضيك ويسرنا ويثلج صدور المسلمين أجمعين، اللهم وفقهم واعصمهم، وأصلح جلساءهم، واهدهم يا رب العالمين! اللهم اهد بناتنا، واستر زوجاتنا، اللهم جنبهن الاختلاط والتبرج والسفور والتبذل، اللهم اجعلهن خير الأمهات لهذا الجيل يا أرحم الراحمين! اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

إمام الهدى

إمام الهدى إن لنا في المصطفى صلى الله عليه وسلم عبرة وعظة، واقتداءً وتأسياً، فلذلك ذكرت كتب السير عن أخلاقه وحلمه وتواضعه وعيشه وحياته ووفاته الشيء الكثير، ولم يبق إلا أن نتدارس سيرته ونتعلمها ونطبقها، ونجعل نبينا لنا أسوة حسنة حتى ننال الأجر العظيم عند الله سبحانه في الدنيا والآخرة.

خلق النبي صلى الله عليه وسلم

خلق النبي صلى الله عليه وسلم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في مستهل هذا اللقاء أسأل الله عز وجل أن يكون اجتماعنا وإياكم مرحوماً، وتفرقنا من بعده معصوماً، وألا يجعل فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً. والحديث عن إمام الهدى، وما أدراك ما إمام الهدى! ذاك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي بصر الله به عيوناً عمياً، وفتح به قلوباً غلفاً، وأسمع به آذاناً صماً، إمام الهدى صلى الله عليه وسلم الذي هدانا إلى الصراط المستقيم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]. ذاك إمام الهدى، ولا غنى لمسلم أياً كان عن سيرته، لا غنى للملوك عن سيرته، ولا غنى للزعماء عن سيرته، ولا غنى للأغنياء والفقراء عن سيرته، ولا غنى للمتعلمين والعلماء عن سيرته، ولا غنى للرجال والنساء عن سيرته. لماذا؟ لأنه أسوة وقدوة لنا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فمن كان يرجو الله فعليه بالتأسي بإمام الهدى، ومن كان يرجو اليوم الآخر فليتأس بإمام الهدى، ومن كان من الذاكرين أو يطمح أن يكون من الذاكرين فعليه أن يتأسى بإمام الهدى، وما ذاك إلا لأن كلامه صلى الله عليه وسلم وحي يوحى، ولأن سيرته ترجمة لهذا الوحي. نحن بأمس الحاجة أن نعرف عنه صلى الله عليه وسلم كل شيء من أحواله، كل دقيق وجليل في حياته، كيف كان صلى الله عليه وسلم يأكل، وكيف كان يشرب، وكيف كان ينام، وما حاله في الرضا، وما حاله في الغضب، وما لباسه، بل كيف كان مشيه، وما علاقته بالصغير والكبير، وما تعامله مع الناس على اختلاف أجناسهم وأحوالهم. حاجتنا أن نعرف سيرته صلى الله عليه وسلم: أليس هو قدوتنا؟ بلى. إذاً فلا بد أن نعرف عبادته، وأن نعرف أخلاقه، وأن نعرف حاله مع أزواجه، ولن يحيط القلم واللسان بحال إمام الهدى صلى الله عليه وسلم في كل أحواله، ولكن كما قال علي بن أبي طالب في ما رواه ابن ماجة والدارمي: [إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا برسول الله أهيأه وأهداه وأتقاه].

خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس

خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس ولنبدأ بخُلقه صلى الله عليه وسلم: يقول الله سبحانه في شأن نبيه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت: [كان خلقه القرآن]. قال عطاء بن يسار: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. فقال رضي الله عنه: (والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن، وهذا وصفه في التوراة: يا أيها النبي! إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفض ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً) رواه البخاري. وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله! ادع على المشركين، فقال صلى الله عليه وسلم: (إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة) هذا من سمو خلقه، هذا من كريم شمائله، هذا من علو منزلته صلى الله عليه وسلم يقال له: ادع على المشركين، فيقول: (ما بعثت لعاناً وإنما بعثت رحمة). وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا لعاناً ولا سباباً، وكان يقول عند المعاتبة: ما له تربت يمينه) يعني: أصاب يمينه التراب، هذا من كريم شمائله صلى الله عليه وسلم. ولنقف عند هذه وقفة -أيها الأحبة في الله- إن بعض إخواننا من المسلمين تجده سليط اللسان في السباب والشتائم حتى على المشركين والكفار، وأنا لا أنافح عن كافر، ولا أدافع عن ظالم، ولا أقول ذلك خشية على عرض فاجر، ولكن نقول: فلنعود ألسنتنا ما تعودناه وما عرفناه من شمائل نبينا صلى الله عليه وسلم، خاصة إذا كان سباب الكافرين وشتمهم سيفضي إلى منكر أكبر: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] بل وفي المقابل لو قيل لأحدنا: ادع لهؤلاء الظلمة، أو ادع لهؤلاء الكفرة، أو ادع لهؤلاء الفجرة أن يهديهم الله أو أن يسخرهم للإسلام والمسلمين، التفت ضاحكاً، وسخر ملتفتاً وقال: ما شأنك وشأن الدعاء لهم؟ ألا تلعن؟ ألا تشتم؟ ألا تسب؟ ألا تقول كذا وكذا وكأنه حرام أن يدعو للضال بالهداية، وللفاجر بالاستقامة! وهذا جهل يا عباد الله. نعم، إن الله لعن الظالمين وأعد لهم سعيراً، نعم. إن الله لعن الكافرين، نعم. إن الله لعن طوائف في كتابه: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:52] ولكن -أيها الأحبة- ينبغي أن نعود أنفسنا ما تعوده نبينا، ففعله وحيٌ، وقوله وحي، وسيرته وحي، فما كان سبّاباً ولا لعاناً ولا شتاماً صلى الله عليه وسلم، لقد جاء الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! ادع على دوس، فقال: (اللهم اهد دوساً وائت بهم) وكانت دوس آنذاك مقيمة على الكفر والشرك، مقيمة على حال الجاهلية، وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين إليك) يعني: أبا جهل أو عمر بن الخطاب، فدعا لهما وهما آنذاك من الكفار. فنحن حينما نتعلم من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يبعث لعاناً، ولم يبعث سباباً، ولم يبعث شتاماً، وإنما بعث رحمة أي: يدعو بالهدى ويدعو إلى الهداية، ويدعو بالرحمة، ويدعو إلى العفو والصفح والمغفرة، فإن ذلك يعلمنا ألا نعود ألسنتنا على السب أو الشتم أو التسلط على أعدائنا؛ فليس ذلك من الرحمة بهم، ولا اللطف بجنابهم، ولا العطف في شأنهم، ولكن حتى لا تتعود ألسنتنا السباب والشتيمة، ونظن أنه غاية خدمتنا لهذا الدين، وغاية رعايتنا لهذه الدعوة، أو نظن أن منتهى قيامنا على هذا الإسلام أن نسب الأعداء وأن نلعنهم، فإن من تعود ذلك سيكون أستاذاً في السباب، ولكن لن يكون أستاذاً في الميدان، لن يكون أستاذاً في العمل، لن يكون أستاذاً في الواقع، لن يكون أستاذاً في التطبيق، وما أحوجنا إلى ألسنة بكْم على أيد فصاح: إنا نتوق لألسن بكم على أيد فصاح

خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته

خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته وعن يزيد قال: أخبرنا زكريا عن أبي إسحاق قال: حدثني أبو عبد الله قال: قلت لـ عائشة: كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في آله؟ قالت: [كان أحسن الناس خلقاً، لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح]. أين الناس من هذا الخلق وهذه الشمائل في وصف النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أهله؟ فلم يكن سباباً، ولم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، ولا يجزي بالسيئة مثلها، إن من الناس من يتعوذ أهله من سوء لسانه وسلاطته، ومن شر لسانه وخبثه، فمن الناس من لو انكسر كأس لسب، ولو انكفأ قدر لشتم، ولو انشق ثوب للطم، ولو تغير حال لضرب، أين هو من إمامه وحبيبه وقدوته ونبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي ما كان فاحشاً؟ يعني: لا يقول فحشاً من القول، ولا يلفظ بالفاحش أو البذيء أو الرديء من الكلام. إن من الناس من تعود هذا الفحش وهذه البذاءة والغلظة، وإن من شرار الناس من تركه الناس اتقاء فحشه. ومن الناس من هم على طائفتين في هذا: فبعضهم تجد لساناً أحلى من العسل، وأبيض من القطن، وألين من الماء، فإذا كان عند أهله وجدت سباً وشتماً، كريم بكل خلق، وبكل قول وكلام لين، وبكل منطق عذب مع الناس أجمعين إلا مع زوجته، إلا مع أبنائه، إلا مع أولاده، إلا مع بناته فإنه لا يطيق أن يسمعهم كلمة طيبة. ما هذا الانفصام؟! وما هذا التناقض؟! ولماذا يعامل الناس معاملة وتعامل الزوجة والأهل معاملة أخرى؟! والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان فاحشاً ولا متفحشاً ولا بذيء اللسان. وطائفةٌ منهم من يفتخر أنه بذيء اللسان، فاحش في القول مع الناس ومع أهله، مع القريب والبعيد، ويعدها من الفصاحة ومن البيان، ويعدها من اللجاجة والقدرة على إسكات الخصوم، وليس هذا والله بحق، وليس هذا والله من الدين في شيء، بل الدين كل الدين فيما ورد عن رب العالمين وسنة إمام المرسلين في وصفه وشمائله: ما كان فاحشاً وما كان متفحشاً، وما كان بذيء اللسان صلى الله عليه وسلم. تقول عائشة: [ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة له قط ولا خادماً، ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله] قالت: [وما نيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فانتقم إلا أن تنتهك محارم الله فينتقم لله] قالت: [وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمران أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار الذي هو أيسر إلا أن يكون إثماً، فإنه كان إثماً كان أبعد الناس منه]. فانظروا في شأنه صلى الله عليه وسلم: ما ضرب بيده امرأة قط، ومن بيننا ونحن المسلمين من يجلد امرأته جلد البعير، ويؤذيها ضرباً وسحباً على وجهها، ويذيقها ألوان البلاء والأذى، أهذا من الدين في شيء؟ أعلمك الإسلام هذا أم وجدت هذا في سنة نبيك؟ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] وإن النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب بيده امرأة قط مع أن ضرب النساء جائز بعد الموعظة والهجر: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] وهذا الضرب غير مبرح. ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك عن ضرب النساء، جاء رجال من الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! زئرن النساء على أزواجهن. أي: كأن بعضهن تطاولن على أزواجهن، فأذن لهم بضربهن ضرباً غير مبرح، ثم قال عن الذين يضربون: (وما أولئك بخياركم) يعني: أن العاقل وأن خيار الناس وكرامهم من يستطيعون أن يصلحوا الأحوال وأن يصلحوا أمورهم دون أن يلجئوا إلى ذلك، وإن لجئوا إليه فبقدر ما يحتاج البدن إلى الدواء دون تطاول.

ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتقم لنفسه

ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينتقم لنفسه ومن شأنه وسمته صلى الله عليه وسلم أنه ما كان ينتقم لنفسه. أما نحن في هذا الزمان فإذا ابتلينا وإذا ظلمنا في أنفسنا أو في أموالنا أو في حاجاتنا أو في مصالحنا ترى البعض يلبس هذه القضية بلباس الدين، ويظن أنه ينتقم لدين الله وهو ينتقم لنفسه، ويظن أنه يذب عن دين الله وهو يذب عن نفسه، ويظن أنه ينافح عن دين الله وهو ينافح عن نفسه، وإن تجريد المقاصد وإخلاص النيات لأمر عظيم، فالناس هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم. فلنتعود -أيها الأحبة- أن تكون غيرتنا وأن يكون غضبنا وأمرنا وسعينا وإقبالنا وغدونا ورواحنا خالصاً لوجه الله عز وجل، وما أعظم شأن الإخلاص في هذا الزمان! والله إن الواحد -أيها الأحبة- ليخشى أن يلقى الله عز وجل ما قبل من خطبه ولا من محاضراته ولا من أعماله ولا من سعيه ولا من كتابته ولا من كل ما يفعل شيئاً، والخطر على الجميع من متصدق أو مجاهد أو أو إلى آخره، إذا سمع وتلا قول الله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} [النور:39]. نعم -أيها الأحبة- إن العاقل يخشى أن ينقلب عمله فيكون هباءً منثوراً، إن العاقل إذا قرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) أشرك شهرته، أشرك شخصيته، أشرك هواه، أشرك مصلحته، أشرك جانبه الشخصي، أشرك أموره، أشرك منفعته فإن الله غني عن هذا: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) فلنمحض الإخلاص -أيها الأحبة- قبل أن نفد على الله عز وجل فيقال لأحدنا: يا عبدي ما قبلنا صيامك! ما قبلنا صلاتك! ما قبلنا خطبك! ما قبلنا كلامك تأليفك عملك سعيك صدقتك! لأن العاقل والله يخشى -أيها الأحبة- أن يكون عمله هباءً منثوراً، وعلينا أن نجاهد وأن ندقق في هذا الأمر، وألا نخدع ذواتنا فنظن أننا نخدم الدين ونحن ربما استخدمناه، قالها رجل كبير قابلته في زغرب القريبة من البوسنة في مؤتمر لحقوق الإنسان فقال ذلك الرجل الطاعن في السن الكبير وقد التفت إلي: يا بني! ما أسهل أن نستخدم الإسلام! وما أشق وما أعظم أن نخدم الإسلام! إن استخدام الإسلام سهل، واستخدام الإسلام يكسب أرباحاً وتجارة ومنافع وصولة وجولة وبروزاً وشهرةً وتقدماً، ما أسهل أن نستخدم الإسلام! ولكن ما أعظم وأشق أن نخدم الإسلام خدمة نتجرد فيها من كل مصالحنا! أيها الأحبة: لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، ونحن اليوم لا نشكو أزمةً أخلاقية في الأخلاق التجارية، وفي أخلاق المجاملات، وفي أخلاق المداهنات، وفي أخلاق المصالح، وفي أخلاق المعاملات، تلك لا نشكو من أزمة فيها وإنما نشكو تكدساً وكساداً وزخماً وتضخماً فيها، أما الأخلاق الخالصة، أما الأخلاق النقية، أما المعاملة التي باعثها ومقصدها وجه الله عز وجل، وأولها وآخرها وجه الله عز وجل فما أندرها في هذا الزمان!! إن من حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم في عظيم تواضعه، ولين لطفه، وكريم شمائله، ما ذكر عثمان بن عفان رضي الله عنه حين قام خطيباً فقال: [إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، كان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإن ناساً يعلموني به عسى ألا يكون أحدهم رآه قط] وكأن عثمان رضي الله عنه يشير إلى الذين ألبوا الجموع حوله، وأشعلوا الفتنة في عهده، وجمعوا الناس ينتقدونه ويقولون في عثمان ما يقولون؛ فقام عثمان في خطبة ويقسم بالله فيقول: (صحبنا نبينا في السفر والحضر، فكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير، وإن أناساً يعلموني به) أي: أناس لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم يعلمون عثمان بالنبي صلى الله عليه وسلم! يعلمون عثمان المبشر بالجنة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن التطاول من قديم وليس في هذا الزمن الذي رأينا وسمعنا من يتطاول فيه على إمام أهل العلم في هذا الزمان، على وجه الأرض قاطبة فيما نعلم وهو سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، لقد أوذينا في إمامنا، وأوذينا في علامة أمتنا، وأوذينا في علامة ملتنا، وأوذينا في مفتي هذه الملة وهذه الطائفة المنصورة المباركة، لقد أوذينا في عرض شيخنا وعرض إمامنا، يتكلم فيه الأقزام، يقولون فيه ما يقولون: إذا عير الطائي بالبخل مادر وعير قساً بالفهاهة باقل وطاولت السحب السماء سفاهة وفاخرت الأرض الحصى والجنادل وقال السهى للشمس أنت خفية وقال الدجى يا صبح لونك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل أصبح الصغار يتطاولون على الكبار! أصبح الجهلة يتطاولون على العلماء! أصبح البخلاء يتطاولون على الكرماء! يا سبحان الله! متى عرفنا هذا التطاول إلا في منشور يتسلل لواذاً ويدس دسيسة، من أجل تفريقكم يا شباب الصحوة، من أجل الفجوة العظيمة التي يراد لها أن تزداد بين العلماء والعامة، وبين الولاة والعلماء، وبين العامة والولاة، نحن لا نقول: قولوا للأسود إنه أبيض، ولا نقول: سموا المنكر معروفاً، ولا قولوا للباطل حقاً، فإن الباطل باطل، والظلم ظلم، والشر شر، ولكن إن سبيل الإصلاح إذا بلغ بطريق أصبح الأمر فيه يتطاول أصحابه أو شأنه إلى الكبار وإلى العلماء، وإلى الذين شابت لحاهم في الإسلام، وبلغوا منزلة فيما ندين لله عز وجل، بلغوا منزلة ما أصبح يضرهم ذم ذام ولا مدح مادح؛ لما علم من صلاحهم، ونسأل الله أن يثبتهم، ولا ندعي العصمة لهم، إذا بلغ الأمر هذا فمن يعذرنا -أيها الأحبة- من أناس تطاولوا على علمائنا وأئمتنا؟ وأنتم المستهدفون، وأنتم المقصودون فافهموا ما تسمعون، وأدركوا ما تقرءون فإن وراء الأكمة ما وراءها: أرى خلل الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام نبينا صلى الله عليه وسلم خير الخليقة: وما حملت من ناقة فوق ظهرها أبر وأوفى ذمةً من محمد ورضي الله عن حسان حيث قال: إذا ما الأشربات ذكرن يوماً فهن لطيب الراحل فداء فأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء

حلم النبي صلى الله عليه وسلم

حلم النبي صلى الله عليه وسلم أما حلم نبينا إمام الهدى صلى الله عليه وسلم فهو لا يعدو ولا يتجاوز قول الله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وما كان صلى الله عليه وسلم يختار الشاق من الأمور، بل كان حليماً يختار الأيسر كما قالت عائشة رضي الله عنها، وقد مر بنا آنفا.

حلمه صلى الله عليه وسلم على الأعرابي الذي جبذه بردائه

حلمه صلى الله عليه وسلم على الأعرابي الذي جبذه بردائه من الصور المشرقة الجميلة، وكل حياة إمام الهدى إشراق وجمال، من الصور المشرقة الجميلة في حلمه صلى الله عليه وسلم ما ورد في الصحيحين عن أنس قال: (كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذة الأعرابي، فقال الأعرابي: يا محمد! مر لي من مال الله الذي عندك؛ فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وما تظنونه فعل؟ وما تظنونه قال؟ وما تظنون الذي ارتسم على قسمات وجهه وملامح محياه صلى الله عليه وسلم من الأمور؟ - التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً، ثم أمر له بعطاء وقال: أعطوه). ما ظنك لو أن واحداً من أبنائك الذين أوجب الله عليك نفقتهم جبذك بطرف ثوبك لا بحاشية عاتقك، لا بحاشية قميصك، ثم قال: يا أبت! أعطني. والله لتصفعنه أو لتضربنه أو لتؤدبنه أو لتفعلن به فعلاً عظيماً، ناهيك أن لو فعل هذا واحد من الأباعد دون الأقارب، فهذا أعرابي فض غليظ يجر النبي صلى الله عليه وسلم بحاشية البرد حتى أثرت حاشية البرد من الجانب الآخر في صفحة رقبته صلى الله عليه وسلم، ثم يقول الأعرابي: يا محمد! مر لي من مال الله، فإنك لا تعطينا من مالك ولا من مالك أبيك، فالتفت صلى الله عليه وسلم ضاحكاً، التفت متبسماً، التفت حليماً، التفت صافحاً غافراً لهذا الأعرابي. إن عفو النبي له شأن عجيب وله صور عجيبة، يقول أبو عبد الله الجدلي: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: [لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح] رواه الترمذي والطيالسي وأحمد، وإسناده صحيح. هكذا شأنه، هكذا أمره، كان صلى الله عليه وسلم يعفو، كان صلى الله عليه وسلم يصفح، والعفو دليل القوة،، والكرم، والعفو دليل العزة، والمنعة، لا نظن أن العفو دليل ضعف، ولا نظن أن العفو دليل جهل، ولا نظن أن العفو دليل غفلة، بل العفو دليل وعي ورحمة وحكمة، وخير الناس من تحلى واقتدى بسيرة إمام الهدى صلى الله عليه وسلم، فقد كان يعفو ويصفح.

حلمه صلى الله عليه وسلم على من أراد قتله

حلمه صلى الله عليه وسلم على من أراد قتله عن أنس رضي الله عنه (أن ثمانين هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الصبح يريدون اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذوا أخذاً -أي: أمكن الله المسلمين من رقاب هؤلاء الذين انحدروا من جبل التنعيم فجأة- فلما جمعوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأنزل الله قوله: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} [الفتح:24]) رواه مسلم والترمذي وأبو داود وأحمد. ومن دلائل عفوه القصة المشهورة المعلومة في شأن اليهودية التي قدمت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها فسألها إمام الهدى صلى الله عليه وسلم: (ما الذي حملك على هذا؟ فقالت: أريد قتلك. فقال الصحابة: ألا نقتلها يا رسول الله؟ قال: لا. قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث رواه مسلم. لقد كان صلى الله عليه وسلم يعفو، ليس يعفو عمن تكلم في عرضه أو يعفو عن من تكلم في خاصة أمره فحسب، بل يعفو صلى الله عليه وسلم عمن حاول اغتياله، عمن حاول الاعتداء عليه، وذلك من جميل شمائله، ومن كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم. تقول عائشة رضي الله عنها في لطف معاملة الحبيب صلى الله عليه وسلم: [ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله] فهذا شأنه، وهذا عطفه، وهذه مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم.

شبهة في الطعن في حلمه صلى الله عليه وسلم والرد عليها

شبهة في الطعن في حلمه صلى الله عليه وسلم والرد عليها قد يقول قائل: إن من الناس من يدعوه للعفو هوان شأنه أو ضعف أمره، أو قلة حيلته أو حدود مكانته -أي: لم يبلغ مكانة عظيمة- فنقول: إن مكانة النبي عظيمة، وإن منزلته كريمة، ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد عن حذيفة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه -وهذا الحديث هو حديث الشفاعة الطويل الذي يدلنا على عظم منزلة النبي ومكانته- قال: (أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فصلى الغداة، ثم جلس حتى إذا كان من الضحى ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى والعصر والمغرب؛ كل ذلك لا يتكلم حتى صلى العشاء الآخرة، ثم قام إلى أهله فقال الناس لـ أبي بكر: ألا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنه صنع اليوم شيئاً لم يصنعه قط. قال: فسأله. فقال: نعم. عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا وأمر الآخرة، فجمع الأولون والآخرون في صعيد واحد، ففظع الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم عليه السلام والعرق يكاد يلجمهم فقالوا: يا آدم! أنت أبو البشر، اصطفاك الله عز وجل، اشفع لنا إلى ربك. فقال: لقد لقيت مثل الذي لقيتم، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران:33] قال: فينطلقون إلى نوح عليه السلام فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فأنت اصطفاك الله، واستجاب لك في دعائك، ولم يدع على الأرض من الكافرين دياراً، فيقول: ليس ذاكم عندي، انطلقوا إلى إبراهيم عليه السلام، فإن الله عز وجل اتخذه خليلا. فينطلقون إلى إبراهيم، فيقول: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى موسى عليه السلام فإن الله عز وجل كلمه تكليماً، فيقول موسى عليه السلام: ليس ذاكم عندي ولكن انطلقوا إلى عيسى ابن مريم فإنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى. فيقول عيسى: ليس ذاكم عندي، ولكن انطلقوا إلى سيد ولد آدم فإنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، انطلقوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيشفع لكم إلى ربكم عز وجل. قال: فينطلق، فيأتي جبريل عليه السلام ربه فيقول الله عز وجل: ائذن له وبشره بالجنة، قال: فينطلق به جبريل فيخر ساجداً قدر جمعة -بمقدار أسبوع- ويقول الله عز وجل: ارفع رأسك يا محمد، وقل يُسمع، واشفع تُشفع. قال: فيرفع رأسه، فإذا نظر إلى ربه عز وجل خر ساجداً قدر جمعة أخرى، فيقول الله عز وجل: ارفع رأسك، وقل يُسمع، واشفع تُشفع. قال: فيذهب ليقع ساجداً فيأخذ جبريل عليه السلام بضبعيه فيفتح الله عز وجل عليه من الدعاء شيئاً لم يفتحه على بشر قط، فيقول: أي ربي! خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، حتى إنه ليرد على الحوض أكثر مما بين صنعاء وإيلة، ثم يقول: ادع الصديقين فيشفعون، ثم يقال: ادع الأنبياء، قال: فيجيء النبي ومعه العصابة، والنبي ومعه الخمسة والستة، والنبي وليس معه أحد. ثم يقال: ادع الشهداء فيشفعون لمن أرادوا، وقال: فإذا فعلت الشهداء ذلك. قال: يقول الله عز وجل: أنا أرحم الراحمين، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئاً). إن هذا الحديث الطويل الذي رواه الإمام أحمد في مسنده لدليل على ما للنبي من المنزلة، وما له من العظمة، وما له من الكرامة، وما له من الرفعة العالية عند رب العالمين عز وجل، فما كان عفوه عن ضعف، هذه منزلته وذاك عفوه، هذه كرامته وذاك صفحه، هذا قدره وذاك إحسانه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم أنه قال: (إن الله عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل معه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، ثم قال: "قد كنا نقرأ أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم" ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تطروني كما أطري ابن مريم، وإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) هذا شأنه وتلك كرامته عند الله، ومع ذلك لا يرضى بالمديح ولا بالغلو فيه ولا بالإطراء وإنما يقول: إنما أنا عبد. ولقد شرفه الله بهذه العبودية: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:1] {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} [الجن:19] فأشرف منزلة لإمام الهدى أن يكون عبداً لله، وقد أكرمه الله عز وجل بذلك.

تواضعه صلى الله عليه وسلم

تواضعه صلى الله عليه وسلم مع عظيم منزلته صلى الله عليه وسلم فلقد كان متواضعاً عاملاً بقول ربه عز وجل: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88] يقول أنس رضي الله عنه: (إن كانت الأمة الجارية لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت) رواه البخاري. والله إنا لنجد من أنفسنا فضاضة وغلظة، أو نجد من أنفسنا جفاءً ورعونةً في الأخلاق يوم أن يأتي أحد فيجر أحدنا بردائه أو بثوبه أو بعباءته فيقول: لي إليك حاجة ربع ساعة أو عشر دقائق بعد الصلاة، فإذا أطال قليلاً جعل الواحد منا يضيق ويتبرم من هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم إمام الأمة، إمام الهدى، إمام الدولة، الإمام الأعظم، أنيطت به كل المهمات العظيمة ومع ذلك تأخذه الجارية الصغيرة فتتنحى به قليلاً وتحدثه في حاجتها صلى الله عليه وسلم.

تواضعه صلى الله عليه وسلم مع الأنصار وضعفاء المسلمين

تواضعه صلى الله عليه وسلم مع الأنصار وضعفاء المسلمين (وكان صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح رءوسهم) رواه النسائي بإسناد صحيح، وكان صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم، وكان صلى الله عليه وسلم (يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، ويحلب الشاة -يحلب شاته بيده- ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير) رواه الطبراني بإسناد صحيح. يا أحبابنا أين نحن إذا دعانا فقير أو عبد مملوك لا يُلتفت إليه؟ أين نحن إذا دعانا أشعث أغبر مدفوع بالأبواب ذي أطمار هل نجيبه أم لا؟ لقد كان صلى الله عليه وسلم يجيب الدعوة تواضعاً لربه، ويخفض الجناح عملاً بقول ربه عز وجل: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88].

تواضعه صلى الله عليه وسلم في حمله الحسين بن علي على كتفه

تواضعه صلى الله عليه وسلم في حمله الحسين بن علي على كتفه يقول علي رضي الله عنه: (كان على الكعبة أصنام، فذهبت لأحمل النبي صلى الله عليه وسلم إليها -يريد علي أن يحمل النبي لكي يتكئ النبي بقدمه الشريفة على كتفه ليتطاول إلى تلك الأصنام فيكسرها- قال علي: فلم أستطع أن أحمل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فحملني هو صلى الله عليه وسلم فجعلت أقطعها ولو شئت لنلت السماء) النبي يرفع علياً ويجعله يصل إلى تلك الأصنام ليكسرها! علي بن أبي طالب وأي منزلة بقربه من النبي، والنبي يحمله ويرفعه، والنبي يخضع ويتواضع بكتفه لقدم علي، من أجل ماذا؟ من أجل التوحيد، من أجل أن تكسر الأصنام، من أجل ألا يعبد إلا الله عز وجل.

تواضعه صلى الله عليه وسلم في قبول الهدية وإجابة الدعوة

تواضعه صلى الله عليه وسلم في قبول الهدية وإجابة الدعوة ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه يقول: (لو أهدي إلى ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت) ما ظنكم لو أن واحداً انتظر أحدكم ثم أعطاه ذراع شاة عند باب المسجد لقال له: أي تخلفٍ تعيشه؟! ألا تعرف وروداً جميلة؟ ألا تعرف هدية مناسبة؟ ألا تعرف شيئاً من المزركشات ومن المنمقات ومن المجملات تلفها حول هديتك؟ والنبي صلى الله عليه وسلم لو أهدي إليه ذلك لقبله، ولو دعي إلى كراع شاة لأجاب. وفي رواية أنه قال: صلى الله عليه وسلم: (لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت) ويقول أحد الصحابة: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه) رواه البخاري. هكذا كان شأنه صلى الله عليه وسلم حتى لا تنكسر نفوس صحابته، وحتى لا تنكسر نفوس الفقراء والمساكين، لو دعوه إلى ذراع لأجاب، ولو أهدوه كراعاً لقبل؛ فأين نحن من هذا أيها الأحبة؟ إن من الناس من يأنف من زيارة بعض الفقراء، ومن الناس من يأنف أن يأكل مع بعض العمال، ومن الناس من يأنف أن يزور بعض الناس في بيوتهم القديمة أو في مساكنهم التي ما عرفت رحبات الفلل ولا جنبات القصور، أما هو -أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم- فقد كان يجيب دعوة الداعي، وكان يقبل الكراع، ولو دعي إلى ذارع لأكل منه صلى الله عليه وسلم.

تواضعه صلى الله عليه وسلم في عشرته مع أهله

تواضعه صلى الله عليه وسلم في عشرته مع أهله ولا تسل عن لين معشره، ولا تسل عن عذوبة خلقه صلى الله عليه وسلم، وما أحوجنا أن ندرس ونقرأ ونبحث ونفتش، وأن نقلب عن دقائق وزوايا وجوانب في حياته صلى الله عليه وسلم تدل على أنه يرفع الكلفة بينه وبين زوجته، يمازحها، يداعبها، يرقق لها الخاطر، يلين لها الكلام، يسعدها ويؤنسها! وكما قلت آنفاً: فإن منا من تراه عذب اللسان مع الناس ولكن إذا دخل بيته سلقهم بألسنة حداد أشحة على هذا الخلق الحسن. فلماذا يا عباد الله؟ من لين عشرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالت عائشة: [كان الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، قالت: فاطلعت من فوق عاتقه صلى الله عليه وسلم فطأطأ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم -طأطأ منكبيه- فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت] هذا النبي صلى الله عليه وسلم يطأطئ بعاتقه وعائشة على بني أرفدة تتفرج -على الأحباش- وهم يلعبون بالحراب، والنبي قد طأطأ كتفه لها وهي متكئة ومعتمدة على منكبه صلى الله عليه وسلم. أين نحن من ذلك؟ لو جاءت زوجة أحدنا أو صغيرة أحدنا تريد ذلك لقال: اذهبي وابتعدي، خذي كرسياً أو أي شيء غير هذا؟ لطف ورقة ولين وعذوبة في المعاملة، هذا هدي نبينا، وهذا شأن نبينا صلى الله عليه وسلم. ومن تواضع وعذوبة لطفه صلى الله عليه وسلم ما تقوله عائشة قالت: [كانت تلعب بالبنات -ومعنى البنات: هي الدمى التي لا صورة لها، أي: لم ينقش لها عين ولا أنف ولا فم وإنما هي دمىً تحشى بالقطن معروفة- تقول عائشة: كنت ألعب بالبنات فكان صلى الله عليه وسلم يأتي بصواحبي يلعبن معي] يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فيجد البنيات الصغيرات أتراب عائشة رضي الله عنها فيدعوهن ويدخلهن.

تواضعه صلى الله عليه وسلم في أخذه بزمام راحلة معاذ

تواضعه صلى الله عليه وسلم في أخذه بزمام راحلة معاذ ومن تواضعه ما تفرد به الإمام أحمد في روايته عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب على الدابة ورسول الله يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ! إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا، أو لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري، فبكى معاذ لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: إن أولى الناس بي المتقون أين كانوا وحيث كانوا). ما أجمل تواضع النبي صلى الله عليه وسلم! إمام الأمة، الغبار يعفر قدميه وهو يودع قائداً من قواده، وهو راكب والنبي يمشي، النبي يمسك بزمام الراحلة ويحدث معاذاً يقول له: لعلك لا تلقاني، لعلك أن تمر بمسجدي، يقرب له مصيبة لا بد من حلولها، وقدراً لا بد من بلوغه، وأجلاً لا بد من حلوله وهو موته صلى الله عليه وسلم فيقول: (أو تمر بمسجدي، أو تمر بقبري) فيجهش معاذ بالبكاء، ثم بعد ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أولى الناس بي) بنو هاشم؟ لا. القرشيون؟ لا. القبليون؟ الأحباش؟ العجم؟ الأثرياء؟ السادة؟ الملوك؟ الوزراء؟ الأمراء؟ لا (أولى الناس بي المتقون أين كانوا وحيث كانوا) فمن كان تقياً فهو من أولى الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولن ينفع أبا لهب أنه قرشي من جرثومة وأرومة قريش، وما ضر بلالاً أنه عبد حبشي رضي الله عنه فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم دف نعليه في الجنة.

تواضعه صلى الله عليه وسلم في نقله التراب يوم الخندق

تواضعه صلى الله عليه وسلم في نقله التراب يوم الخندق ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه لما كان يوم الأحزاب قام صلى الله عليه وسلم ينقل التراب مع الصحابة، قال أبو إسحاق: سمعت البراء يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معنا التراب، ولقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا إن الألى قد بغوا علينا وربما قال: إن الملأ قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا يرفع بها صوته) وفي رواية عن البراء بن عازب قال: [رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو يحمل التراب]. كان بوسعه صلى الله عليه وسلم أن يصدر الأوامر ألا تغيب الشمس إلا وقد حفر الخندق، كان بوسعه صلى الله عليه وسلم أن يدور عليهم ويأمر هذا ويزجر هذا وينهى هذا، لكنه صلى الله عليه وسلم يحفر كما يحفرون، ويحمل التراب كما يحملون، وذلك لأن هذه المشاركة تفجر طاقات الحب، والولاء، وتفجر طاقات الاستجابة، وتجعل النفوس متعلقة بإمامها وقائدها وحبيبها صلى الله عليه وسلم، يعلمهم التواضع بهذا، حتى إذا كانوا قادة في المستقبل ما تأمروا وما تجبروا وما تسلطوا، وإنما شاركوا وعملوا ورحموا وتداركوا، وما بغوا وما ظلموا ولا يظلمون.

تواضعه صلى الله عليه وسلم في كراهيته للقيام له

تواضعه صلى الله عليه وسلم في كراهيته للقيام له ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه مع حب الصحابة له كانوا إذا رأوه لا يقوم له أحد منهم لما يعلمون من كراهيته لذلك، كان يكره إذا قدم أن يقوم له الناس، ويكره أن يقوم الناس على رأسه صلى الله عليه وسلم من شدة تواضعه، ونحن -أيها الأحبة- على مستوانا معاشر العامة والمساكين! لو دخلنا مجلساً ثم رأينا الناس جالسين ما قاموا لقلنا: لماذا قلة الأدب؟ لماذا قلة الأخلاق؟! أما دخل إنسان عليهم؟! لماذا لم يتمثلوا قياماً؟! ونسينا (من أحب أن يمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار) نعم إذا كان من عادات قومه وأعرافهم وجميل أخلاقهم ومعاملتهم أن القادم أو أن الداخل يوقف له، وخشينا أن يظن أن ذلك من الاحتقار، وخفنا أن يقذف الشيطان في قلبه سوءاً فلا بأس أن نقوم له من غير تعظيم، ولكن من باب التحبيب وطرد وسوسة الشيطان، مع أن للقادم حقاً خاصة إذا كان قادماً من السفر: فلما بصرنا به مقبلاً حللنا الحبا وابتدرنا القياما ولما جاء سعد بن معاذ قال صلى الله عليه وسلم للأنصار: (قوموا إلى سيدكم) احملوا سيدكم، وأنزلوا سيدكم المهم أنه كان صلى الله عليه وسلم في قمة وغاية التواضع الذي نكاد أن نفقده حتى مع الفقراء والعالة، ومع السوقة والمساكين إلا من رحم الله، فضلاً عمن عنده ريال أو ريالات أو دينار أو ديناران.

تواضعه صلى الله عليه وسلم مع الصبيان

تواضعه صلى الله عليه وسلم مع الصبيان أما تواضعه مع الصغار ورحمته ولطفه صلى الله عليه وسلم مع الصغار فيدل على ذلك ما رواه أنس، يقول رضي الله عنه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبيان يلعبون فسلم عليهم) رواه مسلم. الرسول، الإمام، إمام الأمة الذي ينزل عليه جبريل بالوحي، ويخير أن تسير الجبال ذهباً أو فضةً وراءه، ويخير أن تطبق الجبال على أهل مكة، ويخير بعذاب أقوام، يمر على صبيان فيقول: السلام عليكم. النبي صلى الله عليه وسلم يسلم، ويلقي هذه التحية. إن كثيراً منا لا يسلم على الكبار فضلاً عن الصغار، وللأسف أن كثيراً من المسلمين والذين يلامون أكثر من غيرهم من الطيبين يمر الواحد منهم فلا يبتسم، ويمر فلا يسلم، يا أخي الحبيب! سلم ولو كان الذي تراه عليه شيء من آثار التقصير، سلم فلعل الله أن يحبب الخير إليه بسلامك، سلم فلعل الله أن يقذف في قلبه الحياء من المعصية، سلم لعل هذا السلام يكون سبباً في دخولك إلى حديث معه لإنكار هذه المعصية التي تراها منه. أما ما يحصل من كثير من الشباب -هداهم الله- فينبغي للواحد إذا مر على أخ أو إذا مر على مسلم حتى ولو كان عاملاً، حتى ولو كان من سوقة، حتى ولو كان من أي فئة أن يسلم عليه ويبتسم فله بالسلام حسنات، وبالابتسامة صدقة: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) فهذا النبي يمر على الصبيان ويسلم عليهم. بعض الإخوان إذا مر على الصبيان وهم يلعبون فإنه يضغط على بوق السيارة حتى يطردهم عن لهوهم يميناً ويساراً، لماذا يا أخي؟ مر، فإن كان وقت صلاة سلم عليهم، يا شباب! ما رأيكم لو نصلي وبعد الصلاة نكمل اللعب؟ يا شباب! السلام عليكم، أنا سمعت واحداً يقول لصاحبه: الله يفعل بك كذا يسب ويشتم، وهذا ما يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم ما يرضى بذلك، فلنتعلم من أخلاق النبي ولنطبقها، لا تكن هذه السيرة أوراقاً في الكتب، وحروفاً وأسطراً في المجلدات، نريد من هذه السيرة أن نتأسى بها حتى نطبقها في واقعنا. وكان صلى الله عليه وسلم يلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول: يا زوينب! يا زوينب! مراراً يداعبها ويلاعبها صلى الله عليه وسلم. ومن تواضعه مع الصغار ولطفه بهم ما رواه أنس قال: (كان صلى الله عليه وسلم يدخل علينا، وكان لي أخ صغير، وكان له نغر -الطائر النغري المعروف- يلعب به، فمات نغره الذي كان يلعب به، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فرأى أبا عمير حزيناً فقال: ما شأن أبي عمير حزيناً؟ فقلنا: مات نغره الذي كان يلعب به يا رسول الله، فيلتفت صلى الله عليه وسلم إلى هذا الصغير فيقول: يا أبا عمير! ما فعل النغير؟ فيقول أبو عمير: مات يا رسول الله! مات يا رسول الله!) فالنبي بقدره وجلالة هيبته يتنزل إلى مستوى هذا الطفل فيتفاعل معه في مصيبته الصغيرة وهي: موت عصفوره. قبّل الطفل ولو لم يك لك إنما الطفل على الأرض ملك عطفة منك على لعبته تخرج المكنون من كربته ومن تواضعه ولطفه بالصغار ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نلعب فقال: السلام عليكم يا صبيان، السلام عليكم يا صبيان) هذا نبينا إمام الهدى على جلالة قدره يقف ليسلم على هؤلاء الصبيان! وكذلك يقول أنس رضي الله عنه: (كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، أرسلني يوماً لحاجة -وكان أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال أنس: فخرجت حتى مررت على صبيان وهم يلعبون في السوق فوقفت ألعب معهم) النبي أرسل أنساً في حاجة فأنس في الطريق وهو ذاهب لحاجة النبي صلى الله عليه وسلمن إذ وجد أطفالاً يلعبون فنسي حاجة الرسول صلى الله عليه وسلم وجلس يلعب مع الأطفال، فمر النبي صلى الله عليه وسلم ووقف خلف أنس ومن ورائه قال أنس: (فنظرت إليه وإذ به صلى الله عليه وسلم يضحك، والنبي يقول: يا أنيس! ذهبت حيث أمرتك؟ فقال أنس: أنا ذاهب الآن يا رسول الله، أنا ذاهب الآن يا رسول الله!). فالنبي يرسل أنساً، وأنس يجد أطفالاً يلعبون، فيقف يلعب معهم، ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، ثم يلتفت أنس في لحظة وينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتوقع أنه سيعاتبه على تأخره عن الحاجة، والنبي ينظر إلى أنس ويضحك ويقول: ما فعلت بالحاجة التي أمرتك؟ فيقول أنس: (أنا ذاهب الآن يا رسول الله) فانظروا إلى لطفه صلى الله عليه وسلم. ومن تواضعه وعذوبة لطفه ورحمته بالصغار ما رواه أبو قتادة قال: (بينما نحن جلوس في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فصلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه؛ يضعها إذا ركع ويعيدها على عاتقه إذا قام، حتى قضى صلاته يفعل ذلك في صلاته كلها) من أجل ماذا؟ رحمةً بهذه الطفلة، رحمةً بهذه الصغيرة، رحمةً بـ أمامة بنت زينب زوجة العاص بن الربيع، يعني جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رحمته صلى الله عليه وسلم

رحمته صلى الله عليه وسلم

رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمة

رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمة ومن رحمته صلى الله عليه وسلم العامة بالأمة ما ذكر الله في شأنه في محكم كتابه حيث يقول الحق تبارك وتعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] ومن رحمته صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز -يعني: أقصر الصلاة- فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه) يعني: أخشى على أمه، ومما أعلم من شدة شفقة ورحمة أمه من بكاء ولدها، فيقصر ويتجوز صلى الله عليه وسلم من بكائه. رواه البخاري ومسلم. ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بهذه الأمة أنه راجع ربه في قصة الإسراء والمعراج لما فرض الله عليه خمسين صلاة فجعل يراجع ربه في كل مرة، والله عز وجل يخفف عن الأمة حتى عادت إلى خمس صلوات بأجر خمسين صلاة. من رحمته أنه قال: (أيها الناس! إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا فقالوا: يا رسول الله! أفي كل عام؟ فقال: لو قلت: نعم. لوجبت، الحج مرة وما زاد فهو تطوع). لقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم التراويح بالصحابة فصلى بهم اليوم الأول والثاني، ثم بعد ذلك صلاها في بيته، فقال الصحابة: (هلا نفلتنا بقية شهرنا يا رسول الله؟ فقال: خشيت أن تفرض عليكم فلا تطيقوا ذلك) كل ذلك -أيها الأحبة- من رحمته صلى الله عليه وسلم بالأمة. بل من عظيم رحمته أنه ادخر دعوة الإجابة شفاعة لأمته صلى الله عليه وسلم.

رحمته صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه

رحمته صلى الله عليه وسلم في تعليم أصحابه ومن رحمته ولطفه في تعليم صحابته صلى الله عليه وسلم ما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: (بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فزجره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه لا تزرموه -أي: اتركوه حتى ينتهي من بوله- ثم قال صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما انتهى: إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن -ثم التفت النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقال-: إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين، صبوا عليه دلواً من ماء) لأن من الناس من إذا وقع في زلة أقام أحدهم الدنيا ولم يقعدها؛ لأنه أخطأ، فلا يأتيه باليسر، ما يأتيه باللين، ما يأتيه باللطف، بل البعض ربما يتمنى أن يجد من يخطئ حتى يتعنتر عليه في توجيهه وإرشاده ولا حول ولا قوة إلا بالله! وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه (بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فنظر الصحابة إليَّ الصحابة وهم يضربون بأيديهم على أفخاذهم فقلت: وا ثكل أمياه، ماذا فعلت؟!) أي: في المرة الأولى قال: يرحمك الله، فأخذوا ينكرون فعله هذا ويضربون بأيديهم على أفخاذهم؛ فقال: وا ثكل أمياه! ماذا فعلت حتى تفعلوا بي هذا؟! فلما انتهت الصلاة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المتكلم في الصلاة، فقال معاوية: (أنا يا رسول الله. فقال معاوية: بأبي وأمي هو صلى الله عليه وسلم، والله ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، فقال صلى الله عليه وسلم لـ معاوية بن الحكم السلمي: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه الإمام مسلم. ما أجمل هذا الأدب! ما أعذب هذا التعليم! ما ألذ هذه المعاملة! ما أطيب هذه النفس التي تجعل الحجر الأصم ينقلب إلى ألين ما يكون، وأسهل ما يكون، وأقبل ما يكون للإرشاد والتعليم!

عيشه صلى الله عليه وسلم

عيشه صلى الله عليه وسلم أما عيشه صلى الله عليه وسلم وهو إمام الهدى الذي خير أن تتبعه الجبال ذهباً وفضةً، فقد كان لا يشبع ثلاثة أيام تباعاً من خبز بر حتى مات صلى الله عليه وسلم، تقول عائشة رضي الله عنها في ما رواه الشيخان: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدموا المدينة ثلاثة أيام تباعاً) والآن نحن عندنا مراكز (تخسيس) ومراكز (ريجيم) -نعوذ بالله من الشيطان الرجيم- ومراكز رشاقة، ومراكز لياقة؛ من أجل أننا أصبحنا نتدحرج بهذه الكروش من كثرة ما نأكل! والإنسان إذا نزل على صحن فساء صباح المنذرين؛ ما يرفع رأسه بتاتاً والنبي صلى الله عليه وسلم ما شبع ثلاثة أيام تباعاً أبداً. وتقول عائشة رضي الله عنها: [إنا كنا آل محمد ليمر بنا الهلال ما نوقد ناراً، إنما هما الأسودان التمر والماء] رواه البخاري ومسلم، بل ويمر على بيته صلى الله عليه وسلم الهلال تلو الهلال تلو الهلال، أي: يمر الشهر والشهر الذي يليه ولم يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار، قيل: (ما كان طعامكم يا أم المؤمنين؟ قالت: الأسودان: التمر والماء). يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوى من الجوع، ما يجد ما يملأ بطنه من الدقل) رواه مسلم أي: من رديء التمر. الله أكبر! إمام الهدى يخير أن تسير الجبال خلفه ذهباً وفضة! إمام الأمة صلى الله عليه وسلم يتلوى من الجوع لم يجد دقلاً يشبع منه! (وكان صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء). رواه أحمد في مسنده بسند حسن. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رغيفاً مرققاً حتى لحق بربه، ولا شاةً سميطاً) رواه البخاري يعني: ما رأى شاة مشوية، ما رآها بعينه قط فضلاً عن أن يكون أكل هذا الرغيف المرقق أو البر الناعم أو الشاة السميط المشوية. وهذا من دعائه صلى الله عليه وسلم فقد كان يقول: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً) رواه البخاري ومسلم.

كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم

كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الخلق: (وكان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) رواه البخاري. وأجود خلق الله صدراً ونائلاً وأبسطهم كفاً على كل طالب نعم. ما قال: لا، وما سأله أحد شيئاً فمنعه إياه، بل أعطاه وبذله. ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناه لقبض لم تجبه أنامله هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله ما كان صلى الله عليه وسلم يرد سائلاً أبداً، وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنماً بين جبلين، فقام ذلك الرجل الذي أعطي الغنم وأتى قومه يقول: يا قوم! أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر) الله أكبر! يعطي غنماً بين جبلين، ويبيت صلى الله عليه وسلم طاوياً، ما قال: أبقي من هذه الغنم من أجل أن أشبع، أو أنا أدخر لحاجتي، أو أنا لابد أن أفعل لحاجتي ما أفعل، بل يبذل صلى الله عليه وسلم ولا يخشى من ذي العرش إقلالاً أبداً. يعطي صلى الله عليه وسلم عطاء من لا يخشى الفقر، وكان الرجل يجيء إلى رسول الله ما يريد إلا الدنيا فيعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمسي الرجل حتى يكون دينه أحب إليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها. ولما فتح الله مكة على المسلمين -كما روى مسلم في صحيحه - (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين إلى حنين فاقتتلوا فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ صفوان بن أمية مائة من النعم، ثم مائة ثم مائة فقال صفوان: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ) هذا من كرمه صلى الله عليه وسلم. وما كان يستكثر على أحد عطاء أعطاه لو كان النبي يقيم لهذه الدنيا حساباً ووزناً وهي التي لا تعدل عند الله جناح بعوضة لما أرخص بها، ولكنه صلى الله عليه وسلم بذلها طيبة بها نفسه صلى الله عليه وسلم. بل من المعلوم أنه في غزوة حنين عندما طلب صفوان بن أمية مئات من الإبل جاء الأقرع بن حابس التميمي وأعطاه مائة ناقة، ثم جاء عيينة بن حصن الفزاري فأعطاه مائة، ثم جاء غيره وأعطاه مائة، انتهت النوق فما بقي شيء، فجاء العباس بن مرداس السلمي وهو شاعر من الشعراء فقال: يا رسول الله! أعطني، أنا شاركت معكم، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم خمسين من الإبل فقال العباس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبيد العبيد: فرس عند العباس بن مرداس اسمها العبيد، فيقول يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع أنا الذي ما زلت أقاتل ثم الغنائم يتقاسمها الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن الفزاري! أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع فما كان بدر ولا حابس يفوقان مرداس في المجمع إلا قراريط أعطيتها عداد قوائمه الأربع فقال صلى الله عليه وسلم: يا علي! كفوا عنا لسانه، أعطوه ما يرضيه، فأعطوه حتى رضي، رضي الله عنه.

انتقاله إلى ربه صلى الله عليه وسلم

انتقاله إلى ربه صلى الله عليه وسلم هكذا -أيها الأحبة- كان صلى الله عليه وسلم يعطي ويبذل بذلاً سخياً، ومع أنا لم نحط بدرر سيرته -وكل سيرته أقمار ولآلئ ودرر- صلى الله عليه وسلم إلا أن سنة الله ماضية: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. ولو كانت الأعمار تبقى لواحد رأيت رسول الله حياً مخلدا روى البزار في مسنده وصححه الحاكم قال صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس) {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] قال الله لنبيه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] والنبي صلى الله عليه وسلم يعزي من ابتلي بمصيبة أن يذكر مصيبة الأمة في فراقه صلى الله عليه وسلم؛ حيث روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته فيّ فإنها أعظم المصائب) رواه الإمام مالك والدارمي والطبراني في الكبير وغيره. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس! أيما أحد من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته في عن مصيبته التي تصيبه، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي) رواه ابن ماجة اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها فاذكر مصابك بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم. نعم -أيها الأحبة- لا بد من الفراق، ولا بد من الوداع، هذه الصفحات المشرقة والليالي المقمرة بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، والأيام المنيرة بشمائله صلى الله عليه وسلم، لا بد لهذا النبي من سنة الله في خلقه أن يموت وأن يفارق هذه الدنيا: عزاء فما ينفع الجازع ودمع الأسى أبداً ضائع بكى الناس من قبل أحبابهم فهل منهم أحد راجع عرفنا المصائب قبل الوقوع فما زادنا الحادث الواقع وكل أبي لداع الحِمام إن يدعه سامع طائع يسلم مهجته سامحاً كما مد راحته البائع وللمرء لو كان ينجي الفرار في الأرض مضطرب واسع وكيف يوقى الفتى ما يخاف إذا كان حاصده الزارع؟ ولو أن من حدث سالماً لما خسف القمر الطالع لو أن الأحداث يسلم منها أحد، لو أن الموت يسلم منه أحد، لو كانت الأعمار تبقى لواحد لرأيت رسول الله حياً مخلداً، فقد كتب الله على نبيه ما كتب، فعن عائشة قالت: (كان صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير قالت: فلما اشتكى وحضره القبض غشي عليه، فلما أفاق شخص بصره نحو سقف البيت، ثم قال: اللهم في الرفيق الأعلى، تقول عائشة: فقلت: إذاً لا يختارنا) رواه البخاري ومسلم. ولما نزل به صلى الله عليه وسلم الموت طفق يطرح خميصةً له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو كذلك، ثم يقول: (لعنة الله على اليهود، لعنة الله على اليهود، لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه البخاري. وقد دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على عائشة وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد عبد الرحمن سواك وعائشة قد أسندت رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، تقول عائشة: (فرأيت رسول الله ينظر إلى السواك في يد عبد الرحمن فعلمت أنه ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك. فأشار بيده أن نعم، قالت: وبين يديه ركوة فيها ماء، فجعل صلى الله عليه وسلم يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه الشريف يقول: لا إله إلا الله. إن للموت لسكرات، ثم نصب يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى، حتى قبض ومالت يده صلى الله عليه وسلم). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم وجعل الكرب يتغشاه قالت فاطمة عليها السلام: واكرب أبتاه! فقال صلى الله عليه وسلم: ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت فاطمة: يا أبتاه أجاب رباً دعاه يا أبتاه إلى جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه). فلما دفن وعاد الصحابة بعد دفنه صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة عليها السلام: (يا أنس! أطابت نفوسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!) رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر في العالية فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي! طبت حياً وميتاً يا رسول الله، والذي نفسي بيده لا يذيقنك الله الموتتين أبداً. ثم خرج أبو بكر رضي الله عنه ووجد عمر يتكلم والناس حوله، فلما تكلم أبو بكر التفت الناس إليه وتركوا عمر، فجلس عمر وقام أبو بكر وأثنى على الله وقال: ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] فكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية أنزلت حتى تلاها أبو بكر، قال عمر رضي الله عنه: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها حتى هويت إلى الأرض -سقطت على الأرض- وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات). صُلي عليه صلى الله عليه وسلم، ودفن وغسل صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك ما تيقن عمر أنه قد مات صلى الله عليه وسلم من شدة حبه لنبيه إمام الهدى. فهذا نبينا، وهذا إمام الهدى صلى الله عليه وسلم، وما أجمل قول القائل فيه: يا من له الأخلاق ما تهوى العلا منها وما يتعشق الكبراء زانتك في الخلق العظيم شمائل يغرى بهن ويولع الكرماء وإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواء وإذا عفوت فقادراً ومقدراً لا يستهين بعفوك الجهلاء وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هم الرحماء وإذا غضبت فإنما هي غضبة في الحق لا ضغن ولا بغضاء وإذ رضيت فذاك في مرضاته ورضا الكثير تحلم ورياء وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو النديَّ وللقلوب بكاء وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما جاء الخصوم من السماء قضاء وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء بك يا بن عبد الله قامت سمحة بالحق من ملل الهدى غراء بنيت على التوحيد وهي حقيقة نادى بها الحكماء والعقلاء الله فوق الخلق فيها وحده والناس تحت لوائها أكفاء والدين يسر والخلافة بيعة والأمر شورى والحقوق قضاء أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى فالكل في حق الحياة سواء صلى عليك الله ما صحب الدجى حاد وحنت بالفلا وجناء أيها الأحبة: حق نبينا صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه خاصة يوم الجمعة وليلتها، وأن ننافح عن سنته، وأن ننشر دعوته، وأن نهتدي بهديه، وأن نصدق حبه باتباعنا. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك اللهم وأتوب إليك.

الأسئلة

الأسئلة

كلمة توجيهية لرجال الحسبة

كلمة توجيهية لرجال الحسبة Q فضيلة الشيخ: إخواننا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد كان لديهم اليوم محاضرة في مقرهم، فرأى فضيلة رئيس الهيئة أن يحضر جميعهم إلى هذا المسجد، ومعهم فضيلة الشيخ/ عثمان الشهري رئيس الهيئة في جدة، ويطلب كلمة توجيهية قصيرة إليهم. A أما أحبابنا وإخواننا المحتسبون القائمون على ثغر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلهم منا خالص الدعاء، وجميل الثناء، والتواصي فيما بيننا وبينهم بالحق والصبر، وإن هذا الثغر لنفع متعد، وعبادة ليست قاصرة، لأن البعض قد يقول: ماذا لو اشتغلت بخاصة نفسي، وما الذي يشغلني بالذهاب والإياب ومطاردة المجرمين والأشرار والفجار؟ نقول: يا أحبابنا! هذا ثغر عظيم، والقائمون عليه هم الذي يحمون السفينة من أن تغرق بإذن الله عز وجل، فواجبنا وحقهم علينا أن ندعو لهم. ونصيحتنا لهم أن يتذكروا الإخلاص وأن يتذكروا الاحتساب، نحن نعلم أن الهيئة ليس فيها من المرتبات المغرية حتى يصر العاملون في البقاء فيها، ونعلم أن الهيئة ليس فيها الحوافز الجيدة، ونعلم أنهم بأمس الحاجة إلى أمور كثيرة، لكننا نعلم أن الذي أبقاهم رغم هذا كله هو الغيرة لدين الله، والغيرة لشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:30] {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] فإنهم بإذن الله على خير من عند الله في الدنيا والآخرة. كما نوصي أحبابنا بالرفق واللين وعدم العجلة، ولأن نخطئ في العفو خير من أن نخطئ في العقوبة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً) فالمنكر الذي ينكر هو الذي رأيناه وتحققنا منه أو رآه من بلغنا، ثم تحققنا بعد ذلك من بلاغه، فلا نعجل في اتخاذ إجراءات، لأن من الفجار من يمثلون تمثيليات من أجل الإيقاع بالهيئة في دعوى التسرع وعدم التثبت ونحو ذلك؛ ولذلك فلابد لنا من التثبت والتريث. المسألة التي تليها: الستر على المسلمين ما أمكن إلى ذلك سبيلا؛ سواءً بستر الأمور إذا بلغت للهيئة، لأن الأمور خاصة إذا بلغت إلى رئيس المركز وهو نائب السلطان في الحسبة فلم يكن من حقه أن يعفو أو أن يستر (تعافوا الحدود في ما بينكم، فإذا بلغت السلطان فلعن الله الشافع والمشفع) أي: فلا يجوز التساهل بهذا الأمر، لكن لعل ذلك بالإمكان إذا كان في مسائل التعزير، إذا كان في مسائل التعزير ورأوا من المصلحة أن يعالج الأمر بطريقة معينة، وأن يقام الأدب بطريقة معينة من دون هتك ولا فضح، وهو المعروف المشهور المعلوم عن إخواننا في الهيئة، والذي نعلم عنهم -جزاهم الله خيراً- أن القضية إذا تعلقت بالفتيات أو بالنساء فإنهم أحرص ما يكونون على سترها حفاظاً على مستقبلها، وأملاً في زواجها حتى لا تفضح، فإذا هتك سترها فإنها لا تجد من يتزوجها، وربما كان سبباً في طلاق أخواتها المتزوجات أو في بقاء أخواتها العانسات لا يتزوجن، فهم يراعون ذلك أشد المراعاة. ثم إني أدعوكم جميعاً أنتم -أيها الإخوة- أن تتفقدوا الهيئة بأنفسكم بمعنى: إذا كان بجواري أنا جهاز للهيئة وأنا أعرف أحد التجار والمحسنين، هذا المركز محتاج إلى جهاز حاسوب (كمبيوتر) بحاجة إلى شيء من الأثاث، بحاجة إلى التعاون في إصلاح سيارة، فلا نقول: جهاز الحسبة جهاز حكومي ونحن لا علاقة لنا به ألبتة، فكثير من الدوائر الحكومية تقبل الهبات والتبرعات والهيئة من ضمنها، فمن واجبنا أن نجتهد في إعانة القائمين على هذا الثغر وإكمال احتياجاته ومستلزماته، ولنا بذلك أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى. واعلموا يا إخوان أن العلمانيين يسوؤهم يوم أن يروا سيارة هيئة أو رجل حسبة، ولكن يأبى الله ذلك والمؤمنون، لابد أن تبقى الهيئة، ولابد أن تبقى الحسبة، ولابد أن يبقى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلينا أن نتمسك بذلك وأن نفوت مصالحنا في مختلف الجهات الأخرى حينما نتمسك بالهيئة، ونعلم ما يفوتنا من التمسك بها من الحوافز الأخرى، لكن لن يضيع عند الله عز وجل، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

بيان الكتب الشاملة لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم

بيان الكتب الشاملة لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم Q نرجو منكم يا فضيلة الشيخ أن تدلنا على كتاب في السيرة يبين لنا دقائق شماله صلى الله عليه وسلم. A كتب السيرة كثيرة جداً، ولكن الكثير منها غير مضبوط بالسند، أعني: غير محقق بالأسانيد، لكن أنا أقول: من أراد أن يبحث في شمائل وفضائل النبي صلى الله عليه وسلم بحثاً مضبوطاً بالأسانيد، ويعرف الصحيح من الحسن من الضعيف أو من الموضوع حتى يتجنبه فعليه بكتب الحديث، فإن كتب الحديث لا تخلو من فصول في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مبعثه، وفي أخلاقه، وفي كرمه، وفي عفوه، فكتب السنة فيها خير كثير. لكن هذا لا يجعلنا نقول: لا نلتفت ولا نعتبر ولا نستفيد من كتب السيرة بل نستفيد منها، وعلى سبيل المثال سيرة ابن هشام الشاملة الكاملة، وكذلك لها مختصرات كـ مختصر السيرة للشيخ/ محمد بن عبد الوهاب، ومختصر السيرة للشيخ/ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، والرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم للمباركفوري وغيرها من كتب السيرة النافعة المفيدة.

أخلاق المعلم المتطلبة فيه

أخلاق المعلم المتطلبة فيه Q ما هي أخلاق المعلم التي يجب اتباعها على ضوء أخلاق المعلم الأول عليه الصلاة والسلام؟ A العدالة وإذا المعلم لم يكن عدلاً سرى روح العدالة في الشباب ضئيلا أن يكون المعلم عدلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2] {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88] أن يطبق على نفسه وأن يجتهد، ولكن إياه أن يترك التعليم والإرشاد؛ لأنه زل زلة أو أخطأ خطيئة أو لم يستطع أن يفعل شيئاً مما أمر به، فإن ذلك ليس من الحتم اللازم الذي لا يجوز إلا به، بمعنى أن الإنسان إذا كان لا يستطيع أن يفعل هذا الشيء فلا يأمر به! فكم من فقير يخطب وينصح ويأمر بالصدقات، وقد لا يكون قادراً على إخراج الصدقات، فربما لا يستطيع إلا أن يحقق مصاريف بيته وحده فقط. وعلى سبيل المثال أشياء أخرى، لكن الحذر الحذر من الوقوع في المخالفات التي ينهى عنها الإنسان، فإن وقع فيها فليتب إلى الله عز وجل، وليبادر هذه الزلة بالتوبة؛ لأن من الناس من لو علم أو نصح أو أفاد قال: أنا أخطأت ذاك اليوم الخطأ الفلاني إذاً أنا منافق، إذاً إذاً إذاً. نقول: لا، اسمع قول الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] المنافق يدمن المعصية في السر ويدمن إظهار الخير في العلن، لكن المسلم يدمن الخير ويستمر على الخير ظاهراً وباطناً. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

إن أكرمكم عند الله أتقاكم

إن أكرمكم عند الله أتقاكم لقد جاء عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يبين أن التفاضل بين الناس ليس بالتراب ولا العنصر ولا الجمال، ولا العشيرة ولا الجاه والسلطان، وإنما التفاضل بما يكون في القلوب من تقوى وتعظيم لله، ولقد حاول أعداء الله زرع التفرقة والتمييز العنصري بين المسلمين، ونجحوا بذلك عند المغفلين من الناس، ولو رجعوا إلى الله لذابت العنصرية.

العصبية القبلية في ميزان الشرع

العصبية القبلية في ميزان الشرع إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات:13] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، الناس سواسية كأسنان المشط، أبوهم واحد، الأب آدم). معاشر المؤمنين: هذه مما لا تخفى على أدنى المتعلمين في أقل الدرجات الدراسية، والمستويات التعليمية، ولكن أناساً كبرت أجسامهم، وسفهت أحلامهم، تقدم بهم العمر، ولا تزال عقولهم صغيرة، لا تزال تعشعش العصبية في نفوسهم، والقومية الجاهلية في قلوبهم، أولئك الذين لا زالوا ينظرون إلى أنفسهم نظرة الكمال؛ لأنهم من قبيلة بني فلان، أو من أسرة بني فلان، أو من فخذ بني فلان، ويرون غيرهم نظرة الدون؛ لأن غيرهم من بني فلان وآل فلان. سبحان الله!! هل عندهم كتاب في هذا أو أثارة من علم حتى يحتجوا بها، ويفرِّقوا بين العباد بها؟! أسوق هذا -أيها الأحبة- لما سمعته، ودنا إلى علمي، وظهرت بوادره في بعض المجتمعات، وإن كان المجتمع الإسلامي قاطبة يشكو من هذه العصبية الجاهلية، والقومية البغيضة، والعرقية النتنة، إلى يومنا هذا. أيها الأحبة في الله: إن الإسلام نقل الناس من ضيق القبلية إلى العالمية الإنسانية، ومن أزقة القومية المسدودة إلى صراطه المستقيم الواسع الذي يقبل العباد أحمرهم وأسودهم وأبيضهم، وأميرهم وفقيرهم، ووضيعهم ووزيرهم في هذا الصراط، ومن أبى إلا الخروج عنه، فتباً له وسحقاً وبعداً. تباً لمن يفتخر بعظم نخر، قال صلى الله عليه وسلم: (من رأيتموه يفتخر بنسبه فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا) أي قولوا له: ضع ذَكَرَ أبيك في فمك، أو كما قال صلى الله عليه وسلم. أيها الأحبة: إن نغمة العصبية الجاهلية، والعرقية الضيقة، طالما عزف عليها البعث في حرب الخليج، طالما دندنت عليها إذاعة مكة المزعومة، وصوت المدينة في إذاعتها المشئومة، وأرادوا أن يمزقوا شمل هذا المجتمع، وأن يقطِّعوا نياط هذه الأمة، وأن يشتتوا اجتماع هذه الأمة بإثارة النعرات والعصبيات، والثارات القبلية القديمة، بين القبيلة الكبيرة ضد القبيلة الكبيرة الأخرى، وبين الفخذ العريض ضد الفخذ الآخر من نفس القبيلة، ولكن الله سلَّم، وأصبحت تلك الصيحات الداعية إلى إثارة النعرات هباءً منثوراً، لا تجد لها أثراً ولا وجوداً ولا نتيجة، ولا غرابة أن يبعث العصبية أو أن يبعث القبلية بعثي ضد المسلمين، أو يبعثها قومي اشتراكي ضد الموحدين، أو أن يبعثها علماني أجنبي ضد الآمنين، لكن أن تنبعث العصبية، وصيحات العرقية بين بني جلدتنا، بين إخواننا، بين أبنائنا، بين أفراد مجتمعنا، فذاك جهل عريض! إن الذين يحاولون أن يرفعوا هذه العصبية، أو أن يتألف بعضهم على بعض في إطار العرقية القبلية، والهمجية الضيقة الجاهلية، أولئك يدقون المسامير في نعش هلاك الأمة، ويهدمون بمعاولهم في كيان وأساس الأمة، ولماذا يفتخر بعضنا على بعض بالنسب؟ ولماذا يفتخر بعضنا على بعض بالقبيلة، ولماذا يفتخر بعضنا على بعض بالفخذ؟ وهب أن ذاك الذي افتخر بنسبه، أو اعتز بقبيلته، أو جعل طوق الجاهلية في عنقه، فلم ير رابطة إلا من خلال تلك القبيلة، ولا يحب إلا في إطار تلك القبيلة، ولا يوالي إلا في إطار تلك القبيلة، ولا يمنع ولا يعطي إلا في إطار تلك القبيلة، هب أن ذاك فعل هذا كله، فهل ضمن الجنة بين عينيه؟!! هل جاوز الصراط بقبيلته؟!! هل نال الشفاعة بنسبه؟!! هل دنا من حوض نبينا بأرومته؟!! هل وجد الأمن في قبره أو الأنس في لحده؟!! هل أعطي فسحة في الأجل بهذه الدعوة الضيقة؟!! معاذ الله. إن هذا الدين العظيم لم يكن ديناً خالداً يصلح لكل زمان ومكان، ولم تكن هذه العقيدة معجزة متجددة للبشرية إلى قيام الساعة إلا يوم أن جعلت العباد سواسية، لا فضل لعربي على عجمي، ولا أسود على أبيض، ولا أحمر على غيره، إلا بالتقوى. ولئن كانت دول الغرب التي طعنت في الحضارة، وأغرقت في التمدن، وأبعدت النجعة في وسائل التقنية تفتخر بهذا إلا أنها لا تزال تعيش عقدة الملونين، ولا تزال ترى أسباب العصبية، وألوان العنصرية ضاربة متحكمة في مجتمعها، الأمر الذي نراهن عليه، ونقطع به، بل نجزم بأن انهيار الحضارات الغربية بات وشيكاً قريباً، لأنها تنظر إلى المجتمع نظرة التفرقة العنصرية، ونظرة التفريق بين الملونين.

النبي صلى الله عليه وسلم ومحوه لداء العنصرية والتفرقة

النبي صلى الله عليه وسلم ومحوه لداء العنصرية والتفرقة ولنعد إلى دولة الرسول صلى الله عليه وسلم لنرى صورة بين أسود وأحمر تلاحا رضي الله عنهما في حالة غضب، وفي حالة ضعف شيئاً ما، بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأسود الحبشي، وأبو ذر الغفاري من غفار، فلما كان بينهما من الكلام ما كان قال أبو ذر: (اسكت يا ابن السوداء، فسكت بلال رضي الله عنه) وسكت لأنه يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لن ولا ولم يقر يوماً ما، شيئاً من هذه العصبية، أو من ريحها، وحاشا الصحابة أن تتحكم فيهم الجاهلية، إنما هي نزغات من الشيطان يستعيذون بالله منها، فيولي شيطانهم خنيساً بعيداً. فلما علم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بئس ما قلت له أن عيرته بأمه، ثم التفت إلى أبي ذر وقال: يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية) لم يقل: أنت من أهل الجاهلية، ولم يقل: أنت جاهلي، وإنما قال: (فيك جاهلية) يمكن أن تزول بالتوبة، يمكن أن تضمحل وتتوارى بالأوبة. (فبكى أبو ذر رضي الله عنه، وعاد إلى أخيه بلال يقبله، ويضمه، ويستسمحه، ويطلب منه العفو والمغفرة، فما كان من أبي ذر إلا أن وضع خده على التراب، وقال: يا بلال! لا أرفع خدي حتى تضع رجلك السوداء عليه). ولم يقل: أنا غفاري وهذا حبشي ولم يقل: أنا عربي وهذا أجنبي ولم يقل: أنا من غفار وهذا من الحبشة لا. {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} [الأعراف:201] يعودون، ويستغفرون، ويتوبون، ويئوبون، وبهذا نعرف كرامة كل مسلم، لو كان رصيده في البنك هللة، أو كانت أطماره بالية، أو كان على بند الساعات والأجور، أو كان لا يملك فلة فارهة، أو لا يجد ريالاً يركب به مع النقل الجماعي فضلاً عن كونه يملك سيارة أو لا يملك. بهذا نعرف أن منزلة كل مسلم، إنما هي بما يحمل في قلبه من قربة إلى الله فمن كان أقربنا إلى الله، فهو أعلانا منزلة، وأما الأموال والأولاد، فكما قال ربنا جل وعلا: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ:37] ليس البنون والولدان يقربان كل بعيد، أو يرفعان كل وضيع، أو يقويان كل ضعيف، أو يعزان كل ذليل، لا والله! إنما هو الإيمان، إنما هي التقوى، إنما هو الارتباط بالله جل وعلا. مر رجل غني ثري وجيه رفيع وكان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة جالسين، فسأل صلى الله عليه وسلم قال: (ما تقولون في هذا؟ قالوا: يا رسول الله! هذا رجل حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع فجدير بأن يشفع، وإن تكلم فضمان أن يسمع، ثم مر ضعيف فقير) ويا محنة الفقراء في هذا الزمان! يمشي الفقير وكل شيء ضده ويرى العداوة لا يرى أسبابها حتى الكلاب إذا رأت ذا نعلة هشت إليه وحركت أذيالها وإذا رأت يوماً فقيراً معدماً نبحت عليه وكشرت أنيابها حتى النفاق دخل في الكلاب، ثم مر فقير طرير لا يُلتفت إليه فقال صلى الله عليه وسلم: (ما تقولون في هذا؟ قالوا: يا رسول الله! هذا رجل مسكين، إن تكلم لا يسمع له، وإن خطب لا يزوج، وإن شفع لا يشفع له، فقال صلى الله عليه وسلم: لهذا خير من ملئ الأرض من ذاك). وليس الفقر منقبة بعينه، لكن لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم علم من انكسار ذلك الفقير، وقربه من الله جل وعلا، ما لم يكن موجوداً عند ذلك الغني بأمواله. ويقول صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره) يعني: لو قال: أقسمت يا رب عليك أن تمطر السماء الآن لأمطرت. (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب) ربما يطرق الباب سائلاً أو محتاجاً أو واقفاً، فيفتح الباب ثم يدفع في وجهه (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره). إذاً فإلام يمضي أولئك الذين يريدون أن يمزقوا شملنا في بلادنا بالعصبيات الجاهلية، والقوميات العنصرية؟! ونقول لأولئك الذين يرفعونها شمالاً أو جنوباً، شرقاً أو غرباً، وسطاً أو قريباً أو بعيداً، نقول لمن أراد أن ينظر إلى قوته وموقعه بنسبه أو بحسبه، أو بأرومته، نقول له: تفتخر بماذا؟ بالخراءة والعذرة في جوفك؟ بالبول في مثانتك؟ بالقذى في عينك؟! بالمخاط في أنفك؟! بالوسخ في أذنك؟! بالبخر في فمك؟! بالنتن في بدنك؟!! هذا هو الإنسان، قذى في العين، مخاط في الأنف، وسخ في الجوف، أذىً في البطن. بماذا يفتخر إنسان على آخر؟! حج الخليفة الأموي ومعه ولداه، وكان الذي يتولى الإفتاء في المناسك بأمر الخليفة هو عطاء بن أبي رباح؛ عبد مولى أُعتق فطلب العلم، فبلغ فيه قمته، فانتهت إليه الفتوى في أمور المناسك، وكان الناس يقفون عليه سماطين أو ثلاثة -بما نسميه طابوراً- كل ينتظر دوره لكي يسأل عطاء بن أبي رباح، وهل كان عطاء جميلاً طويلاً مهيباً وسيماً؟ كان عطاء رحمه الله مفلفل الشعر، لا يرى إلا بعين واحدة، أفطس الأنف، إذا رئي من بعيد كأنه غراب رحمه الله، فلما بلغ الأمر حد الخليفة، يريد الخليفة أن يسأل في شأن من شئون المناسك، فجاء الخليفة وجثا بركبتيه عند عطاء بن أبي رباح، وأجلس ولديه على يمينه ويساره، وطأطأ مطرقاً هيبة للعلم، وإجلالاً للعالم، الخليفة الأموي يطأطئ ويجثو بركبتيه بين يدي عطاء بن أبي رباح، فهل ضر عطاء أن كان عبداً؟! وهل ضر عطاء أن كان مفلفل الشعر؟! وهل ضر عطاء أن كان أسود اللون؟! وهل ضر عطاء أن لم يكن له إلا عين واحدة؟! وهل ضر عطاء كل ما لا يحبه أولئك القوميون والعصبيون؟!

القومية ونعرتها الجاهلية

القومية ونعرتها الجاهلية أيها الأحبة: إن نعرة القومية نعرة فاشلة، ولما أن سقطت بلاد المسلمين في يد المستعمرين، وأصبحت أمة الإسلام حمىً مباحاً، وعرضاً مدنساً، ودوحاً حلالاً، لكل غريب، ولكل شرير، ولكل كافر من يهودي ونصراني. أراد من خدعوا الشعوب بدعوى جمع شمل الأمة من جديد، أرادوا أن يجمعوا الأمة تحت شعارٍ يلم شتاتهم، ويشد ما ارتخى من حزامهم، ويجمع شملهم، ويعيد صفوفهم، فكانت بولةً زرارية كبرى، أن جمعت الأمة في الستينات على شعار القومية العربية، وطبَّل الناصريون، وجعجع العلمانيون، وقلَّد الببغائيون والقرود، وتقلب الحربائيون وراء هذه الدعوى. من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر وأخذوا يرددون هذا الشعار. وقال الآخر: هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم وماذا كان بعد ذلك؟ لقد عظمت الأشكال، أما النفوس فما تزال صغيرة، لقد كثرت الملابس أما الحقائق فما تزال حقيرة، وقيل لإسرائيل: إنها ستباد وستقتل: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع وبعثت برقية عاجلة، للحيتان في البحار: يا معاشر الحيتان! تجوعوا فسنلقي باليهود إليكم، لتأكلوهم غداءً وعشاءً في أيام متتالية، تجوَّع يا بحر، كما صرح بذلك من صرح، وانخدع الحوت وما وجد طعاماً ونزلت الطائرات: وأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب وقاتلت دوننا الأبواق صامتة أما الرجال فماتوا ثم أو هربوا أيها الأحبة: شعار شبيه بالشعار الذي يطرحه بعض الجهلة، وإني لأجزم أن من يرفع دعوى العصبية اليوم في مجتمعنا الواحد، في أمتنا الواحدة، في جزيرتنا الآمنة، في حدودنا المطمئنة، إن الشعار الذي ربما دندن بعض من أراد أن يجتمع أو يحوم عليه، شبيه بذلك الشعار، ولكن يغفر لهؤلاء الجهل والسذاجة والبراءة، وعدم براءتهم من الدين، وعدم قصدهم بعد الإسلام، وإنما هي نعرة جاهلية. أما أولئك القوميون العرب، فكانوا يرفعون الشعار يريدون أن يفصلوا الأمة عن العالم الإسلامي، عن الهند والسند وعن إندونيسيا وماليزيا وعن جميع المسلمين في جميع بقاع المعمورة، يريدون أن يجعلوها عربية قومية صرفة. أعود فأقول -أيها الأحبة-: إننا لم نبعد كثيراً عن تاريخ توحيد المملكة عام (1351هـ) توحدت هذه البلاد الآمنة، وماذا كان قبلها، لعل أجدادنا أدركوا وعاشوا زمناً ما كانت الضعينة تأمن، وما كانت القافلة تسلم، وما كانت الأموال يطمأن عليها، وما كانت الأعراض في مأمن من أن ينالها ما ينالها. أوبعد أن من الله علينا بجمع شملنا، وتقارب نفوسنا، ووحدة صفنا، في دولة واحدة، وفي مجتمع واحد، نجد من يرى نفسه من أهل نجد لينظر إلى أهل الحدود الشمالية أو الجنوبية نظرة الدون؟! أنجد من يرى نفسه من أهل الحجاز لينظر إلى من عاش في الشرق أو الغرب نظرة الدون؟! لا والله يا عباد الله إن أولئك فيهم من هم خير منا، وفينا من هو خير منهم، والخير مرتبط بالقرب من الله جل وعلا. ما ارتبط قط لا بنسب، ولا بسبب عرقي، أو بنعرة عصبية، فإن أدركتم هذا استطعتم أن تجمعوا أمتكم على صراط واحد، وفي خيط واحد، وفي محجة واضحة، وإن عاش كل يسب من يقابله في الجهة، فذاك نذير الخطر، والخطر على من تكلم به، والخطر على من رفع هذه الراية، والخطر على من رفع هذا الشعار. فعلينا -عباد الله- أن نتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يخذله، ولا يسلمه، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) إن كان فيك احتقار لواحد من أهل الجنوب والشمال، أو الشرق والغرب، أو إن كان في واحد من أهل الجنوب أو الشرق أو الغرب أو الشمال احتقار لمسلم في أي جهة أخرى، نقول: يكفيه أن امتلأ قلبه شراً بنظرة الدون هذه، وبنظرة الاحتقار هذه. ألا يا عباد الله: افعلوا ما يقربكم من الله، وابتغوا إليه الوسيلة، وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وجعلكم محل نعمته، ومحط رحمته، وجعل الخيرات تتدفق إلى أرضكم، والتفتوا يميناً وشمالاً إلى حدود بلادكم، تجدوا أرضاً ملتهبة، وتجدوا فتناً وقلاقل وبلاء ومصائب متعددة، فهل جزاء شكر نعمة الله إلا أن نسليها بالخضوع والركوع، والذكر والشكر له جل وعلا، بدلاً من أن نظن أننا لأننا من بني فلان أصابتنا هذه النعم، لا والله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

دعوة إلى الاجتماع ونبذ القبلية والعرقية الجاهلية

دعوة إلى الاجتماع ونبذ القبلية والعرقية الجاهلية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: اعلموا أن دعوى القبلية البغيضة، والعرقية الضيقة، والقومية التي لا أصل ولا دليل لها، اعلموا أنها دعوى إن سلمنا بها لأحد؛ فإن كل قبيلة تريد أن تحتج بها، وإن كان بعض العرب، أو إن كان بعض أفراد قبيلة بني فلان أو بني فلان، يريدون أن يروا لهم فضلاً أو مكانة أو منزلة في بقعة من البقاع أو في مكان من الأمكنة، أو بين طبقة من الناس، فليسألوا أنفسهم: لمن الملك قبل ذلك؟ ألم يكن الملك لله يورثه من يشاء من عباده؟ خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد رب لحد قد صار لحداً مراراً والهاً من تزاحم الأضداد الذين يظنون أنهم هم بنو فلان، الذين لا يتقدمهم أحد في مقام كذا أو في منزل كذا نقول لهم: دونكم فلعلكم تمشون على أجساد أقوام قبلكم، وستمشي أمم بعدكم على أجسادكم وعلى ثراكم، فالله الله أن تفرقنا القبلية، أو أن تمزق شملنا العصبية، أو أن تنطلي حيل أعدائنا فينا. لقد حاول الأعداء بكل سبيل أن يفسدوا هذا الكيان، إن نعمة الأمن ونعمة الوحدة والاجتماع في هذه المملكة حاول كثير أن يمزق شملها بمختلف الصيحات العلمانية والبعثية، وبمختلف ألوان فتح أبواب الفساد أو تصدير الفساد عبر المخدرات، وعبر الخلاعة وعبر المجون. ووالله ما نراه من بث مباشر علينا وليس علينا فقط، أو فحسب، بل على كثير من بقاع المسلمين، وفي بعض الليالي يسلط البث بمكثفات ومقويات لكي يرى الناس أفلام الدعاية والخلاعة والمجون، ما هذا إلا خطوةً أو عاملاً يساعد على تفتيت شمل الأمة، وتكسير شمل هذه الدولة المجتمعة، فحذار حذار يا عباد الله أن تنطلي علينا الحيل، ولنتآلف ولنكن عباد الله إخواناً. واعلموا أنه لن يجمعنا التراث، ولن تجمعنا الفنون، ولن تجمعنا التقاليد، لن يجمعنا إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله، إن أردنا أن نؤلف صفوفنا، وأن نجمع شملنا، وأن نحافظ على كياننا، فلنغرس رابطة العقيدة، ورابطة الولاء والبراء، والحب في الله والبغض في الله، هذه أعظم رابطة تجمع القلوب، وتؤلف النفوس، وتجمع الأفئدة بين الشمال والجنوب والشرق والغرب. وأما التقاليد، وأما ما يسمى بالتراث، أو ما يسمى بالفنون، فإنها لا تجمع أمة متفرقة، أو لا تعالج دعوى العصبية، ولا توحد شمل المتفرقين. أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، وأن يبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم من أراد بنا في هذه المملكة خاصة، وفي سائر بلاد المسلمين عامة، اللهم من أراد بشملنا فرقة، وباجتماعنا شتاتاً، اللهم أزهق روحه، وعطل أركانه، وخذ سمعه وبصره، وأرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم لا تحجب دعاء المسلمين فيه. اللهم اجمع شملنا، ولا تفرح فينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم لا تشمت بنا حاسداً، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا على طاعتك، وسخر لنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، واجعل اللهم ذلك في طاعتك، وإعلاء كلمتك، ورفعة دينك، ونصرة أوليائك، ومعاداة أعدائك. اللهم لا تشمت بالمسلمين حاسداً، اللهم لا ترنا يوماً فيه فرقة أو شتاتاً، اللهم احفظ أبناءنا وبناتنا، ونساءنا وزوجاتنا، اللهم احفظ شبابنا، اللهم أصلح شبابنا، اللهم اجعلهم خير الشباب لدينهم، وفي طاعة ربهم، واتباع سنة نبيهم، واجعلهم خير الشباب لأمتهم. اللهم إنا نسألك أن تسلط على من أراد بالفتيات والنساء تبرجاً واختلاطاً وسفوراً في أي مجال من المجالات يا رب العالمين! اللهم أهلك الصربيين، اللهم أهلك الصربيين، اللهم أهلك الصربيين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً. اللهم إنك تعلم أن مطار سراييفو كان وشيك السقوط في أيدي المسلمين، فتدخل نصراني حاقد، فأمسك بهذا المطار حتى لا تقع فيه إمدادات من السلاح عسكرية للمسلمين، وإنما ليبقى لمجرد الأغذية والأدوية، لا أن يصل السلاح إلى المسلمين. اللهم انقطعت الأسباب، وتقطعت السبل، وأغلقت الأبواب، ولم يبق إلا الفرج والنصر من عندك، اللهم فأنزل النصر على إخواننا في البوسنة والهرسك، اللهم أنزل بالصربيين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنزل بالصربيين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وأنزل عليهم طيراً أبابيل، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم. اللهم أقم دولة سنية في قلب أوروبا، تكون شجاً وغصة في حلوق النصارى يا رب العالمين! اللهم أقم دولة إسلامية في قلب أوروبا ترفع كتابك وسنة نبيك. اللهم أحقن دماء المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم احفظ ضائعهم، وأطعم جائعهم، وعاف جريحهم، وارحم ميتهم. اللهم أصلح شانهم، اللهم تكفَّل بهم، اللهم قوهم وانصرهم وأغنهم، اللهم أنزل الرعب في قلوب أعدائهم، وأنزل القوة في نفوس المسلمين هناك يا رب العالمين! اللهم عجل نصرهم، اللهم عجل نصرهم، اللهم لا تحجب دعاء وقنوت المسلمين ليل نهار لهم، اللهم ارفع الكربة عنهم، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم فانصرهم وانصر المسلمين في فلسطين وفي بورما وفي كشمير وفي أفغانستان وفي سائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين! اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

إنا وجدنا آباءنا على أمة

إنا وجدنا آباءنا على أمة إن الحق لجلي واضح لمن أراده وطلبه من مظانه، إلا لمن كان في قلبه ظلم أو هوى، وقد أرسل الله الرسل ليبينوا الحق للناس، وفي هذه المادة يتعرض الشيخ لصور رد الحق على مرور التاريخ، وكذلك الحجج والأسباب التي بسببها يرد الحق، منبهاً على وجوب علاج ذلك الداء العضال.

الحق جلي لمن أراده وطلبه

الحق جلي لمن أراده وطلبه الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد أوله وآخره، وظاهره وباطنه، وسره وعلانيته، اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت، ولا مضل لمن هديت ولا هادي لمن أضللت، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، ولا مباعد لما قربت ولا مقرب لما باعدت، اللهم عائذون بك من شر ما أعطيتنا وشر ما منعتنا. نسألك اللهم ربنا الأمن يوم الخوف، والنعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول يوم القيامة، اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، واحشرنا في زمرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم غير خزايا ولا مفتونين، بمنك ورحمتك يا رب العالمين! أيها الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأشكر الله جل وعلا ثم أشكركم على حسن إنصاتكم وحضوركم واجتماعكم، وأشكر مركز الدعوة الذي يسر هذا الشرف بالمثول بين يديكم والتحدث إليكم، أسأل الله جل وعلا أن يذكر بعضنا بعضاً هذا المقام في مقعد صدق عند مليك مقتدر. أيها الأحبة في الله: موضوع المحاضرة في هذه الليلة بعنوان: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22]. أيها الأحبة: الحق أبلج وواضح وجلي. والحق أبلج لو يبغون رأيته هيهات يبصر من في ناظريه عمى والله إن الحق لجلي لمن أراده وطلبه، إلا من كان في قلبه ظلم، أو كبر وعلو، أو هوى كما قال عز وجل: {وَجَحَدُوا بِهَا} [النمل:14] بألسنتهم، بألفاظهم، بأقوالهم، بأفواههم: {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14] في قرارة قلوبهم يعلمون أن الحق هو ما جاء من عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14] فلماذا يجحدون؟ {ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:14].

صور لرد الحق على مرور التاريخ

صور لرد الحق على مرور التاريخ إن لرد الحق على مرور التاريخ صوراً عديدة، فتارة يرد الحق؛ لأن الذي جاء به ضعيف كما قال قوم شعيب له: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [هود:91] فإنهم يرون أن شعيباً ضعيف، ويرون ضعفه سبباً لرد الحق الذي جاء به، وآخرون يرون أن الفقر والفاقة والمسكنة سبب لرد الحق ممن جاء به، ولذلك قال فرعون يحدث قومه ويرد الحق الذي جاء به موسى: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] وهو يفتخر بأمواله ويقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51]. وقريش تقول لمحمد: {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف:53] فهذه صورة من الصور التي بينها القرآن وذكرتها السنة في حال كثير من الذين يردون الحق ولا يقبلونه ممن جاء به. وإن كثيراً ممن يردون الحق لا يردونه لأنهم يجهلونه، والله إنهم ليعلمونه ويعرفونه، ولكن الظلم والكبر، والهوى والعلو، والعناد والإصرار هو الذي ساقهم لذلك، قال عز وجل: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} [القصص:50] لم يقل: فإنهم يجهلون أو لا يعلمون أو لا يفقهون أو لا يدركون، قال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص:50] وقال عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] إنه لم يضل عن جهل ولم يضل عن نقص فقه أو فهم، وإنما ضل على علم، كذلك الهوى يعمي صاحبه عن البصيرة ويرده عن اتباع الصراط المستقيم. فالحق أبلج، حينما ندعو من ضل عن الحق إلى الحق ندعوه بدعوة الله عز وجل لا نسبه ولا نشتمه: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] وإنما شفاء العي Q { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] وحينما نعالج المريض فإننا لا نشتمه ولا نشتم مرضه، وأول ما نحتاج إليه وأول ما ننبهه إليه أن ندعوه إلى استخدام عقله وفكره؛ حتى لا يكون من الذين قال الله فيهم: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179] إن من الصور الواردة في رد الحق ودفعه ممن جاء به، ما ذكره القرآن في مواضع شتى، وإن الحاصر والمتتبع لها في القرآن ليجد صورة من الصور تكررت في مواجهة كثير من الأنبياء والرسل، تلكم الصورة التي يرد فيها الضالون الحق ممن جاء به؛ لا لأن عندهم حقاً يوازيه أو ينافسه أو أفضل منه، ولا لأنهم لم يفقهوه، ولا لأنهم لم يدركوه، وإنما قالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:22]. قال الله عز وجل: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف:21 - 24] في هذه الآية ذكر ردهم للحق بسبب اتباعهم لآبائهم. فالأولى قالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة، والأمة في هذه الآية بمعنى الملة والطريقة {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] وبعد هذه الآية في نفس السورة: {إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] يقول ابن كثير: يقول عز وجل منكراً على المشركين في عبادتهم غير الله بلا برهان ولا دليل: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ} [الزخرف:21] إي من قبل شركهم، من قبل ضلالهم وبدعهم، من قبل ظلمهم وعدوانهم، هل عندهم كتاب كانوا به يستمسكون؟ ثم بين عز وجل أن حجتهم في هذا أن آباءهم سبقوا إلى هذا، وهذا حال كثير من أمثالهم ونظرائهم. ويقول عز وجل في آية أخرى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُون َ} [البقرة:170] قال المفسرون: إن هؤلاء إذا قيل لهم اتبعوا ما جاءت به الرسل من عند الله، وما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وكلام النبي وحي يُوحى؛ لأن النبي لا ينطق عن الهوى، واتركوا ما أنتم عليه من الضلال قالوا: لا. بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا من عبادة الأصنام والأنداد، فينكر الله عليهم: أولو كان آباؤكم هؤلاء الذين تتبعونهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون، أي: أنتم مصرون على اتباع آبائكم وأجدادكم حتى ولو كان آباؤكم ليس عندهم كتاب يستمسكون به، ولا فهماً، ولا يعقلون شيئاً ولا يهتدون. وفي آية ثالثة يقول عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا} [المائدة:104] ما هو حسبهم، وما الذي يكفيهم، وما الذي ملأ قلوبهم دون هذا الحق؟ {قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [المائدة:104] قال المفسرون: أي أنهم إذا دعوا إلى الله وشرعه وما أوجبه، وإذا دعوا إلى ترك ما حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم قالوا: حسبنا، أي: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد من الطرائق والمسالك، فالله يرد عليهم ويقول: أولو كان آباؤكم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون؛ أفأنتم تتبعونهم حتى ولو كانوا لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون أبداً. بل وأخبث من هذا وأضل أنهم يفعلون الفواحش والمنكرات ويحتجون بأنهم ألفوا آباءهم عليها وهم سائرون على ما سار عليه أسلافهم، قال تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] انظروا الكذب والعياذ بالله، يحتجون بآبائهم ثم يكذبون على الله ويقولون إن الله أمرهم بها: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:28] تعالى الله ربنا عز وجل، مولانا وخالقنا، الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، وهدانا، ومن كل خير سألناه أعطانا، أيأمر ربنا بالفحشاء وهو الذي حرمها: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف:33] ربنا الذي يحرم الفواحش ظاهرها وباطنها أيعقل أنه عز وجل يأمر بالفحشاء؟! أفيكون هذا دليلاً وحجة يكذبون على الله ويحتجون بآبائهم: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف:28 - 29] والعبرة في النصوص القرآنية والنصوص النبوية بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن كان لهذه الآية سبب وقصة كما ذكر ابن كثير قال: كانت العرب ما عدا قريشاً لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، فكانت قريش وتسمى الحمس، ويقال حمساً حمستهم الشمس، كانوا يطوفون في ثيابهم، وما سواهم من قبائل العرب يقولون: لا نطوف بالبيت وعلينا ثياب عصينا الله فيها، فمن أعاره أحمسي ثوباً طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه، ثم يلقيه فلا يتملكه أحد، ومن لم يجد ثوباً ولم يجد أحداً من الحمس يعيره ثوباً طاف عريانا، وربما كانت المرأة تطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئاً ليستره بعض الستر وتقول وهي تطوف: اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فلا نحله وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل، وهذا شيء ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند من أمر من الله وشرعه فأنكر الله عليهم ذلك بقوله: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] فرد عليهم ربنا عز وجل فقال: قل أي: يا محمد إن الله لا يأمر بالفحشاء، هذا الذي يصنعونه منكر وفاحشة والله لا يأمر به، أتقولون على الله ما لا تعلمون؟!

حكم الاحتجاج بفعل الآباء والأجداد

حكم الاحتجاج بفعل الآباء والأجداد وكذلك الحال -أيها الإخوة- في كثير من الناس في هذا الزمان في كثير من البدع، سواءً كانت بدعاً في الاعتقاد، أو بدعاً في التعبد، أو بدعاً في السلوك أو المعاملات، أو إسرافاً، أو تجاوزاً، تجد أن كثيراً من الناس إذا نهوا عن منكر شائع وخطأ فادح، وأمر منتشر بينهم غير محمود؛ فإنهم يحتجون بفعل آبائهم وأجدادهم وعلى سبيل المثال:

الإسراف تبعا للآباء والأجداد

الإسراف تبعاً للآباء والأجداد منذ أيام كنا في مناسبة في منطقة من مناطق شمال المملكة، وإذ بنا نجلس على موائد لا ينتهي إليها البصر من أول هذا المسجد إلى آخره وصفوف متتابعة، ثم دعي الناس إلى الطعام فأكلوا ووالله ما حركوا ربع ما في هذه الصحون، ثم قيل هذه الضيافة الأولى، وأنتم بعد صلاة الظهر غداً على موعد في الضيافة الثانية، وحياكم الله بعد صلاة العشاء غداً في دخول العريس على زوجته في ضيافة ثالثة، فقلنا لصاحب الزفاف -يا عبد الله- أما تتقي الله عز وجل؟! {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27] والله عز وجل يقول: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] فكيف تقعون في هذا الإسراف؛ فقال بعضهم: هذه من عادات آبائنا وأجدادنا، وعيب علينا أن نترك عادات الآباء والأجداد، والأعجب من ذلك أن من مد هذه الموائد وهذه السماطات فقراء يشترون السيارة الصالون التي قيمتها مائة بمائة وتسعين ألف ريال من أجل هذا الإسراف والتبذير، وإذا قيل له: لماذا تصر على هذا المنكر وهذا الحرام؟ {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:22] يقول: هذه عادة أبي وجدي {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22]. وكذلك بعضهم تجده يبتدع في العبادة ويتعبد الله بأمر لا دليل عليه من كلام الله ورسوله، ولا دليل عليه من فعل أبي بكر الصديق ولا من فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومع ذلك إذا قيل له: هل عندك حجة من القرآن؟ هل عندك دليل من السنة؟ هل عندك من هدي الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهما: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) هل عندك شيء من علم أو آثارة من علم فتخرجه لنا؟ قال: لا. لكنا أدركنا آباءنا وأجدادنا على هذا، ولا يعقل أن يكون والدي وجدي على ضلال. لماذا لا يكون والدك أو جدك على ضلال؟ أهو معصوم؟ أم أوحي إليه؟ أم سلم من هذا كله؟ أم استوثق العلم وحفظه من جميع جوانبه؟

كشف النساء عن وجوههن بحجة عادات الآباء والأجداد

كشف النساء عن وجوههن بحجة عادات الآباء والأجداد كذلك كشف النساء وجوههن لإخوة الزوج مثلاً، تجد في بعض المناطق تساهلاً، وإن كانت ولله الحمد والمنة مع الدعوة والاحتساب، ونشر الكتب والأشرطة النافعة بدأت هذه الظاهرة تزول. وفي بعض المناطق تجد كثيراً من الناس يتساهلون في الدخول على المحارم، فإذا قيل لبعضهم: اتق الله ولا تفعل هذا، فإن نبيك وحبيبك صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم والدخول على المحارم، فقال رجل: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) يقول بعضهم: لا. هذه أختي هذه لحمي ودمي هذه شعرة من جسمي لا يمكن أن أهم فيها بسوء، فنقول له: مالنا ومواقفك الشخصية، وما علينا من نزاهتك وطهارتك الذاتية، لكن المهم أن الله أمرك فاستجب، ونبيك صلى الله عليه وسلم أمرك فاستجب أياً كانت درجة النزاهة والطهارة في ذاتك أو في شخصيتك، أو أياً كانت درجة العفة في ذاتك، قال الله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51] لا تقل: آباؤنا وأجدادنا كانت المرأة فيهم تكرم الضيف وتخدمه، ولم يكن الضيف يهم بالمنكر، أنتم أيها الأجيال الأخيرة الذين تسيئون الظن بالناس، لا. أياً كانت القضية فنحن عندنا هدي من الله مأمورون بالاستجابة له والالتزام به. وقس على ذلك كثيراً من العادات والتقاليد، والبدع والأخطاء والأغلاط في أمور العقائد والتعبد والعادات العامة عند الناس في مناسباتهم وغيرها مما يحتج عليه بفعل الآباء والأجداد، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [الحج:8] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان:21] وهذه مصيبة هؤلاء الذين لا يجدون حجة إلا أن يقولوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا، إنا وجدنا آباءنا على أمة، إنا وجدنا آباءنا على طريقة، وجدناهم على ملة، أيعقل أن الآباء والأجداد ضالون؟ أيعقل أن الآباء والأجداد يخطئون؟ يا حبيبي: أقول لك: هذا كلام الله بين دفتي المصحف لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] أعطيك القرآن وتقول: قال أبي وجدي، أعطيك قول نبيك صلى الله عليه وسلم فتعطينا من خزانة أبيك وجدك، ألا فليتق الله من كان هذا حاله. أيها الأحبة: من أراد الحق والبصيرة، وأراد أن يعبد الله عبادة تنفعه إذا حشرجت روحه وبلغت الحلقوم، من أراد أن يعبد الله عبادة تنفعه إذا حمل على الجنازة، وإذا وضع في القبر، وإذا بعث بين يدي الله ووقف للحشر والنشر والحساب والسؤال والجواب، إذا وقف الناس على الصراط بين الجنة والنار، من أراد أن ينفعه عمله فليتق الله ولينظر إلى ما كان يفعله آباؤه وأجداده، فما وجد عليه هدى وأثارة من علم من كلام الله ورسوله فنعم الفعل فعل الآباء والأجداد.

إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق

إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق أيها الإخوة: إن الإسلام ما جاء ليلغي كل أفعال الآباء والأجداد، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بنسخ كل ما فعلته العرب من قبله، بل أثبت أموراً كانت العرب تفعلها، وهو ما كان مشروعاً محموداً مشكوراً في القرآن والسنة؛ من الوفاء والصدق والأمانة، وإكرام الضيف، والتعاون على الحق، ونصرة المظلوم، ودفع الظالم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). فيا أحبابنا: لنعلم تماماً أن من علمنا عنده شيئاً من عادات آبائه وأجداده، فما كان منها موافقاً لكتاب الله وسنة رسوله فنعمت الأخلاق، ونعمت الجبلة والسجايا، وما كانت مخالفة لأمر الله ورسوله، فلن ندع قول جبار السموات والأرض لعادات بشر يمرضون ويتغوطون، ويتبولون ويمتخطون، وينامون وينسون، ويسأمون ويموتون، لن ندع قول الله لقول هؤلاء، ولن ندع قول نبي معصوم لقول هؤلاء أيضاً، قال الله عز وجل في بيان حوار جميل بين إبراهيم عليه السلام وقومه الذين -أيضاً- كانوا يحتجون بالآباء والأجداد: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء:51 - 54]. انظروا ماذا قالوا؟ قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين، يبين ابن كثير رحمه الله بقوله: لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضُّلال، ولهذا قال: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء:54] أي الكلام مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم فأنتم وإياهم على غير هدى وعلى غير طريق مستقيم.

العجب من التقليد في عصر التقنية والتكنولوجيا

العجب من التقليد في عصر التقنية والتكنولوجيا العجب -أيها الإخوة- في زمننا هذا، في عصر التقنية والتكنولوجيا، في عصر استخدام العقل -كما يقال- أن تجد أناساً ربما فيهم المهندس والطبيب، وفيهم عالم الرياضيات، والمتخصص في الأحياء والفيزياء وغيرها من الأمور التي تحتاج إلى إشغال العقل وإعماله بدقة يقبل أموراً يحتج عليها بفعل الآباء والأجداد. لئن كانت قبلنا أمم أو أناس يحتجون بفعل آبائهم وأجدادهم لأنهم أميون لا يقرءون ولم يتعلموا، ولم يعرفوا الحساب ولم يعرفوا استخدام العقل في مكانه، فما حجة أولئك الذين برعوا في العلم والفيزياء والرياضيات، والصيدلة والكيمياء وعلوم أخرى، لئن كان في الآباء من لم يتعلم فانطلت عليه عادات الآباء والأجداد؛ فأنت أيها المتعلم، يا من لك عقل، ويا من لك هدى وبصيرة كيف تنطلي عليك هذه.

تعطيل العقول سبب الضلالات

تعطيل العقول سبب الضلالات إذاً: من واجبنا أن نستخدم عقولنا لو أن رجلاً قال لي أو قال لك أو قال لأي واحد: أرجوك أن تغمض عينيك وأن ترمي بعقلك في الزبالة أو في صندوق، واتبعني في كل ما أنا فيه ولا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً؛ لقلت: لا وألف لا، إن الله ما خلق هذا العقل عبثاً. لو أن رجلاً أراد يلقمك تلقيماً ويلقنك أموراً، وقال لك: احفظها ولا تناقش ولا تحاور ولا تجادل، ولا تبحث ولا تسأل ولا تناظر، إنما خذها وسلم بها؛ لقلت: وما قيمة العقل، وما الحاجة إليه إذاً؟! أيعقل أن العقل قد خلق عبثاً، إنما خلق العقل لكي يهتدى به إلى الحق، مستنيراً بنور الوحي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه} [الحجرات:1]. بل إن الله عز وجل بين أن طوائف الكفار الذين يصلون جهنم وساءت مصيراً يعترفون بأن تعطيل عقولهم كان سبباً في دخولهم النار، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10 - 11] فالأولى قالوا: لو كنا نسمع أو نعقل، لو أنا حكمنا عقولنا لما دخلنا النار، ثم قال: فاعترفوا بذنبهم، أي: فأقروا أن تعطيل العقول ذنب، وأقروا أن تعطيل العقول أمر منكر، فكانت العاقبة أنهم من أهل النار ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الأحبة: اسمعوا قول الجبار عز وجل الذي خلقنا وإياكم، وخلق جميع البشر، وهو أدرى بما يصلح أحوالنا، وأدرى بما ينفعنا وأدرى بما يضرنا، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] اسمعوا قول الجبار عز وجل: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود:109] يعني: لا يصبك الشك فيما ترى من فعل هؤلاء، فإنهم يعبدون ما كان يعبد آباؤهم من قبل. قال ابن كثير: فلا تكن في مرية مما يعبد المشركون، إنه باطل وجهل وضلال، إنهم يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل، وليس لهم من مستند إلا اتباع الآباء في تلك الجهالات. وقال عز وجل أيضاً: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [إبراهيم:9 - 10] أيضاً القضية في الآباء، أنتم تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم:9] الرسل يدعونهم وينصحونهم ويأتي هؤلاء يردون أيديهم في أفواه الرسل حتى لا يسمعوا منهم حقاً، ولأجل ذلك تجد بعض المساكين إذا قيل له ما قيل، قال: لا. انتبه لنفسك، إن عندهم كلاماً كالسحر، ضع في أذنيك قطناً أو سدادة حتى لا تسمع هذا الكلام.

قصة الطفيل بن عمرو الدوسي

قصة الطفيل بن عمرو الدوسي إن الطفيل بن عمرو الدوسي قبل إسلامه كان قد سمع بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث أخاً له يستفسر الخبر أو يستنبئ الخبر، فلم يشف غليله، فقال: إني أريد أن أذهب إلى هذا الصابئ -يعني محمداً صلى الله عليه وسلم- فأنظر في شأنه، فجاءه قوم محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: انتبه! إن عنده كلاماً كالسحر يفرق بين المرء وزوجه، فخذ قطناً وضعه في أذنيك حتى لا تسمع من كلامه، أي اذهب فاسأل أبا لهب أو أبا جهل، أو الوليد بن المغيرة أو أمية بن خلف، اسأل هؤلاء، أما هذا الرجل فلا تسأله فإن عنده كلاماً يفرق به بين المرء وزوجه، قال الطفيل: فوضعت في أذني القطن وقدمت إلى مكان هذا الرجل لأسأل عن حاله، قال: فلما كنت في الطريق قلت لنفسي: إني لشاعر، بل إني لمن شعراء العرب وأشعرهم، وأعرف سجع الكهان من كلام الحق، وأعرف رديء القول من طيبه وجيده، فلماذا أضع في أذني هذا الكرسف وهذا القطن، قال: فأزلته فجئت إلى محمد صلى الله عليه وسلم فسمعت منه، فما هو إلا أن شرح الله صدري للحق. أيها الأحبة: إن كثيراً من الناس ليس لديه استعداد أن يسمع الحقيقة، أنا أقول لكل عاقل ولكل من يحترم عقله: إياك أن تجعل عقلك في خزانة جدك وأبيك، وإياك أن تجعل عقلك تحت سرير نومك أو في خزانة والدتك، أريدك أن تحمل عقلك معك أينما انتهيت، واسمع مني وأسمع منك، والله لو علمت أن الحق معك لتركت ما أنا عليه واتبعتك، لكن لو بينت لي بصريح قول الله، وصريح قول رسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا هو الحق، ليست القضية أن يقل هؤلاء أو أن يكثر هؤلاء أو العكس، القضية أين الحق فنتبعه؟ أين الهدى فنسير عليه؟ أين الصراط فنلتف حوله؟ أين الراية فنجتمع عندها؟ هذا الذي يرضي الله عز وجل.

نهاية أتباع الآباء والأجداد

نهاية أتباع الآباء والأجداد قال الله عز وجل عن أهل الجحيم: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} [الصافات:69 - 70] أولئك الذين اتبعوا آباءهم فكانوا معهم والعياذ بالله في دار الجحيم. أيها الأحبة: إن قضية الاتباع للآباء والأجداد سوف تحسم وتنتهي في الآخرة يوم أن يتبرأ المتبوع من التابع، ويوم أن يتبرأ القائد، من المقود، يوم أن يتبرأ كل من الآخر، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:29] أين هؤلاء الذين أضلونا وغررونا، أين الذين كنا نرى الحق أبلج فيضعون على أعيننا غشاوة، وكنا نسمع الحق واضحاً فيضعون في آذاننا وقراً حتى لا تصل الحقيقة إلى قلوبنا. قال عز وجل: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة:165 - 166] لاحظوا البراءة، أخذ بعضهم يلعن بعضاً، ويتبرأ ويتباعد عن بعض: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة:166] في الدنيا أتبعك وتتبعني، لأنك قريبي ومن جماعتي، ومن قبيلتي، ومن صحبي ومن جيراني، الآن تقطعت بنا الأسباب: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة:167] المساكين الضعفاء الذين يتبعون ويلحقون على غير علم ولا هداية: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] هذا الاتباع المحموم المجنون بغير ضابط ولا عقل يكون حسرة على التابعين أمام المتبوعين، وبراءة المتبوعين من التابعين يوم القيامة، بل إن الله عز وجل يبين أن طوائف من الذين يتبع بعضهم بعضاً يتحاجون في النار ويلعن بعضهم بعضاً، قال تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:46 - 48]. فهؤلاء أهل النار يتحاجون ويتخاصمون، ويقول الضعفاء للكبراء، يقول الأتباع للمتبوعين، يقول المساكين للسادة والكبراء: إنا كنا لكم تبعاً، أطعناكم فيما دعوتمونا، واستجبنا لكم فيما وجهتمونا إليه في الدنيا من الضلال، فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار؟ هل تتحملون عنا شيئاً من العذاب، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} [غافر:48] إنا وإياكم سواء في النار لا أحد يتحمل عن أحد شيء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

النهي عن التقليد المحموم

النهي عن التقليد المحموم أيها الأحبة: إن التقليد المحموم والاتباع على ضلالة لمن أخطر الأمور؛ لأجل ذلك فإن المسلم منهي عن التقليد إلا إن كان عاجزاً عن الاجتهاد، فيتبع من شهدت له الأمة بصلاح منهجه وسلامة طريقته في الاتباع واستنباط الأحكام والأدلة. قال ابن عبد البر في مسألة مهمة: هل الآيات الواردة في شأن الكفار لا يستدل بها إلا على الكفار وحدهم؟ كأن يقول قائل: يا شيخ! محاضرتك أو كلامك هذا في شأن الكفار، نقول: هذه الآيات في شأن الكفار وفي شأن المقلدين، وفي شأن الأتباع والمتبوعين. قال ابن عبد البر في مسألة مهمة وهي: هل الآيات الواردة في شأن الكفار لا يستدل بها إلا الكفار فقط؟ أجاب رحمه الله: وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجل رجلاً فكفر، وقلد رجل آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة من مسائل الدنيا فأخطأ وجهتها، فكان كل واحد منهم ملوماً على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضاً وإن اختلفت الآثام فيهم. أيها الأحبة: إن التقليد لمما يلبسه الشيطان على هذه الأمة لتزيغ في اتباع إبليس. قال ابن الجوزي رحمه الله في كتابه تلبيس إبليس، قال: ومما لبسه الشيطان على هذه الأمة في العقائد والديانات: أن دخل عليها في عقيدتها من طريقين: أحدهما: التقليد للآباء والأسلاف. والثاني: الخوض فيما لا يدرك غوره ويعجز الخائب عن الوصول إلى عمقه. فأوقع أصحاب هذا القسم في فنون من التخليط. فأما الفريق الأول فإن إبليس زين للمقلدين أن الأدلة قد تشتبه، والصواب قد يخفى والتقليد سليم، وقد ضل في هذا الطريق خلق كثير وبه هلاك عامة الناس، فإن اليهود والنصارى قلدوا آباءهم وعلماءهم فضلوا، وكذلك أهل الجاهلية، ثم قال ابن الجوزي: وقد ذم الله سبحانه الواقفين مع تقليد آبائهم وأسلافهم فقال عز وجل: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف:23 - 24] المعنى: أتتبعون. أنتم الآن تقولون: إنا وجدنا آباءنا على أمة: {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف:24] إذا جئتكم بكتاب من عند الله لا يضل ربي ولا ينسى، بكتاب من عند الله الذي خلقني وخلقكم وخلق آباءكم وأجدادكم، هل تتبعون وتستجيبون؟ لكنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون. قال ابن الجوزي: اعلم أن المقلد غير واثق فيما قلد فيه، وفي التقليد إبطال لمنفعة العقل، لأن العقل إنما خلق للتأمل والتدبر. قال ابن الجوزي كلمة جميلة احفظوها: وقبيح بمن أعطي شمعة يستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة. أي: يعطيه الله نور العقل فيترك شمعة العقل ويتبع أقواماً آخرين في ضلال أفعالهم وسلوكهم، فلم لا يستدل بشمعة عقله ويستضيء به؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما التقليد الباطل المذموم: فهو قبول قول الغير بلا حجة. ثم قال بعد أن ساق بعض الآيات في ذلك: فهذا الاتباع والتقليد الذي ذمه الله، وهو اتباع الهوى، إما للعادة أو النسب كاتباع الآباء، وإما للرئاسة كاتباع الأكابر والسادة والمتكبرين، فقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزله على رسله فإنهم حجة الله، أي: الرسل حجة الله التي أعذر الله بها إلى خلقه.

الاحتجاج بالأعراف والعادات على البدع والضلالات

الاحتجاج بالأعراف والعادات على البدع والضلالات أيها الأحبة: هناك طائفة يحتجون بالآباء والأجداد كما أسلفنا وسردنا الأدلة، وطائفة يحتجون بالأعراف العامة، فيقولون: هذه أعرافنا وعاداتنا، والعرف ما تعارف الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك، وللأعراف البشرية مكانة عظيمة عند الأمم التي تسودها تلك الأعراف؛ ولذلك تجد في بعض القبائل من يقول لك: نتحاكم إلى العارفة، العارفة هو مرجع الأعراف والتقاليد، هو الحجة في هذه القضية، وهذا هو الكفر بعينة، قال عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. كانت تلك الأعراف لها قوة؛ لأنها بمنزلة القوانين التي تحكم الأمم والشعوب، وللأسف كانت تلك الأعراف جداراً صلباً صد الناس عن اتباع الحق، وقد قام صراع مرير بين الرسل وما جاءوا به من الشرائع الإلهية وبين أصحاب الأعراف والعادات من الزعماء وغيرهم، الذين يقدسون تراث آبائهم أو أجدادهم ولا يرضون أن تمس الأعراف التي تنسب للآباء والأجداد بأي قدح أو كلام، حتى ولو كان القادح لها من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، أو من كلام أئمة الإسلام وصحابة النبي الكرام عليهم رضوان الله عز وجل. إن الأعراف والعوائد البشرية في كثير من الأحيان تقف حاجزاً أمام دعاة الإصلاح في مختلف العصور، فترى دعاة الحق مظلومين، وتراهم منبوذين،؛ لدعوتهم الناس إلى الرجوع إلى الدين الحق الذي أنزله تبارك وتعالى؛ ولمطالبتهم الناس بترك ما هم عليه مما يخالف شريعة الإسلام وآدابه في كثير من بقاع الدنيا. لقد كانت الأعراف والعادات التي اختصها البشر، وتلقاها اللاحقون عن السابقين ديناً يتبع وشرعة لا تخالف، وميراثاً يحرص عليه حرصاً عظيماً، يصل إلى درجة أن تسفك في سبيل الحفاظ عليه الدماء، وتزهق النفوس، وتهدر الأموال، وهذا ديدن البشرية عبر تاريخها الطويل، حجتهم دائماً: إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثرهم مقتدون، والأمة هنا هي الطريقة التي سلكها آباؤهم والعادات والأعراف التي اعتادوها ودرجوا عليها. وهكذا يرفض الحق بلا دليل، ويرد الصواب بلا بينة، والهدى بلا برهان، وكل ما في الأمر أن الآباء والأجداد كانوا على ذلك والعياذ بالله. ولقد كانت هذه الأعراف سبباً في ضلال كثير من النفوس، وتعطيل كثير من العقول، وحرمان كثير من الأفئدة من معرفة الحق والاهتداء به. أيها الأحبة: هذه الأعراف من يضعها؟ يضعها طاغوت من الطواغيت، ظالم من الظلمة متنفذ في قومه ويجري التعامل بها عليهم، ولو قال لهم: إنها من عندي لكفروا بها ولكن يقول: هذه من الآباء، والآباء عن الأجداد، والأجداد ما كانوا على ضلالة بأي حال من الأحوال. ولذلك كان المشركون يقتلون أولادهم، فمن الذي زين لهم ذلك الأمر؟ الشياطين: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام:137] والمقصود بالشركاء أولئك الزعماء والقادة ورجال الفكر الذين يقولون قولاً فيصبح طريقة متبعة، فيكونون بذلك مشرعين، يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله.

نوح عليه السلام مع قومه

نوح عليه السلام مع قومه إن نوحاً عليه السلام أقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فما الذي جعل جهد تسعمائة وخمسين سنة من الدعوة يضيع في هؤلاء هباءً فلا يهتدون ولا يستفيدون؟ السبب أنهم قالوا: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:23] تسعمائة وخمسون سنة من الدعوة ضاعت في عقول أولئك هباءً منثوراً لم يستفيدوا منها؛ لأنهم كانوا متعلقين بآلهة الآباء والأجداد، ولما رأى نوح أنهم لا يستجيبون وليس لله في نفوسهم وقار، {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} [نوح:5 - 9] ثم ذكرهم بالنعم فقال: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10 - 12] مع كل هذه الأساليب وكل هذه الطرق في الدعوة لم يستجيبوا، فعرف العلة التي في نفوسهم، قال: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13] لو كان لله في نفوسكم وقار وخوف لاتبعتم ما أقول لكم من الله، لكن إذا كان الآباء والأجداد في النفوس أعظم من الله، وأعراف الآباء والأجداد في النفوس أعظم مما عند الله، وعادات الآباء والأجداد أعظم من كلام الله وكلام رسوله فحينئذ اعلم أنه الهوى، قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص:50]. إن نوحاً لما رأى هؤلاء لا يستجيبون؛ دعا عليهم فقال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:26 - 27]. نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاء بالحق الأبلج والملة السمحاء والشريعة الغراء، فنابذه العرب العداء، ورموه عن قوس واحدة، وعذبوا صحابته، وآذوه وحاصروه وتآمروا عليه لسفك دمه أو إخراجه أو حبسه قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال:30] وأرسلوا الجيوش الجرارة لقتاله وقتل منهم من قتل كل ذلك حفاظاً على ما اعتادوه من عادات آبائهم وأجدادهم، قال تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ * وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ * مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ} [ص:1 - 7]. ولكن العرب بعد جهد جهيد ولأواء ومشقة أظهروا الحق، وأقلعوا عما اعتادوه وتعارفوا عليه من عادات وأعراف جاهلية، وعلت كلمة الله، واستنار الناس بنور الحق، وجاهد العرب الأمم الأخرى حتى أخرجوهم عن عادات آبائهم وأعرافهم الضالة، وهدوهم كما اهتدوا.

اتباع الآباء والأجداد بسبب انتشار البدع والضلالات

اتباع الآباء والأجداد بسبب انتشار البدع والضلالات إن المتأمل في كثير من البدع الشركية والبدع المفسقة، يجد أن من أخطر أسبابها: اتباع الآباء والأجداد، وقد بين الإمام الشاطبي رحمه الله في الاعتصام قال: إن من أسباب انتشار البدع اتباع الآباء والأجداد. وحول هذه الآية يحدثنا أحد المشايخ عن رجل كبير في السن كان يصلي بجماعته التراويح ويقرأ قول الله عز وجل: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص:1] حتى بلغ هذه الآية: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] سكت والجماعة سكتوا وراءه وهو يفكر في الآية: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] يعني يستغرب من منطق الكفار، فقال وهو يقرأ: انظر الجرأة، من شدة مناقشته في نفسه وتدبره وتأمله لهذه القضية، لما بلغ هذه الآية: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] سكت قليلاً ثم قال: انظر الجرأة، رفع صوته ونسي أن وراءه من يأتمون به، وذلك من شدة هذا الباطل الذي تمسك به الكفار ووقعوا فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله. أيها الأحبة: إن اتباع العادات أمر خطير من أسباب الضلال وانتشار البدع، ولا تكاد طائفة من الطوائف التي لم تهتد إلى الحق تسلم منه أبداً، حتى عند الذين يدعون أنهم عقلانيون، وأنهم أصحاب براهين وأصحاب حجج ومنطق فيجعلون كلام أساتذتهم ورؤسائهم وقادتهم مسلمات قطعية لا يصح الاعتراض عليها، أما نحن فمن قال فينا أو قال لنا كلاماً قلنا: هل عندكم من علم فتخرجوه لنا: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف:4] والجميل في الحق والهدى أنك لا تستحي بل تتشرف ويتشرف العالم أن أصغر طفل يقف أمام أكبر عالم ويقول: يا شيخ! ما دليلك على هذا الفعل؟ الدين من عند الله ورسوله فأين الدليل من كلام الله وكلام رسوله؟ لكن مصيبة الطوائف الضالة أن هذا السؤال ممنوع، أن تسأل عند الدرجة المعينة لك أن تسأل من الطهارة إلى كذا، لكن بعد ذلك لا تسأل، واسمع فقط لقول الشيخ، اسمع لقول الأب، اسمع لقول الجد، وإن فعلت غير ذلك فإنك على خطر أو أنت من الضلال أو من الخارجين عن الطريقة. وكذلك اتباع العادات التي درجت بين الناس فتجد بعض المبتدعة يسلكون طريقة في العبادات على وجه من الابتداع، ويجري الناس في العلم معهم، وتجد هذا المنكر ينتشر يمنة ويسرة، ويتلقاه الناس جيلاً بعد جيل، ثم بعد ذلك يقولون: لو كان هذا باطلاً لما تتابع الناس على فعله، ولو كان هذا خطأً لما تواتر الناس على فعله. أيها الإخوة: ينبغي أن ندرك القضية تماماً وخاصة من ينخرطون ويهتمون بالدعوة وسلك الدعاة، ينبغي أن يفهموا أن تقليد الأبناء للآباء، وتقليد الخلف للسلف فيا يعتقدون ويعملون من الحوائل العظيمة التي تقف دون قبول المقلدين للحق ومعرفته، بل إنها كثيراً ما تدفعهم إلى مناهضة الحق وأهله؛ لكونه مما كان يعتقده آباؤهم أو يعرفونه. ومن أجل ذلك فإنك إذا قابلت أحداً جلس أمامك وناقشته وقال: تعال، أنا لا أسلم لك، أي: أنني مثلاً حينما أدعو شخصاً ما إلى أمر معين، أنا لا أريد منه من البداية أن يسلم لي، لكن أريد منه أن يعطيني عقله ويضعه على الطاولة مثلما يقولون. ضع عقلك وأضع عقلي ولنجعل العقول بوحي الشرع تتحاور وتتناظر وتتناقش، لكن مصيبتك من إنسان يقول لك: أنا ما عندي استعداد اسمع، ولا عندي استعداد أناظر، ولا عندي استعداد أحاور، ولا أريد أن أسلم ولا استمع لشيء ويكفيني الذين عندي ولا أريد أن أقابلك ولا أسمع منك، هذه مشكلة الدعاة في عصرنا الحاضر، حينما تقابل إنساناً مصراً على ما عنده من تراب أجداده وجداته غير راض بأن يحرك من جمود عقله شيئاً. حينما يتقابل العقل مع العقل فللعقل مع العقل حديث، وللروح مع الروح كلام، وللعين مع العين خطوات، وللنفس مع النفس أسلوب، لكن حينما تقابل عقلاً جامداً، أو جمجمة لا عقل فيها، فأسألك بالله كيف تناظر وتحاور، وكيف تناقش؟ وهنا تكمن هذه القضية، ولذلك إبراهيم عليه السلام لما ناقش قومه أخذ يناقشهم بالعقل لعله أن يستدرجهم في إحضار عقولهم من خزائن أجدادهم؛ ليدخلوا في هذه المناظرة.

إبراهيم عليه السلام في معركة مع قومه

إبراهيم عليه السلام في معركة مع قومه إبراهيم عليه السلام في معركة مع المقلدين، قال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء:52] فأجاب المقلدون: {وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:53] قال إبراهيم: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء:54] فقال المقلدون: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [الأنبياء:55 - 56] فسألهم مرة قائلاً: ما تعبدون؟ {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء:71] فاستفهمهم إبراهيم ليوبخهم وليقلع جذور التقليد من قلوبهم، قال عن هذه الأصنام: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء:72 - 73] فأجابوه في غفلة المقلد وأسر التقليد: {بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء:74]. واستمر إبراهيم عليه السلام يحارب التقليد في أجلى صوره وفي أعظم مظاهره بذلك السلاح العظيم، بالحجة النقلية والأدلة العقلية، والبراهين المنطقية، فحينما تدعو أحداً ممن خزن عقله في صندوق جده وجدته، أو ممن لا يريد أن يسمع منك، حاول أن تستدرجه بالحوار والمنطق إن كان له عقل ويحترم عقله واستعد لأن يقبلها، وكما قلت: لئن كان أناس لم يدرسوا في الجامعات ولم يعرفوا استخدام العقل في الكيمياء والطب والفيزياء والهندسة والأحياء والرياضيات، فما عذر جيل فيهم الطبيب والدكتور، والأستاذ والصيدلي، والكيميائي وعالم الرياضيات والفيزياء، لماذا لا يستخدمون عقولهم؟! تستخدم عقلك في حل المعادلة ذات المجهول والمجهولين والثلاثة من الدرجة الأولى والرابعة والخامسة، وفي اكتشاف الميكروب، وفي محاربة الفيروس، وفي معرفة النظرية والقوانين والآلات وغير ذلك، ولا تستخدم عقلك في أخطر قضية تموت عليها وتحيا لأجلها، وخلقت لأجلها وتبعث عليها يوم القيامة؟!

الأخذ بالاحتياط في الأمور المشتبهات

الأخذ بالاحتياط في الأمور المشتبهات وهنا كلام عام للشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، قال رحمه الله وهو يذكر أموراً ينبغي للإنسان أن يقدم التفكر فيها ويجعلها نصب عينيه وهي: ينبغي لمن كان في ضلالة أو شبهة من ضلالة أن يأخذ نفسه بالاحتياط في مخالفة ما نشأ عليه، فإذا كان مما نشأ عليه أشياء يرى هو أنه لا بأس بها، ويرى أنها مستحبة، ويعلم من آخرين من أهل العلم من يقول أنها شرك أو بدعة أو حرام فليأخذ نفسه بالأحوط وليتركها حتى يتبين له بالحجج الواضحة صحة ما نشأ عليه. وهكذا ينبغي أن ينصح غيره ممن هو في مثل حاله، فإن وجدت نفسك تأبى ذلك- إذا وجدت نفسك تميل إلى ما تشتهي أو تميل إلى ما تراه مباحاً وأنت تسمع بملايين من حولك يقولون: هذا حرام ولا يجوز -فإذا وجدت نفسك تأبى ذلك فاعلم أن الهوى قد استحوذ على نفسك فجاهدها، واعلم أن ثبوت هذا القدر على المكلف -يعني: أن يثبت عنده أن ما يُدعى إليه أحوط مما هو عنده- كاف في قيام الحجة عند الله عز وجل، وبذلك قامت الحجة على أكثر الكفار، قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46]. إلى الذين يردون أنفسهم وينهون وينأون عن الحق -يا عباد الله- أعظكم بواحدة، أدعوكم بواحدة: أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا، لا نريد معارك ولا نريد سباباً ولا شتائم، نريد تحكيم هذا العقل المهتدي بمنطق الشرع. نريدك أن تعطينا عقلك فنتناقش: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46] لماذا قال مثنى وفرادى؟ لأن الإنسان إذا دخل مع مجموعة وهتفت المجموعة يهتف مع المجموعة ولا يبالي، ويصرخ مع المجموعة ولا يفكر، ويردد ما تقوله المجموعة ولا يتأمل. يقول أحد علماء النفس والاجتماع: إن الجماهير لا عقول لها، ويضرب على ذلك مثال بمظاهرات العمال، يقول: مثلاً مظاهرات العمال أو حزب العمال في ألمانيا الغربية تبدأ المظاهرة بمطالبة رفع أجور العمال بواحد مارك ألماني، وتبدأ مسيرة المظاهرة ثم تردد المظاهرة ارفعوا أجور العمال واحد مارك، ارفعوا أجور العمال واحد مارك، وبعد قليل مع الحماس والغليان في أوج المظاهرة يقول قائد المظاهرة: فليسقط وزير العمل، فتردد المظاهرة وليسقط وزير العمل، ونريد رفع أجور العمال بمارك، تدخل معلومة في إثر معلومة من دون تفكير، ويتحمس لها أناس، فتدخل قوات الشرطة فيصارعون الشرطة ويكافحونهم ويضاربونهم، وأصل المظاهرة بدأت بمارك واحد، ما جاءت المظاهرة بإسقاط وزير العمل، ثم بعد قليل يشتد الحماس فيقول المتظاهرون: ولنحطم مبنى وزارة العمل ولنكسر الزجاج، فكل يأخذ الحجارة ويضرب على مبنى وزارة العمل. والعقول كما يقول علماء الاجتماع: العقول في المجموعة تضيع، لكن إنما أعظكم بواحدة: أن تقوموا لله مثنى وفرادى، أعطني عقلك وأعطيك عقلي ونتناقش بحوار وبحجة ولا ندخل في الضجيج؛ لأن الكلام في الضجيج والغوغاء لا يسمع، طرح الأفكار أمام الغوغاء لا ينفع. ولأجل ذلك أدعو نفسي وإخواني إلى دعوة كل ضال ترونه حتى وإن كان في ظاهر الأمر لا يقبل، بلغ لأن الانتصار هو البلاغ، وليس الانتصار أن تغسل عقول الناس، الانتصار هو أن تبلغ؛ لأن الله أحكم وأعلم: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] ليست مهمتنا أن نغسل عقول الناس، فلنفرض أنك في مكان فيه تسعمائة ألف كافر ومائة ألف مسلم مثلا، مهمتك هي أن تدعو إلى الله، فإذا لم يستجب لك من هؤلاء واحد فلا يعتبر ذلك فشلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ورأيت النبي يوم القيامة يجيء ومعه الرهط، والنبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان) يعني النبي ما أسلم معه إلا سبعة أو ثمانية، أو خمسة عشر أو سبعة عشر، والنبي ما أسلم معه إلا واحد، ونبي لم يسلم معه إلا اثنان، قال: (ورأيت النبي وليس معه أحد) هل نعتبر أن هذا النبي فاشل؟ هل نعتبر أن هذا النبي لم يفهم، ليس النجاح في الدعوة هو أن تذهب نفسك حسرات على الذين عرض عليهم الحق فلم يستجيبوا له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6]. قال الله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] ويقول: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] لكن الانتصار الحقيقي هو أن ندعو إلى الله عز وجل وأن نبين كلام الله، وأن نبين كلام رسوله، وأن نبين كلام صحابته الكرام: {وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29]. أيها الأحبة: إن أولئك الذين يردون الحق ولا يستجيبون له لا يردونه عن قناعة، وإنما تارة يحتقرون من جاء به، وتارة يرونه ضعيفاً، وتارة يرونه فقيراً، وأعجب من ذلك أن بعض الطوائف لا تزال حبيبهم وصديقهم وسوياً في أعينهم وكريماً بينهم ما لم تدعهم إلى الهدى، فإذا دعوتهم إلى الهدى سقطت من أعينهم وهذا المنطق ليس بجديد كما قال قوم صالح له: {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا} [هود:62] أي: قد كنا نحترمك قبل هذا يا صالح، وكانت لك منزلة في نفوسنا: {قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [هود:62] بعض طوائف الضلالة يحرجونك بجو من الاحترام وجو (بالإتكيت) كما يسمى، حتى تهاب دعوتهم، لكن إذا دعوتهم انظر إلى منزلتك بينهم.

قصة موسى وهارون مع فرعون وقومه

قصة موسى وهارون مع فرعون وقومه وكذلك نفس الإجابة تكرر؛ قال فرعون وملأه لموسى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [يونس:78] ولأجل ذلك نهى القرآن عن اتباع الآباء والأجداد وطاعة الكبراء والرؤساء، ويعرض فيها القرآن صوراً واضحة، قال عز وجل: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:38]. وفي سورة أخرى يقول عز وجل: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزاب:66] هذا جزاء الذين يجعلون العقول في خزائن الجدات والعجائز، ولا يخرجون العقول للمناقشة والمناظرة، هذا جزء الذين يجعلون العقول تحت الأرض في السراديب المظلمة ولا يخرجونها إلى النور والحق والهدى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب:66 - 67] هؤلاء لا ينفعهم يوم القيامة أن يلعن بعضهم بعضاً أو يسب بعضهم بعضا. وفي سورة أخرى يقول عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ:31] وهذا أمر خطير.

التعصب الأعمى

التعصب الأعمى أيها الأحبة: إن أشد ما يطمس العقل البشري هو التعصب الجامد المظلم الذي يحبس صاحبه في قمقم قديم كان عليه الآباء أو الواقع الذي عليه الأكثرية والرؤساء، فلا تعتبر بالأكثرية، كما أن الآباء والأجداد ليسوا بالضرورة على هدى وصواب، فكذلك الكثرة ليست بالضرورة على هدى وصواب، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116] ويخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنهم ضلال، قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ} [الصافات:71] وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم وإنما هم في ظنون كما قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116]. قد يقول قائل: نحن الآن على حق، ونحن في كثرة من الحق والحمد لله، إذاً هذه الكثرة لا يعتد بها؟ أقول: لا تقس المسألة بحدود المملكة التي أنت فيها، قس الواقع كله في الداخل والخارج في العالم، في قارة آسيا وأمريكا وأوروبا وأفريقيا، انظر إلى أكثر أهل الأرض وستعرف من هم الأكثرية، فلا تعتد بهم في أي حال من الأحوال. وينبغي للعاقل ألا يكون إمعة كما جاء في الأثر: [لا يكون أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت] وإنما ينبغي للإنسان أن يحسن إذا أحسنوا وإذا أساءوا فعليه أن يجتنب الإساءة. أيها الأحبة: ينبغي للعاقل ألا يغتر بكثرة أهل الضلالة، وعليك ألا تكون ممن قال فيهم القائل: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد بل ينبغي للإنسان أن يتميز، وإن كنت مثل الناس إنساناً لكن عليك بالتميز: فإن ضل الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال أي: ليس ضالاً، ولكن تتميز عنهم بالهداية بإذن الله: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} [المائدة:100]. وينبغي لمن يحترم عقله ويقول إنه مكرم بهذا العقل والفكر إلا يتعصب للباطل. إن قريشاً قد ضلت ضلالاً بعيداً مع تعصبها على باطلها، فمع معرفتها للحق لم تدع الله أن تهتدي إليه وإنما قالت منطقاً أعوج كما بيَّن عز وجل في حال أولئك الذين قادهم التعصب إلى أن يسألوا الله العذاب، هذا التعصب يعمي المرء ويصمه ويجعل عقله كأنه منحوت من الحجر الأصم، انظر كيف فعل التعصب بكفرة مكة الذين قالوا في عناد غريب: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32] من شدة التعصب لم يقولوا: إن كان هذا هو الحق فاهدنا، قالوا: إن كان هذا هو الحق فأمطر علينا حجارة، ولو عقل القوم لقالوا: إن كان هذا هو الحق فاجعلنا مهتدين وإليه هداة داعين، أو اجعلنا من أنصاره، ولكن صدق الله العظيم: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة:171]. وحكى القرآن حالهم: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت:5] وينبغي للمسلم إذا سمع الحق أن ينقاد إليه وأن يدع قول الآباء والأجداد والأعراف والتقاليد، فإن المجادلة بعد بيان الحق ووضوحه مشاقة لله ورسوله، قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:32]. فالعاقل لا يجادل في باطل، وإنما ينظر بعقله مهتدياً بوحي من عند الله عز وجل، فإن وجدت الحق فيما دعيت إليه فاقبل ولا حاجة أن تتعصب على الباطل وتموت عليه، وتبعث عليه وتحشر مع أهله، وتعبد ربك على باطل.

بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا

بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً أيها الأحبة: لا تنزعجوا من الباطل أو كثرته، أو قوته وشوكته، أو جولته أو صولته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء) وهو حديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت زيادات مفسرة في بعض الروايات: (قيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس) وفي رواية (قيل من الغرباء يا رسول الله قال: أناس صالحون في بناة سوء كبير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم). قال ابن القيم في كلام طيب جميل: فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جداً سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فيهم غرباء، والداعون إلى السنة الصابرون على أذى المخالفين أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله عز وجل فيهم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116]. قال ابن القيم في صفات الغرباء: ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم: التمسك بالسنة إذا رغب الناس عنها، وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ ولا طريقة ولا مذهب ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً، وأكثر الناس بل كلهم لائم لهم، فلغربتهم بين الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم. ثم يقول ابن القيم رحمه الله في شأن المؤمن الغريب المتمسك بالسنة الداعي إليها، الصابر على الأذى في سبيلها: فهو غريب في دينه لفساد أديانهم، غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد اعتقادهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طريقهم، غريب في نسبته لمخالفة نسبهم، غريب في معاشرته لهم؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم، وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعداً ولا معيناً، فهو عالم بين جهال، صاحب سنة بين أهل بدع، داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى أهل الأهواء والبدع، آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قومٍ المعروفُ لديهم منكر والمنكر عندهم معروف، انتهى بنصه من مدارج السالكين ورحم الله ابن القيم وما أعذب وما أجمل كلامه في هذا. أيها الأحبة: أسأل الله عز وجل أن أكون وإياكم ممن يسألون ربهم الهداية إلى الحق فيتبعونه، ويسألون ربهم ألا يشتبه الحق عليهم فيكونوا ضالين أو مضلين وهم لا يشعرون. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله كل خير.

الأسئلة

الأسئلة

صحة حديث: (من لا تقية له لا دين له)

صحة حديث: (من لا تقية له لا دين له) Q هناك حديث نسمعه عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لا تقية له لا دين له) ما صحة هذا الحديث، وهل من التقية عدم السؤال في الدين؟ A لا شك أنه حديث موضوع، وينسبونه إلى أئمة أهل البيت لعله جعفر يقول: التقية ديني ودين آبائي وأجدادي، من لا تقية له فلا دين له. وهذا موضوع عن النبي صلى الله عليه وسلم مكذوب أيضاً على الإمام، ولا يجوز للمسلم أن يكون عنده تقية، لأن الله عز وجل قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] فليس للمسلم وجهان، للمسلم وجه واحد، قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) إنه لا خير في الكذب ولا صحة لهذا الحديث أبداً، بل هو موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.

بدعة العزاء لأكثر من أسبوع

بدعة العزاء لأكثر من أسبوع Q أشهد الله أني أحبك في الله، يسأل عن العزاء في بعض في المناطق التي يمتد لأكثر من أسبوع؛ تنصب فيه الخيام، وتوقد فيه النار، وتوضع الصحون، ويكون في العزاء كثير من الحديث عن التجارة وغيرها؟ A لا شك أن هذا مما ابتدعه المتأخرون، وليس هناك دليل على أن من كانت له مصيبة أن يفتح البيت، وأن يجلس للنياحة أو للحزن أو البكاء أبداً، والشيخ عبد الله بن جبرين متعه الله بعمره على طاعته شهدنا جنازة زوجته ذلك اليوم ودروسه من فجر غد كما هي، ومجلسه لطلبة العلم في بيته كما هو. ولا يجوز فعل هذا إلا إذا قابلك أحد إخوانك وهو عالم بمصيبتك أو أخبر بها؛ فلا بأس أن يعزيك فيها، يقول لك: عظم الله أجرك، أو: لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى. ومن السنة أن يصنع لأهل الميت في يوم وفاته طعام؛ لأنهم اشتغلوا بحال ميتهم عن إعداد طعامهم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم). أما أن اليوم الأول والناس في المقبرة وفلان يقول: الغداء عندي، وفلان حاجز للعشاء، وتنقلب القضية من العبر والمواعظ إلى مراجل وافتخار والعياذ بالله وأخطر من هذا، وقد رأيت بعضهم يضع له حوشاً جاهزاً ومن جاء أدخل ذبيحة أو ذبيحتين وجلس مع الناس، وبعضهم يأتي معه بذبحية وكيلو هيل وكيلو قهوة ويقعدون في أكل وشرب لمدة أسبوع، بل إن بعضهم والعياذ بالله صارت الموائد من هنا، ولعب البلوت والورق، والتفرج على التلفزيون، وسماع الأغاني والملاهي في المجلس الثاني، والبدع لا تأتي بخير أبداً. والسنة في اليوم الأول أن يصنع لأهل الميت طعام ويرسل إليهم بقدر ما يكفيهم، وإياكم والإسراف، وما سوى ذلك فتصدقوا به: (أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام) هؤلاء الذين يأتون بهذه الذبائح وهذه الأطعمة لو قيل لهم: يا أخي! تصدق بقيمتها لجمعية تحفيظ القرآن أو للبوسنة أو لـ كشمير أو للفليبين قال: لا. هذه فقط من العادات والتقاليد، وهذا لا أجر عليه، بل كثير منهم لا يؤجر على هذا الفعل لأنه ما فعله تعبداً، وإنما فعله تقليداً للآباء والأجداد.

حكم السجود لطاغية من الطغاة

حكم السجود لطاغية من الطغاة Q هل يسجد الإنسان لطاغية إذا ابتلاه بالقوة، وهل يدخل في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل:106]؟ A لا يسجد، وما أجمل الموت في هذه اللحظة، وهذه ميتة مضمون بإذن الله مائة بالمائة أنها شهادة، أنت يقال لك اسجد له فتقول: لا أسجد إلا لله ولو قطعت رقبتك في هذه الحالة؛ لأنك أبيت السجود لغير الله، فلا تسجد أبداً.

الاحتجاج بقصة موسى على الأخذ بدون محاورة ونقاش

الاحتجاج بقصة موسى على الأخذ بدون محاورة ونقاش Q يحتج بعض الناس في قبول ما عنده بدون نقاش بقصة موسى عليه السلام مع الخضر، ما هو الرد على ذلك؟ A الرد واضح جداً أن هذا خبر من عند الله عز وجل، لكن هذا الذي يقول: لا تناقش فإن موسى لم يناقش الخضر هذا بشر، والخبر الذي جاء بين الخضر وموسى نبأ من عند الله عز وجل. الأمر الآخر: فإن الله عز وجل هو الذي أمر موسى وبين له أن الخضر أعلم منه، وذلك كما في سبب نزول الآيات في أكثر من تفسير وحديث: (أن رجلاً من بني إسرائيل قال يا موسى هل في الأرض أعلم منك قال: لا. فأوحى الله إليه، يا موسى إن عبدنا الخضر أعلم منك) فعندنا دليل أن الخضر أعلم من موسى عليه السلام، وهذا نبي والله يقول: (إن خضراً أعلم منك) لكن هل هذا الذي يقول لا تناقشني نبي؟ وهل السائل قيل له: إن هذا أعلم منك، بل ربما أن السائل أعلم بكثير بالمسائل من هذا المسئول، لكن على العادات والتقاليد ربما يتوج أو يعطى من لا يستحق، فليست هذه بحجة على الإطلاق.

حكم التدخين

حكم التدخين Q رجل يعاني من التدخين لا يستطيع أن يقطعه؟ A على أية حال نوصيه بالمجاهدة، فإن هذا من البلوى، وهي من الخبائث التي حرمت في هذه الشريعة الطيبة التي جاءت على هدي نبوي بوحي من عند الله عز وجل، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتحل لنا الطيبات وتحرم الخبائث، فالعاقل لا يسعى في جنون بإهلاك بدنه وخسارة ماله، ومعصية ربه، وإيذاء الملائكة، وإيذاء الناس، وهذا التدخين يحرم الإنسان خيراً كثيراً. إن كثيراً من المدخنين فيهم خير كثير، ولكن رائحة الدخان تحرمه من دخول المسجد فيقول: أريد أن أصلي وأسمع المحاضرة، لكن سوف يتضايق الذين من حولي، لكن رائحة السيجارة طردته عن المسجد، وإذا ذكر له أناس على شيشة في الركن يفرح ويذهب للجلوس معهم فهذه السيجارة طردته عن المسجد وقادته إلى الرصيف. بل إن بعضهم تقوده السيجارة إلى أهون مكان، في الكلية بعض الطلاب يستأذن من الأستاذ، يقول: أنا أريد أن أذهب إلى دورة المياه؟ ويدخل دورة المياه ويجلس خمس دقائق ثم يأتيك وكله (فمه وبدنه) رائحة دخان، قبح الله هذه السيجارة التي جرتك من روضة العلم العاطرة المعطرة إلى مكان النجاسة الخبيث المخبث. فانظر كيف تجني السيجارة على صاحبها، تجره من المجالس الطيبة إلى المجالس الرديئة، وحسبك أن من كان في جيبه عطراً لا يتردد في أي لحظة أن يخرجه ويطيبك ويطيب الشيخ والقاضي والإمام والصغير والكبير، لكن الذي معه سيجارة، يذهب يبحث عن دورة للمياه يدخن فيها لكي لا يراه أحد؛ ولذلك أدعو إخواني المدخنين إلى العودة إلى الله، وأن يتجنبوا هذا وأن يكرموا أنفسهم وأن يترفعوا عنها.

حكم الموسيقى

حكم الموسيقى Q ما حكم الآلات الموسيقية؟ A لا شك أن الموسيقى لا تجوز أياً كان شأنها.

رؤية الزوجة

رؤية الزوجة Q رجل تزوج من امرأة ورزقه الله منها طفلة، ولكنها لا تكشف وجهها له بحجة أنها تستحي؟ A ما شاء الله جاءه مولود ولم ير وجهها بعد، ربما سمعت أن في بعض البوادي تعودت المرأة لبس البرقع فلا تكشف أبداً، وإن كان هذا من النادر، لكن على أية حال ينبغي إن تجتهد في رؤية زوجتك أعانك الله على ذلك، لا حول ولا قوة إلا بالله، وشر البلية ما يضحك.

مشاهدة المباريات

مشاهدة المباريات Q ما حكم مشاهدة المباريات؟ A مضيعة للوقت لا فائدة فيه، ولا طائل منها إطلاقاً، ولو فازوا أو هزموا أو انتصروا، والله لو كنت عاطلاً ما أعطوك وظيفة، وإن كنت فقيراً فلن يغنوك، وإن كنت مديناً فلن يقضوا دينك، وإن كنت مريضاً فلن يساعدوك في المستشفى، وإن كان عليك أقساط في الكرسيدا التي اشتريتها فلن يسددوها عنك، فلا تشغل نفسك بتشجيع الرياضة، وفي الوقت الذي تشاهد فيه المباريات اشتر لك شاحنة بطيخ وبعها تكسب لك خمسمائة ريال خير لك من مشاهدتها، وبعض الناس مسكين تجده يزعج ويجن ويصيح: فازوا وهزموا ثم ماذا يا مسكين، والله لن يعطوك ولن ينفعوك، وهذا من صور تسليم العقول بلا فائدة. فلماذا تعطي عقلك تشجع وتطبل والله سيحاسبك عليه: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:93 - 95] يوم القيامة لن أحشر مع الفريق، كل يحشر ويحاسب بعقله وبأعماله وفعله، لن ينفعك الانتصارات ولا الفوز، لئن هزموا ألف هزيمة لن تنزل بك درجة، ولئن انتصروا ألف انتصار لن تستفيد درجة، فالعاقل يحفظ وقته عن الضياع، نعم إذا قلنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض، بعض الشباب ربما كان لعبهم بالكرة اشتغال بالمباح، لا يلبسون القصير، لا يلعبونها وقت الصلاة، لئن يعلبوا الكرة خير من أن يسافروا للخارج أو يعبثوا، أو يفسدوا أو يجعلوا من أوقاتهم أوقاتاً يعصون بها الله، واشتغالهم في المباح خير من الاشتغال في معصية، وضياع الوقت في مثل هذا ولا ضياع الوقت في معصية الله، لكن أن تجعل شغلك الشاغل هذه الكرة، وتجعلها هي الولاء والبراء، توالي من والاك فيها وتعادي من عاداك فيها، فذلك أمر خطير، وما أكثر هؤلاء! وعندما كنت في ثالث ثانوي لا أنسى هذا الموقف. أذكر صديقين بينهم من الوفاق في أمور الصداقة إلا مسألة الفريق، كان أحدهم يشجع فريقاً والآخر يشجع الفريق الآخر، فجأة وأستاذنا يدرس في الفصل وكنا في ثانوية بدر إذ بأحد يأخذ النعل ويضربها في وجه الثاني، فلان يضرب صديقه فلان لماذا؟! قال: كل قليل يقول: يا أبو أربع يا أبو أربع، لأنه في مباراة الأمس هزموهم بأربعة أهداف، فضاق الرجل ولم يصبر، هذا الولاء والبراء ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون.

قضاء الصوم

قضاء الصوم Q رجل عليه صيام شهرين منذ أربع سنوات ولم يصمها؟ A يبادر بصومها، وإن كان كفارة يشترط فيها التتابع فليحرص على التتابع فيها، وإذا انقطع التتابع يعيد من جديد.

رؤية الله في الجنة

رؤية الله في الجنة Q هل يرى المؤمنون ربهم في الجنة؟ A رؤية الله عز وجل في الجنة ثابتة بنصوص القرآن ونصوص السنة، والمعتزلة وإن جادلوا بالباطل يجادلون بأمرين، الأمر الأول ما ورد في مسألة الرؤية من الأحاديث، يقولون هذه أخبار آحاد، وخبر الآحاد لا يحتج به في العقيدة، وخبر الآحاد إذا صح سنداً ومتناً احتج به في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق وغير ذلك، والأمر الآخر: يحتجون بالتأويل المنحوت المتكلف في اللغة، قال الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] ماذا ردت المعتزلة؟ قالوا: آلاء معناها: نعم. قالوا: مثناها إلاءان ومفردها إلى، فآلاء: نعم، وإلاءان نعمتان، وإلى: نعمة واحدة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} {إِلَى} أي: (نعمة) {رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فخرجوا بهذا التأويل المتكلف، وضلوا ضلالاً بعيداً. وفي الأحاديث الصحيحة الصريحة قال صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته) {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] النظر إلى وجه الله الكريم، فأحاديث الرؤية واضحة وثابتة، وما منعهم من اتباعها إلا تسلط الهوى عليهم فلا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون. ويذكر عن أحد من أهل السنة أنه كان في زمنه معتزلي ينكر عذاب القبر، فلما مات ذلك المعتزلي جاء هذا الإمام السني من أهل السنة ليصلي عليه صلاة الجنازة قالوا: تصلي على معتزلي، قال: نعم؛ فإني لما كبرت الرابعة في صلاة الجنازة قلت اللهم أذقه عذاب القبر فإنه كان ينكره.

حكم التهاون بالصلاة والنظر إلى النساء

حكم التهاون بالصلاة والنظر إلى النساء Q رجل تهاون في الصلاة بتأخيرها ولا يكل نظره من النظر إلى النساء؟ A نوصيه وأنفسنا بتقوى الله عز وجل، وليعلم أن كبائر الذنوب من جميع صغارها خلِ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى والله عز وجل قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8] لا تتهاون بقليل من الشر والمنكر فإنه محسوب عليك، واجتهد بكثرة الاستغفار وذكر الله، والتبكير للمساجد والتفكر في حالك ومآلك، ونعم الله عليك وكيف صرفتها، وماذا عملت بها، بمَ صرفت هذا النظر وهذا السمع وهذه الأقدام وهذه الأيدي، فالمتفكر يندم، والذي يفكر في نعم الله عليه ويفكر فيما بعد ينجو بإذن الله عز وجل، أما هذا المسكين الذي يضيع هذه النعم في غير ما شرع الله وغير ما أباح الله، وغير مبال فإنها يوم القيامة تجتمع عليه، ولا يغرك بعض حسناتك، لأن بعض الناس يقول: والله أنا بنيت مسجداً، فلا يضرني أن أنظر إلى الأفلام ولا يضرني أن أتكلم، ونقول: ربما عندك مسجد مقدار حسناته مليون حسنة ربما تجمع عليك مليونا سيئة، وتظن نفسك من الرابحين وأنت من الخاسرين ولا تدري، فلا تعمل السيئات اتكالاً على ما عندك من الحسنات، بل إذا عملت حسنة فاسأل الله أن تكون خالصة لوجهه، وأن يحفظها لك ولا يضيع عملك؛ لأن الإنسان إذا عمل صالحاً على خطر إن يضيع العمل بالرياء، وأن يضيع بالسمعة والعجب، وكذلك لا تتهاون بالسيئات، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا يا رسول الله المفلس من لا دينار له ولا درهم، قال لا. المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وأعمال كالجبال، فيأتي وقد لطم هذا، وشتم هذا، وضرب هذا واغتاب هذا، وأكل مال هذا، فيعطى هذا من حسناته ويعطى ذاك من حسناته فإذا فنيت حسناته أخذت من سيئاتهم فطرحت عليه سيئاتهم ثم طرح في النار) والعياذ بالله. فلا تتساهل بالسيئات اتكالاً على ما عندك من الحسنات، وضع بين عينيك قول الله عز وجل: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] أكثر من الحسنات احتياطاً للسيئات التي مضت، والتي تفعلها والتي تقع فيها وأنت لا تدري، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).

حكم سب الصحابة رضوان الله عليهم

حكم سب الصحابة رضوان الله عليهم Q ما حكم سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ A من سب الصحابة فقد كفر، لأنه يكذب بكتاب الله، الله يزكيهم وهو يسبهم، والله يعدلهم وهو يجرحهم، والله يشهد لهم بالطهارة وهذا ينجسهم، الله يرفعهم وهذا يُنزل من قدرهم، قبحه الله وفعل به ما يستحق، من سب الصحابة فقد كفر كفراً أكبر لا شك فيه، أعوذ بالله، أعوذ بالله من الخذلان، وهذا من الضلال المبين والتسلط على أعراض الصحابة لا تخض في حق سادات مضوا إنهم ليسوا بأهل للدنس الصحابة رضوان الله عليهم ذكرهم الله في مواضع كثيرة من كتابه، وربك يخلق ما يشاء ويختار، اختار الله من نطف هذه البشرية هذه الثلة المباركة الطيبة؛ لكي يكونوا صحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، اختارهم عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فمن الذي يكفرهم ويتجرأ عليهم؟ نعوذ بالله من الخذلان، وننصح من وقع في ذلك بتجديد الإسلام والتوبة، والدخول في الدين من جديد، وليندم على ما فعل؛ فإنه يوم القيامة سيضل ضلالاً بعيداً ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حكم الصلاة قبل دخول الوقت

حكم الصلاة قبل دخول الوقت Q أناس يجمعون صلاة المغرب مع العشاء مع العلم أنه لا أمر يرخص لهم بذلك، وإنما يصلون المغرب ويجلسون نصف ساعة ويصلون العشاء قبل دخول وقتها؟ A لا يجوز الصلاة قبل دخول الوقت، ومن شروط الصلاة وصحتها: دخول الوقت، فمن صلى قبل دخول الوقت كمن صلى إلى غير القبلة، ولا يجوز ذلك بأي حال من الأحوال: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] وجاء جبريل وصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم صلى به الظهر والعصر والمغرب والفجر وقال: الوقت بين هذا وهذا. فهناك وقت اختيار الذي هو أول الوقت وهناك وقت جواز، ما بعد الوقت، وهناك وقت الاضطرار الذي هو قبل خروج الوقت، فمن فاتته وصلاها قضاءً فهو أهون ممن يصليها قبل دخولها؛ لأنه لا ينفعه وكأنه لم يصلها أبداً، من صلى صلاة قبل دخول وقتها فليعدها، ومن كان يجهل فعفا الله عما سلف ويصلي استئنافاً.

التدرج في الدعوة إلى الله

التدرج في الدعوة إلى الله Q كيف أدعو إلى الله؟ A الدعوة إلى الله على بصيرة مبنية على علم، فلا يمكن أن يدعو الإنسان بحماس وصياح وسباب وشتائم وعاطفة. الأمر الثاني: أن تركز جهدك وكلامك في ذات المرض نفسه بغض النظر عمن يفعلونه، فإنك يوم القيامة لن يحاسبك الله لماذا لم تفضح فلاناً ولم تشتم علاناً، وإنما أنت مسئول على أن توجه نصيحتك في ذات المرض والعلة والداء، كالطبيب الذي يأتي إليه المريض، لا مصلحة للطبيب في سب المريض وشتمه، ولا مصلحة للطبيب في أن يضيع وقته في لعن المرض والمرضى، وإنما من واجبه أن يبين خطر المرض، وأعراضه ومراحله، وتطوره والوقاية منه، وأساليب العلاج منه، فهذا من البصيرة والحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل. ومن الحكمة أن يبدأ الإنسان في الدعوة بالأهم فالمهم، أي أن يتدرج في هذا، ففي هذا خير خاصة لمن ابتلي بكبائر العظائم والأمور، أو أمور في العقيدة، لا تكلمه في مسائل في الفروع وعنده ضلال في العقيدة، والإنسان بحسب نيته وحال المدعو، يعني ليس هناك طريقة عامة في كل شيء يختلف الناس ما بين جاهل يحتاج إلى بصيرة وما بين إنسان يطلب الحق وعنده شيء من الحوار والفطنة والنباهة والقدرة على المناظرة، ويحتاج إلى الصبر، وسماع الكلام، واحتواء ما عنده من الحجة، وسماع كلامه حتى الآخر، ثم أنك تجزئ له الحجة منطقاً منطقاً، فقرة فقرة حتى يستوعبها ويفهمها. من الناس من يكون على ضلال وتتصل به؛ لأنك تطمع في هدايته فافهم هذا جيداً، ومن الناس من تعلم أنه عدو ضال مضل عنيد معاند، يقعد للحق بكل صراط يوعد ويتوعد، فهذا يستحق أن ينابذ وأن يحذر منه وينتبه لشره، أي ليس هناك قاعدة مطردة في كل حال وفي كل زمان ومكان، بل لكل مقام مقال. وفي الختام أسأل الله أن يثبتنا وإياكم على طاعته، وأن يجمعنا وإياكم في دار كرامته، وأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وأن تكثروا من سؤال الله أن يثبتنا وإياكم على طاعته إلى أن نلقاه. اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم توفنا راكعين ساجدين، شهداء موحدين، مصلين قائمين هداة مهتدين يا رب العالمين! غير خزايا ولا مفتونين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم اجمع شمل العلماء والولاة والدعاة على طاعتك، اللهم لا تشمت بنا حاسداً ولا تفرح علينا عدواً. اللهم اهد الضالين، اللهم انصر عبادك الموحدين وانصر جندك المجاهدين يا رب العالمين، وارحم اللهم موتى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واقض اللهم الدين عن المدينين، وفرج هم المهمومين، يا أكرم الأكرمين يا رب العالمين! وفي الختام أرجو من إخواني أن يقف على الأبواب من يجمع تبرعات لإخوانكم المحتاجين في البوسنة والهرسك، تصلهم بإذن الله وعندنا تصريح في جمع التبرعات في هذا، أسأل الله أن يكون عملنا وعملكم خالصاً لوجهه الكريم وصلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم.

أهمية العلم وحقيقته

أهمية العلم وحقيقته إن العلم الحقيقي هو الذي يوصل ويقود إلى خشية الله جل وعلا، وقد حث الشيخ على العلم، وبين جهل كثير من الناس في مجال العقيدة، وكذلك جهل كثير من المثقفين في أبسط أمور دينهم، ثم وقف وقفة مع تعليم المرأة ووضح الضابط في ذلك.

العلم الحقيقي هو المرتبط بالله سبحانه

العلم الحقيقي هو المرتبط بالله سبحانه إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. معاشر المؤمنين يقول الله جل وعلا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]، ويقول جل وعلا: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] ويقول جل وعلا في مقام بيان وحدانيته وفي مقام بيان سبيل تحقيق الوحدانية -وهو العلم- قال جل وعلا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. أيها الأحبة في الله: حسبكم بالعلم أن كل جاهل يدعيه، وحسبكم بالعلم أن الكل يفتخر به، وحسبكم بالجهل أن الجاهل إذا وصف به ينفر منه، وحسبكم أن العاقل إذا وصف بالجاهل يغضبه ويسخطه ذلك، فكفى بالعلم فخراً أن يدعيه كل من على الأرض، وكفى بالجهل شؤماً أن يتعوذ ويبتعد وينفر من وصفه كل من على الأرض، والله سبحانه وتعالى قد جعل لهذا العلم درجة ومقاماً ومنزلة رفيعة، حسبكم ما جاء فيها من كتاب الله سبحانه وتعالى، والسنة النبوية المطهرة مليئة بذلك، مليئة ببيان فضل العلم: (من سلك طريقاً يبتغي له علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع) (إن الدواب والحيتان في البحر لتستغفر لطالب العلم) فحسبكم بهذا العلم منزلة وفخرا. أيها الأحبة في الله: يوم الجمعة هذا يوافق اليوم العالمي لمحو الأمية، يوم عالمي اتفقت واجتمعت عليه دول العالم أن يكون يوماً عالمياً لمحو الأمية، والدعوة إلى نبذ الجهل، والدعوة إلى تحقيق العلم بمختلف وسائله، ولكن للمسلمين كلمة في الأمية، وللمسلمين كلمة في حقيقة العلم الذي يدعى إليه، فإن العلم ما لم يكن مرتبطاً بالعلم بالله سبحانه وتعالى، ما لم يكن العلم محققاً خشية الله سبحانه وتعالى، ما لم يكن العلم سبيلاً إلى رحمة الله ورضوانه فلا حباً ولا كرامة في هذا العلم، لأن العلم ولو تحقق خالياً من هذه الأهداف والمقاصد ينقلب شؤماً على البشرية، وينقلب دماراً عليها، ويحقق الويل والهلاك والدمار لأبنائها. أرأيتم ما وصلت إليه دول الغرب والشرق في أفظع وسائل الفتك الحربية والهجوم والتفجير والقتال، أرأيتم لو كان هذا العلم منضبطاً مرتبطاً بالعلم بالله سبحانه وتعالى، أتصنع الدبابات لتسحق بها جماجم الأبرياء؟! أتصنع القنابل لتفجر بها منازل الأطفال والثكالى؟! أتصنع الصواريخ ليعتدى بها على المحارم والحرمات؟! هذا شأن علم لم يكن مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، وهذه حقيقة كل علم ما لم يكن هدفه رضوان الله جل وعلا، ما لم يكن هدفه رحمة الله ورضوانه جل وعلا فإنه يعود بلاءً ودمارا.

العلم ما قاد إلى خشية الله

العلم ما قاد إلى خشية الله إن حقيقة العلم ما قاد إلى الخشية، {كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] العلماء فاعل ولفظ الجلالة مخشي منه سبحانه وتعالى، العلماء يخشون الله جل وعلا؛ لأنهم أقرب من غيرهم في معرفة إبداع الله وبديع صنعه في هذا الكون، يقول الله جل وعلا: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:53] حقق العلم الحديث أن غاية ما وصلت إليه العلوم في نوعين من العلم: علم الأبدان وعلم الأكوان، علم الأنفس وعلم الأفلاك، فمن توغل في هذا العلم ونال منه حظاً وقدراً ونصيبا، وكان مرتبطاً أو على أصل سليم من فطرة طيبة، أو لم يكن معانداً مكابرا فإن علمه هذا يقوده إلى خشية من الله ويقوده إلى تعظيم الله ويقوده إلى تحقيق وحدانية الله سبحانه وتعالى. أيها الأحبة في الله: لا خير في العلم ما لم يكن مرتبطاً بالخشية من الله، وبدون هذا الارتباط ينقلب العلم دماراً وهلاكاً على أبنائه، أما علوم الشريعة التي هي تاج العلوم وإمامها ورأسها وزعيمها، علوم الشريعة ما لم يكن الهدف منها مرتبطاً بتحقيق العدل وبذل العمل الصالح ونفع الآخرين وهداية الضلال وتبصير الجهلاء، فإن العلم قد يكون أيضاً حجة على صاحبه: (من سلك طريقاً مما يبتغى به وجه الله، من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يطلبه إلا للدنيا لم يرح عرف الجنة -أي: رائحتها- وإن عرفها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام). نعم -أيها الأحبة- علم الشريعة ما لم يدع صاحبه إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحقيق دين الله والدعوة إليه وبذل النفع للآخرين، والعزة والرفعة بهذا الدين فماذا يكون حظ صاحبه إن لم يكن هذا حظه من العلم. يقولون زند العلم كاب وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما فلو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما أأشقى به جمعاً وأجنيه ذلة إذاً فاتباع الجهل أولى وأحزما ما لم يكن الجد والاجتهاد في طلب العلم سبيل العزة في دين الله والرفعة في العلم بالله فلا خير لصاحبه مما علم إذا سخره للدنيا وحرم العباد من نفعه وفائدته. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

حث على العلم وأهميته

حث على العلم وأهميته الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله لا شك أن من حرم القراءة والكتابة فقد حرم خيراً كثيراً، ولا يدرك هذا الحرمان إلا إذا تقدمت به السن وانصرف عنه الأحباب والخلان فبدأ يمضي أوقاتاً كثيرة من أيامه ولياليه منفرداً وحيداً تدور به الوساوس والهواجس، ولو كان من المتعلمين لكان استغل فراغه ووقته وبقية عمره في قراءة كتاب الله جل وعلا، تجده يختم القرآن في كل يومين أو في كل ثلاثة أو أربعة، ما دام مستطيعاً للقراءة والكتابة، ما دام يملك وقتاً لهذا، فهو في خير، ومن كان لا يقرأ ولا يكتب ويعرف حاجته إلى كتاب الله وفضل تلاوة كتاب الله، وفقره إلى درجات وحسنات من ثواب الله وفضله فليبادر إلى تعلم القراءة والكتابة. إن من فاته التعليم وقت شبابه يفوته خير كثير، لكن يستطيع الكثير باجتهادهم ومواصلتهم أن يحققوا جزءاً كبيراً مما فات وما مضى، يقول الشافعي أو ينسب عنه: من لم يذق ذل التعلم ساعة تجرع ذل الجهل طول حياته ومن فاته التعليم وقت شبابه فكبر عليه أربعاً لوفاته أيها الشباب لا تفرطوا في العلم ولا تتهاونوا به، واجعلوا حياتكم جميعها علماً وعملا، فائدة وتطبيقاً واستقامة لما علمتم. أيها الإخوة في الله إذا كان هذا هو اليوم العالمي لمحو الأمية، فإننا بحاجة إلى أيام عالمية نمحو بها أمية العقائد في أمم يظنون الطواف بالقبور والذبح لها مع النذور، في أمم يظنون استغاثة الموتى، وندبهم ودعاءهم وسؤالهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات وشفاء المرضى، يظنونه من أعظم القرب، يظنون الاعتقاد بالأولياء وتعظيمهم ورفعة منازلهم فوق منزلة النبي وغيره، يظنون ذلك من صميم دينهم، فهؤلاء أمم بحاجة إلى رفع أمية العقيدة عنهم. إن أناساً يشكون من أمية العقائد يعبدون الله بغير ما شرع، ويتعبدون الله على ضلالة، وإذا مات الكثير منهم على هذه الحال رغم كده ونكده وتعبه ونصبه فإنه قد يتحقق فيه قول الله: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:3 - 4]. يطوفون ويذبحون ويبذلون أموراً كثيرة يريدون الشفاعة يريدون الزلفى يريدون القربة، وما تزيدهم من الله إلا بعدا.

أمية المثقفين

أمية المثقفين فيا شباب الإسلام إن لهذه الأمم التي هي في أمية من عقائدها إن لها حقوقاً عليكم أن تبذلوا حق الله في علمكم فتبصرونهم بحقيقة العقيدة، بحقيقة التوحيد الذي يقوم على وحدانية الله في ربوبيته وألوهيته وصرف دقيق العبادات وجليلها له وحده لا شريك له، هناك أمية في المتعلمين أيضاً، يقرءون ويكتبون لكن أميتهم عجيبة غريبة في أبسط أحكام الإسلام وأركان الدين، قد تكون في سفر أو في حج أو في مناسبة مع واحد من حملة الشهادات فتعجب في أخطاء ومغالطات عجيبة، في وضوئه وصلاته ونسكه وأعماله، إنها لأمية المتعلمين، وأمية المثقفين قد يكتب صفحات يملأ بها الجرائد والمجلات لكنه قد لا يعرف أبسط قواعد الصلاة. فيا أيها الأحبة إن أمية المثقفين موجودة لا تظنوها مبالغة، فمثل أولئك بحاجة إلى تبسيط قواعد الفقه في الدين وعرضها عليهم بأيسر السبل، وما أجمل ما نراه بين الفينة والأخرى من الرسائل الجميلة التي توضح جملاً من أحكام الصلاة وأحكام الصيام وأحكام الحج وأنواع العبادات لأئمة الإسلام من علماء هذا الزمان، ففيها خير عظيم، وحيهلا على طبعها والإذن بطباعتها ونشرها وتوزيعها في مختلف الأماكن والدوائر لنرفع أمية طائفة من المثقفين في هذا.

وقفة مع تعليم المرأة

وقفة مع تعليم المرأة أيها الأحبة النساء إن كن في أمية فهذه الأمية قد تكون خطراً عليهن، بل قد يتحقق الخطر فيهن بسبب هذه الأمية. وإذا النساء نشأن في أمية رضع الرجال ضلالة وخمولا نعم -أيها الأحبة- لا بد أن تتعلم المرأة القراءة والكتابة، لا بد أن تتعلم حظاً يعينها على فهم دينها وأحكام عباداتها ومعاونة أبنائها وأطفالها، أما تعليم المرأة لأجل وظيفتها فتباً وبعداً وسحقاً، أما تعليم المرأة لأجل توظيفها لا يتحقق التعليم إلا لهدف الوظيفة فليس لهذا تعلم المرأة، نعم نحن نوافق على أن تتعلم المرأة لسد حاجة من حاجات المجتمع في الطب وفي التعليم، في طب النساء والولادة وفي التعليم، فهذا نوع فرض كفاية تقوم به طائفة من نساء المجتمعات الإسلامية لسد حاجة الأمة في هذا المجال، أما تعليم كل النساء من أجل الوظائف فلنكن صرحاء ولنكن على مستوى الوضوح: أنستطيع أن نوظف جميع المتعلمات في الطب والتعليم؟ لا. إذاً أين يتوظف البقية؟ أين سنحدث لهن الوظائف، أيختلطن مع الرجال؟! تباً وبعداً وسحقاً لهذا التعليم إن كان مقصوداً به اختلاط النساء بالرجال، أو توظيف المرأة في مجالات لا يبيح الشرع أن تتوظف فيها. قد يكون للمرأة حاجة في أن تتوظف وظيفة؛ إما لفقد وليها أو عائل أسرتها، فلا بأس ببعض الوظائف في معزل من الرجال، في طبيعة تناسب عملها، لا نستطيع أن نحصر الوظائف في الطب والتعليم فقط، فقد توجد بعض الوظائف المساعدة والمساندة في بعض الدوائر والمجالات، لكن لا علاقة للمرأة بالرجل في هذه الوظيفة، لا علاقة للرجال بالنساء. أيها الأحبة إني لكم لنذير عريان، والرائد لا يكذب أهله، إذا رأيتم نذيراً يلوح عرياناً من خوف خطر داهم على الأمة: اعلموا -أيها الإخوة- أن الأمم التي وقف فيها الرجل مع المرأة، المرأة قد أبدت (زندها) وذراعها، وكشفت فخذها وساقها أمام موظف في مكتب واحد، والله كان التعليم عندهم مستقلا ثم أصبح مختلطا، ثم اختلطت في بعض الوظائف وهاهم الآن في المجتمعات يشكون ألوان الحمل غير المشروع، والإجهاض والاغتصاب والخيانات الزوجية بسبب هذا الباب. فيا أمة الإسلام يا غيرة الرجال! يا غيرة الشجعان على أمتهم ودينهم! انتبهوا لهذا الأمر، ولا سبيل إليه ولا سبيل للانتباه إليه إلا بتحقيق الوعي وتحذير المرأة وبيان ما يراد بها، إن أعداء الإسلام يريدون أن يجعلوها سلعة رخيصة في متناول أيديهم، يقول أحد مفكري الإسلام يقول: إن الذين يطنطنون وينادون بحرية المرأة في الوظائف والتعليم باختلاط المرأة في الوظائف والتعليم وينادون بما يسمى بحرية المرأة، والله إنهم لا يريدون حريتها ولكن يريدون حرية الوصول إليها. نعم، يريدون حرية الوصول إلى المرأة؛ في المتجر، وفي الوظيفة، وفي المكتب، وفي الجامعة، وفي كل مجال، وفي كل مكان، فيا أمة الإسلام! يا ذوي الهمم! ويا ذوي الغيرة! ويا أهل الإباء والشمم! عاركم على أنفسكم إن استحل واستفحل الخطر الداهم في مجتمعنا المسلم، في أمتنا المحافظة، في هذه القلعة الأخيرة من قلاع العالم التي لا زال فيها بقية طيبة من دين الإسلام تحكم شريعته وتعمل به. اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح مضغة قلبه، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم لا تفرح علينا ولا عليهم عدواً ولا تشمت بنا ولا بهم حاسدا. اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد يعز فيه أهل دينك ويذل فيه أهل معصيتك، ويعز فيه أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اللهم أيد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم أعز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم ثبتهم وارزقهم البصيرة في الدين والعمل والمعاملة يا رب العالمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم فجازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفرانا. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك يا أرحم الراحمين. اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

أهمية الوقت في حياة المسلم

أهمية الوقت في حياة المسلم اهتم الإسلام بالوقت وبيَّن أهميته، وذلك من خلال آيات من القرآن وأحاديث من السنة، كما جاءت كثير من العبادات لتنظيم وقت المسلم، في إطار هذا الموضوع تحدث الشيخ، وعرج على خصائص الوقت، وواجبنا تجاهه، إضافة إلى بعض النصائح الخاصة بالوقت مع برنامج مبسط لكيفية قضائه.

أهمية الوقت

أهمية الوقت إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله! إنه لمن دواعي السرور والغبطة أن يشرفني إخوانكم بالمثول أمامكم والتحدث إليكم، أسأل الله جل وعلا أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعل هذا الاجتماع مرحوماً برحمته إنه هو أرحم الراحمين. أيها الإخوة! الحديث عن الوقت، حديث مهم جداً؛ لأنه حياة الإنسان، ولأن الوقت ظرف لكل فعل، ولكل دقيق وجليل يخرج من هذا الإنسان المكلف في سائر تصرفاته وأقواله وأفعاله، فكل ما يحدث في هذا الكون إنما يحدث في حيز الوقت.

القرآن يتحدث عن الوقت

القرآن يتحدث عن الوقت ولذلك لا عجب أن نرى كتاب الله جل وعلا مليئاً بكثير من الآيات المتعلقة بهذا الوقت إما مباشرةً، أو إيحاءً، أو دلالةً على أهمية هذا الوقت وقيمته خاصةً لعباد الله الذاكرين الموحدين أولي الألباب، يقول الله جل وعلا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:190 - 191]. فإذا تأملت قول الله جل وعلا: {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آل عمران:190] فتغير هذا الليل بنهار بعده، ونسخ هذا الظلام بنور يزيله، هذه آية من آيات الله جل وعلا، والوقت والساعات دائرة بين فلك الليل وفلك النهار، من أجل ذلك قال الله جل وعلا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] أصحاب العقول من هم؟ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] ويقول الله جل وعلا في آية أخرى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} [الفرقان:61]. وهذه البروج، وهذا القمر مرتبط بتحديد الأوقات والأزمان، ثم قال بعد ذلك: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62] فالمتذكر والمتأمل يتأمل في هذا الليل والنهار، وفي انقضاء الليل وإتيان النهار بعده، في زوال النهار وهجوم الظلام عليه، تلك آية عظيمة، ومن أجل ذلك كانت أشد المشاهد رهبةً للنفس الإنسانية مشهد الغروب، ومشهد الإشراق. حينما ترى جيشاً من الظلام قد هجم على هذه البسيطة ليغطيها بسحابة سوداء، فينسخ هذا النور الذي هو فيها، حينما تتأمل غروب هذه الشمس، وكذلك حينما يأتي الصباح، ثم يأتي ضوء هذا الشمس رويداً رويداً ليهزم حلول الظلام، تذهب على أدراجها، ثم يعلو النور أجزاء هذه المعمورة، آية كونية عظيمة لمن تأملها.

الوقت محل العبادات

الوقت محل العبادات ومن حكمة الله جل وعلا أن تُعبدنا بشيء من العبادات في هذه الأوقات: صلاة الفجر وصلاة المغرب مرتبطة أشد الارتباط بهذا الوقت الذي هو وقت عظيم ومهم جداً، بل إن من أهمية الأوقات أن الله جل وعلا أقسم بأجزاء منها، فقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:1 - 2] والله إذا أقسم بشيء عظمه، وقال تعالى: {وَالضُّحَى} [الضحى:1] وقال تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1 - 2] إلى آخر ذلك. هذا الوقت أيها الإخوة! في كل جزء من أجزائه، وفي كل ساعة من ساعاته، وفي كل لحظة من لحظاته فيه وظيفة عبادة يتعبد الناس فيها إلى الله جل وعلا، فمنها وظيفة يجتمع الناس فيها، ومنها وظيفة تختلف بحسب قدرات الناس ومنازلهم ودرجاتهم وعلمهم ومكانتهم، فأما الوظيفة التي يجتمع الناس فيها في هذا الوقت؛ ألا وهي الصلوات، نلاحظ أن الناس مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالصلوات في وقت محدد معين قد قاله الله جل وعلا وبينه، وقد جاء به جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى به فيه، وقال: (الوقت من هاهنا إلى هاهنا، والوقت من هاهنا إلى هاهنا) كل ذلك أهميةً للوقت، وربطاً للناس في هذه الأوقات. يقول الله جل وعلا: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] قال العلماء: فاشتملت هذه الآية على أوقات الصلوات قاطبة، دلوك الشمس: زوالها، وغسق الليل: نهايته، والعبادات التي هي فيه (وقرآن الفجر) صلاة الفجر. إذاً فهذه الآية قد اشتملت وجمعت، وجاءت السنة مفصلة لأوقات العبادة، بل إن الوقت شرط أساسي في كثير من العبادات، الصلاة من شروطها: دخول الوقت، لو صليت قبل الوقت، ما وقعت الصلاة في محلها، ومن ثمّ لا تكون هذه الصلاة مقبولة، لأن من أتى بشيء لم يقم بشرطه، لزمه إعادته، حينما تصلي في غير الوقت، يلزمك أن تعيد صلاتك، وعندما ترى إنساناً يقول: أنا أريد أن أصوم في شوال، فهذا غير مقبول؛ لأن العبادة مرتبطة بالوقت، والصيام يكون في رمضان. إنسان يريد أن يحج في محرم، نقول له: لا، العبادة مرتبطة بالوقت في أشهر الحج، وفي أيام معدودة من ذي الحجة، إذاً فالعبادة مرتبطة بالأوقات ارتباطاً عظيماً جداً. كذلك النوع الثاني من وظائف العبادة في الأوقات: كل بحسب قدرته ومكانه وعلمه، هذا عالم يُعلم، وهذا مدرس يدرس، وهذا عامل يعمل، وهذا تاجر يتاجر، وهذا قاض يقضي، وهذا وهذا، كلٌ في مهمته، مدار أعمالهم في حيز هذه الأوقات وساعاتها، ومن حكمة الله جل وعلا أن جعل هذا الوقت يمضي رويداً رويداً بين الليل والنهار إلا أن فيه ميزاناً يجعل الناس ينضبطون فيه ألا وإن ميزان اليوم: الصلوات الخمس، ومن أجل ذلك نرى الذين يحافظون على الصلوات حفاظاً دقيقاً هم أشد الناس محافظةً لأوقاتهم بالجملة، فالجمعة ميزان الأسبوع، والصوم ميزانٌ في كل سنة، والحج ميزانٌ في العمر، وبعض السلف الصالح يسمي ذلك موازين الأعمال. وتتمةً للحديث عن الوظائف المتعلقة بالوقت نذكر كلاماً جاء لـ أبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما أوصى بالخلافة لـ عمر، قال: [يا عمر! واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وأن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار] إذاً ليس المهم العمل في وحده فقط، بل المهم العمل المرتبط بالوقت المناسب. المهم أن تعمل العمل المطلوب في الوقت المناسب الذي حدده الشارع، فهذا نلاحظ آثاره في أنفسنا، وفي شبابنا، وفي إخواننا. أنتم حينما تلاحظون بعض الشباب من الذين يقضون ساعات الليل، الذي جعله الله جل وعلا سكناً، وستراً، وظلاماً، وهدوءاً وراحةً، الذين يُشغلون هذا الليل في معصية الله جل وعلا، وتراهم مع شياطين الإنس وتؤزهم شياطين الجن إلى معصية الله ومخالفة أوامره في الليل، فتجدهم بهذه المخالفة في أعمالهم في ظرف الوقت يخسرون جانباً آخر من الوقت وهو الصباح، فإذا جاء وقت الصباح، وقت الفلاح، وقت الجد، وقت التشمير، تراهم جيفاً نائمةً على فروشهم، تراهم كُسالى قد أهلكهم الخور والسهر والضعف؛ لأنهم خالفوا هذا النظام الذي قرره الله جل وعلا، وسنه في الكون، ومن أجل ذلك يبقى الإنسان في مخالفة، حينما تسهر طول الليل، فإن صلاة الفجر في الغالب تفوت، والصباح وقت تقسم فيه الأرزاق لكن تجد الإنسان غافلاً، تجد الأعمال الإدارية والحكومية والمصالح العامة في الصباح لكن تجد هذا الإنسان نائماً، وإذا عاد الناس في حر الظهيرة إلى بيوتهم آن له أن يستيقظ، وقد طارت الطيور بأرزاقها، وعاد الناس بمكاسبهم، واشتغل أصحاب الأعمال بأعمالهم وعادوا إلى بيوتهم. هذا الضعيف المسكين السهران البارحة الذي خالف سنة الوقت، والسنة التي قررها الله جل وعلا في هذا الوقت، تجده محروماً، والعياذ بالله. نلاحظ الكثير منهم عاجزاً عن العمل، إذا عمل عملاً للحظات، أو أيام، أو أشهر بالكثير، ثم يتركه، لأن فيه مخالفة، إذاً الأوقات مرتبطة بالأعمال، والعمل ليس وحده مهم، بل العمل المناسب في الوقت المناسب.

خصائص الوقت

خصائص الوقت أيها الإخوة! هذا الوقت له خصائص، ألا وإن من أهم خصائصه:

سرعة انقضاء الوقت

سرعة انقضاء الوقت الوقت يمضي سريعاً، خاصةً أيام السعادة والشباب والسرور والفرح، هذه أوقات سرعان ما تنقضي، يقول الشاعر: شيئان ينقشعان أول وهلةٍ شرخ الشباب وقلة الأشرار هذه سريعاً ما تتقشع كما يقول القائل: سحائب صيفٍ عن قريبٍ تقشع إذاً فهذه خاصيةٌ من خصائص الوقت، وإن كانت لحظات الأسى والحزن والألم تمر بطيئةً على النفس، كما يقول القائل: مرت سنون بالوصال وبالهنا فكأنها من قصرها أيام ثم انثنت أيام هجرٍ بعدها فكأنها من طولها أعوام ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام فهذا الوقت سرعان ما ينقضي ويتذكره الإنسان، وأنت تذكر نفسك كيف كانت طفولتك؟ كيف كان صباك؟! والآن تجد نفسك شاباً يافعاً كبيراً ذا أسرة أو متحملاً لمسئولية. نوح بعث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، هذه مدة بعثته، أما عمره، فقيل: هو على الألف، أو نيف على الألف سنة، قيل له: يا أطول الأنبياء عمراً، كيف وجدت العمر؟ كيف وجدت الوقت؟ كيف وجدت الحياة؟ قال: وجدت الدنيا كداخلٍ من باب ثم خرج من باب آخر. ألف سنة! فما بالك أيها المسكين يا من وقتك بين الستين إلى السبعين، إذا قدر لك أن تحيا وإلا تخطفك المنون في شبابك، أو في صباك. يُقال: إن في عهد الأنبياء المتقدمين وجد رجلٌ امرأة تبكي على ولدها، قال: يرحمك الله كم كان عمره يوم أن مات؟ قالت: مات في شبابه كان عمره أربعمائة سنة، قال: فما بالكِ إذا أدركت قوماً أعمارهم بين الستين إلى السبعين؟ قالت: والله لو علمت أن ليّ عمراً بين الستين إلى السبعين؛ لأمضيته في سجدةٍ لله، إذاً وقتنا قصير، ونحن في غفلة عن قيمته وأهميته.

الوقت لا يعود

الوقت لا يعود الخاصية الثانية للوقت بعد سرعة انقضائه هي: أن ما مضى منه لا يمكن أن يعود أبداً، الدقيقة تمضي لكن لا يمكن أن تردها بكل ما أوتيت من وسائل الدنيا بخيلها ورجلها وأموالها ورجالها وسلاحها وعتادها، لا يمكن أن ترد من هذا الوقت لحظة واحدة. حينما نعد خصائص الوقت، يعني ذلك أن ننتبه لأهمية الوقت، قال الحسن البصري: [ما من يومٍ يخرج على ابن آدم إلا وينادي فيه منادٍ: يا بن آدم أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني لا أعود أبداً] هذه من خصائص هذا الوقت أنه يمضي ولا يعود. ولذلك يقول كثير من الناس: إن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، بل إنه أدق عبارة للوقت لأن كثيراً من الحكماء والعقلاء شبهوا الوقت، فقال بعضهم: الوقت من ذهب، والحقيقة أن الوقت أثمن من الذهب؛ لأن الإنسان قد يخسر الذهب، ثم يتاجر مرة أخرى، فيكسب ذهباً أكثر، لكن الوقت لو تاجرت، ثم تاجرت لا ترده، ولذلك قال أحد أكبر الدعاة رحمه الله رحمةً واسعةً: الوقت هو الحياة، وقتك هو حياتك، ما مضى من وقتك هو شيء وجزء قد مضى من حياتك.

الوقت أنفس ما يملك الإنسان

الوقت أنفس ما يملك الإنسان الخاصية الثالثة في هذا الوقت: أنه أنفس ما يملك الإنسان، لأنه لا يمكن أن أحداً يسلفك ويعيرك من وقته مهما بلغ الأمر، حياتك محدودة، حينما تأتي ساعة الأجل، لو يأتي الناس أجمعون، ويقولون: نريد أن نتبرع لهذا بخمسة أيام من أعمارنا لا يمكن إطلاقاً، فهو أنفس ما تملك، ولا يعوض بشيء، وإذا مضى لا يرجع.

واجبنا تجاه الوقت

واجبنا تجاه الوقت ما هو واجبنا تجاه الوقت؟ ما هي مسئوليتنا تجاه الوقت؟ إن أهم واجب علينا أن نحرص على الاستفادة من الأوقات، أن نحاسب النفس على الأوقات، ما هي ثمرة هذا اليوم؟ ما هي ثمرة هذا الأسبوع؟ ما هي ثمرة هذا الشهر؟ ما هي ثمرة هذه السنة؟ ينبغي أن تحاسب نفسك، أصبحت اليوم ومضت الساعة الأولى في هذا اليوم الثانية العاشرة. إذا وضعت رأسك على وسادة فراشك ونظرت فيما مضى ماذا أودعت فيه من الأعمال الصالحة؟ ماذا فعلت فيه؟ بماذا أفدت نفسك؟ في أي أمر دعوت إلى الله، لا بد أن تحاسب نفسك على هذا الوقت، مضى شهر، ما جملة الفوائد؟ مضت سنة كيف حالك عن العام الذي قبله؟ هل أنت هذه السنة كما كنت في العام الذي قبله أم أفضل، أم أنت أسوأ- والعياذ بالله-؟ ينبغي أن تتأمل، وأن تحرص، وأن تحاسب نفسك. يقول الحسن البصري رحمه الله: [أدركت أقواماً أحرص على أوقاتهم من حرصكم على الدنانير والدراهم] يحرص الواحد منهم على وقته أشد من حرصنا نحن على الدنانير والدراهم. ويقول ابن مسعود: [ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي] هذه أعظم مصيبة على الإنسان أن يمر عليه الوقت ولم يزدد عملاً، والمصيبة الأخرى: أن يمر الوقت وأنت في زيادة معصية، وصحائفك قد تسود بالسيئات، والعياذ بالله.

شبابنا والوقت

شبابنا والوقت كثيراً ما نسمع العبارة الدارجة عند كثير من الذين لا يعرفون للوقت قيمة، عبارة كثير من الشباب: نريد أن نقتل الأوقات، وكما يسميه البعض: الانتحار البطيء، فقتل الوقت هو الانتحار البطيء؛ لأن وقتك هو حياتك. لا بد أن نفهم أثر هذه العبارة، وألا نجعلها ترسخ في أذهاننا، بل بدلاً منها اغتنام الوقت والمبادرة في الاستفادة من الوقت، قبل كثرة المشاغل على الإنسان، وأنتم أيها الشباب لا زلتم في ريعان الشباب، ولم يتحمل الكثير منكم مسئولية أسرة أو مسئوليات إدارية، أو مسئوليات أعمال، أو نحو ذلك. فإن أعظم وأنفع وأجدى أوقات الإنسان وقت الشباب، فلا بد أن تغتنموه، لماذا نغتنم أوقات الشباب قبل المشاغل؟ لأن الإنسان لا يستمر فارغاً، فلا بد أن ينشغل إما بالطاعة، وإما بالمعصية، والعياذ بالله. قال بعض السلف: فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة، وفتح على نفسه باب الهوى والشهوة واللهو والبطالة، تكدر عليه صفاء قلبه. وقال بعض السلف: الخذلان كل الخذلان أن تتفرغ من الشواغل، ثم لا تتوجه إلى ربك، وأن تقل عوائقك، ثم لا ترحل إلى ربك. وقديماً قيل: الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غِلمة، هذا حال مجتمعنا اليوم، كثيرٌ من الشباب قد وقعوا في شَرَك الفراغ الذي قتلوا به أنفسهم، فوقعوا في الغفلات، لأن الإنسان حينما يكون جاداً عاملاً نشيطاً قد رتب لأوقاته وظائف، فالصباح له وظيفة، والظهر له وظيفة، والعصر له وظيفة، والليل له وظيفة، وبعد العشاء وظيفة النوم، أي: كل شيء تحدد له وظيفة، وتستفيد من وقتك، وتشعر أن حياتك حياة مرتبطة بالأعمال مليئة بالفوائد. أما كما يقول القائل: الفراغ للرجال غفلة، يكون وقتك غفلة عليك، هذا مما ينبغي أن يهتم به الشباب خاصة شباب مثلكم، أسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه. وتتمة هذه العبارة" الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غلمة" الغلمة هي: اشتداد الشهوة، وتعلق النفس بالشهوة، وهذا هو الواقع، كثير من البنات الآن نتيجة الفراغ اشتد بهن الغلمة، ما هي النتيجة؟ كانت البنت أو المرأة مشغولة من الصباح في بيتها، في أعمالها، في ملابسها، في أوانيها، فإذا جاء الليل؛ وجدتها تنتظر وقت الراحة، أما الآن الخادمة موجودة، والسائق موجود، وكل شيء موجود، إذاً بقين في الفراغ، ترفع سماعة التليفون، وتكلم فلاناً وعلاناً، هذه نتيجة الفراغ مصداقاً لهذا المثل" الفراغ للرجال غفلة وللنساء غلمة"، يقول الشاعر: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدةٌ للمرء أي مفسدة الجدة معناها: الثراء في المال.

الإسلام يحث على اغتنام الأوقات بالأعمال

الإسلام يحث على اغتنام الأوقات بالأعمال ولقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إلى الأعمال قبل حلول العواقب، قال صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا غنىً مطغياً، أو فقراً منسياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر) ماذا ينتظر الإنسان حينما يُضيع هذه الأوقات؟ ينبغي أن تبادر إلى العمل، وأن تشحن الأوقات بالأعمال. (هل تنتظرون إلا غنىً مطغياً؟) فأصحاب الغنى الآن قد أطغاهم الغنى، وأشغلهم عن التفكر حتى في أخص خصائصهم وهي أنفسهم المسكينة التي غفلوا عن عتقها وفكاكها من النار. (أو فقراً منسياً) الفقير تجده مسكيناً يبحث عن لقمة العيش، لا يتفرغ إلا لأوجب الواجبات. (أو مرضاً مفسداً) هل أنت تضمن نفسك دائماً صحيح؟ ما دمت في لحظات السعادة والصحة والحيوية والنشاط، بادر بالعمل لأنك لا تضمن هذه العافية مستمرة. (أو هرماً مفنداً) الإنسان قد يهرم ويخرف، ولو كان في الستين، أو في السبعين، فينبغي أن يجتهد في العبادة، ولا ينتظر مزيد وقت، أو يسوف. (أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائبٍ ينتظر) إذا جاء الدجال، انشغل الناس بأحوال عظيمة. (أو الساعة، فالساعة أدهى وأمر). وينبغي أيها الإخوة أن نعتبر بمرور الأيام والأعوام، يقول الشاعر: أشاب الصغير وأفنى الكبير كرُّ الغداة ومرُّ العشي إذا ليلةٌ أهرمت يومها أتى بعد ذلك يومٌ فتي إذاً فينبغي أن نحرك هذه المشاعر في مرور الأيام، أنت تضع رأسك على هذه الوسادة، ثم يمضي الليل، ثم تصبح، ثم تكدح في هذه الدنيا، ثم يأتي الظلام، وهكذا دواليك، ينبغي أن تعتبر بمرور هذه الأيام التي تمضي معها الشهور، وتمضي وراءها الأعوام.

نصائح في تنظيم الوقت

نصائح في تنظيم الوقت أيها الإخوة! أكرر أن المطلوب منا هو أن ننظم الأوقات، ما دمنا عرفنا أهمية الأوقات، وأهمية ملئها وشحنها بالأعمال، أقول: ليس المسألة كما قلنا أي عمل، لا، العمل المناسب في الوقت المناسب مع ترتيب الوقت؛ لأن ترتيب الوقت يضمن للنفس كمال الحاجات أجمع بإذن الله جل وعلا. بعض الناس من حماسه ومن شدة اهتمامه يزيد الاهتمام بالوقت إذ به في يوم من الأيام يقتل نفسه وهو لا يدري، بل حينما تهتم بالوقت تجعل لكل وقت وظيفة، ومن أهم الوظائف راحة نفسك، فإن راحة البدن والنفس وظيفة، إن المنبت لا ظهراً أبقى، ولا أرضاً قطع، المنبت: المنقطع، لا ظهراً أبقى، إنسان أراد أن يصل مثلاً إلى مكة، السير على الراحة إلى مكة يقتضي شهراً تقريباً، فهذا قال: لا، أنا أريد أن أواصل السير ليلاً ونهاراً حتى أصل في سبعة أيام، فأخذ يجلد هذه الناقة حتى هلكت في الطريق، ثم أخذ يمشي على أقدامه، حتى ضل ومات في الطريق، المنبت انقطع، لا ظهراً أبقى، لا بقيت الناقة، ولا قطع الأرض، وقد يكون هلك هو أيضاً.

العمل بما نطيق

العمل بما نطيق أيها الإخوة! أذكركم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) أي: ما دمت في اهتمامك وعنايتك بهذا الوقت، لا تكلف نفسك ما لا تطيق، أو تشحن نفسك بأمور قد تسبب لنفسك ردة فعل، بعض الناس من يدفعه الحماس والعاطفة والاهتمام بالوقت، بل والاهتمام بالعبادة جزاه الله خيراً إلى درجة يزيده الشيطان فيها زيادة تجعله يكره العبادة والاستقامة والتدين بسبب أنه ضغط على نفسه، ومعنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم: لا تضغطوا على أنفسكم، بل اعملوا من العمل ما تطيقون، لأن الله غني عن أعمالنا، وكثرة أعمالنا لا تنفع ربنا. إذاً: نكلف أنفسنا من العمل ما نطيقه رويداً رويداً؛ لأن الله لا يمل حتى تملوا (وإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) فلنداوم على العمل الصالح القليل، فإن ذلك ينفعنا، وإني أنصح نفسي وإخواني الذين يضغطون على أنفسهم وفي أوقاتهم أن يجتهدوا في الترويح عن النفس، فالترويح عن النفس من ضمن برامج الوقت ووظائفه. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [روحوا القلوب ساعةً بعد ساعة، فإن القلب إذا أكره عمي] ويقول آخر: [روحوا عن النفوس ساعةً بعد ساعة، فإن النفس إذا كلت ملت]. إذاً: الترويح مهم، يُقال: إن رجلاً شاهد أعرابيةً تتعبد وتتنسك وتصلي، ثم رآها في وقت آخر، أي: في نفس يومها، قد تهيأت وتجملت لزوجها، فقال: أين هذا من ذاك؟ أين عبادتك من فعلك هذا؟ قالت: وللجدِّ مني جانبٌ لا أضيْعه وللهو مني والمحبة جانب يعني: أنا أقسم وقتي، وأجعل نشاطي في نفسي يوزع على هذه الأعمال داخل هذه الأوقات وقت الجد والعمل، حتى وقت الترويح عن النفس هو وقتٌ إذا احتسبه الإنسان، فهو عبادة، لأنه يدفعك ويجعلك تندفع نشيطاً لمزيد من الأعمال الصالحة.

اغتنام أوقات الدعاء

اغتنام أوقات الدعاء وأذكر نفسي وإياكم بأن هناك أوقاتاً لها مزيد فضل، قد خصها الله جل وعلا بمزيد الأجور والثواب والخيرات منها: ساعات السحر، ساعات آخر الليل، ساعات فضيلة وجليلة، ولو كنا إلا ما ندر وشاء الله في غفلة عنها، لكن نحدث أنفسنا عسى أن نجتهد فيها إن شاء الله. ساعات آخر الليل، ساعات التنزل الإلهي التي ينزل الله جل وعلا فيها نزولاً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ويقول: يا عبادي هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ يا إخواني! والله إن العجب كل العجب في أنفسنا حينما يكون للواحد منا حاجة، أذهب إلى ابن عمي، وابن خالي، وابن وابن، وفلان وعلان تريد الحاجة والنفع منهم، قبل أن تذهب إلى هؤلاء عندك ساعة ووقت يجاب فيه الدعوة، فأخلص النية واستيقظ آخر الليل. تجد كثيراً من الناس يلح على أمر من الأمور شهراً، وشهرين، وسنة، وسنتين، ولا يتحقق له هذا الأمر، لكنه لا يكلف نفسه عناء ساعة آخر الليل يتوضأ ويحسن الوضوء، ويسأل ربه الذي خلق الدنيا ومن فيها ومن عليها أن ييسر له هذا الأمر وذلك دليل النسيان والغفلة، والعياذ بالله. ومن الساعات المهمة يوم الجمعة وساعة الإجابة فيه ساعة فضيلة، كذلك في السنة أيام فضيلة فيها: عشر ذي الحجة، وفيها عرفة، وفيها رمضان، وفيها العشر الأواخر، وليلة القدر، الوقت مهم، ولكنه مليء بالفرص الأهم، الوقت ثمين، ولكن فيه ساعات أثمن، لكن أين نحن من اغتنامها؟ أين نحن من الاستفادة منها؟

المحافظة على الصلوات

المحافظة على الصلوات أيها الإخوة! وينبغي ونحن نستعين على الاستفادة من الوقت بالمحافظة على الصلوات، فتجد الذي لا يحافظ على الصلوات لا يستطيع أن ينظم وقته، فكثير من الناس ومن الشباب -الذين نسأل الله لهم الهداية نراهم في ضلال ووبال وخبال- تلاحظ أنهم في عجز عن تنظيم أوقاتهم، لأن الإنسان كالبهيمة حينما يضع رأسه، لا يبالي بوقت الصلاة، وقت عبادة، يأتي مثلاً قبيل الظهر، أو قبيل العصر فينام على العصر، ويضيع هذه الأوقات. إما الشاب المسلم فتجد الوقت عنده مرتبط بالصلاة، بعد صلاة الفجر هذا وقت، إذاً معناه أنه يصلي الفجر ليعرف الوقت الذي بعد الفجر، فيستغله غاية الاستغلال، بعد صلاة الظهر وقت، يستغله في الترويح عن النفس، جلوس مع الأهل، زيارة بحسب البرنامج. وهكذا. بعد صلاة العصر فترتيبك للوقت مرتبط بالصلاة، فمن لا يُصلي مع الجماعة، أو كيفما استيقظ من نومه صلى، هذا تضيع عليه الأوقات وتمضي عليه وهو لا يعرف قدرها، ولا يدرك قيمتها. أما الذي يجتهد على الصلاة مع الجماعة، بإذن الله جل وعلا يعينه الله على الاستفادة من وقته، وأزيد على ذلك مسألة ارتباط الإنسان بالشباب الصالحين الطيبين الذين يعينونك على الاستفادة من وقتك.

الحذر من التسويف

الحذر من التسويف والحذر الحذر من التسويف يقول: سوف أنظم وقتي ابتداءً من 1/ رمضان /1408هـ، يا أخي عندنا أمر طيب ما رأيك أن تبادر إليه، يقول: إن شاء الله من بداية 1/ 1/1408هـ أنا سوف انطلق، وكأنه صاروخ، وهذا المسكين هل يضمن أن يعيش إلى 1/ 1/1408هـ؟ لا، أو يقول: هذه السنة دعها على السعة والراحة، إن شاء الله من رمضان القادم أنطلق انطلاقة قوية، هذا حال كثير من الذين نسمعهم وللأسف في كثير من المناسبات إن شاء الله أحج. هل تضمن أن تعيش حتى تحج؟ وهذا الوقت الذي يمر سدى يضيع هكذا، فالحذر الحذر من التسويف في استغلال الوقت، واعلموا أن الأماني رءوس أموال المفاليس. وأقول لكم طرفة بسيطة هي واقعة، قال رجل لـ ابن سيرين - ابن سيرين رجل معروف بتعبير الرؤى والأحلام- يقول: رأيت في المنام أني أسبح في غير ماء، وأطير في الهواء بلا جناح، فضحك ابن سيرين في النهاية، وقال: تفسير رؤياك أنك رجل كثير الأماني والأحلام، أي: دائماً تعد نفسك سأفعل سأفعل، سأفعل، ويمر هذا الفصل الذي تريد أن تفعل فيه، وما فعلت شيئاً، ابتداءً من الأسبوع القادم، ويمر الأسبوع القادم، وما فعلت شيئاً، ابتداءً من الذي بعده، ويمضي الشهر الذي بعده، وما فعلت شيئاً، فهذا مما يمر بخلد كثير من الناس التسويف وسوف وسنفعل إلى آخره، كل هذه تجعل الإنسان في غفلة، وفي ضياع عن وقته.

العمل لما بعد الموت

العمل لما بعد الموت وينبغي أن تعلم أن هذا الوقت له نهاية، ليس هذا الوقت مستمراً، لن تدوم هذه العين ترى إشراق الشمس وغروبها، لا، لك نهاية تقف عندها، حينما تقول الملائكة: يا رب لم يبق له شربة إلا شربها، لم يبق له لقمة إلا أكلها، لم يبق له خطوة إلا مشاها، لم يبق له درهم إلا أنفقه، لم يبق عنده دينار إلا اكتسبه، حينما يقال هذا الأمر فيك؛ فقد حانت ساعتك، وتذكر قول القائل: بين عيني كل حيٍ علم الموت يلوح نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح لتموتن ولو عمرت ما عمر نوح أي: ليس لك بعد هذا الوقت إلا الموت، إذاً فاستعد لما بعد الموت، يُقال: إن ملك الموت نزل على موسى عليه السلام، قال: إني أستأذن عليك، قال: وما تريد؟ قال: أريد أن أقبض روحك، قال: تقبض روحي؟! فلطمه حتى فقأ عينه. فعاد ملك الموت إلى رب العزة جل وعلا، وقال: يا رب أرسلتني إلى عبد من عبادك لا يريد الموت، قال: اذهب وقل له: ضع يدك على جلد ثور، فما غطت يدك من شعراته، فهو لك عمر، فذهب ملك الموت إلى موسى عليه السلام، وقال له ذلك، قال: ثم ماذا يا ملك الموت؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، أي: اقبض روحي. إذاً ما دام أن الأمر أنك لا محالة منتقل عن هذه الدنيا، فاستعد بالأعمال الصالحة، بل إن السلف كانوا يتمنون لقاء الله جل وعلا، ولقاء الله يكون بعد الموت، لقاء الله جل وعلا يكون بالاستعداد والأعمال الصالحة، والأعمال الطيبة الزاكية الخالصة لوجه الله يموت من شوقه إلى الموت. فينبغي أن نقدم قبل الموت، وقبل نهاية الوقت أعمالاً تنفعنا عند الله جل وعلا، ولنجتهد بالعمر الثاني، لأن العمر للإنسان عمران: عمر في الدنيا وعمر بعد موته ألا وهو الذكر الطيب والثناء الصالح الذي هو دليل رضا الله جل وعلا، يقول القائل: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمرٌ ثان ومن أجل ذلك أيها الشباب! أود أن أذكركم، بل أرجو أن تكونوا من الذين بعد عمرٍ طويلٍ , وعملٍ صالحٍ إن شاء الله يذكرون في هذه الدنيا بالأعمال الطيبة الصالحة، لا أن يولد الإنسان ويعيش ويكبر ويشيب ويموت كالبهيمة، كم يذبح اليوم في المذبح من البهائم، هل يذكر الناس بهيمة من البهائم؟ لا، البهائم بهائم لا تُذكر بشيء، لكن البشر يذكرون بالأعمال الصالحة، البشر يخلدون ذكرهم بعد موتهم بأفعالهم وأعمالهم، ومن أجل ذلك يقول إبراهيم بن أدهم، وهذه أبيات كثيرة أرددها، وأتمثل بها، وأدعو إخواني أيضاً إلى أن يتمثلوا بها، يقول: إذا ما مات ذو علمٍ وتقوى فقد ثُلمت من الإسلام ثلمة وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمة وموت فتىً كثير الجود محلٌ فإن بقاءه خصبٌ ونعمة وموت الفارس الضرغامِ هدمٌ فكم شهدت له بالنصر عزمة وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمة فحسبك خمسةٌ يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيفٌ ورحمة وباقي الخلق همجٌ رعاعٌ وفي إيجادهم لله حكمة فينبغي أيها الأخ المسلم أن تكون من هؤلاء الخمسة الذين إذا توفتهم رحمة الله بعد عمر طويل وعمل صالح، يقال: رحمه الله لقد خلف أولاداً نفعوا الأمة والمجتمع، لقد كان معلماً نافعاً لتلاميذه، لقد كان قائداً مغواراً، لقد كان داعيةً مجاهداً، لقد كان تاجراً باذلاً، لقد كان موظفاً أميناً، لقد كان مفكراً محنكاً، لقد كان عابداً صواماً قواماً، ليس ذلك محبة لثناء الناس وذكرهم فقط، لا، بل حينما تُذكر، يدعى لك ألا وهي العمر الثاني، والصدقة الجارية (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له) فقد يدعو لك ولدك والناس أجمعون إذا خلدت في هذا الكون عملاً صالحاً. إمام الدعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه في جناته وأمطر صكوك الرحمة عليه، لا زال الناس يدينون بالفضل والثناء بفضل الله جل وعلا ثم له فيما هم فيه من التوحيد، وجد الناس في ضلال، أو في خبال يعبدون الأشجار والأحجار والأصنام وغير ذلك، فجرد نفسه لله وطلب علماً دقيقاً شرعياً، وجاهد في الله حق جهاده حتى هز الأتراك، وهو في الدرعية، أرسل رسالة إلى نظام المقام العالي في الدولة العثمانية التركية أن اهدموا ما عندكم من القبور. إنه داعية موحد هز الدنيا بدعوته الإصلاحية، من منكم يا شباب الإسلام يُعاهد الله جل وعلا عهداً وميثاقاً صادقاً أن يكون له في هذا المجتمع لبنة واضحة تُذكر من بعده، أو يدعى له فيها؟ كلنا يسأل الله أن يكون ذلك، فابذلوا واجتهدوا واحرصوا، وكل ميسر لما خلق له.

إياكم وإلقاء سبب الضعف على الآخرين أو الزمان

إياكم وإلقاء سبب الضعف على الآخرين أو الزمان أيها الشباب! ينبغي ألا نكون من العاجزين الكسالى الذين يلقون عهدة الخور والضعف، وضعف الإرادة على غيره، يقولون: هذا الزمان، وهذا الوقت، فما هو هذا الزمان؟ لقد كان وقت الصحابة أربعاً وعشرين ساعة؟ وزماننا أربع وعشرين ساعة، وزمان السلف الصالح أربع وعشرون ساعة، وزماننا أربع وعشرون ساعة، لماذا نلقي باللائمة على الغير؟ لماذا نلقي باللائمة على الناس؟ وكما يقول القائل: نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا وقد نهجو الزمان بغير جرمٍ ولو نطق الزمان بنا هجانا كيف مر الوقت ولم تستفد من شبابك؟ الله المستعان! يقولون: الوقت يا رجال هذا الزمان تغير، إذاً تغير أنت لماذا لا تتغير إلى الأفضل؟! لماذا لا تتغير إلى الأحسن، هذا واجبك وهذا دورك.

برنامج لقضاء الوقت

برنامج لقضاء الوقت ختاماً أيها الإخوة! أنصح نفسي وإياكم إلى أن نبرمج لأوقاتنا أموراً معينةً ننفع الأنفس بها، ألا وإن من ذلك طلب العلم عند المشايخ، حلقات العلماء، هذه من أهم ما ينفع الإنسان نفسه، والله ما عرفنا قدر أنفسنا، وقدر جهلنا بالعلم إلا يوم أن جلسنا أوقاتاً محدودةً عند العلماء، لذلك ترى الإنسان لا يعرف مقدار جهله حتى يعلم، فإذا علمت قليلاً، أدركت أنك جهلت كثيراً. فقل لمن يدعي في العلم معرفةً علمت شيئاً وغابت عنك أشياءُ إن الذي يظن أنه عالم فقد جهل، والذي يظن أنه نال من العلم النصيب الأوفر فقد جهل، لأن العلم بحرٌ تتلاطم أمواجه، ولا سواحل له، ينبغي أن تجتهد في طلب العلم عند المشايخ العلماء الثقاة، فإن ذلك خيرٌ لك في دينك ودنياك وآخرتك. اجتهد بهذا أيها الأخ المسلم! أضف على ذلك أن تجتهد في أوقات فلا تقضى أربعاً وعشرين ساعة كلها عند المشايخ، بل تنظم ثلاثة أيام في الأسبوع عند الشيخ/ ابن باز مثلاً، وعند الشيخ/ ابن جبرين، وعند الشيخ/ الفوزان عند الشيخ كذا، تأتي كغيرك من الشباب ومعك كتابك وتقرأ، وتستمع، وتسأل فيما أشكل عليك، هذا خيرٌ لك في دينك ودنياك وآخرتك. لديك من الأعمال المهمة مثل: المنتديات الطيبة التي يجتمع فيها الأخيار الصالحون، مثل: مكتبات المساجد، والمراكز الصيفية النظيفة، هذه تنفعك بإذن الله حينما تخصص الوقت الملائم لها، وتأتي لتشارك إخوانك، ليس فقط لتتعلم، بل قد تؤثر أيضاً، أي: قد يقول بعض الناس: أنا مستواي جامعي، لماذا أخالط أناساً في المتوسط والابتدائي، ما هي مصلحتي منهم؟ لا، أنت تأتي لتعمل فادعهم إلى الله، يرونك كبيراً وموجهاً ومشرفاً ثقافياً واجتماعياً فيتأثرون بك فيقتدون بأفعالك. إذاً فأنت جئت إلى هذا المنتدى داعية، وبقي لك أثر طيب في نفس هذا وهذا فاستقام بإذن الله بسببك، ينبغي أن نجعل من أوقاتنا للدعوة إلى الله في مثل هذه المراكز الطيبة الصيفية. وأصارحكم أيها الإخوة أنا منذ صغري كنت في مركز صيفي، شاركت في المراكز الصيفية، وكنت لا أستطيع أن أتكلم، فعلمني الأساتذة الأجلاء الأفاضل جزاهم الله خير الجزاء، يعطيني الواحد ورقة، ويقول: قم أمام إخوانك وزملائك امسك واقرأ هذه الورقة، فأمسك الورقة وأنا أنتفض هكذا، أخشى أن تقع الورقة، نعم، لأن الإنسان لا يولد عالماً، رويداً رويداً حتى أصبح الإنسان يقرأ، ثم أصبح الإنسان يقرأ هذه الورقة بكل ثقة واطمئنان، ثم أصبح يستطيع أن يعبر عما في نفسه دون الحاجة إلى الورقة، فهذه المراكز الصيفية تكتشف هذه المواهب الموجودة في نفسك، وتنفعك بإذن الله. إذاً أيها الشباب! وخاصةً الصغار ينبغي أن يجتهدوا، وأن يستفيدوا، وأن يبادروا حينما يكون هناك مجال من الاستفادة، هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

برنامج يوم إسلامي

برنامج يوم إسلامي Q نحن الآن في الإجازة السنوية، وكما تعلم أنها في حدود ثلاثة أشهر، يا حبذا لو شرحتم لنا شيئاً في حياة يومٍ إسلامي، وما هي أسهل الطرق لحفظ القرآن الكريم، وجزاكم الله خيراً؟ A اليوم منقسم إلى الليل والنهار، هذا اليوم حينما يرتبه الإنسان وينظمه -كما قلنا- يخرج منه بأعظم فائدة إن شاء الله، فهناك جدول يومي، وهنا جدول أسبوعي، وهناك برامج شهرية، فأمَا وقد رغبت أن أفصل لك، أقول لك: إذا منَّ الله جل وعلا عليك، وكنت من الذين يأوون إلى فرشهم مبكرين، تنام في هذا الليل الذي جعله الله سكناً، وتنام في هذا الفراش مبكراً، وإياك والتعليمات الكثيرة، أنت في كذا، أنت في كذا، الليل سكن، وما أغبط إنساناً كغبطة إنسان لا يعرف المواعيد بعد العشاء، إلا بما ندر، أو مثلاً ساعة ونصف، إذا زاد الأمر فساعتين، ثم يهرع إلى فراشه؛ فإنه يستفيد؛ لأن ساعة من الليل تعدل ساعات من النهار فيما يتعلق بالسكن والراحة. فإذا منَّ الله عليك بالاستيقاظ قبل الفجر ولو بربع ساعة، صليت ركعتين، تكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات والمستغفرين بالأسحار، ثم أذن المؤذن وخرجت إلى المسجد، وصليت الفجر مع الجماعة، أقول: لا تجبر نفسك من جهة الضغط عليها، قد تكون بالأمس سهراناً عند والدك أو جاء ضيوف، أو عند أهلك مناسبة، عندكم كذا، خذ قسطك من النوم، لكن؟ بعد أن تأتي بوردك بعد صلاة الفجر، الأوراد اللازمة، الفاتحة، آية الكرسي، آخر البقرة، أول آل عمران، شيء من سورة طه، المعوذات، شيء من المفصل، ثم اللهم إني أسألك خير هذا اليوم إلى آخر ما تعرفونه من أذكار الصباح، ثم إذا كنت مجهداً، فقم إلى فراشك، ونم قليلاً، لكن وقِّت الساعة، ولا تنم إلى أذان الظهر، لا، بل انتبه إلى الساعة، فإذا استيقظت، قد تكون مثلاً موظفاً، ستذهب إلى عملك، وقد تكون طالباً، ولعل السؤال موجه إلى الطلاب الذين يعيشون الإجازة، فإذا أصبحت وتناولت طعام الإفطار، وجلست مع إخوانك الصغار وقتاً لا بأس به، ثم خرجت إلى المركز الصيفي، أو إلى أي مكتبة، أو إلى مكتبتك الخاصة، فقرأت ما يسر الله لك فيها، ثم بعد ذلك قد يكون لأهلك حاجة من الحوائج قضيتها، وبعد الظهر أجود أوقات النوم، وإن كانت القيلولة قبل الظهر بقليل، لكن في الغالب هذا لا يتيسر، يقول الشاعر: ألا إن نومات الضحى تورث الفتى خبالاً ونومات العُصير جنون ألا إن بين الظهر والعصر نومةٌ تحاكي لأصحاب العقول قلوبُ عموماً بعد الظهر نومة مفيدة إذا تغديت ثم نمت، ثم بعد ذلك صليت العصر، بهذا تكون نشيطاً، هنا أمر: كلٌ يختلف بحسب نفسه، الذي هو أمر الحزب اليومي من كتاب الله جل وعلا، فبعض الناس يقرؤه بعد صلاة الفجر، وبعض الناس قد يكون من الذين يغلبهم النعاس إذا كان مثلاً سهراناً في الليل لأمر أو مشغلة من المشاغل يكون حزبك بعد العصر، وتقرأ ما يسر الله لك من كتاب الله، ومن سنة رسوله، ولا بد أن يكون لك مكتبة كل كتاب وراءه كتاب، لا ينفع أن تقرأ في السنة الماضية نصف كتاب، والسنة التي قبلها قرأت نصف الكتاب، لا، القراءة هي النافذة على العالم، هي باب المعلومات وتوارد الخواطر، لا بد أن تجتهد في القراءة، ومن كانت له بداية محرقة في القراءة والاطلاع وغير ذلك، كانت له نهاية مشرقة. ثم بعد ذلك إذا كان هناك نشاط في هذا المركز أتيت إليه، وبعد المغرب شارك إخوانك، لكن هناك أمور أساسية: الصلوات في أوقاتها، نصيبك من كتاب الله، وإني أهنئ شباباً قد خصصوا من أوقاتهم وقتاً لحفظ القرآن بعد العصر، وبعد المغرب، أو بعد المغرب فقط، أو بعد العصر فقط، المهم ألا يمضي عليك يوم ما قرأت فيه شيئاً من كتاب الله كلٌ بحسب نفسه. إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع الله عز وجل خلق الناس وفاوت مراتبهم، لا نظن أن كل الناس يكونون علماء، أو كل الناس يكونون حفاظ، لو كان الإنسان يصنع نفسه، لكان الإنسان تمنى أن يكون كريماً شجاعاً حافظاً صواماً عالماً مجاهداً ثرياً غنياً فصيحاً، كل شيء، لكن أراد الله جل وعلا أن يجعل الناس درجات: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32] فهذا نموذج ليوم إسلامي، لكن أريد أن أقول لك: هذا اليوم لا يخلو من أمور: المحافظة على الصلوات في أوقاتها، وردك الأساسي اليومي من كتاب الله، ثم من سنة رسول الله، وساعة القراءة، ونصيب أهلك بك. وكثير من الشباب، وأنا أعاتب الإخوة الحضور، وأعاتب نفسي فيما مضى مني، كنا نضيع حاجات الأهل والوالدين أسأل الله أن يغفر لنا هذا الفعل: أنا ذاهب إلى المركز أنا عندي كذا، بل ابدأ بحاجة والديك، فإن الوالد قنوعٌ بما يأتيك من العمل، حينما تقدم لوالدك عملاً بسيطاً، والدك يراك كهذه اللمبة، أو كهذه الشمعة تشرق على هذا المكان كله. فينبغي أن تكون مهتماً بحاجات والدك، برنامجك ألا يخلو من هذا الشيء، مع حاجة والديك، الترويح عن نفسك ومخالطة جلسائك الطيبين، لا تنقطع يوماً واحداً من رؤية جلسائك الطيبين، ولو في مسجد، بعد الصلاة تجلس أنت وإياه عند السارية كيف حالك؟ وما عندك؟ وكيف المركز اليوم؟ في رحلة؟ في كذا؟ وهل هناك زيارة؟. المهم أن تكون مرتبطاً بإخوانك، لأن الانقطاع يورث البعد، والبعد يجعل الشيطان يتوحد بك، ومن ثم يفترسك كما يفترس الذئب من الغنم القاصية. لابد أن يكون لك برنامج أسبوعي في هذا الأسبوع مثلاً: إذا كنت من أصحاب هواة الرياضة، يكون لك شيء من ركوب الخيل، أو سباحة، أو تمرين معين. وكذلك برنامج شهري تجعل في كل شهر مثلاً زيارة إلى المقبرة عظة وعبرة وتذكراً وتفكراً إلى آخر ذلك. المهم أن المجتهد الحريص على وقته سوف يستغله، وليس البرنامج ينطبق على كل إنسان، كل إنسان يُكيف هذا البرنامج بحسب ظروفه، بعض الناس أهله عندهم مشاغل، وربما أخوه الأكبر يكفيه هذه المشاغل، فتجده متفرغاً، هذا يختلف عن إنسان لديه مسئوليات أسرته، وحاجات أهله فوق رأسه، لا بد أن يقوم بحاجات أهله، فالبرنامج يخصصه بحسب طريقته، يعني: تبرمج وقتك بحسب طريقتك الخاصة، لكن لا يخلو البرنامج من هذه النقاط الخمس التي ذكرناها.

نصيحة إلى عاص

نصيحة إلى عاصٍ Q فضيلة الشيخ أرجو أن تنصح لي لكي أترك معصيتي التي أعملها كثيراً في وقت الفراغ، ولا أستطيع تركها، فهل من طريق إلى تركها؟ A الطريق هو أن تملأ الفراغ، لاحظ أنك قلت: في معصية أعملها وقت الفراغ، إذاً هذه المعصية لا يتسلط الشيطان عليك بها إلا في وقت فراغك، لأن هذا الوقت الذي أنت سميته وقت فراغك، لم تُشغله بشيء، فأشغلتك نفسك بالمعصية ما لم تشغلها بالطاعة، إذاً أهم شيء أن تملأ الوقت، فهناك خلل في برنامجك اليومي، هذا الوقت لماذا يكون فارغاً؟ قد يكون غيرك في عبادة، أو دراسة، وأنت تسميه فراغاً، قد يكون غيرك في رياضة، قد يكون غيرك في عمل، وأنت تسميه فراغاً، قد تقول لي: هذا الوقت بالليل مثلاً، أقول لك: لو كنت قد برمجت وقت النهار، لكنت في هذا الوقت محتاجاً إلى الراحة والنوم، وعلى أية حال جاهد نفسك يا أخي بالصبر عن معصية الله جل علا، فإنما يُوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، وأسأل الله أن يثبتني وإياك، وأن يعصم الجميع عما يسخطه، وأن يجنبنا ما يغضبه، فالله سبحانه وتعالى يتوب علينا وعليك، وأكثر من مجالسة إخوانك ما استطعت، فإن كثرة مجالسة الأخيار والجلساء الصالحين، بإذن الله تدفع عنك فعل المعاصي.

الفرق بين الوقت عند المسلمين وعند الغرب

الفرق بين الوقت عند المسلمين وعند الغرب Q ما الفرق بين الوقت عند المسلمين والغرب، وجزاكم الله عنا خيراً؟ A الوقت عند المسلمين هو كل شيء، لأنه حيز العبادة والأعمال، والوقت عند الغرب يختلف من ناحية أنه وقت للعمل فقط، لكن هذا العمل ليس مبنياً على هدف وغاية، أنت حينما ترتب أوقاتك، وحينما تهتم بها، كوسيلة للوصول إلى غاية، التي هي الوصول إلى أقصى درجة من العبودية لله جل وعلا، ومحاولة كسب أكبر قدر ممكن من الأعمال الصالحة التي يتوصل بها إلى رضا الله جل وعلا، أما الوقت بالنسبة للغربيين، فهو وسيلة إلى شيء تافه للغاية إذا كان يوجد عندهم غاية، ومن ثمَّ عند فقدان الغاية، يستعجلون النهاية، ذُكر -وهذا شيء واقع تقريباً من خمس أو سبع سنوات- أن أحد أثرياء الغربيين، قال: ماذا أعمل بجمع المال؟ أنا أجمع المال، لأكون سعيداً، من أجل أن يعرف النتيجة? من أجل أن أعيش هذه الأيام تمر عليَّ براحة، وماذا بعد الأيام؟ الموت قال: لماذا أنا لا آتي بالنهاية من الآن، وقتل نفسه وانتحر. هذه النهاية أتى بها لنفسه واستعجل فيها، بل إنه قتل نفسه، والله سبحانه وتعالى قدر أن تكون هذه ساعته، ولكن أعوذ بالله من ختام سوء، فالوقت بالنسبة للمسلم ثمين ومهم وعليه أن يجتهد على ملئه بالأعمال الصالحة لكي يصل إلى الغاية العظمى التي هي ترضى الله سبحانه وتعالى، وإذا لم يستغل بالأعمال الصالحة ولم يذكر الله فيه، كان عليه حسرة. ولذلك لاحظ أن الكثير منهم لأنهم عبيد الدنيا والمادة والمال يهتمون بالوقت اهتماماً دقيقاً من أجل المال، لكن أصحاب الإجازة بالنسبة لهم انظر كيف يعيشون؟ حياة البهائم، يذهب إلى أي مكان، يعيش في فندق، يجلس سكران في هذا الفندق خمسة أيام، أو ستة أيام، وهو يغالط في الأماني عنده، الوقت مهدر القيمة، أهم شيء العمل؛ لأنه هو يُوصل إلى المال، لكن بالنسبة للمسلم لا فرق، الوقت ثمين أيام الدراسة وأيام العمل وأيام الإجازة، والعطلة الصيفية، والوقت مهم وثمين، فالفارق في الوقت ليس من حيث عدد الساعات، بل الساعات واحدة، وليس من حيث العمل فقط. بل العمل هم يعملون، ولكن في معصية الله، وأعمالهم عليهم حسرة، وتكون سبباً لدخولهم النار، والمؤمن يعمل لكي ينال بذلك رضا الله سبحانه وتعالى، وماذا بعد ذلك؟ مآل المسلم إلى الهدف الأسمى رضا الله والجنة، ومآل الكافر- عياذاً بالله- إلى النار. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.

أيها الشاب إلى أين المسير وجوارحنا هكذا

أيها الشاب إلى أين المسير وجوارحنا هكذا إن من شباب المسلمين شباباً ليس لهم هَمٌّ إلا في لباسهم وأكلهم وشربهم، وفي معاكسة النساء في الشوارع وعبر الهواتف، في حين أن هناك من المسلمين في بعض البلدان من يذبحون بالمئات سواءً كانوا شباباً أم شيباً، وتنتهك أعراضهم أمام أعينهم من قبل أعداء الإسلام، والمسلمون نائمون لا يحركون ساكناً في هذه المادة تنبيه لشباب الأمة العائم في هواه، والغارق في سباته قبل حلول الكارثة.

التاريخ يعيد نفسه

التاريخ يعيد نفسه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحد في ربوبيته، واحد في ألوهيته، واحد في أسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، أن يحرم وجوهكم وجسومكم عن النار، وأن يجمعنا بكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إذ الداعي والباعث والغاية والمقصد من هذا اللقاء هو تحقيق محبة الله في الله ولله ولوجه الله، وفي سبيل الله وعلى طريق يرضي الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: (المتحابون في الله على منابر من نور -لا هم بأنبياء ولا شهداء- يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنزلتهم من الله) فأسأل الله جل وعلا ألا يحرمنا وإياكم هذا الأجر العظيم، أسأله سبحانه كما هدانا إلى الإسلام أن يثبتنا عليه، وأسأله سبحانه كما هدانا إلى الإسلام أن يمكنا بالإيمان، وأن يهدينا إلى الإحسان، وأن يوفقنا إلى طاعته. أحبابنا: وبين يدي هذه المحاضرة، وأمة الإسلام جراحاتها نازفة وأشلاؤها متناثرة وجماجمها تحت دبابات وطائرات وقنابل أعدائها، بين يدي هذه المحاضرة، والمسلمون بكل أرض إما جريح أو شريد أو طريد، بين يدي هذه المحاضرة التي فيها نداء لي ولكم ولكل شاب، ولقد أكثرنا في نداء الشباب الذين ضلوا ولكنا قصرنا وفرطنا في نداء أنفسنا، ودعوة أنفسنا وتمحيص ما ندعيه من الإيمان والاستقامة والالتزام. والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء أيها الأحباب: نظرة متأملة لجانب من جنبات واقعنا المعاصر فيما يتعلق بأحوال إخواننا المسلمين، إن التاريخ يعيد نفسه في عام أربعمائة واثنتين وتسعين للهجرة، في أواخر القرن الخامس احتل الصليبيون بيت المقدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولى القبلتين وثالث الحرمين، وعندما دخل الصليبيون المدينة، انطلقوا في شوارعها وبدءوا بالمساجد ثم إلى الدور يقتلون كل من لاقاهم وصادفهم، رجلاً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، بل قال ابن الأثير: إن عدد القتلى من المسلمين زاد على سبعين ألف قتيل، منهم عدد كبير من أئمة المسلمين وعلمائهم وزهادهم وأكثر الناس فارق الأوطان، وقد روى شاهد عيان في كتب التاريخ ما فعله الصليبيون عندما دخلوا القدس، فقال: إن النساء كن يقتلن طعناً بالسيوف وطعناً بالحراب، وإن الأطفال الرضع يختطفون بأرجلهم والطفل منهم قد التقم ثدي أمه يرضع منها، ويقذف بالطفل من جنبات السور، بل وربما هشم رأس الطفل بأعمدة الخيام، وذبح خلق كثير، وقد كان لاحتلال هذا البيت وتلك القبلة، أثر عظيم في نفوس المسلمين، وإن التاريخ كما قلت يعيد نفسه، فأنتم ترون أعداء الإسلام لا يزالون يجثمون بكلكلهم على تلك القبلة، بل ومدوا نفوذ سيطرتهم وأطراف عدوانهم على كثير من بلاد المسلمين. والحال بالأمس واليوم سواء، خاصة في فلسطين فقد ذبح خمسون وهم سجود، برصاص الغدر والخيانة، من أبناء القردة والخنازير عبدة العجل، وأكلة السحت، وقتلة الأنبياء، ومن أتباعهم وأذنابهم من الصرب في البوسنة والهرسك ومن بني عمومتهم من الهندوس في كشمير وغيرها ومن ومن ومن الواقع والتاريخ يعيد نفسه. أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول عليه بالدين النحيب فحق ضائع وحمىً مباح وسيف قاطع ودم صبيب وكم من مسلم أمسى سليباً ومسلمة لها حرم سليب وكم من مسجد جعلوه ديراً على محرابه نصب الصليب دم الخنزير فيه لهم خلوق وتحريق المصاحف فيه طيب أمور لو تأملهن طفل لطفل في عوارضه المشيب أتسبى المسلمات بكل ثغر وعيش المسلمين إذاً يطيب أما لله والإسلام حق يدافع عنه شبان وشيب فقل لذوي البصائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا أي: يضمخون وهم لا يضمخون، بل ينجسون ويوسخون ويقذرون جدران المساجد بدماء الخنازير يعدونه وطيباً.

لا عزة إلا بالإسلام

لا عزة إلا بالإسلام أيها الأحباب: فكما أن التاريخ يعيد نفسه، ويصور تلك المأساة التي كانت للمسلمين في أواخر القرن الخامس الهجري، ونحن نراها الآن في القرن الخامس عشر أي: بعد عشرة قرون، فإنا في هذه الساعة وفي هذه اللحظة وفي نفس الوقت نسأل عن شباب المسلمين آنذاك، لقد كان شباب المسلمين في تلك العصور وفي تلك الحقبة كانوا شباباً رهباناً بالليل فرساناً بالنهار، صوامين قوامين، ما عرفوا الخلاعة والمجون، وما عرفوا التهتك ولا التخلف، ولا التشبه بالنساء، وما عرفوا ضياع الرجولة، أو ذهاب الشيمة، أو ضيعة الإباء والشمم، ما عرفوا إلا جدية ورجولة وفروسية، وقبل ذلك وبعده عزاً بالإسلام يعتزون به، الشخص منهم يكفيه فخراً أنه مسلم وليس بعد هذا فخر، يعتز بأنه مسلم، ويفخر بأنه مسلم، وحق له بهذا الفخر، أوليس الله عز وجل يقول: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221]، {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [البقرة:221] مهما أوتوا من الأموال، فإنهم يدعون إلى النار، ومهما كان عندهم من الثروات فإنهم يدعون إلى النار، ومهما اكتشفوا واخترعوا وتسخرت لهم أسباب المدنية وسبل الحضارة فإنهم بها ولها يدعون إلى النار، والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه، والله يدعو إلى دار السلام، ويدعو إلى الحق وإلى الهدى. إذاً: فأول قاعدة نبنيها ونضعها ونوصيكم معاشر السامعين بفهمها والتيقن بها: أن نعتز بالإسلام وليس بغير الإسلام عزة، تباً وسحقاً وبعداً لرجل يعتز بثيابه وينسى أن يعتز بدينه، يعتز بمركبه وينسى أن يعتز بدينه، ويعتز بجنسيته وينسى أن يعتز بدينه، ويعتز بمبانيه وبما عنده وينسى أن يعتز بدينه، فهو حقير كسير مسكين ليس له في هذه الحياة حظ من العزة لا في قليل ولا في كثير. أيها الأحباب: أقول هذا لأن أعداء الإسلام تسلطوا علينا وعلى شبابنا خاصة عبر وسائل الإعلام المختلفة، عبر الأفلام، وعبر المجلات، وعبر المسلسلات، وعبر الأقمار الصناعية، والقنوات، وعبر كثير من السبل جاءونا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا، وأرجفوا بالناس من تحتهم ومن فوقهم، لا يريدون إلا أن يضلوهم عن طاعة الله، {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ} [البقرة:105]. أدنى الخير أو ذرة من الخير فأسأل الله أن نكون ممن خصوا برحمة الله، وخصوا بعزة في دين الله، وبرفعة في طاعة الله، وبمحبة من الله عز وجل، أولئك كما قال الله عز وجل: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89]. أيها الأحباب: على الرغم من تخلف المسلمين في مجال التقنية والتسلح، وعالم الفضاء والإلكترونيات، وكثير من المجالات، على الرغم من تخلف المسلمين وتقدم الكافرين في كثير من المجالات إلا أن الكفار لا يزالون ينظرون ويرون أن المسلمين أرفع وأكبر وأعلى قدراً منهم، ومن ثم يريدون أن ينزلون بهم من مستعصم عليائهم إلى منخفض جاهلية الكفار، فيكونون سواء، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] إذا كنا نظن أننا في الدون والكفار في العلو فإن الكفار لا يتمنون أن يرتفع المسلمون ويكونون معهم في درجة واحدة، لكن معنى هذه الآية: يدل على أن الكفار حينما يرون المسلمين متمسكين بالإسلام فهم يرونهم في رفعة وفي عزة وفي علياء، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} فتهبطون وتنزلون {فَتَكُونُونَ سَوَاءً} ويأبى الله ذلك، ويأبى المؤمنون الصادقون ذلك، وإن النصر بإذن الله لقريب إذا وجدت أمة تستحق النصر، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:40 - 41]. يا شباب الإسلام! ويا أيها الشباب! والحديث لكم، ومن ثم منكم إلى إخوانكم على مقاعد الدراسة، وعلى مقاعد العمل، وفي جوار المنازل، وفي مناسبات تجتمعون فيها وتلتقون فيها، أنتم رسل هدى ورسل خير، فلا يظنن أحدكم أن قصارى مهمته وأن مبلغه من الخير والصلاح أن يحضر محاضرة ثم ينتهي، نعم جزيت خيراً على حضورك، وأثابك الله على مجيئك وعلى ما تركت من أعمالك وتركت من أشغالك لتسمع آية وحديثاً، وتوجيهاً ونصحاً، ولكن الأمر لا ينتهي عند ذلك، الحديث الليلة والحديث في كل ليلة حينما يكون في كلام الله ورسوله رسالة إلى السامع وليبلغ الشاهد الغائب، وليبلغ السامع من لم يسمع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب مبلغ أوعى من سامع) ولو لم يكن لك إلا دعوة هدى: (ومن دعا إلى هدى فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة، لا ينقص من أجورهم شيئاً). أيها الأحبة في الله: لا يشك شاب عاقل عنده أدنى بصيرة وأدنى معرفة: اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر إن اليهود والنصارى حتى هذه اللحظة وقبل هذه اللحظة وقبل سنين لا يزالون يتربصون بنا كما قال الله جل وعلا: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة:217]. ذلك المنهزم التي انطلت عليه دعايات الكفار، ذلك المخدوع الذي وقع في الفخاخ، ذلك المسكين الجاهل المقلد الذي نصب له الشرك فوقع فيه من أول خطوة وأول لحظة.

شباب المسلمين ومؤامرات الكفار

شباب المسلمين ومؤامرات الكفار إن أعداء الإسلام سواء تكلموا بلغاتنا، أو ادعوا حبنا، أو خالفونا في اللغة واللباس وغير ذلك، والله لا يريدون بهذه الأمة عامة ولا بشبابها خاصة إلا ضلالاً وخبالاً وكما قال عز وجل: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران:118] أي: ودوا عنتكم وشركم، وإضلالكم ومضايقتكم، وإفسادكم وتدميركم وخراب أرضكم {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118] ولكن مصيبتنا اليوم ممن يرى أنياباً مفترسة فيقول: هذه نواجذ ضاحكة، ويرى مدىً مسنونة لذبح المسلمين فيقول: هذه مدى قد أعدت لضيافة الضيوف من المسلمين، ويرى فخاخاً تنصب فيقول: هذه درجات للتقرب والصلة وحكم العلاقة بين المسلمين والكافرين، لا، سيبقى الأمر كما قال الله عز وجل في عداوتهم وفي بغضائهم وقد يوجد من بينهم من هم سذج أو بسطاء أو فيهم من شيء من العدل، أو فيهم شيء من الإنصاف إلا أن وجود شريحة أو طائفة من اليهود والنصارى ممن قال الله عز وجل: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75]. ويقول عز وجل: {لَيْسُوا سَوَاءً} [آل عمران:113] تبقى تلك الشريحة حالة مستثناة من عموم الكافرين، نؤمن بوجودها تصديقاً للعدل وتصديقاً بما ورد في الكتاب والسنة، ولكن أصل الحقيقة أن اليهود والنصارى لا يألون جهداً في خبالنا وفي ضلالنا، ولأجل ذلك ما فتئ الكفار على اختلاف مسمياتهم: يهود، نصارى، بعثيون، ماسونيون، هندوس، بأي طريقة وملة ونحلة كانوا يخططون للبحث عن أقرب السبل وأيسرها لإفساد شباب المسلمين وإضلالهم. ولذا يقول أحد الماسونيين: كأس وغانية تفعلان في الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوا هذه الأمة في حب المادة والشهوات. نعم. إنها مؤامرة على شبابنا، إنها مؤامرة على إخواننا، وعلى فلذات أكبادنا، وإنك لترى حقيقة المؤامرة يوم أن ترى شاباً يلوح بثيابه أو يصفق بيديه أو يصفر بفمه أو يهز برأسه على لعبة أو على ملهاة، أو في غفلة وفي نفس اللحظة المسلمون في البوسنة تغتصب نساؤهم. ومن شواهد نجاح خطة أعداء المسلمين في شباب المسلمين أنك ترى في نفس اللحظة التي يذبح فيها شاب مسلم وتغتصب فيها حرة مسلمة ترى شاباً يسير وراء غانية أو ممثلة أو سينمائية، في نفس اللحظة التي يمزق فيها المصحف ويتبرز على المصحف ويتبول على المصحف في نفس اللحظة تجد شاباً لا هم له إلا أن يقلد ممثلاً أمريكياً، أو بطلاً فرنسياً، أو نجماً سينمائياً شرقياً أو غربياً، أليس هذا دليلاً من أدلة نجاح أعداء الإسلام وخططهم في إفساد شباب المسلمين؟ وإن هذا أمر ليفت الأكبد، ويجرح القلوب، ويجعل الإنسان يبكي الدم بدل الدمع من شدة ما يرى من أحوال هذه الأمة، إن التفت يميناً وجدت شباباً غافلين، وإن التفت شمالاً وجدت أعداء في الضلال مجتهدين، فتلك مؤامرة: مؤامرة تدور على الشباب ليعرض عن معانقة الحراب مؤامرة تدور بكل بيت لتجعله ركاماً من تراب مؤامرة تقول لهم تعالوا إلى الشهوات في ظل الشراب شيوعيون نزر من يهود صليبيون في لؤم الذئاب تفرق شملهم إلا علينا فصرنا كالفريسة للكلاب

وفي أنفسكم أفلا تبصرون

وفي أنفسكم أفلا تبصرون أيها الأحبة: إن هذه الحال تدعونا أن نخاطب كل شاب فنقول له: يا أيها الغافل! أين الطريق؟! يا أيها الغافل! إلى متى الغفلة؟! يا أيها الضال! هل عرفت الهداية؟! يا أيها الجاهل هل ستسلك سبيل العلم؟ يا أيها المستغرق في شهواته ولذاته! هل أدركت حقيقة دنياك، وهل تفكرت في بدايتك ونهايتك؟! هل تفكرت من أي شيء خلقت، ولأي شيء خلقت، ولأي غاية خلقت؟! اعلم أيها المتصدر! اعلم أيها الجاهل! اعلم أيها المسكين -الذي غفل وضل عن طاعة ربه- أنك لو تأملت أصل خلقتك لوجدتها خلقة مهينة لا ترفع بها رأساً، ولا كرامة لها إلا بما نفخ الله بها من روح وكرمها بوحي وهدى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:12 - 16]. هذه آية من كلام الله عز وجل، الوحي الرباني يخبرك أيها الشباب ما هي بدايتك، وما هي مراحل حياتك، وما هي نهايتك، (يا أيها الناس) وأنت أيها الشاب من هؤلاء الناس الذين يدخلون في هذا الخطاب وهذا النداء، ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ)) [الحج:5] هل رأيت التراب الذي تدوسه بحذائك؟ هل رأيت التراب الذي تطأه بقدميك؟ هل رأيت التراب الذي تمشي عليه الكلاب والدواب وتغرس فيه الأشجار؟ إنك في أصل خلقتك من هذا التراب خفف الوطء ما أظن أن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد رب لحد قد صار لحداً مراراً والهاً من تزاحم الأضداد {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5]. وهذه من دلالات البعث بعد الموت، ومن شواهد الخلق بعد الفناء، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج:6]. أيها الشاب! اعرف حقيقة خلقتك حتى إذا قال الداعي: حي على الفلاح، أدركت يا أيتها النطفة، يا أيتها المضغة، يا أيتها العلقة، يا أيتها النطفة المذرة من الماء المهين، كيف تتكبرين على داعي الفلاح ومنادي الله عز وجل فتزورين وتنقلبين أو تتقهقرين وتترددين، {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] ((أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ)) [يّس:77] {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:5 - 6] نعم. نبدأ بهذه القضية في خطابنا لكل شاب نناديه لكي يقلع عن الغواية ويعود إلى الهداية، نناديه لكي يترك مجالس اللهو ليعود إلى مجالس الذكر، نناديه لكي يترك كل ما يضره ويصده عن طاعة الله، ليعود إلى ذكر الله وطاعة الله، فنقول له من البداية: إن تصورك لحقيقة نفسك وحقيقة تكوينك هي التي تجعلك تنقاد خاضعاً مختاراً طائعاً لا خيار لنفسك في نفسك. إنك أخي الكريم! يوم أن تحاسب أحداً من موظفيك أو أحد عمالك، استخدمته براتب أو بأجرة وفيرة، ثم رأيته يتصرف في مؤسستك، ويبذر في مالك، ويعتدي ويخالف، ويعزل ويفعل، ويأمر وينهى، ولا يألو جهداً في أن يفسد أو يخالف أو يستثير غضبك فإنك أول ما تدعوه تقول له: من أنت؟ تريد أن تذكره بحقيقة نفسه، وتريد أن تذكره بحقيقة موقعه، وبحقيقة وضعه في هذه الشركة أو في هذه المؤسسة، تريد بهذا أن تقول له: إن وضعك لا يسمح لك بالأمر، ولا يسمح لك بالنهي ولا يأذن لك بالتصرف، فأنت متصرف فيك، مأمور في هذه المؤسسة والشركة، ولست الآمر والناهي. ولله المثل الأعلى، نقول لك أيها الأخ الكريم: من أنت حتى تزور وتكفهر ولا تنزجر ولا ترعوي ولا تأتمر بأمر الله ورسوله، {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} [الإسراء:50]. يا من دعي إلى الصلاة فلم يصل! يا من دعي إلى هجر الغفلة فلم يهجرها! يا من دعي إلى مجالس الذكر فلم يحضرها! يا من نصح بالكتاب والشريط فلم يسمع! يا من دعي إلى الهداية فلم يرعوِ! من أنت؟ حجارة لا تدور، أم حديد لا يلين، أم قوة لا تضعف، أم صحة لا يعتريها مرض، أم حياة مخلدة لا يكدرها الموت؟! من أنت؟ أمان لا يفنى، أم كنوز لا تنقضي، أم قوة لا يغالبها أحد؟! من أنت يا من يعصي ربه؟! من أنت يا من يخالف أمر رسوله؟! من أنت يا من لا يتصبر ولا ينقاد لأمر الله ورسوله؟! ثم بعد ذلك تظن أنك بعد إذ خلقت على هذه الحال، أن الله خلقك عبثاً؟! إن فيك ملايين بل مليارات الخلايا التي أمرها الله بتركيب هذا الجسم مذ كنت في رحم أمك -ملايين الخلايا التي تنتج في مصنع الرحم- فخلايا تتجه لصناعة عينك، وخلايا تتجه لصناعة أذنك، وخلايا تتجه لصناعة القدم، والمفصل والركبة والفخذ، وخلايا تتجه لصناعة الرئتين، وخلايا تتجه لصناعة قلبك، وخلايا تتجه لصناعة عظامك، وخلايا تتجه لصناعة سمعك وبصرك وجوارحك وحواسك وأجهزتك وما ضلت خلية عن طريقها، ما رأينا رجلاً ضاعت خلية منه وتاهت طريقها، خلية الأنف ما ضاعت وما تاهت عن الطريق، ما رأينا أحداً نبت أنفه في ظهره، كل خلية في كل إنسان اتجهت لتثبت في هذا المكان، وكل خلية أذن في كل إنسان اتجهت لتثبت في مكانها، وكل خلية في العين اتجهت لتبقى في مكانها، ما ضاعت وما ضلت، ولو أن البشر أرادوا أن يحكموا تدبير الخلايا وتوجيهها والسيطرة عليها والإحكام في أمرها لعجزوا عن ذلك، مليارات من مليارات الخلايا التي يعجز الإنسان عن عدها فضلاً عن أن يتصرف فيها، إن الله جل وعلا قد سخر فيك هذه الكائنات، وأمرها بأن تكون أداة ومادة لتكوينك وخلقك ثم أبدع تصويرك وأحسن خلقك، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4]، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70]. بعد هذا كله أتظن أن الله أبدع وخلق وصور وأحكم وأنشأك ورباك ونماك في هذه الصفة لكي تأكل ما حرم، أو لتسمع ما حرم، أو لتنظر إلى ما حرم، أو لتقول ما حرم، أو لتفعل ما حرم، أو لتترك ما أوجب، أو لتستهزئ بما أمر، أو لتنصرف عما أمر؟ حاشا وكلا {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] قال الإمام الطبري في تفسيره، يقول جل ذكره: أفحسبتم أيها الأشقياء! أنما خلقناكم لعباً وباطلاً، وأنكم إلى ربكم بعد مماتكم لا تصيرون أحياء، فتجزون بما كنتم في الدنيا تعملون؟!! قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون:115 - 116] أن يخلقكم عبثاً أو أن يضيعكم، أو بمجرد أن يحييكم ثم يميتكم، لا يرجعكم إليه ليحاسبكم؟ تعالى الله عز وجل وتنزه وتقدس أن يخلقنا ثم يتركنا، ولا يعيدنا ولا يجمعنا مرة أخرى للحساب والسؤال والجزاء.

الغاية التي من أجلها خلقنا

الغاية التي من أجلها خلقنا لقد خلقنا لغاية ألا وهي نداء من الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21] أول أمر في القرآن أمر بالتوحيد، وأول نهي في القرآن نهي عن الشرك، أول أمر في القرآن أمر بالعبادة، عبادة الله وحده لا شريك له، بل جاءت صريحة في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. يا أيها الشاب! يا أخي الحبيب! إن من واجبنا أن نتفكر ملياً، إياك أن تشغلك نغمة أغنية، أو صورة خليعة، أو رواية ماجنة، أو مسلسل يغويك عن غايتك التي خلقت من أجلها، هل فكرت في معنى حياتك على هذه الأرض؟ من أين جئت؟ ما الذي جاء بك؟ ولماذا جيء بك؟ وأين يذهب بك بعد الموت؟ هل فكرت يوماً من الأيام أن تقف بجوار مقبرة من المقابر؟ هل وقفت يوماً من الأيام بجوار قبر من القبور وقلت: يا ليت شعري ماذا يدور في اللحد تحت هذا القبر؟ هل وقفت يوماً لتقول كما قال القائل: أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر وأين المذل بسلطانه وأين العزيز إذا ما افتخر هل فكرت في هذه النهاية؟ إلى أين تسير أيها الأخ الحبيب؟ أسئلة لا بد أن تكون قد خطرت ببالك، ولا بد أن تخطر على بال كل عاقل، إذ إن الذي يركب سيارة ثم يستوقفه أحد في الطريق، فيقول له: إلى أين أنت ذاهب؟ فيقول: لا أدري، فهذا أحد المجانين، قد ركب دابة، وشق بها طريقاً وعبر بها سبيلاً، لكنه لا يعرف الغاية كما قال ذلك المجنون المعتوه الذي يدعى إيليا أبو ماضي، حيث قال: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري ولماذا لست أدري لست أدري قد سألت البحر يوماً: هل أنا يا بحر منك أصحيح ما ذكروا عني وعنك ضحكت أمواجه مني وقالت: لست أدري وهذا الرجل لا يدري وسيظل لا يدري إذا لم تكن هناك دراية وهدى ودلالة من كتاب الله عز وجل، لأن الذي لا يعلم من القرآن شيئاً جاهل، والذي لا يعلم من السنة شيئاً جاهل، والذي لا يعلم من الشرع شيئاً جاهل، حتى وإن بلغت المراكب أعلاها وإن بلغت به المنازل أسناها. أيها الأحبة: يقول أحد الأعراب -وهو جبير بن مطعم -: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فإذ به يقرأ قول الله عز وجل: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36]. فكاد قلبي أن يطير) من شدة تأثره بهذه الآية التي تسائل أقواماً أنكروا وجحدوا وتقول لهم: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} هل العدم خلقهم؟ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} أم هم خلقوا أنفسهم؟ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} هل استطاعوا أن يخلقوا ما حولهم؟ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36]. إن هذه من الآيات التي تجعل المسلم إذا قرأها يتوقف ويسأل ويتدبر ويقرر بكل اعتقاد ويقين أنه خلق من خلق الله عز وجل، وأنه مع من في الأرض جميعاً، من البشر وجميع البهائم والدواب والحيتان والجبال والأشجار والمياه والمحيطات والكائنات والموجودات في ميزان الله أمر صغير حقير {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:67]. لو قيل لك: إن رجلاً قوياً من الأقوياء يصرع عشرة من الرجال بضربة واحدة، لقلت: هذا شجاع! ولو قيل لك: إن رجلاً يصرع عشرين أو أكثر، لقلت: هذا بطل من أبطال الزمان، لكن ولله المثل الأعلى: إن الله عز وجل قوي جبار مكين، والخلق أرواحهم بيده، ولا أحد منهم يغالبه، وسلطان الله نافذ فيهم، وحكمه ماضٍ فيهم، ومشيئته فيهم نافذة، وليس في واحد أو عشرة أو مائة بل كل هؤلاء العباد نواصيهم بيده وقلوبهم بين أصبعين من أصابعه عز وجل، والأرض كلها بمن عليها قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون. أيها الضال! أيها الغافل! أيها المعاند! أيها المكابر! عد إلى الله، فإنك لست بشيء في ملكوت الله عز وجل، إن الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وهو الذي يملك السمع والأبصار، وهو الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، وهو الذي يدبر الأمر، هو خالقك الذي أمرك بالصلاة وأمرك بالاستقامة وبالتوبة وبالإنابة وأمرك بالهداية، وهو الذي نهاك عن الضلالة ونهاك عن المعصية، ونهاك عن الانحراف وعن الزيغ والبعد عن طاعته عز وجل. هذا الرب العظيم لماذا خلقك؟ خلقك لعبادته، خلقك لتعمر هذا الكون بعبادته، فأياً كانت وظيفتك، وأياً كان مصيرك، وأياً كان وضعك، فلا بد أن تعرف قدر كل شيء، وأن أول وظيفة وأول قضية وأول حقيقة هي أنك وجدت لتعبد الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:56 - 57]. جاء بك لعبادته فهل ستظل حياً؟ لا. بل لا بد لك من نهاية {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:35]، {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء:78]، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42]، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:34] الله يخاطب نبيه، ويقول: إنه لن تسلم نفس من الموت حتى أنت يا محمد، حتى أنفس الأنبياء وهم أفضل الخلق وأكرمهم على الله، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144] إذاً فلتعلموا أيها الشباب وليعلم الجميع أن هذه الحياة لا بد لها من نهاية، كنا جميعاً -يا معاشر السامعين- كنا صغاراً في المهد نرضع من ثدي الأمهات، والآن قد خطت بنا السيول خطاها، ومضت بنا نحو آجالنا. والليل فاعلم والنهار كلاهما أرواحنا فيها تعد وتحسب نعم. لقد ولدنا ووجدنا وبدأنا الحياة ونشق الطريق إلى النهاية {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42] هذه نهاية المطاف وآخر الأجوبة على الأسئلة، ففي هذا اليوم العظيم يوم ينتهي الأمر بنا إلى رب العالمين، يوم القيامة يتميز الناس إلى فريقين في حياة أبدية لا تنتهي، {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] فمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واتبع رسول الله، فأولئك هم السعداء أهل الجنة، فأولئك لهم رزق معلوم، {فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:42 - 49]. وأما الفريق الآخر الذي أعرض عن ذكر الله وأشرك به وكفر برسله، أو عصى ربه وأصر على المعصية وارتكب ما حرم الله ومات على الكبائر من دون توبة وأصر على كل أمر، فأولئك هم الأشقياء أهل النار: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:19 - 21]. أولئك الأشقياء: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:36 - 37]. هذه حال الفريقين في النهاية: فريق في الجنة وفريق في السعير، الدار جنة عدن إن عملت بها يرضي الإله وإن فرطت فالنار هما مصيران ما للمرء غيرهما فانظر لنفسك ماذا أنت تختار أيها الأخ الحبيب! يا من تسير على طريق الدنيا ولا تعلم هل أنت سائر إلى مرضاة الله أم إلى سخطه؟! هل أنت سائر إلى الجنة أم إلى النار؟! هل أنت متبع لنبيك أم متبع لأعداء نبيك الذين حذرك نبيك منهم؟ قال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قال الصحابة: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: إذاً فمن، أو فمن القوم؟) محذراً من أن يتبع المسلمون حال المشركين، وإنك حينما تتأمل أبناء المسلمين، أبناء الموحدين، والمصلين، والصائمين، والقائمين، تجد كثيراً من أبنائهم يقلدون الغربيين في مشيتهم، وفي لبسهم، وفي تصرفاتهم، وفي أخلاقهم وتعاملهم، وفي معاملاتهم، وإني أقول وأكرر وأردد: إننا بحاجة أن نذكر أبناءنا وأن ندرسهم كراهية الكفار وأن نحذرهم من

انقسام الشباب إلى فريقين

انقسام الشباب إلى فريقين إن شباب هذه الأمة اليوم قد باتوا على فريقين، فريق من الصالحين وفريق دون ذلك، فريق من أمثالكم {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:36] ولكن الصنف الآخر نسأل الله لهم الهداية ونسأل الله أن يردهم إلى الحق رداً جميلاً، ونسأل الله ألا يجعلهم حطباً لجهنم، ونسأل الله ألا يصدق فيهم ما يخططه الكافرون ويتربص بهم الملحدون، فريق آخر جلّ أوقاتهم على الأرصفة بعيداً عن المساجد، يسمعون حي على الفلاح، فلا يحضرونها، وإذا دعوا إلى سهرة في منتزه وجدتهم يجتمعون لها، تراهم على أماكن اللهو يعيشون حياة الضياع، سماهم اللهو والغناء، ونظرهم الأفلام والمسلسلات، صدور كاسيات وأفخاذ عاريات، سماعهم ورؤيتهم فيما حرم الله، وحديثهم فيما يبعدهم عن الله عز وجل، فيا أيها الشاب: احمد الله إن كنت من الأوائل، والحذر الحذر أن تكون من الأواخر، إن كنت من هؤلاء الأواخر فعليك بالتوبة فإن بابها مفتوح، ورب العزة عز وجل يناديك وينادي عباده أجمعين: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53]، {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22]، أفمن يرضى لنفسه مخالطة الأشرار وأصحاب السوء أهدى أمن لا يرضى إلا بمخالطة الصالحين والأخيار؟! أفمن ثقافته المجلات الخليعة والأفلام الماجنة أهدى، أمن تشرب قلبه بالقرآن والسنة واستماع كلام أهل العلم؟! أفمن يعيش ليأكل ويشرب وينام باسم الإسلام أهدى، أمن يعيش للإسلام ويضحي بدمه وماله رخيصاً لهذا الدين؟! أيها الأحباب: إن هؤلاء الشباب وإنكم جميعاً لفي سعي {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4] والإنسان قد خلق في كبد {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]، والإنسان كادح ماضٍ في عمل، فإما كبد في طاعة وإما كبد في معصية، وإما كدح في طاعة وإما كدح في معصية، {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] فأما الصالحون فكدحهم وكبدهم في سبيل الله وطاعته، وأما العصاة فكبدهم وكدحهم في تلبية شهوات أنفسهم، وصدق نبينا صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) وقول الله عز وجل من أوضح وأبلغ الأمور في هذا: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7 - 10]. من زكى نفسه بالطاعة، فهو من الفالحين، ومن دسَّى وأخزى وأذل نفسه بالمعصية فهو من الضالين الخاسرين، {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15] من الناس من يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله، ومن الناس من باع نفسه وأعتقها، ولكن من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207]، ومنهم من يضل ويضل {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام:26].

اشتر نفسك واغتنم خمسا قبل خمس

اشتر نفسك واغتنم خمساً قبل خمس أيها الشاب اشتر نفسك! أيها السامع اشتر نفسك! أيها المسلم والمسلمة كل منا يشتري نفسه، ويعتقها ويبادر بفكاك رقبته، كما نادى النبي صلى الله عليه وسلم وكما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] قال: يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئاً) وفي رواية للبخاري: (يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله! يا بني عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله! يا عمة رسول الله! يا فاطمة بنت محمد! اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئاً!) ونحن ننادي كل شاب وكل ضال خاصة، ونقول: اشتروا أنفسكم من الله، اشتروا أنفسكم من الله، وأوبوا وعودوا إلى الله عز وجل، قال الحسن البصري: [المؤمن في الدنيا كالأسير يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله عز وجل] وقال الحسن أيضاً: [ابن آدم إنك تغدو أو تروح في طلب الأرباح فإن يكن همك نفسك فإنك لن تربح مثلها أبداً] ما ظنكم بإنسان سيقتل بعد أسبوع ومشغول هذا اليوم وغداً وبعد غدٍ في بيع وشراء وتجارة، هل ينفعه المال؟ هل تنفعه التجارة؟ هل ينفعه المركب؟ هل ينفعه الجمال؟ وهو هالك لا محالة بعد أسبوع، فكذلك الضال والغافل الذي يسير وهو يعلم أنه على غير صراط الله المستقيم يمضي إلى هاوية أو إلى طريق تضل به، وتبعد به وتهوي به في مكان سحيق، أينفعه ما جمع من الدنيا؟! ولكن الغفلة عن هذا كثيرة، تلك هي التي جعلت كثيراً منهم يسدرون ويغطون في سباتهم العميق. يا أيها الناس! إن الزرع في غير وقته لا يفيد الزارع شيئاً، وإن التعلم ساعة الامتحان لا يجزئ الإنسان شيئاً، وإن الذي يأتي يوم القيامة وقد اكتسب سيئاته في الدنيا ولم يعمل من الصالحات الكثير هو المفلس والخاسر، وربما بل لا شك أنه يتمنى أن يعود من جديد لكي يعمل وهيهات فيقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون:99 - 100] وماذا وراء ذلك؟ {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينادينا وينادي الشباب وينادي الأمة أجمع: (اغتنم خمساً قبل خمس) والغنيمة أمر لا يكاد يفوت، لا تقال غنيمة إلا فيما عليه شيء من الجهاد وشيء من النزال والقتال، ولا تقال غنيمة إلا لأمر فيه مبارزة، أما الذي يأتي بدون قتال فهو فيء يسير سهل، لكن الغنيمة تحتاج إلى مبادرة، ولا يقال: اغتنم الأمر إلا لأمر يفوت ويضيع، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك) رواه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس وهو حديث صحيح. ما أكثر الذين عن هذا هم غافلون ضالون وفي سباتهم نائمون، واحسرتاه تقضى العمر وانصرمت ساعاته بين ذل العجز والكسل والقوم قد أخذوا درب النجاة وقد صاروا إلى المطلب الأعلى على مهل

تبرؤ الأخ من أخيه والشيطان من أتباعه يوم القيامة

تبرؤ الأخ من أخيه والشيطان من أتباعه يوم القيامة أخي الحبيب! حاسب نفسك لماذا تصحب من لا ينفعك في الآخرة؟ إنك تعجب من شباب تكلمهم، تقول لهم: يا أخي الكريم! تعال إلى روضة من رياض الجنة، تعال إلى حلقة ذكر، تعال إلى رفقة صالحة، تعال إلى سماع نافع، تعال إلى قراءة نافعة فيقول: لا، أنا مشغول، مشغول بماذا؟ مشغول بمعصية، مشغول بمن لا يصلي، مشغول بمن يسوء، مشغول بمن يتبرأ عنه، كما يحصل لهم يوم القيامة: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:29]. ما أكثر الشباب الذين سيتبرأ بعضهم من بعض، ما أكثر الذين سيسب بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً، إذا كنت أنا وأنت كلٌ منا يتبرأ يوم القيامة من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه وأخيه فما بالك بأصدقاء السوء؟ أتراهم يوم القيامة يقول أحدهم: لا. لن أدخل حتى يدخل صديقي قبلي، أو تراه سيقول: لا. أتحمل عن صديقي شيئاً من العذاب؟! لا. {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] ولن يتحمل بعضهم من بعضهم شيئاً، بل إن الشيطان ينصب له منبراً وعرشاً ومكاناً ثم يقف بين أهل النار يقول لهم: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22] الشيطان يبدأ يسخر ويستهزئ بالذين أطاعوه، يقول: والله ما كان معي عصا أضربكم بها، وما كان معي قيود أجركم بها، وما كان عندي شرطة أسوقكم بها، وما كان عندي من أمر ((إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)) [إبراهيم:22] مجموعة أناس دعاهم الشيطان فاستجابوا له، هذا حوارهم وهذا حالهم، {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:24] بل وكما قال عز وجل عما يقوله الشيطان لهم: ((مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ)) [إبراهيم:22] أي: الصريخ المنقذ {فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:22] هذا حال الذين يصرون على المعصية، وإذا دعوت أحدهم قال: إني راضٍ بأصحابي، راضٍ بالذين لا يصلون، راضٍ بالذين يسهرون إلى آخر الليل وينامون عن الفجر، راضٍ بالذين يعقون آباءهم وأمهاتهم ويقطعون أرحامهم، راضٍ بالذين يتناولون المسكرات والمخدرات ويجلسون على المحرمات، راضٍ بالذين يملئون ساعاتهم بكل ما يغضب الله ويسخطه ويخالف أمره وأمر نبيه، للأسف هذا حال كثير منهم! بل بعضهم يقول: أنا أحب هؤلاء، وأحب أصدقائي هؤلاء أكثر من حبي لك أنت ومطاوعتك وعلماءك هؤلاء الذين أزعجتني بهم، نعم: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] يوم القيامة ستحشر أنت مع من أحببت، أحببت الفنانين؟ أبشر ستحشر معهم، أحببت أهل الربا وأسهم البنوك الربوية؟ أبشر ستحشر معهم، أحببت أهل المعاصي؟ أبشر ستحشر معهم، أحببت أهل الزنا والخنا؟ ستحشر معهم، أحببت العلماء؟ ستحشر معهم، أحببت الصالحين؟ ستحشر معهم، أحببت الذين يريدون وجه الله والدار الآخرة؟ ستحشر معهم، وكما قال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (المرء يحب القوم ولما يلحق بهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب يوم القيامة) وقال آخر: (يا رسول الله! متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وماذا أعددت لها؟ فقال: والله ما أعددت لها كثير عمل إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت يوم القيامة، أو المرء مع من أحب يوم القيامة). إن مجرد محبة الصالحين طريق إلى أن يسير المرء في ركابهم، وأن يسلك مسلكهم، وأن ينتهج نهجهم وأن يتقفى أثرهم وأن يهتدي بهديهم، وإن مجرد حب أهل الباطل بوابة ووسيلة وسبيل إلى أن يكون الشخص منهم. تذكر أخي الشاب أن جلساء السوء لا يأمرون إلا بالمنكر ولا ينهون إلا عن المعروف، إنهم لا يرضون بالفضيلة، ويمقتون الاستقامة، وإن مخالطة أهل السوء وأهل المنكرات الغافلون عن الصلوات والجماعات أقل ثمارها ضعف الإيمان، وأخطر نتائجها خروج المسلم وردته عن دينه، وإن كثيراً من الشباب ربما ارتدوا وكفروا وخرجوا من الإسلام وهم لا يشعرون، هل سمعتم أن شباباً بلغ بهم الهزأ والاستهتار أن بعضهم يرسل نغمات موسيقية على آيات قرآنية، وبعضهم لو قلت له: أنت كافر بهذا العمل، قال: أعوذ بالله، أنا كافر!! أنا كافر!! أنا فلان بن فلان الفلاني مولود في قلب الجزيرة العربية، أنا مسلم، وقد نسي أن جلساء السوء قد قادوه بالسهرة واللهو والغفلة والاستهزاء والسخرية حتى بات يسخر بكلام الله وآياته ورسوله: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. إن كثيراً من الشباب لا يعلم مدى خطورة الإعراض عن الاستقامة، ومدى خطورة المضي في معاشرة أولئك الذين هجروا المساجد والصلاة مع الجماعة، وهجروا طاعة رب الأرضين والسماوات، وبعضهم قد تعلق بدعوى الصداقة، أصدقائي أحبابي صداقة العمر، أخلاء العمر، الشخص منهم لو أردت منه روحه قدمها، يا مسكين! يوم القيامة لو أردت من أمك حسنة والله لن تعطيك منها شيئاً، فما بالك بشخص سيأتي يوم القيامة ليطلع أحدهم على الآخر فيقول له: {فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:38]، والآخر ينازع أو يجادل صاحبه ليتبرأ منه: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:166 - 167] كل صداقة على غير طاعة الله تنقلب عداوة يوم القيامة: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. أيها الشاب! عد إلى الله، ودع قرناء السوء، ودع عنك الصور الخليعة، والأغاني الخليعة، وعد إلى مرضاة الله، ولا تكابر في دعوة التوبة والاستقامة، لا تقل: أنا رجل وسط، أسمع قليلاً من الأغاني وأسمع قليلاً من الملاهي، وأفعل شيئاً من المحرمات، إن السيئة تقول: أختي أختي، والسيئات بريد الإدمان على المعاصي، والإدمان على المعاصي بريد إلى سوء الخاتمة، ولكن عالج نفسك وعد إلى الله فقد أمضيت في شبابك ولهوك سنين، ولا تدري ما الذي بقي من عمرك، أليس من نعم الله عليك أن الله لم يتوفك وأنت في لهو؟! أليس من نعم الله عليك أن الله لم يقبض روحك وأنت على معصية؟! أليس من نعم الله عليك أن الله ما قبض أنفاسك وأنت على فاحشة تقارفها؟! إذاً عد إلى الله سبحانه وتعالى، وابحث عن قوم {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28].

دعوة إلى الهجرة إلى الله ورسوله

دعوة إلى الهجرة إلى الله ورسوله أيها الشاب! العمر عمران، والميلاد ميلادان: أما ميلادك الأول فهو خروجك من ظلمات رحم أمك إلى نور الدنيا، وذلك عمر وميلاد يشترك فيه كل الخلائق، المسلمون والكفار والأبرار والفجار، وأما العمر الحقيقي وأما الميلاد الحقيقي هو يوم أن يخرجك الله من ظلمات المعصية إلى نور الطاعة، وهذا الميلاد لمن وفقه الله، وأناب إلى الله، وتاب إلى الله {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122]، يقول الله عز وجل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً} [الأنعام:122] ميت في الضلالة، ميت في المعصية، وفي الفاحشة، وفي اللهو، وميت في الغفلة، وفي ترك الطاعة، وميت في أمور كثيرة والعياذ بالله، {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. فبادروا بادروا، وسابقوا سابقوا، وهلموا هلموا، وأنيبوا أنيبوا يا شباب الإسلام! حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار فاقضوا مآربكم سراعاً فإنما أعماركم سفر من الأسفار وتراكضوا خيل الشباب وبادروا أن تسترد فإنهن عواري ودعوا الإقامة تحت ظل زائل أنتم على سفر بهذا الدار من ذا يرجي العيش فيها إنما يبنوا الرجاء على شفير هار والعيش كل العيش بعد فراقها في دار أهل السبق أكرم دار شيئان ينقشعان أول وهلة شرخ الشباب وخلة الأشرار لا بد أن تعلم أن هذه النهاية قريبة وأنها متحققة فبادر بالنقلة، وبالتوبة، وبالهجرة إلى الله، والهجرة إلى رسول الله، والهجرة في طاعة الله، كما قال الإمام الجهبذ النحرير شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله، يقول: الهجرة هجرتان: هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة، والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله. أيها الشباب! نحن ندعوكم وندعو أنفسنا، أن نهاجر اليوم، وأن نهاجر هذه الساعة، هجرة بقلوبنا إلى الله ورسوله؛ وهذه هي الهجرة الحقيقية وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعة لها، لا يهاجر أحد ببدنه إلا إذا هاجر قلبه، وهي هجرة تتضمن من وإلى، فيهاجر العبد بقلبه من محبة غير الله إلى محبة الله، ويهاجر من عبودية غير الله إلى عبودية الله، ويهاجر من خوف غير الله ورجاء غير الله والتوكل على غير الله إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، يهاجر من دعاء غيره، وسؤال غيره، والخضوع لغيره والذل والاستكانة لغيره إلى دعاء وسؤال وخضوع لله، وذل واستكانة بين يدي الله، وهذا معنى قوله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:50] نفر من الله إليه، الهجرة القلبية، الهجرة التي يحتاجها الناس صباح مساء، ليلاً ونهاراً في كل زمان ومكان، أن يهجروا بقلوبهم كلما يصرفهم عن طاعة الله عز وجل، يقول ابن القيم: والمقصود أن الهجرة إلى الله تتضمن هجران ما يكرهه، وإتيان ما يحبه ويرضاه، وأصل الهجرة الحب والبغض، فإن المهاجر من شيء إلى شيء لا بد أن يكون ما هاجر إليه أحب مما هاجر منه، فيؤثر أحب الأمرين إليه على الآخر، وإذا كانت نفس العبد وهواها وشيطانها إنما يدعونه إلى خلاف ما يحبه ويرضاه، وقد بلي بهؤلاء الثلاث فلا يزالون يدعونه أي: الهوى والنفس والشيطان، لا يزالون يدعونه إلى مرضاة غير الله، وداعي الإيمان يدعوه إلى مرضاة ربه، فعليه في كل وقت أن يهاجر إلى الله، ولا ينفك في هجرته إلى الممات. أيها الأحبة! أوجز ما بقي من هذه الكلمات لكم ولمن وراءكم ممن تتعبدون الله جل وعلا بنصحهم ودعوتهم حتى تقوم الحجة، وحتى تبرأ ذمتكم بدعوتهم إلى الله عز وجل، نقول: إن حاجتنا في هذا الزمن إلى هجرة إلى الله ورسوله، هجرة حدها كما يقول ابن القيم: سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، وكل منزلة من منازل القلوب وحادثة من حوادث الأحكام إلى معدن الهدى ومنبع النور المنتقى من فم الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فكل مسألة طلعت عليها شمس رسالته، وإلا فاقذف بها في بحر الظلمات، وكل شاهد عدله هذا المزكى وإلا فعده من أهل الريب والشبهات، فهذا حد هذه الهجرة والمقصود كما يقول ابن القيم: إن هذه الهجرة فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وعن هاتين الهجرتين، يسأل كل عبد يوم القيامة في البرزخ ويطالب بها في الدنيا ودار البرزخ ودار القرار. قال قتادة: كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين؟ وهاتان الكلمتان هما مضمون الشهادة، ولئن سأل سائل منكم -أيها الأحبة- عن هذه الهجرة، وكيف نجد دابة ومركباً يوصلنا ويبلغنا إلى مقاصد هذه الهجرة، فاسمعوا ما يقول رحمه الله: وأما مركبه فصدق اللجوء إلى الله والانقطاع إليه بكليته، وتحقيق الافتقار إليه بكل وجه والضراعة إليه، وصدق التوكل والاستعانة به والانطراح بين يديه انطراح المفتون الفارغ، الذي لا شيء عنده، فهو يتطلع إلى قيمه ووليه أن يلم شعثه وأن يمده من فضله وأن يستره، فهذا الذي يرجى له أن يتولى الله هدايته، وأن يكشف له ما خفي على غيره من طريق هذه الهجرة ومنازلها، ألا فلنتزود قبل الرحيل، ألا فلنستعد قبل الرحيل، فإن الموت يفاجئ. يا أيها الشباب! يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل

العاقل من لا يؤثر الخسيس الفاني على الجميل الباقي

العاقل من لا يؤثر الخسيس الفاني على الجميل الباقي تزود للرحيل، واسمع ما يقوله ابن القيم رحمه الله في حادي الأرواح يقول: العجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة عليه، وكل نفس من أنفاسه لا قيمة له إذا ذهب لم يرجع إليه، فمصائب الليل والنهار تسرع به ولا يتفكر إلى أين حمل ويصار به، أعظم من سير البريد، ولا يدري إلى أي الدارين ينقل، فإذا نزل به الموت اشتد قلقه لخراب ذاته وذهاب لذاته، لما سبق من جناياته وسلف من تفريطه حيث لم يقدم لحياته، فإذا خطرت له خطرة عارضة، دفعها باعتماده على العفو وقال: قد أنبأنا أنه هو الغفور الرحيم، وكأنه لم ينبأ أن عذاب الله هو العذاب الأليم، ولما علم الموفقون ما خلقوا له، وما أريد بايجادهم، رفعوا رءوسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم، فشمروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وضع لهم فاستقاموا عليه، ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، في أبدٍ لا يزول، بسبابة عيش، وإنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في منام، مشوب بالنغص ممزوج بالغصص، وإن أضحك قليلاً أبكى كثيراً، وإن سر يوماً أحزن شهوراً، آلامه تزيد على لذاته، وأحزانه أضعاف مسراته، أوله مخاوف، وآخره متالف، فيا عجباً من سفيه في صورة حليم، ومعتوه في مسلاخ عاقل، آثر الحظ الفاني والخسيس على الحظ الباقي، وباع جنة عرضها السماوات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات، ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار، وأبكاراً عرباً أتراباً كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيئات الأخلاق، مسافحات أو متخذات أخدان، وحوراً مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام، وأنهاراً من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين، ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم، وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان، وجلوس على منابر الياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد، ونادى المنادي: يا أهل الجنة! إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا، وتحيوا فلا تموتوا، وتصبوا فلا تهرموا. ونادى بغناء المغنين: وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخر عنه ولا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة حباً لذكرك فليلمني اللوم وإنما ظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة، وإنما يتبين سفه بائعه يوم الحسرة والندامة، إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفداً، وسيق المجرمون إلى جهنم ورداً، ونادى المنادي على رءوس الأشهاد: ليعلمن أهل الموقف من أولى بالكرم بين العباد، فلو علم المتخلف عن هذه الرفقة -لو تذكر الغافل، العاصي، المعرض عن الهداية، والاستقامة، الذي يصد عن الخير- لو تذكر المتخلف عن هذه الرفقة ما أعد الله لهم وادخر لهم من الفضل والإنعام، وما أخفى لهم من قرة أعين، لم يقع على مثلها بصر، ولا سمعته أذن ولا على قلب بشر خطر، لعلم أي بضاعة أضاع، وأنه لا خير له في حياته وهو معجوز من سقط المتاع، وعلم أن القوم قد توسطوا ملكاً كبيراً، ذلك المضيع الغافل المفرط اللاهي المصر على المعصية، المعرض عن التوبة، إذا علم أن القوم الصالحين، قد توسطوا ملكاً كبيراً، لا تعتريه الآفات ولا يلحقه الزوال، وفازوا بالنعيم المقيم، في جوار الكبير المتعال، {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19].

تزود من دار الموت لدار الحياة

تزود من دار الموت لدار الحياة يا أيها الشاب! عد إلى الله قبل أن تأتيك سكرة الموت وأنت على غفلة، فكم من شاب حضرته المنية وهو في حضن باغية، وكم من شاب مات وهو سكير بخمرة، وكم من شاب مات وهو أمام الحرام، وكم من شاب مات في سفر إلى حرام، وكم من شاب مات وهو عائد من سفر حرام، وكم من شاب مات وهو يجمع الربا ويأكل الرشا ويجمع الأموال بالحرام، فعد إلى الله جل وعلا قبل نهاية الرحلة، وقبل أن تأتيك سكرة الموت ذلك الذي أنت تخافه وتحيد منه، قال مطرف بن عبد الله بن الشخير: إن هذا الموت نغص على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيماً لا موت فيه. فكيف ووراءهم يوم يعدم فيه الجواب، وتدهش فيه الألباب، وتفنى في شرحه الأقلام والكُتّاب. وقال ابن السماك رحمه الله: إن الموتى لم يبكوا من الموت ولكنهم يبكون من حسرة الفوت، فاتتهم والله دار لم يتزودوا منها ودخلوا داراً لم يتزودوا لها. فأية ساعة مرت على ما مضى، وأية ساعة بقيت علينا، والله إن المتفكر في هذا لجدير أن يترك الأوطان ويهجر الخلان ويدع ما عز وهان. يا نفس توبي فإن الموت قد حانا واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا أما ترين المنايا كيف تلقطنا لقطاً وتُلحق أُخرانا بأولانا في كل يوم لنا ميت نشيعه نرى بمصرعه آثار موتانا يا نفس مالي وللأموال أتركها خلفي وأخرج من دنياي عرياناً أبعد خمسين قد قضيتها لعباً قد آن أن تقصري قد آن قد آنا وهذا مصيرنا يا معاشر الغافلين! والقبور بيوتنا بعد الترف واللين، والقيامة تجمعنا وسوف تنصب الموازين والأهوال العظيمة فأين المتفكر الحزين، إنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة:88 - 94]. ولما حضرت الوفاة محمد بن سيرين بكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أبكي لتفريطي في الأيام الخالية، وقلة عملي للجنة العالية، وما ينجيني من النار الحامية. يا أيها الناس! يا أيها الشباب خاصة! إن إلى ربكم الرجعى، إنكم إلى ربكم ترجعون، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:57] {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [الجاثية:15] {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40] قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل: أتعرف تفسير قولك هذا؟ تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فمن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسئول، ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال الرجل: ما هي؟ قال الفضيل: تحسن فيما بقي يغفر لك فيما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وبما بقي وفي والنهاية: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:17 - 18]. إن الذين يُبشرون، وإن الذين يستجيبون، والذين ينزجرون وللحق يرعون ويتبعون، أولئك طائفة من البشر. إن جميع الدواب ساجدة، والشمس والقمر ساجدة، والنجوم ساجدة، والجبال ساجدة، وإن كل ما خلق الله متبع لأمر الله، خاضع لأمر الله، إلا البشر ففيهم من يطيع وفيهم من يعصي، فعليكم أن تكونوا من أهل الطاعة، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ} [الحج:18] كلها بلا استثناء، مستجيبة ساجدة {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج:18] ولم يقل كل الناس يستجيبون {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج:18] دلالة على أن أكثر الناس لا يستجيبون فكونوا من المستجيبين، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18]. أسأل الله عز وجل أن يجعل ما أقوله عبرة وعظة لي ولكم، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وألا يجعل للشيطان فيه حظاً ولا نصيباً. أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأله سبحانه أن يُحَرِّمَنا وإياكم على النار، وأن يجزيكم خير الجزاء، وأن يثبتنا وإياكم على طاعة رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

وسائل الثبات على دين الله

وسائل الثبات على دين الله Q ما الوسيلة التي تعين على الثبات على طاعة الله عز وجل؟ A إن من خير ما يعين على الثبات، أن يحرص الإنسان على المتابعة والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يتحرى سمت النبي وهديه وأن يطبقه. الأمر الآخر: مجالسة الأخيار والحذر من مجالس الغفلة، والحذر من المجالس التي يكثر فيها الضحك، ويكثر فيها اللهو، ويكثر فيها القيل والقال والحديث عن الناس، فإن ذكر البشر داء، وذكر الله دواء، فمن أراد الثبات فعليه بصحبة الأخيار والعناية بالاقتداء بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعليه أن يشغل نفسه بما يحاسب عنه يوم القيامة. العجب أيها الإخوان! أن الشخص منا يتكلم في كل ما لا يعنيه، فإذا كُلم فيما يعنيه مل من الكلام، يطول الكلام ساعات فيما لا يعنينا، أما إذا تكلمنا في موتنا وحشرنا ولحدنا وقبرنا وموازين أعمالنا قلنا: ساعة وساعة، ولا حاجة لتكرار المواعظ، ولا حاجة للإكثار من ذلك، إذا حدث الإنسان بما يشغله أو يعنيه مل وازور، وإذا حدث بأخبار الناس والغادين والرائحين لا ينقطع لحديثهم طرف.

الحذر من مجالس اللغو

الحذر من مجالس اللغو Q هناك بعض الشباب فيهم خير لكن يكون جلوسهم مع أشخاص ليس فيهم شر وليس فيهم نفع، فما هو السبب لعدم استمرارهم في الخير، فما توجيهكم؟ A يا إخواني! كما قلت: العمر محسوب عليك، والنفس الذي يخرج لا يعود، والذي يدخل كذلك لا يتكرر إلا نفس جديد، بمعنى: أن الأنفاس محسوبة ومعدودة والفرصة محدودة، فالذي يدعى إلى الجنة ويحذر من النار، والذي يدعى إلى المليارات يذهب يشتغل بالفلس والفلسين؟!! الذي يدعى إلى جنة عرضها السماوات والأرض، يقول: لا، لا حاجة في روضة الجنة وأنا يعجبني الجلوس في الرصيف، والذي يدعى إلى ذكر الله والنظر في كلام الله، يقول: لا حاجة لي به، ويطيل نظره وبصره وفكره فيما حرم الله جل وعلا من صور ولهو ونحو ذلك. فإنه لا يعذر الإنسان أن يقول: أنا وسط، لا. الحياة وموقف العبد فيها ليس فيها مسألة وسط {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:37]. الإنسان إما أن يتقدم في طاعة أو يتأخر في معصية، وإن جلوس الإنسان مجالس الضحك ومجالس اللهو ومجالس الغفلة والإدمان عليها وعدم وجود الذكر فيها، لا يليق بالمسلم، نحن لا نقول: الإنسان يحرم عليه الضحك، أو يحرم عليه الابتسامة، أو يحرم عليه الطرفة، أو يحرم عليه المزاح بحدوده المشروعة، لا نقول هذا، فقد كان صلى الله عليه وسلم يمزح ويمازح ولا يقول إلا حقاً، وكان الصحابة يتمازحون، لكن مشكلتنا من أقوام يقولون: نحن لم نجلس على خمر ولم نجلس على أفلام خليعة، لكنهم يتكلمون في كلام ليس فيه فائدة، مجلسهم من أوله إلى آخره ليس فيه ذكر لله، ولا صلاة وسلام على رسول الله، وبعد ذلك يقول أحدهم: نحن وسط، لا. يا أخي الحبيب! قد ضيعت والله وقتك، وأنت في أمس الحاجة إلى لحظة تقول فيها: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

الحذر من وساوس الشيطان في ترك التوبة

الحذر من وساوس الشيطان في ترك التوبة Q شاب يقول: أنا أقترف المعاصي والكبائر وكلما حاولت الرجوع والتوبة أجد نفسي لا أستطيع، ثم أنتكس وأرجع إلى الذنوب، فماذا أفعل؟ A نقول: عد إلى التوبة، يعني: أذنبت اليوم فتب، أذنبت سراً تب إلى الله سراً، {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] ولا يأتيك الشيطان يقول: قد ارتكبت الذنب المرة الأولى ثم تبت، ثم أذنبت ثانية ثم تبت، ثم أذنبت ثالثاً ثم تبت، إذاً أنت كذوب في توبتك، أنت منافق في توبتك، لا. لو أذنبت العاشرة فأت بالتوبة الحادية عشرة، عليك أن تتسلح بالتوبة الصادقة النصوح، وبكثرة الحسنات: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] فإن ذلك يقطع التوبة، وأنا أقول: ومن جرب هذا عرفه وأدركه، وعلى الإنسان ألا يأتيه الشيطان فيقنطه من رحمة الله، شاب من الشباب أذنب ذنباً -وقع في معصية من المعاصي- فندم وأصابه ما أصابه من الهم والقلق والحزن على أنه عصى الله عز وجل، ما الحل؟ الحل أن يتوب إلى الله وأن يعمل عملاً صالحاً يكفر به هذه المعصية، أي: على سبيل المثال: شاب جلس مجلس لهو وأخذ ينظر فيه إلى حرام، فلما خرج من هذا المجلس ندم وقال: هذا لا ينبغي، لماذا عصيت الله؟ والبصر الذي خلقه الله نظرت به إلى الحرام، فعاد إلى البيت وصلى إحدى عشرة ركعة، وأطال السجود وأطال القنوت والقيام، ثم جاء في ليلة ثانية وفعل مثل المعصية الأولى، فعاد وفعل مثل ما فعل مثل الصلاة الأولى، ولو أنه جد في التوبة النصوح وألحقها بالحسنات التي تمحو السيئات ربما لا يفعل الذنب للمرة الثالثة ولا المرة الرابعة، لكن المشكلة أن التوبة توبة ليست نصوحاً، ومع هذا كله لا نقول لمن أذنب الخامسة أو العاشرة ما عاد هناك أمل أو الحالة ميئوس منها، بل أنت قادر على أن تتوب وإياك أن يفتح لك الشيطان باب اليأس والقنوط، فيقول: اعمل ما بدا لك من الذنوب، إذ إنك لن تتوب بأي حال من الأحوال.

واجبنا تجاه الشباب غير الملتزمين

واجبنا تجاه الشباب غير الملتزمين Q ما واجبنا تجاه الشباب غير الملتزمين؟ A واجبنا -أيها الأحبة- أن نرفق بهم، وأن نتلطف في دعوتهم بكل وسيلة، بالشريط بالكتاب بالرسالة بالموعظة، بالنصيحة، وهنيئاً للشباب، فلقد رأيت في بعض القرى ورأيت في بعض المدن، ورأيت في أطراف البلاد، شباباً إذا ذكروا لم تعرف أسماؤهم، ليسوا من أهل المحاضرات، ولا من أهل الندوات، ولا من الخطباء، ولا من الذين تنزل لهم المقالات في الجرائد، ولا يعرفون، حفاة أتقياء أخفياء، ولكن إذا بحثت وجدت أن هؤلاء الشباب فيهم من هو متفرغ للدعوة، وتجد الإنسان منهم إذا دخل العام الهجري قال بسم الله، بدأنا السنة، بدأنا موسم التجارة، لا يمكن أن ينتهي عام إلا وقد هدى الله على يديه اثنين أو ثلاثة، فيمسك الطريق ويسير على الجادة والمحجة الصحيحة، ويدخل العام الثاني فيركز على ثلاثة أو أربعة ويسير معهم، فيزورهم ويهديهم ويعتمر بهم، ويحج، ويذهب إلى العلماء بهم، وإلى المكتبات والمحاضرات ويؤثر عليهم. أقول: إني والله وكثير من المحاضرين يغبطون هذا الشاب وأمثاله، وإن كان لا يعرف، وإن لم يكن فصيحاً، وإن لم يكن من الذين إذا تكلموا سمع لهم، أو من الذين إذا حضروا أشير إليهم، إن مثل هؤلاء الدعاة، في قرية أو في مدينة أو في بادية والله نغبطهم، أولاً: لأنهم غير معروفين، فهم أقرب إلى الإخلاص. ثانياً: أنهم على الجادة، يأتي في بداية العام وينظر إلى زملائه في المدرسة من الشباب الذين يرجى فيهم خير أو لا بأس فيهم، فتجده يركز عليهم، ويتعرف عليهم ويستضيفهم، ويعزم ثلاثة أو أربعة من الطيبين، يحترمونه ويكرمونه، ويهدونه، ويخرجون معه، ويذهبون وإياه، ويعتمرون معه، فما يلبث نهاية العام إلا وقد هدى الله على يديه الثلاثة، وربما تمر السنين ويأتي يوم القيامة وفي ميزان أعماله حج عشرين شاباً، وعمرة عشرين شاباً، وصلاة عشرين شاباً، واستغفار عشرين شاباً، وجهاد عشرين شاباً -داعية إلى الله عز وجل- ليس من شرط الدعوة أن تملك فصاحة سحبان، وليس من شرط الدعوة أن تكون عندك الأموال، وليس من شرط الدعوة أن تكون لديك شهادة، شرط الدعوة أن تخلص لله، وأن تصدق الاستقامة وأن تدعو ولو شخصاً أو شخصين. يا أخي! إن بعض الأنبياء كما قال صلى الله عليه وسلم: (ورأيت النبي ومعه الرجل) أي: نبي يدعو ولا يستجيب له إلا شخص واحد (ورأيت النبي ومعه الرجلين، ورأيت النبي وليس معه أحد).

ترتيب الوقت

ترتيب الوقت Q نصيحة للشباب كيف يرتبون أوقاتهم؟ A أتوقع أن ترتيب الوقت بحسب حال الإنسان وارتباطاته وأعماله، لكن الواجب ألا يخلو وقت الإنسان من تلاوة كلام الله عز وجل، ومن العناية والدراية بالسنة، وأي قراءة نافعة، وأيضاً أوصي أن يكون في وقتك حظ لوالديك وأهلك، فإن هذا من أعظم ما يتقرب به إلى الله عز وجل.

نصيحة لمن يريدون السفر إلى أمريكا من أجل المباراة

نصيحة لمن يريدون السفر إلى أمريكا من أجل المباراة Q ما رأيك بشباب عازمين على الذهاب إلى أمريكا من أجل مشاهدة المباراة التي سوف تقام هناك بعد فترة، أرجو أن تسدي النصيحة لهؤلاء؟ A والله إني كنت أتوقع أنهم سيشاركون في ضربة الصرب، أما أن يسافروا إلى أمريكا ويقطعوا ثماني عشرة ساعة في الطائرة من أجل رؤية كرتون أو علبة بلاستيكية تتقاذفها الأرجل، فهل هذا في طاعة الله؟! هل هذا في جهاد؟! هل هذا في عبادة؟! هل هذا في دين؟! كم بينه وبين مكة؟ ساعة واحدة بالطائرة، وبعضهم والعياذ بالله ربما بلغ به العمر وما حج وما عرف الحج، وما اعتمر وما عرف العمرة، وما شد الرحيل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى البيت الحرام ليصلي فيه صلاة بمائة ألف صلاة أو بألف صلاة، وما تمنى أن يصلي في بيت المقدس ولو صلاة واحدة، ولكن إذا دعي إلى رؤية هذه المباريات، يعزم على السفر، أظن أن الذين يعزمون هم نوادر جداً جداً حتى لا نصاب بالإحباط ولا نتفاءل بالشر في شبابنا. الأمر الثاني: أن هؤلاء الذين سيذهبون لو أنهم فكروا لرجعوا وقالوا: لا حاجة لنا إلى ما يحسب علينا لا لنا. حقيقة أيها الأحبة: يطول المقام بتلاوة بقية الأسئلة، لكني أسأل الله أن يتقبل مني ومنكم وأن يثبتنا وإياكم على طاعته. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

بادروا بالأعمال

بادروا بالأعمال أمرنا الله سبحانه وتعالى بالمسارعة والمسابقة إلى مغفرته وجنته، وأخبرنا أن ذلك من صفات الأنبياء عليهم السلام، وذلك -بدون شك- يحتاج إلى مجهود عظيم من المسلم. وفي هذه المادة بيان لأهمية المبادرة بالأعمال، قبل وقوع الفتن، أو حلول الأجل. وقد ذكر الشيخ -أيضاً- في هذه المادة بعض وسائل رفعة الدرجات في الآخرة، وبعض فضائل الأعمال، واستدعى كل ذلك ذكر شيء من أحكام التوبة، وموانعها، وبيان يسرها وأهميتها.

مدلولات المسارعة والمسابقة

مدلولات المسارعة والمسابقة يقول الله سبحانه وتعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] ويقول سبحانه: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] لاحظوا الآية الأولى سارعوا، والآية الثانية سابقوا. ويقول صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس) فلفظ المسارعة، ولفظ المسابقة ولفظ المبادرة ولفظ الغنيمة كلها تحوم حول أمرٍ يفوت، وهذا الأمر إن لم يتدارك بالمسابقة والمبادرة والمسارعة وإلا فإن صاحبه يعض أنامل الندم على ما فرط فيما مضى، أو ضيع من هذه الفرص المتاحة بين يديه. ومن زرع البذور وما سقاها تأوه نادماً وقت الحصاد يقول صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبلك هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وخذ من نفسك لنفسك، ومن دنياك لآخرتك).

مدلولات المسارعة في حياة الأنبياء

مدلولات المسارعة في حياة الأنبياء الغنيمة أيها الأحبة لا تقال إلا لأمرٍ لا ينال بالهين من الحال، والغنيمة لا تكون إلا في شيء يفوت، والغنيمة لا تكون إلا في أمرٍ إذا فات لا يعوض، فدل هذا على أننا قد وجدنا في هذه الدنيا من أجل أن نتنافس هذه الغنيمة، من أجل أن نتبادر هذه الكرامة، من أجل أن نتسابق وأن نسارع كما هو الحال في شأن خيرة خلق الله وهم أنبياء الله ورسله، حيث قال الله عز وجل في شأنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] الأنبياء أولو المعجزات الذين اختارهم الله واصطفاهم من بين الخلائق وأيدهم بالمعجزات، وأكرمهم بالوحي؛ فمنهم الكريم، ومنهم الذي آتاه الله ما لم يؤت أحداً من العالمين، ومنهم الذي سخرت له الجن والإنس ومع ذلك هؤلاء الأنبياء يصفهم الله عز وجل بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً} [الأنبياء:90] أي: طمعاً وحباً ورجاءً لما عند الله عز وجل من الخير (ورهباً) أي: خوفاً وإشفاقاً من النار.

أهمية الرغبة والرهبة في الدعاء

أهمية الرغبة والرهبة في الدعاء أقول أيها الأحبة: إن الله عز وجل قال في شأن هؤلاء الأنبياء: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] فجمعوا بين المسارعة والرغبة في الجنة والخوف من النار والخضوع والذلة والإخبات والانكسار إلى الله عز وجل، ولو خرجنا عن موضوعنا قليلاً لاستفدنا من هذه الآية فائدة عظيمة وهي ردٌ على طائفة من طوائف الضلالة وهم غلاة الصوفية الذي يسمون بأصحاب مدرسة الحب الإلهي الذين يقولون: إننا عبدنا الله حباً في ذات الله لا خوفاً من عذابه ولا طمعاً في ثوابه وإنما حباً في ذاته، فنقول لهؤلاء: كذبتم وخبتم وخسئتم وخسرتم، لن تكونوا أمثل وأكمل وأفضل وأجل نهجاً وسمتاً وهدياً من خيرة خلق الله الذين اصطفاهم من سائر خلقه وهم الأنبياء والرسل ومع ذلك يقول الله عز وجل عنهم: {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً} [الأنبياء:90] يطمعون في الجنة {وَرَهَباً} [الأنبياء:90] أي: خوفاً من النار {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرح بذلك لما جاءه أعرابيٌ فقال: (يا محمد! إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، ولكني أسأل الله الجنة، وأستعيذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أعرابي أنا ومعاذ حولها ندندن) ما أنا وما معاذٌ وما الصحابة إلا وهم في دعائهم في صلاتهم وعبادتهم إلا يسألون الله الجنة، ويستعيذون بالله من النار، لكن الجنة تحتاج إلى مسابقة، وتحتاج إلى مبادرة ولذا قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [الحديد:21] فالذي يريد الجنة بنومٍ عن صلاة الفجر، ويريد الجنة بنومٍ عن شهود الصلاة مع الجماعة، وبإعطاء النفوس شهواتها، ويريد الجنة بالبخل عن الإنفاق في سبيل الله، وبالقعود عما أمر الله به، ويريد الجنة وقد أسلم لنفسه زمامها في شهواتها وغفلاتها ومعاصيها وإصرارها على المعصية ثم بعد ذلك يقول: أنا أريد جنة عرضها السماوات والأرض، الجنة تريد مسابقة. تسألني أم الوليد جملا يمشي رويداً ويجيء أولا تريد جنة عرضها السماوات والأرض وأنت إذا قيل: حي على الفلاح، انقلبت على الجنب الآخر لا تريد أن تسمع بقية الأذان؟! تريد جنة عرضها السماوات والأرض وأنت إذا دعيت لتنفق في سبيل الله من مالك أصبح الإنفاق على شهوتك ولذتك وشهوات أولادك أحب إليك من الإنفاق في سبيل الله؟! تريد جنة عرضها السماوات والأرض وأنت قد أعطيت النفوس زمامها وأسلمت لها العنان وأطلقت لها الأمر فما اشتهت من شيء إلا وطئته حلالاً كان أو حراما؟! ثم إذا قيل هذا لا يرضي الله وهذا يسخط الله، وهذا لا يجوز وهذا لا ينبغي؛ أتيت بحججٍ وأقاويل وتأويل، وربما وكيف وأين ولعل ويمكن وقيل وسمعنا وروي، تتعلل في الهروب معللاً لنفسك فعل الحرام، وتتلون في الفرار مبادراً أو مسارعاً بالفرار عن المسابقة إلى مرضاة الله، ثم تقول: إني أريد جنة عرضها السماوات والأرض.

حتمية عذاب العصاة بقدر ذنوبهم

حتمية عذاب العصاة بقدر ذنوبهم نحن لن نكون خوارج فنقول: إن أهل الكبائر وأهل المعاصي لا يدخلون الجنة، حاشا وكلا، فمعتقد أهل السنة والجماعة أن أهل الكبائر من أمة محمد عصاةٌ أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ولكنهم ليسوا بمخلدين في النار، ولكن من لم يغفر الله له فإنه لابد أن يمسه من عذاب الله ما يمسه حتى يطهر من ذنوبه وغفلاته وسيئاته، وربما شدد له العذاب في قبره، أو شدد له في سكرات موته، أو شدد له في مصائب دنياه، أو شدد له في عرصات القيامة، أو مكث في النار ما شاء الله له أن يمكث حتى يطهر من ذنوبه ويرد على الله عز وجل، لكن لا نتوقع أن أمر الجنة ومنازل الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين تنال بالأمر الهين. أسألكم بالله هل يستطيع أحد أن ينال الشهادة الجامعية ليسانس أو بكالوريوس بنومٍ في النهار وسهرٍ أمام القنوات والأفلام في الليل، فإذا جاءت الامتحانات كتب فيها ما يكتبه الغافلون والساهون، هل يستطيع أن ينال هذه الشهادة؟ لا، على أهل الشهادات مواظبة دوام حضور مراجعة بحوث دراسة حتى استطاع أن ينال شهادته، وربما تغرب زمناً طويلاً حتى نال شهادته، وربما اضطر أن ينشغل عن حاجات زوجه وأهله حتى ينال شهادته، وهي شهادة قرطاسية يسيرة من أمر الدنيا ما نالها إلا بالمشقة. واسألوا ضابطاً من الضباط كيف علق نجمة أو تاجاً أو مقصاً أو وساماً أو نياشين، هل نالها بالنوم والعبث واللهو والعصيان والعناد للأوامر؟ ما نالها حتى جاع أياماً، وزحف على بطنه، واختبرت لياقته، واختبرت شدته وتحمله وصبره، وثبت على ذلك زمناً ودورة بعد دورة ومسابقة بعد مسابقة، حتى علق نجمة أو اثنتين أو تاجاً أو مقصين. واسألوا التاجر كيف جمع هذه الأموال؛ أبالغفلة واللهو والإسراف والتبذير والعبث؟ بل بصرِّ الدينار على الدينار والدرهم على الدرهم والمتابعة، تعبٌ في جمع المال وتعب في متابعة الاستثمار حتى استطاع أن يجمع هذا المال كله. إذا كان هذا في شأن ما نراه من أمور الدنيا ما نالها أربابها ما حصلها أصحابها إلا بتعب أتظنون أن جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أتظنونها تنال بالأماني؟ أتظنونها تنال بلعل وليس ولو أني؟ ولست بمرجعٍ ما فات مني بليت ولا لعل ولا لو اني

دواعي المسارعة والمسابقة

دواعي المسارعة والمسابقة إذاً أيها الأحبة الله عز وجل أمرنا بالمسارعة، وأمرنا بالمسابقة، وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالمبادرة؛ لأن الأمر جد خطير وجد عظيم، ولابد أن يتبادر وإلا فات، وما الذي يفوت؟ الجنة باقية لها أهلها ورجالها، المتنافسون المتسابقون في ميادين الليل بالقيام، وفي ميادين النهار بالصيام، وفي المحاريب بالصلاة، وفي الأعمال بالدعوة إلى الله عز وجل، وفي السعي على الأرامل والمساكين، وفي الصبر على هذه الدنيا ونكدها وكبدها، وفي السير بصدقٍ وإخلاص وجدية في هذه الحياة، وفي التربية الحسنة لأبنائهم، وفي الثبات على دين الله، وفي الاستقامة على شرع الله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود:112] تكون الجنة لمن رحمه الله ووفقه الله إلى هذه الأعمال، واعلموا أن لكل شيءٍ أسبابه، ولكل شيءٍ مقدماته التي تفضي إليه: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5 - 7] لما أعطى واتقى وصدق بالحسنى أكرمه الله ويسره لليسرى. {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:8 - 10]. إذاً لكل شيءٍ مقدماته: وكل امرئ والله بالناس عالم له عادةٌ قامت عليها شمائله تعودها فيما مضى من شبابه كذلك يدعو كل أمرٍ أوائله من جد واجتهد، وحصل وكابد وجد نتيجة طيبة، ومن كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة.

أهمية المبادرة بالأعمال قبل حلول الفتن

أهمية المبادرة بالأعمال قبل حلول الفتن يقول تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} [المائدة:48] ويقول صلى الله عليه وسلم في بيان شأن آخر بالأمر بالمبادرة: (بادروا بالأعمال فتناً) أي: اعملوا اجتهدوا. أحسن إذا كان إمكانٌ ومقدرة فلا يدوم على الإحسان إمكان أنت اليوم مبصر، وغداً لا تدري أكفيف أم بصير، وأنت اليوم تمشي، وغداً لا تدري أراجلٌ أو معوق، وأنت اليوم قادر، وغداً لا تدري أقادرٌ أم ضعيف، أنت اليوم قوي، وغداً لا تدري أقويٌ أم عاجز، وأنت اليوم عزيز، وغداً لا تدري أعزيزٌ أم ذليل، وأنت اليوم قد متعك الله بكل ما آتاك، وأنت لا تدري غداً هل تعيش وأنت محرومٌ مما أوتيت من قبل، أو لا تدري لعل غداً يأتي وأنت في جوف الأرض ولست على ظاهرها. ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا) رواه الإمام مسلم. ففي هذا الحديث يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبادر بالأعمال، فالواحد لا يدري لعل فتناً تحل بواقعه، وفتن الزمان عجيبة والليالي من الزمان حبالى مثقلاتٍ يلدن كل عجيب لا تدري أتصبح في فتنة قد لا تمسي فيها مؤمناً، أم تمسي في فتنة قد لا تصبح فيها مؤمناً، يفتن الناس فتناً عظيمة، ولا يقولن أحدٌ: أنا ذلك الحصن المنيع الذي لا يتسور، وأنا تلك الصخرة الصماء التي لا تخترق، وأنا ذلك الجدار الذي لا ينكسر، بل قل: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك. إن فتناً حقيرة من أمور الدنيا، تعجب يوم أن ترى الناس يتعصبون لها ويتحزبون ويتدابرون فيها، ويتقاطعون بسببها، وهي أمورٌ تافهة ليس فيها من العجائب أو الغرائب أو المعجزات، ومع ذلك فتن الناس بها أو كثيرٌ منهم أيما فتنة، فما بالك إذا جاءت فتنٌ كقطع الليل المظلم يرقق بعضها بعضا، يصبح الواحد فيها مؤمناً فيمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً فيصبح كافراً. ما دام الواحد منكم -يا عباد الله- في فسحة من العيش، في مهلة من الأجل، في قوة من العافية وسعة من الرزق في قدرة من الحال ما الذي يردك أو يصدك عن المبادرة؟ أقوامٌ بصر الواحد منهم حديد (ستة على ستة) فيقال له: اتل كتاب الله، تدبر كتاب الله، يقول: فيما بعد، أو إذا كبرنا، إذا إذا إن شاء الله، ثم إذا ضعف البصر واحتاج إلى عدسة غليظة، ثم ما عادت العدسة تنفعه، قال: يا ليتني أبصر لأقرأ في كتاب الله عز وجل، وأين القراءة في كتاب الله عز وجل يوم كان نظرك (ستة على ستة)؟ وآخر كان يسابق الذئاب والثعالب والتراحيل من شدة عدوه وسرعته، وينام عن الصلاة في المساجد، ثم إذا تقدم به السن قليلاً أو أصابه من مقادير الله ما أصابه فأصبح عاجزاً عن المشي على قدميه قال: يا ليت لي قدمان تحملني إلى المسجد لكنت أصلي كل فرضٍ في بيت الله، وأين أنت أيام كانت الأقدام قوية؟ وآخر كانت الدنيا في يده يعبث بها يمنة ويسرة في إسراف وشهوات، وفي أمورٍ كثيرة، ثم تقلبت به الأيام وتغيرت الأمور: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] فقال بعد أن افتقر بعد ذلك الغنى: يا ليتني كنت غنياً فأكفل الدعاة، وأكفل الأيتام، وأسعى على الأرامل والمساكين وأعطي المحتاجين وأين أنت يوم أن كاد الرصيد يئط كما يئط الرحل من حملٍ فوقه، أين أنت عن الإنفاق في سبيل الله عز وجل؟ أين أنت أيام قدرتك المالية؟ لما ضاع المال وذهب واضمحل وزال وولى وانتهى تأتي وتقول في حال الفقر: يا ليت {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28] {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة:75] إلى قوله عز وجل: {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِه} [التوبة:76].

علامات انتهاء فرصة المبادرة

علامات انتهاء فرصة المبادرة أيها الأحبة! لا يزال السياق في الأمر بالمبادرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بادروا بالأعمال ستاً) بادروا أي: سارعوا وسابقوا واجتهدوا في الأعمال قبل أن تحل بكم واحدةٌ من هذه الست، أو بعضها. (بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها) وإذا طلعت الشمس من مغربها فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، حينئذ يُغلق باب التوبة ويحال بين المرء وما يشتهي: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ:54] ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة) أي: سابقوا بالأعمال الصالحة ستاً، والمراد أن واحداً من هذه الست لو نزلت بأحدكم لأشغلته عن مبادرةٍ وعن استمرارٍ وسعيٍ للعمل.

استغلال النعم المعاصرة لزيادة الطاعات

استغلال النعم المعاصرة لزيادة الطاعات أيها الأحبة! لو أن الواحد منا تفكر في حال آبائه وأجداده، معاناةٌ منذ الصباح إلى المساء، قطرة الماء معاناةٌ لا يجدها بسهولة ولا بيسر، وإن كان بعض الناس لا يزالون يجدون شيئاً من المعاناة في حصولهم على الماء، ولكن شتان شتان بين حال الأوائل وحال المتأخرين، وطهي طعام يحتاج إلى معاناة، من جمع الحطب والبحث عما يشعل هذه النار، والانتظار على هذا الطعام ثم بعد ذلك ما يتبعه من تبعاتٍ وأمورٍ أخرى. وأما الثياب فمعاناة، وأما المبيت فمعاناة، في الشتاء معاناة وفي الصيف معاناة، وفي كل حالٍ من أحوال الفرد معاناة. أما الآن فكما يقول الشيخ الجزائري: نحن في زمنٍ طرنا في الهواء، وسرنا على الماء، وأكلنا فاكهة الصيف في الشتاء، وما كان ذاك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهل هذا دليلٌ على أن زماننا خيرٌ من زمن الأوائل؟ لا وألف لا -أيها الأحبة- ولكن الأمر أننا ابتلينا بما آتانا الله عز وجل. إن كل ما سخره الله لنا من مبانٍ أو إضاءة أو خدماتٍ، أو غنى أو أمن أو طمأنينة؛ يبتلينا الله عز وجل فيه لينظر ما نحن صانعون؟ أنت في أمن والآمن يستطيع أن يفعل خيراً، وأن يعبد الله عز وجل، أما الذي هو في خوف فلا يعرف كيف يعبد ربه. أنت في غنى والغني يستطيع أن يجد فسحة من الوقت ليعبد الله سبحانه، أما الفقير الذي منذ أن يصبح لا يفكر إلا في لقمة يسد بها رمقه، ويقيم بها صلبه وأوجه، فلا يستطيع؛ يفكر في هذه اللقمة ولا يفكر في غيرها، أما الغني فلا يفكر في هذا إطلاقاً وعنده فسحة من الوقت وفسحة من الزمن يستطيع أن يتعبد الله عز وجل بذلك.

المبادرة قبل حلول الأجل

المبادرة قبل حلول الأجل إذاً أيها الأحبة! لا يدري الواحد ما الذي يحول بينه وبين العمل، وإنما ضيع كثيرٌ من الناس أنه أكثر من التسويف وأكثر من التعليل، تقول له: تب إلى الله، استقم على طاعة الله، أقلع عن الذنوب والمعاصي وهو قويٌ غني صحيحٌ شحيح يرجو الغنى ويخشى الفقر، ما هو جوابه إذا دعي إلى الله ورسوله؟ يقول: إن شاء الله غداً! بعد أسبوع! بعد الحج! رمضان قريب! بعد نهاية رمضان! إذا فرغت الصوامع! إذا قضيت الدين! إذا فعلت كذا، إذا فعلت كذا!! ويعلق توبته على أمورٍ هو لا يعلم هل يبلغها أم لا. لو أنك تقدمت في معاملةٍ تريد حقاً من حقوقك أو مصلحة من مصالحك، فقال لك المسئول: ننجزك ما تحتاج أو نخدمك بما تريد إذا حصل كذا، وعلقك على أمرٍ لا تدري متى يحل، فأنت لا تقبل بهذا الأجل، تقول: حدد لي أجلاً معيناً، فإني لا أريد أن أضيع وأن أسوف، ما أدري هل هذا الأمر يقع أو لا يقع، وما أدري هل أنا أبلغ هذا الأجل أم لا أبلغه، فكذلك قل لنفسك إذا دعيت إلى التوبة والمبادرة والإنابة إلى الله عز وجل، قل لها: هل تستطيعين أن تبلغي ذلك الأجل؟ هل تستطيعين أن تبلغي تلك الغاية التي جعلتيها أو علقت بها هذه التوبة وهذه الإنابة: مضى أمسك الماضي شهيداً معجلا وأعقبه يومٌ عليك جديد فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثن بإحسان وأنت حميد فيومك إن أعتبته عاد نفعه عليك وماضي الأمس ليس يعود ولا ترجِ فعل الخير يوماً إلى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيد يقول لي أحد الذين أعرفهم: كنت ممسكاً بيد والدي وقد خرجنا -في مدينة الرياض - من المسجد في شهر شعبان قبل سنتين أو ثلاث، يقول: ونحن في نهاية الشهر على قرب حلول رمضان يقول: فكان أبي وهو ممسكٌ بيدي يقول: يا ولدي! كم من نفسٍ لا تصوم هذا الشهر، وكم من نفسٍ لا تكمل صيام هذا الشهر، يقول: فكان أبي هو ذاك الذي ما صام من الشهر إلا أياماً فمات، رحمه الله رحمةً واسعة. وهذا جليٌّ وواضح وليس بالغريب، وليست بقصة معجزة، بل ما أكثر الذين يتحدثون عن المنايا والآجال وهي تنتظرهم، لعل المتحدث أول من يموت، ولعل السامع أول من يموت، ولعل الصغير أول من يموت، ولعل الكبير أول من يموت، وتقول العوام: كم ناجحٍ شربت في جلد حوارها، يعني: ناقة عسراء أنتجت ثم إن نتاجها الحوار الذي خرج مات ثم بعد ذلك جعلوا من جلده سقاءاً فشربت الأم في جلد نتاجها ووليدها: تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر وكم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري

تذكر الموت غايته الاستعداد والمبادرة

تذكر الموت غايته الاستعداد والمبادرة أيها الأحبة! مصيبتنا أننا إذا تكلمنا عن الآجال لا يتخيل أحدنا أنه ربما هو الذي يوافقه، أو أن السامع لا يتخيل أن الأجل ينتظره، ولأجل ذلك علينا أن نكون مستعدين للقاء الله عز وجل، حينما نتكلم عن الموت ينبغي ألا نخرج من الكلام إلى الزاوية الخلفية أو الوجه المعاكس في هذه القضية، بعض الناس إذا تكلم عن الموت أخذ يبكي وانقطع عن العمل والإنتاج، وضيع قيمة الزمن، ما عاد يحترم هذه الأمور جميعاً، لا، نتكلم عن الموت بحيث يكون الإنسان مستعداً للقاء الله عز وجل من أول لحظة، تكلم عن الموت واذهب من الفجر إلى السوق وبع واشتر، وتكلم عن الموت، واذهب غداً إلى مصنعك وأنتج واصنع، وتكلم عن الموت واذهب إلى مدرستك وتعلم وعلم، وتكلم عن الموت وقف على حدودك واحرس وراقب، وتكلم عن الموت، وكن منتجاً إيجابياً فاعلاً قوياً نشيطاً، ليس الكلام عن الموت من أجل البكاء والانكسار في المساجد والخلوات، الكلام عن الموت من أجل الاستعداد: (واتق المحارم تكن أعبد الناس) فلا يغرنك ثناء الناس عليك، أنت أدرى بنفسك وكما يقول ابن الجوزي رحمه الله: يا ناقص العقل! لا يغرنك ثناء الناس عليك، فإن أعجبوا بك فإنما أعجبهم جميل ستر الله عليك. فلا يغترن أحدٌ منا بنفسه، أو تغره نفسه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33] إما أن يغرك الناس، أو تغرك دنياك، أو تغرك العافية، أو يغرك الغرور، من هو الغرور؟ هو الشيطان الذي يوسوس ويسوف، ويعلل ويرجي، ويجعلك تسوف هذه التوبة حتى تلقى الله عز وجل وأنت عاص. أحبتنا في الله! الحديث بصدقٍ وصراحة أقرب إلى النفوس من التعليل، ماذا لو أن أحدنا قيل له: إن ملك الموت ينتظرك عند باب المسجد! أو لو أن ملك الموت دخل على هؤلاء الحاضرين وقال: يا عباد الله من أهل شرورة! من منكم مستعدٌ للقاء ربه الآن؟ هل فينا أحد مستعد؟ لا والله، نقول له: انتظر لحظة دعنا نسدد الديون، دعنا نرجع حقوق الناس، نتخلص من بعض الذنوب، نتخلص من بعض المعاصي، نرجع بعض الأشياء، الإنسان أدرى بنفسه. نعم أيها الحبيب الواحد خير شاهدٍ على نفسه، وإن مدحك الناس فأنت أدرى، وإن ذمك الناس فأنت أحرى وأدرى، فلو أن ملك الموت وقف وقال: يا عباد الله! من فيكم جاهز يسلم أمانته لله عز وجل الآن؟ لا والله ما فينا واحد مستعد، لماذا؟ لأننا لا نبادر بالعمل، لأننا نسوف، هذه حقوق مالية إن شاء الله نعطيها صاحبها فيما بعد، مع وجود ما نسدد به المال، وهذه مظلمة ما أنصفنا صاحبنا منها، وهذه خطيئة ما تبنا، وهذا ذنب ما أقلعنا عنه، وتلك مصيبة ما تبنا إلى الله منها، فكنا قد جمعنا أموراً، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه) وأنا أقول: كثيرٌ منا يعمل حسناتٍ كثيرة، ولكن يعمل سيئات أكثر، فلا تغتر بكثرة حسناتك مع كثرة سيئاتك، إن التاجر الذي يكسب في الصباح مليوناً ثم يخسر في المساء مليونين لا يمكن أن يقال: إنه تاجر؛ لأنه خسر أكثر مما ربح، وإن الذي يعمل حسناتٍ ثم يثنيها بسيئاتٍ ترجح بها فحينئذٍ لا يمكن أن يسمى رابحاً أو فالحاً؛ إنما الفالح الذي رجحت حسناته على سيئاته، نحن لا نتوقع ولا نظن أن عبداً من عباد الله يخلو من الذنوب أو المعاصي الصغائر أو الكبائر، كلٌّ بحسب حاله، ولكن المصيبة كل المصيبة، والبلية كل البلية من عبدٍ تتراكم عليه الذنوب والمعاصي ولا يتوب. إذا كنت جاداً صادقاً في هذا الأمر فتوقع وانتظر أن تلقى الله عز وجل في أي ساعة فتكون مستعداً، ثم إن الله سبحانه وتعالى قد شرع لنا من المبادرة ما ينظف الرصيد من المديونية أولاً بأول. الواحد منا لا يسلم خطوة زلة كلمة نظرة صغيرة لمم فتجد عنده الأخطاء، لكن الله عز وجل شرع لنا ما يمحو هذه الخطايا أولاً بأول، ومن زلت به القدم فليبادر إلى التوبة، ولا يدع الذنوب حتى تجتمع عليه، أنت إذا جاءتك فاتورة الكهرباء قدرها ثلاثمائة ريال يمكن أن تسددها، لكن إذا تراكمت شهراً بعد شهر حتى صارت آلافاً فإنك تعجز عن أن تسددها، فكذلك بادر بالتوبة ما دامت الذنوب صغيرة، وجاهد نفسك ألا تقع في دين الذنوب مرة أخرى، وإن وقعت ثانية فتب ثانية، وإن زللت ثالثة فتب ثالثة، وإن أخطأت رابعة فارجع رابعة، وليس بينك وبين التوبة أحد، بل إن التوبة لا تحتاج إلى واسطة، والمهم المبادرة (وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن). جاهد في محو كل ما يكدر ويسود ويلوث صفحة أعمالك، وخالق الناس بخلقٍ حسن، هذه معاملة مع الناس، والخلق الحسن من أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة كما أخبر صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أثقل شيءٍ يوضع في ميزان العبد يوم القيامة، فقال: (تقوى الله وحسن الخلق) الشاهد أن الواحد منا مأمور بالمبادرة، وقد شرع الله لنا المبادرة بأعمالٍ لا تبقي على الواحد بإذن الله سيئة إذا هو اجتهد.

وسائل وفضائل محو الخطايا ورفعة الدرجات

وسائل وفضائل محو الخطايا ورفعة الدرجات قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله) الآن أنا لو آتي على مجموعة من الموظفين في العمل، أقول: يا إخوان عندي لكم شيء، جميع الإنذارات تمزق، جميع لفت النظر يمحى، جميع التهديد ينتهي ويحقق لكم رفعة ورتبة، الذي في الثانية يرقى إلى الرابعة، والذي للرابعة في الرابعة عشر يروح للممتاز، والنقيب يأخذ رتبة رائد، والمقدم يأخذ رتبة عميد، وهنا السيئات تمحى والدرجات ترتفع: (ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: كثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء على المكاره، فذلكم الرباط فذلكم الرباط). ما أجمل هذا الكلام الذي هو وحيٌ يوحى! ما ينطق صلى الله عليه وسلم عن الهوى، إذا كنا نريد أن نجتهد في المبادرة فهذا نموذج من نماذج المبادرة في الأعمال الصالحة التي تفيد الإنسان الاستمرار والمداومة على مرضاة الله عز وجل. كثرة الخطى إلى المساجد. مساكين الذين لا يصلون مع الجماعة، محرومون الذي يقعدون عن الصلاة مع الجماعة، يظلمون أنفسهم، يخسرون هذا الخير العظيم، إذا تطهر وأحسن الطهور والوضوء خرجت من يده كل معصية اقترفتها يده مع الماء أو مع آخر قطر الماء، وخرجت مع عينه كل معصية نظرت بها عينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، وخرجت من رجله كل معصية مشت إليها رجله مع الماء أو مع آخر قطر الماء، ثم ماذا بعد ذلك؟ ثم يمشي إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة فكل خطوة ترفع حسنة وتمحو سيئة.

فضل دعاء الملائكة وقراءة القرآن

فضل دعاء الملائكة وقراءة القرآن ثم يدخل إلى المسجد فالملائكة تقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، ما دام في انتظار الصلاة، الآن يقول بعض الناس: جزاك الله خيراً، لا تنسنا من دعائك، قل لفلان يدعو لنا، أنا عندي لك ملائكة تدعو لك، تقول: اللهم اغفر له الله ارحمه، لو قلت لك الشيخ ابن باز أو الشيخ ابن عثيمين يدعو لك لفرحت، لكن أيضاً بإمكانك أن تجعل الملائكة تدعو لك وتستغفر لك وتقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تستغفر لأحدكم ما دام في مصلاه ينتظر الصلاة ما لم يحدث) فأنت إذا بكرت بخطواتك مكتوبة، وهذا ربح لا يفرط فيه أحد، ولذلك بنو سلمة لما أرادوا أن ينزلوا من دورهم وبيوتهم ومساكنهم ليبنوا بيوتاً ويسكنوا دوراً بجوار مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (يا بني سلمة! دياركم -أي: الزموا دياركم- تكتب آثاركم) لماذا تضيعون الحسنات {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:12]. ثم إذا دخلت المسجد وصليت هاتين الركعتين المباركتين وتسندت على هذا العمود فالملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. ثم فتحت المصحف لتقرأ وليس (الم) حرف، ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف، ولك بكل حرفٍ حسنة ولك بالحسنة عشر أمثالها، ثم إذا أقيمت الصلاة وصليت والصلاة بإذن الله عز وجل كفارة للذنوب كما قال صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهراً غمراً يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء، قالوا: لا يا رسول الله، لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلكم الصلاة لا يبقى من درن العبد وذنوبه معها شيء) الله أكبر! لكن صلاة كاملة، صلاة تامة، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، الصلاة التي تحضرها بقلبك، الصلاة التي تتدبرها، وقد تنسى وقد تغفل وقد تنشغل في صلاتك بشيءٍ ما، لكن عد وجاهد نفسك، فلك بإذن الله أجر الصلاة وأجر المجاهدة. يا أحبابي! هل يبقى من درن الواحد منا شيء؟ الجنة قريبة، ولا يحرم الجنة إلا الذي أصر وقال: أريد النار، لا يهلك على الله إلا هالك. أسباب الخير كثيرة ويسيرة ومتعددة، لم يجعل الله طريق الجنة في الأموال والصدقات، لو كان ذلك لحرم الفقراء دخول الجنة، لو جعل الله دخول الجنة في الجهاد لكان الضعفاء لا يدخلون الجنة، ما جعل الله دخول الجنة في عملٍ معين بل من فضل الله ومنه وكرمه أنه لم يجعل الجنة في الجهاد فحسب، أو في الصيام فحسب، أو في الصدقة فحسب، أو في عملٍ معين فحسب، بل جعل أبواب الجنة متعددة، وكلٌ يسلك طريقه إلى الجنة، والمرد والمنتهى والعاقبة إلى الجنة بإذن الله عز وجل.

الفضائل العظيمة للذكر

الفضائل العظيمة للذكر لما جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور لهم فضول أموال يتصدقون بها وليس لنا أموال نتصدق بها، فقال صلى الله عليه وسلم: (لكم بكل تسبيحة حسنة، وبكل تهليلة حسنة، وبكل تكبيرة حسنة، وإصلاح بين اثنين حسنة، إماطة الأذى عن الطريق صدقة، تغيث الملهوف صدقة، تصنع لأخرق صدقة، تعين المسكين صدقة) سبحان الله ما جعلت الجنة للأغنياء فحسب، فكما أنها في أعمال الأغنياء هي كذلك في أعمالٍ يدركها الفقراء بل إنك لتعجب من أن الله عز وجل شرع سبلاً وأبواباً إلى الجنة بعبادة غريبة عجيبة وكبيرة يسيرة: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص:68] كما أن الله اختار محمداً نبياً واختار الكعبة قبلة، واختار الإسلام ديناً، واختار هذه الشرائع لعلمٍ وحكمة بالغة فكذلك اختار الله الذكر ليكون عباده يسيرة على جارحة صغيرة وعليه أجورٌ كبيرة وكثيرة، هل يعجز أحد أن يذكر الله عز وجل؟ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:191] أنت تستطيع أن تذكر الله سبحانه وتعالى وأنت مضطجع أو قائم أو جالس أو مسافر، خارج البيت وداخله، راكب في السيارة، أو ماشياً على أقدامك، لا أحد يستطيع أن يمنعك من ذكر الله عز وجل أو يشغلك عن ذكر الله عز وجل إلا من تشاق. ثم هذا الذكر ليس مشروطاً بالوضوء، ولا يحتاج إلى استقبال قبلة أو الدخول إلى مسجد، أو تقول: إنه سيقطعك أعمالك. ثم ماذا؟ ثم إنه يعينك على طاعة الله عز وجل، ويكسبك رزقاً وقوة وخاتمة حسنة بإذن الله سبحانه وتعالى، يقول صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكسب ألف حسنة أو تمحى عنه ألف خطيئة؟ قالوا: من الذي يستطيع ذلك يا رسول الله؟ قال: يسبح الله مائة مرة، فتمحى له ألف خطيئة أو تكتب له ألف حسنة) أنا الآن أريد من الإخوة الحضور كل واحد يمسك ساعته دقيقة ويقول سبحان الله مائة مرة، تدريب عملي بسيط، هذا ما هو بذكر جماعي حتى يقول واحد: والله الجماعة قد صاروا صوفية، لا. المسألة أن انظر كم يستغرق من الوقت أن تقول: سبحان الله مائة مرة، كل واحد يسبح مائة مرة في نفسه. مرت دقيقة ونصف. هاه يا إخوان، استغرقت أقل من دقيقتين. إذاً أيها الأحبة! لا يهلك على الله إلا هالك فعلاً كما قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى! فعجب الصحابة وقالوا: من يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى). عطايانا سحائب مرسلاتٍ ولكن ما وجدنا السائلينا باب مفتوح يقول للناس: هلموا خذوا املئوا اختاروا ما شئتم، والناس معرضون، وكل طريقنا نورٌ ونورٌ ولكن ما رأينا السالكينا الخير مفتوح وأسبابه كثيرة، يقول صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) يقول صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة).

نعمة التوبة والمبادرة إليها

نعمة التوبة والمبادرة إليها عمر بن الخطاب بلغه عن أحد عماله أنه شرب الخمر، فأرسل له رسالة من عبد الله عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى فلان، يقول الله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] الله أكبر! ما أجمل هذه الحكمة العظيمة من عمر بن الخطاب! يرسل رسالة إلى هذا الذي يعلم أنه مخطئ ثم يقول له مذكراً بهذه الآية: عد وتب إلى الله عز وجل. ما أجمل هذا النداء! ولماذا لا نكون كذلك، والله عز وجل العظيم القوي العزيز الجبار يتحبب إلينا معاشر العباد ويقول لنا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] أياً كان هذا الذنب، بعض الناس يقول: هذه آيات لمن عنده معاصٍ خفيفة، لكن أنا عندي مخدرات، أنا مهرب ومروج، أنا أتعاطى المخدرات وأشرب خمر، أنا عندي مشكلة خلقية، مشكلة زنا، مشكلة لواط، فكيف يتوب الله عليَّ؟ الله عز وجل قال في آخر سورة الفرقان قال: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68 - 70] من الذي يحول بين الشباب وبين التوبة؟ من الذي يحول بين الناس وبين التوبة؟ من الذي يرد الناس عن التوبة؟ بل إن الذي يقول: إن التوبة أصبحت بعيدة المنال هو الذي يقتل نفسه بهذا الجواب، ولا أدل على ذلك من ذلك العابد الجاهل الذي جاءه رجلٌ وقد قتل تسعاً وتسعين نفساً، فجاء إلى ذلك العابد فقال له: إني قد قتلت تسعاً وتسعين نفساً، فهل لي من توبة؟ فكان الجواب الجاهل المبني على غير علم، قال: ليس لك توبة، فجنى الجواب على المجيب فطعنه القاتل فأكمل به المائة، فذهب الجاني إلى عالم وقال: قتلت مائة نفسٍ، فهل لي من توبة؟ قال: نعم، ومن ذا الذي يحول بينك وبينها، الحق بأرض بني فلان فإن فيها قوماً يعبدون الله عز وجل، وفي هذا فوائد: الأول: أنه مهما عظم الذنب فإن الرحمة قريبة: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]. الأمر الثاني: أن من أذنب وأراد التوبة الصادقة النصوح الخالصة الصحيحة، فعليه أن يغادر مكان المعصية ووسط المعصية ومناخ المعصية؛ لينتقل إلى مناخ وجو ومكان وطبيعة الطاعةِ والعبادة والذكر والإنابة والإخبات والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى. أما بعض الناس يشكو من الجراثيم والفيروسات ثم يعالج ويعالج ويحقن بالكيماوي وبالأدوية وبغير ذلك، ثم يرجع من جديد في وسطٍ متجرثمٍ مملوءٍ بالبكتيريا والفيروسات والجراثيم ثم يقول: كيف رجعت إليَّ هذه الأمراض من جديد؟ يداك أوكتا وفوك نفخ، أنت الذي اخترت أن تعيش في وسط المعصية مرة ثانية، ولو أنك صادق في توبتك لخرجت من وسط المعصية إلى وسط أهل الطاعة، وانتقلت عن جلساء السوء إلى جلساء الخير، وتركت عاداتٍ قبيحة إلى عباداتٍ جليلة نافعة بإذن الله وحينئذٍ تترقى في دين الله، وتجد لذة لا تقف.

شبهة حول صعوبة الالتزام والتوبة

شبهة حول صعوبة الالتزام والتوبة بعض الناس يقولون: مساكين هؤلاء المطاوعة كيف يعيشون؟ بالله أنا أريد أن أفكر أفهم كيف المطوع قادر يعيش؟ زعموا المطوع ديناصوراً انقرض وانتهى ولا يمكن أن يعيش في زمن الأزمات، وكلمة مطوع هذه لها قصة، يقول الشيخ ابن حميد الله يدخله في جنات النعيم، يقول: كلمة مطوع عند أهل نجد هي أصلاً كما يذكر محمد رشيد رضا صاحب المنار: هي كلمة بين العالم والعامي، هي كلمة تعني: أن الرجل في منزلة بين العالم والعامي؛ لكن كثير من الشباب يتوقع أن هذا المطوع لا يمكن أن يعيش حياة طبيعية، ولا يمكن أن يعيش حياة سعادة، ولا يمكن أن يعيش حياة فيها أنس وبهجة، وضحك وسرور وطرافة، ودعابة ومزاح، وانبساط واندماجية، واجتماعية وتفاعل أبداً، يتوقع هذا المطوع حالته حالة، مثلما يخبرني أحد الشباب يقول: والله كنت أتصور أن المطاوعة خلقٌ غريبٌ عجيب، قلت: كيف؟ قال: مرة من المرات مجموعة من الشباب دعوني أن أخرج معهم إلى رحلة البر، فيقول: وخرجت معهم بعد العصر، يقول: فلما خرجنا، فرشوا بساطاً وطلعوا الشاهي، وجاءوا بكتاب رياض الصالحين وقاموا يقرءون أحاديث، قلت: حتى الآن معقول، وبعد قليل ختموا هذا الكتاب، وكل واحد فتح شنطة سيارته وجاب (التكميلة) ولبس (تكميلته) ويفرشون ويلعبون، يقول: جن جنوني! مطاوعة ويفرشون ويعلبون كرة! المسألة غريبة جداً، قلت له: ماذا تتوقع يعني؟ قال: والله أتوقع أن كل واحد يقعد عند إطار ويصيح. فيا أحبابنا! كثيرٌ من الناس لا يكره الخير، لكنه يتصور أن الاستقامة أمر صعب المنال، ويتصور أن التوبة قضية تحتاج إلى بروتوكول وإلى طقوس وإلى قرارات، وإلى مراسيم وإلى إصدارات، ويعظم أمر التوبة، وما المسألة إلا شيءٌ سهل قليل، وهو تتوضأ وتصلي ركعتين تقول: يا رب تبت إليك، انبذ أشياء تذكرك بالمعصية، صور، مجلات، أفلام، ارمها إلى الشارع، ثم انظر إلى صحبة أخيار: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:28]. وماذا بعد ذلك؟ يكون التزام على علم، لا على عواطف؛ لأن العاطفة ارتفاع في منحنى معين ثم فجأة يسقط الأمر، ارتفاع في حالة معينة، ثم فجأة تزول تلك العاطفة، فمن الطبيعي أن تجد رجلاً بجوارك في صلاة التراويح أو في ختمة رمضان، ثم إذا جاء العيد حجز على دولة من الدول المجاورة وذهب يزني فيها، العاطفة ليست بمقياس، العاطفة هي فرصة للإنسان أن يدفع نفسه إلى الأمام وأن يتخلص من ذنوبه ومعاصيه، لكن لابد أن تبني استقامتك والتزامك على علم، وعلى صحبة صالحة وعلى رفقة أخيار، يشدون عضدك ويأخذون بيدك، ويذكرونك إذا نسيت، ويعينونك إذا ذكرت.

تدليل على يسر التوبة من قصة صحابي

تدليل على يسر التوبة من قصة صحابي لا تظن أن التوبة أمر صعب المنال، إن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو المعلوم في سبب نزول قوله سبحانه وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] في سورة هود هذه الآية المدنية في تلك السورة المكية سبب نزولها أن أحد الصحابة كان تماراً -رضي الله عنه- فجاءته امرأة جميلة بارعة الجمال فقالت: هل عندك تمرٌ أجود من هذا؟ فقال: نعم، في البيت تمرٌ أجود منه، فتقدمها وفتح الباب لها، ظناً منها أن في مقدمة البيت تمراً أجود من ذلك التمر الذي رأت، فما كان منه -رضي الله عنه- إلا أن أغلق الباب دونها، ثم أخذها وضمها وقبلها، يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: وما كان بينه وبينها ما يوجب الحد، مجرد ضمة وقبلة، ثم إنه ندم وبدأ عتاب الضمير يلاحقه ويجلده بسياطٍ في نفسه حتى هرع مسرعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني فعلت كذا وكذا، فهل قال صلى الله عليه وسلم: اقلب وجهك، اغرب عنا، أنت منافق، في ظاهرك مع الصحابة وتفعل هذه الغلطة الكبيرة، لا يمكن هذا!! كما هو الحال اليوم لو أن بعض الناس زل أو أخطأ لربما أنكره إخوانه وأبغضوه، وتجهموه وطردوه من مجالسهم، كان الرجل يعصي فيقيم عليه النبي صلى الله عليه وسلم الحد، ويجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم من يوم غد، ما قال: ابعد فقد عصيت الله ولا تجلس مع الأخيار، بل الواجب أن الأخيار هم أوسع الناس صدراً وأرحب الناس قلوباً لاحتواء من زل وأخطأ وأذنب ثم عاد إلى الله سبحانه وتعالى. الحاصل قال صلى الله عليه وسلم: لا تبرح مكانك، حتى تغشاه الوحي، فلما سري عنه صلى الله عليه وسلم قال: أين السائل؟ قال: هو أنا ذا يا رسول الله، قال: إن الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] ما أجمل هذا القرآن! ما أجمل هذا الكلام المعجز القوي المتين المملوء حكمةً وعلماً! {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:27] {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف:109] ما أجمل كلمات ربي! ما أحكم كلمات ربي! ما ألذ كلمات ربي! وإن كلام الله أوثق شافعٍ وأغنى غناء واهباً متفضلا وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبضٍ على جمرٍ فتنجو من البلا ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ديماً وهطلا ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا

قسوة القلوب سبب الإصرار

قسوة القلوب سبب الإصرار مصيبتنا قسوة القلوب، ولو كنا نتدبر كلام الله عز وجل ما أصر أحد على معصية، أنا لا أقول: إننا سننقلب إلى ملائكة ليس فينا من يخطئ، لكن لن يكون فينا من يصر على ذنب، بل من أذنب استغفر. إن الله عز وجل لما بين صفات المتقين بعد أن دعانا إلى المبادرة والمسابقة والمسارعة إلى الجنة، فقال في سورة آل عمران: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] من هم المتقون يا رب؟ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران:134 - 135] يا سبحان الله! متقون وفيهم من يفعل فاحشة، أو يظلم نفسه، لكن: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. إذاً يا أخي الحبيب: لا تتوقع أنك بالتزامك ستكون ملكاً معصوماً، بل المرجو من كل واحدٍ منا أن يجاهد نفسه عن المعصية، وأن يكون قريباً من طاعة الله ومرضاته، ولكن المبادرة تعني المبادرة إلى العمل، وتعني المبادرة إلى التوبة إذا وقع الزلل، لا تتصور أن المبادرة إلى الأعمال هو نداءٌ للمتدينين فقط، أو نداءٌ للمستقيمين فقط، لا، المبادرة إلى العمل للمذنب والمطيع، للصالح والطالح، للمخطئ والمصيب، للقريب والبعيد، مبادرة من المخطئ بالتوبة، مبادرة من المذنب بالاستغفار، مبادرة من الذي ابتعد بالرجوع، ومن عظيم نعم الله عز وجل أن الواحد لا يحتاج إلى أن يفضح نفسه إذا أراد أن يتوب.

لا داعي لاعتراف التائب أمام الناس

لا داعي لاعتراف التائب أمام الناس بعض الشباب، إذا غلط غلطة راح وجاء عند الإمام وقال: والله يا شيخ في تمام الثانية عشر ظهراً من ذلك اليوم الذي في تاريخ كذا (وعطف التاريخ كله) فعلت وفعلت وفعلت. يا أخي: من الذي قال لك تعترف بكل ما فعلت؟ لسنا نصارى! لستَ أمام قسيس، أمام كربينال، في كاتدرائية، تب إلى الله فيما بينك وبين نفسك: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون، قيل: من المجاهر يا رسول الله؟ قال: هو الذي يمسي يستره الله عز وجل، فيصبح يهتك ستر الله عليه) من عظيم النعمة أننا في هذا الدين ارتباط بالله عز وجل ليس بيننا وبين الله واسطة، لا داعية لا عالم لا حاكم، لكن انظر إلى الأديان والملل الضالة كالنصارى في طوائف أخرى، الواحد يضحك من غرائب ما يجري. مرة زرت الفاتيكان في روما فوجدت حجيراتٍ في ذلك المكان القبيح، وليس بمكانٍ طاهرٍ لأنه مملوء بالصلبان، ولكن: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:64] فقلت لمترجمٍ كان معنا: ما هي هذه الحجيرات الصغيرة؟ قال: هذه يجلس القسيس في هذه الحجرة الصغيرة في هذه الزاوية أو في هذه الجهة منها وأنت كما ترى هذه الستارة أو هذا العازل وبينهما فتحة مربعة، فيجلس القسيس، يعني: الحجرة فيها عازل، يجلس القسيس هنا ويجلس المجرم هنا، فيجلسان ويقول المذنب: أيها القسيس! باسم الرب والروح القدس فعلت كذا وفعلت كذا وفعلت كذا، ثم يدخله القسيس -مسخرة- يقدم له إناء فيضع فيه كذا دولار أو كذا عملة معينة، ثم يدق جرس ويقول: قد غفر الله لك. لا تضحكوا يا إخوان، وشر البلية ما يضحك، من قُدر له أن يزور سيجد من هذه السخافات والعجائب، وكل كنسية لها طريقة في التوبة وفي الاعتراف وفي طريقة الغفران، لكن في دين الإسلام لا أحد يذهب إلى القاضي أو الشيخ أو العالم ليقول: إني أذنبت وفعلت وفعلت، نعم إذا كان مبتلى بذنب، ما يقول: أنا أذنبت، يقول: كيف ما هي نصيحتك لمن وقع في ذنب كذا، أو يريد التخلص من كذا، أو شخصٌ ما يريد أن يتخلص من كذا، ما تأتي لتفضح نفسك؛ لأن الله ستير يحب الستر ومن ستر مسلماً ستره الله، لا واسطة بيننا وبين الله.

لا داعي للواسطة بين التائب وبين ربه

لا داعي للواسطة بين التائب وبين ربه من جميل ما قاله أحد المفسرين: إن الله عز وجل في كتابه الكريم في سورة البقرة لما سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219] قل أي: يا محمد {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة:220] {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة:217] {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:222] {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] فما سأل الصحابة سؤالاً إلا قال الله عز وجل: يا محمد قل لهم الجواب كذا. ولما سأل الصحابة عن الاتصال بالله، قالوا: يا رسول الله! ربنا بعيدٌ فنناديه أم قريبٌ فنناجيه، فقال الله عز وجل ما قال قل يا محمد، وإنما جاءت في كتابه الكريم {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] ما فيها واسطة، حتى الاتصال بالله ما تحتاج إلى أنك تتصل بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم تتصل بالله عز وجل، نعم صلتنا بالله في معرفة ما أراده الله في تطبيق شرع الله، لكن في المناجاة يا محمد قل للناس، يا محمد ندعوك أن تبلغ دعوتنا لله، لا، يا ألله مباشرة، يا ألله مباشرة، وهذه من هذه الكرامات والمنن العظيمة الجليلة التي أكرمنا الله بها في هذا الدين. ومما زادني شرفاً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا أن يكون الواحد عبداً لله، وأن يناجي الله عز وجل مباشرة، ما أطيب وألذ وأجمل هذه الصلة! إن الدنيا ربما يحتاج الإنسان إلى وساطات حتى يتوصل إلى فلان أو زعيم أو أمير، لكن الصلة بملك الملوك وهو الله مباشرة.

أمور ضرورية للمبادرة

أمور ضرورية للمبادرة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: أيها الأحبة في الله! علمنا أن الغنيمة تفوت، وأن العمر يمضي، وأن الفرصة ثمينة، وأن ما فات لا يسترد، فما الذي يردنا عن المبادرة إلى التوبة؟ وما الذي يردنا عن المبادرة إلى المسابقة في الأعمال الصالحة، وإلى التنافس في مرضاة الله عز وجل؟ قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قعد من ابن آدم بأطرقه، فقعد له في طريق الإسلام فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك، فعصاه فأسلم، ثم قعد الشيطان للمسلم في طريق الهجرة، فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس ذي الطول -الطول هو الحبل الشديد يشد أحد الطرفين في وتدٍ والطرف الآخر في يد الفرس ليدور فيه ويرعى ولا يذهب- فعصاه فهاجر، ثم قعد الشيطان للعبد في طريق الجهاد، فقال: تجاهد، فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال، فعصاه فجاهد، فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن وقفته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة) رواه أحمد والنسائي وابن حبان بإسنادٍ صحيح.

ضرورة المجاهدة

ضرورة المجاهدة أيها الأحبة! المبادرة تحتاج إلى مجاهدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. المبادرة تحتاج يقظة وحذراً من هذه الملهيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:9 - 11] لا بد أيها الأحبة من المبادرة، ولا بد أن تعلم أن الليل والنهار يمضيان ويسرعان. والليل فاعلم والنهار كلاهما أرواحنا فيها تعد وتحسب قال الجنيد لرجلٍ وهو يعظه: جماع الخير كله في ثلاثة أشياء: إن لم تمض نهارك بما هو لك فلا تمضه بما هو عليك، وإن لم تصحب الأخيار فلا تصحب الأشرار، وإن لم تنفق مالك فيما لله فيه رضاً فلا تنفقه فيما لله فيه سخط وغضب: صرمت حبالك بعد وصلك زينب والدهر فيه تصرمٌ وتقلب فدع الصبا فلقد عداك زمانه وازهد فعمرك مر منه الأطيب ذهب الشباب فما له من عودة وأتى المشيب فأين منه المهرب؟ ضيفٌ ألم إليك لم تحفل به فترى له أسفاً ودمعاً يسكب دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب واخش مناقشة الحساب فإنه لا بد يحصى ما جنيت ويكتب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعب

ضرورة احترام الأوقات

ضرورة احترام الأوقات أيها الأحبة! المبادرة إلى الخيرات تحتاج احتراماً للأوقات، الوقت هو الحياة، والذي لا يحترم وقته لا يحترم حياته، والذي لا يحترم حياته لا يحترم نفسه ولا يحترم شخصيته، الناس كلهم اليوم الواحد يتمنى أن يكون مهيباً عزيزاً كريماً موقراً بين الناس محترماً بين من حوله، فكيف يوقر ويحترم وهو يهين نفسه بإهانة وتضييع وقته. قال حماد بن سلمة: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً، وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئاً، أو عائداً مريضا أو مشيعاً جنازة أو قاعداً في المسجد قال: فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله عز وجل، يقول حماد: نتوقع أن سليمان التيمي لا يعرف كيف يعصي الله، والحقيقة أنه يعرف، وكل واحد يعرف كيف يعصي الله، والأتقياء يعرفون، لكن لماذا لا يعصون؟ لأنهم لا يريدون أن يبيعوا الباقية والخير العظيم بالفانية التافهة وهي الدنيا.

ضرورة التفكر في حقارة الدنيا وعظمة الآخرة

ضرورة التفكر في حقارة الدنيا وعظمة الآخرة قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم في كتاب وصف الجنة: (مثل هذه الدنيا كمثل ما يضع أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بمَ يرجع) القطرة التي تسقط من أنملتك هي الدنيا، واليم المحيط والبحار هي الآخرة، فمن الذي يبيع المحيط بقطرة؟ من الذي يبيع الدنيا بشبر؟ من الذي يبيع المليار بهللة؟ من الذي يبيع الكمال والبقاء بالزوال والفناء؟ سبحان الله العظيم! إن لم نبادر أيها الأحبة فنحن على خطرٍ عظيم، وواجبنا أن نتهيأ وأن نستعد فيما بقي، فما فات لن يعود أبداً. ما مضى فات والمؤمل غيبٌ ولك الساعة التي أنت فيها كان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ويحك يا يزيد! من الذي يصلي عنك بعد الموت؟ من الذي يصوم عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس! ألا تبكون ألا تنوحون على أنفسكم باقي حياتكم، يا من الموت موعده، والقبر بيته، والثرى فراشه، والدود أنيسه، ومع هذا ينتظر الفزع الأكبر؛ كيف يكون حاله؟! إذاً أيها الأحبة! فلنبادر بالعمل الصالح، وخير المبادرة ما كان في طاعة الله، اتق المحارم تكن أعبد الناس، ترك المعاصي وفعل الواجبات في الدرجة الأولى، والله لو أن الواحد إذا سمع الأذان حي على الصلاة حي على الفلاح رمى الشغل الذي في يده وذهب إلى المسجد، لا نريد مزيداً من الصيام، ومزيداً من التهجد، ومزيداً من أعمال كثيرة، جرب نفسك مع هذه العبادة التي هي أول ما ينظر في عمل العبد يوم القيامة، انظر نفسك مع الصلاة، والله لو عود الواحد نفسه ألا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح إلا وهو في المسجد، أو يبادر، والله ليجدن لذة يقول: هل من مزيد، هات صياماً، هات صدقة، هات دعوة، هات جهاداً، هات كفالة أيتام، هات كفالة دعاة، يريد أن يفعل كل خيرٍ يقربه إلى مزيد قربى من الله سبحانه وتعالى. أيها الأحبة! الحديث كثير، ولكن نريد أن يكون العمل كثيراً أيضاً، يقول الله عز وجل في شأن من طبق ما علم، ونفذ ما سمع، وانتصح واتعظ بما وعظ، أي: ليست مجرد معلومات وثقافة واستعراض مهارات، لا والله يا أحباب، علينا أن نعلم أن الكلام الذي نقوله ونسمعه حجة علينا يوم القيامة، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:66 - 68] أربع فوائد عظيمة لمن يبادر ويطبق هذه المعلومات، ويحول العاطفة والالتزام إلى برنامج عمل. أسأل الله أن يتوفانا على طاعته ومرضاته، اللهم يا حي يا قيوم! نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، واسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، أن تجعل لي وللحاضرين من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا تائباً إلا قبلته بمنك وكرمك يا رب العالمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجمع اللهم شملنا وحكامنا وعلماءنا، ولا تشمت بنا حاسداً ولا تفرح علينا عدواً، إنك ولي ذلك والقادر عليه. آمين يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

رجاء!!

رجاء!! Q كتب فيه السائل في أوله: الرجاء قراءة هذا السؤال، ولعلنا جميعاً نشارك هذا السائل فيما ذكر، فهو يقول: أخي فضيلة الشيخ! إني أحبك في الله، ولا أحبك لشيءٍ من أمور الدنيا، وإني عندما أسمع صوتك أرتاح راحة نفسية، ونحن في مدينة شرورة نرحب بك ونرجو منك تكرار الزيارة لنا، لكي تعطر الجو بصوتك الجميل. A والله يا أحبابنا لو كنت شاعراً لقلت فيكم أبياتاً، ولا أخفيكم أني منذ أن هبطت الطائرة في هذا المكان انشرح صدري انشراحاً بالغاً، وما كنت أجد هذا في بعض المناطق، فلعلها من دلائل الخير والفضل والتوفيق، وأسأل الله أن يثبتنا وإياكم على طاعته ومرضاته، وأعد إن شاء الله بتكرار هذه الزيارة، وأنتم أصحاب الفضل بعد الله سبحانه وتعالى أن شرفتموني بالحديث إليكم والنزول بين يديكم.

نصائح في دعوة الجار

نصائح في دعوة الجار Q فضيلة الشيخ! كثرت الأسئلة عن التهاون في الصلاة، وكلها تدور حول الجار الذي لا يحضر المسجد، وهذا سؤال منها يقول: عندي جار وله أربع سنوات ومنزله مقابلٌ للمسجد، ولكن لا يصلي في المسجد، وقد نصحته مراراً لكنه يرد عليَّ بقوله: إني أصلي من قبل أن أعرفك، ما هي نصيحتكم لهذا ولغيره؟ A يتلطف معه في الدعوة وبالكلمة الطيبة لعل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيده إلى الهداية، والدين النصيحة، المهم ألا تحول النصيحة إلى فضيحة هذه قضية مهمة. المسألة الثانية: اعلم أخي الحبيب أنك مكلفٌ بالبلاغ، والهداية بيد الله عز وجل: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20] {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7] {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272] {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56] لاحظ أخي الحبيب أن النبي صلى الله عليه وسلم يُخَاطَب في غير موضعٍ من كتاب الله ليقال: إنما عليك البلاغ، إنما أنت منذر، إنك لا تهدي من أحببت، ليس عليك هداهم، لكن يخاطب ويقال: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67] فإذاً نحن علينا البلاغ، والهداية بيد الله عز وجل، وهذا الذي تنصحه لعله بعد استمرار النصيحة يهتدي، فلا تمل نصيحته أبداً، قد يأتيه يومٌ إما أن يصلي وإما أن يرحل عن جوارك، لأنه لا يريد أن يكون بجواره رجلٌ يتربص به كلما نزل به ليأمره بالصلاة وينهاه عن المنكر.

مخاطر القنوات الفضائية

مخاطر القنوات الفضائية Q من الأمور التي كثرت عنها الأسئلة الأطباق الفضائية (الدشوش)! A أيها الأحبة! الفضاء اليوم مملوء بالصور والكلمات والأفكار والأطروحات والقضايا الخطيرة، فلا ينبغي أن يكون موقفنا هو موقف المنهزم، بل يقول الله عز وجل: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33] {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17] ينبغي أيها الأحبة أن نحصن أبناءنا من بداية مراحل الطفولة، وفي بدايات مراحل التعليم بالحق أولاً؛ حتى إذا عرفوا الحق أدركوا أن ما سواه الباطل، ولا بأس أن ننوه بأنواع الأخطار والضلالات والمصائب، مع أنه سيأتي الحديث عن قضية الدش، لكن هذه المسألة مهمة قبل ذلك وبعده، ربما لو أتينا لنقول لأحد الإخوة مثلاً: ضع شريط (الكاسيت) في (كرتون الفاين)! فهل سنسمع الشريط؟! لا. لأن مكانه الطبيعي هو المسجل، وكذلك وضعه في الكأس خطأ، ووضعه تحت الطاولة خطأ، ووضعه في الجيب خطأ، ووضعه على الأرض خطأ!! كم تتصورون من احتمالات خاطئة، ملايين الاحتمالات من الأخطاء، لكن المكان الطبيعي لهذا الشريط هو: جيب هذا الجهاز، فينبغي أن نبدأ أولاً بتعليم مجتمعنا وأبنائنا وبناتنا ورجالنا ونسائنا الحق، ويعلمون أن ما سواه الباطل، لأن تعليم الحق لا يكلفك إلا بيان الموقع الطبيعي، والصيغة والمقام والمكان والزمان لهذا الحق الذي تدعو إليه، فإذا علمنا ذلك أدركنا أن ما سواه هو الباطل، فأمام هذا السيل الجارف من الصور والكلمات والأفكار ينبغي أن نركز على تعليق الأسس والمبادئ، ولئن كانت الصين الوطنية الكبيرة التي أخذت من الآن رغم الضلال البعيد يعلمون الأطفال من جديد مبادئ (ماوتسي تونغ) من أجل المحافظة على أصول الشيوعية حتى لا يجرفها تيارٌ أو ما يسمى التغيير أو غير ذلك. فنحن أيضاً أيها الأحبة ونحن دعاة حق يجب علينا أن نعمق كل صور الحق، وأن يعلموا أن ما سواه هو الباطل، حتى لا تبقى عقولهم خالية فتكون كما قال القائل: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا هذه الدشوش نقلت أفكاراً خطيرة، وحولت أوضاع المجتمعات إلى صور وغرائز، ولو أن راصداً أو باحثاً يستقصي بالأرقام والبيانات حجم الجرائم والمشكلات والمشاكل الزوجية، والخيانات والجنح والأخطاء الكثيرة لوجد أن المؤشر يرتفع منذ بداية الدشوش إلى يومنا هذا، والسبب أن هناك سماً زعافاً يبث للناس، يا عجباً لرجلٍ لو قلت له: تعال أعطني ولدك أريد أن أتحدث معه على انفراد، أرجوك لا تتدخل ودعني أتكلم معه!! ماذا تقول؟ لماذا تنفرد به؟ لماذا تكلمه بهذه الطريقة؟ تجد نفسك حريصاً على أن تعرف ما سأقول له، فلماذا لا تكون حريصاً لتعرف ماذا يقول الدش لأولادك وبناتك؟ يا من تتركهم ست ساعات وخمس ساعات وأربع ساعات ضيعوا الدراسة، وتركوا الصلاة، وضيعوا العفاف وتمردوا على قيم الفضيلة، وتجرءوا على السفور والتبرج، وعلى أمور خبيثة ما كنا نعرفها في مجتمعنا إلا يوم أن عرفنا الدش. ولعلكم في هذه المدينة الصغيرة أحسن حالاً من مدنٍ كبيرة كل ما ينشر في الدش اليوم تجده غداً أو بعد غد (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه). الآن يوجد من الشباب من يقلد الذين يراهم عبر الفضائيات من المطربين والمخنثين!! والله يا أحباب! مرة في إحدى مدن الولايات المتحدة في مركزٍ إسلامي، جاء شابٌ ظننت أنه منهم يضع ربطة بنت، وجاء فسلمت عليه، وقلت: إن شاء الله هذا مسلم جديد، داخل في الإسلام، ولنفرح به مهما كانت حاله، قال: ألا تعرفني؟ قلت: بسم الله الرحمن الرحيم، قال: أنا فلان، أنا جاركم أنا في البيت الفلاني، قلت: ما الذي جاء بك؟! ما الذي تضعه على رأسك، قال: يا شيخ أنا ساكن في مجتمع غربي ولا حول ولا قوة إلا بالله. لما رأت أختها بالأمس قد خربت صار الخراب لها أهدى من الجرب الخراب يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب، فيا أحبابنا! بعض الناس إذا ناقشته في الدش قال: أنا يا أخي أتتبع الأخبار! أنا أنتبه للأطفال! وأنا وأنا، أنا قد أغزو! أنا سياحي، رجل صاحب قرار سياسي، رجل صاحب قرار عسكري، رجل مسئوليته تحتم عليه هذا، لكن واحد ينظر في الدش يتفرج عليه وينام عن صلاة الفجر قال: نحن نتتبع الأخبار! قلت: أخبرني عنها، قال: في أفغانستان قتلوا ماذا فعلت؟ هذه آراكن في البوسنة ماذا فعلت؟ هذه البوسنة قاتلوا الصرب فعلوا ماذا فعلت؟ مصائب المسلمين، اليهود مزقوا الناس في فلسطين وقاتلوهم وقتلوهم وشردوهم وكسروا عظام الشباب وسجنوا وفعلوا، ماذا فعلت؟ يا أخي لا تكذب وإذا بليتم فاستتروا. بعض الناس زوجته وقعت في الفاحشة مع ذي محرم، فعلت الفاحشة مع خالها الذي هو أخو أمها، بسبب ماذا؟ بسبب القنوات والأطباق، وعما قريب سيأتي طبق أكبر من هذا يأتي بأربعين محطة، فالمسألة تحتاج إلى تربية، وتحتاج إلى تعميق الإيمان بالله في النفوس، مساحة لا يمكن أن تصل إليها رقابة الشرطة أو القانون أو الحاكم أو المسئول، إنها الرقابة الذاتية فيما بين الإنسان وبين الله عز وجل. بعض الناس للأسف يعطي لولده الحرية المطلقة، حمل! ولادة! رضاع! يترعرع ثم إلى الهاوية، والله لأن يكون أحدكم عقيماً خيرٌ من أن يكون له ولدٌ بهذه الحال، الذي أخرجه به إلى الدنيا وضيعه وأهمله، لا تربية! لا قدوة! ولا تعليم! لا هداية! لا ثقافة! لا تحذير من المعاصي! ثم أطلقه سماً وخنجراً على المسلمين!! وأبناءً حسبتهم سهاماً فكانوها ولكن في فؤادي وإخواناً جعلتموهم دروعاً فصاروها ولكن للأعادي فيا أحبابنا! أنصحكم والعقلاء يسمعون النصيحة، أثر في مدينة الرياض رجل برسالتين الرسالة الأولى ثم تبعتها رسالة ثانية بغض النظر عن الحلال والحرام تناقشه مناقشة عقلية برسالتين بفضل الله عز وجل أخرج الدش من بيته من الذي يقتنع أن وجود الدش حرام؟ يا إخوان نحن ننظر إلى تاريخ صلاحية العلبة من الجبن أو القشطة أو المربى، ونقول: لا لا هذه انتهت الصلاحية، انتهت، لا تأكلها فيحدث تسمم، لكننا نحضر السموم ونسقيها أبناءنا في غفلتنا عما يعرض عليهم في هذه الشاشات. هل تعلمون أن بعض الأمريكان أو الكفار أصبحوا الآن يطالبون بالتخلص من هذا البث، ويرون أن من علاج المجتمع الأمريكي الذي نشأت فيه الجريمة المبكرة هو التخلص من هذه القنوات، ويقولون: إن هذه الأفلام علمتهم السرقة والقتل والجريمة.

نصائح في مواجهة بعض الفتن

نصائح في مواجهة بعض الفتن بارك الله فيك! هذان سؤالان في معنى واحد؛ فالأول يقول فيه السائل: كيف يتقي الإنسان الفتن وما هي الأسباب الميسرة للاستقامة على دين الله يقول خاصة فتنة النساء؟ سؤال آخر: كيف يواجه الشاب المسلم الآتي: الشيطان، الشهوة، النفس، الهوى، وكيف ومتى يعلن الالتزام، وكيف يكون الصبر على الطاعة، وعن المعصية؟ A على أية حال فإن قضية أن يتقي الإنسان الفتنة فأجيب عليها بالمثل العامي يقولون لك البادية: لو أعطيت الجني قل: بسم الله، قال واحد: لا تعط الجني ولا تسمي. كيف تتوقى الفتن؟ لا تقرب الفتن: قالت الأرنب قولاً جامعاً كل المعاني أشتهي ألا أرى الذئب ولا الذئب يراني لا تطلب الفتن تسلم بإذن الله عز وجل، أما واحد يعرض نفسه للفتن، ويقع في أماكن الرذيلة، أماكن الخطر، مواقع السوء، مجالس اللهو، مجالس الغفلة، ثم يقول: كيف التوقي من الفتن؟ تسبح في بركة (بنزين) وتقول: أخاف الاحتراق، هذا ليس بصحيح، التخلص من الفتن ما هو بصنعة صاروخ ولا كبسولة ولا حقنة في الوريد، أنت تأخذ أرجلك وتبتعد عن مكان الفتنة، يوجد جلسة فيها لهو، غفلة، معصية، ابتعد عنها واذهب إلى جلسة فيها ذكر وطاعة خير من جليس السوء، ولأن تشتغل في أي عملٍ مباحٍ من أمور الدنيا، خيرٌ من أن تجلس في جلسة فيها ما يجرك إلى ضياع دينك ودنياك. أما كيف ومتى وأين ولعل وسوف، والصيدليات المناوبة، ودرجات الحرارة في الالتزام، إجابة هذا السؤال الكبير؟ يا أخي الحبيب لا تحتاج إلى مكان ولا تحتاج إلى جماعة، إذا عندك أشرطة ومجلات فقطعها، وكذلك سائر المعاصي ابتعد عنها واهجرها، وهذا خير سبيل للوقاية من الفتن، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بر الوالدين [1]

بر الوالدين [1] بر الوالدين من أسباب الفلاح، ووسائل نيل العبد رضا الله تعالى، فحق الوالدين مقرون بحق الله، ولا يسقط بحال، بل قد جعل الله الجهاد وهو ذروة سنام الإسلام متوقفاً على إذنهما مالم يتعين، وهنا يتحدث الشيخ عن حقوقهما وفضل برهما.

جوانب طاعة الوالدين وأهمية برهما

جوانب طاعة الوالدين وأهمية برهما إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: يا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى بمراقبة أمره، وفعل كل ما أمر، اتقوا الله تعالى بالبعد عما عنه نهى وزجر. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً} [الإسراء:23 - 25]. معاشر المؤمنين: إن الله جل وعلا أمر عباده بتوحيده وعبادته، وقرن ذلك ببر الوالدين كما قرن شكرهما بشكره سبحانه وتعالى، حيث يقول في كتابه الكريم: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14] فحق الوالدين والبر بهما عظيم جداً، وحسبكم أن يكون في أوائل الأعمال المحبوبة إلى الله جل وعلا، فقد روى البخاري (أنه صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) فانظروا كيف قدم البر بهما على الجهاد في سبيله. ومن محض حق الوالدين الذي ينبغي ألا يتساهل به أحد منا معاشر الأحباب، هو ألا نكون سبباً لأن نعرضهما أو نتعرض لهما بالإساءة والعقوق، أو أن نعرضهما للسب والشتيمة، فإن ذلك من الكبائر التي ثبتت في السنة النبوية، ولقد جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: يا رسول الله! وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم! يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه) ومن المؤسف حقاً أن تسمع شتيمة الرجل لأم الرجل وأبيه في كثير من الأحيان على ألسنة البعض هداهم الله إلى التوفيق والسداد. معاشر المؤمنين: إن الإنسان مهما كان في خصومة مع غيره من الناس ينبغي ألا يتعرض لوالديه بسب أو شتيمة، والكثير من الناس إذا تشاجر مع رجل آخر بدأ بشتيمة أمه وأبيه، فيقول: فعل الله بأمك، وفعل الله بأبيك، أو يابن الفاعل ويابن الفاعلة وأمه وأبوه قد يكونان في القبور، فيكون بذلك قد سب مسلماً في قبره، وعدوه أو خصمه الذي يتشاجر معه أمامه لم يتعرض لشيء من هذا -ولا ينبغي أن يتعرض باللعن أو الشتيمة على خصمه- ولكن المصيبة إن تعدت من هذا الخصم إلى والديه. عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت) رواه البخاري ومسلم والترمذي. والأحاديث في الزجر عن عقوق الوالدين وأن ذلك من الكبائر كثيرة جداً -يا عباد الله- ويكفي أن نعلم أن عقوقهما كبيرة تكون سبباً لحرمان المسلم من التوفيق وتكفير السيئات؛ لأن الله جل وعلا يقول: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] فكيف تكفر سيئات من أصر على عقوق والديه، أو شتم أمه وأباه متناسياً حقوقهما عياذاً بالله من ذلك؟!

مفهوم عقوق الوالدين وأهمية اتباع أمرهما

مفهوم عقوق الوالدين وأهمية اتباع أمرهما وحقيقة العقوق -يا معاشر المؤمنين- هو مخالفة الوالدين في كل شأن لهما، فلا يجوز لمسلم أن يخالف أمر والديه، بل تجب طاعتهما أياً كانت الظروف، بل لا يجوز تأخير قضاء حوائجهما التي طلبت على الفور إلا بإذنهما أن تقضى بعد الفراغ أو بعد فراغ الابن من حاجته. فاحذروا -يا عباد الله- كل الحذر من مخالفة أمرهما والتهاون به، ولو كان الواحد منشغلاً بأجل الأعمال وأزكاها، روى البخاري في الأدب المفرد وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما تكلم مولود من الناس في المهد إلا عيسى بن مريم وصاحب جريج، فقلنا يا نبي الله! وما صاحب جريج؟ قال صلى الله عليه وسلم: إن جريجاً كان رجلاً راهباً في صومعة له، فأتت أم جريج يوماً فأخذت تناديه وقالت: يا جريج! وكان يصلي، فقال جريج في نفسه وهو يصلي: يا رب! أمي وصلاتي، فرأى أن يؤثر صلاته، ثم صاحت به أمه مرة أخرى: يا جريج! فقال في نفسه وهو يصلي: يا رب! أمي وصلاتي، فرأى أن يؤثر صلاته فلم يجبها، قالت أمه: لا أماتك الله يا جريج حتى تنظر في وجوه المومسات، ثم انصرفت. وفي ذلك الزمان كان راعي البقر يأوي إلى أسفل صومعة جريج، وكانت امرأة من أهل القرية تختلف إلى الراعي؛ فولدت منه بعد أن زنى بها، فأتي بالمرأة إلى الملك فقال لها: ممن حملت وولدت؟ قالت: من جريج، قال الملك: أصاحب الصومعة؟ قالت: نعم. قال: اهدموا صومعته وائتوني به، فضربوا صومعته بالفئوس حتى وقعت، ثم جعلوا يده إلى عنقه بحبلٍ، ثم انطلق به، فمر على المومسات فرآهن فتبسم وهو يذكر دعوة أمه يوم أن قالت: لا أماتك الله حتى تنظر في وجوه المومسات، فرأى المومسات وهن ينظرن إليه في الناس، فقال له الملك: ما تزعم هذه؟ قال جريج: وما تزعم؟ قال: تزعم أن ولدها منك، فقال جريج لها: أنت تزعمين ذلك؟ قالت: نعم. قال: أين هذا الصغير، قالوا: هو ذا في حجرها. فأقبل عليه العابد فقال: من أبوك؟ فقال الصغير: راعي البقر، فقال الملك: أنجعل صومعتك من ذهب؟ قال: لا. قال: أمن فضة؟ قال: لا. قال: فما نجعلها؟ قال: ردوها كما كانت، قال الملك: فما الذي تبسمت له؟ قال جريج: أمراً عرفته، أدركتني دعوة أمي حين كنت في صلاتي يوم أن لم أجبها ثم أخبرهم بقصته) وقال بعض العلماء: ولعل في شريعتهم آنذاك أن الكلام ليس ممنوعاً في الصلاة، وقيل غير ذلك. وخلاصة الأمر من هذه القصة يا عباد الله! أهمية اتباع أمر الوالدين فيما ليس بمعصية الله، وتوقي سخطهما ودعوتهما على الابن، فإن دعوة الوالد لا ترد، لذا فأوصيكم ونفسي -يا عباد الله- أن تطلبوا من آبائكم وأمهاتكم أن يخصوكم بالدعاء فيما يخصون به أنفسهم، لأن دعوة الوالد لولده مستجابة بمشيئة الله جل وعلا. واعلموا معاشر المؤمنين: أن ما ذكرناه من الآيات والأحاديث غير وافٍ في شأن الوالدين، ولعلنا أن نتمه في مناسبة قادمة وإنما أحببنا أن ننبه على أهمية طاعتهما والمسارعة بتحقيق ما أمرا به، أياً كان المسلم منشغلاً بأي عمل جليل من الأعمال إلا أن يكون الأمر معصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان:14 - 15]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

أهمية تقديم حق الوالدين على الزوجات والأقارب

أهمية تقديم حق الوالدين على الزوجات والأقارب الحمد لله؛ الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شي، وهو الباطن فليس دونه شيء، وبيده مقاليد كل شيء، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلاله، وعظيم سلطانه، كل ذلك تعظيماً لشأنه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وسلم الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. معاشر المؤمنين: اعلموا أن الله جل وعلا أمركم بالتقوى وخلقكم لعبادته، فإن الله ما خلقكم ليستكثر بكم من قلة، وما خلقكم ليستعز بكم من ضعف، وإنما خلقكم لعبادته، ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، فاعرفوا حقيقة ما وجدتم له، وأنيبوا إلى ربكم وتوبوا إليه، واتقوا الله تعالى حق التقوى، وتذكروا أن وجوهكم وأجسامكم على وهج النار لا تقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله. معاشر الأحباب: إن من المسلمين هداهم الله من تهاون بحق والديه تهاوناً وصل به إلى إكرام زوجته على حساب أمه، ومنهم من وصل به الأمر إلى أن يفضل رغبة زوجته، وأن يقضي حاجتها قبل حوائج أمه، بل إن منهم من يحب أن يقضي حاجة أدنى زملائه قبل أن يقضي حوائج والديه، أفنسيت أنها حملتك وهناً على وهن تسعة أشهر في بطنها، ولو حملت شيئاً أقل من ذلك على كتفك خارج جسمك لذقت به ذرعاً ولو يوماً أو بعض يوم؟ فما شأنك بمن حملتك، وتوحمت بك، وسهرت الليالي والأيام لأجلك، وبعد أن وضعتك سرت بوجودك حياً سليماً معافى، ثم أخذت تميط الأذى عنك وتنظفك، وترضعك من خالص ثديها، ومن لين درها، وأنت بعد ذلك تقابلها بالإساءة والعقوق، لا والله ما هذا بحق الوالدين ولا هذا بحق الآباء والأمهات. وتأكدوا -معاشر الشباب- أن الواحد منكم لن يدرك حق والديه إلا بعد أن يرزق بمولود صغير ليعلم كيف يمشي هذا المولود على لحم قلبه، وإن وقع ذلك الطفل على الأرض فكأنما الذي وقع أحشاؤه أو وقع قلبه، وليس الذي وقع هو ولده، من شدة شفقة الوالد على ولده. إذاً: فاعلموا أن في قلوب أمهاتكم وآبائكم من هذا الشعور ما الله به عليم وإن كنتم لا تدركونه، وإن كنتم لا تحسونه، ولذا فإن حق الوالد عظيم، وجزاؤه على الله إن شاء الله جنات النعيم. معاشر المسلمين: إياكم أن تقدموا الزوجات على الأمهات! وهذا من البلايا التي حلت في هذا الزمان، فإن الكثير من الناس لا يبالي أن يخرج بزوجته في أي وقت سواء كانت أمه في حاجتها أو لا، ولا يبالي أن يرضي زوجته بما شاءت من اللباس والذهب وغير ذلك دون مراعاة لخاطر أمه، ودون مراعاة لما بذلته في سببه، ودون مراعاة لما بذلته لأجله، فينبغي إن كنت تتودد لزوجتك أن تتودد أضعاف أضعاف ذلك لأمك؛ فإن لها حقاً عظيماً، وينبغي ألا يكون الإنسان متساهلاً لدرجة أن البعض يسمع كلام زوجته في أمه، ويسمع كلام زوجته في أبيه، فيضطره ذلك إلى الخروج من المنزل وهجران والديه وتركهما وهما في أشد الحاجة إليه. ما هذا بجزاء الإحسان، وما هذا بجزاء التربية، وما هذا بجزاء العطف والحنان، إذاً: فالتفتوا لذلك يا عباد الله! ومن الشباب -هداهم الله- من إذا زاد الريال في يده، ورأى رغبة زوجته في مفارقة أمه وأبيه من غير سبب وجيه أو شرعي يفضي إلى ترك والديه، انشغل بزوجته وبأقارب زوجته وترك أمه وأباه، فهل هذا من العدل والإنصاف؟! وهل من حق الوالدين أن تتركهما في أشد الحاجة إليك وتذهب إلى هنا أو هناك؟! إذاً: فالتفتوا لذلك معاشر الشباب! ومن كان في نفسه أن يخرج من بيت أمه وأبيه فلا يخرج إلا بعذر وجيه شرعي، وبعد أن يستسمح والديه وإن استطاع أن يكون مستقلاً بقربهما حتى إذا دعت حاجة أحدهما إليه انطلق مسارعاً لتلبيتها في أي ساعة من ليل أو نهار. ومن الشباب هداهم الله من يبلغ به الأمر إلى مقاطعة والده بسبب أمه أو مقاطعة أمه بسبب والده، فلقد عرفنا الكثير منهم هداهم الله يهجر والده لأن أمه غضبت يوم أن تزوج أبوه زوجة ثانية أو ثالثة، فقالت له: لا تذهب إلى أبيك أو لا تفعل له كذا أو لا تقضي حاجته، وهذا لا يجوز؛ لأن أباك له عليك حق عظيم، ولأمك عليك حق عظيم، ولا يمنع غضب أحدهما أن تقضي حاجة الآخر. إذاً: فالتفتوا لذلك معاشر الأحباب! وفقنا الله وإياكم إلى البر بهما، وفقنا الله وإياكم إلى نيل رضاهما، ونسأل الله جل وعلا أن يرضيهما عنا وأن يجازيهما عما بذلا فينا جنات النعيم والفردوس الأعلى، ونسأل الله جل وعلا ألا يميتهما بعد عمر طويل وعمل صالح إلا وهما عنا في حالة الرضا وقرارة العين، والشعور ببذل الجهد لأجل البر والصلة تجاههما، أسأل الله جل علا أن يغفر لنا ولكم، وأن يغفر لنا ولوالدينا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وعطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم من أراد المسلمين بسوء، وأراد علماءهم بمكيدة، وأراد ولاة أمورهم بفتنة، وأراد شبابهم بضلال، وأراد نساءهم وبناتهم بتبرج وسفور، اللهم فاجعل كيده في نحره، وأدر عليه دائرة السوء، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدهم لكتابك وسنة نبيك، اللهم أعزهم بالإسلام، وأعز الإسلام بهم، اللهم اجمع شملهم، ووحد كلمتهم، ولا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً. اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم اجعل لكل مسلم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، اللهم سخر لنا ملائكة السماء برحمتك، وسخر لنا جنود الأرض بقدرتك. اللهم يا حي يا قيوم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم لا تحرمنا بذنوبنا فضلك، اللهم لا تحرمنا بمعاصينا رحمتك، اللهم إنا خلقٌ من خلقك، وعبيد من عبيدك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدلٌ فينا قضاؤك، اللهم فارحمنا وكن لنا ولا تكن علينا، وأعطنا ولا تحرمنا، وانصرنا ولا تعن علينا، بقدرتك يا جبار السماوات والأرض! اللهم لا تجعل لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا حيران إلا دللته، ولا عاقاً إلا رددته بالبر لوالديه، ولا قاطعاً إلا رددته للصلة برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لنا ولموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، والأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

بر الوالدين [2]

بر الوالدين [2] طاعة الوالدين من طاعة الله تعالى، وفي الواقع نشهد أموراً لا تقرها الشريعة من سوء معاملة الأبناء لآبائهم، وفي المقابل تجد تعنتاً من الآباء تجاه أبنائهم أحياناً. وفي هذه الخطبة تحدث الشيخ عن عِظَم فضل الأم ومنزلتها، وذكر آثار عقوق الوالدين، إضافة إلى بيان بعض الحقوق الخاصة بالآباء والأمهات على الأبناء.

سوء معاملة الأبناء لآبائهم

سوء معاملة الأبناء لآبائهم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى فهي وصية الله لكم في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: لا شك أن حق الوالدين عظيم بما عظّم الله، وقرن طاعتهما بطاعته، وثنى بالشكر لهما بعد الشكر له، وحسبكم أن عصيانهما من الكبائر التي تؤدي بصاحبها إلى النار والهلاك إن لم يتب من العقوق والقطيعة، ولقد مر بنا ما وقع فيه كثير من الناس وبالأخص بعض الشباب الذين قدموا طاعة الزوجات على الأمهات، وجعلوا حوائج الوالدين بعد الفراغ من حاجاتهم وحاجات أصدقائهم، فترى الرجل له الولدان والثلاثة يقف على قارعة الطريق صباحاً أو مساء في انتظار لمحتسب يوصله إلى قصده وأولاده على فرشهم، لم يشاءوا أن يقطعوا لذيذ النوم من أجل والدهم، وكثيراً ما نرى المرأة تلتمس من جيرانها وممن حولها مساعدتها في الوصول إلى منزل قريب أو لمناسبة معينة، وأولادها في المنزل يتحاسبون كلٌ يقول لأخيه: أنت تذهب بها. فيا للحسرة والأسف على شاب بذل فيه والداه الجهد الجهيد، وفي نهاية الأمر لا ينفعهم في أدنى الحوائج، فاحذروا معاشر المسلمين عقوق الوالدين؛ فإن ذلك سبب للشقاء في الدنيا والخزي والعذاب في الآخرة، جاء في الحديث الذي يرويه النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بعطائه) (وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والمترجلة) رواه الحاكم وصححه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع حق على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه) فإياكم والعقوق، والزموا البر والصلة، واعلموا أن الوالد أوسط أبواب الجنة، فحافظوا على ذلك الباب إن شئتم أو دعوه، وجاء في الحديث عن ابن عباس: (ما من مسلم له والدان مسلمان يصلح إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين من الجنة، وإن كان واحداً فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه، قيل: وإن ظلماه، قال: وإن ظلماه).

تعنت بعض الآباء مع أبنائهم

تعنت بعض الآباء مع أبنائهم اعلموا -معاشر المسلمين- أن من الآباء والأمهات من يتعنتون أولادهم في حق طاعتهم تعنتاً شديداً، يصل في بعض الأحيان إلى أمر الوالدين أو أمر أحدهما ولدهما أن يطلق زوجته، أو أن يفارق جلساءه الصالحين وأصدقاءه وألا يخالطهم أبداً، فهذا معاشر الآباء تشدد في باب الطاعة والبر، فما المصلحة لأب أو أم كرها زوجة ابنهما لغير سبب فأمراه بطلاقها، أيريدون أن يتجنوا على تلك الزوجة الضعيفة المسكينة، حتى إذا طلقت عاشت دهرها أيماً لا زوج لها، وقد يجران البلاء والشقاء لولدهما في الحصول على زوجة جديدة قد توافقه وقد لا توافقه، وقد كان قرير العين بزوجته الأولى راضياً بها. وينبغي للشاب المسلم إذا وقع في مثل هذا أن يحتسب الجهد في إقناع والديه لبقاء زوجته عنده وعدم طلاقها، وتأكيد حق والديه على زوجته بمضاعفة البذل والخدمة والعناية. أما تشدد بعض الأباء -هداهم الله- على أبنائهم في مجالسة الصالحين والأخيار من الأصدقاء؛ فإنهم بتشددهم هذا؛ يفتحون المجال لهم لمجالسة الأشرار والسيئين والفاسدين، فالنفس لابد لها من صاحب، إما أن يكون جليساً صالحاً أو جليساً سيئاً، وقد يتشدد الأب على ولده في هذا النوع من المجالسة خوفاً عليه ولا شك، فالحل عند ذلك لا يكون بقطع الابن عن أصدقائه وجلسائه الصالحين، بل الصواب هو متابعة الابن والتأكد من ذهابه مع أصدقائه الصالحين وسؤاله عما يدور بينهم في مجالسهم، سؤال تلطف واستفادة متبادلة، لا سؤال تحقيق وامتحان، وعند ذلك يطمئن الأب إلى ذهاب ولده وإيابه. وبهذه المناسبة أكرر النصح والدعوة إلى الشباب عامة وللأخيار الصالحين منهم خاصة، أن يضاعفوا البذل والعطاء والبر والإحسان بوالديهم، فإن الجميع ولا شك مقصر في هذا الباب تقصيراً عظيماً.

عظم منزلة الأم في الطاعة

عِظَمُ منزلة الأم في الطاعة اعلموا أن للأم النصيب الأوفى والدرجة العظمى في مقام البر وحسن الصلة، ففي الحديث الصحيح أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال ثم من؟ قال: أبوك) ولا عجب أن تنال الأم هذا النصيب من البر والصلة ولها حق كبير وكثير، وما نقدمه لها يسير، وقيل بالنسبة لما قدمته لنا: فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنة وزفير وفي الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غصص منها الفؤاد يطير وكم غسلت عنك الأذى بيمينها وما حجرها إلا لديك سرير وتفديك مما تشتكيه بنفسها فمن ثديها شرب لديك نمير وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها حنواً وإشفاقاً وأنت صغير فآه لذي عقل ويتبع الهوى وآه لأعمى القلب وهو بصير فدونك فارغب في عميم دعائها فأنت لما تدعو إليه فقير وذكر أن أبا الأسود الدؤلي تخاصم مع امرأته إلى القاضي في غلامها منه، أيهما أحق بحضانته، فقالت المرأة: أنا أحق به؛ لأنني حملته تسعة أشهر ثم وضعته ثم أرضعته إلى أن ترعرع بين أحضاني كما ترى، فقال أبو الأسود: أيها القاضي: حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، فإن كان لها بعض الحق فيه؛ فلي الحق كله أو جله، قال القاضي: أجيبي أيتها المرأة، قالت: لئن حمله خفاً فقد حملته ثقلاً، ولئن وضعه شهوة فقد وضعته كرهاً، فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها ودعني من سجعك. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن امرأة قالت: (يا رسول الله! إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري لها حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أن ينزعه مني بعد أن طلقني، فقال: أنتِ أحق به ما لم تنكحي) أي: ما لم تتزوجي، رواه أحمد وأبو داود. يقول الإمام القرطبي: إن من الإحسان للوالدين والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما، وفي الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد) رواه مسلم. وروى البخاري: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعه على الهجرة، وترك أبويه يبكيان، فقال صلى الله عليه وسلم: ارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما). ولا شك أن بكاء الوالدين لما يجره الولد لهما من العقوق كما جاء ذلك في الحديث، ومن الحديث الذي سبق ينبغي لمن أبكى والديه أو أغضبهما أن يتوب إلى الله، وأن يسعى جاهداً لإرضائهما، وأن يسعى جاهداً لأن يرضيا عنه، ولرد الابتسامة إلى وجوههما بفعل يرون منه ندمه وأسفه على ما فرط في حقهما، وذلك بهدية تليق بمقامهما، والدعاء لهما، والتلفظ واللباقة في معاملتهما. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

آثار عقوق الوالدين

آثار عقوق الوالدين الحمد لله منشئ السحاب، وهازم الأحزاب، ومنزل الكتاب، وخالق خلقه من تراب، أحمده سبحانه حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن المثيل وعن الند والتظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه، ومن اتبع أثره، واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن كل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله. معاشر الأحباب: إن أناساً يعيشون في قطيعة الرحم ويعيشون في عقوق لوالديهم، فهل يأمنون أن يخطفهم هاذم اللذات ومفرق الجماعات وهم على حال كهذه، فأي مصير لهم وأي مصيبة عند سكرات موتهم إن فارقوا هذه الدنيا على حادث أو فجاءة أو أي قدر من الأقدار، وآباؤهم في سخط عظيم عليهم. وإن رجلاً كهذا قد لا يؤمن عليه من سوء الخاتمة، فعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه آت، فقال: يا رسول الله! شاب يجود بنفسه، فقيل له: قل لا إله إلا الله فلم يستطع أن يقولها، فقال صلى الله عليه وسلم: أكان يصلي؟ قال: نعم، فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهضنا معه، فدخل على الشاب، فقال له: قل لا إله إلا الله. فقال: لا أستطيع. قال: لم؟ قالوا: كان يعق والدته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحية أمه؟ قالوا: نعم. قال: ادعوها، فدعوها فجاءت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهذا ابنكِ؟ قالت: نعم. فقال لها: أخبريني لو أُججت نار عظيمة، فقيل لكِ: إن شفعت له صلينا عليه، وإلا حرقناه في هذه النار هل كنت تشفعين له؟ قالت: يا رسول الله! إذاً أشفع. قال: فأشهدي الله وأشهديني أنكِ قد رضيتِ عنه. قالت: اللهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيت عن ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام! قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقالها: ففاضت روحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أنقذ ابنك من النار). وكان هذا الشاب كما ورد في كتب الحديث يؤذي أمه، ويؤثر رضا زوجته على رضاها.

من حقوق الوالدين

من حقوق الوالدين الله الله يا معاشر المسلمين في الوالدين، فإن لها حقاً عظيماً، وإن الجميع مقصرون مفرطون في حقهم، وإن من أدنى الواجب أن يكثر الإنسان الدعاء لهما، وكما جاء في الآية: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:24] أقل الأمر أن لا ينساهم الإنسان في كل صلاة وفي كل دعاء أن يدعو لهم بخالص ما يدعو به لنفسه من الرحمة والمغفرة وهون الحساب ودخول الجنة. معاشر المسلمين: ومن كان والداه كبيرين، فإنهما أعظم باب لدخوله الجنة، وإنه على خطر عظيم إن ماتا ولم يحسن البر بهما، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنفه! رغم أنفه! رغم أنفه! قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة). وتأملوا هذه الواقعة أو هذه القصة معاشر المؤمنين، فإن كثيراً من الناس يستكثر ما ينفق على والديه، ويستكثر بقاء والديه في بيته، ويستكثر خدمته وعنايته بهما، وقد نسي ما قدماه، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أبي أخذ مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: ائتني بأبيك، فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: إن الله يقرئك السلام، ويقول: إذا جاء الشيخ؛ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الرجل؛ قال صلى الله عليه وسلم: ما بال ابنك يشكوك! أتريد أخذ ماله؟ فقال الرجل: يا رسول الله! سله هل أنفقت إلا على عماته أو على نفسه، فقال صلى الله عليه وسلم: دعنا من هذا، أخبرني عن شيء قلته في نفسك لم تسمعه أذناك؟ فقال: أفلا محالة يا رسول الله! قال: نعم. فقال: إني يا رسول الله قلت في نفسي: غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجني عليك وتنهلُ إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهراً أتململُ كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيناي تهملُ تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت حتم مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضلُ فليتك إذ لم ترعَ حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل ُ فأوليتني حق الجوار ولم تكن عليّ بمال دون مالك تبخلُ فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ولده، وقال: أتسمع؟ أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك). إذاً معاشر الأحباب الوالدان لهما حق عظيم، نسأل الله جل وعلى أن يعيننا على القيام بحقهما، وعلى البر بهما، ونسأل الله أن يرضيهما عنا، ونسأله أن يرضى علينا برحمته وبرضاهما عنا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بالمسلمين سوءاً وأراد علماءهم بفتنة، وأراد ولاة أمورهم بمكيدة، اللهم فاجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أرنا فيه يوماً أسود، اللهم أدر عليه دائرة السوء. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد أئمتنا لتحكيم كتابك وسنة نبيك، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، وانصرهم بالإسلام وانصر الإسلام بهم، اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واغرس بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا حيران إلا دللته، ولا عاقاً إلا إلى البر رددته، ولا قاطع رحم إلا إلى رحمه وصلته برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اجعل ما أنزلته من الخير رحمة بنا، اللهم اجعل ما أنزلته من الخير رحمة بنا من غير استدراج بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. معاشر المؤمنين: إن الله قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة لقدسه، وثلث بكم معاشر المؤمنين من جنه وإنسه، فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر نبيك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن العشرة المبشرين بالجنة، وارض اللهم عن أهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

برقية عاجلة

برقية عاجلة إن من أعظم ما نعانيه اليوم في جسد الأمة هو أن بعض أعضائها مبتور ومريض وهزيل، ولا مغيث ولا منقذ لأجل علاجه والنظر في حاله، وقد تكلم الشيخ في هذه الرسالة عن إخواننا المسلمين في الصومال ومآسيهم ومعاناتهم، وما يعيشونه من أوضاع تقطع الأكباد، ثم ختمها ببرقية عاجلة إلى جمعيات الإغاثة وجميع المسلمين.

الصومال ومآسيها

الصومال ومآسيها الحمد لله، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله القائل: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:11 - 16]. الحمد لله القائل: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:44 - 45] والصلاة والسلام على رسوله الأمين القائل: (أيها الناس! أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام) أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الخلق لعبادته، وما يعزب عن علمه مثقال ذرة منهم أو حولهم، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، أشهد أن لا إله إلا الله، كلُّ قدرٍ بعدله، وكل قدرٍ بحكمته، ورحمته سبقت غضبه، وهو الرحمن الرحيم، وهو أرحم الراحمين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله جل وعلا في نِعم ترفلون فيها، وتتقلبون عليها، وتسبحون في جنباتها، وتأكلون وتلبسون وتشربون منها: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:57]. معاشر المؤمنين! مآسي المسلمين تترى، وأحوالهم عجيبة، وهم جسد واحد، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد) فحيثما حللت فرأيت مسلماً فهو عرق من عروقك، وشلو من بدنك، وطرف من جسمك، ونبضة من قلبك، وخفقةٌ من فؤادك. وحيثما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني أيها الأحبة! المسلمون في هذا الزمان الذين هم جسد واحد، نعم، إنهم جسد واحد، ولكنه جسد أحواله غريبة، وأطواره شاذة عجيبة، فترى في الجسد جزءً متخماً يجر نواعم الخز والحرير، وترى فيه طرفاً آخر هزيلاً جائعاً، وثالثاً معوقاً لا حراك به، مجروحاً نازفاً، نعم، المسلمون جسد لكنه جسد ممزع، ممزق، مفرق، جسد بعضهم غافل وبعضهم لاهٍ. آه منا آه ما أجهلنا بعضنا أعمى وبعض يتعامى نشرب الجوع ونستسقي الظمأ

برقية عاجلة من مسلمي الصومال

برقية عاجلة من مسلمي الصومال أيها الإخوة في الله! وصلتنا برقية عاجلة موقعة باسم اليتامى الذين فقدوا الآباء، فلا تسمع إلا صراخهم، ولا ترى إلا دموعاً لا تجد من يمسحها عن خدودهم! ووصلتنا برقية باسم الثكالى اللائي أنهكهن المرض، فلا ترى إلا دموعهن، ولا تسمع إلا أنينهن! ووصلتنا برقية باسم الشيوخ والعجزة الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً! ووصلتنا برقية من الصبايا المحطمات هُتكت أعراضهن وحرماتهن. إن هذه البرقيات كلها من مسلمي الصومال الذين يموتون الآن ونحن نسمع الخطبة، يموت منهم عددٌ من الأطفال وعدد من النساء وعدد من الرجال، برقية مسلمي الصومال لم تجد أذناً معتصمية أو نخوة عربية، فهل نجدها في هذه البلاد؟ هل نجدها في حكامها؟ هل نجدها في رجالها؟ هل نجدها في شبابها؟ هل نجدها في الطيبات من نسائها؟

الصومال إلى أين؟

الصومال إلى أين؟ أيها الأحبة في الله! الصومال قطعة جميلة في القارة الخضراء في منطقة القرن الأفريقي، أمة مسلمة نسبة المسلمين فيهم (100%) لا يوجد فيهم أقليات وثنية أو نصرانية، الصوماليون مسلمون (100%)، ولكن الصومال شأنها كشأن غيرها، ظلت ترزح تحت نيران الاستعمار الذي جثم على صدر الأمة زمناً، حتى استقل وتحرر بعد أن قدم أرواح أبنائه، وفلذات أكباده، وخيرات بلاده، تحرر من الكفر الأجنبي، ليستقبل في عصر الخداع وفي عصر التعتيم الإعلامي كفراً محلياً، ودع كفراً أجنبياً، واستقبل كفراً محلياً، في ظل وعود الشعارات الزائفة والسعادة الموهومة، استقبل كفراً أسوأ ظلماً وتسلطاً وجبروتاً من الذي قبله. وما إن سقط هذا الكفر وسقطت تلك العلمانية، حتى ظهر للمسلمين هناك أن قنبلة موقوتة تنفجر بزوال النظام، حتى تعيش الأمة حرباً أهلية وقبلية بغيضة، وحروباً متطاحنة. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند شعب عدده قرابة التسعة ملايين نسمة، عقيدته واحدة، من عرق واحد، والصوماليون -كما قلت- أمة مسلمة عرفوا الإسلام في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لهم في الإسلام والدعوة إليه تاريخ مشرق ومشرف، ولكن ما إن توالت الدهور والعصور، حتى اكتنفت بهذا الشعب وأحاطت به إحاطة السوار بالمعصم والعقد بالجيد، أحاطت به شلة وشرذمة نصرانية وعلمانية، وأحكمت نطاق حدوده دول نصرانية كافرة، فلا تعجب أن ترى أحوال المسلمين في الصومال أشد مما تسمع، وأبلغ مما يُروى. نعم. وفوق هذا كله لا تزال جسور الكفرة تمتد إليهم، لتُغذي الصراع بالسلاح، ولتُغذي القبيلة والعنصرية عبر الإرساليات البريطانية والفرنسية، وأذنابها ممن جاور هؤلاء حول حدودهم وبلادهم، كانت مناطق آمنة، فخلف من بعدهم خلف علماني كافر أضاعوا الصلاة وحكموا القوانين، وأباحوا الزنا، ونشروا الخنا، وأشاعوا الفاحشة، وضاعت تلك الأمة في ظل تلك القيادات الكافرة التي لا هم لأحدهم إلا قول القائل: إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر أي: عليّ وعلى أعدائي. ولينجو الظالم ببطشه وبرصيده وبملكه، لا يبالي أن يشرد ويقتل ويضيع من وراءه. أيها الأحبة! في فترة مضت -وسمعتم وسمعنا هذا- عُذب العلماء في الصومال، وأُحرق عشرة منهم في ساحة عامة في العاصمة، أحرقوا أحياء بعد أن سكب البنزين عليهم، أما الدعاة فالسجون لها حديث معهم، والزنزانات تعرف أسرارهم، والأغلال تشم أنفاسهم، ولكن من يخبر المسلمين بهذا؟! تعتيم لا نعلمه.

انفجار الانتفاضة في الصومال إلى عنصرية وقبلية

انفجار الانتفاضة في الصومال إلى عنصرية وقبلية أيها الأحبة! ومرت في تلك الفترة محاولات باءت بالفشل، وفي عام (1989م) قامت تلك الأمة المسلمة بانتفاضة تريد التخلص من الجوع والظمأ، تريد التخلص من الكفر، تريد التخلص من الخنا والزنا، ولم تعلم أن الخلاص هو ميقات انفجار قنبلة الحرب الأهلية والقبلية البغيضة، في ظل هذا الوضع انفرط النظام الذي يجمع الناس بالقهر والاستبداد، وسقطت تلك الأمة، وأصبحت القبائل حرباً بعضها على بعض، ولم تُترك تلك الأمة لتعالج أوضاعها بنفسها، بل لا زال الكفر الأجنبي يُغذي أطراف النزاع، لكي يجعلوها لبنان جديدة، ولكي يجعلوها دولة ذات أحزاب متناحرة، هؤلاء مسلمون! وهؤلاء عملاء! وهؤلاء دخلاء! وهؤلاء وهؤلاء أحوال لا يعلمها إلا الله. أيها الأحبة في الله! تُسلط على هذه البلاد، وحكمت بـ الشيوعية زمناً، تحت مطارق العسف، ومناجل الإجهاض والظلم، ولما تنفسوا الصعداء، وظنوا بأن الأزمة انفرجت، إذا بهم يرون ما يرون، ولكن ينبغي أن نعلم كما علموا أنما يدور بينهم ليست فلتة أو صدفة أو مفاجئة، بل هو مخطط نصراني رهيب، يريد أن يمزق هذه الأمة المسلمة، حتى لا تكون منطلقاً لنشر الإسلام في القارة الخضراء. بعد أن سقط ذلك النظام انقسمت القبلية إلى ثلاث فرق كبيرة. إلى قبائل الهوية، وقبائل الدارود، وقبائل الإسحاقيين، وهؤلاء ومن أولهم نزل ما يسمى بحزب المؤتمر الصومالي الموحد، ثم انقسم تحت قيادة زعيمين زيادة على ما ذكرناه من تغذية الدول المجاورة لهذه الحرب الداخلية ولأطماع النصارى والمستعمرين المستفيدين من هذا كله. إنها مأساة غريبة، وليست كارثة طبيعية، إنها حرب صليبية تشرد بسببها حتى الآن مليونان ومائة وعشرون ألف مسلم ذهبوا ضحايا، ومن نجى من الأطفال نُقل إلى الكنائس في دول الغرب، ونُقل إلى إسرائيل لكي يكونوا جنوداً لليهودية أعداء للمسلمين.

أحوال المسلمين في الصومال

أحوال المسلمين في الصومال أيها الأحبة! وماذا عن آبائنا وأمهاتنا وعجائزنا وأحبابنا داخل الصومال، حدث ولا حرج عن هذه المصائب، وألوان الغارات والنهب والسلب والجوع، إلى حد أنهم جعلوا يطبخون جلود الحيوانات ويأكلونها؛ لأنهم لم يجدوا شيئاً، وهذا واضح ومستفيض في مدينة جلب ومركة وقربولي، أكثر الناس يطبخون -بعد البحث بعناء شديد- من جلود الحيوانات ويأكلونها. لماذا لم يلتفت إلى أزمة المسلمين في الصومال؟ لماذا لم نسمع بهم؟ لذلك أسباب عديدة، ولا يُعفى إعلام المسلمين منها، ولكن واكبت أزمة الخليج، والناس مشغولون بحرب الخليج عنها، واعتقد الكثير أنها قضية حزبية داخلية بحتة، وحرصت الدول المجاورة على تعتيم عظيم حول هذه القضية، فأنت تسمع عن أجمل فراشة، ولا تقرأ خبراً عن أحوال المسلمين في الصومال، وتسمع عن أجمل قطة، وتقرأ تحقيقاً عن أهدأ كلب، ولا تسمع شيئاً عن أحوال المسلمين والمسلمات. نعم. إعلامنا الإسلامي شأنه عجيب في هذا الزمان، فنحن نسمع بالعجائب والغرائب؛ محترف يعتزل، ولاعب يدشن الملعب، ومصيبة تحل، وديانا تطلق زوجها، والأمير تشارلز يبكي على هذا الفراق، أما أحوال المسلمين في الصومال وفي كشمير وفي بورما فلا تجد لها إلا زاوية صغيرة غريبة، فإننا نقول لكل من قدر على أن ينبئ المسلمين بحال إخوانهم: إنك آثم لو سكت.

المسلمون داخل العاصمة

المسلمون داخل العاصمة الصومال أيها الأحبة! شأنها في الداخل والخارج حرب همجية شعواء، وصل لهيبها وحريقها إلى المدينة، بينما الناس يتجولون في الطرقات، إذا بهم يفاجئون بقذائف الراجمات وأنواع القنابل، فترى الجثث تملأ الأزقة والطرقات، والموت بالمئات في مواقع التجمع والأسواق، حتى امتلأت الأرصفة بالجثث، وباتت الجثث غداءً وعشاءً للكلاب المسعورة، ومرتعاً للجرذان والقطط والفئران، أشلاء ممزقة، رءوس على جنبات الطريق، وأرجل على أطرافها، وأيد لا تعرف لأي جسد تتبع.

فرار اللاجئين من الصومال

فرار اللاجئين من الصومال أما اللاجئون الذين فروا من جحيم الحرب الأهلية بعد سقوط النظام، ترى في وجه كل واحد منهم صفحة تقرأ في سطورها مجسماً لكل معاني الفقر والفاقة والحرمان والجوع والبؤس، ولكل مهاجر قصة، ولكل لاجئ حكاية، ولكل أسرة ألف حكاية وحكاية. ولكن إلى أين اللجوء؟ إلى أين الفرار؟ اسألوا هذه القوافل، اسألوا البواخر الفارة، والقوافل الهاربة، إلى أين تذهبون؟ إلى أين تفرون؟ يفرون إلى الموت البطيء، إلى الموت الزاحف، يفرون إلى الجوع، يفرون إلى الوباء، يفرون إلى المرض، يفرون ليفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء، يفرون إلى الجهل، يفرون إلى لهيب الشمس وحر الهواجر، وزمهرير الشتاء، وصقيع البرد.

استقبال جحافل المنصرين للاجئين

استقبال جحافل المنصرين للاجئين هذا شأن الفارين إلى كينيا وإلى الحبشة وإلى إريتريا وأثيوبيا وإلى حدود اليمن الجنوبي، هذه نهاية الرحلة ومحطة الوصول، فمن الذين يستقبلون المسافرين؟ تستقبلهم فيالق السلام، سلام التنصير لا سلام التوحيد، تستقبلهم الجمعيات الصليبية والمنظمات التنصيرية، ولكثرة الزبائن والقادمين والوافدين، أصبح النصارى لا يتورعون أن يقولوا: البس الصليب، وصل للمسيح، واحمل الإنجيل؛ نعطيك غذاء وكساء ودواء، وإن لم تفعل فاذهب إلى محمد يُعطيك لباساً وغذاءً ودواء. البس الصليب، واحمل الإنجيل، صل للمسيح (يسوع) المُخلص نعطيك اللباس والدواء، فإن لم تفعل فاذهب إلى محمد حتى يعطيك لباساً وغذاء ودواء، إن عيسى لم ينزل في كينيا ولا إريتريا ولا أثيوبيا، ولكن الذين بدلوا دينه وحرفوا ملته، جاءوا يزعمون أنهم أتباع عيسى، ويقولون للناس: هانحن فأين أنتم؟ أما نحن أتباع محمد الذين لم نحرف ولم نبدل. ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم لعلنا تكاثرنا أن نكون مسلمين موحدين، ولكن والله إننا سنسأل عن أحوال إخواننا، لجأ إلى كينيا أربعمائة ألف شخص، والهجرة والرحلة رحلة العذاب والأسى تستمر يومياً في الحدود الكينية بمعدل خمسمائة شخص، إلى منديريا وعيلواق وبانيسا وأيفو وليبوي، أما في أثيوبيا ففي صوفتو وحدها يموت يومياً خمسة وعشرون طفلاً، وكذلك في دولو فليس الوضع بأحسن حالاً من صوفتو، ولا تسأل عن أحوال الذين على أطراف هذه البقعة وتلك البلاد. أيها الأحبة في الله! واقع الصومال أسوأ من البوسنة والهرسك، واقع الصومال أشد بؤساً من البوسنة والهرسك، ولا يعني ذلك أن نرد شبابنا وأموالنا وجمعيات الإغاثة التي ذهبت من قبل بلادنا، والمخلصين من أبنائنا وعلمائنا وطلبة العلم، لا، وإنما نريد مثلها في الصومال، نريد أن نضاعف البذل وأن نزيد العطاء، حتى يُعبد الله وحده ويُهزم الصليب، ويشفى المرضى، ويكسى العراة، ويشرب الظمأى، ويشبع الجياع.

صور من المعاناة والمأساة في الصومال

صور من المعاناة والمأساة في الصومال أيها الأحبة في الله! يقول مدير وكالة غوث اللاجئين الدولية وهو نصراني من النصارى، يقول: لقد عايشت عدداً من الأزمات والكوارث والحروب، ما رأيت أزمة كهذه، أي: مصيبة المسلمين في الصومال. أيها الأحبة في الله! أما القادمون الفارون من الجحيم، فتسألهم عن البقية الباقية من أحوال المسلمين هناك، فيقولوا: رأيت جثث الحمير وجثث البشر والآدميين تملأ الأزقة والطرقات، كل فر تلقاء وجهه إلى أقرب حدود دولة مجاورة، ولم يبق هناك إلا مشلول لا قدم له تنقله، لم يبق إلا أرملة لا زوج لها، لم يبق إلا عجوز وشيخة لا ولد لهما، أو يتيم لا كافل له، تفرق الناس، وتشتت الأسر، فالأم لا تعرف أين مصير أولادها، والأب لا يدري عن بناته، والزوج لا يعلم شيئاً عن زوجته.

تشريد الآباء والأمهات والأبناء بعضهم عن بعض

تشريد الآباء والأمهات والأبناء بعضهم عن بعض وخذوا صوراً لكي تعيشوا شيئاً يسيراً من المعاناة والمأساة، في مقديشو، ناقلة تحمل الناس لكي تفر بهم من جحيم الحرب الأهلية وقذائف المدافع العشوائية، فجاءت امرأة ومعها طفلها تريد اللحاق بهذه القافلة والفرار معها إلى رحلة مجهولة، المهم أن تفر من هذا المكان، والقافلة تُسرع، لو وقفت لحوصرت من بعض العصابات واللصوص، فقدمت الأم طفلها، فتناولوا طفلها، ثم أسرعت القافلة ولم تستطع الأم أن تركب معهم، فعاشت وبقيت لتعيش الحسرتين، فراق الوليد وجحيم المدينة، هذه صورة لعدد لا يُحصى من النساء. أيها الأحبة! ويا تُرى هل يلتقي الطفل بأمه في مقبرة من المقابر أم في الآخرة، أم في مخيم من المخيمات؟! وهذه امرأة حبلى قُتل زوجها في العاصمة، وفرت بجنينها التي تحمله في أحشائها ومعها أطفالها الثلاثة، ولما وصلت منطقة كسمايو وضعت جنينها لتحمل أطفالاً أربعة، وزادت رحى الحرب في المنطقة، فهربت الأم ثم فروا إلى كينيا، ونزلت الأم مع اللاجئين في العراء حيث الموت بكل صوره ينتظرها وينتظر أطفالها، فمات الأطفال أولهم الجنين حديث الولادة، ثم مات الباقون واحداً تلو الآخر، ثم أصيبت الأم بالجنون، وأخذت تدور بين الناس وتقول: كان لي أربعة أطفال كلهم ماتوا، تقول الأم وهي مجنونة: كان لي أربعة أطفال كلهم ماتوا، هل صحيح أنهم ماتوا؟

انتهاك الأعراض

انتهاك الأعراض ولا تسأل عن انتهاك الأعراض، في براوة حيث فرت الفتيات والنساء إلى المسجد، وجاء قطاع الطرق واللصوص، وناشدوهم ألا يصلوا إلى الأعراض، خذوا الملابس والمال وما تريدون، دعوا الأعراض فاقتحموا المسجد وفُعلت الفاحشة بالنساء. أما قصة حافلة مليئة بالفتيات لما شقت طريقها نزل الظلمة والطغاة الغاشمون بثلاثين فتاة، نزلوا بهن من الأوتوبيس وفعلوا بهن الفاحشة على الأرض والعراء، ثم صبوا البنزين عليهن وأحرقوهن وذهبوا، ونجت واحدة بحروقها وآثار النار فيها، لتروي مرارة المأساة، وقصة الفاجعة. وفتاة في أحد المخيمات في الحدود الكينية يجرها جندي كيني، فقابله رجلٌ وقال: ماذا تريد منها؟ وقال بكل بجاحة: دعك ولا علاقة لك بها، فسأل الشاب هذه الفتاة التي لم تجاوز ستة عشر ربيعاً من عمرها، قالت: لقد طلبت منه خمسين شلن كيني، أي ما يعادل خمسة ريالات لأشتري حليباً لأخي الصغير، فلم يقبل إلا بعد أن أوافقه على فعل الفاحشة هذا المساء، وقال: إما أن ترد الخمسين شلن، أو تسلمني نفسها كما وعدت، من ينتصر للأعراض والنساء والضعفاء! وتاجر في كسمايو يقول: كنت أملك ألفين مليون أي: مليارين شلن صومالي، الآن يقول: لا أملك إلا نفسي وهذا الطفل الصغير، ولا أعلم شيئاً عن أفراد أسرتي. حدث ولا حرج عن هذه المأساة، أما الذين يفرون باتجاه السواحل والبحر، فأولئك يتزاحمون على السفينة، وربما آثرت الأم ولدها فرمته في السفينة وتبقى على أرض المأساة؛ لأن حمولة السفينة لا تحمل الأطفال والأمهات، فلا بد من الخيار المر أن تُقدم الأم نفسها وجنينها، فإذا ركبوا جميعاً غرقوا، أو أن تبقى الأم تعاني المأساة، ويرحل الأطفال رحلة مجهولة، ومنذ مدة أعلنت بعض وكالات الأنباء عن سفينة غرقت وفيها خمسمائة نفس من الصوماليين، تزاحموا على القارب فلما أبحر قليلاً غرق القارب ومن فيه. أيها الأحبة! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

انتشار المنظمات الصليبية على الحدود الصومالية

انتشار المنظمات الصليبية على الحدود الصومالية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! أشهد أن لا إله إلا الله، حكمٌ عدلٌ، واحد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتفطنوا وانظروا حال إخوانكم هناك، لا تُوجد جمعيات إسلامية تُذكر أو جهود تُخبر، لا يوجد إلا منظمة الصليب الأحمر، ومنظمة كير للعناية الكاثوليكية، ومنظمة أطباء بلا حدود الهولندية، ومنظمة أطباء بلا حدود الفرنسية، ومنظمة أكس فام للإغاثة البريطانية، ومنظمة العون الأمريكي والرؤيا العالمية، ومنظمة جي تي زت الألمانية. أما الإغاثة الإسلامية فليست في شيء يُذكر، وإني أنادي الإغاثة ومنظمة الإغاثة من هذا المكان، والله لتسألن أمام الله إن كان في رصيد الإغاثة ديناراً لا يصرف على هذه الأزمة. نعم. الإغاثة تعمل وتبذل ولها جهود، لكن ينبغي ألا تدخر وسعاً (أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً) اللهم أعط كل منفق خلفاً، ولا كرامة للإغاثة فهي من جيوب المسلمين، لست بهذا أتهم الإغاثة بأنها تسرق الأموال، ولكن أقول: الحال في الصومال ليست على المستوى المطلوب، وجهود الإغاثة مقصرة! مقصرة! مقصرة!! فإما أن تبرهن للناس جهوداً واضحة قوية، وتتعاون مع المؤسسات الإسلامية النشطة، كمنظمة مسلمي أفريقيا، أو تقول للمسلمين: إنا نعجز عن أن نقدم شيئاً في أفريقيا، أو يقولوا: إنا نعجز أن نُقدم شيئاً في الصومال، حتى نعرف أين تذهب الأموال، لست أشكك بل أجزم وأقطع وبنفسي رافقت الإغاثة إلى كمبوديا وإلى بكين وإلى بعض البقاع، فرأيت عملاً مشرفاً وجهوداً طيبة، لكني أقول: الجهود في الصومال ضعيفة، الوضع في الصومال غير مشرف، سبع منظمات صليبية بعضها يحتكر الغذاء، وبعضها يحتكر الدواء ينبغي أن يوجد منافسة، وأن تصب الملايين صباً، وهذه برقية عاجلة إلى مدير هيئة الإغاثة: أخبروا المسلمين ماذا قدمتم في الصومال؟ المأساة عظيمة، إغاثة أي: إغاثة لكل مسلم في أي بقعة كان، ومع وجود هذه المنظمات الصليبية التي لا تفتأ أن تُنزل مع الدواء أسلحة، ومع الغذاء متفجرات، حتى تقول للناس: اعملوا واشتغلوا في هذه الحرب الأهلية، حتى إذا كشفت الحرب عن ساقها ظهر لنا أمر عجيب، وجدنا أن الهدف الأول في الحرب الأهلية، هم الدعاة والمتدينون وطلبة العلوم الشرعية. إذاً ليست كارثة ومفاجئة، بل حرب صليبية يغذيها النصارى بالسلاح تحت الدواء، وبالمتفجرات تحت الغذاء، وماذا يقول بعضهم؟ تقول بعض منظمات الإغاثة: إن هؤلاء الأصوليين هم الذين يحولون دون وصولنا إلى كثير من المناطق التي نريد أن نصلكم فيها، لكن هؤلاء المتشددون الوهابيون المتطرفون هم الذين يمنعون وصولنا إليكم، حتى يثيروا الأحقاد والعداء في نفوس الفقراء على العلماء وطلبة العلم، فإذا جاءوا يدعونهم أو يحذرونهم من التنصير، أو يدعونهم إلى التوحيد، قالوا: أنتم أعداؤنا فلا نقبل منكم شيئاً. ما هي احتياجات المسلمين في الصومال؟ الغذاء، الماء، الدواء، الكساء، الخيمة، هذا الذي يريدونه، يريدون شيئاً يفضل عنا، يريدون شيئاً لا يساوي عشر ما نصرفه في حفلة زواج.

وضع المسلمين اللاجئين في الحدود الصومالية

وضع المسلمين اللاجئين في الحدود الصومالية أيها الأحبة! الوضع سيئ جداً جداً، أما الماء الذي يشربونه فلا أنهار جارية، إنما من المستنقعات المليئة بكل ما يسبب البلهارسيا والملاريا والدسنتاريا المليئة بالجراثيم العجيبة، وربما جفت بعض المستنقعات فرحلت الهياكل العظمية التي كُسيت بجلد جاف رقيق بجالون صغير ساعات طوال تبحث عن مستنقع لم يجف بعد، تجد فيه قطرة ملوثة مملوءة بكل شيء، من ألوان الجراثيم والفيروسات والبكتيريا، وإذا وصلوا إلى مستنقع فيه بقية من ماء ملوث، لابد أن ينتظر الساعات حتى يصل الدور إلى جالونه؛ لأن الناس طوابير على هذا المستنقع. أما السكن فأغصان من الشجر تغرز في الأرض، ويلقى عليها أسمال بالية وخِرق ممزقة، لا تجاوز مساحتها الخمسة أمتار، فهذه العُشيشة هي المطبخ والمجلس والمرقد، وأي مطبخ وهل هناك آلة طبخ؟ أو شيء يُطبخ؟! الله المتسعان. أما اللباس فلا عجب أن ترى الأطفال حتى الثامنة ذكوراً وإناثاً عراة ليس عليهم حتى ما يستر عوراتهم المغلظة، أما الكبار فأكوام من النساء لا يستطعن الخروج لعدم وجود ما تُستر به العورة، والرجل لا يجد إلا ما يستر عورته المغلظة. أما الجنائز فموت الرجل أو المرأة يفرج كربة عريان من العراة، فبموته يؤخذ منه لباسه لكي يُكسى به حي آخر لا لباس له، وبماذا يُكفن هذا الميت؟ ربما دفن عرياناً، وربما كفن بما يوجد من قراطيس وكراتين ونحوها. أيها الأحبة في الله! أما عن الدواء فلا يُوجد على الإطلاق، وانتشر بينهم مرض اسمه: مرض المرسمس، هذا المرض ينتفخ فيه بطن الطفل انتفاخاً عجيباً، ويُضخم فيه وجهه ورأسه، وتضمر عظامه، ويبقى في حالة عجيبة، ثم بعد ذلك يصب جوفه الإسهال كالماء، ثم يصب الدم كالماء، ثم يموت موتاً بطيئاً. كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وأن المنايا قد غدون أمانيا يفرح بعضهم أن يموت من أمامه، يجد الموت فرجاً، وفراق الحياة بشارة، حتى يرتاح من هذه المعاناة التي تراها، قال أحد الشباب -وكل ما أذكره لكم من تقارير موثقة، ومن رجلين صالحين ذهبا بنفسيهما، ورأيا بأم عينيهما ما ذكرته لكم أيها الأحبة- لا تسأل عن هذا المرض الذي انتشر فيهم، والجفاف الذي كسا أبدانهم، يصيب بعضهم أو أكثرهم مرض إذا أخذت بجلدة يدي أحدهم أو بجلدة من رقبته أو صدره، ثم جذبت الجلد وأطلقت يدك عنه، فإنه لا يرجع إلى وضعه الطبيعي من شدة الجفاف، حتى ترده من جديد إلى وضعه الطبيعي. قال -الراوي- ورأينا خيمة دخلناها فوجدنا فيها امرأة مضرجة بالدماء، ينزف الدم من أنفها ومن فمها -أعزكم الله والمسجد والملائكة والسامعين- وينزف الدم من قبلها ومن دبرها، فسألناهم عنها، ما هذه المرأة؟ قالوا: إنها مريضة، قلنا: وماذا تنتظرون؟ قالوا: ننتظر حتى تموت، لنستفيد من خيمتها وملابسها. وهذا رجل وزوجته مقطوعة أطرافهما، وأطفالهما مصابون بالإسهال، فسألنا عنهم، فقلنا: ما هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء مرضى، وعلى أية حال ربما يموتون بعد خمسة أيام ويستفاد من مكانهم، أصبحت الناس تريد الموت، وتجد في الموت راحة، وتجد في الموت كساء، وشبعاً، ورياً، وأماناً، وطمأنينة، أما الحياة فمرض وجوع وعري وعطش وسقم ونهب وفزع وقلق وخوف. أما الغذاء إذا وصل إلى تلك المناطق، فلا يقال لهم لقد جاءكم غذاء، إنما يقال: وصلت حملة طبية معها أدوية، ثم تنصب الخيمة والغذاء فيها، ويُدخل المرضى حسب الترتيب الأولوي لأشدهم مرضاً، ثم يعطى الغذاء بملاعق كأنه يعطى الدواء، إذ لو علم أولئك اللاجئون أن هذه القافلة القادمة أو السيارة الواصلة تحمل غذاءً، لتقاتلوا عليها وتناهبوها ولا يلامون من شدة الجوع. سلوا أنفسكم ماذا ستأكلون بعد الصلاة هذا اليوم، ما هي أصناف الغداء التي ستأكلونها بمشيئة الله بعد الانصراف من الجمعة؟! انظروا أولئك وتذكروا المائدة التي سوف تنزلون عليها. أما المقابر أيها الأحبة! فما بين كل عشرة إلى عشرين خيمة، تجد قبوراً لخمسة أو ستة، وليس عجيباً أن تجد رجلاً يقول مات لي طفل اليوم وبالأمس مات لي طفلان، وعندي طفل أو اثنان مرضى. أما النساء الحوامل فثمانون بالمائة من النساء الحوامل يمتن ويفارقن الحياة، ويلفظن النفس أثناء الطلق والولادة لعدم وجود العناية والرعاية بهن.

نداء إلى كل مسلم

نداء إلى كل مسلم يا أمة الإسلام! من يشتري الجنة بدعوة إلى التوحيد ومواجهة للتنصير؟! من يشتري الجنة بلقمة تدفع الموت، وبجرعة تبرئ السقم، وبغرفة ماء ترد الحياة، وبلباس يستر العورة؟! أين من أسرف على نفسه بالذنب والمعصية؟ دونك باب عظيم في الصومال، إغاثة اللاجئين تُكفر به ذنوبك وخطاياك: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. هل في المسلمين تاجر يهجر مكتبه أو شركته، أو يهجر شاشة الأسهم وبورصة العملات، ليعقد أكبر صفقة رابحة مع الله في إنقاذ عباد الله اللاجئين من الشرك، الفارين من التنصير، الهاربين من المرض والجوع والعطش؟! هل يوجد ثري يسافر إلى هناك؟! هل يوجد من يُغير خط الرحلة، من نيس وكان وماربيا وجنيف ليجعله إلى صوفتو وغيرها، من المواقع التي تمتلئ بالمساكين الصوماليين؟! أين من يملك طائرة خاصة يتجول بها، أو ينقل بها الضيوف ليحضروا زواج ابنته في لندن، هل يذهب بطائرته إلى هناك لكي ينظر أحوال المسلمين؟! هل يوجد من يسير إلى تلك البقاع؟! هل في شبابنا من يجمعون المال ويسافرون، وينتظمون في سلك الإغاثة، ويقولون لهيئة الإغاثة: أعطونا المال والدواء، وجهزوا كل السُبل ونحن ننفذ إن لم يوجد عندكم جهاز يكفي للتنفيذ؟! هل فكرنا أن نزور هذه المنطقة؟! أيها الأحبة! منذ مدة وجهت إلينا دعوة لنحضر زفافاً في فندق الإنتر كونتيننتل، فقلت: لا والله لا نحضره، وحرام على أهلي أن يحضروه، ولا يجوز لنا أن نحضر، إيجار الصالة في ليلة واحدة مائة وخمسين ألف ريال! حفلة زواج بمائة وخمسين ألف ريال! ومنذ مدة حفلة زواج في فندق الإنتر قبل الحفلة قُدم للمغنية ستون ألف ريال، أو لمطرب من المطربين قدم له ستون ألف ريال لكي يغني في العروس والعريس، إنا لله وإنا إليه راجعون!! ألا تخشون أن يصيبنا ما أصابهم؟! ألا تخشون أن يحل بنا ما حل بهم؟! ألا تخافون أن يخسف الله بنا؟! قلتها في الجمعة الماضية: إناء من العجين يُصنع به زخرفة، عجين الطعام الذي لا يجدونه ليأكلونه يُصنع به زخرفة في مناسبة من المناسبات. يا أمة الإسلام! والله إنا لنخاف على هذه النعمة: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] الناس تموت جوعاً ومرضاً، ومنا وفينا من يتسابقون لوضع أكبر دش يستقبل الـ إم بي سي والقاهرة والكويت، وربما استقبل بعضهم ستة وأربعين محطة فضائية، نعم. يستقبلون ماذا؟ يستقبلون الحفلات والرقص والغناء واللهو، وليس في هذه الأقمار الصناعية أو المحطات الهوائية ما ينقل لنا أحوال المسلمين. يا أمة الإسلام! كم تبكي عيون بنيك دماً؟! حسبنا الله ونعم الوكيل! إننا من هذا المكان نناشد كل مسئول في الإعلام بأن تظهر تقارير على الأقل نصف أسبوعية عن المسلمين في الصومال، وفلسطين والبوسنة والهرسك، وبورما وكشمير وفي كل بقاع الأرض، حتى نبرهن إسلامنا في إعلامنا، وفي تصرفاتنا، أما أن تمر الشهور ونرى العجائب، ولا نرى شيئاً عن أحوال المسلمين فهذه مصيبة، ولابد من إيجاد البرامج والحوارات واللقاءات والتحقيق المصور، حتى يظهر الأمر على حقيقته. ختاماًَ أيها الأحبة! لا يزال المسلمون يكرهون النصارى هناك، لا يزال الفقير الجائع العطشان العاري يكره النصارى، ويريد لقمة من مسلم، ولا يريد طبقاً من كافر، فهل هناك مسلم يذهب؟ أسأل الله جل وعلا أن يدفع البلاء عنا وعنكم. إخواني: ستجدون على الباب من يجمع، وإني لا أعذر أحداً يخرج إلا وقد تبرع، فإن لم يجد فيأتي بالتبرع، ويأخذ على عاتقه بأن يقدم أسبوعياً مائة ريال فقط، اجمعها وليست من جيبك، لو أننا في كل جلسة وفي كل زواج وفي كل مناسبة، بعد أن نشبع ونهضم ما نملأ به البطن بالببسي كولا، بعد أن نشبع ونتجشأ، ونقول: يا إخوان! شبعتم وغيركم جياع، ليعطينا كل واحد منكم خمسة ريالات يجمعها على مدى الأسبوع، قدمها لهؤلاء صدقة تدفع عنا البلاء، إن كنت تريد أن تعيش على هذا الوضع آمناً مطمئناً في علاج ودواء وأمن طُرق وخير ودعة وراحة، إن كنت تريد أن يعيش أطفالك فانتبه لأطفال المسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم فرج كربة المسلمين في الصومال، اللهم فرج كربة المسلمين في الصومال، اللهم فرج كربة المسلمين في الصومال وفي البوسنة والهرسك، اللهم أهلك الصربيين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً. اللهم كن في عون المسلمين في كل مكان، اللهم ارحم المستضعفين في تونس والجزائر وفلسطين وفي سائر البقاع، وفي كشمير وبورما وسائر الأرض يا رب العالمين! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم لا تُفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم قنا شر الفرقة والخلاف والضياع، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكّامنا ودعاتنا على طاعتك، ربنا لا تُفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، ولا تغير ما بنا من النعيم، اللهم زدنا من هذه الخيرات، وزدنا شكراً وعبودية لك يا رب العالمين! اللهم صل على محمد وآله وصحبه.

آداب التوبة

آداب التوبة إن مما يشرح الصدور أن نرى شباب الأمة قد عادوا إلى رشدهم، وتابوا إلى ربهم، وأسلموا له أمورهم، وهذه أعظم نعمة يمن الله بها على هذه الأمة، ولكن هذه النعمة لابد لها من آداب تتبعها لتدل على صدقها وقبولها، ولابد من الحذر من تثبيط إبليس والاجتهاد في مواصلة الأعمال والطاعات.

آداب التوبة

آداب التوبة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا معاشر المؤمنين! أن مما يشرح صدر المؤمن ويثلجه، أن يرى شباباً تابوا إلى رشدهم، وارعووا عن غيهم، وأنابوا إلى ربهم، وأسلموا له الأمر في القول والعمل، في الدقيق والجليل، وتلك والله نعمة على الأمة، فمن أعظم نعم الله عليها أن يهتدي شبابها، وأن يكثر الصالحون فيها. ولكن أيها الأحبة! إن من الأمور التي ينبغي أن يعيها كثير من الشباب بعد توبتهم إلى الله، والتزامهم بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، هو إدراك أن التوبة من الذنوب والخطايا والآثام لها آداب من أهمها، ومن أهم مقومات قبولها ودلائل صدقها ما يأتي:

تحقيق التوحيد والإكثار من الأعمال الصالحة

تحقيق التوحيد والإكثار من الأعمال الصالحة بأن يكثر العبد من الأعمال الصالحة، وأن يجتهد في محو السيئات بالحسنات، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن). قد يحار كثير من الشباب في فعل العبادات المكفرة للذنوب، المحيية للقلوب، فلا يعرف بعضهم إلا القليل منها، وبعضهم يجهلها، وهي والله سهلة ميسورة، وأهمها وأجلها فعل الواجبات وترك المحرمات، فما تقرب عبد إلى الله بشيء أحب إلى الله مما افترضه عليه، كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: (من عادى لي ولياً، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه). فالعناية بهذا من أجل ما يلقى اللهَ به عبدٌ من عباده، بعد تحقيق التوحيد والصدق في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. روى عبد الرحمن بن شماسة المهري رضي الله عنه، قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلاً، وحول وجهه إلى الجدار، فجعل ابنه يقول: [يا أبتاه! أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه، فقال: إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله] يقولها صحابي من الصحابة، إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ثم قال رضي الله عنه: (إني قد كنت على أطباق ثلاث -أي: على أحوال ثلاث- لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته، فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسط يمنيك فلأبايعنك، فبسطه يمنيه، قال: فقبضت يدي، قال: مالك يا عمرو؟ قال: أردت أن أشترط، قال صلى الله عليه وسلم: تشترط ماذا؟ قلت: أن يغفر لي، فقال صلى الله عليه وسلم: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله، ثم لم يكن أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له صلى الله عليه وسلم، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم إنا ولينا أشياء لا أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شناً، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي). الشاهد والحاصل يا عباد الله! إن أجل ما يرجو به العبد ربه تحقيق التوحيد.

الاجتهاد في عمل الطاعات

الاجتهاد في عمل الطاعات أيها الإخوة في الله: إن العبد مأمور بعد التوبة بالإكثار من الحسنات، لتكون ماحية للسيئات، ومرجحة لكفة الصالحات في ميزان الأعمال. إن العبد مأمور أن يكثر من الحسنات ليتذوق بها لذة ما فاته من نعيم العبادة، والأنس بالطاعة، وهذا أمر ندركه بالحس والملاحظة، لو سأل بعض الشباب أنفسهم عما كانوا يلاقونه ويعانونه من قلق النفوس، وشرود الأفكار، واضطراب الأعصاب، بالرغم مما كانوا يمنحونه ويتيحونه لأنفسهم من إغراق في الملذات والمحرمات، والشهوات المفسدات، وبالرغم مما كانوا يستجيبون فيها لأدنى النزوات، ظناً منهم أن تحقيق رغبة النفس يورث السعادة والراحة والاطمئنان، ما الذي كانوا يجنونه ويلقونه بعد فعل المعاصي؟ كان الواحد منهم إذا وقف أمام المرآة يرى الظلمة في وجهه، والكآبة في محياه، والذلة في شخصه، ويصبح في حالة نفسية عجيبة، يريد أن يخرج منها فلا يجد مخرجاً إلا بإشعال السجائر، والسهر مع الأصدقاء إلى آخر الليل، وقد يبلغ الحد بهم إلى شرب المسكر، وتناول المفتر والمخدر، لكي يخرج من نكد الوجود، وألم الإدراك والمشاهدة مما يفعله ويرتكبه. ومثل حاله كحال من رام تغسيل الدم النجس بالدم الذي هو أنجس منه، فكم يفوت المسلم في حال المعصية من الملذات، والأنس بالطاعات والأجور والبركات! حدث عن الخسارة في هذا ولا حرج، ثم بعد ذلك انظر إلى نفس ذلك الشاب الذي أسرف على نفسه انظر إليه بعد أن تاب إلى الله وأناب إلى ربه، وانكسر إلى خالقه، ولينظر الشاب أيضاً إلى نفسه، مقارناً صورته السابقة بحالته الراهنة بعد التزامه واستقامته، ترى ويرى البِشر والنظارة في وجهه، والأنس والسرور على محياه، والنور يشع من جنبات نفسه بحسب اجتهاده في الطاعة والعبادة، فيزول عن صورته ذلك الجبين المقطب، والظلام المخيم، وخبث النفس الدائم، وسرعة الغضب، وتهيج الأعصاب لترى ذلك الشاب خاشعاً مخبتا، مطمئناً هادئا، حيياً حفياً. إذاً أيها الأحبة: لا بد أن يجتهد العبد في الطاعات بعد التوبة، وليكثر من الأعمال الصالحة، ليحصل على ما فاته وما مضى عليه من الأنس والسعادة، وليتدارك ما مضى بالاجتهاد فيما بقي. جاء أحد الصحابة رضوان الله عليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال (يا رسول الله! أذنبت ذنباً، فأطرق الرسول صلى الله عليه وسلم برأسه قليلاً، ثم تغشاه الوحي، ثم التفت إلى ذلك الصحابي، وقال له: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

يسر الشريعة الإسلامية

يسر الشريعة الإسلامية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، أنشأنا من العدم وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، وأمننا في أوطاننا، وأصلح بالنا وهدانا، نحمده سبحانه ونسأله الهداية والتوفيق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضو بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: إن تكفير الذنوب بعد التوبة والإكثار من الصالحات، يكون إما بمحو السيئات، أو بتبديلها حسنات، فالمحو كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) وأما التبديل فكما في قوله الله جل وعلا بعد أن ذكر الذين قتلوا النفس وزنوا، قال سبحانه: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70]. أي: بعد توبتهم. فيا معاشر الشباب: يا معاشر المؤمنين! أقبلوا إلى رب غفور رحيم، غني كريم، غني عنكم ويبسط يده إليكم، ويفرح بتوبة عبده أشد من فرحة أحدكم لو ضلت ناقته وعليها طعامه وشرابه، أشد من فرح أحدكم إذا وجد ناقته بعد أن ضلت عنه، وهو في فلاة قفر مهلكة، وقد كان عليها طعامه وشرابه. عباد الله: إن دين الله سهولة ويسر، إن دين الله نور وطمأنينة، إن دين الله فرحة وسعادة، أقبلوا يا شباب الإسلام ولا يردنكم الشيطان، ولا يثبطنكم عن التوبة والمبادرة، فإن الإنسان لا يدري هل يمهل يوماً أو يومين، أو شهراً أو سنة أم لا، فبادروا إلى التوبة يا عباد الله.

الحذر من تثبيط إبليس

الحذر من تثبيط إبليس إن كثيراً من الشباب يعلم هذه الآيات، وهذه الأحاديث، ولكن حينما تهم نفسه بالتوبة الصالحة، حينما يبدأ الخطى العملية في مجانبة المنكرات، وفعل الصالحات، وترك قرناء السوء، ومجالسة قرناء الصلاح والاستقامة، يأتيه الشيطان من كل جانب، أتظن أنك قادر أن تفعل؟ أتظن أنك قادر أن تستقيم؟ أتظن أنك قادر أن تستمر؟ أتستطيع أن تترك الغناء؟ أتستطيع أن تترك اللهو؟ أتستطيع أن تترك الشراب؟ أتستطيع أن تتوب من العودة إلى الربا؟ ثم يعظم عليه أمر التوبة، تعظيم تعجيز لا تعظيم قرب، ولا تعظيم تهيئة، يعظم عليه شأن التوبة لكي يعجزه ولكي يبعده، ووالله لو بدأ خطوة أولى لوجد الطريق مضاءة، والسبيل ميسراً والأعوان كثر، والأحباب أكثر. إذاً: يا عباد الله! أقبلوا على الله سبحانه وتعالى، يا أخي الشاب! أقدم واسمع إلى قول ابن القيم رحمه الله: واقدم ولا تقنع بعيش منغص فما فاز باللذات من ليس يقدم وما ضاقت الدنيا عليك بأمرها ولم يك فيها منزل لك يعلم فحيَّ على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرم وأي اغتراب فوق غربتنا التي لها أضحت الأعداء فينا تحكم واسمع إلى قول القائل: قدم لنفسك توبة مرجوة قبل الممات وقبل حبس الألسن عباد الله! (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) اعلموا أن كفارات الذنوب كثيرة، بل كل دين الإسلام -ولله الحمد- رفعة للدرجات، وتكفير للخطايا والسيئات، فأقبلوا على الله، وأكثروا من الحسنات الماحية للسيئات، اسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم إلى الثبات والاستقامة، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى، ومن الحور بعد الكور، ومن الزلل بعد الاستقامة. اللهم ثبتنا على دينك، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم لا تكلنا إلى ضعفنا، اللهم لا تكلنا إلى عجزنا ومنقصتنا، اللهم إن تكلنا إلى أنفسنا تكلنا إلى ضعف ونقص وعورة وعجز، وإن وكلتنا إلى جنابك الكريم، ووجهك العظيم، فنحن بك وحدك لا شريك لك نرجو الرحمة، ونسألك الجنة، ونعوذ بك من النار يا ربنا، يا خالقنا. نسألك اللهم أن تتجاوز عن سيئاتنا، وأن تضاعف حسناتنا، اللهم يمن كتابنا، اللهم اهد أعمالنا، اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم اجعلنا على حوض نبينا واردين، ولكأسه شاربين، وعلى الصراط من العابرين، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمجرمين، وآتنا صحفنا باليمين، وأدخلنا الجنة بسلامٍ آمنين أول الداخلين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم ميتاً فجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، واجمعنا اللهم بهم في دار كرامتك يا رب العالمين، ومن كان منهم حياً، اللهم فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر عبادك المجاهدين، اللهم انصر جندك الموحدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم أهلك الشيوعيين، وعملاء الشيوعيين، وأذنابهم، ومن والاهم، ومن نصرهم، ومن نشر مذهبهم، وعمل بأفكارهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم انصر عبادك المجاهدين، اللهم وحد صفهم، واجمع شملهم، وسدد رصاصهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.

أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا؟

أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً؟ أيها الأحبة: أتظنون أن الله سبحانه وتعالى خلقكم وجعل لكم الأسماع والأبصار، والأفئدة والجوارح والحواس عبثاً؟ إن العاقل ليعلم أنه لم يُخلق عبثاً ولن يُترك سدىً، ولكن ما هي الفائدة التي من أجلها خلقنا؟ وكيف نقيم هذه الغاية ونداوم عليها؟ هذا ما ستجدونه في طيات هذه المادة.

الغاية من خلق الإنسان

الغاية من خلق الإنسان الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستهديه، ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك كل من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل، والند والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، لم يعلم طريق خير إلا دل أمته عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا وحذر أمته منه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ويقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: كل عاقل يعلم أن الله لم يخلقه عبثاً، ولن يتركه سدىً: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36]. معاشر المؤمنين: أتظنون أن الله سبحانه وتعالى خلقكم وركب فيكم الأسماع والأبصار، والأفئدة والجوارح والحواس، وأموراً خفيت عليكم ونعماً لا تحصوها عبثاً؟ أفترون أن هذا كله خُلق عبثاً؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. إذاً: لأي شيء خُلقنا؟ ولأي حكمة وجدنا؟ خلقنا لعبادته سبحانه، خلقنا لنفرده وحده سبحانه بالعبادة لا شريك له: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. ما خلقنا الله ليستكثر بنا من قلة، أو ليستغني بنا من فقر: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:57] ما خلقنا الله ليستظهر بنا من قلة علم، أو ليستقوي بنا من ضعف: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]. معاشر المؤمنين: من أجل هذا خلقتم، ولأجل هذا وجدتم، فهل تصرفاتكم تبرهن ما خلقتم لأجله؟ وهل أعمالكم تثبت لأي شيء خلقتم، أم أن الكثير قد انصرف عما خلق لأجله، وانشغل بما تكفل الله له به؟ إن الخلق خلقوا لعبادة الله سبحانه وتعالى، تلك التي تنفعهم وتُوضع في موازينهم وتُرجح صحائفهم، وتكون بعد رحمة الله سبباً لدخولهم الجنة، إن كثيراً من العباد في غفلة عن هذا الأمر، وقد انشغلوا بأمر قد تكفل الله به، قد انشغلوا وتشاغلوا بأمور قسمها الله سبحانه وتعالى ألا وهي الأرزاق ومتاع الدنيا. يا بن آدم! إن الله جل وعلا خلق دواباً صغيرة لا تبصرها ولا تراها، وجعل لها سمعاً وبصراً وأجهزةً هضمية وتناسلية، وجعل لها من وظائف الخلق والمعيشة ما الله به عليم، أفتظن أن الله ينساك ويتركك: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6].

الرزق مقسوم والأجل محتوم

الرزق مقسوم والأجل محتوم يا بن آدم: إن الله خلقك ولن يُضيعك، وإن رزقك الذي تشاغلت به قد قسمه الله لك وأنت نطفة في رحم أمك، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فينفخ فيه الروح ويُؤمر بكتب أربع كلمات: برزقه وأجله وشقي أم سعيد) فالرزق قد كتب وأنت في رحم أمك، والأجل قد كتب وأنت في رحم أمك. إذاً فلا الحرص على الدنيا يزيد نصيبك فيها، ولا القناعة فيها تقلل حظك منها، ولا الإقدام على الدعوة والصدق في الحق يقرب أجلك، ولا الجبن والخوف والخور يُبعد أجلك ولو يوماً واحداً: {إذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:49]. (بكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة -وجاء في بعض الروايات: فيما يظهر للناس- حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها). إذاً يا عباد الله! الأرزاق والآجال بيد الله سبحانه وتعالى، فينبغي أن لا ننشغل بها عما خلقنا لأجله وهو العبادة، ينبغي أن نُسخر طاقاتنا وأوقاتنا، وقدراتنا وتصرفاتنا وأفعالنا، ينبغي أن نسخرها لوجه الله سبحانه ولعبادته وحده.

شروط قبول العمل ولوازمه

شروط قبول العمل ولوازمه

أهمية المتابعة في الأعمال

أهمية المتابعة في الأعمال أيها الأحبة: أترك أمر العبادة لكل واحد منا أن يتعبد كما يحلو له؟ لا وألف لا. إن العبادة أمر مشروع من الله سبحانه وتعالى، ولابد أن ننطلق فيها عن أمر من الله أو أمر من نبيه صلى الله عليه وسلم، لم تُترك العبادة ليتعبد الإنسان كيفما يحلو له، يصلي يوماً خمساً ويوماً أربعاً، أو يوماً سبعاً ويوماً ثمانياً، يصوم هذا ويترك هذا لا، إن العبادة لا تبد أن تنطلق من أمر عليه شرع من الله سبحانه، وعليه شرع من نبيه صلى الله عليه وسلم، وما سوى ذلك فمردود على صاحبه، مضروب به في وجهه. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: مردود، وفي رواية لـ مسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فلابد أن يكون منطلق العمل من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإن كل فعلٍ صالح وعمل طيب لابد وأن يكون عليه دليل من كتاب الله وسنة نبيه، إما بخطاب تكليفي ورد به خصوصاً، أو بقاعدة عامة يندرج فيها هذا العمل. وماذا بعد العمل يا عباد الله؟ يبقى أساس الأمر ولبه وذروة سنامه ألا وهو الإخلاص، الإخلاص الذي يجعل كثيراً من الناس يستنكر أعماله ولا يجد بريق نتائجها. إن الكثير منا ليعمل أعمالاً ويبذل جهوداً، ولكن النتائج -والنتائج بيد الله- لا تكون على حسب ظنه، أو لا تكون على قدر توقعه لماذا؟ فليتهم إخلاصه؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو تُعبد له الليل والنهار، وصيمت له الأيام، وأُدخل في هذا العمل أحد سواه؛ فإن الله يرفضه ولا يقبله، ومن أجل هذا فكل عبادة ليس عليها أمر الله أو أمر نبيه ولم تكن خالصة لوجه الله فهي مردودة على صاحبها، ويجعلها الله هباءً منثوراً: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} [النور:39]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

أهمية الإخلاص في الأعمال

أهمية الإخلاص في الأعمال الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، فهي سبب أمنكم وعزكم ورفعتكم وسيادتكم، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: الإخلاص شأنه عظيم، الإخلاص مكانته من الأعمال جليلة، ولا يُقبل عمل ليس خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى، إن الله لم يأمرنا بالعبادة وحدها، بل أمرنا بالعبادة مقرونةً بالإخلاص: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5] ينبغي أن يكون الإخلاص قائدنا ومحركنا وباعثنا في كل أمر من الأمور التي نفعلها أو نذرها ونتركها. ينبغي أن يكون فعلنا للأمور منطلقاً من إخلاصها لوجه الله سبحانه وتعالى، وتركنا واجتنابنا للنواهي والمحرمات إخلاصاً لوجه الله، ومراقبةً الله، وخشية من عقاب الله، لا أن يكون عن عجز وضعف عن نيل ذلك الحرام أو المنكر أو المكروه. معاشر المؤمنين! يقول الله جل وعلا في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) فاحذروا -يا عباد الله- أن يخالط أعمالكم شيء من الرياء أو الشرك أو شيء من ابتغاء حظوظ فانية رخيصة عاجلة، ابتغوا ما عند الله فما عند الله خير وأبقى؛ ومن أجل هذا -يا عباد الله- فإن الأعمال ولو كانت قليلة إذا زينها الإخلاص ضاعفها الله بالقبول وبمضاعفة الحسنات حتى يجدها عند الله أعمالاً كالجبال بسبب الإخلاص، وبسبب مراقبة الله سبحانه وتعالى. ومن أجل هذا تفاوت الناس وتباينت درجاتهم، لماذا رجح إيمان أبي بكر الصديق على إيمان الأمة أجمع، لو وضع إيمان أبي بكر في كفة ووضع إيمان الأمة في كفة لرجح بها إيمان أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟ والله ما هو بكثير صلاة ولا صيام فاق به سائر الأمة، لكنه لأمر وقر في قلبه رضي الله عنه، ومن أجل هذا كانت له مكانة عظيمة عند الله وعند نبيه صلى الله عليه وسلم. يقول الحسن البصري: [الناس هلكى -جمع هالك- إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم]. لابد أن يستديموا الإخلاص ويلازموه في كل أعمالهم حتى يكون العمل من أوله إلى آخره خالصاً لوجه الله وحده لا شريك له، ثم ماذا بعد ذلك؟ اسألوا الله قبول الأعمال، إننا لنرى في أنفسنا وفي كثير من إخواننا من يأتي إلى الصلاة فينقرها كنقر الغراب، أو يفعل شيئاً من العبادة ويظن أن الأمر قُبل بلا شك ولا محالة. مسكين هذا الذي يمتن على ربه بعبادته، مسكين هذا الذي يمن على خالقه بصلاته، قِف مع نفسك قليلاً: هل أديت هذا العمل في وقته وعلى نحو ما شرعه الله؟ وهل باعثك إخلاصه لوجه الله؟ ثم قف خاشعاً ذليلاً متضرعاً، واسأل ربك أن يكون العمل قد قُبل؛ فإن المحروم من يعمل أعمالاً يضرب بها وجهه ويلف كما يلف الثوب الخلق.

الخشية من الله والخوف من عدم قبول العمل

الخشية من الله والخوف من عدم قبول العمل لابد أن تقف سائلاً الله بعد نهاية كل عمل قبوله، اسأل ربك القبول، فإن المحروم الذي ليس له من صلاته إلا التعب والسهر، وليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وليس له من أفعاله إلا ثناء الناس وحديثهم وليس له نصيب عند الله؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله. إن المحروم هو الذي ينال شيئاً من الثناء والمديح وليس له عند الله مكانةٌ ولا منزلة، ولا رفعة لدرجاته، ولا ثقل في موازين أعماله الصالحة. إذاً: يا عباد الله: اسألوا الله قبول أعمالكم وتذكروا قول عائشة رضي الله عنها يوم أن تلت قول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60] قالت: يا رسول الله! أهم الذين يزنون؟ أهم الذين يسرقون؟ أهم الذين يشربون الخمر؟ قال: (لا، يـ ابنة الصديق أولئك قوم يُصلون ويتصدقون، ويصومون ويقومون الليل وقلوبهم وجلة يخشون ألا تقبل أعمالهم). إذاً فاسألوا الله القبول، وراقبوا الله في أعمالكم دقيقها وجليلها، فإننا نرى جهوداً كثيرة خاصة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لكن لا نجد النتائج على مقدار هذه الجهود، ولله في ذلك حكمة، إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى النبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، فليست الاستجابة شرطاً لوجوب الدعوة والأمر بالمعروف، لكننا ينبغي أن نلاحظ أنفسنا وأن نتهم أعمالنا، وأن نناقش إخلاصنا لننظر ما الدافع والباعث والمحرك فيها. إننا يوم أن نحقق الإخلاص نفوز بخير عظيم ولو قمنا بأعمال قليلة ما دامت خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، فإن الله يبارك فيها وينميها ويقبلها عنده طيبة، والله لا يقبل إلا الطيب. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد ولاة أمرنا بفتنة، وأراد علماءنا بمكيدة، وأراد شبابنا بضلال، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً، وأراد ببناتنا اختلاطاً في الوظائف والتعليم مع الرجال، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، اللهم اجزه شر ما تجزي به فاسقاً في فسقه. اللهم إننا نُصبح ونمسي ونبيت منك في أمن وعافية ورخاء وستر وطمأنينة، وإن من الخلق من يحاولون تنكيد هذه النعم وإحلال النقم مكانها، اللهم من أراد ذلك بنا وبعلمائنا وولاة أمرنا، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وأسوء من ذلك يا جبار السماوات والأرض. اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا. اللهم ارزقنا توبة قبل الموت وشهادة عند الموت ونعيماً وسروراً وحبوراً بعد الموت، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ووالدينا وجميع المسلمين أجمعين. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا غائباً إلا رددته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك من العافية شمولها، ومن النعمة حصولها، اللهم إنا نسألك من العصمة دوامها، ومن العافية تمامها، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفقنا إلى ما يرضيك وجنبنا أسباب سخطك، وباعد بيننا وبين أسباب غضبك، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً طبقاً نافعاً مجللاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم ارحم المسبحات الرُكع، والبهائم الرتع، والأطفال الرضع، اللهم ارحمنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تعذبنا بذنوبنا. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الحليم العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم ارحم المستضعفين، اللهم ارحم المستضعفين، اللهم ارحم المستضعفين، اللهم ثبت إخواننا المجاهدين، اللهم وحد شملهم، واجمع كلمتهم، وثبت أقدامهم، وسدد رأيهم ورصاصهم في نحور أعدائهم، اللهم عجل بنصرهم، اللهم عجل بهزيمة وكسيرة أعدائهم، اللهم وعدك الذي وعدت إنك لا تخلف الميعاد، اللهم انصرهم يا رب العالمين، اللهم بشرنا بنصرهم عاجلاً غير آجل. اللهم عليك بـ الرافضة الإيرانيين الخونة، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم عليك بـ الجعفرية الإثني عشرية، اللهم اجعلهم بدداً وأحصهم عدداً ولا تبق فيهم أحداً، اللهم أهلك زروعهم وضروعهم، من كان فاجراً فاسقاً حاقداً منهم بقدرتك يا جبار السماوات والأرض. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا ولجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم نوّر على أهل القبور قبورهم، اللهم نوّر على أهل القبور قبورهم، اللهم آنس وحشاتهم، اللهم آنس وحدتهم، اللهم أهل غربتهم، اللهم أعنا على ما أعنتهم عليه واجعله على الشهادة والسعادة، وأعنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه. عباد الله: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً. اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الانحراف أسبابه وعلاجه

الانحراف أسبابه وعلاجه الانحراف: هو الاعوجاج وتنكب صراط الله المستقيم، ولا يمكن لرجل أن يمسي صالحاً ثم يقوم من نومه طالحاً، ولا لفتاة أمست عفيفة لتصبح وقد سلبت عفتها؛ إلا إذا كان هناك ما يخفيه الشخص من سوء عمل وقصد يظهر عليه في تلك اللحظات. وقد ذكر الشيخ حفظه الله جملة من أسباب الانحراف المتفشية في المجتمع، والتي يجب محاربتها والحذر منها.

تعريف الانحراف وأنواعه

تعريف الانحراف وأنواعه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: الحمد لله رب العالمين؛ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، وأثني عليه الخير كله، وأشكره ولا أكفره، وأخلع وأترك من يكفره، نرجو رحمته ونخشى عذابه، إن عذابه الجد بالكفار ملحق، اللهم لك الحمد أطمعتنا وسقيتنا وكفيتنا وآويتنا وإلى الإسلام هديتنا، وإلى التوحيد وفقتنا، اللهم لك الحمد سترت عيوبنا ونشرت فضائلنا، وسترت قبائحنا، وجملتنا بسترك الجميل يا رب العالمين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم القيامة، فهو الرب وحده المالك المدبر المتصرف في هذا الكون ولا رب سواه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، فهو الذي يعبد وحده لا شريك له، فالركوع والسجود له، والاستعانة والإنابة به وإليه، والتوكل عليه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحد في أسمائه وصفاته وربوبيته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله! أسأل الله عز وجل أن يبيض وجوهنا وإياكم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وأن يحرم أقداماً على النار مشت إلى هذه الروضة من رياض الجنة، وأن يجعل اجتماعانا هذا مرحوماً، وتفرقنا من بعده معصوماً، وألا يجعل فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً. أيتها الوجوه المؤمنة! إن من نعم الله عز وجل أن نجتمع ونتآلف ونتعارف، وحيهلا ومرحباً بهذه الوجوه التي تجتمع في رياض الجنة من غير أنساب بينها، ولا مصالح تربطها، ولا مقاصد تريدها سوى وجه الله عز وجل، تجتمعون لتذكروا الله وحده لا شريك له، ولتصلوا على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأبشروا بأن الله وملائكته يذكرونكم في الملأ الأعلى، ففي الحديث أن الله عز وجل قال: (أنا عند ظن عبدي به، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه). أيها الأحبة في الله! الحديث اليوم عن قضية جد مهمة، كما بين أخونا المقدم جزاه الله خيراً، ألا وهي قضية الانحراف، فما أسبابه وعلاجه؟ إن الأعين المبصرة إذا رأت الحق فمن الطبيعي أن تهتدي إليه وأن تستجيب له، وأن تنقاد له بطواعية، فيا سبحان الله! كيف تعمى بعض البصائر عن إبصار الحقائق؟ إن الآذان النقية عن شوائب الشبهات والشهوات لا تستنكف أن تستجيب لداعي الله وداعي رسوله، ولكن ما بالنا نرى آذاناً عن الحق صُمت، وأعيناً عن الحق عميت، وأفئدة عن الحق صرفت، أترون أن هذا لضعف في بيان الحق، أو لضباب في هذه المسيرة، أو لبعد صلة في حجب الحقائق عن هؤلاء الذين انحرفوا وضلوا وأضلوا عن سواء السبيل. أيها الأحبة في الله! إن من الطبيعي أن الإنسان يحب نفسه، ويحب مصلحة نفسه، فما بالنا نرى كثيراً من الناس يقصدون إضرار أنفسهم، والوقيعة بأرواحهم وأجسامهم، وإغلال قلوبهم وأفئدتهم، هذا نوع من الانحراف، إن لم يكن هذا هو الانحراف كله.

تعريف الانحراف

تعريف الانحراف فيا أيها الأحبة! ما هو الانحراف؟ الانحراف: ميلٌ واعوجاج وتنكب عن الصراط السوي المستقيم: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153]. الانحراف: ميل بقصد وربما كان ميلاً بغير قصد، فأما الذي مال بجهل فدواؤه أن يعلم، وأما الذي مال بشبهة، فواجبنا أن ندحض ونبطل هذه الشبهة التي علقت به، وأن نبين له الحق جلياً واضحاً حتى ينقاد إليه بكل ليونة ويسر وسهولة.

أنواع الانحراف

أنواع الانحراف والانحراف: كلمة صدرت بـ (ال) وهذه (ال) الاستغراق، أي: أنوع الانحراف، وهي ثلاثة: الانحراف العقدي، ويليه الانحراف الفكري، وبعده الانحراف الأخلاقي، فالأول والثاني يدخلان -كما ذكر شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية وغيره من علماء الإسلام- في أمراض الشبهات، وأما الانحراف الأخلاقي فهو داخل في أمراض الشهوات، والسؤال هنا: ما هي الأسباب التي دعت وقادت وسببت هذا الانحراف عند كثير من الناس؟ وقبل أن نتكلم عن أسباب شيء مجهول، لا بد أن نبين أماراته وعلاماته.

علامات الانحراف

علامات الانحراف الإعراض عن الصلاة صورة من صور الانحراف. الإعراض عن سماع كلام الله وكلام رسوله، وقصد سماع اللهو ومزمور الشيطان، والطرب والغفلة صورة من صور الإعراض والانحراف. صرف الأنظار عن التدبر فيما خلق الله إلى رؤية المحرمات والمعاصي والمنكرات والأفلام والمسلسلات صورة من صور الانحراف. الإعراض عما أباح الله من الطيبات والقصد إلى تناول المخدرات وشرب المسكرات من صور الانحراف. الاعتداء على حقوق الآخرين، سواء بالسرقة أو الاختلاس أو النهب أو السلب من صور الانحراف. التعدي على أعراض الناس، احتقار الخلق، بطر الحق، وغمط الخليقة من صور الانحراف. قطيعة الرحم، الجفاء، التدابر بين الأقارب من صور الانحراف. عقوق الوالدين، التكبر عن طاعتهم، الرعونة في معاملتهم، التأفف عند أمرهم وخطابهم صورة من صور الانحراف. معاكسة النساء، إيذاء الغاديات والرائحات، صورة من صور الانحراف. الاعوجاج عن المناهج الحقة، والقصد إلى الأفكار المصدرة والمذاهب المستوردة صورة من صور الانحراف. الدعوة إلى اختلاط الرجال والنساء في الوظائف والتعليم والمجامع العامة صورة من صور الانحراف. الإعراض عن تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم صورة من صور الانحراف. كل معصية عصي الله بها وخولف بها أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فذلك نوع من أنواع الانحراف. أيها الأحبة! لو ذهبنا نسرد صور الانحراف لضاق بنا الليل والنهار، ونحن نذكر أنواع مخالفات لا تعد ولا تحصى من تصرفات البشر، ولكن حسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق، وبالإشارة تفهم العبارة، والتلميح يغني عن التصريح. يكفي اللبيب إشارة مرموزة وسواه يدعى بالنداء العالي أيها الأحبة! وإن كنت أود هذه الليلة أن أركز على الانحراف الأخلاقي، ومن ثمَّ الانحراف العقدي، وإن كان من المنطق والعلم أن نبدأ بالكلام عن الانحراف في العقائد والأفكار أولاً، إلا أن حاجة الحاضرين ليبلغوا من يرونهم يخالفون في هذا الجانب أعظم، ولقلة الانحراف العقدي -ولله الحمد- في مجتمعنا أو ندرته، ولكننا نلاحظ صوراً من الانحراف في السلوك والأخلاق والمعاملة، فيا ترى ما هي الأسباب التي أدت ودعت وأفضت وحققت أنواعاً من الانحراف التي نتأفف منها، ونتبرم برؤيتها، وتنزعج آذاننا لسماعها، وكثيراً ما كانت حديث مجالسنا انتقاداً وبغضاً أن نقع فيها، ودعوة للهداية والاستقامة لمن وقعوا فيها؟!

أسباب الانحراف

أسباب الانحراف إنه لا يمكن أن يكون رجلاً سوياً ثم يصبح منحرفاً، ولا نتصور أن فتاة باتت عفيفة فأصبحت متبرجة، ولا امرأة أمست طاهرة فأصبحت فاجرة زانية، ولا نتصور أن رجلاً أصبح مهتدياً فأمسى فجأة ضالاً، بل لا بد أن يكون لهذا أسباب، ولا بد أن يكون له خطوات، وهو بصريح كلام الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] قال ابن كثير: هذا نداء بأن نلتزم بأمر الله، وبأحكام الإسلام، السلم هنا هو الإسلام كافة من غير تفريق. ولذلك لما تحدث بعض علماء السلف، فقال له رجل: إن هذه مسألة من المسائل اليسيرة والصغيرة، أو كما يقول بعض الناس: هذه مسألة قشور، وليست من مسائل اللباب، فغضب ذلك العالم، فقال: إنه ليس في الدين قشور ولا لباب، إن الله عز وجل قال: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:5]. فالدين كله مسئولية عظيمة، بأحكامه وأخلاقه وآدابه وأصوله وفروعه، المهم أننا أمرنا أن نتبع هذا الدين اتباعاً كاملاً دقيقاً، وحذرنا الله عز وجل: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:168] إن الخطوات هي التي قادت إلى الانحراف، وسببت هذا الضلال.

مجالسة رفقاء السوء

مجالسة رفقاء السوء إن كثيراً من الشباب عهدناهم وعرفناهم أبراراً أغياراً أطهاراً، من الشباب الذين تتمنى أن تكون ذريتك كأمثالهم، تتمنى أن يكون إخوانك كأمثالهم، تتمنى أن تمتلئ الأمة بصلاحهم واستقامتهم، ولكن نفاجأ بأحدهم أنه قد تنكب الصراط، ورجع القهقرى،، ونكص على عقبيه، وارتد مدبراً، وتغيرت أموره، وانتكست مفاهيمه، وتقلبت قناعاته، وأصبح يرى ما كان مكروهاً محبوباً، وأصبح ما يأنف منه يتودد إليه، وأصبح ما كان يستحي أو يأنف من سماعه يتفاخر به. إن ذلك انحراف كان سببه رفقة تساهل بالجلوس معها وبمخالطتها، وبتفويت بعض الأمور ظناً منه أنها من الصغائر، وما زالت الصغيرة تدعو أختها، فاجتمعت كقشات جمعت فأضرمت، فأصبحت ناراً أحرقت سلوكه، وأحرقت استقامته، وعفافه، وطهارته، فبات فاجراً بعد أن كان براً، وأصبح مفسداً بعد أن كان صالحاً، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. نعم -أيها الأحبة- إن المجالسة كما بين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لها أثر، إذ المرء يتأثر بجليسة، ويصطبغ بفكرته ومعتقده وسلوكه وأعماله، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) رواه البخاري ومسلم. إن من خالط أشراراً حتى ولو كان تقياً، إن من خالط فجاراً حتى وإن كان عالماً، وأعني بالمخالطة أن يجعل مخالطتهم ديدناً وهجيراً، وأن يجعلها سجية وطبيعة له، أما عالم يخالط فجاراً لينصحهم، أو داعية يغشى فجاراً ليدعوهم، أو مهتد يغشى ضلالاً ليناصحهم، فهذا لا يدخل في الأمر، بل غايته أنه يؤجر، والله عز وجل أمر خيرة من في ذلك الزمن (موسى وهارون) أن يذهبا إلى شر خلقه في ذلك الزمن وهو فرعون، الذي قال: أنا ربكم الأعلى، والذي قال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] أرسلهما ربنا عز وجل وقال: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. إنما الممقوت والمنهي عنه أن ترى رجلاً سوياً يخالط فجاراً ينسجم إلى مجالسهم، ويطمئن إلى طرائفهم، وينبسط لنكتهم، يتعود غشيانهم ولا يقاطعهم، يجلس معهم من غير دعوة يقصدها، ولا علم ينشره، ولا هداية يرنو إليها، إنما أعجبه حديثهم، أعجبته طرائفهم وسواليفهم وتعليقاتهم -أو ما يسمى تنكيتاتهم- فأصبح يغشاهم، إن ذلك من أسباب الانحراف الخطرة. والإنسان يتأثر، ولو أتيت بأتقى الناس وأعلم الناس فجعلته يصبح ويمسي في مجالسة اللاهين العابثين الغافلين المستهزئين الساخرين، وجعلته يجلس بينهم فسوف يتحول إلى مستودع وخزينة معلومات، أما سلوكه وطبائعه وغيرته وحميته وأنفته وحبه، سوف يجمد في قالب إذا واجه هذه الأمور التافهة والخطرة، فجمدت حماسته وغيرت أنفته، وغيرت غيرته. إذاً فلننتبه، وإن من الأخيار من يتساهل بهذه المجالس. منذ أيام -ربما لا تتجاوز العشرة أو أكثر- جاء شاب إلى المسجد فقال: إني كنت محافظاً على قيام الليل، وكنت محافظاً على الصلوات في الجماعة، وكنت صادقاً وبراً وغيوراً وخيراً وطيباً، فتقلبت أحوالي تقلباً عجيباً، فقلت: ما الذي تغير أو تقلب من حالك؟ قال: أصبحت أنظر إلى الأفلام والمسلسلات الماجنة، وأسمع الغناء، وأتكاسل عن الصلاة، وربما جمعت الفرض إلى الذي يليه، والفرضين إلى الليل، وإني إذا ذكرت تلك الفترة الذهبية الرائعة الجميلة من أيام حياتي أبكي على ما أنا عليه وما أنا فيه، فيا ترى أي دواء تصفه لي، وأي وصفة تكتبها لي؟ فسألته بالله، والله عز وجل يقول: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] فسألته بالله وقلت له: أنت أدرى مني بنفسك، ولست أعلم الغيب، ولكن أي أمر في سريرتك أحدثته، أي أمر في خلواتك أحدثته، أي أمر أصبحت تتعود فعله في حال لا يراك فيه إخوانك الصالحون، فقال: إنه أمر واحد، وجدت شلة. ولا أقول ثلة؛ لأن الله عز وجل قال في السابقين وأصحاب اليمين: ثلة، قال: وجدت شلة أعجبني تنكيتهم وضحكهم ومزاحهم، وتعليقاتهم وكلامهم، فأصبحت أغشاهم، وفي البداية كان الشيطان يقول لي: اذهب إليهم فادعهم إلى الله عز وجل، اذهب إليهم تناصحهم، اذهب إليهم تعلمهم شيئاً يجهلونه. قال: فما هي إلا أيام بعد أن كانوا في بدايات المجالس إذا دخلت عليهم خبَّئوا ورقهم، وأخفوا منكراتهم، إذ بي أنا أخرج ما يخبئونه لنلعب به، وإذ بي أنا الذي أحركهم ليديروا هذه الأجهزة فنرى صور العرايا ونرى صور الماجنات والخليعات، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إذاً القضية أنه ما بات باراً فأصبح فاجراً، وإنما هو تنازل بنفسه، ورضي أن يجره الشيطان تحت تلبيس لإبليس، ووسوسة وغواية بحجة شيء اسمه فيما يتوهم دعوه، وفي الحقيقة أنها غواية من الشيطان له، أصبح يتردد عليهم، تعجبه تعليقاتهم، سخريتهم، تصنيفاتهم، عجائبهم، يقهقهون، يضحكون، يشبعون ضحكاً، ثم بعد ذلك يقوم وهو في كل ليلة يهدم بفأس غفلته صلاحه وإيمانه، حتى بلغ به الحال أن أصبح كذاباً بعد أن كان صادقاً، وأن أصبح فاجراً بعد أن كان باراً، وأن أصبح ضالاً بعد أن كان مهتدياً، ومطلقاً لعينه وأذنه في الحرام بعد أن كان لأذنه وعينه حصوراً عن الحرام، والسبب: هي هذه المخالطة! إن بعض الناس لو حدثته عن المجالسة، قال: أنا مستعد أن أعطيك آيات عن الجليس السيئ، وأعطيك أحاديث عن الجليس السيئ، وأعطيك أبيات شعر عن الجليس السيئ، وأعطيك حكماً وأمثالاً عن الجليس السيئ، ولكني أقول: لا تعطني من هذا شيئاً، ولكن أعط نفسك، وأعطني التزاماً بقول الله عز وجل: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} [الكهف:28]. إياك ومجالسة الغافلين، إياك ومجالسة اللاهين، إياك ومجالسة الضالين، إياك ومجالسة المنحرفين؛ لأنك لا تزال في بداية الاستقامة، لا تزال حديث عهد بتوبة، لا تزال قريب تجربة بضلالة، فانتبه لنفسك. أتظنون أن رجلاً يعمل في معدات البنزين والوقود يخرج من عمله ومكائنه وورشته، وقد امتلأت ثيابه بالوقود والبنزين، وأطرافه وجسمه بالوقود والبنزين، ثم يجلس بين المدخنين الذين يشعلون ولاعات النار، من الطبيعي أن يحترق ويقبس هذه النار في جسمه على آثار ما علق به من الوقود، وكذلك الشاب الذي لا يزال قريب عهد بتوبة، وحديث عهد باستقامة، إياك أن تخاطر بنفسك، إذا كنت حديث عهد بالسباحة في الأنهار، فضلاً عن أن تكون سباحاً ماهراً تواجه الأمواج العاصفة في المحيطات، إذا كنت لا تكاد تعرف السباحة فهل من العقل أن تذهب لتنقذ أقواماً غرقى تقلبهم أمواج البحار والمحيطات؟ إن واحداً من هؤلاء الغرقى سيتعلق بثوبك فتكون أنت في أسفل الموج وهو في أعلاه، ولتكون أنت تحت طبقات الماء وهو في أعلاها، بتساهلك أو بحجة أنك تريد أن تنقذه، وأنت يا مسكين، وأنت يا غرير، يا جاهل، يا مغرور، تظن أنك قادر على إصلاحه وأنت لم تزل بعد محتاجاً إلى إصلاح نفسك. أقبل على النفس فاستكمل محاسنها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان إن جلساء السوء يحرمون الإنسان حتى الفرصة الذهبية، أو الفرصة التي لا تعوض بأمر الدنيا قاطبة، وحسبكم ما ثبت فيما يرويه البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى عمه أبي طالب لما حضرت أبا طالب الوفاة، ولكن جلساء السوء لا يتركون أحداً حتى في اللحظات الأخيرة. دخل صلى الله عليه وسلم يعود عمه أبا طالب، فوجد عنده رأس الكفر أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية فلم يلتفت لهم ولم يخاطبهم ولم يقل لهم: لماذا أتيتم تؤذون عمي في اللحظات الأخيرة، جئتم تصدونه، بل أقبل عليه يريد في معركة وسباق مع الزمن أيهما ينفذ أولاً سكرات الموت وخروج الروح، أو وصول دعوة النبي إلى قلب أبي طالب، فبدأ أولاً بعمه، قبل أن يكلم أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: أي عم! قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله، فقام هؤلاء الشياطين، وقال أبو جهل: أتترك وترغب عن ملة عبد المطلب. وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يحاول، وهؤلاء الصناديد من الضلال يحاولون إغواءه، وهم ينهون عنه وينئون عنه حتى مات وهو يقول: هو على ملة عبد المطلب، لم يكتف فقط أن يسكت، بل إنما صرح تحت وطأة وتأثير الجلساء لينطق إرضاءً لهم، فيقول مصرحاً: هو على ملة عبد المطلب. كان بوسع أبي طالب أن يضمرها في نفسه ويسكت، كان بوسع أبي طالب أن يقول كلاماً، كان بوسعه أن يقول لهم: حتى هذه اللحظة لن تنفعوا ولن تشفعوا ولن تقربوا، كان بوسعه أن يقول أموراً بغض النظر هل تنفعه أولا تنفعه، لكن أثر جلساء السوء جعلت هذا الذي ينازع الموت ويحتضر، ويعالج السكرات، جعلته ينطق بما يريد هؤلاء الضلال والطواغيت بالتفصيل، فمات وهو يقول: هو على ملة عبد المطلب. ولكن إن هؤلاء الذين يضلون بإضلال جلسائهم، وإغواء رفقائهم، هؤلاء يوماً ما سوف يلعن بعضهم بعضاً، ويسب بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض، كما قال عز وجل: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:166 - 167]. والله عز وجل أخبر أن هؤلاء سيندم أحدهم

ضعف الإيمان

ضعف الإيمان إن من أسباب الانحراف أيها الأحبة: ضعف الإيمان وعدم تعظيم أمر الله عز وجل؛ إن من الناس مَن لو قلت له تفضل هذه ورقة من الحقوق المدنية أخذ ينتفض أسبوعاً كاملاً، ويذهب إلى الشيخ والصديق والقريب: ماذا أفعل؟ وماذا أقول؟ وكيف أجيب وأتصرف؟ وكيف السبيل؟ وما الطريقة؟ وأين الملجأ والملاذ؟ وأين المعين؟ يعد لهذه الورقة ألف جواب من شدة خوفه من البشر، أما رب البشر عز وجل الذي خلقه من العدم، الذي جعله سميعاً ولو شاء لجعله أصم لا يسمع، الذي جعله بصيراً ولو شاء لجعله أعمى لا يبصر، الذي جعله قادراً على المشي والحركة ولو شاء لجعله مشلولاً معوقاً، فإن كثيراً من الناس لا يبالي بأمر الله، ولا يخاف ولا يقيم لأمر الله وزناً، بل كما قال نوح لقومه: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13] {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. إذاً أيها الأحبة! ضعف الإيمان، وعدم الخوف من الله عز وجل، هو الذي أحدث عند كثير من هؤلاء الجرأة على الانحراف، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) روى هذا الحديث البخاري ومسلم. فضعف الإيمان والهيبة من الله عز وجل جرأ الكثير من الشباب والشابات والرجال والنساء على معصية الله عز وجل، والله إن بعضهم لو قيل له في عمله: مدير الشرطة يريدك، قال: أنا ما فعلت شيئاً، ليس عندي مشكلة! لو قيل له: قسم الحوادث في المرور يريدك، قال: أنا لم أقطع إشارة! يحاسب نفسه، ويتخيل طريقه منذ أن خرج من بيته إلى أن عاد، هل تجاوزت خط المشاة؟! هل قطعة الإشارة؟! هل سلكت طريقاً ممنوعا؟! هل خالفت السير؟! يسائل نفسه مائة سؤال نتيجة لهذه المكالمة. أما هل يسأل نفسه قبل أن يخرج من البيت: هل يسلم من المعصية؟ هل يسلم من الزلل؟ إذا أراد أن يذهب إلى مجلس يا لسان تعاهدني ألا تنطق إلا بحق؟ يا أذن تعاهدين ألا تسمعي إلا خيراً؟ يا قدم تعاهدين ألا تمشي إلا إلى أمر فيه صلاح؟ يا يد هل تأخذين أو تمدين إلا إلى شيء فيه نفع للإسلام والمسلمين؟ القليل من يتحدث مع جوارحه وحواسه، لكننا أو البعض منا يهاب من البشر هيبة ما يهابها من الله عز وجل، وكما قال بعض السلف يعاتب بعض العصاة: [لا تجعل الله أهون الناظرين إليك]. إن طول الأمد والبعد عن الأجواء الإيمانية هو الذي سبب ضعف الإيمان، فإذا كان الإنسان يصبح في عمله، وبعض مجالات العمل يبتلى فيها بعض الناس بجلساء ليس لهم حديث والعياذ بالله إلا عن المعاصي أو عن الفواحش أو إغراق في أمور الدنيا، أو عن الشهوات أو أو إلخ. ثم يعود إلى عمله فيأكل لقمته، ويرمي بنفسه، وتفوته الصلاة، وربما ركعها في البيت وصلاها في غير وقتها، ثم قام إلى شلته وسهر معهم، وعاد متأخراً إلى بيته، وزوجته الحزينة وأولاده الضائعون يتمنون رؤيته لحظة أو لحظات من سائر اليوم كله، ثم بعد ذلك يداوم على هذا البرنامج والمنهج. البعد عن الأجواء الإيمانية يسبب جرأة في المعصية، ويسبب جرأة في ارتكاب المحارم، وما الذي يفرق بين شخصين، شخص تعرض عليه الفاحشة والمعصية والشهوة والفتنة، فيضطرب وينزعج ويخاف ويبكي، ربما بعضهم يبكي من شدة انزعاجه مما عرض عليه من المعصية، وفي المقابل شخص يخطط يدبر يلاحق يطارد يبحث يعاكس يتصل يبذل يغري؛ من أجل أن يصل إلى المعصية، أليس هذا بشر وهذا بشر، وعند هذا غريزة وعند هذا غريزة؟ لكن الأول الذي عرضت عليه المعصية، فقال: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17] كان سبب إعراضه عن المعصية هو أنه كان قريباً من الأجواء الإيمانية والمساجد، إذا سمع (حي على الفلاح) انتعشت روحه وطار فؤاده، تلذذ كأنما يسمع صوت حبيب يناديه ويناجيه، ويقربه، ويتمنى سماع صوته، انظر أحب أحبابك إليك، وأطيب أصدقائك وأقربهم منك حينما يناديك، انظر كيف يطير قلبك فرحاً لإجابة دعوته وصوته، وترديد صدى كلماته بارتياح وطمأنينة منك. الذين يعيشون الأجواء الإيمانية؛ إذا سمع أحدهم (حي على الفلاح) شعر أن جبال الهموم تقشعت، وسحائب الظلام زالت، والسحب الكثيفة من الضباب ومصائب الدنيا، والمشاكل، والقيل والقال زالت، سيمشي لا يريد فلاناً ولا فلاناً، ولكن سيذهب إلى الذي خلقه من العدم، سيتجه ليركع ويسجد، سيشكي أموراً، سيحكي أحوالاً، إذا سجد وأناخ جبينه على الأرض يا ألله أنت تعلم ما أنا فيه من ضعف، يا ألله أنت تعلم ما أنا فيه من حال، يا ألله اغفر لي، يا رب أكرمني، يا رب أعطني، سبحانك ما عبدتك حق عبادتك، سبوح قدوس رب الملائكة والروح، تجد لذته في أن يركع ويسجد لله عز وجل، والسبب هذه الأجواء الإيمانية. أما الذين لا يعيشون الأجواء الإيمانية، ولا يشهدون الجماعة، ولا يحضرون المحاضرات، لا يسمعون الهدى والمواعظ، كل حديثهم في الدنيا والمعاصي والشهوات وما إلى ذلك، فإن أولئك تقسو قلوبهم خاصة مع طول الزمان، قال الله عز وجل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16] فدلت الآية على أن طول الوقت الذي أمضوه بعيدين عن الأجواء الإيمانية كان سبباً لقسوة قلوبهم، وضعف الإيمان في القلب هو من أهم أسباب الانحراف. ولذلك نلاحظ هذا الشيء في الذين يعيشون أو يكرمهم الله بالعمل ولو فترة من الفترات في مجال الدعوة، أنت تلاحظ الشاب الذي يلازم الحضور إلى حلقة القرآن، إلى مكتبة المسجد، إلى المعهد والجمعية التوعوية، هذا الشاب الذي يأتيك دائماً مواظباً على هذه اللقاءات؛ تجده بإذن الله غضاً طرياً، مستجيباً، حيياً، حفياً تقياً، وأما الذي ينقطع عن هذه المجالس فسرعان ما تلاحظ أثر انقطاعه قسوة في قلبه: والعين تعرف من عيني محدثها إن كان من حزبها أم من أعاديها

إطلاق البصر

إطلاق البصر أيها الأحبة! ألا وإن من أهم أسباب الانحراف هو: إطلاق البصر في معصية الله عز وجل، وعدم غض البصر عن النظر إلى ما حرم الله سبحانه وتعالى: وهذا شامل لكل أنواع النظر، نظرة في الشاشة، نظرة في المجلة، نظرة إلى امرأة، نظرة إلى الأمرد الوسيم، نظرة إلى ما شئت، المهم أن من أطلق بصره في النظر إلى ما حرم الله مع قلب مريض يزين المعصية، ويخيل الفاحشة والشهوة، فإن ذلك سبب يجر إلى الانحراف، ولذلك فإن الله عز وجل قال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30]. الله خبير بهذه النظرة، خبير بما يصنعون بها، خبير بأعمالهم وبما يترتب عليها، وبما تقود إليه، وبما تجر إليه {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] تريد طهارة ونمواً ونماءً وسمواً وشفافية في الروح، غض بصرك، كما قال عبد الله بن المبارك: [اترك فضول النظر توفق إلى الخشوع] كثير من الناس يقول: أنا لا أخشع، طبيعي ألا تخشع، إذا كانت الجلسة من العصر إلى المغرب أمام مسلسلات وأفلام وصور نساء، وهذه راقصة وهذه غادية ورائحة، وهذه قد كشفت رجلها وساقها ونحرها وشعرها، ثم يؤذن المغرب وتذهب تريد أن تتذكر الجنة والنار، تريد تبكي من خشية الله، تريد أن تخشع لذكر الله وما نزل من الحق، إذا كبَّرت أعاد لك الشيطان العرض من جديد، يعيد لك المسلسل الذي رأيته العصر بعد تكبيرتك في صلاة المغرب، يعرض عليك صورة المرأة من جديد، وصورة المعاصي من جديد، وصورة الشهوات من جديد. ولذلك من أدام وأدمن غض بصره؛ أورثه ذلك حلاوة يجدها في قلبه، وخشوعاً ولذة يجدها في صلاته بإذن الله عز وجل، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "قد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته" وسئل أحد السلف: ما الذي يعين على غض البصر؟ فأجاب: أن تعلم أن نظر الله إليك أسرع من نظرك إلى الحرام الذي تشتهيه. إذا أردت أن تنظر إلى شيء نظرة حرام، فتذكر أن نظر الله إليك أسرع من نظرتك إلى هذا الحرام الذي أنت تقصده، ويذكر ابن القيم أبياتاً جميلة فيها: يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً أنت القتيل بما ترمي فلا تصب وباعث الطرف يرتاد الشفاء له توقه إنه يأتيك بالعطب بعض الناس يظن أنه استمتاع، ونقول: لا. سهام البصر سهام عكسية، أنت ترمي فتعود القذيفة إلى قلبك: وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر إذاً فاحفظ خيالك وبصرك وتفكيرك فإنه يجنبك الانحراف بإذن الله، وهل لك بالسلامة بدلاً من أن تمرض فتبحث عن الطبيب، وعن الدواء ومصاريف العلاج؟ أنت الآن بالخيار، إما أن تأخذ العافية مجاناً بدون تعب، وبدون ذهاب إلى الطبيب، وبدون مصاريف علاج، بمجرد الوقاية، فاحفظ نظرك؛ احفظ هذه العين تسلم من هذه الأمراض، أو تطلق البصر فتمرض، فتذهب إلى طبيب وتحتاج علاجاً ودواءً، إن درهماً من الوقاية خيرٌ من قناطير العلاج مجتمعة. أيها الأحبة! إن حفظ الفرج مرهون بحفظ البصر؛ كما قال عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] قدم البصر على الفرج هنا لأن هذه الحاسة هي التي تحرك شهوة الفرج، فمن غض بصره أراح قلبه وفؤاده وفرجه، ومن أطلق بصره أتعب حواس أخرى تتبع هذه الجارحة، فحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر، بل هو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة، غض بصر يتبعه بالضرورة حفظ للفرج، ويتبعه يقظة ورقابة واستعلاء على الشهوة في مراحلها الأولى. عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري) إذا وقعت عينك على أمر مما يحدث شهوة أو مرضاً في القلب والفؤاد والعين فعليك أن تصرف بصرك، وحديث جرير هذا رواه الإمام مسلم. قال صلى الله عليه وسلم: (العينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، والفرج يزني) رواه الإمام أحمد في مسنده، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) ولاحظ في الحديث أنه بدأ بالعين قبل كل شيء، فمن أراد السلامة من الانحراف فعليه أن يحفظ عينه، والحديث هذا رواه البخاري ومسلم. ويعلق الشيخ الشنقيطي رحمه الله رحمة واسعة بقوله: ومعلوم أن النظر سبب الزنا، فإن من أكثر من النظر إلى جمال امرأة مثلا، قد يتمكن بسببه حبها من قلبه تمكناً يكون سبب هلاكه والعياذ بالله، فالنظر بريد الزنا. وقال ابن القيم رحمه الله: فبدأ -أي في الحديث- صلى الله عليه وسلم بزنا العين؛ لأنه أصل زنا اليد، وأصل زنا الرجل، وأصل زنا القلب والفرج هو الذي يصدق ذلك أو يكذبه. إذاً: فالنظرات أمرها خطير: كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر والمرء مادام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر ويقول شاعر آخر: يا من يرى سقمي يزيد وعلتي أعيت الطبيب لا تعجبن فهكذا تجني العيون على القلوب كم جنت العيون على أقوام فسرقوا، إن العيون جنت على أقوام فزنوا، وأقوام فقتلوا، وأقوام فاغتصبوا، وأقوام فقطعوا الطريق، وأقوام فانتهكوا، وأقوام، وأقوام، لكن من ضبط هذه الجارحة ضبطاً إيمانياً فيما يرضي الله عز وجل، وكانت عينه سبباً لرجحان أعماله {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمنْ لكم الجنة؛ اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم) رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وحسنه الألباني حفظه الله. وعن عبد الله بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا علي! لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الثانية) رواه الترمذي وحسنه الألباني. إن من غض بصره أيها الأحبة يجد لذة وحلاوة لا يدركها إلا من عرف ذلك، أنت تمشي في الطريق فظهرت فجأة متبرجةٌ، اصرف وجهك فوراً هكذا، ثم انتظر لحظات بعد زوال هذا المنكر الذي صرفت وجهك عنه، تأمل قلبك، والله لتجدن حلاوة، والله لتجدن لذة، جل ربنا أن يعامله العبد نقداً فيجازيه نسيئة، أليس شرفاً لك أن تكون من المتقين الذين يحاسبون أنفسهم في مرضاة الله عز وجل؟ أليس شرفاً لك أن تكون من الذين -بإذن الله- يصدق عليهم قول الله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55]. هذه من دقائق التقوى، وحساسيات التقوى، وشفافيات التقوى، أنك فور ما تقع عينك على شيء من المحرمات تصرف بصرك بكل طواعية واستجابة لله عز وجل وفي قصيدة جميلة مطلعها: أنا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته الأماني أن يتوبا القصيدة طويلة، لكن الشاهد المتعلق بغض البصر قوله: وغض عن المحارم منك طرفا طموحاً يفتن الرجل الأريبا فخائنة العيون كأسد غاب إذا ما أهملت وثبت وثوبا فمن يغضض فضول الطرف عنها يجد في قلبه روحاً وطيبا قال ابن القيم وهو يذكر قصة عجيبة في خطر هذا النظر، يقول في الجواب الكافي: ويروى أن رجلاً بـ مصر كان يلزم المسجد للأذان والصلاة فيه، وعلى هذا الرجل بهاء الطاعة ونور العبادة، فرقى -يعني: صعد- المنارة يوماً على عادته للأذان، وكان تحت المنارة دارٌ للنصراني، فاطلع فيها، فرأى ابنة صاحب الدار، فافتتن بها. انظروا مآل البهاء والورع بعد هذه النظرة؛ لأن بعض الناس فيه حماقة، تجده يذهب إلى مكان، يقول: أنا لا أقول لك أني لا أسافر، أنا أسافر لكن لا أعمل شيئاً، أنا أذهب مكان اللهو والدعارة وأتفرج وأنظر ماذا يصنعون وأخرج، أنا لا أعمل شيئاً. فقط أذهب أتفرج، أنا لا أكذب عليك أنا أذهب وأنظر وأمشي، لكن أعوذ بالله! أنا ما أعملها. وغيرهم يقول: أنا والله لو يعطوني وزني ذهباً -من الكلام الفارغ- أنا وأنا وأنا ما أفعل، وإنما مجرد حب الاستطلاع، والعلم بالشيء خير من الجهل به، وإلى غير ذلك من الكلام الفارغ، وفي النهاية يأتي المسكين ليمتحن نفسه، العاقل لا يمتحن نفسه، إذا قال لك أحد: هذه مجلة خليعة، ليس هناك داع لأن تقول: أعوذ بالله ما هذه الصفحة، أعوذ بالله ما هذه الثانية، أعوذ بالله ما هذه الثالثة، بل صد عينك عنها ومزقها إذا قالوا لك: هذا شريط فيه معصية، فخذه وكسره تحت إطار سيارتك فوراً، ليس هناك داع أن تقول: هات نفحص عليه، لا حول ولا وقوة إلا بالله، قبحهم ال

السفر إلى الخارج

السفر إلى الخارج من أسباب الانحراف: السفر إلى الخارج: بعض الناس يتساهل إما بذاته أو لأبنائه بأن يسافروا للخارج، وبعضهم بدعوى السياحة، وبعضهم بدعوى تعلم اللغة الإنجليزية، ويرجع الكثير من هؤلاء إلى بلده وقد تشبع بألوان الفساد والمعاصي، فضلاً عن أنه أصبح يحتقر واقعه، بعض الناس من شدة سفره إلى الخارج لغير حاجة، أصبح لا يطيق السنة إلا وسافر مرتين أو ثلاث إلى بلد يرى فيها عراة وخموراً وأموراً منكرة، قد ألفت نفسه هذه المعاصي والعياذ بالله. أصبح يتضايق من هذا المجتمع الذي إن رأى فيه امرأة وجدها قد غطت نفسها ويديها بقفاز، ورجليها بشراب أسود وعباءة سوداء، يأنف من هذا المجتمع الذي يغلق دكاكينه للصلاة، والذي لا يرى فيه ما يشتهي، ولكنه حينما يهبط مطار تلك الدولة الغربية أو الدولة القريبة أو البعيدة، فيرى الخمور على يمينه والغاديات علي يساره، وهذا يحضن عشيقته، وهذا يقبل صديقته، وتلك دعاية للسينما، وتلك دعاية للمسرح، وتلك صورة لنجم من نجوم السينما، وتلك صورة لراقصة، وتلك حفلة يدعى الناس إليها، يرتاح والعياذ بالله، إن السفر إلى تلك البلاد شر كله، ولا يعذر أحد بالسفر إلى الخارج، إلا لحاجة أو ضرورة وفق الضوابط الشرعية، وليس هذا وقت تفصيلها.

الفراغ

الفراغ كذلك من أهم أسباب الانحراف: الفراغ: بعض الناس مادام مشغولاً فلا خطر عليه، لكن إذا تفرغ اشتغل والعياذ بالله بألوان المعاصي، الفراغ داءٌ يقتل الفكر والعقل والطاقة الجسمية، الفراغ أمر خطير، النفس بطبيعتها لابد لها من حركة وعمل، فإذا كانت النفس فارغة تبلد الفكر، وأصبح العقل ثخيناً، وضعفت حركة النفس، واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب، وربما حدثت إرادات سيئة شريرة يقع بها شر كثير وانحراف خطير. انظروا ماذا يجنيه الفراغ على شبابنا الفارغين في مجتمعنا هذا، وحينما نتكلم عن قضية لابد أن نتكلم عن واقعنا، نحن الآن لا نتكلم عن المريخ، أو نتكلم عن الشيشان أو واق الواق، نتكلم من أجل علاج مجتمعنا، الذين يقولون: إن مجتمعنا ليس فيه منكرات ولا مصائب ولا أخطاء، هؤلاء ينافقون ويداهنون ويضللون الأمة، والذين يقولون: مجتمعنا ليس فيه خير ولا بركة ولا مصلحة هؤلاء جاحدون أيضاً، مجتمعنا فيه خير وفيه شر، وما أقيمت المحاضرات والدعوة والندوات وطباعة الأشرطة، وتوزيع الكتيبات والأمور الدعوية، إلا لتنمية الخير والقضاء والإبادة على الشر بإذن الله عز وجل. الدكتور ناصر العمر حفظه الله ينقل في محاضرة من محاضراته: أن دراسة أجرتها جامعة أم القرى عن كيفية صرف الشباب أوقاتهم، خذوا هذه النسب العجيبة، الذين يصرفون أوقاتهم لمشاهدة برامج التلفاز (57%)، الذين يصرفون أوقاتهم لكرة القدم (52%) الذين يصرفون أوقاتهم لاستماع الإذاعة (32%)، الذين يصرفون أوقاتهم يتمشون بالسيارات (32%) الذين يصرفون وقتهم بلعب الورق (24%)، الذين يصرفون أوقاتهم بعلب الشطرنج (14%)، الذين يصرفون أوقاتهم يجلسون في المقاهي (11%) الذين يصرفون أوقاتهم في الموسيقى (11%)، الذين يصرفون أوقاتهم في الرسم (10%). فبالله عليكم يا أيها الأحبة! ما الذي بقي للأعمال المثمرة الجادة التي تنفع الأمة وترد الأعداء؟ اجمع هذه النسب وانظر: ما هي البقية الباقية لشباب الأمة التي تفكر في طرد اليهود؟ ما هي البقية الباقية من الأمة التي تفكر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ما هي البقية الباقية من الأمة التي سعت لتكون قيادات حضارية لأمة تواجه غزواً مستمراً من جميع الجوانب والمجالات والاتجاهات؟ كم عدد الأطباء، المهندسين، الطيارين؟ يبقون قلة قليلة مع الدعاة والعلماء والقضاة والولاة والمسئولين، لكن أغلبية ساحقة من شباب الأمة هكذا تضيع أوقاتهم، فإن كنا نرى هذا ولا يهمنا فتلك مصيبة، وإن كنا لا نستطيع أن نفعل شيئاً في مقاومات هذا السوس الذي ينخر في جذور الأمة وشبابها فتلك مصيبة أعظم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والعلاج أن نسعى جميعاً، أن نملأ الأوقات بما ينفعنا في قراءة، في تجارة، في دعوة، في أعمال، في كتابة، في بناء، في مهنة، في بناء، في صنعة، في حرفة، المهم لا يبقى شباب الأمة في فراغ. إن الأمة لا ينفعها كثير من الهوايات التي طلبت لها المجلات والمسلسلات، إنها لا تستفيد منها شيئاً أبداً، وأكبر دليل على ذلك: إذا أمة من الأمم حشدت دولة على حدودها دبابات وجنود للقتل والقتال، انظر من يبرز لهؤلاء الأعداء، يبرز لها الرجال الصادقون الأشاوس، الجنود الأبطال، الدعاة والعلماء والمفكرون، وأما البقية الباقية: فأنت امرؤ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع

التربية

التربية كذلك من أسباب الانحراف: البيئة التي ينشأ فيها الشاب: بعض الشباب نشأ في بيئة لم ير شفة أبيه إلا والسيجارة عليها، ولم ير حال أبيه إلا وهو على أريكة متكئاً ينظر إلى صور وغاديات وراقصات ومغنيات ومطربات، ولم ينظر إلى أمه إلا غافلة لاهية، ولم ينظر إلى من حوله إلا في بعد عن طاعة الله ورسوله، فمن أين بالله ينشأ هذا؟ إذا كان رب البيت للدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص الولد ينشأ على ما عود عليه: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه إننا نستطيع أن نربي أطفالنا وناشئتنا بأبسط الوسائل وأيسر الأساليب، وأسهل الطرق، تربية تحصنهم تحصيناً نافعاً ضد كثير من المعاصي والمنكرات، إذا أحسنا تربيتهم. أيها الأحبة! إننا ننازع التربية، اليوم أسألكم بالله: من منكم يربي ولده يومياً ساعتين، هل يوجد؟ أنا لا أقول في المائة واحد، بل أتحدى أن يخرج من الخمسة آلاف واحد يقول: أنا أجلس مع ولدي ساعتين يومياً، ولا أبالغ في هذا الكلام، إلا الذي يقول: والله أنا أجلس على مباراة الكرة أنا وإياهم ساعتين وثلاث، أو أجلس أنا وإياهم على فلم السهرة، أو أجلس أنا وإياهم على الـ ( mbc) أو على القناة الفلانية، أو على (أوربت) أو القنوات الفضائية، نعم بعض الناس -ما شاء الله- يظن أن هذا من التربية، لا، السؤال عن التربية الحقيقية، التربية على كلام الله ورسوله، التربية على التخويف من النار والترغيب في الجنة، التربية على التشويق إلى لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم، والتعرف على الصحابة في الجنة، التربية على الطمع والأمنية أن تنظر العيون إلى وجه الله الكريم، من يقوم بهذه التربية؟ نحن ننازع التربية. المدرسة تربي وبارك الله في العلم والتعليم والمعلمين، نسأل الله أن يسددهم، ولكن من المصائب أيضاً أن بعض الأولاد ربما عاد من المدرسة بداء عضال، وتلك مصيبة، والسبب وجود عينات من الطلاب من أسر غير مهذبة وغير نظيفة، أخذت تعدي بقية الطلاب بعدوى جعلت الناس يبحثون عن مدارس معينة من أجل المحافظة على الولد، وإذا خرج الولد من المدرسة من الذي يشارك في التربية؟ إنهما الشارع والسوق، هذا الكلام لا نلوم فيه أحداً، نلوم فيه أنفسنا ومجتمعنا وما هو تحت أيدينا ونقدر على إصلاحه وتغييره بإذن الله عز وجل. ثم إذا انتهى موضع الشارع، تستلمه الشاشة وتربيه لك ساعتين على أفلام كرتون، وساعة برامج وهلم جرا إلى أن ينام في طريقه، أنا أقترح وأجدها أيها الأحبة سهلة وميسورة: إن كنت قادراً على أن تجلس مع ولدك يومياً لا تفارقه من بعد العصر إلى وقت النوم، فهذه قمة التربية، أنا لا أقول لك: كن جاسوساً عليهم أربعاً وعشرين ساعة، تفرض عدم الثقة فيهم، لكن أقول: أن تكون لصيقاً صديقاًَ رفيقاً معهم في أغلب أحوالهم إن لم يكن فيها كلها، إذا استطعت نعم، لكن اليوم أغلب الناس مشغولين، الأب كان الله في عونه في العمل، ومتى يأتي، ثم في العصر لا بد أن يرتاح ويخلد إلى الراحة، وإلا يأتي واحد ويقول: أنت تعال نام جنبي هنا، وأنت جنبي هنا، وأنت تعال عند رجلي، الواحد يمسك أربعة خمسة بيديه ورجليه هذه ليست طريقة. لكن هنا مسألة سهلة، إذا كنت أباً مشغولاً فلن تعجز أن تبحث عن الأبرار، واحد من الأبرار الأخيار تقول: تعال يا أخي، أنا عندي هذا الطفل، عندي هذان الطفلان، عندي ثلاثة أطفال، أريدك يومياً تستلمهم بعد صلاة العصر في حلقة تحفيظ القرآن، تجلس معهم وتتأكد أنهم قرءوا قراءة مجودة مرتلة ممتازة على الشيخ في المسجد، فإذا سمعوا على الشيخ في المسجد أعد التسميع والمراجعة منهم إليك، ثم خذهم إلى البيت وراجع دروسهم، فإذا انتهت مراجعة الدروس اشرب أنت وهم، وأعطهم من هذه القصص، بعد المغرب هات من السيرة النبوية، ومن قصص الصحابة والتابعين إلى العشاء، حتى رأسه يدور مستعد للنوم يستلم الفراش، وما تجد أحداً ينازعك التربية أبداً بهذه الطريقة. الآن بعض البيوت فيها سواق أو أكثر، وفيها عدد من الخادمات، وفيها وفيها، ولو تقول لبعض الآباء: احضر واحداً من خريجي الجامعات الإسلامية من البلدان الإسلامية المجاورة، من زملائك الذين تثق فيهم هنا، قال: أنا مجنون ادفع ألف ومائتين أو ألف وخمسمائة ريال على قضية تربية؟! إذا لم يكن هذا الولد صالحاً فسيكون فتنة وبلاءً {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:28] ويكون الولد عدواً: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ} [التغابن:14] فإذا شئت أن يكون الولد صديقاً لا عدواً، وحسنة لا فتنة فعليك بتربيته، فإن ذلك يجعلك تأمن من انحرافه بإذن الله عز وجل. قد يقول قائل: يا أخي أنا على الله أسدد فاتورة الكهرباء، وأنت تريدني أن أحضر شخصاً بألف وخمسمائة ريال شهرياً، هذا كلام معقول، أنا وأنت والثاني والثالث نحن أربعة نحضر واحداً ونتقاسم راتبه، ونقول له: يا أخي! مسئوليتك بعد العصر أن تستلم هؤلاء الأولاد من هذا الوقت إلى هذا الوقت تدرسهم دروسهم، تراجع لهم حفظ قرآن، مراجعة من السيرة، من الأدب، اجعلهم فصحاء، علمهم آداب الدخول والخروج من الخلاء، والصباح والمساء، ومخاطبة الناس، والرد على الجاهلين، علمهم هذا الأدب، والله ليس بكثير لو أنفقت كل مالك على تربية أولادك. يا إخوان نصيحة لوجه الله، لا تستكثر على أولادك مالاً تنفقه في التربية، فإنك سوف تعوض هذا المال حسنات تنفعك وأنت في قبرك: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، وذكر منها ولد صالح يدعو له) تريد أن تكون حياً وأنت في المقبرة، تريد أن تصلي وتسجد وتصوم وتعتكف وتتصدق وتجاهد وأنت في المقبرة، انتبه لولدك وابنتك وربه تربية طيبة، فإن ذلك بإذن الله يحقق خيراً عظيماً. من أسباب الانحراف: الفجوة بين الصغار والكبار: بعض الصغار يتوقع أنه من الصعوبة أن يكلم رجلاً كبيراً، وبعض الكبار يأنف أن يكلم هؤلاء الصغار، قال أنس: كان صلى الله عليه وسلم يسلم على الصبيان، وكان ابن عباس وهو شاب صغير، يجلس مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقولون: بما نلت العلم؟ ويقول: بلسان سئول وبقلب عقول. نعم أيها الأحبة! إن كسر الحواجز الموجودة بين الصغار والكبار تجعل الصغار يتشجعون على أن ينالوا درجات الرجولة التي يتمتع بها الكبار، وينبغي للكبار أن يزيلوا هذه الجفوة وشيئاً من الكبر الذي يقعون فيه، ليس عيباً أن تسلم على ولد جارك الصغير وتطأطئ رأسك له، وتسأله كم حفظت من القرآن، في أي سنة أنت؟ ما شاء الله عليك، أجبني كم عدد أركان الإسلام؟ هل تعرف هذا السؤال؟ تفضل هذه جائزة، ينبغي أن ينظر بعضنا إلى أبناء بعض من أبناء جيراننا وأبناء حينا نظرة أبوية، وعطفاً حانياً عليهم. إذا كسرت الحواجز بين الكبار والصغار، أصبح الصغير ينظر إلى شيم وأنفة وآداب الكبير فلا يتردد أن يسير مثله. فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح لكن للكبار شلة معينة، والصغار شلة معينة، داءٌ يسري في كل حلقة وكل دائرة على حدة، ثم لا يستفيد أحد من أحد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

معوقات الزواج

معوقات الزواج من أسباب الانحراف: معوقات الزواج: وهي واضحة جلية، إن كثيراً من الشباب وقعوا في اللواط والزنا والفساد، بسبب معوقات الزواج التي أولها المغالاة في المهور، بعض الشباب يقول: كيف أستطيع أن أجمع مائة ألف أو مائتين ألف من أجل أن أتزوج؟! صار يجمع رواتب إجازة ويسافر بها إلى الخارج ويفعل ما يفعل ثم يعود من جديد ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبعضهم ربما وقع في الشذوذ والانحرافات التي يستحي الإنسان من الكلام في التفصيل فيها، بعضهم أيضاً يعرض عن الزواج لأجل هذه الولائم وهذا الإسراف التي جرت به العادات والتقاليد. أذكر مرة في قرية من القرى أننا ذهبنا مع بعض المشايخ، ولما حضرنا وليمة بعد المحاضرة ظنناها زواجاً، فإذا هي عزيمة عشاء قبل العرس، وبعد هذا العشاء غداء، وبعد هذا الغداء عشاء، وبعد ذلك يدخل العريس وتمد ثلاث موائد الأولى والثانية والثالثة من هذا الجدار إلى جدار النساء تقريباً، ولا أبالغ إن قلت أطول من ذلك، ومن أين الدراهم؟ الجمس بمائة وعشرين يتدينه بمائتين ألف، صالون دتسون غمارتين بأربعين ألفاً يتدينه بستين ألفاً، وكأنما ينحتون من الجبال، هذه المعوقات أدت إلى الانحراف. فواجبنا أيها الأحبة! أن نيسر الزواج على الشباب، وأنصح الشباب الذين يريدون الإعفاف والإحصان: لا تتشرط في الزواج، تزوج مطلقة يجعل الله فيها خيراً، تزوج أرملة يجعل الله فيها خيراً، تزوج امرأة أكبر منك يجعل الله فيها خيراً، فإنك بهذا تحصن نفسك، لكن شاب يريد أن يتزوج، الشهوة تؤذيه في ليله ونهاره، يا أخي ليس ضرورياً أن تتزوج بكراً مهرها أربعين أو خمسين ألفاً تعجز عنه، لكن هذه امرأة مطلقة عندها طفلان مثلاً، ممكن أن تتزوجها بعشرة آلاف ريال، هذه امرأة أرملة، هذه امرأة أكبر منك في السن، وربما تنفق عليك، والرسول صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة بنت خويلد وبينهما من الفارق خمسة عشر عاماً، هذا ليس عيباً، ونقولها بكل صراحة. لكن الأفلام والمسلسلات والروايات والقصص غرست أنه لا بد في الزواج من الحب، والحب لابد فيه من تكافؤ، وأن حبيبتك تحب نفس اللون الذي تحب، وتكره اللون الذي تكره، وتحب الساعة التي أنت تحبها، والنادي الذي تشجعه، والفريق والمطرب والفنان والمجلة والرسم واللون والقصة، وعدد ما شئت من هذه الهوايات السخيفة، حتى يتوافق زوجان في كل شيء، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولن يتفقا بأي حال من الأحوال.

شرور وسائل الإعلام وحب المال

شرور وسائل الإعلام وحب المال أيها الأحبة! إن كثرة الشبهات والشهوات التي طرحت في كثير من المجلات، وصدرت عبر كثير من وسائل الإعلام، وبليت بها الأمة، وانتشر فيها شر وبلاء عظيم، كانت سبباً من أسباب الانحراف، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج قالوا: يا رسول الله! وما هو الهرج؟ قال: القتل القتل) رواه البخاري. ومن ذلك هذه المخططات التي لا يزال أعداء الإسلام يصدرونها إلينا صباحاً ومساءً، ولا يكلون ولا يملون، والأمة عما يدار ويخطط ويحاك لها غافلة، إلا من رحم الله، وقليل ما هم. من أسباب الانحراف: الافتتان بالمال: قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال) رواه الترمذي. نعم أيها الأحبة! إن من الناس من يشغله المال إشغالاً إلى درجة تجعله يكذب ويعق، ويقطع، ويسرق ويهدم، ويسب ويشتم، ويفعل كل شيء، من أجل أن يكسب زيادة خمسمائة ريال أو أربعمائة ريال، أو حفنة من حطام المال الحقير التافه. والمال مفسد لدين المرء كما في الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم ويرويه الترمذي: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) أي: أن حرص المرء على المال، هذا الحرص والشح والهلع والجزع في مسألة المال يفسد دين المرء، ويكون سبباً من أسباب الانحراف.

الخلوة بالأجنبيات

الخلوة بالأجنبيات كذلك من أسباب الانحراف التي ابتليت بها بعض المجتمعات وبعض البيوت: الخلوة بالأجنبيات أياً كانت من المربيات: أو الخلوة بالأجنبية من الرجل أو المرأة سائقاً أو خادماً، أو خادمة أو مربية، أو ممرضة أو نحو ذلك، وبالجملة تساهل الناس بالخلوة، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من هذا فقال: (إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) رواه البخاري. قال النووي: المراد في الحديث بالحمو: أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمو الموت) له معاني عدة، فيحتمل أن يكون المعنى أن الخلوة بالحمو تؤدي إلى هلاك الدين إن وقعت المعصية، والمعنى الآخر أو تؤدي إلى الموت إن وقعت الفاحشة أوجبت حد الرجم، أو المقصود احذروا الخلوة بالأجنبية كما تحذرون الموت. هذا الكلام لا يفقهه العلمانيون الذين يقولون: إن نصف المجتمع معطل، والمجتمع الذي لا تعمل فيه المرأة في كل مجال وفي كل سبيل وبكل طريقة من غير قيود ولا ضوابط مع الرجال، هذه المعاني لا يفقهها العلمانيون، العلمانيون الذين يرون الدين في المحاريب والمنابر فقط لا غير، ويستنكفون أن يكون الدين في كل مجالات الحياة، لا يفقهون كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدركون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على المحارم) ولا يفقهون قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان) رواه الترمذي. إن الخلوة بين الرجل والمرأة تفعل فعلاً شنيعاً، وإن من واجبنا ألا نشيع الفاحشة في المؤمنين، ولا نذكر كل فاحشة تقع، لكن لو أننا في مواقع نطلع فيها على ما يطلع عليه رجال الحسبة والهيئة، ورجال الأمن من المصائب الذي يشيب منها الولدان، لرأينا شيئاً تشيب منه الرءوس واللحى من خطورة وحوادث وأعداد مصائب خلوة الرجال بالنساء، من رجل بخادمة، وسائق بامرأة، ورجل بممرضة وغير ذلك. هذه قصة من السنة تتعلق بمسألة موضوع الخادمة، عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما قالا: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله! أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه، وكان أفقه منه فقال: اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، قال: قل، قال: إن ابني هذا كان عسيفاً -أي: أجيراً والخادم يسمى عسيفاً- فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، ثم سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرجم. فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: المائة شاة والخادم رد عليك، أي: مردودة عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فغدا رضي الله عنه على المرأة، فاعترفت -يعني سألها عن مسألة الزنا لأنها محصنة فاعترفت- فرجمها. رواه البخاري. إذاً: خطورة الخدم من القديم موجودة، وحينما يسوغ لبعض البيوت استخدام بعض الخدم بضوابط شرعية لا يعني ذلك فتح الباب، بعض البيوت عندهم من الخدم شيء غريب جداً، لا من عدد، أو من الجمال، أو من السن، أو من الخلوة، أو من التساهل، بعضهم لا يتردد أن الخادمة هي التي تقرب الغداء والعشاء أمام الرجال، وبعضهم يفتخر أن عنده خادمة فليبينية أو من جنسية معينة، ببنطلون وقميص وبلوزة وشعر مسرح، ويجملها ثم يأمرها تدخل بالشاي وغير ذلك على الناس، هذا عرض دعارة والعياذ بالله، ما هذا الكلام؟ إذا ابتليت بالحاجة إلى هذه الخادمة فاتق الله، واعلم أنك مسئول عن سترها وعن تحجيبها. من أسباب الانحراف: وسائل الإعلام التي انفتحت على الناس بشر عظيم، نسأل الله أن يكفينا شرها وما وراء ذلك. الحديث يطول ولعلي أن اختصر، لقد تكلمنا عن الاختلاط والخلوة بالأجنبيات.

التهاون بإقامة الصلاة

التهاون بإقامة الصلاة أقول: إن من مظاهر الانحراف الخطيرة في مجتمعنا اليوم التهاون بالصلوات، والله عز وجل يقول: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. إن من مظاهر الانحراف: أن من المسلمين من لا يقومون إلى الصلاة إلا كما يقوم إليها المنافقون: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] وبالمناسبة فإن الله عز وجل، لم يقل: وصلوا، ولم يقل: الذين يصلون، وإنما قال: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [الأنفال:3] وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:43] فنحن نرى كثيراً من المصلين، ولكن ما أقل الذين يقيمون الصلاة من هؤلاء، نسأل الله أن نكون وإياكم ممن يقيمون الصلاة. اعذروني عن طرح بقية هذا الموضوع فيما يتعلق بوسائل العلاج، وفيما يتعلق بمجال الانحراف الفكري والعقدي، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وما سمعتم من صواب فمن الله وحده لا شريك له، وما كان فيه من زلل فمن نفسي وأستغفر الله، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

المسارعة في الخيرات

المسارعة في الخيرات جعل الله الحياة ميدان سباق؛ فمن حاز قصب السبق حاز رضوان الله، ومن حاز رضوان الله فقد فاز بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين. وقد تحدث الشيخ حفظه الله عن نوع من الناس يسابق ولكن إلى الشر، ونوع آخر يسابق إلى الخير، ولكل من الخير والشر أهل؛ لذا وجب أن نكون من أهل الخير لنحوز رضا الله فنفوز بجنته، ولن يعدم العباد خيراً من رب يدعوهم إلى الخير ويبشر بالجنة.

الدنيا طريق إلى الجنة أو النار

الدنيا طريق إلى الجنة أو النار إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله جل وعلا أن يُحرم أقداماً مشيتم بها إلى هذا المقام علىالنار، وأسأل الله أن يُحرم وجوهاً نظرتم ونظرنا إليكم فيها عن النار، وأسأل الله أن يُحرم والدينا ووالد والدينا وإياكم عن النار. اللهم اجعل اجتماعنا هذا مرحوماً، وتفرقنا من بعده معصوماً، اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك اللهم بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا، واسمك الأعظم الذي إذا سُئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، ألا تدع في هذا المجتمع وهذا المقام ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا أسير ذنوبه إلا فككته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا متزوجاً إلا ذريةً صالحة وهبته بمنك وكرمك يا رب العالمين. أيها الأحبة! اختار أحبابنا بالشئون الدينية أن يكون عنوان المحاضرة: "المسارعة إلى الخيرات".

دعوة إلى المسارعة في الخيرات

دعوة إلى المسارعة في الخيرات دعوة إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فهل من ملبٍ؟ يقول الله جل وعلا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] ويقول جل وعلا: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]. أيها الأحبة! هذه الآيات البينات الجليات الواضحات من خِطاب رب الأرضين والسماوات، يدعونا فيها ربنا الغني عنا، ربنا القوي يدعو عباده الضعفاء، العزيز يدعو عباده الأذلاء، الجبار يدعو عباده المساكين أن يسارعوا، وأن يسابقوا، وأن يبادروا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، والمسارعة والمسابقة تعنيان: المبادرة إلى تحصيل شيء ربما فات بالتأخر عنه، وربما ندم من تكاسل في طلبه، سيما إذا كان الأمر الذي يفوت شيئاً عظيماً تتعلق به النفوس، فكيف إذا كانت الدعوة إلى المسارعة إلى دارٍ خلودها أبدي، ونعيمها سرمدي، وأحبابها لا يتفرقون، وصحتها لا سقم فيها، وسعادتها لا يُكدرها شقاء، فمن فاتته الجنة، فأسألكم بالله في أي مقام وأي فريق يكون؟ فما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار: فحيَّ على جنات عدنٍ فإنها منازلك الأولى وفيها المخيمُ ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلمُ لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها هذه الدار يدعونا ربنا جل وعلا أن نُسارع إليها، والطريق إليها سهلٌ، والسبيل إليها ميسرةٌ، والأسباب إليها ميسرةٌ بمنٍّ من الله جل وعلا، فلا تظنوا أن هذه الجنة بعيدة المنال، وأن طلبها ضربٌ من المحال، بل كما صلى الله عليه وسلم: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) فاللهم إنا نسألك الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة، اللهم إنا نسألك الجنة. يقول نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك) أي: ربما وقع العبد في عداد أهل النار، وكان منهم بعملٍ يسير حقير يظن أن مثل هذا العمل لا يُورد إلى المهالك، وإلى دركات النار والشقاء والجحيم، وربما يستقل العبد عملاً من الأعمال، وهذا العمل هو بإذن الله من موجبات الجنة. إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريقُ والليالي متجر الإنسان والأيام سوقُ استبقوا إليها، سارعوا، بادروا، اطلبوا وهلموا، قال ربنا: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] أي: سارعوا إليها، وقال صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم؛ يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا) رواه الإمام مسلم. أيها الأحبة! إننا في زمن الفتن، وإننا في زمن الأهواء، وفي زمن الضلالات، وفي زمن الأفكار الهدامة، والمذاهب الضالة، والغوايات المبهرجة، والدعايات المضللة التي وقع بسببها كثيرٌ من الناس، ربما أمسى مهتدياً فأصبح ضالاً، وربما أصبح مهتدياً فأمسى ضالاً، وأقوامٌ أصبحوا مؤمنين فأمسوا كافرين، وآخرون أمسوا مؤمنين فأصبحوا كافرين. فالنبي يدعونا أن نبادر أوقاتنا وأنفاسنا وأعمالنا وحياتنا قبل أن نقع في هذه الفتن، أو تقع بنا، قبل أن نرد عليها، أو ترد علينا، والعاقل من اجتهد، والكيس من دان نفسه.

خيرة خلق الله يرجون جنته

خيرة خلق الله يرجون جنته وصف الله جل وعلا خيرة خلقه وهم أنبياؤه ورسله عليهم صلوات الله وسلامه، أولئك الثلة الأطهار الأخيار الذين حفظهم الله وتكفل لهم برحمته، وضمن لهم الجنة، وصف ربنا جل وعلا حال أنبيائه ورسله فقال عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] ما قالوا: نحن من أهل الجنة، وما قالوا: قد ضمنت لنا الجنة، وما قالوا: لن نكون من أهل النار، وما قالوا: قد ضمنا الأمان من زلل على الصراط، وقد ضمنا السلامة من كلاليب جهنم، وما قالوا: ضمنا فتن القبر، أو فتن الموت، أو مضلات الدنيا، بل سارعوا وبادروا وخافوا وخشوا، النبي إمامهم، ومحمد صلى الله عليه وسلم سيدهم، يقوم الليل حتى تتفطر قدماه مسابقةً إلى الخيرات وطلباً في الجنات، رغبةً إلى رب الأرضين والسماوات، فقام طويلاً، وتقول عائشة: [يا رسول الله أربع على نفسك] كأنها ترى أنه قد أضناه طول القيام، فيقول: (يا عائشة! أفلا أكون عبداً شكوراً). نعم هؤلاء أنبياء الله ورسله مع أنهم في أعلى درجات الجنة، قد أكرمهم الله بجلاله، وأدناهم سبحانه وتعالى، ومع ذلك ما اتكلوا على هذا، نعم، تعلقوا ورجوا، وأناخوا رواحلهم بباب رحمة ربهم جل وعلا، ولكنهم مع هذا سارعوا إلى الخيرات، واجتهدوا ورغبوا في الجنة، وخافوا من النار، وهذا الدليل، وهذه الآية أعظم ضربة قاضية، وضربة مسددة قاصمة للمخرفين الصوفية الضالين الذين يقولون: إن العبادة ليست خوفاً من النار، ولا حباً في الجنة، وإنما هي حبٌ في الله جل وعلا. بل طوائف كثيرة من الصوفية يقول قائلهم: ربنا ما عبدناك طمعاً في جنتك، وما عبدناك خوفاً من نارك، وإنما عبدناك حباً في ذاتك، وهؤلاء خابوا وخسروا وخسئوا، فلن يكونوا أكمل إيماناً، وأفضل تعبداً، وأمثل طريقةً واستقامةً من أنبياء الله ورسله الذين وصفهم الله ورضي فعلهم فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:90] يبادرون إليها، يتسابقون إليها، يطلبونها، وما كانوا يقعدون عن همم الأمور ومعالي الأفعال، لما قام القوم يحفرون الخندق ما قعد صلى الله عليه وسلم، وما جلس متكئاً واضعاً رجلاً على رجل وهو نبيهم وإمامهم وسيدهم وكبيرهم وأميرهم، بل سارع معهم حتى بلغ بهم الجوع مبلغاً، ربطوا على بطونهم حجراً، وهو صلى الله عليه وسلم قد بلغ به من الجوع أعظم مما بهم، فربط صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرين اثنين، ربما فر القوم حال شدة قتال إذا حمي الوطيس، وكشفت المعركة عن ساق، وأشجع القوم، وأكرم القوم، وسيد القوم صلى الله عليه وسلم يكر ويفر ويُقبل ويُقاتل أعداء الله ويصيح وسط المعمعة: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) يسارع إلى الخيرات في الجهاد، وما قعد متخلفاً عن عباد الله المجاهدين في سبيله. يسابق في الصلاة حتى تتفطر قدماه، يسابق في الصيام حتى تقول عائشة: [ما شئنا نراه صائماً إلا رأيناه صائماً] يسابق في التواضع حتى إنه ليدني نفسه، وينزل بطول قامته ليحمل طفلاً صغيراً يتعثر على الأرض. وربما قادته عجوزٌ إلى ناحية الطريق، فوقفت به الساعة والساعات يسمع منها تواضعاً ليقضي حاجتها. سابق صلى الله عليه وسلم في كل خير، هكذا كما وصفه ربه جل وعلا بوصفه واحداً من أنبياء الله ورسله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء:90] يرغبون في الجنة، يطلبون الجنة، يتعلقون بالجنة، يريدون رضا الله، وما قالوا: ربنا هو الذي اختارنا واصطفانا، وانتقانا من بين الخلق لنكون أنبياء ورسلاً، فقد ضمن لنا الجنة، بل سارعوا إليها وطلبوها. جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيسأله المصطفى -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- فيقول له: (يا أعرابي! كيف تدعو؟ فيقول الأعرابي: والله يا رسول الله! إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، ولكني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: أنا ومعاذ حولها ندندن). المسابقة إلى المغفرة، المسابقة إلى الجنة، المسابقة إلى الفضل العظيم، ذلك هو الوعد الذي يعد به النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء المهاجرون وآمنوا به وعزروه ونصروه، وبذلوا المُهج والأرواح بين يديه ما أعطاهم وعداً بإمارة، ولا بوزارة، ولا بمنصب، ولا بملك، ولا بولاية عهد، ولا بترشيح، أو امتياز، أو وكالة معتمدة، وإنما قال: لكم الجنة، إنما قال: إن وفيتم وأديتم وأعطيتم وقمتم بهذا رضاً لله، وابتغاء ما عند الله، واستجابة لأمر الله ورسوله، فلكم الجنة. ما كان يعد إلا بما أمر الله أن يسابق إليه وهو الجنة، وكذا لما قَدم الأنصار، ما قال: لكم من الأمر كذا وكذا، وإنما وعدهم بالجنة تلك الدار التي أمر الله أن يسابق إليها: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148].

مسارعة الصحابة إلى الخيرات

مسارعة الصحابة إلى الخيرات هكذا كان شأن أفضل خلق الله الأنبياء والرسل، وعلى هذا المنهج وعلى تلك الطريقة والسنة المستقيمة درج الصحابة رضوان الله عليهم، وسابقوا في الخير، فلما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى البذل في سبيل الله، سابق أبو بكر فجاء بالمال كله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأحرِ بـ أبي بكر أن يفعلها- (قال: يا أبا بكر ماذا تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله). أبو بكر جاء بالمال كله وهو يعلم أنه لن ينزل في آخر الشهر مُسير الرواتب ليوقع عليه، ثم يقبض راتبه، شتان بين حسناتنا وملايينا ومليارتنا وجبال أعمالنا مجتمعين على وجه الكرة الأرضية، وعمل مدٍ أو نصف مُدَّ من واحد من الصحابة. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فإنه لو أنفق أحدكم مثل: جبل أحد ذهباً، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) لو أن واحداً من الأغنياء أنفق زنة جبل أحد ذهباً ولآلئ ودرراً وزبرجداً ويواقيت، لو أنفقها في سبيل الله وقدم صحابي بنصف مُدَّ -سدس كيلو تقريباً- فإن ذلك المد ليرجح بذلك الجبل. نعم. كانوا ينفقون، وينفقون قبل المحسوس معاني عظيمة يريدون بها وجه الله، جاءوا بالمال، ولا يعلمون أن أموالاً ستأتي، وإنما خلفهم الله، وعوضهم الله، ورجاؤهم في الله، امتلأت قلوبهم بالله ورسوله فاغتنت، وتعلقت قلوبنا بآخر الشهر، فمحقت بركة كثير من أموالنا، وربما لم نُسدد إلى حسن صرف أو تدبير في ذلك، شتان بيننا وبينهم حتى وإن أعطينا وأنفقنا، لو فرغنا جيوبنا اليوم وأمضيناها في سبيل الله، فنحن نعلم أننا في آخر الشهر سنقبض مالاً. أما أولئك فالواحد منهم ينفض جيبه وينظف بيته ويخرج كل ما عنده، لا يبقى في البيت إلا حلسٌ بالٍ، أو شيء لا ينفع للجهاد والبذل، فيقول الرسول: (ماذا أبقيت؟) فيقول: أبقيت الله ورسوله. يسارع عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى هذا، فيأتي بنصف ماله، يسارع عثمان الذي يعلم أن الله يُضاعف لمن يشاء والله واسع عليم، فيجهز ويعطي وينفق ويبذل ويمد ويزيد حتى تهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قطعة ذهبٍ تتلألأ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم). هكذا كان شأنهم، وهكذا كان طريقهم مسارعةٌ في الخيرات مع أن أبا بكر ذكره الله في القرآن وأثنى عليه، وشهد له النبي بالجنة، وعمر شُهد له بالجنة، وعثمان شُهد له بالجنة، وعلي شهد له بالجنة، وما قالوا: الآن بلغنا البشارة، وحققنا الأمارة، وأدركنا الغاية، قد ضُمنت الجنة فلتقعد بنا المراحل في قوارع الطرق، بل بذلوا وأعطوا في سبيل الله، وما زالوا يُعطون ويبذلون النفس والنفيس والغالي والرخيص في سبيل الله، يسابقون ويبادرون إلى الخيرات.

المبادرة بالأعمال قبل الفتن

المبادرة بالأعمال قبل الفتن في الصحيح عند الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة). بادروا، أي: أسرعوا، اعملوا، اجتهدوا قبل أن يُغلق باب التوبة، فتطلع الشمس من مغربها، أو أن تأتي آية وعلامة من علامات القيامة: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان:10 - 11] أو الدجال فتنةٌ قد ضل كثيرٌ من الخلق في فتن دونها، فما بالك لو خرج الدجال في زمن تعلقت عقول البشر وأفئدة بعضهم بالخرافات والخزعبلات والسحرة والكهنة والشياطين. ألم يُصدق كثيرٌ من الناس أن تيساً من البهائم يشفي، أو ينفع، أو يضر، وأن ضريحاً لأحد المخرفين يجلب نفعاً، أو يدفع ضراً؟ ألم يصدق بعض المساكين أن بعض الأولياء يدبر أو يتصرف؟ ألم يصدق بعض الذين وقعوا من حيث يعلمون، أو لا يعملون في الشرك أن الذبح عند ضريح أو دعاء ميت، أو الاستغاثة بولي ربما دفعت عنهم كربة، وكشفت سقماً، وأحضرت خيراً ونفعاًُ، فما بالك لو خرج الدجال بين أعينهم، فقسم ونشر رجلاً من الناس قسمين، ثم رده كما كان، أتظنون أن الذين ضعفوا وانهاروا وخاروا وصدقوا فتناً صغيرةً يسيرةً، مع ما فيها من الكذب والسحر والشعوذة والخزعبلات، أتظن أولئك الذين انطلت عليهم الصغائر يثبت إيمانهم عند تلك الكبائر؟ يأتي الدجال إلى المكان الخرب من الأرض، فيقول: أخرجي كنوزك، فتتبعه كيعاسيب النحل، ويشق الرجل شقين، ويمر بينهما، ثم يأمر كل قسم أن يعود فيعود، ويعود الرجل ماشياً كما كان. الدجال فتنة، وما من نبي إلا حذر أمته من الدجال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنه ما من نبي إلا حذر أمته الدجال، فإن يخرج- يعني: الدجال- وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإن يخرج وقد هلكت، فامرؤ حجيج نفسه، ألا هل بلغت اللهم فاشهد).

حاجة العبد إلى الصالحات قبل الممات

حاجة العبد إلى الصالحات قبل الممات يا عباد الله! إننا بأمس الحاجة إلى أن نبادر أنفسنا بالعمل قبل الفتن، أو قبل مجيء آية من آيات الله العظيمة كالدابة، أو خاصة أحدنا، كأن يعرض لأحدنا مرض، أو فقر، أو بلاء، أو فتنة، أو أمر من أمور العامة، ربما ظهرت فتنة، فشتت المجتمعين، وفرقت المحبين، وغيرت الموازين، وأصبح الناس في حيص بيص لا يعرفون من أمورهم شيئاً. المسابقة إلى الخيرات مطلوبة، المسابقة مهمة جداً، وكما مر معنا في الحديث الآنف الذكر: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا) وهذا حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم. إن الفرص ممكنة، وإن المجالات متاحة، وإنا على مقدرة. أحسن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ فلا يدوم على الإمكان إحسانُ

المغبون في صحته وفراغه

المغبون في صحته وفراغه كم غبنا في ساعات نحن نتقلب في بحبوبة الأمن، ورفاهية العيش، وطمأنينة الصحة، ولذيذ العافية، ورقيق الفراش، وتدفق النعم، أولم يقل صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبونٌ فيما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ) فكم من عبد من عباد الله غُبن ليالي طويلة، ضيعها وهو يبصر إلى الأفلام والمسلسلات التي لا تنفعه في قليل ولا كثير، ولا قبيل ولا دبير، بل ربما كانت في موازين سيئاته. وكم من عبد كان قوياً جلداً صحيحاً قادراً على الحج والعمرة، والقيام والصيام، والجهاد والبذل والشفاعة، وقضاء حاجات الناس، فقعد عنها واشتغل بغيرها، وقام ساعياً حثيثاً إلى أمر قد فُرغ منه، وإلى كتاب قد طُويت صحائفه، وإلى أقلام جف مدادها، قام يريد مزيداً من المال والمال قد قسم وفرغ منه يوم أن كان جنيناً في بطن أمه كما في الحديث الصحيح: (ثم يُؤمر الملك بكتب أربع كلمات: برزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد) فالواحد يسعى في الرزق، والرزق أمرٌ مفروغٌ منه، إنما عليك أن تسعى ببذل السبب بمقدار ما أمرت به ليكون سبباً؛ محتسباً في ذلك استجابة أمر الله بقوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15] ولم يُطلب أن نكذب لأجل الرزق، أو نَعُقَ لأجل الرزق، أو نقطع الرحم لأجل الرزق، أو نختلس، أو نغش، أو ننافق، أو نداهن لأجل الرزق، لأن الرزق قد فُرغ منه، فيا لله كم من عبدٍ غُبن في هذا الزمان ساعات، بل أيام، بل أشهر، بل سنوات مضت عليه وكان بوسعه أن يُودعها أعمالاً صالحة، فأودعها غفلات وخطيئات وسيئات ومنكرات، وكم من عبد كان قوياً جلداً، فلما ضعفت قواه وخارت وعجز عن فعل الصالحات، قال: يا ليتني فعلت كذا يوم كنت قوياً. ومن غرس البذور وما سقاها تأوه نادماً يوم الحصادِ اغتنموا الفرصة، فإن كثيراً من الناس مغبونون في الصحة، مغبونون في الفراغ، يصرفون العافية في غير ما هي له، يصرف كثير من الناس عافيةً أودعها الله في بدنه في غير ما خُلق لأجله، ومن أعمل شيئاً في غير ما صنع له وفي غير ما خلق له، ربما حصل له خبلٌ أو خلل في عقله ومنهجه. قال الإمام ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً، ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا عليه، وغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل الصحة والفراغ في طاعة الله، فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، انتهى كلام ابن الجوزي رحمه الله. اغتنموا الفرصة، فالوقت هو رأس المال، الوقت هو البضاعة بعينها، صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال: سبحان الله وبحمده، غُرست له نخلة في الجنة) حديث حسن أخرجه الترمذي، قال ابن الجوزي في هذا: فكم يُضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل، وهذه الأيام مثل المزرعة، فهل يجوز للعاقل أن يتوقف عن البذر أو يتوانى.

العمل قبل الندم فالأيام مراحل

العمل قبل الندم فالأيام مراحل أيها الأحبة! إن الفرصة ممكنة والأمور متاحة، قل: سبحان الله، قل: الحمد لله، قل: لا إله إلا الله، كتبت وسجلت، قل: الله أكبر، كتبت لك صرر من الكنوز بمجرد أن تنطق بتواطؤ قلب ولسان وتدبر عقل، فما قلت من كلمة إلا وقد أودعت في رصيدك، كأنما تقف في خزينة من خزائنك، فتقول: سبحان الله وترمي بمجموعة من الحسنات، الحمد الله، وترمي بعمل من الصالحات تجمعها في هذه الخزائن، كل دقيقة هي فرصة استثمارية عظيمة لتسبيح وتهليل وتكبير، فكم من عبد ضيع أياماً وضيع أعواماً، فلا حول ولا قوة إلا بالله. نهارك يا مغرورُ سهوٌ وغفلةٌ وليلك نومٌ والردى لك لازمُ وسعيك فيما سوف تكره رغبةً كذلك في الدنيا تعيش البهائم فيا عبد الله: تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العبادِ وتب مهما جنيت تب إلى الله مهما فعلت، عد إلى الله مهما ارتكبت، راجع نفسك مهما أخطأت. وتب مهما جنيت وأنت حيٌ وكن متنبهاً قبل الرقادِ ستندم إن رحلت بغير سعيٍ وتشقى إذ يناديك المنادي أترضى أن تكون رفيق قومٍ لهم زادٌ وأنت بغير زادِ قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه؛ نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي]. وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه: [إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما]. وقال الحسن البصري: [أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على دراهمكم ودنانيركم]. ويقول الجاحظ الأديب وهو من المعتزلة في أبيات ينشدها: أترجو أن تكون وأنت شيخٌ كما قد كنت أيام الشبابِ لقد كذبتك نفسك ليس ثوبٌ دريسٌ كالجديد من الثيابِ نعم إن التسويف علتنا، إن التأجيل مصيبتنا، الواحد منا في شبابه يقول: إذا خط الشيب في عارضي فسأتوب، إذا اشتعل الرأس شيباً إذا جمعت كذا وما يدريك أنك تبلغ هذه الآجال حتى تتوب، وقد يخطفك الموت قبلها. يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل يقول الحسن البصري: [يا بن آدم! إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضك] وقال أيضاً: [يا بن آدم! إنما أنت بين مطيتين يوضعانك، يوضعك النهار إلى الليل، والليل إلى النهار حتى يُسلمانك إلى الآخرة، فما أخطر شأنك يا بن آدم]. تخيل أن مائة جندي قد وكلوا أن يستلموك وهم طابورٌ صفوفٌ وقوف على هذا، استلموك من هذا الباب، وكل واحد يسلمك من يده إلى عهدة الآخر، ومن الآخر إلى الثالث، ومن الثالث إلى الرابع، وهكذا الدنيا أسلمتك أول يوم ولدت فيه إلى ليلة أعقبتها، ثم أسلمتك الليلة إلى يوم، ثم اليوم إلى ليله، وما زالت الليالي جنودٌ يسلمونك، وخفيرٌ، وحارسٌ، هذا يودعك، وهذا يسلمك إلى من بعده حتى تقوم آخر ليلة لتسلمك إلى دار برزخية لتكون إما في روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار. وما هذه الأيام إلا مراحلٌ يحث بها داعٍ إلى الموت قاصدُ وأعجب شيءٍ لو تأملت أنها منازلُ تُطوى والمسافر قاعدُ أيها الأحبة! إننا ركبنا مقصورة الحياة، والقطار يسير إلى الآخرة، فسواء وقفنا في القطار، أو جلسنا، أو أدرنا وجوه مقاعدنا إلى عكس اتجاه القطار، أو أدرنا مقاعدنا إلى الجهة التي يقود بها قائد القطار، فإن القطار ماضٍ، وسوف يصل هذا قطار الدنيا يسير بنا إلى الآخرة. إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يومٍ مضى يدني من الأجل فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران في العملِ جاء في وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لـ عمر بن الخطاب حينما استخلفه من بعده، فقال له: [إنا لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، وإن لله في الليل حقاً لا يقبله في النهار].

من أيقن بالموت عمل له

من أيقن بالموت عمل له والحاصل أن علينا واجبات، ولنا وظائف ومهمات من واجبنا أن نجتهد في بذلها وأدائها والقيام بها، وسرعان ما يُقال: مات فلان، أو دُفن فلان، أو صُلي على فلان، أو دخل فلان المستشفى وأصبح عاجزاً عن الحركة، عجز عن الشراب فسقوه، وعجز عن لبس ثوبه فألبسوه، وعجز عن المشي فحملوه، وعجز عن السير فقادوه، وعجز عن حاجته فساعدوه على قضائها، فقبل فوات الأوان ينبغي علينا أن نتدارك الأنفس، وإنها لصرخات وصيحات، وكلمات وخُطب ومحاضرات، وندوات ونداءات تُوجه لي ولكم، وللذكور وللإناث، وللرجال والنساء. أفيقوا يا عباد الله! أفيقوا يا عباد الله! عودوا يا عباد الله! أي غفلةٍ أنتم نيامٌ فيها، نغماتٌ تدندن ليل نهار، ومشاهد لا تُرضي الواحد القهار، وسعي حثيثٌ في الدنيا، والموت يطلب هذه النفوس، فلا حول ولا قوة إلا بالله. قال الفضيل بن عياض لرجل: [كم عمرك؟ قال: ستون سنة، فقال الفضيل: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يُوشك أن تبلغ، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال الفضيل: أتعرف تفسير ذلك؟ تقول: أنا لله عبدٌ، وأنا إليه راجع، فمن علم أنه لله عبدٌ، وأنه إليه راجع علم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوفٌ علم أنه مسئول، ومن علم أنه مسئولٌ أعد للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلة يا فضيل؟ قال: يسيرة، قال: فما هي؟ قال: تُحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، وإن أسأت فيما بقي أُخذت بما مضى وبما بقي]. نعم. إنما الأعمال بالخواتيم، إن من فضل الله ومنِّه أن العبد إذا استرجع وندم وآب وتاب وعاد إلى الله راغباً فيما عند الله، راهباً من عذاب الله، فإن الله يُسدل ستره على ما مضى من حياته، ويمحو سيئاته، ويبدلها حسنات، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} [الفرقان:68 - 70] فما باله؟ ما شأن من تاب؟ ما شأن من غير؟ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70]. اللهم لك الحمد يا حي يا قيوم، يا دائم المنة والإحسان، يا كريم يا عظيم، يا ذا الفضل العظيم، يا واسع يا عليم نسألك اللهم أن تمحو ما سلف من ذنوبنا، وأن تستر ما سلف من خطايانا، وأن تُبدل سيئاتنا حسنات. إلهنا! إن العباد قد أعجبوا بنا، وإنما أعجبهم فينا سترك علينا -هذا الكلام يقوله كل واحد فينا، ونناجي به ربنا- إلهنا لقد نظر الناس إلى صالح أعمالنا، وما نظروا إلى سيئات خطايانا، وإنك سترتنا وأكرمتنا وأسبغت علينا سترك، وجملتنا بجميل سترك، اللهم فكما سترتنا مع علمك وحلمك وعظمتك، فاستر ما بقي، وأعنا وتب علينا فيما مضى، واجعل اللهم سيئاتنا حسنات. لن ينفعنا أيها الأحبة إلا أعمالنا. قال صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله) أنت أيها الأخ الكريم وأنا مثلك شأننا في دنيانا بثلاثة أمور: أهل ومال وعمل، أما أهلونا فربما اختاروا غيرنا بعدنا، ربما مات بعضنا فتزوجت زوجته من بعده، وتفرق أبناؤه وأهله، ثم عادوا وتركوه وحيداً فريداً في المقبرة، شريداً رهيناً في حفرته ولحده، ويعود المال، فيختلف الورثة عليه، ويتقاسمونه، ويتحاصّون ويتشاحون، وربما تقاتلوا وتباغضوا وتدابروا، ولحكمة عظيمة قدرها الله جل وعلا أن المواريث تُقسم بالثلث وبالربع وبالثمن وبالسدس، وبأقل وأكثر بتدبير وتقدير من الله، لماذا؟ لأن الورثة إذا دفنوك نسوك، وأخذوا يتقاسمون المال، فالأم تقول: سدسي، أو ثلثي، والأب يقول: سدس، أو أنا عاصب، والأولاد والبنين يقولون: الذكر مثل حظ الأنثيين، أو أخٌ لأم يقول: سدسي، أو جدة تريد سدساً، أو زوجةٌ تريد ربعاً، أو ثمناً، كلٌ يريد نصيبه، وكلٌ قد ودعك ونسيك. أما عملك فثق أنه لن يُقسم، صلاتك لن تُقسم، صيامك لن يُقسم، عبادتك لن تُقسم، جهادك لن يُقسم، إنما عملك هو الذي يكون لك كله، وأما المال والأهل فما بين متفرق وما بين مقسوم. أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها أيها الأحبة! فلنعتبر ولنجتهد، ولنقدم لأنفسنا، عجباً لبعض الناس، يقول: إني أوصيت، أو سوف أكتب وصيتي إذا أنا مت، فسوف يكون من ورائي كذا وكذا، وهو الآن قادر على المال والريال والصحة والبذل، وقد أخر ذلك وسوفه، يا مسكين إذا لم تنفع نفسك وأنت حي، أفتلوم من بعدك بعد أن يدفنوك إذا قصروا بك، لماذا لم ينفعوك؟ ما دمت قادراً فأحسن إلى نفسك. وذُكر أن أحد الصالحين كان له أبٌ، وكان أبوه ثرياً، فكان هذا الأب يقول لولده، وقد ذهب في ضيعة، أو مزرعة يمشيان في الليل، فقال الأب لولده: يا بني ائتني بالسراج ليضيء لنا الطريق، فقام الولد وجاء بالسراج، فقدم والده أمامه، وجعل السراج خلفه، فقال الأب: يا بني أينفعنا السراج إذا كان خلفنا، إنما ينفعنا السراج إذا أضأته وسرت به بين أيدينا لنبصر به الطريق، فقال الابن: يا أبت فذاك عملك ينفعك إذا قدمته، وإذا أخرته فربما نفعك وربما لم ينفعك. والغالب في أحوال كثير ممن لا يؤتمنون أنهم لن ينفعوا موتاهم حتى ولو كتبوا أوثق الوصايا، انفع نفسك ما دمت حياً، ولا بأس بالعناية مع هذا بالوصية: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:180]. الوصية تبرعٌ مضافٌ إلى ما بعد الموت، والوصية للوالدين، ومن كان وارثاً نُسخت في حقه بآيات المواريث، وآيات أنصباء الورثة والعصبات، ولكن الحاصل أن العبد لا يتكل، فيقول: أوصي، أو أكتب في مالي كذا وكذا، ويتكل على المال، بل اعمل ما دمت قادراً، ما الذي يضيرك إذا كنت تفكر أن تبني مسجداً، أو أن يبنى من مالك مسجداً؟ ما الذي يضيرك أن تبني المسجد وأنت حي، وأن تقف عليه وأنت حي، وأن ترى الناس يصلون فيه، وأن تُصلي أنت فيه، وأن تعتكف؟ ولا تقول: إذا مت فاكفلوا من مالي داعية، أو دعاة، بل ما الذي يضيرك أن يُكفل الدعاة من مالك وأنت صحيح شحيح ترجو الفقر وتخشى الغنى، وترى الدعاة يقبضون رواتبهم من مالك، وهم يسعون مفرغين للدعوة إلى الله يبشرونك في كل يوم أو أسبوع أن قد أسلم بفضل الله ثم بمالك خلقٌ كثيرٌ، ترى بركات وآثار عملك وأنت حيٌ ينفعك بإذن الله.

التوبة مما فات قبل الممات

التوبة مما فات قبل الممات خلِ ادكار الأربع والمنزل المرتبعِ والضاعن المودعِ وعدِّ عنه ودعِ واندب زماناً سلفا سودت فيه الصحفا ولم تزل معتكفا على القبيحِ الشنعِ إلام تسهو وتني ومعظم العمر فني فيما يضرُّ المقتني ولست بالمرتدعِ أما ترى الشيب وخط وخط في الرأس خطط ومن يلح وخط الشمط بفوده فقد نعي آه له بيت البلى ومنزل القفر الخلا ومنزل السفر الألى والضاعن المودع يعني: القبر بيتٌ يرى من أودعه أو ضمه واستودعه لا يستوي إن حله داهية أو أبله أو معسر أو من له ملك كملك تبع هذه هي النهاية! فمادمت تعلمها فما الذي يجعلك تتأخر عن التوبة؟ وما الذي يجعلك تسوفها؟ أنت تعلم كم في بيتك من شريط لا يسرك أن يدفن معك أو تلقى الله به، وأنت تعلم كم في بيتك من مجلة لا يسرك أن تدفن معك أو تلقى الله بها، وتعلم أن في مالك قليلاً أو كثيراً من الريالات تعلم من أين جاءت، ولا يسرك أن تحج بها، أو تتصدق بها، أو تنفقها على أولادك، وربما قال الشيطان: اجعلها في وقود، أو في جدار، أو حائط، تخلص منها ما دمت قادراً قبل أن تُقسم من بعدك لهم حلال وتكون عليك حراماً. هذه الدنيا حلالها حساب وحرامها عذاب، لن ينفعك -والله- إلا عملك حتى وإن طاف بك الطائفون، وأثنى المثنون، ومدح المادحون: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] ما الذي حل بهم؟ ما الذي أصابهم؟ {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] أمك لا تلتفت إليك، وأبوك مشغولٌ عنك، وزوجتك بحالها مشغولة، وأبناؤك ينظرون موازينهم، وأحبابك كلٌ يتطاير بصره إلى أين تطير صحيفته، وهل يلقاها بيمينه أو بشماله، والله لن ينفعنا إلا أعمالنا ولو مدحنا الليل والنهار، وسينفعنا العمل وإن شتم الشاتمون، أو سبنا السابون، أو خذلنا الخاذلون، أو ثبط المثبطون، أو أرجف المرجون، أو سخر الساخرون، أو استهزئ المستهزئون. العمل ينفع بإذن الله، قال صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه ويبنه ترجمان، فينظر أيمن منه) أنت أيها المسكين! ستقف بين يدي الله جبار السماوات والأرض الذي تكون الأرض الكرة الأرضية بقاراتها، بأشجارها ببحارها، بجبالها، بمخلوقاتها، بطيورها، بوحوشها، ببهائمها، الكرة وما عليها في قبضة الجبار جل وعلا: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. أنت أنت أيها المسكين! تقف بين يدي ربك، سيكلمك الله ليس بينك وبينه ترجمان، فتنظر أيمن منك فلا ترى إلا ما قدمت، وتنظر أشأم منك فلا ترى إلا ما قدمت، فتنظر بين يديك فلا ترى إلا النار تلقاء وجهك، يقول صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة). وقد قلّ ذكر النار في مجالسنا، وقلّ ذكر النار في نوادينا، وقلّ ذكر النار في لقاءاتنا، ما أكثر ما مدحنا بعضاً، وتزينا لبعض، وأثنينا على بعض، وبحثنا وتناقشنا وقررنا وحللنا ورجحنا ورأينا وما أقل ما ذكرنا النار، هذه النار التي خشيها الصالحون الذين بلغوا أعمالاً صالحة، علي بن أبي طالب يراوح بين قدميه من طول القيام، ويقول: [لقد أدركت صحب محمدٍ صلى الله عليه وسلم والواحد منهم في جباههم مثل ركاب المعز من طول السجود] يراوحون بين أقدامهم من طول القيام في الليل والنهار، فإذا ذكرت النار، ماجوا وخافوا واضطربوا كأنما النار إنما خلقت لهم، أما نحن فقد جمعناً حشفاً وسوء كيلة، سوء عمل، وطول رجاء وأمل، فلا حول ولا قوة إلا بالله. هناك أمنية سيتمناها الرجل والمرأة، ويتمناها الذكر والأنثى، والصغير والكبير: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] ما من عبدٍ إلا ويكون مغبوناً يوم القيامة، إن كان صالحاً رأى الغبن، لماذا لم يكن تزود أكثر مما فعل؟ وإن كان فاسداً ضالاً، أو كافراً مشركاً، رأى الغبن أن فرط ولم يجب داعي الله سبحانه وتعالى. إن هذه الأمنية ربما تمناها كافرٌ، وهو ما تمناه أهل النار حينما يُلقون فيها، قال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] الله أكبر: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [يونس:91] الآن لما رأيت النار، الآن لما وقفت على الصراط، الآن لما رأيت زبانية جهنم، الآن لما ودعت الدنيا، أين كنت يوم كنت قادراً، يوم كنت قوياً، يوم كنت عداءً سباقاً، يوم كنت مصارعاً جلداً، يوم كنت بصيراً حديداً، يوم كنت فصيحاً منطيقاً، يوم كنت لجوجاً حجوجاً، يوم كنت فارساً شجاعاً، أين كنت عن عبادة الله؟ أين كنت عن طاعة الله؟ ما الذي أشغلك: سهرٌ بليل، معصية، مصيبة، داء وبيل؟ ربما ابتلاك الله بالعافية فلم تعرف: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعمِ

وصية لي ولكم

وصية لي ولكم هي وصية ونداء من الله لنا ألا تلهينا أموالنا، وألا تلهينا أولادنا: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ} [التغابن:14] يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:9 - 11]. إن الله جل وعلا يذكر شأن الضالين الذين فرطوا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100]. سيبقى بعد تمنيه، وبعد رجائه، وبعد أمله أن يرد؛ إنه لن يجاب (كلا) مرجوع مزجور، سيبقى في البرزخ: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ} [المؤمنون:100 - 101] إذا انتهت مدة البرزخ: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] أين الغبطة؟ وأين التجارة؟ وأين النعيم؟ وأين ما ينفع؟ {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:102 - 104] ثم يأتي التقريع، ويأتي التوبيخ: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المؤمنون:105] ألم يأتكم أنبياء؟ ألم يأتكم رسل؟ ألم يبلغكم القرآن كاملاً غير محرف، محفوظاً من الزيادة والنقصان؟ ألم تسمعوا المواعظ؟ ألم تسمعوا النداء؟ ألم تقرع قلوبكم سياط المواعظ؟ ألم تعتبروا بقصص من حل بهم الموت وهم على المعصية؟ ما الذي بدلكم؟ وما الذي أبعدكم؟ {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون:105] هناك من كذب، وهناك من فرط، وهناك من شكك، وهناك من قال: ربما، ولعل، وليت: ولست بمرجعٍ ما فات مني بليت ولا لعل، ولا لو اني ما تنفع أبداً: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون:105 - 106] شقاء في الإصرار؛ في التكذيب، في عناد الرُسل، في عناد الدعاة إلى الله، في عناد من نصحنا وأمرنا بالصلاة، في عناد من حذرنا من اللهو والغفلة، في عناد من دعانا إلى طريق الله: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} [المؤمنون:106]. لكن يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:107] فيرد الجبار عليهم بعد أعوام طويلة: {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] هم يصطرخون ويصيحون وينادون: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] يرد عليهم الجواب بعد زمن طويل {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]. وهذا شأن كل ضال سيندم عند الموت، وسيندم في القبر، وسيندم عند البعث، وسيندم في الحشر، وسيندم عند تطاير الصحف، وسيندم حينما يعبر على الصراط، وسيندم حينما يرى مصارع أهل النار، وسيندم حينما يرى منازل أهل الجنة، أسأل الله أن يجعلنا من المغبوطين، ولا يجعلنا من المغبونين. قال صلى الله عليه وسلم في حديث حسن أخرجه الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) إنها غنيمة، والغنيمة يُحتاج إلى البداية فيها. والغنيمة أمر يفوت إن فرطت فيه، وأمر إنما يُقال لشيء سرعان ما ينفذ ولا يبقى، أما الأمور الوافرة، فلا تقول لرجل: اغتنم من البحر شيئاً من الماء، فماء البحر كثير لا يُعد إدراك شيء من مائه غنيمة، ولكن تقول: اغتنم أمراً من الأمور التي إن فرطت فيها ولَّت عنك أو ولِّيت عنها. فالواجب علينا أن نبادر بالأعمال، أن نسارع إلى الخيرات قبل أن يُحال بيننا وبينها، وإذا حِيل بين العبد وبين العمل الصالح فحينئذٍ لا تسأل عن حسرته، والله إن أناساً تمنوا الرجوع؛ يريدون أن يتوبوا وهم أحياء، فحيل بينهم من شدة ما طُبع على قلوبهم. تركوا الجمعة والجمع والجماعات، واقترفوا المعاصي والسيئات، وداوموا الخطايا والفواحش الموبقات، واستهزءوا بالدعاة، وسخروا من آيات الله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ:54] ولأجل ذلك لما دعانا ربنا إلى الاستجابة، لما يدعونا به سبحانه ويدعونا به نبيه صلى الله عليه وسلم، قال بعد ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] كأن من معاني الآية: أن من لم يستجب، قد يحال بينه وبين قلبه، كأن من معاني الآية: أن من دعي فأعرض، من نودي فنأى، من دني إليه فأبعد، كأن من معاني الآية: أن من أصر على ذلك، وطبع على قلبه ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجمع والجماعات، أو ليطبعن الله على قلوبهم). فإذا طبع على القلب، حيل بينه وبين التوبة، وحيل بينه وبين الرجوع، يحدثني أحد الإخوة عن ضابط من ضباط السجون، قال: إن بعض الذين حُكم عليهم بالقتل إذا كان فجر الجمعة أو صبيحة الجمعة، جيء بكاتب عدل ليكتب وصية من سينفذ فيه الحكم، إما حرابةً، أو قتلاً، أو رجماً بالحجارة، أو ضربةً بسيف، أو رمياً برصاص، أو نحو ذلك، قال: فبعضهم إذا قيل له: إن هذا كاتب عدل يكتب وصيتك، ستموت هذا اليوم، أو سينفذ حكم الله فيك هذا اليوم، قال: بعضهم يبكي وينوح ويصيح أعطوني سجادة أصلي، أعطوني قرآناً أقرأ، يلتفت إلى السجناء: ادعوا لي، اسألوا من تعرفون فيه الصلاح أن يدعو لي عند الله، أن يسأل الله لي بالتوبة والمغفرة. قال: فيرجع ويندم ويبكي حتى تدنو الساعة، بقي أربع ساعات، ثلاث ساعات، ساعتان، يركب في السيارة، الساعة الأخيرة ثم ينفذ فيه الحكم وينتهي، قال: وبعضهم يأتي كاتب العدل، فيقول له: هل من وصية؟ فيقول: لا، فيقول: اغتنم ما بقي، نحن في السابعة صباحاً، وفي الواحدة، أو الثانية عشرة والنصف، سيكون أمر الله وحكم الله وشرع الله رحمة وتطهيراً، فيقول: دعنا من كلامك يا شيخ، قال: بعضهم والله يُعطى السجادة فلا يأخذها، ويُعرض عليه الماء ليتوضأ فلا يُقبل على الوضوء ليصلي، ويدعى إلى ركعتين قبل أن يُقتل فلا يسجدها ولا يركعها، وبعضهم يقول: أعطوني (تتن) وآخر يقول: أعطوني كذا، والآخر يقول: (أعطوني دخان) حيل بينهم وبين ما يشتهون {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] قد طبع على قلبه ولا حول ولا قوة إلا بالله. فأسأل الله بحوله وقوته ومنِّه وكرمه أن يجعلنا من المستجيبين له ولرسوله، وألا يجعلنا ممن طُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون، أولم ينادنا ربنا يا إخواني! يا أيها المستمعون والمستمعات! يا أيها المسلمون والمسلمات! أولم يدعونا ربنا أن ننيب، وأن نستجيب، قال ربنا جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:53 - 54] أنيبوا، ارجعوا، أسلموا، استسلموا، انقادوا، اخضعوا، دعوا المكابرة، دعوا العناد، دعوا التسويف، دعوا التأجيل، الفرصة متاحة، والباب مفتوح، فأقبلوا فإن الله رب يفرح بتوبة عبده أشد من أحدنا إذا أضاع دابته في فلاةٍ وعليها طعامه وشرابه ثم وجدها، ربٌ غنيٌ عنا يفرح بتوبتنا فينادينا ويقول: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:54 - 58]. أولم تكن آيات الله تتلى عليك؟ أولم يُعمرك الله؟ أولم يجعلك الله متدبراً؟ أما رأيت مصارع الضالين؟ أما علمت أن أناساً ماتوا والمخدرات في أوردتهم وشرايينهم وأبدانهم؟ أما علمت أن أناس

نداء إلى كل من يريد الجنة

نداء إلى كل من يريد الجنة أيها العبد! أيها المسكين! أيها الإنسان! أيها الفتى والفتاة! أيها الرجل والمرأة! أيها الكبير والصغير! أيها الوزير والأمير! أيها الصعلوك والحقير! أيها العبد المسكين. مضى أمسك الباقي شهيداً معدلا وأصبحت في يومٍ عليك جديدُ فإن كنت بالأمس اقترفت إساءةً فثنِ بإحسانٍ وأنت حميدُ فيومك إن عاينته عاد نفعه إليك وماضي الأمس ليس يعود ولا ترج فعل الخير يوماً إلى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيد

اعمل قبل أن تعجز

اعمل قبل أن تعجز فكم من نفسٍ رجت أمراً وعجزت عن بلوغه فما أدركته، رجل أعرفه أحسبه من الصالحين، يحدثني ولده يقول: خرجت في رمضان المنصرم مع والدي من المسجد بعد صلاة المغرب، أفطرنا في البيت، وخرجنا إلى المسجد، وصلينا، وخرجنا من الصلاة، قال: فالتفت إليَّ والدي، وقال: يا ولدي فلان، الله أكبر كم من نفس لم تبلغ هذا الشهر، قال: فقلت: صدقت يا أبي! أين فلان وفلان ممن نعرفهم؛ ماتوا وما بلغوا هذا الشهر، قال: ثم التفت إليَّ أخرى، وقال: يا ولدي، وكم من نفسٍ لم تُكمل هذا الشهر، وكان هو رحمه الله ممن لم يُكملوا هذا الشهر، مات في يوم تاسع أو عاشر رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في الجنة، فقد علمته رجلاً من أهل الخير والصلاح. عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: [إذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك] رواه البخاري. فهذا أصلٌ جليلٌ عظيمٌ في قِصر الأمل في الدنيا، وينبغي للعبد أن يُعد، وأن يجهز، وأن يجمل داره في الآخرة حتى يتهيأ للانتقال والرحيل إليها بإذن الله جل وعلا. أيها الأحبة! إن من زين داراً، واشتغل بها، وجملها، وطيبها، اشتاق إلى أن يرتحل إليها، وإن من خرب داراً، كره أن ينتقل إليها، ولو أن واحداً منكم أُعطي أرضاً، فحفر بها بئراً، وغرس بها نخلاً، وشق فيها أنهاراً، وجعل عليها سوراً وجداراً، وجعل فيها أزهاراً وأشجاراً، وجعل فيها حدائق وجنات، وطيبها بكل ما تُزين به الحدائق والبساتين أتظنونه يُهملها؟ سترونه في كل يوم يزورها، ويعتني بها، ويسوؤه أن ينقطع الماء عنها، ويسوؤه أن يخرب شيء من ثمارها وأشجارها، ولا يتركها نهبةً لمن أراد أن يدخلها، أو يعبث فيها. ولو أن آخر أعطي أرضاً فتركها، ولم يغرس بها نخلاً، ولم يحفر بها بئراً، ولم يجعل فيها شجرة، ولم يجعل لها سوراً، ثم قيل له: إن بني فلان أناخوا رواحلهم وأباعرهم فيها، فإنه لا يتأثر، لو قيل له: إن تلك الأرض أصبحت تُرمى فيها القمامات والزبالات ما يتأثر، لأنه ما تعب فيها. فكذلك الآخرة إذا اعتنينا بمواقعنا فيها، نغرس فيها أعمالاً صالحةً، نحفر فيها آبار العمل الصالح والأوقاف النافعة، نبني عليها أسواراً منيعة، نحصنها بالتوبة وبالذكر وبالاستغفار، فإنها تهمنا، وإذا جاءت ملائكة الموت تنقلنا إلى هذه الدور التي طيبناها وغرسناها وزيناها، رضينا وفرحنا أن ننتقل إليها، أما عبدٌ ضيع آخرته، فلا شك أنه يكره أن ينتقل إليها، ولذلك قيل للحسن البصري: لماذا نحب الدنيا ونكره الموت؟ فقال: [لأنكم عمرتم الدنيا، وخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنتقلوا من العمار إلى الخراب].

استعد بيومك لغدك

استعد بيومك لغدك أيها الأحبة! الواجب أن الإنسان يستعد لنفسه، يقول ابن عمر: [خذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك] أي: اغتنم الأعمال الصالحة في صحة قبل سقم، وفي حياة قبل موت، لعلك غداً من الأموات دون الأحياء. كان صلى الله عليه وسلم يقول: (ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكبٍ قَالَ -من القيلولة- في ظل شجرة، ثم راح وتركها) نام وقت المقيل في ظل شجرة ثم راح وتركها. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: [إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكلٍ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عملٌ ولا حساب، وغداً حسابٌ ولا عمل] وقال يحيى بن معاذ الرازي: [الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها لم يُفق إلا في عسكر الموتى نادماً مع الخاسرين]. تخرب ما يبقى وتعمر ثانياً فلا ذاك موفورٌ، ولا ذاك عامرُ وهل لك إن وافاك حتفك بغتةً ولم تدخر خيراً لدى الله عاذرُ أترضى بأن تفنى الحياة وتنقضي ودينك منقوصٌ ومالك وافرُ ماذا ينفعك أن تموت ووراءك مليار دينار، وليس أمامك إلا آلاف السيئات وآحاد الحسنات؟ والله ما يسرك لو خلفت أموال الدنيا وقد أقبلت بسيئات لا قبل لك بها، نسأل الله أن يتغمدنا برحمته. قال المروذي: قلت لـ أبي عبد الله - يعني: أحمد -: أي شيء الزهد في الدنيا؟ قال: قِصر الأمل، من إذا أصبح قال: لا أمسي. وقال بكر المزني: إذا أردت أن تنفعك صلاتك، فقل: لعلي لا أصلي غيرها. أي: قد تكون هي الصلاة الأخيرة، وقد يفاجئني الموت بعدها، وفي الترمذي عن أبي هريرة مرفوعاً: [ما من ميتٍ يموت إلا ندم قالوا: وما ندامته؟ قال: إن كان محسناً ندم ألا يكون زاد، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب] أي: طلب العتبى وتاب ورجع إلى الله. فإذا كان الأمر على هذا، فيتعين علينا جميعاً ذكوراً وإناثاً، شباباً وشيباً، صغاراً وكباراً أن نعود إلى الله، أن نرجع إلى الله، كفانا غفلة، بلغنا من العمر ثلاثين في غفلة، بلغنا أربعين في غفلة، بلغنا خمسين في غفلة، فمتى الرجوع؟ ومتى التوبة؟ ومتى العودة والإنابة؟ قال سعيد بن جبير: [كل يومٍ يعيشه المؤمن غنيمة]. وقال بكر المزني: ما من يومٍ أخرجه الله إلى الدنيا إلا يقول ذلك اليوم: يا بن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلا تنادي: يا بن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي، قال البخاري رحمه الله: اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ فعسى أن يكون موتك بغته كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ ذهبت نفسه الصحيحة فلته ويقول القائل: تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر

لا يصدك الشيطان عن طاعة الله

لا يصدك الشيطان عن طاعة الله لا يصدنا الشيطان عن ذكر الله، والرجوع والتوبة، إن الشيطان يقول: التوبة صعبة، التوبة مستحيلة، التوبة شاقة، الرجوع أمرٌ مثاليٌ، الرجوع أمرٌ صعب المنال لا يمكن أن يتحقق، كيف نتوب؟ تريدون أن نترك الابتسامة، أن نترك الفرحة، أن نترك اللقاء، أن نترك الوصل، أن نترك لقاء الأحباب والأقارب. نقول: ومن قال إن التوبة تعني ذلك؟ التوبة أن تُودع ما نهى الله عنه، أن تهجر ما نهى الله عنه، أن تتخلص مما نهى الله عنه، وأن تُقبل على طاعة الله، اتق المحرمات تكن أعبد الناس، إن الشيطان يُريد أن يُوقع بيننا عداوة وبغضاء، ويريد أن يضلنا، ويريد أن يصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل نحن منتهون؟ هل ننتهي من هذه الغفلة ونُقبل على طاعة الله؟ وعلينا أن نستعيذ بالله من همزه ونفخه ونفثه ووسوسته: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} [البقرة:268]. الشيطان يزين للعبد حتى إذا اجتمع الشيطان وأعوانه في النار يوم القيامة، وقف الشيطان خطيباً فصيحاً، فقال كما ذكر الله جل وعلا: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} [إبراهيم:22] انتهت القضية، فُرغ من المسألة، أهل النار في النار، أهل الجنة في الجنة، قام الشيطان فقال: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:22]. الشيطان يوبخ ويقرع: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16] كم أغوى من شاب، نعم إن الشياطين ما نصبت حبالاً كحبال المشانق تخطف بها رقاب العباد، وإن الشياطين ليس معها أقفالاً وأغلالاً وقيوداً تضعها في الأيدي والأرجل، ولكن الشياطين سربت نغمةً إلى أذن، وزينت صورة في عين، ورسمت فكرة في خيال، وخيلت شهوة محرمة في نفس، وقادت خطوة خطوة إلى أن وقع العبد في المعصية، لأجل ذا قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:168]. نعم إن الشيطان ما قال لرجل ذات يوم: اطرح هذه المرأة، وافعل بها الزنا من أول وهلة، وما قال: اشرب كأساً من الخمر أول وهلة، وما قال: خُذ أموال الربا أول وهلة، وما قال: افعل كذا أول وهلة، وإنما قاد خطوة خطوة، إنما هي كانت خيالاً، كانت خطرات، كانت سكرات، ثم هي خطوات، ثم أفعالٌ حتى وقع العبد في المعصية. ورب عبدٍ يتوب بعد معصيته، ويُفسح في أجله، ويُمهل في عمره، فيعود ويستعتب، ورب عبدٍ يموت قبل أن يتوب، ورب عبدٍ يموت وهو يفعل فاحشته، أو يشرب كأسه، أو يعاقر محرماً من المحرمات، إن الشيطان قعد لنا في كل باب، وقعد لنا في كل طريق، إذا أذن للفجر زين لنا الفرش والوسائد، وإذا دعينا إلى الإنفاق في سبيل الله قبض أيدينا على جيوبنا، وإذا دعينا إلى محاضرة وندوة خوفنا ووسوس لنا، وزين لنا مجالس لهو وغفلة، وإذا دعينا إلى صلة رحم ذكرنا محرشاً بعداوات قديمة، وإذا دعينا إلى إصلاح ذات بينٍ جعلنا ننحاز إلى فريق دون فريق. هكذا شأن الشيطان يقعد لكل عبد في طريقه، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال -أي الشيطان-: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبنائك، فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطِوَلْ -الطول: الحبل الطويل يشد أحد طرفيه في وتدٍ والطرف الآخر في يد الفرس، لتدور الفرس وترعى، ولا تذهب تلقاء وجهها- فعصاه ابن آدم فهاجر، ثم قعد الشيطان للمسلم في طريق الجهاد. فقال: تجاهد، فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، وتنكح المرأة بعدك، ويقسم المال، فعصاه، فجاهد، فمن فعل ذلك -يعني: من عصى الشيطان في كل وساوسه وطرائقه- كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة) رواه أحمد والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح.

التسويف آفة قتلت أصحابها

التسويف آفة قتلت أصحابها فيا أيها المحب! يا أيها الحبيب! يا أيها الصديق! يا أيها الرفيق! يا أيها الرجل العاقل! ويا أيتها المرأة المسلمة! كما قال الحسن البصري: [إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غدٌ لك، فكس فيه كما كست في اليوم، وإلا يكن الغد لك لن تندم على ما فرطت فيه] وذلك من الكياسة بمعنى العقل والفطانة، أي: اعمل عملاً تكون به كيساً حازماً. دع التكاسل في الخيرات تطلبها فليس يسعد بالخيرات كسلانُ لا ظل للمرء يغني عن تقىً ونهى وإن أظلته أوراقٌ وأفنانُ ما الذي يصدنا عن الجنة؟ يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غاليةٌ على الكسلانِ يا سلعة الرحمن سوقكِ كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمانِ يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنانِ يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ خطاب عنك وهم ذوو إيمانِ ما الذي صدنا؟ ما الذي قعد بنا عن طلب الجنة؟ وما الذي قعد بنا عن السلامة من النار، إن طرق الخير كثيرة، وأبواب البر عديدة وفيرة، فلنا في كل تهليل وتكبير عمل صالح يقود إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) رواه الإمام مسلم. عليك صدقة في عافيتك ببدنك ومفاصلك، ويجزئ من ذلك أن تصلي ركعتين، وفي هذا الحديث دلالة على أنك قادر على أن تملأ خزائنك بالأعمال الصالحة، إن الذكر عبادة لسانية، لو أردت أن تحرك يدك بعدد حركات لسانك لانقطعت يدك، ولو أردت أن تحرك رجلك بعدد حركات لسانك لشلت رجلك، ولو أردت أن تحرك حاسة لسانك بخفقات القلب لعجزت، لكن الذكر فيه تسبيح وتهليل واستغفار وإنابة، وذكر لله، وتلاوة، وفيه حسنات كثيرة: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]. اختار الله كلمات فجعلهما ثقيلتين في الميزان، خفيفتين على اللسان، حبيبتين إلى الرحمن" سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" اختار الله كلمات كما قال صلى الله عليه وسلم جعلها خيراً من الدنيا وما فيها" سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر". إنك قادرٌ أن تبلغ الجنة بأيسر الأعمال، أن تقوم بغض طرفك، أن تُحرك لسانك بذكر الله، أن تكف يدك عن الحرام، أن تعقل قدمك عن المشي إلى معصية الله، أن تسير إلى ما أمر الله بالسير إليه، فإن أبواب الجنة سهلةٌ وميسرة جداً، وفي الحديث الآخر: (كل سُلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس؛ تعدل بين اثنين صدقة، تعين الرجل في دابته فتحمله عليها وترفع له عليها متاعه صدقة، الكلمة الطيبة صدقة، بكل خطوة تمشيها إلى المسجد صدقة، تميط الأذى عن الطريق صدقة) متفق عليه. وفي حديث آخر: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) أين نحن من هذه الصدقات؟ من الناس من إذا رأى اثنين قام كالشيطان منحازاً إلى أحدهما، لا يريد أن يُصلح بينهما، وبعض الناس لا يعرف إلا طريق التشجيع للأندية والمباريات الرياضية، لا يعرف أن يقف في الوسط لكي يعدل ويُصلح ويُوفق ويقرب بين فريقين وطرفين وطائفتين، لا يعرف إلا أن يتحيز لهؤلاء ضد هؤلاء، وهؤلاء ضد هؤلاء أياً كانوا صغاراً أو كباراً أو أفراداً، أو غير ذلك. ومن الناس من يحرم نفسه الصدقة، فتجده يجد محتاجاً إلى المساعدة فلا يساعده، يجد رجلاً عاملاً فقيراً مسكيناً كالاً أو ابن سبيل قد انقطع به الطريق فلا يحمله، يحرم نفسه الصدقة، وبيده أن يميط أذى عن الطريق، فربما ترفع أن يلوث تلك اليد المعطرة بمختلف العطور بذلك الأذى الذي رآه، وربما كان ذلك الأذى مرجحاً لحسناته على سيئاته، فيكون بإذن الله سبباً في دخوله الجنة.

إن طرق الخير كثيرة

إن طرق الخير كثيرة قال صلى الله عليه وسلم: (على كل مسلم صدقة قال أحد الصحابة: أرأيت إن لم يجد؟ قال صلى الله عليه وسلم: يعمل بيديه، فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر، فإنها صدقة) متفق عليه، ومن الناس من لا يعرف حتى الصدقات التي لا تحتاج إلا إلى الصبر. في مجلس من المجالس زرت رجلاً أرجوه وألتمس عنده أن يفك أسر مكفوله الذي بلغ من العمر مبلغاً، وله أسرة فقيرة، وله طفلة عمرها ثلاث سنوات أصيبت بفشل كلوي، وله أم عجوز كبيرة، فقلت للرجل: يا فلان، يا عبد الله! إني أدعوك إلى الله وبالله، ولأجل وجه الله أن تترك كفالة هذا المسكين، وتنقلها إلى آخر، وإن ثبت لك في ذمته شيء من الحقوق المالية شرعاً، فأنا ضمينٌ كفيلٌ بها، اتركه. فقال: لا، ما أتركه، فقام واحد من الحضور، قال: هي فوضى، أن يأتي هؤلاء الأجانب، ونتسامح معهم ونتساهل معهم، المستشفيات مليئة بالمرضى، وأنت لا تأخذك العاطفة، فقلت: يا مسكين! أولم يكن خيرٌ لك أن تقول كلمة طيبة، أو تصمت: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت). من الناس فضلاً عن أنه عاجز عن أن يفعل خيراً- والعياذ بالله- قعد به الشيطان ونفسٌ أمارةٌ بالسوء، وهوى مطاع، وشحٌ متبع، قعد به عن فعل الخير، فما زاده إلا أن أنطقه بالباطل، فإذا لم تستطع قول الحق، فلا تنطق بالباطل يا عبد الله، الإمساك عن الشر كما في نهاية الحديث، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: (يمسك على الشر، فإنها صدقة) متفق عليه. إن أبواب الجنة ميسرة وسهلة، لكن الشيطان ضيق على من أغواهم وأضلهم، تجد الذين وقعوا في الخمر والمخدرات، جميع أنواع عصيرات الفواكه، وعصيرات المشروبات، والأطعمة والطيبات ضاقت في أعينهم، ولم يبق إلا الخمر وهو الذي لذَّ أمام أعينهم وعلى ألسنتهم، أنواع المأكولات ما طابت لهم، وما طاب إلا الحرام، جميع أبواب الرزق من بيع وشراء وأجرة وسَلَم ورهن ومغارسة ومزارعة، وأمور كثيرة ضاقت عليهم، وما طاب لهم إلا الحرام، ولا حول ولا قوة إلا بالله. تجد بعضهم ضاقت المجالس أمام عينيه، ما فكر أن يقعد في مسجد، أو يجلس مع زوجته، أو يلاعب أطفاله، أو يصل رحمه، أو يجلس مع والديه، أو يمشي في طاعة الله ومرضاته، ضاقت كل المجالس وما رأى إلا مجلساً فيه معصيةٌ من معاصي الله سبحانه وتعالى. وفي الختام أيها الأحبة: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. اللهم لا تجعلنا من الفاسقين، اللهم لا تجعلنا ممن طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، اللهم اجعلنا من المسارعين في الخيرات، الراغبين في الطاعات. اللهم استرنا بسترك الذي لا يُكشف، اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، وارفعنا بطاعتك، ولا تخزنا بمعصيتك، اللهم ثبتنا على طاعتك إلى أن نلقاك، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا. اللهم أصلح شأننا، اللهم اجمع شملنا، اللهم أصلح حكامنا، اللهم اهد ولاة أمرنا، اللهم سدد دعاتنا، اللهم وفق علماءنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم اجمع شمل علمائنا وحكامنا ودعاتنا وعامتنا وصغيرنا وكبيرنا على طاعتك. اللهم لا تفرح علينا عدواً، اللهم لا تُشمت بنا حاسداً، اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور، ومن الزيغ بعد الاستقامة، ومن الضلالة بعد الهدى، لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار يا رب العالمين. وفي الختام أرجو ممن رتبوا هذه المحاضرة أن يجعلوا على الأبواب من يجمع تبرعات لإخواننا في البوسنة والهرسك، فإنهم بفضل الله في أخبار تنبئ بانتصارات، وبشائر تنبئ بقرب النصر والفرج من عند الله سبحانه وتعالى، فأعطوهم وأعينوهم: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل:20].

الولاء والبراء [1407هـ]

الولاء والبراء [1407هـ] إن الولاء والبراء أمر محتوم، وهو أصل من أصول الدين الإسلامي، كما بينه الله في كتابه، وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، ولقد سطر الصحابة في الولاء والبراء أروع الأمثلة، وهكذا كان السلف الصالح، لكن لو نظرنا إلى أحوالنا اليوم وأحوال أعدائنا لوجدنا أن الأعداء قد أخذوا بهذا الأصل على اختلاف نحلهم ومللهم، وأما المسلمون -فإلى الله المشتكى- قد وقعوا في التفرق والتشرذم والانحطاط والضعف والخور!!

حقيقة الولاء والبراء

حقيقة الولاء والبراء إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، وآتاه الفضيلة والوسيلة، وبعثه مقاماً محموداً. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم في كل حال من أحوالكم، وهي وصيته لكم ولمن كان قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. معاشر المسلمين! إننا في عصر تكالبت فيه قوى الشر على الإسلام وأهله، واجتمعت عليهم وعلى حربهم صفاً واحداً، على الرغم من اختلاف ملل الكفر وتنوع نحله، وإن كنا نرى في مقابل ذلك آلاف الملايين من المسلمين المتفرقين في أنحاء العالم، ومع ذلك فكثرتهم هذه لم تغن عنهم شيئاً، ولكل واحد منا أن يطرح سؤالاً قائلاً: ما بالنا نحن المسلمين أكثر أمم الأرض عدداً، وأوفرهم أموالاً وأرزاقاً، ومع ذلك فالمسلمون أكثرهم يشردون أو يقتلون ويعذبون ويهانون ويحتقرون! أليست الكثرة تغلب الشجاعة، وتجلب النصر والغلبة؟ نعم. هذا هو سؤال الساعة المناسب، والجواب عليه يكمن في قوله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت، وينزع الله مهابتكم من صدور أعدائكم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. عباد الله! إن ثمة علل وأمراض أصابت الأمة الإسلامية، نخرت عظامها، ومزقت أوصالها، وأسقطت خلافتها، وفرقت شمل وحدتها، حتى وصل بها الأمر إلى ما نراه اليوم من التبعية والهوان والذل والامتحان، ولو ذهبنا نستعرض تلك المصائب والمحن، لطال بنا المقام، ولكن حسبنا أن نتذاكر بعضها بشيء من الإيجاز والاختصار. ألا وإن من أعظم تلك الأمور وأخطرها، والتي أصابت المسلمين في دينهم؛ هي قضية ضعف الولاء والبراء، ضعف الموالاة والمعاداة في الله، إذ لما ضعف تمكن هذا الأمر في نفوس كثير من المسلمين؛ تبع ذلك نقص وضعف في الإيمان، وحقيقة الولاء يا عباد الله! أن يعرف المسلم أولياء الله من المؤمنين الصادقين، والدعاة المخلصين، فيواليهم ويحبهم، ويعينهم، ويدعو لهم، وأن يعرف أعداء الله فيعاديهم، ويخذلهم، ويدعو عليهم.

تحريم موالاة الكفار

تحريم موالاة الكفار لقد حذر الله جل وعلا عباده المؤمنين في كتابه الكريم من موالاة الكفار حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:118 - 120]. فلا تجوز موالاة أعداء الله بأي حال من الأحوال، فالولاء لله والبراء من أعدائه ليست أقوالاً تدعى أو يزعمها من شاء، بل لابد لها من البراهين والأدلة التي تمحص صدقها من كذبها، وصحيحها من سقيمها، إن الصحابة رضوان الله عليهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، أثبتوا صدق ولائهم لله، فما أن أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة حتى تواثبوا إلى طيبة الطيبة، تاركين أرضهم وأموالهم وديارهم وعشائرهم، ليثبتوا صدق الولاء لله جل وعلا، وليظهروا صدق العداوة للكفار في مكة. والولاء والبراء مسألة عريقة منذ القدم على عهد أبينا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، والله جل وعلا قد جعل إبراهيم قدوة لنا، حيث يقول في محكم كتابه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] ويقول جل وعلا محذراً عباده المؤمنين من موالاة أعدائه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة:1].

حقيقة الولاء والبراء عند الصحابة

حقيقة الولاء والبراء عند الصحابة ولقد سجل الصحابة رضوان الله عليهم أروع آيات الولاء والبراء، حيث نزل في أحدهم وهو أبو عبيدة رضي الله عنه قول الله جل وعلا: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة:22] ففي يوم بدر تقابل أبو عبيدة عامر بن الجراح مع أبيه، تقابل معه في المعركة فقتله، وقال عبد الرحمن بن أبي بكر لأبيه أبي بكر الصديق: والله لقد وقعت تحت سيفي عدة مرات فرددته عنك حياء منك يا أبي، فقال له أبو بكر: والله لو وقعت تحت سيفي مرة واحدة ما رددته عنك. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما استشاره في أسرى معركة بدر: سلمني أخي، فلأقطعن عنقه، وسلم علياً أخاه عقيلاً فليقطع عنقه، وسلم أبا بكر ابنه فليقطع عنقه، ثم نقتلهم جميعاً، فلا يعودون يقاتلوننا، أي ولاء وبراء في هذه المواقف المذهبة والمشرقة؟! ولما قدم أبو سفيان مبعوثاً من أهل مكة ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم على تمديد العهد والهدنة قدم على ابنته أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل البيت وأراد أن يجلس على فراش مطروح على الأرض، قامت ابنته وجذبت الفراش من تحته، فقال لها: أي بنية! أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت بالفراش عني؟ فقالت: لا. إنما هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مسلم وأنت مشرك نجس. ولما رأى مصعب بن عمير أخاه أبا عزيز أسيراً في معركة بدر، في قبضة سلمان الفارسي، قال له: يا سلمان! شد الوثاق على أسيرك، فإن أمه غنية، فقال له أخوه: أهكذا تقول عني؟ قال: والله إن سلمان أخي من دونك. وعبد الله بن عبد الله بن أبي، وأبوه زعيم المدينة وكبير المنافقين، لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، قال كبير المنافقين: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المقولة، فأرسل وراء ابنه عبد الله وهو صحابي جليل، فقال له: هل علمت ما قال أبوك؟ قال: لا. قال: يقول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال عبد الله بن عبد الله بن أبي: صدق يا رسول الله! أنت الأعز وهو الأذل، ولئن أمرتني يا رسول الله لآتينك برأسه ولو كان أبي! وعندما عاد إلى المدينة وقف على بابها، فعندما جاء زعيم المنافقين ابن أبي أمسك ولده بتلابيبه وقال له: أنت الذي قلت: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل؟ أنت الأذل ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأعز، والله لا يؤويك ظلها -أي المدينة - أبداً حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاد أبوه ينفجر غيظاً وكمداً، وصاح: يا معشر الخزرج! ابني يمنعني المدينة، وابنه يقول: والله لا تدخلها، فذهب من الصحابة من أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال لهم: مروه فليأذن له. وبذلك تحول الولاء والبراء إلى واقع عملي يراه الناس ويقتدون به، فمسألة الولاء والبراء ترتفع بالمسلم عن حدود الجنس واللون والعرق والقبيلة والوطن، إلى سمو الإسلام وعدله ورحمته، فالمهم أن نوالي أولياء الله عرباً كانوا أو عجماً، بيضاً كانوا أو سوداً، وإن لم نفعل ذلك تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.

حال المسلمين اليوم وحال الأعداء في الولاء والبراء

حال المسلمين اليوم وحال الأعداء في الولاء والبراء إن من صدق الولاء لله أن نعين الدعاة إلى الله في كل مكان، والمجاهدين في سبيل الله بكل ما أوتينا من فضل من الأموال والأرزاق، والدعاء والثناء، والنصح والتواصي بالحق والصبر، إن المسلمين يواجهون حرباً من أعدائهم اليهود والنصارى وأذنابهم وأوليائهم، فأعداؤنا قد يختلفون فيما بينهم، ولكنهم يتفقون ويتحدون ويجتمعون على حربنا وإبادتنا: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة:105]. وكيف يليق بنا نحن المسلمين أن نتفرق أو نتشتت أو نتقاعس عن موالاة المؤمنين وعونهم، وأعداؤنا يوالي بعضهم بعضاً لأجل حربنا وإبادتنا، ولو أمعنا النظر في واقعنا وذهبنا نتعرف إلى موقعنا في مسألة الولاء والبراء، لوجدنا الكثير قد والى نفسه وشهواته وملذاته، فأين الولاء منا، ونحن نرى الأبرياء يشردون، والنساء يستبحن، والرجال يقتلون وَيُقَاتَلُوْن، ثم لا نهب لنجدة أو معونة؟! أين الولاء منا، وأين نحن من الولاء لله، إذا كان إخواننا في أفغانستان وغيرها يخوضون حرباً ضارية شعواء مع أعداء الله الملحدين واليهود الحاقدين؟! ثم إذا دعي الواحد منا إلى الصدقة أو المعونة، تراه يتكاثر دريهمات حقيرة يدفعها لهم، وإذا تكرر طلب المعونة منه سئم ومل من ذلك التكرار. إن من صدق الولاء في هذه القضية خاصة وغيرها عامة، أن يجاهد المسلم بماله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولو أن كل واحد منا داوم بالدعم والمعونة والصدقة ولو بشيء قليل لكان ذلك كثيراً بالنسبة لمجموع المسلمين على تفرقهم في جميع أنحاء العالم. أسأل الله جل وعلا أن يبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، بارك الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو التواب الرحيم. الحمد لله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها، وأنشأ السحاب، وهزم الأحزاب، وأنزل الكتاب، وخلق العباد من تراب، لا إله إلا هو رب الأرباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، لم يعلم طريق خير إلا دل الأمة عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا حذر الأمة منه، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضو بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. عباد الله! يقول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73] ولاء الكفار بعضهم لبعض واضح وجلي، مهما تعددت نحلهم، ومهما تنوعت مللهم، فهم يوالون بعضاً، خاصة إذا كان الخطب أمام المسلمين، وذلك أننا نرى أعداء الله عند حدوث أي عداوات، أو سوء علاقات بين بلادهم وغيرها، ترونهم يقاطعون إنتاج تلك البلدان، يقاطعون عمالتها، يقاطعون اقتصادها، ألسنا نحن المسلمين أولى بمعرفة الولاء والبراء في الدقيق والجليل في كل صغير وكبير؟! عجباً لأولئك الكفار في موالاتهم لبعضهم، يوم يرون عداوة من أمة من الأمم، أو دولة من الدول، يوم أن يرون عداوة منها لبلادهم، يقاطعونها وينابذونها في كل قليل وكثير. إذاً يا عباد الله! فنحن أولى أن نقاطع الكفار، ونحن أولى أن نسد حاجتنا من كل صغير وكبير من بلاد الإسلام ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، أما إذا لم نجد إلى ذلك سبيلاً كأن يكون في أمور قد لا ينتجها إلا هم، أو في أمور لا توجد إلا عندهم، فالله المستعان والشكوى إلى الله في كل حال، فما حيلة المضطر إلا ركوبها، أما مادمنا نجد سبيلاً إلى سد الحاجة من الإنتاج، ونجد سبيلاً في سد حاجاتنا من العمالة والاقتصاد، وكل صغير وكبير، فالأولى أن نتجه بذلك إلى بلاد المسلمين، لكي نقوي بذلك شأن المسلمين، ونضعف بذلك شوكة الكافرين، نسأل الله جل وعلا أن يعيننا على ذلك. وإن من الأمور المهمة التي ينبغي أن يشعلها الإنسان، وأن يوقد جذوتها في نفسه، فيما يتعلق بالولاء والبراء إذا سافر لبلدة أوروبية أو غيرها من تلك البلدان التي يعيش فيها المسلمون أقلية أو أغلبية مقهورة، ينبغي له أن يتحسس أحوال إخوانه المسلمين، وأن يبحث عنهم، وأن ينظر إلى أي مدى يعيشون من سعة العيش أو ضيقه، وينبغي له أن يمد شيئاً من المعونة والصدقة والنفقة لهم على حسب استطاعته. إذ أنهم لا يجدون دعماً إلا بما يجتهدون به، وما يجمعونه من إخوانهم، فينبغي أن نشعل الولاء والبراء في أنفسنا، وأن نذكي جذوتها، وأن نشعل قناديلها حيثما اتجهنا وأينما كنا، ليعرف الإنسان أنه مرتبط بأخيه المسلم، وأن الإسلام دم يسيل في عروقه، ينبغي أن يبحث وأن يرتبط بمن هو مسلم في أي مكان، ولكي يكون على صلة قوية بإخوانه المسلمين في كل مكان وزمان. أما أن يعيش كثير من المسلمين لا يوالون ولا يعادون في الله، ولا يلتفتون ولا ينتبهون لإخوانهم المسلمين، فهذا من الغفلة بموقع عظيم، والأسوأ والأمر من ذلك أن ترى الكثير منهم ينفق الملايين الطائلة، والآلاف المؤلفة، حينما يسافر إلى دول الغرب، ومع ذلك لا تجود نفسه بقليل أو كثير لمركز إسلامي، أو مسجد قد أسس، أو لجماعة تدعو إلى الله على بصيرة في تلك الغربة والوحشة. ينبغي أن نذكي أمر الولاء والبراء في نفوسنا، وإنما هو أمر من أساسيات ومهمات العقيدة، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يوالون أولياءه، ويعادون أعداءه. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، وأراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بهم مكيدةً، فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء يا جبار السماوات الأرض! اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلى غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلى قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا حاجة إلا قضيتها، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره برحمتك يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء؛ الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

إلى الله المشتكى

إلى الله المشتكى في هذه المحاضرة تبرز الفوارق الشاسعة (بل لا مقارنة) بين الرعيل الأول (السلف الصالح) وبين جيل هذا الزمان، لم تختلف الأجسام والألوان والجوارح، ولكن اختلفت القلوب، فقلوب الرعيل الأول قد امتلأت يقيناً بالله جل وعلا وبما عنده من نعيم للمؤمن، وعذاب للفاسق امتلأت خوفاً من الله وخضوعاً وحباً له جل وعلا امتلأت يقيناً بنصر الله جل وعلا لدينه وأوليائه؛ فبذلوا الغالي والرخيص في سبيل الله. وقد تحدث الشيخ حفظه الله بعد ذلك عن انتصارات المسلمين عبر التاريخ؛ لعلها تكون سبباً في رفع الهمة عند القانطين، فالإسلام تظهر قوته عندما يجتاح العدو ساحته. ثم في الأخير: استغاثة مما فعله أعداء الله (اليهود) من سب وشتم وتصوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

مقدمة عن حال الأمة اليوم

مقدمة عن حال الأمة اليوم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. معاشر المؤمنين: في هذه الأيام وفي كثير من الأيام نرى أحاديثنا تدور عن أحوالنا، وما هي الأسباب التي أودت بنا إلى ما نحن فيه، وما الذي حول حالنا إلى ما نحن عليه؟ ألم نكن ملوكاً نملك الدنيا ونملك اليهود والنصارى؟ وندبر الأمر. فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقةٌ نتنصفُ كثيراً ما يكون حديثنا عن ما انتهى إليه واقعنا من التشتت والتفرق والتنازع والاختلاف وتسلط أعدائنا علينا، وهواننا على الناس رغم كثرتنا، بل بلغ تعدادنا المليار ونصف المليار، وحق وصدق فينا قول نبينا صلى الله عليه وسلم: (تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلةٍ نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، يصيبكم الوهن، وينزع الله المهابة من صدور أعدائكم منكم، فقالوا: وما الوهن يا رسول الله؟، قال: حب الدنيا وكراهية الموت). أيها الأحبة: كثيراً ما نسمع قانطاً، أو مثبطاً، أو مرجفاً، أو متشائماً لا يرى أن سيعود للإسلام دولة، أو يستبعد أن يكون للأمة المستضعفة من جديد قائمة، وترى آخر لا هم له إلا أن يذكرنا بماضينا: كان آباؤنا كان أجدادنا كان أسلافنا، وحق لنا أن نفتخر بأولئك، وواجبٌ علينا أن نسأل أنفسنا ماذا قدمنا؟، وماذا عملنا؟ إذا فخرت بأجداد لهم نسبٌ نعم فخرت ولكن بئس ما ولدوا إنا كنا نفتخر بالآباء والأجداد وصولتهم في الجهاد، وبذلهم في الدعوة، وطول قيامهم، وطول صيامهم، وخشيتهم وخوفهم من الله حق لنا أن نفتخر بأولئك. أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع ولكن أليس من الواجب والحق؟ أليس من العقل والمنطق والشرع أن نتأمل أنفسنا التي ستحاسب، والتي ستموت وتبعث، والتي تحشر وتسأل، والتي تلقى جزاء ما سعت وما قدمت في هذه الحياة الدنيا. أيها الأحبة: يقول تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] فإلى أولئك الذين يرددون الحديث عن أجدادهم ولا يعرجون على واقعهم، وإلى أولئك الذين غلب التشاؤم والضعف والقنوط والإحباط على نفوسهم، إلى الجميع نقول لهم: عودوا إلى واقعكم، وتأملوا ما الفرق بينكم وبين أسلافكم، وبين ذلك الرعيل الأول الذي كان له ما كان من الدولة والصولة والجولة والقهر والغلبة والسلطان.

الفوارق بين جيلنا وبين الرعيل الأول

الفوارق بين جيلنا وبين الرعيل الأول أيها المسلمون: إن أردتم الفوارق الحقيقية بين جيل النصر والبسالة وجيل الجهاد والدعوة، وجيل العزة والغلبة، ذلك الجيل الذي لا يرضى أن يمتهن أو يهان دينه، ولا يرضى أن تذل دعوته، ولا يرضى أن يغلب المنكر على المعروف، ولا يرضى أن يسكت على الباطل، الفرق بيننا وبين ذاك الجيل ليس في أنوف أو آذان، وليس في أفواه أو أعين، وليس في جوارح أو حواس، وإنما الفرق بيننا وبين ذاك الجيل هو فرق في القلوب، فرق في الأفئدة، فرق في الأرواح، وشتان شتان ما بين تلك وهذه. لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ

صدق يقين الرعيل الأول بالله عز وجل

صدق يقين الرعيل الأول بالله عز وجل أمة الإسلام: إن من أعظم الفروق العظيمة التي ميزت ذاك الجيل الأول عنا برتبةٍ عاليةٍ، وجعلتنا في رتبةٍ دنيئةٍ من أحوالنا، أن أول فرق بيننا وبينهم هو: يقينهم بالله عز وجل، ليس الأمر في كثرة العبادة بقدر ما هو في قوة اليقين بالله عز وجل، وقوة الإيمان بوعده ووعيده، وثوابه وعقابه، إذا قام أحدهم يصلي قوي اليقين في قلبه، فتراه يصلي صلاة من ينظر إليه ربه، بلغوا درجة الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) تجد القلب حاضراً خاشعاً منكسراً مختباً منيباً، والقدم واقفة، واليد والجوارح خاشعة، وتجد قلباً معلقاً بالله كأن أحدهم على الصراط، وكأنه يرى الجنة والنار، وكأنه لا يرى من جبال الذنوب إلا عمله، هكذا كانوا في قوة اليقين أثناء عبادتهم وتهجدهم وصلاتهم وركوعهم وسجودهم. ترى الواحد منهم يمضي إلى الجهاد ويعلم أن دخول المأسدة يعني يتم الأولاد والبنات، وترمل الزوجة، ويعني فراق الدنيا والرحيل عن الملذات، ولكن ما في قلبه من اليقين بأن ما عند الله له من الحور يغنيه عن الزوجات، وأن ما عند الله له من الخلف يعوض عليه ما فات في الدنيا، يسوقه ويشوقه إلى فراق هذه الدنيا حتى إن أحدهم يمل حياةً يعدها طويلةً في مدة يأكل فيها تمرات في يده، كذا كان شأن عمير بن الحمام لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في معركة أحد: ({سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:21] فقال عمير: بخٍ بخٍ يا رسول الله! جنة عرضها كعرض السماء والأرض؟ قال: نعم. قال عمير: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أقبل اليوم صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، وكان في يد عمير تمرات يتقوى بهن في الجهاد، فنظر إليها في يده -لا تجاوز أربعاً أو خمساً- فقال: لئن أنا بقيت حتى آكل هذه التمرات، إنها لحياةٌ طويلة) فرمى بتمراته يريد أن يستعجل الحياة، يريد أن يختصر المسافة، فشد عليهم حتى لقي كرامة الله له، كان الواحد منهم يعلم علم اليقين أن ما بعد القتل إلا الجنة، وما بعد الموت إلا الكرامة، وما بعد صرعة يصرعها يتشحط بها في دمه إلا أن ينقل إلى جنةٍ عرضها السماوات الأرض. لما خرج عبد الله بن رواحة إلى الجهاد، وودعه من ودعه، قالوا له: تعود سالماً، قال: لا. لكنني أسأل الرحمن مغفرةً وطعنةً ذات فرغٍ تقذف الزبدا وضربةً بيدي حران مجهزة بحربةٍ تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غازٍ وقد رشدا كان الواحد يخرج إلى الجهاد يتمنى الموت: ألا موتٌ يباع فنشتريه وهذا العيش ما لا خير فيه ألا رحم المهيمن نفس حرٍ تصدق بالممات على أخيه يقينهم بالجنة كما أن يقيننا أن وراء هذا الجدار هو الشارع والطريق، يقينهم بأن لا بعد الموت إلا جنة عرضها السماوات الأرض، كان أحدهم بهذا اليقين إذا طعن ففار الدم من جوفه، قال: [فزت ورب الكعبة] والآخر يبقر بطنه، فيفوح الدم مسكاً، وتتفجر الدماء من جوفه، فيأخذها ويرفعها إلى السماء، ويلطخ بها وجهه ورأسه، ويقول: [اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى] الله أكبر! هكذا كان يقينهم بالله، أما نحن في هذا الزمان -متحدثنا وسامعنا، إلا من رحم الله- فما أضعف اليقين في نفوسنا وقلوبنا! أيها الأحبة في الله: ويقينهم حينما يدعون إلى الإنفاق في سبيل الله، هذا أبو بكر الصديق يأتي بماله كله، وهذا عمر يأتي بنصف ماله، وهذا عثمان رضي الله عنه يجهز جيش العسرة، وهذا ابن عوف يتصدق بقافلة كاملة، وهذا أبو طلحة ينفق أنفس ما عنده {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]. كان الواحد منهم ينفق وهو يعلم علم اليقين أن ليس في آخر الشهر سجل للرواتب يوقع عليه ليقبض راتب الشهر، إنما كان ينفق ويبذل والعوض من عند الله، أما نحن؛ فإذا دعينا فمنا من يبخل: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] إذا أنفقنا أو أعطينا، فطائفة ينفقون مما يكرهون، ويتيممون الخبيث منه، وطائفة ينفقون القليل القليل وقد أعطاهم الله الكثير، وطائفة يترددون ويتلكئون مع علم كثيرٍ منهم أن آخر العام سترد عليه جبايات الإيجار، وسترد عليه مسيرات الرواتب ليقبض ماله، وليقبض عوض ما دفع وما بذل، فشتان بين يقيننا ويقينهم. ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا نعم. لئن قلنا إن يقيننا أضعف من يقينهم، فذاك قدحٌ في يقينهم؛ لأن يقينهم لا يقارن بما نحن فيه إلا ما رحم الله وقليل ما هم.

خوف الرعيل الأول وخشيتهم وخضوعهم لله

خوف الرعيل الأول وخشيتهم وخضوعهم لله أما الفرق الآخر بيننا وبين ذلك الجيل -يا عباد الله- أن فيهم من الخشية، والخوف، وفيهم من الرهبة، والخضوع والإنابة لله ما ليس عندنا، وليس فينا إلا من رحم الله من عباده وقليل ما هم. أيها الأحبة: ترى الواحد منهم يعلم ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم له أنه من أهل الجنة فلا يغره ذلك، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول صلى الله عليه وسلم: (فانطلق بي ملكان، ورأيت الجنة ورأيت قصراً أبيض، وعند القصر جارية حسناء، فقلت: لمن هذا القصر؟، فقال الملكان: هذا قصرٌ لواحدٍ من أمتك، فقلت: من هو؟، قالوا: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فتذكرت غيرة أخي عمر، فانصرفت، أو فصرفت وجهي، فقال عمر وهو يسمع ذلك وهو يبكي، ويغطي وجهه وله خنين: أو منك أغار يا رسول الله؟) يبشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة، وأنه رأى قصره في الجنة، ورأى جاريته في الجنة. والآخر بلال عبد حبشي مفلفل الرأس، لكن الإيمان جعله سيد السادة، يقول صلى الله عليه وسلم: (سمعت دف نعليك في الجنة). أبو بكر خيرهم وأسبقهم، يقول صلى الله عليه وسلم له لما قال أبو بكر: (يا رسول الله! ما أجمل قول الله عز وجل: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] ما أحسن من يقال له هذا! فيقول صلى الله عليه وسلم: وإنك يا - أبا بكر - ممن يقال له هذا) وينزل فيه قول الله عز وجل: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:17 - 21] يقسم الله أن سيرضي أبا بكر، والله لو أقسم علينا ملكٌ، أو ثريٌ، أو أميرٌ، وقال لواحد منا: والله لأرضينك، والله لأرضينك، والله لأرضينك، لامتلأت النفس بكل الأحلام والآمال، فما بالك -ولله المثل الأعلى- بأن الله يقسم أنه سيرضي أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه. الواحد يمشي على الدنيا وهو مبشرٌ بالجنة، جلس صلى الله عليه وسلم في حائطٍ، ووقف أحد الصحابة جاعلاً من نفسه حارساً له، قال: (لن يدخل اليوم على رسول الله أحدٌ ألا استأذنت له، فجاء أبو بكر ورسول الله في الحائط وقد دلا رجليه في البئر، فقال: أريد أن أدخل، فقال: انتظر حتى أستأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! هذا أبو بكر يستأذن، قال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم جاء عمر، وقال الحارس: يا رسول الله! هذا عمر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم جاء عثمان، فقال الحارس: يا رسول الله! هذا عثمان يستأن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه). وكان صلى الله عليه وسلم ذات يوم على جبل أحد ومعه عمار بن ياسر وعلي بن أبي طالب، فارتجف الجبل واهتز، فقال صلى الله عليه وسلم: (اثبت أحد، اثبت أحد، فإنما عليك نبيٌ وصديقٌ-أي: أبا بكر - وشهيدان) يبشرون بالجنة وهم يمشون على وجه الأرض، فهل جرهم ذلك إلى الغرور؟ هل اتكلوا على البشارة وتركوا العمل؟ هل اتكلوا على ما بشروا به من أنهم سيلقون الجنة؟ لا. وألف لا. فأول المبشرين أبو بكر كان يبكي ويقول: [يا ليتني ألقى الله كفافاً لا لي ولا علي] من شدة الخوف والقدوم على الله عز وجل. وكان عمر بن الخطاب بعد أن طعنه ذاك العلج الكافر قد وضع عبد الله بن عمر رأس والده على فخذه، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: [يا عبد الله بن عمر! ضع رأس عمر على الأرض، ويلٌ لـ عمر، ويلٌ لـ عمر، ويلٌ لـ عمر إن لم يرحمه ربه]. وهذا عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وقد تسور عليه داره، وذبح في بيته، وتسلط عليه، وفعل به ما فعل، ما كان دأبه في الليل والنهار إلا أنه كان يتلو القرآن قائماً قانتاً ساجداً، ومات وقد تحدر دمه على المصحف رضي الله عنه. قرأ ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه هذه الآية: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] فقال ابن عباس: [ذاك والله عثمان بن عفان]. انظروا الفرق بيننا وبينهم، الواحد يبشر بالجنة فما يزيده ذلك من الله إلا خوفاً، وما يزيده في صلاته إلا خشوعاً، وما يزيده في ماله إلا بذلاً وإنفاقاً، وما يزيده بروحه إلا تضحيةً وإقداماً، وما يزيده في الجهاد إلا بسالةً وتضحيةً، وما يزيده في الخلق إلا نفعاً ومعونةً، مع أن الواحد قد بشر بالجنة، والواحد منا إذا نال أدنى مرتبة اغتر بها، أو غره ثناء العوام عليه، أو غره ثناء الناس عليه، أو غره حديث الناس عنه، أو غره جاهلٌ بحقيقته يقبل رأسه أو كتفه أو يده. نعم يا عباد الله: إن من الناس من يغتر بنفسه عند أدنى صورة من صور الإكرام له، والواجب ألا يغتر أحدٌ بنفسه، وكما قال ابن الجوزي رحمه الله: يا ناقص العقل! إن الناس إن أعجبوا بك، فإنما أعجبهم جميل ستر الله عليك، وهكذا كان دأب السلف، والصالحين من بعدهم، وجاء الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، وملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن كان فيها ما كان من الذين قبله، فلما حضرته الوفاة، قيل: يا عمر بن عبد العزيز! هلا أوصيت أن ندفنك بجوار عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وجوار أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك؟ فبكى عمر بن عبد العزيز، وقال: والله لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أهون عليَّ من أن ألقى الله وأنا أظن أنني أهلٌ لهذه المنزلة، والله لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أهون عليَّ من أن ألقى الله وأنا أظن أنني أهلٌ أو كفؤ أن أدفن بجوار عمر، أو أبي بكر، أو بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن عمر ليس أهلاً أن ينال رحمتك، ولكن رحمتك أهلٌ أن تنال عمر. انظروا يا عباد الله! إلى هذه النفس العظيمة البالغة في الخضوع والانقياد والإخبات لله عز وجل، ما كان الواحد يدعي لنفسه، أو يعجب بنفسه، أو يمن بعمله، فيستكثر على ربه. كان ابن تيمية رحمه الله إذا فتح عليه ما فتح من العلم وهو الذي جاهد وبذل ودعا واحتسب وعلم، وحسبكم أنه مات سنة (720هـ) إلى يومنا هذا، ولا يكاد يخلو يومٌ إلا وطالب علمٍ يقلب كتبه، وينهل من معينه، ويرد موارده، ويترحم عليه، كان ابن تيمية رحمه الله إذا فتح عليه ما فتح من علمٍ، أو دعوةٍ، أو جهادٍ، كان يقول: ليس مني، وليس بي، وليس إليَّ، وليس عليَّ أنا المكدي وابن المكدي وكذاك كان أبي وجدي ما كان يعتد بنفسه أو يقول: إنما أوتيته على علم، أو يقول: أنا لها كما يقوله بعضهم في هذا الزمان، وكان القحطاني العالم العابد الورع الزاهد الفقيه الأصولي يقول: والله لو علموا بقبح سريرتي لأبى السلام عليَّ من يلقاني أتدرون ما سريرتهم؟ قيام الليل، وصيام النهار، وصدقةٌ بالأيمان لا تعلم عنها الشمائل، ودموعٌ تفيض في خلوات بينهم وبين الله، وقلوبٌ معلقة بالمساجد، وإعراضٌ عن الدنيا، وتعلقٌ بالعبادة، هكذا كانت سريرتهم، ومع ذلك يظهرون أن ليس لهم شيء، ولا يفتخرون أو يفاخرون أو يكابرون، وقال الآخر: إلهي لا تعذبني فإني مقرٌ بالذي قد كان مني يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني هكذا كانوا قمماً في العلم والعمل، ويراهم الناس كأحلاسٍ بالية في انكسارهم بين يدي الله عز وجل، أما نحن في هذا الزمان، فنجمع مع المعصية آمالاً عظيمة، ونجمع مع الكبائر آمالاً عريضةً واسعةً، ونجمع مع الغفلة طمعاً في أعلى المراتب، إننا لا نقنط أحداً أن يطلب رحمة الله، ولكن الله عز وجل قال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة:218] لا يطلبن أحدٌ ولداً وهو لم ينكح، ولا يطلبن أحدٌ ثمراً وهو لم يزرع. ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تمشي على اليبس

السلف تعلموا العلم ليعملوا به

السلف تعلموا العلم ليعملوا به أيها الأحبة: ومن الفروق العظيمة التي بين ذلك الرعيل الأول وبيننا في واقعنا هذا، أن أولئك كانوا يأخذون العلم لا للخطابة، أو للمحاضرة أو للندوة أو للمحاورة، أو لتصدر المجالس، أو ليقول الناس عنهم علماء، أو ليشار إليهم بالبنان، أو لتشخصهم الأعيان، وإنما كانوا يتلقون العلم للتطبيق، يلتقون الأمر للتنفيذ، يتلقون النهي لينزجروا مباشرةً: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51] هكذا كان شأنهم يا عباد الله، وهكذا كان دأبهم أن يتلقوا الأمر لتنفيذه. نحن في هذا الزمان، الواحد يعلم المسألة والخلاف فيها والأقوال والأدلة، ثم لا يلبث أن يترخص لنفسه برخص المذاهب، أو أن يتتبع الرخص من أقوال الناس، ومن تتبع الرخص في دينه فقد تزندق، هذا يقول: الفوائد الربوية حلال؛ لأن فلاناً أفتى بها. وهذا يقول: نكاح بلا ولي حلال؛ لأن فلاناً أفتى به. وهذا يقول: هذا الأمر حلال؛ لأن فلاناً قال به. ويترخصون في مسائل دينهم حتى لا يبقى لأحدهم مسألة من مسائل الدين يراها حراماً، هذه فيها خلاف، وهذه فيها كذا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (البر ما اطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس، وإن أفتاك الناس وأفتوك). شتان بين حالنا وحالهم، كان الواحد منهم يعلم قول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:66 - 68]، فيعمل لأجل ذلك. أما نحن -يا عباد الله- فكم تلقينا من الأوامر؟! وكم بلغنا من الزواجر؟! وكم علمنا من النواهي؟! وكم قرأنا من النصوص؟! كم سمعنا في الإذاعة؟! وكم رأينا وشاهدنا؟! وكم درسنا وتعلمنا؟! ولكن: غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت مسافة الخلف بين القولِ والعملِ انفصامٌ نكدٌ نقله الأبناء من الآباء، ونقله كثيرٌ من الناشئة، بل أصبحت التربية تقوم على أسس من الانفصام، وذلك لما يرى من تناقض بين ما يتلقاه الناشئة وبين ما يرونه في واقعهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله! بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمى، ويزدكم قوةً إلى قوتكم.

ثقة الرعيل الأول بنصر الله

ثقة الرعيل الأول بنصر الله الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: ومن أعظم الفروق بين ذلك الرعيل الأول وبين جيلنا: أن الواحد منهم كانت ثقته بنصرة الله للإسلام، وأن الغلبة والدولة والصولة لأمة الإسلام، فكانت عين اليقين وعلم اليقين وحق اليقين، أما كثيرٌ منا في هذا الزمان، فقد بلغ بهم اليأس والقنوط مبلغاً حتى يقول القائل: إن دام هذا ولم يحدث له غيرٌ لم يبك ميتٌ ولم يفرح بمولود بلغ اليأس وسكن القنوط في القلوب حتى أصبح الواحد ينظر إلى أمة الإسلام تنتهك وبوسعه أن يفعل شيئاً ولو قليلاً، فإن الحرمان أقل من القليل، ومع ذلك لا يبدي حراكاً، ولا ينبس ببنت شفة، ولا يمد خطوة، بل عجز بعضهم حتى عن التفاؤل والدعاء. أما أولئك -يا عباد الله- فكان الواحد منهم لا ييئس حتى وإن هزموا، حتى وإن تفرقوا، فلا ييئسون من الوحدة والاجتماع، ولا يقنطون، ولا يرجفون، ولا يثبطون أبداً. إن من شبابنا اليوم، بل من رجالات المسلمين اليوم من رأوا صولة الباطل وأهله، وضعف الحق وأهله، وهوان المسلمين، فيئسوا وقنطوا، ثم أحبطوا وأرجفوا وثبطوا، ثم انقلبوا قائلين، ورفعوا شعاراً قائلين فيه: لو أسلم حمار آل الخطاب ما أسلم عمر. تلك المقولة اليائسة من إسلام عمر، فكان عمر هو فاروق الإسلام الذي يفرق منه الشيطان، وما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً ووادياً آخر، أصبح بعض الناس ييئسون، بل قال بعضهم: لا تتعبوا أنفسكم بعمل أو دعوة أو سعي أو إصلاح أو جهاد، فانتظروا حتى يأتي المهدي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، أو يأتي المسيح فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويعود ليحكم الناس بشريعة محمد، والفترة بين هذه وهذه: ليس في الإمكان أحسن مما كان. نوموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النومُ هكذا دأب وشأن كثيرٍ منهم: (ومن قال: هلك الناس، فهو أهلكُهم) وفي روايةٍ: (فهو أهلكَهم). إن النفس إذا سكنتها الهزيمة، وحل بها القنوط، صار ذلك أمراً يحدث شللاً في الجوارح فلا تتحرك، وشللاً في العقول فلا تفكر، وشللاً في الألسنة فبالحق لا تنطق، وشللاً بالأنفس فلا تفور غيرةً لدين الله عز وجل أبداً. إن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان ما كان في معركة أحد وقد قتل من الصحابة سبعون، وكانت الدائرة لقريش على الصحابة، هل انسحب النبي بالصحابة وخرج، بل هو كسرت رباعيته، وشج وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في رأسه الشريف صلى الله عليه وسلم، وهل سكنت الهزيمة نفسه أو نفس أصحابه؟ لا. {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران:172] لما حصل القرح، وحصلت الدائرة، وحصل ما حصل للمشركين، جمع النبي من بقي من الصحابة؛ جمع الجريح، وجمع الذي ضرب أو طعن، وجمع الذي لم يصب بشيء، فكرّ بهم وشنَّ بهم حملةً ثانيةً على الكفار، وأخذوا يلاحقون الكفار حتى هرب المشركون، وذلك حتى لا يستقر في النفوس أن الإسلام هزم، أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هزم. أيها الأحبة: ينبغي ألا تستقر في نفوسنا هزيمة حتى وإن اغتصبت أعراض المسلمات في البوسنة أو في الشيشان، أو كشمير، حتى إن قتل من قتل في فلسطين والفليبين، حتى وإن دمرت بيوت الأبرياء عبر الدبابات في المستوطنات، حتى وإن كان ما كان، ينبغي ألا تسكن الهزيمة في قلوبنا يا عباد الله؛ لأننا أمة نعلم بصريح قول الله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5] إننا أمة نعلم علم اليقين قول الله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} [النور:55] ويعلمون قول الله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51]. والله يا عباد الله ليتحققن وعد رسول الله وهو الصادق المصدوق: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار حتى لا يبقى بيت حجرٍ ولا مدرٍ إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الشرك وأهله).

شواهد من التاريخ على عزة الإسلام وقوته

شواهد من التاريخ على عزة الإسلام وقوته أيها الأحبة: إن التاريخ شاهد على أن هذا الدين أشد ما يكون قوة، وأصلب ما يكون عوداً، وأعظم ما يكون رسوخاً وشموخاً حين تنزل بساحته الخطوب، وتحدق به الأخطار، ويشتد على أهله الكرب، حينئذٍ يحقق الإسلام معجزته، فينبعث الجثمان الهامد، ويتدفق الدم في عروق أبنائه، يقول هذا الدين فيُسمع، ويمشي فيسرع، ويضرب فيُوجع، وإذا بالنائم يصحو والغافل ينتبه، والجبان يقدم، والشتات المتنافر ينقلب اجتماعاً ووحدة، وإذا بالجهود المبعثرة تنتظم لتكون تياراً وإعصاراً هادراً يعصف بالظلم والظالمين.

ماذا حصل بعد غزو التتار لبلاد المسلمين

ماذا حصل بعد غزو التتار لبلاد المسلمين إن هذه الأمة تمرض لكنها لا تموت، وإن الشعلة تخبو لكنها لا تنطفئ، لقد دخل التتار ديار الإسلام: {فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} [الإسراء:5] وتبروا ما علوا تتبيراً، ما تركوا من شيء إلا جعلوه كالرميم، فما الذي حصل بعد أن سالت الدماء بفعلهم، وعطلت الصلوات، وألقيت مخازن المعرفة وأسفار العلوم في نهر دجلة حتى اسود النهر منها حتى قال ابن الأثير وهو يؤرخ لهذه الواقعة: ليت أمي لم تلدني: {لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم:23]؟ ما الذي حصل؟ لم تمض سنوات حتى انقلب التتار جنوداً للإسلام يشاركون في الفتوحات والجهاد.

انتصارات صلاح الدين على الصليبيين

انتصارات صلاح الدين على الصليبيين عباد الله: اسمعوا ما يقول ابن كثير: في ضحى يوم الجمعة في الثالث والعشرين من شعبان عام (492هـ): دخل ألف ألف مقاتل-مليون- بيت المقدس، وفعلوا بأهله ما تفعله الذئاب في خراف الغابة الضعيفة، ارتكبوا أشنع ما تفعله الشياطين، وظلوا سبعة أيام يقتلون ويهتكون، حتى بلغ القتل في المسلمين أكثر من ستين ألفاً، قتلوا الأئمة والمتعبدين والعلماء، وأصبح الصليبيون يفعلون ما يفعله اليهود اليوم وأشد؛ يحرقون البيوت من أسفلها حتى يلقى السكان أنفسهم من أعاليها على الأرض، سلبوا الأموال، بل وأعظم من ذلك أدخلت الخنازير بيت المقدس، وعلقت الصلبان على المسجد الأقصى؛ بعد أن كان الأذان يصيح بالمآذن بـ (لا إله إلا الله) دقت النواقيس في المآذن وعلقت الصلبان، وأصبحوا يصيحون في المآذن: إن الله ثالث ثلاثة، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ما الذي حصل؟ هام الناس على وجوههم، وظن اليائسون أن لا عودة للإسلام إلى بيت المقدس أبداً حتى أذن الله سنة (583هـ) بأن يعود المسجد الأقصى إلى المسلمين على يد صلاح الدين، فأعد جيشاً لرد بيت المقدس وتأديب الصليبيين، ثم جاءته رسالةٌ تقول: يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكس جاءت إليك ظلامةٌ تشكو من البيت المقدس كل المساجد طهرت وأنا على شرفي أدنس فانتخى صلاح الدين وبكى، وأقسم بالله ألا يضحك، وألا يطأ امرأة حتى يعود بيت المقدس إلى المسلمين، حلف بعد ذلك، وأعرض عن النساء، وتناقل ملوك النصارى شأنه وخبره، فتحالفوا بعد أن كانوا في فرقة، واتحدوا بعد أن كانوا في خلاف واجتمعوا، وجاءوا بحدهم وحديدهم، وكانوا ثلاثة وستين ألفاً، فتقدم صلاح الدين إلى بحيرة طبرية، ففتحها بالتكبير والتهليل، ثم استدرج النصارى إلى موقع يريده، فلما وقع النصارى في المكان الذي استدرجهم إليه، لم يصل إليهم قطرة ماء، ثم صاروا في عطش عظيم، وشد عليهم الطعن والطعان، والقتل والقتال، فشاهت وجوههم، ودارت دائرة السوء عليهم عشية يوم الجمعة، واستمرت طيلة السبت الذي كان عسيراً على أهل الأحد، وطلعت عليهم الشمس واشتد الحر وقوي العطش، ثم بدأ صلاح الدين بإحراق النار وإرسال قذائف النار تحت خيل الكفار، تحت خيل الصليبيين في الحشيش، فاشتعل الحشيش الذي كان تحت خيلهم، فزاد اللهيب وزاد العطش واجتمع حر السلاح والتكبير، وقال الخطباء يستنفرون أهل الإيمان ويستثيرونهم بالدعاء، وصاح المسلمون صيحةً واحدةً، وزأرت الأسود في فلسطين زأروا في القدس، واندفعوا كموج عارم مع التكبير، فإذا بملوك الصليبيين أسرى، وجنودهم قتلى حتى قتل منهم ذاك اليوم في المعركة أكثر من ثلاثين ألفاً، وأسر أكثر من ذلك، حتى شوهد الفلاح يقود ثلاثين أسيراً من الصليبيين مقيدين مغلولين يربطهم في طنب خيمته، وباع أحد الفلاحين من فلسطين أسيراً من الصليبيين بنعلٍ يلبسها، وباع ثالث من فلسطين أسيراً من الصليبيين بكلب يحرس غنمه، ثم تقدم صلاح الدين بجيوش الإيمان واستراح قليلاً، وعاد ليكر على الجهة الأخرى من بيت المقدس من الجهة الشرقية وأخرجهم على شروطه: الكبير يدفع عشرة دنانير، والمرأة خمسة، والطفل ديناران، ومن عجز فيبقى أسيراً في أيدي المسلمين. نعم أيها الأحبة: جمع من الأسرى أكثر من ستة عشر ألفاً غير من أسر في المواجهة الأولى، ثم دخلوا بيت المقدس، وطهروه من الخنازير والصلبان، وعاد بيت المقدس مأوى للقانتين والقائمين والعاكفين والركع السجود، وجيء بمنبر نور الدين الشهيد الذي كان يأمل أن يكون الفتح على يديه، فكان الفتح على يد تلميذه صلاح الدين، ورقى الخطيب المنبر أول جمعة بعد أن عطلت الجمعة والجماعة أكثر من واحد وتسعين عاماً، فبدأ الخطيب بقول الله وهو يبكي: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45].

المستقبل والنصر للإسلام

المستقبل والنصر للإسلام إذاً -يا أمة الإسلام- علينا أن نثق بالنصر القادم والمستقبل القريب، علينا أن نحمل هذا الهم إلى الأبناء والأحفاد وأبنائهم، علينا أن نعلم أن هذا الدين وأن أمة الإسلام لو كانت ميتة ما احتاجت إلى كيد ومكر كالجبال، إن الميت لا يكاد به، إن الميت لا يمكر به، ولكنما المكر في من له حياة، ولولا حياةٌ فيكم وفي أمة الإسلام لما مكر الغرب والشرق، ومكر أعداء الدين عبر كل طريق، وعبر كل وسيلة. إذاً: أيها الأحبة: ينبغي أن نعلم أن أمة الإسلام، وإن سقط من أبنائها من سقط في حضيض الشهوة، فإن هذا ليس مصيبةً عظمى، إنما المصيبة العظمى أن يستقروا في الشهوة ولا يتوبوا، أن يزل عبدٌ زلةً فتلك شأن بني آدم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) لكن أن يرضوا بالزلل، وأن يبقوا في قعر الزلل ومستنقعات الرذيلة، تلك هي والله المصيبة.

اليهود وسبهم لرسول الله

اليهود وسبهم لرسول الله أمة الإسلام! أمة الإسلام! أمة الإسلام! اليوم اليهود يرسمون صورة الخنازير على الجدران، ويقولون: هذا محمد، يعنون نبينا صلى الله عليه وسلم. أمة الإسلام! يرسمون الكاريكاتير بأبشع وأخبث صورة، ويقولون: هذا نبيكم، يستهزئون بنبينا، ويستهزئون برسولنا، ويستهزئون-والله- بخير نفس خلقت على هذه البسيطة. لو أن أحداً منا سُبَّ أبوه أو أمه أو قبيلته أو فصيلته، والله لا ينتخين حتى تراق الدماء منه وممن سبه وشتمه، فما بالكم بأعداء الإسلام (اليهود) يسبون نبينا صلى الله عليه وسلم، ويسبون صحابته، ويرسمون الخنازير، ويكتبون على صورة الخنزير هذا محمد، شرفه الله عما قالوا، بل أكرمه، بل إن شانئه هو الأبتر، ولكن يا عباد الله! أيمر هذا؟! أنسكت عن هذا؟! والله إنها لعقدة تبقى في النفس، وحسرةٌ تبقى في الفؤاد، وحسكةٌ تبقى في الضمير. نسأل الله عز وجل بأسمائه أن يفتح لنا طريقاً إلى بيت المقدس حتى نري أبناء القردة والخنازير كيف فعلهم وقولهم، حتى تجرءوا على محمد صلى الله عليه وسلم، والله، والله، والله لأن تسيل الدماء هناك، ولأن تطير الرءوس وتتناثر الأشلاء، ولأن تطير الأفئدة هناك غيرةً لدين الله أهون -يا عباد الله- من أن يسب رسولنا صلى الله عليه وسلم، أو يرسم خنزيرٌ ويقال: هذا محمد صلى الله عليه وسلم. يا أمة الإسلام: أما عاد في المسلمين غيرة! أما عاد في المسلمين حمية! أما عاد في المسلمين بقية! يسب نبيهم، يسب قائدهم، يسب إمامهم، يسب صلى الله عليه وسلم وهو الشريف الطاهر، وهو خليل الله، وهو نبي الله، وترسم له هذه الصور، ومع ذلك ما بالمسلمين من يثأر له! ما بالمسلمين من يثأر له! ما بالمسلمين من يثأر له! ما الذي حل بنا؟! وما الذي حصل بنا يا عباد الله؟! إنها والله لمصيبة. اللهم يا حي يا قيوم لا تؤاخذنا بتفريطنا في حق نبينا، اللهم لا تهلكنا بتفريطنا في حق نبينا، اللهم إن اليهود قد قالوا فيك ما قالوا، قالوا: يد الله مغلولة، وقالوا: إن الله فقيرٌ ونحن أغنياء، اللهم إنهم قتلوا أنبياءك، فلا غرابة أن يفعلوا ذلك بنبينا صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي هذا الخبيث الطاغية الذي يسمى نتنياهو ليعتذر للمسلمين، مؤامرةٌ وأدوارٌ متعددة، هذا يقتل، وهذا يدفن، وهذا يجرح، وهذا يداوي، وهذا يُجوِّع، وهذا يطعم، اللهم إليك المشتكى، اللهم إليك المشتكى، اللهم إليك المشتكى. يا عباد الله! فتشوا عن أي سبيل يوصل الأموال إلى فلسطين، وأرسلوها هناك لعلنا أن نشفي غيظ قلوبنا من هؤلاء اليهود، ابعثوا لإخوانكم في فلسطين ما تستطيعون من أموالكم لعل الله أن يرينا في هؤلاء ما تشفى به صدورنا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فاشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره. اللهم عليك باليهود، اللهم عليك باليهود، اللهم مزقهم، اللهم اقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك يا رب العالمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجمع اللهم شمل حكامنا وعلمائنا ودعاتنا، اللهم ثبتنا على دينك، واستعملنا في طاعتك، وتوفنا على مرضاتك، وانصر اللهم إخواننا المسلمين في كل مكان. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

أيها الشاب! حاول وأنت الحكم [الحلقة الأولى]

أيها الشاب! حاول وأنت الحكم [الحلقة الأولى] هذه المحاضرة نداء إلى كل شاب يريد الجنة، ففي هذه المحاضرة يحذر الشيخ من قرناء السوء، ويوضح كيف يتأثر الإنسان بمن حوله من الجلساء والقرناء. والشيخ يدعو إلى شد العزائم في الوصول إلى الهدف الأسمى وهو مرضاة الله جل وعلا، فمن عزم على التوبة فعليه بترك كل ما يتعلق بالمعصية، فهذا فوزي الغزالي يحطم مصنعاً للأعواد الوترية ويحطم جميع الأدوات الموسيقية. كما بين لنا أسلوب أعداء الله في إغواء الشباب باستدراجهم إلى المعصية خطوة خطوة، ثم بعد ذلك انتقل إلى بيان أن السعادة والعزة تكون بطاعة الله جل وعلا.

التأثر بالواقع

التأثر بالواقع الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد أيها الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مراراً وتكراراً وأولاً وآخراً، وأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن استعمله الله في طاعته. أسأل الله جل وعلا ألا يجعلنا وإياكم وقوداً لجهنم، أو حطباً لنارها، أسأل الله جل وعلا أن يجعل لكل واحدٍ منكم في هذا المسجد من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافيةً، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصمةً. شباب الإسلام: شباب الأمة! والله إن آمالنا ما انقطعت في واحد من الشباب أياً كان وضعه، وأياً كانت حاله، وبالذات أنتم، لأنكم شباب فطرة، ولأنكم شباب عقيدة، ولأنكم شباب أمةٍ كانت خير أمة، ولا تزال أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. أيها الأحبة: نريد أن نبعد عن الرسميات كثيراً، اعتبروا أن الأساتذة والمشرفين والإداريين غير موجودين، وألا يوجد في هذا المكان إلا أنا وأنتم، ولنتحدث بصراحة تامة، وليكن الحديث بيني وبينكم من القلب إلى القلب، لا تجعلوها محاضرةً رسمية تملؤها العبارات الرنانة، والفصاحة زادت أو قلت، لا. بل أريد أن تجعلوه لقاءً أخوياً، مثل ما قال أحد الدعاة جزاه الله خيراً: فقد كان ذاهباً إلى المعهد الملكي، ودخل على مجموعة من الشباب ينصحهم، فقال: يا شباب! القلوب (مكربنة) فقال واحد من الشباب: أسرع بها على الخط يا شيخ. فأنا أريد- تعرفون إذا (كربن الموتر) تسرع به على الخط ويصفى بإذن الله- فالشباب من عاداتهم الصراحة، ومن عادتهم الصدق، ومن عادتهم حب البعد عن التكلف والرسميات، ولذلك أريد ألا ننشغل، أريد -أيها الأحبة- أن نكون صرحاء صادقين فيما بيني وبينكم. أولاً: هذه المحاضرة كم تمنيت أن آتي لألقاكم وأتشرف بالجلوس معكم. وثانياً: فإن أحد الأساتذة -وهذه المحاضرة من عجائب الرؤى والأحلام- أخبرني قريبٌ لي وهو يدرس معكم، قال: إن الأستاذ فلاناً رآك في المنام، وقال: يا أخي! قلنا لك: تعال أعطنا محاضرة، وقلنا لك: تعال امش معنا، وقلنا: تعال أعطنا درساً، فلما أخبرني قريبي بهذا الكلام، قلت له: قد جعلت رؤياك حقا، وهذا تأويلها بإذن الله جل وعلا، مع أن بعض الناس لا يُقبل كلامه في الحلم والعلم سوياً، الحاصل نريد أن نبدأها بكل صراحة وصدق. إخواني! القاعدة الأولى: ألا نيأس من أي شاب، فحينما أقول: أي شاب، أعني أي واحد منكم، أو ألا نظن أننا يمكن أن نستفيد من هذا، ولا نستفيد من هذا، أو هذا إنسان ما فيه فائدة، أو شخص على هامش الحياة، أو تصايد- على ما قالوا- على هامش الحياة، وهذا شخص نافع، لا. فالجميع فيه نفعٌ وفيه خير، وكل شاب ترونه عنده مواهب، وعنده طاقات، ولكن إذا جلس في بيئة ومع صحبة ومع إخوان يسخرون مواهبه وطاقاته لله ولأجل الله ولدين الله، كان داعيةً من الدعاة، وإن سخروا مواهبه لأمر آخر، كان منتجاً علماً بارزاً في هذا الجانب الآخر، وأضرب لكم أمثلة:

الإنسان يتأثر بقرنائه

الإنسان يتأثر بقرنائه حينما أجلس مع بعض الشباب مثلاً: وهم ممن تجد عندهم عناية بالحمام والطيور، ويعرفون أنواع الحمام يقول لك: هذا كويتي، يمسك المنقار وينظر إليه، وينظر في عيونه، ويقلب الريش، ويقول: هذا كويتي ممتاز، أو يأخذ طيراً ثانياً ويرجعه ثانية (يهوز ويغلط) قال: هذا يغلط في الصندقة مرتين، وفي الخيط ثلاث، وإذا بقيت تحومه أبشر بواحد ينفعك بإذن الله، (والطبة والطبتين)، تأتي لك برزق هذا عندما يأتي يبيع الحمام. وأنا أسألكم هذا الشاب الذي أصبح مثقفاً وفاهماً وواعياً في أمور الحمام، هذه أمور ربما بعض علماء الأحياء يحتاج زمناً حتى يدرسها، فهذا الشاب عرفها وفقهها، ويقول لك: لاحظ إذا أردت الحمامة أو الطير هذا ألا يطير من عندك، أنصحك أن تضع له في الماء سكراً، فلن يتعدى الصندقة أبداً بعد ذلك، لو تبيعه يرجع لك، وبذلك تجد الذين يبيعون الحمام تجاراً، عنده فقد أربع حمامات، يبيعها وترجع، ويبيعها وترجع، وهلم جراً. الحاصل: هذا الشاب من أين أخذ هذه المعلومات عن الحمام؟ وهذا بلجيكي، وهذا بصراوي، وهذا تحومه بعسيب، وهذا يريد له علباً، وهلم جراً، من أين أتت واجتمعت هذه المعلومات لهذا الشاب؟ من أين جاءت؟ هل أمه ولدته في صندقة من أجل يصبح فقيهاً من فقهاء الحمام والطيور؟، لا. فهو مولود في مستشفى الولادة، وكيف صار فقيهاً من فقهاء الحمام؟ جلس مع مجموعة شباب، وأصبح يراقب تصرفاتهم، وكيف يمسكون المنقار، وكيف يطالعون العين، كيف يفرون الريش، كيف يصفون الجناح وهلم جراً. فالإنسان بالاختلاط والمخالطة والمجالسة يكسب معلومات من الآخرين، وهذا أمر طبيعي، تجد عالماً كفيفاً، هل يستطيع أن يكتب؟ لا. هل يستطيع أن يقرأ؟ لا. ومع ذلك تجده عالماً من كبار العلماء، من أين جاء العلم؟ بالجلوس والاستماع، فهذا الشاب جلس واستمع لمجموعة من الشباب الذين يعتبرون من فقهاء الحمام والأرانب والبط والدجاج، ولذلك تلقى عندهم معلومات جيدة. وأنتقل بكم أيضاً إلى مجموعة من الشباب فأنت مثلاً تمسك يده وتمشي معه، ثم فترة يلتفت عنك وينظر، ويقول لك: (هذا سوبر مسحب واحد وتسعين ومشحم ومجنط) من أين جاءت هذه المعلومات؟ صحيح أي: هل أمه ولدته في ورشة؟ أو هو مولود في التشليح؟ لا. إذاً كيف عرف أن هذا (مسحب) أو أن هذا (مرفع كعكات) أو أن هذا مقدم الصدامات قليلاً، أو أن هذا وضع كيسين من الرمل في الوراء، أو إذا كان واضع (ليورات قاعد يلعب) مثل: مرة كنت في السيارة أمشي وإذا شاب معه سيارة يرقص بها، كيف استطاع أن يفعل هذا؟ ومن أين عرفها؟ من خلال مجموعة شباب -أصدقاء وجلساء كان كل اهتمامهم السيارات، (والتشحيم والتجنيط) وهلم جراً، وتجد شاباً آخر من يوم أن يمسك الجريدة ويطالع فيها، في الصفحة العاشرة والحادية عشرة يقول لك: لا يهمك، هذا الحكم ما فيه خير، والدليل على ذلك أنه ما حسب لهم الفاول، وأكبر دليل على ذلك أن اللاعب تسلل، وتغاضى عنه كأنه ما رآه وهلم جراً، وتلقاه يعارض وبعد ذلك (هذا ما سنتر في الثمانية عشر) وما تعدى، ورقم خمسة اللاعب فلان، والظهير، والخانة الحرة، والظهير الأيمن، والدفاع والحارس، أي: معلومات رهيبة جداً، ومتى الدوري، ومتى الاعتزال، ومتى الحفل، ومتى دوري الأربعة ودوري الثمانية القبضة، ومباراة الكأس متى؟ وماذا تتوقع؟ وكيف كانت خطة الفريق؟ وهدءوا اللعب قليلاً؟! الله أكبر تجد هذا يعطيك تحليلاً للمباراة مثل ما يأتي شوار سكوف عندما يحلل معركة الخليج، تجد هذا الشاب يقف في درجة أولى يحلل لك اللعب، بدأ اللعب كذا، وانتهى كذا، هدئ في المنطقة الفلانية، قوي في المنطقة الفلانية، الفريق الفلاني مهدف بشدة من على هذه الجهة، وتجد عنده تحليلاً ومعلومات رهيبة جداً، وهذا هل أمه ولدته في الملعب؟! لا. وإنما خالط شباباً كان جل اهتمامهم الرياضة، ومن ثم أصبحت معلوماته وثقافته رياضية وهلم جراً. بعض الشباب -وظني وثقتي بالله ثم بكم أن ليس فيكم واحد منهم- بعض الشباب تلقاه مسكيناً عيناه صفراء، وحالته حالة، وإذا فتشت مخبأه لقيت حبوباً صفراء أو حمراء، يقول لك: (هذه سيكونال، هذه ملف شقراء، هذه تقظيم) وإنسان ما لقيت شيئاً ينصحك (شفط باتكس) إذا ما لقيت أحداً يبيعك، الشكوى على الله!! إذا لم تكن إلا الأسنة مركبٌ فما حيلة المضطر إلا ركوبها ما لقينا أحداً يروج اليوم، فما لنا إلا (باتكس) وهذا الشاب من أين عرف أنواع المخدرات، هل أخذ دورة في كلية الصيدلة؟ أو درس الطب والعلوم الطبية المساعدة؟! لا: لكن اختلط بمجموعة شباب يقولون له دائماً: ما رأيك أن تجرب هذه يا فلان؟ وما رأيك أن تضع معها الشاي؟ ما رأيك أن تضعها في الإبريق وهلم جراً، مثل مجموعة شباب من أصحاب المخدرات -نسأل الله لهم الهداية- زاروا واحداً، ويوم أن ذهب قاموا ووضعوا في الإبريق مخدرات، فجاء هذا المسكين وشرب من هذا الإبريق، وبعد ذلك قام يقول: فلانة! أعطيني الفاروع أعدل الدرج. هذا الشاب -يا إخوان- من أين عرف الحبوب والكابتاجون والسيكونال والحبوب الحمراء والصفراء والبيضاء، والشم والحقن؟ من أين عرفها؟ هذا ليس عنده شهادة في الطب، ولا في الصيدلة، لكن عرفها من خلال جلساء سوء رويداً رويداً، بدءوا يعطونه السيجارة، ثم حبة، ثم مع الشاي، ثم حقنة، ثم أصبح مدمناً، ثم أصبح مروجاً وهلم جراً. إذاً القاعدة الأولى التي نخرج بها أن الإنسان يحدد نفسه في الوسط الذي يعيش فيه، أي: اختر أنت، تريد أن تكون (عربجيا) اقعد مع شلة (عرابجة) تريد أن تكون عالماً، اقعد مع العلماء، تريد أن تكون راعي طيور ودجاج وحمام، اجلس في الزربة، أينما تريد ضع نفسك. أي: اجلس في المكان الذي يحدد نوعيتك وشكلك، وهذا أمر واضح يا إخوان، والإنسان شديد التأثر والملاحظة.

البهائم تؤثر فيمن حولها

البهائم تؤثر فيمن حولها البهيمة تتأثر مع أنها ليست بمستوى التركيز في التقليد والملاحظة والتأثر، ومع ذلك تجد البهيمة لو تأتي بصقر مع دجاج، تجد هذا الصقر أصبح يأخذ طبيعة الدجاج. ويقال: إن ملكاً من الملوك أُهدي له صقر رائع جداً جداً (أم شيهان وإلا حر وإلا وكري) المهم أنه أهدي له صقر ممتاز، وكان عنده وزير، وكان وزيره هذا عنده ذكاء وفطنة وفراسة، قال: تعال ياوزير، ما رأيك بهذا الصقر الذي أهدي إلينا؟ قال: أيها الملك! هذا الصقر ممتاز جداً جداً، لكنه تربى مع دجاج، فعجب الملك وسكت، وبعد أيام أهدي إلى الملك حصان، فنادى الوزير، قال: تعال وانظر هذا الحصان وجيء من الإسطبل وهو منظف من أحسن ما يكون، ما رأيك فيه؟ قال: هذا الحصان ممتاز، لكنه متربٍ مع بقر، فسكت الملك، والقصة طويلة، وفي يوم من الأيام لقط الملك هذا الوزير بجرابه، وقال تعالى: صقر ربي مع دجاج، وحصان ربي مع بقر، من أين أتيت لي بهذه المعلومات؟ ما يدريك؟ قال: أيها الملك! أما الصقور: فالعادة جرت أنها تقع على قمم الجبال، ولذلك الصقر لا يمشي على الأرض، يوضع له شيء من أجل أن يمشي عليه، لكن لا يجلس على الأرض أبداً، لكن هذا الصقر يوم وضعناه، جلس بجانب الدجاج وصف مثلها، وقام وأنزل رأسه في وسط صدره، قال: هذه ليست من طباع الصقور، فدل على أن هذا الصقر تربى مع دجاج، فأخذ صفاتها. الشيء الثاني: يوم أن جاءه الصقر وهو ينقر حباً، من الذي ينقر في الأرض؟ هذه من صفات الدجاج، أما الصقور، فالعادة جرت أنها تنقض على الفريسة، أرنب أو حمامة أو أي شيء آخر، تنقض عليه وتأتي به، فمن أين تأثر هذا الصقر إلا بالمخالطة، أي: بهيمة لما خالطت بهيمة تأثرت بها من حيث لا تشعر. وكيف عرفت أن الحصان تربى مع البقر؟ قال: لأن الخيل دائماً لها وقفة معينة، ومن ثم إذا جاءت تتنظف، تجد الحصان ينظف جسمه بمقدم أسنانه، يلتفت، وتجده يحك الموقع الذي يريده من جسمه بمقدم أسنانه، أو يقف عند الجدار، وربما يحك منطقةً ما تصل إليها أسنانه، لكن هذا الحصان من يوم رأيته وهو مثل البقرة يلحس جسده. فالحاصل: يا شباب البهائم تتأثر بمن تخالط، أتظنون أنني وأنتم لو نخالط أناساً ما نتأثر بهم، والله سوف نتأثر بهم، ولذلك القاعدة الأولى: إذا شئت أن تجعل نفسك من فصيلة، فخالط أربابها وأصنافها، تريد أن تكون من فصيلة العلماء خالط العلماء، من فصيلة الدعاة؟ خالط الدعاة، من فصيلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، خالطهم، من فصيلة أهل الحراج والسيارات خالطهم وهلم جراً، الإنسان يحدد موقعه ونفسه من أي شيء.

من الجنون استعمال الجوارح في غير ما خلقت له

من الجنون استعمال الجوارح في غير ما خلقت له الأمر الثاني: ولو خرجنا عن هذه النقطة بعيداً، أسألكم وأنتم تجيبون، حاول وأنت الحكم كما في عنوان المحاضرة: أتوا بواحد إلى اختبار عقلي يسألونه، قالوا له: لماذا خلق الله الآذان؟ فأخذ يفكر، قال: من أجل أن نعلق عليها النظارات، وهذا أمر عجيب، قالوا: الأسلاك الكهربائية لماذا تمد هكذا طولاً هوائياً؟ فأخذ يفكر، قال: نعم من أجل أن تجلس عليها العصافير في الصباح. هذا مجنون؛ لأنه لا يعرف الحكمة التي من أجلها خُلق، أو وجد، أو صنع هذا الشيء، لو أتينا لإنسان وقلنا له: اشرب، قال: باسم الله، وصب الماء في عينه، ماذا تفعل؟ قال: أشرب، ما هذا الفم الجديد الذي ظهر لك فوق؟! فهذا أكيد أنه يكون من المجانين، وتجد آخر يريد أن يأكل شيئاً، وأخذ يحشو أنفه أكلاً، نقول: هذا والله أيضاً مجنون من المجانين، لماذا؟ لأنه يستعمل العين في غير ما خلقت له، العين للنظر، يستعملها للشرب، هذا مجنون يستخدم الحاسة في غير ما خلقت له، الأنف للشم يستخدمه للأكل! مجنون، أحد الناس أعطاه أوراقاً، أو أعطاه معاملة، قال: سأوصلها إلى المدير، باسم الله، ووضعها في فمه، هل يظن أن الفم أصبح جيباً؟! لا يمكن، أي: الذي يستخدم الشيء لغير ما خلق له، مجنون، هل توافقوني على هذا، أم لا؟! هذا البدن ابتداءً من الرأس وانتهاءً بالأقدام خلق لماذا؟ خلق لعبادة الله، فالذي يجعل بدنه لغير العبادة مجنون، أم لا؟ إذاً هو من المجانين، مع أن بعض المجانين تخرج منهم فلتات طيبة أحياناً، يذكرون أن رجلاً جاء مسرعاً بالسيارة، فسقط الإطار (والصواميل) تناثرت، فأخرج الإطار الاحتياطي يريد أن يركبه -على الأقل- حتى يوصله، لكن ما عنده (صواميل) فكلها قد وقعت وتكسرت، وكان هناك رجل واقف في مبنى مقاربٍ له ويطل عليه -المبنى هذا مستشفى المجانين- وهذا المجنون واقف ينظر إليه من أعلى، فقال المجنون لصاحب السيارة: لماذا تقف حائراً؟ قال: والله -يا أخي- وقع الإطار وانكسرت (الصواميل)، ولا أدري ماذا أفعل، قال: ألم تستطع أن تصلحه؟ قال: لا. لأني لا أملك (صواميل) قال المجنون: يا أخي! خذ من كل إطار (صامولة) وركب الإطار، قال: والله إنك ممتاز، من أين أتيت بهذه المعلومات؟ قال: هذه دار مجانين، وليست دار أغبياء. فالحاصل أن بعض المجانين قد تحصل منهم فلتات عقل، لكن المشكلة من شبابنا الذين الواحد منهم أي: إذا كنا أنا وأنت نحكم ونجزم بأن الذي يستخدم العين لغير ما خلقت له، ويستخدم الأنف لغير ما خلق له، مجنون، فما بالك بمن استخدم الجسم كله لغير ما خلق له، أنت -يا فلان- جسمك هذا ما عملك فيه؟ والله أبشرك اهتمامه (بريك دنس) وأنت ما هو اهتمامك؟ اهتمامه (السامري) وأنت ما هو اهتمامك؟ اهتمامه (روكي) أو (جاز) أو (بوني إم) أو (ديسكو) سبحان الله! أهذا الجسم خلق لعبادة الله، أم خلق للرقص واللهو والطرب والغفلة؟! من هنا -أيها الشباب- ينبغي أن نفهم جيداً أن الإنسان أول ما يحتاج إليه أن يعرف أنه خُلق لعبادة الله وحده لا شريك له، ولذلك الله جل وعلا قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] أين العبادة عند كثير من الشباب؟ في الأغاني؟ أين العبادة عند كثير من الشباب؟ في اللهو، والتدخين، وترك الصلاة، والعبث بالسيارات، والمعاكسة، و (نطل) الأرقام؟! رأيت من مدة كرت بطاقة شبه البطاقة الرسمية أو مثل كرت الزيارة، مكتوب عليه: يُرجى من النساء الجميلات مساعدة حامل هذه البطاقة، جمعية المعذبين قسم العشق، وخلف البطاقة -أي: من أجل أن أقول لك إلى أي درجة شبابنا أبدعوا في الانحدار، بعض الشباب أبدعوا في البعد عن طاعة الله، أبدعوا في الوقوع في معصية الله، تفننوا في ألوان اللهو والغفلة- وخلف البطاقة مكتوب: الاسم: محتار فيكِ، محل الالتقاء: لحظة التقاء عيني بعينيكِ، السكن -أظنه والله المقصفة- مكتوب: عالم أحلامنا الفسيح، الأمنية: الالتقاء بكِ، الله، الله، الله!! شبابنا إلى هذه الدرجة وقع بهم الأمر! شبابٌ آباؤهم وأجدادهم من العلماء الفاتحين من السلف الصالح من التابعين، من الصحابة، أهؤلاء يقعون في هذه المنزلقات؟!! يا إخوان! من هنا نبدأ حاول وأنت الحكم، وأقصد بذلك أول ما تجد في كثير من شبابنا إما أن تجد عنده انحرافاً، أو تجد عنده معصية، أو تجده متساهلاً بالمعاصي تدخين معاكسات مغازلة بنات لف ودوران في الأسواق اختلاس عبث مخدرات ملاهي أغاني، وأشياء كثيرة، من أين جاءه هذا الانحراف وجعله يستمر فيه؟ جاءه الشيطان، وقال له: انظر (يا أبو الليد) -على ما قالوا- قال له: أنت تأمل أن تكون إنساناً محترماً في المجتمع، لا تفكر بهذا الشيء، لكن ابحث لك عن قليل (عرابجة) وصادقهم، وأمل من الله خيراً. بهذا الأسلوب الصريح يأتي الشيطان، ويقول للشباب: أنت تريد أن تكون مع الدعاة؟! أنت تريد أن تكون ملتزماً؟! يأتيك الشيطان ويتحداك، وإذا جاء الواحد يريد أن يصلي، جلس الشيطان على صدره، قال: اجلس ما أنت بكفء للمساجد، ابق في اللعب والرقص وغيرها، نعم: الشيطان يتحدى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} [فاطر:6] والعدو يتحدى: {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6].

أخي الشاب لا ترض بالدون

أخي الشاب لا ترضَ بالدون فيا شباب: بعض الشباب تلقاه ماسكاً السيجارة يدخن وما له نفس في التدخين، لماذا؟ لأن الشيطان أتى إليه، وقال له: أنت لست بكفءٍ في شيء، أنت إنسان تافه، أنت حقير، وسافل، وساقط، الأفضل لك أن تذهب وتنظر لك شلة ساقطة واجلس معها، ومن هنا فعلاً تجد بعض شبابنا -الله يستر عليهم- إذا أتى بعد العصر، لبس (ترنك وفنيلة) ووضع العصابة الحمراء على رأسه، اقتداءً برامبو وليس بـ أبي محجن الثقفي، ويجلس في السيارة، ومعه شباب يضع يداً على عجلة القيادة ويداً على الباب مع تلك الشلة الفاسدة. وكل يوم ترى من شبابنا العجائب، والله مرة رأيت شاباً ليس بعيداً من أعماركم، ومعه سيجارة، وكنت خارجاً من سوبر ماركت، شعرت بأنه قد روي تدخيناً، وأصبح هالكاً بسببها، ماسكها ومرة تذهب يميناً، ومرة تذهب شمالاً، لا يعرف يمسك السيجارة، المهم أتيت له وقلت له: يا أخي الحبيب! يا أخي الغالي! (يا الحبيب!) والله إن هذه السيجارة ما هي بكفء أنها تلمس شفتيك التي تنطق بلا إله إلا الله، هذه السيجارة النجسة هذه والله ليست بكفء أن تقف على فمك الذي ينطق بالوحدانية وشهادة أن لا إله إلا الله. يا أخي الحبيب: أنت إنسان كرمك الله، أبوك وجدك آدم أسجد الله الملائكة له: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} [البقرة:34] أي: أبونا آدم من كرامتنا على الله أن الله جعل الملائكة تسجد له: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70]، أي: الله فضلنا، ونحن نختار الهوان. الله أكرمنا ونحن نختار السفالة، لماذا؟ لأن كثيراً من شبابنا يظن أنه لا يُفلح، ولا ينفع شيئاً أبداً.

كل شاب يستطيع أن يكون في مقدمة الركب

كل شاب يستطيع أن يكون في مقدمة الركب إذا أردتم أن أقنعكم وأبرهن، وأثبت لكم أن شبابنا بفضل الله -وأنتم منهم- فيهم خير عظيم، اسألوني عما رأيت في أفغانستان، رأيت شباباً قادوا ودخلوا معارك ضد الشيوعيين، أحدهم يحلف بالله، يقول: لم يكن لي هم إلا الطماطم والبيض، وإذا رأيت سيارة فيها عمال ضربت الطماط أو البيض في زجاجها، فيظل السائق يذهب يميناً ويذهب يساراً إلى أن يقف، أي: شقاوة، طبعاً فلا تطبقوها هذه بعيدة عنكم إن شاء الله، لكن أقول لك: من شقاوته ما كان له هم، فلما جاءه أحد إخوانه الدعاة إلى الله، وقال له: يا أخي الحبيب! الله خلقك من أجل أن تشتري بيضاً وتكسرها في وجوه الناس؟ أو خلقك من أجل أن تأخذ هذه الطماطم، وتضعها على زجاج السيارات؟ أو خلقك من أجل أن تعاكس وتغازل؟ ثم أهداه كتيباً ثم فتح الله قلبه للجهاد وسافر إلى أفغانستان، وأصبح قائداً من قادات المجاهدين. وهذا الشاب بيده ذبح عدداً من الشيوعيين على الطريقة الإسلامية، وقديماً كان من أهل المخدرات، وقديماً كان من أهل الفساد، أي: لا يأتيك الشيطان يقول: أنت الآن سيئ لا خير فيك إلخ لا أمل فيك أن تستقيم، أو أن تكون داعية، أو قائداً، أو مجاهداً؟! لا. اترك هذه الظنون، وهذا العبث الشيطاني الذي يزخرف لك، لكن حاول، وامش خطوة إلى الأمام، وستجد نفسك قادراً، لا تقل: لا أستطيع، حاول، لا تقل: لا أعرف، جرب، وستجد النتيجة وأنت الحكم. شابٌ آخر يحدثني أحد المشايخ، وكان معي ذات مرة في رحلة في أفغانستان، يقول: شباب ذاهبون إلى جبهة من جبهات القتال، فوجدت شاباً يسبقونه وهو ينتفض، فقلت له: لماذا لا تمشي معهم؟ لماذا أنت متأخر عن القافلة؟ قال: أسأل الله أن يغفر لي ويتوب عليّ، أنا وضعي لا يسمح لي أن أمشي بسرعة، ويتلهج ويتزفر زفرات وأنات وآهات، قال له: لماذا يا أخي؟ قال له: والله كنت في سجون الأمل، كنت في المخدرات، ليس هناك نوع من أنواعها إلا فعلته وجربته، ولما منَّ الله عليَّ وتبت، ما وجدت مجالاً أستطيع أن أنشغل فيه عن جلساء السوء إلا الجهاد في سبيل الله، فذهبت أجاهد في سبيل الله حتى يتوب الله عليّ، وحتى أبتعد عن قرناء السوء، قال: فقلت الله أكبر بالأمس كان في سجون المخدرات، والآن على قمم الهندكوش في أفغانستان. هل استطاع الشيطان أن يحقق آماله أمام هذه العزيمة؟ لا. لقد فشل إبليس، فشل الشيطان أمام شاب كانت عزيمته أن يتوب إلى الله، وأن يعود إلى الله. يا إخواني! انظروا الذين ساروا في طريق الفن والطرب، منهم من مات على سوء، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ومنهم من تداركته الرحمة فتاب قبل أن يموت، تعرفون فهد بن سعيد أبو خالد كما يقول: الموت حق وكلنا ذا يقينه مير البلى من ذاق موتاً ولا مات الله أكبر! العزلة يا أبا خالد! زرته في السجن في سجن الحائر، كيف الحال يا أخ فهد؟ قال: والله إني أحمد الله على الساعة التي وجدت في هذا المكان، لماذا؟ هل هناك من يحمد الله على السجن؟ قال: نعم. لأني لو استمريت على ما أنا فيه، مت كموت الحمير، بهذه العبارة. وفي كتيب أحضرته هديةً لكم اسمه، للشباب فقط، وستجدون في آخر الكتاب، فهد بن سعيد يتكلم أو يعترف، هي رسالة صغيرة جداً ما تأخذ منكم شيئاً، خذوا الكتاب واقرءوه، لتسمعوا اعترافات الفنانين المطربين وغيرهم، وجاءنا ذات يوم الأخ فهد بنفسه في المسجد، وألقى كلمة، قلت له: تفضل أعط كلمة، قال: أنا لست بخطيب، وما أعرف، قلت: لا أريد كلمة فصيحة أريد كلمة لشباب الحي يعرفون أن الإنسان يمكن أن يعود إلى الله، ليس من أمسك عوداً انحرف إلى جهنم وساءت مصيراً، من أكل حبة مخدرات، انحرف إلى جهنم وساءت مصيراً، لا. إن باب التوبة مفتوح حتى وإن فعل الفاحشة، حتى وإن وقع في اللواط حتى وإن شرب الدخان، حتى وإن أكل المخدرات، إذا تاب وعاد إلى الله عودةً صادقةً، فإن الله يقبل منه، فالأخ فهد قام وصلى معنا العشاء، وبعد الصلاة وقف، وقال: يا إخوان! أنا أخوكم في الله فهد بن سعيد كنت فناناً وكنت مطرباً، وتبت إلى الله، وأسأل الله أن يتوب عليَّ، ولي طلب واحد منكم، ما هو؟ طلبي أن من كان عنده شريط للفنان فهد بن سعيد أن يتوب إلى الله ويمسحه ويضع عليه خطبة، أو محاضرة، أو أناشيد إسلامية، أو شيئاً بعيداً عن المعصية. أي: إذاً لا يتوقع الواحد أنه إذا وقع في شيء يصعب عليه أو مستحيل أن يتوب منه، لا. مثلما يقول لك: شاب مرة في الحارة قديماً كنت ماشياً وهو جالس يدخن، قلت: يا يوسف! هذا وأنت ولد حمولة؟! قال: لا أستطيع أن أتركه. والظاهر أنه يحمل السيجارة بالمقلوب، لم يدخن سيجارتين، ويقول: لا أقدر على تركها، فالشيطان يغرس ويعمق، ويجعل في قلبك أنك إذا وقعت في شيء لا تستطيع أن تتركه، فالدخان لا أقدر على تركه، والفاحشة لا أقدر على تركها، لا أصبر عنها، مخدرات! لا أقدر أن أتركها، غناء! لا أستطيع تركها، ما هذا الكلام؟!

إذا أوجدت العزيمة بلغت الهدف

إذا أوجدت العزيمة بلغت الهدف أنا أعطيكم سؤالاً الآن: كثير من الشباب الذين يدخنون وغالبيتهم يصومون رمضان أم لا؟ الإجابة يصومون شهر رمضان، صحيح بعضهم لا يصوم، لكن هذا ليس بذنب التدخين، تجد عنده ذنوباً أخرى، لكن الذين يدخنون الكثير منهم يصومون رمضان؛ لأن عنده عزيمة وإرادة قلب على أن يمسك عن الطعام والشراب من الفجر إلى المغرب، فهل يأتيه الشيطان الظهر، يقول له: خذ سيجارة؟ لا. حتى وإن كان يدخن، لأن عنده عزيمة وإرادة، أي: الطريق مقفول ومغلق أمام الشيطان أن يأتيه من الفجر إلى المغرب، ليس هناك أمل أن يأكل أو يشرب أو يدخن، لماذا؟ لأن عزيمته عزمت اتباعاً للصيام ألا يذوق طعاماً، ولا شراباً، ولا غير ذلك منذ الفجر إلى المغرب، دل هذا على أن الإنسان إذا عزم على شيء عزيمة قوية استطاع أن ينشغل عن التدخين واستطاع أن يتركه، لكن في الأيام الأخرى، يقول: لا أقدر على تركه، ليس بصحيح، تأتيه في يومٍ من أيام الفطر، ومن أيام شوال، أو أي شهر وتقول له: يا أخي! لماذا تدخن؟ يقول: لا أقدر على تركه. ما الذي جعلك تتوقف عنه من الفجر إلى المغرب في رمضان؟ نعم. لأن عندك عزيمة جادة صادقة ألا تأكل ولا تذوق طعاماً، ولا شراباً، ولا حراماً، ولا غير ذلك. إذاً أيها الأحبة! لا يمكن أن نصدق مسألة أن الإنسان لا يقدر على ترك المعصية، هذا ليس بصحيح أبداً، قضية أنك لا تقدر.

إذا أردت التوبة فتخلص من أدوات المعصية

إذا أردت التوبة فتخلص من أدوات المعصية والله تعظيماً لله في بيت الله اتصل بي شاب قبل أيام، قال: فلان؟ قلت: نعم. قال: يا شيخ! معك وقت تسمع مني؟، قلت له: معي وقت تفضل، قال: والله أنا مبتلى باللواط، ولا أقدر على تركه، وكلما توقفت عنه، رجعت إليه مرة ثانية، وعندي مجلات وأفلام خليعة، وعندي، وعندي، وأنا أريد أن أتوب، وأنا أريد أن أستقيم، قلت له: أنت جاد، أو هذا عبارة عن توسيع لصدرك في هذه المكالمة؟، قال: والله إني جاد، وأنا أريد أن أتوب يا شيخ، قلت له: الآن أبشر، والحمد لله أن الله جل وعلا ما قبض روحك وتوفاك وأن تفعل الفاحشة. ما هو شعوركم -يا إخوان- لو أن هذا الشاب الذي يتكلم جاءت الملائكة وقبضت روحه وهو يفعل الفاحشة بآخر؟ أو ما شعوركم لو أن الملائكة قبضت روحه وهو تحت وطأة السكر والمخدرات؟ أو ما شعوركم لو قبضت الملائكة روحه وهو رافع لصوت مسجل السيارة على آخر موسيقى غربية، أو صوت مايكل جاكسون، وما صلى ولا أطاع الله ذاك اليوم، ثم مات على شر حالة؟ كيف يكون حاله؟: (يبعث الناس يوم القيامة على ما ماتوا عليه). إذا مت ساجداً، تبعث يوم القيامة ساجداً، إذا مت ملبياً في الحج، تبعث يوم القيامة ملبياً، تقول: لبيك اللهم لبيك، إذا مت شهيداً، تبعث يوم القيامة شهيداً، جرحك ينزف دماً، اللون لون دم، والريح ريح مسك، والذي يموت مرابياً، يبعث مرابياً، يتخبطه الربا: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275]. الذي يموت سكراناً يبعث كذلك، والذي يموت زانياً، يبعث على حاله، والذي يموت على لواطٍ، يبعث على حاله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقلت له: يا أخي! أولاً: احمد الله أن الله ما قبض روحك وأنت تفعل الفاحشة، الشيء الثاني: إذا كنت جاداً وتريد أن تتوب إلى الله، تعال أنا أخوك في الله والله أستر عليك، ولا أحد يعرف عنك شيئاً، تعال عندي، وائتني بأشرطتك، وائتني بمجلاتك، ونذهب نحرقها وندفنها في مكان لا أحد يعرف أين مكانها، وتتوب إلى الله، وتصلي ركعتين، وأصلي أيضاً أنا، وأدعو الله لك، وأنت تدعو، وتستغفر الله، وتعاهد الله ألا تعود إلى اللواط، وإلى الفواحش، وإلى هذه الأمور كلها. قال: ما أقدر يا شيخ مهلاً، سبحان الله العظيم! كيف مهلاً؟ تريد أن تتوب وأنت صادق جاد، تعال، هات أشرطتك، وهات الذي عندك، وتب إلى الله، لقد كان سليمان بن داود عليه السلام معجباً ومغرماً بالخيل: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} [ص:31] الصافنات: الخيل الأصيلة، عرضت عليه بالعشي: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32]. يعني: الشمس غابت وفاتت الصلاة، ماذا فعل؟ هل قال: مهلاً؟ لا. قال: {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص:33] ائتوني بالخيل مرة ثانية، وأخذ السيف وعقرها عقراً وذبحها، ودعا الفقراء يأكلونها -يجوز أكل لحم الخيل- لأنها أشغلته عن طاعة الله، وهي مباحة نحرها لوجه الله.

قصة محمد فوزي الغزالي وتحطيمه لمصنع القيثار (الأعواد)

قصة محمد فوزي الغزالي وتحطيمه لمصنع القيثار (الأعواد) وهذا شاب نقول له: تعال أقبل على الله، تب إلى الله جل وعلا، يقول: لا يا شيخ مهلاً مهلاً، فقلت: لله در أحد الشباب في جدة، وهذا الشاب تعرفونه أو بعضكم يسمع به، هذا اسمه محمد فوزي الغزالي، هذا صاحب بيت العود السعودي، العود ليس عود الطيب، عود أبو اثنى عشر وتراً مزدوج، أو مفرد الذي تريد، المهم هذا الشاب عنده مصنع كامل لصناعة العود، وتعليم العزف على الآلات الموسيقية (الكمنجة والمرواس، والمخافيج والطيران). هذا الرجل عنده مصنع للآلات الموسيقية، فجاء من ينصحه، والرجل كان في نفسه كراهية إلى هذا الأمر، فلما تاب إلى الله ماذا فعل؟ وهذا الكلام نشر في الجريدة، وحضر جمع من العلماء، وصور بالفيديو ولعلنا نرسل للأستاذ شريط الفيديو وتجتمعون وترون هذا الفنان؛ لأنه عازف على العود على مستوى كبير، ومع ذلك تاب إلى الله، وجمع جميع الأعواد التي عنده، أتاني بصور، صلى معي التراويح في شهر رمضان، وأراني الصور، صور الأعواد التي ينتجها، نوع من أنواع العود بثلاثة وخمسين ألف ريال مطعم بالعاج، وأنواع أخرى، وآلات موسيقية، أتوا بها كلها جمعوها في سيارة، وذهبوا بها في جدة وكسروها وصبوا عليها البنزين وأحرقوها. وهو يقول: اللهم تب عليّ، اللهم تب عليّ، اللهم تب عليّ، انظروا يا إخوان الإقبال على الله سبحانه وتعالى، التوبة الصادقة التي فعلاً ما تجعل الإنسان يتردد، اقلع، وإن لم تقلع، سيأتيك يوم لا حول ولا قوة إلا بالله تتمنى أنك تبت، فلا استطعت، زوروا، وأرجو من الأستاذ أن يزور بكم مستشفى النقاهة، ما هو مستشفى النقاهة؟ شباب في عمر الورود، ولكن في لحظة من لحظات الغفلة، أصابه شيء ليس كلهم، بل بعضهم صار له حادث ربما خرج ذاك اليوم ما صلى الفجر، كانت الموسيقى ترتفع، ربما كان ذاهباً إلى الفاحشة، ربما كان راجعاً من الفاحشة، وأصابه الحادث، وفي موقع بسيط في آخر الظهر حساس جداً إذا ضرب فيه الإنسان يصيبه شلل كامل، فتأتي إليهم تجد الواحد متمدداً على الفراش، ويكلمك بإشارات، الله أكبر أين الشباب؟ أين النشاط؟ أين العنفوان؟ أين الحيوية؟ أين القوة؟ في لحظة يقع حادث. أحد الناس قطع الإشارة، وتصادم هو وسيارة، وذهب بشلل رباعي، وهذا قد انتهى وضعه، لا حول ولا قوة إلا بالله! الإنسان لا يأمل، أو يطيل الأمل، أو يسرف في الأمل وهو على معصية، لا. اتق الله، وتب إلى الله جل وعلا، وانتبه قبل أن يفاجئك الأمل.

هذه هي نتيجة السخرية بآيات الله

هذه هي نتيجة السخرية بآيات الله إياكم والاستهزاء أو السخرية. رجل عنده أموال، ولكنه -والعياذ بالله- مولع بفاحشة اللواط، ومولع بأمور كثيرة مما لا ينبغي ذكرها الآن، ما الذي يحصل، يقول يستهزئ، يقول: إن الله يقول: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10]، أي: الذي معه زينة ويخفيها، خاب -والعياذ بالله- والله يا إخواني بعد هذه الكلمة أصابه سرطان في كل جسمه خلال ثمانٍ وأربعين ساعة، مع أن السرطان في العادة يأتي في موقع ويأخذ أسابيع، ثم يزداد قليلاً، ثم أسابيع، ثم يزداد قليلاً، لكن لأنه استهزأ على معصية، وفوق المعصية استهزاء ولا حول ولا قوة إلا بالله! استهزأ بهذه الآية، وجعلها في أمر اللواط الذي شُغف به، فهو الآن على فراشه، بعد أن كان وزنه ثمانين كيلو من العافية والطول والعرض والنشاط، وزنه الآن خمسة وثلاثون كيلو، تأخذه بثوبك.

متى التوبة يا عباد الله؟

متى التوبة يا عباد الله؟ إذاً: يا أحباب! متى نتوب إلى الله؟ متى نقبل على الله؟ ألا يكفيناً لهواً؟! ألا يكفيناً عبثاً؟! سمعنا من الأغاني ما الله به عليم، نبيل شعيل، عبد الله الرويشد، بشير شنان، وابن سعيد والرابع والخامس والعاشر، ثم يوم القيامة إذا سئلت: يا عبدي ماذا قدمت؟ ماذا تقول؟ يا رب! حفظت أربع أغانٍ لـ نبيل شعيل، أو يا رب! غيبت أربع أغانٍ لـ طلال مداح، أو يا رب! غيبت كذا لفلان، هل تسرك هذه الأغاني عند الله جل وعلا؟ في الدنيا لا تسرك، هل من الممكن الآن أن يصعد واحد من الشباب على هذه المنضدة، ويسمعنا أغنية لفلان أو علان، هل يرضى أن يغني أمامكم؟ لا. لأنه يعرف أنه لا يغني أمام الرجال إلا إنسان مخنث. نعم. الذي يرضى أن يتراقص ويهتز ويطرب، هكذا أمام الرجال، هذا ناقص الرجولة، لا يرضى، لكن لو نقول: فلان تعال اقرأ قول الله جل وعلا: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] جاء ووقف بكل عزة وبكل فخر ووقف بطوله وصدح: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأخذ يتلو. إذاً القرآن عز، والدين كرامة، والاستقامة شرف، وأما الانحراف، فهو خزي وعار ومذلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فأسألكم يا شباب: هل هناك شيء يردكم ويمنعكم من أن تكونوا في عداد الصالحين؟ لو فكرنا، لوجدنا أن عندنا ذنوباً محدودة: سماع ملاهي، ربما تساهل بالصلوات، ربما وقوع في بعض المعاصي، القضية تريد إرادة قوية، فإذا جاء أصحاب السوء وجلساء السوء: يا فلان! اذهب معنا، يقول: لا والله، تريدون أن تتوبوا إلى الله، وتستقيموا إلى الله، وتمضوا على نهج الله، فأهلاً ومرحباً وحيهلاً، أما أن تريدونا أن نذهب ونرمي أرقاماً أو (نجعص)، أو (نجدع)، أو (جمس بند) أو (إحدى عشر)، أو (اثنان وعشرون) أو (تفحيط)، هذه والله ليست عندنا. فحينئذٍ تدخل في سجل التاريخ، الدنيا مليئة بالبشر، لكن من الذي يعد من البشر؟ داعية، عالم، آمر بالمعروف، إمام عادل، عالم عامل، رجل نافع، هؤلاء يعدون، وينفع الله بهم. إذا ما مات ذو علمٍ وتقى فقد ثلمت من الإسلام ثلمة وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمة وموت فتىً كثير الجود محلٌ فإن بقاءه خصبٌ ونعمة وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمة وموت الفارس الضرغام الشجاع هدمٌ فكم شهدت له بالنصر عزمة فحسبك خمسةٌ يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيفٌ ورحمة وباقي الخلق همجٌ رعاعٌ وفي إيجادهم لله حكمة يا شباب! هل أنتم من الرعاع، أم أنتم من الأفذاذ والأبطال والرجال؟ أحسبكم وأتمنى وأرجو أن نكون وإياكم من الرجال الذين تفتخر بهم الأمة. يا شباب! فليصارح كل واحد منكم نفسه، ماذا لو توفاني الله اليوم أو غداً؟ بماذا أقابل الله؟ يا شباب! فليصارح كل واحد نفسه، حينما توضع في قبرك، ماذا ترجو من أعمالك؟ يوم تقف بين يدي الله، ماذا تقول لله جل وعلا؟ يا عبدي! ألم أخلق لك عينين؟ هل نظرت بهما في ملكوت السماء؟ هل تدبرت في خلق الله، أم أطلقت عينك في المسلسلات والأفلام والمجلات؟ يا عبدي! خلقت لك أذنين تسمع بهما الحق، ونداء الحق، والأذان والخير، فلماذا سخرت هذه الأذن في سماع الأغاني والملاهي والمزامير؟ جعلت لك يداً ورجلاً، ماذا فعلت بها؟ مشيت بها إلى الحرام أم مشيت بها إلى المسجد؟

أسلوب أعدائنا في إغواء شبابنا

أسلوب أعدائنا في إغواء شبابنا يا شبابنا! إننا والله خُدعنا، أنا أقول هذا الكلام -والشباب الذين انحرفوا لم يخلقوا خبثاء خلقة، ولا انحرفوا خلقة، لا. لكن نتيجةً؛ لأن الشر جاءه رويداً رويداً. فلو آتي بشاب فاسق مجرم، فأمسكه وأضربه عشرة كفوف، وأربط يديه ورجليه، أقول: تذهب إلى المسجد أحرق رجليك، هل يوافق، أو لا يوافق؟ لا يرضى حتى ولو كان فاجراً فاسقاً؛ ما عاد لنا إلا المساجد يردوننا عنها، وتلقاه لا لا يحافظ على الصلاة، ولكن لأن التحدي جاء مواجهة ومباشرة، فلما تحديناه، وقلنا: لا تصلِّ، قال: أصلي غماً عنك، ويذهب يصلي بدون أن يتوضأ عناداً. يقولون عن شخص أنه جلس يصلي يوماً ورأى أناساً ينظرون إليه، ويتقن الصلاة ويخشع، قالوا: الله أكبر! انظروا فلان هذا خاشع، قال: هذا وأنا بدون وضوء. الحاصل يا إخوان! هذا الشاب بالقوة تعانده لا يقبل أبداً، تجره إلى المسجد، يرفسك برجله، وإلا يعطيك (ماي جيري) أو (جدنبراي يسار)، ويدخل المسجد رغماً عنك. وإذا قلنا: كم عندكم في المسجد أبواب؟ عندنا ثلاثة أبواب، قلنا: سوف نوسع لك المسجد، ونضع زيادة أبواب، لكن هذا فيلم هندي خذ اسمعه بعد صلاة العصر بساعة، وتلقى هذا الفيلم الهندي يشد هذا المسكين، ويقعد كل لحظة يصيح، وبطل الفيلم ما لقى أمه، ويظل يتابع هذا الفيلم، يؤذن المغرب فيقال له: حان وقت الصلاة، فيرد ويقول: يا أخي! خلينا ننظر هل لقي أمه أم لا. المؤذن يؤذن، يصلون، وهذا ما ذهب إلى الصلاة، تقام الصلاة، ينتهون من الصلاة، يؤذن العشاء، تُقام صلاة العشاء، يخرجون من الصلاة، ومع ذلك لا يتحرك حتى يصلي، وميكروفونات المسجد على آذانه. لاحظ لما ضاربناه وهاجمناه، وقلنا: لا تذهب تصلي، قال: أصلي رغماً عنك، لكن لما قلنا له: تفضل هذا المسجد ونفتح لك أبواباً في هذا المسجد زيادة، لكن تفضل انظر هذا الفيلم، يظل يتفرج، أم لا؟ إذاً نحن يا شباب قد غزينا فكرياً، هذا هو الذي يجعلنا ننقاد للمنكر، وننقاد إلى المعصية بطريقة خفية. الآن إذا أتينا إلى بنت من بنات المسلمين حينما نأتي ونلقاها في الشارع ونجر عباءتها ونجر (بشتها) ونقول: تبرجي وكوني سافرة، كوني منحرفة، كوني رقاصة، أترضى، أم لا؟ لا ترضى أبداً، لكن حينما نأتي لها بدعاية سلفكرين تلف شعرها يميناً يساراً دعاية، أو نأتي لها بالفتاة المتطورة، الفتاة ذات التطور والثقافة تقابل صديقها في الجامعة، وتجلس معه في (اللوكندة)، وتحاكيه في (الكازينو)، وتذهب معه، ويضرب لها بأبواق السيارة، فتخرج إليه وتصعد إلى السيارة. البنت المتحجبة التي داخل البيت تقول: أنا ما الذي ينقصني؟ الآن هذه تذهب مع زميلها في الجامعة، تنظر المسلسل في التليفزيون وتطبق، وهذه تلبس في أي وقت وتخرج، وتطل عليه، وتقول له: (هاي باي) وترمي عليه وردة، وتقول البنت هذه: صحيح، تقول: أنا ما الذي ينقصني؟ يعني: هذه تتمتع بالحرية وسعيدة، وأنا أجلس محرومة، لاحظوا كيف، فتبدأ البنت تريد الخروج، وتبدأ تخرج سراً، وتبدأ تضرب لها الأبواق (أبواق السيارة) فتخرج أو تقول له: دعنا في السوق، أو نتلاقى في المستشفى، طبعاً لأن أباها لا يرضى، ولا يأذن بذلك، فتبدأ تخطط لأساليب أخرى في حين أننا لو قلنا لها: تعالي لتكوني فاسقة، انحرفي تبرجي، كوني سافرة، ترفض ذلك، لكن نأتي لها بأشياء أمام عيونها، من أجل أن نقول: انظري المتطورة، وأنت متخلفة، انظري هذه حبيبها يرسل لها رسالة ومعها وردة، وأنتِ لو يرسلون لك رسالة، رجعوها بلعنة، هؤلاء جفاة ما عندهم مشاعر، ولا عواطف، وتبدأ البنت تضع مقارنة.

السعادة كل السعادة في طاعة الله

السعادة كل السعادة في طاعة الله فيا شباب: أنا وأنتم ليس فينا شر أصيل، نحن أبناء فطرة: (كل مولود يولد على الفطرة) ما فينا واحد خلق لكي يكون مطبلاً، أو رقاصاً، أو سافلاً، أو منحرفاً، لا. لكن جلساء السوء بالإضافة إلى الغزو الفكري، الغزو الفكري يا شباب: من خلال المجلة والصحيفة يجعلك تهتم بما ليس كفؤاً للاهتمام، وبما لا يستحق، أو ليس بجدير أن يهتم به، لذلك يا شباب! يا أحبابي! يا أبنائي! عودة إلى الله، توبة إلى الله جل وعلا، رجعة إلى الله، كم عرفنا من الشباب المنحرف الذين وقعوا في الفواحش وتابوا إلى الله، سألناهم: كيف وجدت لذة الحياة؟ قال: والله ما وجدت اللذة إلا في طاعة الله سبحانه وتعالى، قبل ثلاثة أيام معي شاب أعرفه كنا في الحارة سواء، صديق طفولة، ثم تفارقنا، وهو -ما شاء الله- من أسرة ثرية، وأعرف عنه أنه دائماً يسافر إلى بريطانيا، كل دول أوروبا سافرها، وقابلته هذين اليومين، وقد أصبح ملتحياً، ومعه سيارة فخمة، قلت: يا أخي! بشر ما هي أخبارك؟ قال: والله يا سعد مرت علينا أيام كنت أصرف يومياً في بريطانيا ستة آلاف ريال، أي بنت يأتون بها، وأي شراب يأتون به، قلت: وماذا بعد؟ قال: والله ما ذقت سعادة، ولا عرفت راحة، الراحة في طاعة الله في التوبة إلى الله في الرجوع إلى الله.

العزة كل العزة بالاستمساك بهذا الدين

العزة كل العزة بالاستمساك بهذا الدين يا أحبابي: خذوها قاعدة: تريد أن تكون عزيزاً، تريد أن تكون شخصاً يعرفك الجيران بمشيك إلى المسجد بتبكيرك إلى الجماعة بجلوسك في المسجد للذكر والاستغفار، يعرفك الجيران في الأمور الخيرة؛ فكن ملتزماً مستقيماً، هل المفخرة أن الجيران يعرفون أنك إذا جاء الصبح، غسلت الإطارات بشاي من أجل أن تصبح سوداء؟ وهل المفخرة أن تشحم الجوانب؟! أم المفخرة أن تدور وتفحط في الشوارع؟! هذه كلها ليست بمفخرة، المفخرة أن تكون صادقاً مع الله، المفخرة أن تكون مستقيم القدرة والرجولة، أن الهوى يقول: اجلس اشرب، تقول: لا. افعل، لا. الرجولة أن تخالف هواك، وأن تعصي نفسك. والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ فخالف النفس والشيطان واعصهما وإنهما ما حضاك النصح فافتهمِ ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً فأنت تعرف كيد الخصم والحكمِ هذا الكلام -يا إخوان- خذوه، واسمعوه، وستذكرون ما أقول لكم، والله ستذكرون هذا الكلام، فالإنسان لا يدري متى ينتهي عمره، لكن أسأل الله أن يمد في عمري وعمركم، وتذكروا هذا الكلام بعد عشر سنوات، هل تريد أن تستمر من الآن إلى خمس سنوات قادمة، إلى عشر سنوات قادمة على ما أنت عليه؟ لا والله، تريد أن تستمر على لهوك وضلالك وانحرافك ودخانك وغفلتك، ولا أخص أحداً بعينه، لكن أخاطب من وقع في هذا، هل تريد أن تستمر على هذا؟ الناس يتطورون: الذي حفظ جزءاً، صار يحفظ أربعة، الذي عرف حديثاً، صار يحفظ عشرة، الذي قرأ كتاباً، صار ينتظم في حلقة علم، الذي كان يوماً عادياً، أصبح طالب علم، الإنسان الذي كان تافهاً وما له شغل، فتح له متجراً، أو ورشة، فتح له مخرطة وبعد ذلك اعتبروا -يا إخوان- بأحوال الدنيا للآخرة منكم من يعرف هذا جيداً. في قسم الحدادة والحديد والتلحيم تعرفون شيئاً من ذلك، يوضع مع السيخ هذا الذي يقص الحديد قصاً، أسألك بالله هل جسمك يصبر على نار جهنم؟ لهب من النار مع مادة أخرى تضعه على الحديد، يقصه قصاً مثل ما تقص اللحم، هل جسمك يصبر على نار جهنم؟: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:12] الله أكبر! {سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك:7 - 8] جهنم، يقال: إن الملائكة تمسكها تكاد تنقض على من كان عاصياً لله غافلاً عن طاعة الله سبحانه وتعالى. هل لك صبر على هذا؟ شاب ذهب يدرس في بريطانيا في دورة لحام، وكان يرى الحديد يُوضع في المنطقة هذه قوالب وأسياخ ويخرج مع الجهة الثانية يسيل مثل الماء، فانتفض جسمه مرة، قال: هذا الحديد الصلب جداً يدخل هكذا في نار الدنيا التي هي جزء من مائة جزء من نار الآخرة، يدخل هكذا قطعاً، ويخرج يسيل مثل الماء، فكيف بجسمي هل يصبر على نار جهنم؟ هل سألت نفسك هل تصبر على نار جهنم يوم أنك تقول: لا أصبر على الدخان، أو لا أصبر عن المعصية، أو لا أصبر عن الفاحشة، أو لا أصبر عن الغفلة واللهو والطرب. هل سألتك نفسك: من الذي يجعل قبرك في نور؟ والله -يا أحباب- لا ينفعك إلا عملك الصالح. الآن مقبرة العوج رأيتم هذا البشت الجميل، وهذه البدلة الجميلة، الآن الواحد لو يأتي جرو -الله يعزكم- يريد أن يجلس على ثوبك، أو يجلس عندك أترضى؟ لا ترضى فهو نجاسة، لكن الآن إذا كان في مقبرة العوج، تخيل وأن تجلس على قبر أي واحد أكبر واحد في المقبرة وأصغر واحد في المقبرة الكلب يربض على قبره ويبول على قبره، أنت لابد أن تتخيل، درجة أولى سياحية خط عام فتختار الدرجة التي تريد أن تجلس فيها. أقول هذا الكلام؛ لأن حياتك ليست بشيء، الحياة الحقيقية هي حياة الدوام والسعادة، حياة الآخرة، أما الدنيا فحتى لو قُدر لك فيها الحياة، ماذا بعد ذلك؟ فجأة وتكون في عداد الأموات سواء الآن أو بعد الآن، ثم ما الذي ينفعك؟: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ} [عبس:34]. يوم القيامة لا أحد ينفع أحداً، تقول عائشة: (يا رسول الله! الرجال والنساء عراة ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أعظم وأكبر من ذلك) {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36]. تذكر أمك تأتيك يوم القيامة تقول: يا ولدي! حملتك تسعة أشهر كُرهاً ووضعتك كرهاً وأزلت الأذى بيدي عنك، -تنظفك وتقلبك، وتتلذذ وهي تضحك، تبعد عنك الوسخ منك في طفولتك وأمك تضحك ما تكره هذا الشيء ولا تتقزز- وجعلت ثديي لك سقاءً، وجوفي لك حواءً، يا ولدي! حسنة، الموازين تطيش والصحف تتطاير، يا ولدي! حسنة أثقل بها ميزاني، فتقول أنت: أمي إليك عني إليك عني، لا أحد ينقذ أحداً، الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (يا فاطمة بنت محمد! اسأليني من مالي ما شئت، لا أملك لكِ من الله شيئاً) يوم القيامة لا ينفع أحد أحداً: (اسأليني من مالي ما شئت، لا أملك لكِ من الله شيئاً) فأنت -يا أخي- تأتي أمك تقول: يا ولدي! حسنة، تقول: أنت يا أمي توكلي على الله. وقال كل خليلٍ كنت آمله لا ألهينك إني عنك مشغول

النظرة الخاطئة للالتزام والملتزمين

النظرة الخاطئة للالتزام والملتزمين فيا أحبابي! هل نعود إلى الله؟ هل نتوب إلى الله؟ هل نجرب؟ حاول؟ افعل؟ خطوة إلى الأمام وستجد النتيجة، ستجد الراحة والطمأنينة، والسعادة، جلساء الخير، ثم إن الخير لا يكلفك، فبعض الناس يتوقع أنه إذا التزم وتاب واستقام بأن عليه الآتي. أولاً: يحتاج أن يذهب ويفصل ثوباً فوق الركبة. ثانياً: يحتاج أن يخرب المرزاب. ثالثاً: يضع الغترة هكذا. رابعاً: يأتي بمسواك طويل، ويتوقع أن الدين هكذا، كثير من الشباب الذين يجعلهم ينصرفون عن الاستقامة، ولا يلتزمون، يتصور أنه لابد أن يصير مُعقداً، إذا ضحك الناس لا يضحك، ولا يريد أن يبتسم معهم، يظنون أن الابتسامة -مثلما يقولون- عند المطاوعة حرام. واحد من الشباب يقول: كنا نلعب كرة مع شباب طيبين، كل واحد يأتي بفريقه، وعندنا شباك، ونظل نلعب بعد العصر، وربما شربنا الشاي إلى أن يبرد الوقت قليلاً، ولعبنا العصر، وبعد المغرب نقرأ في كتاب رياض الصالحين، أو أحد الكتب النافعة، يقول: في يوم من الأيام، خرج معنا شاب قلنا له: تعال معنا، وعندما خرجنا وهو مستغرب مثل الذي سيدخل حديقة حيوانات، لا يعرف ما يقول، يقول: أتينا والوقت مصيف، قلنا: هيا يا شباب أعطونا الكرة والقوائم منصوبة والشباك جاهزة، يقول: والله قليلاً إلا وكل واحد لابس فنيلة وبدلته وحذاء اللعب ولعبنا الكرة، قال: يا أخي! الآن المطاوعة يلعبون كرة؟!! قال: نعم. وماذا ترى؟ ماذا تتوقع؟، قال: والله أحسبكم من يوم أن خرجتم إلى البر كل اثنين يقعدون ويصيحون، يعني: يتوقعون أن المطاوعة أناس معقدون جداً، بالعكس والله المزاح واللهو البريء والمرح، وإذا جاءت العبادة، والتبكير للصلاة، وإذا وقف الإنسان بين يدي الله، وقف وقفة الخاشع، وإذا جلس يُصلي تلذذ بالصلاة، وتجد الإيثار: فلان! ماذا تحتاج؟ فلان! ماذا تريد؟ تجد إخوانك يخدمونك في الله، يأتينا الشاب عنده مشكلة معينة، أول ما تنظر هل هو يصلي الفجر؟ هل هو شاب ملتزم؟ ما هي مشكلتك؟ مساعدة زواج؟ نساعدك، ما عندك؟ عليك مصيبة؟ ربما يساعدونه لا يريدون شيئاً، يريدون وجه الله جل وعلا، لماذا؟ لأننا نتفاضل فيما بيننا بالتقوى، الألوان والأجسام والطول والعرض والقبيلة والنسب والشرف، هذه كلها أضعها تحت رجلي، والله بعضنا يفضل بعضاً بالعبادة والتقوى، إن بلال بن رباح عبدٌ حبشي، يقول الرسول: (يا بلال! إني أسمع صوت نعليك في الجنة) وأبو لهب أشرف قريش: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] في النار. الله أكبر! هذا الدين الذي يُشرفك لا بلونك ولا بطولك أو عرضك أو قبيلتك أو حسبك أو نسبك، بل يشرفك بالتقوى، يشرفك بالإقبال والإقدام على الله جل وعلا.

الحذر من قرناء السوء

الحذر من قرناء السوء من هنا -أيها الإخوة- ينبغي أن نتدارك هذا الأمر، عودوا إلى الله، توبوا إلى الله، حاولوا أن تستقيموا، اتركوا المعصية، اتركوا المصيبة، وقرناء السوء قل له: أسألك بالله إذا جُعلت في قبري، ماذا تفعل لي؟ تدعو لي بظهر الغيب؟ تضحي عني؟ يوم القيامة هل أفتخر بك وأقول: يا رب! هذا أحبه في الله؟ لا. عرفتك في حمام، أو في صندقة، أو في سيارة، أو في دجاج، أو مصيبة، أو معصية، لكن المتحابين بجلال الله في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله (إن في يوم القيامة أناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنزلتهم من الله، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: المتحابون في الله) ليسوا المتحابين في النصر والميدان، بل المتحابون في الله، إذا أحب بعضهم بعضاً في الله ولله، ولعبادة الله، نفعتهم هذه المحبة. أما إذا كانت الصداقة في الدنيا على المعصية والتقصير، فلا تنفع عند الله، أرجو أن يكون هذا الكلام رسالة صريحة من القلب إلى القلب، رسالة أخوية، وأتشرف بزيارة كل واحد منكم، وبرؤية كل واحد منكم عسى أن أتعرف عليه، يعرفني وأعرفه لتكون أخوة في الله ومحبة في الله وعوناً على التوبة وترك المعاصي إلى غير رجعة. أسأل الله أن يهديني وإياكم، اللهم ثبت هذه الوجوه، اللهم أصلحها، اللهم اهدها، اللهم حبب إليها الطاعة، وكره إليها المعصية. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

شاب إذا خلا بمحارم الله انتهكها

شاب إذا خلا بمحارم الله انتهكها Q فضيلة الشيخ/ سعد البريك حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد أهلاً وسهلاً بك في لقاء الخير والمحبة، ومرحباً بك في هذا الصرح الشامخ مركز التدريب المهني الأول في الرياض، وبين أبنائك الطلبة، سؤالي هو: أعمل الصالحات دائماً، ولكن الشيطان يغلبني أحياناً في فعل بعض المعاصي، علماً أنني أنصح غيري بأن يتركوا مثل هذه المعاصي، اختصاراً: إذا خلوت بمحارم الله انتهكتها، فما توجيهكم لهذا؟ A يا أحباب! ينبغي للمسلم أن يكون صادقاً مع الله في سره وعلنه، قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3] وفي الحديث: (إن رجالاً يأتون يوم القيامة بأعمالٍ وصلاةٍ وصيامٍ كالجبال يجعلها الله هباءً منثوراً، أما إنهم يصلون كما تصلون، ويصومون كما تصومون، ولهم من الليل مثل ما لكم -فارتاع الصحابة- قالوا: من هم يا رسول الله؟ صفهم؟ جلهم لنا؟، فقال: إنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) تلقى الواحد أمام الناس رجلاً، وإذا خلا -والعياذ بالله- بمحارم الله، وقع في المحارم من أولها إلى آخرها. فهذا يوم القيامة ربما تكون أعماله هباءً منثوراً، فينبغي للمسلم أن يصدق مع الله جل وعلا، ثم ماذا بعد ذلك؟ يا أخي! ما هذه المحرمات التي تغلبك؟ هل ضاق الحلال حتى لا تجد سبيلاً إلا في الحرام؟! أي: بعض الناس يقول لك: أشتهي أكل الخنزير، أو أشرب الخمر! أليس هناك لحم؟ أليس هناك سمك؟ أليس هناك دجاج؟ أي: كل الطيبات والمباحات ضاقت نفسك بها ذرعاً، ولم تشته إلا الحرام، كل جميع أنواع العصيرات والفواكه الطازجة وغيرها، كلها ما اشتهتها نفسك، ولم تشته إلا هذا الحرام؟! كذلك بقية الأعمال، ثم يا شباب! أنصحكم -وهذا دليل الفحولة والرجولة- أنصحكم بالزواج: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج) ودعك من الكلام: أسس مستقبلاً، فما هذا المستقبل؟ أخاف أن أموت وما أسسته، إذا كان الشاب يجد في نفسه القوة والاندفاع، وتجده يكابد -دعونا نكون صريحين- إذا جاء في هذا الليل قام يتقلب، مرة الوسادة تحته مرة فوقه ومرة يمين ومرة يسار -والعياذ بالله- وتجده واقعاً في هذه العادة السرية، وعيونه -أعوذ بالله- في الأفلام الخليعة وفي المجلات، وفي صور النساء، وربما وقع في الفواحش، أو لواط، أو؟ يا أخي الحبيب! لماذا لا تتزوج؟ يسر الله لك سبحانه وتعالى الزواج وتستتر وتغض بصرك، وتُحصِّن فرجك، وهذا خيرٌ لك، فأنت ربما لا أحد عرف عنك، أليس الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟ ما وجهك أمام الله جل وعلا وأنت تفعل هذه الفاحشة؟ أو إذا قُبض على الإنسان؟ تعرفون أن حد اللواط القتل، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والمعاصي لا تأتي جميعاً. الآن الذي يريد أن يفعل فاحشة، هل من أول ما ينظر شيئاً يقوم فيخلع ثوبه ويفعل؟ لا. بل تأتي خطوة خطوة، نظرة فابتسامة، فالله جل وعلا قد أباح لي الزواج أتزوج، وهؤلاء الذين أشغلونا بقضية: وماذا تفعل؟ وكيف تصرف على الزوجة؟ إذا وجدت بنتاً من بنات المسلمين من جماعتك، تزوجها، والله يستر عليك وعليها، وكما في الحديث: (ثلاثة حقٌ على الله عونهم وذكر منهم: الناكح يريد العفاف) فإذا أعانك الله، هل ستكون فقيراً؟ لا. إذا أعانك الله، هل ستكون محتاجاً ذليلاً؟ لا. والله كم عرفت من الشباب كانوا فقراء مساكين، قيمة وقود (الدراجة النارية) لا توجد في جيبه، ناهيك عن وقود السيارة، ولما تزوج، فتح الله عليه الرزق، وفتح بيتاً، وأصبح معروفاً، ويولم، ويخالط وينفق لماذا؟ لأنه أراد أن يعف نفسه بالحلال، قال الإمام أحمد: يستدين ويقضي الله عنه. يا شباب! إذا كان الإنسان يعاني من مشكلة الجنس والغريزة الجنسية، بعض الشباب ما شاء الله تجد عنده قدرة، إذا وجد من نفسه بداية ميل للجنس، فوراً أخذ كتاباً وأخذ يقرأ، وأخذ يسمع محاضرة أو شريطاً، أو زار أخاً له في الله، أو ذهب إلى مكتبة خيرية في المسجد، أو ذهب إلى مكان يحاول أن يبعد نفسه، بعض الناس يقول: أنا دائماً مشغول بالجنس، وأنا مبتلى بالعادة السرية، وأنا وأنا وأنا وأنا، أنا أعطيك الجواب بسهولة، لماذا تبتلى بالعادة السرية؟ لأنك إذا جلست، غمضت عيونك، وفتحت عقلك وتتخيل رجلاً وامرأة، وتتخيل كذا، وتتخيل كذا، وتتخيل كذا، ثم نتيجة التخيل تشب، وتتأجج الغريزة، ثم لا يجد بعضهم لها طريقاً إلا العادة -والعياذ بالله- لكن الذي لا يحاول أن يتخيل، ويصرف نفسه عن هذا الأمر، ويحاول أن ينشغل عنه، بإذن الله جل وعلا يستطيع أن يسلك وأن يستمر دون الوقوع في هذا. فإذا وجدت نفسك تغالبك، فابحث وتزوج، وستجد من يزوجك بإذن الله جل وعلا بشرط ألا تتشرط، فعندما يأتون لك بواحدة، تقول: لا. هذه ضعيفة، فيأتون لك بأخرى، فتقول: هذه قصيرة لو تمشي على (مطب صناعي، حتت) فيأتون لك بأخرى، فتقول: هذه سمينة، لا يا أخي إذا أردت العفاف تزوج ولو أكبر منك بأربع سنوات، أو خمس سنوات، فما هو المانع؟ ألم يتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بـ خديجة وعمرها أربعون سنة؟ إذاً ليس عيباً ما دام أنك تريد أن تكون عفيفاً سليماً من الزنا والفاحشة.

حقيقة توبة فهد بن سعيد

حقيقة توبة فهد بن سعيد Q هذا يتحدث عما ذكره الشيخ عن أبي خالد فهد بن سعيد، يقول: كثير من الشباب والمعجبين بـ فهد بن سعيد، يقول: إذا تاب فهد بن سعيد، سوف نتوب، فإذاً الشيخ كما ذكر، هم يقولون كما يقول السائل: الآن تاب فهد، فهل تاب هؤلاء؟ لم يتوبوا؟ A بعض الناس لا يصدق، أنا أذكر كان عندي محاضرة في سجن المنطقة الشرقية في الدمام، وكنت أضرب المثال لبعض المساجين، وقلت: والله فهد بن سعيد تاب إلى الله، قال أحد الناس: والله ما أصدق، ائت به حتى أنظر إليه. لا يصح أن أذهب أحنطه لك وأحضره إليك، هذا ليس بصحيح، لكن اسمع منه، واقرأ عنه، وانظر مقابلته في الجرائد، ونحن مستعدون يوماً من الأيام أن نأتي به إذا كان الشباب مستعدين.

المخدرات وخطرها

المخدرات وخطرها Q يا شيخ! أحسن الله إليك إني مبتلىً في تعاطي المخدرات علماً أني قد تركتها ورجعت إليها، أرجو من سماحتكم إرشادي والدعوة لي بالهداية، وإرشادي بأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلها تكون رادعةً لي؟ A يا أخي الكريم! المخدرات بدايتها شهوة، وآخرها مصيبة، وأعطيكم قصةً واقعيةً: كنت ذات يوم في المحكمة عند أحد القضاة (صديق لي) فجاءت امرأة عجوز كبيرة متلفلفة (ببشتها) وترددت، وذهبت ودخلت، وذهبت ودخلت، فسألت الشيخ، قلت: يا شيخ! هذه المرأة التي تتردد عليك وفي المكتب ما مشكلتها؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله! قلت: ما صار عليها؟ قال: هذه كان عندها ولد يتعاطى المخدرات، وإذا سكر جاء عند أمه وقال: أعطيني فلوساً، أعطيني دراهم، ويبدأ يهددها، وتحت الخوف تقوم وتخرج مفتاح صندوقها وتفتح وتعطيه فلوساً، ومرة أخرى يأتي هذا الولد معه السكين: يا أماه! هي ظنت أنه يوم رأت السكين معه، قالت: تريد فلوس يا ولدي سأعطيك، سأعطيك، خائفة -وهذه نتيجة الخوف، إذا خافت الأم وخاف الأب على ولدهم، ولم يبلغوا عنه، ينقلب نقمة عليهم، لأنهم إذا بلغوا عنه صار ذلك سبباً في علاجه- الحاصل: هي ظنت أنه يريد فلوساً، قال: هيا ارقدي على الفراش، يا ولدي لا يصح، وتحت وطأت السكين فعل وزنى بأمه. والله الذي لا إله إلا هو! قضية واقعة في المحكمة، والقاضي أعرفه شخصياً، قال: فحضّرنا الولد، وشكلنا مجلس قضاء مشترك، وحكمنا على الولد بالقتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من وقع على ذات محرم فاقتلوه). فيا أخي! احذر المخدرات، بعض الناس يقول لك: لا. أنا أشرب بمقياس لا أضيع، ليس هناك شيء اسمه لا أضيع، تأتيك لحظة من اللحظات وتضيع، وربما وقعت فيما هو شر من هذا، فيا أحبابي وإخواني! العودة والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى هي النجاة، لا تقل: أنا شارب مخدرات، لكن لن أكون (مطوعاً) أصير في الوسط، ليس هناك شيء اسمه وسط، الآن المعاصي في كل طريق، في كل منحى، أين ما اتجهت تجد ما يدفعك إلى المعصية. فإما أن تصدق مع الله وتستقيم مع الله بصدق، وإما أن تنحرف انحرافاً -ولا حول ولا قوة إلا بالله! - وتكون الهاوية إلى مثل هذه الفواحش والآثام.

الاستهزاء بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الاستهزاء بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q في مجالسنا مجالس الشباب، البعض منا يتحدث عن رجال الهيئة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر حديث العداء، وتصيد العيوب، فهلَّا تحدثتم عن حقوقهم، وعن موقفنا من هؤلاء الذين يتحدثون عنهم؟ A والله يا إخوان! الكلام عن رجال الهيئة كلام طويل جداً جداً، وحسبنا من هؤلاء الشباب أنهم يقومون بعمل حساس وخطير جداً جداً، والواحد منهم تلقى راتبه ألفاً وسبعمائة ريال، أو ألف وثمانمائة ريال، يعني: مداهمة بيوت، مداهمة أماكن دعارة، مداهمة مخدرات، مداهمة فواحش، وربما يقبضون على شخص في سيارة مع بنت في خلوة محرمة وهلم جراً. فهؤلاء الذين يتعبون أخيراً لا يجدون منا حتى ولو كلمة شكر، حتى ولو كلمة دعاء، ربما الواحد منهم يخطئ، أنا لا أقول لك أن رجال الهيئة كلهم ملائكة لكن هناك سؤال: إذا أخطأ واحد من رجال المرور، نستغني عن رجال المرور كلهم؟ لا. ليس بصحيح، وإذا أخطأ طبيب من الأطباء هل نغلق المستشفيات، ونستغني عن الطب؟ لا. وإذا أخطأ رجل من رجال الشرطة هل نستغني عن الأمن العام؟ لا. كذلك لو أخطأ أحد رجال الهيئة، -مثلاً وجدلاً- لو أخطأ، لا يعني ذلك أن نجعل الكلام في الهيئات، والله إذا رأيت رجلاً (مطوعاً) أخذ له واحداً مسكيناً وصنع به وفعل، وتلقى القصة كلها (أرانب وحوت) من أولها إلى آخرها، أي: نصب في نصب، فلا تصدقوا، وهذا خطر -يا إخوان- قد يقودك الكلام هذا إلى السخرية والاستهزاء برجال الهيئة والأمر خطير جداً.

التشبه بالكفار في قصات الشعر وغير ذلك

التشبه بالكفار في قصات الشعر وغير ذلك Q يا شيخ! سعد إني أحبك في الله، ماذا تقول في الشباب الذين يعملون تسريحات الشعر، ويتشبهون بغير المسلمين خاصة بأنهم كثروا بعد أحداث الخليج؟ A أحبك الله الذي أحببتني فيه. يا أحبابي ويا إخواني! الرجل لا يمدح بشعره، ولا يمدح بلونه، ولا يمدح بطوله، أو بقصره. ترى الرجل النحيل فتزدريه وفي أثوابه أسدٌ هصور ويؤسفنا جداً أن نقول: إن الشاب الذي يبالغ أو يعتني بتسريحة الشعر، قصة الأسد، أو قصة حرب الخليج، أو قصة عاصفة الصحراء، أو قصة مادونا، هذه الحقيقة ما هي رجولة إطلاقاً، والشاب فخره برجولته، فعيب على رجل فضله الله {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ} [النساء:34] {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران:36]، يكرمه الله جل وعلا، ثم يحاول أن يقلد قَصَّةَ شعر، أنا من مدة رأيت قِصة عجيبة: شخص رأسه محلوق، بصفة دائرية، وأذكر أني رأيت في المنطقة الشرقية، في قاعة الظهران أمريكياً فعلاً رأسه كأنه مكنسة، فنتيجة أيام بسيطة جاءنا شيء غريب على مجتمعنا قلدناه بهذه السرعة! أين الأصالة؟ أين العقل؟ وللأسف أذكر من مدة في الكلية كنت أدرس، وفجأة صارت القاعة كلها أكوات مكوتة، فإذا القضية تقليد إيطالي نُقل إلى أمريكا، وجاءنا من أمريكا فوراً، أي: عندنا استعداد للتقليد عجيب جداً! خرج في أمريكا موستنج مكشوف لقيته) عندنا (موستنج) مكشوف، وهلم جراً، أي: عندنا حب للتقليد عجيب! وبالمناسبة: صفة التقليد والترداد هي صفة القرود والببغاوات، فالإنسان يتصف بالاستقلالية والرجولة ويفتخر بهذا. كنا مرة في أحد الفنادق في جدة مع أحد الأصدقاء، فنزلنا المطبخ -وليس عيباً إذا كان الإنسان محتشماً- فجاءنا (الجرسون) وأعطانا ملفاً وكتاباً، ففكرت أنه يريد أن يسجل عندنا في الكلية، وإذا فيه أسماء الأطعمة. المهم أتى بالأكل، أنا قلت: بسم الله الرحمن الرحيم، ومددت يدي أريد أن آكل، فقال شخص: حسبك يا أبا عبد الله لا تفشلنا. فقلت: خيراً ماذا فعلت أنا؟ توقعت أني أخطأت، قال: يا أخي! انظر الملعقة والشوكة أمامك فكل بها، قلت: تريدني أن ألاحق هذه الزيتونة، ألأن القوم يأكلون بالشوكة والملعقة، فلابد أن آكل مثلهم! يا أخي! أنت رجل فضلك الله بعقيدتك، شرفك الله بدينك، شرفك الله بإسلامك، لماذا تقلد؟ لست ملزماً بالتقليد (كل بيمينك وكل مما يليك) لا أقول لكم: الأكل بالشوكة والملعقة حرام، لا. لكن أنا آكل بالشوكة والملعقة من أجل أن أقلد، أو أستحي أن آكل بيميني، لا والله، بل أتشرف. قال أحد العلماء، وكان في بريطانيا، فقال الجرسون: لماذا تأكل يا أستاذ -أو يا شيخ- بيدك، وهذه ملاعق منظفة؟، فقال له: كم تنظفون الملعقة يومياً؟، قال: ننظفها يومياً مرة واحدة ونقدمها، قال: وكم يأكل فيها من زبون؟ قال: كل زبون يأتي يأكل وننظفها بعده، قال: وأنت كم تغسل وجهك في كم؟ إذا قمت الصباح، قال: أنا أتوضأ يومياً خمس مرات، يدي ووجهي وجسمي ورجلي، ورجلي أنظف من وجهك، وأنظف من ملعقتك، نعم. صحيح يا إخوان، المسلم فضله الله، لكن قضية الانهزام والهوان الذي جعل الكثير من الناس يستحون بالدين. إن الدين عز، والدين شرف، هل يفتخر الذي يحفظ عشرين أغنية؟ أو يفتخر الذي يقلد الناس في كل ما فعلوا وأتوا؟ هذا أمر عجيب! حتى الأطفال الصغار عندنا، مرة ذهبت ألقي محاضرة في المتوسطة، هناك شباب صغار تعطيهم من هذه القصص لعل الله أن يهديهم، وإذا بي ألقى كلهم هكذا، ما هذه يا شباب؟ قالوا: (بنت البكار) الله أكبر! ما هذا الانهزام؟ ما هذا التقليد؟ والسبب لأننا لم نتعود أن نفتخر بعاداتنا، وقبل ذلك بديننا وعقيدتنا وقيمنا وتقاليدنا، الإنسان يفتخر بما عنده، بل بالعكس تجد كل من سواك في عاداته الهابطة سخيفاً وتافهاً، وأنت الشريف العزيز بدين الله جل وعلا.

شباب لا يحجون رغم استطاعتهم ذلك

شباب لا يحجون رغم استطاعتهم ذلك Q بمناسبة قرب موسم الحج، يقول: ما رأيك ببعض الشباب الذين عندهم استطاعة بكامل معاني هذه الاستطاعة، ولكنهم تكاسلوا في أداء هذا الركن بحجة أنه سوف يحج إذا تزوج، أو إذا صار مستقيماً، أو أو إلى آخره؟ A تسويف الشاب للحج وتأخيره للحج مع استطاعته عليه خطر، فقد قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [لقد هممت أن أنظر في هذه الأمصار، فمن له جدةٌ ولم يحج أن أضرب عليهم الجزية ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين] وفي الحديث الموقوف عن علي: (إن من مات ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهودياً، أو نصرانياً) من استطاع الحج، ومات ولم يحج، فما عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً، قال الله جل وعلا: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97]. والواحد منا يستطيع، فيا شباب! بادروا بالحج، وليكن حج عبادة، ليس بحج استهتار، نؤذي هذا، وتتفرج على هذا، وانظر هذا لا يعرف كيف يرجم، وهذا يوقع في الحوض، لا. بل اجعله حج عبادة، وعبادة نسك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس! إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، قال أحد الصحابة: يا رسول الله! أفي كل عام؟ قال: لو قلت نعم، لوجبت، الحج مرة، وما زاد فهو نافلة). فمن لم يحج، فعليه أن يبادر بالحج، وأنصحكم إذا كان الإنسان يعرف حملة من الحجاج فيهم عالم، أو طلبة علم، أو دعاة إلى الله أن يحج معهم، ففي هذا خير عظيم بإذن الله جل وعلا.

قصة السامري والابتلاء بها

قصة السامري والابتلاء بها Q أحد الإخوة أعطاني سؤالاً يقول: أعرف شاباً مبتلى بالسامري، ويقول: هي طبول، وأرجو توجيه كلمة إلى هذا الشاب؟ A يا إخوان! الذين عرفناهم ابتلوا بالسامري، ففي الحقيقة البلوى به خطيرة جداً جداً، من ناحية أن الإنسان يحفظ القصائد السامري دون كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلو تقول له: اقرأ علينا {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} [النبأ:1 - 2] لا يعرفها، سمع علينا {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] لا يعرفها، لكن (يا حمام على الغابة ينوحي) يأخذها، هذه والله مصيبة، أن يحفظ من القصائد والأغاني الشيء الكثير، فإذا جاء ما يهمه من أمر دينه، غفل عنه، ثم إن هذا مدعاة ومشغلة في ترك الصلاة، وعدم الاهتمام بها، والوقوع في المعاصي، ومجالسة من لا يُسر الإنسان مجالسته، فأسأل الله أن يُعافيهم من هذا الابتلاء. وهذا الكتيب الذي يوزع لكم، أحد أحبابكم وإخوانكم في الله طلب مني أن أهديه لكل واحد منكم، وعفواً لو تقدمت للأستاذ بهذا، وأيضاً هناك شريط قال: ما دمت تذهب إلى المعهد المهني، فأرسل معك رسالة إلى شباب المعهد لكل طالب من الطلاب وهو كتيب بعنوان: للشباب فقط، وشريط بعنوان: (الشباب والتجدد) أنصحكم بقراءة الكتاب قراءة جيدة، وسماع الشريط لعل الله جل وعلا أن ينفعكم به. أسأل الله جل وعلا بأسمائه وصفاته واسمه الأعظم أن يكون سبباً في هدايتنا وإياكم إلى طاعته وترك معصيته.

أيها الشاب! حاول وأنت الحكم [الحلقة الثانية]

أيها الشاب! حاول وأنت الحكم [الحلقة الثانية] في هذه المحاضرة نداء للشباب المسلم بأن يعود إلى الله، وتحذيره من التسويف بالتوبة، وبين أن كل شاب فيه خير أصيل منذ خلقه الله، فما عليه إلا الانقياد لأوامر الله، والبحث عن الطهر والعفاف. وحذَّر كذلك من مبدأ من ضلوا سواء السبيل وكفروا بالله، وحثَّ على التبرؤ منهم، كما أنك تجد بياناً لما قد يصيب الشاب المسلم من ضعف وهزيمه تجاه تشويه التدين، حتى إن بعضهم قد يقع في أوحال المعاصي.

دقيقة تمضي في ذكر الله

دقيقة تمضي في ذكر الله الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. أيها الأحبة: إنني في مقدمة هذا اللقاء أقول: لعل أحبابنا اختاروا عنواناً وهو سابقٌ لمسمىً سلف: أيها الشاب! حاول وأنت الحكم محاضرة كانت في المعهد المهني لفئةٍ يقتضي الخطاب توجيه الحديث إليها على النحو الذي سمعتموه، ولعل من بين أحبابنا وشبابنا من يحتاج إلى تكرار الخطاب بلغة أخرى، وعبارة مختلفة، وفكرة متجددة، وما القصد إلا ابتغاء وجه الله جل وعلا، وما الغاية إلا الدعوة إليه بالحسنى، فنسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم السداد في القول والإخلاص في العمل، أسأله جل وعلا ألا يفتنا، وألا يفتن بنا، وألا يجعلنا وإياكم فتنةً للظالمين. أيها الشاب! أيها الأخ الحبيب! من منطلق الحرص أتحدث إليك، والله من منطلق النصيحة أتكلم بين يديك، كلاماً من القلب خالصاً عساه يصل إلى قلبك مخلصاً، وإياك واحذر أن تجعل بيني وبين قلبك شهوات تحول، أو شيطان يشكك، أو ريبة تتردد، فحينئذٍ يحال بينك وبين الموعظة والنصيحة. أيها الشاب! قد أقسو عليك في هذه العبارة، وما قسوت إلا حباً لك. قسا ليزدجروا ومن يكُ راحماً فليقس أحياناً على من يرحم وقد أعاتبك وتعاتبني لعل عتبك محمود عواقبه فربما صحت الأبدان بالعلل أيها الشاب: إنها دقائق ستمضي هذا اليوم من عمري وعمرك، وتذكر أنا وإياك في هذا المسجد أننا سنمضي ساعةً، أو ما يزيد على الساعة، وتأمل أن غيرك من الشباب بعضهم يداعب أوتار عوده، والآخر يطبل على جلد طبلته، والثالث يترنم على أنغام موسيقاه، والرابع يقلب البصر في صورته، والخامس يردد النظر في شاشة فيها فيلم خليع، أو أمر رقيع، أو شيء لا يليق إنها ساعة مضت عليك في هذا المسجد، ومضت على غيرك سواءً على رصيف، أو في غرفة، أو في غفلة، أو في سر أو علانية. وإني في بداية هذا المحاضرة أدعوكم لكي نسكت دقيقةً واحدةً على سبيل المثال، وأريد من كل واحد منكم أن يذكر الله خلال هذه الدقيقة، وسأبدؤها موقتاً هذه الساعة من الآن لكي نذكر الله سبحانه وتعالى، فاذكروه سبحانه لكي نصل إلى نتيجة معينة. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، ونبوء لك بنعمك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافيةً، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، لا إله إلا أنت، سبحان الله عدد خلقه، ورضى نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. أيها الأحبة: انتهت هذه الدقيقة، وقصدت بذلك ضرب المثال أن هذه الدقيقة سجلت علينا وعليكم، وكتبت لنا ولكم، وسطرت بين أيدينا وبين أيديكم بإذن الله ومنه وفضله ومشيئته ورحمته في موازين أعمال صالحة، وفي كفة حسنات، ولقد مرت هذه الدقيقة على قوم يغتابون، أو قوم يزنون، أو قوم يسرقون، أو على اللهو يتفرجون، أو إلى الباطل ينظرون، أو إلى الغناء والخنا يستمعون، هكذا العمر أيامٌ وساعاتٌ ودقائقٌ وثوان، فإنها دقيقةٌ أودعتها كنزاً من عمل صالح؛ من تسبيح وتهليل وتذكر، ثم مضت وكتبتها الملائكة الكرام الكاتبون، وأودعتها، وستجدها وتلقاها: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران:30] وسيلقى الغافلون في تلك الدقيقة التي صمتنا فيها ذاكرين، سيلقون ما كانوا يعملون، وسيجزون ما كانوا يكسبون.

الخير في الأمة أصيل

الخير في الأمة أصيل أيها الأحبة: أيها الشباب! اعلم أن الخير فينا وفيك أصيل، اعلم أنك خلقت على الحنيفية السمحة، وفطرت على الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه)، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (قال الله عز وجل: خلقت عبادي كلهم حنفاءً، فاجتالتهم الشياطين). أيها الشاب: خلقت مفطوراً على الإسلام، خلقت حنيفاً مكرماً طيباً صالحاً، ولكن ما الذي أغواك؟ وما الذي أهواك؟ وما الذي أضلك؟ وما الذي غيرك؟ ما الذي سخر سمعك وبصرك وأذنك للحرام؟ ما الذي جعل رجلك تمشي إلى الحرام، ويدك تقبض وتبطش بالحرام؟ أيها الشاب: في بداية هذا اللقاء أقول: إني -والله- سعيد بالحديث إليك، عسى أن تكون هذه المحاضرة سبباً في الاتصال الدائم بيننا على هداية وتوبة، ولعلها أن تكون ليلة تاريخية بها فرقت بين الحق والباطل، واتجهت من الضلالة إلى الهدى، ومن الزيغ إلى الاستقامة، ومن الانحراف إلى الهداية، لعلها أن تكون ليلةً طلقت فيها كل ما يغضب الله وكل ما خالفت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتكون بداية لترتفع بنفسك ولتسمو بأخلاقك، ولتزهو بإيمانك لتشرف فيما فضلك الله به، واحذر أن تكون ممن اتبع خطوات الشيطان، فضل وأضل، ونأى عن سواء السبيل. أخي الحبيب: أيها الشاب! ما هي أمنيتك؟ وما هي أهدافك؟ وما هي غاياتك؟ هل لك هدف في حياتك، أم أنك من الذين يسيرون في الدنيا بلا هدف؟ هل لك غايةٌ في حياتك، أم من الذين يسعون في الحياة بلا غاية؟ هل لك طموحات؟ وهل لك آمال؟ وهل لك مشاعر بها تفكر؟ وهل لك عقل به تتدبر؟ أم أنت خالٍ من هذا كله؟ إن الذي يسير في هذه الحياة بلا غاية، وبلا أمنية، وبلا هدف؛ فهو كالبهيمة التي تأكل وتعلف، وتشرب وتخرج، ولا تدري متى تنحر، أما العاقل الذي ميزه الله بعقل، وكرمه الله بحجىً ولب، فهو ذلك الذي يخطط لحياته، وينظر إلى غاية ويسعى إليها.

إلى متى الغفلة والإعراص عن الله

إلى متى الغفلة والإعراص عن الله فيا أيها الشاب: إلى متى الغفلة؟ وإلى متى البعد؟ وإلى متى الإعراض عن طاعة الله؟ أتأبى أن تكون من المهتدين؟ أترفض أن تكون من الصالحين؟ أتمانع أن تكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ أتصر على أن تكون من الغافلين؟ أتصر على أن تكون من الغاوين؟ أتكابر حتى تبقى ظالماً لنفسك؟ أتكابر حتى تبقى على صراط من الشيطان قد زين به شهوة، وذلل به غواية، ونأى بك عن هداية؟ أخي الحبيب: أتريد أن تكون من أهل الجنة أم تأبى؟ قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).

من ربح الله فماذا خسر؟ ومن خسر الله فماذا ربح؟

من ربح الله فماذا خسر؟ ومن خسر الله فماذا ربح؟ أيها الشاب: اعلم أنك إما رابحٌ أو خاسرٌ، وإما تاجرٌ أو فقيرٌ، وإما عزيزٌ أو حقيرٌ، وإما قويٌ أو ضعيفٌ، وإما متمكنٌ أو ذليلٌ، فإن حصلت لك طاعة الله ورضي الله عنك، وتاب عليك، وسجلت ملائكته عنك في صحيفتك أعمالاً صالحةً؛ فاعلم أنك من التجار ومن الأثرياء والأكابر والعظماء إذا خسرت الدنيا بكل ما فيها، وفزت بطاعة الله، ونلت رضى الله، فأنت من الفائزين، ومن الأثرياء الرابحين، وإن حصلت لك الدنيا بكل ما فيها وما عليها، وخسرت الآخرة، فأنت مغبونٌ، ومعاذ الله أن تكون من المغضوب عليهم أو الضالين! أيها الشاب: اعلم أن كل من تزخرفت له دنياه، وزانت له حياته، وتذللت له سبل الرفاهية، مهما كان في أنعم عيش وأرق فراش وأطيب طعام وألذ شراب، إن كان طول حياته منذ أن ولد إلى أن يموت على هذه الحياة المنعمة المدللة، فليعلم أن ذلك كله لا يساوي لحظة يجابه ويواجه ويقابل فيها ملائكة الموت يوم تحل به، وتقبض روحه، ويوم يعيش أول ليلة في قبره، ويوم يغمس غمسة إما في جنة وإما في نار. قال صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في جهنم صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مرَّ بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغةً، فيقال له: يا ابن آدم! هل رأيت بؤساً قط؟ هل مرَّ بك شدةٌ قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مرَّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدةً قط). تأمل -أيها الشاب- هذا الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم رحمه الله، أن من عاش الدنيا كلها في لذة، ولكن ثانية من العذاب تنسيه كل لذات الدنيا، وأن من عاش الدنيا في فقر ونكد وضنك في حياته ومعيشته، ثم ذاق ثانية من نعيم في الجنة، فإن هذه الثانية تنسيه كل البلايا والمصائب وكل الشدة والنصب. ما ضرَّ من كانت الفردوس مسكنه ماذا تجرع من بوسٍ وإقتارِ تراه يمشي كئيباً خائفاً وجلاً إلى المساجد يمشي بين أطمارِ يا نفس مالك من صبرٍ على النار قد حان أن تقبلي من بعد إدبار أيها الشاب: إلى متى تظل أسيراً في يد عدوك يسوقك إلى الهزيمة والخسارة كيفما شاء؟ أيها الشاب هل ترضى أن تعيش كبهيمة تأكل وتشرب وتنكح بدون هدف في هذه الحياة؟ إلى متى -يا أخي الحبيب- والشهوة تسوقك، والشيطان يقودك، والأغنية تنسيك، والصورة تؤجج شهوتك، وتشعل غرائزك؟ أخي الحبيب: تخيل نفسك وقد فاز الفائزون، ونجح الناجحون، وسبق السابقون، وتخيل نفسك وأنت ترى أنه قد هلك الهالكون، وسقط الساقطون، ورسب الراسبون، وخسر المبطلون، فيومئذٍ مع من ستكون؟!

نعم الله عليك لا تسخرها في معصيته جل وعلا

نعم الله عليك لا تسخرها في معصيته جل وعلا أيها الشاب: إن نعم الله عليك تترى، والله لو كنت أعمى ما عصيت الله بنظر في حرام، ولو كنت أصماً لا تسمع ما عصيت الله بسمعٍ في حرام، ولو كنت مشلولاً ما مشيت على رجليك خطوة إلى حرام، ولو كنت معوقاً ما مددت يدك لتقبض حراماً، أو لتبذل حراماً. أيها الشاب: من الذي آتاك السمع؟ ومن الذي خلق فيك البصر؟ ومن الذي جعل لك الفؤاد؟ {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الملك:23 - 24] إليه ستردون وستعودون، وسيحاسبكم على ما أنعم عليكم: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36]. أيها الشاب: أخُلق فيك السمع والبصر والفؤاد والجوارح من أجل أن تجعلها في لذات حرمها الله، أو شهوات منعها الله سبحانه وتعالى؟! لا، والله ستسأل عن هذا كله {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36]، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115].

أيها الشاب! أما آن لك أن ترجع

أيها الشاب! أما آن لك أن ترجع أيها الشاب: هل تحررت من قيود الشهوة، وعبودية الغفلة، فهل تقولها صريحة؟ من منا أيها الشباب يعلنها صريحة لوجه الله، لا خوفاً من شرطي أو بوليس، ولا خوفاً من سلطان، ولا خوفاً من كبير أو صغير، نعم إن الشباب قد يتحدى كل قوة، ويصارع كل قوة، ويعاند كل قوة، ولكن قوة الشباب إذا نظر بها إلى عظمة الله وقوته وجبروته وملكوته، وما ينبغي لوجه الله وجلاله، وإكرامه وخشيته، فإن الشاب يعلنها صريحة إذا كان له في الإيمان حظ، وفي الهداية نصيب فهل تتحرر من قيود شهوتك؟ وهل تتخلص من أسر جلسائك؟ فهل تعلنها صريحة، فتقول: كل باطل ولهو وغفلة وشهوة ومعصية وموبقة حرام، كلها عدو لي إلا رب العالمين، {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:78 - 82]؟ أتقولها بجرأة؟ أتقولها بقوة؟ أتعلنها بصراحة؟ {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:63]، {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12]. أيها الشاب: اعلم أن نعمة الله عليك في الإسلام عظيمة، ولو شاء الله لكنت هندوسياً ممن يتعبدون للأصنام والأوثان، أو بوذياً ممن يتقلب تحت أذناب ورجل بوذا، أو كنت مجوسياً، أو صابئياً ممن يعبدون الشمس والكواكب، أو كنت نصرانياً ممن يقول: إن الله ثالث ثلاثة، أو كنت يهودياً ممن لعنهم الله وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، لو شاء الله لكنت واحداً من أولئك، لقد منَّ الله عليك بالإسلام، فكيف ترضى أن تجعل الإسلام خلفك ظهرياً؟! لقد منَّ الله عليك بالإيمان، فكيف تترك الصراط وتبتعد عنه بعيداً؟ لقد منَّ الله عليك بالإسلام، فهل تكون من جنود هذا الدين، أم تكون من جنود أعداء دينك؟

اكفر بمبدأ من قال: لست أدري

اكفر بمبدأ من قال: لست أدري أيها الشاب: إذا كنت تسير إلى غاية، وتعرف هدفك في الحياة، فتقول: أنا لله وبالله، وإلى الله وعلى الله ولله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإن كنت ممن اتبع هواه، وركن إلى نفسه، وغره الغارون، ومدحه في معصيته المادحون، فهو ممن يسير في الدنيا ويجهل غايته، بل يجهل بدايته ونهايته. لقد ضل ضال من الضلال، وقالها واحد من الحائرين، قال مسكيناً جاهلاً تافهاً في فكره وقوله، قال: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري ولماذا لست أدري؟ لست أدري إن الذين أعرضوا عن الدين يعيشون بمثل هذا المنطق لا يدرون فيما يعيشون، ولم يعيشون، وكيف يعيشون، وإلى أي غاية يسيرون، وإلى أي هدف يسعون، أولئك أقوامٌ مبدؤهم لست أدري، وغايتهم لست أدري. والكلام في هذه المحاضرة ليس للشاب وحده، بل للشاب والشابة، للذكر والأنثى، للرجل والمرأة، للفتى والفتاة يقول أحد الضلال الذين أدبروا عن الإسلام، وجعلوا الإسلام خلفهم ظهرياً، يقول: أجديد أم قديمٌ أنا في هذا الوجود هل أنا حرٌ طليقٌ، أم أسير في قيود؟ هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود؟ أتمنى أنني أدري ولكن لست أدري. نعم عندما بعد عن طاعة الله، وعن كلام الله وسنة رسول الله، فهو لا يدري، وسوف تقف عليه الملائكة في قبره، ويأتيه ملكان عظيمان، فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟، فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: لا دريت ولا تليت، ويضربانه بمطرقة من حديد يصرخ بعدها صرخة يسمعه كل من على الأرض إلا الثقلين هذا الجاهل وهذا الضال الذي استدبر الهدف، وولى بعيداً عن طريق الهداية، يتكلم عن طريقه فيقول: وطريقي ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟ هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور؟ أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير؟ أم كلانا واقف والدهر يجري؟ لست أدري أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور؟ فحياةٌ فخلودٌ أمم فناءٌ فدثور؟ أكلام الناس صدقٌ أم كلام الناس زور؟ أصحيح أن بعض الناس يدري لست أدري نعم عندما أعرض عن الله، وعن كلام الله، وأعرض عن مجالس يذكر فيها الله، وأعرض عن حلق يتلى فيها كلام الله، بات لا يدري، وسيظل لا يدري، وربما خرج من الوجود وهو لا يدري. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. أيها الشاب: إن كنت مسلماً فتبرأ من هذا الذي قال: لست أدري، وقل: بلى أدري {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] بلى أدري {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]، بلى أدري {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران:30]، بلى أدري أن الله سيضع الموازين {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]، قل: بلى أدري {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]، قل: بلى أدري، وستدري وتعلم إذا أنت استفدت من عقلك، واستفدت من سمعك وبصرك، أما إن كنت من الذي قال الله عنهم: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179]، معاذ الله، ونعوذ بالله أن نكون منهم {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. لهم أبصار تبصر بدرجة ستة على ستة من قوة ودقة الإبصار، لكنها رأت صورة خليعة، وفتنة عظيمة، ومجلة رقيعة، وشهوة محرمة لكنها ما رأت ملكوت السماوات والأرض، ما تدبرت في خلق الله، ترى شيئاً من البنيان فتتعجب، وما تتعجب وتتفكر من سماء رفعها الله بغير عمد تجد أمتاراً قد حفرت في الأرض فتتعجب، ولكنها لا تعجب من جبال ينسفها الله يوم القيامة، فيذرها قاعاً صفصفاً، لا تتعجب من جبال لو سخرت فيها جيوش الدنيا ما حركتها من مواقعها، ولكنها بأمر من الله وبكلمة (كن) من الله جل وعلا، يجعلها الله كالعهن المنفوش، يجعلها الله هباءً منثوراً، يجعلها الله تمشي وتسير {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل:88]. أيها الشاب: إن كنت صادقاً فإياك أن تقول: لا أدري، ولن أدري، وسأظل لا أدري، ولكن قل: دريت وعلمت، واستقمت وسمعت وأطعت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا} [البقرة:104]، أطيعوا الله جل وعلا.

الشباب ثلاثة أقسام

الشباب ثلاثة أقسام أيها الشاب: من أي أقسام الشباب أنت؟ إن هناك أصنافاً وأقساماً وأنواعاً من الشباب فمن الشباب من طموحه سيارة فخمة، ومنهم من طموحه شهوة عارضة، ومنهم من طموحه قطعة من أرض، ومنهم من طموحه زوجة جميلة، ومنهم من تتعدى طموحاته إلى أمر عجيب؛ لأن همته عالية، ولأن أمانيه عالية جداً، فمن الشباب من يطمح أن يرى عزة الإسلام، ونصر المسلمين، ومنهم من يطمح أن يكون داعيةً، أو عالماً، أو مجاهداً، تأمل هذين المثلين! تأمل فرقاً بين الهداية والغواية، بين الغاية والنهاية، شابٌ يقتل شهيداً في سبيل الله، والآخر يقتل قد طبق عليه حد الحرابة، أو حد القصاص، أو حدٌ لجريمة أو فاحشة، أو أمر من الأمور الخطيرة العظيمة، إن النهاية واحدة هي القتل، لكن هذا قتل شهيداً في سبيل الله، وذلك قتل قصاصاً من ظلم ارتكبه إن ذاك قتل لكي يغفر له عند أول قطرة من دمه، وأما ذاك فقتل في حال ليكون عبرة للمعتبرين إن هذا قتل ورأى مقعده من الجنة، وشفع في سبعين من أهل بيته، وأمن فتنة القبر ومنكر ونكير، وهولاً عظيماً، والآخر قتل وما كان قتله إلا في نهاية مرحلة طويلة من الشهوات والسيئات والمعاصي والمنكرات، وكم طرق أذنه من المواعظ والنصائح، ولكن كان عنها بعيداً. أيها الشاب: من أي أقسام الشباب أنت؟ شابٌ يسهر الليل يتقلب على فراشه أسفاً وحزناً لواقع الأمة الإسلامية، التي أصبحت تئن تحت مطارق أعداء المسلمين؛ من صرب ومجوس وهندوس وملاحدة، ومن يهود ونصارى، وشابٌ تترقرق دموعه على خده؛ لأن حبيبته هجرته وما كلمته شابٌ يسهر يفكر في أمر الإسلام والمسلمين، وآخر يسهر ينتظر مكالمة من عشيقته شابٌ يسهر يفكر كيف يخدم دينه، وآخر يسهر ينتظر شهوةً محرمةً شابٌ يسهر يفكر كيف يعتق نفسه من عذاب الله، تجده سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ، وأما الآخر، فقد أوبق نفسه {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10]، وقد أذلها وأغواها بكثير من المعاصي تأمل شاباً تنفرج أسارير وجهه، وتبرق ملامح وجهه فرحاً وغبطةً وأنساً وتكبيراً وتهليلاً يوم أن انتصر الإسلام في موقعة من المواقع، أو أسلم كافرٌ من الكفار، أو اهتدى ضالٌ من الضلال، أو عاد إلى الحق وقد كان بعيداً عنه، أو رجع إلى الصلاة من هجر المسجد، أو عاد إلى البر والصلة من ارتكب القطيعة والعقوق، وآخر تجد أساريره تنفرج لأن فريقاً هزم فريقاً، وتجده يتهلل ويلتفت، وربما أتبع ذلك نعيقاً وصياحاً وصراخاً؛ لأن فريقاً هزم فريقاً فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللاً! شباب يسافرون، فمنهم من يدعو إلى الله، ومنهم من يسير في سبيل الله، ومنهم من يسعى لحج بيت الله، ومنهم من يشد الرحال إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخر يسافر ليرى غانية أو باغية، أو كأساً من خمر، أو سيجارة من حشيش، أو شيئاًَ من عقاقير المخدرات، فشتان بين هذا وهذا. تأمل -أيها الشاب- أن هناك فرقاً بين من إذا ذكر أثنت عليه المجالس، وحمدت مناقبه، ودعت له بظهر الغيب، وتمنى القوم أن يكون أبناؤهم مثله، وبين شاب إذا ذكر لم يذكر عند اسمه إلا العصيان والتمرد والغفلة والجريمة، فأي الفريقين أحق بالأمن من هؤلاء؟ ومن أي الشباب أنت؟ هل أنت ممن يحمد أو يذم؟ وهل أنت ممن يحمد على أمر، أم يذم على فاحشة ولا حول ولا قوة إلا بالله؟! أيها الشاب: تأمل هذا الفرق وأنت الحكم بين الفريقين، فأما من سخط الله عليه فكل شيء عنده سبب في شقائه سيارته أشرطته ماله وعلاقاته، وكل ما عنده سببٌ في شقائه، وأما شابٌ آخر، فلو حرم كل شيء فلن يعجز أن يجد ما يصل به إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى، نعم، هؤلاء شباب الأمة {مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ} [الأعراف:168] صنفٌ تراهم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور:36] وآخرون في المنتزهات، وآخرون يتسكعون في الطرقات، وآخرون في أماكن اللهو، وآخرون يعيشون حياة الضياع. أيها الإخوة: عودٌ على بدء والعود أحمد فإذا تأملت أحوال الشباب بخلاصة ما ذكرت لك، فتجدهم إما شابٌ مستقيم، وإما شابٌ منحرف، أو شابٌ متحيرٌ بين بين. فيا أخي الكريم: إياك أن تكون من المنحرفين، وإن كنت من المتذبذبين فعد، وإن كنت من المترددين فاجزم على الحق، وإن كنت من المستقيمين فاثبت.

شاب مستقيم

شاب مستقيم أما الشاب المستقيم فهو مؤمن بكل معنى الإيمان، مؤمن بإيمانه، فخورٌ بدينه، مغتبطٌ بإيمانه، يرى أن الظفر بالإسلام، والحرمان هو البعد عن هذا الدين، يعبد ربه وحده لا شريك له، تجده يفتخر أن يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، لم يقلد كافراً، ولم يفتخر أن كان قريباً من ضال من الضلال يقيم الصلاة ويرجو رحمة ربه يجني الفوائد والمصالح، وينفع مجتمعه يصوم شهره، ويؤدي فريضته يسافر حتى ولو بعدت الشقة لأجل الله ومرضاته، فذاك شابٌ مؤمنٌ بخالقه رب السماوات والأرض، مؤمنٌ بأركان الإيمان كلها، يدين بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم، يدعو إلى ربه على بصيرة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يحب الخير للمسلمين، ويشعر بمسئولية عظيمة. قد هيئوك لأمرٍ إن فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل تجد هذا الشاب المؤمن مجاهداً في سبيل الله، وحريصاً على دين الله أخلاقه مهذبة، لين الجانب، رحب الصدر، كريم النفس، طيب القلب، هذا الشاب مفخرة الأمة، ورمز حياتها وسعادتها، وهو الشاب الذي نسأل الله أن يصلح به ما فسد من أحوال المسلمين، وأن ينير به الطريق للسالكين.

شاب منتكس ضال والعياذ بالله!

شاب منتكس ضال والعياذ بالله! أما القسم الثاني من الشباب: فشابٌ مسكينٌ مسكينٌ مسكينٌ، ضعيفٌ في عقيدته، متهورٌ في سلوكه، مغرورٌ بنفسه، منغمرٌ في رذيلته، لا يقبل الحق من غيره، ولا يمتنع عن باطل في نفسه، أنانيٌ في تصرفاته، لا أثر في سلوكه، عنيدٌ، لا يلين للحق، ولا يقلع عن الباطل، لا تنفع فيه المواعظ، ولا ينزجر بالنصائح، لا يبالي بما ضيع من حق الله، أو حقوق الآدميين، فوضويٌ فاقد الاتزان في تفكيره وفي سلوكه، وفاقد الاتزان في جميع تصرفاته، معجبٌ برأيه، كأنما الحق على لسانه، وربما رأى أنه معصومٌ من الزلل، وأما غيره فعرضة للخطأ ما دام مخالفاً لما يراه فذاك شابٌ مسكينٌ ناكبٌ عن الصراط، ناكبٌ عن كل خلق حميد، ولكنه قد زين له الشيطان سوء عمله فرآه حسناً، فهو من الأخسرين أعمالاً: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:104]. يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ فمثل هذا الشاب شؤمٌ على نفسه، ونكبةٌ على مجتمعه، وبليةٌ على أمته، يجر بيته ويجر من حوله إلى أسفل سافلين، ويحول بينهم وبين العزة والكرامة، مثل ذلك الشاب الذي أصر وكابر ومضى واستمر وعاند على المعصية جرثومةٌ وبيئة قتالة صعبة العلاج إلا أن يشاء الله، والله على كل شيء قدير.

شاب بين الهداية والانتكاس

شاب بين الهداية والانتكاس وأما القسم الثالث: وما أكثر أهل هذا القسم الثالث! وأكثر شباب أمتنا من هذا النوع، النوع الحائر المتردد على مفترق الطرق، عرف الحق واطمئن به، وعاش في مجتمع محافظ، إلا أنه انفتحت عليه أبواب الشر من كل جانب هناك من يشكك له في عقيدته، وآخر يدعوه إلى الانحراف في سلوكه، وثالث يدعوه إلى الفساد في عمله، وآخر يجرئه أن يخرج على المعروف من تقاليد وعادات أمته التي بها تتفاخر بكل حق وهدى، وجهات تدعوه إلى الباطل بتيارات متنوعة، فمثل هذا الشاب في دوامة فكرية ونفسية، وقف حيراناً أمام هذه التيارات، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا، ولكن حيرته جعلته لا يدري هل الحق بين يديه أم الحق خلفه؟ هل الحق فيما عنده أم الحق مما وصل إليه من هذه التيارات والمبادئ والمسالك؟ ومثل هذا الشاب الذي بقي متردداً نقول له: حاول وأنت الحكم، وعد وأنت القادر بإذن الله جل وعلا على أن تدفع الهوى والشهوة والغفلة، فمثل هؤلاء الشباب الذين ترددوا واحتاروا، ربما وجدت بعضهم سلبياً في حياته، يحتاج إلى من يدعوه، يحتاج إلى من يقوده، يحتاج إلى من ييسر له الطريق، يحتاج إلى من يأخذ بيده ويرمي له حبلاً لينقذه من لجج البحر وأمواجه العاصفة المتلاطمة. أيها الشاب: هل تستسلم؟ أيها الشاب: هل تنسحب من الساحة؟ أيها الشاب: هل تسلم العرين لخصمك؟ أيها الشاب: هل تعلن أن الشيطان غلبك، وأن أعداءك صرعوك، وأن شهوتك سحقتك، وأن نفسك غلبتك، وأن كل صغير وكبير أقدر من إرادتك عليك؟ إنها أخبار وأمور تتردد حولك، فمنها ما تعلق بالوسوسة والشبهات التي تدور في رأسك.

الوسوسة وخطرها على القلب والدين

الوسوسة وخطرها على القلب والدين نعم أيها الشاب! الشيطان يعرض عليك أموراً خبيثةً، بل ربما عرض عليك الشيطان أشياءً لا تتجرأ على النطق بها، بل تستحي أن تتلفظ بها، ربما قال لك الشيطان أموراً لو أطعته فيها لكنت مرتداً كافراً، ولا تجزع إن الشيطان يوسوس في صدور الناس أجمعين: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس:1 - 5]، الناس أجمعين {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:6]. إنها وساوس وشبهات يقذفها الشيطان على بعض الشباب، فلو استسلم لربما كفر وارتد، وبضعهم يجعل هذه الشبهات والوساوس سبباً ومبرراً أن يمضي في تشككه وضلاله وانحرافه ومعصيته، ووالله لو أنه استعان بما استعان به الصحابة من ذكر الله جل وعلا، لوجد الله تواباً رحيماً، ولوجد أن الحق قريب إليه جداً. إن كثيراً من الشباب يعانون من الوسوسة، إن كثيراً من الشباب يعانون من الشكوك، ليست شكوكاً في أمور يسيرة، بل في أمورٍ عظمية، بل إن الصحابة جاءهم الشيطان كما جاء إلى هذا الشاب، جاء نفر من الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: (يا رسول الله! إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به أن يراه عظيماً، فقال صلى الله عليه وسلم: أوجدتموه؟ -يعني: هل رأيتم ذلك؟ هل لقيتم ذلك؟ هل أحسستم بذلك؟ - قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان) رواه الإمام مسلم. ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك صريح الإيمان) أن الشيطان لم يستطع أن يضلكم، ولم يستطع أن يغويكم، ولم يستطع أن يجعلكم تتجرءوا أن تقولوا، أو تعترضوا، أو تعبدوا غير الله، وإنما قدر على هذه الوسوسة، فإن الإنسان ينبغي إذا مرت عليه مثل هذه الوساوس عليه أن يستعيذ بالله كما سيأتي، قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه-أي: إذا وصل الشيطان بالعبد إلى هذا الحد- فليستعذ بالله ولينته) رواه البخاري ومسلم، وفي حديث آخر: (فليقل: آمنت بالله ورسله). أيها الشاب: إذا جاءك الشيطان وأخذ يشكك عليك ويقول لك: من خلق كذا؟ ومن خلق كذا؟ فلتنته عن مثل هذا، وقل: آمنت بالله ورسوله، وفي حديث أبي داود: (فقل: {اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4]، ثم اتفل عن يسارك ثلاثاً، وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، فإن هذه السورة العظيمة، وهذه الاستعاذة المنيعة، وهذا الهدي كفيلٌ بأن يطرد الشيطان عنك. إن الشيطان جاء إلى الصحابة قبلكم، ولن يتردد الشيطان أن يأتي إليك ليوسوس لك، فإذا بلغت هذا الأمر، فعليك أن تنتهي عن الوسوسة ولا تتمادى في التفكير، وعليك أن تتعوذ بالله.

الفراغ داء قتال

الفراغ داء قتال أيها الشاب: ربما جاءك الشيطان في شهوتك في حركة جسمك، وعنفوان شبابك، وقوة حيويتك، فتجد نفسك معرضة للفتنة دائماً، الغريزة متحركة قي نفسك بشكل كبير ما الذي يدفعك إلى هذه الشهوات المسعورة؟ ومن الذي يدفع شهواتك إلى يقظة تجعلك تندفع إلى المعصية من دون خوفٍ أو مراقبة؟ إنه الفراغ أولاً، الفراغ داءٌ قتال، قتال للفكر والعقل، مهدر للطاقات الجسمية، فإذا كنت فارغاً حينئذٍ يتبلد فكرك، ويثخن عقلك، وتضعف حركة نفسك، وتستولي عليك الوساوس، وتتردى أفكارك، وتهيمن على قلبك، وربما انتقلت من الأفكار إلى التخيلات، وإلى التصورات خطوة خطوة، ثم بعد ذلك تمشي إلى هذه المعصية حتى تقع فيها.

الاستمرار في المعصية يجعلها عادة

الاستمرار في المعصية يجعلها عادة أيها الشاب: إن من وقع في المعصية لم يزن بأول امرأة قابلها في الطريق، وإن من شرب الخمر لم يشرب أول كأس رآه أول مرة، وإن من وقع في التدخين لم يشرب أول سيجارة من أول وهلة، وإن من وقع في الحرام لم يتعاط صفقة ربوية من أول وهلة، وإنما كانت قبل ذلك نتيجة فراغ عن علم فراغ عن تقى فراغ عن خشية فراغ عن مراقبة لله، فلما خلت النفس من ذلك كله؛ حلت أفكارٌ بالشهوة، وأفكارٌ بالغريزة، وأفكارٌ بالمعصية، ثم بدأ الخيال، جاء الشيطان إليك -أيها الشاب! - وقال لك: تخيل لو كنت كذا وكذا، لو كنت تفعل كذا وكذا، لو كنت تشرب كذا وكذا، لو كنت تبيت تلك الليلة مع كذا وكذا إنما هي خيالات تدور، ثم قادك الشيطان خطوة خطوة، وقال: لماذا لا تنظر ولو مرة واحدة؟ لماذا لا تتأمل ولو مرة واحدة؟ كما وقع كثيرٌ من الشباب الذين سافروا إلى الخارج، أو من وقع في الفساد في داخل بلاده أو خارجها، جاءه الشيطان وقال له: لماذا لا تنظر فقط بمجرد رؤية كيف يفعل أهل الباطل الباطل؟ كيف يفعل أهل الفاحشة الفاحشة؟ كيف يقع أهل الزنا في الزنا؟ كيف يقع أهل الخمر في الخمر؟ فقاده الشيطان خطوة خطوة، فما زاد عن أن أزاح الستر، وأخذ ينظر نظرة، ثم انصرف بعدها فوراً، ثم نظر أخرى، ثم ثالثةً، ثم قال: ما ضر لو دنوت، ثم مشى بعد ذلك، فقال: ما ضر لو لمست، ثم لمس بعد ذلك، فقال: ما ضر لو فعلت مرة واحدة ثم تبت، ثم فعلها، فقال: ما ضر لو فعلت ثانية ثم نجوت، ثم فعلها، ثم أدمن هذا الفعل، فأصبح-والعياذ بالله- قد كسر جدار الخشية، وهدم سور المراقبة، وأصبحت النفس هينةً عليه، والدليل على ذلك أن أول ما يقدم العبد على فاحشة أو معصية، تجد قلبه يخفق ويضرب ويرتجف ويتردد وفرائصه ترتعد؛ لأنها أول مرة يرتكب المعصية، لكن في المرة الثانية يكون جريئاً، وفي المرة الثالثة يكون متعوداً، حتى إن بعضهم أصبح الزنا بالنسبة له كأي مكالمة هاتفية يرد عليها، وبعضهم أصبح شرب الخمر كشرب الماء، وبعضهم أصبح تعاطي المخدرات كأي عقار من الدواء يتناوله؛ لأنه تمرس وتردد وأمعن في هذه الغواية، كانت في البداية أمراً يخافه، ويضطرب عنده، ويتردد عند فعله، وترتعد فرائصه حوله، وبعد ذلك أصبح أمراً -والعياذ بالله- عادياً.

قصة تبين أن من استمر على شيء اعتاده

قصة تبين أن من استمر على شيء اعتاده يقال: إن شاباً كان يراود فتاة عن نفسها، ويدعوها إلى الزنا، وأشغلها كثيراً، وربما كان قريباً لها، يتعرض لها في طريقها غاديةً رائحةً، يحوم حول مضارب أهلها، يقف عند خبائها وخباء أهلها، فقالت له: إن كنت لابد مصراً على ذلك فإني أطلب منك أن تتسول، وأن تظهر نفسك بمظهر الفقير الطرار المتسول الذي يسأل الناس أن يتصدقوا عليه. فقال: أفعل، فوقف أول يوم، وأخذ يدور في الطرقات والمساجد، يتسول ويسأل الناس، ثم مر في اليوم الثاني، وربما اشترطت عليه أسابيع معينة، فقام في الأسبوع الأول يتردد بين الناس، وهو يتلثم تارةً، ويطأطئ رأسه خجلاً، ويهرب إذا رآه أحد، ويغير هيأته، ويريد ألا يُعرف، ويتمنى ألا يكشف، ولما جاء الأسبوع الثاني إذ به يقف بنوع أقدر من ذي قبل على السؤال، وعلى أن يسأل الناس الصدقة، وأن يرجوهم أن يتصدقوا عليه، فلما جاء الأسبوع الثالث إذ به يقف ولا يبالي، ولا يهتم بأحدٍ أبداً، فلما جاء إليها بعد نهاية الأسبوع الثالث، قال: هأنذا تسولت ثلاثة أسابيع من أجل أن أقع بك أو أفعل الفاحشة، فقالت له: وأنت تريد أن تفعل الفاحشة مرة أو مرات؟ قال: فقط أريدها مرة واحدة، فقالت: كيف وجدت نفسك وأنت تتسول؟ فقال: في الأسبوع الأول كنت أجد نفسي أتمنى أن تبتلعني الأرض ولا يراني أحد من شدة الخجل والوجل والخوف والحياء والحرج وعظيم ما أنا فيه، قالت: فكيف وجدت نفسك في الأسبوع الثاني؟ فقال: كنت أقل من ذلك، قالت: كيف وجدت نفسك في الأسبوع الثالث؟ قال: أصبحت أتسول كما لو كنت أعطي، أو كما لو كنت أفعل شيئاً عادياً، فقالت: إذاً فاعلم أن ما تريده مني سيكون أمراً صعباً في المرة الأولى، وسيكون أقل صعوبة في المرة الثانية، وستكون وأكون من الذين يقعون في الزنا والبغاء لا نتردد ولا نتورع عن ذلك ألبتة. إذاً فإن البداية مهمة، ومن كانت له بداية محرقة، فإن له نهاية مشرقة. أيها الأحبة: إن الفراغ أهاج على النفس أشياء كثيرة، حرك الشهوات من مكامنها، ودفع الخطرات إلى أن تتحرك إلى خطوات، ووقع كثير من الشباب في المعاصي والسيئات، فمن كانت معاصيه بسبب فراغه فالله الله عليه أن يملأ وقته بعمل نافع وسعيٍ مفيد، في علم، أو عمل، أو وظيفة، أو تجارة، أو حرفة. إن الشباب والفراغ والجدة مفسدةٌ للمرء أي مفسدة

من أسباب الوقوع في المعاصي البعد عن وجهاء القوم وشرفائهم

من أسباب الوقوع في المعاصي البعد عن وجهاء القوم وشرفائهم أيها الشاب: إن الجفاء والبعد بينك وبين أكابر القوم؛ من آباء وأجداد من ذويك وكبار قومك، وشرفاء عشيرتك، ربما كان سبباً أوقعك في كثير من المعاصي تأمل أولئك الذين يقعون في كثير من المعاصي والشهوات والمنكرات والسيئات؛ تجدهم بعيدين عن مكارم الأخلاق، بعيدين عن شرفاء القوم، بعيدين عن كبار السن، ولو أن الواحد منهم حاول أن يرفع نفسه، ليجعل مجالسه مع الكبار والوجهاء والعلماء والأصفياء والأتقياء والصالحين؛ لوجد في نفسه كرامةً لا يرضى بعدها أن يدنسها بهوان. إن الإنسان السوي إن الشاب الذي لم تدنسه هذه المعاصي والسيئات، يجد نفسه شفافة، ويجد بياض قلبه أمراً يحرص عليه، يريد ألا تدنسه فاحشة، أما الذي تردد في مخالطة قرناء السوء، فهو كمن يقول: ثوبي كله أسود، أو بقعة سوداء، فلا يضرها ما لطخها، أما الذي يقول عن سيرته: إنها صفحة بيضاء، فإن أدنى قليل يلوثها ويشوهها. إن الجفاء والبعد بين الشباب وبين كبار السن من وجهاء القوم الصالحين، وكبار العشيرة المؤمنين، والعلماء المتقين، والدعاة المخلصين والصالحين الذين أنعم الله عليهم؛ سبب في جعل الشباب يقعون في حضيض الفاحشة ومستوى الرذيلة، ومستنقع أوحال ما حرم الله جل وعلا.

المرأة في الغرب كالمرحاض

المرأة في الغرب كالمرحاض يقول أحد مفكري المسلمين: إن الذين يزنون في بلاد الغرب، ويقعون في الفواحش والآثام هناك، يغترون بهذه المظاهر مظاهر النساء اللائي تجملن وتزين ولبسن، وجعلن هذه الأصباغ والمساحيق على أبدانهن ووجوههن، ثم يقول: وإن المرأة في تلك البلاد كالمراحيض -أي: كالحمامات- التي نصبت على قارعة الطريق، فربما رأيت هذه المراحيض والحمامات جميلةً في بلاطها، جميلةً في زخرفتها، جميلةً في قطعها الصحية، جميلةً في الخزف الذي أسست به، ولكن ما الذي يوضع في الحمامات؟ إن الذي يوضع فيها هو فضلات الإنسان، وأنجس ما في الإنسان، فمن دخل حماماً وإن كانت الجدران من الخزف، وإن كان البلاط من السيراميك الجميل، وإن كانت الغسالات مذهبة، وإن كانت المغاسل من الخزف الرائع، لكن حقيقة ما يوضع في الحمام هو البول والغائط -أجل الله بيته والسامعين والملائكة أجمعين- فمن ذا الذي يعجب بامرأة وإن أعجبه شكل ظاهرها؟ فمن ذا الذي يرضى أن يدنو منها وهو يعلم أنه سينزل عند بؤرة وموقع ومرحاض قد قضى فيه الغادون والرائحون حوائجهم؟ إن المرأة في المجتمع الغربي تلك التي أعجب بعض الشباب جمالها، أو مساحيقها، أو زينتها، هي وإن كانت جميلة الشكل، إلا أنها في الحقيقة كالمرحاض الذي تربع عليه كل من في بطنه أذى وغائط وبول، فأفرز وأخرج ما في بطنه من تلك القاذورات فيها، فمن الذي يرضى وأي نفس سوية ترضى أن تجعل الغائط حضناً لها، وترضى أن تجعل البول أنيساً وجليساً، وترضى أن تجعل النجاسة مستودعاً ومكاناً تطمئن إليه؟! أيها الشاب: عليك أن تنظر إلى فطرتك السوية، لو كانت الفطر سويةً لأنفت من أن تنزل في مستنقعات الأوحال. يقول أحد الفنانين الذين تابوا إلى الله جل وعلا، وعادوا إلى الحق عوداً جميلاً، يقول عن نفسه: إني لأعجب كيف كنا نجلس مجالس تأنفها القطط والكلاب، ونمشي في أمور تأنف منها البهائم والحيوانات، يقول: لما منَّ الله علينا بالهداية، وأخذنا نتفكر في تلك الليالي التي قضيناها وسهرناها، كيف كنا نرضى لأنفسنا أن ندخل تلك الأماكن؟ وكيف نرضى لأنفسنا أن نفعل تلك الأفاعيل؟ وكيف نسمح لأنفسنا أن نطبق ونقترف ونباشر وندنو من تلك النجاسات والأوحال؟ إن الإنسان إذا انتكست فطرته - ولا حول ولا قوة إلا بالله! - أو حصل له فراغ ودس نفسه وأبعدها عن مواقع الكرامة، رضي بالرذيلة، وبالدون، وبالسفاهة، وبالاحتقار، والعجب -أيها الأحبة- أن الواحد لو خير في المراتب الإدارية بين الثانية والرابعة والعاشرة لاختار العاشرة، ولو خير في الطائرة بين السياحية والأفق والدرجة الأولى لاختار الأولى، ولو خير في أي أمر من الأمور لاختار أعلاه، فإذا جاء أمر كرامةٌ له في دينه، وذلةٌ له في شهوته، كيف يرتاح ويرضى ويطمئن أن يختار الذلة والهوان في شهوته؟! كيف يختار النجاسةَ والطهارةُ بين يديه؟! كيف يختار الهوانَ والكرامةُ أمام عينيه؟! كيف يختار اللؤم والخيانة والذلة والهوان وهو قادر أن يحصل الأمانة والعزة بإذن الله جل وعلا؟ يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ

البعد عن كرام القوم ينمي العداوة

البعد عن كرام القوم ينمي العداوة أيها الشاب: إن بعدك عن كرام القوم هو الذي ربما جعل بعضهم ينظرون إليك نظرةً بعيدةً، وربما أنت نظرت إليهم نظرة عداوة، فإذا أبعد رجل عن آخر كان كلٌ صغيراً في عين الآخر، لو أني وقفت في الدور الخمسين وأنت في قعر الأرض، فتنظر إليَّ صغيراً وأنا أنظر إليك صغيراً، ولو وقفت في طرف الكيلو الأول ووقفت في آخر الكيلو العاشر، نظرت إليَّ صغيراً ونظرت إليك صغيراً، لكن ادن إليَّ وأدنو إليك، اقترب مني وأقترب منك، ضع يدي في يدك، ولنمض سوياً إلى طاعة الله، سأراك كبيراً وأرى فيك عيناً جديرةً أن تبصر الحق، وأذناً جديرةً أن تسمع الحق، وقلباً جديراً أن يفقه الحق، وسترى فيَّ أو في رجل من كبار قومك وعلماء ملتك من تجد فيه قدوة حسنة، نسأل الله أن نكون كذلك. أيها الشاب: إن البعد بيننا هو الذي أورث ذلك، فما الذي يمنعنا أن نتفاهم؟ ما الذي يمنعنا أن نتصارح؟ ما الذي يمنعنا أن نلتقي؟ كن جريئاً واطرق عليَّ الباب كن جريئاً وارفع عليَّ سماعة الهاتف كن جريئاً وأرسل إليَّ رسالةً وضع عنوانك كن جريئاً وكن صدوقاً صادقاً مع نفسك ومعي لنتباحث بكل حقيقة مشاكلنا. إن النفس في البداية ربما قالت لك: ابتعد عن هذا، وإياك أن تبوح بأسرارك! وربما قالت النفس: هي خديعةٌ من أجل أن يكتشف خبيئة فؤادك، أقول لك: لا والله ولابد من شكوى إلى ذي مروءةٍ يواسيك أو يسليك أو يتوجع

خطر قرناء السوء

خطر قرناء السوء أيها الأخ الحبيب: ربما كان انحرافك بسبب خلانك وإخوانك الذين اخترتهم جلساء لك، تسهرون على البلوت، وتسمعون الأغاني، وتنظرون في الأفلام، وتقلبون الموجات التي يستقبلها الدش، تبحثون عن صورة، أو عن فيلم، أو عن لحظة، وربما كنا نغر أنفسنا ونخادعها بحجة أننا نبحث عن الأخبار، ولو سمعنا الأخبار ما غيرنا شيئاً نعم، لقد جاءت لنا الأخبار، وقالت: إن المسلمين يذبحون في البوسنة، فهل فعلتُ وفعلتَ شيئاً؟ لقد قالت لنا الأخبار: إن النساء يغتصبن في ترابلك، وفي موستار، وفي سراييفو، فهل فعلتُ وفعلتَ شيئاً؟ إن الأخبار قالت لنا: إن مسلمةً في بلاد الهندوس في كشمير المحتلة قطعت إرباً، ورميت في النهر، فهل فعلتُ وفعلتَ شيئاً؟ إيانا أن نخادع أنفسنا بحجة الأخبار إن كنا صادقين! يكفينا من الأخبار خبر أن المسلمين بحاجة إلى نجدة، فهل أنجدناهم؟ يكفينا من الأخبار خبر أن المسلمين بحاجة إلى إغاثة، فهل أغثتهم وأغثناهم؟ يكفينا خبر أن المسلمين بحاجة إلى جمع تبرعات، فهل جمعتَ وجمعنا لهم؟ يكفينا خبر أن المسلمين الآن يموتون من شدة البرد القارس، فهل أرسلت إليهم المعونة وأرسلنا لهم؟ لا نخادع أنفسنا، إن جلساءنا غرونا، وإن من كنا نجالسهم ليل نهار خدعناهم وخدعونا، ولو وقفنا وقفةً صادقةً، وجلسنا ذات ليلة السبت لعبنا البلوت، وسهرنا على الفيديو، وسهرنا على المعصية، وتناولنا الشيشة، وتبادلنا السجائر، وتبادلنا الأفلام، وتهادينا الأشرطة، والأحد فعلنا مثل ذلك، ما ضر لو قلنا: يوم الإثنين، الليلة لا بلوت، ولا فيديو، ولا فيلم، ولا شيشة، ولا دخان، نريدها كلمة صريحة: هل ستنفعني يا من عن يميني إذا أدخلت قبري؟ سيقول لك إن كان صادقاً: لا. وسيقول الآخر لمن بعده: هل سترد عني الموت إن نزل بي الأجل؟ سيقول لك: لا. وسيقول الثالث: هل سترد إليَّ كليتي إن تعطلت؟ فسيقول الرابع: لا. وسيقول الخامس: هل تعطيني شرياناً من جسمك لكي أعالج به خللاً في قلبي؟ سيقول الخامس: لا. وسيقول السادس للآخر: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] يقول السادس للآخر: إذا كنا يوم القيامة، هل ستنفعني؟ هل ستجعلني من أهل الجنة؟ أم ستنجيني من النار؟ A { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. فيا أخي! كل علاقة تنقلب عداوة، وكل صداقة تنقلب شراسة، إلا من أحب في الله، وأعطى لله، وبذل لله، ومنع في الله، يوم يكون سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم شابان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. أخي الشاب: والله إن فيك خيراً كثيراً، ولكن جلساءك جروك إلى المعصية، غروك في نفسك، أول مرة قالوا: تعال لتسهر معنا، والثانية: تعال لتتعش معنا، والثالثة: تعال لكي تتروح معنا، وارتع والعب معنا، والرابعة: ما ضر لو شاركتنا بسيجارة، والخامسة: ما ضر عندنا هذه الليلة ما يسمونها الصيدة، وإن كانت في الحقيقة فاحشة في زنا، أو لواط يزينونها، وقد يكون قبلها عرض لفيلم خليع، أو مجلة خليعة فيها من صور العراة، رويداً رويداً جروك وجذبوك يا مسكين، وأخذوك إلى مثل هذه الهاوية، ولو قدر أن الهيئة قبضت عليك وعليهم، أو أن الشرطة أمسكت بك وبهم: لقال كل خليل كنت تأمره لا ألهينك إني عنك مشغولُ

قرناء السوء والخلان سبب في الانحراف والخذلان

قرناء السوء والخلان سبب في الانحراف والخذلان ما أكثر اللصوص الذين عقدوا الخناصر، وضربوا الأكف على الأكف، وتعاهدوا وتعاقدوا أن يسرقوا، وأن يقطعوا الطريق ويجمعوا، ويقسموا الأموال وحصيلة السرقات بالسوية، فلما وقعوا تحت يد العداوة؛ أخذ بعضهم يسب بعضاً، والآخر يلعن صاحبه، والثالث يشتم الذي دعاه {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة:166] وفي آية أخرى: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:29]. يوم يقوم الشيطان، فيضحك على الجميع في النار، ويقول لأخلائه وجلسائه ولمن أطاعوه يقف الشيطان خطيباً يكلمهم في النار ويقول لهم: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:22] حتى الشيطان يضحك ويقهقه، ويتبرأ من الذين أضلهم، يقول لهم: والله ما كان معي عصا معطوفة في طرفها، فأجر رقابكم بها، وما كانت معي حبال كبلت أقدامكم وأرجلكم بها، وإنما كانت صورة، قلت: انظروا، فنظرتم إليها فصدقتم، أو كانت أغنية، فقلت: اسمعوا، فسمعتم ودنوتم من المعصية، هكذا يتبرأ أهل الباطل من باطلهم، ويتبرأ بعضهم من بعض يوم لا ينفع عتابٌ ولا ينفع مستعتب. إن المجالسة أهلكت كثيراً من الشباب، كم من شاب كان من المصلين، فتعرف على جلساء سيئين، فقطعوه عن المسجد ألبتة، قطعوه بالكلية عن صلاة الجماعة، ورويداً رويداً حتى ترك الصلاة! كم من شاب كان نافعاً مهتدياً باراً وصولاً، ذا رحم طيبة، فقلبوه عاقاً فاسداً مفسداً! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً كريهةً). أيها الشاب: لقد أحرق جلساء السوء ثيابك، لقد دنسوا سمعتك، لقد خربوا سيرتك، فلا طريق إلى العودة والطهارة والنجاة إلا بالبعد عن جلساء السوء، والعجيب منك -أيها الشاب! أيها الحبيب! أيها الصديق! - إني أعجب منك لو ذهبت تشتري حذاءً، لدخلت خمسة محلات من أجل أن تنتقي أحسن الأحذية، ولو ذهبت لتفصل ثوباً لدخلت أربعة محلات لتنتقي قماشاً مناسباً، وخياطاً مفصلاً ممتازاً، أما الصداقات فتقبل عليها بلا اختيار، أما العلاقات فتقبلها بلا مشورة، أما المجالسات فترتمي بنفسك في أحضانها من غير تأمل وتدبر الثوب بعد تأمل واختيار الحذاء بعد تأمل واختيار السيارة بعد تأمل واختيار قطعة الأثاث بعد تأمل واختيار، وأما جليسك فتختاره أو تقع فيه فوراً، وقد تكون أول مرة لقيته في مقهى، أو في مطعم، أو في جلسة في رصيف، أو في مكان من الأماكن التي يوماً ما ستشتم وتلعن تلك الساعة التي عرفت ذلك الشاب فيها، ولا يجوز لعن الدهر أبداً، وربما أخذ كلٌ يسب صاحبه ويتبرأ منه. أيها الأخ الطيب: عليك بالصالحين، وعليك بإخوانك الطيبين، فإنهم -بإذن الله- حرزٌ متين، وموقع مكين، وإذا يسر الله لك ذلك فعليك أن تعض عليهم بالنواجذ. كذلك -أخي الشاب- لربما قادتك بعض المجلات وبعض الكتب الهدامة التي قرأتها وسهرت الليالي عليها، وتظن أنك بذلك تنير عقلك، وتضيء فكرك، وتقوم لغتك، وتزيد معلوماتك، تظن أنك بهذه القراءة ستكون رجلاً مثقفاً معلوماتياً قادراً على الحديث في كل فن، فإذا بك بعد ذلك -يا مسكين- تقودك هذه الأفكار إلى رذيلة، وربما أثارت في نفسك شبهات ربما جرتك-والعياذ بالله- فانقلبت على عقبيك. إن بعض الشباب يقبل على قراءة كتب لا يعرف أولها وآخرها، فما تلبث إلا أن تضلله، وتشككه، وتقذف الشبهات في قلبه، فيكون كما قال القائل: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا أخي الحبيب: اقرأ كلام الله، إن خير الكلام كلام الله، اقرأ هدي نبيك، إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، اقرأ سيرة الأربعة الخلفاء والأئمة الحنفاء، واقرأ سيرة العشرة المبشرين وأهل الشجرة، واقرأ سيرة قادات الإسلام الذين سطروا أروع المثل، وجعلوا في هذا التاريخ نماذج مشرقة كلٌ يفتخر بها، ولكن يوم أن أعرضت عن قراءة الكتب النافعة، وقرأت كتباً ضالةً؛ غيرت تلك المفاهيم، وما أكثر من قلبت المفاهيم في رأسه اجلس مع بعض الشباب تجده يتكلم عن الإسلام كالذي يتكلم منتقداً -وإن كان مسلماً، ولا يتبرأ من الإسلام- لكن من حيث يدري أو لا يدري ينتقد من يلتزم بالإسلام، وينتقد من يدعو إلى الإسلام، وينتقد من يحض على الإسلام، ويظن أنه بهذا ينافس المثقفين، أو يجاري المفكرين، أو يسابق المتقدمين، وإن هذا لهو الضلال المبين. أخي الكريم: كم من فتاة مسلمة، وكم من شاب مسلم قرأ أفكاراًَ هدامةً فضللته، تصوروا أن فتاةً قرأت شيئاً مما كتبه بعض أعداء الإسلام؛ فانقلبت انقلاباً فكرياً، فبدلاً من أن تقول: إن المحرم الذي اشترطه الإسلام على المرأة أصبحت تقول: إن المحرم ذلك الجاسوس الذي يتابع المرأة نعم، إن المحرم رجلٌ ممن لهم قرابة وسبب ونسب بهذه المرأة، لكن المصيبة لما قرأت الشابة والفتاة أفكاراً ضالةً بدلاً من أن تقول: هذا محرم وحارس يصونها ويذود عنها ويدافع عنها، قالت: هو جاسوس يتابعها؛ لأنه يشك فيها ويسيء الظن بها.

إياك والتردد بين الهداية والضلال

إياك والتردد بين الهداية والضلال ما يزال النداء إلى ذلك الشاب الذي تردد، ووقف متردداً بين أن يتقدم، أو يتأخر في طريق الهداية، فنقول له: أقدم وأقبل ولا تخف أيها الشاب الكريم. واعلم أن من الأسباب التي جعلتك لا تزال بعيداً عن الهداية والطريق إليها أنك ربما ظننت أن الإسلام يقيد حريتك، وأن الإيمان يكبت طاقتك، وأن الالتزام رجعية تخشى أن ترمى بها، فأقول: أخي الحبيب! احذر من هذه المفاهيم المقلوبة، من الذي هو أولى أن يوصف بالرجعية والتخلف؟ ذلك الذي ارتضى بأن يسلك كل طيب من السبل، وكل نبيل من الخلق، وكل نافع من الأفعال، أم ذلك الذي جعل الغواية والانحراف طريقه وديدنه؟ أخي الشاب! إن كثيراً ممن حولك من جلساء السوء ربما استهزءوا بك لو سرت في طريق الاستقامة والالتزام، فلا تعجب، فإن ذلك نوع من الابتلاء، قال الله تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3]، ولا تعجب من الضالين الذين بالمؤمنين يسخرون {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:29 - 30] تجاوز هذه العقبات، وكن أكبر منها، وكن صقراً محلقاً فوق كل جبل، وكن عالياً فوق كل شبهة وشهوة، فإنك بذلك تنال هذا الالتزام.

مفاهيم مقلوبة وأغاليط معوجة

مفاهيم مقلوبة وأغاليط معوجة أيها الشاب: ربما غرك من غرك، وقال: لا تكن مجرماً مروجاً زانياً فاجراً كفاراً، ولا تكن مطوعاً معقداً -كما يسمون- ملتزماً مستقيماً، ولكن عليك -أيها الشاب- وعليك -أيتها الشابة- بالوسط والاعتدال، وتجنبوا الغلو والتطرف، وعليك بأن تكون وسطاً في عبادتك، وساقوا على نحوٍ من هذا أفهاماً معوجةً، وأغاليط متتابعة، يقول بعضهم: لا تكن متطرفاً، ولا تكن منحرفاً من هو المتطرف أيها الأحبة؟! هل الذي يحافظ على الصلاة مع الجماعة يكون متطرفاً؟! هل الذي يهجر الغناء والخنا واللهو والمعاصي يكون متطرفاً؟! هل الذي يحافظ على ما أمر الله، وينزجر عما نهى الله نقول عنه: متطرف؟! إذا قال شابٌ: أنا لست مجرماً، ولست غالياً، أو متطرفاً، فأنا وسط، فماذا يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إذا كنت أنت الوسط بتركك بعض الواجبات، وتهاونك في بعض المعاصي والسيئات، ووقوعك في بعض المنكرات، إذا كنت أنت الوسط، فماذا يكون أبو بكر الصديق؟ وماذا يكون عمر وعثمان؟ وماذا يكون علي والمقداد؟ وماذا يكون علي والمغيرة؟ وماذا تكون عائشة وحفصة؟ تقول شابةٌ: أنا لن أكون زانية، أو مضيفة، أو فاجرة، ولكن لن أكون متشددة، أو معقدةً، أو متزمتةً -كما يسمونها- ملتزمةً مستقيمةً، سأكون وسطاً إن كنت وسطاً فماذا تكون عائشة؟ إن كنت معتدلة فماذا تكون حفصة؟ إن من المفاهيم المقلوبة والألفاظ المعوجة غيرت على كثير من الشباب والشابات حياتهم، فجعلتهم يرضون بالانحراف، ويمشون على الأغلاط، ويقتنعون بأخطاء كثيرة يصبحون عليها ويمسون. فيا أيها الشاب الكريم! ويا أيتها الأخت المسلمة: الواجب على الإنسان أن يفكر، والله لو أراد بائع أن يخدعنا في سلعة بعشرة ريالات، أو عشرين ريالاً، لما رضينا أن نخدع، ولو أراد أحد أن يمرر علينا قصة خيالية، لقنا: هذا أمرٌ لا يعقل، فكيف يمرر علينا أعداؤنا آلافاً من الشبهات، وكثيراً من الأفكار التي تغير علينا سير حياتنا، وصدق استقامتنا، ونور طريقنا إلى الله جل وعلا. وبعض الشباب يقول: إن الالتزام تقييد للحرية، وأنا أحب الحرية وبعضهم يقول: أحب الانطلاق، ولا أحب الكبت، وأنا إن التزمت فسوف أكون محرماً؛ لأن الالتزام -في ظنه- كما يقول بعضهم: ركب على عقلك قفلاً، أو ركب على دماغك أقفالاً حتى تكون ملتزماً لا والله، إن التخلف كل التخلف وتحجير العقول هو في مثل هذه المعاصي والسيئات، أما العقل واللب والحجى والفهم والتدبر، فهو في الاستقامة بإذن الله جل وعلا. وبعض الشباب يستدل بواقع بعض الذين يرون في ظاهرهم ملتزمين، وربما وقع منهم شيء من الأخطاء، أو يرى رجلاً وقعت منه معصية ووقعت منه طاعة، فيقول: لا أريد أن أكون مثل هذا والعجب أن هذا المفهوم منتشرٌ عند كثير من المسلمين في الأسبوع الماضي كنت مع سائق في سيارة، فقلت له: منذ كم وأنت في المملكة العربية السعودية؟ فقال لي: تقريباً ست سنوات، فقلت له: هل حججت؟ قال: لا، أنا لم أحج حتى الآن، قلت: لماذا لم تحج إلى الآن؟ قال: أنا إذا قمت بالحج فلابد ألا تكون هناك أخطاء، وبعد ذلك أنا لا أخاصم أحداً، الناس يأخذون حلالي ولا أخاصمهم، ويأخذون ما يريدون ولا أعمل معهم أي خصومة وهلم جراً، ويظن أنه إذا قام بأمر الله فيستسلم لأعدائه يأخذون ما شاءوا من ماله، ويتسلطون عليه بأي طريقة، ويقول: هناك أناس يحجون ولكنهم يفعلون ذلك، وهناك أناس يصومون لكنهم يفعلون ذلك، وهذا -أيضاً- واقع بعض الشباب وبعض الشابات، يقول: فلان ربما ينتسب إلى الالتزام ووقع منه الخطأ، فلانة تنتسب إلى التدين ووقع منها الزلل. إن المعصية ليست حجة على معصية أخرى، وقد يجتمع في العبد سنة وعمل صالح وعمل سيئ، وحسنة وخطيئة، ولكن كما قال الله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] وبعض الناس-والعياذ بالله- يحتج بالخطأ على الخطأ، وبالرذيلة على الرذيلة، وبعضهم يقارن ويفارق بين هذه الدرجات.

تكرار الوقوع في المعصية ليس عائقا عن الاستقامة

تكرار الوقوع في المعصية ليس عائقاً عن الاستقامة بعض الشباب يقول: أنا أريد الاستقامة والالتزام، ولكني قد أذنب مرة، وقد أقع في المعصية مرة ثانية، قد أقع في الفاحشة مرة أو مرتين، فإنا نقول: لكل ذنب توبة، ولكل خطيئة استغفار، ولكل زلل رجوع، فما دام الشيطان يجاهدك بالمعاصي فجاهد الشيطان بالاستغفار، وعليك أن تستغفر ربك في كل صباح ومساء، فإن الله جل وعلا ما أنزل آيات التوبة، وما أنزل آيات المغفرة، وما جاءت أحاديث الذكر والاستغفار إلا لقوم يذنبون، ثم يستغفرون، ثم بعد ذلك تزول سيئاتهم، وتمحى خطاياهم، وتبدل بعد ذلك حسنات: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70]. وبعضهم يقول: إن شاباً التزم، ثم انتكس، وأنا أخاف أن ألتزم فأنتكس، فهو يقول: أنا راض بانتكاستي حتى لا ألتزم فأنتكس، وذلك من وسوسة الشيطان على كثير منهم، والعاقل يبادر باستقامة نفسه وصلاحها قبل أن تقع نفسه في مهمهٍ عسرٍ صعبٍ، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وآخر يقول: أريد أن أستقيم، ولكن ما استطعت أن أترك الأغاني وآخر يقول: ما استطعت أن أترك الدخان والرابع: ما استطعت ترك الأفلام والخامس والعاشر قال وإني أقول: كيف استطعت أن تنال الشهادة، هل نلت شهادة البكالوريوس بالنوم واللعب، أم صبرت على السهر والجد والمثابرة حتى نلت الشهادة؟ كيف كنت ضابطاً؟ أو كيف كنت من صف الضباط أو رئيس النقباء؟ هل نلتها بالنوم والتخلف، أم صبرت على الجندية؟ أفتريد الهداية بدون مجاهدة؟ أفتريد أن تنال منازلاً يظل الله أصحابها بظله يوم لا ظل إلا ظله بدون أدنى مجاهدة؟ أفلا تصبر عن الشهوات؟ أفلا تصبر على الطاعات؟ نعم، إن الالتزام يحتاج إلى تضحية، ويحتاج إلى مجاهدة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه

من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه أخي الكريم: ربما قال لك الشيطان: لو التزمت، لربما فات منصبك لو التزمت لربما نظر إليك من حولك نظرة ازدراء، وبعضهم يقول: أريد أن ألتزم، وأخشى أن ينظر إليَّ رئيسي نظرةً تؤثر في ترقيتي، وآخر يقول: أريد أن ألتزم، لكن أخشى أن أحرم بسبب التزامي، وأقول لك: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة:28] إن التزمت لأجل الله؛ فإن الله يغنيك، ويغني مسئولك، ويتوفاك ويميت مسئولك، وإن شاء قتلك وقتل مسئولك، وأماتك وأمات مسئولك، فعليك أن تنظر إلى الله، وأن تنظر إلى ما ينجيك عند الله؛ لأن مسئولك هذا أياً كانت رتبته ودرجته فقيرٌ إلى الله مثلك، مسكينٌ إلى الله مثلك، لو شاء الله لأخذ سمعك وسمعه، وبصرك وبصره، وفؤادك وفؤاده، وروحك وروحه، فلا عليك إلا أن تبرأ من كل صغير وكبير، وابرأ من كل حول وطول إلا من الله، فعليه توكل، وبحماه لذ، واستعن به جل وعلا، فإن من تعلق به نجا، ومن اتصل بحبل الله المتين وصل. أيها الحبيب: لابد أن يتقابل أمران: شهوة في نفسك، وأمر من الله ورسوله، فإن غلَّبت أمر الله وأمر رسول الله على شهوتك فإنك بإذن الله من الناجين، وإنها لحظات تصبر عن المعصية، فتنال اللذة، ويبقى الأجر، وتسلم من الوزر، واسأل من فعل الفاحشة الآن أو قبل الآن: هل تستمر اللذة بالفواحش؟ إن أهنا عيشةٍ قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقل الفصل وجانب من هزل ودع الذكر لأيام الصبا فلأيام الصبا نجمٌ أفل أيها الحبيب: دع كل شهواتك لله، دع كل ملذاتك لله، قل: يا رب! لأجلك تركتها، ولما عندك طلقتها، ولثوابك ابتغيت كل ذلك، فإن من تعامل مع الله أكرمه الله بعاجل التوفيق، وعاقبة حسنة {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101]. أيها الأخ الحبيب: عليك أن تتحدى بالتزامك، وأن تجتهد وتقاوم باستقامتك، ولا تكن ضعيفاً جباناً خواراً، إذ إن بعض الشباب فيه خير، ولكن ربما كان الوسط الذي يعيش فيه سبباً في ضياعه وانحرافه، أو سبباً في ضعف إيمانه عليك أن تتحدى، وعليك أن تصبر، وعليك أن تبرهن -بإذن الله جل وعلا- إنك قادر، وإنما النصر صبر ساعة، فمن صبر وجاهد في مدرسته في بيته في سوقه في وظيفته في عمله وفي كل المجالات؛ فإنه بإذن الله قادرٌ على النصر، وأما من انهزم في أول جولة، فيا سرعان ما ينهزم! ويا سرعان ما يضيع! أخي الكريم: عليك أن تكون فخوراً بإيمانك إذا ذقت لذة الاستقامة، فلا تلتزم التزاماً إذا أذن للصلاة استحييت أن تقول: قوموا إلى الصلاة! إذا أردت أن تجد لذة الاستقامة، فإذا نظرت إلى معصية لا تقل: يا ليتني من يفعل هذه المعصية، ولكن قل: الحمد لله الذي شرفني وكرمني ورفعني، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، ولو كنت من الضالين لكنت واحداً من الذين يقعون في هذه المعاصي، ويقعون في أوحالها وألوانها. أيها الشاب: عذ بالله جل وعلا واجتهد، وجاهد نفسك، فإنك قادر، واحذر من أن يكون مالك أو ولدك سبباً في ضلالك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14]، {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:15]. أيها الإخوة: لقد تسلط الشيطان على بيوتنا يوم أن ضعفت مقاومة الإيمان فينا، انظر إلى كثير من البيوت تصبح على الأغاني، وتضحي على الأغاني، والظهيرة أغاني، والعصر أفلام، والمغرب ملاهي، دخلتها الجن، دخلتها الشياطين، تلبس أهلها الشياطين، وصاروا في حيرة، وفي قلق، وفي نكد، وفي مصائب؛ لأنهم بعدوا عن الله {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124].

إياك والاحتجاج بكثرة الضالين

إياك والاحتجاج بكثرة الضالين أيها الشاب: لا تحتج بكثرة الشباب الضالين نعم، إن كثيراً من الشباب تجمعوا عند المطاعم، وإن كثيراً تجمعوا في الطرقات، وإن كثيراً يتباهون بالسيارات، وإن كثيراً يدعون الفتيات، وإن كثيراً يفعلون ويفعلون، ولكن تذكر قول الله: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116]، وتذكر قول الله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]. إياك أن تكون إمعة يجري بك التيار، وتسير مع الكثرة! إذ ليست الكثرة هي المقياس، إن أكثر الناس -إلا من رحم الله- يقعون في الضلال، بل إن أمة الإسلام على كثرتها أكثر ما فيها الغثاء، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ -هل نحن قليل حتى يطمع بنا الأعداء- قال: أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء)، احرص أن تكون من الأقلين. إن القادة آحادٌ وأفراد، إن السادة آحادٌ وأفراد، وأما الكثير فطغامٌ وهوام، عليك أن تكون من الذين تميزوا وقاموا. إذا مات ذو علمٍ وتقى فقد ثلمت من الإسلام ثلمة وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصةٌ ونقمة وموت فتىً كثير الجود محلٌ فإن بقاءه خصبٌ ونعمة وموت الفارس الضرغامِ هدمٌ فكم شهدت له بالنصر عزمة وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمة فحسبك خمسةٌ يبكى عليهم وباقي الناس تخفيفٌ ورحمة وباقي الخلق همجٌ رعاعٌ وفي إيجادهم لله حكمة أيها الشاب: عليك أن تجاهد نفسك بعيداً عن مغريات الحياة، بعيداً عما يواجهك من المصائب، بعيداً عما يزخرف لك من ملذات الدنيا، واعلم أنك قادرٌ على الاستقامة. أيها الشاب: والله، والله، والله، إنك قادرٌ على الاستقامة، قادرٌ على الهداية، قادرٌ على الصراط المستقيم، ولكن أتمد يدك إليه؟ أتخطو خطوةً إلى الهداية؟ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5 - 7]، إني لا أعدك، ولا سماحة الشيخ ابن باز يعدك، ولكن الله يعدك إن أنت أعطيت وتصدقت وأمضيت، وعلى طريق الحق سلكت {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5 - 7] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87]، ووعد الله نافذٌ لا محالة: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:8 - 10]، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] إنك قادرٌ على الفلاح، فزك نفسك {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10] إنك واقعٌ في الهلاك إن دسيت نفسك؛ فعليك -أخي الحبيب- أن تلتزم، واحذر من الذين يرددون الشبهات، ويقولون لك: إن الدين شاق، وجادة الطريق طويلة، وأنت لا تستطيع، والالتزام صعب، ما أكثر الذين التزموا فانحرفوا! إن نبيك صلى الله عليه وسلم قد جاء مبشراً وميسراً، وما جاء منفراً ولا معسراً، فافهم هذا واعمل به حتى تكون من الصادقين يوم أن يفتن الناس، ويميز الله الخبيث من الطيب، فتكون من الطيبين بإذن الله. فيا أيها الشاب: والله لن تزول قدماك حتى تسأل عن شبابك، وعن عمرك، وعن مالك، وفترة الشباب بالذات أنت مسئولٌ عنها، فيا ضيعة شابٍ ضيع أعماره!

مهمة النصارى إخراج المسلمين من الإسلام

مهمة النصارى إخراج المسلمين من الإسلام إن أعداء الإسلام يقول أحدهم في مؤتمر تبشيري قد ضم جميع المبشرين في عام (1935م) يقول: إن مهمة التبشير التي ندبتكم الدول النصرانية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست إدخال المسلمين في المسيحية؛ فإن هذا فيه هدايةٌ وكرمٌ لهم، إن مهمتكم -يقول المنصر للقسيس والكاردينلات والرهبان، يقول زعيم مؤتمرات التنصير صموئيل زويمر - يقول: إن مهمتكم تجاه شباب المسلمين أن تخرجوهم من الإسلام، ليصبح الشاب المسلم مخلوقاً لا صلة له بربه، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها يقول القس: وبذلك تكونون بعملكم طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية ثم يستطرد ذلك الكافر النصراني قائلاً: لقد هيأتم جميع العقول في الممالك الإسلامية لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له، ألا وهو إخراج المسلم من الإسلام يقول القس أيضاً: إنكم أعددتم نشأًَ لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، أخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي جاء النشء الإسلامي مطابقاً لما أراده الاستعمار، لا يهتم بعظائم الأمور، يحب الراحة، يحب الكسل، يسعى للحصول على الشهوات بأي طريقة، حتى أصبحت الشهوة هدفاً في حياته، فذلك الشاب إن تعلم فللحصول على الشهوة، وإن جمع المال فلأجل الشهوة، وإن نال مركزاً ففي سبيل الشهوة، إنه يجود بكل شيء للوصول إلى الشهوة. يقول القس الكبير: أيها المبشرون! إن مهمتكم في إضلال الشباب تتم على أكمل الوجوه. أيها الشاب: هل تقول لهذا النصراني وأتباعه: سمعاً لكم وطاعةً يا قادة التنصير؟ هل تقول: سمعاً وإذعاناً لتخطيطاتكم؟ أم تقول: لا وألف لا، يا عبدة القردة والخنازير! يا أذناب الطواغيت! يا قتلة الأنبياء! يا من أشركتم مع الله غيره! أتكون من الذين انقادوا للمنصرين والمفسدين والمستغربين والمنافقين، أم تكون من الذين يقولون: كذبتم، ولا والله لا نطيعكم، ويأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون؟ أيها الشاب! الذي ما زلت تداعب الوتر، والسماعة تسهرك، والشريط يغويك، والمجلة تأخذك، والشاشة على الفيلم تجعلك تتابعها، اسمع كلام مستشرق يريد بك الشر ليتكلم على لسان بني قومه جميعاً، يقول مستشرقٌ فرنسي اسمه كيمون: إن من الواجب علينا إبادة خمس المسلمين, والحكم على الباقي بالأشغال الشاقة ويقول: إن علينا أن ندمر الكعبة، وأن نضع قبر محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأن نضع جثة محمد صلى الله عليه وسلم في متحف اللوفر هكذا يريد الأعداء الذين ربما رأينا كافراً فتبسمنا له، نريد أن نعرف كلمتين من العجماوات والإنجليزية، بعض الشباب يريد أن يبين لهذا الكافر ( How are you? )، ( Good very good )، ( What are you doing today) ومن الكلام؛ حتى يقول له: إني أعرف اللغة الإنجليزية والله لا يضيرك أن تكون شامخاً عزيزاً بدينك، إني لا أريد أن نبصق في وجوه الكفار حينما نقابلهم، ولا أن نبدأ بالعداوة تجاههم، ولكن إذا نظرت كافر فاعلم أنك تنظر إلى نجاسة، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] نريد أن نرى الكافر بنفس المقياس القرآني الذي أمرنا الله أن ننظر به إليه، هكذا أمرنا: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] نريد عزةً بالإسلام: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221]. يقول ما سونيٌ من الذين يسعون في تدمير شباب الإسلام، يسعون إلى تدميري وتدميرك، يقول ماسوني يريد تدميرك أيها الشاب: كأسٌ وغانيةٌ تفعلان في أمة محمد أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوا أمة محمد في حب المادة والشهوات. أيها الأحبة: إن أعداء الإسلام لو دنوا من قبر النبي لسالت دماؤنا دون قبر نبينا، إن أعداء الإسلام لو دنوا من الكعبة لقطعنا رقابنا دون الكعبة، ولكنهم لا يتجهون إلى قبر محمد صلى الله عليه وسلم، ولا إلى مسجده، ولا إلى روضته الشريفة، ولا إلى منبره صلى الله عليه وسلم، ولا يدنون من الكعبة، لكنهم يرسلون فيلماً شريطاً مجلة عاهرة راقصة مغنية فتنة مسلسلاً، وبهذا ينقاد شباب الإسلام، فلا حول ولا قوة إلا بالله! أيها الشاب: هيا بنا ننطلق سوياً في طريق الهداية وطريق السعادة، وهاك الدليل لمن أراد غنىً يدوم بغير مال، وأراد عزاً لم توطده العشائر بالقتال، ومهابةً من غير سلطانٍ وجاه في الرجال؛ فليعتصم بدخوله في عز طاعة ذي الجلال، وخروجه من ذلة العاصي له في كل حال.

وحيل بينهم وبين ما يشتهون

وحيل بينهم وبين ما يشتهون أيها الشاب: لنكن من الذين أبصروا بأعينهم، وسمعوا بآذانهم، وفقهوا بقلوبهم، ولا نكون من الذين لهم أعينٌ لا يبصرون بها، وآذان لا يسمعون بها، وقلوبٌ لا يفقهون بها، وهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً. أيها الأحبة: علينا أن نعود إلى ديننا أيها الشاب: أدرك نفسك قبل أن يفوتك الأمر، ويحال بينك وبين التوبة، ويبدو لك عند الموت ما ليس في حسبانك، واسمع إلى هذا الأمر قبل ختام القضية يقول لي رجلٌ عن صديقٍ له ضابط من الضباط في سجن من السجون، قال: إذا كان فجر يوم الجمعة جاء كاتب العدل من المحكمة ليكتب وصية الذين سوف ينفذ فيهم حكم الإعدام هناك عددٌ من المجرمين يقتلون يوم الجمعة، إما لحد الحرابة، أو قطع الطريق، أو زنا إحصان، أو فاحشة، أو أمر من الأمور، قال: فبعضهم إذا قيل له: قم لتكتب وصيتك عند كاتب العدل، بكى واسترجع، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! وتجده طوال مدته في السجن يبكي، ولا يفارق سجادته، ولا يفارق مصحفه، ويندم ويكثر من الندم والقراءة والاستغفار في فجر ذلك اليوم الذي سيقتل فيه بعد الظهر، قال: ورأينا شباباً يقال لأحدهم: اكتب وصيتك، فإنك ستقتل اليوم، فيقول: ما عندي كلام، يقال له: خذ هذا المصحف واقرأ شيئاً من كلام الله، فيقول: اتركونا من كلامكم يا مطاوعة، يقال له: نهايتك اليوم، فتب إلى الله، فيقول: عندك سيجارة؟ أو اذهب عني يا مطوع {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ:54]، يحال بين الإنسان وبين ما يريد {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24]. أيها الشاب: إياك أن يحال بينك وبين قلبك!

أبيات وعظية

أبيات وعظية أيها الشاب: خذ هذه النصيحة في أبيات جميلة: خلِ ادكار الأربعِ والمعهد المرتبعِ والضاعن المودعِ وعدِّ عنه ودعِ واندب زماناً سلفا سودت فيه الصحفا ولم تزل معتكفا على القبيحِ الشنعِ كم ليلةٍ أودعتها مآثماً أبدعتها لشهوةٍ أطعتها في مرقدٍ ومضجعِ وكم خطىً حثثتها في خزيةٍ أحدثتها وتوبةٍ نكثتها لملعبٍ ومرتعِ وكم تجرأت على ربِ السماوات العلا ولم تراقبه ولا صدقت فيما تدعي وكم غمضت بره وكم أمنت مكره وكم نبذت أمره نبذ الحذا المرقعِ وكم ركضت في اللعبْ وفهت عمداً بالكذبْ ولَمْ تراعِ ما يجبْ من عهده المتبعِ فالبس شعار الندمِ واسكب شآبيب الدمِ قبل زوال القدمِ وقبل سوءِ المصرعِ واخضع خضوع المعترفْ ولذ ملاذ المقترف واعصِ هواك وانحرفْ عنه انحراف المقلعِ إلامَ تسهو وتني؟ ومعظم العمر فني فيما يضرُّ المقتني ولست بالمرتدعِ أما ترى الشيب وخطْ وخط في الرأس خططْ ومن يلح وقت الشمط بفوده فقد نعي ويحكِ يا نفس احرصي على ارتياد المخلصِ وطاوعي وأخلصي واستمعي النصح وعي واعتبري بمن مضى من القرون وانقضى واخشي مفاجأة القضا وحاذري أن تخدعي وانتهجي سبل الردى وادكري وشك الردى وأن مثواك غدا في قعر لحدٍ بلقعِ آهٍ له بيت البلى والمنزل القفر الخلا ومورد السفر الألى واللاحق المتبعِ أي: القبر. بيتٌ يرى من أودعه قد ضمه واستودعه بعد الفضاء والسعة قيد ثلاث أذرعِ لا فرق أن يحلهُ داهيةٌ أو أبلهُ أو معسرٌ أو من له ملكٌ كملك تبعِ وبعده العرض الذي يحوي الحيي والبذي والمبتدي والمحتذي ومن رَعى ومن رُعي فيا مفاز المتقي وربح عبدٍ قد وقي سوء الحساب الموبقِ وهول يوم الفزعِ أسأل الله أن يثبتنا على دينه، اللهم اهد شباب الإسلام، اللهم اهد شباب الإسلام. والحمد لله رب العالمين.

بيوت الله

بيوت الله إن المساجد لها أهمية عظيمة في دين الإسلام، فهي أحب البقاع إلى الله، وقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد، وجعله أول قاعدة تنطلق منها الدعوة إلى الله، وزيادة في أهمية المساجد فقد كرمها الله عز وجل فجعل لها حرمة، ووضع لداخلها آداباً يلتزم بها، وفي هذه المادة تجد الكثير الكثير من ذلك.

المساجد ومكانتها في الإسلام

المساجد ومكانتها في الإسلام إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

فضل الذهاب إلى المساجد

فضل الذهاب إلى المساجد معاشر المؤمنين: إن المساجد في دين الإسلام لها مكانةٌ عظيمة ودورٌ عظيم لما فضلها الله سبحانه وتعالى، وجعلها بيوت إقامة الشعائر والعبادة، وجعلها مكان اجتماع للمصلين، وجعلها مهابط نزول ملائكته، حيث تشهد العباد، ملائكته النهار تشهد العباد مصلين، وتفارقهم وهم يصلون، وملائكة الليل تشهد العباد مصلين، وتفارقهم وهم يصلون، ولذا كان لهذه المساجد فضلٌ ومكانةٌ، ودورٌ عظيمٌ في دين الإسلام وفي نفوس المسلمين أجمعين، ولقد جاءت السنة النبوية المطهرة بما يزيد دلالة على مكانة هذه المساجد، وبما يزيد دلالة على فضلها وعظيم لزومها، ومكانة وحسن الأجر والثواب لمن أكثر الخطا إليها، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً كلما غدا أو راح) متفقٌ عليه. وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيتٍ من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله؛ كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة) رواه الإمام مسلم.

فضل العناية بالمساجد

فضل العناية بالمساجد ولا عجب في ذلك يا عباد الله! فهي بيوت الطاعة، ومهابط الملائكة، وأماكن اجتماع الموحدين، ولذا كان للعناية بها فضلٌ عظيم، وكان للذين يعتنون بها مزيد مكانةٍ حتى في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه سأل عن امرأةٍ عجوزٍ سوداء كانت تقم المسجد ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها، قالوا: توفيت، قال: هلَّا أخبرتموني بها؟ ثم قال: دلوني على قبرها، فذهب وصلى عليها) وما ذاك إلا لمكانتها من هذا الفعل الذي فعلته؛ وهو اهتمامها بنظافة المسجد. واعلموا يا عباد الله! أن تنظيف بيوت الله هو مهر الحور العين في الجنة، ولا شك معاشر المسلمين أن المساجد في بلادنا ولله الحمد تحظى من المحسنين والجهات المسئولة ما لا يحظى به غيرها في كثيرٍ من البلدان، وهذه من أعظم نعم الله على هذه المملكة، حيث يعتنى بإعداد الأئمة والمؤذنين والخدم، ويعتنى بنظافتها وإعداد مرافقها، كل ذلك لتحقيق الهدف الأول والأسمى، وهو تهيئة المساجد لعُمَّارها المصلين فيها.

النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته بالمسجد

النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته بالمسجد وقبل أن نخوض في دور المسجد ورسالته نود أن نذكر شيئاً عن مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم وبنائه. فقد روى أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة مهاجراً، فنزل في علوها في حيٍ يقال له: حي بني عمرو بن عوف، فأقام عندهم أربع عشرة ليلة، ثم إنه أرسل إلى ملأٍ من بني النجار، فجاءوا متقلدين بسيوفهم، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر رديفه، وملأٌ من بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حيثما أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، ثم إنه أمر بالمسجد، قال: فأرسل إلى ملأٍ من بني النجار، فجاءوا فقال: يا بني النجار! ثامنوني بحائطكم هذا -أي: ساوموني على شرائه منكم- قالوا: لا والله ما نطلب ثمنه يا رسول الله إلا من الله، قال أنس: فكان فيه ما أقول، كان فيه نخلٌ، وقبور المشركين، وخرب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقُطع، وأمر بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، قال: وصفوا النخل قبلةً، وجعلوا عضادتيه حجارة، قال: فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، وهم يقولون: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود. فتأملوا وانظروا يا عباد الله! عنايته صلى الله عليه وسلم بالمسجد حيث جعله أول عملٍ بدأ به بعد هجرته من مكة إلى المدينة، وتأملوا مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في البناء معهم بيده الشريفة، فقد ورد في بعض الروايات: (أنه صلى الله عليه وسلم لقيه رجلٌ وهو ينقل اللبن بنفسه، فقال: يا رسول الله! ناولني لبنتك أحملها عنك، فقال: اذهب فخذ غير هذا، فلست بأفقر مني إلى الله) يقوله صلى الله عليه وسلم، قال: (وجاء رجلٌ كان يحسن عجن الطين، وكان من حضرموت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله امرأً أحسن صنعته، وقال له: الزم أنت هذا الشغل، فإني أراك تحسنه) فهذه دلالة عظيمة على فضل المساجد وأهميتها، والمشاركة في بنائها بالنفس والمال، ولهذا كان لهذه الآمال أعظم الثواب عند الله سبحانه وتعالى، ففي البخاري وأحمد والترمذي عن عثمان رضي الله عنه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة)، وفي روايةٍ: (بنى الله له في الجنة مثله)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بنى مسجداً صغيراً كان أو كبيراً؛ بنى الله له بيتاً في الجنة) أخرجه الترمذي. فهذا يا عباد الله طرفٌ من الحديث عن أهمية هذه المساجد ومكانتها وفضيلة عمارتها وبنائها، ولما كانت المساجد بهذا القدر من الشرف والمكانة شُرع للمسلمين نظافتها والعناية بها، وورد النهي عن إحداث الأذى والقذى والقذر فيها، يدل على ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: أنه غضب حتى عرف ذلك في وجهه يوم أن رأى نخامةً في القبلة؛ فشق ذلك عليه، فقام فحكها بيده صلى الله عليه وسلم. فتأملوا يا عباد الله قيام النبي صلى الله عليه وسلم لحك النخامة بيده الشريفة عن جدار المسجد، فهل بعد هذا يتورع أو يترفع أحد من المسلمين عن إماطة القذر وإزالة الأذى من المسجد حينما يراه، والرسول صلى الله عليه وسلم يزيل الأذى بنفسه، ولم يأمر أحداً بإزالته؟! ويدخل في هذا ما يفعله بعض المصلين حينما يستعمل السواك في فمه، فيتفتت شيءٌ من قطع السواك في فمه فيبصقها أو فيتفلها من طرف شفاهه وهو في الصلاة أو وهو في المسجد على فراش المسجد، وهذا لا يليق، ولا يجوز فعله في المسجد، وإن كنا نراه في كثيرٍ من المسلمين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البصاق في المسجد خطيئة) أخرجه الجماعة.

حث الشرع على ذهاب النساء إلى المساجد

حث الشرع على ذهاب النساء إلى المساجد ومما ينبغي العلم به من الأحكام المتعلقة بالمساجد: أن النساء يجوز لهن دخول المساجد والصلاة بها، وحضور الندوات والمحاضرات فيها، ففي الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)، وفي روايةٍ: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) إلا أنه ورد في بعض الروايات أن صلاة المرأة في بيتها أفضل. وعلى أية حال، ففي هذا دلالة على مشروعية تهيئة الأماكن المناسبة والمخصصة للنساء في المساجد لمصالح عديدة، أهمها: حضور الخطب والمحاضرات والندوات والدروس الشرعية التي تعود عليهن بأكبر الأثر نفعاً وفائدة، وتزداد الحاجة إلى تخصيص الأماكن للنساء في المساجد في هذا الزمان؛ لقوة الحملة الموجهة إلى النساء الداعية لهن إلى السفور، وترك الحجاب، والاختلاط في الأعمال والتعليم والانحلال، وليس هذا أمراً بدعاً من المتأخرين، ليس مشروعية تهيئة الأماكن المناسبة للنساء أمراً بدعاً من المتأخرين، ولقد مرَّ معنا من الأحاديث ما يشهد لمشروعيته، بل قد ورد ما يدل على تخصيص مداخل معينة للنساء لا يشاركهن الرجال فيه، ففي سنن أبي داود عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) قال نافع: [فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات] وعن نافع قال: [كان عمر رضي الله عنه ينهى أن يدخل المسجد من باب النساء] أخرجه أبو داود. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36 - 38]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

المساجد والأحكام المتعلقة بها

المساجد والأحكام المتعلقة بها الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المؤمنين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: إن لبيوت الله أحكاماً وآداباً عديدة ينبغي لكل مسلمٍ أن يتفطن لها، وأن يتفقه فيها، وأن يدركها تمام الإدراك؛ حتى يكون من الذين يقيمون لبيوت الله قدرها وشرفها وحرمتها، لا أن يكون كمثل الذين لا يبالون في أي مكانٍ دخلوا، أو في أي بقعةٍ حلوا، فإن بيوت الله لها من المكانة والحرمة ما ينبغي لكل مسلمٍ أن يتفطن لآدابه وأحكامه.

النهي عن إنشاد الضالة في المساجد

النهي عن إنشاد الضالة في المساجد وإن من أحكام المساجد يا عباد الله: النهي عن نشد الضالة في المسجد، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سمع رجلاً ينشد ضالةً في المسجد، فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا). ومثل هذا النهي عن البيع والشراء في المساجد، فعند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك) ويدخل في هذا يا عباد الله ما يفعله كثيرٌ من الذين يرغبون أن يروجوا لشيءٍ من السلع، سواءً كانت أشرطةً أو كتباً أو إعلاناً عن نقليات الحجيج أو العمرة أو غير ذلك، فيضعونها في المساجد، فإن المساجد ليست للدعاية ولا للإعلان، ولا يجوز أن توضع فيها هذه الأوراق، على الإطلاق بنص هذا الحديث، إذ هي بيوت ذكر لله، وبيوت للعبادة، وليست بيوتاً لنشر الإعلانات والدعاية فيها.

النهي عن رفع الصوت في المساجد لغير حاجة

النهي عن رفع الصوت في المساجد لغير حاجة ومن أحكام المساجد أيها الإخوة: النهي عن رفع الصوت في المسجد بما ليس بحق، فعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: [كنت قائماً في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ ومن أين أنتما؟ قالا: نحن من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم] أخرجه البخاري.

النهي عن أكل البصل والثوم عند الإتيان إلى المساجد

النهي عن أكل البصل والثوم عند الإتيان إلى المساجد ومن الأحكام المتعلقة بالمساجد: النهي الشديد لمن يأكلون الثوم والبصل ونحوهما عن إيذاء الملائكة والمصلين بروائحها، قال صلى الله عليه وسلم: (من أكل البصل والكراث والثوم فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) فمن أكل شيئاً من هذه الأمور فليتق الله ولا يؤذي إخوانه المسلمين، ولا يجعل بعض المسلمين هذا حجةً لترك الصلاة مع الجماعة، بقوله: إني أكلت ثوماً أو بصلاً فلا أصلي مع الجماعة، فهذه حجةٌ شيطانية، ووسوسةٌ خبيثة من أجل ترك الصلاة مع الجماعة، بل الواجب على المسلم إذا أراد أن يأكل هذا أن يفعل ما ورد في بعض الآثار والأحاديث الأخرى والتي جاء فيها: (وإذا كان ولا بد فليمتها طبخاً) أي: إذا أكلها فليأكلها بعد طبخٍ يميت رائحتها، وإن أكلها لحاجةٍ فلا بأس أن يعطر فمه أو يعطر بدنه بشيءٍ يزيل هذه الرائحة التي تؤذي الملائكة والمصلين، لا أن يجعل هذا حجةً في ترك الصلاة مع الجماعة. وإن مما هو أخبث من الثوم والكراث والبصل الدخان الذي ابتلي به بعض المسلمين، منَّ الله علينا وعليهم بالهداية والإنابة، فإنه أخبث رائحة وأشد نتناً وإيذاءً للمصلين من هذه، إن له رائحة خبيثة وإيذاءً، حتى إن بعضهم إذا صف بجوارك لتهم بقطع صلاتك، واستئناف الصلاة في موضعٍ آخر مما يؤذيك من رائحته، فاتقوا الله يا عباد الله واعرفوا لبيوت الله حرمتها وآدابها.

حرمة مكث الحائض والجنب في المساجد

حرمة مكث الحائض والجنب في المساجد ومن أحكام المساجد أيضاً: أنه لا يجوز مكث الحائض ولا الجنب في المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إني لا أحل المسجد لحائضٍ ولا جنب) أخرجه أبو داود ويسن تطييب المساجد وتعطيرها بالطيب والبخور.

حرمة اتخاذ القبور مساجد

حرمة اتخاذ القبور مساجد واعلموا يا عباد الله أن من أعظم نعم الله على هذه البلاد في مساجدها البعد عن وضع القبور والأضرحة في قبلة المساجد أو في ناحيةٍ من نواحيها، ذلك الأمر الذي ابتليت به كثيرٌ من بلدان العالم الإسلامي، بل فتنوا به فتنة عظيمة، وتنافسوا فيه، حتى أنك لا تكاد تسافر إلى بعض البلدان خاصةً تركيا وما شابهها ممن تأثر بها إلا وترى في المساجد الكبيرة القديمة كثيراً من الأضرحة والقبور، إما أن تكون في قبلة المسجد، أو في ناحيةٍ من نواحيه، وهذا لا يجوز إذ قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم الوعيد الشديد لمن عظَّم القبور وجعلها معظَّمةً في المساجد أو عظمها كالمساجد، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) رواه البخاري ومسلم.

فضيلة بناء المساجد وحرمة زخرفتها

فضيلة بناء المساجد وحرمة زخرفتها واعلموا يا معاشر المؤمنين أن العناية ببناء المساجد أمرٌ عظيم، فإننا نرى كثيراً من أهل الخير وأهل المال والثرى من كبر في سنه أو أراد أن يوصي بوصيته أوصى ببيتٍ كبيرٍ أو بقصرٍ عامرٍ أو بعمارةٍ شاهقة فجعلها وقفاً في أضحية له، وأضحية أخرى له ولوالديه، وقد كان بإمكانه أن يستغل قيمة هذه العمارة، أو قيمة هذا القصر فيبني بها مسجداً متكاملاً، أو أن يشارك في بناء مسجدٍ يتكلفه نصف تكاليف وأعباء بنائه، إن هذا أمرٌ مهم، إذا كانت الأضحية يناله بإذن الله ثوابها في يوم الأضحى فقط، فإن بناء المساجد فيه فضلٌ عظيم إذا كان من مالٍ حلال، يكون أجر وثواب من صلوا فيها يناله شيءٌ من الأجر والثواب العظيم بفضل الله ومنه في كل يومٍ وفي كل لحظة، كل من صلى فيه فريضة أو نافلة، وكل من اعتكف فيها، وكل من قرأ القرآن فيها، فإن له ثواباً عظيماً، فاجتهدوا في ذلك يا عباد الله! وشاركوا وتنافسوا في بناء المساجد، وخصوا الأماكن التي هي بحاجة، بمزيدٍ من العناية. أسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم. اعلموا يا معاشر المؤمنين أن بعض أهل الخير وفقهم الله يسرفون أو يبالغون في بناء المساجد وزخرفتها إلى الحد الذي يجعلهم يبنون مسجداً بتكلفةٍ تكفي لبناء خمسةٍ أو عشرةٍ من المساجد، فلو فطنوا لذلك وانتبهوا وتنبهوا لذلك لكانوا بذلك ينالون أجوراً وثواباً وأعمالاً مضاعفةً من فعلهم هذا. أيها الإخوة: إن البعض يبني مسجداً يتكلف فيه أموالاً طائلة، ولو بنى المسجد بناءً متواضعاً جميلاً مهيئاً لائقاً، وخص بعض بلدان المسلمين في أفريقيا وشرق آسيا بما فضل من هذا المال لبناء عددٍ من المساجد هناك، إذ أن الأرض بأثمانٍ بخسة هناك، والأيدي العاملة بأثمانٍ بخسة هناك، وأجور البناء كذلك، وهم في أمس الحاجة إلى ذلك، إذا كنتم تعلمون أن بلدان أفريقيا تشكو وتعاني من التنصير، وأن النصارى ليل نهار يبنون الكنائس فيها، ويبنون دور التنصير، ويبنون دور إضلال المسلمين وبعدهم عن دينهم، فما بالنا يا عباد الله يتعصب بعضنا ولا يبني المسجد إلا هنا. نعم، إذا رأيت مكاناً بحاجةٍ فذلك خيرٌ لك أن تخصه بالبناء، وأن يكون البناء متواضعاً بقيمة مناسبة على وضعٍ مناسب، لا أن تبذل المال كله فيه وتترك إخوانك في الباكستان وفي الهند وفي بورما وفي أفريقيا وفي كثيرٍ من الدول والأماكن التي هي بأمس الحاجة إلى بناء المساجد والمراكز الإسلامية. أسأل الله جل وعلا أن يجعل أعمالنا وإياكم خالصةً لوجهه.

سبل تفعيل دور المساجد

سبل تفعيل دور المساجد

بناء المكتبات التابعة للمساجد

بناء المكتبات التابعة للمساجد اعلموا يا عباد الله أن من دور المسجد أن يكون مكان تجمعٍ لشباب الحي، وأن يكون مشعلاً وقنديلاً للهداية والتأثير على أبناء كل حي، إذ أن المسجد ولا غرابة في ذلك إذا كان يحظى بجماعة من المصلين اليقظين المثقفين المهتمين المعتنين بأبناء حيهم، فإن المسجد بإذن الله يكون له دور إشعاعٍ ودور تأثيرٍ في التأثير على أبناء الحي والمجتمع، ولذلك سبلٌ عظيمة، وعديدة، أولها: بناء مكتبة مناسبة في المسجد وتزويدها بعددٍ من الكتب، وتأمين هذه المكتبة بما يلزم فيها من الأماكن المناسبة للمذاكرة، وإعداد الواجبات؛ لكي يتعود أبناء الحي على ارتيادها ومعاودتها، يستذكرون فيها دروسهم، ويعدون فيها واجباتهم، ويقرءون فيها الكتب التي تفيدهم.

تأسيس حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد

تأسيس حلقات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد والأمر الثاني من الأمور التي ينبغي أن تعنى بها المساجد وأن يعتني بها الذين هم مسئولون عن المساجد: أن يجعلوا في كل مسجدٍ من المساجد حلقةً لتحفيظ القرآن الكريم، وتعليمه وتدريسه للكبار والصغار، فهذا من أهم الأمور.

تخصيص مكان للنساء في المساجد

تخصيص مكان للنساء في المساجد وكذلك أيضاً: تخصيص مكانٍ للنساء بحيث إذا أقيمت ندوة أو محاضرة أو درسٍ من الدروس العلمية النافعة لكي يحضره نساء أهل الحي، لا أن تبقى النساء دائماً في البيوت لا يعرفن إلا القليل القليل من أحكام دينهن، فإن هذا مما يجعل للمساجد دوراً عظيماً.

أهمية صلاة الجماعة في المساجد

أهمية صلاة الجماعة في المساجد أول وأهم وأعظم وأجل مهمةٍ للمساجد: اجتماع المصلين فيها، وعمارة المصلين لها، وإن كنا في هذا الزمان نلاحظ وندرك أن المساجد تشكوا إلى ربها قلة العمار الذين يحافظون على الصلاة مع الجماعة فيها، خاصةً صلاةً الفجر التي ترتفع فيها المآذن بالتكبير ودعوة (حي على الصلاة) ولكن الكثير عن فرائض الله غافلون، ولكن الكثير عن إجابة دعوة الصلاة في سباتٍ عميق، أبالت الشياطين على رءوسهم؟ أم عقدت العقد على نواصيهم؟ أمَا يتقون الله جل وعلا؟ الواحد منهم يستمتع بسمعه وبصره وجوارحه وكل نعيمٍ وفضلٍ وخيرٍ في ماله وأهله وولده، فإذا دعاه الذي خلقه من العدم، وأنعم عليه بالمال، وأسبغ عليه وافر النعم، ودفع عنه سائر النقم، إذا دعاه ربه إلى إجابة داعي الفلاح تقلب في فراشه وتهاون وترك الصلاة، أمَا يخشى الله؟ أمَا يخشى الذي خلقه ورزقه هذه النعم، أن يسلب عنه نعمة هذه الجوارح؟ وعند ذلك يبقى معذوراً إذا لم يصل في الجماعة، إذا أصبح أشل لا يقوى على الحضور، أو أعمى لا يجد من يقوده، أو أصبح عاجزاً لمرضٍ لا يقوم به من فراشه، عند ذلك يجد لنفسه العذر ألا يحضر إلى المسجد، فما بال القادرين؟ ما بال الأصحاء؟ ما بال الأقوياء يتخلفون عن حضور المساجد؟ وإننا لعلى تقصيرٍ عظيم في تفقد إخواننا الذين لا يحضرون الصلاة معنا في الجماعة، وإن من واجب جماعة المسجد ومن رسالة المسجد ودوره ومكانته أن يتفقد أهل الحي جيرانه الذين لا يصلون، فإن كانوا يصلون في مساجد أخرى اطمأنوا إلى حالهم، وإن كانوا يتهاونون بالصلاة زجروهم ووعظوهم في أنفسهم، وقالوا لهم قولاً بليغاً حتى يصلوا في المسجد مع الجماعة، أو ينفروا ويغادروا من الحي، ورحم الله زماناً قريباً، كان الذي لا يصلي فيه يؤذى من أهل الحي حتى يخرج ويغادر الحي؛ لأن أهل الحي لا يريدون ولا يرغبون من يسكن معهم إلا أن يكون محافظاً على الصلاة مع الجماعة، بعد أن يعظوه وينصحوه ويدعوه إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. أسأل الله جل وعلا أن يمن علينا وعليكم، وأن يجعلنا من عُمار المساجد الملازمين للذكر فيها والعبادة، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد ولاة أمرنا بفتنة، وأراد علماءنا بمكيدة، وأراد شبابنا بضلال، وأراد نساءنا بتبرجٍ وسفورٍ، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم من أراد بهذا الدين تحويلاً وتبديلاً، اللهم من أراد بهذه الشريعة تغييراً وتحريفاً، اللهم من أراد بهذا المجتمع خوفاً وزعزعة، اللهم أهلكه على رءوس الأشهاد، اللهم افضحه ولا ترحمه يا رب العالمين! اللهم افضحه على رءوس الخلائق يا رب العالمين! بقدرتك يا جبار السماوات والأرض! اللهم عليك بالإيرانيين الرافضة الفرس، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أهلكهم بدداً، واحصهم عدداً، ولا تبق فيهم أحداً، اللهم لا ترفع سوط عذابك عنهم، وارفع يد رحمتك عنهم، اللهم اجعلهم أحزاباً متضاربين، وطوائف متناحرين، وأهلك الظالمين بالظالمين، ونج اللهم أمة محمد من بينهم سالمين، اللهم عجل زوالهم، اللهم قرب فناءهم، اللهم عجل زوالهم بقدرتك يا جبار السماوات والأرض! اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والسعادة والعافية على طاعتك، ومن كان ميتاً فنوِّر ضريحه، وافتح له باباً إلى جنتك، اللهم نوِّر أضرحة موتانا، اللهم افتح لهم أبواباً إلى الجنان، اللهم جازهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم ضيفهم برحمتك، اللهم قابلهم بعفوك، اللهم عاملهم بمنك وبرحمتك يا أرحم الراحمين! إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أسيراً إلا فككته، بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا إله إلا أنت الحليم العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم، اللهم اسقنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم اجعله سقيا رحمةً منك عندك وفضلٍ ومنٍ من عندك يا رب العالمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

تجيير العقول

تجيير العقول لم يجعل الله سبحانه وتعالى العصمة إلا لأنبيائه ورسله؛ أما سائر بني الإنسان فهم مجبولون على الخطأ. وليس وجود الخطأ في عمل عيباً يجعلنا نهدم لأجله عمل أيام بل ربما شهور وسنين، وما حدث في أفغانستان هو خير مثال على هذا؛ لذا وجب العذر لأهله.

الجهاد شجرة لا تروى إلا بالدماء

الجهاد شجرة لا تروى إلا بالدماء إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مُخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فالفوز والفلاح والسعادة والنجاة للمتقين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين! يقول الله جل وعلا: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]. أيها الأحبة! بقلوب تلقت نبأ الفاجعة، وبأنفس وآذان سمعت خبر المصيبة، فكان شأنها شأن المؤمنين عند المصائب: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156] ودّعت ساعات الجهاد قائداً من قاداتها، وسيداً من ساداتها، ورجلاً من رجالاتها، وداعية إلى التوحيد والسنة من دعاتها، ذلكم هو الشيخ جميل الرحمن، أسأل الله جل وعلا أن يجعل ما نقوله فيه خالصاً لوجه، لا نبتغي بذلك قرباً من أحد ولا بعداً، ونسأل الله أن يجعل ما نقول فيه دليلاً على الولاء للمؤمنين، والبراء من غيرهم. أيها الأحبة في الله! كلكم سمع هذا الخبر، وتلقى تلك الفاجعة، وليس بغريب، فإن الله جل وعلا يبتلي الأمة {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157]. معاشر المؤمنين! إن الذين حصل ليس بغريب على رجال الإسلام ودعاته وقادته، كم ودع هذا الدين؟ وكم ودعت أمة المسلمين قادة وسادة ورجالات كان لهم شرف وشأن عظيم؟ وإنا لنسأل الله أن تكون وفاته وخاتمته شهادة في سبيل الله، نسأل الله جل وعلا أن يُكرمه بمنازل الشهداء، وأن يجمعنا به مع الأنبياء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

حادثة مقتل الشيخ جميل الرحمن

حادثة مقتل الشيخ جميل الرحمن أيها الأحبة! إن القلوب التي تفقه، والأفئدة التي تعي، والبصائر المتدبرة؛ تعلم أن مثل هذه الخاتمة خاتمة كرامة وعزة تُسجل بالدماء آفاق بعيدة، لصفحات وأسفار جديدة لمن مضى وسار على درب الجهاد. عمر بن الخطاب ألم يمت قتيلاً؟ عثمان بن عفان ألم يمت قتيلاً؟ علي بن أبي طالب ألم يمت قتيلاً؟ كل أولئك من قادة الإسلام ماتوا قتلى، وغيرهم وغيرهم من علماء الإسلام وأئمة الدعوة، ولو دنونا بكم من حقبة مضت إلى زمن قريب نسألكم ونقول: الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ألم يمت قتيلاً؟ إحسان إلهي ظهير ألم يمت قتيلاً؟ عبد الله عزام ألم يمت قتيلاً؟ إن القتل في سبيل الله منزلة لا ينالها إلا القلة، إن القتل في سبيل الله كرامة لا يبلغها إلا الصفوة، لأجل ذا نقول: نسأل الله أن يجعل فقيد الجهاد ممن قال فيهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]. أيها الأحبة في الله! في الجمعة الماضية كان حديثنا عن الفتن، وعما يدور ويحصل في الفتن، وعن ضياع الرأي، وزيغة الفكر، وفقدان التبصر عند كثير من الناس حال الفتنة، وكنا في الجمعة الماضية في حديثٍ معكم كما لو كان الواحد يعلم أن الشيخ قد قُتل، أو كما لو كان الواحد عنده نبأ عن قتل الشيخ، فلما صلينا العصر، إذ بثلة من الشباب الأخيار يخبرونني، ويقولون: عظَّم الله أجرك في الشيخ جميل الرحمن، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله ألا يفتنا بعده، وألَّا يحرمنا أجره، ونسأل الله أن يبدله منزلاً خيراً من منزله، وسكناً خيراً من سكنه، وأهلاً خيراً من أهله، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص:60] {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران:198]. معاشر الأمة! ليس هذا ببعيد، بل كما قلنا: إن الدعوة والجهاد كلما غذي بالدم كالشجرة التي طالما غذيتها بالماء، أنبتت فروعها، وأسبغت دوحتها، وانتشرت أوراقها. إن الدعوة والجهاد بقدر ما تُسقى بالدماء تنتشر في مجالات عديدة. يقول سيد قطب رحمه الله عند قول الله جل وعلا: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:51 - 52] يقول: وكم من شهيد لو عاش آلاف السنين ما بلغت دعوته مبلغاً يساوي عُشر ما بلغت، إلا يوم أن رواها بقطرات من دمه، أي: أن الدم يروي الدعوة، الدم يروي الجهاد، الدم يضمن مسيرة قائمة طويلة للجهاد في سبيل الله.

لا رفعة إلا بتضحية

لا رفعة إلا بتضحية هكذا كان شأن الصحابة رضوان الله عليهم، فالله جل وعلا يمنح أمة الإسلام نصراً مؤزراً، ومنزلة عالية، ومكانة رفيعة، وهيمنة وسيادة على الأمم، وهذه لا تُنال بالخطب ولا بالتصريحات أو بالمقالات أو بكلام المجالس، إنما تنال بمشانق تُنصب، وبدماء تراق، وبأشلاء تبتر، وبمصائب عظيمة، ولو قدر لأمة أن تنال مجداً من دون دماء، لكان أول من يناله النبي صلى الله عليه وسلم، ألم تدخل حلقتان من حلق المغفر في وجهه؟! ألم يُشج وجهه؟! ألم تُكسر ثنيته وركبته؟! ألم يناله من الأذى ما ناله؟! ألم يجعل السم في طعامه؟! ألم يُجعل سلى الجزور على ظهره؟! ألم يُوضع الشوك في طريقه؟! ألم يُقتل رجاله وأبناؤه وإخوانه وصحابته؟! ألم يُبتلى في الله أبناؤه ودعاته؟! بلى والله. لو أن النصر والسيادة والعز والتمكين يُنال بالتوقيع وبالوثائق وبالتصريحات لكان أول من يناله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لا حاجة أن تُراق دماء الصفوة من الثلة من الصف الأول من خير القرون: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) لو كان النصر والتمكين يكون بالهدوء والدعة والراحة والنوم والطمأنينة لكان أولى الناس به النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سنة الله تمضي: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:43]. أيها الأحبة! لقد قدّم النبي صلى الله عليه وسلم تضحيات عظيمة، وذلك بتثبيت الله له: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء:74] لو كان النصر يُنال بالدعة والراحة، أو لو أن نصراً يجيء من دون قطرة دم تُراق، أو يد تُبتر، أو قدم تُشل، أو رُوح تُزهق، أو طعنة في بدن، لكان أولى من ينال هذا آمناً مطمئناً نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن ما بناه صلى الله عليه وسلم من دولة الإسلام كان ثمرته ووقوده وثمنه الدماء والأشلاء. فلا خلافة إلا بالجهاد، ولا جهاد إلا بالدماء والأشلاء، لا نصر إلا بالدين، ولا دين يُسيطر ويُهيمن إلا بالجهاد، ولا جهاد إلا بالتضحيات: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] لسنا سواء قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار، الله مولنا ولا مولى لهم، هذا الكلام لأعداء الدين وللكافرين. معاشر الأحبة: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]. أيها الأحبة في الله! والله إن الفجيعة عظيمة، وإن المصاب جلل، وإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا جميل لمحزونون، ولكن هذا يومك الذي كتب الله لك، أكرمك الله به بدلاً من أن تموت على فراشك، أكرمك الله أن تموت ميتة الشهداء، نسأل الله ألا يحرمنا وإياك هذا الأجر. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

دور المنافقين في التحريش بين المسلمين

دور المنافقين في التحريش بين المسلمين الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فإن الدنيا قصيرة، فلا نقصرها بالذنوب، إن الدنيا قصيرة فلا نقصرها بهموم المعاصي، إن الدنيا قصيرة فلا نقصرها بالفواحش والآثام. اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. يقول الله جل وعلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] إن جميل وسياف ورباني وحكمتيار وقادة الجهاد هم قادة، فمن كان يدعم الجهاد لوجود هذه الأسماء، ولوجود هؤلاء الرجال، فهو يتعبد الله بوجود رجال، ومن كان يدعم الجهاد لوجه الله، وإعلاء كلمة الله، فسيمضي على دعم هذا الجهاد سواء كان الشيخ جميل حياً أو ميتاً، أو سواء كان سياف أو حكمتيار حياً أو ميتاً. معاشر المؤمنين! هذه عقيدتنا ولا نؤجر شيئاً من العقيدة، ولا يخير شيئاً من الأفكار، ولا نرضى بإعارة شيء من العقل أبداً. أيها الأحبة! إنما حصل فتنة، وإذا أراد الله أن يُتم أمراً سلب ذوي العقول عقولهم، إنها فتنة ظالمة غاشمة، ولكن هل يسعنا أن نقول: حزب لـ حكمتيار هو المجرم، أو جماعة للشيخ جميل هي المجرمة الآثمة، لا، يقول ابن العربي رحمه الله، وفهرس محب الدين الخطيب لهذا الكتاب في العواصم من القواصم، قال: الفئتان كانتا على حق، والفئة الباغية فئة ثالثة، ينبغي أن ندرك هذا جيداً، لا نجعل عقولنا ضيقة لا تفهم، أو لا تعي من الاحتمالات إلا أن يكون هذا الحزب مجرم، أو هذه الجماعة مجرمة، أو هذا الحزب خاطئ، أو هذه الجماعة مخطئة. نقول: لا، إنهم ليسوا معصومين، ولا مبرأين، يندس في صفوفهم من ينتسب لهم بظاهر مذهبه، أو بظاهر زيه، وإن كان في حقيقته ليس منهم، يندس في صفوفهم من يتكلم بلغتهم وليس منهم، وحينئذٍ يظن البسطاء أن الجريمة ارتكبها الحزب ضد الجماعة، أو أن الجماعة هي التي فعلت هذا ضد الحزب، لا والله، إن من وقر الجهاد في قلبه، وإن من غلّب المصالح ورجح المقاصد النافعة، ووازن بين المفاسد وغيرها، واستطاع أن يعرف أدنى المفاسد من أعلاها، وأعلى المصالح من أدناها، إن الذي رجح هذا لحري بأن يعرف أنه لو قامت مشكلة، ليس هذا أوان علاجها بالنار، والشيوعية لا زالت جاثمة على كابول. ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل، اندس بين الصفوف من اندس، ومنذُ القِدم ونحن نسمع بمناوشات وبأناس من المنافقين والعملاء والدخلاء، هم الذين يغذون هذا الخلاف، وينسبون إلى القادة ما ليس فيهم، وينقلون ما لم يكن، ويتحدثون بما لم يحصل، ومع هذا كله ما استطاعوا أن يفرقوا بين المجاهدين، أو يثنوا بينهم وبين المضي في تحرير كابول من الشيوعيين. ولما علم السفلة والخونة وأذناب الاستعمار وعملاء أجهزة المخابرات أن التحريش بالكلام لم يجد قالوا: لا بد من التحريش بإطلاق النار، وليس عجيباً أن تتأمل في الصف، فترى ضعيفاً معتوهاً غبياً ساذجاً فتغسل دماغه، وتقول له: إن الأمر هكذا، ولو قتلت هذا لكان فيه صلاح، ليس غريباً أن تستغل رجل في نفسه من الحقد والعداوة ليقوم بتنفيذ هذا الأمر، وفعلاً حصل هذا، ولما سألنا عن حقيقة هذا القاتل، قالوا: هو صحفي في مجلة من المجلات التي تخدم المجاهدين، أو هو مراسل، ولكن انظروا كيف تخترق الصفوف ليدخل أعدى أعدائها في ثناياها. ومعاذ الله أن نقول: إن تلك الجماعات أو تلك الأحزاب سواء جماعة الشيخ جميل على كفر وشرك ووثنية وضلالة، نستغفر الله، إن اتهام الأمة بالجملة اتهام الأمة بالجزاف، وهذا أمر لا يقبله العقلاء، هل من المعقول أن نرمي بثلاثة عشر عاماً من الدماء والأشلاء والأيتام والجماجم والثكالى والأيامى والمشردين والأموال والإغاثة والتضحيات والفكر والوقت عرض الحائط عند قتل واحد من خيرة قادات الجهاد، معاذ الله أن نقول بهذا أيها الأحبة. أين العقول؟ نقطع الدعم عن الجهاد لما قُتل أحد رجالاته وساداته، بل إن الأمر والوفاء والصدق أن نمضي على طريقه إلى أن نلقى الله جل وعلا، أن تقوم الساحة وأن يُدعم الجهاد دعماً كاملا بجميع أشكاله إلا ما استثني من دعم الصوفية والمخرفين. أما أحزاب عرفناها من قديم، كـ الحزب الإسلامي لـ يونس خالص، من دعاة الجهاد وعلماء المجاهدين، وحزب قلب الدين حكمتيار، وحزب الاتحاد لـ سياف، والجمعية الإسلامية لـ رباني، وجماعة الدعوة للشيخ جميل، وخلفه كما علمت سميع الله، نسأل الله أن يجعله خير خلف لخير سلف، وأن يسدده، وأن يبصره، وأن يعينه على إطفاء نار الفتنة، وأن يبصره ويعينه على طرد العملاء والمنافقين، وأن يكون سبباً لجمع الشمل، وامتداداً لنشر التوحيد، وتعليم العقيدة والدعوة. أيها الأحبة! معاذ الله أن يجمع ربنا أمة الإسلام على دعم جهاد بين مشركين وموحدين، هذه مصيبة ثلاثة عشر عاماً والمسلمون في أنحاء العالم يدعمون الجهاد حتى نأتي في اللحظة الأخيرة ونقول: جماعة على التوحيد، وبقية الجماعات على وثنية أو شرك. معاذ الله أن نقول هذا! وإن هذا يخدم أعداء الدين، لو تعصبنا لجماعة واحدة وتركنا بقية أحزاب الجهاد، ما الذي ينبني عليه؟ كلٌ يضع يده على كتفه، ويقول: الأمر انتهى، والجماعة التي دُعمت جماعة فلان فهي تتولى مسئولية الجهاد، وكلٌ ينكص على عقبه، وتصمد جماعة واحدة للشيوعية، ثم يتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، فيئدونها في مضجعها، ويقتلونها عن بكرة أبيها. إن جماعة الدعوة ليست رخيصة إلى هذا الحد حتى نقطع الدعم عن كل جماعة إلا هي، فنجعلها وحدها في الساحة لا تدري تكابد من: الشيوعيين أم العملاء أم المنافقين، بل واجبنا أن ندعم الجماعات جميعاً، حتى يصلوا بهذا الجهاد إلى بر الأمان وشاطئ السلامة، وإقامة الدولة على السنة.

قاعدة: درأ المفاسد وجلب المصالح

قاعدة: درأ المفاسد وجلب المصالح معاشر المؤمنين! لا نجير عقولنا لأحد، لو أن رجلاً في الجنوب أو في الشمال رأيناه يعقد تميمة، هل من المعقول أن نقول: إن قاضي البلد من المشركين؟ لو رأينا رجلاً في الرياض يعتقد بالشعوذة، أمن المعقول أن نقول: إن سماحة الشيخ من المخرفين أو المشركين؟ إذا ارتكب الذنب ذاك نتهم هذا بمصيبته، وهب أن الرجل نُصح ودُعي إلى قطع تميمته، أو إزالة منكره، فأبى وأصر وحوله من قبيلته الجاهلة ما يتعصب به، والمجاهد أو القائد بين أمرين: بين مضيٌ في جهاد الشيوعيين، وبين التفات لتعليم هذا. أمن الحكمة أن نقول: دع جهادك وابدأ بقومك فقاتلهم على تميمة أو علم أخضر على قبر، ليكون علامة لشهيد؟ أنا لا أقول هذا إقراراً به، لكن أقول: إن من طلب العلم، وعرف المقاصد والمصالح، والمفاسد والمنافع، ووازن بينهما، عرف أن ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما أمر مطلوب، وعلم أن تفويت المصلحة الصغرى لتحصيل مصلحة كبرى أعظم مطلوب. إن سب المشركين وآلهتهم مشروع، ولكن الله جل وعلا يقول: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] ترك سب آلهة المشركين حتى لا يجُر ذلك إلى أن المشركين يسبوا الله. قال صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية، لهدمت الكعبة وأعدت بناءها على قواعد إبراهيم) ومع ذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر الراجح لأمرٍ مظنون أو لأمر قد يقع، ألا وهو أن تهتز نفوس القوم لمكانة وعظمة الكعبة في قلوبهم. نحن لا نقول: نرضى بالتمائم، أو من رأيناه معلقاً تميمة أو وضع علماً أخضر على قبر من قُتل، نحسبه من الشهداء أو نسأل الله أن يكون من الشهداء، نحن لا نقول له: هذا عمل جيد، هذا عمل من السنة، لا، لكن نقول: انصحه، وبين له، وقرب له الأمر. من الناس من يظن أن الوضع في أفغانستان كالوضع في الرياض أو كالوضع في جدة، أو كالوضع في الجنوب أو الشمال، بمعنى أنه لو أخطأ أحد فبإمكانك أن تأمره، فإذا لم يأتمر بوسعك أن ترفع به إلى قاضي البلد، ويُستدعى ويحاكم، ويقام عليه الأمر. يظن أن الأمر هكذا، ولا يعلم أن الأفغان من البادية شيء كبير، قبائل شتى، ولو أن رجلاً اعتدى على واحد منهم في أمر تربى عليه منذ الطفولة لكان حرياً أن يستنجد بأرومته وقبيلته، ثم حينئذٍ ماذا يكون شأن القائد؟ هل يقاتل قومه، أم يقاتل الشيوعيين؟ من قال: إن المجاهدين لا يريدون أن يغيروا أو يصلحوا؟ ولكن منهم من يقول: نبدأ بهذا بطريقتنا وأسلوبنا، ونقول: أنت على حق وجزاك الله خيراً، ومنهم من يقول: نشتغل بالشيوعيين، ونوجه النصيحة لهؤلاء، ونقول: جزاك الله خيراً، وأنت على حق. أما أن نريد أن نجمع الأمة بالقوة والقهر، ونحن لم نتمكن بعد، نورث خلافات ومصائب وأمامنا العدو الأكبر وهو الشيوعية، ثم من هو الذي يقول: إن مسألة التميمة تساوي مسألة الإلحاد والشيوعية، أين العقول أيها الإخوة؟! إن مصيبتنا ممن لم يفقه إلا حديثين أو ثلاثة، أو آيتين أو أربع، ثم يذهب يوماً أو يومين أو أسبوعاً أو أسبوعين، ثم يقول: نصحت فلم يغيروا التميمة، أمرت فلم يرفعوا العلم. شيء طبيعي لا يغيروا، من أنت حتى نغير لك؟! هل عرفناك بالتضحية؟ هل ذقت شيئاً مما ذقناه؟ هل جعت كما جعنا؟ هل عطشت كما عطشنا؟ هل رأيت من الجراح والآلام كما رأينا؟ هل رأينا منك الصبر والثبات كما صبرنا؟ ثم بعد ذلك إذا وُجد من استطاع أن يثبت يكون حري بأن يغير، وما أكثر الشباب الذين عرفتهم في جبهات الشمال، في بنشير وبدخشان وهرات، وفي جبهات أخرى، عاشوا ثمانية أشهر وعشرة أشهر، تواضعوا، تأدبوا تلطفوا، حتى تَعلَّم الأفغان منهم التواضع وحسن الأدب. ثم قربهم إلى قلبه، وقربهم إلى الكتاب والسنة، وأثنى على الإمام أبي حنيفة؛ لأنهم يعتقدون في الإمام أبي حنيفة إمام المذهب، وهم جهلة عندهم أن الله لا يمكن أن يعبد إلا على طريقة أبي حنيفة عند بعضهم. ولا يُلام إذا تربى على ذلك، لكن إذا بقيت عندهم، وأحسنت صحبتهم، وكسبت قلوبهم، ثم قلت: إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله من أقرب المذاهب إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإن الإمام الأعظم أبا حنيفة من الذين يقولون: ما وافق الكتاب فهو مذهبي، وإذا صح الدليل فهو مذهبي، اعرضوا قولي على الدليل، فإن وافقه وإلا فاضربوا به عرض الحائط، حينئذٍ تعرض عليهم الدليل وتقول: هذا مذهب أبي حنيفة، فيقبلون به ويسمعون. أما أن تأتي لمدة أسبوع أو أسبوعين، وتريد أن تقطع التمائم من الصدور بهذه الطريقة، أين العلم والوعي والبصيرة والحكمة في الدعوة إلى الله يا إخوان؟!

جهاد سنين لا تضيعه نفثة منافق

جهاد سنين لا تضيعه نفثة منافق من الناس من يُريد أن يغير أناساً عاشوا سنين طويلة على جهل، وهي مسئوليتنا وليست مسئوليتهم فحسب، بل مسئوليتنا نحن يا معاشر الخريجين، وحملة الشهادات، وطلبة المعاهد، وأبناء الكليات ممن لم يُكلف نفسه عناء السفر ولو على حدود المملكة لتعليم الناس الفاتحة، أو لتعليم الناس الأصول الثلاثة، وآداب المشي إلى الصلاة، وكشف الشبهات. نريد أن يتغيروا ونحن لم نتحرك، نريد أن يصلحوا ونحن لم نُصلح، نريد أن يحسنوا ونحن لم نُحسن، أي أمر هذا الذي نريده؟! أنتحدى؟! أنطلب إعجازاً؟! فلنتق الله في شأن الجهاد، ثم إننا لو سلّمنا بقطع الجهاد -الجهاد في أفغانستان - لخلدت روح الجهاد في شباب المسلمين، إنني أفرح يوم أن يأتي شاب يقول: أريد الجهاد ووالدي لم يأذن، أقول: اقنع والدك، واستعن بالله، وادع الله في الليل أن يهدي الله والدك للجهاد، ويأتي بعد يومين يبشر أن أباه وافق، ويقول: أذهب إلى أين؟ تنصحني إلى من؟ أذهب إلى جبهة من؟ أقول: اذهب إلى من شئت ولا تتعصب، وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، سواءً في الشمال أو في الجنوب أو في كنر أو في جلال أباد أو خوست، أو أي مكان من الأماكن. ما رأيت من صواب فأعن وثبِّت، وما رأيت من خطأ فتلطف وأصلح، هذا هو منهج الدعاة، ليس منهج الشطط. ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر إما أن تصلح كلها، وإما أن تخرب كلها، هذا جهل يا إخوان، هذا تضييع لجهود المسلمين، هذا خطأ في التفكير، هذا خطأ في التصور، ونسأل الله جل وعلا أن يثيب شبابنا. إننا والله نقول هذا الكلام ونعلم أن من شبابنا من قد يضيق صدره بهذا، أقول: من القلة، وهؤلاء القلة، أقول: أسأل الله أن يثيبكم، وأسأل الله أن يثبتكم، وأسأل الله أن يجزيكم على غيرتكم، هل غاروا لأجل دنيا؟ هل غيرتهم لأجل منصب؟ هل غيرتهم عصبية؟ غيرتهم لله ورسوله، فهم والله يؤجرون، وما أجمل الأجر إذا وافق الصواب! من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر. لا أقول مسفهاً أو متكلماً بآرائهم، لا والله، وإنما أتمنى أن يجمع الله لهم مع إخلاصهم الغيرة لدينه، وللتوحيد والعقيدة، أن يجمع لهم حُسن السبيل والوسيلة واللين، حتى يبلغوا بر الأمان. ويا شباب الجهاد أجمعين! دوركم أن تجمعوا بين الناس، دوركم أن تألفوا صفوف القادة، اتصلت البارحة بأحد القادة وكلمته في الأمر، قال: ادع الله لنا بأن يجمع شمل القادة، إن الفتنة مصيبة، والطريق إلى الفتنة هو الاختلاف، فإن كنتم صادقين في حب الجهاد، فادع الله أن يؤلف بين قلوب القادة، وهناك جهود ماضية، ولجان مستمرة في التحقيق في هذا الحادث، ومن عُرف بجريمته يُقدم للمحاكمة ويُقتص منه، ولو تمالئ على قتل الشيخ أهل صنعاء لقتلوا به، كما قال عمر: [والله لو قتله أهل صنعاء لقتلتهم به]. إن الأمر حينما نقول: إننا ندعو الله أن يُصلح الحزب، وأن يُصلح الجماعة، نحن لا نُزكي أو نقول: هذه جماعة معصومة أو حزب معصوم، وأيضاً لن نضرب بهذه القيادة وهذه الجهود عرض الحائط، رجل يخوف أوروبا، هل من السهولة ألا نعبأ بشخصيته وسيرته؟ رجل يتمنى رونالد ريجان أن يقابله مرتين، فيقول: لا يُشرفني مقابلته، لا نبالي بشخصيته ولا نعبأ بمنزلته، أخطر وأكبر تنظيم منظم عسكري بقوة، هو الحزب في أفغانستان، فهل نرمي به عرض الحائط؟ أم نبحث عن الذين كانوا وراء الفتنة، ونسأل الله أن يُظهر من كان وراء الفتنة، وأن يُمكن القضاة واللجان منه، وأن يُقام عليه الحد، وأن يُقتص منه، ونسأل الله أن يُهلك من بهلاكه صلاح المجاهدين. فلا تك فيها مُفرِطاً أو مفرِّطاً كلا طرفي قصد الأمور ذميم نحن أيها الإخوة! بحاجة إلى التوازن، وبحاجة إلى الوسطية، وبحاجة إلى العدل: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135] {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا} [المائدة:8]. هذا في شأن من نكرههم، فما الحال بشأن من نحبهم في الله وفي الجهاد في سبيل الله؟! المسألة جد خطيرة، فلننتبه لها جيداً أيها الأحبة، ومن كان ساعياً فليُصلح بين القادة، وليُصلح بين الشباب، وليُؤلف قلوبهم، وليحرص أن يذيب العصبية بين الناس، إن التعصب شر: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً} [النحل:92] نجمع ونبني وندعم ونؤسس ونجاهد، ثم نرمي بالجهاد عرض الحائط، لنقول: أين الساحة القادمة؟ أهكذا شأننا؟ تخطيط أهوج، ثلاثة عشر عاماً جهاد، ثم نرمي به عرض الحائط ونقول: الساحة القادمة مانيلا، الفليبين أو مورو نقاتل فيها، أو ثم نقاتل عشر سنوات، ثم إذا عرفنا بشيء حصل بين نور مسواري أو سلامة هاشم، قلنا: اتركوا هذا الجهاد نذهب إلى أثيوبيا، ثم إذا ذهبنا إلى أثيوبيا عشر سنوات رضينا به. ليس هذا بعقل، ونحن مسئولون عن دماء الأمة، وعما حصل، نجير هذا ونضيعه بين عشية وضحاها، ماذا تقول للقتلى والشهداء واليتامى والثكالى والأبرياء؟ أججتمونا حتى بلغنا هذا الأمر، ثم تركتمونا، ما ذنب الشيخ المشرد العجوز، المرأة، الطفل، اليتيم، الجريح المعوق؟ ما ذنب أولئك جميعاً؟ هم موجودون في كل حزب، وموجودون في كل تنظيم. فيا أمة الإسلام! انتبهوا لهذا، وإذا سمعتم من يسب هذا ويمدح هذا، أو يسب هذا ويمدح ذاك، فقولوا له كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لما ذكرت الفتنة عنده، قال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134] ولما قال ابن عباس للربيع بن خثيم: [لو رآك الرسول لأحبك] لما قيل له: إن الحسين أو علياً قُتل، قال: {اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر:46] هذا شأن المسلمين، شأن أهل السنة والجماعة مع نصرة الحق في كل شبر، في كل موقع وأرض، ونسأل الله ألا تكون عصبيتنا لأشخاص دون مناهج، نسأل الله أن يكون ولاؤنا للحق، وعصبيتنا للحق، ودعوتنا إلى الحق. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم اهلك من بهلاكه صلاح المجاهدين، اللهم اهلك من بهلاكه صلاح واجتماع شمل المجاهدين يا رب العالمين يا أرحم الراحمين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم أقم دولتهم، اللهم اجمع أحزابهم، اللهم ألف قادتهم، اللهم اغفر لميتهم، اللهم فك أسيرهم، واجبر كسيرهم، واكفل يتيمهم، وتلطف بضعيفهم يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين المنسية، وفي سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم ولِّ علينا خيارنا واكفنا شرارنا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم اختم بالشهادة والسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا. اللهم حبب إلينا دينك وثبتنا عليه إلى أن نلقاك، اللهم اجعل المعاصي أبغض ما نرى، والملاهي أبغض ما نسمع، اللهم بغض وكره إلى نفوسنا المعاصي والفواحش والملاهي والمنكرات. اللهم ادفع عنا الربا، اللهم ادفع عنا اللعنة، اللهم ادفع عنا الربا والزنا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

تربية الأبناء

تربية الأبناء تحدث الشيخ حفظه الله عن جانب مهم أغفله كثير من الآباء، ألا وهو معاملة الأبناء بالطريقة التي تعود عليهم بالنفع في الدنيا قبل الآخرة، وهذه الطريقة هي معاملة الأبناء على هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ من احترامهم وتقديرهم والاستماع لآرائهم، وإتاحة المجال لهم لإبراز مواهبهم.

ملحظ في تربية الأبناء

ملحظ في تربية الأبناء إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه والند والمثيل والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم البعث والنشور. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]. أيها الأحبة: كلكم يعلم أن هذه الآية الجليلة أصلٌ عظيمٌ وركنٌ متينٌ في باب التربية وفي باب العناية بالنشء والأولاد عامة، والصغار خاصة. أيها الإخوة: موضوعنا اليوم هو أن نتعرف على ألوان من أساليب تعامل الكثير منا مع أولادهم الصغار. إن كثيراً من المسلمين -هدانا الله وإياهم لما يحبه ويرضاه- لا يقيمون للطفل الصغير في البيت وزناً، ولا يظهرون له تقديراً أو احتراماً، وقد يعجب بعضكم: ومن هو هذا الصغير الذي هو كفءٌ أن يظهر له التقدير والاحترام؟! نعم أيها الإخوة! إنه ولدي وولدك وأخي وأخوك وابني وابنك. عباد الله: بعض المسلمين هداهم الله يتسببون في إحداث العقد النفسية وآلام الانفصام والقلق وعدم ثقة الطفل بنفسه؛ وذلك بنوع المعاملة التي يعاملون بها الأطفال والصغار، فترى الواحد منهم إذا كان عنده ضيوفٌ أو بعض أصدقائه أو جيرانه، تراه إذا دخل ولده الصغير عليهم، طرده قائلاً: اخرج، أو اذهب إلى أمك أو تنحى عن هذا المكان، أو لا ينبغي لك أن تجلس هنا. أيها الأحبة: إن هذا من الأساليب العقيمة في التربية، وإن هذا الأسلوب والسلوك مع الصغار ليحطم جرأتهم، وليقلل كثيراً من قدراتهم ومواهبهم التي ربما نلنا منها خيراً كثيراً لو فتحنا مجال المعاملة، وفتح باب الصدر معهم. فالذي ينبغي لنا يا عباد الله! أن نلتفت لهذا الصغير، وأن نعامله معاملة كريمة، فإذا دخل عليك في مجلسٍ وأنت ترغب أن يجلس معك فيه أحد، فلا تطرده من أول وهلة من حين دخوله، دعه حتى يجلس، ثم ناده بعبارة لطيفة هادئة، فإذا استقر مكانه بجانبك خاطبه كأنك تخاطب رجلاً كبيراً عاقلاً، وإن كان لا يفهم كثيراً مما تقول؛ لكن ينبغي أن تخاطبه كما تخاطب الكبار في سنهم، فتقول له: يا ولدي، لي مع جاري هذا أو صديقنا حديثٌ خاص أود ألَّا يشاركنا فيه أحد، فلو سمحت بالذهاب إلى داخل البيت، أو تركت لنا الفرصة والمجال لنتحدث سوياً، عند ذلك سيطرق الطفل برأسه وسيحرك رأسه ويظهر لك أنه يفهم ما تقول، وإن كان لم يفهم من كلامك إلا رغبتك في انصرافه، لكنه على أية حال علم أنك أقمت له وزناً، ولمكانته قدراً، وخاطبته بأسلوبٍ يحبه ويريحه، خاصة أمام الآخرين. إن الكثير من الآباء الذين وقعوا في زجر وطرد أبنائهم، وبعضهم يقعون في سب وشتيمة أطفالهم، سواء في المنزل أو أمام الضيوف، أو أمام أولاد الأقارب والأصدقاء والجيران، إنهم ليجنون جريمة تربوية في حق أطفالهم ونشئهم، أتدرون ما يحدث هذا النوع من المعاملة للأطفال الصغار؟ إنه يحدث لهم عقداً نفسية، فيظنون أنهم غير قادرين على مخاطبة الكبار، ويظهر ذلك يوم أن يأتي صديقٌ من أصدقائك إلى منزلك فيريد أن يسأل عنك فلا يستطيع هذا الطفل جواباً، بل قد تجده يحرك رأسه يمنة ويسرة أو يتمتم بكلماتٍ وعبارات لا تفهم، في حين أن من في سنه من الأطفال يتحدثون ويتكلمون ويفهمون الكلام ويردون الجواب، وما سبب تلك المشكلة في نفس ذلك الطفل إلا نوع المعاملة التي لقيها من أبيه وأمه. أمرٌ آخر: أن الطفل إذا أخطأ في بعض الحالات فكثيرٌ منا يظهر مقدرته الرجولية وكفاءته التربوية بضرب هذا الطفل الصغير وجلده ومعاقبته أمام أبناء الجيران، وأمام أولاد الأقارب والأصدقاء، وهذا خطأٌ عظيم، إذ أن طفلك في حقيقة أمره يود لو جلدته ألوان الجلد سراً، المهم ألا يراه الصغار من أبناء الجيران أو الأقارب وهو يهان ويضرب ويجلد، لأنه يعلم في قرارة نفسه -وإن لم يستطع التعبير عن هذا- أن مكانته واحترامه أمام أنداده وأقرانه من الصغار تظهر من نوع معاملة الوالدين له، فإذا أخطأ طفلك أو ارتكب خطأً من الأخطاء؛ فواجب عليك أن تدعوه على انفراد، وتخلو به، وتشرح له حقيقة ما فعل، وأخطاء ما ارتكب، وما يترتب على ذلك لو أنه فعل هذه الفعلة مرة أخرى، هكذا ينبغي أن نعامل الصغار، وهكذا ينبغي أن نحترم قدراتهم ومواهبهم. إن هذه الطائفة من الأجيال الصغار الذين نظن أنهم لا يحسنون نطقاً ولا يفهمون كلاماً، ولا يجيدون تصرفاً، إن الكثير منهم ليملك مواهب عالية، وطاقاتٍ عجيبة، لكنها في حدود سنه، وفي حدود الزمن، وفي حدود المرحلة التي يمر بها، فإذا أحسنا التعامل مع حدود هذا الطفل من حيث سنه ومرحلته، فإننا نجني مع ذلك خيراً عظيماً. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

احترام الأولاد في الصغر يظهر ثمرته في الكبر

احترام الأولاد في الصغر يُظهر ثمرته في الكبر الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال

تواضع النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال أيها الإخوة: قد يعجب بعضكم من حديثنا آنف الذكر وهو أن نقيم للأطفال قدراً واحتراماً، أقول: لا تعجبوا ولا تستغربوا، فإن ذلك من هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، يقول أنسٌ رضي الله عنه: [كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر على الصبيان سلَّم عليهم]. إن كثيراً منا ليمر على الكثير من الأطفال الصغار، فيربأ بنفسه أن يلتفت برأسه باسماً أو باشاً إليهم، وبعضهم يرتفع بقدره عن أن يسلم عليهم، لست أفضل من نبينا، ولست أكرم من رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي يقف للعجوز والصغير والكبير، يقول أنس: (كان يسلم على الصبيان) فهذا دليلٌ وأصلٌ وقاعدةٌ في احترام الأطفال الصغار وإظهار قدرهم؛ لأنه منذ تلك اللحظة التي يدرك الصغير فيها أننا نسلم عليه ونلتفت له، ويعلم أن ألواناً من الآداب والأخلاق لابد أن تسود هذا المجتمع في جانب المعاملة، وفي جانب معاملة الصغار للكبار، والكبار للصغار، فينشأ عليها نشأة تربوية إسلامية صالحة، أما أن نترفع عنهم، أو نسبهم، أو نشتمهم، أو نظهر لهم ألوان السباب والكلام البذيء، فإنهم يلتقطون منا ما نخرجه إليهم وسيردون البضاعة علينا في يومٍ من الأيام؛ فينبغي أن نقدم لهم بضاعةً نظيفةً طيبةً صالحة، حتى إذا دار النقاش أو حصل الكلام، سمعنا منهم ألطف العبارة، وألين الكلام، وأجمل الأساليب؛ لأننا نحن الذين زرعنا وبذرنا ذلك في نفوسهم، فعند ذلك نحصد ثمرته، ونجني عاقبته. إن بعض الآباء هداهم الله لا يرون للأطفال محبة ولا تقديراً أو كرامة، بل إن بعضهم لا يكون في قلبه الرحمة لأولاده، ولعل الكثير منهم بسبب تبلد حسه لا يلتفت إلا إلى الصغير منهم فقط، وقد لا يلتفت إليه، وأما بقية أولاده فإنه لا يلتفت إليه ولا يداعبه ولا يلاعبه ولا يمازحه، وهذا خطأٌ عظيم، إن هذا نوعٌ من الجفوة والقسوة. دخل الأقرع بن حابس على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فرأى أحد بني ابنته جالساً على رجله يقبله، فقال الأقرع بن حابس: (أوتقبلون صبيانكم يا رسول الله؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال صلى الله عليه وسلم: أو أملك أن نزع الله الرحمة من قلبك، من لا يَرحم لا يُرحم). إذاً يا عباد الله: أظهروا وأبرزوا وبينوا معالم العطف والرحمة باحتضان الأطفال، وبالالتفات لكلامهم، وتفهم ما يحتاجونه، والنظر إليهم بعين التقدير والاحترام، فهذا كفيلٌ وحريٌ بأن يظهر ويغرس نوع المعاملة المبنية على الكرامة والتقدير والاحترام بين الولد ووالده. ألسنا نرى كثيراً من الآباء يدعو ولده فلا يلتفت إليه، وينادي ولده فلا يجيبه، ويصرخ بولده فكأن شيئاً لم يحدث! لماذا؟ لأن الطفل مراتٍ ومرات، صاح بوالده، يا أبتِ! ما هذا؟ فلا يجيبه، يا أبتِ! أخبرني عن هذا؟ فلا يلتفت إليه، يا أبتِ! ما هو السبب في هذا؟ فلا يقيم لسؤاله وزناً ولا قدراً، فعند ذلك يعامله بنفس الأسلوب في باب جواب النداء، فلا يلتفت الصغير إلى الأب يوم يناديه، ولا يلقي له بالاً في كثيرٍ من الأحيان والأحوال. وعلى أية حال، إنك لن تجني من الشوك العنب، ينبغي أن نتفهم أحوال صغارنا وأن نلتفت لهم، وإن مما يؤسف له أن نرى بعض الأسر الغربية في دول الحضارة الغربية الساقطة من الذين أقاموا لهذه الناحية وزناً وقدراً في مرحلة الطفولة، لكنهم سرعان ما يضيعون جهودهم يوم أن يصل الفتى أو الفتاة إلى مرحلة المراهقة، فيطلقون باب الإباحية والعلاقة المفتوحة لهم، على أي صعيدٍ وعلى أي مستوى، وبأي أسلوبٍ يتعرفون ويرتبط بعضهم ببعض. ينبغي أن نكون -معاشر المسلمين- سباقين لهذا الأمر وأن نفهمه، لا سيما وأن له أصولاً عظيمة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ واقفاً يخطب، فإذا بأحد بنيه يمشي يتعثر في ثوبٍ له، فنزل صلى الله عليه وسلم وحمله على يده، وأتم خطبته وحديثه، لقد كان صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ ساجداً فجاء الحسن أو الحسين فركب على ظهره والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطعه، فلما أكمل صلاته قال: (إن ابني هذا ارتحلني -أي: جعلني رحلا- فتركته حتى قضى نهمته، ثم نزل، ثم قمت إلى صلاتي) لقد جاءت أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي، فلما تعلقت عند رجله حملها وأخذ يركع ويسجد وهي في يده، أي عطفٍ! وأي شفقةٍ! وأي رحمة! أين أرباب التربية؟ وأين أساتذة الأخلاق؟ وأين دكاترة الأخلاق والنبل؟ أفلا يرون في هذا النبي الكريم الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب أروع المثل في سيرته وفي كلامه وفعله، أروع التجارب وأصدق الخبرات في باب التربية؟ إن كثيراً من المسلمين عن هذا غافلون.

سلبية الآباء في إشغال أبنائهم

سلبية الآباء في إشغال أبنائهم عباد الله: بقي مسألة خطيرة، والكلام عن جوانب تربية الصغار له جوانب شتى، والحديث عنه يطول، بقي مسألة أو مسألتان، أما المسألة الأولى فهي أن بعض الآباء إذا شكا من كثرة كلام ولده أو كثرة أسئلته فكر في طريقة سلبية للحل، واعلموا أن كثرة كلام الطفل وكثرة أسئلته ليس أمراً غريباً، بل هي فرصة التوجيه والتربية والتعليم عن طريق السؤال والجواب، بعض الآباء حينما يشكو من هذه الظاهرة، في تلك المرحلة من مراحل نمو ولده، ماذا يفعل؟ يشتري جهاز فيديو، ويشتري خمسين أو عشرين فيلماً من أفلام الكرتون كما تسمى، أو الصور المتحركة، ثم يضعها لهذا الطفل، ويقول للخادمة: إذا استيقظ، فاجعلي له هذا الشريط، فإذا انتهى فاجعلي له هذا الشريط، وعند ذلك من الذي يربي الطفل؟ إنه الشريط، من الذي يوجه الطفل؟ إنه فلم الفيديو، من الذي يعلم؟ إنها الصور المتحركة، هذه جريمة تربوية يفعلها ويجنيها كثيرٌ من الآباء على أبنائهم، فإذا قارب الولد دخول سن الدراسة وجد الأب عند طفله عزوفاً عن التعليم، ورغبة في الدلال، وحباً فيما يشتهي، وكراهية لما هو مقبلٌ عليه من التربية والتعليم، ثم يقول: هذا ولدٌ سيماه الفشل، هذا ولدٌ ضعيف، هذا ولدٌ كذا، ونقول بصريح العبارة: الفاشل أبوه، والضعيف أبوه، والمسكين أبوه الذي جعل الأفلام المتحركة هي التي تربيه، إنني أنصح كثيراً من الآباء أن يرفعوا هذه الوسيلة عن أبنائهم، إنها والله وسيلة مدمرة وفتاكة وقاتلة، إنها تهدم ما يبنى من العقائد، وتكسر ما ينشأ من التربية. وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه عودته على هذه الأفلام وعلى هذه الصور المتحركة، كيف ترجو منه احتراماً للأذان يوم أن يرفع؟ وكيف ترجو منه حباً للصلاة يوم أن ينادى إليها؟ وكيف ترجو منه حباً وبراً ومعاملة طيبة وأنت الذي قدمت له السم الزعاف بيدك؟ فمن وقع في هذا فليرفعه عن ولده، لا بأس أن بعض الآباء يحتاجون إلى هذا الجهاز -الفيديو- وهو جهازٌ كسائر الأجهزة؛ وإن كان غلب في هذا الزمان استعماله في الضلال والباطل، لكن بعض الآباء قد يقدم هذا الجهاز ويجعل فيه أفلاماً عن تعليم اللغة العربية، وتعليم الأرقام، وتعليم العمليات الحسابية، لا بأس بهذا، ما دام الأب موجوداً ومراقباً ومطلعاً وشاهداً وحسيباً على ما يحدث وعلى ما يعرض أمام ولده، فإذا انتهى الدرس أو المادة، عند ذلك أغلق الجهاز حتى لا يكون وسيلة إلى دس الأشرطة الخفية بين الجارات والفتيات والأطفال والأصدقاء، لكي يُنظر بعد هذا الدرس إلى ما لا تحمد عقباه، وما لا يجوز النظر إليه.

دعوة الآباء إلى الإصلاح

دعوة الآباء إلى الإصلاح عباد الله: مسائل التربية وعلاقتنا بأطفالنا ينبغي أن نجدد النظر فيها، ينبغي أن نتمعن فيها، ينبغي أن نلتفت لأنفسنا فيها. من منكم في ساعة من اليوم أو في يومٍ من الأسبوع أو أسبوعٍ من الشهر وقف وجمع أولاده وقرأ عليهم حديثين أو ثلاثة من رياض الصالحين، وشرح لهم معانيها، أو قرأ عليهم آية من الآيات وبيَّن لهم أحكامها، أو عوَّد طفله على كثيرٍ من الآداب الإسلامية عند الاستيقاظ وعند النوم، وعند بدء الطعام، وعند الفراغ منه، وعند الدخول، وعند الخروج، وعند ركوب السيارة، إلى غير ذلك؛ لكي يربط الطفل بذكر الله جل وعلا منذ نعومة أظافره، وعند ذلك نحمد تربيته ونجني الثمرة المرجوة منه. أسأل الله جل وعلا أن يردنا إلى الحق رداً جميلاً، وأن يعيننا على تربية أولادنا وأطفالنا، وتفهم مشاكلهم، ومعرفة ما يدور في أنفسهم، وتفريغ كثيرٍ من الأوقات أو جزءٍ من الأوقات لمعاملتهم وإشباع حاجاتهم ورغباتهم، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم عليك بـ الجعفرية، اللهم عليك بـ الاثني عشرية، اللهم لا ترفع سوط عذابك عنهم، وارفع اللهم يد رحمتك عنهم، اللهم اجعلهم بدداً، ولا تبق فيهم أحداً، اللهم أشعل فتيل الفرقة بينهم، اللهم أشعل نار الفتنة بينهم. اللهم اهلك الظالمين بالظالمين، اللهم اهلك الظالمين بالظالمين، اللهم اهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمدٍ من بينهم سالمين غانمين. اللهم وفقنا لما تحب وترضى وجنبنا أسباب سخطك، اللهم ارفع وادفع عنا البلاء والزنا والربا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من سيئ الأوجاع والأسقام، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم احفظ إمام المسلمين، وأصلح بطانته، واهدِ قلبه، وأصلح مضغة قلبه، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم لا تفرح علينا ولا عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، برحمتك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنّك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

توبة صادقة

توبة صادقة إن هذه الأمة المحمدية قد غرقت في آونتها الأخيرة في وحل المعاصي والذنوب والسيئات، وليس لها مخرج من ذلك إلا بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والتوبة إليه، وإن من دلالات صدق التوبة النصوح عدم الرجوع إلى الذنب الذي قد تيب منه. ولقد ضرب لنا الصحابة الكرام أروع الأمثلة في صدق اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى وما زال في أمتنا بقية من أولئك، وسترى نموذجاً من ذلك في هذه المادة إن شاء الله.

المخرج من شؤم المعاصي

المخرج من شؤم المعاصي الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما يرضى ربنا جل وعلا، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر. معاشر المؤمنين! كلنا نقع في الذنوب والمعاصي، ولا يسلم أحدٌ من صغير أو كبير على اختلافٍ وتباينٍ فمستقل ومستكثر، فمن الناس من يظلم نفسه ظلماً تكفره الصلوات والعبادات والأعمال الصالحات، يقول الله جل وعلا: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما ظلم العبد نفسه بصغائر الذنوب والمعاصي من غير إصرار، فذلك تكفره آيتا النجم والنساء، بقول الله جل وعلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] وبقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] فمن أذنب ذنباً من الصغائر وأعقبه استغفاراً وعبادة وحسناتٍ ماحية للسيئات، فحري أن يعفى عنه. واعلموا أيضاً -يا عباد الله- أن الذنب لا ينسى، وأن الديان لا يموت، وأن لكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، ويتساهل الكثير منا مع إصراره على مجموعٍ من الصغائر والكبائر وهو يرى نعم الله عليه تترا، ويرى من نفسه إصراراً واستمراراً على الذنوب، يرى أن ليس للذنوب شؤمٌ ولا عاقبة، وكما قال ابن القيم رحمه الله: يزعم بعضهم أن هذا على حد قول القائل: إذا لم يغبر حائطٌ في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبارُ وقد نسي الكثير أن شؤم المعصية يدرك العبد ولو بعد أربعين سنة، إلا من تاب إلى الله توبة صادقة. معاشر المؤمنين! ما المخرج من شؤم المعصية؟ ما المخرج من شؤم الكبيرة؟ ما المخرج من شؤم الذنب؟ أيبقى الذنب وصمة -كما يراه النصارى- وصمة باقية لا تزول إلا بدم المسيح المخلص على حد خزعبلاتهم وهرطقاتهم؟! لا والله، المخرج من شؤم الذنب والمخرج من بلاء المعصية هو التوبة الصادقة، التوبة النصوح، وكلنا ندعي التوبة وما أكثر ما نتوب فنعود، وما أكثر ما نعاهد فننكث، وما أكثر ما نعاهد الله على ترك أمرٍ فنعود إليه أسرع ما نكون، ما أحلم الله عنا، إن الله غفور حليم.

دلالات صدق التوبة

دلالات صدق التوبة أيها الأحبة! إن لمن أعظم دلالات صدق التوبة الندم! الندم الذي يجعل القلب منكسراً أمام الله، مخبتاً لذكر الله، وجلاً من هول عذاب الله، إن من تمام صدق التوبة العودة بالإيمان إلى أعلى درجاته: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2] فمن رأى وجلاً وإخباتاً وخشوعاً وانقياداً لله بعد توبته فذاك دليلٌ على صدقها. أما أن يكون الواحد يذنب الذنب، فيقول: أستغفر الله بلسانه، ولكن جوارحه لا تقلع، وقلبه لا يفتر عن الهم والقصد والتزيين، فذاك قد يصدق عليه الأثر: إنما المنافق الذي يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به: هكذا فطار، أما المؤمن فيرى ذنوبه كجبلٍ يوشك أن يقع على رأسه، فهو خائفٌ وجلٌ من ذلك.

قصة المرأة الغامدية وصدقها في التوبة

قصة المرأة الغامدية وصدقها في التوبة أيها الأحبة! ولقد جاء في سير الصحابة والتابعين والسلف الصالحين ما يدل على صدق توبتهم وصدق أوبتهم إلى الله جل وعلا، فمن الماضي والصدر الزاهر من عصر النبوة أذكر لكم قصة امرأة زنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلسعها حر المعصية، وآلمها حر الكبيرة، وأقلقها حر الفاحشة، فجاءت إلى رسول الله، وقالت: يا نبي الله! أصبت حداً فطهرني، عجباً لها ولشأنها ولأمرها، تعلم أنها جاءت وهي محصنة حدها الرجم بالحجارة حتى الموت، جاءت إلى رسول الله تقول: يا رسول الله! إنني حبلى من الزنا فطهرني، فانصرف عنها صلى الله عليه وسلم بوجهه يمنة، فعادت إليه، فالتفت يسرة، فعادت إليه، حتى الرابعة، فقال: (اذهبي حتى تضعي هذا الذي في بطنك) فذهبت فلما أن تمت حمله فصاله، عادت إلى رسول الله، قالت: يا رسول الله! أنا المرأة التي جئتك حبلى من الزنا فانصرفتَ عني وقلتَ: (اذهبي حتى تضعي حملك) وها أنا وضعته وهذا هو بين يديك، أقم حد الله علي، طهرني من ذنبٍ ارتكبته، ومن فحشٍ أجرمته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهبي حتى ترضعيه حولين كاملين) فذهبت به ترضعه حولين كاملين، وحرارة المعصية تلسع فؤادها، وتحرق قلبها، وتقض مضجعها، وتقلق ضميرها، فلما أن أتمت فصاله جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! أنا المرأة التي جئتك حبلى من الزنا، فقلت: (اذهبي حتى تضعي جنينك) فذهبت فوضعته، ثم جئتك، فقلت: (اذهبي حتى تكملي رضاعه) وقد أتممت رضاعه حولين كاملين، وجاءت بالصبي وفي يده كسرة خبزٍ إشارة إلى أنه استغنى بأكله عن ثديها، لماذا؟ حتى لا يردها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمر واحداً من الصحابة بكفالة رضيعها، فشدت عليها ثيابها رضي الله عنها، وجمعنا بها في دار كرامته مع نبينا والصحب الراشدين والأبرار الصادقين، فشدت عليها ثيابها، فرجمت، فأخذ أحد الصحابة فهراً رمى به على رأسها؛ فسالت دماؤها على ثوبه؛ فكأنه نال منها، فقال صلى الله عليه وسلم: (والله لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم) لو زنا أهل المدينة، أو شربوا الخمر، أو أكلوا المكس كلهم لوسعتهم توبة هذه المرأة، مما بلغ بقلبها من الخوف والتعظيم لله، ومن كان بالله أعرف، كان منه أخوف. أيها الأحبة! هذه قصة وحادثة، وحديثٌ ما كان يفترى من الصدر الأول، دليلٌ على عمق التربية الإيمانية التي ربى النبي صلى الله عليه وسلم الفرد والأسرة والمجتمع عليها، وإنها والله لمؤثرة، وفي القصص تأثير وعبر: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176] {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [يوسف:111] ليس من نسج الأوهام والخيال.

قصة التائب أحمد وصدقه في توبته

قصة التائب أحمد وصدقه في توبته وفي زمننا هذا وفي عصرنا تعود صور التوبة صادقة لامعة، براقة مشرفة، متوجة بصدق اللجوء والرجوع إلى الله جل وعلا، وقبل أن أذكر لكم هذه الحادثة التي ستسمعون وقائعها، وقد يطول المقام بذكرها، أقول: إن الشيطان سيأتي إلى قلوب وعقول البعض ويقول: هذا من نسج الخيال، أو هذا من المبالغة، أو هذا مما يصاغ للتأثير والتعبير، والله ثم والله ما كانت هذه القصة حديث مجالسٍ، وإنما هي من شابٍ لعله يكون من بيننا، هو الذي أخبرني بها، سلسلتها ذهبية، وسندها عالٍ، من هذا الشاب الذي أخبرني بها في مجلسٍ، ودعوته صباح هذا اليوم لأكتب وقائعها ولأسمعكم إياها، هذا الشاب هو الذي يذكرها مع صاحبنا التائب الذي نذكر تفاصيل توبته. أيها الأحبة! يقول صاحبنا هذا: كنت ذاهباً إلى دولة عربية مجاورة، يستغرق مدة السفر في هذه المهمة يوماً واحداً، ورجعت إلى المطار استعداداً للإياب، وقد أنهكني التعب، لم أجد فندقاً نظيفاً، ولم أتعود السفر، دخلت فندقاً لأول وهلة فإذا بالنساء والرجال والفساد والعهر والدعارة، فقال لي رجل: ما الذي جاء بك إلى هنا، لما رأى من حسن مظهره، وصلاح سمته، فقال: هي والله أول مرة آتي هنا، وليس لي حاجة سوى مهمة تدوم يوماً واحداً، فقال: اخرج يا شيخ عن هذا المكان فليس لائقاً بمثلك وأمثالك، قال: كيف أفعل والنهار يمضي والليل مقبل؟ فمضيت إلى حديقة أجلس فيها، حتى بزغ الصباح، وأنهيت مهمتي، وعدت إلى المطار استعداداً للإياب وأنا في تعبٍ ونصبٍ من هذه الرحلة التي ما ذقت فيها النوم إلا غفوات، فالتفت يمنة ويسرة أبحث عن مكانٍ أجلس فيه، فوجدت مكاناً أعد للصلاة في زاوية هذا المطار، وجدت مصلىً صغيراً فذهبت ونمت فيه نوماً عميقاً؛ لأنني متعبٌ، وفي قرابة وقبيل الظهر استيقظت على بكاء شاب يصلي، فالتفت فإذا بشابٍ فوق العشرين ودون الثلاثين يصلي ويبكي بكاءً مريراً؛ يبكي بكاء زوجةٍ فقدت زوجها وهي تنظر، أو بكاء ثكلى فقدت ولدها من بين يديها، قال: فعدت وقد أعياني التعب والنصب لنومي. ثم دنا ذلك الباكي بعد لحظات، وأيقظني للصلاة، ثم قال: هل تستطيع أن تنام؟! هل تستطيع أن تنام؟! قلت: نعم. قال: أما أنا فلا أقدر على النوم، ولا أستطيع أن أذوق طعمه، فقلت له: نصلي وبعد الصلاة يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

سفر التائب أحمد إلى إحدى الدول ووقوعه في فاحشة الزنا

سفر التائب أحمد إلى إحدى الدول ووقوعه في فاحشة الزنا فأقبلت عليه بعد ذلك، قلت له: ما شأنك؟ قال: أنا من الرياض، من أسرة غنية، كل ما نريده مهيأ لنا من المال والملبس والمركب، لكنني مللت الروتين والحياة، فأردت أن أخرج خارج البلاد، فأجلت النظر هل أذهب إلى دولة يذهب إليها الناس؟! فخشيت أن يعرفوني فيفضحوني، فاخترت من بين دولٍ عدة، وقررت الذهاب إلى هذه البلاد التي أنا وإياك في مطارها، حتى لا يعرفني أحد، وما كان همي فعل فاحشة، بل لعبٌ وقضاء وقتٍ ولهوٌ وتفسحٌ، والشيطان لا يأتي عبداً من عباد الله -أيها الإخوة- ليقول له: اخرج لتزني، أو اخرج لتشرب خمراً، وإنما يقول: انظر إلى معالم السياحة، وقلب بصرك في حضارة الدول المختلفة، خرج وهذا همه، فلما وصل إذا برفقة سوءٍ كانت قد أحاطت به إحاطة السوار بالمعصم، فاطمأن إليها بادئ الأمر وما زالوا معه من ملاهٍ إلى ملاهٍ، ومن لعبٍ إلى عبث، حتى أتوا به رويداً رويداً إلى خطوات الزنا، إلى بدايات الزنا مع الجواري والنساء والفتيات الغانيات الرشيقات، وما زالوا به حتى انفرد بواحدة منهن وما زالت تلاعبه حتى وقع بها وزنا بها، ولما بلغ به الأمر مبلغه، وبلغت فيه الشهوة ذروتها وأخرج ما في جوفه، إذا بلسعة حرارة تلسع قلبه، وتضرب ظهره، وسياطاً في فؤاده يجدها، فجعل يبكي، وقام عنها وهو يبكي ويصيح: زنيت وأول مرة أزني! كيف انتهكت هذا الجدار، وهذا السور المنيع من الفاحشة؟!! كيف وقعت في الزنا؟!! إني سأحرم حور الجنة.

ندم التائب أحمد بعد الزنا وشدة بكائه

ندم التائب أحمد بعد الزنا وشدة بكائه انطلق به شأن وأمر عجيب، فخرج من الباب باكياً وإذا بفاجرٍ من القوادين ينتظره، فقال: ما لك تبكي؟ قال: لقد زنيت أتعرف كيف زنيت؟! لقد زنيت، ماذا قال ذلك الماجن الداعر؟! قال: الأمر هين، خذ كأساً من الخمر تنسى ما أنت فيه. قال: حتى أنتم ما زلتم بي حتى فقدت حور الجنة بفعل هذا الزنا! وتريد أن تحرمني خمر الجنة تقدم لي هذا الكأس! سبحان مقلب القلوب يا عباد الله! قال ذلك القواد الفاجر: إن الله غفورٌ رحيم، وقد نسي أن الله شديد العقاب، وأعد للمجرمين ناراً تلظى: {لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل:15] تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمامٍ سبعون ألف ملك، إذا رأت المجرمين سمعوا لها تغيظاً وزفيراً وشهيقاً. ثم أخذ الشاب يبكي من حرقة ما أصابه، ثم ذهب يهيم على وجهه، ويقول لصاحبه الذي يحدثه في المطار: يا ليتهم أخذوا مالي! لقد مضوا بي إلى الزنا! لقد أفسدوا وكسروا ديني وإيماني! يقول الشاب: وفي تلك اللحظة التي انتهيت فيها من الزنا ومنذ تلك اللحظة وأنا لا أزال باكياً قلقاً حزيناً.

محاورة التائب أحمد مع صديقه وتوديعه له

محاورة التائب أحمد مع صديقه وتوديعه له فقال صاحبنا هذا: أتلو عليك آية من كلام الله فلتسمع، فتلا عليه قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53] هذه أرجى آية أقرؤها عليك وأراها لك. فأجاب ذلك التائب الذي بلغت التوبة في قلبه ذلك المبلغ قال: كلٌ يغفر الله له إلا أنا، لا نقول هذا موافقة على القنوط، وإنما لقد بلغ الأمر به مبلغاً لا يزال به متأثراً. ثم رد عليه قائلاً: ألا تعلم أني زنيت؟! ثم سأل ذلك التائب صاحبه: هل زنيت أنت؟ قال: لا والله، قال: إذاً أنت لا تعلم حرارة المعصية التي أنا فيها، قال: وما هي إلا لحظات حتى أعلن منادي المطار إقلاع الرحلة التي سأعود فيها إلى الرياض، فأخذت عنوانه وودعته ثم انصرفت، وأنا واثقٌ أن ندمه سيبقى يوماً أو يومين أو ثلاثة، ثم ينسى ما فعل.

إصرار التائب أحمد على تسليم نفسه للمحكمة

إصرار التائب أحمد على تسليم نفسه للمحكمة فلما مكثت في الرياض قليلاً بعد وصولي إذا به يتصل بي، فواعدته ثم قابلته، فلما رآني انفجر باكياً ويقول: والله مذ فارقتك وفعلت فعلتي تلك ما تلذذت بنومٍ إلا غفوات. ما قولي أمام الله يوم أن يسألني ويقول: عبدي زنيت؟ فأقول: نعم. زنيت وسرت بقدمي هاتين إلى الزنا، فقال صاحبنا لذلك التائب: هون عليك إن رحمة الله واسعة، إن الله غفور رحيم. ثم قال ذلك الشاب التائب لصاحبنا هذا: ما جئتك زائراً ولكني جئتك مودعاً. قلت: إلى أين؟ قال: جئتك مودعاً ولعلي ألقاك في الجنة إن أدركتني رحمة الله، أو رحمني الله بواسع رحمته، قلت: إلى أين تذهب؟ قال: أسلم نفسي إلى المحكمة، وأعترف بجرم الزنا حتى يقام حد الله علي. فقلت له: أمجنونٌ أنت؟! أنسيت أنك متزوج؟! أنسيت أن حد الزاني المحصن الرجم بالحجارة حتى الموت؟! قال: ذاك أهون على قلبي من أن أبقى زانياً، وألقى الله زانياً غير مطهرٍ بحدٍ من حدوده. قال صاحبنا: أما تتقي الله! استر على نفسك، استر على أسرتك، استر على جماعتك. قال: كلهم لا ينقذونني من النار، وأنا أريد النجاة من عذاب الله. قال: فضاقت بي المذاهب، وأخذته وقلت: أريد منك شيئاً واحداً. فقال التائب: اطلب كل شيء إلا أن تردني عن تسليم نفسي إلى المحكمة. قال: غير ذلك أردت منك وأريد أن توافقني عليه. قال: ما دام غير ذلك أوافقك. فقال صاحبنا له: امدد يدك عاهد بالله على أن تعمل وتصبر لما أقول. قال: نعم. فعاهدني. قال: فقلت: نتصل بالشيخ فلان من أكبر العلماء وأتقاهم لله، حتى نسأله في شأنك فإن قال: سلم نفسك إلى المحكمة، أنا الذي أذهب بك بنفسي، وإن قال: لا. فلا يسعك إلا أن تسمع وتطيع. قال: نعم. فسألت الشيخ، قال الشيخ: لا يسلم نفسه، وقال الشيخ الذي سئل عن تسليم الشاب نفسه إلى المحكمة: إن هذا الشاب قد أقلقه بالهاتف، واتصل به مراراً يريد أن يقنعه أن يسلم نفسه، ويجادل ويلح ويصر على تسليم نفسه، قال: فلما قابلته، قلت: لماذا أزعجت الشيخ بهذا الاتصال، وأنا الذي قد كفيتك مئونة الاتصال به؟! فقال: أحاول فيه لعلي أقنعه فيوافقني أن أسلم نفسي. قال: ومن كلام هذا الشاب التائب للشيخ إني قلت له: اتق الله يا شيخ! فأنا أتعلق برقبتك يوم القيامة وأقول: إني يا رب! أردت أن أسلم نفسي ليقام حد الله علي فردني ذلك الشيخ، فقال الشيخ: هذا ما ألقى الله به، وما أفتيتك إلا عن علم.

ذهاب التائب أحمد إلى الحج

ذهاب التائب أحمد إلى الحج ثم قال الشاب التائب لصاحبنا: إني أودعك! قلت: إلى أين؟ قال: أريد الحج، وكان الحج وقتها على الأبواب، فطلبت منه أن يحج معنا، قال: لا، فظننته قد اختار رفقة يريد أن يحج معهم. قال: فحججت وحج صاحبنا هذا وأنا لا أعلم مَنْ رفقته، وفي ثاني أيام التشريق، رأيته من بعيد فناديته وكان اسمه أحمد، يا أحمد! يا أحمد! فالتفت إلي ورآني، ثم ولى هارباً، فقلت: سبحان الله! ما الذي غير قلبه علي، لعلي أراه في الرياض. قال: فلما قضينا مناسكنا وعدنا إلى البلاد، قابلته فسألته فقال: قد حججت وحدي، وتنقلت بين المشاعر على قدمي -وهذا الكلام يقوله التائب مقولة سر لصاحبنا هذا الذي أخبرنا بالقصة، ما يقوله تفاخراً أو رياءً أو سمعة- يقول: تنقلت بين المشاعر على قدمي لعل الله أن ينظر إلي ذاهباً من منى إلى عرفة، أو واقفاً على صعيد عرفة، أو ذاهباً إلى مزدلفة أو ماضياً إلى الجمرات لعل الله أن ينظر إلي فيرحمني. قلت له: لماذا هربت يوم ناديتك ثاني أيام التشريق؟ فقال: كنت مشغولاً بالاستغفار، أستغفر من الزنا الذي فعلت. قلت: هلَّا جئت معنا؟ يقول صاحبنا له: هلَّا جئت معنا أو جلست معنا؟! قال: أنا أجلس معكم! أنتم أطهار تريدون أن أدنسكم بالزنا! أنا رجلٌ زانٍ لا أستطيع أن أدنس مجالسكم! وكان التائب في حجه تارة يقول: أخشى ألا يغفر الله لمن حولي بشؤم ذنبي، وتارة يقول: لعل الله أن يرحمني بهؤلاء الجمع المسبحين الملبين.

تأثر التائب أحمد بقصة الربيع بن خثيم وآيات من سورة الفرقان

تأثر التائب أحمد بقصة الربيع بن خثيم وآيات من سورة الفرقان قال: ثم إنه دامت الصلة والزيارات بيني وبينه، وما زلنا نقرأ في سير التائبين والصالحين، وكنا نتمعن ذلك ونتدبره، قال صاحبنا الذي يذكر لنا هذه الواقعة: ثم إن التائب هذا بعد الحج حفظ القرآن كله، وأصبح يصوم يوماً ويفطر يوماً، يقول: وفي ذات يومٍ كنا مجتمعين نقرأ في سير الصالحين الأولين، فمرت بنا قصة الربيع بن خثيم؛ ذلك الشاب الذي لم يجاوز الثلاثين من عمره، شابٌ، وسيمٌ، قويٌ، حييٌ، عالمٌ بالله، خائفٌ منه، وكان في تلك البلاد الذي فيها الربيع بن خثيم من الفساق والفجار الذين يتمالئون ويتواطئون على إفساد الناس، وإفساد الأبرار والأطهار الصالحين، قال: ثم إن أولئك تمالئوا وقالوا: نريد أن نفسد الربيع بن خثيم، قالوا: ومن ذا الذي يفسده؟ قالوا: نأتي إلى غانية -والغانية: هي التي استغنت بجمالها عن المحسنات والمجملات- نأتي إلى غانية باغية فندفع لها ما يكون سبباً في أن تغوي الربيع بن خثيم، فأتوا إلى أجمل من عرفوا من البغايا وقالوا: لك ألف دينار، قالت: على ماذا؟ قالوا: على قبلة واحدة من الربيع، أن يقبلك الربيع بن خثيم فلك ألف دينار، قالت: ولكم فوق هذا أن يزني وأن يفعل ويفعل ثم إنها تهيأت إلى الربيع من قبله على طريقه في مكان خالٍ، ثم سفرت عن لباسها وتعرضت له في ساعة خلوةٍ، شاب أمام فاتنة جميلة. فلما رأى بدنها في تلك اللحظة الخالية صرخ بها قائلاً: كيف بك لو نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لونك وبهجتك؟! أم كيف بك لو نزل ملك الموت وقطع منك حبل الوريد؟! أم كيف بك لو سألك منكرٌ ونكير؟! فصرخت صرخة عظيمة، ثم ولَّت هاربة وأصبحت من العابدات حتى لقبت بعابدة الكوفة، ثم قال أولئك المفسدون الذين تمالئوا على إفساد الربيع: لقد أفسدها الربيع علينا. قال صاحبنا هذا: فلما سمع التائب هذه القصة تأثر وبكى، وانفجر باكياً، يقول: الربيع يردها وأنا بقدمي أذهب لأزني بها! الربيع يردها هذه -التي اعترضت أمامه في الطريق- وأنا أذهب لأزني بها! قال: ثم انصرف عن مجلسه باكياً متأثراً، حزيناً منكسراً، ثم بعد ذلك قال صاحبنا: ورأيت أحد العلماء فأخبرته بقصته، وما كان منه من انكسار، وإياب، وصيام، وحفظ للقرآن، وصلاة، فقال: لعل زناه هذا قد يكون سبباً لدخوله الجنة، ولعل بعض الآيات قد تصدق في حقه بل قد تنص في حقه بعينها، وهي قول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68 - 70]. قال صاحبنا: لما سمعت هذه الآية عجبت، وقلت: كيف غفلت عن هذه الآية؟! فوليت إلى بيت صاحبنا، وليت إلى بيته في دار أبيه العامرة في قصر أبيه الفسيح، ذهبت إليه لأبشره قالوا: إنه في المسجد، فذهبت إليه في المسجد فوجدته منكسراً تالياً للقرآن، فقلت: عندي لك بشرى! قال: ما هي؟ فقلت له: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] قال: فلما بلغت هذه الآية كأني أطعنه بخنجرٍ في قلبه، قال: فمضيت تالياً: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68 - 70] قال: فلما أكملت هذه الآية قفز فاحتضنني وقبل رأسي، وقال: والله إني أحفظ القرآن ولكن كأني أقرؤها أول مرة، لقد فتحت لي باباً من الرجاء عظيماً، وأرجو الله أن يغفر لي بها، ثم أذن المؤذن فانتظرنا إقامة الصلاة، وغاب الإمام ذاك اليوم، فقام مؤذن المسجد وقدم صاحبنا التائب، فلما كبر وقرأ الفاتحة تلا قول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الفرقان:68] فلما بلغ: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:70] لم يستطع أن يكملها، فركع، ثم اعتدل، ثم سجد، ثم اعتدل، ثم سجد، ثم قام، فقرأ في الركعة الثانية الفاتحة وأعاد الآية، يريد أن يكملها فلما بلغ: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:70] لم يستطع أن يكملها، فركع وأتم صلاته باكياً.

توديع التائب أحمد للدنيا ولحوقه بربه

توديع التائب أحمد للدنيا ولحوقه بربه ومضى على هذه الحال زمناً إلى أن جاء يومٌ من الأيام الماضية، وكان يوم الجمعة، من عطلة الربيع عام (1409هـ) وبعد العشاء من ذلك اليوم اتصل بي رجلٌ، فقال: -واسم صاحبنا الذي أخبرني بالقصة أحمد، والشاب التائب اسمه أحمد- فقال: أنا والد صاحبك أحمد وأريدك أن تأتي إلي مسرعاً في أمرٍ مهم، قال: فخرجت مسرعاً خائفاً، فلما بلغت باب قصره إذا بالأب واقفٌ على الباب فسألته ما الخبر؟ فقال: صاحبك أحمد يطلبك السماح وهو يودعك إلى الدار الآخرة، لقد انتقل مغرب هذا اليوم إلى ربه، ثم انفجر الأب باكياً، يقول صاحبنا: وأنا أهون عليه وبقلبي على فراق حبيبي وصديقي مثل الذي بقلب والده، ثم دخلنا، فأدخلني في غرفةٍ، يقول صاحبنا الذي يذكر القصة: كان صاحبي فيها مسجىً مغطى، فكشفت عليه ووجهه يتلألأ نوراً، كشفت وجهاً قد فارق الحياة لكنه أنور وأبهى وأبهج وأجمل من قبل موته، كله نور، ورأيت محياً كله سرور، فقال لي والده: إني أسألك ما الذي فعله ولدي يوم أن سافر منذ أن جاء من السفر وهو على حاله؟! قال صاحبنا هذا -وكان قد عاهد ألا يخبر بالقصة بعينها، وإنما يذكرها على سبيل العظة والاعتبار، دون تحديدٍ لاسم شخصية عائلة هذا الشخص حتى لا يعرف- قال: صاحبنا لوالده: إن ولدك يوم أن سافر فقد عزيزاً عليه في سفره ذلك، نعم، فقد في تلك اللحظة إيماناً عظيماً، فقد في لحظة الزنا إخباتاً وإقبالاً لقد فقد عزيزاً. أما زوجة هذا التائب، فتقول: إن نومه غفوات، وما استغرق في نومٍ بعد رجوعه من السفر، وهم لا يعرفون حقيقة القصة، قال صاحبنا: فسألت والده عن موته، فقال الأب: إن ولدي هذا كما تعلم، يصوم يوماً، ويفطر يوماً، وفي يوم الجمعة هذا، بقي عصر يومه في المسجد يتحرى ساعة الإجابة، وقبيل المغرب ذهبت إلى ولدي فقلت: يا أحمد! تعال وأفطر في البيت، فقال: يا والدي إني أحس بسعادة فدعني الآن، قال: يا ولدي! تعال لتفطر في البيت، قال: أرسلوا لي ما أفطر عليه في المسجد، قال: أنت وشأنك، وبعد الصلاة قال الأب لولده: يا ولدي! هيا إلى البيت لتتناول عشاءك، فقال التائب أحمد: إني أحس براحة عظيمة الآن، وأريد البقاء في المسجد، ولكن بعد صلاة العشاء سآتيكم لذلك، فقال الوالد: أنت وما أردت، ولما عاد الأب إلى المنزل أحس بشيء يخالج قلبه، ويخاطر فؤاده، يقول الأب: أحسست بشعورٍ غريب، فبعثت ولدي الصغير، فقلت: اذهب إلى المسجد، وانظر ما الذي بأخيك. فذهب الولد وعاد صارخاً، يا أبت! يا أبت! أخي أحمد لا يكلمني، يقول الأب: فخرجت مسرعاً إلى المسجد، فوجدت ولدي أحمد ممدداً، وهو في ساعة الاحتضار، وكان يتكئ على مستند ليرتاح عليه في خلوته بربه، واستغفاره وتلاوته، قال: فأبعدت عنه المستند الذي يتكئ عليه، وأسندته إلي، فنظرت إليه، فإذا هو يذكر اسم صاحبنا هذا الذي يقص علينا القصة، هذا الذي بلغنا الواقعة، وكأنه يوصي بإبلاغ السلام إليه، ثم إن التائب أحمد هذا الذي توفي ابتسم ابتسامة في ساعة الاحتضار، يقول أبوه: والله ما ابتسم ابتسامة مثلها من يوم أن جاء من سفره، ثم قرأ في تلك اللحظة -التي يحتضر فيها ويتبسم- وهو يرتل: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:68 - 70] قال: فلما بلغ هذه فاضت روحه، وأسلم الروح إلى باريها. يقول الأب لصاحبنا هذا: والله لا أدري هل أبكي على حسن خاتمته فرحاً، أم أبكي على فراق ولدي، وفلذة كبدي، ثم إن هذا القصة أصبحت سبباً في صلاح أسرته وإخوانه. فيا أيها الأحبة! البدار البدار إلى التوبة، فإن الموت لا يمهل المذنبين، ووالله ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار، وما بعد الموت من مستعتب، فهل يفقه هذا مذنب؟! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

لا بد من الرجوع إلى الله وتذكر الموت

لا بد من الرجوع إلى الله وتذكر الموت الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتوبوا إليه، فإن أجسامكم على وهج النار لا تقوى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله! الموت لا يمهل المذنبين: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل أيها الأحبة! أبعد هذه التوبة يبقى مصرٌ على عصيانه؟! أيبقى بعد هذه التوبة معاكسٌ على معاكسته، أم هاجر للجماعة على تركه الصلاة، أم عاقٌ يمضي في عقوقه، أم قاطعٌ يجبو في رحمه، أم فاجرٌ يمضي في فجوره، أم شابٌ غرته الصحة والعافية والثراء والمال يسافر إلى مختلف الدول ليفعل ما يفعل؟! أبعد هذا الموت الذي يفاجئ الإنسان إما على نعمة أو نقمة، إما على خاتمة حسنة أو على خاتمة سيئة؟! وما أكثر الذين تخطفتهم ملائكة الموت وهم في أحضان البغايا أو على موائد الخمور، أو في سفر الغفلة، أو في لهو المعصية؟! أبعد هذا يصر بائعٌ لأشرطة الفيديو على هذا؟! أبعد هذا يبقى بائعٌ للتسجيلات في الأغاني على هذا؟! أبعد هذا نرضى بالمنكرات في بيوتنا؟! أبعد هذا نمضي على إسرافنا في أمرنا؟! نجمع ألواناً من السيئات، ونعد أنفسنا من خيار الناس! نجمع الإسبال وحلق اللحى والاستماع إلى الأغاني والتهاون بصلاة الجماعة ثم نقول: نحن خيرٌ من ذاك وذاك! نعدها صغائر وهي والله كبائر، بإصرارنا وبقائنا عليها، بدوامنا عليها. أيها الأحبة في الله! إننا لمغرورون، يزين بعضنا بعضاً، إذا قابلتك مدحتك، وإذا قابلتني مدحتني، وكأننا من أهل الجنة، ووالله لو انتقدنا بعضنا، ونصحنا بعضنا بأصول النصيحة وآدابها لما وجدنا فينا حمداًَ إلا القليل، ولكن كما قال ابن الجوزي رحمه الله: اعلم أن الناس إن أعجبوا بك فإنما اعجبوا بجميل ستر الله عليك، والله ما جمل بعضنا أمام بعض إلا جميل ستر الله علينا، وإلا فنحن مقصرون، متهاونون، مذنبون، نرجو الله أن يعاملنا بعفوه، نرجو الله أن يعاملنا بمنه، نرجو الله أن يعاملنا برحمته إنه هو أهل التقوى وأهل المغفرة. اللهم تب علينا، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا.

توديع العام المنصرم

توديع العام المنصرم إن الإنسان خلق في يوم محدود ولحظة محدودة، وسيرحل عن هذه الدنيا في يوم محدود ولحظة محدودة مقدرة عند الله جل وعلا قبل أن يخلقه، وإذا مر يوم من أيامه فإنما هو تعجيل لباقي عمره؛ فليرجع إلى الوراء، وليتفكر ما عمل في أيامه الماضية، وأعوامه المنصرمة، وإن محاسبة العبد نفسه في كل يوم مضى، وعام انقضى؛ ليدل على أنه على خير، فلنحاسب أنفسنا، ولننظر ما قدمنا لآخرتنا فإننا -والله- مسئولون عن كل لحظة ودقيقة ضيعناها.

الأدلة العقلية على الفناء والزوال

الأدلة العقلية على الفناء والزوال الحمد لله الذي جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكوراً، أحمده جل جلاله وأثني عليه الخير كله، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، أرسله الله جل جلاله إلى الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أنكم في يومكم هذا طويتم صحائف عام كامل مضى وانقضى، وبدأتم عاماً جديداً، أتعجبون وتقولون سرعان ما انقضى! وكيف مرت كالبرق فيه تلك الليالي والأيام! فهي مطاياكم تحث بكم السير إلى النهاية، فالليل يسير بكم مرحلة، والنهار يقدمكم أخرى، وكل يوم تمرون به يباعدكم عن الدنيا ويقربكم إلى الآخرة. أليست -عباد الله- حكمة واضحة؟ أليست آية بالغة، ودليل فناء وانقضاء؟ منع البقاء تقلب الشمس وخروجها من حيث لا تمسي وبزوغها صفراء لامعة ومغيبها حمراء كالورس طلوع الشمس من مشرقها مشرقة مضيئة، ثم زوالها وغروبها مصفرة ضعيفة، ثم هجوم الظلام ورحيل الضياء، ثم بزوغ فجر جديد، يطوي بالعباد يوماً بليلة، ويستهل بهم خطىً نحو الآجال والغايات، بزوغ الأهلة صغيرة نحيلة، ثم تنمو نحو الكمال وبدور الجمال، وماذا بعدها إلا المحاق والزوال؟ وأنتم يا بني آدم! تبدءون في الأرحام نطفاً، وتخلقون علقاً ومضغاً، وتولدون رقاقاً ضعافاً، ثم تبلغون أشدكم، ثم تكونون شيوخاً، فمنكم من يرد إلى أرذل العمر، ومنكم من تخطفه الآجال قبل ذلك. إذاً يا عباد الله! كل شيء في هذا الوجود دليل على الفناء والزوال، وشاهد على بقاء رب العزة والجلال: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور:44].

دعوة في محاسبة النفس في العام المنصرم

دعوة في محاسبة النفس في العام المنصرم عباد الله! تأملوا عامكم هذا الذي ودعكم، كم ولد فيه من مولود، وكم مات فيه من حي كم عز فيه من ذليل، وكم ذل فيه من عزيز! كم اغتنى فيه من فقير، وكم افتقر فيه من غني! وكم صار فيه من اجتماع بعد افتراق، وافتراق بعد اجتماع! وكم صح فيه من سقيم، وكم اعتل فيه من صحيح! وكم قامت فيه من دول، وكم انكسرت فيه من أمم! تقلب وتغير وتبدل يطوى في الليالي والأيام، وترحل به الشهور والأعوام، فسبحان المتفرد بالبقاء والدوام. قيل لنوح عليه الصلاة والسلام، وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً: كيف رأيت هذه الدنيا؟ فقال: كداخل من باب وخارج من آخر، وخطب صلى الله عليه وسلم الناس فقال: (أيها الناس! إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين، أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم، ومن الحياة قبل الموت). وخطب أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: [إنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل، إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا]. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [أيها الناس! حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]]. عباد الله! فلنحاسب الأنفس في عامنا المنصرم، ولنجرأ في السؤال، ولنصدق في الجواب، كيف قضينا ساعاته؟ وفيم أمضينا أوقاته؟ نسأل أنفسنا اليوم، وسنسأل عن هذا غداً، روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فمن منا أعد لهذا السؤال جواباً؟ والناس أمام هذا الأمر مذاهبهم شتى، أجوبتهم متباينة، فمنهم من أفنى عمره في الدينار والدرهم، أبلى شبابه في مضاعفة ما جمع، بأي سبيل وعبر أي وسيلة؟! قد أفنى عمره في الغفلة والكسل واللهو والعبث، قد غره التسويف وطول الأمل، أما العلم فلم يبالوا بعمل ما علموه، أو تعلم ما جهلوه، بل جعلوا ذلك وراءهم ظهرياً. وأما المال فلم يألوا جهداً في اكتسابه من أي طريق حل أو حرم، مادامت البضاعة تزجي لهم ربحاً، وتسح عليهم المال سحاً، فتركوا فرائض ربهم، ونسوا أمر آخرتهم، ولم يزل ذلك دأبهم، حتى خرجوا من الدنيا مذمومين مدحورين، مفلسين من الحسنات والأعمال الصالحات، فاجتمعت عليهم سكرات الموت، وحسرات الفوت، وهول المطلع، فيندم الواحد منهم على تفريطه يوم لا ينفعه الندم، وبعد أن زلت به إلى الموت القدم: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:24 - 26]. ومنهم من ربح عمره، وتزود فيه للآخرة، تزود فيه بطاعة ربه، والتزم بشرائع ربه، وأبلى شبابه في مجاهدة النفس، فعلم وعمل، وصبر وصابر، واكتسب واحتسب، اكتسب المال من حله وأنفقه في محله، فهنيئاً له بالنجاح والفوز والفلاح، يقال له عند ختامه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. فمن كان حاله كذلك فليسأل الله الثبات وليلزم، ومن كان غير ذلك فليبادر إلى التوبة والندم، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

المحاسبة في التزود للآخرة وعدم الغفلة

المحاسبة في التزود للآخرة وعدم الغفلة الحمد لله الواحد الأحد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير، كل ذلك تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وهو الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. عباد الله! قد مضى عام كامل بتمامه، ما مضى منه لا يعود أبداً، لو بذلت البشرية، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، لو اجتمع الجن والإنس، ولو استخدموا كل ما سخر لهم من الوسائل، لو اجتمعوا أن يردوا يوماً واحداً من هذا العام ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، هذا دليل الفراق والزوال، إذا أصبح صباح يوم ينادي مناد: يا ابن آدم! أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود، فاغتنموا شبابكم قبل هرمكم، واغتنموا صحتكم قبل سقمكم، واغتنموا غناكم قبل فقركم، واغتنموا فراغكم قبل شغلكم، وقدموا في حياتكم قبل موتكم. واعلموا أن الموت ليس هو النهاية، بل إن بعد الموت دار، وما بعد الموت من دار إلا الجنة أو النار، فنسأل الله جل وعلا لنا ولكم السلامة من ذلك، تفكروا يا عباد الله فيما قضيتم أيام عام كامل، ثلاثمائة واثنين وستين يوماً، كيف قضيتموها؟ فيم أبليتموها بلياليها وأيامها، بساعاتها ودقائقها؟ هل قدمتم فيها عملاً يسركم أن تلاقوه أمامكم؟ هل بذلتم فيها أعمالاً يسركم أن تكون أنيساً لكم في قبوركم؟ هل قدمتم فيها شيئاً ينفعكم يوم العرض الأكبر على الله؟ إن الكثير لفي غفلة، يمر العام بعد العام، ولا يبالي بتوالي الشهور والأعوام، لا يدري ماذا قدم، ولا يدري بما يشتغل، أهو في حلال أم حرام؟ أهو في مباح أم بلاء؟ لا يدري في أي واد هلكت أوقاته، ولا في أي شيء قضى ساعاته، فنسأل الله جل وعلا لنا ولكم السلامة من الغفلة. إن الغفلة يا عباد الله مصيبة عظيمة، وهي من أعظم المصائب على النفوس، ومن أشد العقوبات على القلوب، يقول الله جل وعلا: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19] نسوا أنفسهم فلم يتزودوا ولم يعملوا، ولم يستغلوا ولم يجتهدوا ولم يقدموا، حتى إذا آن الفراق، والتفت الساق بالساق، لم ينفع عند ذلك بكاء الأهل والأحباب، لا يجد أمامه إلا ما قدم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولا يلومنّ امرؤ إلا نفسه.

المحاسبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله

المحاسبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عباد الله! هل قضينا هذا العام المنصرم في أمر بمعروف ونهي عن منكر؟ هل قضيناه في دعوة إلى الله واحتساب؟ هل قضيناه في تعلم علوم شرعية نافعة؟ ومزاحمة طلبة العلم عند حلق العلماء؟ هل قضيناه في بذل المعروف للأحباب والأهل والأقارب؟ هل قضيناه في أعمال يسرنا أن نلقاها؟ أم ماذا قضينا هذا العام؟ إن الكثير لا يعرف سوى الخروج من البيت، ثم العودة إليه، ثم النوم، ثم الاستيقاظ، ثم شبع البطن، وبعد ذلك ينام. إن من يعيش هذه العيشة، فهو كالبهيمة بل أسوأ منها؛ لأن البهائم لم تكلف ولم تخاطب بخطاب شرعي، وهو قد كلف وخوطب، فما جوابه عند ربه يوم العرض والمساءلة، بماذا يخرج الإنسان من هذه الدنيا؟ هل خرج بجهاد في سبيل الله؟ أو بإنفاق وزكاة قدمها لوجه الله؟ أو علم نفع به الخلائق؟ أو حفظ من كتاب الله شيئاً؟ أو كان عابداً قواماً تنتفع البلاد والعباد بفضل عبادته بعد رحمة الله؟ هذا هو الشيء الذي يقدمه الإنسان، ويبقى له بعد مماته، أما الكثير فإنهم يقضون هذه الأعوام، ويموتون كما تموت البهيمة، تجر عن قارعة الطريق، فلا يبالى بأي واد هلكت، وأي سبع أكلها. إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه وموت فتى كثير الجود محلٌ فإن بقاءه خصب ونعمه وموت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمه وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمه فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه وباقي الخلق هم همج رعاع وفي إيجادهم لله حكمه فكونوا من أولئك الخمسة يا عباد الله، ليعرف كل واحد منكم موقعه ومكانه ومهمته، وواجبه تجاه نفسه وبيته وبلاده وأمته، وولاة أمره والمسلمين أجمعين، وليكن على موقع وعلى ثغر من ثغور الإسلام، لا يؤتين الإسلام من قبله بجهل أو غفلة أو تفريط، أسأل الله جل وعلا أن يوقظنا وإياكم من الغفلة، وأن يرزقنا تدارك الأوقات قبل هجوم الآجال، نسأل الله جل وعلا أن يتوفانا على التوحيد شهداء، وعلى الإسلام سعداء، وأن يحشرنا في زمرة الأنبياء. اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا حيران إلا دللته برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، وجنبهم بطانة السوء، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفقه لكل ما تحب وترضى، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله، ووحد كلمته، اللهم ثبت أقدامه، اللهم من أراد بهم وبعلمائنا وشبابنا وولاة أمورنا سوءاً فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء. حسبنا الله ونعم الوكيل، على من يأكل في هذه البلاد من خيراتها وأرزاقها ويهم بالسوء فيها ولأهلها، اللهم إنا ندرأ بك في نحور من أراد بنا شراً، ونعوذ بك من شرورهم، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك. اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه التي لا تستطيعون حصرها، ولا تقدرون شكرها يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

جريمة قتل إحسان إلهي

جريمة قتل إحسان إلهي إن جريمة قتل الشيخ إحسان إلهي ظهير لتثبت أن أعداء الدين لا يزالون يخططون ويدبرون في نشر باطلهم وكبت هذا الدين الذي وعد الله بنصره. ولكن: كيف وقعت هذه الجريمة؟ وكم ضحاياها؟ ولماذا يُسكت عنها؟ ومن هو الشيخ إحسان إلهي؟ وما هو طريق الجهاد والدعوة؟ أسئلة جاءت إجاباتها في هذه المادة.

ضحايا جريمة قتل الشيخ إحسان

ضحايا جريمة قتل الشيخ إحسان الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على مثل البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا في محكم كتابه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:155 - 156]. معاشر المؤمنين: منذ أيام قليلة فجعنا بحادثة مؤلمة لقلب كل مؤمن مجاهد غيور، ما هي هذه الحادثة؟ أين مكانها؟ ما هي أسبابها؟ وما أبعادها؟ وما الدوافع وراءها؟ أيها الأحبة في الله: أما الحادثة: فهي جريمة تفجير راح ضحيتها أحد علماء العالم الإسلامي وهو الشيخ/ إحسان إلهي ظهير عظَّم الله أجركم في وفاته، وأسكنه فسيح جناته، وراح في إثر تلك الحادثة اثنا عشر عالماً من علماء أهل السنة، رحمة الله على الجميع، وبلغ عدد المصابين من الجرحى ما يربو على المائة جريح.

نبذة عن حياة الشيخ إحسان

نبذة عن حياة الشيخ إحسان معاشر المؤمنين: قبل أن أخوض في كيفية هذه الحادثة البشعة الشنيعة، أذكر لكم طرفاً عن الشيخ، فهو: إحسان إلهي ظهير، من أجلاّء علماء العالم الإسلامي، وهو من باكستان، معروف بالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، والتأليف، ذو غيرة على الدين خاصة في مجال العقيدة، له مواقف محمودة في رد شبهات أهل البدع ودحضها، وله تصانيف مشهورة في تبديد ظلمات أهل الملل الضالة والنحل المنحرفة، وكل ذلك بأنوار الحجة من كتاب الله وسنة نبيه، وأثبت تناقض أولئك المبتدعة من واقع ما كتبوه وألفوه، له مؤلفات عديدة، ومنها: الشيعة والسنة، والشيعة والقرآن والشيعة وآل البيت، والبابية، والقاديانية.

كيفية وقوع جريمة قتل الشيخ إحسان وأبعادها

كيفية وقوع جريمة قتل الشيخ إحسان وأبعادها كان رحمه الله منذ أيام قليلة واقفاً يخطب في مؤتمر إسلامي في مدينة لاهور بـ باكستان، وبينما هو كذلك إذ انفجرت حوله قنبلة قد رتب لتفجيرها أعداء الدين، الذين أحرقهم وكتم أنفاسهم بمصنفاته ومؤلفاته، في فضح أسرار مذاهبهم الباطلة، ومبادئهم المنحرفة، مستدلاً عليهم في ذلك بما كتبوه بأيديهم ورضوه لأنفسهم، وفي لحظة انفجار القنبلة مات عدد ممن كانوا حوله، وأصيب رحمه الله بجراحات بالغة نقل فوراً من مدينة لاهور إلى مدينة الرياض، دار الوفاء للعلماء، ليتلقى عناية مركزة في أحد أكبر مستشفياتها، وما هي إلا ساعات ثم فاضت روحه إلى بارئها، وانتقل إلى جوار ربه شهيداً إن شاء الله، توفي على إثر تلك الإصابة الفادحة، فصلي عليه بالجامع الكبير، ودفن في المدينة المنورة رحمه الله رحمة واسعة. أيها الإخوة في الله: إن وقوع هذه الحادثة بهذه الطريقة الإجرامية القذرة ليدلنا إلى أي مدى بلغ الأمر بأعداء الدين؟! إلى أي مدى بلغ الأمر بأعداء الإسلام؟! ولو انتسبوا إلى ملل الإسلام وطوائفه، ليدلنا إلى أي مدى بلغ الأمر بهم في التخطيط والعمل بشتى أساليبهم الخداعة والبرّاقة. والوحشية والإجرامية بما يخدم مصالحهم، ويضمن التوسع لقاعدة أتباعهم، ويوقف زحف الدعاة الذين يفضحونهم، ويكشفون للناس حقيقة باطلهم، حتى لو وصل الأمر إلى التصفية الجسدية بالقتل أو التفجير. ثم إن هذه الحادثة كانت دليلاً على قصد أكبر عدد ممكن من العلماء الحضور في ذلك الوقت، إذ لو كان المقصود الشيخ/ إحسان إلهي ظهير وحده لاكتفى أعداؤه بإطلاق الرصاص عليه وحده دون غيره، لكنهم لم يرضوا إلا بتفجير قنبلة في ذلك المكان ليقتلوا أكبر عدد ممكن. أيها الأحباب في الله: أمام هذه الحادثة التي يدرك كل ذي قلب ولب أن أعداء الدين لا زالوا يعملون ويدبرون، ويخططون، ويغتالون ويقتلون، في سبيل نشر باطلهم، وأمام هذا كله ماذا قدمنا لديننا؟ ماذا قدمنا لإسلامنا؟ أنتم معاشر المسلمين أكثر سكان العالم اليوم، أين عملكم؟ أين بذلكم؟ أين تضحياتكم في سبيل رفعة الدين ونصرة العقيدة؟ لقد تجاوز تعداد المسلمين ألف مليون، فأين هم؟ أرأيتم يا عباد الله! أرأيت كيف يكاد لـ لإسلام في وضح الصباح أرأيت أقصانا وما هدم العدو وما استباح أرأيت كيف بغى اليهو د وكيف أحسنا الصياح الكفر جمع شمله فـ ـلم النزاع والانفطاح يا ألف مليون وأين هـ ـم إذا دعت الجراح هاتوا من المليار مليـ ـوناً صحاحاً من صحاح من كل ألف واحداً يـ ـغزا بهم في كل ساح أين المسلمون أمام هذه الحادثة؟ أيها الأحباب في الله: وأمام هذه المصيبة التي يدرك كل مسلم أنهم لا زالوا يعملون ويدبرون، وأن المسلمين في غفلة، وفي نوم عميق، وفي غطيط وسبات، وفي ملهاة بهذه الدنيا بين الزوجات والأموال والأولاد، إذا كان النصارى وأبناء النصارى لا يملون التبرع والدعم لمؤسسات التبشير، ينذرون جزءاً من أموالهم وأوقاتهم لذلك، إذا تخرج الطبيب منهم أو الطبيبة نذر نفسه سنة أو سنوات لأي مؤسسة تبشيرية لخدمة النصرانية، ونشرها في أوساط المجتمعات الفقيرة والمريضة، وإذا كانت التركات وأموال الأثرياء الذين لا يخلفون وراءهم من يرثهم توضع لصالح ميزانية الفاتيكان لدعم التبشير والنصرانية، وجهودهم نشطة ومستمرة وواضحة في جميع دول العالم أجمع، عدا المملكة العربية السعودية، ولو وجدوا متنفساً لما ترددوا في ذلك، فأين تضحياتنا وأين عملنا لديننا؟ إن بعض المسلمين يمن ويستكثر أن يحافظ على الصلوات الخمس مقتصراً عليها وعلى الأركان الخمسة المعلومة من الدين بالضرورة، وأما بعض المسلمين ففي غفلة حتى عن الصلاة وعن أركان الإسلام، ويظن بعضهم أن واجبه أن يقف عند هذا الحد من العمل، جاهلاً أو متجاهلاً أن من تمام العمل والعبادة دعوة الناس ومجاهدتهم في سبيل إقامة الدين. ألسنا ندرك ونعقل قول الله جل وعلا: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2]؟ إن البشرية في خسر إن بني الإنسان لفي نقص وخسارة: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] ومن هذه السورة القصيرة التي يقول الشافعي فيها: "لو لم ينزل على الناس إلا سورة العصر لكفتهم"، من هذه السورة ندرك خسارة البشرية، إلا من آمن وعمل صالحاً ودعا إلى الله وهو معنى التواصي بالحق، والصبر على ما يناله في سبيل الدعوة إلى الله وهو معنى التواصي بالصبر. معاشر المسلمين: يوماً بعد آخر، وسنة بعد أخرى ونحن نرى مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمته: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل يصيبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت، ولينزعن الله مهابتكم من صدور أعدائكم) لقد نزعت هذه المهابة حتى تجرأ أعداء الإسلام أن يمدوا أيديهم بالقتل والاغتيال والتفجير على علماء المسلمين. إن علماء المسلمين في محنة إن علماء الدين في محنة، اللهم انصرهم بنصرك يا رب العالمين. معاشر المسلمين: لا تكادون تجدون دولة ينصر فيها العلماء ويحترمون ويسمع لقولهم سوى هذه البلاد، ودول الخليج والجزيرة، وأما ما سواها فهم يلاقون المضايقة يلاقون الطرد من بلادهم يلاقون الإبعاد عن أوطانهم، وعن زوجاتهم وأبنائهم، إن الآلاف منهم يعيشون مشردين في دول الغرب، وفي دول الكفار، يقولون: رحمة الكفار بنا أهون علينا من العودة إلى تلك البلاد التي نجد فيها ظلماً غاشماً، وطاغوتية وجبروتية. اللهم أعز علماء الإسلام وانصرهم بنصرك، واحفظهم بعنايتك، وأدم تمكينك لهذه الأمة، وولاة أمورها، لتبقى مكاناً ومأوى لعلماء الدين والإسلام. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

أدماء المسلمين رخيصة؟!

أدماء المسلمين رخيصة؟! الحمد لله منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، وهازم الأحزاب، لا إله إلا هو رب الأرباب، عليه توكلنا وإليه مآب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى صحابته الكرام، وعلى زوجاته أمهات المؤمنين، ومن اتبعه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بسر رفعتكم، ومصدر سيادتكم، وسبيل كرامتكم، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: هذه الحادثة مرت وكأنها ما وقعت، لو قتل صحفي كافر شرقي أو غربي؛ لقامت دول الكفر ولم تقعد؛ ولضجت الصحف، ولطنطنت وسائل الإعلام، أما عالم من علماء المسلمين فإن الدماء رخيصة؟!! حادثة يسيرة!! وعلى حد قول بعضهم: وموت كلب وادعٍ جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمنٍ مسألة فيها نظر معاشر المؤمنين: إن لم يلتفتوا لعلمائنا فنحن نلتفت لهم، إذا كانت دول الكفر تضج وتصيح لرهينة من الرهائن، ولا تزال تضغط بكل ما أوتيت من السبل والوسائل أمام كافر لا يساوي هو والكفار وما أوتوا من الأموال والمتاع عند الله جناح بعوضة، فإن في قلوبنا لعلمائنا مكانة، وإن في أنفسنا لعلمائنا مكانة، ندرك هذه المكانة، ونعرف أنهم مصابيح الأرض على الدنيا، ونعرف أن الله جل وعلا شرفهم بحمل كتابه وسنة نبيه. معاشر المؤمنين: نحن نعلم أن القضاء واقع، وأن الأمور بأسبابها، وأن الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله رحمة واسعة، لو لم يمت بهذه القنبلة لمات في تلك اللحظة التي انتقل فيها إلى جوار ربه، لأن كل مسلم يعلم عقيدة يقينية قول الله جل وعلا: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] الموت لا يتأخر لحظة، ولا يتقدم أخرى، ولا شك أنه سيموت في تلك اللحظة، ولكن لما أراد الله إكرامه بالشهادة، ولما أراد الله إجزال الأجر والمثوبة له جعل وفاته شهادة إن شاء الله، جعل وفاته بهذه المصيبة. حدثني أحد الإخوان الذي رأى والده وهو يصلي عليه في الجامع الكبير، وبعد أن انصرف الناس من صلاة الجنازة رأوا رجلاً كبيراً طاعناً في السن وهو يفقد ولده، يفقد عالماً من علماء الإسلام، يرفع يداً تنتفض رهبة ورجاءً وخوفاً إلى الله ودموعه تتساقط على وجنتيه من عينيه، وهو يدعو دعاءً بالأردية فقهه الذين يفهمون هذه اللغة، يقولون: كان يقول: الحمد لله الذي جعل موته على هذه الحالة. ذكرني بـ الخنساء، التي ما تركت ليلة ولا نهاراً إلا وهي تبكي على أخيها صخر يوم أن قتل في الجاهلية. يذكرني طلوع الشمس صخر وأذكره لغروب كل شمس ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي جزعت وهلعت من موت أخيها صخر، ولما أن دخل الإيمان في قلبها واستشهد أبناؤها الأربعة، جاءوا إليها وقالوا: احتسبي الله في أولادك، فقالت: الحمد لله الذي شرفني بموتهم في سبيله.

طريق الدعوة طريق تضحيات

طريق الدعوة طريق تضحيات عباد الله: هذا طريق الدعوة هذا طريق الجهاد هذا طريق الإسلام، لو كانت الدنيا بما فيها من الزخارف والمتاع والأموال غبطة لكان أول من نالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد خيَّره ربه أن يجعل له جبال مكة ذهباً وفضة، فقال: (لا يا رب! أجوع يوماً وأشبع يوماً) واختار عيشة الكفاف حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى. لقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء، وليس هذا أول بلاء على المسلمين، فطريق الدعوة محفوف بالمكاره، و (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات). رسول الله أكرم من وطأت قدمه الثرى، لقي من العنت والمضايقة والمشقة من قومه؛ وضعوا سلى الجزور على ظهره، وآذوه وطردوه من بلاده، جاء الصحابة إليه صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله متى نأمن؟ بعد أن هاجروا إلى المدينة وما زال الأمن متزعزعاً، متى نأمن يا رسول الله؟ قالوا: يا رسول الله! أحدنا لا ينام إلا وسلاحه تحت فراشه، أحدنا لا يبول إلا وسلاحه على كتفه، متى نأمن يا رسول الله؟ قال: (إنكم قوم تستعجلون، ألا إن نصر الله قريب) {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]. جاء خباب وكشف ظهره إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بآثار الحديد المحمي على النار في ظهره، يشكو قسوة ما فعلت سيدته به، قال صلى الله عليه وسلم: (لقد كان الرجل فيمن قبلكم يؤتى به فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، وينشر بالمنشار من مفرق رأسه إلى قدمه، ما يصده ذلك عن دينه). وإن كان أعداء الإسلام بهذه الحادثة يخوفون المسلمين في أي مكان، فليعلموا أن الإسلام عزيز بعزة الله، رفيع برفعة الله، قوي بقوة الله وجبروته وقدرته. يا معاشر المؤمنين: طريق الجهاد والدعوة طريق تضحيات، وقد قدم الدعاة في هذا الطريق شيئاً كثيراً، إلى عهد قريب سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب حفيد إمام الدعوة، لقد فعل به العثمانيون فعلة ما فعلها أحد بمثله، جعلوه في فوهة المدفع ثم أوقدوا هذا المدفع وجعلوا أجزاءه تتطاير، وأشلاءه تتناثر، انتقاماً لمّا أن قام إمام الدعوة وكفرهم بباطلهم، وكفرهم ببدعهم وقبورهم وضلالهم وفسادهم. إذاً فطريق الإسلام طريق تضحيات، ومن يجزع من هذا الطريق فلا مكان للثبات والصمود عنده. يا معاشر المؤمنين: اسألوا الله جل وعلا أن يعز هذه البلاد وولاة أمرها، إننا لنعيش في أمن ما عاشه أحد، وعلماؤنا في طمأنينة ما اطمأن بها أحد، والخيرات توافد إلينا ما ذاقها أحد، أي نعمة هذه؟! نسأل الله ألا تكون استدراجاً. رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ركب المراكب التي ركبناها، وما شرب المشارب التي شربناها، لقد طرنا في الهواء، ومشينا على الماء، وجيء لنا بفاكهة الصيف في الشتاء، وما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أنحن أفضل منه؟ لا. وحاشا وكلا، ولا أفضل من عشر معشار واحد من صحابته. إذاً فاعلموا أنما هي استدراج، قيدوها بشكر الله يا عباد الله! وأقلعوا عن الغفلة، واتقوا الله في أنفسكم، إن كثيراً من المسلمين في غفلة ولهو، إن كثيراً من المسلمين لا يشهدون الصلاة، إن كثيراً من المسلمين في قطيعة، إن كثيراً من المسلمين لا يذكرون الله إلا قليلاً: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] الخطباء والوعاظ، الأئمة والعلماء يصيحون ليل نهار، لكن أين القلوب التي تجد مكاناً لهذه المواعظ والذكرى؟ إن في قلوبنا مرضاً، إن في قلوبنا قسوة، إن في قلوبنا بلاء، نسأل الله أن يرفعه عنا برحمته، نسمع آيات الله تتلى ولا تسقط دمعة واحدة من أعيننا، نسمع بإخواننا يُقَتَّلون ولا تتحرك شعرة من مشاعرنا، أي بلاء حل بنا يا معاشر المؤمنين؟ وأي مصيبة نحن فيها يا معاشر المؤمنين؟ اللهم لا تعذبنا بغفلتنا، اللهم لا تسخط علينا بلهونا. اللهم تب علينا كي نتوب، واغفر لنا يا غفار الذنوب، يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم ولنا ظهورهم، اللهم أقم علم الجهاد، اللهم اقمع أهل الكفر والزيغ والعناد، اللهم أهلكهم بدداً، وأحصهم عدداً، ولا تبق فيهم أحداً، اللهم أهلك زروعهم وضروعهم، اللهم اجعلهم كالمجانين في الطرقات، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم لا ترحم فيهم كبيراً ولا صغيراً. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد ولاة أمورنا بفتنة، أو أراد علماءنا بمكيدة، أو أراد شبابنا بضلال، أو أراد نساءنا بتبرج أو سفور، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم آمِنَّا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم انصر إمام المسلمين، اللهم مكن إمام المسلمين بكتابك وسنة نبيك، اللهم اجمع شمله بإخوانه، اللهم اجمع شملهم، ووحد كلمتهم، وثبت أقدامهم، ووحد صفهم، اللهم لا تفرّح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك، اللهم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله اختم بها آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، اللهم عافهم واعف عنهم، اللهم أكرم نزلهم، اللهم وسع مدخلهم، اللهم افتح لهم أبواباً من الجنان. اللهم نور على أهل القبور قبورهم، اللهم تلطف بنا وتجاوز عنا وكن لنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومَنِّك وكرمك يا أرحم الراحمين. يا شباب الإسلام: وبعد هذا كله من منكم يقول: أتوب إلى الله وأستغفره عَمَّا بدر مني، وأتوق صراط ربي المستقيم مقلعاً عن الذنوب والمعاصي؟ من منكم يتوب إلى ربه في لحظة استجابة، في لحظة يستجيب الله من عباده! ألا إنا نتوب إليك يا ربنا! فتب علينا. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

حسن الخاتمة

حسن الخاتمة إن كل حي وجد على هذه الأرض لا بد وأنه سيلاقي مصيراً محتوماً، ألا وهو الموت، فالموت مصير كل حي على هذه المعمورة، وهو يأتي فجأة دون نذير مسبق، وقد حث الشيخ على الاستعداد لهذا المصير، وذكر مثالاً من سوء الخاتمة يتعظ به من كان له قلب، كما قارن الشيخ بين مصير الصالح ومصير الفاجر بعد الموت.

لا يأس في الدعوة إلى الله

لا يأس في الدعوة إلى الله إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن الند والمثيل والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين معاشر الأحبة! كثيراً ما نواجه ويواجهه كل واحدٍ منكم طوائف من الشباب ومن كبار السن، من اللاهين العابثين، الغافلين عن الآخرة، الغير مبالين بأي مصيرٍ يئولون إليه وينتهون عنده، إن قدمت شريطاً فيه موعظةً لا يسمعونه، وإن قدمت رسالة فيها كلام جميل لا يقبلونه، وإن قدمت نصيحة لا يستمعونها، وإن تلطفت مع طائفة منهم يظنونه ذلاً واحتقاراًَ، وإن أخلصت النصيحة لأحدهم ظنه استعلاءً وتكبراً، والله يحار العقل ويحار الفكر، ويصبح الحليم حيران أمام طائفةٍ من أولئك اللاهين العابثين، الذين لا يعرفون المساجد إلا نزراً يسيراً، ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ولهم في بلاد الغرب مع البغايا والفاجرات صولاتٍ وجولات، كيف الطريق إلى قلوب هؤلاء؟ كيف يُدعَون إلى الله؟ كيف ينادون إلى كتاب الله؟ هل نيأس منهم {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] هل نحكم عليهم بالشقاء؟ كلا وبُعداً؛ لأن المسلم ليس مسئولاً أن يحكم على الناس في نهاياتهم أن يكونوا من أهل الجنة أو أهل النار، وعقائد أهل السنة جمعياً ناطقة بأنهم لا يشهدون لأحدٍ بجنةٍ أو نار، لكن يخشون على المسيء العقاب، ويرجون للمحسن الثواب، هل يعتبرون من سقط المتاع، أو على هامش الحياة؟ لا يا عباد الله!

الموت هو المصير المنتظر

الموت هو المصير المنتظر هناك مدخلٌ رئيس وهناك حقيقةٌ لا بد من طرحها، وقضيةٌ لا بد من مواجهتها، قضيةٌ لا بد أن نواجهها نحن، لا بد أن يواجهها كل واحدٍ في هذا المسجد، ولا بد أن يواجهها كل مسلمٍ وكافر، كل بعيدٍ وقريب، كل ذليلٍ وحقير، كل عزيزٍ وأمير، كل صعلوكٍ ووزير، هي حقيقة الموت، هي نهاية المطاف، هي خاتمة الدنيا، كل البشرية تشهد وتعلم وتنطق أن نهايتها هي الموت، وأن منتهى الطريق بالنسبة لها هي الانقطاع عن هذه الدنيا، انقطاع النفس، وانقطاع الروح، وانقطاع الجوارح، فالعين لا تبصر، واليد لا تتحرك، والأذن لا تسمع، والنَّفَس لا يجري، والدماء لا تتحرك، والشرايين لا تمضغ، إنها النهاية الأخيرة التي يواجهها ويقف أمامها كل صغيرٍ وكبير، كل بعيدٍ وقريب.

الموت وفجأته

الموت وفجأته كثيراً وكثيراً ما سمعنا بشبابٍ كانوا في غفلة، وفي بعد وتسلط، وقسوة وجفاء، كانوا في غلظة وقطيعةٍ وعقوق، بعضهم يشهد ويقر على نفسه، يقول: ما ركعتها في المسجد مع الجماعة، وبعضهم يقول: ما جانبت كأس الخمر مرة، وبعضهم يقول: ما سافرت إلا واقعتُ الفاحشة؛ فإذ به في يومٍ من الأيام تجده باكياً خاشعاً ساجداً راكعاً، سبحان مقلب القلوب والأبصار! ما الذي غيّر هذا؟ ما الذي غيّر أحواله؟ إنه الله جل وعلا، ولكن كيف السبب؟ ما هو السبيل؟ وأي طريقةٍ وصلت إلى قلبه؟ قدَّر الله على الكثيرين منهم أن يقفوا مشهداً ماثلاً حقيقياً لا محيص ولا مناص عنه، قدَّر الله للكثير منهم أن يقفوا أمام حقيقة الموت، وهم يشهدون بأم أعينهم وأمهات أبصارهم، يشهدون صديقاً، يشهدون حبيباً، يشهدون قريباً، ولا ينفع طبيب ولا يجدي نحيب. حدثني أحدهم، قال: كنت مسافراً في دراسة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان شأني شأن كثيرٍ من الشباب الذين يقضون الليل في الملهى والمساء في المرقص والعبث الذي تعنيه كلمة العبث بأبعادها ومعانيها، وذات يوم كنا راجعين من ملهانا وعبثنا تقدم بعضنا إلى السكن، أما واحدٌ منا فلقد استبطأناه ثم قلنا: لعله يأتي بعد سويعة، أو بعد ساعة، أو بعد هنيهة، ثم لم نزل ننتظر لكنه ما أتى، فنزلنا نبحث يميناً وشمالاً، وخاتمة المطاف قلنا: لا بد أن يكون في الكراج أو في الموقف الذي يجعل للسيارة تحت البناء، فدخلنا ذلك البناء، دخلنا موقف السيارة فوجدنا السيارة لا زال محركها يدور، وصاحبنا قد انخنعت رقبته على إطار السيارة، وهو في مكانه والموسيقى الهادئة لا زالت منذ آخر الليل حتى اللحظة التي فتحنا فيها باب السيارة وهي تدندن وتطنطن، فتحنا، نادينا، تكلمنا: يا أخانا! يا صاحبنا! فإذا به قد انقطع عن الدنيا منذ اللحظة التي وقفت سيارته في ذلك الكراج. هذه نهاية أشعلت في قلوب الكثيرين من أولئك الشباب يقظةً وغيرةً وعودةً وإنابةً وتوبةً وخضوعاً إلى الله، فعادوا إلى الله تائبين، ما شربوا بعدها، ولا فعلوا بعدها، بل أنابوا واستكانوا، وعادوا لربهم، أسأل الله أن يثبتنا وإياهم، وأسأل الله أن يعامل صاحبهم بعفوه، وأن يتجاوز عنا وعنه. هذه واحدة والأخرى ليس لها إلا أيامٌ قليلة، سمعتها من أحد إخواني في الله، يقول: كنت كغيري من سائر الشباب، وفي ليلة من الليالي التي كنت أسهر فيها مع أحبابي وأصدقائي ومن بينهم واحدٌ من الأحبة، ومن بينهم أعز حبيبٍ إليَّ، أعز صديقٍ إلى قلبي، وأقرب قريبٍ إلى فؤادي، إذ به فجأةً يصرخ: فلان! أدركني، قلت: ما الذي بك؟ قال: إني أحس بشيءٍ في قلبي، قال: فدنوت منه، فإذا هو يتلبط ويتقلب ويقول: أسرع لي بطبيب، فناديت واتصلت بمن يحضر لنا طبيباً، وكانت الفترة لا تتجاوز خمس عشرة دقيقة أو عشرين دقيقة، ونحن ننتظر وصول الطبيب، وفي تلك الدقائق وهو يقول: إني أحس بالفراق إنها النهاية إنها الخاتمة سأفارق الدنيا سأترك طفلي سأترك زوجتي سأفارقكم ستضعونني في كذا ستتركونني وحدي، وأخذ يمر عليه سجل ذكرياته، وأخذت تتقلب أمامه صحائف أفعاله، قال وأنا أنظر إليه، وكلي وحشةٌ ودهشة، وكلي عجبٌ وغرابة، وأنا أنتفض وهو يحاسب نفسه ويعاتب روحه وأنا والله أصبره، وأنا أشد ألماً منه، وأشد استعراضاً لما يكون في حياتي منه، فأخذت أتقلب في ذلك الموقف، وما هي إلا ست عشرة دقيقة تزيد أو تنقص قليلاً حتى فاضت روحه، وذهبنا وأحبابنا وأقاربنا وأصحابنا نضع قريبنا وصديقنا، وأعز أحبابنا، وأجل أقاربنا؛ نضعه في قبره ونواري عليه التراب، أحب الأحباب هو الذي منا يتقن نفس اللحد ألا يتسرب منه ذرة هواء، أو إشعاع نور، ثم ما برحنا أن نهيل عليه التراب، ثم ودعناه وانصرفنا.

شاب يموت ساجدا لباغية

شاب يموت ساجداً لباغية شابٌ من مدة ليست بالقريبة حدثني عن أحد الشباب فيما تسمى بـ بانكوك، قال: لقد كان في ضلالة، وقد كان في بلاء، وقد كان في أمره لا يفيق من المخدرات أو الشراب، وما صاحب ذلك من مصاحبة البغايا والفاجرات، وفي لحظةٍ من سكرٍ وشوقٍ إلى عهرٍ تأخرت صديقته، تأخرت حبيبته عليه، فما هي إلا لحظات وقد كاد يجن من تأخرها، فما هي إلا لحظات حتى أقبلت عليه، فلما رآها خر ساجداً لها تعظيماً، خر ساجداً لها، وما الذي تنتظرونه؟ هي السجدة الأخيرة، هي النهاية، والله ما قام من سجدته، بل أقاموه في تابوته، وأرسلوه بطائرته، ودفنوه مع سائر الموتى. أيها الأحبة: إن هذا الموت هو أخطر وأعظم وأكبر حقيقة يواجهها الشقي والسعيد الغني والفقير العزيز والذليل الموت أكبر حقيقة، ومن أجل هذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) (ألا وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة). أيها الأحبة: أسوق هذه الأحداث متفرقة مختلفة، وكلها تختلف من حيث الخاتمة، وتختلف من حيث النهاية، لكنها في مؤدى واحد وهو الخاتمة، أي خاتمةٍ نواجهها؟ أي نهايةٍ نفضي إليها؟ وأي عمرٍ يمتد بنا؟ وأي شبابٍ نتقلب فيه، حتى ننتقل منه إلى الشيخوخة، ثم نتوب بعد ذلك؟ هل ضمنا هذه الحياة؟ وهل ضمنا هذه الأعمار؟ بادروا بالتوبة، بادروا بالإنابة قبل أن يخطفكم الموت، ويخطفكم الأجل، وتمضي الملائكة بوديعة الله من أرضه إلى السماء فتكون في أعلى عليين أو في أسفل سافلين.

أهمية حسن الخاتمة

أهمية حسن الخاتمة إن حسن الخاتمة وسوء الخاتمة لأمرٌ خطيرٌ وعجيب وجليلٌ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهز جيشاً من الجيوش لمعركةٍ حاسمةٍ مع الكفار، فجاء صحابيٌ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يومئذٍ كافر، فقال: (يا محمد! أرأيت إن اتبعتك فما الذي لي وما الذي عليَّ؟ قال: إن شهدت أن لا إله إلا الله وإني رسول الله كان لك ما للمسلمين عامة، وعليك ما عليهم عامة، فإن غنموا غنمت معهم، فقال: ما على هذا أتبعك، فشهد أن لا إله إلا الله وشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن غنموا فأنت معهم في الغنيمة، وإن مت فلك الجنة من الله جل وعلا، فقال ذلك الصحابي: والله ما على هذا اتبعتك؟ -أي: ما اتبعتك لأجل الغنيمة- وإنما اتبعتك على أن أغزو معك فأرمى بسهمٍ من هاهنا -وأشار إلى نحره- ويخرج السهم من هاهنا -وأشار إلى قفاه- ثم دخل المعركة وقاتل وأبلى بلاءً حسناً، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمي بسهمٍ دخل في نحره وخرج من رقبته، فقال صلى الله عليه وسلم: صدق الله فصدقه، بخٍ بخ عمل قليلاً ونال كثيراً، دخل الجنة وما سجد لله سجدة) انظروا الخاتمة، انظروا النهاية، انظروا الخاتمة وتأملوها واعتبروا بها. أسأل الله جل وعلا أن يحسن لي ولكم الخاتمة، وأن يجعلنا وإياكم من السعداء، وأن يتوفانا على التوحيد شهداء. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم. الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. جاء عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتب أربع كلمات: برزقه، وأجله، وعمله، وشقيٍ أم سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) حديثٌ صحيح.

اسألوا الله حسن الخاتمة

اسألوا الله حسن الخاتمة أيها الأحبة في الله: هذا الحديث عمدةٌ في حسن الخاتمة وسوئها، اسألوا الله جل وعلا أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، واسألوا الله جل وعلا الثبات على نعمة الدين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الأنبياء وسيد المرسلين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من ينشق عنه القبر، وأول من تفتح له أبواب الجنة، وأول من ينال أعلى منازلها، وهو صاحب المقام المحمود، وهو صاحب الوسيلة والشفاعة العظمى، الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان يطيل قيامه وصيامه، وكان يطيل سجوده وتهجده، ويقول: (يا مقلب القلوب! يا مقلب القلوب! يا مقلب القلوب!) فيا عباد الله! اسألوا الله جل وعلا بهذا الدعاء، اسألوا الله الذي بيده النواصي، اسألوا الله الذي بيده القلوب وهي بين إصبعين من أصابع الرحمن التي تليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، اسألوا الله أن يثبت قلوبنا وقلوبكم على الإيمان، وأن يعصمنا من الزيغ والضلالة، ومن الغواية بعد الهداية، ومن الفساد بعد الصلاح، وأنتم يا شباب المسلمين! إن الكثير من شبابنا يسوفون التوبة، ويؤجلون الإنابة، وينشغلون بالعبث، ويلهون في الباطل ظناً منهم أن الحياة أمامهم وهم في ريعان الشباب وربيع العمر وزهرة الدنيا، يظنون أن الاستقامة تعقيد، وأن الطاعة وسوسة، وأن الإخبات لله تضييقٌ وتشديد، لا والله -يا عباد الله! - إننا نفوِّت على أنفسنا حظاً عظيماً من السعادة بقدر ما نفوِّته من الأعمال الصالحة. واعلموا أن الموت ساعة لا تتقدم ولا تتأخر، فمن ذا الذي يضمن خروجه من المسجد؟ ومن ذا الذي يضمن يقظته من فراشه؟ ومن ذا الذي يضمن عودته إلى بيته؟ ومن ذا الذي يضمن وصوله إلى عمله؟ إذا كان هذا شأننا فيا عجباً لقسوة القلوب، لا تدري متى تخطف وهي مع ذلك عابثة لاهية! تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ وكمن سقيمٍ عاش حيناً من الدهر وكم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري

حث على التوبة والإنابة

حث على التوبة والإنابة فيا عباد الله: استعدوا للقاء الله، وبادروا بالتوبة، وبادروا بالخضوع والإنابة، إنما هذه الدنيا متاع قليل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم:55] والله إن هذه الدنيا بما فيها من ملذاتٍ وشهواتٍ ومراكب وقصورٍ ودور، وضيعات وزوجاتٍ وجنات وأموالٍ وذريات، لا تعدل غمسة في نار جهنم، وإن الشقاء في هذه الدنيا بما فيه من الفقر والمرض والسقم والذلة وضيق الحال لا يساوي غمسة في نعيم الجنة. (يوم القيامة يؤتى بأحسن أهل الدنيا حالاً وأيسرهم عيشاً، ثم يغمس غمسةً -وهي أقل من اللحظة، أو أقل جزءٍ من أجزاء اللحظة- في النار، فيقال: يا بن آدم! هل رأيت نعيماً قط؟ هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا يا ربِّ، ما مر بي نعيمٌ قط، ويؤتى بأشد أهل الدنيا بؤساً وفقراً ومرضاً فيغمس غمسة واحدةً في الجنة، يقال: يا بن آدم! هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شقاءٌ قط؟ فيقول: يا ربِّ! ما مر بي شقاء وما مر بي بؤس). فلنعد لذلك اليوم وهو يومٌ لا بد أن نرده على صراطٍ أدق من الشعرة وأحد من السيف، الناس يمضون عليه على قدر أعمالهم، وكلاليب جهنم عن يمينه وعن يساره، فمن المؤمنين الذين يسعون ونورهم بين أيديهم مد أبصارهم كالبرق الخاطف، ومن المؤمنين من يمرون كأجاود الخيل، ومنهم من يمره كأسرع الناس عدواً، ومنهم من يحبو على الصراط حبواً، ومنهم من يمضي عليه فتدركه كلاليب جهنم، أدركته أعماله السيئة وتفريطه في حقه، وتضييعه وتقصيره في جنب الله وطاعته.

مقارنة بين مصير البر والفاجر

مقارنة بين مصير البر والفاجر فلنعد العدة لذلك اليوم، ولنعد لدارٍ سوف نسكنها، سوف نبقى فيها، والله ما نفع أهل الأموال أموالهم، أين الملوك؟ أين الأمراء؟ أين الوزراء؟ أين الرؤساء، أين الخلفاء؟ أين الذين ذهبوا؟ أين الذين ملكوا؟ أين الذين جمعوا؟ أين الأثرياء؟ أين الكبراء؟ لقد ودعوهم في حفرةٍ لا فراش فيها، ولا خادم فيها، ولا مائدة عندها، ولا باب إليها، ولا نور يضيئها، ولا هواء يدخلها؟ لا شيء فيها إلا خرقةٌ بيضاء يحسدك الدود عليها فينتزعها من جسمك ولا يتركها لك، كتب الله أن تعود إلى هذه الدنيا في نهاية المطاف وفي خاتمة الأمر كما نزلت عليها، حتى كفنك ينازعك الدود فيه، فيقرضه منك خيطاً خيطاً شعرةً شعرةً، وينتزعه من جسدك، فإن منَّ الله عليك وكنت من الصالحين عوضك الله هذا الكفن أبواباً إلى الجنان ونعيماً مقيماً في دار الخلود، فتفتح لك أبواب الجنة، ويضاء لك القبر، وتؤنس بعملك الصالح، وتبقى زاهياً متغنيا، تقول: ربِّ أقم الساعة، ربِّ أقم الساعة، وإن كنت من أهل الشقاء، من أهل الضياع، من الذين ضاعت أموالهم في الربا، وتركوا المساجد وغفلوا عن الجماعات، وضيعوا حقوق الله، وضيعوا محارم الله في كل سفرٍ وفي كل ذهابٍ وإياب، لا يرعون حرمات الله، يواقعون الفواحش لا يبالون، فإنك لا تجني من الشوك العنب وكلٌ سيلقى عمله أمامه. يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل القبر صندوق العمل، انظروا واجمعوا في صناديقكم، لو زار كل واحدٍ منا قبره في الأسبوع مرة، في الشهر مرة، في نصف الشهر مرة، وأنت تنظر وتقول: هذا صندوقي هذا فراشي هذه داري، سأسكنها وحدي، هل وضعت فيها عملاً صالحاً، أم أودعتها خيبةً وضياعاً وحرماناً وحسرة؟ أسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يحسن لنا ولكم الخاتمة. اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجدادتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً، واغفر اللهم لأحبابنا وأصدقائنا وإخواننا الذين فرطوا من بين أيدينا وودعونا ومضوا، ولا نملك لهم قليلاً ولا كثيراً إلا أن نسأل الله أن يجمعنا بهم في مستقر رحمته وفي دار كرامته. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والمفسدين، اللهم من أراد شبابنا بسوء ونساءنا باختلاط وتبرجٍ وسفور، ورجالنا وعلمائنا وولاة أمرنا بفتنة أو مكيدة، اللهم جازه بالسوء والخزي والعار والدمار، اللهم أدر دائرة السوء عليه، وأرنا فيه عجائب قدرتك، واجعل تدبيره تدميره، يا سميع الدعاء، وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

حسن المعاشرة

حُسن المعاشرة حث الإسلام على الزواج ورغب فيه، وجعل لكلا الزوجين حقوقاً وواجبات، وأوصى بالنساء خيراً، ودعا إلى الإصلاح بين الزوجين في حال وقوع المشاكل بينهما، ووضح أسلوب المعاملة للرجل عند عصيان الزوجة. وفي هذه الخطبة ركز الشيخ على سوء المعاملات الزوجية الواقعة في المجتمع، وضرب على ذلك أمثلة كثيرة، ودعا الرجال إلى حسن معاملة أزواجهم والوصاية بهن خيراً.

سوء معاملات الأزواج

سوء معاملات الأزواج إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهو الذي يخاطب عباده كافة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! يقول الله جلَّ وعَلا في محكم كتابه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. هذه الآية يا عباد الله نص واضح جلي في أصول العلاقات الزوجية التي يجب أن تقوم على المودة والرحمة كما بيَّن سبحانه وتعالى أن من حكمته العليمة بما يصلح للنفوس وما ينفعها أن جعل الزواج سكناً وأمناً واستقراراً واطمئناناً، وأي شيء أبلغ من قوله جلَّ وعَلا: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21]؟! والذي نراه في زماننا هذا في أحوال بعض المتزوجين هو انعكاس مفهوم هذه الآية، وحدوث ما يخالفها، فبدلاًَ من أن ترى السكَن والمودة والرحمة في حياتهم الزوجية تجد السباب والشتائم والنكد والحسرة! فلماذا يحدث هذا كله، والله جلَّ وعَلا يقول: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21]؟! أليس السكَن يؤوي الإنسان ويستره، وهو ملاذه بعد تعبه، ومستقره بعد مشقته وسفره؟! فلماذا لا نرى جميع هذه الأمور في كثير من الزيجات، وفي كثير من الزوجات التي خلقها الله لنا لنسكن إليها؟! وهل قامت المودة والرحمة فيما بيننا أم لا؟! علينا يا عباد الله قبل أن نجيب على هذه الأسئلة أن نتزن في تحديد الإجابة عليها، بعد تعيين مصدر القلق والنزاع في الحياة الزوجية! فهل السبب من الرجال أم هو من النساء؟ أم هو سبب مشترك بينهم؟ وقبل أن نسترسل في هذا الموضوع يجب أن يعلم الجميع أننا لا نعني أن كل واحد يعيش في مشاكل زوجية، ولكن من الملموس أن بعض المسلمين يعيشون الحسرة والنكد من تلك المشاكل. حتى إن بعضهم ليضطر أن يأتي الحرام، والحلال قريب منه في داره. حتى إن بعضهم ليضطر أن يسافر بعيداً فراقاً عن زوجةٍ تكون مصدر نكد وحسرة. ويا تُرى هل هو السبب أم هي؟! فمن كان من أولئك -عافانا الله وإياهم وستر علينا وعليهم- فليجتهد ما استطاع في حل مشكلته، ومحاولة الوصول بها إلى بر الأمان، وموقع الاستقرار. ومن كان آمناً مطمئناً، فليحمد الله وليرْعَ نعمته، وليُسْدِ النصيحة لإخوانه الذين يراهم على تلك الحال. فهناك من النساء من يشكين سوء معاملة الأزواج، وهذا أمر قد حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث بلغه أن بعض الصحابة يضربون أزواجهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (وما أولئك خياركم). وقال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي). وكان صلى الله عليه وسلم خير قدوة وأسوة في تطبيق أسس العلاقات الزوجية على حد سامٍ من المعاملة الحُسنى لأهله وأزواجه، فكانت قوامته على أزواجه على أتم العدل والقسط. وتذكروا يا عباد الله أنكم يوم عقدتم مواثيق النكاح قبل دخولكم بأزواجكم، أنكم استحللتم فروجهن بما في كتاب الله من القيام بجميع الحقوق الزوجية، من التربية، والنصيحة، والنفقة، والسُّكنى، والمعاملة الطيبة، والإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، ذلك العقد والميثاق الذي دخل به الرجل على زوجته مشهود عليه من قبل الله جلَّ وعَلا، ثم عاقِدُه وشهوده المؤمنون، فكيف يسوغ لمؤمن أن يظلم نفسه بظلم أهله وزوجه! ونحن اليوم يا عباد الله نرى وابلاً كثيفاً من الرسائل والكتابات، ترسل بها بعض النساء إلى برامج التوجيه الاجتماعي، عبر وسائل الإعلام المختلفة، يشتكين فيها سوء معاملة الأزواج، والظلم الذي لا يوجد له أي تفسير، أضف إلى ذلك ما نراه في المحاكم الشرعية التي نراها تمتلئ بخصوص فض النزاعات الزوجية وإنهائها بالخُلع أو الطلاق، عافانا الله وإياكم من ذلك. ومن العجيب يا عباد الله: أنك ترى كثيراً من المشاكل الزوجية تصدر من رجال تعرفهم بحُسن السيرة والسلوك، والتواضع ولين الجانب، والأدب الرفيع في المعاملة والأخلاق مع الناس خارج منازلهم، لكن إذا دخل أحدهم بيته؛ انقلب على حد زعمه أسداً هصوراً، يأمر وينهى، يُرعِد ويزمجر، نقول له: أليس أهلك وزوجك هم أحق بِحُسن معاملتك ورعايتك؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون!

أمثلة واقعية في سوء العلاقات الزوجية

أمثلة واقعية في سوء العلاقات الزوجية إليكم يا عباد الله بعض الأمثلة الواقعة في سوء المعاملات الزوجية، وظلم بعض المسلمين لأزواجهم -هدانا الله وإياهم إلى سبيل السعادة والاستقرار في الحياة الزوجية- بعضهم تراه يفتتح دخوله في بيته بالسب والشتيمة لزوجته إذا دخل وحده أو كان معه ضيف أو صديق: أحضِري كذا، وأعدِّي كذا، ولماذا هذا الشيء لم يكن كذا؟! وقد نسي أن زوجته ربَّة منزله، ومربية أطفاله، وامرأة كهذه ظروفها وأحوالها مليئة بالعمل المستمر في إعداد الطعام، وتنسيق المنزل، وتنظيف الأطفال، فكيف تُلامُ مسكينةٌ بتأخيرٍ بسيط قد لا يُذكر في إعداد طعام، أو تنفيذ أي أمر من الأمور. ولا يظن أحدٌ أن هذا الكلام معناه: أن يَسمح الرجل لامَرْأَته بعصيانه، أو أن يُسمح للمرأة بعصيان زوجها، أو عدم المسارعة في تلبية حاجته، بل المقصود من ذلك هو: معرفة حال الزوجة وظروفها، ومعذرتها في ذلك. وترى البعض الآخر يقيم الدنيا ويقعدها عند حدوث خطأ بسيط من زوجته، أو أحد أطفاله، فيصب جامَ غضبه وحرارةَ لومه على زوجته سِباباً أو شَتْماً أو غضباً، وإني لأعرف أسرة تتكون من أب وأم وأربعة أولاد، طلق الأب زوجته لأجل سِبابٍ ثار بينهم حول لباس الطفل الصغير من العائلة، فأي عقول يعيش بها بعض المسلمين هذا الزمان؟! ونقول لكل إنسان رأى في بيته أو من زوجته ما يغضبه دونما يدخل في الأعراض والأخلاق، نقول له: يا أخي المسلم! هل تظن أن صيحاتك الغاضبة على زوجتك تصلح حالها؟! لا والله، بل إن تلك الصيحات مما يزيد الطين بِلَّة، ويورث في نفس المرأة الكراهية لزوجها، والتصميم على العناد، ثم إن ذلك السيل المتتابع من الألفاظ النابية لا يرد ما فات، ولا يُرْجِعُ ما حدث، فالأولى بكل واحد منا عندما يدرك خطأً من زوجته أن يستدعيها بأسلوب المربي، فيبيِّن لها خطأ ما حدث، ويدعوها إلى عدم العودة إليه مرة أخرى، وتدارك ذلك فيما استقبَل من الزمان. المشاكل الزوجية متعددة الجوانب والظروف، ولو ذهبنا نحصيها لأخذ ذلك الكثير من وقتنا، فحسبنا أن نشير إلى أهم ما يحدث منها في مجتمعنا ولو في فُرَص قادمة إن شاء الله.

اتقوا الله في النساء

اتقوا الله في النساء معاشر المؤمنين: لا تنسوا أن علاقتكم بزوجاتكم هي علاقة نفسية قبل أن تكون مادية؛ لأن الله جلَّ وعَلا يقول: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21] والسكن: في النفس والروح، والعلاقات النفسية لا بد أن تقوم وتدوم في الغالب على مستوىً لا يصل إلى حد البغضاء والكراهية؛ لأن ذلك باب وسبيل إلى النهاية السيئة، وهي الطلاق، أو الفراق، ولقد قال الشاعر: إن النفوس إذا تنافر ودُّها مثل الزجاجة كسرُها لا يُجبَرُ إن النساء في حقيقة الأمر يُرِدْنَ قوامة من الرجال، يُرِدْنَ مودة ورحمة وقدوة وتربية قبل أن يطلبن المال والذهب وغير ذلك، وكم من امرأة كرهت زوجها، وطلبت طلاقها منه، وهو قد يعطيها الذهب والمال والحرير؛ لأنها تريد قبل المال وغيره، تريد مودة ورحمة، ولهذا الحديثِ بقيةٌ في فرصة قادمة إن شاء الله. وتذكروا قول الله جلَّ وعَلا: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خُلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء) متفق عليه. وفي رواية في الصحيحين: (المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعتَ بها استمتعتَ بها وفيها عوج) وفي رواية لـ مسلم: (إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعتَ بها؛ استمتعتَ بها وفيها عوج، وإن ذهبتَ تقيمها كسرتها، وكسرُها طلاقها). وعن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وذَكَرَ النساء، فوعظ فيهن فقال: (يعْمَد أحدُكم فيجلد امرأته جلد البعير، فلعله يضاجعها من آخر يومه). معاشر المؤمنين: اتقوا الله تعالى في زوجاتكم، وما ولاَّكم الله. اللهم حبِّب إلينا أهلنا، وحبِّب أهلينا إلينا، واجمع بين الجميع على طاعتِك ورحمتِك مودَّتِك، واجعلنا من الذين آمنوا واتبعتهم ذريتُهم بإيمان، ولا تلتنا وإياهم من أعمالنا شيئاً، إنك أنت الغفور الرحيم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

سوء التفاهم مع الزوجات

سوء التفاهم مع الزوجات الحمد لله الواحد بلا شريك، والعزيز بلا نصير، والعليم بلا ظهير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، فهو الذي أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ومنَّ علينا بسائر النعم، أطعمنا، وسقانا، وكفانا، وآوانا، ورزقنا الأمن والأمان في أوطاننا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه وعن الندِّ وعن المثيل وعن النظير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلَّى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. عباد الله! إن كثيراً من المسلمين -هداهم الله- ممن يلجئون في حال التفاهم مع زوجاتهم بأسلوب الأوامر أو الكلمات النابية أو الألفاظ التي تشتمل على السب والشتيمة، إنهم بذلك يجرئون زوجاتهم عليهم، ويجعلون زوجاتهم لا يقيم لهم قدراً في كلامهم، أما لو أن الإنسان احترم نفسه، وقدَّر ما يقول من الكلام لوجد أن زوجته لَتُقَدِّر أعظم التقدير هذه العبارات التي يكفي منها أقل القليل فيما يدل على اللوم بعيداً عن السباب والشتيمة والألفاظ النابية. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً، وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تضربوا إماء الله) ونحب أن نقف هنا، فإن بعض المسلمين لا يعرفون أسلوب التفاهم مع الزوجات إلا بالضرب، ألا وإن الضرب لا يجوز للنساء إلا أن يأتين بأمر منكر، ألا وإن الضرب لا يجوز للنساء قاطبة. (لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ النساء -أي: تجرَّأن النساء على أزواجهن- فرخَّص صلى الله عليه وسلم في ضربهن، فطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكين أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس أولئك بخياركم) رواه أبو داود بإسناد صحيح. ونحن يوم أن نقول: لا يجوز ضرب النساء؛ هو ذلك الضرب الذي يكون فيه ضرر بالمرأة. وعلى أية حال: فإن الضرب ليس بأسلوب للتربية، أما وإن الضرب الذي يجوز للمرأة في حال منكر، أو في حال عناد مستمر بشيء قليل؛ لأن المرأة ضعيفة جداً. وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة) رواه مسلم. ألا فأحسنوا متاعكم، وأصلحوا زوجاتكم، واستوصوا بهن خيراً؛ لتستمتعوا بهنَّ في هذه الحياة الدنيا. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً -أي: لا يُبْغِض مؤمنٌ مؤمنةً- إن كَرَِه منها خُلُقاً رَضِي منها آخر. أو قال: غيره) رواه مسلم. وعن عمر بن الأحوص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه، وذَكرَ ووَعَظَ، ثم قال: (ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هُنَّ عَوان عندكم -أي: أسيرات بين أيديكم- ليس تملكون منهنَّ شيئاً غير ذلك، إلاَّ أن يأتين بفاحشة مبيِّنة، فإن فعلن؛ فاهجروهن في المضاجع، واضربوهنَّ ضرباً غير مبرِّح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلاً، ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فحقكم عليهن: أن لا يوطِئْنَ فُرُشَكم مَن تكرهون, ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإن حقهنَّ عليكم: أن تحسنوا إليهنَّ في كسوتهنَّ وطعامهنَّ) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن معاوية بن حيدة قال: قلت: (يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت) حديث حسن رواه أبو داود، وقال: معنى لا تقبِّح، أي: لا تقل: قبَّح الله وجهكِ. فما الحال برجل يُذيقها ويمسها ألوان السباب والشتيمة، وإن البعض ليصل به الأمر إلى أن يلعنها، أو يلعن والديها، وأن يسبها بأقذع الألفاظ والعبارات، فما ذنبها حتى تنال اللعنة؟! وما ذنب والديها في هذا الأمر؟! وقد تعود اللعنة على المتلفظ بها، عياذاً بالله من هذه الحال. ألا وإنه ليس كل خطأ من الرجال في أمور العلاقات الزوجية؛ ولكن جانباً كبيراً منهم، وجانباً آخر من النساء. نسأل الله جلَّ وعَلا أن يوفق الجميع، وأن يمنَّ على الجميع بالسعادة والسداد والتوفيق والأمن والطمأنينة. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، الذين يريدون بهذه المجتمعات الآمنة المطمئنة فُرْقةً ومشاكل، عبر ما يُعرض في تلك الأفلام من المشاكل، وعبر ما يُعرض من أمور تجرئ النساء على أزواجهنَّ، وعبر ما يُعرض من أمور تجعل المرأة تتحدى زوجها؛ لأنها تشبَّعت بفكرة رأتها في فيلم أو مسلسل أو غيره، فأخذت تخاطب زوجها بما شربته وبما تملأتْ به من هذا المشهد. نسألك يا حي يا قيوم إن أرادوا بذلك سوءاً في أزواجنا ومجتمعاتنا وبيوتنا نسألك اللهم أن ترينا فيهم عجائب قدرتك، اللهم من أراد بنا وببيوتنا ونسائنا سوءاً؛ فأَدِر عليه دائرة السَّوء، اللهم أهلك سمعه وعقله وبصره. اللهم من أراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بهم مكيدة، وأراد بعلمائنا فتنة، وبشبابنا ضلالاً، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، يا سميع الدعاء! اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله آجالنا، واقرن بالعافية غدوَّنا وآصالَنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسقِ العباد، والبهائم، والبلاد. اللهم إنا خلقٌ من خلقك، وعبيدٌ من عبيدك، فلا تحرمنا بذنوبنا فضلك، ولا تمنعنا بمعاصينا رحمتك. اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، ولجميع المسلمين. اللهم اجعل لكل مسلم من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباًَ إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا حيران إلا دللته. اللهم اهدِ شباب المسلمين، اللهم اهدِ شباب المسلمين، اللهم اهدِ شباب المسلمين، اللهم اهدهم للبر بوالدِيهم، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم وفقهم لحضور الصلاة مع الجماعة في المساجد، اللهم وفقهم لما تحبه وترضاه، اللهم وفقهم في دراستهم، اللهم وفقهم فيما هم مقبلين عليه من الامتحان، اللهم لا تخيِّب تعبهم، ولا تخيِّبهم فيما أمَّلوا، برحمتك ومنِّك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وعافهم، واعفُ عنهم، وأكرم نزلهم، ووسِّع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلِّم على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، نبينا محمد، وعلى الأئمة الخلفاء، الأربعة الحنفاء: أبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي، وعن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنِّك وكرمك، يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

حقيقة التقوى

حقيقة التقوى في هذه الخطبة تعريف للتقوى عند السلف، مع ذكر بعض ثمار التقوى، وأهمية التقوى تكمن في كثرة ذكرها في القرآن وحث النبي صلى الله عليه وسلم عليها أصحابه كثيراً، فهي وصية الأولين والآخرين، وقد ذكر الشيخ قصصاً تمثلت فيها التقوى بكل ما تعنيها كلمة التقوى.

التقوى وتعريفها عند السلف

التقوى وتعريفها عند السلف إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أوجدنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وتفضل علينا بسائر النعم، ودفع عنا كثيراً من النقم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن اتبع هداه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. ولو تأملتم -معاشر المسلمين- حقيقة التقوى التي جاءت في كل صفحة من كتاب الله الكريم، وجاءت في كل نعت من نعوت المتقين المؤمنين، لوجدناها كما يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [التقوى: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل]. وقال عمر بن عبد العزيز: ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك فقط؛ ولكن تقوى الله: ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله، فمن رُزق بعد ذلك خيراً فهو خير إلى خير. وقال طلق بن حبيب: التقوى: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله. وحسبكم -معاشر المؤمنين- بالتقوى أنها وصية الله للأمم السابقة والأمم اللاحقة، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يوصي من يستوصيه بالتقوى. واعلموا -معاشر المؤمنين- أن التقوى لا يلزم منها أن يكون العبد معصوماً من الذنوب والخطايا واللمم؛ بل إن العباد خطاءون، وخير الخطائين التوابون. ويقول الله جلَّ وعَلا في محكم كتابه في سياق صفات المؤمنين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] فعدَّهم من المتقين مع أنه جلَّ وعَلا قال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران:135] ولكنهم لم يصروا على هذا الظلم وأقلعوا عن تلك المعصية. ويقول الله جلَّ وعَلا أيضاً: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201]. فهذا دليل على أن المتقين قد ينالهم ما ينالهم من مس طائف الشيطان؛ ولكن العبرة بالمتذكرين المنيبين المخبتين الأوابين إلى ربهم، وبعد ذلك ينقلبون من حال المعصية إلى حال التوبة الصادقة النصوح، وبذا يكونون في عداد المؤمنين المتقين. أيها الأحبة: إن الشيطان يأتي إلى كثير من الناس يوم أن يفعل أحدهم معصية، أو يجترح خطيئة، ويسوِّد صفحات أعماله أمامه، ويقول له: لستَ في عداد المتقين، ولا من المؤمنين، وييئسه من رحمة الله، ويقنِّطه من عفوه ومغفرته، وبعد ذلك قد يصيب الإنسان ما يصيبه من الإصرار على المعصية يأساً وقنوطاًَ من مغفرة الله وعفوه عنه. لذا فمن تأمل هذه الآيات علم أن حقيقة التقوى: التزام فعل ما أمر الله به، واجتناب عما نهى عنه وحرَّمه، ولو وقع الإنسان فيما وقع من الذنوب والمعاصي فإن العبرة بالتوبة والأوبة والإنابة إلى جناب رب العالمين، وهو الذي يقول في محكم كتابه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

التقوى في القرآن والسنة

التقوى في القرآن والسنة حسبكم -يا عباد الله- أن يجيء الأمر بالتقوى في كتاب الله قرابة السبعين مرة، وفي غيرها من الآيات التي ذكرت صفات المتقين، وما لهم من الأجر العظيم، ولا غرابة في هذا فالتقوى وصية الله للخلائق أجمعين، وهي خير ذخر، وخير زاد للقدوم على البرزخ والدار الآخرة، وهي سبب للصدق والقول السديد، وهي باب محاسبة النفس في جميع أعمالها، وهي أكبر دعائم التعاون والمحبة والإيثار في مجتمعات المسلمين، وهي خير لباس يتزين به العبد في الدنيا والآخرة: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]. إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلَّب عرياناً وإن كان كاسياً وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصياً وكما أن التقوى خير لباس على العبد حساً ومعنى، فإنها عنوان الرفعة والسيادة والعزة والكرامة فوق كل الجنسيات والقبليات والأعراق والدماء، يقول الله جلَّ وعَلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]. وعن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة جليلة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودِّع، فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى عزَّ وجلَّ، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاًَ كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وعن أبي أمامة صَدِّي بن عجلان الباهلي -وقيل: صُدَي - رضي الله عنه قال: (سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع، فقال: أيها الناس: اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنة ربكم) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. وفي وصيته صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: (اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تمحُها). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما أكثر ما يُدخل الجنة؟ قال: تقوى الله، وحسن الخلق). ورُوي أن كميل بن زياد قال: [خرجت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما أشرف على الجُبَان التفتَ إلى المقبرة، وقال: يا أهل القبور! يا أهل الوحشة! ما الخبر عندكم؟ فإن الخبر عندنا: قد قُسِّمت الأموال، وأُيْتِمَت الأولاد، واستُبدل بالأزواج، فهذا الخبر عندنا، فما الخبر عندكم؟! ثم التفت إليَّ فقال: يا كميل، لو أُذِن لهم بالجواب لقالوا: إن خير الزاد التقوى، ثم بكى، وقال: يا كميل! القبر صندوق العمل، وعند الموت يأتيك الخبر]. يا غافلاً عن العملْ وغره طولُ الأملْ الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العملْ اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم، وعذاب القبر. اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، وتوبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى.

من صفات المتقين في القرآن

من صفات المتقين في القرآن الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً، نبيٌّ بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن أقدامكم وجسومكم على وهج النار لا تقوى. واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. أيها الأحبة: إذا علمتم أن منزلة التقوى في الإسلام عظيمة وجليلة، فما هي صفات المتقين أصحاب الأمن والسعادة في الدنيا، والرحمة والمغفرة والرضوان في الآخرة. إن الآيات والأحاديث جاءت في صفات المتقين كثيرة جداً، وحسبكم ألا تخلو صفحة من كتاب الله إلا وفيها الحث على التقوى، ومن تلك الآيات الآية الجامعة من كتاب الله: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].

ثمار التقوى

ثمار التقوى تلك هي صفات المتقين يا عباد الله، وإن كان كل أمر لا يعلو قدره إلا بمعرفة ثمرته، فإن ثمار التقوى عظيمة جداً: أولها: الهداية بنور الله جلَّ وعَلا: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2]. وثانيها: المكانة العالية عند الله، وأعظِم بها من ثمرة {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة:212]. ثم إن التقوى أجلُّ سبب إلى حصول العلوم النافعة، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] ومن اتقى الله وعمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم. ومن هنا -أيها الأحبة- ندرك سبب الفتوحات الإلهية، والإلهامات الربانية على سلف الأمة الصالح الذين قضوا حياتهم بين الجهاد والدعوة، والتعليم والتصنيف، جمعوا بين ذلك كله وبين العلم الواسع الغزير الذي يجعل المسلم في هذا الزمان يندهش من كل ما ألَّفوا وصنَّفوا، يندهش من محفوظاتهم وما حصَّلوا من العلوم بأنواعها، وما ذاك إلا بتقوى الله {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282]. ورابع ثمار التقوى: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر:- {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:15]. وأي نعيم يا معاشر المؤمنين؟! أي نعيم على العبد أعظم مما هداه الله جلَّ وعَلا إلى التقوى؟! وبذا ينال محبة ربه وخالقه ومولاه {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران:76]. وإذا اطمأن العبد الذليل الضعيف إلى محبة الله العظيم الجليل الكريم فلا يسأل بعدُ عن محبة أحد بعد الله ورسوله. فليتك تحلو والحياة مريرةٌ وليتك ترضى والأنام غضابُ إذا صحَّ منك الود فالكل هيِّنٌ وكل الذي فوق التراب ترابُ وليت الذي بيني وبينك عامرٌ وبيني وبين العالمين خرابُ وما لا يُحصى من ثمار التقوى: من المعية والإحاطة من الله جلَّ وعَلا لعباده المؤمنين المتقين، والفلاح والتوفيق لهم في الدنيا والآخرة، واطمئنانهم، وبُعد الخوف والحزن عنهم، وحصول الفوز والبشارة بالنعيم، {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس:62 - 64]. وتأملوا ثمار التقوى بين العباد والبلاد:- {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96]. عباد الله: ما خلق الله أمةً وضيَّع أرزاقها، وما أوجد الله جيلاً ونسي أرزاقهم وأقواتهم؛ ولكن العباد يبغي بعضهم على بعض، ويسطو بعضهم على أرزاق بعض، ويُحرَم بعضُهم رزقَه بسبب بُعده عن التقوى، وبسبب معصيته وذنوبه: (وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه). ومن تأمل كتاب الله وجد ما لا يُحصى من ثمار التقوى.

التقوى عند السلف رضوان الله عليهم

التقوى عند السلف رضوان الله عليهم وما أجمل التقوى في واقعة حصلت في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في امرأة سافر زوجها إلى الجهاد، وأبطأ عنها وتأخر، وكان عمر خليفة رسول الله أمير المؤمنين كان يجوب الأسواق ليلاً، يستمع وينصت إلى حوائج الضَّعَفَة والمساكين، فسمع امرأة تناجي نفسها، وتقول: تطاول هذا الليل واسودَّ جانبُهْ وأرَّقها أن لا خليل تداعبُهْ فوالله لولا الله تُخشى محارمه لَحُرِّك من هذا السرير جوانبُهْ فسأل عمر عن هذه المرأة، وسأل قبل ذلك ابنته حفصة، وأجابته وقالت: [يا أمير المؤمنين! ألم تقرأ كتاب الله جلَّ وعَلا؟] وفهم من ذلك ألا يتأخر الرجل عن زوجته أكثر من ستة أشهر، ثم بعد ذلك أمر أن يُرد زوجُها إليها. ولكن العبرة في حال هذه المرأة التي لا رقيب عليها سوى الله، ولا حسيب لها سوى التقوى، زوجها بعيد، والليل مظلم، وما ردها عن المعصية إلا تقوى الله ومخافة عذابه. وتلك الأخرى التي سمعهما عمر، إذ امرأة تقول لابنتها: يا ابنتي! امذُقي -أو امزجي- اللبن بالماء، قالت: وأين أنت يا أماه من عمر؟! قالت: إن عمر لا يرانا، فقالت تلك الصغيرة البريئة: ولكن رب عمر يرانا. هكذا كانت منزلة التقوى في قلوب كثير من العباد، إذ تزينت لهم المعاصي، وتهيأت لهم المنكرات، تجافوا عنها وابتعدوا، وخافوا من ربهم جلَّ وعَلا. خَلِّ الذنوب كبيرها وصغيرها ذاك التقى واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى والتقوى هي أزمة المجتمعات في هذا اليوم، حاجتنا إلى التقوى عظيمة، وأَزمَت مجتمعاتنا لفقد التقوى، التقوى مفقودة في كثير من مجالات الحياة، لو وجدنا الكثير قد اتقوا الله جلَّ وعَلا فيما تولوه من مصالح المسلمين، وفيما تولوه من مصالح تعليم أبناء المسلمين، وفيما تولوه من مصالح المسلمين عامة. كل إنسان وكل فرد لو اتقى الله فيما دونه؛ الموظف يتقي الله في وظيفته، والجندي يتقي الله في أمن بلده، والطالب يتقي الله فيما تعلمه، والمسئول يتقي الله في مسئوليته، لم نجد فساداً، ولم نجد خراباً أو دماراً، ونحن بخير ولله الحمد والمنة، وإن كان النقص قد دبَّ إلينا شيئاً فشيئاً، وما ذاك إلا لبُعدنا عن التقوى، ولاستهتار بعض المسلمين بمراقبة الله جلَّ وعَلا، وعدم مراقبة ربهم، واستحضار التقوى في كل أعمالهم، وفي كل ما يأتون ويذرون. نسأل الله العلي العظيم الجليل الكريم أن يؤتي أنفسنا تقواها، وأن يزكيها هو خير من زكَّاها. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وأبطِل كيد الزنادقة والملحدين. عباد الله: قد ندب الإمام -معاشر المسلمين- إلى صلاة الاستسقاء صبيحة يوم الإثنين. فالله الله لا يتخلفَنَّ أحدٌ عن ذلك، ولا يقولنَّ امرءٌ: ما لي ومال هذا، لستُ بذي زراعة ولا محصول، ولا يهُمُّه المطر في قليل أو كثير؛ لِتَوافُر المياه أمامَه، لا. لا يقولنَّ امرء ذلك؛ ولكن ليعلم أن الغيث رحمة، وأن الغيث توبة ومغفرة من الله جلَّ وعَلا، وشعور من العباد بأن ربهم تقبل دعاءهم، وقد تلطف بحاجتهم وهو أعلم بها قبل أن يسألوه. فالله الله لهذا، ولا تغفلوا عنه. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء الضعفاء المساكين إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سَحاً غدقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسقِ العباد، والبهائم، والبلاد. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم انصرنا ولا تخذلنا، اللهم أعنا ولا تعن علينا. اللهم مَن أراد المسلمين بسوء، وأراد ولاةَ أمورهم بفتنة، وأراد علماءهم بمكيدة، اللهم فاجعل تدبيره تدميراً عليه، يا سميع الدعاء. اللهم من أراد بشبابنا ضلالاً، وأراد بنساء المسلمين تبرجاً وسفوراً، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف. اللهم عذب الذين لا يريدون لدينك نصرة ولا عزة، اللهم من أراد دينَنا بعزة فأعزه بعزتك يا رب العالمين. ومن أراد للمسلمين ذلة فاخذله، يا أكرم الأكرمين. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباًَ إلا غفرته، ولا هماً إلا فرَّجته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا أسيراً إلا فككت أسره، ولا حيران إلا دللته، ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا عليها ويسرتها لنا، يا رب العالمين. اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالَنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا. اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك. اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعفُ عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم آمِنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدهم لكتابك ولسنة نبيك، اللهم أصلح مُضَغَ قلوبهم، اللهم أصلح بطانتهم، ومَن علمتَ فيه خيراً فقرِّبه منهم، ومَن علمتَ فيه سوءاً لهم وللمسلمين فأبعده عنهم، برحمتك يا أرحم الراحمين. إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، محمد بن عبد الله، أكرم الخلق، وأفضل البشر، وسيد المرسلين والأنبياء أجمعين. اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارك على نبينا محمد، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين، ومن اتبع هداه، واقتفى أثره إلى يوم الدين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه التي لا تستطيعون حصرها ولا تقدرون شكرها يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

حوار مع الشباب

حوار مع الشباب إن الحديث مع الشباب ذو أهمية بالغة؛ ذلك أن الشباب هم عز الأمة وأملها بعد الله تعالى، فإن صلحوا صلحت الأحوال واستقامت، وإن فسدوا فسدت وضاعت، لذلك كان لابد من الحوار معهم والحديث إليهم بكلمة حب، وهمسة عتاب، علهم أن يرجعوا ويعودوا إلى الله تعالى هذا ما تحدث عنه الشيخ في حواره مع الشباب، حيث وجه إلى الشباب نصائح ثمينة لمن وفقه الله منهم أن يأخذ بها.

أهمية الحديث عن الشباب

أهمية الحديث عن الشباب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أشكر الله عز وجل، ثم أشكر حضوركم وتشريفي أمامكم بالمثول وإليكم بالحديث، وأسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجمعنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر كما جمعنا في هذا المكان المبارك إن شاء الله. أحبابنا! ليس بسر ولا بعجيب أن نتحدث عن الشباب، وأن نعيد ونزيد، وأن نكثر ونردد، لأننا نرى كل أمة إنما عزت برجالها وشبابها أو ذلت بهم، أو رفعت بهم رأساً أو خفضت بهم رأساً، أو نسبت إلى علم وجد وحزم وعلم ونفع، أو نسبت إلى هزل وضياع وسقوط وانحدار؛ لذا كان لزاماً أن نلتفت إلى هؤلاء الناشئة، وأن نتحدث إليهم مصبحين ممسين، غادين رائحين، وأن نتلقفهم أو نقف لهم في كل سبيل وطريق، لنقول لهم: هل تعلمون قدركم؟ وهل تعرفون مكانتكم؟ وهل تثمنون منزلتكم؟ أم أن الواحد يمشي سبهللاً لا يعرف شيئاً! وكما يقول القائل: وأنت امرؤ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع أيها الأحبة! عن ماذا نتحدث عن الشباب، ونحن إن أردنا عن مواهبهم وطاقاتهم وما آتاهم الله عز وجل فذاك خير كثير وعلم غزير؟ وعن ماذا نتحدث عن الشباب إن أردنا أن نتكلم عن المؤامرات والمكائد والفخاخ التي تنصب لهم، والحبائل التي تنسج في طريقهم حتى يقعوا فريسة الشبهات والشهوات، فذلك علم كثير وعلم غزير أيضاً، وعن ماذا نحدث الشباب عن مسئولياتهم تجاه أنفسهم أو تجاه أسرهم ووالديهم، أو تجاه مجتمعاتهم وتجاه بلادهم وأمتهم، فذلك أيضاً كلام كثير؟ لكننا نريد أن نتحدث فقط عنك أنت أيها الشاب، عن شخصك، عن ذاتك، لن نتكلم عن الأسرة ولا عن الجيران ولا عن الدولة ولا عن البلاد ولا عن الأمة، ولكن نتحدث عنك أنت أيها الشاب وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر

الإنسان مخير بين الخير والشر

الإنسان مخير بين الخير والشر الحديث إليكم -أيها الشباب- حديث إلى كل واحد في ذاته وشخصه، يقول الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7 - 10] ويقول تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10]. أقول لك أيها الشاب: أنت قد خلقت قادراً مختاراً بين طريقين، بين طريق الهداية وبين طريق الغواية، وقد آتاك الله مشيئة وما تشاء إلا أن يشاء الله، ولكن قد جعلت لك وسائل الاختيار {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] وعلى طريق الخير هداية وعلى طريق الشر دلالة، وأنت قادر على أن تختار بينهما.

شبهة الاحتجاج بأن المعاصي مقدرة والرد عليها

شبهة الاحتجاج بأن المعاصي مقدرة والرد عليها واحذر من مقالة الجبرية والمعطلة والضائعين الذين يقولون: هكذا كتب علينا أن نضل، وهكذا اختير لنا أن نزيغ، ولا خيار لنا أن نكون أبراراً أم فجاراً! هذه دعوى كثيراً ما يرددها بعض الشباب، فإذا قلت له: أخي! اتق الله عد إلى الله صل مع الجماعة أطع والديك بر بوالديك صل رحمك إياك والمحرمات إياك والملاهي إياك والعبث إياك والمنكرات إياك والفواحش قال: لو أريد لي الهداية لاهتديت، لكن اسألوا لي الهداية. سبحان الله العلي العظيم! هذه الحجة التي كثيراً ما نسمع عدداً لا يستهان به من الشباب يرددونها، والواحد منهم لا يلوم نفسه أبداً في أي ضلالة أو منكر أو تقصير أو غواية، وإنما يقول: هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد هذا ليس باختياري، قدري أن أكون مدخناً، وقدري أن أستمع ( fm و MBC) قدري أن أكون مغنياً، وقدري أن أكون ممثلاً، وقدري أن أكون ضالاً، وقدري أن أكون مجنوناً في التشجيع الرياضي وملاحقة الأعلام والصياح والصراخ والدوران في الشوارع عند الأهداف، وقدري أن أكون تافهاً سخيفاً لا قيمة لوقتي لا مكانة لشخصيتي أحب الدوران في الأسواق أحب مضايقة الفتيات، ومعاكسة النساء في الأسواق، ومعاكسة الشباب والصبيان والأحداث هذا قدري! نقول: كذبت وما أصبت، وما بحقيقة نطقت، ولا حاجة أن ننصب لك كثيراً من الأدلة الشرعية، لكننا سنضرب لك أمثلة عقلية واقعية؛ حتى تعرف أن احتجاجك بهذا احتجاج ضلالة واحتجاج شبهة، وهي كشبهة الشيطان الذي ضل وغوى واستكبر وجحد وأبى، ثم قال: رب بما أغويتني، لم يقل: غويت، قال: رب بما أغويتني. أخي الحبيب! سأضرب لك مثلاً: لو أنني الآن أشكو من الظمأ، أليس حالتي في الظمأ هي قدر من الأقدار؟ أنا الآن ظمآن أريد ماءً، والحالة التي أنا فيها قدر، وهذا قدر الشرب أعالج به قدر الظمأ، فأحصل على قدر الري، فلا تحتج بهذا، وكذلك إذا كنت أعاني من الجوع، وأمعائي تتقطع مخمصة ومجاعة وأقول: أنا جائع جداً، نعم إن الحالة التي أشكو منها الآن وهي الجوع هي قدر، ولكن قربوا قدر الطعام لأضرب فيه بخمس، فإذا شبعت وحصلت قدر الكفاية والشبع، كذلك إذا كنت تقول: أنا في قدر الضلالة، أنا في قدر الغواية، أنا في قدر الانحراف، نقول لك: عالج قدر الانحراف بأقدار أسباب الهداية، هذا قدر الانحراف: ملاهٍ وأغان وضياع وقلة أدب ومسخرة وإزعاج للناس، تعال وعالجها بقدر الهداية، وما هي أسباب هذا القدر؟ إنها: جليس صالح كتاب صالح شريط صالح موعظة نافعة قلب حاضر مبادرة إلى الصلاة مجاهدة للنفس، هذه أقدار وأسباب تحصل قدر الهداية. إذاً هذا هو علاج شبهة كثير من الشباب الذين إذا نصحوا ودعوا إلى الله ورسوله، قالوا: نحن هكذا مكتوب علينا، وإن شاء الله يأتي يوم من الأيام ونهتدي، ويمكن أن نموت على هذه الحال! نقول: لا، لا، لا، وأكبر دليل أنك ما استسلمت لقدر الجوع، بل عالجته بقدر الأكل، فحصلت قدر الشبع، ما استسلمت لقدر الظمأ، بل عالجته بقدر الشرب، فحصلت قدر الري، ما استسلمت لقدر البرد، وإنما عالجته بقدر اللباس، فحصلت قدر الدفء، ما استسلمت لقدر الحر، بل عالجته بقدر المكيفات والمراوح، فحصلت قدر البرد والراحة والطمأنينة، وهذا أمر معلوم، إذاً لا حجة لأحد أن ينازع أو يجادل في ذلك، فضلاً عن أن الله عز وجل قد جعل لك كما أخبر سبحانه: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10]، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل:5 - 6] يحصل قدر اليسرى والهداية {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل:7 - 9] يحصل قدر الضلالة والغواية {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل:10 - 11].

المرء حيث يجعل نفسه

المرء حيث يجعل نفسه الوقفة الثانية: أخي الشاب: بإمكانك أن تكون عالماً من العلماء أو شيطاناً من الشياطين بوسعك أن تكون إماماً في الهداية وبوسعك أن تكون عفريتاً في الغواية بوسعك أن تكون قدوة يقتدى بك في الخير، وبوسعك أن تكون قائداً يهدي إلى الضلالة، وقد ضرب الله مثل الفريقين جميعاً، فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] فلما اجتهدوا وحرصوا وبذلوا كل ما في وسعهم من طاقة وما في جوارحهم من إمكانيات، وإنه بالصبر واليقين -كما يقول أحد السلف -: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] والمسلم لا ينبغي أن يقول: يكفي أن أكون شاباً ملتزماً، نحن نريد أن تكون إماماً في الالتزام، يحتذى بمنهجك وبسلوكك وبطريقك وبعلمك، ويتأسى بفكرك أيضاً {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] هذا من الأدعية المشروعة، أن الإنسان لا يكون فقط واحداً من المتقين، بل يسأل ربه أن يكون إماماً للمتقين، وفي المقابل قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص:41] في شأن آل فرعون وأهل الضلالة والغواية. فمن الممكن أن تكون أخي الشاب إماماً في خير، وممكن أن تكون إماماً في شر ممكن أن تكون قائداً في ضلالة، وممكن أن تكون قائداً في هداية، فالمسألة تعود إلى ماذا تطعم نفسك فتنتج بعد ذلك؟ ماذا تغرس وتبذر في أرض قلبك، وفي صحراء فؤادك، وفي طبيعة حواسك؛ لنعرف في المستقبل ماذا سنجني وعلى ماذا سنحصل منك؟ وكل امرئٍ والله بالناس عالم له عادةٌ قامت عليها شمائله تعودها في ما مضى من شبابه كذلك يدعو كل أمرٍ أوائله

طريق الهداية وطريق الغواية

طريق الهداية وطريق الغواية ليس غريباً أن نجد شاباً منذ أن نشأ في حلقات تحفيظ القرآن، في المراكز الصيفية، في الجمعيات الشرعية والإسلامية، في الأنشطة الخيرية النافعة ليس غريباً أن تجد هذا الشاب بعد أن تجاوز العشرين خطيباً في منبر، أو داعية في مضمار، أو إماماً في خير، أو رئيساً في هدى هذا ليس بغريب؛ لأنه في البداية ماذا كان يزرع في أرض قلبه وأرض بدنه وفؤاده؟ كان يزرع حفظاً وقراءةً وتلاوةً، ومشاركات وأنشطة، وكان إيجابياً، وكان فاعلاً، وكان نشيطاً، فلا غرابة أن يكون اليوم بهذه النتيجة. ولا غرابة أن تجد شاباً يوم أن كان في صغره سوقياً في عباراته، متسكعاً في جولاته وتصرفاته، دنيئاً في همته، خسيساً في نظراته وفكراته وخطراته، لا غرابة أن يكون في يوم من الأيام ساقطاً من الساقطين، تافهاً من التافهين، ضالاً من الضالين، كل من حوله يتبرأ من ضلاله ويدعو عليه ويسأل الله أن يريح المسلمين من شره. لا غرابة إن كان هذا منحرفاً مفسداً مؤذياً؛ لأن تاريخه الماضي كان في ضلالة وانحراف، ولا غرابة أن يكون الأول إماماً وهادياً ونافعاً؛ لأن تاريخه الماضي -بإذن الله وتوفيقه وحماية الله له وليس بنفسه ولا بحوله ولا بقوله، حتى لا يغتر الإنسان بنفسه- لأنه كان في ما مضى في محاضن خير وفي رياض علم وهدى وتقوى. فيا أيها الحبيب! كل شاب فيكم الآن بإمكانه أن يختار، أنت تستطيع أن تحدد الغاية، كما أن بوسعك أن تختار أن تمشي من هذه المنصة أو من هذا المكان إلى السور هناك، وبوسعك أن تختار أن تمشي من هنا إلى نهاية البلاط القريب، فأنت بوسعك أن تختار أن تكون -بإذن الله- إماماً في الهداية، وبوسعك أن تختار أن تكون إماماً في الضلالة كيف يكون هذا؟ بمبادرتك الآن في شبابك، كما تفعل وقت الزراعة، ووقت الغرس والبذور. ومن زرع البذور وما سقاها تأوه نادماً وقت الحصاد

المراكز الصيفية ودورها في بناء الأجيال

المراكز الصيفية ودورها في بناء الأجيال يا شبابنا: أنتم اليوم في مرحلة زراعة القلوب، لقد كنا -وتعود بي الذاكرة الآن إلى المراكز الصيفية- نتردد فيها كما ترددتم فيها، وننشد فيها كما تنشدون فيها، ونقرأ فيها كما تقرءون فيها، ونمارس ألواناً من النشاط فيها كما تمارسون الآن، ولو أننا استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا لبذلنا أضعاف أضعاف ذلك الجهد وذلك النشاط الذي بذلناه؛ لأننا وجدنا عاقبته علينا. إني أعلم أن كثيراً من الشباب دخلوا المراكز وهم بكم- البكم المعنوي- أعياء؛ الواحد منهم لا يستطيع أن يفصح عما في نفسه، بعضهم كالعجماء التي لا تنطق، وبعد أن خرج من هذه المحاضن الطيبة المباركة أصبح فصيحاً منطقياً ذا لسان مبين! وبعضهم دخل المراكز وكان وديعاً خمولاً لا يحرك ساكناً، وربما قتله الحياء، أو ربما قتله احتقار نفسه - وهذا أمر سأتطرق له بالتفصيل- وما حالت شهور المراكز بأهلتها إلا وقد عاد نشطاً متفاعلاً إيجابياً قوياً، وله آثار عظيمة فيا سبحان الله! كيف تحركت هذه القوى؟ وكيف اكتشفت تلك الطاقات؟ ومن أين تفجرت تلك المواهب؟

المخالطة وأثرها

المخالطة وأثرها إن المخالطة إما أن تنمي وإما أن تردي فإما أن تنمي فيك خيراً يزداد، وإما أن تردي فيك أموراً عجيبة وخراب. أخي الحبيب! لا تعجب من أن المخالطة لها ذلك الأثر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بخبر يدل على أن الإنسان لو خالط بهيمة لتأثر بطبعها، فما بالك إذا خالطت إنساناً؟ فإن من باب أولى أن تتأثر به قال صلى الله عليه وسلم: (الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم) لاحظ أن هؤلاء لما خالطوا الإبل وهم رعاة إبل، يصيحون بها، يعسفونها، يريضونها، ينيخونها، يعالجونها، يتابعونها؛ أورثت هذه الحالة في أنفسهم فخراً وخيلاءً في الغالب، ولاحظ حال أهل الغنم السكينة والوقار في أهل الغنم. وأنتم يا شباب! لو دخل عليكم من هذا الباب أربعة: اثنان رعاة إبل واثنان رعاة غنم، وتحدثوا قليلاً؛ لقلتم: هذا راعي إبل وهذا راعي غنم، وهذا راعي إبل وهذا راعي غنم، كيف؟ من خلال مخالطتهم لتلك البهائم، أورثت تلك المخالطة في نفوسهم وفي حركاتهم وفي سلوكهم تصرفات دلت عليهم، فكذلك أنت من خلال مخالطتك لأشرار أو أخيار، لأبرار أو فجار، لأناس يحترمون وقتهم أو لسفلة لا يقيمون للزمن قيمة، لرجال طموحهم إلى النجوم والثريا، أو لمساكين الواحد منهم طموحه لا يتعدى نهاية خطوته، تستطيع أن تميز بين هؤلاء وهؤلاء، إما فيما يكتبون، وإما فيما يرسمون، وإما فيما يتكلمون، وإما في لحن حديثهم، قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد:30] ففيه فائدة أن الإنسان ربما عرف من لحن قوله، ولا يحكم على نيات البشر في لحن القول، لكنك تعرف اتجاه الإنسان عموماً في لحن قوله، أما أن الإنسان يعرف من خلال ما يخالط فهذا واضح جداً.

صورة لشاب صالح منذ الصغر

صورة لشاب صالح منذ الصغر في مكان قريب منا شاب صغير لا أظنه قد جاوز السنة السادسة الدراسية سبحان الله! ما أجمل ذلك السمت! ما أحسن تلك الخطوات! ما أطيب ذلك المحيا! ما أبهى تلك الطلعة! إذا قابلت ذلك الشاب الصغير الذي ربما عمره في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة كأنما تقابل واحداً من طلبة العلم سنة والتزام واستقامة، أربعة وعشرون قيراطاً، كما يقال، فلما تأملنا وتدبرنا وبحثنا وجدنا أن له أباً شيخاً صالحاً طيباً، وأماً طيبةً صالحةً، وثلة من الأطفال الصغار الذين في سنه هم على هذا السمت وعلى هذا الهدي. وتجد في المقابل شاباً كأن قصة شعره ذيل كلب! وكأن فنيلته مجموعة من الأعلام برقاعها وألوانها وأشيائها! وكأن تصرفاته قطة مدعوسة! بعض الشباب هكذا يمشي، فإذا تأملته وجدته مع أناس من هذه الطينة وفي تلك العجينة ومن هذه الصفات.

الحث على اختيار أعلى المنازل في أمور الآخرة

الحث على اختيار أعلى المنازل في أمور الآخرة فيا أخي الحبيب! ضع نفسك حيثما شئت، لا تقل: قد جنى الناس عليّ، أنت الذي تختار، وقد يسر الله لك أسباب الهداية، إلا أن الهدم أسرع من البناء، البناء يحتاج إلى وقت، حفظ صفحة من القرآن تحتاج إلى استعداد وتفريغ قلب وجلوس وترتيل وإعادة وتكرار، وتقرأ على الشيخ، ثم يجوِّد لك، ثم تعيد النطق، ثم تحكم الأحكام في التجويد، لصفحة واحدة تحتاج إلى عصر كامل، حسب تفاوت الناس في الحفظ والذكاء وغيره، لكن لكي تخرب لا تعمل شيئاً، الخراب لا يحتاج إلى شيء إطلاقاً، الجدار انظر كم يحتاج العامل إلى أن يبنيه، من الصباح الباكر إلى الظهر يمكن لا يبني إلا ارتفاع متر واحد، لكن هدمه يحتاج إلى اثنين أو ثلاثة يضربون عليه ضربة فيسقط في لحظة واحدة. إذاً بوسعك أن تختار موقعك ومكانتك ومنزلتك، ولقد عرفنا أن الناس إذا خيروا بين المنازل اختاروا أسماها وأعلاها وأرقاها. أخي الحبيب! إذا ركبت سيارة فإنك تريد أن تكون بمكيف، وتريد أن يكون القطار سريعاً وتريد المنصة وتريد المرتبة السابعة فتجد أن الإنسان دائماً في مسائل الدنيا يحتاج أفضل شيء، وتجده يحرص على أن يختار في أموره الطبيعية أعلى الأشياء وأسماها، فإذا جئت إلى شخصيتك ومكانتك في الآخرة وهي دار الأبد والخلود، يا أهل الجنة، حياة وخلود ولا موت ويا أهل النار، خلود ولا موت!! إذا جاءت الحياة الأبدية فهل تريد العليا أم الدنيا؟ تقول: أريد الدنيا!! تريد الجنة أم النار؟ تقول: أريد النار! تريد الضلالة أم الهداية؟ تقول: أريد الضلالة سبحان الله العظيم!! في الأمور التافهة البسيطة غترة وما غترة وجزمة وحذاء وثوب؛ تريد أحسن شيء، ولما جاءت نفسك التي هي أغلى شيء تذهب وتختار أخس شيء، سبحان الله العظيم! هذا من الغرائب والعجائب!

الصاحب والصديق هو طريق الاختيار

الصاحب والصديق هو طريق الاختيار أخي الحبيب: إذا فهمت وأيقنت أن بوسعك الاختيار، فإن طريق الاختيار هو الصاحب والصديق، والأمر من الجليس والطبع استراق. خذ شاباً وسوف يأتي لك بالعجائب هذه عنز سورية، وهذه عنز سعودية، وهذه عنز من سيراليون ساحل العاج، وهذه عنز مصرية، وهذه عنز من كذا، والتي يقص أذنها تصبح أغلى، والتي تقص ذنبها تطول، والتي تفتح رجلها تطلع (تاندة) ما هذا الكلام؟! فتجد عنده عجائب وعجائب لا تنتهي بسبب أنه جالسها، والتيس الذي اسمه صدام قيمته ستمائة، والتيس الذي اسمه سحاب قيمته مائتان، وولد الجازي قيمته ثلاثة عشر، كلام فارغ! القضية وما فيها: أن الرجل ما قرأ كتباً، فلا يوجد كتب تتكلم عن إتحاف الميئوس في أحكام التيوس، إنما جالس أصحاب التيوس والغنم فأصبح لو مرت من أمامه غنمة وضع الذي في يده وأخذ يلاحقها! فالإنسان إذا جالس قوماً أصبح منهم. وتعال وانظر إلى بعض الشباب الذين حديثهم: هل تعلم أنه صدر الآن في المكتبات شرح جديد للبخاري اسمه فتح الباري لـ ابن رجب؟ سبحان الله! هل تعلم أن شرح الممتع لـ ابن عثيمين وصل إلى الجزء السابع؟ هل تعلم أن الكتاب الفلاني بلغ المكان الفلاني؟ هل تعلم أن كذا طبع مرة أخرى؟ هل تعلم أن الطبعة الأخيرة محققة وخرجت أحاديثها؟ هل تعلم أن هذا الكتاب نفذ من الأسواق؟ من أين أتى بهذه المعلومات؟ جالس طلبة العلم وأهل الكتب والكتاب والوراقين وغيرهم. فيا أخي الحبيب! أنت تصنع شخصيتك باختيارك، وأكرر مرة أخرى: لا يحتقر الإنسان نفسه، فإن من الأسباب التي جعلت بعض الشباب ينحرف ليس حباً في الانحراف، ولكنه احتقاره لذاته، عندما أراد أن يحضر محاضرة جاءه الشيطان وقال له: أنت ما زلت في ضلالك وتريد أن تحضر محاضرات؟! وتريد أن تصبح مثل الشباب الملتزمين؟! اذهب وابحث لك عن سمر مع الذين يشيشون في الرصيف وشيش معهم، أنت لست لهذه الأمور! إن الشيطان يأتي إلى أحدهم فيصرفه عن طريق الهداية، ويخذله ويحطم شخصيته، ويوهن ويضع من قدره، وصدق الله العظيم حيث قال: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] لكن لو أن الإنسان احترم نفسه، وإذا جاءه الشيطان وقال له: لا تذهب، لست بكفء، قال له: اخسأ يا عدو الله! أنا ذاهب إلى المركز الصيفي ولابد، فلابد أن تشعر أن الشيطان عدو ممثل في شخص معين يستعرض عضلاته أمامك، ويدفعك ويأخذ بحجزك، ويدفع دونك من أن تصل إلى أماكن الخير ومواقع الفائدة، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:6] كيف تتخذه عدواً؟ لو قلت لك: الشخص الفلاني الذي في فصلك في المقعد الرابع من جهة السبورة هذا الطالب عدو لك، كيف سيكون موقفك وتصرفاتك تجاه هذا العدو؟ أولاً: لن تحبه، ثانياً: لن تسمع لقوله، ثالثاً: لو قال أنا لك من الناصحين ستقول له: كذبت، بل أنت من الغاشين المخادعين، رابعاً: لو أعطاك دسماً قلت: هذا سم، ولو أعطاك عسلاً لقلت: هذه نجاسة، دائماً تتهمه في نياته ومقاصده، فكذا ينبغي أن نتعامل مع الشيطان ومع الهوى والشهوات، لأنها تجرنا وتدفعنا إلى رذيلة ونقيصة.

أهمية احترام الإنسان لشخصيته

أهمية احترام الإنسان لشخصيته ينبغي أن تحترم شخصيتك، وأن تعلم أن الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة كان شخصاً عدد عينيه كعينيك، وله أنف كأنفك، وعدد أذنيه كأذنيك، وعدد أقدامه كأقدامك، وله يدان ورجلان، وله قلب واحد وعقل واحد وجهاز هضمي واحد وجهاز تنفسي واحد، لم يكن مخلوقاً عجيباً أو غريباً، لكن كان له قلب ليس كقلبك، نعم لك قلب وله قلب، لكن قلبه ألقى السمع وهو شهيد، لك عقل وله عقل، لكنه فكر بعقله ونفعه، وربما بعض الشباب رمى عقله في زبالة واختار أن يقوده الناس. أنا أعجب من ذلك شاب يا حبيبي! يا ولدي! يا أخي! يا بن الحلال! يا بن الناس! ما هو الذي أودى بك في الفساد؟ ما هو الذي جرك مع هؤلاء السفهاء؟ ما الذي يجلسك في هذه الأماكن؟ ما الذي يجعلك تفحط بالسيارات؟ ما الذي جاء بك إلى الشارع الفلاني تفحط وأتى بك إلى شارع الموت أو مع هؤلاء السفهاء في سيارتهم؟ قال: هم قالوا لي: تعال، وأنا أتيت، حسناً أليس لك عقل؟! هذا العقل مغلق عليه في الصندوق أو موضوع في الفريزر مع اللحم والدجاج وتخرج مع هؤلاء بدون عقل! أين عقلك؟! إذا قالوا: إلى المسجد، قل: حيهلاً، وإذا قالوا: إلى الشوارع، قل: لا إذا جاءك من يدعوك إلى محاضرة، قل: أهلاً وسهلاً، وإذا جاءك من يدعوك إلى ضلالة فقل: لا وألف لا. فيا أخي الحبيب! لا تحتقر نفسك، أنت فيك خير كثير وأيضاً فيك شر كثير، وبإمكانك أن تفجر الدنيا وأن تنسف العالم وأن تخرب ما حولك، وبإمكانك أن تبني وأن تصلح، بإمكانك أن تكون طبيباً معالجاً نافعاً هادياً مهدياً، وبإمكانك أن تكون علة ومصيبة على هذه الأمة. واليوم كثير من شبابنا يحسبون علينا ولا نستفيد منهم شيئاً، منهم اليوم الذي عنده محل وأنت الآن لو أن لديك مؤسسة أو شركة أو محل، ثم أحضرت لك موظفاً ووجدت أنه لا ينجز عملاً، نائم دائماً على الطاولة، دائماً لا يرد على التلفون، لا يتابع، لا ينجز، لا يعد تقارير، فإنك ستقول له: تعال، أنا أحضرتك واستقدمتك والخ، اقلب وجهك الله لا يحيي اليوم الذي جئت فيه، اذهب إلى بيتك لا نريدك، ثم تأتي بواحد آخر. واليوم إن مرض أحد شبابنا، تعالوا زوروه في المستشفى، واذهبوا وائتوا له بواحد يقرأ عليه، وائتوا له بواحد يعالجه، واعملوا له إشاعات وتحاليل ومختبرات، وإذا احتاج دماً فتعالوا يا عباد الله وتبرعوا له بدم، ثم إذا نهض نهض شيطاناً مريداً لا نفع ولا فائدة، وهذا ليس بغريب، وصدق الله العظيم: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12] تلقى هذا الشاب يوم أن أصابه المرض أو صدمته السيارة أو حصل له حادث يقول: آه، يا رب! يا رب! ولا يعرف أحداً، فقط: يا رب! يا رب! وفي المستشفى يدفعونه، وهؤلاء الممرضات يطلون في وجهه، وهذه تركب له الدواء، وهذه تركب له المغذية، وهذه تعطيه حقنة، ولكنه مع هذا لم يعبر أحداً يا رب! يا رب! {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً} [يونس:12] إما أن يمشي وهو ملتو أو قاعد على عربية {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12] يوم أن عافاه الله قام ينظر، ويقول: تعالي يا هذه الممرضة، ما اسمك؟ من أي بلد؟ قبل قليل يصيح: يا رب! يا رب! {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ} [يونس:12] قام يفتح عينيه، وقام يقلب في عباد الله كما يشاء، سبحان الله العلي العظيم! فيا أخي الحبيب! خاتمة هذا الموضوع: حوار مع الشباب، وقد قلت: نحن نتحدث عنك وعن شخصيتك عليك أن تعلم أن بوسعك أن تحدد منزلتك ومقامك من الآن، تخيل نفسك إذا كتب الله لك عمراً بعد عشرين سنة أو بعد ثلاثين سنة، هل أنت في منابر الهداية أم في مواخير الغواية؟ وبوسعك أن تشق طريقاً إلى الخير وليس هذا بأمر عسير. كثير من الشباب يقولون: الاستقامة صعبة، والطريق طويلة، ومن يستطيع أن يصبح ملتزماً! وتجد أربعة أو خمسة شباب يجلسون، ويقولون: يا أخي! فلان ملتزم! يا ليتنا نصبح ملتزمين! وهل القضية والهداية والاستقامة صعبة؟! ليس فيها أمر صعب أبداً، لكنها تحتاج إلى عزيمة، تحتاج إلى إنسان جبل بطل رجل، يقول للشيطان: لا، يقول لجلساء السوء: لا، يقول للشهوة والهوى: لا، ويعسف نفسه ويصارعها كما يصارع المصارع صاحبه في الحلبة. أيها الإخوة: لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك، فأكتفي به، ولعل البقية ترد من خلال الحوار والنقاش الذي يرد في أسئلتكم جزاكم الله خيراً.

الأسئلة

الأسئلة

ضابط إخبار الناس بالأعمال الصالحة

ضابط إخبار الناس بالأعمال الصالحة Q أنا شاب أحب أن أخبر الناس بأعمالي الصالحة لا لأجل الرياء، وإنما لكي يقتفوا أثري ويتأثروا بي، فما هو توجيهكم لي في فعلي هذا؟ A أخي الحبيب! لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك الخفي، وبين أنه أخفى في هذه الأمة من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وإن كنت تأمن على نفسك فتنة الرياء والسمعة، وتعلم أنك إذا تكلمت فإن هذا يحدث لا محالة أثراً في السامعين لفعل خير وترك شر؛ فلا بأس، وإن كنت تعلم أنك إن تكلمت فإن كلامك يحدث فيهم فعل خير وترك شر، ولكن يدخل في نفسك ما يدخلها من الرياء والعجب، فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وإياك أن تحبط عملك بالرياء والسمعة، وهي من صفات المنافقين، قال تعالى: {يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]. أخي الحبيب! إن مسألة العمل وإخلاص العمل أمر غريب وعجيب، يقول أحد السلف ولعله الحسن البصري: ما كابدت شيئاً أتعبني كما كابدت نيتي. وإنا نشكو إلى الله إهمالنا وغفلتنا وتفريطنا وتقصيرنا في أمر النية. فيا أخي الحبيب! إذا كان الأمر فيه جانبان، وهما: يقينك بتأثر السامع، ويقينك بسلامة نفسك من الرياء والعجب، فلا بأس، وإن تحقق عدم استفادة السامع مع يقينك بسلامة نفسك من الرياء، فلا داعي لذلك أبداً {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] وإن غلب على نفسك تأثر السامع وعدم سلامة النفس من الرياء، فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة. ويا أخي الحبيب! اجعل بينك وبين الله سراً، مهما كانت ذنوبك، ومهما كانت معاصيك، ومهما كانت أخطاؤك، اجعل بينك وبين الله سر لا يطلع عليه أحد لماذا كل أعمالنا نفسدها بالمن والأذى والرياء والقيل والقال؟ وإني من هذا المكان لأغبط شباباً إن حضروا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفقدوا، وإن خطبوا لم يزوجوا، وإن سألوا لم يعطوا، والله إنا على يقين أنهم خير منا بمئات المرات، فهنيئاً لهم إذ لم يعرفوا وقد فتح الله عليهم أبواب خير من الدعوة، خاصة دعوة الشباب والعناية بالشباب، ومجاهدة الأنفس، وتربية الشباب، التربية الفردية والدعوة الفردية، فقد حصلوا الأجر وسلموا من فتنة الشهرة والقيل والقال.

مرض الهوس الرياضي وعلاجه

مرض الهوس الرياضي وعلاجه Q إنني مصاب بمرض الهوس الرياضي وقد أتعبني نفسياً، فما هو العلاج لهذه المشكلة؟ A ما كنت أظن أن الرياضة تبلغ ببعض الشباب ما بلغت؛ لولا أن واحداً حدثني قائلاً: إنه إذا كانت مباراة نهائية ثم هزم فريقه ولم ينل الكأس، يقول: أبقى ثلاثة أيام لا أذوق طعاماً أو لا حاجة لي في الزاد! آكل شيئاً بسيطاً جداً، أما الوجبات الرئيسية فلا يذوقها! لماذا؟ لا أريد أحداً يكلمني، ولا أريد ولا أريد. فقلت له: ولو قيل لك: أن مائة فتاة في البوسنة اغتصبت، فهل تتحرك؟ لو قيل لك: إن عدداً من العلماء في بلاد من البلدان أعدموا وشنقوا، فهل تتحرك؟ لو قيل لك: إن مقابر جماعية حفرت لمسلمين ودفنوا فيها، فهل تتحرك؟ قال: وهذا الذي يؤلمني أنني لا أجد لهذا أثراً. لا شك أن هذا مصاب بمرض القلب، بل بموت القلب ولا حول ولا قوة إلى بالله! ولا شك أن الهوس الرياضي ما أصابه من أول يوم شجع فيه، لكنه أدمنه حتى أصبح يشكو حالة الانهيار والهوس كما يسميه، ولو أنه جاهد نفسه، وتذكر دائماً، والذكرى تنفع المؤمن، أن يتذكر في كل حال هب أن فريقاً تشجعه فاز فهل يعطيك ريالاً؟ لا، هل يرقيك مرتبة؟ لا، هل يقدمك سنة دراسية؟ لا، هل يزيد في بيتك مساحة؟ لا، هل يقدم لك طعاماً طيباً؟ لا، هذا في مقاييس الدنيا، فإذا أتيت إلى الآخرة: هل هذا يرضي الله عنك؟ لا، هل هذا يقربك من الله؟ لا، هل تتزود به علماً؟ لا، هل يحبك الصالحون ويدعون لك؟ لا، هل ترجو بذلك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة؟ لا، هل تنال بذلك أن تكون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله؟ لا. إذاً: بم ستلقى الله في هوس الرياضة؟ هل ستقول: يا رب! جئتك ومعي تمزيقي لثيابي يوم أن هزم المنتخب، وتفحيط في الشوارع يوم فاز؟ جئتك وقدمت بين يديك ومعي صياح ورسائل وأشرطة؟ والبعض يدفع من جيبه، ولو قيل له: ادفع في حفر بئر أو كفالة يتيم أو كفالة داعية أو بناء مسجد لقال: فريقنا أهم علينا مما تقولون! أخي الحبيب! تأمل وتفكر، فالهوس ليس بحالة لا تستطيع أن تعالجها، كيف جاءك الهوس تدريجياً حتى أصبحت ذا هوس رياضي؟ فأنت تستطيع أن تكون ذا حرقة على الدين، وتستطيع أن يبلغ بك الحال إلى درجة تسهر الليل وأنت تتفكر في قضايا المسلمين، كما يحصل من بعض من نعرف، بعضهم يقول: إذا رميت برأسي على وسادتي تمر الساعات وأفزع -أحياناً- بأذان الفجر وما علمت أن الساعات مرت. يا أخي فيم تفكر؟ يقول: في جياع البوسنة، وفي المسجونين في كشمير، وفي المقابر الجماعية من قبل الصرب على المسلمين، وفي الاغتصاب للأخوات المسلمات يقول بعضهم: وتارة ربما انحدرت دموع على وجنتي وأنا أتقطع أسى، وكما في الأثر: في آخر الزمان يذوب قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكرات ولا يغير، وأحياناً ربما يتميز الإنسان غيظاً ويضيق حينما يرى من المنكرات والمصائب والبلاوي، لكن ينشرح الصدر حينما يرى أمثالكم ممن يعدون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:116 - 117] فتب إلى الله من هذا الهوس الرياضي.

أهمية النية للاستفادة من وقت الإجازة

أهمية النية للاستفادة من وقت الإجازة Q إنني أعرض عليكم المشاركة في هذا المركز لإفادة الإخوان رغم القصور والله المستعان، إلا أنني كنت عقدت العزم على الاستفادة من هذه الإجازة على قدر الإمكان، ويصعب عليَّ التوفيق بين الأمرين، فما توجيهكم لي ولأمثالي؟ A النية أساس العمل، فما دمت نويت أن تستفيد فسوف تستفيد، أحبابي! لو جلست مع شاب عمره نصف عمرك ونويت أن تستفيد من حديث معه لاستفدت، لو أخذت كتاباً وأنت تنوي أن تنتقده لن تخرج إلا بالانتقادات ولن تخرج بفائدة، ولو أخذت كتاباً وأنت تنوي أن تستفيد منه لاستفدت، فنيتك هي أهم شيء، شعورك بقصور نفسك، قناعتك بأنك مريض تحتاج إلى علاج بحسب درجات المرض، وكلنا نحتاج إلى ذلك، أنا مقتنع أنني مريض، وربما وجدت العلاج بجلسة معكم أستفيد منكم وأسمع منكم وتسمعون مني، وأنت تقتنع أنك مريض بحاجة إلى من يسددك ويصوبك، وكلنا مرضى ومن ذا الذي يدعي الكمال؟ ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها؟ والله -يا أحباب- إننا كما يقول القائل: مريض يعالج مرضى، وعليل يناصح معلولين، ولكن حسبنا أن نتواصى فإنها سمة المؤمنين، كما قال الله عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. المشاركة في هذا المركز شرف وفخر أعتز به، وليس عندي مانع أن أشارك ثانية وثالثة، وما تشاءون من المشاركات إذا كان لدي فرصة أو وقت يسمح بذلك، حتى لو أردتم نلعب سلة.

الابتلاء بالتعلق بالأشخاص وعلاج ذلك

الابتلاء بالتعلق بالأشخاص وعلاج ذلك Q إنني شاب مبتلى بحب شاب، وشغفت بحبه حتى والله أنني تركت بعض النوافل، بل ذهب عني الخشوع في الصلاة، وبدأت أتكاسل وأفكر فيه في كل أوقاتي، فأرجو إرشادي لعل الله أن يبعد عني هذا الحب، وأرجو الدعاء لي لعل الله أن يستجيب في هذا المكان، وجزاك الله خيراً؟ A أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك أخي الحبيب! إياك والتمادي في أسباب العشق والتعلق خاصة بالأحداث فما في الأرض أشقى من محبٍ وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل وقتٍ مخافة فرقةٍ أو لاشتياق فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق وكم أفسد هذا الداء الخسيس! نسأل الله أن يعافينا وإياكم، نسأل الله ألا يبتلينا في أنفسنا، والمعافى من عافاه الله، والمسَلَّم من سلمه الله. أقول: إن هذا قد أنزل رجالاً من مستعصمهم إلى مهاوي الرذيلة والمواقع الآثمة، ثم عجبت أن يهوى شاب شاباً أو رجل رجلاً، سبحان الله العلي العظيم! أما تعلم أن في أنفه المخاط؟ أما تعلم أن في عينيه القذى؟ أما تعلم أن في جوفه الخراءة والعذرة والبول؟ أما تعلم أن في مغابنه وبراجمه العرق؟ أما تعلم أن في فمه البخر؟ أما تعلم أنه قطعة تجيف وينتن ريحها إذا تركت لولا أن الله سترها بالدفن لو ماتت؟ أما تعلم أنه لو مات ما أطاقه أهله وأحبابه وأقاربه؟ أما تعلم أن ما تفعل جزاؤه خسف ومسخ؟ أما تعلم أن جزاء من فعل هذا وتمادى فيه أن يصعد به أعلى شاهق ويرمى من أعلاه عقوبةً له على خسة طبعة ودناءة نفسه؟ وعلاجه الإعراض والبعد، ابتعد، يوجد مكان أنت مبتلى فيه ببلاء فابتعد عنه. فخاتمة المطاف في هذا السؤال نقول لصاحبنا: إن من الأدوية الناجعة المفيدة لمن ابتلي بمثل هذا الداء الخبيث -والعياذ بالله- أن يبتعد عن الموقع الذي فيه هذه الفتنة وهذه البلية، فلعل العين إذا غابت بنظرها اشتغل القلب بشغل أجل وأهم، أخي! سبحان الله العلي العظيم! أسأل الله ألا يبتلينا في أنفسنا، أسأل الله أن يعافيك وألا يبتلينا. يا إخواني! تصوروا لو أن واحداً أبوه ميت أو أمه متوفاة، فجاءه واحد صديق وقال له: بياراتنا غير صالحة أصلحها لنا، يا أخي! نحن في بيارات أم في حالة موت حبيب وعزيز وغالٍ؟! لا يمكن أن تأتي بالهم عند الهم هذا إطلاقاً، فكذلك أين الهم في هداية المسلمين ودعوتهم؟ وأين الهم في إصلاح المجتمع؟ وأين الهم في الأمر بالمعروف؟ وأين الهم في الجنة والفردوس الأعلى؟ وأين الهم في رؤية الله عز وجل والنظر إلى وجهه الكريم؟ {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] وأين الهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم؟ أنت تعلم أن همك في مثل هذا الشذوذ وهذا البلاء يحرمك ويرديك وينكسك ويحرمك أموراً عظيمة وجليلة، فهل تضيع هم جلال الله والنظر إلى وجهه الكريم، وحب المصطفى صلى الله عليه وسلم ولقاءه، ومقابلة الأخيار، والجنة والنعيم والحور والرضا، رضي الله عنهم ورضوا عنه، تضيعه كله لأجل هذا الأمر الذي تدعيه أو تذكر أنك متعلق به؟!! أنا لا أقول هذا ساخراً ولا مستهزئاً، فلا تهزأ بأخيك يعافيه الله ويبتليك، لكن أقول: اجعل في النفس هماً عظيماً، ثم ستجد أنك تضحك على نفسك وتقول: كيف أهتم بأمر كهذا وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام

طريق الاستقامة والتوبة إلى الله تعالى

طريق الاستقامة والتوبة إلى الله تعالى Q هناك شاب يقول: إنه يريد الاستقامة، ولكنه متردد فبماذا تنصحونه؟ والثاني شاب تائب يقول: كيف العود الحميد إلى الله؟ وهل التوبة تمحو عني ما مضى؟ وكيف أستقيم حقاً؟ والثالث يقول: إنني شاب مبتلى بالتدخين والعادة السرية فما هو الحل؟ A أخي الحبيب: الذي يقول: إنه متردد في الاستقامة، فنحن نسأله عن أسباب التردد، بعض الشباب يحب الأخيار ويدعو لهم، يبتسم في وجوههم، يستضيفهم في بيته، يقدم لهم أزكى طعام، ويهديهم أطيب سلام، يذب عن أعراضهم، يدافع عنهم، لا يرضى أن يسمع فيهم مسبة ولا قالة، لكنه لم ينضم معهم، ولم ينخرط في سلكهم، ولم يعمل داعية إلى الله كما يدعون؛ والسبب أوهام ووساوس قال الشيطان بها، وأذكر طرفاً منها: فمن ذلك أن أحدهم يقول: إنني إذا التزمت واستقمت أخاف أن أصبح غداً من هؤلاء الذين يفجرون، لأنه ما بينه وبين التفجير إلا أن يستقيم ويلتزم، كما حصل بعض الناس للأسف من التصور، بعضهم يوم أن أراد أن يستقيم ولده، قال له: عندك نية تطوع وفي الغد تأتي لنا برجال ينسفون أبها، أو عندك نية وعندك نية أصبح كل متدين معناه أن معه حزاماً ناسفاً، و (تي إن تي) و (سي فور) و (ريموت كنترول) تفجير ونسف، هذا ليس بصحيح، إذا كان هناك أربعة أو خمسة أو عشرة أو عشرون أو خمسون ضلوا الطريق، وسلكوا مسلك التكفير، ورضعوا أفكار الخوارج نقول هذا بقوة ولا كرامة، لابد أن نميز وإلا سيأتي يوم من الأيام يرمى الجميع بجرم أي واحد ضال منحرف، لكن إذا كنا صريحين صادقين في التفريق والتمييز والتمايز بين من يحسب على الدين الحق والالتزام الصحيح والمنهج الشرعي وطريقة أهل السنة والجماعة ومن ليس منهم، حتى ولو وفر لحية أو قصر ثوباً، وليس العيب في اللحى والثياب، حينئذ نكون صادقين وجادين ونعرف. فأقول لهذا الذي يتردد: يا أخي الحبيب! نحن في هذه المملكة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها لا تكاد تجد إلا نزراً يسيراً ممن تأثروا بمثل هذه الأفكار، تحت ظروف المراهقة وصغر السن والجهل وعدم العلم وعدم الاتصال بالعلماء وعدم الرجوع للعلماء، فلا تظن أن كل المتدينين هكذا، لا أحصي لك من مئات الآلاف من الشباب أو الملايين من الشباب المتدين يعفون لحاهم، ثيابهم على السنة، يسمعون الشريط الإسلامي النافع ويوزعونه، يقرءون الكتاب الإسلامي النافع ويلخصونه، يتحلقون على العلماء، يتزاحمون بالركب في دروسهم، أهل الصلاة والمساجد، أهل القيام والصيام والتهجد، أهل البر، وما علمنا عنهم إلا جداً واجتهاداً وعزماً وحزماً وحيوية ونشاطاً وبذلاً وخيراً، ونفع الله بهم الإسلام والمسلمين. فالتردد من أجل أني لو أعفيت والتزمت واستقمت أني سأصير بهذه الصفة؛ هذا من خلط الشيطان ووسوسته، يقول أحد الشباب: إنه قابل شخصاً في المصعد فقال له: هل معك سيجارة؟ فقال له: يا أخي الكريم! مصعد وضيق، والتدخين يضرك، أتعرف أنه من الخبائث، وكذا، قال: يا رجل! أحسن من اللحية هذه التي فيها متفجرات! مباشرة قال له: تف، وتنفجر عليها ويذهب. قال: خوفته بلحيتك وأعطيته حركة. هل هذا عقل عندما يقول: أحسن من اللحية التي فيها متفجرات؟!! انظر إلى أي درجة نزغ الشيطان لسانه فقال بكلمة سخيفة خسيسة. نحن -والحمد لله- عرفنا الشباب الطيب من أكثر من خمسة وعشرين سنة أو عشرين سنة وما سمعنا -أنا أحدثكم عمن لقيت وعرفت من الأساتذة والدعاة الأفاضل- ما سمعت -والله- يوماً ما من أحدهم كلمة تدعو إلى ضلالة أو غواية أو إفساد في المجتمع، بالعكس نسمع منهم الدعاء لولاة الأمور والتواصي به، نسمع منهم النصيحة للمسلمين عامة ولولاة الأمور أيضاً والتواصي بذلك، نسمع منهم العناية بالوالدين والاهتمام بهما، نسمع منهم العناية بإصلاح أوضاع المجتمع، نسمع منهم العناية بنفع المساكين والمحتاجين هذا معوق، وهذا مشلول، وهذا عنده علاج، وهذا يحتاج إلى مساعدة، وهذا عليه دية لا يجد من يجمع له، وهذا عليه دين يريد من يشفع له، وهكذا تعلمنا من الطيبين الذين نعلم أنهم منتشرون في أنحاء هذه البلاد. فإذا نزغت نازغة أو خرجت خارجة محدودة في عشرات أو أقل من مائة أو شيء من هذا لا يحسبون على البقية، فينبغي أن نتبرأ من سلوكهم، ونحن لا نكفرهم، فإن علي بن أبي طالب لما سألوه عن الخوارج وقالوا له: [يا أمير المؤمنين! أكفارٌ هم؟ قال: لا، من الكفر فروا، لكن بغوا علينا] ومع ذلك قاتلهم وقتلهم وما كفرهم، فنحن نرضى ونسلم بالإجراءات الشرعية والرسمية التي أجرتها الدولة وصدرت من العلماء ومجالس القضاء محل ثقة، وما عندنا اهتزاز ثقة في ولاة الأمر من كبار العلماء والمسئولين إطلاقاً، ينبغي أن نسلم بالثقة، سيما مسئولية الأمن مسئولية خطيرة، ولولا الله ثم الأمن ما اجتمعنا هنا، لو أننا في حرب فهل نستطيع أن نجتمع في مراكز؟ كيف تدعو في ظل حرب؟ كيف تقوم بمشاريع دعوية أو خيرية أو صحية أو توعية أو اجتماعية، أو غيرها في ظل حرب إطلاقاً؟ فكل خير بعد فضل الله عز وجل في ظل الدين ثم الأمن، ونحن نحترم هذه المسئولية ونرى أنها مسئولية الجميع، سواءً في وزارة الداخلية، في المراكز الصيفية، في جميع الدوائر، في الجامعات، في المعاهد، في المدارس، في كل مجال ينبغي أن يكون عندنا حس أمني، ولله الحمد هذا موجود. وقد يتردد هذا الشاب الذي يريد الاستقامة، ويقول: وإذا استقمت فأنا قد لا أستمر فنقول: يا أخي! وهل شرعت التوبة إلا من الزلل؟ وهل شرع الاستغفار إلا من الخطأ؟ تب إلى الله عز وجل، أقلع عن ذنوبك، أبعد ما عندك من آلات اللهو وصوره ومجلاته وأشرطته ووسائله، حطمها، كسرها، فإن وقعت بعد ذلك في زلة فأتبعها بالاستغفار {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. قد تقول: أنا متردد في الاستقامة، أخشى أني أغلط مرة ثانية. نقول: استقم، وإن غلطت فتب، وإذا أخطأت فأحدث بعد الخطأ عملاً صالحاً يمح السيئة (وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن). وقال أحدهم: إنني أريد أن أستقيم، لكن أهلي يمنعونني ويقولون: هؤلاء المطاوعة وراءهم أشياء وأشياء. أنا أرى الشيخ الآن ماذا وراءه؟ فنيلة علاقي، لست أرى مسدساً ولا ميراجاً، ولا (ترنيدو) ولا (إف 60) ولا (إف 16) إطلاقاً، ليس وراءه إلا فنيلة علاقي. فالشاهد يا أخي الحبيب! ادفع عنك هذه الأوهام، وبعض الشباب فعلاً، حتى أضرب لك مثالاً على أن الشيطان يعرقلنا، يكبلنا، يقيدنا عن الدعوة والاستقامة، يقول بعض الشباب: أنا -أحياناً- أفكر وأقول: سأدعو إلى الله، وسأوزع أشرطة وكتباً، وأشترك في المركز، وسأفعل، يقول: ثم قليلاً قليلاً أحس أنه ينزل على رأسي جبل من الخوف وأحس أنني مراقب، وأن الناس يطالعونني، وأن حولي أناساً يراقبونني ويتابعونني! يا زعيم المافيا، هم لا يراقبونك، ماذا عندك يا أخي لكي يراقبوك أصلحك الله؟! تراقب لأنك تصلي مع الجماعات! تراقب لأنك تسابق المؤذن إلى المسجد! تراقب لأنك تشتري شريطاً مفسوحاً من وزارة الإعلام! تراقب لأنك تلخص كتاباً يباع في المكتبات وفي الشوارع! تراقب لماذا؟ ما هذه الأوهام الجنونية؟! أقول: ربما أنك تتردد لهذه الأسباب، أو تتردد أسفاً على شهوة، أو لا تريد أن تفارق شهوة، أقول: ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، اترك ما تشتهي لما يرضي الله عز وجل، ولن تكون أبلغ من مصعب بن عمير الذي كان فتى مدللاً غنياً ثرياً وسيماً ناعماً معطراً، فترك كل ذلك لوجه الله، فأكرمه الله بالشهادة في سبيله، وهو مع الأبرار والأخيار في جنات النعيم.

الالتزام الأجوف والعزلة

الالتزام الأجوف والعزلة Q أنا شخص أريد أن أكون عادياً ولا أحب الارتباط لأني كثير الأشغال، وأحب الجلوس في البيت كثيراً، فما نصيحتكم؟ A انظر يا أخي الحبيب! ليس هناك مرحلة بين الاستقامة والانحراف {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:37] ليس هناك توقف، إما أن تتقدم إلى الاستقامة أو تتأخر إلى الغواية والضلالة، حتى الاستقامة ممكن أن يقع أثناءها شيء من الزلل أو الخطأ أو الذنب، فتتبعه بتوبة واستغفار وإنابة ورجوع، مشكلة بعض الشباب يقول: أنا لا يمكن أن أستقيم؛ لأنني لو استقمت إما أن أصير ملكاً من الملائكة معصوماً ولا أخطئ، وإلا لا يمكن، أنا لا أقول لك: استقم وليس هناك مانع أن تعصي وأن تلعب وتلف وتدور، لا، أقول: استقم، وخذ العهد والعزم على ألا تضل، وألا تنحرف، وألا تتساهل مع النفس، وألا تنساق وراء الشهوات والأهواء، لكن إن وقع منك زلة أو خطيئة، فيا سبحان الله! قد زل من هو خير منك فعاد وأناب إلى الله {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى:25]. فيا أخي الحبيب! تب إلى الله وعد، وأما أن تقول كما يقول بعضهم: أنا والله أريد أن أكون وسطاً، إذا كنت أنت وسطاً، فماذا يكون أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم؟ أهم غلاة؟ أهم متطرفون؟ ما هذه الوسطية التي ندعيها؟ ويقول: أنا لا أريد أن أكون مروج مخدرات وسفاح دماء، لكن لا أريد أن أكون شاباً ملتزماً، أنا أريد أكون وسطاً؟ لا تخادع نفسك بكلمة الوسط هذه، الوسط هو العدل والخيار وهو الذي يرضي الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] الله جعلنا وسطاً، فالوسط هو الخير والعدل والتمام والصلاح، فلا تخادع نفسك، فعليك بالاستقامة. وقضية الاستقامة بعيداًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً عن الالتزام بالصحبة الصالحة هذه مسألة ترجع إلى شخصيتك أنت، بعض الشباب مشغول بالقراءة، مشغول بالبحث العلمي، مشغول برسالته العلمية، مشغول بالتعليم، مشغول بالدروس العلمية، مشغول ليلاً ونهاراً، فنقول: ليس من العقل أن تترك هذا الخير العظيم، بل نحن نخالط الشباب، ونعد الشباب، ونستفيد من الشباب من أجل أن نبلغ هذه الدرجة، درجة التأليف والتصنيف ونفع الناس والدعوة إلى الله عز وجل، فإذا استطعت أن تبلغ هذا الخير بمفردك دون الاختلاط بأحد مع أمان على النفس، فلا أحد يمنعك أن تفعل هذا، لكن قد أخبرنا الواقع وحدثتنا التجارب أن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية كما في الأثر، لا تكن طرفاً فإن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية. وأتذكر يوم أن كنا صغاراً في مكتبة في السويدي، كان معنا أحد الشباب وكان مولعاً بالقراءة، قال: أنا ليس لي حاجة للاختلاط بكم. والله -يا إخوان- ما هي إلا أيام ثم بدأ يقرأ كتباً منحرفة، ثم بدأنا نفقده في الصلاة، ثم بدأ لا يصلي مع الجماعة، ثم ركب على بيته بعد فترة دشاً، وفي بداية الدشوش، مع بدايتها كان من أوائل الذين ركبوا، وفرض على أهله، وشكا أهله منه انحرافات عجيبة وغريبة، سبحان الله العلي العظيم! كيف حصل هذا الأمر؟ نتيجة لأنه قال: أنا سوف أستقل بنفسي، أما من يثق بنفسه فلا حرج.

أهمية الالتحاق بحلقات القرآن الكريم

أهمية الالتحاق بحلقات القرآن الكريم Q هل الالتحاق بحلقات القرآن الكريم يؤثر في التزامي لأني أحس بثقل في التسجيل فيها؟ A أخي الحبيب! نحن نريد أن نلتزم لكي نسجل في حلقات القرآن، فإذا استطعت أن تسجل في حلقات القرآن فأنت قد قطعت شوطاً كبيراً في الاستقامة والالتزام، وبالمناسبة لا نريد أن تكون المراكز الصيفية مشغلة وملهية للشباب عن الدروس العلمية وحفظ القرآن الكريم، بل لابد أن يكون من ضمن البرامج في المراكز الصيفية حلقة تحفيظ قرآن موجودة لمدة ساعة أو ساعتين، جميع الأسر تتحول إلى خلايا نحل لها أزيز بالقرآن، حتى يحفظ كل ما يسر الله له يومياً، حتى لا تكون المراكز قد أشغلت وصرفت بعيداً عن تحفيظ القرآن، وما فائدة الاستقامة إذا لم تقربنا إلى كتاب الله عز وجل؟ فإذا كنت ستسجل في حلقة تحفيظ القرآن، فهذه الحلقة وتسجيلك فيها وانضباطك في الحفظ واستمرارك فيه دليل على أنك قطعت في الالتزام شوطاً طيباً جزاك الله خيراً.

كيف نكون مصلحين؟

كيف نكون مصلحين؟ Q نحن صالحون، ولكن كيف نكون مصلحين؟ A نسأل الله أن نكون صالحين، وأما الإصلاح فأن تنقل ما حققته من الخير والهداية والاستقامة التي تراها في نفسك وسلوكك إلى الآخرين، بالكلمة الطيبة، بالخلق الحسن، بالمعاملة الجيدة، بهدية الشريط والكتاب، بأخذ هذا الشخص الذي تريد دعوته، تتألف قلبه إلى المركز وإلى المحاضرة، تزوره بأخ في الله، تهديه هدية، كل هذه من الأسباب التي تفتح المغاليق، وأحيل إلى شريط عنوانه: "الدعوة الفردية" نافع جداً في هذا الباب.

المحافظة على الاستقامة بعد سماع المواعظ

المحافظة على الاستقامة بعد سماع المواعظ Q كيف أحافظ على حالة الاستقامة التي أشعر بها بعد سماع المواعظ؟ A تحافظ عليها إذا أكرمت نفسك ونزهتها عن أن تسقط بها في حضيض مجالس اللهو والغفلة، وكنت دائماً في وسط نافع يذكرك بالله إذا نسيت، ويعينك على طاعة الله إذا تذكرت، فهذا يحقق لك بإذن الله، ومن معتقد أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، لكني أنصح بنصيحة هي من ضمن الأعمال الصالحة التي يزداد بها الإيمان، لكنها -بإذن الله- فيها خير، وهي كثرة الاستغفار وذكر الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة أو تمحى عنه ألف سيئة؟ قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يسبح الله مائة تسبيحة، فتكتب له مائة حسنة، أو تمحى عنه ألف سيئة). وقال صلى الله عليه سلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مائة مرة؛ كان كمن أعتق عشر رقاب، وكانت حرزاً له من الشيطان سائر يومه ذلك). دائماً عود نفسك على الذكر والاستغفار مع الشهيق والزفير: لا إله إلا الله لا إله إلا الله أستغفر الله أستغفر الله حتى لو اقتضى الأمر أن تأخذ سبحة وتسبح بها، فهذا ليس ببدعة كما يظن بعض الناس، فقد سمعت سماحة الشيخ العلامة الإمام محمد بن صالح بن عثيمين سئل في (نور على الدرب) عن رجل يقول: أنا أستخدم سبحة فيها عدد خمسمائة حبة -انظر هذه سبحة طويلة! - من أجل ضبط التسبيح، يريد أن تكون مثلاً كل مائة تسبيحة مائة تهليلة، يريد أن يضبط العدد؛ فقال الشيخ: إذا كان الإنسان يستخدم السبحة لضبط العدد ليس لقصد الاعتقاد أن السبحة فيها مزية وفضيلة فهذا لا بأس به، لكن يراعى في ذلك أن الإنسان ربما يفتح عليه باب أنه يسبح أمام الناس بسبحة فيدخله الرياء، ولو عود نفسه دائماً أن يسبح في نفسه لكان أفضل، والتسبيح بالأنامل أفضل، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من الصحابيات إحدى أمهات المؤمنين معها مكتل أو زنبيل فيه حصى، فقال: ما تفعلين به؟ قالت: أعد به التسبيح يا رسول الله! فما أنكر عليها ذلك، ولكنه أرشدها إلى التسبيح بالأنامل فقال: (إنهن مستنطقات) أي: تشهد لك بتسبيحك. فكون الواحد يجعل له سبحة -مائة حبة- يسبح بها، لا بأس به، حتى أن بعض الشباب إذا جاء لينام تأتيه الهواجس وتلعب به وقام يفكر، حتى بعضهم هواجسه تقوده إلى العادة السرية والأمور الخبيثة، لكن توقع لو أنه مد له مائة سبحة وجلس يستغفر الله، فيغلبه النوم وهو يسبح، ما يسبح مائتين أو ثلاثمائة إلا وهو داخل في نومة طويلة عريضة؛ فاجعل التسبيح دائماً قضيتك، إذا كنت لا تسمع شيئاً نافعاً أو لا تتحدث في شيء نافع فسبح بأناملك، واضبط العدد، سبح مائة حبة أو مائتين أو ثلاثمائة، خذ السبحة وسبح ليل نهار، فهذا مما يحافظ على الإيمان ويضيء وجهك بإذن الله عز وجل. في الختام نسأل الله العظيم أن يرفع قدر الشيخ، وأن يعلي منزلته، وأن يجعل ما سمعنا حجة لنا في موازين أعمالنا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

خطبة عيد الفطر

خطبة عيد الفطر إن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعم عظيمة، من هذه النعم ما تعيشه الأمة من أفراح وأعياد، ومن هذه الأعياد هذا العيد الذي توج الله به شهر الصيام والقيام وأجزل لنا فيه البر والإكرام، أحل لنا فطره وحرم علينا صومه، وأوجب علينا فيه شكره، ولقد تحدث الشيخ عن العيد وفضله ثم أتبع بعده توجيهات وقضايا يحتاج المسلم إلى أن يذكر بها خاصة في مثل هذه المواسم.

فضل يوم العيد

فضل يوم العيد الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا، الله أكبر كل ما صام صائم وأفطر، الله أكبر كلما لاح صباح عيد وأسفر، الله أكبر كلما لاح برق وأنور، الله أكبر كلما أرعد سحاب وأمطر. الحمد لله، الحمد لله الذي سهل لنا الصيام والقيام ويسر، نحمده على نعمه التي لا تحصى ولا تحصر، ونشكره على فضله وإحسانه وحق له واحد أحد صمد أن يشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربنا تفرد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده بأجل مقدر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صام وقام وصلى وزكى وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهر، وعلى أصحابه الذين سبقوا إلى الخيرات فنعم الصحب والمعشر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور، وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعرفوا نعمته عليكم بهذا العيد السعيد فإنه اليوم الذي توج الله به شهر الصيام، وافتتح به أشهر الحج إلى بيته الحرام، وأجزل فيه للصائمين والقائمين جوائز البر والإكرام، عيد تمتلئ القلوب فيه فرحة وسروراً، وتزدان الأرض به بهجة وحبوراً، يومكم هذا -معاشر المسلمين- يوم عظيم وعيد كريم، أحل الله لكم فطره، وحرم عليكم صيامه، يوم كله بر وإحسان، وفيه يحمد المسلمون ربهم على نعمة الإسلام، ويكبرونه جل وعلا على ما أولاهم من الفضل والإنعام، وهو يوم الجوائز، يوم يرجع فيه أقوام من المصلى خرجوا من الذنوب كيوم ولدتهم أمهاتهم، نسأل الله أن يجعل الجميع منهم. في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا كان يوم الفطر هبطت الملائكة إلى الأرض في كل بلد فيقومون على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه جميع خلق الله إلا الجن والإنس، يقولون: يا أمة محمد! اخرجوا إلى رب كريم يعطي الجزيل ويغفر الذنب العظيم، فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي! ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فيقولون: إلهنا أن توفيه أجره. فيقول: أشهدكم أني جعلت ثوابهم من صيامهم وقيامهم، رضاي ومغفرتي، انصرفوا مغفوراً لكم) فيا فوز العاملين! ويا فرحة الصائمين القائمين بهذا اليوم العظيم! ويا خيبة المفرطين المحرومين! الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

المحافظة على التوحيد الخالص

المحافظة على التوحيد الخالص عباد الله: عظوا بالنواجذ على شهادة التوحيد وكلمة الإخلاص، لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، واعملوا بمقتضاها في توحيده جل وعلا، في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، فهو الذي خلق من العدم، وهو الذي ذرأ وبرأ، وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وهو المتفرد في أسمائه وصفاته، فله سبحانه صفات الكمال والجلال كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. معاشر المسلمين: احذروا الشرك فإنه محبط للأعمال، والجنة حرام على المشركين: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72].

أهمية المحافظة على الصلاة

أهمية المحافظة على الصلاة معاشر المؤمنين: أوصيكم ونفسي بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم التي قالها وهو يجود بنفسه يعالج سكرات الموت، يقول: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) ذلك أن الصلاة عمود الدين، وثاني أركانه، وآخر ما يبقى منه، وناهية عن الفحشاء والمنكر، ولا دين ولا إسلام لمن تركها، أقيموها مع الجماعة في بيوت الله في أوقاتها المكتوبة، وحذار حذار من تركها والتهاون بها فهي الفيصل بين الرجل والكفر، إن من هانت عليه نفسه ورضي أن تلقى في سقر وفي قعر جهنم هو الذي ضيع الصلاة وتهاون بها وجحدها: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5] ويقول الله سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:38 - 43].

إخراج الزكاة

إخراج الزكاة عباد الله: أدوا زكاة أموالكم لمن ذكرهم الله في محكم كتابه، ولا تبخلوا على أنفسكم بفضل الله الذي آتاكم: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180].

التحذير من التهاون بالحج

التحذير من التهاون بالحج معاشر المسلمين: حجوا فرضكم الذي كتب الله عليكم بقوله جل وعلا: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] وإياكم والتهاون بأمر فرض الحج، وإياكم والتسويف فيه، تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو منع من سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً).

التحذير من عقوق الوالدين

التحذير من عقوق الوالدين عباد الله: تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103] اجتهدوا في الأعمال الصالحة واحرصوا على مداومتها، وإياكم وعقوق الوالدين فإنه من كبائر الذنوب، يقول الله جل وعلا: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] ويقول صلى الله عليه وسلم: (أربعة نفر حق على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن خمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم ظلماً، والعاق لوالديه؛ إلا أن يتوبوا).

التحذير من الوقوع في فاحشة الزنا

التحذير من الوقوع في فاحشة الزنا عباد الله: اجتنبوا الظلم واتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، غضوا أبصاركم عما حرم الله عليكم؛ فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]. اتقوا الله وتوبوا إليه، وتجنبوا سخطه، وافعلوا الخير وما يرضيه، وأعدوا العدة والزاد لسلعة الله الغالية ألا وهي الجنة، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، اجتماع لا افتراق بعده، ونعيم لا زوال له، وحياة لا فناء بعدها، وصحة لا سقم فيها، وسعادة لا شقاء يكدرها، ونِعَمٌ لا شيء يكدرها، الحذر الحذر من جماع الإثم وأم الخبائث، الحذر من الخمر وما جرى مجراها فهي مذهبة العقل والغيرة، ومفتاح الديوثية والعار، وملحقة الخزي والعقوبة في الدنيا والآخرة.

التحذير من التعامل بالربا

التحذير من التعامل بالربا عباد الله: اتقوا الله في أنفسكم وتجنبوا الربا فإن أمره عظيم، وخطره على الأمة جسيم، ويكفيكم زاجراً في تجنبه ودليلاً على حرمته والبعد عنه قوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278 - 279] وقوله صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يصيبه الرجل أشد من ستٍ وثلاثين زنية) وقوله صلى الله عليه وسلم: (الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه).

التحذير من المثقفين الضالين

التحذير من المثقفين الضالين واحذروا -يا عباد الله- من الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين أو يحسبون على العلم والعلماء، احذروا الضالين المضلين الذين يروجون الشبهات الباطلة والأدلة الزائفة يريدون فيها إباحة شيء من الربا أو نوع من أنواع الفائدة. عباد الله: قوموا بحق الجوار، وصلوا أرحامكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واجتنبوا قول الزور وشهادة الزور، ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما شاهد الزور يقوم القيامة حتى تجب له النار).

الحث على تربية الأولاد وحفظ الزوجات

الحث على تربية الأولاد وحفظ الزوجات عباد الله: اجتهدوا في تربية أولادكم على طاعة الله وما يرضيه، واستروا عوراتكم، واستروا بناتكم وزوجاتكم، حضوهن على الستر والحجاب، وبينوا لهن مغبة التبرج والسفور، وقوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة.

الاجتهاد في الأعمال الصالحة

الاجتهاد في الأعمال الصالحة أفشوا السلام بينكم، تسامحوا، أزيلوا الضغائن عن قلوبكم، وكونوا عباد الله إخواناً، اجتهدوا في الأعمال الصالحة، وداوموا عليها، ولا تقطعوا ما عودتم أنفسكم عليه من الصيام والقيام، اجتهدوا في صيام ست من شوال التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر كله) لا تحرموا أنفسكم الأجر، فصيام أيام البيض أو عشر ذي الحجة وعاشوراء وعرفة وغير ذلك من الأمور المشروعة، أدوا الرواتب بعد المفروضات، ولا تنسوا حظكم ونصيبكم من قيام الليل فإن لم يكن فلا يغلبنكم الشيطان، على صلاة الوتر فاحفظوها وداوموا عليها.

تذكروا نعم الله عليكم

تذكروا نعم الله عليكم الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الحمد لله، الحمد لله معيد الجمع والأعياد، ومبيد الأمم والأجناد، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:9] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا ند له ولا مضاد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فضله الله على جميع الخلق والعباد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: اتقوا الله تعالى، واشكروا ربكم على التمام والبلوغ في القيام والصيام، واسألوا ربكم القبول، وتعوذوا بالله من الخيبة والحرمان. معاشر المؤمنين: تذكروا وأنتم في هذا العيد السعيد ما أنتم فيه من النعم والخيرات، وما تعيشه كثير من الأمم في هذا الزمان من المصائب والنقم، الناس جياع وأنتم تطعمون، الناس خائفون وأنتم آمنون، غيركم مشردون وأنتم مطمئنون، هم أذلاء وأنتم أعزاء مكرمون، غيركم يحكم بالقوانين الجائرة والأنظمة البشرية الظالمة وأنتم يحكم فيكم كتاب الله وسنة نبيه، فاشكروا ما فضلكم به ربكم على كثيرٍ من الأمم، السارق في بلادكم تقطع يده، والقاتل يقطع عنقه، والزاني المحصن يرجم، وغيرهم يجلد ويغيب ويبعد عن بلاده، فاحمدوا الله على نعمة تطبيق الشريعة. إن كثيراً من الأمم والدول والبلدان لفي حرج ومضض وبلاء ونقم بسبب تطبيقهم لشرع البشر الناقص الضال، وللقوانين الوضعية الجائرة، فاحمدوا الله يا عباد الله، غيركم تتنازعهم الأحزاب والجماعات المتعارضة، وتنهب خيرهم الأمم المتناحرة، وأنتم مجتمعون تحت راية واحدة، وفي ظل أمة واحدة، احمدوا الله على هذه النعم، إنها نعم عظيمة لا يعرف قدرها ولا يقدر شكرها إلا من رأى واقع الناس حولكم من الأمم. معاشر المؤمنين: لا تظنوا أن هذه النعم في بلادكم لمزية لكم على الله دون غيركم، فإن الله ليس بينه وبين الخلق والعبيد نسب، ليس بين الخلق والخالق إلا التقوى، فهي أعظم وشيجة وأشد قرابة.

الحث على التوبة والإقبال على الله

الحث على التوبة والإقبال على الله عباد الله: ألم يأن لنا أن نتوب إلى الله توبة نصوحاً، وأن نترك أعمالاً هي سبب وسبيل إلى العقوبة وزوال النعم؟ ألم يأن للذين لا يصلون مع جماعات المسلمين أن يهجروا الغفلة إلى اليقظة ويعودوا إلى المساجد ويعمروها بالطاعة وأداء الواجب؟ ألم يأن للذين أكلوا الربا من البنوك جهاراً نهاراً أن يتوبوا إلى الله قبل حلول اللعنة وحرب الله عليهم؟ ألم يأن للذين يأكلون الحرام ويتاجرون بالحرام ويتكسبون من الحرام ببيع أشرطة الخلاعة والمجون من أشرطة الفيديو والغناء الماجن، ألم يأن لهم أن ينتهوا عن هذا المكسب الخبيث؟ ألم يأن للذين قطعوا أرحامهم وهجروا أحبابهم وأقاربهم وعقوا والديهم أن يعودوا إلى الصلة والصحبة والبر والإحسان قبل حلول الآجال وفوات الآمال؟ عباد الله: كيف يرجو الفلاح والسعادة والتوفيق من هجر الصلاة وفارق الجماعة وأكل الربا وتكسب بالحرام وآلات اللهو والطرب؟ كيف ترجو الفلاح والسعادة امرأة عقت زوجها وهجرت فراشه وضيعت فريضة ربها وفتنت بزينتها وتبرجها غيرها؟ أما تتقي الله في نفسها؟ أما تخاف إثم الذين تفتنهم أو تكون سبباً في وقوعهم في الحرام؟ معاشر المؤمنين: لا تكونوا سبب البلاء والفتن على الأمة، فإن شر الناس من عاد بمصيبته على غيره، وعمت البلوى بعقوبته من حوله. عباد الله: الله الله لا يؤتين الدين من دار أحدكم بتفريط أو إهمال أو خيانة، واحرصوا على مصالح الأمة وخيرات البلاد، فإن لكم أعداء بكم متربصون، وبما يسوؤكم يفرحون، ولكنهم بكيدهم في نحورهم ينقلبون.

الأمل المنشود في شباب الأمة

الأمل المنشود في شباب الأمة يا شباب هذه الأمة: إن المرجو فيكم أعظم مما أنتم عليه، وإن الأمل فيكم أكبر مما أنتم فيه فارفعوا هممكم، وتسلحوا بما يحفظكم ويرفع قدركم بين الأمم، والحذر الحذر من العطالة والبطالة والفراغ، الحذر الحذر من أن يكون بينكم عاطل لا فائدة للأمة منه، أو يكون بينكم ضعيف متكاسل يجره الطمع والجشع إلى المولاة والتدبير فيما يضر المجتمع والأمة، أو إلى التكسب بأسباب الحرام والمخدرات وغيرها. أنتم معاشر المسلمين كل منكم على ثغرة، كل منكم على ثغرة في عمله وفي ميدانه، وفي دراسته وأسرته، أصلحوا شئونكم داخل المجتمع بالأمانة والقوة في تدبير مهماتكم ومسئولياتكم، يهابكم الأعداء ويقتدي بكم الأصدقاء، تناصحوا وتواصوا بالحق والصبر، وابذلوا الإخلاص والنصيحة لولاة أموركم، وائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر فيما بينكم. عباد الله: تذكروا أن هذه الدنيا ممر وليست مقراً، الزراعة فيها اليوم والحصاد غداً.

طاعة الزوج

طاعة الزوج يا نساء المسلمين: اتقين الله في أنفسكن، اتقين الله في طاعة أزواجكن، إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) فاتقي الله يا أمة الله، يا من تسمعين هذه الخطبة، اتقي الله في نفسك

خنجر في قلب العلمانيين

خنجر في قلب العلمانيين إن العلمانيين هم منافقو هذا العصر؛ ولذلك لابد من فضح مخططاتهم، وبيان عداوتهم لدين الله ولرسوله والمؤمنين. ماذا يريد منا العلمانيون؟ ما هو الخطر الذي يهددهم؟ لماذا يعادون الدعوة إلى الله؟ كيف نقف ضد هؤلاء المنافقين؟ كل هذا ستجده في هذه الخطبة.

ماذا يريد العلمانيون

ماذا يريد العلمانيون الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، اتقوا الله تعالى حق التقوى فلا يراكم ربكم حيث نهاكم، ولا يفقدكم حيث أمركم، اتقوا الله تعالى حق التقوى فارضوا بالقليل، واعملوا بالتنزيل، واستعدوا ليوم الرحيل، اتقوا الله تعالى حق التقوى، راقبوا الله في السر والعلن {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين إن أعداء الإسلام، إن المنافقين في مجتمعات المسلمين، إن العلمانيين الذين ينخرون في جسم السفينة، إن جرذان المجتمعات الغيورة التي لا تعمل إلا في الخبايا والزوايا وتحت الأنقاض وخلف الكواليس، أولئك يشرقون بريقهم يوم أن يروا عباد الله زرافات ووحدانا يسعدون بالالتزام والانقياد والاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهم لا يريدون من الناس أن يشهدوا الجماعة في المساجد؛ لأن العلمانيين والمنافقين لا يشهدونها، إن أولئك لا يريدون من الناس أن يشغلوا سماعهم بالقرآن، وبالأحاديث النبوية، وبالخطب والمحاضرات، وبالفكر النير، والمبادئ الواضحة المستقيمة؛ لأنهم لا يسمعون إلا ساقط القول ورديء الكلام، إن العلمانيين لا يريدون الناس أن يتجافوا عن الذنوب والمعاصي لأنهم لا يتورعون في ولوغها والوقوع فيها، والتقلب في أوحالها ودنسها، وبالجملة فأولئك أعداء الأمة لا يريدون لأفراد الأمة صلاحاً، ولا يريدون لأفراد المجتمع فلاحاً، وإنما غاية سعادتهم ومنتهى آمالهم أن يفسق المجتمع كما فسقوا وأن يضل كما ضلوا، وأن ينحرف كما انحرفوا، فهل تكونون أُحبولة لهم يا معاشر السامعين؟! هل تكونون أُحبولة لأولئك الذين يرغبون أن تكونوا من الضالين كما ضلوا، ومن الفاسقين كما انحرفوا، ومن المجرمين كما سقطوا، والعياذ بالله؟! أيها الأحبة معلوم أن المجرم لا يرضى وحده أن يكون في سجن الجريمة، أو يتلقى العقوبة على انفراد، بل يتمنى أن يسقط مع الآخرين في الجريمة، وأن يلق العقوبة مع الجماعة في الجريمة، وأن يحصل لكل واحد ما حصل له، وهذا واضح جلي نقي. ولكن -يا عباد الله- إن العلمانيين الذين يصدق فيهم قول الله جل وعلا: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:32 - 33] إن العلمانيين الذين يكرهون الحق لا يستطيعون أن يقولوا: انحرفوا أيها الناس، أو إلى الضلالة يا معاشر أفراد المجتمع، أو إلى الهاوية يا معاشر المسلمين، لا يستطيعون أن يخاطبونكم بصريح ما في نفوسهم وعقولهم وقلوبهم، ولكن ماذا؟ يبحثون ويدرسون حياتكم ويتأملون سلوككم، ويقدمون التقارير والدراسات ليسألوا: كيف اهتدى شباب المجتمع؟ وكيف استقام رجال الأمة؟ وكيف ترك الناس الضلالة إلى الهداية، والظلام إلى النور، والغواية إلى الهدى؟ كيف استقام الناس على أمر الله؟ فيبحثون ويتأملون فيجدون جملة من الوسائل، منها: منابر الجمعة التي بمن الله وفضله هي في كل أسبوع طعنة في صدور العلمانيين وفي قلوبهم.

العلمانيون وعجزهم أمام الخطب والمحاضرات

العلمانيون وعجزهم أمام الخطب والمحاضرات إن العلمانيين وإن نشروا في المجلات أو الصحافة -سواءً كانت الأجنبية أو غيرها- وإن تكلموا في بعض الوسائل التي يتاح لهم الكلام فيها لا يستطيعون أن يقفوا أمام المؤتمر الأسبوعي ألا وهو خطبة الجمعة الذي آلاف الجوامع في المملكة يشهده ملايين المصلين هل يستطيع العلمانيون أن يقولوا: كفوا عن صلاة الجمعة؟! لا يستطيعون أبدا، ولذلك فإنهم يأتون ويقولون: لو أن خطبة الجمعة ارتقي بها عن السفاسف وعن صغائر الأمور، وكان الاهتمام بالأمور الكبيرة والأمور العظيمة حتى لا يتكلم الخطباء ورجال المنابر في باطلهم وكشف زيفهم وخداعهم، وإنا -والله- لنقول لهم: إنما هذه العصا من تلك العصية، وإن عادت الحية فلها مرة أخرى. والله ثم والله ثم والله ما رأينا لعلماني صوتاً إلا لنفندن باطلة، ولنكشفن زيفه، ولنظهرن خداعه، نسأل الله أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم. إن العلمانيين أمامهم مصيبة عظيمة اسمها خطبة الجمعة، هي التي أيقظت الناس من سبات الغفلة ونومهم العميق ومن جانب الضلالة إلى الهداية، قالوا: من لنا بهذه المنابر ومن يسكتها، ومن يخرس ألسنة رجالها، ومن الذي يمنعها؟ حاشا وكلا، بل يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون. إذاً: فاعلموا -يا معاشر المؤمنين- أن الله جل وعلا ما شرع هذه الجمعة، وشرع الاجتماع لها، وشرع السعي لها، وأوجب حضورها، وأوجب الاستماع والإنصات لخطيبها، إلا لحكمة يراها ويعلمها؛ لأنه قد يمر على المسلمين زمان قد لا تظهر فيه كلمة الحق إلا على المنابر، قد يفقد الناس كلمة الحق في وسائل الإعلام لكنهم لا يفقدونها على المنابر بفضل الله جل وعلا، ومن هنا نتأمل وندرك سراً جليلاً، وحكمة بالغة من أسرار هذه الجمعة كيف شرعها الله جل وعلا في هذا الوقت، وأوجب الناس بالسعي إليها، وحرم على الناس البيع والشراء يوم أن يسمع الناس النداء الثاني لها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9] والذكر هو الخطبة، واتركوا البيع والشراء والمعاملة والمعاطات والانشغال بكل أمرٍ يشغل الناس عن خطبة الجمعة؛ لأنها لا بد أن تحتوي على ما يوقظ النائمين، وينبه الغافلين، ويهدي بمن الله الضالين؛ لأنها خنجر في قلوب أعداء الله جل وعلا. إن العلمانيين والمنافقين يوم أن يريدوا أن يجمعوا لمؤتمر عدداً كبيراً، لا يستطيعون أن يصرحوا صراحة بأهدافهم، أو لا بد أن يلبسوا ذلك ويغلفوه بأهداف فنية أو أدبية أو أشياء أخرى ولا يجتمع لهم إلا عدد قليل، لكن الله جل وعلا قد تكفل بالمؤمنين أن يجتمعوا في ساعات معينة فيقف الخطباء وعليهم مسئولية أمام الله أن يتقوا الله في أوقاتكم، وفي هذه الساعة أو أقل من الساعة التي تجلسونها منصتين مطرقين لكلامهم هل تسمعونهم برنامجاً عملياً؟ هل تسمعونهم موعظة وذكراً؟ هل تسمعونهم فكراً وعملاً نافعاً جيداً نيراً؟ من هنا كانت الجمعة لأسرارٍ عظيمة هذا واحد من أيسر أسرارها وأحكامها التي شرعت لها.

القافلة تسير والكلاب تنبح

القافلة تسير والكلاب تنبح إذاً -يا معاشر المؤمنين- اطمئنوا، والسكينة السكينة، ورويدكم رويدكم، القافلة تسير قافلة المؤمنين، القافلة تمضي قافلة الدعاة، القافلة ماضية قافلة الصالحين المصلحين، والكلاب تنبح إذا الكلب لم يؤذيك إلا بنبحه فدعه إلى يوم القيامة ينبحُ مهما عملوا أو قلبوا أو زينوا أو زخرفوا أو بهرجوا على الناس فإن الجمعة أقرب موعد لكشف باطلهم. اطمئنوا -يا معاشر المؤمنين- يوم أن ترى حدثاً فيه إرباكاً أو استفزازاً أو رغبة أن يستثار الصالحون، أو يُستفز الغيورون، أو أن يراد بالمؤمنين فتنة وضلالة، فانتظروا يوم الجمعة حتى تسمعوا كلمة بإذن الله جل وعلا حجة لكم وحجة بإذن الله لإخوانكم وبرنامجاً ينير طريقكم، وشراً تعرفون أسراره وحقيقته يكشف لكم بإذن الله جل وعلا، لا يستطيع العلمانيون أن يقفوا أمام هذه المنابر، ولا يستطيع العلمانيون أن يقولوا: أغلقوا هذه المساجد يوم الجمعة، والله ثم والله ثم والله لو ظنوا أن بذل المليارات تمنع الناس من المساجد يوم الجمعة لبذلوها ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً، ولكن من أين لهم أن يمنعوا فريضة فرضت من فوق سبع سماوات، فهذه منة عظيمة.

الدين محفوظ من قبل الله

الدين محفوظ من قبل الله يا معاشر المسلمين إن الله قد تكفل بحفظ هذا الدين: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] ولكن أنتم أنتم هل تمضون على الهداية؟ هل تستمرون على الصراط المستقيم؟ هل تصبرون على ما يلقاكم وعلى ما تلاقونه؟ هل تمضون جادين حتى تلقوا الله جل وعلا؟ لا بد أن ندرك هذا جيداً، إن دين الله لا خوف عليه وإنما الخوف على أنفسنا وحدنا أن نظل عن هذا الدين، أو نتهاون به، أو نضعف عن أمره، {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. يا معاشر المؤمنين دين الله محفوظ، دين الله في أمن، ولكن الخطر والخوف على أنفسنا وعلى قلوبنا أن تفتن ببهرج الشهوات، أو بزيف الشبهات، فأعدوا لذلك عدة بالعبادة والإخلاص والانقياد والإخبات والخضوع بين يدي الله، وسماع الفكر النير، والموعظة الحسنة، ومجاهدة النفوس عن المعاصي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك أعظم صمام لأمانكم، وأعظم عمدة تحفظون بها أنفسكم بفضل الله ومنه وتوفيقه. معاشر المؤمنين إننا ندرك أن المنافقين والعلمانيين الذين يكرهون الخير في المجتمع، الذين رأوا آلاف الشباب بعد أن كانوا منذ سنين في غفلة، أو في نوع من المعاصي، أو في نوع من التقصير منَّ الله عليهم بالهداية، فلما اهتدى مئات الآلاف من الشباب في أنحاء المملكة قالوا: هؤلاء ما عادوا عبئاً على جهاز الأمن؛ لأن المستقيم راحة لنفسه، ولجهاز أمنه، ولشرطته، ولمحكمته، وللناس أجمعين، يسلم الناس حتى من لسانه ويده، فكيف تريد أن يشقى المجتمع به في جهاز أمنه، قال العلمانيون: هؤلاء مئات الآلاف من الشباب الذين استقاموا، والذين ساروا على الصراط المستقيم، أولئك ما عادوا عبئاً على جهاز الأمن بل عادوا عوناً على أجهزة الأمن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكف المخدرات، وملاحقة مروجيها ورجالها، وكشف أماكن المنكر وأوكار الفساد والدعارة بفضل الله جل وعلا، قال العلمانيون: إذاً مصيبة أن نبقى وحدنا في الساحة، الشباب عادوا إلى الله جل وعلا، حتى من عليهم بعض الملاحظات لا تتجاوز الملاحظات والتقصير الذي يقعون فيه لا يصل إلى حدود تجعلهم في حدود المجرمين في المجتمع، بل إنما هي ملاحظات يسيرة وسهلة، ولا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار، لا نتساهل بذنب أياً كان حجمه، ولكن قالوا: هؤلاء جعلوا المجتمع غاية ما فيه إما أن تجد مدخناً، أو حليقاً، أو مسبلاً، ويقول العلمانيون: نحن نريد فساداً في المجتمع أكثر من هذا، نريد ضلالاً في المجتمع أكثر من هذا، نريد الناس أن يطالبوا بقيادة المرأة، نريد الناس أن يطالبوا بما يسمى بتحرير المرأة أو تخريب المرأة، نريد الناس أن يجعلوا المرأة كيف ما شاءت تخرج وتحدث وتكلم وتجالس وتسافر كيفما شاءت، فبمن الله وفضله وتوفيقه ما زاد الناس إلا عودة إلى الله، وقرباً إليه، والتفافاً واجتماعاً حول علمائهم وولاة أمورهم.

شدة عداوة العلمانيين للشريط الإسلامي

شدة عداوة العلمانيين للشريط الإسلامي قال العلمانيون: لا بد أن ننقل المعركة من جبهة عداوة المنابر وعداوة الناس إلى جبهة أخرى اسمها الشريط الإسلامي، فنقلوا المعركة بعد أن استنفذوا قواهم وبذلوا كلما عندهم لصرف الناس عن المنابر والجمع والجماعات، والمحاضرات، وعن أمور الخير، قالوا: لا بد أن نحارب الشريط الإسلامي؛ لأنه واحد من الروافد التي فجرت الصحوة في هذه المملكة، وأقول وبكل منٍّ وتوفيق يوم أن أقول: تفجرت الصحوة في هذه المملكة ما كنا من قبل مشركين فأسلمنا، لا. وإنما نحن بفضل الله في هذه المملكة حتى في مراحل شهد فيها كثير من الناس ألواناً من التقصير والوقوع في بعض الذنوب ما بلغ الانحراف حد العقيدة، وإنما يوم أن أقول: تفجرت الصحوة في المملكة أعني بذلك الالتزام، حب الدين الحرقة عليه، الرغبة في دعوة الناس إلى الخير، كل يريد أن يقول، كل يريد أن يكون داعية، كل يريد أن يهتدي على يديه عشرات الشباب، كل فتاة تتمنى أن يستقيم على يديها عشرات الفتيات، كل رجل يتمنى أن يسلم على يده عشرات الكفار، أصبح الناس يتمنون أن ينالوا شرف الدعوة، وقد نالوا ذلك بمن الله وفضله. قال العلمانيون: هذا الشريط هذه المساحة المستطيلة البلاستيكية، هذه هي التي أزعجتنا وأقلقتنا، كيف نحاربها؟ كيف نقضي عليها؟ كيف ننتهي منها؟ كيف نحذر الناس منها؟ فلم يستطيعوا مباشرة أن يسبوا المحاضرات، أو يسبوا الندوات، أو يسبوا المادة المسجلة على تلك الأشرطة صراحة، وإنما بدءوا وكنت أرصد جيداً جملة من المقالات، منها مقال بعنوان: (باتجاه المطر)، تكلم فيه عن تجارة الكاسيت وأشرطة الكاسيت، وأخذ يوحي إلى القارئ أن الأشرطة سبب فتنة، وأن الأشرطة سبب كذا، وأن الأشرطة سبب مصيبة، وأنها خطر على الأمة، ويعني بذلك الأشرطة الإسلامية يكرهون الدين كرهاً، ويكرهون الدعاة كرهاً، ويحقدون عليكم حقداً، كلهم يرقب صيفاً، كلهم يمشي رويداً.

من هو المقصود بعداوتكم أيها العلمانيون؟

من هو المقصود بعداوتكم أيها العلمانيون؟ ماذا يريد العلمانيون؟ يريدون أن تجتمعوا بهم في الجنة؟ يريدون أن تموتوا على الإسلام؟ يريدون أن تكون قبوركم روضة من رياض الجنة؟ يريد العلمانيون أن تموتوا راكعين ساجدين؟ يريد العلمانيون أن تسعدوا بالستر والحياء والعفاف والأمن مع زوجاتكم وبناتكم؟ لا. {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27] يريدون لكم الميل العظيم يريدون الانحراف الهين يريدون السقوط الواضح لكم ولبناتكم وزوجاتكم وأبناء مجتمعكم، قالوا: مالنا إلا حرب الشريط. ومقال آخر بعنوان: تجارة الكاسيت، ومقال آخر بعنوان: الكاسيت وما أدراك ما الكاسيت؟ المهم بدأ الضرب على أشرطة الكاسيت، بدأ النقد، بدأ منطلق العداوة تجاه هذه الأشرطة، ما ذنب الشريط؟ أربع (صواميل) ولوحتين بلاستيك، هل يعادى الشريط لهذه القطعة؟ صارحوا تكلموا أيها العلمانيون تعادون من في هذا الشريط؟ القطع الحديدية التي تربط بين جنبات الشريط؟! أم عدوكم ماذا؟ هل هي المحاضرة أم المحاضر؟ هل هي الخطبة أم الخطيب؟ هل هي الدعوة أم الداعية؟ فإن كنتم تريدون أن يكون ميدان المعركة والعداوة هي الخطبة والمحاضرة والدعوة ماذا تعادون في هذا الشريط؟ قول الله جل وعلا؟ إن من كره شيئاً مما أمر الله به كفر، كما صرح بذلك شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب نور الله ضريحه يوم أن ذكر نواقض التوحيد وقال: إن منها: من كره شيئاً مما جاء به الله أو أنزله وإن عمل به، والدليل قول الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9]. نقول للعلمانيين: ماذا تعادون في هذا الشريط؟ هل تعادون الآيات القرآنية، هل تعادون كلام الله؟ أم تعادون من قاله وتكلم به؟ تعادون الله، هل تعادون كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أم تعادون النبي صلى الله عليه وسلم؟ من هم أعداؤكم؟ يا معاشر العلمانيين! إني واثق أن هذا الشريط الذي سيسجل في هذه الخطبة سيسمعه بعضهم أو عدد منهم، فأقول لهم: يوم أن تجلسوا على الفراش وكل يغلق الباب على نفسه ليسمع هذا الشريط هل تعادون كلام الله تعالى؟ أم تعادون الإله الذي أنزله؟ هل تعادون كلام رسول الله أم تعادون الرسول الذي تكلم به؟ وكلامه وحي يوحى، وما ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

كيفية مواجهة حملة العلمانيين ضد الأشرطة

كيفية مواجهة حملة العلمانيين ضد الأشرطة أيها الأحبة هذه حملة ليست جديدة بل هي قديمة يتكلم عنها أعداء الصحوة وأعداء الأمة، أعداء ولاة الأمر من العلماء والأمراء، هذه حملة يتكلم عنها أعداؤنا، فنقول لهم وبصريح العبارة: تكلموا بصراحة، تقصدون من؟ تعادون من؟ تواجهون من في هذه الحملات المتتابعة؟ ولكن أدعوكم -يا معاشر المؤمنين- أن يكون جوابكم على هذه الحملة تجاه الأشرطة الإسلامية أن نعاهد الله وأن ندعو إلى الله جل وعلا في جانب من جوانب الدعوة ألا وهو الشريط الإسلامي بألا نحضر مناسبة أو وليمة أو عرساً أو أي مناسبة من المناسبات إلا وقد أعددنا جملة من الأشرطة فوزعناها على أقاربنا، وأحبابنا، وأبنائنا، وبناتنا، ولن يكون ذلك من باب رد الفعل وإنما هو لكي نتأكد ونجزم ونؤكد أننا يقظون، لسنا أغبياء بدرجة كافية كما يظن هؤلاء! أريد منكم إن كنتم تعلمون حجم الهجمة وتدركون خطر الحملة المسعورة على الأشرطة الإسلامية أريد منكم ألا تكون عند واحدٍ منكم مناسبة، أو دعوة، أو عقيقة، أو وليمة، إلا وجعلت عدداً من الأشرطة فأهديت كل زائرٍ شريطاً، وأقول: حتى لا يحتج أحد من الأشرطة المسموحة لا الأشرطة الممنوعة، وأعرف أن في الرياض وكل تسجيلات الرياض بفضل الله جل وعلا كلها تتعامل بهذه الأشرطة المسموحة، وما من شريط ممنوع إلا ويمنع مع سؤالنا: لماذا يمنع؟ هذا أمر يقبل النقاش والأخذ والعطاء والمفاوضة، لكن أريد أن نرد على هذه الحملة رداً مستديماً، رداً مستمراً، وهو ألا نجعل في كل مناسبة تفوت سدى، بل ينبغي أن نوزع في نهاية الوليمة أو المناسبة على كل زائر شريطاً وعلى كل زائرة شريطاً. أحبتي في الله يوم أن يكون عند أحدنا مناسبة، والله إن الواحد قد يبذل ألف ريال أو ثمانمائة ريال من أجل هذه الوليمة، أو من أجل هذه المناسبة، فهل يضرك وقد بذلت ثمانمائة ريال أو تسعمائة ريال هل يضرك أن تزيدها مائة ريال فتشتري خمسين شريطاً، وتعطي كل واحدٍ من الزائرين شريطاً، هل نعجز عن هذا؟ كم نبذل فيما نضعه حول المائدة، من علب المياه الغازية، أو بعض المشروبات التي نشتريها وسعر الواحدة أو الاثنتين منها قد يعادل سعر هذا الشريط الإسلامي النافع، فاجعلوا مناسباتكم دعوة إلى الله، واجعلوا أعراسكم والعقيقة في بيوتكم والوليمة والزيارة، اجعلوا من برنامج الوليمة بأصناف اللحوم والطعام والشراب صنفاً واحداً زيادة صنف الشريط، وليوضع على مائدة الطعام حتى يعرف العلمانيون أننا أصبحنا نتناول الشريط مع الطعام، ونتناول الشريط مع الشراب، هل تعجزون عن هذا يا معاشر المؤمنين؟! هل تعجزون عن هذا؟! لا والله ما تعجزون عنه. إذاً ما الذي يمنعكم في كل زيارة ومناسبة إذا بذلت المئات زدها مائة واجعل بقيمتها أشرطة وأعطي كل زائرة وزائر شريطا، وما يدريك لعل واحداً من الزوار ممن يصلي في بيته ولا يشهدها مع الجماعة، أو ممن يعق والديه، أو ممن يتساهل ببعض الذنوب والمعاصي أن يسمع شريطاً فيكون سبباً في هدايته بإذن الله جل وعلا، وحينئذٍ: (من دعا إلى هدى فله أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة) أنت يا صاحب الوليمة! يا من أهديت ذلك الفتى شريطاً! فاستقام بفضل الله على هديتك ما سجد أو ركع أو صلى أو صام أو دعا إلا ولك مثل أجره، ويوم القيامة تفتح سجلات أعمالك، وتفتح سجلات أخرى لك ليست من أعمالك، وإنما هي من أعمال الآخرين توضع في موازين حسناتك، فأي أجر أعظم من هذا؟ والله إنها نعمة عظيمة. يا معاشر المؤمنين انتبهوا لذلك جيداً، واحرصوا على خدمة دينكم، واعلموا أنه ما دام للحق صوت يرفع وما دامت كلمة الحق تسمع، وما دام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعلو فأبشروا بأمن وأمان وطمأنينة، وإذا خبا صوت الحق وضعف وانكسرت راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما عاد لكلمة الحق أذنٌ سامعة فذلك نذير الهلاك والعياذ بالله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]. أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

العلمانيون وانتقادهم للشريط الإسلامي دون غيره

العلمانيون وانتقادهم للشريط الإسلامي دون غيره الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله لماذا كره المنافقون والعلمانيون الأشرطة الإسلامية؟ هل كره العلمانيون الأشرطة لأنها نقلت آلاف الشباب من الضلال إلى الهدى؟ هل كره العلمانيون الأشرطة لأنها كانت سبباً في صلاح كثيرٍ من الذين تعاطوا المخدرات والمسكرات؟ هل كره العلمانيون الأشرطة لأنها صارت سبباً في حل كثير من المشاكل الزوجية بين الأزواج والزوجات؟ هل كره العلمانيون الأشرطة لأنها صارت سبباً في إشغال الناس عن اللهو والطرب وساقط القول ورديء الكلام فأشغلتهم بذكر الله وذكر رسوله وشجعتهم على حفظ كلام الله وكلام رسوله؟ هل كره العلمانيون الأشرطة لأنها علمتهم الولاء الصادق والنصيحة الجلية لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وحكامهم وعامتهم وعلمائهم؟ هل كره العلمانيون الأشرطة لأنها كانت وقاية قبل السقوط إلى الهاوية؟ هل كره العلمانيون الأشرطة الإسلامية لأنها تقيم الحجة ونحن أمة أمرنا أن ندعو إلى الله وما من بلاد لا نبلغها بأرجلنا نبلغها بأشرطتنا فنرسل لها الأشرطة التي تدعو الناس إلى الله بألسنة أقوامها؟ لأي شيء كره العلمانيون الأشرطة الإسلامية؟! ثم اسألهم أيضاً أولئك الذين كتبوا في بعض المجلات والجرائد والصحف وأخذوا ينددون ببعض الأشرطة وبعض العلماء، هل تكلموا عن الذين ساهموا في تحرير الكويت بأشرطة غنائية؟ هل تكلم أولئك العلمانيون الذين انتقدوا الأشرطة الإسلامية عن الأشرطة الغنائية التي تصرح لها بعض الجرائد والمجلات وتقول: الفنانون كذا يساهمون في تحرير الأرض بحناجرهم الذهبية من استوديوهات القاهرة؟ هل تكلموا عنهم؟ هل تكلم العلمانيون عن أفلام الفيديو وأشرطة الفيديو التي علَّمت الشباب كيف يسافرون إلى البلاد الغربية، وكيف يتفنون في الزنا والدعارة؟ هل تكلم العلمانيون عن أشرطة الغناء والمغنيين؟ هل انتقد العلمانيون مطرباً أو فناناً أو مغنياً؟ من أحق بالانتقاد: داعية إلى الله يقول: قال الله وقال رسوله، وأمر الله وأمر رسوله، أم فاجر بوق من أبواق الشيطان يوجه الناس إلى الرذيلة ويأمرهم بالفحشاء والسوء، من أحق بالانتقاد؟ والله ما رأيت مقالاً واحداً لهؤلاء الذين يكتبون في الجرائد والمجلات من الذين ينتقدون الأشرطة الإسلامية ما رأيت مقالاً واحداً ينتقد فناناً أو مطرباً أو ممثلاً أو سينمائياً، أو ينتقد أحداً من أولئك الذين يدعون إلى الضلالة ويدعون إلى الهاوية وهم دعاة على أبواب جهنم. إذاً: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر:56] الحقد البغضاء الكراهية لكم لبناتكم لزوجاتكم لأسركم لمجتمعكم، هذا هو الذي يدعوهم أن ينشروا ويتكلموا في الأشرطة الإسلامية.

الرد على العلمانيين في الصحف والمجلات

الرد على العلمانيين في الصحف والمجلات إني لمستعد أن أكتب الكثير ولكن من يضمن لي أن ينشر ما يكتب، والكثير يكتبون فبعضهم يكتب وبعضهم لا يكتب حينما ينتقد ظاهرة من الظواهر فيما يتعلق بالفن أو ما يكون خطراً على نفوس الشباب، أيسمح بالمقال الذي ينتقد فيه كلام الله وينتقد فيه الشريط الذي فيه كلام الله وكلام رسوله، ولا يسمح بالمقال الذي ينتقد فيه المنكر والباطل والفجور والفحشاء؟ وهل بعد ذلك تقولون: إذاً فلنرد الأقلام إلى جيوبنا وجفت وطويت الصحف ولا نعود إلى الكتابة في الصحف أبداً؟ لا. اكتبوا إلى المجلات، واكتبوا إلى الجرائد، وما رأيتم من منكر ظهر في هذه المجلة فردوا عليه في نفس بابها وعنوانها، فإذا لم ينشر فصورة مع التحية لسماحة والدنا حتى تقوم الحجة على أولئك الذين يقبلون صوت الباطل ولا يقبلون صوت الحق؟ اكتبوا وردوا إذا رأيتم منكراً في مجلة أو في جريدة، ما الذي يجعل هذه الأقلام تجف عن الحبر وتمتنع أن تسيل بما في جوفها لكي ترد المنكر بالحق: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] اكتبوا إلى هذه المجلات، واكتبوا إلى هذه الجرائد، وحينما تفاجئون بأن مقالاتكم لم تنشر ولم تكتب أرسلوا رسالة؛ لأنها ستحفظ في إرشيف -بإذن الله- عند سماحة والدنا ورسالة إلى ولي الأمر أننا أنكرنا هذا المنكر بهذا المقال وصورة منه مع التحية والاحترام لولي الأمر من العالم والحاكم، واجعلوها في صورة أيضاً عندكم، فإذا جاء يوم من الأيام قيل: هذه مقالاتنا، وهذه كتاباتنا، ولكن ابحثوا وحققوا واسألوا من الذي وقف حائلاً دون نشرها؟ حين ذلك يتولاه ولاة الأمر من العلماء والحكام.

أهمية توزيع الشريط الإسلامي

أهمية توزيع الشريط الإسلامي المهم ألا نستجيب لدعوتهم في الأشرطة الإسلامية، بل نريد أن نترجم هذه الهجمة إلى واقع عملي باتجاه معاكس ابتداءً من هذه الجمعة، ومن عنده مناسبة فلا يدخلها إلا وقد جمع ما تيسر من الأشرطة، وليعط زواره وأحبابه وأقاربه وبناته وقريباته، واجعلوها من الآن منطلقاً حتى تلقوا الله تعالى، كما تجعلون القهوة والشاي والطيب والطعام عناصر أساسية في زياراتكم ومناسباتكم، فاجعلوا الشريط الإسلامي أمراً أساسياً في مناسباتكم حتى يرد الباطل بالحق الذي هو أقوى منه، وحتى يعلموا أن الصحوة الإسلامية والمجتمع المسلم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه صحوة شاملة، ولست أوجه هذا الكلام فقط إلى الملتحين، أو من كانت ثيابهم فوق الكعبين، بل أوجه الكلام إلى الحليق، حتى وإن كنت حليقاً هل من العيب أن توزع شريطاً إسلامياً؟ إنك تؤجر ولو كنت حليقاً، إنك تؤجر ولو كنت مسبلاً يوم أن تدعو أحداً، لماذا؟ لأن الميزان يوم القيامة كفتان حسنات وسيئات، فهذه سيئات من سيئاتك، وهذه حسنة من حسناتك، فإذا كنت حليقاً هل يمنعني هذا أن أهدي لزواري وقريباتي وأقربائي لكل واحد شريطاً؟ لا والله. إذاً فليكن عندنا ميزان دقيق، ولنبادر ولا نظن أو نقول: أنا ملتحٍ أو حليق أو مسبلٌ أو مدخنٌ فلا أستطيع أن أهدي شريطاً، اهدِ شريطاً وقدم وادع إلى الله واعمل حجة لك، وينفعك الله به وقد تكون لست على حظٍ كافٍ من الاستقامة لكن: (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه رب مبلغ أوعى من سامع) فيكون في موازين أعمالك، رجل أتقى وأعلم وأخشى لله منك وأنت السبب في هدايته مع تقصيرك أنت، المهم ألا نقول: إن مهمة العناية بالشريط الإسلامي خاصة في مناسباتنا وفي بيوتنا وفي اجتماعاتنا، لا نقول إذا كانت العزيمة عند أحد (المطاوعة) من الأقارب، لا. كما يقول البعض: أحد أقاربنا مطوع وأعطانا أشرطة، وأنت لماذا لا تعطي أشرطة؟ أليس من أقربائك؟ ألست تحبهم؟ ألست تهديهم؟ ولو كنت حليقاً، ولو كنت مسبلاً، نسأل الله أن يمن عليك أن توفر وتقصر وتتوب ولكن هذا لا يمنعك من أن تشارك وتساهم في نشر الشريط الإسلامي، وحينئذٍ يخسأ العلمانيون حينما يروا أن كل كلمة استفزاز تجعل المجتمع يتفجر طولاً وعرضاً، شرقاً وغرباً، في نشر الخير والدعوة إليه والالتحاق بركب رجاله ودعاته. أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، وأن يبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم افضح العلمانيين، اللهم افضح العلمانيين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم اخزهم على رءوس الأشهاد، اللهم افضحهم في الدنيا والآخرة، اللهم أرنا فيهم فضيحة لا تستر، اللهم اكشف باطلهم، وزيفهم، وخداعهم، ومكرهم، وسوءهم، وتدبيرهم، وتخطيطهم، واجعل ذلك في نحورهم، واجعل سلاحهم في صدورهم. اللهم أهلك البعثيين، اللهم أهلك البعثيين، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم أهلك طاغية العراق، اللهم أهلك طاغية العراق، اللهم جمد الدماء في عروقه، اللهم حرك في بدنه ما سكن، وسكن في بدنه ما تحرك، اللهم جازه شر ما جزيت طاغية في طغيانه، ومن دبر وخطط وأعانه في هذه المصيبة والجريمة التي لا ينساها التاريخ أبداً، وما كان ربك نسياً قبل ذلك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم اجعل سلاحهم رماداً، اللهم اجعل سلاحهم في صدورهم، وكيدهم في نحورهم، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمد من بينهم سالمين، اللهم أشعل الفتنة والفرقة والخلاف في صفوفهم، اللهم أهلك بعضهم ببعض وسلط بعضهم على بعض، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره. اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم حبب إليه الحق والإيمان وزينه في قلبه، وجنبه الكفر والفسوق والعصيان واجعله من الراشدين، وإيانا وإخوانه وأعوانه وجميع المسلمين، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم قرب لنا ولولاة أمورنا من علمت فيه خيراً لنا، وأبعد عنا وعن ولاة أمورنا من علمت فيه شراً لنا ولأمتنا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم اجزه منكم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم توفنا على الإسلام شهداء، وأحينا على الإسلام سعداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم توفنا راكعين ساجدين، ولا تقبضنا خزايا ولا مفتونين، اللهم اجعل خير أيامنا يوم نلقاك، واجعل خير أعمالنا خواتمها، ولا تحرمنا من النظر إلى وجهك الكريم. ربنا لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما، اللهم صل وسلم على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

دروس مستفادة من الامتحانات المدرسية

دروس مستفادة من الامتحانات المدرسية في أيام الاختبار يظهر اعتناء الآباء والأمهات بأبنائهم، فتراهم يوقظون أبناءهم قبل موعد الاختبار بوقت طويل، والاعتناء بهم في مأكلهم وراحتهم، وهذا كله دليل على خوف الآباء والأمهات من فشل أبنائهم في الاختبارات، ولو أن هذا الاعتناء كان في أمور الآخرة لكان خيراً لهم من الاهتمام بأمور الدنيا وترك أمور الآخرة!

الاهتمام بأمور الدنيا أكثر من أمور الآخرة

الاهتمام بأمور الدنيا أكثر من أمور الآخرة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: غداً أو بعد أيامٍ قليلة يستقبل أبناء هذه الأمة الكريمة ذكوراً وإناثاً على اختلاف مستوياتهم وتخصصاتهم العلمية والتعليمية وغيرها، يستقبلون موسماً يستدعي تحصيلاً مثمراً ليخوضوا غمار الامتحانات، وأمام هذا الموسم ينبغي أن نقف وقفة تأمل ونصيحةٍ لنا ولأبنائنا وبناتنا. عباد الله: كل واحدٍ منا لا بد أن يكون له علاقةٌ بهذا الأمر المهم، فهو إما معلمٌ، أو متعلمٌ، أو أبٌ، أو أخٌ لهؤلاء الطلاب والطالبات وغير ذلك، والذي نريده لهؤلاء الدارسين والدارسات ومن له علاقةٌ بهم أن يذكرهم بإخلاص النية لله سبحانه وتعالى، وابتغاء الثواب الجزيل الذي أعده الله لطلبة العلم والعلماء في قوله جل وعلا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وقول نبيه صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس به علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) فما دام متعلماً ودارساً لا محالة، فليحسن القصد والنية ليفز بالتوفيق والأجر في الدنيا والآخرة، وليس إحسان النية وإخلاص القصد في ابتغاء الأجر والثواب، ليس ذلك مقصوراً على طلبة العلوم الشرعية بل هو مطلوبٌ -أيضاً- من المتعلمين أياً كانت تخصصاتهم الإنسانية والتقنية والعلمية وغيرها، ما دام في تلك الدراسة مصلحةٌ لهم ولأمتهم، فهم بذلك يقومون بتحصيل فروض الكفاية على الأمة مما قد تأثم الأمة بالإجماع والاتفاق على تركه. أيها الأحبة في الله: إننا نلاحظ ونشاهد هذه الأيام جهد الآباء والأمهات والأولياء في التشجيع والمعونة وتيسير كافة أسباب الهدوء والراحة والدقة في ترتيب مواعيد الاستيقاظ والنوم والعناية الدقيقة بتوصيل الأبناء إلى المدارس في الوقت المحدد، وكل هذا جهدٌ مشكورٌ للآباء والأمهات، ودليلٌ صادقٌ على عمق المحبة والرعاية، وهنا نقف وقفةً لنسأل أسئلة ألا وهي: هل نرى هذه العناية بالأولاد والبنات في أمور العبادة والطاعة؟ وفي أمور الصلاة والسنن المؤكدة؟ تلك العناية التي نستطيع أن نحصل بها الوقاية من عذاب الله وناره بعد حصول رحمته وغفرانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. معاشر المؤمنين: إن الكثير من الآباء والأمهات يجزعون ويخافون على أبنائهم في أمور المستقبل، وهذه الأمور المستقبلية من أرزاق وأموالٍ وحظوظ الدنيا كلها مقسومةٌ مقدرة لن ينال العبد منها أكثر مما قسم له، ولن يستطيع أحدٌ من البشر مهما عز مكانه، أو علا سلطانه أن ينقص منها شيئاً، لكن الأمور التي ننال من وافر حظوظها وجزيل ثوابها بقدر الأعمال الصالحة والاجتهاد فيها، في تلك الأمور نحن في غفلةٍ عنها وعن حظ أبنائنا وبناتنا فيها. عباد الله: ينبغي أن نلتفت لهذا الأمر، ويا سبحان الله!! كيف يجتهد الخلق في تحصيل ما قسم وقدر وضمن ويغفلون عن تحصيل ما لم يضمن من نيل الثواب والنجاة من العقاب. وأنت أيها الطالب المجد! كيف تفسر اهتمامك الشديد بموسم الامتحانات، وغفلتك عن الأمانة العظيمة فيما أوجب الله عليك من فعل الصلاة المكتوبة مع الجماعة، واجتناب المحرمات والمنهيات علماً بأن الإخفاق والفشل في هذه الامتحانات -لا قدر الله ذلك- على الأبناء والأحباب يمكن تعويضه في امتحانات قادمة، وأدوارٍ قابلة، لكن الامتحان العظيم يوم التغابن ليس فيه فرصةٌ جديدة، أو دورٌ قادم، النتائج واحدة بعد عرض صحائف الأعمال وما كتب فيها من الحسنات والسيئات، فإما ناجحٌ آخذٌ كتابه بيمينه سائرٌ إلى الجنة، وإما هالكٌ آخذٌ كتابه بشماله مطروحٌ في النار. فانتبهوا يا عباد الله! وتنبهوا يا شباب الإسلام! واجعلوا من هذه الامتحانات موعظةً وذكرى لعلكم تفلحون في الدنيا والآخرة. وأنتم معاشر الشباب الذين على أبواب التخرج أو استقبال الأعمال الوظيفية تذكروا أن الشهادات على اختلاف درجاتها إنما هي تأهيل علمي ليؤتمن الفرد بها على أعمال أمته ومقدراتها وخدمة أبنائها، وتذكروا أن الشهادة مهما علت درجتها فإنها ليست هي العلم كله، بل هي بابٌ إلى العلم ومفتاحٌ إلى المعرفة، فاحرصوا على مواصلة الاطلاع وطلب العلم، ولا تقطعوا ذلك عند حد استلام الشهادات والوثائق. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

أهمية المراجعة والاستذكار قبل دخول الامتحانات

أهمية المراجعة والاستذكار قبل دخول الامتحانات الحمد لله منزل الكتاب، ومنشئ السحاب، وهازم الأحزاب، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، لا إله إلا هو عليه توكلنا وإليه مآب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر الإخوة: هناك أمورٌ لا بد أن يلتفت الطلاب والطالبات إليها قبل دخول هذه الامتحانات، ألا وإن من أهمها ما قد نطلق عليه بالمراجعة والاستذكار والمذاكرة، هذا جهدٌ مهم، وله دورٌ مهم في تقريب المعلومات وتيسير تواردها على ذهن الطالب أو الطالبة حين الإجابة، ولكن هذا لا يأتي بعكف الذهن والذاكرة وكد الفكر والعقل على القراءة والاطلاع بشدةٍ بعد الإهمال الشديد والتفريط الطويل طيلة أيام الموسم الدراسي أو الفصل الدراسي، إذ أن عملية توارد المعلومات إلى الذهن لا بد أن يسبقها شيءٌ من تأكيد هذه المعلومة وتوثيقها، فإذا حان موسم الاختبار كان تواردها إلى الذهن ومن ثم كتابتها أمراً ميسوراً بسبب المذاكرة والمراجعة. فالله الله معاشر الشباب! ينبغي أن تنتبهوا لهذه الأيام فإنها مهمةٌ جداً، واتركوا عنكم كثير الكلام وكثير الانشغال بما لا فائدة فيه، وليكب كل واحدٍ منكم على كتبه ودروسه، نسأل الله له التوفيق. وإن من الأمور التي ينبغي أن تعلموها: أن الذاكرة وعاء وأول ما يخرج منها هو آخر ما يرد إليها، فإن بعض الشباب قد يذاكر مذاكرةً طيبة، ثم يعود إلى البيت فيجلس ليشاهد مسلسلاً أو فلماً من الأفلام، ثم بعد ذلك يظن أنه في صبيحة يومه مستعدٌ بما ذاكره بالأمس وقد نسي أن ما رآه في هذه الفلم أو المسلسل قد شوه عليه آخر معلومةٍ وردت في ذهنه، فينبغي لمن قرأ شيئاً وذاكره أن يحفظه بعدم الانشغال، وقديماً قال بعض أهل العلم: "النوم وعاء الحف" فإذا ذاكرت ما كتب لك أن تذاكر، فبادر إلى فراشك، وإن قدمت قبل ذلك ركعتين قبل نومك لتكون باباً إلى الاطمئنان وسبيلاً إلى الراحة، فإنك ستحمد فضل ذلك ونفعه صبيحة يوم امتحانك.

الإخلاص وأهميته

الإخلاص وأهميته من الأمور التي ينبغي أن ننتبه لها: أن على الإنسان أن يحسن النية، وأن يحدث نفسه بكل علمٍ نافع وبكل قولٍ سديد، إن البعض قد يُحدِّث نفسه بأمورٍ تعود عليه بالبلاء والمصيبة، وقديماً قال الشاعر: احذر لسانك أن تقول فتبتلى إن البلاء موكلٌ بالمنطق فإنك إذا عزمت الهمة وجمعت القصد على أمرٍ من أمور الخير، وجعلت حديثك لنفسك بعد هذا الامتحان فيما يقربك إلى الله وفيما ينفع أمتك فإنك بذلك توفق بإذن الله. أما من حدث نفسه بعد امتحانه أن يسافر إلى بلد كذا وكذا، أو أن يتمتع بالإباحية في أرض كذا وكذا، أو أن يجعل من هذه الشهادة سُلماً ليخوض مجالاً معيناً قد يكون فيه شيءٌ من النهي، فهذا قد يكون سبباً لشؤم عاقبته وسوء خاتمة عمله في دراسته، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وأعود وأكرر على الشباب الذين هم على أبواب التخرج أن يعلموا عظم الأمانة التي يتحملونها، وشرف المسئولية التي تلقى إليهم، فإن ذلك أمرٌ جليل، ومهمٌ خطير ينبغي أن يعرف الإنسان قدره، وينبغي أن يعرف فضله وشرفه، خاصة طلبة العلوم الشرعية فإن عليهم أمانةٌ عظمى أعظم مما قد يلقى على غيرهم. يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلاً عن موكب الذل أحجما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما أنشقى به جمعاً ونجنيه ذلةً إذاً فاتباع الجهل أولى وأحزما ولم أقض حق العلم إن كان كلما بدا طمعٌ صيرته لي سلما

نصائح للطلاب قبل دخول الامتحانات

نصائح للطلاب قبل دخول الامتحانات فيما معاشر الشباب عامة! ويا طلبة العلوم الشرعية خاصة! اتقوا الله جل وعلا فيما تولون في شهاداتكم، وتذكروا وراقبوا الله جل وعلا في علمكم، فإن عليكم مسئولية عظيمة، ثم إذا دخل الطالب في الامتحان فالذي ننصحه به أن يدخل متوضئاً مطمئناً هادئ البال، فإذا جلس على كرسيه ذكر الله بما يفتح الله عليه من الأذكار، وليحرص على قول: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني، وليسأل ربه مزيداً من العلم والتذكير والتوفيق والسداد، فإذا قدمت له ورقة الأسئلة فالحذر من أن ينظر إلى الورقة بالجملة عامة، بل عليه أن ينظر إلى السؤال الأول منها، فإن استطاع الإجابة أو وفق بحمد الله إلى الإجابة، فليجب على هذا السؤال، والسبب في ذلك أن يكون جهد الذاكرة مسلطٌ على توريد المعلومات المتعلقة بهذا السؤال، فلا تنشغل الذاكرة بتوريد أي معلومةٍ أخرى، فإذا انتهى من هذا السؤال عاد إلى الذي يليه ثم إلى الثالث ثم إلى الآخر أو الذي بعده، فبهذا ينال راحةًَ وطمأنينة في أمر المذاكرة. إن بعض الشباب أول ما تلقى إليه ورقة الأسئلة يقرأ السؤال الأول والثاني والثالث والرابع والخامس، ثم لا يدري ماذا تورد إليه الذاكرة من المعلومات، وقد يكتب بالسؤال الأول وهو يفكر في إجابة فقرةٍ لم يعرفها في السؤال الرابع، فهذا أمرٌ بالنسبة له قد يسبب له الفشل والإخفاق ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحذر الحذر من الغش في الامتحانات فإنه محرمٌ لا يجوز، الحذر الحذر من الغش أياً كان دورك طالباً أو مطلوباً في هذا الغش، فإنه لا يجوز ولا ينبغي، وكيف يؤتمن رجلٌ على أمانة الأمة أن يحفظها ولا يغش فيها وهو يغش في العلوم التي يتعلمها وقد يكون من بينها العلوم الشرعية؟ فينبغي أن ننتبه لذلك، وينبغي للمدرسين الذين يقومون بدور المراقبة أن يلاطفوا نفوس الطلاب وأن يدخلوا عليهم بابتسامة جميلة: (وتبسمك في وجه أخيك صدقه) فينبغي أن تدخل على الطالب منطلق الجبين، باش الوجه، بادي الابتسامة، لكي تدخل السرور والفرح والراحة والطمأنينة إلى قلبه، فإذا أشكل عليه شيء، فينبغي لك أن تتواضع وأن تحني رأسك عند هامته، واعرف ماذا يريد الطالب، فقد يكون سؤاله أمراً مهماً، وقد يكون ما أشكل عليه أمرٌ يحتاج إلى التوضيح، وليس يعني دخول الطالب صالة الامتحان أن نقطع العلاقة به فوراً، فواجبك أن تتصل بمدرس المادة -مثلاً- أن يوضح له ما أشكل عليه في طريقة السؤال لا في بيان الإجابة. أسأل الله جل وعلا أن يوفق أبناءنا وبناتنا، وأن يرزقهم العلم النافع والعمل الصالح، وأن ينفع أمتنا بهم، وأن يجعل حظ الأمة منهم العمل لما فيه صلاح الدنيا والآخرة، اللهم انفعنا بشبابنا، اللهم انفعنا بشاباتنا، اللهم انفعنا بأبناء الأمة أجمعين ووفقهم إلى ما يرضيك يا رب العالمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً وأراد بولاة أمرنا فتنة وأراد بعلمائنا مكيدة، اللهم أشغله في نفسه، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم افضحه على رءوس الخلائق يا رب العالمين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح مضغة قلبه، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم سخر لنا وله ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، وثبته على كتابك وسنة نبيك يا رب العالمين، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا غائباً إلا رددته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا ميتاً إلا رحمته. اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة النبيين والشهداء برحمتك يا رب العالمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً، فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً فجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم نور على أهل القبور قبورهم، اللهم افتح عليهم مد أبصارهم، اللهم نور لحودهم، اللهم افتح لهم أبواباً إلى الجنان، اللهم تجاوز عنهم يا رب العالمين، وارحمنا اللهم إذا صرنا إلى ما صاروا إليه. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه التي لا تستطيعون حصرها وعلى نعمه التي لا تستطيعون شكرها يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

دعوة إلى الزواج

دعوة إلى الزواج لقد حث الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم على الزواج المبكر، وبيَّن رسول الله أهمية التناسل والتناكح لتكثر الأمة، وليباهي بهم رسولنا الكريم الأمم يوم القيامة، ولكن لقد وجدت مصاعب وعقبات كئود في زماننا هذا أمام شباب الأمة إذا أراد الزواج الشرعي، ويُسِّرَ لهم الحرام ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذه توجيهات ونصائح للآباء في ذلك حتى تحل مشاكل شباب الأمة.

كمال الدين وعظمة الشريعة

كمال الدين وعظمة الشريعة الحمد لله الذي أحل النكاح وحرم السفاح، وقال جل من قائلٍ عليماً: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن الله جل وعلا قد أكمل الدين، وأتم النعمة، فمن زاد أو استحسن غير ما شرعه الله جل وعلا فقد ابتدع وشرع وضل ضلالاً مبيناً، واعلموا أن الله جل وعلا ما حرم شيئاً إلا لفساد عاقبته وحاله ومآله على عباده، وما أباح شيئاً أو أحله إلا لمصلحة عباده فيه {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. إن هذا الدين جاء لإسعاد البشرية، جاء لينشر الأمن والطمأنينة في ربوعها، وليحل السلام في أرجائها، ليسعد الناس صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، ليجتمعوا على محبةٍ ومودة، ويتعاملوا على صدقٍ ووفاء، ولأجل ذلك جاءت شرائع الإسلام متكاملة لتحقق هذه السعادة التي هي بدورها توفر أجواءً طيبة لعبادة الله سبحانه وتعالى، وتكبيره وحمده والثناء عليه واستغفاره وتسبيحه، إذ لم يخلق الخلق إلا لهذا المقصد العظيم، فإن كل تشريع في الدين ما جاء إلا ليحقق مصلحة، وما جاءت هذه المصلحة إلا لتصب في الغاية النهائية التي لأجلها خُلق الخلق وهي عبادة الله جل وعلا، ولأجل ذا ومن بين ذلك كله شرع في هذا الدين النكاح، شرع شرعاً طيباً محكماً عدلاً متكاملاً: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. إن هذا الدين العظيم ينظر إلى هذه النفوس البشرية، وينظر إلى ما فيها من الغرائز والشهوات، فلا يكبتها على طريقة الرهبان، ولا يطلقها على طريقة الإباحيين الغربيين المتحللين، وإنما يشرع ما يحققها بضوابطها، ومن ثم توظف الغرائز في نفع الأمة، وإحلال الأمن والطمأنينة في أنحاء المجتمع، فانظر إلى غريزة حب المال إن الإسلام ما حذر الناس من جمع المال أو نهاهم عنه، ولم يبح لهم إطلاق أيديهم في جمعه وصرفه في كل سبيل ومن أي طريق، وإنما شرع للعبد أن يجمع المال، وندب إلى أن يصرفه في مصارفه التي تعود على الأمة بالنفع والفائدة، كذلك غريزة الجنس في النفوس ما جاء الإسلام ليقطعها أو ليكبتها، وما أباح إطلاقها في الأعراض والذوات، وإنما جاء ليضبطها {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21].

حث النبي صلى الله عليه وسلم على النكاح وذمه للرهبنة

حث النبي صلى الله عليه وسلم على النكاح وذمه للرهبنة أيها الأحبة في الله! الحديث عن النكاح لا شك أن مقاصده عائدةٌ إلى تحقيق وإشباع الغرائز الموجودة في النفس البشرية، وما جاء النكاح لإشباع الغرائز فقط، وإنما لتوظيف هذا الإشباع فيما يعود على المجتمع بالتناسل والتكاثر لتكوين أمةٍ محمودة نافعة للبشرية. لهذا شرع لنكاح، ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (تناكحوا تناسلوا -ولم يجعل هذا الأمر مطلقاً بل قال-: فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) إذاً إذا نوقش النكاح أو الزواج فلينظر إليه من جانب تحقيق رغبات النفس، ولينظر إليه من جانب نفع المجتمع، ولينظر إليه من جانب نفع الأمة قاطبة، إذ ما شرعت الشرائع لتحقيق مقاصد شخصيةٍ بحتة، بل إن من سمو وعدل ورقي هذا الدين أن أحكامه وتشريعاته جاءت لتستجيب لحاجات النفس، ومن ثم لتصب فيما ينفع هذا المجتمع. فأول ذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج، وذم الرهبنة جاء نفرٌ إلى بيته صلى الله عليه وسلم، فسألوا عن عبادة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلما سألوا وأجيبوا كأنهم تقالوها، إذ لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم حينها موجوداً، فقال بعضهم: وماذا عليه؛ فإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فقال أحدهم: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: فأما أنا فأقوم الليل ولا أذوق النوم، وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر اشتد غضبه، وبلغ الغضب مبلغاً عظيماً إلى حد أنه صعد المنبر وجُمع الناس له، وقال: (ما بال أقوامٍ يستنون بغير سنتي، أما أنا فآكل اللحم، وأقوم الليل وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)، وقال صلى الله عليه وسلم: (حُبب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء -هذا من الدنيا أما قرة العين- وجعلت قرة عيني في الصلاة) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسيلماً كثيراً. وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! -وخص الشباب بالنداء لحاجتهم إلى الزواج والنكاح- من استطاع منكم الباءة -والباءة: المقدرة الذاتية والمالية وما تعلق بها- فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج)؛ لأن النفس قد جُبلت على محبة النساء، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14]. هل يوجد خيرٌ من هذا؟ هل يوجد ألذ من هذا؟ هل يوجد أطيب من هذا؟ بلى وربي {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:15]، حتى يعلم من اشتهت نفسه أن شهواته منقطعة فانية، وأن وراءه دار الخلود لا تنقطع فيها الشهوات ولا الملذات الشهوة هنا لذةٌ ثم تنقضي، صحةٌ بعدها سقم، نعيمٌ يخلفه كدر، أما اللذة هناك فصحة لا سقم بعدها، وخلود لا موت يكدره، ولذات لا تنقطع. قال علماء السلف: إن أهل الجنة يأكلون من غير جوع؛ لأن الجوع كدرٌ يكدر اللذات، ويشربون من غير ظمأ؛ لأن الظمأ كدرٌ يكدر اللذات، لكنهم في الجنة يشربون ويأكلون للذات الأكل والشرب، لذاتٍ فوق لذات. إن النفوس البشرية في هذه الدنيا جبلت وفطرت على حب النساء، ولأجل ذلك كان توظيف هذه المحبة بطريق الزواج: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:5 - 6] فما تشبع غريزة الجنس إلا في الزوجات وملك اليمين، ومن أشبعها بغير ذلك {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:7].

ثلاثة حق على الله عونهم

ثلاثة حق على الله عونهم لقد حث الإسلام على الزواج، وقول الله عظيم بليغ: ((وَأَنْكِحُوا)) أي: زوجوا: ((الْأَيَامَى)) الأيامى جمع أيم، والأيم من لا زوج له ذكراً كان أو أنثى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32]. قال عمر رضي الله عنه: [عجبت لمن يبتغي الغنى لا يتزوج]، إن أناساً يشكون الفقر والفاقة والمسكنة، وربما عندهم شيءٌ يسيرٌ لو اجتمعوا واقترضوا لجمعوا ما يحقق لهم الزواج، فلمثل أولئك نقول ما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي عنه، قال: [أرى لمن أراد الزواج أن يستدين -أي: إن كان عاجزاً- ويؤدي الله عنه]، كيف لا يؤدي الله عنه؟ كيف لا يوفي الله عنه؟ وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم). لو قلنا لك أيها الشاب الذي تتقلب على فراش السهر، تعيش الأرق وتتمنى الزوجة تزوج واقترض وتسلف من هنا ومن هنا، لقلت: من يؤدي عني؟ من يعينني؟ من يضمن سداد ديني؟ فلو قلنا لك: إن الأمير سوف يعينك؛ لأقدمت على الزواج بلا تردد، ولو قلنا: إن الثري الغني الفلاني سيعينك؛ لأقدمت على الزواج بلا تردد، ولو قلنا: إن فلاناً من المعروفين بالثراء سيعينك؛ لأقدمت على الزواج بلا تردد، فإنا نبشرك ونقول: إن الله معينك قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثةٌ حقٌ على الله عونهم: الناكح يريد العفاف) الناكح يقصد العفاف، الناكح يقصد غض بصره، المتزوج يريد إحصان فرجه، هذا حقٌ على الله أن يعينه، أما الناكح يريد التذوق وتنويع اللذات أما الناكح يريد العبث والإسراف أما الناكح تقليداً أو مباهاةً فلعله لا ينال من هذا شيئاً (الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء) والمكاتب هو العبد الذي اشترى نفسه من سيده على نجوم منجمة، على أقساطٍ يدفعها دورية حتى يتم عتقه ووفاء كامل قيمته والثالث: (والمجاهد في سبيل الله). إننا نقول للشباب: أقدموا على الزواج ولا تترددوا، ودعوكم من أولئك الذين قد أدخلوا في أذهان بعضكم أو أذهان غيركم أن الزواج لا بد أن يؤمن له بيتاً أو فلة وسيارة ووظيفة، ولا بد من دخل ومرتب من الذي يرزقه؟ أوظيفةٌ هي التي ترزقك؟ أسيارة هي التي ترزقك؟ أشهادة هي التي ترزقك؟ إن لم تقطع بأن الرازق هو الله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58] فإنما عند الناس منقطعٌ مكدرٌ بالمنِّ والأذى، فمن تعلق بحال الناس تعلق بنقصٍ وضعف ومنقصة. فيا أخا الإسلام يا شباب الإسلام أقبلوا على الزواج ولا تترددوا لتلك الأفكار والشبهات والأباطيل والأقاويل التي نُثرت وسُلطت علينا حرب شعواء، وأُرسلت إلينا سموم وسهام صارخة، سواء في آدابنا أو أخلاقنا، عبر تلك التمثيليات، وعبر تلك المسلسلات التي أقنعت الشباب أن لا زواج إلا بعد الحب لا زواج إلا بعد العلاقات لا زواج إلا بعد الانسجام الطويل والتعارف المتبادل، وتوافق الآراء والأذواق، وتوافق في الألوان والأمزجة، كل ذلك مما استورده مجتمع المسلمين من الغربيين، أو مما صدَّره الغربيون إلى المسلمين. أقبل، وكم من رجل تزوج فتاة لدينها -وسيأتي الحديث عن هذا- فكان بينهما من السعادة أضعاف أضعاف ما اختلقه ونسجه الواهمون والكاذبون من تلك السعادة التي سرعان ما تضمحل بدعوى حصولها بعد علاقاتٍ طويلة قبل الزواج، فالإسلام حث على هذا، فلا تترددوا، ولا تنكصوا، ولا ترجعوا القهقرى، اجمعوا ما في أيديكم من المال وتسببوا وابذلوا الأسباب، من هنا دين، ومن هنا قرض حسن، ومن هنا معونة، ومن هنا مساعدة، حتى تجمع من المال ما يكون سبباً في إعانتك على الزواج، ثم أقدم على بركة الله.

رسالة إلى الآباء في تيسير المهور

رسالة إلى الآباء في تيسير المهور وإلى الآباء رسالة يا من تملكون المال! يا من نمتم على أرصدة قلت أو كثرت! ما غيرت أرصدتكم في لباسكم، وما غيرت في طعامكم، وما غيرت في مراكبكم ومشاربكم، ولكنها زادت أرقاماً في حساباتكم في البنوك، أفلا تزعزعون الرقم قليلاً، وتسحبون منه شيئاً يسيراً فيكون عوناً لأبنائكم أو أقاربكم أو ذوي رحمكم في الزواج؟ إنَّا لنعجب أن يأتي شابٌ يطلب المعونة في زواجه وأنت تعرف أن له عماً ثرياً، وخالاً غنياً، وقريباً ممليراً، فما الذي رد قريبه أو ذا رحمه أن يعينه على زواجه؟ فأعينوا وتعاونوا، وما أجمل عادةٍ طيبة وجدت عند بعض الأسر والعوائل؛ أن الشاب إذا أقدم على الزواج قام كبار العائلة ومن لهم دخول طيبة بمعونته، هذا بالخمسة آلاف، وهذا بالألف، وهذا بالخمسمائة، فإن ذلك أمر يعين الشباب على الزواج، خاصةً من تقدم للزواج في المرة الأولى ولا يزال شاباً، ثقوا -والله- أنه ما أراد الزواج إلا يريد أن يغض بصره، وليحصن فرجه، ولو ابتغى الحرام الذي تنوعت وسائله، وتعددت طرقه، وتيسرت أبوابه في هذا العصر وفي مجتمعاتٍ عدة؛ لاستطاع أن يحصل الحرام بأدنى التكاليف، وإنها لمحنةٌ عظيمة أن يكون الحرام رخيصاً ميسوراً والحلال صعب المنال، فحاربوا الحرام بإعانة الشباب على الحلال.

الترغيب في البحث عن زوجة ذات دين

الترغيب في البحث عن زوجة ذات دين المسألة الثانية: إذا يسر الله لك، وقررت وقطعت العزم على الزواج، فلا تضرب كل بابِ. أكل امرئٍ تحسبين امرأً ونارٍ توقد بالليل نارا أتظن كل ذات خدرٍ تصلح لك؟ لا. (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) إن حافلات المدارس تنقل في الصباح مئات الآلاف من البنات، ولكن الذي يرغب في الزواج يبحث مراتٍ ومراتٍ وعشرات وكرات ولا يجد من تناسبه، إن كان لا يجد من تناسبه في دينٍ وعفةٍ وحشمةٍ فذلك أمر ينبغي أن يتثبت، وأن يزيد البحث حتى يجد المناسبة والموافقة بإذن الله. أما أولئك الذين لا يجدون من هذه الحافلات والناقلات ما يناسبهم؛ لأنه رأى ممثلةً فرسم في مخيلته أن تكون عروسه مثل هذه الممثلة في نعومة شعرها، وخدها الأسيل، وجسمها الطويل، وجيدها وحركاتها وسكناتها، فإن ذلك قصدٌ وابتعادٌ إلى غير ما شرع الله جل وعلا. إنما شرع الله لك الزواج لإعفاف نفسك، أنت لم تتزوج لتكون الزوجة راقصة، أو لتكون الزوجة عارضة أزياء، أو لكي تباهي بزوجتك الغادين والرائحين في حفلات الأعراس، وإنما تزوجت لك أنت وليس لغيرك، فاعلم هذا ابتداءً وأولاً. إن بعض الشباب في بحثه يشترط أن تكون جميلة، بغض النظر عن دينها واستقامتها وتاريخها أبداً، وهذا ضلالٌ بعيد، قال جل وعلا: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] لو أعجبتكم المشركة بجمالها، لو أعجبتكم بصفاتها، لو أعجبتكم بما فيها من المواصفات فإن أمَةً قينة تباع وتشرى لكنها مؤمنة خيرٌ من مشركة، وهذا شيء واضح، فذرةٌ من الحلال تعدل أو تميل وترجح بملء الدنيا من الحرام، فاعلموا هذا علماً يقيناً. إذاً: الاختيار لابد أن يكون لذات الدين إن الدين -أيها الأحبة- يحقق كل شيءٍ بإذن الله، أما المواصفات الأخرى التي أغرق الشباب في البحث عنها نحن لا نقول للشباب: ابحثوا عن قبيحةٍ أو مشوهة أو إلى غير ذلك، وإن الإسلام حث على هذا. لا والله، وإنما نقول: لا تجعلوا الجمال مقصداً أولاً وآخراً في ابتغاء النكاح، ولأجل ذلك ترى عدداً من الشباب يقدرون على الزواج ولكن قد وضع في مخيلته تلك الصورة فما وجدها، ولن يجدها، ولست أدري هل يموت متزوجاً أو يموت أيماً أعزباً!! قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولدينها، ولحسبها ونسبها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) ما ينفعك جمال جميلةٍ إذا التفتت ظننت بها السوء، وشككت في التفاتتها ما ينفعك جمال جميلة إذا اتصلت على بيتك ظننت بها السوء في طول مكالمة الهاتف ما ينفعك جمال جميلة وأنت لا تأمنها إذا خرجت يميناً أو يساراً مع قريباتها أو في بعض المناسبات، إن هذا الجمال يعود حسرةً على صاحبه، ولذلك جاء في الأثر: (إياكم وخضراء الدمن، قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء) وجاء أيضاً: (لا تنكحوا النساء لجمالهن؛ فعسى جمالهن أن يرديهن أو يطغيهن، ولا تنكحوهن لأموالهن؛ فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة مؤمنة ذات دين أفضل). التعرف أمر مطلوب، والله ما يضيرك لو نقصت مواصفات الجمال درجات، لكن اكتملت مواصفات الدين العفة، الحياء، الحشمة، غض البصر، عدم الخضوع بالقول، عدم الجرأة على الرجال، عدم الإقدام على المحرمات، كل هذه الصفات الواحدة منها تعدل مئات المقاييس من الجمال. فيا شباب الإسلام أقبلوا على الزواج، واجعلوا الدين هدفاً، ومن جعل الدين غايته يسر الله له كل غايةٍ بعدها (من أصبح وهمه الآخرة تكفل الله برزقه، وأتته الدنيا راغمة، وجمع الله له ضيعته).

أهمية النظر إلى المخطوبة

أهمية النظر إلى المخطوبة فإذا اخترت ذات دين يسر الله لك أمرها والسبيل إليها، فلا حرج في أن تتعرف عليها وكيف يكون التعرف؟ أعلى طريقة الأفلام والمسلسلات؟ مكالمات لا تنقضي ليلاً ونهاراً؟ أم على طريقة المراسلات والمغازلات؟ رسائل تحوي ألواناً فاضحة من العبارات كيف يكون التعرف؟ إن التعرف بالرؤية إلى هذه المخطوبة، أن تستأذن وليها في أن يمكنك من النظر إليها وهي غافلة لا تدري في بيتها مثلاً، ولا حرج لو دخلت على من أراد خطبتها أو أراد الزواج بها بشيءٍ من الماء أو الطيب، ثم سلمت وقدمته وخرجت، فرأت خاطبها ورأى من خطبها؛ لأننا في هذا يهمنا -وخاصةً في هذا الزمن- أن نعرف رأي الفتاة بالزوج كما نعرف رأي الخاطب بالفتاة، ولا يلزم من كون الشاب قد أعجب بالفتاة أن تكون الفتاة قد رضيت به واطمأنت إليه، فكان تمكين الناس الخاطبين وتمكين بناتهم من هذا الأمر فيه خيرٌ عظيم، ولن يضير لو رآها ثم قال: ما دخلت قلبي أو ما تيسر لي ذلك إن بعض الناس إذا قيل له: فلان يريد أن يرى مخطوبته التي خطب منكم، قال: وهل عندنا كتلوج للعرض والأزياء؟ هل عندنا معرض نقدمه حتى يرضى؟! إن قبل بها وإلا فعساه لا يرضى أبداً! وليس هذا من العقل أبداً، فلا بد أن تراه ولا بد أن يراها إذا تيسر ذلك، ويصح الزواج بدون ذلك، وكم من زيجة سعد أبناؤها والزوج والزوجة فيها ولم يحصل فيها رؤية، ولكننا في هذا الوقت تحاشياً لوصف الأمهات، وتحاشياً لوصف الأخوات والقريبات للزوج أو للخاطب، أو في المبالغة في نقل الصورة نقول: لعلك أن تراها ولعلها أن تراك لحظةً واحدة، ثم بعد ذلك إذا كتب الله الوفاق بادروا بعقد النكاح، ومن ثم تيسير الزواج. قال جابر رضي الله عنه: (خطبت جاريةً من الأنصار فقال صلى الله عليه وسلم: هلا نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما، قال جابر: فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها) فلا حرج أن ينظر الخاطب إلى مخطوبته، فإن هذا كما قال صلى الله عليه وسلم: (أحرى أن يؤدم بينكما) أن توجد الألفة والمحبة والمودة.

مشكلة غلاء المهور والدعوة إلى تيسيره من قبل الآباء

مشكلة غلاء المهور والدعوة إلى تيسيره من قبل الآباء فإذا حصلت الرؤية واطمأن الخاطب إلى مخطوبته والمخطوبة إلى خاطبها، بدأنا في المسألة الخطرة التي هي قضية القضايا عند الأسر والمجتمعات، ألا وهي المهر المهر عجائبٌ من القصص وغرائبٌ من الحكايات نسمعها في مجتمعات يربون البنات للبيع، وينشئونهن للتجارة وكأنهن سلع، وإذا قدم الخاطب بعد مشوارٍ طويل بما يسر الله له من المال رمي مهره في وجهه، وقيل: قد بذل لنا فيها كذا وكذا فرفضنا، فتأتي أنت لتبذل أقل من هذا! إن أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة ومهراً، وإن المغالاة في المهور ربما كان عند حدوث شجارٍ أو شقاق بين الزوجين سببٌ في الانتقام، وسببٌ في التشفي من الفتاة وأهلها وأبيها الذي ما مكن الزوج إلا بعد أن كسر ظهره، وأثقل كاهله، وأذل عينه وجبينه بالاقتراض والتسلف من هنا وهنا، حتى جمع أموالاً فقدمها في سبيل حصوله ودخوله على زوجته. جاء إلى هذا المسجد شابٌ ذات يوم، ومن المؤسف أنه من البادية، وإننا نخص البادية بالخطاب ونعمُّ غيرهم، إذ إننا نسمع عند بعض البوادي والقبائل مغالاةً في المهور ما أنزل الله بها من سلطان، حتى ولو ادعوا أنهم نزلوا في الجرائد إعلانات، أو اتفق بعضهم على أنهم لا يقبلون مهوراً أكثر من عشرين أو ثلاثين ألفاً، إلا أن بعض الأفراد ولا نلوم كبار القوم إنما نلوم بعض الأفراد الذين إذا كانوا في المجالس قالوا: نحن قد قرر المهر عندنا كذا وكذا من يسير المهر وقليله، فإذا تقدم أحد إلى ابنته طلب ما طلب، والعجيب أنهم يكتبون في عقود النكاح ثلاثين ألفاً، ولكن ما جاء خلف الأوراق أضعاف ذلك!! إنها خدعة وحيلة والذي يتأذى بها هو الزوج في نهاية الأمر وخاتمة المطاف. إن تيسير المهر أمر مهم أيها الأحبة!، ونحن لو فكرنا بعقلٍ ونظر العاقل الذي عنده عدد من البنيات، والله لو أبقيت بناتك عندك لما زادك ذلك إلا ألماً وحسرة تزوجت البنات إلا بناتك! أنجب البنات ذريات إلا بناتك! سعد البنات إلا بناتك! فلماذا حرمتهن هذا؟! لو تأملت بعقل وفكر لوجدت أن من واجبك أن تسعى أنت، وأن تقلب وتفتش وتشتغل شغلاً، أو أن تعمل عمل الباحث المراقب المتابع لشابٍ تختاره لابنتك، ولو كان فقيراً أو معدماً، من أجل أن تهدي إلى ابنتك زوجاً صالحاً إنك يوم أن تختار لابنتك زوجاً صالحاً أسعدتها -بإذن الله- منذ أن زوجتها إلى أن تموت، وأسعدت ذريتها أيضاً بإذن الله، ولكن ما ينفع ابنتك أموال تعطيها، ونفقات تنفقها على اللباس والطيب والشراب والترفيه والفسح والجولات والزيارات، ولكنك رميت بها رمي الثوب الخلق في حضن شابٍ لم تعرف تاريخه، ولم تنقب عن ملف وسجل حياته. لأجل ذلك نعود إلى هذه المسألة فنقول: ابحث، فإذا وجدت شاباً صالحاً مستقيماً فقل له: إن عندي بنية صالحة أتريد أن أزوجكها؟ وإن شئت فأرسل له رجلاً تثق فيه، وقل له: اذهب إلى فلان وقل له: لماذا لا تتزوج؟ فإن قال: إنني راغب، فأخبرني لعلي أعينه وأجمع له من المال ما يقدمه إليَّ، ويعود الخير إلى بيته وابنته مرة أخرى. وإني أثني وأشكر وأذكر بالجميل والدعاء أفعالاً كهذه حصلت من رجال بحثوا عن شبابٍ، فأرسلوا إليهم أناساً آخرين وقالوا لهم: تعالوا، ألا ترغبون في النكاح؟ قالوا: بلى، ولكنا لا نجد مالاً. فدلوهم إلى من أرسلهم أصلاً وأعانهم أبو الفتاة بالمهر عن طريق ذلك الوسيط، فكانت عيشة السعادة، وذرية السعادة، وحياة السعادة، أما أولئك الذين باعوا واشتروا في بناتهم بمئات الآلاف، فواحدة طُلقت بعد شهر، وواحدة طُلقت بعد ولدين وثلاثة، وواحدة تعيش، وواحدةٌ وواحدة وحدِّث عن مشاكل النساء عند الأزواج، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم) أي: أسيرات. أيها الأحبة: هل لا يصح النكاح إلا بغرفة نومٍ بثلاثين ألفاً؟!! هل لا يصح النكاح إلا بقصر أفراح بعشرين ألفاً؟! هل لا يصح النكاح إلا بخرافٍ تذبح وتنحر على موائد لم يؤكل إلا على أطراف الأصابع منها ثم يترك الباقي للزبالات والنفايات والأتربة والشوارع، وأماكن القمامة؟! هل لا يصح النكاح إلا بألوانٍ طويلة عريضة من الذهب والمجوهرات؟ جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الزواج، فقال الرجل: ليس عندي مالاً، فقال: (التمس ولو خاتماً من حديد، قال: لا أجده، فقال: أتحفظ سورة كذا؟ قال: نعم. قال: زوجتكها بما معك من القرآن)، هل يوجد رجلٌ يجعل حفظ كتاب الله مهر ابنته؟! هل يوجد رجلٌ يجعل حفظ صحيح البخاري مهر ابنته، أو صحيح مسلم مهر ابنته؟! قل وندر هذا في هذا الزمان. فيا أحبابنا زوجوا بناتكم، وأعينوا على زواجهن، وأعينوهن فإن الفقير في الغالب أخرق، أي: لا يحسن التدبير والتصرف، فإذا رأيت شاباً تقدَّم لابنتك فقيراً فاجعله ولداً وابناً من أبنائك، وانصحه وقل: يا بني! لا حاجة، فإنا نعرف حقيقة ما عندك من المال، ولسنا الذين سنحكم عليك بقصر أفراح أو بموائد طويلة. إني لأعجب وألوم وأعاتب بعض الشباب الذين يتسولون في جمع المهر البالغ في رقمه وقيمته، ثم بعد ذلك يقيمون وليمة طويلة عريضة في قصر أفراح بأجرة بالغة!! أين حاجتك؟ أين تجوالك؟ أين دورانك؟ أين خطاباتك وأوراقك؟ ألم تكن بالأمس تجمع مهرك بالخمسة آلاف والألف والألفين حتى جمعت هذا المهر الذي أثقل به كاهلك، ثم بعد ذلك تستأجر صالة بخمسة عشر ألفاً أو بعشرة آلاف، ثم تذبح وتنحر عشرين ذبيحة، ثم تفعل وترسل، أهذا من العقل؟! والله -أيها الأحبة- إذا وجد الصالح الصادق في ابتغاء النكاح، الذي يريد بنكاحه العفاف والذرية الصالحة، ووجد الولي الصالح، فإن عشرة آلاف أو عشرين ألفاً تكفيهم بإذن الله جل وعلا بيتٌ متواضع -وليس من شرط صحة النكاح أن تكون السكنى في قصر منيف- ولباس ميسر، ووليمة (أولم ولو بشاة) ثم بعد ذلك تتم هذه الحياة الزوجية. أما أن يجمع الشاب أموالاً، فإذا تزوج وتفرق الضيوف وعاد إلى بيته وبعد ليلة زفافه جلس مكباً مطرقاً رأسه بين رجليه يتفكر كيف يسدد ديونه، وكيف يهرب من الغارمين، وكيف يخدع من طلبوا منه المال الذي دنا موعد سداده!! ذلك والله جهل بليغ. فيا أمة الإسلام: أعينوا الشباب على المهور، ساعدوهم وأعطوهم وأقرضوهم وأعطوهم من الزكاة، وأعطوهم من الصدقات، فإن من احتاج إلى المهر جاز دفع الزكاة إليه بما يكفي لتزويجه، اعلموا هذا جيداً، فأعينوا شبابنا على هذا، فإذا فتحنا لهم أبواب الحلال أغلقنا دونهم أبواب الحرام التي تنوعت وتسهلت وتيسرت في هذا الزمان. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

توجيهات للأزواج

توجيهات للأزواج الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة.

اللعب بالطلاق أمر مذموم

اللعب بالطلاق أمر مذموم معاشر المؤمنين: إن شأن الزواج عظيم وكبير، ولأجل ذلك سماه الله جل وعلا في كتابه ميثاقاً غليظاً، فقال سبحانه: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} [النساء:20 - 21]، سمي في القرآن ميثاقاً غليظاً، مع أن الزواج عقدٌ وهو إيجاب وقبول إن المرأة يجوز لها أن تمارس عقد البيع وهو إيجاب وقبول إن المرأة يجوز لها أن تمارس عقد الإجارة إن المرأة يجوز لها أن تمارس عقد السلم والمساقاة والمزارعة، وغيرها من عقود المعاوضات المالية، أما الزواج وهو إيجاب وقبول فلم يسند هذا العقد إليها، بل أسند إلى وليها، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل)، النكاح بغير الولي باطل، وإنما أسند هذا العقد إلى الأولياء بحضور الشهود كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) مع أنه عقد ولكنه عقد غليظ، إنه ميثاقٌ غليظ، فلا تتهاونوا بهذا. إن من الناس من إذا تيسر له النكاح بمهر يسير وبدون كلفة ومشقة هان عليه أن يلعب بهذا النكاح، فلا يحلف إلا بالطلاق، ولا يدعوا الضيوف إلا بالطلاق، ولا يأمر إلا بالطلاق، ولا ينهى إلا بالطلاق، ولا يمزح إلا بالطلاق، وهذا من العبث بهذا الميثاق الغليظ، أو لما أنعم الله عليك بزوجة صالحة على مهر يسير انقلبت عابثاً بهذا الميثاق الغليظ والعقد العظيم تعبث به بكل قسمٍ ودعوةٍ وحثٍ ومنع؟! لا يا عبد الله! اعلم أنك آثمٌ إن عبثت بهذا، ولا يجوز لك، واتقِ الله في هذه المرأة يوم أن دخلت عليك بيسر، فليست سيارةً تجرب اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، وليست بهيمةً تبيعها أنت ويشتريها غيرك ولا يضيرها أن تعيش في حظيرة أو أخرى، إنها امرأة إنها مشاعر إنها نفس إنها فكر إنها قدرة إنها طموح إنها آمال وآلام إنها مسكينة إنها أسيرة عندك، فاتقوا الله في النساء {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] قال صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك -أي: لا يبغض ويكره- مؤمنٌ مؤمنةً، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر).

الطلاق ليس حلا للمشاكل الزوجية

الطلاق ليس حلاً للمشاكل الزوجية وإني ألوم كثيراً من الشباب الذين لا يفكرون إلا بالطلاق عند أدنى مشكلة لو انكفأ قدرٌ انزوى في حجرةٍ يفكر في الطلاق، لو انكسر زجاجٌ انزوى في حجرةٍ يفكر بالطلاق، لو تعالت الأصوات بينه وبين زوجته ذهب يفكر بالطلاق لو وجد طعامه ذاك اليوم أو لباسه لم يُعد انقلب يفكر بالطلاق هذه من أفكار الصبيان، هذه من أفكار الأطفال، هذه من أفكار الصغار، أما الرجال فإنهم إذا رأوا مشكلةً فكروا كيف يعالجونها، وقد سبق أن قلت على هذا المنبر: من أراد استدامة حياته الزوجية فليجعل زوجته كواحدٍ من أبنائه المضافين في حفيظته، كأنها من صلبه خرجت، فمن وجد خلافاً من أولاده فإنه لا يفكر بنفي نسبهم أو طردهم وإنما يفكر بعلاج مشكلاتهم، فإذا وجدت مشكلةً ففكر كيف تحسن علاج هذه المشكلة، واصبر صبراً جميلاً، وإن احتجت الهجر فاهجر في المضجع هجراً جميلاً، وعظ وعظاً جميلاً، وقل قولاً جميلاً، فإن النفوس تتأثر بالكلام اللين وحسن المعاملة، وقول الله أبلغ: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:34] سواءً كان هذا في معاملة مع شريك، أو صديق، أو زوجة أو قريب: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] كأنه قريب شديد القرابة، فيا أحبابنا! كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).

حسن المعاملة والتخلق مع الزوجة

حسن المعاملة والتخلق مع الزوجة تقول عائشة: (كان صلى الله عليه وسلم يحلب شاته، ويخصف نعله، ويكون في حاجة أهله) ما ظنكم بأحدنا لو قالت له زوجته: أحضر هذا الطبق لو تكرمت من ذاك المكان، لربما غضب وقال: أنا الضابط الذي تضرب لي التحيات أحضر لك الطبق؟!! أنا المدير الذي يقف الموظفون أمامي أحضر لك الطبق؟!! أنا الرجل الذي يقف الناس لي أحضر لك هذا؟!! كان صلى الله عليه وسلم وهو خير من ركب المطايا ووطأت قدمه الثرى، كان في حاجة أهله، وكان صلى الله عليه وسلم ليناً رفيقاً حبيباً، جلس ذات يوم يخصف نعلاً في ذلك البيت العامر بالإيمان والطهر، فتفصد العرق من جبينه صلى الله عليه وسلم، فنظرت إليه عائشة رضي الله عنها وقالت: (يا رسول الله! ما رأيت أجمل من حبات لؤلؤٍ كما أرى من هذا الذي يتفصد من جبينك، ويتحدر على جبينك، وقالت: وإنك لجميل يا رسول الله! فنظر إليها بابتسامةٍ كلها الحب والحنان والعطف والوفاء، وقال: وأنتِ جميلة أيضاً يا عائشة). لا تظن أن حياة الإيمان والدعوة والجهاد والرسالة حياة جافة لا عواطف ولا مشاعر فيها، إنها حياة يملؤها العشق الخالص الطاهر بين الزوجين، والحب المعلى الصافي المنقى بين الزوجين، إنها حياة يملؤها العطف والرحمة والمودة والمحبة والتواضع وخفض الجناح ولين الجانب والكلمة الطيبة، وعوِّد نفسك -يا عبد الله- أن تكون رجلاً إننا لا نشكو من قلة الذكور فقد ملئوا الأرض، ولكننا نشكو من قلة الرجال نعم، قد تزوج من الذكور خلق كثير، ولكن الرجال شريحة غير أولئك.

حسن الظن بالزوجة

حسن الظن بالزوجة أيها الزوج كن رجلاً ولا تحرص أن تكون ناقص عقلٍ سماعاً نماماً حريصاً على تلقف الكلام والمكالمات، بعض الناس لا يعرف إلا الظن السيئ، بل وبعضهم جعل جهاز التسجيل ومن دون ريبة على هاتف بيته ليعلم ماذا تقول زوجته في غيبته. احذر لسانك أن تقول فتبتلى إن البلاء موكل بالمنطق ظن خيراً تلقه، أما أن تظن السوء وتفسر كل فعلٍ بسوء، وتعين بتصرفاتك هذا على اتخاذ السوء، ثم تريد بعد ذلك حياةً لا يكدرها شيء! كن رجلاً أيها الزوج! إن سمعت هفوة فتغاضَ وكأنك لم تسمعها، وإن رأيت أمراً للوهلة الأولى فكأنك لم تره، وإن رأيت الثانية فبكلمة طيبة، أو بهدية طيبة، أو بنصيحة طيبة.

حسن القوامة على الزوجة

حسن القوامة على الزوجة يا أيها الزوج كن على مستوى الرجولة، كن على مستوى الولاية، كن على مستوى المسئولية. يا أيها الزوج! إياك أن تكون سماعاً لأقوال الأخوات في الزوجة، أو أن تكون طائشاً في تصرفاتك عند حدوث أي شجارٍ أو نزاع ولو قليل بين أمك وزوجتك وأبيك. يا أيها الزوج لا تظن أن قوامتك الزوجية بالأوامر والنواهي، إنما هي بالعقل والرجولة والقدرة والتفضيل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34].

الصبر على أذى الزوجة

الصبر على أذى الزوجة يا أيها الزوج لا تكن لئيماً تسحب أموال الزوجة لتدخر لنفسك ما تنفقه عليها وعلى أولادها. يا أيها الزوج من غسل ثوبك؟ ومن أعد لباسك؟ ومن طيب فراشك؟ ومن أصلح طعامك؟ ومن حفظ بيتك؟ ومن ربى أولادك؟ أليست زوجتك؟ بلى، فكيف يضيع هذا كله عند زلةٍ أو هفوة أو غلطة يسيرة من المرأة، وهب أن المرأة فيها نوعٌ من الزلل قد ابتليت به كما يبتلى البعض بمرضٍ مزمن، أو ليس الكثير منا يتعامل ويخالط الناس، يغدو ويروح، ويبيع ويشري، ويذهب ويجيء، وهو يدور بعلته إن كانت من الربو أو من الضغط أو من السكر؟ إن وجود العلة والمرض المزمن لم يمنعه أن يستمر في حياته، فإن وجود علةٍ واحدةٍ وإن كانت مزمنة مع المرأة لا يمنعك أن تعيش معها، ولا يمنعك أن تسير معها إلى أن يمن الله عليها بالعافية، أو تلقى الله جل وعلا بأجر صبرك هذا كله. يا أيها الزوج عجباً لك كيف تبتسم في وجوه الآخرين، تهدي وتوزع الابتسامات، فإذا دخلت بيتك قطبت جبينك وأغلقت شفاهك كأن الابتسامات في البيوت حرام! يا أيها الزوج عجباً للطفك وأخلاقك مع الناس، فإذا دخلت بيتك انقلبت أسداً شرساً هصوراً وذئباً مؤذياً! يا أيها الزوج اعلم أن صبرك على الناس الذي ترجو به وجه الله لك أضعاف أجره حينما تصبر فيه على زوجتك. فيا أحبابنا أعينوا على الزواج، وأصلحوا ذات البين، وكونوا رجالاً تجمعون الأمة، وتلمون الشمل، وترأبون الصدع، وتسعون فيما يحقق سعادة المجتمع. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم عليك بأولئك الذين يصنعون وينتجون هذه المسلسلات والأفلام التي ما زادت مجتمعنا إلا شقاءً وبؤساً وفتنة واختلافاً. اللهم عليك بأولئك الذين جعلوا شغلهم إنتاج هذه الأفلام المؤذية لشبابنا وبناتنا والأزواج والزوجات، اللهم اجعل إنتاجهم خساراً وبوراً، واكفنا شرورهم، وندرأ بك ربنا في نحورهم. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم ارحم المستضعفين في البوسنة، اللهم انصر المجاهدين في البوسنة، اللهم احفظ أعراض المسلمات في البوسنة، اللهم احفظ اليتامى في البوسنة، اللهم احفظ الأيامى في البوسنة، اللهم احفظ المسلمين هناك، اللهم أهلك الصربيين، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك يا رب العالمين. اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

دعوى الإرجاء

دعوى الإرجاء ظهرت في الأمس القريب دعاوى تنخر في هذا الدين نخراً، ومن أعظم تلك الدعاوى: دعوى الإرجاء بلسان الحال والمقال، والتي تدعو إلى تقسيم الشريعة إلى قشور ولباب إلى مظاهر وحقائق وكل تلك الدعاوى يراد بها الباطل، وبيان ذلك في هذه المادة.

دعوى تقسيم الشريعة إلى قشور ولباب

دعوى تقسيم الشريعة إلى قشور ولباب إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للخلائق أجمعين وللمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. عباد الله: إنه كلما ابتعد المسلمون عن السنة، فإن البدع تقترب منهم بحسب ما ابتعدوا به عن دينهم، وما تركوا أمراً حسناً إلا وحل محله أمر قبيح، وهكذا النفوس إن لم تنشغل بالطاعات انشغلت بالمعاصي. وإن من سيئ الأفكار الخبيثة السامة التي حلت في قلوب بعض المسلمين المغترين ببريق الحضارة، دون معرفة لحقيقة خوائها الروحي، وما تنطوي عليه من ألوان الدمار الاجتماعي والاقتصادي والتسلط السياسي، تلك هي فكرة تقسيم أمور الشريعة وأحكامها إلى قشورٍ ولباب، ومظاهر وحقائق، وتراهم يبنون على هذا تهاونهم بترك بعض أوامر الشريعة وتساهلهم بها، بحجة أن الأهم والأعظم أكبر من هذا، وقضية الدين هي العقيدة والإيمان الذي هو في القلب، ولو جادلت شخصاً منهم بالتي هي أحسن لأجلب عليك بخيله ورجله بأحاديث يفهمها فهماً سقيماً، ويضعها في غير موضعها، فيقول لك: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم) ويقول: التقوى هاهنا، ويشير بيده إلى صدره، وقد تراه متهاوناً بأوامر الشريعة، تاركاً للصلاة مع الجماعة، حليقاً مسبلاً، مجاملاً في أمر دينه، ولو دار بينك وبينه نقاش، وأقمت عليه الحجة بوجوب المتابعة لكتاب الله وسنة رسوله، بالأصول والفروع، بالدقيق والجليل، في العقائد والأحكام؛ لانفض النقاش بينك وبينه، متهماً لك بالقشورية والسطحية، وعدم الغور في أصول الشريعة، أو إدراك مقاصدها، وهكذا تنقض عرى الإسلام وأحكامه عروةً عروة. وأولئك الجهلة يرددون كالببغاوات حججاً واهية، وأفكاراً سقيمة، استوردوها من أعدائهم جهلاً وغفلة، وصدَّرها الأعداء حقداً ومكيدة، فلو قلت لأحدهم: صلِّ مع جماعة المسلمين، وإياك ومعاملة الربا، وفِّر لحيتك، أو افعل كذا وكذا من أمور الدين، أو أنكرت عليه صوراً وتماثيل مجسمة في بيته، أو حذرته من سماع الأغاني الماجنة، أو نهيته عن شرب الدخان، وأمرته بالاهتمام بأسرته، والحياء والستر وعدم التبرج بالنسبة لهم، وترك مجالسة رفقاء السوء تراه وهو غارقٌ في كل هذه المعاصي والمنكرات، يرد عليك بكل جرأة قائلاً: لا تكن متشدداً، لا تكن معقداً، أو لا تكن سطحياً، الأمر أهم من ذلك، والقضية قضية عقيدةٍ وإيمان إلخ هذا الكلام الذي يردده ولا يفهمه، ولا طائل تحته سوى البوار والخسران المبين. والأدهى والأمر من ذلك كله أن تراه راضٍ عن نفسه، فيجعلها في عداد الملتزمين الصالحين رغم تلك المنكرات التي يرتكبها، ويزيده ضلالاً ووبالاً أنه يشعر بالرضا عن نفسه؛ لأنه يقارن نفسه بأولئك الذين يسرقون ويزنون ويرتشون، فيرى نفسه أحسن حالاً منهم، وقد نسي المسكين أنهم إنما وقعوا في تلك الكبائر والفواحش يوم أن تهاونوا بوقوعهم في المنكرات الصغيرة، ثم تلتها المعاصي والكبائر التي هو غارقٌ في لججها، غافلٌ عن خطرها على نفسه وذريته وماله.

الرد على دعوى تقسيم الشريعة إلى قشور ولباب

الرد على دعوى تقسيم الشريعة إلى قشور ولباب أيها الأحبة في الله: لا يخفاكم أن مدعي تلك الدعوى لا حجة له، بل هو المحجوج بقوله وما يردده؛ لأن مقتضى الإيمان والتصديق العمل والتطبيق، وثمار التقوى التي هي في القلوب أن يبدو العمل ظاهراً بالمأمور وأن يترك المحظور، والدين كلٌ لا يتجزأ، وليس فيه قشور ولباب، ويوم أن نصغي لنداء الله جل وعلا في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:208] يوم أن نصغي لهذا النداء نعلم حقيقة هذا النداء الرباني الرحيم بالعباد، ونتيقن وجوب العمل بجميع أوامر الشارع ما أمكن إلى ذلك سبيلاً. يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية: هذا أمرٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين به، المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام، وأن يعملوا بجميع أوامره، وأن يتركوا جميع زواجره، ومعنى قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] أي: ادخلوا في الإسلام جميعاً، كما قال ابن عباس وقال مجاهد: أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر. ودعوى أولئك الغافلين بقولهم: إن الدين والإيمان في القلب، لو سلَّمنا بها على إطلاقها؛ لجعلنا فرعون وهامان وأبا لهب وغيرهم من الطواغيت في عداد الصالحين؛ لأنهم يؤمنون بالله، ويوقنون بوجوده وتصرفه في الكون، ولكنهم ضلوا وأضلوا يوم أن تكبروا وتجافوا عن عبادة الله والانقياد له، وابتعدوا عن العبودية له في الصغير والكبير من الأعمال. إذاً فلا يكفي في دعوى الإيمان أن يدعيه الإنسان دعوى من دون تطبيق أو برهانٍ صادق على دعواه، ثم إن الحس والملاحظة يشهدان بالارتباط الوثيق بين الظاهر والباطن، فمن صلحت سريرته؛ استقامت علانيته، ومن ساءت وحادت عن جادة الصواب علانيته؛ كان ذلك دليلاً على فساد باطنه، وهذا أمرٌ تعرض له شيخ الإسلام ابن تيمية في عددٍ من كتبه حول كلامه عن هذا الموضوع، وتكلم فيه أيضاً في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم حيث بيَّن بقوله رحمه الله: والأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال؛ يوجب في القلب شعوراً وأحوالاً، فالمشاركة في الهدي الظاهر؛ تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمرٌ محسوس. أسأل الله جل وعلا أن يجنبنا وإياكم التساهل بأمور الدين وأحكام الشريعة، وأن يجعلنا من المتمسكين الذين يمسكون بالكتاب، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

آثار دعوى تقسيم الشريعة إلى قشور ولباب

آثار دعوى تقسيم الشريعة إلى قشور ولباب الحمد لله منشئ السحاب، وهازم الأحزاب، وخالق خلقه من تراب، منزل الكتاب، رب الأرباب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي لم يعلم طريق خيرٍ إلا دل أمته عليه، ولم يعلم سبيل شرٍ إلا حذر الأمة منه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبيٍ عن أمته. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام بصغيرها وكبيرها، بدقيقها وجليلها، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٌ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. عباد الله: إن التساهل بأحكام الشريعة وأوامر الشارع بدعوى أن بعض الأمور من القشور، أو أن بعض أحكام الشريعة ليست من اللباب، إن التساهل بالأمور المهمة والأمور الدقيقة والجليلة في الشريعة يقود إلى سقوط عرى الإسلام عروةً وعروة، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام، فكيف بمن وقع في الذنوب والمعاصي، بل بمن وقع في الكبائر باقترافها، وإصراره عليها، فهل ترونه إلا غارقاً في لجج المحرمات، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أموراً مشتبهات، فمن اتقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات؛ فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت؛ صلح الجسد كله، وإذا فسدت؛ فسد الجسد كله) فلو صلحت أفعالهم واستقامت جوارحهم على ما شرع الله؛ لكان دليلاً على صلاح مضغ قلوبهم.

شبهة أخرى في تقسيم الشريعة والرد عليها

شبهة أخرى في تقسيم الشريعة والرد عليها يا معشر الأحباب! هناك شبهةٌ يرددها أولئك الذين يقسمون أمور الشريعة، ويجعلون ذلك ذريعةً إلى التهاون بها، ألا وإن تلكم الشبهة هي: أنهم يقولون: إن هناك أموراً مهمة، وأموراً أهم منها، هناك أمرٌ عظيم، وهناك أمرٌ أعظم، ولكن هذا لا يعني أن نترك التمسك بكل صغيرٍ وكبيرٍ من أحكام الشريعة، والقول: بأن هناك مهمٌ وما هو أهم، إنما هو في مجال الإصلاح والتغيير والدعوة، فإذا كنت في مجال الدعوة إلى الله وقابلت رجلاً تاركاً للصلاة، حليقاً، شارباً للدخان، فإن أول أمرٍ ينبغي أن تتوجه إليه، وأن تناصحه فيه، ألا وهو أمر ترك الصلاة، فإذا استقام على ذلك؛ سيصلح حاله، أو أنت تدعوه إلى ما هو بعد ذلك رويداً رويداً. إن هذا الأمر -وهو تقسيم أمور الشريعة في مهمٍ وأهم- إنما هو في جانب الدعوة والإصلاح، أما جانب الالتزام، وجانب العمل بالشريعة، فينبغي لكل مسلمٍ أن يتمسك بكل صغيرٍ وكبيرٍ منها، وينبغي لمن كان في مقام الدعوة أن ينبه على الأهم فالأهم، وهذا أمرٌ لا شك في أهميته؛ لأن من وقع في الربا وترك الصلاة، وشرب الخمر، وفعل أموراً دونها؛ فينبغي أن يوجه أولاً إلى الصلاة مع المسلمين، ثم إلى ترك الربا وترك شرب الخمر، وبعد ذلك إلى بقايا الأمور التي لوحظت عليه، أما أن يقول شخص: إن هذا من القشور، وإن هذا من اللباب، وما كان من القشور فليس بمهم، فإن هذا يدعو الإنسان إلى الوقوع في الكبائر رويداً رويداً. نسأل الله جل وعلا أن يقينا شر ذلك، ونسأله جل وعلا أن يجعلنا من المؤمنين المتمسكين بكتابه وسنة نبيه. خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى لا تقولن: هذه صغيرة وهذه كبيرة. خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51]. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، الذين يضللون عقول شباب المسلمين، ويدعونهم إلى ترك التمسك بدينهم، بحجة أن هذه أمور صغيرة، وهذه أمور مهمة، وهذه أمور ليست بذات أهمية. اللهم من أراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بشبابنا ضلالاً، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم فاجعل كيده في نحره، اللهم فاجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أذهب سمعه وعقله وبصره، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم شتت شمله، اللهم امحق بركته، اللهم لا تبق أحداً ممن أراد بنا سوءاً، وأحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، فإنك جبار السماوات والأرض لا يعجزونك وأنت على كل شيءٍ قدير. اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، ولا تجعل إلى النار منقلبنا ومثوانا. اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصماً. اللهم لا تدع لنا في هذا المقام الكريم الطيب المبارك ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره. اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد وعبادك الصالحون، اللهم ما سألناك فأعطنا، وما لم نسألك فابتدأنا، اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اجعل ميتتنا على شهادة الإخلاص، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم اجعل ختامنا من هذه الدنيا، وفراقنا عنها، وما فيها من الأحباب والأصحاب، اللهم اجعل فراقنا منها غير خزايا ولا مفتونين، غير ظالمين أو مظلومين، وما ظلمنا أحداً من خلقك بمظلمةٍ في مالٍ أو عرضٍ أو قليل أو كثير برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم تربص بنا إذا جاوزنا، اللهم تلطف بنا إذا احتضرنا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم ارفعنا ولا تخذلنا، اللهم لا تعاقبنا بذنوبنا ولا تعذبنا بما فعل السفهاء منا، برحمتك يا رحمان يا رحيم، يا قيوم السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام. إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر نبيك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

دور الأسرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثر ذلك على المجتمع

دور الأسرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأثر ذلك على المجتمع إن مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل الأسرة عظيمة، وقد أمر الله المؤمنين بأن يقوا أنفسهم عذاب النار بتربية الأسرة والأولاد، ولكن ينبغي للإنسان أن يعرف كيف يصلح زوجته ويربي أبناءه، وأن يأخذ الأساليب النافعة، والعلاج الناجع في ذلك، حتى يُكون أسرة صالحة مستقيمة على طاعة الله سبحانه.

المرأة ودورها في البيت والأسرة

المرأة ودورها في البيت والأسرة الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجزي القائمين على هذه السلسلة العلمية المباركة خير الجزاء، في اختيار الحديث، والتذكير بركنٍ عظيم، ومهمٍ جليلٍ من أعظم المهمات الدينية والشرعية، ذلك هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء كان الخطاب بهذا الأمر موجهاً إلى كل فردٍ بعينه، أو كان موجهاً إلى الأسرة أو إلى من تولى أمراً من الأمور، إذ أن ذلك من صفات المؤمنين، وذلكم هو باب الخير، وسبب الخيرية والكرامة والرفعة التي استحقت بها أمتنا هذه أن تكون خير أمة أخرجت للناس؛ لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولن أفيض في مقدمةٍ ربما سبق الأجلاء من أصحاب الفضيلة في بداية هذه السلسلة حتى البارحة إلى الحديث عن كثيرٍ من جوانبها، ومباحثها ومسائلها، ولكني سأختصر الحديث على موضوع محاضرة هذه الليلة وهو " دور الأسرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ". أحبتنا في الله: تعلمون جميعاً أن كثيراً من الآباء وليس بدعة يشقون في النهار ويسهرون الليل؛ خوفاً وشفقة وحباً ورعاية وعناية واهتماماً بالأولاد من البنين والنبات، وهل جُل مهمات سعي الوالد إلا لأجل إكرام أهله وأسرته، زوجةً وأولاداً؟ بل ولا تسل عن بالغ الرعاية وعظيم الرعاية بهم في الطعام والشراب، واللباس والدواء، والتعليم والترفيه، ولك أن تعجب غاية العجب مما تراه من جرِّ بعض الآباء ذريته وأسرته إلى سخط الله ومقته وعذابه، وتلك والله مسألة غريبة داعية إلى الدهشة والعجب، أن ترى أباً يسهر الليل ويشقى النهار، وينفق كل ماله، من أجل ترفيه وإسعاد هذه الأسرة، في لباسها وطعامها، وشرابها ودوائها، والترفيه عنها وكل احتياجاتها، ثم بعد ذلك تراه في ذات الوقت نفسه يعمد إلى هذه الأسرة ليسمح للصوص لتتخطفهم ذات اليمين وذات الشمال، يتخرمونهم من كل جانب، يقفزون عليهم في الأسواق، يدخلون عليهم الباب بلا استئذان، إنهم ليس بالضرورة أن يكونوا لصوصاً ممن تلاحقهم الشرطة، أو ممن يمنعهم القانون، ولكنهم لصوصٌ ربما دخلوا عبر الشاشات والقنوات والإذاعات، وترى هذا الأب الذي يزعم أنه ما ترك شاذة ولا فاذة، ولم يدخر نقيراً ولا قطميراً على هذه الأسرة إلا وصرفه وأنفقه وبذله لها، تراه في ذات الوقت يرى أسرته تخطف، ويرى أولاده وبناته وزوجاته يهاجمون، ويرى الخطر محدقاً بهم من كل جانبٍ، ثم لا تراه يتحرك ولا تراه يدفع عنهم، ولو أنه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، لالتفت إلى حجم القنابل الموقوتة التي زرعت في بيته عبر هذه القنوات، أو عبر كثيرٍ من الوسائل التي لم يلتفت لها ولم ينتبه إليها. أيها الأحبة في الله: الحديث عن دور الأسرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلفت النظر على وجه الخصوص إلى دور المرأة في هذا الركن العظيم، وذلك لأمورٍ أهمها: أن النساء يبقى الأولاد معهن فترة أطول من مكث الرجال معهم، ثم إن الأولاد أكثر التصاقاً بالأمهات من الآباء خاصة في فترة التوجيه والتقبل والاستجابة، وتلكم فترة الطفولة، فلا يستطيع أحدٌ أن يدعي أن أولاده من البنين والبنات في حال التوجيه والاستجابة والانقياد والإذعان يبقون معه أكثر مما يبقون مع أمهاتهم، إذ الواقع والطبيعة، بل والفطرة والغريزة والجبلة، كل ذلك شاهدٌ على أن الأطفال يبقون مع النساء أوقاتاً أضعاف أضعاف ما يبقى الآباء أو الرجال معهم، ثم لا تنسى أن للمرأة دوراً في إكمال دور الرجل في الأمر والنهي، إذ لابد من موافقة ومتابعة من قبل المرأة للرجل في الاحتساب والأمر والنهي وإلا لأصبح المنزل طرفين، طرفٌ يبني، وطرفٌ يهدم، أمٌ تبني، وأبٌ يهدم، أو العكس أبٌ يبني وأمٌ تهدم. متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم إن من المشكلات التي تعاني منها كثيرٌ من الأسر والمجتمعات: أن ترى أماً صالحةً طيبةً مباركة، تعتني بالرعاية والعناية والاهتمام بهؤلاء النشء، ثم تجد في المقابل أباً يهدم ما بنته المرأة، أو العكس ترى أباً حريصاً على تعليم أولاده، يدخلهم حلقات تحفيظ القرآن، يمنع عنهم المجلات الخليعة، يذود ويبعد عنهم تلك القنوات الضارة السامة، وفي المقابل ربما ابتلي النشء وهؤلاء الأطفال بأمٍ لا تبالي في أي وادٍ هلكت الذرية وتلكم مصيبة وأي مصيبة، ثم إن للنساء أثراً كبيراً على أزواجهن، وهذا ملاحظ ومشاهد، بل ولك أن تعلم بكل قطعٍ ويقين أن كثيراً من الرجال سبب هدايتهم إلى الاستقامة والثبات على طاعة الله، هو فعل زوجاتهم ودأب الزوجات على دعوة الأزواج إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى وطاعته.

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم إن الأمر مهمٌ للغاية إذ أن الذي لا يلتفت إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو مأمورٌ به، فربما تراه عاجزاً عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أي مكان، من عجز عن الاحتساب والنهي في بيته، فإنه أعجز وأضعف من أن يأمر وينهى خارج بيته، فالذي التفت إلى ذلك ينبغي أن يدرك أن الذي عجز عن الأمر والتوجيه في بيته، لهو أعجز وأضعف عنه خارج بيته، وذلك أن مظنة الجرأة والقدرة وعدم الخوف في حق من لك عليهم سلطة وولاية أو بينك وبينهم ارتباطٌ في ظل أسرة واحدة يهون عليك، ولا تجد حرجاً في أمرهم ونهيهم، فهؤلاء الذين لك عليهم سلطة، تنفق عليهم، تعطيهم المال، أنت الذي تكسوهم، وأنت الذي تطعمهم، وأنت الذي تسقيهم، وأنت الذي ترعاهم، إذا كنت بواقع القوامة والسلطة والمحبة والإشفاق والرعاية، مع هذا كله عاجزٌ عن أمرهم ونهيهم والاحتساب عليهم، فلا شك أن من عجز عن الأمر والنهي على هؤلاء سيكون أعجز إذا أراد أن يأمر غيرهم، وهذا أمرٌ جليٌ وواضح. والأسرة -أيها الأحبة- من عموم المؤمنين الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] ولا حاجة إلى سرد الأدلة، في أن الأمر والنهي شاملٌ متناولٌ جميع أفراد الأمة ولا يختص بذلك طائفة، وإن كان على ولاة أمور المسلمين أن يخصصوا طائفة معنية بالسلطة ولها القوة في ارتباطها بالسلطان والأمر والنهي، لتباشر شيئاً لا يستطيعه من يحتسب بنفسه أو يحتسب على عامة الناس بقلبه أو بلسانه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -كما تعلمون أيها الأحبة- شاملٌ عامٌ في حق الذكر والأنثى، والأب والابن، والأم والأخ والأخت، ومن تحته جملة من الذرية أو من الأسرة، ومن له ولاية ومسئولية، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وإن قول النبي صلى الله عليه وسلم صدر خطابه (من رأى) كلمة (من) كما قرر أهل الأصول من صيغ العموم: فتعم كل مسلم ومسلمة؛ فرداً ولياً، أو حاكماً على الأسرة، أو ولياً على الصغير واليتيم، أو غير ذلك، ولا أخال إلا أنه قد سبق في هذه المحاضرات التي طرحت في أول هذه السلسلة المباركة بيان كثيرٍ من الأحكام المتعلقة بهذا المهم العظيم مما يغني عن إعادتها، وحسبكم قول الله عز وجل في الآيات التي سمعنا طرفاً منها آنفا: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].

خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها الأحبة: إننا ينبغي أن نتذكر دائماً أن مجتمعنا على خطرٍ عظيم ما لم يكن ثمة إصلاحٌ وائتمارٌ بالمعروف وتناهٍ عن المنكر، وإلا فإن الأمة متوعدة بعذابٍ عظيم خطير، قال صلى الله عليه وسلم: (لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقابٍ، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم) وقول الله عز وجل في سورة هود: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117] فإذا كانت الأمة فيها إصلاحٌ، وفيها أمرٌ بالمعروف وتناهٍ عن المنكر، وفيها دعوةٌ إلى الخير وفيها عنايةٌ إلى حفظ مستوى الأخلاق، وفيها رعايةٌ وحراسةٌ لمهمات الدين وأمور الشريعة، فإن الأمة بإذن الله عز وجل ستنجو من الهلاك، أما إذا فرطت وكلٌ أخذ ينحي باللائمة على غيره ويلقي بالمسئولية على عاتق من سواه، وكلٌ يدعي ويقول: هذا ليس مني! وليس بي! ولا إلي! ولا علي هذا مسئولية فلان هذا مسئولية علان؛ فلا تسل عن هلكة الأمة في يومٍ من الأيام.

متى يتعين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على بعض أفراد الأسرة

متى يتعين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على بعض أفراد الأسرة أيها الأحبة في الله: معلومٌ أن الآمر إذا كان أقدر على التغيير، وأحرى بالقبول والاستجابة، وكان مظنة أن يؤتمر بأمره وينتهى عن نهيه، فإن ذلك يعني تعين الأمر والنهي وتعلقه به أعظم من غيره، فمن يعلم أنه إذا أمر استجيب لأمره، فإنه يكون الأمر والنهي في حقه واجباً متعيناً متعلقاً على رقبته، يحاسبه الله عليه ويسأله عنه، لأنه قد ملك السلطة والإرادة، فكذلك الأب والأم ولهم السلطة والمسئولية على أفراد الأسرة جميعاً يتعين عليهم تعيناً ليس بالقدر الذي يتعين ربما على الأخ أو الأخت أو القريب؛ لأن أولئك مظنة إن أمروا ائتمر لأمرهم، أو نهوا انتهي عما نهوا عنه، أو دعوا استجيب، أو نصحوا استمع لنصيحتهم، فأولئك يتعين عليهم من الأمر والنهي والحساب والمعاتبة عليه ما لا يتعين على غيرهم، ومعلومٌ أن في الأسرة من الاعتبارات الداعية إلى الاستجابة والانقياد ما لا يكون في غيرها، وهي في الغالب القوامة، القوامة من الاعتبارات التي تدعو إلى أن يكون الآمر يؤتمر لأمره، والناهي ينتهى عما نهى عنه، والسلطة والمحبة والاحترام كقوامة الرجل على زوجته مدعاة لقبول الزوجة أمر الزوج ونهيه في مرضاة الله، وحب الزوجة لزوجها مدعاة لذلك، وسلطة الأب وهيبته في نفوس أفراد أسرته مظنة، بل داعية إلى القبول والاستجابة، ومحبة الأولاد إلى الأبوين مدعاة إلى استجابة أفراد الأسرة للأبوين، وإذا علم هذا تبين أنه يتعين على أفراد الأسرة تجاه بعضهم من الأمر والنهي ما لا يتعين على غيرهم بنفس القدر والدرجة، فالذي يتعين عليك في أمر أختك أو في أمر أخيك بالمعروف ونهيه عن منكر واجبٌ عظيمٌ، وليس بالقدر الذي يتعين عليك في أمر جارك أو في أمر أبناء جيرانك أو في أمر بقية الأقارب ولو كانوا على درجة قريبة أو بعيدة في أمر القرابة، إذ الواجب في حقهم آكد منه في حق غيرهم، والإثم الذي ينال أفراد الأسرة بترك العمل والنهي ربما كان أعظم من الإثم الذي ينال غيرهم حال ترك الأمر والنهي.

تخصص رب الأسرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

تخصص رب الأسرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولقد ورد الأمر لعموم المؤمنين بالأمر والنهي، والتواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى، بل وزيادة على ذلك، مع الأدلة العامة الشاملة التي وردت في المحاضرات التي سبقت بهذه السلسلة، إلا أن ثمة أدلة ونصوص جاءت في الأمر والنهي، والتواصي في حقوق الأسرة المؤمنة، جاءت في نصوص عدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] فهذا مع ورود النصوص العامة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أنه أمرٌ خاصٌ في أمر الولي؛ من تحت ولايته من الزوجة والأبناء والبنات والأخوات والقريبات، أن يقي نفسه أولاً، وأن يقيهم ناراً وقودها الناس والحجارة، وذكر الله من شأن عظم عذابه فيها ما ذكر.

قصص تستفيد منها الأسرة المسلمة

قصص تستفيد منها الأسرة المسلمة

قصة لقمان وما فيها من العبر للأسرة المسلمة

قصة لقمان وما فيها من العبر للأسرة المسلمة ومن تأمل سورة لقمان وما فيها من الوصايا التي أوصى لقمان بها ولده ووعظه بها، وجده نموذجاً رائعاً وصورةً مشرقة، وصورة موعظة الأب لولده، واحتسابه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واسمع إلى قول الله عز وجل في سورة لقمان: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] ثم قال بعد آياتٍ: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:16 - 19] أمرٌ ونهيٌ واحتسابٌ، وموعظةٌ بليغة، وإرشادٌ جميل في باب العقيدة، في الأمر بالتوحيد، في النهي عن الشرك، ثم تذكيرٌ بمراقبة الله عز وجل، وعلم الله سبحانه وتعالى على أن هذا الولد عليه من الله رقيبٌ شهيدٌ مطلعٌ حسيب عليه في كل حركاته وفي كل سكناته وفي كل أحواله: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان:16] والمعنى: يا بني! لا تظن أن الصغيرة يغفل الله عنها، وإن كانت خردلة في صخرة أو في السماء أو في الأرض، فإن الله يأتي بها ناهيك عن فعلٍ تفعله، والله عز وجل مطلعٌ على ما تفعل. ثم أمرٌ بالوصية العظيمة التي أمرنا بها، بل وذكرنا فيها في حال موت نبينا صلى الله عليه وسلم يذكرنا بها: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:17]. ثم وهو يأمر ولده أن يأمر بالمعروف: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] إذ الآمر لا بد أن يصيبه ما يصيبه من حال الناس، إما من يستطيل في عرضه، وإما من أحدٍ يرده أو يكذبه، وإما من شامتٍ أو حاسدٍ أو حاقدٍ أو عدوٍ، وربما تسلط على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر باليد، ومع ذلك فإن من احتسب بهذا الأمر المهم العظيم الذي كرامة فاعله عند الله بالجنة عالية، فإنه لا بد أن يوطن نفسه للصبر على ما يفعل. ثم توجيهٌ في مسألة السلوك: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:18] لا تنظر إلى الناس باحتقار، لا تنظر إلى الناس بتصغير، لا تتكبر عليهم: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان:18 - 19] إياك والرعونة! لا ترفع من صوتك من غير حاجة، كل ذلك من الآداب الجميلة والرائعة، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في محيط الأسرة الذي يتمثل من وصايا لقمان لابنه.

تأملات في قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه

تأملات في قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه وتأمل قول الله عز وجل -أيضاً- في سورة مريم، وفيها احتسابٌ وأمرٌ ونهيٌ من ابنٍ لأبيه، من نبيٍ مؤمنٍ موحدٍ بل هو إمام الموحدين لأبيه الذي لا يزال على الشرك، إنه إبراهيم عليه السلام يأمر أباه بالتوحيد وهو أعرف المعروف، وينهى والده عن الشرك وهو أنكر المنكر، فيقول سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً} [مريم:41 - 45]. نعم، أيها الأحبة: من تأمل هذه الوقفة الجميلة الرائعة التي تجسد مشهداً وصورةً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محيط أسرة الولد المؤمن يأمر وينهى ويحتسب ويدعو أباه المشرك، في هذه الآيات تأمل هذه المسائل: صدر إبراهيم عليه السلام كل نصيحة لوالده بقوله: يا أبتِ! مذكراً والده برابطة الأبوة التي هي من أقوى الروابط، ومن شأنها أن تجعل كلا الطرفين حريصاً على مصلحة صاحبه. الثانية: أنه طلب من والده أن يتدبر في فعله، حيث أن الأب يعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنه شيئاً. الثالثة: أنه لم يصف والده بالجهل المفرط؛ لأنه كان في مقام الدعوة، فيتألفه ويستأنس حاله، ويتقرب إليه ولا يتهمه بجهلٍ مطبقٍ وغباءٍ فاحشٍ وظلماتٍ بعضها فوق بعض، وإن كان الشرك جامعاً لهذه الصفات، لكنه في مقام الدعوة يحتاج أن يتألفه، بل بين له بأدبٍ جم: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم:43] إن معي طائفة من العلم ليست معك، ثم أخبر أباه أن إعراضه عن توحيد الله بالعبادة ليس إلا بسبب اتباعه للشيطان الذي هو عدو له، ثم لم يقل لأبيه: إن عذاب الله لاحقٌ بك مرتبطٌ بك، بل أخبر بأدبٍ رفيع أنه يخشى أن يصيبه عذاب من الرحمن.

تأملات في موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب

تأملات في موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم في إطار الأسرة الواحدة يحتسب على عمه أبي طالب، في آخر لحظة، وهي لحظة سكرات الموت، جاء إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طالب في النزع الأخير، فيقول له: (يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله) فانظروا إلى لطيف الخطاب (يا عم!) ثم يقول له: (قل كلمة أحاج لك بها عند الل) فما ذاك -أيها الأحبة- إلا دليلٌ على أن الواحد مأمورٌ أن يتلطف غاية اللطفِ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان في محيط الأسرة.

أمر الاحتساب على الأسرة

أمر الاحتساب على الأسرة وإذا كان الآمر مأموراً بالحلم والحكمة والرزانة واللطف والعناية بالمأمورين والمنهيين، فإن ذلك في حق الأسرة وفي حق أفرادها من الآباء والأمهات والإخوة والبنين والبنات إن ذلك من باب أولى. وقال تعالى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:55] وقال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] كل هذه الآيات دالة على ضرورة تخصيص الأسرة بمزيدٍ من العناية والرعاية والحياطة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الاحتساب على الأولاد

الاحتساب على الأولاد وتأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرقوا بينهم في المضاجع) وهذا أمرٌ في غاية الأهمية أيها الأحبة. إن من واجبنا أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر ليس الذي قد بلغ وناهز الاحتلام أو تجاوز هذه المرحلة، بل ينبغي أن نأمر الصغير الذي لا يزال يتعلم بدقة الأحرف والكلمات، نعلمه كيف يكون لسانه رطباً بذكر الله عز وجل، نعلمه كيف يبدأ يومه بذكر الله سبحانه وتعالى، إذا رأى هذا الطفل الذي لم يفقه بعد سبب حبنا لشيء، أو سبب بغضنا لشيء، أو سبب قربنا لشيء، أو سبب بعدنا عن شيء، إذا رأى هذا الطفل منا نفرة عن المنكرات، فإنه ينفر منها جبلة قبل أن يعرف أحكامها وعللها ومناطها، وإذا رآنا نحب أموراً من طاعة الله، فإنه ينشأ ويتعلم حبها والتعلق بها قبل أن يعرف العلة في ذلك وتعلق المناط به، وهذا غاية الأمر: وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه نعم أيها الأحبة: إن من أهم الأمور التي ينبغي أن نعلم الصغار عليها مسألة الصلاة، لأنها سترتبط بهم في حياتهم إلى أن يموتوا، سترتبط بهم في حلهم وترحالهم، في ظعنهم -في سفرهم- وإقامتهم، بل وسترتبط بهم في حال الأمن والخوف، بل وترتبط بهم في كل أحوالهم في الصحة والسقم إن قياماً أو على جنوبهم أو على مضاجعهم أو على جميع أحوالهم (مروا أولادكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشر) ودل ذلك على أن الصغير إذا رئي منه عنادٌ أو التفاتٌ أو عدم اهتمام بمسألة الصلاة وقد بلغ العاشرة أو أدركها، فينبغي أن تزاد له الجرعة في الأمر والنهي ولو تعلق الأمر بشيء من الترغيب والترهيب، أو بشيء من العقوبة اللينة التي لا تجعله يكره ويمقت ويحقد، بل تجعله يهاب ويخشى ويرغب ويتعلم بإذن الله عز وجل. ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وفرقوا بينهم في المضاجع) وتلك والله من الأمور المهمة، وإن كنا نرى اليوم أن أذناب الغرب، والذين انصهروا وذابوا في بوتقة رياح التغريب الوافدة من الحظيرة الغربية ولم يبالوا بها؛ بهذه القضية يدفعون الثمن غالياً، إن أناساً يصيحون ويقولون بأعلى أصواتهم: أطفال مساكين لماذا نفرق بينهم في المضاجع؟ طفل عمره عشر سنوات أو تسع سنوات، أو حول هذا السن، لا يفقه لا يعرف القضايا الجنسية لا يعرف الأمور الجنسية لا يعرف معاني التذكير أو التأنيث لا يعرف الذكورة أو الأنوثة! لماذا نسيء بهم الظن؟ تأمرونا أن نفرق بنيهم؟! نعم؛ لأن الذي خلق هو الذي أدرى، والذي خلق هو الذي شرع: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] فرقوا بينهم في المضاجع وإلا فإن العاقبة ما وقع لكثيرٍ من الذين أهملوا هذه القضية، ولم يلبثوا إلا وقد رأوا نذر الشر والبلاء والفاحشة والعار قد ظهرت على أولادهم وبناتهم، لأنهم استخفوا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

احتساب كل من الزوجين على الآخر

احتساب كل من الزوجين على الآخر ثم إن مسألة الاحتساب ليست فقط من الآباء للأبناء أو للبنات، بل هي أيضاً مسألة متعلقة من الزوج لزوجته ومن الزوجة لزوجها، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم لما كانت عائشة تحدثه، فتكلمت عن صفية رضي الله عنها، وصفية هي زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فأشارت عائشة رضي الله عنها بيدها إشارة تعرض بـ صفية -تعني أنها قصيرة- فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم ليأمر زوجته بالمعروف ولينهاها عن المنكر، فقال: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته) انظروا -أيها الأحبة- هذا النوع من العناية ومن الاحتساب والأمر والنهي من الزوج لزوجته، من نبينا صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين لأم المؤمنين رضي الله عنها، فما بالنا نحن اليوم الواحد ربما سمع الغيبة تلو الغيبة، والنميمة تلو النميمة، والقالة تلو القالة من زوجته، تكلمه زوجته عن بني فلان وبنات فلان وآل علان، وآل فلان أبوهم بخيل، وأهل فلان أمهم خراجة ولاجة، وبنات فلان فيهن كذا وكذا وأبناء فلان فيهم من الصفات والصفات، غيبة تتلوها غيبة، نميمة تتلوها نميمة، ثم لا تجد الأب ينكر ذلك، ولو أن الواحد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر لقال لزوجته بكل حبٍ وإشفاقٍ وحنان: يا هذه! إنك غنية عن أن تهدي ثواب أعمالك وأن تهدي حسناتك لأهل فلان وبني علان، احفظي أعمالك لا تعطي الناس ثواب عملك، وحسناتٍ تتعبين الليل والنهار في جمعها. الواقع اليوم أن كثيراً من الأزواج يتحدثون في أناسٍ والزوجة تسمع وتتلذذ لذلك، ولو كانت ممن تعتني بالأمر والنهي لقالت: يا زوجي الحبيب! يا زوجي العزيز! ألا تظن أن في هذا الكلام غيبة؟ أتظن أن هذا يجوز؟ ألا تظن أن هؤلاء سيأخذون ثواب عملك؟ ألا تظن أن هؤلاء الذين نتكلم فيهم، حتى ولو أشركت نفسها معه بصيغة الخطاب حتى لا تجعله في زاوية المهاجم لتقول: ألا ترى أن هؤلاء الذين نتكلم فيهم أليسوا يأخذون من أعمالنا؟ أليسوا يأخذون ثواب صلاتنا وصيامنا؟ أليسوا يقتصون منا إذا استطلنا بألسنتنا في أعراضهم يقتصون منا من حسناتٍ نجنيها؟ فحينئذٍ يذكر كل واحدٍ منهم الآخر، وذلك أمرٌ لا بد منه. إن الحاجة ماسة إلى الأمر والنهي في الأسرة ليست في مرحلة معينة، بل منذ ولادة الطفل، والحاجة إلى التربية وإلى الأمر والنهي؛ لتحقيق العبودية وبناء الشخصية لمراحل مبكرة أمرٌ لابد منه، ولذلك لم يكن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للأمة مختصراً على الكبار، بل أمر الصغار ونهاهم، فهذا هو الصحابي الصغير كان غلاماً يجلس على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة -أي: يأكل تارة هنا، وتارة من وسط الصحفة، وتارة من طرف الإناء- فيأمره صلى الله عليه وسلم ويؤدبه وينهاه، ويقول له: يا غلام! سم الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك) ولك أن تنظر إلى هذا المشهد الجميل يوم قدم أحد أبناء فاطمة أحد أبناء النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحسن أو الحسين أخذ يأكل تمراً من تمر الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم: (كخٍ كخٍ) يعني: أخرجها لا تأكلها دعها، مشيراً إلى أن آل البيت لا يحل لهم أن يأكلوا الصدقات أو الزكاة، ما أجمل هذه المعاني! وما أجمل هذه الصور التي تمتلئ بالأمر والنهي!

صور مشرقة في احتساب النساء

صور مشرقة في احتساب النساء ولنا أن نسرد عليكم طائفة من الأخبار الجميلة والصور المشرقة التي فيها احتساب النساء أيضاً على أقاربهن وذويهن.

امرأة أبي رافع تحتسب على زوجها

امرأة أبي رافع تحتسب على زوجها فهذه امرأة تنكر على زوجها أمراً أحدثه، أبو رافع الصحابي الجليل كان يصلي، وفي أثناء صلاته أحدث فاستمر في صلاته، فأمرته زوجته سلمى رضي الله عنها أن يتوضأ، حيث روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: (أتت امرأة أبي رافع رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه على أبي رافع قد ضربها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ أبي رافع: ما لك ولها يا أبا رافع؟ قال: تؤذيني يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: بم آذيته يا سلمى؟ قالت: ما آذيته بشيء، لكنه أحدث وهو يصلي، فقلت له: يا أبا رافع! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر المسلمين إذا أخرج أحدهم الريح أن يتوضأ، فقام فضربني، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: يا أبا رافع! إنها لم تأمرك إلا بخير) رواه الإمام أحمد والبزار والطبراني في الكبير، فهذه امرأة تحتسب على زوجها، تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر.

امرأة حبيب العجمي تحتسب على زوجها

امرأة حبيب العجمي تحتسب على زوجها وقد ذكر الإمام ابن الجوزي أن عمرة امرأة حبيب العجمي انتبهت ليلة وهو نائم فنبهته في السحر وقالت له: قم يا رجل! قد ذهب الليل وجاء النهار، وبين يديك طريقٌ وزادٌ قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قبلنا، ونحن قد بقينا. تشير إلى دعوته وأمره بالمعروف، وهو قيام الليل عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأة دعت زوجها إلى الصلاة من جوف الليل، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) وروى الأئمة أحمد، وأبو داود، والنسائي وابن ماجة، والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء).

احتساب عائشة على مولاتها

احتساب عائشة على مولاتها ولقد روى الإمام البيهقي عن منبوذ بن أبي سليمان عن أمه، أنها كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليها مولاةٌ لها، فقالت: يا أم المؤمنين! طفت بالبيت سبعاً، واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: [لا آجرك الله! لا آجرك الله! تدافعين الرجال! ألا كبرت ومررت؟!] تشير إلى الإنكار عليها يوم أن زاحمت الرجال لأجل استلام الركن.

احتساب أم سلمة على جاريتها

احتساب أم سلمة على جاريتها وروى الحافظ ابن عبد البر عن أم الحسين أنها كانت عند أم سلمة رضي الله عنها، فجاء إلى البيت فقراء، فجعلوا يلحون ويستجدون في المسألة، وفيهم نساء قالت: فقلت: اخرجن، فقالت أم سلمة رضي الله عنها: ما بهذا أمرنا يا جارية! ردي كل واحدة ولو بتمرة تضعينها في يدها، أيضاً هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إطار الأسرة.

احتساب عائشة على يزيد بن الأصم

احتساب عائشة على يزيد بن الأصم وروى الإمام الحاكم عن يزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة رضي الله عنها أنه قال: [تلقيت عائشة رضي الله عنها وهي مقبلة من مكة وأنا وابنٌ لـ طلحة بن عبيد الله -وهو ابن أختها- وقد كنا وقعنا في حائطٍ من حيطان المدينة فأصبنا منه فبلغها ذلك، فأقبلت على ابن أختها تلومه وتعذله، وأقبلت عليَّ فوعظتني موعظة بليغة، ثم قالت: أما علمت أن الله ساقك حتى جعلك في بيت أهل نبيه، ذهبت والله ميمونة، ورمي برسنك على غاربك -أي خُلي سبيلك- فليس لك أحدٌ يمنعك عما تريد، أما إنها -تعني ميمونة - كانت من أتقانا لله عز وجل، وأوصلنا للرحم، تنكر عليه أنه عبث بهذا الحائط].

احتساب عائشة على ابنة أخيها

احتساب عائشة على ابنة أخيها وروى الإمام ابن سعد عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه قالت: [رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما وعليها خمار رقيقٌ يشف عن جيبها، فشقته عائشة رضي الله عنها -لما رأت عليها هذا، وهو شفاف، يشف عن جسمها- قالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور، تشير إلى قول الله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] ثم دعت بخمارٍ فكستها].

احتساب أم سلمة على الذي لبس خاتما من ذهب

احتساب أم سلمة على الذي لبس خاتماً من ذهب وروى الإمام ابن أبي شيبة عن عمر بن سعيد بن حسين، قال: أخبرتني أمي عن أبي، قال: [دخلت على أم سلمة رضي الله عنها وأنا غلامٌ وعلي خاتمٌ من ذهب، فقالت: يا جارية! ناولنيه، فناولتها إياه، فقالت: اذهبي به إلى أهلك واصنعي خاتماً من ورق -يعني: من فضة- فقلت: لا حاجة لأهلي فيه، قالت: فتصدقي به واصنعي خاتماً من ورق]. فهذا إنكارٌ من أم سلمة رضي الله عنها على هذا الذي ألبس خاتماً من الذهب.

احتساب عائشة على عروة بن الزبير

احتساب عائشة على عروة بن الزبير وروى الإمام مسلم عن هشام عن أبيه عروة بن الزبير [أن حسان بن ثابت رضي الله عنه كان ممن تكلم في عائشة رضي الله عنها يوم شأن الإفك قال: فسببته، فقالت: يا ابن أختي! دعه، فإنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] أي: يدافع ويناضل.

كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته

كلكم راعٍ وكلم مسئول عن رعيته الأحداث والقصص والوقائع كثيرة، في إنكار الرجال على أفراد أسرهم، وفي إنكار النساء على أفراد الأسرة، ولو ذهبنا نستعرض لضاق بنا الوقت عن ذكر ذلك كله، ولكن لعل فيما مضى كفاية بإذن الله عز وجل، وشاهده أن المؤمنين ما كانوا يحصرون الأمر بالمعروف، وأن السلف الصالح والرعيل الأول ما كانوا يحصرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسواق أو في المنتديات أو في الشوارع أو في الأماكن العامة، بل كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر حتى داخل بيوتهم وبين أفراد أسرهم، وذلك واجبٌ ومسئولية يمليها قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] ولقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالإمام- الأعظم الذي على الناس- راعٍ وهو مسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسئولٌ عن رعيته، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته).

مفاهيم في الاحتساب يجب أن تصحح

مفاهيم في الاحتساب يجب أن تصحح

دعوة الأولاد للوالدين

دعوة الأولاد للوالدين وهنا مسألة مهمة -أيها الأحبة- وهي: دعوة الأولاد للوالدين، ينبغي أن نعرف أن وقوع الوالدين أو أحدهما في المنكر لا يسقط حقهما في البر والاحترام، وغاية ما يفقدانه عند ارتكاب الإثم أو الدعوة إليه ألا يطاعا فيما دعوا إليه من المعصية، بل وتبقى حقوقهم ثابتة لا يهزها شيء، ألم يقل الله عز وجل: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] لأن شأن الوالد والوالدة عظيمٌ جداً جداً، فإن هذا الحق العظيم وتلك المكانة والمنزلة التي أنزلها الله الوالدة، وأوجب فيها الطاعة على الأولاد لوالديهم لا يهزها أن يكون الوالد أو الوالدة قد ارتكبا معصية ما لم يأمرا بمعصية أو يدعوا إلى شركٍ وكفر، فحينئذٍ لا يطاعا فيما دعوا إليه، وإنما يؤمرا ويدعيا إلى الله عز وجل باللين والحكمة والمعروف، وينبغي لمن يدعو والديه، أو يدعو أحدهما إلى معروفٍ يفعلانه أو لمنكرٍ يتركانه ألا يصدع قاعدة البر والحب والإجلال والاحترام، بل ربما دعا الأمر والحال هذه إلى بذل مزيدٍ من البر والرفق والعناية حفاظاً على منزلتهما، وتودداً وتقرباً وإشفاقاً بهما حتى يقلعا عن الذنب الذي به يستوجبان سخط الله وعذابه، وإنك لتعجب من بعض الأبناء حينما ينكر أحدهم على والده -مثلاً- شاب يرى والده يدخن، فيظن هذا الشاب الملتزم الصغير الناشئ مع أحبابه، المتحمس للدعوة المحب للخير، الذي قد أشرق الإيمان في وجهه، يظن أن إغلاظه وشدته ورفعه يده ورفعه صوته أمام والده أن ذلك مما يقربه، أو مما تبرأ به ذمته في الأمر والنهي، وذلك في غاية الغلط، بل إن الأب إذا ارتكب إثماً لا بد أن يتودد إليه في الأمر والنهي، وأن يتلطف به، وألا تسقط حقوقه، فمن حقه أن يُطاع، لو أن أباً من الآباء عنده منكر من المنكرات، ثم قال لولده: اذهب بإخوانك إلى السوق، اذهب بأمك إلى المستشفى، اشتر الحاجة الفلانية، ما ينبغي له أن يقول: أنت مدخن، فأنا لا أطيعك، أو: لا تستحق الطاعة لأنك عصيت الله ورسوله، لا، وليس من حقه، بل لا يجوز أن يعصيه، لابد أن يطيعه، وهذا واجبه، ولو عصاه لعد ذلك من العقوق الذي يأثم به ذلك الشاب الناشئ المستقيم الملتزم الصالح، ولو كان أبوه عاصياً لله عز وجل؛ لأن حق الوالد حال معصيته أن يُدعى إلى طاعة الله، لا أن يعصى فيما أوجب الله، حقه أن يدعى إلى طاعة الله إلى مرضاة الله إلى الاستقامة على مرضاة الله، إلى الاستقامة على شرع الله، لا إلى أن يعصى فيما أوجب الله من حقه وطاعته، وكذلك الأم إذا كان عليها من الملاحظات ما يدعو إلى الإنكار عليها، فإن ذلك لا يعني إسقاط حقها أو عدم العناية أو الالتفاف أو الاكتراث بأمرها، وإن الواجب أن تطاع فيما أمرت به في طاعة الله، ولا تطاع في معصية الله، وتكرم ويتقرب إليها أكثر، لعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل في مزيد البر والصلة والرقة واللطف والمحبة والعناية سبباً في إقلاعها عن الذنب وإقلاعها عن المعصية. بالأمس القريب سمعت من أحد الأفاضل غاية سخطه، وغاية انزعاجه من أبيه الذي بلغ من العمر سبعين عاماً، وما ذاك إلا أن والده في هذا السن قد تزوج مرتين أو أكثر من ذلك وهو منكرٌ على والده أنه يتزوج، فقلت: يا سبحان الله! أتنكر على أبيك شيئاً أنت احتجت إليه بعد حين؟! أتنكر على أبيك أنه تزوج على أمك؟! نحن لا نقول لك: اضرب الدف على رأس أمك فرحاً بدخول ضرةٍ عليها، وإن كانت قد بلغت من الكبر عتياً، ولا نقول لك: ينبغي أن تتشمت على أمك لدخول ضرة عليها، ولكن لا يعني ذلك أن تسخط على أبيك، ولا يعني أن تهجره، ولا يعني ذلك أن تقصر في حقه، بل إن أباك لو أمرك أن تذهب بزوجته -وهي ضرة أمك- أن تذهب بها في سوقٍ أو مستشفى أو أمرٍ أو حاجة لقضائها؛ فإنه يتعين عليك أن تطيع أباك وألا تعق أمك، مع غاية المراعاة والعناية لمشاعر أمك. إننا لنسمع العجب العجاب من بعض البنات يوم أن ترى مجموعة منهن أو بعضهن يرتكبن العقوق المتعمد مع سبق الإصرار والترصد ضد أبيهن؛ لأن أباهن قد تزوج على أمهن زوجة أخرى، ويا سبحان الله! ألأنه قد فعل شيئاً مما شرعه الله وقرر أمراً قد أذن الله به عز وجل: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3]؟! ألأنه تزوج الثانية أو الثالثة يجوز للبنات أن يهجرن أباهن؟! يجوز لهن ألا يسلمن عليه؟! هل يجوز لهن ألا يتبسمن في وجهه، وأن يقابلن الابتسامة بالاكفهرار، وأن يقابلن البشاشة بتقطيب الجبين، أو يقابلن الرقة واللطف واللين في الكلمة والعبارة والجملة بالصوت الأرعن، وهو العبارة الفضة الغليظة؟ لا. هذا لا يجوز، فهذا عجبٌ عجابٌ في كلا الطرفين، بعضهم ينكر على أبيه إذا فعل شيئاً مباحاً، وتجده يعقه ولا يحترم أمره ونهيه، وبعضهم يظن أن فعل والده للمعصية موجبٌ أو مؤذنٌ بإسقاط جميع حقوقه، ومن تأمل قول الله عز وجل: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:15] إذا أمرا بالشرك، إذا أمرا بمعصية الله فلا تطعهما، ولكن يبقى الجانب الآخر: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] والمصاحبة بالمعروف تعني: طاعتهم، تعني: خدمتهم، تعني: الرعاية، تعني: الدعوة، تعني: الاهتمام والرفق واللطف واللين والمحبة. إني لأعجب من شابٍ اتصلت أخته إلي وقالت: إن فلان بن فلان الذي تعرفه وهو ممن عليه سيماء الصلاح، يرفع صوته على أبيه، ويهز يده أمامه، ولا يكترث لأمره، ولا يلقي له بالاً أبداً، فقلت: ولم يا أمة الله؟ فإني لا أعرف عن فلان إلا كل خير. قالت: لأن والدنا مسرفٌ شرهٌ في التدخين على ما هو عليه من صلاحٍ، بعض الناس مبتلى والعياذ بالله، قد تجده محافظاً على الصلوات وصاحب صدقات وأعمال خيرة، لكنه ابتلي بمعصية من المعاصي، هذا الأب قد ابتلي بشرب التدخين، فما كان من ولده إلا أن أغلظ عليه إغلاظاً عظيماً، وأثر في فؤاد الأب، بل وكسر قلبه، وذلك لا يجوز البتة، ولما سألته أبدى شيئاً من الاعتذار ووعد بعدم معاودة ذلك. الشاهد أيها الأحبة: أننا حينما نمارس ونطبق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنزل لا نتصور أننا في صالون ونأمر وننهي، ولا نتصور أننا في سيارة، أو نأمر الإخوان، أو القريبات أو العمات، أو الذي معنا في إطار الأسرة أن نأمرهم من علو، ينبغي أن نجعل مع الحسبة دعوة، وكلكم يعرف أساليب الدعوة وأهمها: العلم والحكمة والبصيرة، والرفق واللين والشفقة على المدعو، الحرص على المدعو ألا يفلت من يدك، ينبغي أن يتلطف الكبار في دعوة الصغار بالرفق واللين؛ لأنه أدعى إلى القبول وعدم النفرة خاصة إذا كان الولد في مرحلة المراهقة، وهذه قضية أخرى.

دعوة الآباء للأبناء

دعوة الآباء للأبناء الأولى: دعوة الأبناء للآباء، وهنا دعوة الآباء للأبناء، ينبغي للآباء وينبغي للأمهات أن يتلطفوا في دعوة الصغار، وأن يكون ذلك بالرفق واللين، وأن يكون ذلك بالترغيب بالجائزة بالمكافئة بالتشجيع بالإغراء بالأمور التي تقربه وتحفزه إلى أن يفعل من الخير الذي تصبو إلى أن يفعله. وكذلك بشيء من الشكر والثناء، والتقدير والإعجاب، وإعلان ذلك بين أفراد الأسرة أن فلاناً تجنب الكذب وبإمكانه أن يكذب، أن فلاناً رد الأمانة وكان بوسعه أن يأخذها ويجحدها، أن فلاناً لم يفعل كذا وكان بوسعه أن يفعل ذلك، هذه من الأمور المهمة والجلية. أيها الأحبة: ربما يتحول الأمر والنهي للأبناء، وخاصة المراهقين، ربما يتحول من الشفقة والخوف عليهم والحرص على سلامتهم إلى التحدي وإثبات الوجود وبيان القوة واستعراض العضلات، وحينئذٍ يبدأ مسلسل المطاردة بين الأب وابنه والأم وبنتها، أو بين الوالدين والأولاد، كيف يأتي ذلك؟ حينما يسمع الأب أن الولد قد ارتكب منكراً من المنكرات، ثم يأتيه بكل ما أوتي من صوتٍ عالٍ، وأغلظ عصا يملكها، وبأقسى عقوبة يملكها، ثم يلوح ويزمجر ويزأر ويصول ويجول على هذا الولد، لأفعلن بك، ولأقطعنك إرباً، ولأجعلنك أسوة، ولأحبسك، يريد الأب في صورة كهذه أن يثبت جدارته، أن يقول: نحن هنا، الأسد في المنزل رب البيت لم يغب إن المسئول عن البيت حاضر، ولا يمكن أن تطوف هذه الألاعيب، ونحو ذلك، ولا يعلم أنه في المقابل يزرع حلبة للمصارعة يدخل هو وولده في جولاتٍ خاسرة تنتهي بهروب الولد من المنزل، تنتهي بكراهية الولد لأبيه، تنتهي إلى عدم الاستجابة، حتى ولو أذعن أمامه، فإذا خلا بنفسه ورأى أن الحسيب أو الرقيب من الوالدين أو ممن يبعثهم الوالدان عيوناً على هذا الولد قد ابتعدوا، حينئذٍ. خلا لك الجو فبيضي واصفري ونقري ما شئت أن تنقري إنني أحذر من هذا الأسلوب في التربية، أحذر الآباء الذين يظنون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسرة يعني أن تجرب أغلظ العصي، وأن تجرب أشد أنواع العقوبة، وأن تلوح بأقسى العبارات، وأن تهدد بغليظ القول وفظ الكلام، إن ذلك يحول ولدك إلى ندٍ لك، بالأمس كنت أباً تأمر فيأتمر بأمرك، وتنهى فينتهي عما نهيت عنه، وتدعو فيستجاب لك، وتتكلم فينصت لكلامك، أما إذا بدأت الاحتساب في المنزل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسرة، إذا بدأت بهذا الأسلوب، فإنك ترفع ولدك من درجة البلوى إلى درجة الند والقرين والمنازلة، وتدخل أنت وإياه في حلبة، ثم كلٌ منكم يقول: من الذي ينتصر؟ وربما انتصرت على ظاهر الحلبة وأمام الجمهور أمام الأم والإخوة والأخوات، ولكن الابن قد جعل الشيطان ينتصر لما خلا به، وجعله يفعل ألواناً من المعاصي والمنكرات، بعضها لا يميل الولد إلى فعلها، ولا يرغب أن يقع فيها، غاية ما هنالك أنه أراد أن ينتقم من أبيه، أراد أن يثبت لوالده الذي هدده ورفع الصوت عليه أنه قادرٌ على أن يفعل كل ما توعده على فعله، ربما جريمة واحدة، فسرد عليه الأب جملة من الجرائم، إن فعلت كذا وإن فعلت كذا وإن فعلت كذا وعد عليه عشر جرائم، ثم قال: لأقطعنك وأذبحنك وأطردنك وأسجننك وأجلدنك وأفعلن بك، والولد مشكلته واحدة، وهذا عد له عشراً، ثم يدخلون جولة أو حلبة المنازلة والمصارعة، ثم ينتقم الولد لرد الاعتبار وهذه الشخصية التي كسرت وحطمها الأب، خاصة إذا كان الأمر والنهي أمام الأقارب أو أمام الجيران، إن بعض الآباء أرعن في أمر ولده ونهيه، فتراه لا يحسن النصيحة والأمر والنهي إلا أمام الناس، بل ربما الولد يحتاج أن تأمره وتنهاه على خلوة حتى وإن كانت المشكلة على إطار البيت، حتى لو لم يكن في البيت إلا الأب والأم والإخوة والأخوات، وبلغوك قالوا: إن فلاناً فعل كذا، خذ فلاناً على انفراد ولا يلزم أن يكون من أول يوم أو ثاني يوم، خذه في الوقت الذي تراه قد هدأ وسكن واطمأن، ثم تنفرد به، يا بني! بلغني أنك فعلت كذا، وأنت تعلم حبي لك، وتعلم شفقتي عليك، وتعلم أنني ما أسهر الليل إلا لأجلك، وما أكدح في النهار إلا لأجلك، وتعلم شفقتي بك واعتزازي وفخري بصلاحك واستقامتك، وخوفي عليك من قرناء السوء، يا بني! هل فعلت ذلك؟ يقول لك: نعم، فعلت ذلك، فتقول: يا بني! إني أخشى عليك، وتعلم أن هذا أمرٌ قد حرمه الله، وقال الله عز وجل فيه كذا وتعلم أن هذا قد حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وتعلم يا بني أن مغبة هذا الأمر خطيرة، وأن عاقبته وخيمة، وأن الأمر ربما وصل إلى كذا وكذا وتكون العاقبة والحال، ثم بعد هذه النصيحة الرقيقة اللطيفة خذ ولدك هذا واحتضنه وقبله على خديه، وقبله على جبينه، واجعل رقبتك على كتفيه شيئاً ما، واسأل الله وأنت تحضنه، واجعله يسمع هذا الدعاء: اللهم لا تخزني فيه، اللهم لا ترني فيه يوماً أسوداً، اللهم لا تفرح عليه حاسداً، اللهم لا تشمت به عدواً. اجعله يسمع هذه الدعوات التي هي جزءٌ من النصيحة، أتظن أن ولدك بعد ذلك يجرؤ على أن يخالف أمرك؟ لا والله، لكن كيف يجرؤ على المخالفة إذا قلت: يا أنا يا أنت في البيت، يا رأسي يا رأسك، لا نجوتُ إن نجوتَ، لا يصلح هذا الأسلوب! أو تقول لأمه: أخبريه أن الليلة هي الفاصلة هي القاضية هي المهلكة، بعض الأبناء يهرب ويسعى في الشوارع ضائعاً تائهاً هائماً على وجهه، ثم يأتيه بعض قرناء السوء ويأخذونه ويسكنونه يوماً أو يومين، وربما تفاقم الأمر وكانت المسألة إنكار معصية صغيرة، ثم أوقعوه في فواحش، ثم أوقعوه في كبائر، ثم جعلوه ربما مطية يروج، ويبيع ويشتري، ويوزع ويقسم، ويناول مخدرات ومحرمات ومصائب كبيرة. ونحن -أيها الأحبة- في مجتمعٍ نتصارع مع عناصر شتى في تربية الأولاد، من منّا يقول: أنا الذي أنال نصيب الأسد مع أولادي؟ المدرسة لها نصيب، والمنزل له نصيب، وربما الجيران والأقران في الشارع لهم نصيب، وكلٌ له نصيب، وبعض البيوت لا تجد للآباء فيها نصيباً، النصيب لفئتين: للقنوات الفضائية، وللمدرسة والخادمة ذات النصيب الباقي، والأب لا يعرف شيئاً من ذلك. أيها الأحبة في الله! ختاماً أؤكد هذه المسألة وهي أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن كان المنكر من الوالدين، فلا بد أن نعالجه بمزيدٍ من الطاعة، في طاعة الله، ومزيد من الحب والهدية، والعناية والرفق واللين، والكرامة والتودد، وإننا مهما تكلمنا عن البر وفضله وثوابه وعظمة وجزائه عند الله عز وجل؛ إلا أن كثيراً منا لا يحسنون كيف يتقربون إلى آبائهم وأمهاتهم، هل فينا -يا عباد الله- من رأى والده ذات يومٍ قد مد رجله، فأقبل فقبل رجل والده؟ هل فينا من رأى ذات يومٍ والدته قد مدت رجلها، فنزل وخر وقبل رجل والدته؟ هل فينا من يتعود أن يقدم حذاء والديه إذا أراد أن يخرج أو يدخل؟ نعم. فينا وقليلٌ ما. إذا جلست على طعام هل تقدم أطيب ما فيه لوالديك؟ إذا وجدت نفسك تشتهي هذه القطعة، ثم امتدت يدك إليها تقول: مادامت لذيذة في نفسي وفي خاطري فإنها في فم والدي أو والدتي ألذ؟ هل تتلطف في أن تقدم طيب الطعام لهم؟ هل تهيئ الطعام إذا كنت على فاكهة، أخذت تقطع من هذه الفاكهة وتلينها وتجعلها قطعاً صغيرة ورقيقة حتى يأكلها متلذذاً بها، أو أن الواحد يقعد كأنه طاحونة بر، وعنده شاي، ومركب له طقم ضروس، ما يحسن الأكل، ثم يقوم قبل والده؟ هذا ليس صحيحاً، هناك مسائل نحتاج أن نتفنن في التودد للوالدين، أن تجد على الوالد ثوباً خشناً ثم تأتي فوراً بثوبٍ ناعمٍ رقيقٍ طيب تقول: يا أبت! هذا ألذ هذا ألطف، إن الذي يقدم البر لوالديه، بإذن الله إذا أمرهم بأمرٍ ائتمروا، فيه خير، وإذا نهاهم عن منكر انتهوا؛ لما يرونه من أن التزامه قد دعاه إلى البر والعناية والرعاية، أما هذا الذي لا يعرفهم إلا افعلوا ولا تفعلوا، فإذا جاء البر ما عرفوا منه شيئاً، فقولوا لي بالله وأسألكم بالله، كيف يأتمران بأمره، وينتهيان عن نهيه؟! هذه مسألة مهمة جداً.

عدم نشر صفات الوالدين بين الأقارب

عدم نشر صفات الوالدين بين الأقارب وهنا مسألة أخرى أيضاً: إن بعض الأبناء إذا رأوا على والدهم شيئاً، أو بعض البنات إذا رأين على أمهن شيئاً سرعان ما يقولون هذا للأقارب، ويظنون أن ذلك ليس بغيبة في حق الأب، ويتكلمون فيه: أبونا بخيل، أبونا أرعن أبونا قاس أبونا فيه كذا والدنا فيه كذا والدنا فيه كذا، وهذا لا يجوز، إلا في مقامٍ ضيقٍ تضيق الحيلة فيه مع الأولاد، فيضطران للكلام طلباً لعلاج المشكلة التي يعيشونها مع الأب والأم، وما سوى ذلك فلا يجوز. إنك لتعجب من أناسٍ يهون على أحدهم أن يشرح عرض والده أو والدته مما يلقى من المعاملة معهم، ولو فتشنا في الأمر لوجدنا أن شيئاً كبيراً من المسئولية وحملاً ليس بالقليل منها يتحمله؛ لسبب انصرافه عنهما وعدم العناية بهما والرعاية لهما، فذلك أمرٌ مهم.

أسلوب الاحتساب من قبل الآباء والأمهات

أسلوب الاحتساب من قبل الآباء والأمهات وفي المقابل عنايتنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قبل الآباء والأمهات على الأبناء، ينبغي أن نلتفت على جانبٍ مهم وهو: جانب الرحمة وإظهار المحبة والخشية، لا إظهار التحدي والانتصار، وتلك مشكلة كبيرة إذا رأى الولد أن الأب يأمر وينهي، وإذا رأت البنت أن الأم تأمر وتنهى من منطلق السلطة، والسيطرة والتحدي، وإثبات الوجود قالوا: لا يمكن أحد يعبث بالبيت ما دام الرأس يشم هواء، وأن الأمر والنهي له، فثق أن المسألة تتحول من أمر ونهي إلى تحد، ويدخلان جميعاً في حلبة مصارعات، المنتصر فيها خاسر، والخاسر فيها مهزوم ضائع، وتلك والله مشكلة، ينبغي أن يكون الأمر والنهي في الأسرة من قبل الآباء على الأبناء بإثبات المحبة والشفقة بكل الأدلة والبراهين والتأكيد على ذلك، وبسط هذا بكل عبارة وبكل دليل، وبما يدل عليه من التصرفات، ومن الإشارات، ومن الأعمال الطيبة من الرفق واللين حينئذٍ يستجيبون لهم، ولا يوجد علاج كالحب في معاملة الأولاد لأمرهم ونهيهم، يقول لي أحد الإخوة وكان يشكو من معاملة واحدٍ من أولاده، يقول: أعيتني الحيلة، وضاقت بي السبل في إصلاح هذا الولد، فعرضت أمره على طبيبٍ يعنى بالمشكلات النفسية وأمور الشباب، فقال: هل عالجته بالحب؟ أثبت له وتأكد أن الرسالة وصلت أنك تحبه غاية المحبة، لأن بعض الأبناء يظن أن أباه لا يتمنى إلا هلكته وخسارته ومحقه، وطرده وذلته، وكل أمر سيئ فيه، لو أخذت تكلمه قليلاً يقول: لا يا أخي هذا كلام طيب وجيد، لكن أنت لا تعرف أبي هذا يحقد علي ويكرهني، إلى درجة أنه يقول: أنا أشك أنني من صلب هذا الرجل، من شدة القسوة والعياذ بالله، وهذا أمر لا يليق؛ والسبب فيه ربما يكون في جزءٍ منه يعود إلى الأب الذي لا يعرف التعامل إلا بالوعيد والتهديد والزمجرة والعقوبات القاسية، كأنه جلادٌ في سجن، أو قاضٍ في محكمة، لا يعرف إلا أن يصدر أحكاماً وقضايا على هذا فقط، لا، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأسرة، يحتاج إلى رفق ولين.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الإخوة والأخوات

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الإخوة والأخوات وهنا مسألة أخرى: الأمر بالمعروف بين الإخوة والأخوات، إذا ظهر لأحد الإخوة مشكلة على أخته، فليتأمل الأمر ولينظر المصلحة، ربما كانت المصلحة إذا كان الذي اطلع عليها رجلاً متزناً عاقلاً قادراً على التصرف ربما المصلحة ألا يطلع عليها الأب، وحينئذٍ تعالجها الأم والأخ بطريقتهم المباشرة، وربما بعض الأمور تسند المهمة فيها إلى الأم، ومن لم يستطع أن يتخذ القرار، فعليه أن يستشير اللبيب المجرب العاقل. إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا وهذه مشكلات وتقع، وبعض الناس ربما أراد أن يعالج مشكلة ففجر منها مشكلاتٍ ولدت مشكلات أخرى، وذلك لعدم قدرته على الأمر والنهي، وعدم تصرفه المناسب، وعدم الحكمة التي تعني: فعل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي.

كيفية إزالة المنكر في البيت

كيفية إزالة المنكر في البيت أيها الأحبة: ينبغي أن نتهم أنفسنا بالتقصير، وأن نتدبر ما في بيوتنا من المنكرات، ولنتأكد أننا بحاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا أردنا أن نزيل منكراً في البيت، فما أجمل أيضاً أن نجعل هذا قراراً جماعياً بقناعة كل أفراد الأسرة نجمع أفراد الأسرة: يا أبناءنا! يا أحبابا! إن الله عز وجل يقول كذا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كذا وعندنا هذا المنكر يخالف أمر الله ورسوله، هل تريدون أن نعصي الله أم نطيع الله ورسوله؟ A سيجمعون ويقولون: نريد أن نطيع الله. طيب، ماذا تقترح يا فلان؟ ماذا نفعل في هذا؟ ماذا تقترحين يا فلانة؟ سيقولون: نقترح جميعاً إبعاد هذا المنكر، نقترح جميعاً أن يعامل بهذه الطريقة، نقترح جميعاً فإذا لم يكن الجميع على قلبٍ واحد، فليكن الذين على هدى وعلى صراطٍ مستقيم من أهل البيت أن يصلحوا الحال، وأن يتخذوا موقفاً ولو رقيقاً لطيفاً، في أحد البيوت أبٌ مولعٌ بالدش والقنوات، وأسرته صالحةٌ، والأم مؤمنة تقية، وقد أزعجهم وجود الدش، والوالد مصر على بقائه، فتصوروا ماذا حصل؟! اجتماع قصير وقرر فيه المجتمعون بعد محاولات باءت بالفشل في إقناع الوالد بإبعاد هذا الجهاز (مستقبل القنوات الفضائية) قالوا: قررنا أن نتوجه إلى أبينا بالالتماس الآتي: أيها الوالد الحبيب الكريم! نريد منك أن تخرج هذا لتجعله في طرف الدار بأقصى مكانٍ من البيت، وألا يكون لنا فيه صلة ولا علاقة خاصة الصغار والأطفال، فما كان منه إلا أن استجاب. نعم أيها الأحبة! قضايا الإنكار في البيوت تحتاج إلى لين وحكمة ورفق، وإلى لطف وعناية وموعظة حسنة، أقول: لا ندعي الكمال في بيوتنا، ففيها من الأخطاء، وربما فيها من المخالفات والمنكرات التي ينبغي أن ننتبه لها.

بعض المنكرات الموجودة في البيوت

بعض المنكرات الموجودة في البيوت ولو سردنا على سبيل المثال جملة من المنكرات التي ينبغي أن نأتمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر من أجل سلامة بيوتنا منها، لعددت لكم ما يلي:

منكر القنوات الفضائية

منكر القنوات الفضائية المستقبلات للقنوات الفضائية والشاشة، أليست منكراً يعرض على الأبناء سماً زعافاً يقتلهم ثم يذبحهم بإرادتنا ليل نهار؟ بلى والله، إنه لشرٌ، والعجب العجاب من أبٍ يرضى لأبنائه وبناته أن يمكثوا الساعات الطوال أمام هذه الشاشة وهو لا يدري ماذا يقال لهم! أسألكم بالله لو طرقت الباب على واحدٍ من الآباء وقلت له: أريد أن أتحدث مع ولدك ثلاث ساعات على انفراد أرجوك لا تتدخل ولا تسمع ماذا أقول، هل سيطمئن هذا الأب إلى هذا العرض؟ هل سيوافق على أن أخلو بولده أو يخلو أحدٌ بولده ليحدث ولده ساعتين أو ثلاث؟ لا. ماذا ستقول له؟ وما الغاية؟ وما الحاجة إلى هذه الجلسات الطويلة؟ وماذا عندك؟ وماذا وراءك؟ إذا كان بعض الآباء أصابه الشك من لقاءات ولده ببعض الأخيار، فأقول: سبحان الله! كيف ترفض ذلك وتقبل أن يبقى ابنك أو ابنتك أمام القناة الفضائية خمس ساعات أو ست ساعات، من الساعة التاسعة إلى الساعة الواحدة أو الثانية في الليل، أربع ساعات أو خمس ساعات؟ كله تعليم وغرس؛ البنت تتعلم كيف تخرج؟! تتعلم كيف تعاكس؟! تتعلم كيف تخدع؟! تتعلم كيف تحتال؟! إذا كان بجوار هذه القناة هاتف أخذت الهاتف وأخذت تتصل: ممكن نشارك، أنا أقول، أنا أفعل، أنا أنا إلى غير ذلك، هذا يجوز يا عباد الله؟! أليست مسئولية؟ أليست قضية تحتاج إلى أمر ونهي؟ وبعضهم يقول: مشغولون والله ما عندنا وقت لهذه القضايا: ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه وحيدا إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولا أو في المقابل يقول: لا. نحن ربيناهم تربية ممتازة، أنا أثق بأولادي، وأثق ببناتي، هذا لا يخطر أن يقع لأولادي أو بناتي، سبحان الله! من المخلصين الأخيار! من المصطفين! معصومين! ما يمكن أن ترد الصغائر والكبائر؟ ما هذا الظن الذي تظنه وأنت تقرب منهم السم الزعاف وتقول: لا. معصومون لا يمكن أن يفعلوا ذلك، هذه من المصائب والمشكلات الطائفة في البيوت والمنكرات التي يجب أن يتعاون أفراد الأسرة أو الأقارب على إزالتها.

منكر خلوة السائق بالمرأة

منكر خلوة السائق بالمرأة من المنكرات: خلوة السائق بالمرأة، أن يخرج بها وحده، أو يخلو بها في البيت، أو السائق يدخل في آخر الدار، من غير وجود محرم بحجة أنه ينزل المقاضي ويرد المقاضي، قليلاً قليلاً، رويداً رويداً؛ ويطول السهاد، ويدنو الوساد، ثم تقع المصيبة الكبرى، ويصبح السائق فترة من الفترات ما عنه غطاء، كما يقول العامة إلى أن تقع المصيبة الكبرى.

منكر تقليد الغرب والتشبه بالكفار

منكر تقليد الغرب والتشبه بالكفار تقليد الغرب والتشبه بالكفار في بعض البيوت؛ انصياع وانسياق وانهزام أمام حملات التغريب، وقد قلت غير مرة: كما أن المجتمع اليوم يقام في أسابيع للتوعية أسبوع الشجرة أسبوع المساجد، أسبوع التحذير من الإيدز، أسبوع كذا، نحن بحاجة إلى شيء اسمه أسبوع التحذير من الغرب والتغريب، والأمة على خطر، والتغريب لا يمكن أن يأتيك بصورة رجل أعجمي فرنجي يقف في بيتك ويقول لأبنائك: افعلوا وافعلوا، لا، يدخل التغريب من خلال مطاعم، يدخل التغريب من خلال وجبات، يدخل التغريب من خلال مجلات، يدخل التغريب من خلال قصص، يدخل التغريب من خلال قنوات، من خلال أشياء كثيرة، أنت بماذا تفسر هذا الانصياع والانسياق الهائل؟ ولو سألت محللين وأخصائيين لأخبروك أن من أسرار اللهث الذي لا ينقطع أمام المطاعم ذات الشهرة الغربية هي: وجود استعداد في النفوس، استعداد لتلقي ما يوجد عند الغرب، لو أن الغرب أمة منهزمة لا يلتفت لها، لو فتحت مطاعم مشهورة، لكن ليست من أمريكا وأوروبا لكنها من سيراليون، ومن غينيا وبيساو ومن كوناثري ومن الجابون وساحل العاج، من يلتفت لهذه المطاعم الإفريقية التي جاءت من دولٍ متخلفة فقيرة؟ لا يلتفت أحد لها، لا يوجد في النفوس رصيد من الإعجاب بها، لكن عندما جاءت هذه المطاعم من دول ذات قوة وذات بأس وسطوة وسيطرة، وصلت الرسالة إلى القلوب عبر القنوات الإعلامية، ولأجل ذلك أصبحت مصيبة. في الصين الكبرى التي عدد سكانها مليار ونصف المليار، وربما الآن قاربوا اثنين مليار الصين الكبرى لما فتحت أول سلسلة مطاعم ما تسمى: (مكدونوم) وقف الجيش بالقوة أمام الناس، لأن الناس في حصار شيوعي ويريدون الانفتاح أمام الغرب، فيعرفون أن القضية ليست قضية أن الناس تريد أن تأكل خبزة في وسطها قطعة مما يسمى بالهمبرجر أو بالدجاج أو بالسمك أو غير ذلك، لا، القضية أنه يوجد اتجاه يوجد انسجام توجد رغبة يوجد تلذذ يوجد ارتياح للغرب، وأنا لا أقول: هذا حرام، لا يقول أحد: والله جاءنا شيخ وقال: إن (وينديز) و (بيتزا هت) و (بتزإن) و (مكدونم) حرام، لا، ما قلنا ذلك، لكن أقول: إن الانسياق: تأتي للولد بالبر الطيب، والسمن والأكل الطيب، المتعوب عليه النظيف الذي لا شك أنه مفيد وقيمته الغذائية عالية، لا يقبله، ماذا يقبل؟ يقبل أكلة قد ثبت علمياً من قبل متخصصين أو محللين أن فيها من الأضرار وهي خالية من الفوائد، منخفضة السعرات الحرارية، منخفضة كذا الشيء الكثير تجده يقبل بها، وأقول: إن الحاجة أن نعظم في نفوسنا حب المسلمين، وحب الإسلام، وأمور الإسلام، وآداب الإسلام، وأن نقلل من شأن أمور الغرب، خذ على سبيل المثال ما يسمى بـ (البرنيطة) التي في فترة ما قلَّ أن تجد شاباً في المرحلة الابتدائية والمتوسطة إلا على رأسه (برنيطة)، ليست (البرنيطة) محرمة في ذاتها، لكن الهزيمة النفسية، لما وجدت (البرنيطة) في القناة الفضائية قبل أسبوع، لبست هنا بعد أسبوع. وتلك مشكلة يا إخوان! وينبغي أن نلتفت إلى تأثر المجتمع، أحد المسئولين في فرنسا وقف -وهم كفار يشتكون من كفار- يقولون: مشكلة عندنا خمس قنوات تلفزيونية فرنسية ولا يزال الشعب الفرنسي يسجل معدلات طلب على الأفلام الأمريكية، حسبك من كافرٍ يشكو من كافر، فما بالك بالمسلم إذا شكا من الكافر، مع أن بينهم وعندهم ولديهم من وسائل التحدي في شتى المجالات ما لا يوجد عندنا في مواجهاتهم، فيا أحباب! هذه مسألة عظيمة وهي من المنكرات التي ينبغي أن نلتفت لها، إذا يوجد شيء معين يكفي أنه تقليد غربي، علينا أن نبرأ منه، وأن نعلم أولادنا كيف يكرهون الكفار، وكيف يكرهون الكفر، وكيف لا يقبلونه، مثلاً: بعض الناس تؤتى إليه بالهدايا فيما يسمى: بعيد الكرسمس، أو عيد رأس السنة، أو ميلاد المسيح، ويقول: بمناسبة عيد المسيح صديقنا الأمريكي أو النصراني قدم لنا هدية، ويحضر الكعكة أمام الأطفال وعليها صورة (بابا نويل) أو الأم (تريزا) أو نحو ذلك، وتلك مشكلة، ينبغي أن يقول لهم: هذا شخص يعمل معنا، يحسب أننا غير فاهمين، وأعطانا هدية بمناسبة الكرسمس، ثم اذهب أنت وعيالك وارموها في الزبالة والعيال ينظرون، حتى لو كانت أجمل أنواع الكيك وأطيبها، ليست القضية أن تخسر كعكة بمائة ريال، القضية أن تقتلع شيئاً اسمه تقليد غربي يوشك أن يغرس في نفس أولادك، فكل قضية متعلقة بغرس تقاليد غربية ينبغي ألا نوردها، وأضرب لكم مثلاً: لو قلنا: هذا زي يلبسه البعثيون العراقيون نريد من شبابنا أن يلبسونه، أعوذ بالله! هؤلاء البعثيون الذين دمروا الناس وتسلطوا على الناس وجروا الأساطيل، وأنشبوا الحروب، وفجروا القضايا، وجوعوا المنطقة، تريد منا أن نقلدهم؟! لأنك تكرههم، ولذلك ما تقبل أن تقلد شيئاً من تقاليدهم أبداً، حتى الفنانين يعتزلون الفن حقهم، والرياضيين يقاطعون المنتخب حقهم، وكل على مستواه يقاطع ما يقابلهم، لكن مسألة الحب لما كان في النفوس شيء من الرضا في الغرب ما كان هناك إشكال أن يقلد الغرب سواءً في بنطلونه، أو في قميصه، أو بلوزته أو في الكاب أو في غير ذلك.

منكر ترك الصلوات مع الجماعة والجمع بين الصلوات

منكر ترك الصلوات مع الجماعة والجمع بين الصلوات أقول: هذه من المنكرات لمن وجدت في بيته أن يعتني عناية فائقة بتنظيف البيت وتحذير الأسرة منها، ترك الصلوات مع الجماعة من المنكرات الخطيرة الكبيرة العظيمة التي توجد وكثيرٌ من الآباء لا يلتفتون لها، ولاحظ صلاة الفجر وصلاة المغرب، صلاة المغرب صفوف الأولاد والمراهقين والكبار يملئون صفين وثلاثة في المسجد، والفجر ما تجد إلا ما دون العمود، أين الأبناء؟ تخطفهم الطير؟! هووا في وادٍ سحيق؟! ماتوا؟! هلكوا؟! خسف بهم؟! المصيبة لا يوجد: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] العناية بالأمر هذا لا توجد، وهو من الأمر التي يلزم الأسرة أن تعتني بإنكاره، وتأمر الذرية بالصلاة والبنات خاصة، بعض البنات فرض الظهر يلحق العصر، وفرض العصر يلحق المغرب، والأم لا تدري هل ابنتها صلت الفجر أم لا؟ قامت أم لا؟ هل أيقظتها أم لا؟ لما رأت أختها بالأمس قد خربت صار الخراب لها أعدى من الجرب إذا كانت الأم لا تصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس، فلا تسأل عن ذهاب البنت إلى المدرسة وهي لم تصل الفجر، إذا كانت الأم لا تذكر صلاة العصر إلا إذا دخل المغرب، فلا تسأل عن أن البنت أن تجمع بين المغرب والعشاء، وتلك من المصائب الموجودة في بعض البيوت، وهل تعلمون أن بعض البيوت فيها من الأسر من يؤخرون صلاة المغرب والعشاء إلى آخر الليل، ويقول: إن شاء الله مقصرين وسيتوب الله علينا، ولا يوجد أحد يأمر وينهى وتلك مصيبة، وتتحمل المرأة المسلمة مسئولية كبيرة.

منكر اختلاء الأولاد بالهاتف

منكر اختلاء الأولاد بالهاتف بعض البيوت فيها شيء مزعج وهو الخلوة بالهاتف، كل واحد معه بالحجرة هاتف، الولد الذي عمره ثلاث عشرة سنة موصل لحجرته هاتف، والبنت التي عمرها ست عشرة سنة موصلة لحجرتها هاتف، لماذا كل واحد في حجرته هاتف؟ أنا لا أدعو إلى الوسوسة والشك في الأولاد والبنات، لكن لماذا نفتح الباب للشر؟! قالوا لأحد الأعراب: إذا وطأت الجني بسمِ، قال: لا تطأ الجني ولا تسم، لماذا تدخل الهاتف في حجرته ثم تقعد تحذره؟! الهاتف في الصالة في المكان المنظور المشهود أمام الجميع، والذي يريد أن يتصل يتصل هنا، في هذا الوقت، في هذه اللحظة، في هذا المكان، وإذا بدأنا نلاحظ طول المكالمات عرفنا أن المسألة فيها خطر، أما أن نقول: والله ما ينبغي أن الواحد يشك، أعوذ بالله من الوسوسة، ما ينبغي أن نشك في أولادنا وبناتنا، ما ينبغي إلى متى؟ إلى أن نجد غريباً في البيت؟ إلى أن نجد البنت خرجت في وقت متأخر؟ إلى أن نبحث عن البنت في ساعة فلا نراها في البيت ولا نعلم أين ذهبت؟ تلك مصيبة وأي مصيبة، بدعوى أن أولادنا لا يزالون وما يزالون بخير، ما عليهم إلا كل خير، لا تسيئون بهم الظن إلى غير ذلك.

منكر وجود الأصنام والمجسمات المحرمة والتدخين

منكر وجود الأصنام والمجسمات المحرمة والتدخين الأصنام والمجسمات المحرمة، بعض البيوت تعجب وتستوحش إذا دخلتها، هذا صنم وهذا مجسم وهذا وهذا؛ فهذا أحضروه من فرنسا، وهذا من باريس، وهذا هدية، يا أخي! الأصنام لا تجوز (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة) لا تدخل الملائكة في هذا البيت، منكرات ينبغي إزالتها، وتجدها موجودة في كثير من البيوت، التدخين وحدث ولا حرج وقضية طويلة إلى درجة أن بعض الآباء لا يبالي أن يدخن السيجارة أمام الأولاد ويتفنن فيه لأجل أن يضحكوا، فمرة تجده يخرج الدخان من أنفه، ومرة من فمه ومرة من هنا ومرة من هنا، لكي يجدونه أمراً يعجب منه، فيذهب الأولاد ليتعلموا ويفعلوا ما كان يفعل أبوهم من قبل. إذا كان رب الدار بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ

منكر وجود الخادمات الجميلات في البيت مع المراهقين

منكر وجود الخادمات الجميلات في البيت مع المراهقين وجود الخادمات الجميلات أمام المراهقين، والله يا إخوان قد أخبرني شاب، عندهم في البيت خادمات، يقول: لا أحصي كم من المرات فعلت ما فعلت مع الخادمات، هذه من جنسية، وهذه من جنسية، ولما تحققت وتأكدت ووقفت على البيت، وإذا به للأسف، لا يحتاج الإنسان أن يخوض بالكلام حرصاً على ألا تشيع الفاحشة بالمؤمنين، والسبب شاب مراهق ووسيم وجميل، ويحضر في البيت خادمات جميلات من جنسيات مختلفة، وبعض البيوت قد جمعوا خادمات جميلات مع أشكال وألوان في البيت، وتلك مصيبة أيضاً والعياذ بالله، فإذا كان ولا بد واحتاج الناس إلى الخادمة فكبيرة لا تشتهى ولا يطمع فيها، مع محرمها ولا يخلى بها، ويكون التعامل في حدود، بعض البيوت تفاجأ إذ بالخادمة داخلة في المجلس وتضع الشاي، وجاء الولد وقال: لازم تجلسي وتصبي لنا الشاي، تلك مصيبة، ولماذا لا نلتفت وندرك أن هناك منكرات ينبغي أن نعتني بها؟

منكر الاختلاط في المناسبات

منكر الاختلاط في المناسبات مسائل الاختلاط في المناسبات، بعض البيوت أصبحوا يتهاونون بمسألة الاختلاط، إما إلى سن معينة، خمس عشرة سنة؟ ما زالوا صغاراً دعوهم يجلسون مع بعض، تلك مصيبة، لكن إذا بلغ انتهى الأمر، بل وقبل البلوغ ينبغي أن يحضَّر نفسياً للبعد عن مجتمع الحريم والنساء، وتحضَّر البنت نفسياً للبعد عن مجتمع الرجال والذكور والأولاد، حتى نكون على بيئة طاهرة نقية نظيفة ما نخشى عليها شيئاً. المجلات الخليعة يأتي بعض الآباء أو الإخوة ويرمي بها، ينبغي أن ننتبه هذه من المنكرات الموجودة. الغيبة والنميمة في بعض الجلسات، عدم التفريق بين الصغار في المضاجع، وقد مر بنا الكلام عن ذلك.

الأعمال الوقائية في بداية تكوين الأسرة

الأعمال الوقائية في بداية تكوين الأسرة ختاماً أيها الأحبة: هناك أمرٌ ونهيٌ وقائيٌ قبل وقوع المنكرات، وحتى لا نحتاج إلى كثير من العلاج، ونحن نستطيع أن ندفع الشر بقليلٍ من الوقاية، وذلك من بداية تكوين الأسرة وحلول الأحباب وتفتح البراعم منها، منذ دخول الزوج على زوجته ينبغي أن يكون الزوج لبيباً في معرفة ما تحتاج إليه الزوجة في بيان منفعته والأمر به، وبيان ضرره والنهي عنه، الزوج الذكي من أول مرة يدخل على زوجته يعرف المداخل والمسالك والأشياء الذي عند الزوجة تقصير فيها، ويبدأ من وقت مبكر (والعود على أول ركزة) مثلما يقول العوام، وليس تقعد سنوات ثم تبدأ تعدلها. إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا كانت من الخشب تستطيع أن تقوم المرأة من بدايات الزواج، لأنها راغبة حريصة: ما رأيك فيني؟ لعلك أحببتني لعلي أعجبتك؟ تتمنى أن تتأكد أنه في ضمانات لاستمرار الحياة الزوجية معك، فإذا أثبت لها أن الضمانات موجودة شريطة أن يعدل هذا ويغير هذا ويصلح هذا، هي ستعدل وستتمنى كل ما تريد، وكذلك العكس؛ الزوجة ينبغي أن تكون لبيبة في إدراك ما يحتاج إليه الزوج في بيان منفعته، والأمر اللطيف بالعرض الظريف، في مصلحته ودعوة الزوج إليه بإذن الله عز وجل، وهنا مسألة -أيها الأحبة- نريد أن نعقد اجتماعاً في بيوتنا، البيت الذي لا يعقد فيه اجتماعات أعتبر أن هناك حلقات اتصال مفقودة، كل واحد تارك هذا يدخل في وقته وهذا يخرج، لابد أن توجد جلسة شبه يومية، إن لم تكن يومية، كل يومين كل ثلاثة أيام، جلسة ماذا عندك؟ وما هي أخبارك؟ وما هي الملاحظات؟ أعطني يا فلان! تقريراً على إخوانك، ووزع مسئوليات؛ أنت مسئول على اللمبات تطفؤها، وأنت على الشبابيك تقفلها، وأنت تأكد على الأبواب هي مغلقة قبل ما ننام، ووزع مسئوليات، وهناك اجتماع دوري مستمر على أساس تعرف ما الذي يدور في الأسرة، أما أنك ما عندك وقت تجلس، قد تكون مشغولاً، لكن لا يعني ذلك ألا تجتمع، نريد اجتماعاً، الأب الذي يريد أن يحقق شيئاً في بيته يحتاج أن يعقد اجتماعات دورية، الفنادق الناجحة تجتمع كل يوم، المكاتب الناجحة تجتمع كل يوم، الشركات الناجحة تجتمع كل يوم، كلٌ في دائرته، كلٌ في قسمه لمعرفة ماذا جد، وما الذي انتهى، وما الذي ينبغي أن يفعل، حتى يحافظ الجميع على مكاسبه، ومكاسبنا هم فلذات أكبادنا، هم من نرجو أن يكونوا عملاً صالحاً يستمر لنا بعد موتنا، فلا بد أن نجتمع بإذن الله عز وجل معهم على طاعة الله ومرضاته، ويتخلل هذا الاجتماع موعظة قصيرة، أو كلمة، أو شرح حديث، أو شرح آية، إلى غير ذلك، فيه نفعٌ عظيم بإذن الله. أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يقولون: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، واجعلنا ممن يفوزون بهذا الثواب العظيم من عنده سبحانه. أسأله سبحانه أن يجعل أنفسنا وأولادنا هداة مهتدين، صالحين ومصلحين، لا ضالين ولا مضلين. كما أسأله سبحانه أن يحفظنا وأن يحفظ ولاة أمرنا وأن يوفق علماءنا، وأن يجمع شملنا وحكامنا على طاعته، وألا يفرح علينا عدواً، وألا يشمت بنا حاسداً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

ذئاب تحوم حول المرأة المسلمة

ذئاب تحوم حول المرأة المسلمة المرأة المسلمة مستهدفة اليوم أكثر من غيرها، وهناك أخطار كثيرة تهدد المرأة، منها: التلفاز الهاتف المجلات الغناء تتبع الموضة إلخ، فيجب على أولياء الأمور توجيه المرأة إلى النظر في الآخرة، وتربيتها على حب العفاف والتعقل، وهنا بيان للأخطار المحيطة بالمرأة وكيف نحاربها.

أخطار تهدد المرأة المسلمة

أخطار تهدد المرأة المسلمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين إن الله عز وجل سائلنا عما استودعنا من الأمانات، فكلنا راع وكل راع مسئول عن رعيته، وإن من أخطر وأهم وأجل ما ولينا أمر بناتنا وزوجاتنا ونسائنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] فهي أمانة عظيمة، ومسئولية جسيمة، ولقد ضيعها كثير من الناس إذ جعلوا شأن المرأة خاصة والذرية عامة، الحبل على غاربة كل يفعل ما يشاء، ويغدو ويروح، ويظهر ويلبس، ويتصرف كيف شاء، وذاك والله خطر عظيم. وإن من صور ضياع هذه الأمانة التي وليناها ما نراه من شأن النساء في ضياع أوقاتهن، وغفلة الرقيب أو الولي عنهن، يضيعون ذلكم الزمن الذي أقسم الله به عز وجل فتارة يقسم ربنا: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:1 - 2] {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:1 - 2] {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1 - 2] ذلك الزمن يقسم الله به لشرفه وجلالة قدره ولكن ضيعه كثير من الأولياء، وكثير من الرجال والنساء، حتى إذا بلغ الناس مقام الحساب، وودعوا زمن العمل، أخذ الواحد يقول: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر:56] أما الخاسرون الهالكون فهم في النار يصطرخون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] ولن ينفع ذاك الصراخ، ولن يجدي ذلك الدعاء بالويل والثبور، إذ A { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37]. أيها الأحبة الزمن ضاع عند كثير من الرجال والنساء، والخطاب على عمومه لنا ولإخواننا وأخواتنا، للرجال والنساء، ولكننا نوصيكم بأن تضعوا مزيداً من الاهتمام لنقل هذه الوصية، ولفت تلك الضعينة، وتوجيه المرأة إلى الخطر الذي يحيط بها في الزمن الذي تضيعه، وستندم على ضياعه: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100].

خطر الإعلام على المرأة المسلمة

خطر الإعلام على المرأة المسلمة إن من الصور المؤلمة التي نراها في حال الرجال والنساء خاصة ما يضيع من الأوقات أمام هذه الأفلام والمسلسلات، وذاك أمر قد عم وطم حتى أن بعض البيوت تصبح على البث وتمسي على نهايته، وإذا أغلقت موجة فأخرى، فهم في الرباط يتناوبون، حال أولئك المساكين من موجة إلى أخرى، ومن شاشة إلى أخرى، وقد تناسى أولئك أو جهلوا -وتلك مصيبة- أن تلك الأجهزة وما تبثه من الأفلام والمسلسلات أقسم بالله تعظيماً أنها خطر وإفساد، وما فيها من الإصلاح فشره يغلب على خيره، ذلك خطر عظيم، وتخريب عمَّ كثيراً من البيوت، فأفسد الزوجة على زوجها، وأخرج البنت على أبيها، وجرأ العاقل على المرأة المصونة، فمتى تتعلم المرأة الحياء والتلفاز يربيها، والشاشة توجهها، والبث يحيط بها ويحاربها. تعلم بعض النساء كيف تخرج عن طوع الزوج، وكيف تهرب عن ولاية الولي، وكيف تهرب مع العشيق، وكيف يهدد الولد أباه، وكيف تحب الفتاة ابن الجيران، وكيف يغازلها خلسة عن أهلها، وكيف تتخلص المرأة من زوجها، وكيف يتخلص الرجل من امرأته، في تلكم الشاشات مسلسلات خليعة، وأفلام هابطة، وأغانٍ ماجنة، وبث مسعور، والأمة تحترق، والمقدسات مسلوبة، والرقاب تقطع، والدماء نازفة، والنساء تغتصب، فإنها لهجمة على هذه الأمة، تسلطت عبر السماء وأطباقها، وعبر القنوات وشاشاتها، ناهيك عما فيها مما يسمى بالغرام والحب والغزل، وفيه من الفساد فنون، وللإفساد أطور ومجون، وخروج عن أدنى حدٍ للحياء والأدب، وحدث ولا حرج، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. فالعاقل -يا عباد الله- يتقي الله في نفسه، وفيمن ولاه الله من زوجة وأخت وغيرها، وليخرج ما يسمى بجهاز الاستقبال، وليتجنب هذا الدش الخطير الذي أفسد كثيراً من البيوت، وجرأ كثيراً من العفيفات، ذلكم خطرٌ من الأخطار يهدد مجتمعنا.

خطر الهاتف على المرأة المسلمة

خطر الهاتف على المرأة المسلمة وأما الخطر الآخر فهو خطر الهاتف وما فيه من شر كامل، نعم الهاتف من المخترعات المفيدة، يوفر الأوقات، ويقصر المسافات، ويصلك بجميع الجهات، وربما استخدم في الأعمال الصالحات، ولكن بعض الناس -هداهم الله- استخدمه في أنواع من الشر عديدة، وكم كان ذاك الهاتف سبباً في تدمير بيوت بأسرها، وإدخال الشقاء والتعاسة على ساكنيها، وربما جرهم ليمتهنوا الرذيلة ويحترفوها، لقد سمعت بأذني قصص كثير من الفتيات وهي تتصل مستنجدة، وتتكلم مستغيثة تريد من يخرجها من مأزق وقعت فيه، فالعشيق المزعوم يهددها بالصوت والصورة، والزوج المتربص ربما لا يغفر خطيئتها، وربما كانت نهاية المسألة فضيحة لا يسترها إلا التراب، وسببها أن الأذن أدمنت السماع، واللسان أدمن الكلام، وتعود الرجل أو المرأة ضياع الوقت عبر هذا الجهاز فيما لا ينفع ولا يجدي كم ضيع فيه من الأوقات بمحادثات تافهة سببت للقلوب قسوة، وألهت عن ذكر الله، خاصة بين النساء، وكم من رجل دخل بيته، وقد ودع زوجته الصباح راضية مرضية، فآب إليها، فوجدها منقلبة ساخطة وهو يعلم أن لم يدخل عليها مع الباب أحد، لكن دخل عليها ذلك الثقيل بغير استئذان صوت عبر السماعة من صديقة أو قريبة أطالت معها الحديث فقالت لها: يا حبيسة الدار! يا مهيضة الجناح! يا مسكينة الجانب! كيف أنت في هذا وغيرك أعلى منك في نفقة ومركب، وكسوة وملهى، وذهاب وإياب، يعود الرجل فيجد امرأته قد تغيرت، وعن حالها تقلبت، بسبب الإسراف ومزيد من القول عبر هذا الجهاز. إنا لا نقول أن استعمال الهاتف حرام، ولا نقول أخرجوه لعدم الفائدة منه، بل فيه من الفوائد ما ذكرنا، ولكن من المصائب التي عمت عند كثير من الناس، وعند النساء خاصة الإسراف في القول، وإضاعة الوقت، وإطالة الحديث عبر هذا: (وإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) وإذا طال الكلام خرج عن المباح إلى المكروه، ثم من المكروه إلى الحرام، ولن يكون من الحرام صلاح للبيوت، بل فيه فسادها وإفسادها. وكم من امرأة أو كم من فتاة كانت حصاناً رزاناً عفيفة كريمة جرأت عبر هذا، فخرجت لتقع فريسة للذئاب والمفسدين، وخذوا هذه القصة الواقعية، وهي واحدة من عشرات القصص إن لم تكن المئات، هذه القصة تقول: كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية، ثم تطورت إلى قصة حب وهمية أوهمها أنه يحبها، أنه ميت دنف هلك في غرامها، وسيتقدم لخطبتها لكنه يطلب رؤيتها، فرفضت فهددها بهجر أو بقطع علاقة فضعفت، فأرسلت له صورة مع رسالة وردية معطرة، فتوالت الرسائل، ثم طلب منها أن تخرج معه، لكنها هذه المرة رفضت بشدة فهددها بتلك الصورة وبالرسائل المعطرة، وبالصوت المسجل عبر الهاتف، فخرجت معه على وعد أن تعود في أسرع وقت وأقرب فرصة، لكنها عادت وقد كُسر حياؤها، وانتهكت عفتها، وتجرأ على صلاحها، فقالت له بعد ذلك: لا بد من ردم الأمر وستره بالزواج حتى لا تكون الفضيحة، فقال لها بكل احتقار وسخرية: إني لا أتزوج فاجرة، كيف العلاج؟ وكيف السبيل إلى حل يجعل هذه البيوت تستيقظ من الشر الذي أحاط بها؟ إن من الفتيات من تصبح على الأغنية، وتضحي على الشاشة، وظهيرتها على الهاتف، وعصرها في السوق، ومساؤها في المناسبة، فقولوا يا عباد الله: متى تعود إلى الله أو ترعوي عن غيها وضلالها؟!!

المجلات الخليعة وخطرها على المرأة

المجلات الخليعة وخطرها على المرأة أما البلية الثالثة التي تشكل خطراً على بعض البيوت وبعض الفتيات والنساء، ويشارك الرجال بقدر لا بأس به في هذا، فهي متابعة الصحف والمجلات الخليعة، تلكم التي انتشرت في كل مكان، تراها في كثير من الحوانيت والدكاكين والأزقة والأسواق، وماذا تقدم هذه الجرائد؟ وماذا تقدم تلكم المجلات؟ إنها موضات ودعاية ورذيلة ليس فيها خيرٌ أبداً، فيها من الصور الخليعة، وفيها ما يهتك الستر ويجرئ الشباب على الفاحشة، ويغريهم بالسفر إلى الخارج، ويملأ عقولهم بما لا يرضي الله، ويضرهم ويفسد عليهم عقولهم وأفئدتهم.

الغناء خطر رابع على المرأة

الغناء خطر رابع على المرأة أما الخطر الرابع الذي ابتليت به المرأة المسلمة، الخطر الذي سلط على بعض نسائنا في هذا الزمان؛ فذلكم هو خطر الغناء الذي لا يشك أحد أنه من البلاء الذي دخل كثيراً من البيوت إلا من رحم الله، مع أنه محرم وأدلة تحريمه جلية، قبل من قبل، أو اعتذر أو رد، أو عاند من عاند، خاصة ونحن في هذه الأيام أصبحنا نرى ونسمع أن إذاعة مسعورة وبثاً فاجراً فاسقاً قد سلط على مسامعنا لا يبث إلا الأغاني ليل نهار، فليعلم أولئك، وليعلم الذين يبثون، وليعلم الذين يسمعون بحكم الله ورسوله فيه، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان:6] قال ابن مسعود: إنه الغناء، إنه الغناء، إنه الغناء. وقال تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم:59 - 61] قال ابن كثير: قال الثوري عن أبيه عن ابن عباس: السمد هو الغناء، وهي يمانية، يقول أحدهم: اسمد لنا، أي: غنّ لنا. وقال مجاهد: هو الغناء، يقول أهل اليمن: سمد فلان إذا غنى. ويقول تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} [الإسراء:64] قال ابن كثير: ومعنى: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) صوت الشيطان هو الغناء. وقال مجاهد: اللهو والغناء أي: استخفهم بذلك. وقال صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر -أي: الفروج- والحرير والخمر والمعازف) قال ابن حجر في الفتح رحمه الله: المعازف هي آلات اللهو، وقيل: أصوات الملاهي. وعن أبي مالك الأشعري قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ليشربن ناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير) رواه ابن ماجة وابن حبان والبيهقي وهو صحيح. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ؛ وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف) ذكره ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وهو صحيح، وأورده الألباني في صحيح الجامع وفي السلسلة أيضاً. أيها الأحبة أما شأن الغناء وما يحدثه من قسوة القلوب وإنبات النفاق فيها؛ فحدث عن خطره ولا حرج، وحسبك أنه صارف للقلب عن التلذذ بكلام الله، لا يجتمع صوتان ولا يجتمع أمران: حب الكتاب وحب ألحان الغنى في قلب عبد ليس يجتمعانِ

خطر الإسراف في اللباس والأزياء ومتابعة الموضة

خطر الإسراف في اللباس والأزياء ومتابعة الموضة والخطر الخامس الذي ابتليت به المرأة المسلمة، وعلى الزوج والرجل والولي في هذا مسئولية: الإسراف في اللباس والأزياء، وما يسمى بالموضة والزينة والعطور، والانشغال بتوافه الأمور. إن هذا الانشغال بهذه الأمور الرخيصة الصغيرة التي ليست بأمر يعد ولا شأن يذكر إذا اشتغل الإنسان بها أصبح عبداً لها، فكم من فتاة أصبحت رقيقة وأمة لفساتينها، رقيقة لمرآتها، رقيقة لمساحيقها، ولتتذكر وليتذكر الجميع قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، وتعس عبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) رواه البخاري. فما بالكم بحال رجل أو امرأة يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالتعاسة، ويدعو عليه بالانكباب على وجهه والانقلاب إلى قفاه، وألا يسلم من شوكة أو ينتقشها إذا دخلت في رجله أو قدمه. وأما ما تصرفه بعض بناتنا وأخواتنا ونسائنا في مستحضرات التجميل فواجبنا -يا عباد الله- أن ننبههن إلى خطر الإسراف في هذا، إذ أن كثيراً من النساء يهون عليها أن تصرف الألف والألفين في قطعة من المساحيق المجملة، ويشق عليها مشقة بالغة أن تصرف مائة لتساهم في إغاثة مجاعة في الصومال، أو منكوبين في البوسنة، أو مساكين في كشمير وغيرها. إن إحصائية أوردتها مصلحة الإحصاء عن إجمال قيمة الواردات عام 1409هـ من مستحضرات التجميل بما في ذلك المواد العطرية تقول: لقد بلغ ما أنفق على هذا من استهلاك عامة الناس لهذه المساحيق والعطور، أكثر من ثمان مائة مليون ريال، وهذه الإحصائية أوردتها جريدة الرياض في عددها (8372) يوم الإثنين/ 13/ 11/ 1411هـ. إنها من المصائب التي ابتليت بها المرأة في ضياع وقتها بسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام، والخروج إلى الأسواق لغير حاجة، ومتابعة الموضة والمجلات والأزياء وما يتعلق بها. وإنا لن نقف عند وصف الأمراض لنصيح ونقول: نحن مرضى أو بنا سقم، ولكن يجب على من شخَّص الداء أن يصف الدواء، فنصيحتنا لكل ولي أن يوجه موليته أن تقلل الخروج إلى الأسواق، تلكم شر البقاع عند الله، وأن تقصر خروجها على ما تمليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة الراجحة مع محرم أو مع ثقاة من النساء، وألا تمكث في السوق أكثر من وقت حاجتها، كما نوصي الجميع أن يلتفتوا إلى محاولة اكتفاء المرأة في ملابسها بأن تتعلم خياطة ما تحتاجه بنفسها، أو أن يكون لها مع قريباتها أو مجموعة من جاراتها حائكة أو خياطة تحسن ذلك، فلا تخرج المرأة إلى الدكاكين أو إلى الأسواق بحجة الملابس. وينبغي لكل فتاة أن تنظر إلى من يسمين بعارضات الأزياء، واللائي يغدين ويرحن بهذه الملابس الفاضحة، على الفتاة المسلمة أن تنظر إلى تلك المرأة التي جعلت من نفسها لوحة للعرض وشاشة للدعاية نظرة العطف والرحمة فيما وقعت فيه في مستنقع الرذيلة الآثم، ونظرة ترى فيها أن تلك المسكينة قد جعلت من جسدها تجارة رخيصة يتاجر فيها مصمم الأزياء والموضات. ألا وإن هذه الأمور مما ينبغي أن نلتفت إليه.

طول الأمل سبب في الضياع

طول الأمل سبب في الضياع الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام وأطيبه وألذه وأجمله هو كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، واعلموا أن كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة. أيها الأحبة في الله إذا تأملنا هذه الأمور التي ذكرناها وما ابتليت به بعض الأسر وبعض البيوت منها، وما تسلط به أعداء هذه البلاد وأعداء الإسلام من بث مركز مسلط عليها فيها، تأملنا أن من أسباب ضياع أوقاتنا ووقوعنا في هذه الغفلات، طول الأمل والتسويف، فإن الله عز وجل بيَّن أن الذين يطيلون الأمل ويلهيهم الأمل يعلمون ولكن ساعة لا ينفع الندم، قال تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] قال القرطبي: (يلههم الأمل) أي: يشغلهم عن طاعة الله عز وجل. وقال الحسن البصري: ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل.

خطر قرين السوء

خطر قرين السوء اعلموا -يا عباد الله- أن من أسباب وقوع بعض الفتيات أو بعض الناس في هذا القدوة السيئة، وغياب القدوة الحسنة، وذلك أن العامة والنساء خاصة ينظرون إلى من هو أقل منهم في استغلال أوقاتهم واستثمار حياتهم، والواجب أن نعلم أن قدوتنا في من هو أعلى وأكمل وأجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] فالحذر الحذر من قرين وقرينة السوء اللذين يدسان السم في العسل، واللذين يغران بمعسول الكلام، والحذر الحذر ممن يهونون المعصية، ويعظمون أمر الطاعة، ويجعلون شأن التوبة بعيداً، ومنالها أمراً صعباً حديداً، فأولئك من شياطين الإنس الذين قاد بعضهم بعضاً إلى ما لا يرضي الله عز وجل، إنه قرين السوء لا يريد بصاحبه خيراً: ما عاتب المرء الكريم كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالحُ قل لنا من جليسك فنقول لك من أنت، واعرف وانظر من جليس ابنتك أو موليتك ثم احكم لتعرف من هي، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27 - 29]. إن بعض الفتيات -هداهن الله- يشعرن بالنقص كلما أرادت التوبة، ويشعرن بالعجز كلما أرادت الإقلاع، وتشعر بالإحباط كلما صممت على هجر المنكر والمعصية، وما ذاك إلا من الشيطان الذي هو عدو الإنسان قال عز وجل: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] أما إن الفتاة لو صممت وعزمت وشمرت واجتهدت ثم تركت هذه المنكرات، وطلقت تلك المعاصي، وأقبلت على الطاعة؛ قراءةً للقرآن، وتدبراً للسنة، وإقبالاً على النافع من الكتب، وحرصاً على جليسة صالحة، وقرينة نافعة، فإن ذلك -بإذن الله- يورثها استقامة وصلاحاً، وإن كثيراً من الناس ليعلمون إدبار بناتهم أو أخواتهم أو مولياتهم عن الاستقامة ولكن بعضهم كثيراً ما يضرب الأنامل بعضها ببعض، أو يضع كفاً على كف ويقول: كيف أنصحها وأنا رجل وهي امرأة، وأنا ذكر وهي أنثى، وكيف أؤثر عليها، نقول: خاطبها كلِّمها وجهها أرشدها حذرها، بيِّن لها ما يحاك لها ويدبر ويتربص بها، وعظها وقل لها في نفسها قولاً بليغاً، وادعها إلى التوبة التي أمرنا بها، فالله عز وجل يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] وبين لها حاجتها إلى التوبة، وحذرها من سوء الخاتمة، فعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يبعث كل عبد على ما مات عليه) فأيما رجل أو امرأة مات على خنا بعث عليه، مات على رباً بعث عليه، مات على فاحشة بعث عليها، مات على معصية بعث عليها، ومن مات على طاعة بعث عليها، فالواجب أن ننبه إلى خطر سوء الخاتمة.

نساء خلد ذكرهن

نساء خُلِّد ذكرهن لابد أن نرشد إلى سير الصحابيات، القدوة الصالحة من نساء المؤمنين وأمهات المؤمنين، وخذوا هذا الأنموذج الرائع الفريد الجميل.

أسماء بنت يزيد

أسماء بنت يزيد جاء في صحيح مسلم رحمه الله أن أسماء بنت يزيد الأنصارية أتت النبي صلى الله عليه وسلم والنبي جالس بين أصحابه: فقالت أسماء بنت يزيد: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أنا وافدة النساء إليك، إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وصدقناك، إنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن أحدكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وزينا أولادكم، أفنشارككم في هذا الخير والأجر؟) لله درها من امرأة! لله درها من صحابية! تسأل النبي هل لها فيما يناله الرجال من الأجر نصيب، تقول: أفنشارككم في هذا الخير والأجر؟ -قالت أسماء مقالتها هذه- فأُعجب النبي صلى الله عليه وسلم وسر بها سروراً بالغاً، ثم التفت إلى أصحابه يسألهم قبل أن يجيبها فقال: (هل سمعتم مسألة امرأة قط أحسن من مسألة هذه المرأة في دينها؟ فقالوا: يا رسول الله! ما ظننا امرأة تهتدي إلى هذا؟ فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى أسماء يجيبها على مسألتها ويرد على مقالتها، فقال: اعلمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله).

ماشطة بنت فرعون

ماشطة بنت فرعون أيها الأحبة هذه أنموذج لنا أن نسرده، وأن نبينه، وأن نقصه لبناتنا ونسائنا، وفي التاريخ من النساء الصابرات الصامدات الثابتات على الحق اللائي ابتلين بفتنة الموت في سبيل الله فثبتت على ذلك، ومن هذا ما يبينه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (كانت الليلة التي أسري بي فيها أتت علي رائحة طيبة، فقلت: يا جبريل! ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال: هذه رائحة ماشطة ابنت فرعون وأولادها، قال: قلت: وما شأنها؟ فقال: بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم إذ سقط المدرى -أي: المشط- من يدها، فقالت: باسم الله، فقالت ابنة فرعون: يعني أبي؟ قالت: لا، ولكن ربي ورب أبيك الله، فقالت: أخبره بذلك؟ فقالت الماشطة: نعم، فأخبرته، فدعا فرعون الماشطة فقال فرعون: يا فلانة! وإن لك رباً غيري؟ قالت: نعم. ربي وربك الله، فأمر بتنور من نحاس، فأحميت ثم أمر بها أن تلقى الماشطة هي وأولادها في هذا التنور فقالت الماشطة: إن لي إليك حاجة، فقال: ما حاجتك؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام أولادي في ثوب واحد وتدفننا جميعا، قال: ذلك لك علينا من الحق، قال: فأمر فرعون بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداً إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها رضيع، وكأنها تقاعست وأدركتها الشفقة لأجله، فأنطق الله رضيعها فقال: اقتحمي يا أماه فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فاقتحمت) هذه قصة ثابتة في مسند أحمد رحمه الله، وسندها صحيح، نسوقها إلى كل فتاة مسلمة أن تنظر ما تلقى من بلاء وامتحان، وما تلقى تلك الماشطة الصابرة الثابتة من بلاء وامتحان. ولها أيضاً في سمية بنت خياط، وفي نسيبة، وفي أم عمارة، وفي غيرهن من الصحابيات أسوة حسنة، تلك امرأة تمتحن بالقتل والإحراق بالنار في سبيل الثبات على دينها، فتختار نار الدنيا على نار الآخرة، وتختار أن تقتحم النار ثباتاً على دينها، وواحدة من بناتنا -يا عباد الله- تبتلى في أغنية فلا تصمد في هجرها، تبتلى في موضة فلا تصمد في مقاطعتها، تبتلى في شيء من هذه الأمور الحقيرة التافهة فلا تثبت فيها، ألا وإنا ننتظر من بناتنا وزوجاتنا ونسائنا توبة نصوحاً، وصلاحاً في الذات، وإصلاحاً لغيرهن، ونذكر الجميع بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا). فالله الله يا عباد الله! وجهوا البنات والزوجات، والفتيات والأمهات، إلى طلب العلم بما تيسر من وسائله وسبله، وإلى حفظ القرآن والعناية بالسنة، وجهوا المرأة إلى الشريط الإسلامي استماعاً وتلخيصاً، وتكراراً وإهداءً وتبادلاً، وجهوا المرأة إلى الدروس الدورية النافعة في بيوتهن أو في المساجد، وجهوهن إلى ما يرضي الله عز جل، وجهوهن إلى الندوات والمحاضرات النافعة، فكم من رجل يحمل أولاده إلى أماكن ما يسمى بالفسحة، وقل أن يحملهم معه إلى محاضرة نافعة أو ندوة مفيدة، وإن على معاشر الأولياء، أن يعينوا الفتاة بأن تقيم في بيتها دروساً لها ولقريباتها ولجاراتها، ففي هذا نفع عظيم، واجعلوا من كل واحدة منهن قدوة حسنة عسى الله أن يكف بأس الذين ظلموا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً: رب البنات على الفضيلة إنها في الشرق علة ذلك الإخفاقِ الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراقِ أسأل الله أن يثبت بناتنا ونسائنا، وأن يصلحهن، وأن يجعلهن لنا قرة أعين، وأن يعيننا على ما ولينا في شأنهن وتربيتهن والعناية بهن. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم من أراد بالمرأة المسلمة بهذه البلاد خاصة وفي سائر بلاد المسلمين عامة تبرجاً وسفوراً ورذيلة، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، وأرنا فيه عجائب قدرتك، وعجل اللهم به بأسك وسخطك يا رب العالمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم ولِّ علينا خيارنا، واكفنا شرارنا. اللهم اجمع شملنا، وولاة أمرنا، ولا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً يا رب العالمين، اللهم اهد إمامنا وأصلح بطانته، وقرب له من علمت خيراً له ولإخوانه يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين وكشمير وأرومو، وإرتيريا، والفليبين، وفي طاجكستان وأفغانستان وسائر البقاع يا رب العالمين. اللهم توفَّنا وأنت راضٍ عنا، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم يا حي يا قيوم، يا من لا يخيب سائله، لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مرضاً إلا شفيته، ولا حاجة إلا قضيتها، ولا غائباً إلا رددته، ولا تائباً إلى قبلته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا متزوجاً إلا ذرية صالحة وهبته. اللهم صلِّ على محمد على آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

رحلة إلى الدار الآخرة

رحلة إلى الدار الآخرة الموت حق على كل حي في هذه الأرض؛ سواءً كان ملكاً أو رئيساً أو جباراً أو عنيداً، أو صالحاً أو فاسقاً، لكن ماذا بعد الموت؟ وماذا بعد دار الدنيا؟ بعدهما دار الآخرة التي غفلنا عن الاستعداد لها، وأنت هنا مع الشيخ في رحلة إلى تلك الدار، فاستعد نفسياً لما يقع فيها من عجائب وأهوال.

الفرق بين المسلم والكافر يوم القيامة

الفرق بين المسلم والكافر يوم القيامة الحمد لله حمداً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال ربنا وعظيم سلطانه، نحمده سبحانه، خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل خيرٍ سألناه أعطانا، له الحمد في الأولى والآخرة، له الحمد وحده لا شريك له، نثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، نرجو رحمته ونخشى عذابه، إن عذابه الجد بالكفار ملحق. وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، جل عن الشبيه، وعن الند، وعن المثيل، وعن النظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، لم يعلم سبيل خيرٍ إلا دل أمته عليه، ولا سبيل شرٍ إلا حذَّر أمته منه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر الأحبة: كلنا يعلم أنه لو كان بانتظار مفاجأة سارةٍ أو ضارة، مليحة أو قبيحة، فإنه يتخيل نفسه فيها، ويتصور ما سيكون له تجاهها، فالذي ينتظر التفرج مثلاً، يتخيل يوماً يقف فيه أمام زملائه وأمام مكرميه، لكي يستلم شهادته غبطاً مسروراً بنتيجة جهده وتحصيله، والذي ينتظر وظيفةً يتخيل مكتبه ومقعده وما بين يديه من الدفاتر والمعاملات، والذي ينتظر زواجاً يتخيل زفافه ومسيره ووصوله إلى أهل عروسه، ويتخيل دخوله على زوجه، ويتوهم ويتخيل أحلى أيامه ولياليه معها، والذي ينتظر صناعةً يتخيل إنشاء مصنعه، والإنتاج في هذا المصنع، ثم خروج بضاعته ومنتجاته وتوزيعها على مستهلكيها، ويقبض غلتها وريعها ومردودها، يتخيل عده دراهمه وإيداعها في خزينته، والذي يتخيل تجارةً، يتخيل بضاعته ومستودعاته ودفاتره ومحاسباته، والذي يهم أو ينتظر سفراً يتخيل إقلاع طائرته، ثم تحليقها وهبوطها ونزوله إلى بلدٍ يسافر إليها، ثم بعد ذلك يتخيل أيامه في سياحته أو في سفره وتنقلاته، ونحن يا عباد الله! بانتظار مفاجأة سارةٍ أو ضارة، بانتظار مفاجأةٍ مليحة أو قبيحة، حسنها وقبحها، يتوقف على عمل صاحبها، ألا وهي رحلتنا من الدنيا إلى دار البرزخ، ومن دار البرزخ إلى دار القرار والآخرة. على أي متن رحلةٍ سننتقل؟ وما هي مدة الرحلة؟ ومن هم المضيفون؟ ومن الذين يستقبلون؟ وماذا سيقدم لنا في سفرنا ورحلتنا هذه؟ ينبغي أن نتوهم ذلك وأن نتخيله وأن نتذكره، كيف سيكون شأننا في هذه الرحلة؟ والذي يسافر في رحلةٍ ولا يتخيل ماذا سيكون له من أعماله أو مفاجآته، أو جدول ما سيقدمه ويعده، فذاك نسميه معتوهاً أبله؛ لأنه يسافر إلى بلدٍ لا يدري ماذا سيفعل فيها، ولأي شيءٍ ولأي غرضٍ قدم إليها. فيا أحبتنا في الله: تعالوا معي، وتخيلوا وتوهموا حالنا، ونحن نودع هذه الدنيا، وننتقل إلى دار البرزخ، تخيل كأنه قد نزل بك الموت وشيكاً سريعاً، فتوهم نفسك وقد صرعك الموت صرعة، ملك الموت واقفٌ على رأسك، يصرعك صرعةً لا تقوم منها إلا في الحشر إلى ربك، فتوهم نفسك في نزع الموت وكربه وغصصه، وسكراته وضمه وقلقه، قد بدأ ملك الموت يجذب أرواحنا من الأقدام، فوجدنا ألم جذب الروح من أسفل القدمين، ثم تدارك الملك الجذب واستحث النزع، وجذبت الروح من جميع أجزاء البدن، فنشطت الروح من الأسفل متصاعدةٍ إلى الأعلى حتى إذا بلغ منك الكرب منتهاه، وبلغت الروح الحلقوم، وعلت آلام الموت جميع جسمك وقلبك، وقلبك وجلٌ محزونٌ مرتقب، تنتظر البشارة أو النتيجة، إما بغضبٍ من الله أو رضى، وقد علمت أنه لا محيص لك دون أن تسمع إحدى البشارتين، لا محيص ولا محجى ولا منجى إلا أن نسمع إحدى البشارتين من الملك الموكل بقبض الروح ونزعها. يا ابن آدم! أنت الذي ولدتك أمك باكياً والناس حولك يضحكون سروراً فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً فبينما أنت في كربك وغمومك، وأنت في آلام الموت وسكراته وشدة حزنك، لارتقابك وانتظارك البشارة، كالذي يقف بين يدي الحاكم مطرقاً رأسه، إما أن يؤمر بعذابه أو أن يؤمر بتكريمه وتفريحه، بينما أنت تنتظر البشارة من ربك، إذ نظرت إلى صفحة وجه ملك الموت بأحسن صورة، أو نظرت إلى ملك الموت بأقبح صورة، ونظرت إلى الملك، وأنت ترى من حولك وأنت في بعدٍ وفي شأن آخر منهم، تراهم ولا ينظرون إلى ما تنظر إليه -على سريرك أو على فراشك، في بيتك أو في المستشفى- يجثون على ركبهم، ينتظرون ماذا يحل بك، وأنت تراهم وتعلم أنهم لا يرون ما تراه، أنت ترى ملك الموت، نظرت إلى صفحة وجه ملك الموت بأحسن صورة، أو نظرت إلى صفحة وجه ملك الموت بأقبح صورة، ثم مد الملك يده إلى فمك ليخرج الروح من بدنك، فذلت نفسك، وخارت قواك، وضعفت قوتك لما عاينت ذلك، وعاينت وجه ملك الموت، وتعلق قلبك بماذا يفاجئك من البشارة إذ سمعت صوت نغمةٍ جميلة، أبشر يا ولي الله! برضىً من الله، أبشر يا ولي الله! برضى الله وثوابه، أو تسمع ذلك الملك قبيح الصورة يقول: أبشر يا عدو الله! بغضبٍ من الله وعقابه، فتستيقن حينئذٍ بنجاحك وفوزك، ويستقر الأمر في قلبك، فتطمئن إلى الله أو تستيقن العذاب والهلاك، ويحل الفزع قلبك وتندم حينئذٍ غاية الندم، ويحل بك الهم والحزن أو الفرح والسرور حين انقضت من الدنيا مدتك وودعت من عمرك أيامك وانقطع أثرك، وحملت إلى دار من سلف من الأمم قبلك، كلٌ يرى حين موته مقعده من الجنة أو من النار، فهذه ابتسامة الموتى يوم أن نراها على وجوههم، أو قلق وانزعاج الوجه والمحيا، حينما يرون ما لا يسرهم. عباد الله: ثم ماذا بعد ذلك؟ توهم نفسك، تخيل نفسك حين استطار قلبك فرحاً وسروراً، أو ملئ حزناً وعبرةً بفترة القبر وهول مطلعه وروعة الملكين وسؤالهما، يسألانك عن إلهك، عن إيمانك بربك، فمثبتٌ من الله جل ثناؤه بالقول الثابت، أو متحيرٌ شاك مخذول، الذين حولك إن كان منهم من يحبك، وقف لحظات عند قبرك وهو يقول: اللهم ثبته بقولك الثابت، اللهم ثبته بقولك الثابت. أنت أنت يا من لم تسمع في ظلمة اللحد، واللبن قد أغلق على لحدك، وأهيل التراب حتى ختم باب قبرك، ثم ولى الناس مسرعين إلى حوائجهم ينسونك عند آخر خطوةٍ يتجاوزون فيها باب المقبرة، وإن كان لك من حبيب أو أخٍ في الله وقف عند قبرك والناس قد ولوا وتركوك، وحبيبك هذا يقول: اللهم ثبته بقولك الثابت، اللهم لقنه حجته، اللهم لقنه حجته، فتوهم ذلك وأصوات الملائكة عند ذلك، توهم صوت الملكين حين يناديانك فيجلسانك ليوقفاك على السؤال، توهم كيف تجلس في ضيق لحدك، وقد سقطت أكفانك على حقويك، والقطن سقط من عينك على ركبتيك وقدميك، ثم رفعك البصر، وشخوصك ببصرك إلى صورة الملكين، وعظم أجسامهما، فإن رأيتهما بحسن الصورة أيقن قلبك بالفوز والنجاة، وإن رأيت ملكين قبيحين تيقنت الهلاك والعذاب، تخيل أصوات الملكين وكلامهما وتخيل سؤالهما، ثم بعد ذلك هو تثبيت الله إن ثبتك أو خذلك، وتخيل جوابك يوم يسألانك، وجوابك باليقين أو بالحيرة والشك، وتخيل إقبال الملكين عليك، إن ثبتك الله عز وجل، وإقبالهما عليك بالسرور، وضربهما بأرجلهما جوانب القبر فينفرج القبر عن النار ثم تنظر إلى النار، وهي تتأجج بحريقها، وأنت تنظر ما صرف عنك من لهيبها ونارها، فيزداد قلبك سروراً وفرحاً، وتوقن أنك نجوت من هذه النار التي نظرت إليها، أو توهم أن الملكين ضربا بأرجلهما جوانب قبرك وانفراجه عن الجنة بزينتها ونعيمها وقولهما لك: يا عبد الله! انظر إلى ما أعد لك، فهذا منزلك وهذا مصيرك، أو تتخيل أن ترى الجنة ثم يقال: حرمت منها، وأن ترى النار ويقال: أنت من أهلها، تخيل سرور قلبك وفرحك بما عاينت من نعيم الجنان وبهجة ملكها، وعلمت أنك صائرٌ إلى ما عاينت من نعيمها وحسن بهجتها، وإن تكن الأخرى، إن كنت عاينت النار توهم خلاف ذلك كله، تخيل ما ينهرك، وتخيل ما تنظر إليه ويقال لك: انظر إلى ما حرمك الله عز وجل من النعيم، ثم تنظر النار ويقال لك: انظر إلى ما أعد الله لك، فهذا منزلك ومصيرك، فأعظم بهذا خطراً، وأعظم عليه بالدنيا غماً وحزناً حتى تعلم في القبر حالك، وتعلم في القبر مآلك.

أبيات شعرية تصف الموت والقبر

أبيات شعرية تصف الموت والقبر هذه الرحلة أيها الأحبة! وهذا الوداع، وهذا الفراق، وهذه الغربة التي لا أنيس ولا جليس ولا حديث، سوى العمل الصالح، والله إنها الغربة، ليست غربة الأوطان، ولكنها غربة الأبدان في الظلمات، وغربة الأشلاء بين الدود والتراب. ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفن إن الغريب له حقٌ لغربته على المقيمين في الأوطان والسكن لا تنهرن غريباً حال غربته الدهر ينهره بالذل والمحن سفري بعيدٌ وزادي لن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبني تمر ساعات أيامي بلا ندم ولا بكاء ولا خوف ولا حزن يا معاشر المؤمنين: ما أحلم الله، إن الله حليمٌ علينا! ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني يا زلةً كتبت في غفلة ذهبت يا حسرةً بقيت في القلب تحرقني دع عنك عذلي يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتفكير والحزن دعني أسح دموعاً لا قياس لها فهل عسى عبرة منها تخلصني كأنني بين تلك الأهل منطرح على الفراش وأيديهم تقلبني كأن ما كان حولي من ينوح ومن يبكي عليَّ وينعاني ويندبني وقد أتوا بطبيب كي يعالجني ولم أر الطب في ذا اليوم ينفعني واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرقٍ بلا رفقٍ ولا هون وأخرج الروح مني في تغرغرها وصار حلقي مريراً حين غرغرني وسل روحي وظل الجسم منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شرا الكفن وقام من كان أولى الناس بي عجلاً إلى المغسل يأتيني يغسلني وقال يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطن فجاءني رجلٌ منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الماء يغسلني وأسكب الماء من فوقي وغسلني غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفن وألبسوني ثياباً لا كمام لها وصار زادي حنوطي حين حنطني وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني صلوا عليَّ صلاةً لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني وأنزلوني في قبري على مهل وأنزلوا واحداً منهم يلحدني وأكشف الثوب عن وجهي لينظره وأسبل الدمع من عينيه أغرقني فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وأطرح اللبن من فوقي وفارقني وقال: هلوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الجبار ذي المنن بكيت لما كساني الترب منجدلاً صار التراب على ظهري فأثقلني في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا أبٌ صديق ولا أخٌ يؤانسني وأودعوني ولجوا في سؤالهمُ ما لي سواك إلهي من يخلصني وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت من هول مطلع ما كان أغفلني من منكرٍ ونكير ما أقول لهم إذ هالني منهم أمر فأفزعني جاءك منكر ونكير وقال لك: ماذا عملت في دنياك؟ تقول: نمت الليل إلى وقت الدوام، بعت أفلام الملاهي وأشرطة الفيديو، بعت آلات الطرب، سهرت مع الأصدقاء، ضيعت صلاة الجماعة، اشتغلت بالغفلة، طربتُ للغناء، نسيت ذكر الله، غفلت عن قبري. وهالني صورةٌ في العين إذ نظرت من هول مطلع ما كان أغفلني من منكرٍ ونكير ما أقول لهم إذ هالني منهم أمر فأفزعني فامنن عليَّ بعفو منك يا أملي فإنني موثق بالذنب مرتهن تقاسم الأهل مالي بعد ما انصرفوا وصار وزري على ظهري يثقلني واستبدلت زوجتي بعلاً لها بدلي وملكَّته على مالي وفي وطني وصيرت ولدي عبداً ليخدمه وصار مالي له ملكٌ بلا ثمن فلا تغرنك الدنيا وزينتها وانظر إلى أهلها في الأهل والوطن انظر إلى من حوى الدنيا ليجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن انظروا إلى الملوك، انظروا إلى الأثرياء، انظروا إلى الحكام، انظروا إلى الرؤساء، انظروا إلى أرباب الأموال، هل جعلوا في القبر معهم رصيداً؟ أو وقف على القبر لهم حارساً؟ أو جعلوا في اللحد معهم خادماً؟ انظر إلى من حوى الدنيا ليجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن خذ القناعة في دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

دعوة للمحاسبة

دعوة للمحاسبة الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أحبتي في الله: هل سمعتم برجلٍ أو شابٍ إذا علم أن صديقه في السجن ذهب نجدةً ونخوةً وبذل شفاعته وجاهه وماله لكي يخرج صديقه من السجن، فأنت ماذا فعلت حتى تخرج نفسك من النار؟ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ماذا فعلنا حتى نخرج أنفسنا من سجون اللحود إلى روضات الجنات؟ ينزل بنا الأصدقاء والأقارب والأهل، فننحر لهم الذبائح ونعد لهم الضيافة ونكرمهم ولا نبخل عليهم، لكننا نبخل على أنفسنا بالأعمال الصالحة، أي بخيلٍ أبخل من الذي يهمل نفسه ويجعلها مقادةً للشيطان، إذا قال له الشيطان: احلق لحيتك، توجه إلى المرآة فحلقها، إذا قال له الشيطان: اسبل ثوبك، أطلق ثوبه يجره، وهو يعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) إذا قال له الشيطان: اسهر هذه الليلة، سهر حتى ترك صلاة الفجر، إذا قال له الشيطان: اسمع هذا الطرب والغناء، ذهب ليشتري نسخة أصلية، ويباهي زملاءه وقرناءه وأنداده بوجودها عنده، وليست عندهم. إذا قال له الشيطان ووسوس وأوحى إليه أي كافر: سافر إلى بلد الفجور والخنا والزنا، إذا وسوس له الشيطان: اشرب ما بدا لك، شرب وطاح ثملاً سكيراً مستطلاً، إذا قال له الشيطان: افعل كذا، استجاب وانقاد، يغويه الشيطان فيستجيب له: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] أولئك يعلمون ويسمعون مثل هذه المواعظ ويعرفون الخاتمة، ويعرفون الفناء وقرب الرحيل، ودنو الزوال، ومفاجأة الموت، وهول المطلع، وإفلاس النفس من شفاعة الأصدقاء والأقارب والجلساء، ولا يبقى لك إلا نفسك، إن كان معها عملٌ صالح يخلصك بهذا العمل بعد رحمة الله جل وعلا، وإلا فتبقى كسيراً طريداً شريداً وحيداً في قبرك، أفبعد هذا نتمادى يا عباد الله؟! أبعد هذا ننسى الآخرة؟ أبعد هذا نستمر على عصياننا؟ ويوم أن ينصحنا أحدٌ من الصالحين نقول: الحمد لله نحن ملتزمون، وإذا سمعنا ونظرنا إلى هذا الالتزام، وجدناه التزامٌ على سماع الغناء، والتزامٌ على سهرٍ في معصية، والتزامٌ على ترك صلاة الفجر والصلوات مع الجماعة، والتزام على المداهنة، والتزامٌ على ترك الأمر بالمعروف، والتزامٌ على ترك النهي عن المنكر، أي التزامٌ هذا يا عباد الله؟! والله لقد زين الشيطان لأقوامٍ حسن أفعالهم. يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن تأملوا وقفوا وحاسبوا أنفسكم أياماً قلائل وتصدر ميزانيتنا، فما هي ميزانية الأعمال الصالحة؟ فنمضي فنودع عاماً مالياً، سنسمع فيه كل شيء، فلنحاسب أنفسنا، ما هي ميزانيتنا المالية بالحسنات والسيئات؟ كم حسنة أودعناها في الصحيفة؟ وكم خزيةٍ وسيئة وعارٍ ومعصية أودعناها في الصحيفة؟ ولو ختم لنا بهذه الخاتمة بماذا نقابل الله؟ أيتسع القبر لمن تاجر بالملاهي؟ أيتسع القبر لمن ترك صلاة الجماعة؟ أينفرج اللحد لمن عصى الله جهاراً نهاراً؟ أيتسع القبر لمن جاهر الله بالمعصية؟ أيتسع القبر لمن غفل عن ذكر الله واستطرب الملاهي ومزامير الشيطان؟ أم يتسع القبر لعبدٍ من عباد الله مشى في ظلمة الليل والبرد القارس؟ (بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة) يتسع القبر لمن تدثر ملابسه ومضى يمشي خطوةً خطوة، وهو يسبح الله ويذكر الله، يسأل الله غفران زلة، ويسأل الله الثبات على يومٍ يستقبله، ويسأل الله استقبال يومٍ مليء بالصالحات، يتسع القبر ويرى الملائكة الحسان الوجوه، من حافظ على الصلاة مع الجماعة، من لم يتاجر بالملاهي، من لم ينشر الدعارة والأفلام الخليعة، من لم يساهم في نشر الفاحشة في المؤمنين، ينتظر أن يرى مقعده من الجنة، من دعا إلى الله على بصيرة، وأصبح هادياً مهدياً، داعياً إلى الله برحمةٍ من الله، لا بعمله ولا بقوله ولا بحوله، يقول صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته). أسأل الله أن يتغمدنا برحمته، أسأل الله أن يتغمدنا برحمته، أسأل الله أن يتغمدنا برحمته، اللهم اغفر ذنوباً سترتها، اللهم اغفر ذنوباً سترتها، اللهم اغفر ذنوباً سترتها، اللهم امح سيئات ما علمها الناس وعلمتها، اللهم إنا نتوب إليك فتب علينا في هذه الساعة المباركة في هذا اليوم المبارك، في ساعةٍ لعلها ساعة إجابة، نسألك اللهم أن تعفو وتغفر ما سلف، وأن تهدينا إليك فيما بقي، اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً، اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً، اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم توفنا راكعين ساجدين، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم توفنا على ما يرضيك، اللهم توفنا على ما يرضيك، ولا تقبضنا على خزيٍ أو عارٍ أو شرابٍ أو معصيةٍ أو فاحشةٍ أو جريمةٍ يا رب العالمين. اللهم زينا بزينة الإيمان، اللهم جملنا واسترنا بالإيمان، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين يا رب العالمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم جازهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم من كان منهم على ظهر هذه الدنيا حياً، اللهم متعه بالصحة والعافية على طاعتك، واختم اللهم له بمرضاتك. اللهم لا تجعل لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

رسالة إلى الشيخ المبارك

رسالة إلى الشيخ المبارك هذه رسالة موجهة إلى كبار السن الأجلاء، إلى من طعن في السن فبلغ الستين، أو أدركه الكبر فهو في السبعين، أو صار هرماً فهو في الثمانين. رسالة إلى من امتن الله عليه بنعمة الشيب في الإسلام، ندعوه فيها إلى المحافظة على هذه النعمة بحسن العمل، ومحاسبة النفس، وقبول الحق، والاستعداد للقاء الله، والإنابة والرجوع إليه.

أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين

أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: يا عباد الله: فاتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. معاشر المؤمنين: يقول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} [الحج:5] ويقول سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:54] وقال صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وقليل منهم من يجاوز ذلك). أحبتنا في الله: اليوم نقف وقفة مع أنفسنا وهي تقبل على المشيب، أو تدخل الكهولة، ونقف وقفة مع آبائنا وأحبابنا الذي ودعوا سن الكهولة ودخلوا في المشيب، نقفها مع هؤلاء الأعزاء على قلوبنا، مع كبار السن الذين نحبهم إجلالاً، ونعزهم تقديراً، هؤلاء الذين رسموا للجيل طريق النجاح، وأناروا للجيل درب الحياة، نقف وقفة تحية وثناء، وشكرٍ وعرفان، لمن سطروا بتجاربهم أروع المثل في تربية أبنائهم وإصلاح مجتمعاتهم، ونقفها وقفة مع الذين شابوا، ولكنهم لا يزالون سادرين غافلين لاهين: إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا فلأولئك الدعاء والثناء، وآخرون ممن كبروا ولا يزالون يعيشون المراهقة: ويقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخٌ قد تفتى وقفة مع كبار السن الأجلاء، أو من بلغ شأواً أو طعن في السن فبلغ الستين، أو أدركه الكبر فهو في السبعين، أو صار هرماً فلا تسأل عنه وهو في الثمانين: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأمِ

بيان فضل المشيب في الإسلام

بيان فضل المشيب في الإسلام أيها الأحبة: نقول لمن شابت لحيته، أو شاب ذقنه وعارضاه، نقول لمن كبر سنه، أنت من أنت في مكانتك ومنزلتك وقدرك، أنت الذي شبت في الإسلام، فاحمد الله على ذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: (من شاب شيبة في الإسلام، كانت له نوراً يوم القيامة) رواه الترمذي والنسائي، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من شاب شيبة كتب الله له بها حسنة، وكفر عنه بها خطيئة، ورفعه بها درجة). فيا من اشتعل رأسه شيبا! يا من كبر وهو يتردد على المسجد كل يومٍ خمس مرات! احمد الله على أن بلغت هذه الحال وأدركت هذه السنين وأنت على التوحيد والعبادة، بلغت من الكبر عتيا ولم تسجد لصنم، ولم تركع لوثن، بل أنت عابدٌ خاشعٌ منيبٌ أوابٌ أواهٌ محبٌ لله تعالى، فمن حق هذا الذي شاب على هذه الحال أن يجل ويوقر، وأن يدعى له بحسن الخاتمة، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم) رواه أبو داود، فأنت لك شرفك ومنزلتك، تقدم في المجالس، وتقدم في الكلام، وتقدم في كل شيءٍ حتى في أمر الدين إن لم يكن معك من هو أعلم منك، بل إذا استوى كبير السن ومن هو أصغر منه في العلم، فيقدم كبير السن لكبر سنه: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، وإن كانوا بالسنة سواء، فأقدمهم هجرة، وإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا) رواه مسلم وغيره، يقول ربنا عز وجل: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] والنذير هو الشيب كما جاء في تفسير الآية، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعذر الله إلى امرئٍ أخر أجله حتى بلغه ستين سن) رواه البخاري. قال القرطبي رحمه الله: والمعنى أن من عمّره الله ستين سنة لم يبق له عذر، لأن ابن الستين قريب من معترك المنايا، في سن الإنابة والخشوع، وترقب المنية والاستعداد للقاء الله عز وجل. ويقول قتادة رحمه الله: [اعلموا أن طول العمر حجة، فنعوذ بالله أن نغتر بطول أعمارنا]. ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (خيركم من طال عمره وحسن عمله) وليس كل طولٍ في العمر مزية يُحمد العبد عليها، بل ربَّ أناسٍ طالت أعمارهم وشابوا واحدودبت ظهورهم، وضعفت قواهم ولكنهم في مزيد من سخط الله وغضبه، واستجلاب عقابه وعذابه المرء يفرح بالحياة وطول عيشٍ قد يضره تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره وتسوءه الأيام حتى ما يرى شيئاً يسره كم شامتٍ بي إذ هلكت وقائل لله دره ليس كل طول عمرٍ يحمد عليه العبد، إلا ما كان في طاعة الله: (طال عمره وحسن عمله). فيا أيها الشيخ المبارك! يا من مضى من عمرك خمسون أو ستون ماذا قدمت؟ وماذا أعددت؟ وما هي عدة الرحيل وأنت تتهيأ لينقلك الأحباب والورثة، والأبناء والزوجة، لينقلوك من سعة دارك وقصرك، إلى ضيق لحدك وقبرك، ومن أنس أحبابك وخلانك، إلى وحشة الدود والجنادل والظلام في المقبرة؟ ومن نور هذا البيت وإضاءة هذا القصر، إلى ظلمة هذا اللحد والقبر، ماذا أعددت وأنت على وشك الرحيل: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه).

الاستعداد للقاء الله سبحانه وتعالى

الاستعداد للقاء الله سبحانه وتعالى أيها الشيخ المبارك: جاوزت الخمسين أو أقبلت عليها أو تمضي فيها ولم تحفظ بعد جزءاً من كتاب الله عز وجل. أيها الشيخ المبارك: جاوزت الخمسين وأنت لا تزال تدع الصلاة مع الجماعة وتصلي في دارك بأوهى عذرٍ، ولو كان عرضاً قريباً أو سفراً قاصداً، أو مصلحة مادية لانقلب ذاك الضعف قوة، وذلك التقوس في ظهرك اعتدالاً وصلابة، وتلهث وراء عرضٍ من الدنيا يسير، أولما دعاك المنادي حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح تثاقلت وجثمت على فراشك، أولما دعاك عبدٌ من عباد الله إلى عرضٍ فانٍ، وحطامٍ حقيرٍ من الدنيا انقلبت شاباً صلباً قوياً جلداً، طويل اللسان إلا في ذكر الله، طويل الباع إلا في الإنفاق في سبيل الله، طويل الخطى إلا في المشي إلى طاعة الله ومرضاته! عجباً لمن شاب على هذه الحال! نسأل الله السلامة والعافية. البعض يشيب ويكبر ويطعن في السن، ولم يتعود بعد أن يتقدم بين يدي ربه في الهزيع الأخير من الليل، بل لا زال بعضهم يكبر سنه ويطول سهره، ويكبر سنه ولا يزال يسهر افتتاناً بهذه القنوات الفضائية، وحديثه في المجالس إذا تصدرها رأيت في القناة الفلانية في البارحة الساعة الثانية ليلاً من قال كذا وكذا، وشاهدت في القناة الفلانية في الساعة الثالثة ليلاً من فعل كذا وكذا، ومثلك حقيقٌ به أن يكون في الثانية والثالثة ليلاً راكعاً ساجداً، باكياً أواباً، خاشعاً خاضعاً لله، يرجو الآخرة ويخشى عذاب ربه. [رأى أبو الدرداء رجلاً فقال له: كم عمرك؟ قال: ستون سنة، قال أبو الدرداء: الله أكبر! منذ ستين سنة وأنت تسير إلى ربك، يوشك أن تصل، فبكى الرجل فقال: ما الحيلة رحمك الله أبا الدرداء، قال: أصلح ما بقي يغفر الله لك ما مضى]. أيها الشيخ المبارك: يا من شبت وشاب ذقنك وعارضك، وسواءً ظهر الشيب أم أخفيته بالصبغ أو الحلاقة: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وقليل منهم من يجاوز ذلك) إذا علمت بقول نبيك صلى الله عليه وسلم، فلا تظنن أن حساب المنايا وقدوم الآجال يتوقف إن أنت غيرت من هيئتك، أو أخلفت من حالك، ظناً أن الآجال لا تأتي إلى كبار السن، واعلم أن مزيداً من التلميع أو التغيير في هذه الشخصية، لن يجعل المنية تبتعد قليلاً أو كثيراً، واعلم أنك لا تصلح ما أفسد الدهر: عجوزٌ تمنت أن تعود صبية وقد ذبل الخدان واحدودب الظهر فراحت إلى العطار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر إذا جاء النذير، وضعفت القوة وضعف البصر، واحتجت إلى العصا، وأدركت أنك مودعٌ، وأنك في انحدارٍ وانقطاعٍ من هذه الدنيا، إذا الرجال ولدت أولادها وأصبحت أسقامها تعتادها وكثرت من سقمٍ عوادها تلك زروعٌ قد دنا حصادها فما أجمل الاستعداد للقاء الله عز وجل، يا من شبت ماذا تصنع إذا بلغت هذه الحال والله عز وجل يقول: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف:15]؟ قال ابن كثير رحمه الله: وفيه إرشادٌ لمن بلغ الأربعين، أن يجدد التوبة وأن يعزم عليها. وقال النووي رحمه الله في رياض الصالحين: بابٌ في الحث على الازدياد من الخير في أواخر العمر. ونقلوا أن أهل المدينة كانوا إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تفرغ للعبادة. وقال مالك رحمه الله: أدركت أهل العلم عندنا وهم يطلبون الدنيا والعلم، ويخالطون الناس حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة، فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس واشتغلوا بالعبادة حتى يأتيهم الموت. نحن لا نقول يجب على كل من بلغ الأربعين أن يقطع مصالح الدنيا من كسبٍ حلالٍ وسعي على الذرية والزوجة والولد، بل نقول ينبغي لمن بلغ هذا السن أن يستعد، وأن يأخذ مزيداً من الاستعداد في وقته وطاقته، وإنفاقه وماله؛ ليقدم على الله عز وجل بذلك، ولتعلم أن العبرة بصلاح النهايات لا بقوة البدايات، ولتعلم أن المدار على آخر العمر، وأن الأعمال بالخواتيم، ولهذا كان من الدعاء المأثور، اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وصح عنه صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) ولا شك أن من شاب وتقدمت به السن، فهو أقرب إلى الموت، لأن الشباب ينتظرون مزيداً من العمر، وأما من شاب فلم يبق في عمره بقدر ما مضى، فالحرص الحرص يا من شبتم، والحرص الحرص يا كبار السن، والحرص الحرص يا من تخطون في هذه الأعمار إلى المقابر والدار الآخرة، الحرص على الإكثار من الطاعات، والإكثار من الاستغفار، والاستكثار من ذكر الله عز وجل، فإن الإنسان إذا تعود شيئاً أكثر من ذكره وشب وشاب ومات عليه: عود لسانك ذكر الله تحظ به إن اللسان لما يعتاد قوالُ

قبول الحق ولو على النفس

قبول الحق ولو على النفس أيها الأحبة! كثيرٌ من الناس ومنهم كبار السن على الأخص، ظن أن كبر سنه مسوغٌ له أن يتكلم في رد حقٍ أو قبول باطلٍ أو مكروه، وبعضهم إذا أُمر بمعروف أو نهي عن منكر قال لمن نصحه أو عامله: اسكت أنا أكبر منك وأنا أعلم منك، وليس في الحق كبيرٌ وصغير، إنما الكبر في قوة العلم بالدليل وخشية الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] أيها الكبير في السن: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل:116] نعم. بعض كبار السن إذا أمر أو نهي قال حدثنا من قبلنا، وأخبرنا من أدركناهم ونقلنا عمن عرفناهم فنقول له: إن كنت نقلت عن علماء أجلاء (فأنعم وحيهلا) وإذا كنت تنقل عن كبار سنٍ، أو آخرين ممن سبقوك إلى المقابر لم يعرفوا بعلمٍ ولا هدى ولا دليل، فليس في قولهم حجة، وليس في كلامهم محجة، بل الحجة فيما قاله الله وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم، وأفتى به عالمٌ جليلٌ يُطمأن إلى علمه وخشيته وتقواه، وهذه مسألة عظيمة لكبار السن ولصغارهم، أن يقبلوا الحق ولو على أنفسهم، وأن يقبلوا الحق ممن جاء به ولو كان الذي جاء به صغيراً أو أقل علما: تعلم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ رب كبير القوم لا علم عنده صغيرٌ إذا التفت عليه المحافل فبعض كبار السن قد ينفر من الحق ويرده إذا جاء به ولدٌ أو صغيرٌ أو قريبٌ ممن يراه ليس حقيقاً أن يحمل هذا، ولكن الحقيقة أن من حمل كلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فهو شريفٌ بذلك، يعظم شأنه وقدره بمقدار ما حمل من كلام الله وكلام رسوله، ويا أيها الذي شاب {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51].

الاستعداد للمشيب

الاستعداد للمشيب أيها الأحبة في الله: الاستعداد للمشيب حتى لا تكون الخطبة والكلمة لمن اشتعلت رءوسهم شيباً، بل وحتى تكون الموعظة للمتكلم والسامع، والشاب والذي بلغ سن المشيب، إن صلاح المشيب يتطلب استعداداً في وقت الشباب، الذين شابوا وتعودوا دخول المساجد قبل المؤذنين، والذين شابوا وتعودوا أن يمكثوا في المساجد ليكونوا آخر الناس خروجاً منها، الذين شابوا وأصبحت قلوبهم ترفرف في المساجد، وتهوي وتخفق شوقاً إلى المساجد، الذين شابوا وهم إذا دخلوا في المسجد أصبحوا كالسمكة في الماء، نعيماً ولذة، وإذا خرجوا منها أصبحوا كالسمكة قد أخرجت من الماء فهي تحن إلى الماء؛ لأن فيه أنس أرواحهم، ولذيذ ذكرهم، وجميل إخباتهم، ولذتهم في ركوعهم وسجودهم، هؤلاء لم يبيتوا ليلة غافلين عن المساجد فأصبحوا فجأة عشاقاً لها، لا إنما عودوا أنفسهم على ذلك، وقطعوا قطعاً وفصلاً جذرياً جوهريا في مرحلة من مراحل عمرهم استعداداً وقراراً صائباً حاسماً لا تردد فيه؛ أن ما مضى وانتهى ما انتهى، ليعود الواحد استعداداً للقدوم بين يدي ربه. نحن ما خلقنا في هذه الدنيا لنظل ونستقر فيها، إنها ممر وليست مستقراً، ومن تعلق بالدنيا استوحش من الآخرة، ومن اشتاق إلى الآخرة أعد لها وعمل لها، قيل للحسن البصري: [ما بالنا نكره الموت ونحب الدنيا؟ قال: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخركتم، فتكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب]. فيا أيها الأحبة: لا بد من الاستعداد للمشيب، ولا بد من تعويد النفس على المكث في المساجد، والتبكير إليها، ما الذي يضيرك أن تعود نفسك تاراتٍ وتارات، حتى يصبح أمراً لا بد منه ولا تقبل أن تتأخر عنه، أن تذهب إلى المسجد قبل الأذان وتمكث فيه؟ وما الذي يصدك أو يردك أن تمكث فيه؟ وما الذي يصدك أن تعود نفسك البقاء في بيوت الله، على حلق الذكر ورياض الجنة، ومجالس العلم، حتى تعود نفسك الأنس واللذة وأنت تخر بوجهك وجبهتك ساجداً إلى الأرض، عود نفسك أن تتلذذ بتمريغ الجبهة والأنف في حال السجود. وتأمل حالك وأنت تخضع وتركع لله عز وجل متلذذاً بهذه الحال التي حرم منها من لا يستطيع الركوع، أو حرم منها من لا يستطيع السجود.

سوء الخاتمة في الجور بالوصية

سوء الخاتمة في الجور بالوصية يا من شاب في الإسلام: احذر أن تفسد خاتمتك بالجور في الوصية، فإن من الناس من يكون صاحب مسجدٍ وعبادة، وصاحب قيامٍ وتهجدٍ وذكر، ولكن إذا خط القلم وكتب وصيته جار فيها جوراً عظيماً، جعله -والعياذ بالله- ينقلب إلى سوء الخاتمة، فتراه يوصي بحرمان البنات من الميراث، أو تراه يوصي بتفضيل ولدٍ على ولد في الميراث، وذلك لا يجوز أبداً، وما دام أن الله قد أحسن إليك في مشيبك وأقبلت على هذه الخاتمة الحسنة، فإياك أن تفسدها بجورٍ في الوصية، واعلموا يا معاشر الورثة أن من رأى وصية جورٍ، فإنه واجبٌ عليه، ولا نقول يجوز؛ بل واجبٌ عليه أن يبدلها وأن يغيرها، وألا يكون سبباً في تحقيق إثمٍ على كاتبها أو من أوصى بها، بل هو آمرٌ بمعروف مغيرٌ للمنكر.

كن قدوة لغيرك

كن قدوة لغيرك أيها الشيخ المبارك: يا من شبت في الإسلام! أنت القدوة لأولادك ولأبناء حيك وجيرانك، فليكن كلامك حسناً ولباسك حسنا، وفعلك حسنا، وإياك أن تخرم مروءتك، وإياك أن تهدم هيبتك حينما تزبد أو ترعد بأدنى تصرفٍ في متابعة أمرٍ لا يليق، أو انسياقٍ وراء شهوة شبابية من لعب ورقٍ، أو مشاهدة مباريات رياضية، أو مصارعة حرة، أو سهرٍ على الباطل، أو قنواتٍ فضائحية، هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها ما بال أشيب يستهويه شيطانُ إنك لتعجب يوم أن ترى كباراً في السن أخفوا شيبهم أو بقي شيبهم ظاهراً، وهم أمام المصارعة الحرة، يتصرعون أمام الشاشة إذا صرع صاحبهم أو صرعه خصمه، وإنك لتعجب من عباراتٍ بذيئة نتنة ملؤها السباب والشتيمة واللعن والطرد والإبعاد من رحمة الله، إذا كان يلعب الورق ثم أخلف صاحبه لعبته، أو أفسد عليه خطته، ينقلب إلى مراهقٍ يملأ المجلس سباً وشتماً، وربما بلغت المسألة إلى حد المضاربات والكلام البذيء. عجباً لأولئك الذين كبروا في السن وهذا فعلهم ولا يزالون على ذلك، كيف تكون قدوة صالحة ولا يزال (بكت الدخان) في جيبك؟ كيف تكون قدوة صالحة وأنبوب الأرجيلة أو الشيشة لا يزال أنيس شفتيك بدلاً من أن يكون ذكر الله ديدنك وطبعك وهجيراك؟ يا من شبت في الإسلام! أما تستحي وقد أكرمك الله بشيبة كريمة، إخوانك في الشيشان وداغستان، والبوسنة، والصومال وغيرها، شابوا يشردون، شابوا يطردون، شابوا مرضى لا يجدون دواء، شابوا فقراء لا يجدون مالاً، شابوا جياعاً لا يجدون طعاماً، شابوا ظمأى لا يجدون ماءً عذباً زلالا، وأنت قد شبت والدواء بين يديك، ولا تزال العافية في بدنك، ولا تزال كريماً في مجلسك في بلدك، في وطنك، في عزك وكرامتك، شيبة كريمة فلا تفسدها بالذنوب والمعاصي، شيبة عزيزة فلا تذلها بمعصية الله عز وجل والإمعان فيها، بل اجعل بينك وبين الله سراً في التهجد والذكر، والإنفاق في سبيل الله عز وجل. سبحان الله! شيخٌ كبيرٌ يريد أن يحاكي الشباب في مشيته، وحركته، وكلامه، وربما زين له الشيطان فحلق لحيته، أو خضب لحيته بالسواد، أو غير ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (لا تنتفوا الشيب! فإنه نور المسلم، من شاب شيبة في الإسلام كتب الله له بها حسنة، وكفر عنه بها خطيئة، ورفعه بها درجة) رواه أحمد وأهل السنن. وذكر عبد الرزاق في مصنفه عن سعيد بن جبير أنه قال: (يعمد أحدكم إلى نورٍ جعله الله في وجهه فيطفئه).

الحث على التوبة والرجوع إلى الله

الحث على التوبة والرجوع إلى الله أيها الشيخ المبارك: يا من شبت في الإسلام! يا من طعنت في هذه السنين! يا من ودّعت من السنين ما ودّعت، العودة العودة إلى الله، والإياب الإياب إلى الاستغفار، والرجوع الرجوع إلى طاعة الله ومرضاته، وبادر نفسك بالتوبة، بادر نفسك بالإنابة، وتخلص من الذنوب والمعاصي قبل أن يتلذذ بها من بعدك، وأنت الذي تحاسب عليها يوم القيامة. بعض الذين شابوا يؤتى إليهم فيقال لهم: أسهمكم في البنوك الربوية تخلصوا منها ما دمتم على قيد الحياة، فيقول: لا. اشترينا السهم بألف ريال، والآن السهم بمائة وثلاثة وستين ألفاً، من يفرط في مائة واثنين وستين ألفاً، إذا لم تجعل هذا الفرق تحت قدميك توبةً وإنابة لله عز وجل، واستغفاراً من ذلك: {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] فاعلم أن مائة واثنين وستين ألفاً سوف يتمتع بها الورثة من بعدك، وإذا جاءوا يوم القيامة {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]. وقال كل خليلٍ كنت آمله لا ألهينك إني عنك مشغولُ تأتي يوم القيامة تطلب حسنة، نصف حسنة، ربع حسنة، ألم أجمع لكم أموالاً، ألم أخلف لكم ثروات، ألم أفعل لكم؟ يقولون: هذا يومٌ كلٌ يقول فيه: نفسي نفسي، إذا كان أولوا العزم والملائكة الكرام والأنبياء والرسل، والشهداء والصديقون يقولون: نفسي نفسي، يقول صلى الله عليه وسلم: (يا فاطمة بنت محمد! سليني من مالي ما شئت، لا أملك لك من الله شيئاً يوم القيامة) إذا كان هذا شأن أولي العزم، بل شأن سيد الأنبياء والمرسلين، فما شأنك يا مسكين؟ أتظن أنك إذا خلفت ثروة من الحرام، من أسهم البنوك الربوية، أتظن أنك تبيت أو تموت قرير العين، وأنت الذي تحاسب عليها وتعذب عليها، وتكوى بنارها، ألا فتخلص منها، لأنهم لو ضربوا هذه المبالغ في عددها عشر مرات ما أخرت الأجل عنك ساعة: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:83 - 85] ماذا يفعل أبناؤك الذين خلفت لهم أموالاً حراماً؟ إن كان فيهم خيراً تخلصوا منها وإلا تمتعوا بها، وجعلوا عذابها وحسابها وشؤمها عليك وحدك، إن كانوا لا يعرفون حقيقة مصادرها.

السفر إلى بلاد الكفار

السفر إلى بلاد الكفار أيها الأحبة! إن من العجب والمحزن والمبكي، أن ترى بعض كبار السن لا يزال غارقاً في لشهواته، عددٌ ليس بالقليل من كبار السن، لما تقاعدوا من أعمالهم، تجد البعض منهم سافروا إلى الخارج وسكنوا هناك، والناس يتمنون أن يعيشوا في بلاد الإسلام، إن من الصالحين من لما تقاعد من وظيفته واشتعل رأسه شيباً هاجر إلى مكة والمدينة يريد أن يموت فيها، من استطاع أن يموت في المدينة فليفعل، المدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون، وآخر لما تقاعد اشترى له شقة في بلدٍ النساء فيه كاسيات عاريات، وبعضهم لا يجد أنسه إلا إذا أخذ جرائد الصباح واستمتع بها في مشهدٍ قد امتلأ طريقه وممر عبور الناس فيه بألوان الغاديات، وأصناف الكاسيات العاريات، يا سبحان الله إن منهم هداهم الله -وأقول هذا الكلام، وهي رسالة لا شك أنها ستصل أناساً ممن هم على هذه الشاكلة- من يمكث طيلة السنة خارج المملكة، فإذا جاء رمضان جلس في بيته يصوم مع أولاده، وليلة العيد الويل كل الويل إن لم تكن بطاقة الصعود إلى الطائرة للعود إلى تلك البلاد قد أعدت له، يترك شيئاً يسيراً من المال لأهله ويعيش وحده هناك، الله أعلم كيف يعيش، بل بعضهم معلومٌ عيشه بشهادة الشهود العيان، يشار إليه بالبنان، ويعرف حاله ومآله، وما يتقلب فيه بتلك البلاد، وقد قلت ذات يومٍ لأحدهم يا فلان! في كل مرة يستقبلك أولادك في المطار، وإن لم تتب فيوماً من الأيام يستقبلون تابوتاً فيه جثتك، اعلم إن لم تقطع هذه العادة والهجرة إلى بلاد الكفر والسكنى والمكث والبقاء فيها، إن لم تقطع هذه المعصية، إن لم تبادر بالإقلاع عن هذا الفعل لتعيش في بلاد التوحيد والإسلام، ولتجاور واحداً من الحرمين مكة أو المدينة، اعلم إن لم تبادر بالتوبة والإنابة والرجوع وأنت تعز وتكرم بين أولادك الذين يتعطشون لاستقامتك، ويتعطشون لحسن خاتمتك، ويخافون من حالٍ يشمت بهم الشامتون فيك، يقول لهم الناس فلانٌ أولاده تعودوا أن يستقبلوه، واليوم استقبلت جثته مع العفش، مع عفش المسافرين في المطار، فأسألك بالله من الذي يحمد حالك، أو يشكر صنيعك، أو يذكرك بخير، أو يذكر لك سيرة حسنة. اللهم أحسن ختامنا، اللهم أحسن ختامنا، اللهم أحسن ختامنا، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

نهاية الحياة الدنيا

نهاية الحياة الدنيا الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في دين الله ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أحبتنا في الله: عودٌ والعود أحمد إلى آباءٍ كرام، وأجدادٍ أجلاء لا يزال بعضهم جاهلاً بطريق الحياة، وأنها تنتهي إلى بابٍ مسدودٍ اسمه المقبرة، انتقالٌ إلى دار برزخية، وما أدراك ما يكون في هذه الدار البرزخية. أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر وأين المذل بسلطانه وأين العظيم إذا ما افتخر انتهاء وانتقال من هذه الدنيا إلى حالٍ لا يدفن مع الملك خادمه، ولا مع القائد جنديه، ولا مع الثري ماله، ولا مع الأميرة وصيفتها، ولا مع كبيرٍ ولا صغير: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] القدوم بين يدي الله عز وجل، الحال: حفاة عراة {وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94] فلمَ لا نستعد، ولِمَ لا نتهيأ، ولِمَ لا نتخلص من هذه الذنوب وهذه الأوزار بدلاً من أن تكون ميراثاً وتركة؟ ما ظنكم برجلٍ يشيب ثم يموت، فيقول الناس قد ترك مائة سهمٍ ربويٍ يتنازعه الورثه، أو ترك ألواناً وأصنافاً من آلات اللهو والطرب، أو ترك أضرباً وأنواعاً من أسباب العقوبة والمقت والسخط؟ إن الواجب على من تقدمت به السن، أن ينتبه لنفسه أكثر وأكثر، والعجب أن المثقفين من كبار السن، كلما تقدمت بهم السنون؛ كلما ازداد مراجعاتهم للأطباء، والتحاليل المخبرية، وفحوصات الأشعة، من أجل ماذا؟ لأنهم يدركون أن الضعف قد بدا على الأبدان، وما كانوا يترددون على الأطباء في فترة شبابهم، لكن لما كبر السن وظهر الشيب وضعفت القوى أخذوا يترددون، وهذا دليل على أن الشيء ينقص ثم ينقص ثم ينتهي، فيا كبار السن! عودوا إلى الله عز وجل، حتى تكون الخاتمة سعيدة هنيئة لذيذة. اللهم إنا نسألك عيشة هنيئة، وميتة سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح، اللهم صلِّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، إلهنا وربنا ومولانا وخالقنا، يا ودود يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعالٌ لما تريد، نسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، يا من إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، اللهم أهلك الروس الشيوعيين، اللهم اجعل سلاحهم في صدورهم، واجعل كيدهم في نحورهم، واجعل الدائرة عليهم، اللهم كما قهرتهم في أفغانستان فاقهرهم في الشيشان وداغستان، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم إنهم يحاصرون جروزني عاصمة إخواننا في الشيشان، إلهنا فاجعل جندك وملائكتك تحول بينهم وبين ما يريدون يا رب العالمين، اللهم اجعل جنودك الذي لا يعلمها إلا أنت تحول بينهم وبين ما يريدون، اللهم اجعل جنودك الذي لا يعلمها إلا أنت تحول بينهم وبين ما يريدون، اللهم ارحم النساء الثكالى، والأطفال اليتامى، والشيوخ الركع، والبهائم الرتع، اللهم ادفع البلاء عن إخواننا، اللهم ارفع البلاء عن إخواننا في الشيشان وداغستان، إلهنا لا حول ولا قوة إلا بك، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حسبنا وحسب إخواننا الله، حسبنا وحسب إخواننا الله وكفى وهو نعم الوكيل، اللهم سدد إخواننا المجاهدين، ووحد صفهم واجمع كلمتهم، وأقم على التوحيد دولتهم يا رب العالمين، اللهم انصرهم، اللهم عجل نصرهم، اللهم احفظهم، اللهم ثبتهم، اللهم أعنهم، اللهم أنزل الصبر والثبات واليقين والطمأنينة في قلوبهم يا رب العالمين، إلهنا ومولانا آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وحكامنا وعلماءنا على طاعتك، ولا تفرّح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً يا رب العالمين.

ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الدين معلومة، فلا يحتاج إلى تردد أو مشاورة أو دراسة، فهو مذكور في الكتاب والسنة، به نجاة الأمة، وبه نجاتنا وفوزنا وفلاحنا، وفي هذه المادة تحدث الشيخ عن فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم أتبعها بذكر شروطه وآدابه وبعض مسائله.

فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى. أيها الإخوة: نقف اليوم مع حديث عظيم من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: (يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظ، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). عباد الله: الأمور مقدرة، والآجال مؤجلة، والأرزاق مقسومة، والفرص محدودة، والأنفاس معدودة، وكل شيء بأجل مسمىً عند الله سبحانه وتعالى، فلنحسن ما بيننا وبين الله سبحانه وتعالى؛ فعند ذلك لا نخشى شيئاً قل أو كثر. أيها الإخوة: هذا حديث عظيم وجليل ينبغي أن ننتبه له وأن نجعله مقياساً دقيقاً في أعمالنا كي لا نقع في رضا الخلق بسخط الخالق؛ ولكي نستطيع أن نكسب رضا الخلق فعلينا بطاعة الله سبحانه وتعالى. أيها الإخوة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون هاجساً وحديثاً وعملاً وهمة في نفس كل مسلم، ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملاً دائماً نشغل أنفسنا به؛ لأن ذلك دليل على إخلاصنا ومحبتنا لربنا، وغيرتنا أن يعصى الله أمام أعيننا، ومحبتنا أن يكون الخلق كلهم مطيعين لله سبحانه وتعالى. يقول أحد السلف: وددت أن هؤلاء الخلق أطاعوا الله ولو قرض لحمي بالمقاريض. يريد أن يكون الناس في عبادة لله سبحانه وتعالى، وعدم عصيان لله سبحانه وتعالى ولو قرض لحمه بالمقاريض، انظروا الغيرة والإشفاق والمحبة لعباد الله سبحانه وتعالى! ولقد كان السلف الصالح يعتنون بموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عناية عظيمة، حتى إن بعضهم مع مجافاته وعدم محبته للمناصب والولايات يلزم نفسه أو يضطر لأن يتولى ولاية معينة فيها أشد الحساب ألا وهي القضاء، لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول ابن رجب: وكان بعض الصالحين يتولى القضاء، ويقول: أنا لا أتولى القضاء إلا لأستعين به على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أيها الإخوة: لا أظن بعد هذا -وقبل هذا في نفوسنا- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى تردد، أو مشاورة أو اتخاذ قرار أو دراسة، فالأمر وارد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبه صلاح الأمة، وبه نجاتنا وفوزنا وفلاحنا.

العدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

العدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها الأحبة: نحتاج إلى عدة حتى نمضي على هذا الأمر وأهم عدة هي الصبر، يقول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] لأن الإنسان لابد أن يصيبه شيء، وهذه سنة الله جل وعلا أن يكون أصحاب الباطل وأصحاب الحق في صراع دائم، فلابد أن يصيبك شيء من الابتلاء والامتحان في مالك، أو ولدك، أو فرصك، أو حياتك، لكن اسمع قول الله جل وعلا على لسان لقمان: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] وانظروا هذا الأمر: (أَقِمِ الصَّلاةَ) ثم ثنى بعده: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ) الصلاة مناجاة بل هي أعظم سند للمسلم في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17]. كذلك يا أخي المسلم! حينما تتسلح بالصبر في هذا الأمر المهم ينبغي أن تكون متصفاً بأمر آخر وهو الذي يجعل العباد يتأثرون بأمرك، ويقبلون كلامك، ويمتثلون ما تأمرهم به من أمر الله سبحانه وتعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، ألا وهو الإخلاص فهو مفتاح الانقياد للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، فالإخلاص يجعل هذه الكلمات مفاتيح سحرية شفافة تدخل إلى قلوب مغلقة فتفتحها، ثم توصل هذا الكلام إليها فتتأثر وتتفاعل، وهنا نتهم أنفسنا، ونتهم إخلاصنا؛ لأننا عرفنا أن الصحابة والسلف الصالح وعلماء الأمة كانوا يقفون في موقف واحد، أو في منبر واحد، أو في مكان واحد، فيعظهم ويأمرهم وينهاهم فتجدهم متأثرين يبكون خاشعين مخبتين، ما بالنا كثرت خطبنا، كثر كلامنا، كثرت محاضراتنا، كثرت كلماتنا ولا يتأثر إلا أقل القليل. أيها الإخوة: لنتهم أنفسنا، فإخلاصنا فيه دخن. يقول الحسن البصري: [الناس هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم] فالإخلاص الذي هو مفتاح سر الانقياد قد أوتينا من قبله، أو قد دخل علينا منه، فينبغي أن نحاسب أنفسنا وأن ندقق في أمورنا. أيها الإخوة: حينما نعلم أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نتيجته أن ينتشر الباطل ويتكاثر أصحابه ويتجرءون على أهل الخير والصلاح، ويجرءون في السخرية، ويجدون في الاستهزاء بهم، أيرضى المسلم أن يقع هذا لدينه وأبناء دينه؟! لا والله. إذاً: ما هو السلاح لصد هذا الأمر؟ هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسأضرب مثالاً كلنا نعرفه: منذ فترة كان الذي يُذكر عنه في بيته أن عنده عوداً إنساناً يتحدث به في المجالس، والآن يتجرأ كثير من الشباب ويخرج بهذا العود ويقف على قارعة الطريق مع شلة من الشباب، ثم يبدأ يعزف وقت الصلاة، يؤذن للصلاة وتقام الصلاة وينصرف الناس وهؤلاء على لهوهم وباطلهم، وقد كان أصحاب المنكر لا يستطيع واحد إظهاره، بل أن بعضهم يخرج العود في خيشة، وهي: كساء من الليف؛ خشية أن يظن أن في بيته عوداً، والآن بكل بجاحة وجرأة يقف على قارعة الطريق، والسبب في ذلك نحن؛ لأننا رأينا أول واحد وثاني واحد وعاشر واحد ولا نقف في وجهه إلا ما ندر، وما وجد من يقول لهؤلاء الشباب: اتقوا الله الذي جعل لكم السمع والبصر، لو شاء الله لأشل هذه الأصابع التي تعزف بها وتتفنن بالعزف بها، لو شاء الله لجعلها مشلولة فما استطعت أن تحركها، إذا لم تقلع عن هذا المنكر فكن مختبئاً، لا تجاهر بالمنكر، فإن أنكر المنكر أن يجاهر المرء به، وإن أفسق الفسق أن يجاهر الفاسق بفسقه.

أمور ينبغي أن تراعى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

أمور ينبغي أن تراعى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيها الإخوة: من الأمور المهمة التي ينبغي أن نلاحظها وأن نراعيها فيما يتعلق بموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

المصالح والمفاسد

المصالح والمفاسد حينما نأمر بمعروف نعلم أن هذا الأمر أو أن هذا النهي لا يفضي إلى مفسدة، وأن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر يكون ميزانه في درجات، وبالمناسبة فالاستجابة ليست شرطاً، فإنه قد يقول قائل: أنا أعلم مليون في المليون إن كان هذا الجدار يتحرك من مكانه فإن هذا الذي آمره بالمعروف لا يتحرك، نقول له: مر بالمعروف وانه عن المنكر، ولو لم يغلب على ظنك أن هذا المأمور وأن هذا المنهي يقلع عن الباطل، أنت مأمور وما عليك إلا البلاغ، والهداية بيد الله: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:20]. والمنكر في تغييرنا له حالات: إما أن يستجيب، وإما ألا يستجيب المدعو، وإما أن يكون في تغيير هذا المنكر منكر أعظم منه، فالواجب علينا في تلك اللحظة ألا نغير هذا المنكر، وأن نتركه حتى حينه، نكون أصحاب موازين ومقاييس، أصحاب فقه وحكمة: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:269] ينبغي أن نعرف وأن نعلم إذا غلب على ظننا حينما نأمر بهذا الأمر أو ننهى عن هذا الشيء، أنه سيفضي إلى مفسدة عظيمة فينبغي أن نترك الأمر، إذا تساوى الأمران، قال بعض العلماء: تنكر، وقال بعضهم: لا تنكر، والواجب بل الأرجح أن الإنسان ينكر، أما ما دون ذلك فالإنكار لا شك مطلوب، فينبغي أن يكون لدينا فقه ومعرفة.

اتباع الأسلوب اللطيف

اتباع الأسلوب اللطيف كذلك ينبغي للإنسان حينما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون متبعاً لأسلوب مهم، ألا وهو أسلوب معرفة حماية النفس، لا أقول هذا لأنقض الكلام السابق فيما يتعلق بالخوف على النفس في المال أو في الرزق أو في غير ذلك، لا. ولكن أقصد بذلك أن تكون قد سلكت الأسلوب الذي يجعلك فيما يغلب على ظنك مؤثراً، أو بالأحرى ألا تكون متعرضاً لتحديات ومواجهات، وأنت تعرف سلفاً أن هذه المحاولات فاشلة، ومن ثم يترتب على ذلك منكر أعظم من المنكر الذي أنت في صدد تغييره، أضرب لكم مثالاً: ذات مرة جاءني أحد الأصدقاء الذين أعرفهم ووجهه قد أدمي، وفي وجنته بعض الجراحات، وأخذ يبكي، فقلت له: يا أخ فلان! ما الذي بك؟ أخذته العبرة ثم بعد ذلك سكت أو سكن مما بخاطره وسألته، قال: لنا جار يبني عمارة، وكان عنده عمال لا يصلون، فجئت ودخلت على العمال في العمارة، ولعله صار بينه وبينهم شيء من رفع الصوت والغلظة والجدال، فما كان من صاحب العمارة ومعه أناس آخرون إلا أن أمسكوا به وضربوه وجلدوه وفعلوا به فعلاً لا يفعل بمسلم، ثم بعد ذلك أخرجوه، فقلت له: يا أخي: كان من واجبك أن تتبع أسلوباً لطيفاً رقيقاً، وفي هذه الحالة: أيهما أفضل أنك أنت الآن يستهزأ بك ويتمسخر بك أمام هؤلاء الفسقة الذين ضربوك، أو أنك اتخذت الأسلوب الأمثل فذهبت إلى الهيئة وقلت: هناك أناس أنا أخشى منهم مثلاً -إلا أن يكون مفادياً بنفسه لله؛ فذلك أجره على الله- لكن أقول ذلك لأستشهد للحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن: (لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه، قيل: كيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق) إذا كنت صبوراً وتتحمل وتصارع وتجادل أهل الباطل وتصرعهم وتذلهم نقول: أعانك الله على هذا التغيير، لكن أنت لا زلت شاباً صغيراً تدخل على مجموعة في بيت الله فلا تعرض نفسك لشيء لا تطيقه. إذاً: لا نقول: من واجبك أن تسكت، ولكن أن تأخذ من هو أكبر منك، إمام المسجد، عمدة الحي، إنسان مسئول، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة، وتقول: هؤلاء لا يصلون، وعند ذلك إذا سلكت هذا الأسلوب تكون بإذن الله جل وعلا قد أديت الواجب وحفظت نفسك، ولم تعرضها لما لا تطيق من البلاء.

أن يكون الآمر والناهي قدوة لغيره

أن يكون الآمر والناهي قدوة لغيره كذلك من الأمور والآداب التي ينبغي أن نراعيها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسألة القدوة، بأن تكون أنت بنفسك مؤتمراً بالمعروف منتهياً عن المنكر قبل أن تأمر الناس، قال رجل لـ ابن عباس: [إني أريد أن آمر بالمعروف وأن أنهي عن المنكر، قال: نعم. انظر إلى ثلاث آيات، فإن استطعت ألا تقع في واحدة منهن فاؤمر جزاك الله خيراً، قال: وما هي يا ابن عباس؟ قال: قول الله جل وعلا: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88] والآية الأخرى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:44] والآية الثالثة: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3]]. إذاً: من واجب الإنسان أن يكون قدوة صالحة حتى يكون لكلامه وقع وأثر على النفوس.

عدالة الآمر والناهي

عدالة الآمر والناهي وهذه مسألة ذكرها الفقهاء وتعرضوا لها في كتب الفقه وفي كتب الحسبة، وهي هل يشترط عدالة الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر؟ أعني: هل يشترط أن يكون عدلاً صالحاً عالماً مستقيماً، سليماً خالياً من الصغائر والكبائر؟ هذه مسألة خلافية، ورجح أغلب أهل العلم أنه لا يشترط العدالة التامة، وإنما يشترط العدالة العامة وذلك بالسلامة من فواحش المنكرات وكبار المعاصي، أما الصغائر فلا يسلم منها أحد، ولذلك فإن الإنسان حينما يحجه الشيطان ويقول له: أنت تفوتك صلاة الفجر أحياناً، كيف تأمر الناس بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فتترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيكون عليك ذنبان، ترك الصلاة جماعة وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يقول الحسن البصري: [ود الشيطان منا أن نقع في المنكر وألا نأتمر بالمعروف ولا نتناهى عن المنكر] الشيطان يتمنى ذلك، لكن ينبغي إذا وقعنا في واحدة ألا نقع في اثنتين، إذا زل الإنسان في زلة بسيطة أو سهلة يستغفر ويتوب إليه سبحانه وتعالى، ومع ذلك يبقى مصراً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يجمع على نفسه هذين الأمرين يقول الشاعر: إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد المعصومون هم الأنبياء: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] ليس هناك أحد يسلم الصغائر إذاً: فلا تكن هذه المسألة حجة. كنت أعرف صديقاً، من حسن صفاته أنه كان دائماً إذا صلى في مسجد استأذن إمام المسجد أن يلقي كلمة، فيقوم يلقي كلمة يتأثر بها كثير من الناس الحاضرين، وبعد مدة ترك هذا الشيء، وسألته: يا أخ فلان! مالك؟ قال: يا أخي أنا أرى نفسي مقصراً في بعض الأمور، إذاً: يا أخي! عالج نفسك ولا تحرم الناس هذا الخير، ولا تحرم نفسك هذا الأجر والثواب، انظروا هذا المدخل الشيطاني! أيها الإخوة: لا يأتي الشيطان إلى أحدنا ويقول له: من أنت؟ لست بعالم، ولست بكامل، وفيك وفيك من الذنوب ما الله به عليم، نقول: لا. أنا أستغفر الله وأتوب إليه، وأجاهد نفسي، وما دمت حياً فأنت في جهاد مع نفسك، لأن هناك شيطاناً يجاهدك، وهوىً متبعاً، ونفساً أمارة بالسوء، كلها ستجاهدها في وجه الله وفي طاعة الله سبحانه وتعالى، فلا يكون ذلك مدخلاً عليك في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لا إنكار في مسائل الخلاف

لا إنكار في مسائل الخلاف أيها الإخوة: هنا أيضاً مسألة مهمة جداً وهي الإنكار في مسائل الخلاف: قد ترد مسائل خلافية عند بعض أهل العلم، أي أن فريقاً من العلماء يقول: هذا الشيء يجوز، وبعض أهل العلم يقول: لا يجوز، فعند ذلك نأتي في دبر هذا الزمان الذي اتسع فيه خرق افتراق الأمة ونريد أن نجمع الناس على رأي واحد وأمر واحد، ما دامت النصوص موجودة، والاجتهاد مفتوح، وكل يتبع شيخاً بدليل، إذا كان مقلداً قد يتبع هذا الشيخ بدليله، وإذا كان مجتهداً فعنده الدليل، تأتي أنت تقول: لا. لابد أن تتبعوا هذا الأمر. وأعطيك مثالاً على ذلك: رجل دخل المسجد وقت نهي، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في أوقات معلومة، ويستثنى من ذلك بما هو معلوم، يستثنى قضاء الفوائت، يستثنى أشياء معينة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) جاء إنسان بعد صلاة العصر، وصلى ركعتين، يأتي واحد يمسكه ويقول: لا يجوز يا أخي، لا يصلح، ثم تقعد تبلج في حلقه، لماذا هذا كله؟ لأن هذا وقت نهي، فنقول: اتركه يا أخي! المسألة وارد فيها الدليل، وهناك من الصحابة من رأى هذا الرأي، ومن الصحابة من رأى الرأي الثاني، فالمسائل الخلافية التي جاءت الأدلة فيها بالتوسيع على الأمة، ينبغي ألا ننكر فيها؛ لأنه قد يغلب على ظننا أو بالأحرى نظن لهذا الرجل أنه قد أخذ بدليل هذا الشيخ أو بدليل هذا العالم، إذاً فالمسألة ورد فيها عدة أدلة، وعند ذلك لا ينكر أي: لا يشدد النكير بعضنا على بعض، بإمكانك إذا كان طالب علم أن تتناقش معه، تقول: أنا أريد أن أستفيد، والرسول نهى عن الصلاة في هذا الوقت، وذلك إذا كنت تستدل عليه فهو يقول لك: إنها من ذوات الأسباب، أو كذلك العكس، فعند ذلك إذا كان في المسألة مجموعة من الأدلة، والمسألة خلافية بين العلماء، فلا ينبغي أن نشدد النكير فيما اختلفنا فيه.

شروط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر

شروط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أيها الإخوة: كلنا يعلم أن شروط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عديدة: منها:

الإسلام

الإسلام أن يكون مسلماًً؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولاية، والولايات لا يتولها الكفار: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] فالإسلام شرط أساسي من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك نص الفقهاء ألا يولى الحسبة كافر. وكذلك أن يكون: عدلاً بالجملة، وليس عدلاً بالدقيق والجليل، لأن العدالة الكاملة شبيهة بالعصمة والعصمة للأنبياء، والكمال لله تعالى.

الاستطاعة

الاستطاعة المسألة الثالثة: الاستطاعة، كل فيما يخصه، أنت رأيت منكراً فأقل الأمور أن تنكر بقلبك إذا لم تستطع بلسانك، وإذا غيرت بلسانك جزاك الله خيراً إذا لم تستطع أن تغير بيدك، وكلنا يعلم قول الله سبحانه وتعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] بحيث لا يترتب على هذا الإنكار منكرات أعظم وأشد، ومسألة الاستطاعة كل بحسبه، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عن أمر فاجتنبوه، وما أمرتكم بشيء أو بأمر فائتوا منه ما استطعتم) فكذلك إتياننا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل فيما يخصه بقدر استطاعته. من شروط هذا المنكر الذي ننكره أن يكون منكراً فعلاً، ليس -كما سبق- قد تكون المسألة فيها أقوال متعددة، فعند من لا يرى هذا الأمر يعده منكراً، فلا.

وجود المنكر

وجود المنكر المسألة الثانية: أن يكون المنكر معلوماً موجوداً حال إنكارك؛ لكن إذا فات فعل المنكر يأتي هنا دور الوعظ والنصيحة، ومثال ذلك: إنسان علمت أنه شرب الخمر في يوم أمس، وفي اليوم الثاني جاء ودخل المسجد وصلى، تأتي تمسكه في المسجد وتقول له: لماذا تشرب الخمر في يوم أمس؟ صحيح أنك تنكر المنكر لكن فات وقته، وعليك الآن أن تنصحه، تقول: علمت أو سمعت أو لاحظت، حتى مسألة سمعت مسألة لنا فيها كلام وسنتحدث فيها، سمعت أنك بالأمس في وقت كذا أغواك الشيطان، أو كذا، ولكن التوبة مفتوحة، وأقلع يا أخي، فالخمر أم الخبائث إلى آخر ذلك من النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لأن الإنكار ليس هذا وقته، فالمنكر لم يكن موجوداً الآن، وقد فات وقته، فدورك الآن الوعظ والإرشاد.

عدم التجسس والتحسس

عدم التجسس والتحسس كذلك أن يكون المنكر ظاهراً بغير تحسس أو تجسس، فلا يجب على المسلم بل يحرم عليه أن يتجسس يقول: والله يمكن أن يوجد في ذاك البيت منكرات، فلابد أن نتجسس على بيتهم كي نعرف هل عندهم منكرات أم لا. فنقول: لا يجوز لك أنك تتصنت حتى تعرف ماذا يدور من المنكر في هذا البيت، هل عندهم غناء ورقص أم لا، إذا علمت بحاسة ممكنة، ببصرك وبرؤيتك أو بأذنك، عند ذلك تستطيع أن تنكر، لكن أن تتسور أو تتحسس وتتجسس حتى تنكر، لا. ما هذا بإنكار، هذا تجسس، وهذه جاسوسية نهى عنها الإسلام، والمسألة ليست بالأمر الهين. روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه علم أن منكراً في بيت رجل، فتسور عليه الباب وأطل عليه، ووجده فعلاً على منكر، فأمره عمر بن الخطاب بالمعروف ونهاه عن المنكر الذي هو فيه، فقال ذلك الرجل: يا أمير المؤمنين! لقد أنكرت منكراً ووقعت في ثلاثة منكرات، المنكر الأول: أنك تجسست علي والله سبحانه قال: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:12] والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ولا تحسسوا). الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قال: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:27]. والأمر الثالث: أن الله جل وعلا قال: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة:189] وأنت تسورت الجدار يا عمر وما أتيت البيت من الباب، فرجع عمر، وكان وقافاً عند كتاب الله. إذاً: من شروط إنكار المنكر الرؤية، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى) ما قال من سمع بمنكر يعني: يذكر له منكر، لا. رأيت أو علمت هذا المنكر بحاسية شخصية منك، عند ذلك وجب عليك، إلا أن يكون مسئولاً تحت سلطتك وتحت يدك من رجال الأمن ومن هم مكلفون بمعرفة هذا الأمر، وبلغت هذا الأمر، لا تقول له: اصبر حتى آتي أنظر بنفسي، لا. هؤلاء مكلفون، وهؤلاء في مكانك وفي مكان ولي الأمر لمعرفة هذه الأشياء.

مسألة: إنكار المنكر المعلوم

مسألة: إنكار المنكر المعلوم فيما يتعلق بمسألة إنكار المنكر المعلوم أو الموجود كما قلنا في مثال شارب الخمر، أعني المنكر الذي ينبغي ألا نتحسس ولا نتجسس عليه، وهناك حالة نستثنيها، يجوز فيها التحسس والتجسس وهي أن المنكر إذا وقع يفوت ولا يستدرك، كمن علم أن رجلاً سيقتل رجلاً في هذا البيت، فعند ذلك يجوز لك إلى حد ما أن تبذل من الأسباب ما يدفع هذا الأمر، ولا تنتظر حتى يقع المنكر، والمسألة قد نص عليها أهل العلم قالوا: بشرط أن يخشى فواتها، كذلك إذا علمت بوسيلة من الوسائل أن امرأة سيزنى بها، فهل تنتظر حتى يقع الزنا ثم تأتي تنكره؟! لا. يجوز لك ولو تحسست إلى حد ما أن تحول بالوسيلة التي مكنك الله بها بين هذا المنكر وبين أصحابه. أيها الإخوة: وكما قلت: نحن بأمس الحاجة إلى الأسلوب اللطيف بالتغيير، وبأمس الحاجة إلى الأسلوب الجميل في الدعوة إلى الله، وذلك لقول الله سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] أسلوب التغيير ينبغي أن يكون بالأسلوب اللطيف، أسلوب النصيحة، أسلوب الإشفاق، أسلوب المحبة والمودة. كذلك إذا أردت أن تنصح أقواماً ومن بينهم مجموعة كلنا يعلم أنك تقصد فلاناً في الصف الرابع من المجلس فهذا لا يجوز، كان صلى الله عليه وسلم إذا أنكر أمراً قال: (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا) إذاً: فلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فالله سبحانه وتعالى لما أرسل موسى وهارون إلى فرعون الذي تجبر وطغى وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] وقتَّل بني إسرائيل وفعل وفعل، قال الله لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] والله سبحانه وتعالى يقول لنبيه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] فلا بد من اللطف واللين، لابد من المشاورة، والتقدير والاحترام حتى أثناء الإنكار، حتى أثناء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأسلوب النبي صلى الله عليه وسلم نموذج نسوقه الآن في إقناع الإنسان، وفي أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، جاء شاب وقال: (يا رسول الله! ائذن لي بالزنا، فهم الصحابة أن يقتلوه، فقال صلى الله عليه وسلم: دعوه، اتركوه، فجاء ومسح على رأسه، فقال: أترضاه لأمك؟! قال: لا. أترضاه لأختك؟! قال: لا. أترضاه لخالتك؟! قال: لا. وكان كلما قال له: شيء قال: لا. فكان الرسول يقول له: فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لعمتك؟! قال: لا. قال: فإن الناس لا يرضونه لعماتهم، ثم مسح الرسول صلى الله عليه وسلم على رأسه أو قلبه ثم قال: اللهم حصن فرجه -ودعا له بدعوات- قال: فما فارق الرسول صلى الله عليه وسلم إلا والزنا أبغض شيء إليه) الأسلوب الجميل في الإنكار له الأثر العظيم. جاء أحد الوعاظ إلى أحد الخلفاء وأغلظ عليه في الموعظة، فماذا قال الخليفة؟ ضجر وقال: على رسلك، فقد بُعث من هو خير منك إلى من هو شر مني، بعث موسى إلى فرعون ومع ذلك قال له الله سبحانه وتعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. ويذكرون أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله رحمة واسعة كان له جار يسكر أحياناً، فيقول إذا سكر وانتشى واضطرب: أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر كما نقول: ينتفل، فافتقده ليالي، ثم ذهب إلى دار الحسبة أو المحتسب، فإذ بالرجل قد شرب الخمر وسجن، فبعد أن شفع فيه الإمام أبو حنيفة، والمسألة لا شك متعلقة بإقامة الحد عليه، وخرج وجاء الإمام أبو حنيفة وسأل عن حاله وخرج به، قال: يا فتى! وهل ضيعناك، أنت في كل ليلة تقول: أضاعوني وأي فتىً أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر ها نحن أتينا نسأل عنك فهل ضيعناك؟ فعجب الرجل، ذلك سبباً في تركه للخمر، وبغضه لها، وأصبح ذلك سبباً في هدايته واستقامته بسبب هذه التصرفات والفعال الطيبة. أيها الإخوة: ينبغي أن يكون الدافع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى، ينبغي ألا يكون إنكارك للمنكر للتشفي من هذا الإنسان، لأنه في يوم من الأيام أخطأ عليك فأردت أن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر أمام أناس حتى تتشفى أو تشفي غليلك منه أمام هؤلاء الحاضرين، عند ذلك والله لا يقبل منك ما لم يكن دافعك لهذا الأمر هو إخلاصك لوجه الله سبحانه وتعالى، وأن يكون دافعك لهذا الأمر هو محبته والإشفاق عليه، وعدم الشماتة به، عند ذلك يكون لأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر أثر مهم جداً ويكون له فائدة في نفس الرجل.

اشتراط إذن الإمام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

اشتراط إذن الإمام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هنا مسألة مهمة: هل يشترط إذن الإمام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة، والصحيح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يتعلق باللسان وإنكار القلب لا يحتاج إلى إذن الإمام، ولا خلاف في ذلك، وكذلك الإنكار باللسان، إلا فيما يتعلق باليد، فالإنسان الذي يريد أن ينكر منكراً بيده لا بد إذا غلب على ظنه خاصة بأنه ينتج عنه فتنة، أو مصيبة، أو مشكلة، أو عراك، أو جدال قد يشهر سلاحاً وقد يحدث جراحاً، فلابد أن يؤخذ إذن الإمام في ذلك حتى لا يكون الأمر فوضى، ولو قلنا إن إنكار المنكر باليد مسموح لأي إنسان لأتى مجموعة يريدون بإنسان سوءاً أو يحقدون عليه أو يكرهونه؛ فيضربونه ويقولون: رأيناه على منكر وغيرناه، لا. المسألة ليست بالأمر الهين، خاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الحيل والألاعيب والأساليب وغير ذلك فيما يتعلق بإنكار المنكر، ولابد من استئذان السلطة كما يقول الفقهاء: اشتراط إذن الإمام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أيها الإخوة: هذه جملة مما قرأته وكتبته في هذا الموضوع، وأفدت نفسي والله، والسبب والفضل لله ثم لكم أن كلفتموني بهذا الأمر. أسأل الله جل وعلا أن أكون قد أفدت إخواني بما قدمت، وكل ما تسمعونه إن كان صواباً وحقاً فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان غير ذلك فمن نفسي والشيطان. أسأل الله جل وعلا أن يجنبنا وإياكم ما يسخطه، وأن يعصمنا عما يغضبه، وأن يوفقنا إلى ما يرضيه، وأن يجعل اجتماعنا هذا مرحوماً، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل للشيطان والنفاق والرياء فيها نصيباً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

رفع الصوت في مخاطبة الوالدين

رفع الصوت في مخاطبة الوالدين Q ما حكم رفع الصوت على الوالدين؟ A لا شك أن في ذلك إثماً عظيماً؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:23] قال العلماء: لو علم الله شيء أدنى من الأف لنهى عنه في خطاب الوالدين: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:23] وأنت يا أخي تقول: أنا أرفع صوتي على والدي وعلى والدتي، لا يجوز لك أن ترفع صوتك، وقولك: للشر الذي أتوقعه، يمكن في ظاهر تصورك أنه شر، وإلا فإن الوالدين لا يضمران لابنهما شراً إطلاقاً، فالوالد له قلب حنون كأنه أغصان شجرة في مهب الريح فيخشى على ولده، وحينما يقسو عليه فإن قسوته هذه من فرط المحبة قسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحم فلا يجوز لك أن ترفع الصوت، بل من واجبك أن تخضع وتطأطئ رأسك، وأن تسمع والدك، فإذا انتهى والدك من كلامه تقول: الله يغفر لك يا والدي، الله يجزيك الجنة، الله يعينك على طاعته، بكل كلام جميل من الثناء والدعاء حتى تتألف قلب والدك؛ لأنك مهما فعلت فلن تبلغ معشار ما قدم لك، إذاً: لا يجوز لك أن ترفع صوتك عليه على الإطلاق.

المعاملة مع الوالد العاصي

المعاملة مع الوالد العاصي Q شاب هداه الله؛ لكنه يعاني من مشكلة في بيته بأن والده لا يصلي؛ فماذا يفعل؟ A الواجب علينا لهذا الأخ هو الدعاء، وأرجو من الإخوة أن يأمنوا: نسأل الله جل وعلا، الحليم العظيم، رب العرش العظيم، رب السماوات ورب العرش الكريم أن يمن على والده بالهداية، نسأل الله أن يمن على والده بالهداية، وأن يرده إلى الطاعة والصلاة والعبادة رداً جميلا، هذا واجب الأخ علينا أن ندعو له، وأقول لك أيها الأخ: لا تدخر وسعاً في نصح والدك، ولكن بالأساليب اللطيفة، نشرات عن حكم ترك الصلاة تعطيها إياه، تستطيع أن تجابه والدك مجابهة بغير العنف، وأن تتحدث معه بكل رقة وبكل لين، يا والدي! لك الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في وجودي في هذه الدنيا، ومن تمام محبتي لك أن أنصحك، يا والدي! الصلاة عمود الدين، ورأس الأمر في الإسلام، يا والدي! ما كلفك الله إلا بخمس مفروضات، هون عليه المسألة رويداً رويداً، يا والدي المسألة كذا، كذلك من تعرف من أبناء عمك، من أخوالك، من أعمامك، من أصدقاء والدك، من إمام المسجد إذا كان له علاقة بالوالد، أو أردت أنه يكون له دور التأثير على الوالد، المهم أن يعلم الوالد منك فعلاً صدق المحبة، وصدق الاحترام، وفي نفس الوقت لا يشعر الوالد أن الابن يفتخر عليه، هذا مستقيم متدين يصلي وهذا فاسق لا يصلي، لا يشعر منك والدك بهذا الأسلوب إطلاقاً، ينبغي أن تشعره بكل أسلوب يفضي إلى الاحترام والمودة والتبجيل والإجلال، يشعر الوالد أن قصدك محبته، وإن شاء الله تكون النصيحة سبباً في نجاته من النار ودخوله في نعيم الله سبحانه وتعالى. أيها الأخ: بهذا الأسلوب وبكل أسلوب تستطيعه، ضع عند سريره مثلاً أو عند المسجل الذي يستمع شريطاً عن حكم ترك الصلاة، أرسل النشرات هذه وضعها في مكانه، أو عبر من تعرف من الأقارب والأصدقاء، وعند ذلك سيكون لك الأجر العظيم. أيها الإخوة: أنا أعرف شاباً أسأل الله أن يكثر من أمثاله، كان شاباً عادياً، وإخوانه عاديين جداً بل يمكن يميلون إلى شيء من الوقوع في المعاصي، هداه الله سبحانه وتعالى، ليس هو أصغر إخوانه، بل هو وسط بينهم، لكن هذا الشاب لما أن منَّ الله عليه بالهداية وحفظ كتاب الله، تأثر والده أثراً عظيماً، وذلك بأسلوب التقدير والاحترام، كان يقدر والده ويحترمه، إذا قدم والده قبل يد والده وقبل رأسه وسلم عليه، وإذا أراد والده أن يخرج قدم نعاله أمامه، وإذا أراد أن يخرج هو ووالده لا يدخل قبل الوالد؛ مراعاة للأدب الكامل، ألا تلاحظون أدب الخدم مع الملوك، كان يفعل بوالده أشد من ذلك، فتأثر هذا الوالد تأثراً عظيماً وأطلق لحيته وهجيراه وديدنه وطبيعته -هذا الوالد- كتاب الله سبحانه وتعالى دائماً يقرأه، يخرج من العمل، وإذا نام وأخذ قسطه من الراحة فتح كتاب الله وأخذ يقرأ، ويحب هذا الولد محبة عظيمة، وأثر هذا الشاب على إخوانه أيضاً. وهكذا حينما يكون هناك إخلاص وصدق وحسن أسلوب، فإن المقاصد تتحقق بإذن الله؛ لأن الله وعدنا بها.

بدء التغير في البيت والأقارب

بدء التغير في البيت والأقارب Q ما رأيكم في بعض الشباب الذين يأمرون وينهون الناس، وأحدهم تجد أخته تخرج قد أخرجت ذراعيها إلى غير ذلك من المنكرات التي لا ينكرها على أهله؟ A كما قلنا فيما يتعلق بالشق الثاني من Q أن يكون الآمر بالمعروف قدوة في نفسه وأهله وبيته وكلما يتعلق به، ومن واجبك أن تساره بالنصيحة فيما بينك وبينه، قد يكون غافلاً، قد يكون ناسياً، قد لا يأبه لهذا الأمر، فمن واجبك أن تركز على هذا الأمر بأسلوب ودي، وإذا كنت تعرف أنه قد يضجر منك، أو قد يمل منك أو يفضي ذلك إلى كراهية، انظر إلى إنسان آخر آمر بالمعروف وناه عن المنكر، وله به صداقة، تقول له: لو تكرمت يا أخي، أنا لي ملاحظة كذا، أسأل الله أن تكون ملاحظتي في غير محلها، لكن من باب براءة الذمة، بحكم أنك صديقه، تخبره بهذا الأمر، عند ذلك تكون -جزاك الله خيراً- قد بذلت ما في وسعك.

منكرات في البيوت

منكرات في البيوت Q لي إخوة وأخوات في بيتنا يستمعون الأغاني ويشاهدون الأفلام والمسلسلات والتلفاز؟ A فيما يتعلق بالمنكرات الموجودة في بيته من الملاهي والفيديو والأغاني والملاهي وغير ذلك، واجبك من الدرجة الأولى النصيحة بالأسلوب الطيب والحكمة والموعظة الحسنة، وإيجاد البديل، تهدي إخوانك مثلاً أشرطة مفيدة تهديهم شيئاً من القصص والأقلام والحاجات التي يشعرهم أنك إنسان كريم، وحبيب ولطيف وطيب في المعاملة، عند ذلك يكون عندهم استعداد لتقبل كلامك ونصحك. يأتي شاب ما عمره أهدى لأخته هدية، عاش معها خمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة، ما يوم من الأيام فكر أن يشتري مقلمة أو هدية صغيرة يعطيها لأخته، وإذا به يريد أن يأمرها كما يأمر السيد عبده، لا يمكن هذا، لابد أن يكون لك قاعدة تنطلق منها في الأمر، ألا وهي: قاعدة المحبة والمودة، إذاً: أوجد محبة أولاً ثم مر بما بدا لك، لابد أن نؤسس هذه القاعدة، فإذا فعلت هذا الأسلوب ولم تجد شيئاً وأظن إذا كنت جاداً وصادقاً وحريصاً فإن هذا الأسلوب ينفع إن شاء الله، عند ذلك إذا كنت تستطيع أن تغير بيدك؛ لأن هذه سلطة في داخل بيتك، نقول: جزاك الله خيراً، ولا يعني ذلك أن تأخذ الفاروع وتهد التلفزيون وتكسره وتأخذ الأشرطة وتكسرها، فقد يشترون بدل الواحد اثنين، وبدل الأشرطة أضعافها، وتكون مناورة فاشلة خاسرة، بل من واجبك أن تتنحى قليلاً ولا تكثر المجالسة، إذا كانوا جالسين على منكر لا تجلس معهم، إذا كانوا جالسين على غير ذلك فاجلس، لا تقطعهم مرة واحدة، فالقطيعة مع أهل البيت -مهما كان- خطأ، لكن إذا جلست معهم فليكن لك دور الناصح الواعظ، صاحب القصة الجميلة والطرفة المؤدية إلى هدف من أهدافك، الإنسان الذكي يستطيع أن يستغل الفرص أياً كانت.

حكم الاستهزاء بمظاهر الدين

حكم الاستهزاء بمظاهر الدين Q ما الحكم في المصر على الاستهزاء باللحية ومظاهر التمسك بالدين؟ A كما تفضل الأخ فيما يتعلق بالأمور الشرعية: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [الأحزاب:36] ليس هناك اختيار أو آراء أو وجهة نظر، المسألة مسألة استجابة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] بالنسبة لهؤلاء الذين يستهزئون ونحو ذلك، إذا أردت أن تسأل عن حكم إصرارهم فيما يفعلون فهم على خطر عظيم، وقد يكون هذا الاستهزاء والعياذ بالله مخرجاً عن الإسلام والتوحيد، قد يكون مخرجاً عن الملة، قال الله جل وعلا: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة:65] أنت حينما تستهزئ بالملتحي تستهزئ بالصانع أم بالصنعة؟! تستهزئ بالخالق أم بالمخلوق؟ أنت حينما تستهزئ بهذا الإنسان الذي قد اتبع السنة في ثوبه، تستهزئ بالذي شرع هذه السنة أم تستهزئ بهذا الذي أطاع الله في طاعته وامتثاله؟ {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] فلا يقبل العذر حتى كانوا يقولون: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب. كما ورد في أحد الغزوات التي كان فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان المنافقون يقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أقسى أفئدة إلى آخر تلك المقولة، يستهزئون بالقراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء في العصر الحاضر يستهزئون بالشباب الصالحين بتمسكهم وقراءتهم واستقامتهم، كان الواحد منهم يمسك بزمام الناقة والحجر يدمي عقبيه ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول على ناقته: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب، والقرآن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66] حكم بكفرهم، إذاً فهذا المستهتر المستهزئ على خطر عظيم، وقد يقع في الكفر والعياذ بالله، فينبغي لكل من رأى هؤلاء المستهزئين أن يهمس لهم همسة لطيفة: أنت تسخر من لحيتي من الذي خلقها أنا باختياري أم الله الذي أمرني بتوفيرها؟ أنت تسخر من ثوبي من الذي أمرني أن أتبع السنة فيه؟ الذي أمرني هو رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4] إذاً: تسخر من وحي الله؟! {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66] ذكره بالآية هذه وعند ذلك لا يتجرأ، والله لا يتجرأ مسلم مهما بلغ من ضعف الإيمان أو ضعف اليقين بعد قيام الحجة عليه، لا يتجرأ أن يستهزئ بملتزم في التزامه وبمتمسك في تمسكه بدين الله.

والدي يمنعني من مجالسة الصالحين

والدي يمنعني من مجالسة الصالحين Q أنا شاب ملتزم والحمد لله، ولكن والدي يمنعني من مجالسة الصالحين في أيام الدراسة يقول: إني لا أستفيد من ذلك؛ فماذا أفعل أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A ينبغي ألا تعصي والدك وألا تنقطع عن إخوانك؛ لأن إخوانك هؤلاء بإذن الله يكونون سبباً عظيماً ومهماً في استقامتك وصلاحك، وفي رقيك التعليمي وتقدمك، كثير من الشباب لولا أن الله منَّ عليهم بصحبة صالحة وإلا كانوا سوقة (أولاد شوارع) كما يقال، ضيعوا مستقبلهم في الدنيا والآخرة، لكن منَّ الله عليهم بجلساء طيبين، وكان منهم من ترك الدراسة وأوشك على الهاوية والانحراف، فبعد معرفته بهؤلاء الطيبين منَّ الله عليه ورجع وانتسب وواصل وتوظف وتخرج ونفع الله به أمته ومجتمعه وبلاده، وأهل بيته، وزملاءه، إذاً: ينبغي أيها الأخ أن تجتهد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وأن تقنع والدك وتشعره بمدى انتفاعك من زملائك خاصة فيما يتعلق بالدراسة والتدريس. إذا كان هناك إمكانية أن تكون الدراسة والمذاكرة بعض الأيام في بيتك لكي يطلع والدك ويعرف فعلاً أنكم تذاكرون وتدرسون وتقرءون وتسترجعون وتتعاونون في هذه الأمور التعليمية فذلك خير، لأن الوالد لا يألو جهداً في جلب الخير إلى ولده، فإذا تأكد وتحقق له أن هناك مصلحة من اختلاطه بهؤلاء الصحبة الطيبة سيبعثه بل ويقول له: ما الذي أجلسك هنا اذهب. أنا أعرف آباء صالحين بعد العصر يقول لولده: اذهب إلى المكتبة واستفد مع إخوانك، هناك آباء لما أدركوا وعرفوا هذا الأمر أحبوا ألا يتخلف أولادهم يوماً ما عن المكتبة إذا لم يكن لهم حاجة في البيت، فينبغي أن تسلك الأسلوب الذي يجعل والدك يقتنع ويفهم ويعلم علماً يقينياً أنك تستفيد من إخوانك ومن زملائك؛ بجلوس زملائك مع الوالد، بجلب زملائك إلى البيت بعض الأحيان والدراسة معهم والمذاكرة. لكن للأسف بعض الشباب -وأنا أقولها وبكل صراحة- أخذ يغرق في الذهاب والإياب، والكثير من الاختلاطات بلا فائدة، وإذ بالنهاية راسب في تسعة، راسب في ستة، راسب في سبعة، والسبب في ذلك أنه لا يقر له قرار، دائماً كدوامة، لكنه لو كان يقتصر ويعطي الوقت حقه، هذا وقت مجيئي بالمكتبة، أو مجيئي بالمركز، أو مجيئي بالنادي، أو مجيئي في المكان المعين للاستفادة، الحمد لله جلسنا واستفدنا، لكن أرجع إلى البيت، هناك وقت لحاجة الأهل، وهناك وقت لحاجتي أنا، دروسي وأموري، قراءتي للقرآن، قراءتي للسنة، عبادتي، كل شيء له وقت، فتجد أن هذا الشاب هو الذي قصر، فتقصير هذا الشاب بما يفسره أهله؟ أو إخفاقه وفشل النتيجة، هذا السبب ذهبت مع فلان وفلان وفلان، ضيعوا وقتك وهذه النهاية، لا، السبب أنت لأنك ما أحسنت الأسلوب الذي ينبغي منك للمجالسة والمخالطة.

الجلوس مع أناس يتهاونون بالصلاة

الجلوس مع أناس يتهاونون بالصلاة Q إذا كان لي زملاء يتهاونون بالصلاة والغيبة، وأنا أتودد إليهم وأعمل معم صداقات لكي أستقطبهم بالكلمة الطيبة فهل علي إثم؟ وكيف التعامل معهم خصوصاً أني أعمل معهم؟ A لا شك أنك مأجور إن شاء الله على إنكارك عليهم في تركهم للصلاة، وفي وقوعهم في الغيبة، وواجبك ألا تنقطع عن هذا الأمر، ومثلما أخبرنا سلفاً: كل ما تراه مناسباً من وسيلة فعليك أن تؤثر عليهم بالنشرات، بالكتب، بالأشرطة، بالجلسات الطيبة، بالمخالطات النافعة، هذا طيب، إذا جلسوا وولغوا في حديث من الأحاديث التي تحسب عليك ولا تحسب لك، ووقعوا في الأعراض ونهيتهم فلم يرتفعوا عن ذلك، فإذا كان لك فرصة في أن تتجافى وأن تبتعد فذلك خير لك، إذا كان هناك إمكانية ورأيت إصرارهم وعدم إقلاعهم بعد أمرك لهم ونهيك ومناصحتهم ووعظهم، إذا كان لك إمكانية أن تسكن مع شباب آخرين -كأني أفهم من الشاب هذا أنه ساكن في عزبة أو في سكن جامعي أو شيء من هذا- فذلك خير لك، لأن كثرة مجالسة صاحب المنكر يجعل المنكر طبيعياً، بعد مدة يصبح ترك الصلاة بالنسبة لك شيئاً طبيعياً؛ لأنك ترى هذا يترك الصلاة دائماً، وأصبحت تدخل البيت وتخرج من البيت وأنت تراه على فراشه لا يذهب إلى الصلاة، فيصبح الأمر بالنسبة لك عادياً، وكذلك الحديث في أعراض الناس، لأن (كثرة المساس تفقد الإحساس) فينبغي أن تنتبه لنفسك، والإنسان كما يقال: (المرء من جليسه والطبع استراق). الإنسان يسترق الطباع وهو لا يشعر، ويتأثر وهو لا يشعر، فحفاظاً على دينك، وحفاظاً على أخلاقك الطيبة وسجاياك الحميدة ينبغي أن تنتبه، فإن استطعت أن تغير فبها ونعمت، فإن وجدت فرصة في التنقل أو الانتقال عنهم إلى فئة طيبة مثلاً غرفة أخرى في سكن معين أو في جناح ثاني فذلك خير لك وهو أولى بك.

التقصير لا يمنع من الدعوة

التقصير لا يمنع من الدعوة Q أريد أن أنهى عن المنكر، ولكني بعض الأحيان لا أطبق ما أقول، فهل هذا يمنعني من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ A يا أخي تعرضنا لهذا، تعرضنا لهذا خاصة لما يتعلق بالشق الثاني قلنا: إن الإنسان قد يأمر وهو عاص، هنا مثلاً مسألة: حينما يقف من بيننا آمر ويأمرنا ويبين لنا مزايا الصيام، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، صيام الإثنين والخميس، صيام يوم وإفطار يوم، صيام تاسوعاء وعاشوراء، صيام عشر ذي الحجة، صيام يوم عرفة، صيام ست من شوال وكذا، هل من واجب هذا أن يصوم كل هذه الأيام؟ لا. قد يصوم شيئاً منها والحمد لله، لكن أن يقال: ينبغي أن يصومها كلها أو لا يأمرنا ليس بصحيح، وكما قلنا: إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد هذا جانب متعلق بفعل الأوامر، كذلك ترك المناهي، افرض إنساناً ينهى الناس كثيراً ويأمرهم وينصحهم، وفي يوم من الأيام زل في غيبة أو نميمة، زل في قضية معينة، لكنه تاب إلى الله وأناب، نفتح له باب الشيطان ونقول له: لا تأمر ولا تنه، أنت وقعت في هذا المنكر، ونعين الشيطان عليه حتى يجمع بين مصيبتين، بين وقوع في المنكر، وبين ترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا. هذا لا يمكن ولا يليق.

المعصية لا تنفي حب الله

المعصية لا تنفي حب الله Q أنا شاب أحب الله ورسوله ولكني أفعل بعض المعاصي، فهل يتعارض ذلك مع حبي لله ورسوله؟ A أما بالنسبة لهذا الذي يقول: أنا أحب الله ورسوله ولكني أفعل المعاصي، أذكر هناك قصة ولا أذكر اسم الصحابي، لما هم بعض الصحابة أن يفتك به على فعلة فعلها على وقت رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعه فإنه يحب الله ورسوله) لا أدري هل كان شارباً للخمر أو شيئاً من ذلك، فمحبة الله ورسوله تبقى، لكن المؤمن يرتفع عنه الإيمان أو كمال الإيمان يرتفع عنه أثناء المعصية، فإذا انتهى منها عاد إليه: (الإيمان كالظلة) كما جاء في الحديث، لكن يبقى على محبة الله ورسوله، بل وقد يحب الله ورسوله أكثر مما كان يحب إذا كان قد عاد بتوبة صادقة إلى الله سبحانه وتعالى، واستغفر وأناب من فعلته تلك، رب ذنب أحدث إخباتاً وطاعة وإنابة إلى الله تعالى، وقد يكون هذا من الذنوب التي تعتبر محمودة في جانب هذا الشخص، الذنب لا يحمد لكن قد يكون سبب خير لهذا بسبب وقوعه في هذا الذنب فيتوب ويعود إلى الله. فأسأل الله أن نكون وإياك وجميع إخواننا الحاضرين والمسلمين ممن يحبون الله ورسوله.

علاج المجاملة

علاج المجاملة Q يقول: ما علاج من يجد في نفسه مرض المجاملة؟ A المجاملة أقسام، إذا كانت المجاملة في تحمل الناس فيما يتعلق بالأمور العادية في المقابلات، في بعض المعاملات وكذا، لكن شيء اسمه شريعة الله سبحانه وتعالى، الشرع، أحكام الله وأحكام رسوله هذا ليس فيه مجاملة، هذا اسمه مداهنة، وواجبك أن تغير وأن تنكر ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وإن غلبتك نفسك على الإنكار في تلك اللحظة بعد فراقك لتلك اللحظة، يعني قد تكون جلست في مجلس، وحينما دخلت عند هذا الرجل وجدت أشياء في بيته، وغلبك الشيطان وما أنكرتها، خرجت من بيته، اكتب ورقة إذا كنت تعرفه، فقد يكون قريباً لك، فترجع وترصد ورقة وتقول: والله كان في نفسي شيء أحب أن أقوله وما استطعت أقوله، ولذلك تفضل هذه الورقة فيها بعض ملاحظاتي لتقرأها جزاك الله خيراً وتستفيد منها، وهي من مشفق وناصح وخائف عليك، وأذكر أبيات الشافعي: تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه النصيحة بين الملأ فضيحة، وقد يأتيك شيطان ويقول: أنت مجامل أنت مداهن، انصحه الآن أمام الحاضرين هؤلاء كلهم، الشيطان يغرر بك حتى يوقعك في الخرق ويوقعك في عداوته وأنت تريد أن تصلحه وتدعوه، فتقول: ذلك الأسلوب النظيف الجميل وتنتظر حتى تخلو به، ثم تنصحه على انفراد، فقد يفتح الله على قلبه بسببك فتنال الثواب.

الشدة في الأمر والنهي

الشدة في الأمر والنهي Q هل ترى أن اللجوء إلى الشدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر حسن؟ A الشدة في الجملة شيء من العنف، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يا عائشة! إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، وإن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف) فالعنف والشدة يا أخي العزيز لا تنبغي، إلا إذا كان هناك اضطرار لها؛ ولست أنت الذي تملك تطبيقها كما قلنا، لأن الشدة يفهم منها قرب وصول الأمر إلى مرحلة التغيير باليد، وعند ذلك إذا كان الأمر منطلقاً من إذن ولي الأمر، وإذن الجهة المختصة، عند ذلك تكون الشدة في محلها. إذاً: فالأمر بحسبه، واللبيب يفهم كيف يستخدم الأمور، الإنسان إذا أراد أن يخاصم إنساناً يبدأ بالمدفعية يضربه فيها، أو بالسلاح ويقتله؟ لا. كلمة ونصيحة، حتى العداوات بين الدول، حتى العداوات بين القبائل سابقاً وحديثاً تبدأ بالمفاوضات بالاتصالات، بالحرب النفسية، بالحرب الاقتصادية، فالحكمة منطلق عام عند جميع الأمم والجماعات، ما أحد يبدأ بالعنف من أول مرة. إذاً: من واجبنا أن نعرف متى نستخدم العنف بضوابطه وشروطه التي أخذناها، وأن نستغني عنه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً؛ لأن هذا الدين ينتشر بالقوة الذاتية الكامنة المتعلقة بفطرة الناس، هناك اتصال، حينما يقوم إنسان يتحدث في أمر من أمور الدين هو يخاطب قاعدة في كل قلب من قلوب الناس؛ التي هي قاعدة الفطرة التي فطر الله الناس عليها. إذاً: هذا الدين لا يحتاج إلا إلى شيء من جميل المعاملة، والعبارة الحسنة، والحكمة والموعظة الطيبة، وعند ذلك بإذن الله فإن الله جل جلاله يشرح الصدور إذا كان الآمر مخلصاً عمله ذلك لوجه الله سبحانه وتعالى.

طاعة عظيمة

طاعة عظيمة إن طاعة الوالدين والإحسان إليهما من أعظم الأمور في شرع الله، حيث قرن الله طاعة الوالدين بطاعته، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عظم حق الوالدين في سنته، حتى إنه لم يأذن بالذهاب إلى الجهاد في سبيل الله إلا بعد إذنهما، وعظم حق الأم وجعل لها حقاً أعظم من الأب لما تلقته من متاعب ومصاعب حال صغر ابنها حتى كبر

عظم طاعة الوالدين في الكتاب والسنة

عظم طاعة الوالدين في الكتاب والسنة إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهو الذي يقول في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: لا شك أن حق الوالدين عظيم بتعظيم الله له، حيث قرن طاعتهما بطاعته، وثنى بالشكر لهما بعد الشكر له، وحسبكم أن عصيانهما من الكبائر التي تودي بصاحبها إلى النار والهلاك إن لم يتب من العقوق والقطيعة. معاشر الإخوة: كثيراً ما سمعنا عما وقع فيه بعض المسلمين عامة، وبعض الشباب خاصة الذين عقوا والديهم، وقدموا طاعة الزوجات على الأمهات، وجعلوا حوائج الوالدين بعد الفراغ من حاجات الزوجات والأصدقاء، فترى الرجل له الولدان أو الثلاثة يقف على قارعة الطريق صباحاً أو مساءً ينتظر محتسباً يوصله أو يقربه على طريقه، وأولاده مع أصدقائهم أو على فرشهم لم يرد الواحد منهم أن يقطع لذيذ نومه أو طويل غفلته لأجل والديه، وكثيراً ما نرى المرأة الكبيرة تلتمس من جيرانها ومن حولها مساعدةً في الوصول إلى المستشفى، أو منزلٍ قريبٍ، أو بيت ذي رحم وأولادها في المنزل يتشاكسون، وكلٌ يعتذر عن الذهاب لقضاء حاجة أمه، فيا للحسرة والأسف من شاب بذل فيه والده الجهد الجهيد، ونهاية الأمر لا ينفعه في أدنى حوائجه! فاحذروا معاشر المسلمين، واحذروا معاشر الشباب عقوق الوالدين، فإن ذلك سببٌ للشقاء في الدنيا والخزي والعذاب في الآخرة، في الحديث الذي يرويه النسائي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثةٌ لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان، وثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة) وروى الحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعة حقٌ على الله ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حقٍ، والعاق لوالديه) فإياكم والعقوق! والزموا البر والصلة، واعلموا أن الوالد أوسط أبواب الجنة، فحافظوا على هذا الباب إن شئتم أو دعوا، جاء في الحديث عن ابن عباس: (ما من مسلمٍ له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين من الجنة وإن كان واحدٌ فواحداً، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه والده، قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه).

ذم تعنت الوالدين في الطاعة

ذم تعنت الوالدين في الطاعة واعلموا معاشر المؤمنين إن من الآباء والأمهات من يتعنتون على أولادهم في حق طاعتهم تعنتاً شديداً، يصل في بعض الأحيان إلى أمر الولد أن يطلق زوجته، أو أن يفارق جلساءه الصالحين، أو أصدقاءه الطيبين، وألا يخالطهم أبداً، فهذا معاشر الآباء تشددٌ وتعسفٌ في باب الطاعة والبر، فما المصلحة لأبٍ أو أمٍ كرها زوجة ابنهما لغير سببٍ وجيه فأمراه بطلاقها؟! أيريدون أن يجنوا على زوجته المسكينة حتى إذا طُلقت عاشت دهرها أيماً لا زوج لها؟ وقد يجران البلاء والشقاء لولدهما في الحصول على زوجةٍ جديدة قد توافقه وقد لا توافقه، وقد كان قرير العين بزوجته الأولى، وينبغي لمن وقع في مثل هذا أن يحتسب الجهد في إقناع والديه ببقاء زوجته عنده وعدم طلاقها، وتأتي بحق والديه على زوجته لمضاعفة البذل والخدمة والعناية، وأما تشدد بعض الآباء هداهم الله على أبنائهم في مجالسة الصالحين والأخيار من الأصدقاء فإنهم بهذا يفتحون مجالاً لهم في أن يجالسوا الأشرار والسيئين والفاسقين، فالنفس لا بد لها من صاحبٍ إما أن يكون جليساً صالحاً، أو جليساً سيئاً، وقد يتشدد الأب على ولده في هذا النوع من المجالسة خوفاً عليه ولا شك، فالحل عند ذلك لا يكون بقطع الابن عن أصدقائه وجلسائه، أو أن يمنعه من الذهاب إلى مكتبةٍ خيرية نافعة، بل الصواب هو متابعة الابن والتأكد من ذهابه مع أصدقائه الصالحين، وسؤاله عما يدور بينهم في مجالسهم سؤال تلطفٍ واستفادة متبادلة لا سؤال تحقيقٍ وامتحان، وعند ذلك يطمئن الأب إلى ذهاب ولده وإيابه. وبهذه المناسبة أكرر النصح والدعوة إلى الشباب عامة، وإلى الأخيار من الشباب الصالحين خاصة أن يضاعفوا البذل والعطاء والبر بوالديهم، فإن الجميع لا شك مقصرٌ في هذا الباب تقصيراً عظيماً.

عظم حق الأم دون الأب

عظم حق الأم دون الأب واعلموا معاشر المؤمنين! أن للأم النصيب الأوفى، والقدح المعلا، والدرجة العظمى في مقام البر وحسن الصلة، ففي الصحيح أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك؟ قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك) ولا عجب أن تنال الأم هذا النصيب من البر والصلة، فلها حقٌ كبير وكثير، وما نقدمه يسيرٌ وقليلٌ بالنسبة لما قدمته لنا. وكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنةٌ وزفير وفي الوضع لو تدري عليها مشقةٌ فمن غصصٍ منها الفؤاد يطير فكم غسلت عنك الأذى بيمينها وما حجرها إلا لديك سرير وتفديك عما تشتكيه بنفسها ومن ثديها شربٌ لديك نمير وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها حنواً وإشفاقاً وأنت صغير فآه لذي عقلٍ ويتبع الهوى وآهٍ لأعمى القلب وهو بصير فدونك فارغب في عميم دعائها فأنت لما تدعو إليه فقير وذكر أن أبا الأسود الدؤلي تخاصم مع امرأته إلى القاضي على غلامها منه: أيهما أحق بحضانته؟ فقالت المرأة: أنا أحق به؛ لأنني حملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته إلى أن ترعرع بين حضني كما ترى، فقال أبو الأسود: أيها القاضي! حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، فإن كان لها بعض الحق فيه، فلي الحق كله أو جله، فقال القاضي: أجيبي أيتها المرأة! فقالت: لئن حمله خِفاً فقد حملته ثقلاً، ولئن وضعه شهوة فقد وضعته كرهاً، فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها، ودعني من سجعك. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص (أن امرأةً قالت: يا رسول الله! إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني بعد أن طلقني، فقال: أنتِ أحق به ما لم تنكحي) رواه الإمام أحمد وأبو داود. يقول الإمام القرطبي: إن من الإحسان إلى الوالدين والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما، وفي الصحيح عن عبد الله بن عمرو قال: (جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم: أحيٌ والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد) رواه مسلم. وروى البخاري: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبايعه على الهجرة، وترك أبويه يبكيان، فقال صلى الله عليه وسلم: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما) ولا شك يا عباد الله! أن بكاء الوالدين بما يجره الولد لهما لهو من العقوق، بل أعظم العقوق كما جاء ذلك في الحديث، ومن الحديث الذي سبق ينبغي لمن أبكى والديه أو أغضبهما أن يتوب إلى الله، وأن يسعى جاهداً لإرضائهما، ورد الابتسامة إلى وجهيهما بفعلٍ يرون منه ندماً وأسفاً على ما فرط في حقهما، بهديةٍ وتلطفٍ ولباقةٍ في المعاملة، ودعاءٍ لهما وخضوعٍ وخفض جناح. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الجنة تحت أقدام الآباء والأمهات

الجنة تحت أقدام الآباء والأمهات الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شيءٍ قدير، كل ذلك تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المؤمنين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

رجل عق أمه فأنقذه الله من النار برسول الله

رجل عق أمه فأنقذه الله من النار برسول الله معاشر المؤمنين: جاء عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه آتٍ، فقال: يا رسول الله! شابٌ يجود بنفسه، فقيل له: قل لا إله إلا الله فلم يستطع أن يقولها، فقال صلى الله عليه وسلم: أكان يصلي؟ قال: نعم. فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهضنا معه، فدخل على الشاب، فقال له: قل: لا إله إلا الله، فقال: لا أستطيع، قال: لِمَ؟ قالوا: كان يعق والدته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أحيةٌ أمه؟ قالوا: نعم. قال: ادعوها، فدعوها، فجاءت، فقال لها رسول الله: أهذا ابنك؟ قالت: نعم. فقال لها: أرأيت لو أججت ناراً ضخمة فقيل لكِ: إن شفعتِ له صلينا عليه، وإلا حرقناه بهذه النار، أكنتي تشفعين له؟ قالت: يا رسول الله! إذاً أشفع، قال: فأشهدي الله وأشهديني أنكِ قد رضيت عنه، قالت: اللهم إني أشهدك وأشهد رسولك أني قد رضيت عن ابني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلامٌ! قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) وقد جاء في بعض الروايات: أن هذا الشاب كان يؤذي أمه، ويؤثر زوجته عليها.

رجل يشتكي أباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فألزمه طاعته

رجل يشتكي أباه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فألزمه طاعته فيا عباد الله: الله الله في حق الوالدين بالدعاء لهما، وخفض الجناح، ومن كان والداه كبيرين فإنهما أعظم الفرصة للبر ولنوال أسباب الرحمة، ومضاعفة الدرجات، وتكفير الخطايا والسيئات، جاء في الحديث الذي يرويه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟! قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة) ولقد جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن أبي أخذ مالي، فقال صلى الله عليه وسلم: اذهب وائتني بأبيك، فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله يقرئك السلام، ويقول: إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيءٍ قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الأب -وهو الشيخ- إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما بال ابنك يشكوك، أتريد أخذ ماله؟ فقال: سله يا رسول الله! هل أنفقته إلا على عماته أو أخواته أو نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: دعنا من هذا، أخبرني عن شيءٍ قلته في نفسك ما سمعته أذناك، فقال ذلك الرجل: والله يا رسول الله! آمنا بك وصدقناك، وما زال الله يرينا فيك مزيد صدقٍ ونبوة، إني قلت كلماتٍ في نفسي لم تتحرك بها شفتاي، قلت: غذوتك مولوداً وعُلتك يافعاً تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلةٌ ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهراً أتململ كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيناي تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقتٌ مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أُؤمل جعلت جزائي غلظةً وفضاضةً كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل فأوليتني حق الجوار ولم تكن عليَّ بمالٍ دون مالك تبخل فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأمسك بتلابيب ولده، فقال: أتسمع؟ أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك، أنت ومالك لأبيك). فهل بعد هذا يا عباد الله! يستكثر الابن على والده عطاءً أو يستكثر عملاً أو خدمة؟ والله إن حق الوالدين عظيم، ولن يجزي والدٌ ولده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه ثم يعتقه، ولن يبلغ أحدٌ حق والديه حتى فيما فعله، أو كان يظن بفعله أنه قد نال شيئاً من درجات البر بهما.

دعوة للرجوع إلى طاعة الوالدين

دعوة للرجوع إلى طاعة الوالدين رأى رجلٌ ابن عمر، وكان ذلك الرجل يحمل أمه على ظهره يطوف بها عند البيت، فقال: [يا ابن عمر! أتراني قد جازيتها حقها؟ فقال: لا. ولا بطلقةٍ من طلقات مخاضها]. إذاً فيا عباد الله! حق الوالدين عظيم، أمَا آن لشبابٍ قد آذوا آباءهم وقطعوهم لعروض من الدنيا حقيرة، ولأنواع من المال يسيرة قطعوا آباءهم، وهجروا بيوتهم، وشبوا نار الفتنة والفراق بينهم وبين آبائهم، أمَا آن لهم أن يتوبوا؟ أمَا آن لهم أن يئوبوا؟ أمَا يخشون الله حق خشيته؟ والله لو مات الوالد لندم الولد غاية الندم، ولن ينقطع ندمه إلى أن يموت، ولو مات الولد لتذكر أول ما يتذكر عند سكرات موته، هل يموت ووالداه قد رضيا عنه أم لا؟ إن ذلك لأمرٌ خطير، إنه لأمرٌ عظيم ألا وهو العقوق يا عباد الله! فانتبهوا لعظم جزائه وخطر عقوبته، فاتقوا الله في الوالدين، وأحسنوا إكرامهما، وأحسنوا صحبتهما وإن كانا قد توفيا فأكثروا من الدعاء لهما، والصدقة عنهما، فإنه: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من ولدٍ صالحٍ يدعو له، أو صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به) إذاً فاجتهدوا في ذلك يا عباد الله. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، واجزهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والسعادة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم فنوِّر ضريحه، ووسع له قبره مد بصره، وافتح له أبواباً إلى الجنة، واجعلهم شفعاء لنا، واجعلنا شفعاء لهم، واجمعنا بهم في دار كرامتك يا رب العالمين، يا واسع الرحمة والمغفرة! اللهم عليك بالإيرانيين الفرس الشيعيين، اللهم أحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، اللهم إن زرع باطلهم قد نمى وترعرع، اللهم فهيئ لهم يداً من الحق حاصدة تحصد زروعهم، وتميت ضروعهم، وتحصد شرورهم وتنزل بهم عذابك، اللهم أنزل بهم سوط عذابك، اللهم لا ترفع يد نقمتك عليهم بقدرتك وجبروتك يا رب العالمين! اللهم من أراد ولاة أمرنا بفتنة، وشبابنا بضلال، ونساءنا بتبرجٍ وسفورٍ واختلاطٍ في التعليم، واختلاطٍ في الوظائف، اللهم فأهلكه عياناً بياناً، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، وأسوأ من ذلك يا جبار السماوات والأرض! اللهم إنا نصبح ونمسي منك في عافيةٍ وأمنٍ وسترٍ ورزقٍ في الأموال والخيرات، وبركاتٍ في الأموال والذريات، اللهم من أراد التغيير علينا بتغيير ما نحن فيه، اللهم فغير عليه وحده، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، ولا تعم بذنبه وشؤم ذنبه عامة المسلمين بمنك ورحمتك يا رب العالمين! اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم أصلح إمام المسلمين، اللهم انصر وأعز وارفع إمام المؤمنين المسلمين، اللهم انصره وإخوانه وأعوانه، وارزقه البطانة الصالحة، وسخِّر له ولنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وارحم تضرعنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم إن بالمسلمين من الجهد والنصب والتعب واللأواء والمشقة ما لا يعلمه إلا أنت فارفع ذلك عنا وعنهم، بغيثك ورحمتك وواسع رزقك وكرمك يا رب العالمين! إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن صاحب نبيك على التحقيق أمير المؤمنين أبي بكر الصديق، وارض اللهم عن الإمام الأواب شهيد المحراب عمر بن الخطاب، وارض اللهم عن مجهز جيش العسرة بأنفس الأثمان عثمان بن عفان، وعن فتى الفتيان، ليث بني غالب، علي بن أبي طالب، وعن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

طوق النجاة

طوق النجاة كثيرة هي الفتن التي تواجه المسلم في هذه الأيام، تعرض على قلب الإنسان وجوارحه، فمن أنكرها نجا وسلم، ومن أشربها خسر وحُرِم؛ ويبقى باب التوبة مفتوحاً، ويبقى في الخاطر سؤال عن كيفية النجاة والخلاص!! وهنا بيان لطريق النجاة، في كتاب الله، وفي سنة رسول الله، وتحذير من إغواء الدنيا، ووجوب التعرف إلى الله في الرخاء والسراء. كما أوردت هذه المادة نماذج من أحوال أهل التقوى والخشية، ونماذج من أحوال أهل العصيان والغفلة.

الفتن وكيفية النجاة منها

الفتن وكيفية النجاة منها الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله حمداً ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله على كل حال، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ثم الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أفضل من وطئت قدمه الثرى، بآبائنا هو وأمهاتنا، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة! عنوان محاضرتنا: طوق النجاة، ننجو من ماذا؟ وأي طوق نتقلده حتى ننجو؟ وأي مصيبة تعترضنا؟ وأي فتنة تلك التي نخاف منها حتى تنجو؟ والله إن أعمالنا في صباحنا ومسائنا وذهابنا وإيابنا وغدونا ورواحنا كلها هلاك علينا، وبوار بنا وخسارة في سعينا {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] بنص كلام الله جل وعلا حيث قال وأقسم جل من قائل عليماً: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2] إن جميع بني الإنسانية، إن جميع أفراد البشرية لفي خسر {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]. أيها الأحبة في الله! أما الفتن التي نلقاها فحدث عنها ولا حرج، وليس الخبر عنها بدعاً من متأخري زماننا، بل هي من معجزات نبوته صلى الله عليه وسلم: (تكون فيكم فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل) ويقول صلى الله عليه وسلم: (تعرض الفتن على القلوب عوداً عوداً فأيما قلب أشربها؛ نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب دفعها أو نجا منها كان فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على واحد من اثنين) أو كما يقول صلى الله عليه وسلم، إما أن يكون قلباً أسود مرباداً كالكوز مجخياً، أو أن يكون القلب فيه مثل السراج يزهر أصبح أبيض جميلاً صقيلاً، هذا معنى مجموع من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. أيها الأحبة في الله! والله إن الفتن لتعرض علينا عوداً عوداً، قال العلماء: عوداً عوداً، شبه عرض الفتن على القلوب كعرض الحصير، كعرض العود في الحصير، عود بجانب عود، وآخر بجانب مثله، فهكذا تعرض الفتن على هذه القلوب وعلى معنى وتفسير آخر: عَوداً عَوداً أي مرة بعد مرة، والحاصل: أنه لا يسلم أحد من عرض هذه الفتن عليه.

عرض الفتن على السمع والبصر

عرض الفتن على السمع والبصر فأول هذه الفتن ما نسمعه بآذاننا من ملة عن ذكر الله جل وعلا، أو سماع لما يسخط الله جل وعلا، أو لكلام بذيء أو فاحش نميم أو غيبة أو ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى. فتلك فتنة في الأسماع، إما أن تدخل إلى الأسماع فتنفذ إلى القلوب، وإما أن تبعد واحدة بعد الأخرى، إما رجل يفتح أذنه بل بمكبرات الصوت التي يسلطها على أذنه لكي تعرض الأغنية تلو الأغنية، والمصيبة تلو المصيبة، والرديء من القول يعقبه ساقط الكلام، والغيبة تتلوها النميمة على هذه الأذن، فتن تعرض على هذه الأذن واحدة بعد الأخرى، فإذا قبلت الفتنة الأولى استعدت للفتنة الثانية، وإذا قبلت الثانية استعدت للفتنة الثالثة وهلم جراً، حتى تمتلئ هذه الأذن بكل نغم ماجن وبكل صوت خليع وبكل عزف وضيع، فإذا سمعت كلام الله نفرت، وإذا سمعت ذكر الله ابتعدت، وأصبحت كالحمر المستنفرة فرت من قسورة. والله ثم والله هذا شأن طائفة من عباد الله من البشر الذين رأيناهم في هذا الزمان، يوم أن يعلو صوت كلام الله أو سنة نبي الله صلى الله عليه وسلم، أو داعٍ إلى الله على أسماعهم ينفرون كما تنفر الحمر، لماذا؟ لأن هذه الآذان قد امتلأت قيحاً وصديداً من رديء يسخط الله ويغضبه، وهل تستطيع أن تملأ في كوزٍ واحد مادتين في آنٍ واحد، فهو إما أن تملأ فيه خيراً، وإما أن يخرج الخير منه ويمتلأ الشر به، وإما أن يختلط الخير بالشر على مداهنة ونفاق وذلك شر العباد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وتعرض الفتن على أبصارنا عوداً عوداً، وتعرض الفتن على أعيننا عَوداً عَوداً، مرة بعد أخرى، فنرى منظراً لا يجوز النظر إليه ثم نكرر النظر، ولو كانت لنا الأولى فليست لنا الثانية، فنديم النظر ثم نطلق العنان للخطرات، ونطلق للخيال عنانه حتى يتأمل هذه الصورة ويستحسنها، وكما قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: إن الشيطان يقول لجنوده وأتباعه: عليكم بثغر الأذن! الله الله لا يدخل منه كلام مما توجل منه القلوب أو تخشع له الأفئدة، بل زينوا في هذه الآذان كل لحن وعزف وغناء، ثم عليكم بثغر العين فاجعلوها لا تنظر إلا إلى ما حرم الله، واحجبوا نظرها عن أن تنظر في ملكوت الله في سماواته، أو أن تنظر إلى بديع صنع الله في مخلوقاته، واحجبوا ذلك كله، واجعلوا هذه العين تنظر إلى ما حرم الله، فإذا رسخت هذه الصورة المحرمة زينوها في قلب هذا الناظر وانقشوها فيه ومنوه بها حتى تخالجه الخطرات في اللقاء، وتزين له الخطوات الدنو، فإذا قاب قوسين أو أدنى من المعصية فدعوه لي وأنا دونكم عنده أصرعه على فاحشة وعلى مصيبة تجعله من أهل الفواحش والكبائر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. هذه فتن تعرض على أبصارنا على الشاشات والمجلات، وفي الأسواق بين الغاديات والرائحات، وفي كثير من الأماكن والمناسبات، وفتن تعرض في مجالسنا إما أن يستطيل الكلام في أعراض الأبرياء، وإما أن يطول الحديث في أعراض المحصنات، وإما أن تملأ المجالس بالغيبة والنميمة، وما يثقل الموازين بالسيئات، ففتن الكلام كلمة تتلوها كلمة، فإذا تحدث واحد ممن تسلط ألسنتهم أو تسلطت ألسنتهم عليهم زين أحد الجالسين حديثه بابتسامة وأكمل بقية الحاضرين حديثه بضحكٍ وإعجاب، فما يزال بعضنا يثني على كلام بعض، حتى نستمرئ الغفلة ونستلذ الكلام في المعصية، ونأنف أن نتلذذ بسماع خطاب الله وجميل كلام نبيه صلى الله عليه وسلم.

عرض الفتن على الأيدي والأقدام

عرض الفتن على الأيدي والأقدام هكذا -أيها الأحبة- تعرض الفتن على هذه الأيدي، فإما أن تمتد لتدخل في هذه الجيوب حراماً، أو أن تمد اليد بطشاً وظلماً وعدواناً إلى حرام، وتعرض الفتن على هذه الأقدام فتخطو إلى الحرام وتدنو منه وتواقعه كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، فإذا رتعت ثم استحلت المرعى وقعت، ثم بعد ذلك أنى لك أن تخرجها وقد سامت المرعى وشبعت منه، ولو وجدت في الحرام والعياذ بالله لذة حجبتها وأبعدتها أن تستشعر حقيقة لذة الحلال والإيمان.

النجاة من الفتن في الكتاب والسنة

النجاة من الفتن في الكتاب والسنة أيها الأحبة في الله! إما أن نكون في فتن تعرض علينا فهذا والله حق لا شك ولا مرية فيه، ولكن ما هي النجاة من هذه الفتن؟ أي طوق نتقلده، وأي قارب نستقله، وأي سفينة نبحر بها ونحن في بحر تتلاطم أمواجه؟ والله -يا عباد الله- إن اطلاعة منكم على ما يدور في مجلس بعض الشباب لكافٍ في أن تعلموا إلى أي حد بلغت الغفلة في القلوب، وهجمت الشهوات والشبهات على الأنفس، بل أصبح المعروف منكراً، وأصبح المنكر معروفاً، واختلط الأمر على الناس في هذا الزمان بين قاسي القلب لا يخضع لموعظة، وبين مشتبه قد اشتبه عليه الحلال والحرام، قد سمع علماء الدنيا قالوا كذا، وآخرين للسلاطين قالوا كذا، وآخرين للمراتب والجاه قالوا كذا، ثم بعد ذلك احتارت قلوبهم وتباينت وتشتت أذهانهم ما هو الحلال من الحرام؟! أيها الأحبة في الله! العصمة في كتاب الله، وطوق النجاة في قرآن أنزله الله، وفي سنة أوحاها الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) أي: السنة النبوية، فطوق النجاة فيها أيها الأحبة.

صراحة الاعتراف طريق للتوبة

صراحة الاعتراف طريق للتوبة من المصائب العظيمة أيها الإخوة أن يعرف كل واحد منا حقيقة ما في نفسه من الذنوب، والله لو سأل كل واحد من الحاضرين نفسه: أي ذنب تستحي أن تلقى الله به؟ لقلت وأجبت نفسك الآن: إنه الذنب الذي فعلته يوم كذا، في ساعة كذا، في مكان كذا، يوم أخذت مالاً، أو انتهكت عرضاً، أو فعلت فعلة {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] أنت والله أدرى بنفسك، أنت والله أعلم بنفسك، القلب يا مغرور أعلم بدائه، كل منا يعلم ما هو الذنب الخطير الكبير الذي فعله ويخشى أن يفضح يوم القيامة ويرجو من الله ستره. نعم أيها الأحبة! الحديث مع القلوب بالصراحة هو سبيل إلى التوبة، أما أن نتزين بالمظاهر والملابس، والله أعلم ببواطننا، فإننا سنقف يوم العرض الأكبر على الله يومئذٍ لا تخفى على الله خافية، لا يمكن أن نخبئ شيئاً عن الله، ولا يمكن أن نجعل جريمة تبقى في طي الكتمان والنسيان، كيف نستطيع أن نكتم شيئاً والله جل وعلا يقول: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]. تأمل نفسك يا أخي وأتأمل نفسي أيضاً! يوم ينصب الميزان ويدعى عبد من عباد الله باسمه واسم أمه وأبيه، ولو دعي باسمه لعرف أنه المقصود المراد لم يحتج إلى بينة أو قرينة لا تتشابه الأسماء ولا الأنساب، ولا الصفات ولا اللغات، كل يكون أدرى بالخطاب يوم أن يوجه النداء، فإذا قيل: يا فلان بن فلان! قم يوم الحساب إلى الحساب ومناقشة الأعمال أمام العرض الأكبر عند الله جل وعلا، فيوضع الميزان وأنت حينئذٍ يدور بك شريط ذكرياتك، ما أول سيئة توضع في كفة السيئات؟ وتبحث أيمن منك وأشأم منك أي حسنة تظن أن فعلتها خالصة نقية على سنة واتباع وإخلاص ترجو أن توضع في موازين حسناتك، سنقف هذا الموقف وكل سيكون أدرى بما سيوضع في ميزان حسناته وسيئاته. ثم يسدل الله ستره على عبده وهو الستار الحليم الغفور الرحيم، يقول: يا عبدي! أتذكر ذنب كذا، الذنب قد وضع في الميزان، المعصية الفاحشة الجريمة الخطيئة الزلة قد وضعت في الميزان، عبدي! أتذكر ذنب كذا في يوم كذا وكذا، فتقول: إي يا رب والله -تكذب على الله، تقول: ما فعلتها يا رب، أنت لستَ أمام البشر الذين تنطلي عليهم الحيل، لا والله، لا تستطيع أن تكذب أو تزيد أو تنقص- تقول: نعم إي والله يا رب أذكرها ولا أنساها، ولو كذبت على الله الذي لا تخفى عليه خافية لأنطق الجارحة التي فعلت المعصية، فإن كانت المعصية بقدمك تكلمت رجلك، وإن كانت المعصية بيدك تكلمت اليدان، وإن كانت المعصية بفرجك تكلم الفرج، وإن كانت المعصية ببصرك تكلم البصر، وإن كانت المعصية بسمعك تكلم السمع.

شهادة أعضاء المذنب عليه

شهادة أعضاء المذنب عليه الله أكبر يا عباد الله! كيف نجرؤ على الله جل وعلا بزيادة أو بنقصان {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65] لا يمكن أن يكتم عن الله شيء. فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ومهما يكتم الكاتم الله يعلم لا يمكن أن يكتم الله شيئاً {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت:19 - 21] لماذا تشهد؟ أيتها القدم التي لذذتك بهذه العملية، لماذا تشهدين؟ أيتها اليد التي جملتك بهذه الشيء لماذا تشهدين؟ أيتها العين التي متعتك بهذا المنظر لماذا تشهدين؟ أيتها الأذن التي أسمعتك هذا اللحن لماذا تشهدين؟ (قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ) ليس الأمر بأيدينا (أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) رب خلقنا من العدم فهل يعجز أن ينطقنا؟! رب خلقنا من التراب من مني يمنى حتى كنا نطفة فعلقة فمضغة فطفلاً فبلغنا أشدنا ثم كنا شيوخاً، ثم توفانا ثم بعثنا بعد موتنا، يعجز أن ينطقنا!! والله ما ذلك على الله بعزيز. هكذا ظن الكفار لما وقف العاص بن وائل، وأخذ عظماً قد رمّ، فقام يفته ويفركه بين يديه وقال: يزعم محمد أننا إذا متنا وكنا عظاماً كهذا وقد أصبحنا رميماً أن الله يبعثنا! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (نعم. يبعثك الله ثم يحشرك إلى جهنم). وأنزل الله جل وعلا قوله في كتابه الكريم في سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] هذا المعاند المتكبر العاصي نسي أنه خلق من عدم {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36] {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:78 - 80]. قال العلماء: أورد الله جل وعلا هذه الآية إبلاغاً في دفع حجج الكفار وعنادهم في قضية البعث {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً} [يس:80] الشجر يتولد من التراب والطين وأصل ذلك من الماء، العنصر الناري محرق، والعنصر المائي مطفئ مبتل، الذي يخلق من هذا العنصر المائي المطفئ المبتل يجعل منه ناراً {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:80] والله قادر على أن يجعل البحار المائية والمحيطات العظيمة نيراناً متأججة {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] أشعلت وجعلت ناراً. يقف العباد يوم العرض الأكبر على الله يقولون: لم شهدتم علينا {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} [فصلت:21 - 22] هلَّا يوم أن أردتم أن تفعلوا فاحشة أو معصية أو جريمة أو أردتم أن تتجرءوا على أمر الله استترتم يميناً أو يساراً، {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت:22 - 23].

السجل الدقيق للحسنات والسيئات

السجل الدقيق للحسنات والسيئات إخواني! يدني الله جل وعلا واحداً منا، لا نتكلم عن أجيال قبل ألف وأربعمائة سنة، أو عن أمم بعد مائتين سنة، لا. واحداً من هؤلاء، كل سيقف على العرض الأكبر على الله، يقول أحدنا: سبحان الله! هناك وقت كافٍ لكل إنسان تناقش أعماله وسيئاته وحسناته، ثم ما هي هذه السجلات التي سيجد فيها الإنسان الحسنات والسيئات والزلات والغفلات؟ أقول: يا إخواني، لو قلت لكم: أنا أنكر الكمبيوتر، هذا الكمبيوتر أنا لا يمكن أن أصدق ما فيه، تقولون: هذا شيخ مجنون أهبل، الكمبيوتر خلال لحظة -مركز معلومات- يعطيك أسماء دولة كاملة بأفرادها وأبنائها وأمهاتها وتعداد سكانها ومنابع نفطها وموارد مائها وعدد إشاراتها خلال لحظات أمام الشاشة تخرج أمامك المعلومات بكاملها، هذا أنت يا مخلوق يا ضعيف صنعت الكمبيوتر الذي أتى بهذه المعلومات كلها، فالخالق القوي الذي خلقك أيها المخلوق أيعجزه أن ينثر أعمالك هكذا في لحظة؟! ثم تعرض عليك واحدة بعد الأخرى، لا والله لا يمكن أن تخفى على الله خافية. ثم ملائكة الله الذين هم أضعاف أعداد سكان الأرض، ملائكة لا يحصيهم إلا الله، إذا صار كل شخص معه ملكان يكتبان حسناته وسيئاته، نفر من الله إلى أين؟ إلى الله.

الذين يرجون رحمة الله

الذين يرجون رحمة الله يا إخوان: يدني الله عبداً من عباده فيقول: يا عبدي يا فلان بن فلان! أتذكر ذنب كذا في يوم كذا وكذا، فيقول: إيه يا رب أذكره ولا أنساه، فيقول الله جل وعلا: أتذكر ذنب كذا وأنت تعلم أن هذا الذنب سوف يعرض عليك، فتقول: إيه يا رب والله أذكره ولا أنساه، فيقول الغفور الرحيم الجواد الكريم: يا عبدي! إني سترتها عليك -لم يعلم بها أحد- وجعلتها حسنات، اذهبوا بعبدي إلى الجنة، الله أكبر يا عباد الله! ليرحمنا الله يوم القيامة رحمة ما خطرت على قلب بشر، من يتعرض لهذه الرحمة؟ من يلبس طوق النجاة لينال هذه الرحمة، من يلبس تاج الوقار لينال هذه الرحمة؟! من يقدم دموع الندم لينال هذه الرحمة؟ من يبذل عبارات الأسف والندم على ما مضى لينال هذه الرحمة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة:218] يرجو رحمة ربه من آمن بالله، وجاهد في سبيل الله، وجعل في قلبه هجرة من السيئات إلى الحسنات، ومن المنكرات إلى الطاعات، ومن جلساء الشر الأشرار إلى أصحاب الخير الأبرار، ينالها من بلغ هذه المنزلة ومن أدركها وليست والله بعيدة يا عباد الله. الله أكبر يا عباد الله! عجب في شأننا مع الله، يرزقنا ونشكر غيره، يخلقنا ونعصيه، يحفظنا ولا نحفظ أمره، يهدينا ولا نهتدي بهديه، ما أحلم الله على عباده، والله إنها لآيات عظيمات تدل على أن الله رحيم حليم {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:45] والله لو أن العبد يؤاخذ بالمعصية، والله ما سلم أحد خطوة بعد معصية، تفعل معصية ثم لا تكون بعدها خطوة واحدة. أين أنت ممن يعصي رب السماوات بين الأرض والسماوات، معصية في الطائرة، أين أنت ممن يعصي الله بين الأمواج المتلاطمات. إخواني! متى نرتبط بالله؟ متى نقول: يا الله، من خالص قلوبنا؟ متى نصيح ونجأر إلى الله ونقول: يا الله، لقد أسرفنا في أمرنا وأفرطنا تفريطاً عظيماً؟ متى نقول ذلك؟ إذا وقع الواحد منا مريضاً، ارتفعت درجة الحرارة إلى أربعين ثم وضع جهاز الضغط على اليد، ثم جاء الطبيب ويقف وأنت تقول: يا الله يا الله يا الله، وأين يا الله يوم أن كنت قوياً معافى؟ أين كلمة يا الله يوم أن كنت تجلس الساعات الطول أمام الفيديو والشاشة؟ أين كلمة يا الله يوم أن كنت تملأ هذه الآذان بألوان الغناء أو الطرب الذي يبلغ به الأمر إلى الاستهزاء بالله وسنة رسول الله ونبي الله وكلام الله والصالحين من عباد الله، أين كلمة يا الله؟

أهمية التعرف على الله في الرخاء

أهمية التعرف على الله في الرخاء إذا كنت تقول: يا الله! وقت الاضطرار فإن كفار قريش الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم واستباح دماءهم وأموالهم كانوا عند الاضطرار يقولون: يا الله! {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس:22] إذا كنت تقول: يا الله! وقت الاضطرار فلست وحدك التي تقولها، كفار قريش يقولونها. حصين بن عبيد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا حصين! كم من إله تعبد؟ قال: سبعة، قال: وأين آلهتك يا حصين؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: من الذي لشدتك وكربك؟ قال: الذي في السماء) الاضطرار إلى الله وقت الحاجة، والاضطرار أمر طبيعي في البشر، لكن يا أخي! كن مع الله في حال الرخاء يكون الله معك في الشدة، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في حال الشدة. نبي الله يونس بن متى كان من المسبحين، فلما ألقي في البحر والتقمه الحوت نادى في الظلمات {أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] قالت الملائكة: يا رب! صوت مسموع- ليست أول مرة يسبح - {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات:143] فلولا أنه كان فيما مضى من المسبحين {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:144] ولكن لأنه كان من المسبحين في الرخاء فسبح في الشدة، فجاء الفرج عاجلاً بين الكاف والنون {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40]. إخواني في الله! ينبغي أن نتعرف على الله في الرخاء، ينبغي أن نقوم بأمر الله في الرخاء، ينبغي أن نبادر إلى الله ما دمنا أقوياء، اغتنم بادر (اغتنم خمساً قبل خمس: فراغك قبل شغلك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وشبابك قبل هرمك، وخذ من دنياك لآخرتك، ومن نفسك لنفسك).

مثل يبين حقيقة الدنيا

مثل يبين حقيقة الدنيا هذه الدنيا كما ضرب بها أحد السلف المثل قال: مثل الدنيا كمثل رجل لحقه عدو معه سلاح يريد أن يقتله فهرب، فما زال يلحقه وما زال يهرب، فلما نجا منه إذا بأسد جائع مفترس يلحقه ففر من الأسد فلم يجد أمامه إلا بئراً فرمى بنفسه في هذه البئر، فإذا في قاع البئر حية ووقف الأسد على شفير هذا البئر، فأمسك حبلاً يتدلى به، فإن نزل إلى قاع البئر فستلدغه الحيات، وإن خرج فالأسد الجائع ينتظره، تمسك بهذا الحبل فإذ بفأرين واحد أبيض وآخر أسود تسلطا على هذا الحبل يقرضانه، فمد ذلك الخائف الهرب، مد يده إلى جدار البئر فوجد منحلة من عسل، فلما ذاق العسل أخذ يتذوقه، ويقول: هذا عسل لذيذ، وأخذ يأكل من هذا العسل، هذا هو ابن آدم. الخاتمة الحيات تنتظره، الموت، والأسد يدركه، وعمره هذا الحبل، والفأران الأبيض والأسود هما الليل والنهار يقرضان كل يوم من حبلك حتى ينقطع بك الحبل، أفتشتغل بعد هذا وتأكل عسلاً، تأكل من عسل هذه الدنيا يا أخي، أتشتغل بهذا والحية تحتك والفأر يقرض في حبلك، أم تحاول أن تبحث عن النجاة ثم بعد ذلك تجد فسحة ومتسعاً للعسل والحلوى وما لذ وطاب، هذا هو شأن كثير من الناس في هذا الزمان، والله ما جعلنا لله وقاراً، والله ما قام لأمر الله في قلوبهم غضب ولا غيرة، والله ما غضب أحدهم غضباً كغضبه على أحدٍ من أولاده يوم أن ضيع مائة ريال، ما غضب لله جل وعلا لحظة، وإذا رأى معصية أو منكراً مما يعصى به الله ربما ضحك وربما سكت، وإذا سمع كلمة في عرضه أو نسبه أو أصله أو شرفه، أخذ يزمجر ويزأر، ويثبت وهو يقول: أنا ابن جلَّا وطلاع الثنايا، من هذا الذي يتكلم فينا وفي أسرتنا وفي قبيلتنا ونحن ونحن ونحن، والكلام في دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل والنهار عبر كثير من الوسائل وعبر كثير من الأجهزة وعبر كثير من الوسائل المختلفة، بل وفي كثير من المجالس يستطيل وينتشر وما ترى غضبة لله، أو تغيراً لله لماذا يا إخوان؟

غيرة الله على نعمه

غيرة الله على نعمه إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه، والله يغار على نعمه {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]. يا إخواني، والله لقد مرَّ بأهل هذه الجزيرة زمن ما أدركناه وحدثنا عنه كبار السن الذين بلغوا المائة في هذا وهم حتى الآن أحياء.

مداولة الأيام وتقلب الأحوال

مداولة الأيام وتقلب الأحوال يروي أحد المسنين قصة يقول: امرأة في منطقة ليست بعيدة من هذه المنطقة كان معها مزادة، أتت ومعها بُنيات إلى صاحب بستان والناس يحرثون البساتين؛ لأن الجوع مستطير يخشون أن تداهم الثمرة ويأكل المال، جاءت امرأة وقالت: من فضلك وإحسانك حط عندك هذه المزادة، قال: مربوطة ووضعتها، فإذا جاء آخر النهار طرقت علي الباب، وقالت: أعطني المزادة التي عندك، قال: وتأخذها وتتنحى هي وبُنياتها وتفتح وكاء هذه المزادة وتخرج شيئاً ثم تجلس هي وبناتها ثم تعود وترد لي هذه المزادة وتقول: جزاك الله خيراً على الذي كان، قال: فسولت لي نفسي يوماً أن أفتح لأرى ما بهذه المزادة، قال: فوجدت فإذا رأس حمار يأكلونه من الجوع، من الجوع الذي بلغ بأهل هذه البلاد يا من تلبسون المشالح وتركبون السيارات بلغ بكم منذ زمن قريب جوع لا يعلمه إلا الله، تقطع من لحم رأس هذا الحمار وتقدم لبنياتها على شواء أو ملح أو غير ذلك، بلغ بالناس مبلغاً لا يعلمه إلا الله جل وعلا، إذاً: لا تطمئنوا لهذه الدنيا. هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان وهذه الدار لا تبقي على أحدٍ ولا يدوم على حالٍ لها شان أين الملوك ذوي التيجان من يمنٍ وأين منهم أكاليل وتيجان وأين ما شاده شداد في إرم وأين ما ساسه في الفرس ساسان أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

تفاهة نعيم الدنيا أمام سكرات الموت

تفاهة نعيم الدنيا أمام سكرات الموت إخواني! والله لو أنك منذ أن ولدت والحشم والخدم والعبيد في قصور الملوك يخدمونك على ثياب الحرير يلبسونك، على موائد الطعام يطعمونك، والله ما تساوي لحظة من سكرات الموت التي بلغت بخير أهل الأرض قاطبة محمد صلى الله عليه وسلم، والله لو هون الموت على أحد لهون على المصطفى صلى الله عليه وسلم، لقد جاءه الموت واشتدت به الحمى، وبردت منه الرجلان، وضعفت منه القدمان، وازرقت منه الشفتان، وسكنت منه اليدان، وهو يغمس يديه في شنة من ماء، ويقول: (اللهم هون عليَّ سكرات الموت، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات). يعني فلنفرض أنك ملذذ منعم من كل شيء والله لا يساوي ذلك لحظة تواجه فيك سكرة من سكرات الموت. مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى الحساب وقلبه مذعور {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17] هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور الله أكبر! يا إخوان: كم بلغنا من العمر؟ ثلاثين سنة! أربعين سنة! هل حفظنا القرآن؟ هل جاهدنا في سبيل الله؟ فلان نعم أسس نفسه قدم على البنك وبنى له فيلة، رجل ممتاز، هكذا أصبحنا نقيس الناس، نحن لا نمنع من ذلك، ما بذلة الإنسان في حلال فخير، والله جل وعلا يؤجره عليه، لكن أين حظنا من الآخرة؟ لقد عمرنا الدنيا وخربنا الآخرة. نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع

صور مشرقة من التقوى والخشية

صور مشرقة من التقوى والخشية يقول أبو بكر الصديق: [يا ليتني شعرة في صدر عبدٍ مؤمن] يا إخوان: ماذا قدمنا حتى نطمئن. عجبت للجنة كيف نام طالبها، وللنار كيف نام هاربها! عمر بن الخطاب الذي نزل الكتاب موافقاً لقوله، عمر بن الخطاب الإمام الأواب، شهيد المحراب، عمر بن الخطاب الذي يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما سلك ابن الخطاب فجاً إلا سلك الشيطان فجاً آخر، وإن الشيطان لا يجري في فج يجري فيه عمر بن الخطاب) عمر بن الخطاب أحد العشرة المبشرين بالجنة، عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة وضع عبد الله بن عمر ولده الصحابي الجليل رأس والده عمر على حجره، فيقول عمر: [إليك عني واجعل رأسي على الأرض، ويل عمر إن لم يرحمه ربه]. عبد الله بن عمر رأس والده على حجره، فيقول عمر: إليك عني ويل عمر وويل أم عمر إن لم يرحمه ربه، ثم يمرغ لحيته في التراب، ويقول: يا رب! رحماك، يا رب! رحماك، عمر بن الخطاب يسأل حذيفة بن اليمان يقول: سألتك بالله، يعني: ما ترك له فرصة يفر من الجواب للحديث: (من سألكم بالله فأجيبوه) سألتك بالله: هل عدني رسول الله من المنافقين؟ الله أكبر! إذا كان عمر يخاف على نفسه النفاق نحن ماذا نكون؟ من العشرة المبشرين بالجنة، نكون من أهل بدر، نكون من أهل بيعة الرضوان، من أهل الشجرة، ماذا نكون يا إخوان؟ نحن لا نقنط أنفسنا من رحمة الله، ولكن أسوق هذا الكلام لأننا نرى غروراً من أنفسنا، الواحد منا يرضى عن نفسه إذا صلى مع الجماعة وبس. احمد ربك أني أصلي مع الجماعة، هناك أناس والله لا يصلي في المسجد، لا يركع في المسجد، احمد ربك أنني لا أسافر مثل الذين يسافرون، احمد ربك أنا أنا أنا إلخ، وكأنما يستكثر على الله، يا مسكين يا مسكين المنة لله عليك، والفضل لله عليك، وأنت لا تنفع إلا نفسك، الله غني عن العباد {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58]. يا إخواني: فلنستعد لله، واعلموا أننا على خطر، لا بد أن نرتدي طوق النجاة من هذه اللحظة، لا بد أن نلبس لباس النجاة وهي التوبة من هذه اللحظة. يا إخوان: والله إنها لفتن، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، والواقع شاهد بذلك، كما عرفنا من كثير من أبناء الأسر وشباب المجتمع، تفلتوا رويداً رويداً حتى قلَّ حظهم من الإيمان، واستحكم في قلوبهم أمر الشيطان، وزين لهم الفسوق والعصيان، فماتوا على خاتمة سيئة أو كفر بالله جلَّ وعلا.

صورة من سوء الخاتمة

صورة من سوء الخاتمة ذكرت في خطبة جمعة من الجمع أن شاباً بلغ من شأنه، كان كسائر الشباب ما زال مع قرناء السوء وإيمانه يضعف ولا يتفقد نفسه حتى سافر إلى بانكوك، وأنتم تعلمون ما بانكوك؟ وفي لحظة هوس وعشق ومجون فقد حبيبة قد شغفها حباً وأشرب قلبه حبها، فلما أبطأت عنه كاد يجن، فلما قدمت عليه خر ساجداً لها، فكانت السجدة الأخيرة قبضه ملك الموت كافراً فاسقاً فاجراً ساجداً لغير الله. يا إخوان! سوء الخاتمة ليس بعيداً عن أن تقلب القلوب، كان صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أكثر ما يدعو وهو ساجد، وأكثر دعائه في سجوده أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) وكان كثيراً ما يحلف ويقول: لا ومقلب القلوب، يحلف بالله مقلب القلوب، أفيأمن أحدنا على نفسه يا إخوان.

ورع ابن خثيم وعفته

ورع ابن خثيم وعفته أين إيماننا؟! إيمان الربيع بن خثيم، الذي تمالئ عليه فساق المنطقة التي كان يسكنها، اجتمع فساق المنطقة قالوا: نريد أن نضل الربيع بن خثيم، شاب وسيم جميل عابد تقي صالح، قالوا: كيف نضله؟ قالوا: نأتي ببغية غانية، وتسمى الغانية غانية؛ لأنها استغنت بجمالها عن المجملات، فأتوا بباغية غانية، قالوا: نريد منك أمراً، قالت: ما هو؟ قالوا: نريد منك أن تضلي الربيع بن خثيم، وندفع لك مائة دينار، قالت: وماذا تريدون؟ قالوا: قبلة واحدة، اجعليه يقبلك قبلة واحدة، قالت: قبلة فقط، أجعله يزني، هل تدفعون أكثر؟ قالوا: نعم. ندفع. وفي هذه القصة عبرة: وهي أن الفساق لا يطمئنون لترك الأبرار والأخيار على خير، فإما أن يتجه الأبرار لدعوة الفساق فيكونون صالحين أمثالهم، وإلا فإن الفسق يسري حتى يعم الصالح والطالح، إذا كان الفساق يتمالئون على الأبرار، فما بالك بالشخص العادي الذي مثلك، عادي يعرف الصلاة في المسجد فقط، وليس هناك التزام ولا استقامة، مع الأغاني أغاني، ومع البلوت بلوت، ومع السفر سفر، ومع الشلة شلة، ومع الغفلة غفلة إلى آخر ذلك. قالوا: نريد أن تجعليه يقبلك قالت: لا. أجعله يزني، فوقفت له مع استغنائها بجمالها، وزادت فيما يجملها عطراً، يفوح شذاه بالمعصية ويطرح ضعاف الإيمان، فلما وقفت له في طريق، ثم أماطت الرداء عن بدنها فوقفت له، فقال الربيع: كيف بهذا البدن إذا نخره الدود، وكيف بهذه العين إذا غارت في التراب، وكيف بهذا اللسان إذا شهد عليك، فصاحت صيحة وصرخت صرخة، ثم قالت: قتلني الربيع بن خثيم، قتلني الربيع بن خثيم.

صور أخرى من المعاصي

صور أخرى من المعاصي الله أكبر! يا إخوان: والله منذ مدة كنا في محاضرة بـ الرياض، محاضرة بعنوان: (الحذر من الفتن) فأرسل إلينا شاب وكنا على المنصة، وقال: يا شيخ! ولسنا والله بمشايخ ولكن هذا الزمن جعل التلميذ أستاذاً، قال: يا شيخ! إني نزلت في الليل فوجدت أبي يزني بالخادمة، تسلط على خادمة قد لا يكون فيها من الجمال ما يلفت النظر؛ لكن انظر الضعف في الإيمان! فما بالك لو وقفت له امرأة كما وقفت للربيع بن خثيم، إيمان ضعيف يحتاج إلى تقوية يا إخوان، الإيمان ضعيف. وفي مجلس قريب حدثني أحد الشباب أن شاباً سافر ولم يزل بصاحبه ليسافر معه، والشاب حصلت منه سابقة لكنه مل من الفساد، والعاصي يا إخوان ترى ما يطمئن للمعصية ولو ضحك، ولو شرب ولو سكر، كما يقول الحسن البصري: [والله وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه] والله لو مر قدامك (كادلك) أو (مرسيدس) ولا معه أجمل وأحسن وأفضل شيء وهو عاصٍ لله، والله إنك أيها المسلم التقي الحفي حافي القدمين متقلب في طمرين أشعث أغبر والله إن في قلبك عزة ما يبلغها هذا الذي في السيارة، لأن ذل المعصية لا يفارق أصحاب المعاصي. المهم: شاب حصل منه ما حصل، وأراد أن يكون عادياً، وهذا الزمن لا تصلح فيه كلمة عادي، الدين الذي يريده كثير من الناس يقول: لا تكن فاسداً ومدمن مخدرات، ولا تكن ملتزماً جداً كالذين لا يسمعون الأغاني، ولا ينظرون إلى النساء، كن وسطاً، ككل الناس، المهم أن هذا الشاب أراد أن يكون عادياً نسأل الله أن يعفو عنا وعنه وقد أفضى إلى ربه، ما زال ابن عمه يحاول معه ويحاول، قال: يا أخي أنا طفشت ومليت يعني في هذه اللحظة لو وفق ذاك الشاب بجلساء طيبين يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة لتاب إلى الله توبة صادقة نصوحاً. المهم يا إخوان قال: تذكر صديقتنا فلانة، الدعوة المجردة لم تنفع، تذكر صديقتنا فلانة التي في الفندق، وتذكر صديقتنا فلانة التي طلعنا معها، وأخذ يذكره بفلانة وفلانة، حتى ما زال به وسافر معه، فلما سافر معه لا زال قلبه كارهاً، فاتفق مع واحدة، دائماً أهل الفجور لو يسافر ثلاثة فساق فيزني اثنان والثالث لم يزنِ مستعدين أن يأتوا له بفاجرة لكي يزني مثلهم، هذا معروف معلوم، يحب أهل المعصية أن يشتركوا في العذاب والذنوب والمعاصي. فذهب وأتى بامرأة وأدخلها عليه، فإذا بابن عمه يسمع رفيقه هذا الذي وصل له تقريباً على هذا الشيء، غصب إكراه يعني مجاملة وهلم جراً، إذا به يسمع ضحك ومداعبة وأخذ يكلم صديقه، ابن عمي فلان! تحرك، قم فلان استيقظ، نائم ما يسمع صوت، وإذا بنفسه قد سكنت ومات بعد أن قذف الماء فيها، الله أكبر يا إخوان! هذه خاتمة، هذه خاتمة يا إخوان {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176] ذكر القصص والاستشهاد بها من الواقع لا من الخيال، لا من ألف ليلة وليلة، حتى نعتبر ونتدبر ونتذكر، ما الذي أقلق الأولين والآخرين والصحابة والسلف والصالحين، إنه سوء الخاتمة.

أهمية التزود بالتقوى والاستعداد للموت

أهمية التزود بالتقوى والاستعداد للموت تزودوا يا إخواني، تزود من الدنيا، إنه ليس أمامنا بعد هذا الذي رأينا وعرفنا وعلمنا إلا أن نستعد، ليس أمامنا إلا أن نستعد، والخاتمة لا نعلم متى تفاجؤنا. وكل نفس لها يوم منيتها تأتي إليها صباحاً أو تماسيها والله ما تردي موتك يأتيك على فراش الصبح أو فراش الليل أوفي الدوام أو أو إلخ. تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر وكم من عروس زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر لا يعلم الإنسان متى يلقى الله جل وعلا. إخواني: لو دخل ملك الموت من هذا الباب، وقال: من المستعد للموت بعمل صالح الآن إلى الجنة؟ من يقوم منكم؟ والله ما منا مستعد، والله ما فينا مستعد، صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم قد استعدوا للقاء الله وأحبوا لقاء الله فأحب الله لقاءهم، ومع ذلك مع حبهم للقاء الله يخشون، عملوا عملاً صالحاً ويرجون رحمة الله ويخشون أن تزل بهم القدم، والحسن البصري رحمه الله لما حضرته الوفاة بكى، قيل: يا أبا عبد الله، أنت الذي تصيح؟ أنت الذي تبكي؟ أنت تبكي إذا حضرك الموت، فماذا نفعل نحن؟! قال: أخشى أن يقذف بي في النار ولا أبالي، من أنت على الله يا مسكين {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ} [الأعراف:99] {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [الزمر:48] {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] كان إذا قرأها السلف أخذوا يبكون {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}. على عملنا هذا أنت لو سألناك وقلنا لك: أنت يا أخي والثاني والثالث العمل الذي أنت عليه هل تريد به جنة وحريراً، وحور عين، وأمناً عند رب العالمين، يعني: أنت دليلك حاكم على نفسك بأنك مقصر وما بلغت هذه الدرجة وهذه المنزلة، لم لا تستعد للقاء الله؟ لم لا تبدأ طوق النجاة بالتوبة الصادقة إلى الله.

دعوة للمبادرة بالتوبة إلى الله

دعوة للمبادرة بالتوبة إلى الله أيها الإخوة! خلاصة هذه المحاضرة أن نتوب إلى الله جل وعلا من هذا المكان، وأن نعلنها توبة صادقة صالحة من هذه الساعة، فمن كان مقصراً فليبادر بالتمام, ومن كان مفرطاً فليعد إلى الله، ومن كان مرتكباً فليتب إلى الله جل وعلا، منذ هذه اللحظة إن بلغ الإيمان في قلبك مبلغاً، وأن كلام الله ينفع في قلبك وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تجدي في خطابك، فاسمع قول الله جل وعلا: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51] {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]. تفقد نفسك! ما هو أمر الله في نفسك؟ ما هو أمر الله في استقامتك؟ ما هو أمر الله في بيتك؟ فقل: سمعت وأطعت ونفذ منذ هذه اللحظة، لا نشاور الجماعة والأصدقاء، أو نشاور الشباب وننظر هل فلان يستقيم أم لا يستقيم؟ فلان يلتزم أو لا يلتزم؟ أحد الشباب كان في طريقه إلى منطقة جلاج، كنت أتحدث أنا وإياه عن أحد الفنانين الذين هداهم الله جل وعلا مطرب فنان محبوب الجماهير على ما قالوا، يقولون له: يا فلان، والله لا تهتدي، قال: والله لو يهتدي فلان بن فلان لاهتديت، والعجيب أن مطربه هذا الآن وإن كان مسجوناً إلا أن الله قد منَّ عليه بتوبة صادقة نصوح، فتاب إلى الله توبة من الفن والطرب، وأخذ ينصح ويعظ المساجين في السجن، وإذا جئنا لصاحبنا هذا وقلنا له: هذا مطربك المفضل تاب فتب إلى الله، قال: هاه أنظر، يمكن أن أقلب، أو يقول: أنا سأتوب ولكن الأغاني لا أستطيع تركها، والدخان هذا صعب، واللحية ماذا يقول الناس عني؟! مطوع معقد!! والثوب أخاف من كلامهم، ويمكث يجمع لك (أتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) يخشون الناس ولا يخشون الله، الناس هؤلاء يؤخرون الأجل لحظة؟ يعجلون عرضك على الله يوم القيامة؟ يدخلونك الجنة؟ يخرجونك من النار؟ ما قتل الناس مثل الناس، وما ذبح الناس مثل الناس، مجاملة الناس، مراءاة الناس، الأصدقاء، الشلة، الآخرون وهلم جراً، ولو جئت إلى أحدهم في ريال أو عشرة أخذ يقلب عينه فيك ويحسب ويناظر وأنت كفء أم لا، وأنت تستحق أم لا، ويمكن يعطيك وينظر ما هو مردودها معك، وربما يستغلك فيما يعطيك، لكن عليك برب كريم يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ينزل ربنا في ثلث الليل الآخر فيقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ أين التائبون؟ أين المستغفرون؟ أين المقبلون على الله؟

كيفية تعامل التائب مع منكرات بيته

كيفية تعامل التائب مع منكرات بيته يا إخواني! خلاصة كلامنا أن نتوب إلى الله وأن نقبل على الله، وأن نستجيب لأمر الله، وليس معنى هذه الاستجابة منذ أن تدخل مع الباب تبصق في وجه زوجتك وتكسر التلفزيون والأشرطة وتقلب الدنيا على عقب! لا، ليست هذه الاستجابة، الاستجابة أن تدخل ضاحكاً مبتسماً، منطلق الجبين خافض الجناح، تبدل المعاملة السيئة مع أهلك وزوجتك بمعاملة حسنة، تبدل وتغير العبارات البذيئة بالكلمات الطيبة، تغير العادات الخبيثة بعادات نافعة، تغير مجالس الأشرار إلى مجالس الأبرار والأطهار. هكذا تفقد نفسك وتفقد حالك، ثم بعد ذلك أقنع نفسك وأهلك وذريتك رويداً رويداً حتى تقنعهم بما منَّ الله به عليك، بما في قلبك من الخير والهداية، ثم تقول: هذا فيه شر، ممكن نستفيد منه إذا أردنا ذلك، وإذا لم تستفد، أو كان ضرره أغلب علينا من نفعه، نخرجه، الذي ينفعنا في ديننا ودنيانا نبقيه، والذي يضرنا في ديننا ودنيانا نخرجه، الذي ينفعنا في ديننا ودنيانا نفعله، وهلم جراً. هكذا تكون الاستقامة ويكون الالتزام، ويكون صدق الإقبال على الله جل وعلا، وعند ذلك تنام مطمئناً، والله لو مرت بك لحظة مرض شديد قلت: الحمد لله على هذه الساعة الذي جاء هذا المرض وقد يكون مرض موت وأنا قد تبت إلى الله، وأنا قد أقبلت على الله واستجبت لله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] الله يدعونا لما يحيينا {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] أنت الآن تدعى لكي تستجيب لله، فإذا لم تستجب فلست في كل حال تستطيع الاستجابة، ليس في كل وقت تستطيع الاستجابة، إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر لا تستطيع الاستجابة.

واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه

واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه رجل كان من الفساق المبغضين الكارهين لله، الكارهين للأخيار الطيبين، فلما حضرته الوفاة قال لأخيه: هات لي هذا المصحف الذي على الدولاب، ففرح أخوه وقال: يا الله جاءت خاتمة حسنة لأخي، فأخذ المصحف، وقال: اللهم إني كفرت بكل آية في هذا المصحف، ثم أغلق المصحف وفاضت روحه، أقسم بالله إنها وقعت، انظروا سوء الخاتمة {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24]. ما فائدة الكلام في أن الله يحول بين المرء وقلبه بعد أن يستجيبوا، أي: إذا لم تستجيبوا الآن بعد أن أقيمت عليكم الحجة وبلغتكم النذارة فليس بالضرورة أن تستجيبوا في كل وقت {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ:54] تشتهي التوبة، التوبة مفتوحة وقد هيئت لك فرصها ونفحاتها ولكنك أعرضت عنها وما استجبت لله جل وعلا، فتوبوا إلى الله واذكروا الله، فذكر الله دواء، وذكر الناس داء. وصلى الله وسلم على محمد.

ظاهرة تفشت

ظاهرة تَفَشَّت من زرع أدوات الفساد فلابد أن يحصد الفساد وثماره المُرَّة، ومن كان يرى أن هذا الأمر من لوازم الحضارة فليتحمل عار هذه الحضارة المدعاة. وليس هذا الكلام لإزالة وإنكار ما وصل إليه العلم، ولكن هو تحذير من تسخير هذه الأدوات في الإفساد وحسب، فإن من أهمل رعيته في الدنيا واعتدى على أعراض الناس ذاق مغبة عمله في الدنيا قبل الآخرة!

دوافع تفشي ظاهرة المعاكسة

دوافع تفشي ظاهرة المعاكسة الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا في محكم كتابه: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32]. عباد الله: إن في هذه الآية لَعِبَراً وأبواباً عظيمة؛ من تأملها وجدها كافية لسد جوانب كبيرة من جوانب الفساد، وإن من يتأمل واقعه ومجتمعه اليوم ويرى ما انتشر فيه من مصيبة المعاكسات، أو ما يُسمى بالمغازلات والاتصالات الهاتفية؛ ليجد أن في هذه الآية بلسماً شافياً، وترياقاً طبياً لمن أراد الهداية والاستقامة على شرع الله المبين. أيها الأحبة في الله: أما هذه الظاهرة فموجودة لا يستطيع أحدٌ أن ينكرها، وإن البحث عن الأمراض والكشف عليها، ومن ثم دواؤها وعلاجها لخيرٌ من ادعاء النزاهة والبراءة من المرض أو العيب، ومن ثم يقع المسلم في يومٍ من الأيام فريسة مرض سرى تحت جلده، أو سرى في خفية وغفلة منه، فإذا هو يتكشف فضيحة وعاراً على وجهه وبيته، وخزياً عليه أمام الله. ومادامت هذه الظاهرة موجودة، وأنها حقيقة لا نشك في وجودها، فيا تُرى! ما هي أسبابها؟ وما دوافعُها؟ وما علاجُها؟ أيها الأحبة في الله: إن قضية المعاكسة والمغازلة والتعرض لنساء المؤمنين عبر أجهزة الهاتف، لَهِيَ واحدة من سائر الفواحش والمعاصي والمصائب والآلام، ومنبع كل معصية وفاحشة ومصيبة تنشأ من الفراغ؛ لأن من تراه مشغولاً في عمل لمصالح دينه ودنياه، حاشاه أن يلتفت إلى مثل هذا النوع من البلاء والفساد. وقد يكون أبطال هذه المعصية ممن قد نالوا حظاً وافراً من مكاسب الدنيا ورءوس أموالها؛ ولكن في ظنهم أن هذا الاتصال والمعاكسة يحقق مزيداً من اللذة، ويكشف أبواباً جديدة من التلذذ، وهذا -والله- سوء جهل وخبث طوية، ما لم يتوبوا إلى الله ويخبتوا إليه. أيها الأحبة: يقع كثير من الشباب والشابات في مصيبة هذه المعاكسة، وتنفضح أمورهم، ويضحون ضحية لها، وإذا تأملت أحوالهم وجدت الكثير منهم من ذوي الفراغ والبطالة، وقديماً قال الشاعر: إن الشباب والفراغ والجِدَة مفسدة للمرء أي مفسدة فإذا وُجِدَ عنفوان الشباب وقوة الصحة والعافية، ومعها من النشاط والعافية والفراغ ما جعل الإنسان متوجهاً إلى هذه المعصية، بعيداً عن أن يستفيد من وقته في عمل نافع، عند ذلك يجد أسهل وأهون وأقرب طريقة للفساد والانحراف، أن يرفع هذه السماعة ويدير قرص هذا الهاتف، أو يضغط بأصبعه على أرقامه؛ لكي يخبط خبط عشواء، في بيت من بيوت عباد الله الصالحين أو غيرهم. فقد يوافق امرأة، إما أن تسبه وتشتمه وإما أن تعرض عن حديثه من البداية وإما أن يكون أمرها كما قال القائل: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا فقد تكون نتيجة هذا الاتصال وإدارة هذا القرص والأرقام في امرأة أو فتاة فارغة مثل هذا الفارغ الذي اتصل، ومن ثم تبدأ العلاقة، وتنشأ المعصية، وتنمو المصيبة، ويُرتَّب لما بعدها، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: لا شك أن جهاز الهاتف لمَِن أهم وسائل البنية الاجتماعية، ومن أهم دلائل تطورات المجتمع، وعمق اتصالاته ونمو أعماله؛ ولكن -والله- إن في هذا الهاتف لمصائب عظيمة، ولا أقول هذا لكي نقطع أسلاكه، أو نخرجه من بيوتنا، فقد أضحى في هذا الوقت ضرورة من الضرورات؛ ولكن أقول هذا لكي ننتبه انتباهاً واضحاً مبيناً. عباد الله: إذا كان البعض يتصل على بيته في الضحى فيجد الهاتف مشغولاً، ثم بعد نصف ساعة يجده أيضاً مشغولاً، ثم بعد مضي ساعة يجده أيضاً مشغولاً، وتمضي ساعة أو ساعتان والهاتف مشغول، هذا يدل على واحد من اثنين: الأول: إما أن يكون طفل قد رمى بهذه السماعة جانباً، فأضحى الاتصال يعطي نتيجة الإشغال. الثاني: وإما أن تكون هناك مكالمة طويلة، ولا نجزم مباشرة أن تكون هذه المكالمة معاكسة؛ لكنها مما يدل على الفراغ، مما يدل على أن الرجل أو المرأة أن الفتى أو الفتاة قد انشغلوا بهذه السماعة نتيجة فراغ يجدونه ويعانون منه. وقد يكون إشغال الوقت من أحاديث الناس في منازلهم، وملبوساتهم، ومطعوماتهم، ومشروباتهم، وما أوجدت هذه الأجهزة للتفصيل في هذه الأخبار المنزلية اليومية. وإما أن يكون الأمر الآخر، وهذا احتمال وارد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. عند ذلك ينبغي أن ينتبه صاحب المنزل إلى منزله، خاصة من كان بيته مليئاً بأجهزة التلفاز والفيديو، وما يُعرض فيها من مسلسلات وأفلام، قد يتعلم من يشاهدها فنوناً وألواناً من فن المعاكسة وضروبها. نعم -يا عباد الله- ينبغي أن ينتبه صاحب المنزل إلى ما وضع في منزله، وأنه ما من شيء إلا وله نتيجة، ما من بذر إلا وله حصاد، فمن بذر بيته بالأجهزة والأفلام من بذر بيته بالمجلات من بذر بيته بأشرطة الغناء الماجن الخليع، فلا بد أن يجد النتيجة، سواءً كشفها عاجلاً أو آجلاً، وتدل على تَدَنٍّ في الأخلاق، وضعف وانكسار في الحياء {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:118]. بعض أرباب البيوت يزرعون بيوتهم؛ في كل مجلس جهاز وشاشة، في كل صالة جهاز وشاشة، والأفلام متدفقة يَمْنة ويَسْرة، ثم بعد ذلك ينكر ما يجد من النتائج، وقد يكون أيضاً هو من أبطال هذا العمل. إذا كان رب الدار بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ عجباً! أن نجد رب البيت وصاحب المنزل وعائل الأسرة وراعي رعية أسرته، إذا كان غافلاً مشغولاً بألوان من هذه الأشرطة، وألوان من هذه الاتصالات، وتساهل في العلاقات، وانفتاح في اللقاءات، إلى حد التساهل بالمحارم والمحرمات، فلا عجب أن يسري ذلك إلى أولاده وأطفاله. وإذا المعلم لم يكن عدلاً سرى روح العدالة في الشباب ضئيلا إذا لم يكن المعلم أو رب الأسرة عدلاً ثقة أميناً فإنك لا تجني من الشوك العنب. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الرقي خاضع للدين

الرقي خاضع للدين الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. واعلموا أن خيرَ الكلام كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: تأملوا قول الله جل وعلا في الآية السالف ذكرها: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32] لا تخضعن بالقول: لا تتدللن بالقول, لا تتكسرن بالقول، لماذا؟ {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32]. يكون الجواب على قدر السؤال، يكون الكلام بقدر الحاجة، من غير انكسار أو تدلل، وإننا -والله- لنستحي أن نطلب -مثلاً- واحداً ممن لنا به حاجة -وأنتم ترون هذا- فإذ بك تجد من يرد عليك، إما فتاة أو امرأة تتكسر في صوتها، أو تتغنج في لحن عبارتها، وما الحاجة إلى هذا؟! وما الداعي إلى ذلك؟! أما طائفة من البشر، فيظنون أن هذا من علامات الرقي، ومن علامات التمدن، ومن علامات الحضارة، أن ترد الفتاة بصوت كله نعومة، وما هذه نعومة، بل هي خشونة المعصية بداية شرها بداية دخول المرض في القلب المريض. إن مئات من الآذان بل آلافاً لَمَريضة جداً. يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا يتلذذ بعضهم بهذا الخطاب، فلا يجد بُداً من أن يتفنن في السؤال، ويطرح ألواناً من الأسئلة وأنواعاً من الاستفسارات، لا حاجة له -والله- بها، وإنما هو يريد مزيداً من السماع، مزيداً من الكلام، مزيداً من العرض، وهذا هو أول خيوط المعصية، وأول بداياتها. يقول الله جل وعلا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء:32]. عباد الله: لم يقل الله: ولا تزنوا، وإنما قال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32]؛ لأنه لا يمكن أن يقع أحدٌ في الزنا مباشرة، لا يمكن أن يوجد رجل فيرفع ثيابه على امرأة لكي يزني بها من أول وهلة؛ قد يسبق الزنا إما مكالمة، وإما نظرة، وإما اتصال، وإما وقوف وانتظار ونظرات. خدعوها بقولهم: حسناءُ والغواني يغرهن الثناءُ حينما يبدأ بعضهم بهذا الاتصال قد يطرح سؤالاً ويجيب عليه بنفسه، ويمدح هذه المسكينة، والمرأة ضعيفة، والفتاة هزيلة، عند ذلك تنكسر وتذوب لمديح هذا الفاجر، ثم بعد ذلك يبدأ ليبني طوب مصيبته، ويبني جدار معصيته على هذه العبارات، وعلى هذه الكلمات، وعلى هذه النظرات. نظرةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ فكلامٌ فموعدٌ فلقاءُ عباد الله! من هنا نكشف سر قول الله جل وعلا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32]؛ لأن الزنا يكون قرباناً، يكون خطوات، يكون خطوة تليها خطوة، فإذا نجحت الأولى تقدم المجرم إلى الثانية، وإذا استعصت الثانية أطال المكوث فيها طويلاً حتى يذلل صعوبة وجدها أمامه، وينتقل إلى الثالثة، وهَلُمَّ جراً، وكل هذه المعاصي، وكل هذه المصائب مبدؤها من الصغائر التي نتساهل ونتهاون بها، ونعد أن من المرونة في الدين، وأن من المرونة في العلاقات أن لا ندقق في هذه الصغائر، وأن لا نهتم بها، وألا نلقي لها جانباً، لا. خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أر ضِ الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى ويقول الآخر: كل المصائب مبدؤها من النظرِ ومعظم النار من مستصغر الشررِ كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وترِ! يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضررِ ونقول نحن أيضاً: كم (كلمة) فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وترِ؟! يسر (مسمعه) ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضررِ

الزنا دين لابد من قضائه

الزنا ديْن لابد من قضائه أيها الأحبة في الله: ينبغي أن نحذر على أنفسنا، ينبغي أن ننتبه لأنفسنا. ذكر ابن القيم رحمه الله كلاماً جميلاً في شأن من وقع في أول هذه المعاصي، فقال: مثله كمثل من كانت معه فرس عنيدة شمَوس جموح، كان يقودها ويذللها، فبعد ذلك انتهى به الطريق إلى زقاق ضيق، إلى سكة ضيقة، ثم نشبت رأس الفرس في بداية هذا الطريق، ما الحل لتخليص الفرس من هذه المشكلة؟ أمن الحل أن يضربها بالسياط حتى تمضي تتوغل في هذه السكة والزقاق؟! لا. إنما الحل أن يداريها وأن يرجع بها حتى يتخلص من هذا الطريق، ويسلك بها طريقاً أخرى. والفرس: هي النفس الإنسانية. والطريق: هي طريق المعاصي والشهوات. فمن بدأ أو وقع في ذلك فليسحب فرسه من البداية، وليسلك بها طريقاً أخرى مذللة. عباد الله: إن كثيراً من الشباب ليتساهلون بهذا الأمر، وما يعلمون أن الأمور بالموازين، وأن المكاييل كما تكيل لغيرك فالناس يكيلون لك، ومن حفظ عينه عن أعراض الناس حفظ الناس أعينهم عن عرضه، ومن حفظ مسمعه عن أعراض الناس حفظ الناس مسامعهم عن عرضه. يا أيها الشاب، الذي قد يرفع هذه السماعة لكي يعاكس فتاة! يوم أن تمتد يدك لتغازل أو تعاكس فتاة اعلم أن مئات الأيادي بل آلاف في هذه اللحظة وفي هذه الساعة سوف ترفع السماعة وتدير الرقم والقرص على بيتك، وإن أنت وضعتها خوفاً من الله، ليصرفن الله عن أهلك وعنك السوء، وعن كيد الماكرين. فيا عباد الله: ينبغي لنا أن ننتبه لهذه المعصية، ومن وجدناه واقعاً أو متساهلاً بها، أن نحذره ونخوفه منها؛ لأن الناس لا يرضون ذلك لبناتهم، ولا لإخواتهم، ولا لإمهاتهم، وإن كان بعض المعاكسين-كما علمتُ- ومنهم مَنْ مَنَّ الله عليه بالتوبة -أسأل الله أن تكون لنا ولهم توبة صادقة نصوحاً- يقول: إنه لا يتورع أن ينشئ علاقة بين أخته وأخ الفتاة التي يعاكسها؛ حتى تتوقد العلاقة بينه وبين الفتاة التي يريدها. إلى هذا الحد ترخص الأعراض، وتهون الكرامات والشيم؛ لكي يضحي الإنسان بهذا كله، من أجل الوصول إلى مكالمة، ووراءها ما وراءها؟! مَنْ يَزْنِ يُزْنَ به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فاهمِ إن الزنا دَين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ جاء شاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! ائذن لي بالزنا -هل طرده النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو سَبَّه؟ أو شتمه؟ لا بآبائنا هو وأمهاتنا، بل دعاه يدنُ منه قليلاً- فقال: يا غلام، أترضاه لأمك؟ قال: لا. يا رسول الله! قال: فإن الناس لا يرضونه لأمهاتهم، أترضاه لأختك؟ قال: لا. يا رسول الله! قال: فإن الناس لا يرضونه لأخواتهم، أترضاه لعمتك؟ قال: لا. يا رسول الله! قال: فإن الناس لا يرضونه لعماتهم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

نتيجة عدم الالتزام بالأخلاق الإسلامية

نتيجة عدم الالتزام بالأخلاق الإسلامية أيها الأحبة في الله: علينا أن ننتبه لهذه الظاهرة التي سبق الكلام عنها، ولكن الاستقراء والتأمل ليدل على أنها تفشَّت، وأول مصائبها: الفراغ، وغيبة راعي الأسرة، وكذلك ضعف التربية الإسلامية، التي أوجدت ألواناً من الشر والفساد، ولم تفتح باباً من التعليم والتربية والأخلاق الإسلامية. واعجباً منا -يا عباد الله- الواحد يوم أن يبني فلة جميلة، بما فيها من الأدوات الصحية والأبواب والنوافذ، يستقدم خادماً أو خادمة ليلمع الزجاج والأبواب والمرايا وغير ذلك، وما يبذل من ماله ما يلمع به أخلاق أولاده، ما يلمع به سَمْتَهم وعلاقاتهم، ما يجعل من وقته ما يكفي لتربيتهم، لا يحرص على أن يوجد من يهتم بهم أو يعتني بهم، بل بعضُهم -والعياذ بالله- يوم أن يرى في بعض أولاده بذرة من الهداية، وبداية في الاستقامة يقول: هذا بدأه الوسواس، هذا دخله الدين، هذا تطوع، هذا تعقد، هذا تشدد. ينبغي أن يفهم الدين على أصوله، ينبغي أن يفهم الدين الذي فهمنا من آبائنا وأجدادنا وجداتنا، وهَلُمَّ جَرَّاً، وينسب إلى الأجداد والجدات فهماً هم -والله- منه براء؛ لأن أولئك -عفا الله عنهم وجمعنا بهم في مستقر رحمته- عرفوا الدين خوفاً وورعاً، وكفى بخشية الله علماً، ومن كان لله أخوف فهو به أعرف، أولئك الذين ما كنتَ ترى من إحداهن كفاً ولا أصبعاً، ما كنت ترى من إحداهن ثوباً لا قصيراً ولا طويلاً. أما في هذا الزمان -والله- إنه المستقيم المتعفف لينكسر بصره في الأرض، مما يرى من حرقة أبصار النساء إليه، لقد انكسر الحياء وضاع عند كثير من الفتيات، بسبب ذلك. ولا تعجبوا -يا عباد الله-! أن ما نزرعه بأيدينا نحصده بأيدينا أيضاً، فانظروا ماذا زرعنا في بيوتنا منذ عشرات السنين وها نحن نجد اليوم غيه. إن هذه لَمِن المصائب أن يغفل الإنسان عما يدور في بيته. فانتبهوا لذلك -يا عباد الله- وإن مصائب المعاكسات لَذَاتَ شرٍّ خطير، ووزر مستطير، وآثام منتشرة، ولا يملك من ينكشف له العار من الساعات إلا أن يقول: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم:23]. أسأل الله أن لا يرينا الخزي في أنفسنا، ولا في أحبابنا، وأن يستر علينا، وألا يهتك لنا ستراً، وألا يكشف لنا عورة. يا عباد الله: إنها لمن أعظم المصائب يوم أن تُكشف القضية أمام رجال الهيئة! من هذه؟ إنها فلانة بنت فلان! من هذا؟ إنه فلان بن فلان! فتكون مصيبة لا يمحوها إلا التراب، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ إلا من تداركه الله بتوبة صادقة صالحة، فإن الله -جل وعلا- يقول: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68 - 70]. وللحديث في هذا الموضوع بقية. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، أن يحفظنا، وأزواجنا، وبناتنا، وأمهاتنا، وأخواتنا، وعماتنا، وخالاتنا، وجميع أقاربنا. اللهم لا ترينا في أنفسنا فاحشة ولا مكروهاً، اللهم لا ترينا في أنفسنا فاحشة ولا مكروهاً، وتجاوز عنا أجمعين، برحمتك يا رب العالمين! اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازِه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم يا حي يا ودود يا ذا العرش المجيد قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، اللهم يا حي يا ودود يا ذا العرش المجيد أبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين! ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ولا تفرِّح علينا ولا عليهم عدواً، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين! اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم أصلح قلوبهم، اللهم اهد قلوبهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم وحد صفهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم سدد رصاصهم، اللهم أقم دولتهم، يا رب العالمين! اللهم عليك باليهود أعدائك أعداء دينك وأنبيائك ورسلك وكتبك، اللهم اهلك زروعهم، وضروعهم، اللهم اجعلهم شذر مذر، واجعلهم غنيمة للمسلمين، يا رب العالمين! اللهم أغثنا وأغث قلوبنا وبلادنا وأرض المسلمين أجمعين. اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

على شارع الحياة

على شارع الحياة لقد منَّ الله علينا بنعم كثيرة لا تحصى، ومع ذلك ترى الكثير من شباب المسلمين لاهين غافلين لا يؤدون شكر نعمة من نعمه، ولو أن هؤلاء الشباب سخروا أوقاتهم وأموالهم وأسفارهم للدعوة إلى الله عز وجل لكان خيراً كثيراً ولكن ألهتهم الشهوات، وسوف يعلمون.

عظمة الله تعالى

عظمة الله تعالى الحمد لله القائل في محكم كتابه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:11]، والقائل في محكم كتابه: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:36] أحمده على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: والله إني لأستحي أن أحدثكم وأنا جالس أو قاعد، وإكراماً لوجوهكم وإفادة بكوامن الشعور والإخاء والمودة بيني وبينكم، لا أرضى لكم ولا أرضى لمقامكم من نفسي إلا أن أقف بينكم، وأسأل الله جل وعلا، أن يجعل مقامي ومقامكم هذا في خالص أعمالنا يوم نلقى الله يوم القيامة. أيها الأحبة: إن مما يطعن قلوب اليهود والنصارى، ومما يُبطل مخططات أعداء الإسلام، ويفسد مؤامرات أهل الكيد والتخطيط والتدبير في شباب الجزيرة مثل هذا الاجتماع، إن اجتماعكم هذا -أيها الشباب- لأعظم طعنة وأعظم بصقة في وجه أولئك الذين أصبحوا يراهنون عليكم، ووالله ثم والله، لقد تحدث الأعداء عنكم وقالوا: كفيتم شأن هؤلاء الشباب، أشغلناهم بالأفلام، وبالمعاكسات، والمجلات، والتفحيط والمخدرات، والشذوذ والعلاقات الشاذة، والأمور الخبيثة إلى غير ذلك من كل جديد يبتكرونه وينتجونه لصدكم عن صراط الله المستقيم. أما وقد عادت شوارعنا مجالس ذكر، وعادت مساجدنا رياض جنة، وعاد شبابنا دعاة إلى التوحيد وإلى الاستقامة والصلاح، فهذا والله موطن يغيض الكفار، هذا موطن يغيض أعداءكم وأعداء أمتكم، وأعداء بلادكم، وأعداء المسلمين في كل مكان. يا شباب الإسلام! يا شباب العقيدة! أتظنون أن الله جل وعلا خلق الواحد منكم في أحسن تقويم: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4]؟ يا شباب الإسلام! أتظنون أن الله كرمكم، وفضلكم وجعل لكم منزلة فوق سائر المخلوقات: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70]؟ يا شباب الإسلام! أتظنون أن الله أسجد الملائكة لأبيكم آدم: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} [البقرة:34]؟ الملائكة خلق عظيم شديد، كلهم ما بين راكع وساجد، ومسبح ومكبر ومؤتمر بأمر الله: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] الملائكة يسجدون لأبيكم، أليس هذا دليل تكريم لكم؟ أليس هذا دليل منزلة لكم؟ أليس هذا بيان مرتبة لكم؟ بلى والله، ولكن كثيراً من شبابنا وأبنائنا يدعون إلى مائدة القرآن ليكرموا، فيختارون موائد السفالة والرذيلة. إن بعض شبابنا يدعون إلى رحمة الله لينجوا فيختارون المعصية والهلكة. إن كثيراً من شبابنا، يدعون إلى العز والكرامة، فيختارون الذلة والهوان. إن كثيراً من شبابنا يدعون إلى مرضاة الله، ويدعون إلى حِلقٍ تغشاها السكينة، وتتنزل فيها الرحمة، وتحفها الملائكة، ويذكر الله الجالسين فيها فيمن عنده، فيختارون مجالس لا يفتح فيها إلا صفحات السيئات، ولا يكتب فيها إلا ملائكة السيئات، يجلسون في سيئة، ويأكلون على سيئة، ويشربون على سيئة، ويتحدثون في سيئة، ويقيمون عن خطيئة وربما انتهت بسوء الخاتمة والعياذ بالله. أيها الشباب! إن واقعنا في هذا اليوم يحتم علينا أياً كان الواحد منا، أستاذاً أو تلميذاً، مدرساً أو معلماً، موظفاً أو بناء، أو أياً كانت وظيفته، أو أياً كان عمله، إن واقعنا وواجب ديننا علينا أن يشعر الواحد منا أنه مربوب لله معبود لله، تذكر أنك عبد لله قبل كل شيء، وتذكر أنك مخلوق صغير جداً بالنسبة لخلق الله جل وعلا. فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد كيف يجرؤ ابن آدم على معصية الله وهو خلق صغير جداً جداً أمام عظمة الله جل وعلا، ما تظنون في هذه المدينة العظيمة؟ فسيحة جداً، وما تظنون في المدن الأخرى؟ أكبر منها، ما تظنون في دول العالم؟ كبيرة جداً جداً، ما ظنكم بعرش الله جل وعلا؟ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]. استوى ربنا على عرشه، استواءً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وعرش الله أكبر من هذه الأرضين جمعياً، بل أكبر من السماوات جميعاً، إذا كان هذا عرش الله، فما بالكم بربكم؟ {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103]. أيها الشباب! قبل أن ندخل في تفاصيل الحديث، اعرفوا من أنتم؟ واعرفوا من هو ربكم؟ أمَّا نحن فخلق ضعيف {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28] أما نحن فخلق عجول: {وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً} [الإسراء:11]. أما نحن فخلق هلوع جزوع منوع: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} [المعارج:19 - 21]. أما نحن فخلق ضعيف، إذا أصابنا ألم انكسرنا ونقول: يا الله، يا الله، يا الله، فإذا عوفينا وعادت العافية إلى أبداننا، ودبت الدماء في عروقنا، بدأنا نقول: دعنا من كلام الله، دعنا من كلام رسول الله، آخر أغنية ما هي؟ آخر مسرحية ما هي؟ آخر شريط ما هو؟ يوم أن كنا في بلاء المرض والألم، كان الواحد يصيح: يا الله، ولما سرت الحياة في عروقه، وانتفض الدم في جوفه، أصبح يلتفت يمنة ويسرة فيسمع الأذان ولا يجيب، ويرى جلسة اللهو والطرب فيستجيب، يسمع نداء (حي على الصلاة، حي على الفلاح) فلا يهب ولا يتحرك، ويسمع جلسةً فيها عزف أو وتر أو طرب فيتحرك، ولا أقول: إن من حضر جلسة طرب قد انقطع الأمل فيه، لا والله فيه من الإيمان خير، فيه من الإسلام بقية، ولكن كيف غلبه الشيطان! أيها الأحبة: يقول الله جل وعلا: {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12]. وأنا أعطيكم أكبر دليل على هذا، أنتم ترون شاباً ربما أتى إلى الإسعاف في ليلة من الليالي على أثر مرض، أو صداع أو شيء يؤلمه، ثم بعد ذلك يؤتى به في حالة إسعافية، وماذا بعد ذلك؟ يؤتى إليه بالعربية، أو بالسرير الذي أعد للإسعاف، فيوضع على هذا السرير، وهو يقول: آه، آه، آه، يصيح من المرض، يتألم، والممرضات في طريقه ولا يلتفت إليهن، والزائرات في طريقه ولا يراهن، والحسناوات مقبلات مدبرات ولا ينظر إليهن، فإذا دخل المستشفى ووضع المغذي في عروقه، واعتني بصحته، ودبت إليه العافية، إذا جاءت الممرضة تعطيه علاجاً أخذ ينظر إليها بطرفٍ خفي، نعم لما دخل المستشفى في تلك الليلة، وهو يصيح: آه آه من المرض والألم لم يكن يلتفت لحسناء ولا ممرضة ولا مقبلة ولا مدبرة، ولكن لما دبت العافية في عروقه، وسال الدم دفاقاً قوياً في شرايينه، أصبح لا يرى مقبلة إلا أحرقها ببصره، ولا يرى مدبرة إلا نفذها ببصره، ولا يسمع شيئاً إلا أرهف الحس لنغمه وطربه، ألست أنت وأنا ذلك المسكين؟! {وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} [يونس:12] لما كان في الإسعاف {أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12].

الحث على الدعوة إلى دين الله

الحث على الدعوة إلى دين الله أيها الشباب: إن المرجو فيكم والمرجو منكم، والمؤمل فيكم، فوق ما أنتم عليه، وإن العالم الإسلامي، والكرة الأرضية أبصارها تتجه إليكم. يا شباب الجزيرة! إن العالم الإسلامي ودول العالم تعلم يقيناً: إن كان هناك إسلام فالإسلام في بلادكم، وإن كان هناك بلاد اسمها بلادكم فهي بلاد الإسلام، فإذا جاء الوافدون، أو سافر أبناؤنا إلى الخارج، ورأينا من أبنائنا أول ما يسأل أين ( Night Club) أين النادي الليلي، أين المرقص؟ أين مكان كذا وكذا؟ أين السينما؟ أين هذه الملهاة؟ أين مكان الأهازيج؟ إذا علم أولئك أن هؤلاء هم أبناء هذه البلاد، قالوا: أي أمل نعقده فيكم؟! أي أمل نعقده في بلادكم؟! خذوا مني وإن كنت أود لا أتكلم بهذا قبل أوانه، كنا في زيارة لـ كمبوديا، وكمبوديا دولة كانت شيوعية، قتل فيها من المسلمين سبعمائة ألف مسلم، ذبحوا ذبح النعاج. والله لقد رأينا مكاناً كبيراً من جماجم المسلمين، تصوروا -نسأل الله ألا يقدر عليكم شراً أو مكروهاً- لو أن سيفاً جاء وقطع هذه الرقاب جميعاً، وجمع الجماجم ماذا تتصور أن تجد؟ جبلاً من الجماجم، والله لقد رأينا جماجم المسلمين، صنع منها خريطة على الطبيعة، خريطة كبيرة على حائط طويل عريض يقال: هذه خريطة هذه البلاد وهي من جماجم المسلمين، أي: أن الأمر لم يستمر ولم يستقر إلا على رقاب المسلمين. أيها الشباب! أيها الإخوة! أهذه جماجم إخواننا، وتلك جلسات لهونا وطربنا؟! أهذه جماجم أمهاتنا وبناتنا وفلذات أكبادنا وأطفالنا وأولادنا؟ أهذه جماجمهم وتلك محلات لهونا وطربنا؟! لا والله يا شباب الإسلام. العالم ينتظر منكم أن تقدموا شيئاً، كم عدد الشباب الذين سافروا إلى مانلا؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى بانكوك؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى كازا بلانكا؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى جاكرتا؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى بلاد العهر والدعارة والفساد، أو سافروا إلى بلاد وكان قصدهم الدعارة والعهر والفساد؟! كم أنفق الواحد في تذكرته ذهاباً وإياباً؟! كم أنفق في الفندق والهوتيل ذهاباً وجلوساً وإقامته؟! كم أنفق على طعامه وشرابه؟ في كمبوديا رأينا واحداً من كبار المسلمين، يسكن في بيته عدد من أيتام المسلمين ويعمل من الصباح إلى الظهر ومن قبل العصر إلى العشاء وراتبه ستة عشر دولاراً. يا شباب! ستة عشر دولاراً اضرب ستة عشر في ثلاثة فاصل خمسة وسبعين، تقريباً ستين ريالاً، أي: هذه الآلاف التي صرفها بعض أحبابنا وبعض شبابنا -نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية- كان بوسعها أن تحمي المسلمين، وأن تجعل لهم دوراً بدلاً من الفيضانات التي تجتاحهم، تلك الآلاف التي ينفقها بعض الشباب في اللهو والدعارة والطرب وغير ذلك، كان بإمكانك أن تشتري بها قارباً صغيراً لخمس أسر من المسلمين يعيشون على النهر ويصطادون من السمك ويأكلون من رزق الله. حياة الفقراء، حياة المساكين، واقع المسلمين هناك شيء، وواقع شبابنا شيء آخر، تايلاند، بانكوك، كم بينها وبين بنوم بنه عاصمة كمبوديا؟ ما بينهما إلا ساعتين فقط، وربما تجد في بعض البلدان مسلماً لا يزال متمسكاً بالإسلام، لكنه لا يعرف أحداً يعلمه الإسلام، يقول: أنا مسلم، يدعى إلى الكنيسة فيأبى أن يدخل، ويدعى إلى معبد البوذيين فيأبى أن يدخل، ويدعى إلى المسجد فيأتي، وربما يتمنى أن يقام في بلده مسجد، وربما لا يزال يحافظ على هويته الإسلامية، ولا يعرف من الإسلام إلا أنه لا يأكل لحم الخنزير، ويريد من يعلمه الوضوء، ويريد من يعلمه الصلاة، ومن يعلمه الفاتحة، وإذا علموا أن مسلماً جاء إلى بلادهم تدافعوا إليه زرافاتٍ ووحدانا، وجلسوا حوله كالنحل حول الملكة، جلسوا حوله كالسوار على المعصم، والمشكلة أنه يأتي بجوارك لا يعرف لغتك وأنت لا تعرف لغته، أتدرون من الذي استطاع أن يترجم لنا؟ مسلم هناك، كيف نجا من القتل؟ لما بدأ حاكم تلك البلاد بحملات المذابح في المسلمين، قام ذلك المسلم الذي يجيد اللغة العربية وأزال كوفيته وأزال كثيراً من ملابسه، وجعل الطين على رأسه وجسمه، والروائح الخبيثة على بدنه وأخذ يمشي ويركض ويصرخ في الشوارع، يدعي أنه مجنون، لعله أن يسلم من القتل، وفعلاً سلم ذلك المسلم ووجدنا مسلماً يترجم لنا، ويترجم حديثنا مع هؤلاء. فيا أحبابنا الشباب! الذين سافروا إلى الفلبين، والذين سافروا إلى تايلاند، هل كانوا لا يعرفون الوضوء؟ بلى والله يعرفون الوضوء، هل كانوا لا يعرفون الصلاة؟ بلى يعرفون الصلاة، هل كانوا لا يعرفون القرآن؟ بلى يعرفون القرآن، فشبابنا لو تقدموا ساعتين وبدلاً من الجلوس في أحضان العاهرات والفاجرات، امتدوا خطوات لكي يعلموا القرآن الكريم، ولكي يعلموا الفاتحة والوضوء والصلاة، لكي يعلموا أركان الإسلام، لكي يعلموا توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، لكانوا على ذلك من القادرين. والله إن الشاب الذي أمضى جزءاً من حياته في فسادٍ وانحرافٍ ودعارةٍ يستطيع أن يكون داعية على الأقل إلى تعليم الوضوء والصلاة والفاتحة، وأجره أعظم من أجورنا هنا جميعاً. يا إخوان! العالم ينتظر منكم شيئاً عظيماً في أولان باتور عاصمة منغوليا خمسة عشر ألف مسلم لا يوجد فيهم من يحسن الفاتحة، ومسلمون يدعون إلى الشيوعية فيرفضون، ويدعون إلى النصرانية فيرفضون، ويدعون إلى البوذية فيرفضون من أنتم؟ مسلمون، ينتظرون مسلماً يأتي إليهم، فما بالكم إذا وطئت قدم شاب مسلم أرضاً قريباً من أرضهم، فقيل: هذا مسلم فلحقوه يتبعونه، فإذا تبعوه وجدوه آخر الطريق يسهر في مرقص، فإذا تبعوه وجدوه آخر الطريق في مكان دعارة، فإذا تبعوه، وجدوه في آخر المسار في ملهاة ومعصية وأمر لا يرضي الله جل وعلا. أيها الشباب! إن أمة الإسلام تنتظر منكم شيئاً عظيماً، وإن ما نراه من شبابنا اليوم من إقبالٍ على الله جل وعلا وصحوة عمت صغيرهم وكبيرهم، وعمت ذكرهم وأنثاهم وفتاهم وفتاتهم، هذه لابد أن يكون لها ثمرة، وثمرتها فيكم وفي جهودكم. إن من أهم واجباتنا ومن أهم أمورنا -يا شبابنا- أن ننظف مجتمعنا من الرذيلة، وأن ننظف مجتمعنا من الانحراف، ليس غريباً أن تسافر إلى دولة كافرة أو إلى دولة علمانية، أو إلى دولة شرقية أو غربية، فترى الخمور تباع علناً، وترى الدعارة مقننة، وترى الأرصفة مليئة بالفجرة والفسقة الذين يسهرون على الشراب والمنكرات، لكن في بلادنا الطبيعي والمؤمل والمنتظر كما نرى في المساجد رياض الجنة وحلق الذكر أن نرى على الطرقات من يكونون عوناً فيها، وإرشاداً للمارين (أما وإن جلستم فأعطوا الطريق حقه، قيل: وما حقه يا رسول الله؟ قال: كف الأذى، ورد السلام، وغض البصر) فهل الجالسون في طرقاتنا اليوم يقومون بحقوق الطريق؟ هل هم ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف؟ هل يعرفون أن أوقاتهم محسوبة عليهم؟ هذا منتظر منكم -أيها الشباب- وإني يوم أن أكرمني الله جل وعلا بحضور هذا المقام هذه الليلة، أطلب منكم طلباً واحداً، إذا حضرت فأريدك أن تأتي بشاب منحرف معك، لا أريدك أن تأتي بشاب قد منّ الله عليه بالمحافظة على صلاة الفجر مع الجماعة وسائر الصلوات، وشاب لا يسمع الملاهي ولا يشغل وقته بها، أو شاب أشغل وقته بالقراءة وطلب العلم، هذا قد سلك الطريق، وعرف الجادة، وظهرت عنده الحجة، واستقام على المحجة، ولكن أيها الشباب! أريد من كل واحد منكم أن يبحث في حيه عن أفجر وأفسق شاب في الحي، وأكثر شباب الحي انحرافاً، فيأتي به، ولو كان في جيبه الدخان، ولو كان في جيبه الصور، وإن كان أشعث أغبر متطاير الشعر، فأت به هنا إلى رياض الجنة، وإلى غسيل القلوب، وإلى طريق الحياة، فهنا البداية، اُدع والدعوة بإذن الله إذا ظهرت منكم بإخلاص واتجهت إلى إخوانكم بشفقة ورحمة وسمعتم ووافق السماع قلباً مستعداً بإذن الله جل وعلا سوف ترى المنحرف بالأمس إماماً اليوم، وسترى الضال بالأمس هادياً مهدياً في الغد، هذا هو الذي نرجوه، وهذا الذي نأمله يا شبابنا، لئن كانت هذه الجالسة في هذا الشارع، فإنا بحاجة إلى جلسات في شوارع عديدة. شباب يقولون: أين أنتم؟ ما وجدنا من يحدثنا، ما وجدنا من يسلم علينا، ما وجدنا من يُهدينا شريطاً، ما وجدنا من يعطينا كلمة، ما وجدنا من يصبر على رائحة الدخان فينا قليلاً، ما وجدنا من يجلس معنا ولو تجهم وجوهنا، وأنكر ما يرى من ملامحنا، فليسمعنا، إن قلوب هؤلاء الشباب ليست غلفاً بمعنى لا يمكن أن تقبل الحق أبداً، ولكن يوم أن يأتي من يلينها بلطيف الموعظة، ودقيق الحكمة، ولذيذ الأسلوب، بإذن الله جل وعلا سيجد فيها خيراً كثيراً.

لو أسلم حمار آل الخطاب ما أسلم عمر

لو أسلم حمار آل الخطاب ما أسلم عمر كانت أرغب أن أحضر معي هذه الليلة فناناً من الفنانين، ومطرباً من المطربين، في مدينة من مدن المملكة، يقول لي وزارني في البيت، ورسالته عندي، ومع زيارته لي يقول: كنت أول من فتح محل الفيديو في مدينتي، وكنت أسهر في هذا المحل من فلم مصارعة النساء إلى رقصات النساء، ومن فلم المطاردات إلى فلم الجنس، ومن فلم الخلاعة إلى فلم الشذوذ، وهكذا كانت حياتي، وزيادة على ذلك يقول: كنت مطرباً، أعزف العود عزفاً أنافس فيه أحسن المطربين، وكنت شاعراً أقول الشعر بنوعيه فصيحه ونبطيه، وما كنت أحب أحداً من أهل الخير، وإذا رأيت متديناً تجهمته، وإذا رأيت ملتحياً كرهته، وإذا رأيت مستقيماً أعرضت عنه، فأحدث في نفسي أمراً عجيباً جعل الناس يضجرون مني، حتى جاءني ذات ليلة شابان أول ما رأيتهما، يقول: تمنيت لو رأيت الشيطان وما رأيتهما، وهم من أهل الخير! لكن ليس عجيباً إذا استحكمت المعاصي وأصبحت القلوب غلف إلى درجة مغلقة: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45]. قال: جاءني شابان سيماهم في وجوههم من أثر الطاعة، وإكرام لحاهم، وحسن سمتهم، وهدي سلوكهم، قال: فلما جاءا إليّ قلت لهما: ماذا تريدان مني؟ عندي فيديو، عندي عود، عندي شعر، وأقول شعراً نبطياً خليعاً، يقول: والله كنت أتغزل والعياذ بالله إلى درجة الإفساد والتشبيب، وأحكي قصصاً مفصلة، كما لو كنت فعلتها وهي لم تفعل. قال: فلما جلسا إليّ، قالا لي: السلام عليكم، قلت: وعليكم السلام، ماذا تريدان؟ قالا: يا أخي! نريد أن نسمع منك قصيدة، ما عندك قصيدة؟ قال: بلى عندي قصيدة، قالا: نسمع بالشارع؟! نريد أن ندخل عندك ونسمع قصيدة، نسمع قصيدة على الرصيف؟! لا يصلح، قال: فدخلا عندي، وكان عندي شقة مخصصة فقط للفساد والمعاصي -والله يا شباب- قال: فلما دخلا عندي وأردت أن أعرض ما عندي عليهما عرضا عليّ بضاعة كسرت مغاليق قلبي: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21]. قالا: اسمع منا، اسمع منا؟ فأسمعاه كلاماً ثم خرجا من عنده، قال: فبت تلك الليلة وأنا على أمر عجيب، ضيقة في صدري، وقلق في نفسي، وتناقض في كواملي، حالةٌ لا أستطيع أن أصفها من نفسي. قال: فتذكرت شيئاً من كلامهما، وقلت: ماذا لو ذهبت إلى المسجد؟ قال: فذهبت وتوضأت -قال: والله قد كان يمر عليّ أربعة أيام وأنا جنب، لا يغتسل والعياذ بالله- قال: فتوضأت وذهبت إلى المسجد، فلما دخلت كأن شيئاً دخل في جوفي، أرى منه إشراقاً ونوراً، وكان والدي هو إمام المسجد، فلما دخلت قبل أبي إلى المسجد في صلاة الفجر، إذا بأبي يفاجأ عندما رآني في المسجد، فما كان من والدي إلا أن رفع يديه، وقال: اللهم اهده. الأمل في الله عظيم -أيها الشباب- لا نيئس من هداية إخواننا، الأرصفة مليئة، ولكن الشباب الذين على الأرصفة فيهم خير كثير بإذن الله جل وعلا، ومتى يتفجر هذا الخير هدىً ودعوة وصلاحاً واستقامةً وأمراً بخير ونهياً عن شر؟ يوم أن يكون لكم هذا النشاط، إذا أتيت إلى هذا المكان، ائت بواحد منحرف أو اثنين فقط، نريد من كل واحد أن يأتي بواحد معه، حتى تسمعه كلام الله، وتقيم عليه الحجة، وتبين له المحجة. يقول: فلما بدأت أصلي كنت كالذي يتذكر شيئاً فقده من زمان وهو أني لم أكن أصلي، قال: فلما هويت ساجداً إذ بأمرٍ ينتابني، قال: فسال دمعي وأنا أصيح وأقول: يا الله! يا الله! يا الله! اهدني وافتح على قلبي، اشرح صدري، يا خالقي! يا رب! قال: أخذت أناجي الله جل وعلا بكل ما تيسر على ذاكرتي من اسم أو صفة لله جل وعلا، قال: فلما رفعت من السجدة الأولى، إذ كأن صدري هذا قد شق وأدخلت الدنيا فيه من ساعتي. قال: فلما عدت إلى السجدة الثانية وفيها من البكاء والنحيب والتضرع والانكسار ومناجاة الله جل وعلا. يأيها الشباب! يقول ربنا جل وعلا: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62] وهل هناك ضرورة أعظم من ضرورة الضال إلى الهداية؟ وأعظم من حاجة الضال إلى الهداية، هل هناك ضرورة أعظم من حاجة المنحرف إلى الاستقامة؟ وهل هناك ضرورة أعظم من حاجة الذي لا يصلي في المسجد من صلاته إليها؟ هل هناك ضرورة أعظم من حاجة الذي امتلأ رأسه وقلبه وجوفه ودماغه بالغناء ومزمار الشيطان أعظم من حاجته إلى كلام الرحمن؟ {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]. حاجتك إلى دينك أعظم من حاجتك إلى الطعام والشراب، حاجتك إلى معرفة ربك أعظم من حاجتك إلى الطعام والشراب، أخي! قلت لك في بداية الكلمة، إن الله كرمك، وأسجد الملائكة لأبيك، وفضلك على كثيرٍ ممن خلق، ولكن متى؟ يوم أن تهتدي بهداية الله، وإلا إن ضللت عن نهج الله وطريق الله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] يوم أن يضل عن طاعة الله: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] يقول صاحبنا: فما كان مني بعد أن فرغت من تلك الركعتين إلا وقررت أن أترك المعصية إلى غير رجعة، فتخلصت من محلي ومن أشرطتي ومن شقتي، ومن أعوادي ومزاميري وما عندي، وأصبحت مؤذناً للمسجد خلف أبي، فلما كبر سن والدي أصبحت مؤذناً وإماماً.

فضل الدعوة إلى الله وتعليم الدين

فضل الدعوة إلى الله وتعليم الدين يا إخواني! الواجب والمسئولية والدور يقع عليكم أنتم، كم يوجد في سجون المخدرات من الشباب؟ لو أن كل واحدٍ مع صديقه، عقدا العزم على أن يسخرا ويسلطا جهودهما لعلاقة بذلك الشاب المنحرف في زيارته وذهاب معه، وإياب به، وهديته ودعوته ومخالطته وقطع الطريق بينه وبين الأشرار الذين يزينون له المعاصي، والله لأنتجتم للمجتمع خيراً كثيراً. يا شباب الإسلام! هذا هو الدور المنتظر، لو أن كل اثنين أو ثلاثة منكم عقدوا العزم على أن يحدثوا في هذا المجتمع خيراً لأحدثوه، بلادنا فسيحة والناس بحاجة إلى من يعلمهم جزءاً من القرآن الكريم، وعشرة من الأحاديث، وجملة من الأحكام، وشيئاً من أصول العقائد، وأنتم تتقنون هذا، كما قلت: الذين ذهبوا إلى بانكوك ومانلا، هل هم لا يعرفون الصلاة؟ بل ربما الواحد منهم صلى سنين طويلة، ولا يزال يصلي، فهذا الذي سافر وهو يعرف الوضوء والصلاة ويعرف الفاتحة ويعرف شيئاً من القرآن، لو مد الخطوة ساعتين وترك طاعة الشيطان إلى الدعوة إلى دين الله جل وعلا، وعلم عشرين أو ثلاثين مسلماً الوضوء والفاتحة، والتوحيد، لعاد يوم القيامة بأجر آلاف المسلمين. إن الواحد منكم، يمكن أن يبقى واحداً، ويمكن أن يصبح مائة، أنت أيها الشاب! بإمكانك أن تكون واحداً، ولدت واحداً، وتعيش واحداً، وتموت واحداً، وبإمكانك أن تكون مائة، وبإمكانك أن تكون ألفاً، وبإمكانك أن تكون عشرات الآلاف، كيف تبقى واحداً؟ إذا كان جهدك حول نفسك. طعامك وشرابك ونومك وسيارتك وحاجتك ملهياتك، لا يكون عندك شيء من اهتماماتك الرخيصة، وبإمكانك أن تكون مائة يوم أن يكون وقتك في الدعوة إلى الله، قدوة لتطبيق ذلك على نفسك، واستقامة على مرضاة الله، ودعوة الآخرين والصبر على الأذى فيه، والصبر على ما ينالك في هذا: والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنى يا شبابنا! هذه الأرض فيها من رميم البشر قبلنا شيء كثير، خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد، الأرض التي تسيرون عليها قبلكم أمم سارت عليها ودفنوا الآن تحتكم، أنتم تمشون على رميم أمم قبلكم في هذه الدنيا، وستمشي أقوام على رميمكم، ولكن أين ستكون أرواحكم؟ في أعلى عليين أو في أسفل سافلين: {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} [الواقعة:89] أو تكون في زقوم وحميم ولا حول ولا قوة إلا بالله. يا شباب الإسلام: إياكم أن يأتي الشيطان لأحدكم، فيقول: أنت لا تستطيع أن تكون صالحاً ولا مصلحاً، إياكم أن يأتي الشيطان إليكم، فيقول: أنت أيها التافه أيها الحقير يا صاحب الرصيف! يا صاحب التفحيط! يا صاحب الدخان والشيشة! يا صاحب المطرب! يا صاحب التمثيلية! والفلم! يا صاحب كذا، إنما أنت هينٌ حقيرٌ تافه، ويبدأ يحقر من شأنك فتنقاد للشيطان، وإذا أردت أن ترفع نفسك، ضربك الشيطان ضربة على أم رأسك، وقال: اجلس يا ذليل يا حقير يا تافه. حينما تذل للشيطان فإن الشيطان لن يدعك، لن يدعك الشيطان تشم نسمة من نسمات العزة، ولكن إن أردت الحق، فأنت عزيز بعزة الله، قوي بقوة الله، غني بفضل الله، عليم بما علمك الله، كريم بما أكرمك الله به، تستطيع أن ترفع من نفسك. وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام إخوانكم الشباب في أفغانستان، شابٌ بالأمس كان من أهل التفحيط والفساد، أصبح قائداً على جبل كرجل، شابٌ كان بالأمس في المنطقة الشرقية لا هم له، ولا هم لجهاز الأمن إلا مطاردته من كثرة جرائمه ومعاصيه، فلما فتح الله عليه، يسمي بالله ويمسك الشيوعي ويذبحه بالسكين على رقبته، الله أكبر! أي إيمان جعل من هذا الحقير التافه الذليل صاحب المعاصي والمنكرات والفواحش والسيئات، رفعه إلى درجة أصبح يضع رجله على رقبة الشيوعي ويسل السكين ويذبحه، وهو يقول: إيماناً بالله وتصديقاً بسنة رسول الله في الجهاد: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:14]. قال: والله لما ذبحتهم بيدي وجدت شفاء روحي، ووجدت راحةً في صدري؛ لأنهم قتلوا عدداً من إخواني المجاهدين، فما وجدت شفاء الصدر إلا في هذه الآية، لكن أين كان بالأمس؟ كان منحرفاً، وكان يعاكس ويغازل، وكان له صديقات، وله أمور عجيبة جداً، فلما أكرمه الله بالتوبة، والتوبة تجب ما قبلها، والله يفرح به (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم أضل ناقته في فلاة وعليها طعامه وشرابه، فلما تيقن هلكته، توسد يده موقناً بهلاكه، فلما أفاق وجد راحلته عنده، فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح). إذا كان هذا فرح ربنا جل وعلا، فمن واجبنا أن نفرح بتوبة إخواننا، وأن ندعوهم إلى التوبة، وأن نفرح بتوبتهم، وأن نقدم لهم وقتنا، وهديتنا، ودعاءنا بظهر الغيب، ونصحنا، ولكن أين الذين يعملون؟ أين الذين يدعون إلى الله جل وعلا؟ أين الذين يحرصون على الدعوة؟ إن دعوة الشاب الضال والمنحرف والذي وقع في كثيرٍ من الأمور لا تحتاج إلى شهادة الليسانس أو بكالوريوس أو ماجستير أو شهادة من الشهادات العلمية العصرية، تحتاج دعوة هؤلاء أولاً: إلى إخلاص، وإلى نية صادقة ورغبة كما هداك الله أن يهديهم الله: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء:94]. أن يمنّ الله عليه بما منّ الله عليك، توبة صادقة، ومن ذاق لذة الدعوة إلى الله بعد توبة نصوح صادقة، والله لا يكل ولا يمل أبداً و (ما مع الحب إن أخلصت من سأم). يوم أن تكون محباً لهذه الدعوة مخلصاً إياها لوجه الله جل وعلا، فلن ترَ سأماً ولا مللاً. يا إخواننا! يا من جمعتم وتجمعتم في هذا المكان الطيب المبارك! أسألكم بالله: هل فيكم من قال: أنا لها؟ هل فيكم من قال: سمعنا وأطعنا؟ هل فيكم من قال: استفدنا مما سمعنا؟ هل فيكم من قال: عرفت فالزم؟ {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] لو فعلتم ما تسمعون وطبقتم ما به تنصحون، لكان خيراً لكم وأشد تثبيتاً: {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} [النساء:66 - 70]. هذه أفضال الله، وهذه نعم الله، وهذه بركات الله تتدفق عليكم تترى، ولكن من المؤسف -كما قلت- أن تعرض علينا العزة فنختار الذلة، وتعرض الكرامة فنختار الهوان، ويعرض الغنى فنختار الفقر، ويعرض الخير فنختار الشر، وتعرض الهداية فنختار الضلالة، وتعرض الاستقامة فنختار الانحراف، معاذ الله أن نكون كذلك. أسأل الله جل وعلا بأسمائه وصفاته، أسأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، أسأله بكل اسم هو له، سمى به نفسه، أو أنزله في كتابه، أو علمه أحداً من خلقه، أو استأثر به في علم الغيب عنده، أن يمنحكم نفحةً من بركاته، وأن يمنحكم بركةً من فيض رحمته، وأن يمنحكم خيراً وتوبة، وإيماناً ودعوة، وإخلاصاً وصدقاً، وثباتاً واستقامة حتى نلقى الله بذلك وإياي والسامعين وإياكم أجمعين. أيها الأحبة: قد زانت هذه الليلة، والليالي تزينها الأقمار، وتعطر هذا اللقاء وازدان هذا المجلس بحضور والدنا وحبيبنا وشيخنا نسأل الله أن يجعله مباركاً أينما كان، نسأل الله جل وعلا أن يجعل كل خطوة من خطواته في موازين أعماله، نسأل الله أن ينفعنا بعلمه، وألا يحرمنا بركته، وأن يريه ما تقر به عينه فيكم وفي أبنائكم وفي ذريته وأبناء ذريته من الهداية والاستقامة والعلم والعمل والدعوة، ذلكم هو سماحة الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين قد زين هذا اللقاء متواضعاً بمجيئه، أسأل الله أن يرفع درجاته في عليين. اللهم ارفع درجاته في عليين، واجعلنا بركبه سائرين على نهج سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عندما يكون لحياتنا معنى

عندما يكون لحياتنا معنى حينما تكون القلوب حية، يكون للحياة معناها المنشود؛ ومن نظر إلى الحياة على أنها متع وملذات، فقدت حياته معناها. وهنا بيان لمظاهر الحياة الحقيقية، ومميزات أصحابها، وأهمية الإعداد للحياة الأخرى، وقد خصصت هذه المادة حيزاً للكلام عن صلاح المرأة، وأثر ذلك، ومعاني حياتها.

نعمة الاجتماع في مجالس الذكر

نعمة الاجتماع في مجالس الذكر الحمد لله؛ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! أسأل الله جل وعلا أن يكتب خطاكم إلى هذه الروضة العبقة من رياض الجنة في موازين أعمالكم، كما أسأله أن يحط عنكم بكل خطوة خطيئة، وأن يرفع لكم بكل خطوة درجة، كما أسأله سبحانه أن يحشرنا وإياكم كما اجتمعنا بكم في هذا المكان الطيب، نسأله أن يحشرنا وإياكم في زمرة نبيه صلى الله عليه وسلم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. أيها الأحبة! إنه لجمع نباهي به بفضل الله جل وعلا، وإنه لاجتماع يبعث في النفوس الإشراق ويبعث في القلوب الأمل ويستمطر الرحمات بالدعاء من الله جل وعلا أن يسدد هذه الصحوة وأن يجعل مسيرها إلى خير، وأن يجعل عاقبتها إلى رشد وفلاح في الدنيا والآخرة، وأن يعصمها عن مواقع الزلل والفتن ما ظهر منها وما بطن. أيها الأحبة! إن جمعاً كهذا كان قبل اثنتي عشرة سنة نادراً في أكبر المدن، والله لقد كنا في المحاضرات قبل اثنتي عشرة سنة أو قبل ذلك أيضاً، يندر أن تجد اجتماعاً كهذا في مدينة من كبريات المدن، أما ونحن بفضل الله جل وعلا في منطقة من المناطق أو في ضاحية من الضواحي ونرى هذا الجمع الطيب المبارك برجاله ونسائه، بشبانه وشيبه، بذكوره وإناثه، بصغاره وكباره، فهذه نعمة نسأل الله جل وعلا أن يديمها علينا، اللهم لك الحمد كلما قلنا: لك الحمد، اللهم لك الشكر كلما قلنا: لك الشكر، اللهم لك الثناء الحسن كلما قلنا: لك الثناء الحسن. إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي له في مثلها يجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الآماد واتصل الدهر إذا عم بالسراء أعقب مثلها وإن مس بالضراء أعقبها الأجر فذلك فضل من الله عظيم جدا.

حياة القلوب هي الحياة الحقيقية

حياة القلوب هي الحياة الحقيقية أيها الأحبة! موضوع هذا الحديث معكم اليوم (حينما يكون للحياة معنى). أيها الأحبة! الحياة الحقيقية ليست هي الحياة التي يراها الناس في ظاهر تصرفات بني جنسهم من الذهاب والإياب واليقظة والنوم والحل والترحال والسفر والنزول والوصول، وإنما الحياة الحقيقية هي حياة القلوب، قال جل وعلا: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] إن الحياة الحقيقية هي حياة القلوب، إن الحياة الصادقة هي توجه الأفئدة إلى بارئها إلى الذي خلقها وأنشأها من العدم، إلى الذي قسم أرزاقها وقسم آجالها، إلى الذي يطعمها ويسقيها ويكفيها ويؤويها، إن الحياة الحقيقية أن يتوجه الإنسان بقلبه وقالبه، بظاهره وباطنه، بشكله ومضمونه بجوهره وعرضه، أن يتوجه بهذا كله إلى الله جل وعلا.

البداية الحقيقية للحياة

البداية الحقيقية للحياة أيها الأحبة في الله! الحياة الحقيقية أن يدرك الإنسان بدايته الحقيقية، وأن يدرك الإنسان البداية، وأن يدرك الدوام بعد البداية، أما بداية الحياة التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت منتقلة بذلك إلى برزخ يكون فيه الواحد من العصاة والمعذبين والأشرار الذين لم يكونوا في عداد عباد الله الصالحين في الدنيا، فأولئك ليست حياتهم بحياة.

المعنى المطلوب للحياة

المعنى المطلوب للحياة أيها الأحبة! عندما يكون للحياة معنى فإن هذا يعني أموراً عديدة: أولها: أن يشعر الإنسان أن حياته ليست لذاته فحسب، يعني هذا أن حياتك ليست لجوفك، وليست لفرجك، وليست لجيبك، وليست لرصيدك، وليست لمالك، وليست لأنانيتك، وليست لأثرتك، وإنما الحياة الحقيقية أن تعيش دائراً مع الحق حيث دار، الحياة الحقيقية ألا تكون حياتك قمة الأنانية في خدمة البدن. يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أذهبت عمرك فيما فيه خسرانُ أقبل على الروح فاستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان الحياة الحقيقية عندما يكون لها معنى أن يشعر الإنسان بأن بدايته قديمة، وأن نهايته لا تخط أثراً للترحال إلا في رضوان الله جل وعلا، يوم أن تكون من المكلفين فإنك تشعر ببدايتك بداية الحق الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، فليست بدايتك أيها المسلم حينما يكون لحياتك معنى، ليست بدايتك هي ولادتك وإنما بدايتك هي بداية الحق الذي بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم وبشر به الأمة وأنذر به الأباعد والأقارب وكان رسولاً به إلى الثقلين كافة الجن الإنس بشيراً ونذيرا، بدايتك تبدأ مع هذا الحق وتشعر أن نبيك هو قائدك الأول، وأن صحابة نبيك هم المثل وهم القناديل، وهم النجوم الزاهرة الذين تتلألأ كواكبهم في سماء الحق وفي طريق الهداية، وفي جادة الدعوة التي تمضي بها إلى مرضاة الله مروراً بالصحابة والتابعين والسلف الصالحين وعلماء الإسلام وقادة الأمة المسلمين أجمعين، البداية ليست بداية الميلاد حينما يكون للحياة معنى وإنما هي بداية الحق، والنهاية ليست بخروج الروح من البدن، وإنما خروج الروح من البدن هو أول خطوة تضعها في باب نوال الجزاء والثواب وجميل المغفرة والستر والفوز والفلاح برب العالمين، أيها المسلم حينما يكون لحياتك معنى فإن حياتك لا تنتهي بموتك، وإنما تبدأ رحلة جديدة أوسع آفاقاً وأبعد مدى وأعمق أصولا وأشمل في جميع الجوانب؛ لأن نهاية المؤمن من الحياة هي بداية النعيم إلى مرضاة الله جل وعلا، وكما يقول واحد من دعاتنا وعلمائنا: أيها المسلم أنت موعود بمستقبل مشرق يبدأ بموتك.

الحياة التي لا معنى لها

الحياة التي لا معنى لها هذا حينما يكون للحياة معنى، أما الذين لا معنى لحياتهم فأولئك الذين يرون الحياة في لذة الجوف، ومتعة الفرج، ونظرة العين، وحلاوة الطعم، وما يشربون ويأكلون ويلبسون، وتلك وأيم الله فانية، تلك وأيم الله حياة قصيرة، تلك وأيم الله حياة لا معنى لها؛ لأنها يشاركنا فيها الدواب والبهائم والطيور وسائر بهيمة الأنعام. حياة الذين لا معنى لحياتهم ماذا يجدون فيها؟ مهما بلغ الواحد من الثراء والنعم والأموال فإنه لا يلبس إلا ثوباً واحداً، ولا يرى إلا بعينين اثنتين، ولا يجد إلا أنفاً واحداً في بدن محدود القوة قصير الصحة مهدد بالسقم والآلام تصبحه أو تمسيه، حياة الذين يرون الحياة التي لا معنى لها، الذين يرون الحياة مطعما حياتهم في الحقيقة أيها الإخوة نغص ونكد وآلام. من ذا الذي قد نال راحة عمره فيما مضى من عسره أو يسره يلقى الغني لحفظه ما قد حوى أضعاف ما يلقى الفقير لفقره فأبو العيال أبو الهموم وحسرة الرجل العقيم كمينة في صدره أو ما ترى الملك العظيم بجنده رهن الهموم على جلالة قدره ولقد حسدت الطير في أوكارها فرأيت منها ما يصاد بوكره ولرب طالب راحة في نومه جاءته أحلام فهام بأمره والوحش يأتي موته في بره والحوت يأتي حتفه في بحره كيف التخلص يا أخي مما ترى صبراً على حلو القضاء ومره الحياة التي تتعلق بالمتع أو بالملك أو بالوزارة أو بالإمارة أو بالجاه أو بالثراء أو بالسلطان هي حياة والله قصيرة، ولذلك عبر عنها إمام أهل السنة صاحب تاج الوقار في المنافحة عن منهج أهل السنة والوقوف عقبة كئوداً أمام البدعة أحمد بن حنبل رحمه الله، لما ابتلي بالقول بخلق القرآن وأوذي أذىً شديداً وعذب عذاباً بليغا، جلد بالسياط فتمزق قميصه، وبقي أثر السياط على جلده، دخل عليه ولده عبد الله بن الإمام أحمد، جاء ليسأل أباه: أين الحياة؟ أي حياة هذه؟ إمام السنة يعذب، إمام السنة في السجن، إمام السنة يعلق برجليه، إمام السنة يسجن في الجب والبئر، إمام السنة في ضيق والمبتدعة في سعة، إمام السنة في ضنك ونكد وأهل البدع على مفارش الحرير والنمارق والسندس، إمام السنة يبتلى صباح مساء وأولئك يتقلبون كيفما يشتهون، قال عبد الله بن الإمام أحمد: يا أبتي متى الراحة؟ أين الحياة؟ أين طعم الحياة؟ أين لذة الحياة؟ فقال الإمام أحمد: يا بني الراحة عند أول قدم نضعها في الجنة. فحي على تلك المنازل. فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم

بعض مظاهر الحياة الحقيقية

بعض مظاهر الحياة الحقيقية أيها الأحبة في الله! الحياة حينما يكون لها معنى ألا يكون همك كم تجمع من المال؟ ألا يكون همك ما تلبس من الثياب؟ ألا يكون همك أي مرتبة رقيت عليها؟ ألا يكون همك كم رصدت في رصيدك في البنك؟ ألا يكون همك كم جمعت من الدور والضياع والقصور؟ وإنما الحياة الحقيقية أن يكون همك أن تكون من عباد الله المتقين، أن تكون من المقبولين، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] أن يكون همك أن تكون مع الثلة الذين هم على منابر من نور، أن تكون رفيقاً للأنبياء جليساً للشهداء، قريباً من الصالحين، داخلاً هذه الجنة أول الداخلين، هذه هي الحياة الحقيقية، أيضاً عندما يكون للحياة معنى فإن الفكر يختلف والبصر يختلف والسماع يختلف والخطى تختلف والبطش والأخذ والمد والرد يختلف، حينما لا يكون للحياة معنى سترى أقواماً الجميل في أعينهم ما كان جميلاً في دائرة العقل الضيق، وأما حينما يكون للحياة معنى فالجميل ما كان مرضياً لله جل وعلا، والقبيح ما كان مسخطاً لله جل وعلا، حتى ولو تزخرف الباطل، حتى ولو تزين بألوان الملابس والمراكب والمراتب، والجميل والعالي الطيب النفيس ما كان نفيساً عند الله جل وعلا. حينما يكون لحياتك معنى فبصرك بنور الله جل وعلا، وسماعك لما يرضي الله لكلام الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخطواتك في الدعوة إلى الله والسير في سبيل الله والسعي في مرضاة الله جل وعلا. حينما يكون لحياتك معنى فإن نَفَسَك تسبيح، ونومك عبادة، وأكلك عبادة، وشربك عبادة، وبذلك عبادة، وأخذك عبادة، وقبضك عبادة، هذا حينما يكون للحياة معنى أن تجد النية لصيقة لا تفارقك بأي حال من الأحوال، فإذا خرجت من بيتك سألت القدم: إلى أين؟ وسألت القلب: من المقصود بهذا؟ فتقول القدم: إلى روضة من رياض الجنة، ويقول القلب: لكي نكون مع الذين غشيتهم الملائكة، وحفتهم السكينة، ونزلت عليهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده، ففي القلب إخلاص لله جل وعلا، وفي القدم سير صحيح على صراط الله المستقيم.

الصبر من مظاهر الحياة الحقة

الصبر من مظاهر الحياة الحقة حينما يكون للحياة معنى فإن نَفَس المسلم في هذه الدنيا طويل، حتى وإن وجد شيئاً من الآلام، حتى وإن رأى شيئاً من الأذى، أو قوبل بشيء من السخرية، أو لقي شيئاً من الاستهزاء، لأن هذا كله لا يعدل شيئاً أمام نفحة من نفحات الرحمة، ولحظة من لحظات القبول إذا قال الله: يا عبدي سعيك لأجلي وذهابك لأجلي وبصرك لأجلي ومجيئك وكلامك وصمتك وفكرك وذكرك ونطقك وحركاتك وسكناتك لأجلي، حينئذٍ يهون كل شيء حينما يكون للحياة معنى. انظر إلى اثنين في المستشفى أحدهما إذا انقلب قال: يا الله، وإذا أحس بالألم استعان بالله، وإذا وجد مرارة السقم احتسب هذا عند الله جل وعلا؛ لأنه يعلم أن نبيه قد بلغه عنه: (ما من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب حتى الشوكة يشاكها إلا كَفَّر الله بها من خطاياه) هذا لحياته معنى وإن كان على سرير المرض، وآخر على سرير المرض إذا انقلب انقلب بالويل، وإذا تجافى تجافى بالثبور، وإذا تحرك تحرك بالسخط، وإذا قام قام بالاعتراض على قدر الله جل وعلا، فشتان بين هذا وهذا، حياة سقيم رضا وحياة سقيم سخط، حياة سقيم عبادة وحياة سقيم تعجيل للعقوبة في الدنيا، وإن لم يتداركه الله برحمته ففي عقوبة الآخرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. حينما يكون للحياة معنى ترى الواحد منا يحدد البداية والغاية والنهاية والوسيلة، البداية بهذا الحق، والغاية مرضاة الله جل وعلا، والوسيلة إلى هذا الدعوة إلى دين الله جل وعلا، سواء في الوظيفة أو في المسجد أو في السيارة أو في المنتدى أو في المعسكر أو في المركز أو في النادي أو في السوق أو في المستشفى أو في الذهاب أو في الإياب، هذه عبادة، الدعوة إلى الله غاية لنيل رضوان الله جل وعلا.

الفرق بين الحياتين

الفرق بين الحياتين أيها الأحبة! شتان بين من هذه حياته وبين من حياته إنما هي لفرجه وجوفه ومشربه ومأكله، اسألوا الذين لا يعرفون للحياة معنى إلا في شهواتهم هل يشربون شراباً يبقى في أجوافهم لا يتحدق؟ وما الظن لو أن أحدهم شرب شربةً احتبست، وما الظن لو أن أحدهم أكل أكلةً احتبست، وما الظن لو أن أحدهم أُغلقت عليه سبل بدنه فلم يستطع أن يُخرج أو يُدخل شيئاً، أليست هذه حياةٌ قصيرة؟! بلى والله، حياة تافهة، فمن أراد أن يجعل الحياة بالجسوم والرسوم فهي حياة تافهة، سواء افتخر صاحب الحياة فيها بملكه فإن فرعون كان ملكاً ومع ذلك فهو من أهل النار، وإن افتخر فيها بوزارته فإن هامان كان وزيراً ومع ذلك فهو من أهل النار، ومن افتخر بحياته بماله فإن قارون كان من الأثرياء ومع ذلك عد من أهل النار، من افتخر بنسبه فإن أبا لهب من جرثومة قريش ومن عظمتها ومن وسطها وسوائها ومع ذلك قال الله فيه: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:3] إذاً الحياة إنما هي بالقلوب، إنما هي بالأرواح، إنما هي بالتعلق بالله جل وعلا، فـ أبو لهب النسيب الرفيع من أهل قريش يقول الله فيه: {سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:3]، {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:1 - 3] هذا أبو لهب من جرثومة قريش، وأما بلال بن رباح العبد الحبشي، كان مملوكاً اشتراه أبو بكر رضي الله عنه فأعتقه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (يا بلال أخبرني أي عمل ترجوه فإني سمعت دفي نعليك في الجنة) وهو بلال العبد الحبشي الأسود، فإن كانت معاني الحياة بالنسب فأهل لذلك أبو لهب، وإن كانت معاني الحياة بالملك فأهل لذلك الطواغيت من الذين سادوا وشادوا وملكوا، ولكنهم كانوا في كفر بالله وعصيان لأمر الله جل وعلا، لو كانت الحياة بالوزارات لكان هامان من أقرب أهل الأرض منازل، ولو كانت بالأموال لكان قارون والذين جمعوها على نحو ما جمع ملحدين منكرين نعم الله، واقفين بما أوتوا من هذه النعم في صراط الله يصدون عن صراط الله المستقيم لكانوا أسبق بذلك، لكن هذه ليست هي الحياة، إنما الحياة في قلب يتعلق بالله جل وعلا. قيل لـ بلال بن رباح: كيف كنت تصبر على حر الرمضاء يا بلال؟! كيف تصبر والحجر يوضع على ظهرك ويوضع على بطنك وتسحب في الرمضاء، والحجارة تنكب جسدك، كيف كنت تصبر؟ قال: [والله أما إني كنت أجد ألماً عظيماً، ولكني مزجت حرارة الألم بلذة الرضا في ما أرجوه من عند الله فغلب ذلك ما أجد من آلامها] إنه قلب، (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).

التميز عن الأنعام من مظاهر الحياة الحقة

التميز عن الأنعام من مظاهر الحياة الحقة الحياة الحقيقية ليست حياة الجسوم والرسوم، لقد ذكر الله حال الكافرين وما فتح لهم وما زخرف بين أيديهم وما سخر بينهم، ومع ذلك قال الله جل وعلا في شأنهم: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. وذكر الله جل وعلا شأن المعرضين وإن كانوا أحياء على وجه الأرض شأن المعرضين عن ذكر الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جل وعلا: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] تلك حياة الذين لا يستجيبون لله ورسوله، {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ} [الأحقاف:17] فيكون جوابه العناد والاستكبار ويقول لهما: {مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأحقاف:17] ليست الحياة أن يرمق الطرف، أو أن تمشي الخطى، أو أن يخفق القلب، أو أن يضخ الدم، أو أن تتحرك الجوارح، هذا عرض من أعراض الحياة، لكن الحياة الحقيقية هي حياة القلوب، كما مر أحد السلف برجل من الذين ابتلوا بالأمراض والأسقام فقيل له: يا فلان كيف تجد حالك؟ قال: أحمد الله الذي آتاني لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً وبدناً على البلاء صابراً. هذه حياة القلوب ليست حياة الجوارح التي لا تنقاد ولا تستجيب لأمر الله جل وعلا.

حرية القلب من مظاهر الحياة الحقة

حرية القلب من مظاهر الحياة الحقة أيها الأحبة في الله! إذا عرفنا ذلك جيداً فليسأل كل واحد منا نفسه: أين أنت من الحياة الحقيقية؟ هل تشق طريقاً إلى حياة أبدية طويلة؟ هل تشق حياة إلى دار ينادي الله عباده إليها: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] هل تشق طريقك الآن إلى حياة ترجو أن تلقى الله جل وعلا بعد فراغك من الدنيا لتحط عصا الترحال في بداية نعيم: (لا أذن سمعت به، ولا عين بصرت به، ولا خطر على قلب بشر)؟ هل نحن نشق طريقنا إلى هذه الحياة الأبدية؟! أيها الأحبة! أيضاً حينما يكون للحياة معنى فإن القلب يكون حراً حتى وإن غلت الأيدي إلى الأعناق وإن القلب يكون حراً وإن كُبلت الأقدام بالسلاسل، وإن القلب يكون حراً وإن هدد البدن بالموت، وإن القلب يكون حراً حتى وإن هدد الإنسان بقطع رزقه أو أجله، لماذا؟ لأن الحياة بالقلب والقلوب بيد الله جل وعلا. تالله ما الدعوات تهدم بالأذى أبداً وفي التاريخ بر يميني والدعوة هي الحياة الحقيقية. ضع في يدي القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكينِ لن تستطيع حصار فكري ساعةً أو نزع إيماني ونور يقيني فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي وربي حافظي ومعيني الحياة الحقيقية أن يكون القلب حراً حتى وإن كان الجسد محبوساً، أن يكون القلب غنياً حتى وإن قطعت موارد المال، أن يكون القلب عزيزاً بالله حتى وإن مس بألوان الأذى والبلى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ماذا يصنع أعدائي بي؟ أنا سجني خلوة، وطردي من بلدي سياحة، وقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟!

الإيمان بحقيقة الرزق والأجل

الإيمان بحقيقة الرزق والأجل هذه حياة لها معنى أيها الأحبة، أما الحياة التي يرتاح صاحبها، وحينما ينقص ماله بتهديد بشر أو بخسارة مال يرتعد وينقلب هلوعاً جزوعاً، الحياة التي يتردد صاحبها يخشى أن يقول كلمة حق أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر خوفاً على رزقه وأجله. الحياة الحقيقية حينما يكون لها معنى فإنها ترتبط بالبداية كما في حديث ابن مسعود: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فينفخ فيه الروح، ثم يؤمر الملك بكتب أربع كلمات: برزقه وأجله). الحياة الحقيقية أن تعرف أن الرزق مقسوم وأنت جنين صغير تتحرك في رحم أمك، الحياة الحقيقية أن تعرف أن الأجل محدود، والنفس معدود، وأنت جنين مضغة مخلقة في رحم أمك، هذه هي الحياة الحقيقية ليست حياة الجبناء. ترددت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما

الارتباط بالله من مظاهر الحياة الحقة

الارتباط بالله من مظاهر الحياة الحقة الحياة الحقيقية أن ترتبط النفس بالله جل وعلا، الحياة الحقيقية كما عبر عنها عبد الله بن حذافة السهمي لما بعثه عمر بن الخطاب رسولاً إلى الأكاسرة فماذا فُعل به؟ لما بعث رسولاً إلى الروم ماذا فُعل به؟ عرضوا عليه أن يتنصر فأبى فدعاه ملك الروم، وقال: أعطيك نصف ملكي وتدع دين محمد قال: لا، قال: أعطيك ملكي كله وتدع دين محمد، قال: لا، قال: فإنا نزوجك أجمل بناتنا، قال: لا، فعرض عليه المال, والجاه، والجمال، والشهرة، والمنصب، والمرتبة، فلما استنفدت وسائل الترغيب أغراضها وانتهت صلاحيتها بدأ التلويح بوسائل الترهيب والتخويف، فجاءوا برجل وقد أوقدوا ناراً عظيمة ونصبوا عليها قدراً يغلي بالماء والزيت فقذفوا واحداً من المسلمين لما ثبت على دينه ولم يرتد فأصبح لحمه يتطاير في هذا القدر وهو يراه، فلما رأى ذلك عبد الله بن حذافة السهمي بكى، فأُخبر القيصر بذلك فرد عليه: فقال: بلغني أنك لما رأيت صاحبك ألقي به في القدر، أخذت تبكي فما الأمر؟ أتعود عن دين محمد ونعطيك ما وعدناك به؟ انظروا إلى الذين يعرفون معنى الحياة، انظروا إلى الذين يعرفون حقيقية الحياة، ماذا قالوا؟ قال عبد الله بن حذافة: بكيت لأنه ليس لي إلا نفس واحدة وكم تمنيت أن لي مائة نفس تموت هذه الميتة في سبيل الله. هذا حينما يكون للحياة معنى، كما قال صلى الله عليه وسلم في موقفه وفي حديثه صلى الله عليه وسلم: (وددت أن أغزو في سبيل الله فأُقتل) ما قال فانتصر أو فأغنم أو فتفتح لي قال: (وددت أن أغزو في سبيل الله فأُقتل) القتل هو بداية الحياة، (ثم أغزو ثم أُقتل ثم أغزو ثم أُقتل) ثلاث مرات يرددها صلى الله عليه وسلم، هذه هي الحياة الحقيقية حينما ترتبط النفوس بالله جل وعلا، ولكن أيها الأحبة من الذي يعرف قيمة الحياة؟ هل يعرف معنى الحياة من استهلك نور البصر والبصيرة بالأفلام والمسلسلات على ألوان الشاشات؟ هل يعرف قيمة الحياة من لا يجد للسماع مذاقاً إلا في الأغاني والملاهي والطرب والزمر والدندنة؟ هل يعرف للحياة معنى من لا يجد السعي إلا إلى مجالسة البطالين والعاطلين الذين تفنى أيامهم وتنقضي ساعاتهم وتشهد عليهم ملائكة الليل والنهار بغفلتهم وإعراضهم وإدبارهم وتشهد الأرض عليهم بما يقترفون ويشهد الناس عليهم بصدهم عن سبيل الله جل وعلا؟ أهذا هو معنى الحياة؟! لا والله، الحياة الحقيقية إما أن تكون في علم وتعليم، أو في بذل ومال ترضي به وجه الله، تسلطه على هلكته في الحق، أو تكون في جهاد في سبيل الله، أو تكون في عدل وقسط بين الناس، أو تكون في ركوع وسجود وما أطيبها إذا اجتمعت جميعاً.

أثر الحياة الحقة في أهمية الإنسان

أثر الحياة الحقة في أهمية الإنسان قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله وهو يبين قيمة الحياة لأهل الحياة الحقيقية: إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمة وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمة وموت الفارس الضرغام هدمٌ فكم شهدت له بالنصر عزمة وموت فتىً كثير الجود محلٌ فإن بقاءه خصب ونعمة وموت العابد القوام ليلاً ينادي ربه في كل ظلمة أولئك الذين كانت حياتهم معنى، كانت حياتهم وجودا، وكان غيبتهم فقدانا، أولئك الذين كانت حياتهم عطاء وإيجابية، وكان ذهابهم سلبية وحرمانا: فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمة وباقي الخلق همج رعاءٌ وفي إيجادهم لله حكمة الحياة الحقيقية أيها الأحبة أن تجد لذة العبودية وأعلى مراتب العزة بتمريغ الجبهة والأنف بين يدي الله جل وعلا، أن تشعر بالتحليق في طباق السماوات وأنت تمرغ الجبهة والأنف والجبين بين يدي الله جل وعلا. كذلك أيها الأحبة في الله حينما يكون للحياة معنى فإن الإنسان تجده بركة أينما حل وأينما كان، كما قال عيسى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31]. أيها الأحبة! حينما يكون للحياة معنى فإن لوجودك أثراً ولغيبتك أثراً، وحينما يكون للحياة معنى فإن لحركاتك وسكناتك وذهابك وإيابك أثراً، كما قال الله جل وعلا على لسان عيسى بن مريم: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31] إخواني! من هو المبارك فينا أينما كان؟ أين المبارك في وظيفته؟ أين بركتك على زملائك في الوظيفة؟ أين بركتك على بيتك المبارك بأسرته؟ أين المبارك في مسجده؟ أين المبارك بين جيرانه؟ أين المبارك بين أصدقائه؟ أين المبارك بين زملائه؟ أين المبارك بين زملائه في الدراسة في الجامعة في الوظيفة في كل مكان حل وارتحل؟ {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31] إن الذي تجد فيه بركة أينما حل هو الذي لحياته معنى، وأما الذي يعيش ولا أثر لحياته فذلك كما يقول القائل: وأنت امرؤ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموت فاجع غاية ما يوجد بعده أن تفجع مصيبته أمه وأباه أو أهله وذويه، بموته، ويُنسى.

الحياة الحقة لا تنتهي بالموت

الحياة الحقة لا تنتهي بالموت أيها الإخوة حينما يكون للحياة معنى سنظل أحياء ولو كنا في المقابر، فـ سيد قطب رحمه الله هل هو الآن من الأحياء أم من الأموات؟ هو والله من الأحياء، كتبه مؤلفاته وفيها خير كثير، ولا تسلم من شيء والبشر لا يسلمون لكنه من الأحياء حتى وإن كانت نهايته أن يشنق على خشبة صفراء أو حمراء، قبله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أليس من الأموات؟! ولكنه حي مع الأحياء، كتاب التوحيد تعجبون أيها الإخوة أن بكين عاصمة الصين الكبرى فقد كنت في زيارة من مدة قريبة كنت ذاهباً إلى الصين في بكين وجدت مدرسة يدرس فيها رجلٌ عجوز من أهل الصين، ماذا يدرس؟ يدرس الأصول الثلاثة وكشف الشبهات، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته وجمعنا بك في الجنة، متى توفي الشيخ الإمام المجدد العلامة محمد بن عبد الوهاب؟ 1206هـ ونحن الآن 1412هـ والأصول الثلاثة وكشف الشبهات تدرس في الصين ليست دولة لا دينية أو دولة علمانية أو دولة نصرانية، دولة أهل كتاب، وإنما دولة ترى أن الدين أفيون الشعوب، دولة الإلحاد: لا إله والحياة مادة، إن الرجل في قبره وحياته فوق ظهر الأرض بل في أقاصي البلاد، ليس في هذه الجزيرة وحدها وإنما في أبعد نواحي الدنيا، هذه هي الحياة الحقيقية. وميت ضجت الدنيا عليه وآخر لا تحس له نعيا الناس ألف منهم كواحد وواحد كألف إن أمر علا وكما في الحديث الصحيح عن ابن عمر: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) نعم ما أكثر الخلق الذين نراهم، ما أكثر الذين يملئون الطرقات والشوارع والمساجد والمدارس والجامعات والمؤسسات والشركات والدوائر لكن لا تكاد تجد في كل ألف إلا واحدا، كما قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في نونيته الكافية الشافية: يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان أيها الإخوة! حينما يكون للحياة معنى، سنظل أحياء حتى وإن كنا في قبورنا، إنا لنرجو الله جل وعلا إن يصل أجرنا ونحن في اللحود والقبور، لعلها ببركة من بركات القبول التي يمن الله بها علينا لشريط من الأشرطة، محاضرة من المحاضرات، كلمة من الكلمات، كتيب من الكتب، رسالة من الرسائل، جولة غدوة وروحة في سبيل الله لدعوة ضال أو توجيه منحرف أو مناقشة صاحب شبهة، يرجو الإنسان أن يبقى حياً وإن كان ميتاً، هذه هي الحياة الحقيقية، يبقى لك الذكر بعد موتك، يبقى الثناء وتذهب الأموال ويبقى الثناء والحمد بخير، ولكل عصر دولة ورجال: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فاحفظ لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني شيخ الإسلام ابن تيمية أليس حياً من الأحياء؟ بلى والله، فقد توفي في أوائل القرن الثامن 720هـ، وابن قدامة، وابن عبد البر، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن حجر، علماء الإسلام، كل أولئك ما زالوا أحياء وإن كانوا الآن في قبورهم، أياً كانت نهايتهم ماتوا بالقتل، أو ماتوا حتف أنوفهم، أو ماتوا على فرشهم، لكنا رأينا حياتهم، ورأينا ما كتب لهم من القبول، حفيد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وهو سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال له الأتراك في ذلك الزمن: أنت تكفرنا، قال: نكفر كل من يعبد القبور، ويتوسل بها، ويرجو منها جلب المنافع ودفع الكربات وتحقيق الغايات، قالوا: ما ترجع عن قولك هذا؟ قال: لا، فأتي به وهو العالم النحرير العلامة الذي ألف من أشهر كتبه تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، يقول في مقدمة هذا الكتاب: وإني لأعرف رجال الحديث أكثر من معرفتي بأهل الدرعية. وهذا من علمه وتحقيقه، هذا الرجل لما فتن في هذا الباب، في باب التوحيد ثبت ولزم عقيدة الأنبياء والمرسلين، ماذا فعل به؟ عزفت الموسيقا بين يديه تبكيتاً له، ثم ربط في فوهة المنجنيق وأطلقت قذائفه فتطايرت أشلاؤه رحمه الله، هل مات سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب؟ لا، ما مات، فلا زال تيسير العزيز الحميد من أشهر شروحات كتاب التوحيد التي يتداولها طلبة العلم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً في هذه البلاد وفي غيرها، إذاً حينما يكون للحياة معنى سنظل أحياء ولو متنا، سنظل أحياء وإن كنا في القبور، سنظل أحياء وإن كنا في اللحود.

مراحل الحياة بعد الموتة الأولى

مراحل الحياة بعد الموتة الأولى ولا يخفاكم أيها الإخوة لو كانت الحياة في مقياس الذين يقولون: نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر، أو مقياس المعاند المكابر الذي قال الله فيه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] وهذه الآية نزلت قيل في الوليد بن عقبة، وقيل في العاص بن وائل، وقيل في عبد الله بن أبي، وأئمة التفسير لا تفوتهم الفطنة قالوا: نزولها في ابن أبي مستحيل لأن الآية مكية وابن أبي إنما ظهر في المدينة، فهي نزلت في أحد هذين جاء بعظم قد رمّ يفته بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: يا محمد تزعم أن الله يبعثنا بعد أن نموت ونكون عظاماً رميماً كهذا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، يميتك الله، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى جهنم. ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء أيها الأحبة! لا تظنوا أن من دفن انتهت حياته، انتهت المرحلة الأولى من الحياة، وانتقل إلى المرحلة الثانية ألا وهي حياة البرزخ؛ فإما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، إما أن يقول: ربّ أقم الساعة، ربّ أقم الساعة، لما يرى من نعيم في حياة البرزخ، وإما أن يقول: رب لا تقم الساعة، رب لا تقم الساعة، مما يرى من بدايات العذاب في دار البرزخ، والمرحلة الثالثة الحياة الأبدية حياة الجنة أو حياة النار، حياة في نعيم أو حياة في جحيم، حياة السعداء أو حياة الأشقياء، ينبغي أن نعرف أن معنى الحياة أن تمتد به آفاقنا وتفكيرنا وسعينا وحركاتنا وجهودنا لكي نبلغ تلك المنازل، حينئذ كما قال الإمام أحمد: حينما نضع أول خطوة أو أول قدم في الجنة، نكون قد بلغنا الحياة الحقيقية. وهذه مراحل قبل الحياة، أو مراحل أولية {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [لقمان:33] الحياة الدنيا من غرته فليست لحياته معنى، {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33] إنما الحياة الحقيقية هي الدار الآخرة والحيوان الكامل {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64].

نسبة حياة الدنيا إلى حياة الآخرة

نسبة حياة الدنيا إلى حياة الآخرة الحياة الحقيقية ليست هي هذه الحياة التي نحن فيها؛ لأن الله جل وعلا قال: {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38] إنما هذه الحياة الدنيا بما فيها من نعم وما فيها من مظاهر وما فيها من مراتب وأموال وزوجات وضياع وقصور وغير ذلك كلها وليست في بلادكم وحدها، بل في الكرة الأرضية وما حول هذه الكرة وما خلق الله في هذه الحياة الدنيا، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لبيان هذا كله: (إنما مثل الحياة الدنيا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم -في البحر- ثم يلجئه أو يخرجه فلينظر هل يخرج من ذلك بشيء أو هل ينقص من ذلك بشيء) يعني: إنما هذه الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة كمقدار ما يعلق بإصبعك من الماء حينما تدخله في البحر ثم تخرجه، أما الآخرة فهي المحيط فهي البحر المتلاطم بأمواجه الذي لا يحصيه إلا الذي خلق، هذه أيها الإخوة هي الحياة القصيرة، حياة كلها كدر، قال الله جل وعلا: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]. طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار الحياة، اسأل نفسك يا من تظن أنك الآن في الحياة الحقيقية، أخي الكريم هل عافيتك لا يكدرها المرض؟ هل حياتك لا يهدمها الموت؟ هل اجتماعك لا ينغصه الفراق؟ هل ملذاتك لا تكدرها المخاوف؟ يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا والليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيب ما حل بغيرك يحل بك، أقل ما فيه السقم والموت، من الذي رأيته سالماً لا ينصب ولا يمرض ولا يتعب؟ ومن رأيت مخلدا؟ ولو كانت الأعمار تبقى لواحد رأيت رسول الله حياً مخلدا إذاً فليست هذه بحياة، أين أبوك؟ أين جدك؟ أين أمك؟ أين ذهبوا؟ اسألوا الملوك أين ذهبوا؟ هل نزل في القبور معهم خدم؟ هل نزل معهم الوزراء؟ اسألوا الأثرياء هل فتح البريد الإلكتروني في اللحود والقبور؟ اسألوا الأغنياء هل نزل بالشيكات والأرصدة في اللحود؟ اسألوا الرؤساء حينما يقبر أحدهم كسائر الناس وربما تتجول الكلاب في المقابر فتبول على قبري أو قبرك أو قبر أي ملك من الملوك، لا قيمة لهذا البدن لا مكانة لهذا البدن، إنما القيمة والمكانة والمنزلة الحقيقية إنما هي في هذه الروح، الروح إن كانت متعلقة بالله جل وعلا فلتبشر بخير عظيم وفضل عميم في الدنيا والآخرة. ولا تظنوا أن العمل الصالح في الحياة الدنيا لا يجد العبد نتيجته إلا في الآخرة، لا، جل ربنا أن يعامله العبد نقداً فيجازيه نسيئة، إن البشرى والبركة والنعم وحسن الجزاء والثواب هو في الدنيا وهو أيضا في الآخرة: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30]، {إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120]. فيا أحبابنا! هل من الأحياء من لا ينام إلا وقد قلب عينه في فيلم السهرة ولا ينام إلا الساعة الحادية عشرة والنصف؟ أو في المسلسلات اليومية؟ أسألكم بالله هل هذه حياة؟ أهذه حياة أن يسهر الإنسان في الليل على الأفلام والمسلسلات، ينام متأخراً ويتخلف عن صلاة الفجر، يخرج إلى عمله متأخراً، يقابل الناس بوجه عبوس قمطرير، ضعيف في الصلاة لا يحضر قلبه، بطيء حينما يقوم إليها، لا يخشع لذكر الله، لا تدمع عينه من خوف الله، لا يرقب في مؤمن إِلاً ولا ذمة، إن وجد مالاً قبضه لا يسأل عن حله أو حرمته، أهذه حياة؟! لا، هذه شريعة الذئاب، هذه مناهج الغاب، هذه حياة السباع التي يبغي بعضهم على بعض.

حياة الذكر وحضور القلب

حياة الذكر وحضور القلب الحياة الحقيقية أن تجد لقلبك حضوراً بين يدي الله، أن تجد لنومك طمأنينة وأنت تقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت روحي فارحمها، وإذا أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين. الحياة حينما تستيقظ من الموت الأصغر أو من الموتة الصغرى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42] حينما تستيقظ من هذه الموتة الصغرى في الحياة، أن تقول: الحمد لله الذي رد علي روحي، أو الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور. الحياة أن ترى إشراقه الصباح فتقول: أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير هذا اليوم وخير ما بعده، وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما بعده، رب أعوذ بك من عذاب النار وعذاب في القبر، الحياة أن تدخل البيت فتقول: باسم الله اللهم أسألك خير المولج وخير المخرج، الحياة حينما تخرج أن تقول: بسم الله توكلت على الله، باسم الله خرجنا وعلى الله توكلنا، اللهم إني أعوذ بك أن أزل أو أُزل، أو أضل أو أُضل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يجهل علي، الحياة أن تلقى المسلمين فما ترى أحداً من المسلمين إلا ابتسمت في وجهه لماذا؟ لأنها تدنيك إلى درجات الحياة الحقيقية، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، الحياة أن تجد قلبك حاضراً بين يدي الله وفي تلاوة كلام الله، الحياة أن تجد من نفسك استعداداً للقاء الله جل وعلا، هذه الحياة، أما حياة الذين ضاعت -كما قلت- لياليهم في السهر والعبث والضياع والغيبة والنميمة فليست هذه والله بحياة، ليست هذه والله بحياة، والحياة الحقيقية كما قال عنها أحد علماء السلف: [إننا لفي نعمة ونعيم لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف].

افتقاد الأرض للأحياء الحقيقيين

افتقاد الأرض للأحياء الحقيقيين الحياة حينما يكون لها معنى فإن الكرام الكاتبين يعرفون حسناتك ويكتبونها في ذهابك وإيابك وكل حركاتك وملائكة الليل والنهار وشهود الله في أرضه، والأرض تحدث أخبارها بصلاحك وعبادتك وأعمالك، هذه حياة لأناس كان لحياتهم معنى فأثبتتها الأرض وشهدت بها، {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة:4] كتبتها الملائكة وسجلت وسطرت في الكتب وادخرت لك في يوم عصيب، أما حياة أهل الترف والنعيم فاسمعوا قول الله جل وعلا فيهم حينما يكونون معرضين عن هدي الله وشرعه: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29] الحياة الحقيقية هي التي يفقدك حتى الجماد، حتى الجمادات تفقدك بها، أما الحياة الهزلية والحياة الضعيفة التي لا معنى ولا قيمة لها، فمن ذا الذي يفقدك؟ من ذا الذي يسألك عنك؟ أي بناء كنت تبنيه فوقف؟ أي سعي كنت تسعى به فانقطع؟ أي صلاح كنت تدعو إليه ففقد؟ أبداً ما أكثر الذين عاشوا وما أكثر الذين فقدوا: خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد رب لحد قد صار لحداً مراراً والهاً من تزاحم الأضداد أيها الأحبة! كم عاش على الأرض قبلكم؟ أمم كثيرة وملوك كثر! وأثرياء كثر! ولكن ما ذكر إلا طائفة كانت حياتهم حقيقية فهل تجعلون لحياتكم معنى؟ هل تجددون نمط الحياة فيما يرضي الله جل وعلا؟ هل تنتقل الحياة من الأنانية والأثرة وحب الذات والسؤال عن النفس والاقتيات الشخصي إلى الحياة الواسعة لخدمة قضايا المسلمين والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الخير والمساهمة فيه، والدعاء للصالحين، على الأقل حياة القلوب بالدعاء لهؤلاء فيما يرضي الله جل وعلا.

المعاني المنشودة في حياة المرأة

المعاني المنشودة في حياة المرأة أيها الإخوة: إن الخطاب إلى المكلفين في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم شامل للرجال والنساء، فحينما يكون للحياة معنى فهذا أمر على حد سواء، يوجه للرجل والمرأة، وللذكر والأنثى والفتى والفتاة، حينما يكون لحياة المرأة المسلمة معنى أماً كانت أو زوجة أو أختاً أو بنتاً فإنها تتوجه بكرامة الله لها، وبما فضلها الله به جل وعلا: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195] وهي تعرف كرامة الله لها، ورفعة منزلتها: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] فهي داخلة في الخطاب، {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:35] إلى آخر الآيات، فكما ذكر فيها فريق الرجال ذكر فيها فريق النساء، حينما يكون للمرأة لحياتها معنى فإن حياتها تتجاوز ما جرت به عادة النساء في كثير من المجتمعات في هذا الزمان، فلئن كانت حياة النساء بمفهومها القاصر أن تهتم المرأة بفستانها أو ملابسها أو موضتها أو بردة الأزياء أو عرض الأزياء أو غير ذلك، فإن الفتاة المسلمة الملتزمة الصادقة حينما يكون لحياتها معنى فإنها ترى أن الحياء أجمل اللباس، وترى أن غض البصر هو أطيب عدسة تجعلها على عينها، وترى قصر الخطى والقرار في البيت أعظم عرش تتربع عليه لكي تربي أولادها، ولتحسن رعاية بيتها، وتقوم بحقوق زوجها على أكمل وجه.

أهمية صلاح المرأة

أهمية صلاح المرأة حينما يكون لحياة المسلمة معنى تراها مصلية صائمة عابدة قانتة، تربي أولادها على ذكر الله، يحفظون منها الأذكار في الصباح والمساء، يتعلمون منها أن يستهلوا اليوم بذكر الله وأن يختموه بحمد الله، حينما يكون لحياتها معنى تعد للمجتمع رجالاً يكونون صناعاً للتاريخ، يسيرون دفته ويمسكون بزمامه، حينما يكون لحياتها معنى فلن يكون للعبث واللهو ومتابعة الأفلام والمسلسلات والأغاني والمطربين والمطربات والمجلات ودعوات العلمانيين ودعوات الذين يصيحون بها: اخرجي! توظفي! اعملي! اختلطي، لن يكون لدعواتهم من قلبها نصيب أو من سمعها مكان أو منزل، حينما يكون أيضاً لحياة المرأة المسلمة معنى فإنها تعرف دوراً تواجه به اليوم، إن التحدي الكبير في هذه الأمة في آخر قلعة من قلاعها المرأة المسلمة، وفي هذه البلاد يقف التحدي الآن على مرحلة المرأة فإن استطاع العلمانيون ودعاة التغريب والضلالة والسفور والتبرج والاختلاط عبر وسائلهم المتعددة بالفيلم والمسلسل والرواية والقصة والمسرحية والكلمة والمجلة والجريدة إذا استطاعوا أن يقولوا لها: أنتِ حبيسة، أنتِ مضيق عليكِ، أنتِ متخلفة، أنتِ مسكينة، أنتِ لا حرية لك، فإذا سمعت مقالهم واستجابت لضلالتهم وتركت عينها وعرشها ومملكتها فحينئذٍ اعرف أن مجتمعك هذا ينهار أو قد انتهى. ربوا البنات على الفضيلة إنها في الشرق علة ذلك الإخفاق الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق الأم روض إن تعاهده الحيا بالري أيرق أيما إيراق حينما يكون لحياة المرأة المسلمة معنى فإنها ستتعدى مستعلية مرتفعة محلقة بفكرها وخلقها وسمتها وصلاحها، ترتفع عن مجالس الرقص والطبل واللهو وتبادل الحديث الطويل الذي يأخذ الوقت في الأقمشة والأواني.

أهمية الدعوة النسائية

أهمية الدعوة النسائية فترتفع عن هذا كله لكي تكون داعية لبنات جنسها، تجتمع بجاراتها فتهديهن شريطاً، أو تقرأ عليهن نصيحة، تجتمع بطالباتها فتعطي كل طالبة شريطا، تعطي كل طالبة كتابا، تجتمع بزميلاتها فيتبادلن المسائل والأحكام الفقهية والشرعية في آدابها وطهارتها وحجابها وحدود ما أباح الله لها، وما نهاها الله عنه، هكذا حينما يكون لحياة المرأة المسلمة معنى، إن عدداً قليلاً من الداعيات ولله الحمد بمجتمعنا والله إن حياتهن لأبرك من حياة كثير من الشباب والرجال؛ بما فضلها الله به بالدعوة إلى الله، فنحن ننتظر من الفتاة المسلمة أن يكون لحياتها معنى بالدعوة إلى الله، لا نريد أن تخرج أو يلزم من ذلك أن تخرج، بل بالدعوة إلى الله في بيتها، بين أبنائها، بين أقاربها، وأقارب زوجها، تصوروا -وهذه واقعة من الوقائع التي حصلت في المجتمع- امرأة صالحة انحرف زوجها ولكن كان لحياتها معنى ولم يسمع زوجها نصيحة واحدة منها، ولا يزال مغرقاً ممعناً في ضلالته ومعصية، أتدرون كيف كان أطيب السبل وأقرب الأسباب إلى إصلاح بيتها وتعديل مسار زوجها؟ أولادها، كانت معتنية بأولادها فإذا جاء الأب تعلق الأولاد به، يا أبتي لا نريد الفيديو في البيت، يا أبتي لا نريد هذه الأفلام في البيت، وإذا جاء الأب ربما سلموا عليه وبقوا ساكتين فيسأل الأب: يا أولادي لماذا لا تلعبون؟ لماذا لا تتكلمون؟ لماذا لا تضحكون؟ يقولون: يا أبي إذا كنت تريد أن نلعب معك، ونضحك، ونتكلم، فأخرج هذا الشيطان عن البيت، فكان وراء هؤلاء الأطفال الصغار أم، امرأة عظيمة استطاعت أن تعدل مسار الانحراف في زوجها، نعم كانت فتاة لحياتها معنى. فهذا أيها الأحبة أمر له أكبر الأثر، والأم والزوجة والبنت لها أثر طيب، عرفنا أسراً كانت مغرقة في الفساد والضلال فانقلبت إلى رياض من الذكر والتوحيد وحفظ القرآن والحجاب والستر والحياء، أين دخلها النور؟ وأين بدأت بالاستقامة؟ من فتاة استقامت وحفظت القرآن وأصبحت حريصة في دعوة أمها وأخواتها وإخوانها حتى أثرت على من حولها جميعاً، فليس الأثر للرجال دون النساء، وليس الأثر والفعل والتأثير محصور في الرجال دون النساء، بل من النساء من فيهن خير كثير ولهن قبول كثير، فنرجو أن تحرص كل واحدة من أخواتنا اللاتي يسمعن هذا الكلام أن يكون لحياتها معنى بأن يكون لوجودها معنى وأن يكون لحياتها أثر في نفسها وذريتها ومن حولها، وأبويها وإخوانها وأخواتها وجيرانها وقريباتها. أيها الأحبة! لا أود أن أطيل، أسأل الله جل وعلا أن يجعل أعمالنا وإياكم خالصة لوجهه، كما أسأله أن تكون حياتنا حياة طيبة، كما أسأله سبحانه أن نكون من الذين بارك الله فيهم وجعلهم مباركين أينما كانوا، كما نسأله أن تكون حياتنا طويلة ولو كنا في قبورنا، ولو كنا في لحودنا، اللهم إنا نسألك بركة الأعمال وإن كنا في اللحود، ونسألك القبول والرضا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

أسباب القحط

أسباب القحط Q سائل يقول: فضيلة الشيخ إني أحبك في الله، حبذا لو تحدثتم عن أسباب القحط الذي أصاب البلاد وخاصة بلادنا هذه؟ A أيها الأحبة، هذا والله أمر مهم، وأعظم سبب كان شؤمه جلياً على العباد والبهائم والبلاد الربا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278 - 279] الربا شره خطير وشؤمه مستطير، بل إن أدنى آثار الربا أن تمحق البركات وأن يحبس القطر من السماء. ومن أسبابه: قطيعة الأرحام وعقوق الوالدين، والغش في المعاملات، والتدليس في البيوعات، هذا أيضا من أسباب القحط ولا حول ولا قوة إلا بالله، كذلك انتشار بعض المعاصي ورضا كثير من الناس بها على أنها أمر قد فرض نفسه، الملاحظ مثلاً كل واحد يمر يجد على اليمين فيديو الأماني مثلاً، ليتهم يسمونه بأسماء حقيقية لو يقولون مثلاً: فيديو الانحراف، فيديو الإفساد فيديو الجريمة، لكان معقولاً، لكن يسمونها بغير اسمها وغاياتها، فيمر الإنسان على محل الفيديو على اعتبار أن محل الفيديو أمر طبيعي قد فرض نفسه، لا، هذه شوكة ونبتة نجسة غريبة في قلب المجتمع المسلم هنا، فلو أن كل واحد مر وكما قال أبو محمد بن حزم: لو اجتمع المنكرون بقلوبهم على أمر ما غُلبِوا عليه. يعني: لو أن كل من يمر على محل الفيديو وينزل قائلاً: يا أخي الكريم! اتق الله لا تكن سبباً في شؤم نفسك وأولادك والإنفاق على أهلك من السحت والحرام، اتق الله لا تفسد بيتك وتفسد أهلك وتفسد مطعمك ومشربك وملبسك وجيرانك ومجتمعك، ما ظنكم هذا الجمع الآن لو أن كل من مر على فيديو دخل إليه يعطيه شريطاً أو كتاباً وآخر ينصحه أو يدعو له، أو يسأل الله له الهداية، والذي يقول: يا أخي اترك هذا أسأل الله أن يبدلك خيراً منه، هل تظنون أن صاحب هذا المنكر سيبقى على ضلالته وإمعانه وانحرافه؟ لا والله، لو اجتمع المنكرون بقلوبهم على أمر لم يغلبوا عليه، لكن تعود الناس أن يقبلوا صوراً من المنكرات ويعتبرونها أمراً طبيعياً، فكثير من الأمور يظن بعض الناس أن هذا وضع طبيعي، خذ مثالاً آخر على ذلك: محل الأغاني، بيع المحرمات وآلات اللهو والطبل والزمر وغير ذلك، فيا إخوان لو أن كل واحد رأى منكرا أنكره بكل ما في وسعه، وأقول: أما الإنكار باليد فلا تمدن يدك إلا إن كنت مخولاً بسلطة من ولي الأمر، لماذا؟ لأننا لو فتحنا باب الإنكار باليد، لربما جاء عدو لصاحب الفيديو وكسر محله ليس غيرة له ولكن انتقاماً لذاته وليس لمرضاة الله، ويدعي ويقول: جئت لأنكر المنكر، ولا تنضبط الأمور بقاعدة، نقول: لا، إنما الإنكار بالقلب واللسان هو من مسئولياتكم: (من رأى منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) فأنت مأمور بأن تغير ما كان تحت قدرتك وتحت صلاحياتك وتحت مسئولياتك في مؤسستك وشركتك ومتجرك ودكانك وقسمك ودائرتك، وهذا الأمر بين يديك فلا يجوز أن تقر منكراً وأنت قادر على تغييره. أيضا من أسباب القحط: عدم شعور الناس بحاجتهم إلى الغيث والقطر، فالناس قد غرهم أن المياه تحلى من البحار، وهذه نعمة من نعم الله جل وعلا، ونرجو ألا يكون استدراجاً، نسأل الله جل وعلا ألا نكون من الذين قال الله فيهم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:44] حتى البحار المالحة جاءت إليهم في أنابيب بيوتهم حلوة {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44] نسأل الله ألا نكون من أولئك. فبعض الناس لم يشعر بالحاجة إلى ذلك، وظن أن القضية مسألة مياه من البحر، محطات تحلية وتصل، ما هي الحاجة للاستسقاء؟ شغلونا في كل وقت بالاستسقاء! ما هي الحاجة إلى ذلك؟ والدليل على ذلك، أن هذا الجمع مثلاً لا تجده غداً في صلاة الاستسقاء، هذا الجمع بأكمله لا تجده غداً في صلاة الاستسقاء، بل الكثير ربما يجلس لفطوره أو يتقلب في فراشة أو يتقلب ويقول: فرصة أن نتعذر بالاستسقاء ونتأخر عن العمل قليلاً، البعض ولا أعمم -أستغفر الله- فيا أحبابنا شعورنا بعدم الحاجة إلى ذلك أمر خطير، ثم إن هذه الأنابيب التي تحلي المياه، لو شاء الله لجعل الماء جامداً حجراً صلتاً لا يسري فيها: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:30] أليست قدرة الله جل وعلا التي سخرت البحار المالحة، عبر الأنابيب عبر هذا التكاتف والترشيح ومختلف أساليب التحلية والتقطير وغيرها، حتى تصل إليك حلوة، أليست قدرة الله التي جعلت هذا ممكناً؟ بلى، فينبغي أن نتقي الله في أنفسنا، وأن نشعر بحاجتنا إلى الله، ونسأل الله سبحانه بأسمائه وصفاته واسمه الأعظم نستغفره ونتوب إليه ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، أن يغيثنا وأن يسقينا وأن يرحم العباد والبهائم والبلاد بمنه وكرمه إنه أرحم الراحمين.

نصيحة للجالسين على الأرصفة

نصيحة للجالسين على الأرصفة Q يقول: فضيلة الشيخ نخبرك أننا نحبك في الله، ونسأل الله أن يجعل لحياتنا وإياك معنىً يرضي الله جل وعلا، وبعد نرجو من فضيلتكم إعطاء الشباب الذين يقفون على أعتاب السكك والأرصفة ويضيعون حياتهم وأوقاتهم في الشوارع ولا يهتمون بطاعة الله، نرجو إعطاءهم نصيحة جزاكم الله خيرا؟ A نصيحتنا لهؤلاء الشباب أن يسألوا أنفسهم ما هو دورهم في الحياة؟ وما هي الغاية من وجودهم؟ هل سأل كل واحد منهم نفسه سؤال الجاد، وأجاب جواب الصادق، ووقف يخاطب نفسه صراحةً أو أمام مرآة ويشير إلى عينه بعينه، ويقلب الوجه بالوجه ويسأل هذا الجسم، العين خلقت للبصر، والأذن خلقت للسمع، والأنف خلق للشم والنفس، وهذا الجسم خلق لماذا؟ أتخلق كل جارحة لحكم عظيمة وهذا البدن يضيع هباء منثورا، هذا أمر عجيب، ثم أيضاً أهذا البدن يستمر على هذه الدنيا معافىً مسلماً بلا كدر ولا نكد ما أضيق العيش ما دامت منغصة لذاته بقدوم الموت والهرم أيها الإخوة! أيها الشباب! إن من عرف قيمة نفسه عرف أين ينزل بها، وخذ مثالاً على ذلك: تجد الإنسان إذا كان من أهل الثراء والمال، حينما يريد أن يسافر فيقول له موظف الخطوط: أين تريد أن نحجز لك؟ يقول: طبعاً أحجز درجة أولى، لأن الإنسان يعرف عن نفسه إنه إنسان في مرتبة عالية، رجل أعمال لا يليق به إلا درجة أولى، أو إنسان تسأله عن أمور دنياه وملابسه من أي ثياب تلبس؟ يقول: ثيابي من المحل الفلاني، المقص الذهبي، أو خياط الأمراء، لأنه يرى نفسه في الأعلى، فيما يتعلق بأمر عرض في الحياة وليس من أساسيات الحياة، سفر أو ثوب أو حذاء -أجلكم الله- أو غتره أو شيء من ذلك، لكن تعال لنفسك، السفر: درجة أولى، الغتره: شماغ ملكي، الثياب: دفة أصلي -هذه دعاية للدفة- وهلم جرا المهم يعني تجد الرجل يختار لنفسه منازل محددة في ملابسه وتنقلاته وسيارته، فأي المنزلتين تختار لنفسك؟ رياض الجنة، وحلق الذكر أم المجالس التي تحضرها الشياطين وتفتح لأصحابها صحائف السيئات، وتكتب الملائكة على أهلها الزلات والعبارات؟ {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] فعجباً للناس، وعجباً للإنسان كيف يختار لنفسه في أمور تنقله، وملابسه، وذهابه وإيابه، وطعامه، وأكله وشرابه يختار أرقى الأمور، لكن بالنسبة لنفسه ومنزلته في هذا الكون يختار أدنى الدرجات؟! سبحان الله، مجلس كهذا تغشاه الملائكة، تحفه الرحمة، تتنزل السكينة، يذكركم الله فيمن عنده، هل أحد يترك هذا المجلس لكي يجلس على رصيف ليلعب (بلوت) أو (يعمر شيشة) أهذا معقول؟ من الذي يقال له: أتريد الطيب أم النجاسة؟ يقول: لا، لا أريد طيباً أريد نجاسة، أتريد العزة أم الهوان؟ أريد الهوان، نقول: أتريد الكرامة أم الذلة؟ يقول: أتريد أن تكتب لك الحسنات أم تكتب عليك سيئات؟ يقول: نريد أن تكتب السيئات ولا تكتب الحسنات، أتريد أن تذكر في عداد الأبرار الأخيار الأطهار، أو في عداد سقط المتاع على الأقل؟ يقول: دعني مع سقط المتاع، أنا لا أقول كل من جلس على الرصيف من سقط المتاع، لكن أقول: ينبغي لمن جلس أن يعرف كما قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا يا رسول الله: ما لنا عنها بد، قال: فإن كنتم فاعلين لا محالة، فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقه؟ قال: رد السلام وغض البصر، وكف الأذى) نعم لا أحد يمنعك أنك تجلس إذا مشيت أنت ومجموعة من إخوانك لكن اجلس على مرضاة الله، اجلس على أمر ينفعك وإخوانك، يجلس عشرة من الشباب يقرءون في كتاب، يسمعون شريطاً، يشوون دجاجاً، يشوون حماماً كما يشاءون، لا أحد يمنعك؟ لا تقل: والله هؤلاء المطاوعة عقدونا حتى على الأرصفة لا يريدون أحداً يجلس، أين تريدوننا أن نذهب؟ لا، نقول: لا حرج أن تجلس لكن بالضوابط الشرعية، أعطوا الطريق حقه، ما حقه؟ كف الأذى ورد السلام وغض البصر، أما جلسة على الطريق أذكر ذات مرة كنا في جدة، فمررنا على طريق اسمه الكورنيش، فرأينا شاباً مع صديق له فاتحين (الكبوت) و (الشنطة) والزجاج، والأغاني تصدح، حتى كأن الحوت منزعج في الماء، من ارتفاع الصوت فقلت لأخي الذي كان معي: ما رأيك بأن نقف ونرى ماذا عند الشباب، ونزلنا: سلام عليكم، حيا الله الشباب، فأخرج السيجارة، تدخن يا شيخ، قلت له: شكراً جزاك الله خيراً، وجعلناه يعيد الدخان في مكانه، فقد كان لديه (باكتين) فوق بعض، وعنده الزمزمية ونحن جالسون، قلنا: يا أخي سمعنا هذا الصوت الذي هو يصدح يميناً ويساراً أو ينعق بالأحرى والله وينعب يميناً ويساراً، وأحببنا أن نسألك يا أخي الكريم، أسألك بالله هل أقصى حجر أو مدر يبلغه الصوت من الغناء تؤجر به يوم القيامة؟ الصوت الذي كلما بعد وسمع يكون لصاحبه أجر وقبول، هو صوت الحق داعي الفلاح، داعي الأذان، (إذا كنت في ماشيتك أو في غنمك فأذنت فارفع صوتك فإنه لا يبلغ مدى صوت المؤذن أو لا يبلغه حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة) يا أخي الكريم! كل من يصل له هذا الصوت يشهد عليك ولا يشهد لك يوم القيامة، يا أخي الحبيب! الله أكرمك، ليس لتجعل الدخان المضر يدخل في جوفك ويحتبس في رئتيك، يا أخي الحبيب! حياتك ثمينة، حياتك عظيمة، الله خلقك في أحسن تقويم، وأسجد الملائكة لأبيك، وجعل أحسن الخلق والإبداع والدقة والتكوين فيك {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} [فصلت:53] أعظم الآيات (ِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:53] ثم دخلنا في موضوع الوظيفة، وما الوظيفة؟ وهلم جرا، أخيراً الشاب أخذ الدخان وحطه، وأغلق سيجارته، وقصر أو أغلق الموسيقى الذي كانت معه، وكان معنا شريطان وأعطينا كل واحد منهما شريطاً، ودعونا لهم بالهداية والتوفيق وذهبنا وتركناهم. فيا أحبابنا! نحن لا نقول ذلك حتى لا يقولوا والله هؤلاء المطاوعة يحرمون الجلوس على الأرصفة، لا، من الذي قال: هذا حرام، لكن إذا جلست فأعط الطريق حقه، وإذا جلست أيضاً تذكر أن جلوسك من حياتك، أن تشذب وتقطع وتنشر في عمرك: والليل فاعلم والنهار كلاهما أرواحنا فيها تعد وتحسب الليل والنهار مطيتان تقربان إلى الأجل، فإذا مضت ليلة قرب موتك ليلة، وإذا مضى يوم دنا موتك يوماً، فأحبابنا نقول أيضاً: إن الوقت هو الحياة، وما دمت تعرف ذلك جيداً فاحرص أن تنتفع وليكن جلوسك مثلاً أنت وخمسة وستة من إخوانك على الرصيف، إذا رأيت شاباً منحرفاً تعال دعه يجلس معكم، ابتسموا معه تبادلوا المرح والمزاح في المباح، والكلام الطيب وتألفوا قلبه، أهدوه شريطا، أعطوه كتابا انصحوه، حينئذ يكون لكل واحد منا دور ونفع ويكون للحياة معنى في كل موقع، حتى ولو كانت حياة على الرصيف فلها معنى أيضاً. جزاكم الله خيراً وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

عوامل وحدة الأمة

عوامل وحدة الأمة إن مما يحقق ويعين على وحدة المسلمين أن يفقه كل مسلم أن الأخوة الإسلامية لا تحول دونها التضاريس الطبيعية، وأن يعلم أن إخوانه هم أطرافه وجوارحه، فمن سقي بسموم العصبية فليتقيأ هذا السم، وليشرب من نمير الأخوة عذباً، وعسل المحبة مصفى، وليدرك أنه إن قطع فيده، وإن بتر فرجله، وإن طعن ففؤاده، وإن أراق فدمه، وإن أزهق فنفسه، حينها يعلم معنى الأخوة.

بلاغ رسالة الله من رسله

بلاغ رسالة الله من رسله إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهو الواحد في ربوبيته، المالك المدبر المحيي المميت، الخافض الرافع، القابض الباسط، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، يعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. واحد في ألوهيته، فله التنزيه والتسبيح والتهليل والتكبير، والركوع والخضوع والسجود، والإنابة والتوكل والاستعانة والذبح، وكل صغير وكبير من العبادة فله وحده لا شريك له، ومن صرف من ذلك شيئاً فقد أشرك مع الله، واحد في أسمائه وصفاته، فله الأسماء الحسنى والصفات العلى، جل عن الند والشبيه، وعن المثيل والنظير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: إن حكمة الله في خلق عباده أن يعبد وحده لا شريك له، وهو القائل عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وما في هذا الكون من يستطيع الخروج عن أمر الله، وأنى له ذلك {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:83]. هذه الغاية الواحدة وهي عبادة الله وحده، هي مهمة ورسالة جميع الأنبياء والرسل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]. ولقد بلغ رسل الله رسالة ربهم، والغاية من خلقهم والخليقة معهم، بلغوا الرسالة إلى أقوامهم، فتفرق القوم بعد بلوغ الرسالة إلى فريقين: فريق على الهدى وفريق على الضلالة، بعد أن كانوا على الكفر فريقاً واحداً {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل:45] باتوا فريقين بعد أن كانوا على الكفر أمة واحدة، وعلى الشرك صفاً واحداً. ولقد بلغ رسل الله أتم البلاغ وأوضحه، فلم يبق حجة أو عذر لمعاند يكابر في الإذعان للحق والانقياد له، بل قامت الحجة وبانت المحجة: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:163 - 165]. ذلك لأن الوقوع في الباطل والمنكر وفوات الحق وعدم ظهوره، يعود إلى كتمان من المبلغ والداعي، أو إبهام وخفاء في البلاغ والخطاب، أو إعراض من المبلغ لهواً وكبراً، مع العلم واليقين بالحق: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:50] {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23]، فهذا المعرض ضال ليس عن جهل، ولا عن خفاء للحق، ولكنه الهوى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:14]. لقد تقرر في الشريعة بواضح الأدلة أن الرسالات ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم يموت ويحمل الدين من بعده أمته، ليستمر البلاغ والدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144].

فتن تفتك بوحدة الأمة

فتن تفتك بوحدة الأمة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم عاشت أمة الإسلام حقبة من الزمن في ظل وحدة تلم شتاتها، وتوحد صفها وكلمتها، وتحوط الأمور بعنايتها ورعايتها، وتحقيق ما يصلح شأنها، وما زال الحال بالمسلمين من نقص إلى مثله، ومن انحدار إلى أسفل منه، حتى انتهى الأمر اليوم إلى ما ترون وتسمعون، وقد مر بالمسلمين في فترات ماضية أنواع وألوان مما حل بهم اليوم، ولكن لا أظن منصفاً أو عاقلاً متأملاً بنظرة شاملة، يقول: إنه مر بالمسلمين فيما مضى مثلما حل بهم في هذا الزمان وهذا العصر وهذه الحقبة، ولستم بحاجة أن أفصل لكم ما نعنيه بما أصاب المسلمين، فترى كثيراً من المسلمين يجهلون الإسلام جهلاً مطبقاً، ولا يعرفون عن الإسلام إلا اسمه، والانحراف عن العقيدة السوية أمر منتشر عند كثير من المسلمين أيضاً، وفشو البدع، وغزو المسلمين في أخلاق شبابهم، وعفاف نسائهم، ناهيك عما حل بأعراضهم من استباحة، وما حل بأراضيهم من سلب، وما حل بأموالهم من نهب، وما حل بدمائهم من نزيف، وما حل بجراحهم من ثلم. ثم أصبح اجتماعهم فرقة، وبات حال الواحد منهم يرى أن الموت بات أمنية، والفراق للدنيا أجمل أغنية. كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وأن المنايا قد غدونا أمانيا أو كما قال بعضهم: ألا موت يباع فنشتريه وهذا العيش ما لا خير فيه ألا رحم المهيمن نفس حر تصدق بالوفاة على أخيه وهل يلام من قال اليوم: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم:23] وهو يرى تسلط أبناء القردة والخنازير، اليهود الحفنة القليلة، يرى تسلطهم على الأمة العظيمة، وهو يرى ويبصر حروباً وقودها جماجم المسلمين، وحصادها أعراضهم وأرواحهم. وهل يلام على ذلك وهو يرى الذين تدخلوا في شئون المسلمين باسم حقوق الإنسان، يراهم لا يعتبرون لمسلم قدراً، ولا يحسبون له حساباً، حتى ولو وطئت المنجزرات والدبابات أشلاؤه في الشيشان، أو سورته المدافع من حوله، وأظلته القاذفات السابحات من فوقه في البوسنة والهرسك، أو ظل في الجبال والأدغال يطالب بأدنى حقوقه، ويفنى ويضيع ويضل ويذهب كثير منهم {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم:98]. كل هذا فهل يلام من يرى ما حل بالمسلمين وهو عاجز، أن يتمنى أن لو كان مات قبل هذا، وكان نسياً منسياً، أما من يستطيع أن يفعل شيئاً ولو يسيراً، فالصبر والمصابرة والجلد والمجالدة أولى به، وهو المشروع في حقه، حتى لا نظن أنها دعوة إلى اليأس، أو حرب على التفاؤل، أو نداء إلى القنوط. إن ما مضى بمجموعة لا يساوي أشد طعنة طعن بها المسلمون، وهي ضرب المسلمين في وحدتهم، وتفجير العصبيات والقبليات في أوساطهم، وتشجيع التحزب على الضلالات والشعارات، حتى أصبح الحديث عن وحدة المسلمين عند القوميين جريمة، وعند العلمانيين خرافة، وعند المنهزمين أضغاث أحلام.

المخرج من الفتن إلى الوحدة

المخرج من الفتن إلى الوحدة أيها المسلمون: إن حاجة الأمة إلى الوحدة الصحيحة على العقيدة السوية والمنهج القويم في هذه الحقبة خاصة فوق كل حاجة، وإن ما أصاب المسلمين يوم أن أصابهم، حتى تحول حالهم إلى هذا اليوم، إلى ما نراه في هذا اليوم، ما ذاك إلا للأسباب أهمها بعدهم عن كتاب الله، وتشتت وحدتهم، وتفرق صفوفهم، وذهاب ريحهم، واختلاف كلمتهم، وصدق الله إذ يقول: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]. أما المخرج من هذا التيه، والخروج من هذا الضياع، فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن بيَّن ونبأ أن الأمة ستواجه فرقة واختلافاً، ثم بيَّن المخرج من ذلك، ففي الحديث عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً). وقد رأينا هذا الخلاف، وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم، ثم قال بأبي هو وأمي: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة) فبين صلى الله عليه وسلم أن الخلاف سيقع، وأن المخرج منه لزوم السنة. أيها المسلمون: المخرج في صراط الله المستقيم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153] وهذا الصراط نأوي فيه إلى ركن شديد يعصمنا بكل معنى العصمة، يعصمنا من الزلل والتفرق، نأوي فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله وإجماع المسلمين، وكل معصوم لا يزل ولا يضل من لزمه ولم يبرحه. فالقرآن محفوظ لم يفرط الله فيه عز وجل من شيء، والسنة مثل القرآن (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) وقد قيض الله للسنة رجالاً وضعوا لها علماً لم يوجد في الدنيا له مثيل، يميزون به الصحيح من غيره، وينفون به عن السنة انتحال المبطلين، والإجماع معصوم، إذ لا تجتمع الأمة قاطبة على ضلالة، وإن حمل الأمة، وسوق الأمة، ودعوة الأمة، وبث الوعي في نفوس أبنائها باليأس، ندعو الأمة إلى اليأس والقنوط، نحمل الأمة على اليأس وننادي إلى القنوط من كل حل أو مشروع أو نظام أو منهج لا يرتبط بالمنهج المعصوم، وهو الإسلام، أو لا ينبثق منه. إن هذا من المهمات التي يستطيعها كل واحد منكم، إن هذا من الأمور التي يستطيعها آحاد المسلمين، فضلاً عن النظم والمؤسسات، بمعنى أن يتقين عامة المسلمين، وأن يفقهوا معنى قول الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] إن حمل الأمة، ودعوة الأمة، ومناداة الأمة، وبث الوعي في نفوس أبنائها بأن كل عقدة أو مشكلة أو فتنة أو نازلة أو واقعة أو مصيبة لا ترد إلى كتاب الله وسنة نبيه؛ فإن ذلك يجعل الظلام دامساً، والمر علقماً، ولا يزيد الأمة إلا رهقاً، ولا يزيد الطين إلا بلة، ولا يزيد الأمور إلا تعقيداً، فما من مصيبة لا ترد إلى الله ورسوله، إلا وتتضاعف وتفرخ وتنتشر وتتنامى. ولا حل إلا بالعودة إلى كتاب الله وسنة نبيه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب يمتعكم متاعاً حسناً، ويزدكم قوة إلى قوتكم.

خطوات على طريق الوحدة

خطوات على طريق الوحدة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. إنه ما من مسلم إلا ويتغنى ويتمنى وينشد ويرمق ذلك اليوم الذي يرى فيه المسلمين أمة واحدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] وإن مما يعين على تحقيق هذه الوحدة، أن نعظم في النفوس شأن الانقياد والاستجابة لله ورسوله، وأن نعظم في النفوس محبة الخضوع والتسليم للدليل بلا نزاع أو جدال أو تسويف، فلا إيمان إلا بتسليم لله ورسوله {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]. أن نعظم في النفوس هذا الاستسلام والانقياد، وهذه الاستجابة: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285] أن نربي أبناءنا وبناتنا ومجتمعنا عبر كل وسيلة إعلامية وتعليمية وتربوية على الخضوع والاستجابة الفورية لأمر الله ورسوله. وإن مما يعين على تحقيق وحدة المسلمين: أن يعرف المسلمون من هم أعداؤهم، من هم الأعداء التاريخيون، ولو تلونت الوجوه، وتغيرت الأقنعة، أو تبدل السرج، وتغيرت المواقف. إذا عرفنا من هم أعداؤنا، نسينا خلافات جانبية أو جزئية فيما بيننا، لنقف وقفة واحدة، بغضبة وغيرة لله ورسوله في مواجهة عدو لم يألوا المسلمين خبالاً، ود عنتهم، يعض عليهم الأنامل من الغيظ، لا يفتأ يتربص بهم الدوائر، وإن تصب المسلمين حسنة تسؤهم، وإن تصب المسلمين سيئة يفرح بها. إن مما يحقق الوحدة الإسلامية: أن يفقه كل مسلم أن الأخوة بين المسلمين لا يحدها جبل أو بحر، أو سهل أو وعر أن يفقه كل مسلم أن إخوانه المسلمين هم أطرافه وجوارحه، فمن سقي بسموم العصبية عبر أي وسيلة من الوسائل، فليتقيأ ذلك السم، وليشرب نمير الأخوة عذباً، وعسل المحبة مصفى. أن نشعر أن إخوننا المسلمين هم أيدينا وجوارحنا وأطرافنا، فإذا ثارت نعرات القومية والعصبية والبغضاء والتناحر؛ أدركنا أننا إن نقطع فنقطع أيدينا، وإن نبتر فنبتر أرجلنا، وإن نطعن فنطعن أفئدتنا، وإن نرق نرق دماءنا، وإن نزهق نزهق أنفسنا، حينما يعظم في نفوسنا معنى الأخوة لكل المسلمين، بغض النظر من أي اتجاه هو. وحيثما ذكر اسم الله في وطن عددت أرجاؤه من لب أوطاني إن مما يعين على تحقيق الوحدة بيننا: ألا يؤخذ المسلمون بذنوب أنظمتهم؛ إذ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]. وإن مما يعين على تحقيق الوحدة: نشر الوعي بكتاب الله والحاجة إليه، ونشر القنوط واليأس بإفساد وخواء وإفلاس الأنظمة التي ما جرت على الأمم إلا فشلاً بعد فشل، وهزيمة بعد هزيمة، وسقوطاً بعد سقوط. إن مما يعين على تحقيق الوحدة: أن ندعو إلى هذا وأن ننشره عبر الأشرطة، والكتب، وعبر كل سبيل ووسيلة نافعة. اللهم اجمع شمل المسلمين على طاعتك، اللهم أصلح قلوبهم، وثبت أقدامهم، ووحد صفهم، وسدد رصاصهم، وأقم دولتهم. الله صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وصحبه وسلِّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

غلاء المهور

غلاء المهور إن غلاء المهور، وتكاليف الولائم لمن المشاكل والصعوبات التي يواجهها شبابنا في هذه الأيام، وإنها لشر مستطير ينذر بهلاك الأسر والمجتمعات، والسير بشباب الأمة إلى أحضان الفسق والرذيلة، والتدني في الأخلاق، والانسياق وراء الشهوات، ولقد حث المصطفى على تيسير المهور، وجعل فيه الخير والبركة، وتكفل الله بغنى من تزوج فقيراً، ولكن ترك ما هنا لك!!

آثار غلاء المهور على المجتمع

آثار غلاء المهور على المجتمع إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن اهتدى بهديه وسنته إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، التقوى سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، التقوى سبب الفوز في الدنيا والنجاة والفلاح في الآخرة. معاشر الأحباب! في هذه الأيام نشهد مناسبات تثلج الصدور، وتطمئن القلوب، ألا وهي إقبال كثير من الشباب وانتقالهم من حياة العزوبة والتأيم إلى حال الزوجية والسكن والاطمئنان. معاشر الأحباب! هذه ظاهرة يفرح بها كل مسلم، إذ إن الزواج لا شك إحصان لفروج الشباب، وغض لأبصارهم، ولكن ينبغي أن نذكر في المقابل شباباً يكتمون أناتهم وآهاتهم، ويحبسون غرائزهم رغبة في النكاح ولكن لا يجدون إليه سبيلاً، رغبة في الإحصان والعفاف، ولكن قلة ذات اليد، وظروف العيش بالنسبة لهم حال بينهم وبين ذلك، فهم على فئتين: فئة آثرت أن تصبر وتحتسب حتى ييسر الله لهم من همهم فرجاً ثم يتزوجوا بعد ذلك. والبعض الآخر لم يجدوا ولم يبالوا إلا أن يتوجهوا إلى بلاد الغرب ودول الإباحة؛ ليفرجوا عما يحبسونه من الغرائز في جوارحهم، ولا شك -أيها الأحباب- أننا وإن شهدنا هذه المناسبات الكثيرة في هذه الأيام إلا أننا نرى عوائق أخرى تحول بين الشباب وبين الزواج، وتجعلهم يبتعدون عن حياة السكن والاطمئنان، ألا وهي مشكلة غلاء المهور، تلك هي أكبر عامل يصد الكثير من الشباب عن الزواج، وتجعل المجتمع يميل ميلاً خطيراً عن جادة الصواب في الطريق الأمثل إلى تكوين الأسرة المسلمة، فإن غلاء المهور والمغالاة للصداق لهي المشكلة الثانية التي تأتي بعد سوء الاختيار أو الزواج من دول الخارج بلا مبالاة أو تقدير للعواقب والآثار، ومشكلة الغلاء بوجه عام نراها شبحاً مانعاً وإن قال البعض: إنها خفت شيئاً يسيراً، ولكنها والله ما زالت بحالها إلا في نوادر من بعض أهل البيوت الذين امتلأت قلوبهم مروءة وشهامة، وآثروا الكرامة والتقى لبناتهم ولمن يصاهرونهم على الرغم من تأخر البنات في كثير من المنازل بلا أزواج، وإلحاح البعض من البنات صراحة في طلب الزواج اعتباراً بسوء المصير الذي لحق من قبلهم، واعتبار البعض الآخر من الآباء والأولياء بعد أن رأوا الشقاء الذي جروه على بناتهم بسبب مغالاتهم لمهورهن، أو تأخير زواجهن لعل ذلك ابتغاء المزيد من الرواتب، والنفع المادي، وإن كان بعض أولئك يذكر نفسه بادعاء المحبة الخالصة لابنته، وعدم قدرة قلبه على فراقها، إلا أن الذي يجب أن يعرفه كل واحد منا أن تمام المحبة والمودة هي أن نسعى في زواج من هو تحت ولايتنا من بناتنا وأخواتنا، حتى ولو لم يأتِ خاطب يخطبها منا، فلنبحث نحن عن أزواج أكفاء، ولقد جاءت الآيات والأحاديث مبنية ومبينة وجوب أداء المهر والصداق وعدم المغالاة فيه، ومن ذلك قوله جل وعلا: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4] فالصداق إذاً هو للمرأة؛ هو لابنتك أو لأختك، هو للمرأة التي يراد لها أن تتزوج، أو يطلب الزواج منها، وليس المهر للأب والأم، أو للخال والخالة والعم والأقارب، وما يفعله الكثير من الناس هذا اليوم يقول: أريد مبلغاً وقدره كذا لأمها، وحاجة وقدرها كذا لأبيها، ومبلغاً آخر لخالها، هذه جريمة اجتماعية، والذين يقعون فيها يجدون غبها ولو بعد حين. وقف بي شاب ذات يوم بعد صلاة الجمعة في هذا المسجد وسألني قائلاً: إنني أريد أن أقترض مبلغاً فلم أجد إلا رجلاً يداينني مداينة،، فقلت: ما الذي يحدوك إلى ذلك؟ قال: الزواج، قلت: وهل تزوجت؟ قال: لقد خطبت ابنة قريب لي قد فرض علي من المهر مبلغاً وقدره (120000) ألف ريال فمن أين لي بهذا؟ قلت له: وماذا فعلت؟ قال: بدأت أقترض من فلان وعلان، أدفع راتباً إلى آخر، وأحرم نفسي ما أشتهيه حتى جمعت قرابة ثمانين ألفاً، وتدينت سيارة بأضعاف قيمتها، والآن بقي علي عشرين ألف ريال، ولقد أخبرني والدها إن لم آت وأكمل المهر فإنه سيزوجها برجل آخر، فكان لا بد من ذلك المسكين أن يذهب إلى والدها وأن يسلم له ما جمع بيده، فقال: زوجنيها، فعقد له عليها، فدخل بها، ولكن الأب أمسك البنت رهينة عنده حتى يؤدي باقي المهر والصداق، وقدره عشرون ألف ريال، قلت له: أليست زوجتك؟ قال: نعم؛ قلت: أوليست تحبك؟ قال: نعم، قلت: وما الذي يمنعك أن تأتي بها إلى مقر عملك هنا؟ قال: ولكن والدها يرفض حتى أكمل هذا المبلغ، ولم أجد إلا من يداينني عشرين ألفاً بستة وثلاثين ألف ريال. فهل هذا يجوز؟ فوالله ما أجد من نفسي دهشة أو تأسياً أو حزناً لشاب يريد إعفاف نفسه، وغض بصره، وإحصان فرجه، وبعد ذلك يقع في صهر كهذا، فبئست هذه المصاهرة، فلم أجد بداً من أن أوجهه ما أستطيع، ولعل ذلك قد يجديه أو لا يجديه شيئاً ولكن المشكلة هي مشكلة ذلك الأب الذي جعل المرأة والبنت رهناً حتى يقدم ما بقي من الصداق. هذه صورة من الصور الاجتماعية الموجودة عندنا. وإن البعض ليقدم مهراً ثلاثين ألفاً أو أربعين ألفاً، وبعد ذلك يرد عليه مهره؛ لأن هذا المهر لا يكفي للذهب، ولغرفة النوم، وللعطورات، وللملابس ولغير ذلك، فهل الزواج إلا رحمة وسكن أو مصيبة وشقاء، وهل المهر إلا لهذه البنت وحدها تشتري به ما تشاء وتقتصر على ما تشاء، وليس لأبٍ أن يرد زوجاً لقلة مهره.

الحث على تيسير المهور في الكتاب والسنة

الحث على تيسير المهور في الكتاب والسنة يقول الله جل وعلا: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4] والصداق إن كان باهضاً مرهقاً فإنه عند ذلك لا يكون نحلة عن طيب نفس، وإنما يضطر إليه راغب النكاح ليسد حاجته ولينال مقصده، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (خير النكاح أيسره) رواه أبو داود عن عقبة بن عامر بسند حسن. يقول صلى الله عليه وسلم: (خير النكاح أقله كلفة) ويقول عمر بن الخطاب: [لا تغالوا في صدقات النساء؛ فإنها لو كانت مرغوبة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسولكم صلى الله عليه وسلم؛ فإنه ما أصدق أحداً من نسائه ولا أصدقت واحدة من بناته أكثر من خمسمائة درهم] أي: ما يعادل مائة ريال تقريباً، والفضلاء الكرماء من الرجال لا يؤثر قلة الصداق في نفوسهم شيئاً، وإنما جل مقصدهم أن يتصل خاطبهم بابنتهم في حالة تنبعث من المودة والمحبة، ألا وإن اعتذار بعض الأولياء في تزويج البنات من قلة الصداق جريمة من أعظم الجرائم التي يرتكبها ذلك الأب، ولو أدرك قليلاً مما في قلب ابنته لوجد أنها تريد الزواج ولو على أدنى اليسير من لقمة العيش، ونحن في خطر ومصيبة حينما يقدم الكفء خاطباً فيرد لقلة ماله أو لقلة صداقه الذي قدم وما شابه ذلك؛ لأن الولي إذا وقف أمام الكفء في طريقه إلى الزواج من ابنته؛ فإنه بهذا يغلق طريق السعادة على ابنته لا قدر الله ذلك إن بقيت بلا زوج، أو تزوجها سفيه لا يبالي بالمرأة على أي ذنب سقطت تحت خشونته وعبثه. ولقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (من آتاكم ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم) رواه الترمذي. وليعلم أولئك الذين يردون الخطاب الأكفاء عن بناتهم لقلة المال أنهم حرموا أنفسهم وبناتهم خيراً كثيراً، ولو تمسكوا بأمر المال والمتاع من باب قوله جل وعلا: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32] والأيامى: جمع أيم وهو الذي لا زوج له من بنت أو ولد: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32] لوجدوا أن الغنى أسرع ما يكون لمبتغي النكاح قاصداً لذلك الستر والعفاف والذرية الصالحة، ما رأيكم برجل أقسم الله على نفسه أن يعينه أترونه يحتاج إلى الناس وقد أعانه الله، أترونه يفتقر إلى العباد وقد أغناه رب العباد: (ثلاثة حق على الله عونهم: -ذكر منهم- الناكح يريد العفاف). فاتقوا الله يا معاشر الأولياء ولا تردوهم من أجل مال.

آثار ومصائب المغالاة في المهور

آثار ومصائب المغالاة في المهور أيها الأحباب! إن المغالاة في المهور تجر مصائب كثيرة: أولها: الإسراف في وليمة النكاح التي تمد لها فرش الموائد مزينة بألوان الأطعمة ولذيذ أصنافها، ولا يؤكل منها إلا القليل، وبعدها أترضى أن توزع على المستحقين والفقراء؟ لا والله، بل تقذف في الفضلات، حيث ترمى بين أنقاض التراب بعيداً في البرية، والآلاف من غيرهم يجوعون ولا يجدون ما يأكلون، وإن جاء بعد ذلك من يأكل منها بعد انصراف الضيوف عن الموائد فلن يأكل إلا أقل القليل، والباقي مصيره ما تعرفونه وتشاهدونه في كثير من الملاهي والحفلات، وإن زواجاً أوله وبدايته إسراف وتبذير في نعمة الله، واحتقار لقدرها في كتابه؛ لحقيق أن يعاقب بالفشل والفرقة في وقت قريب. وإذا تأملتم -أيها الأحباب- في واقع الزواجات المتواضعة، ذات الصداق المتواضع الذي لا كلفة فيه ولا مشقة، ترونها تسير براحة وعدم إسراف وتبذير، وتذكروا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن عوف: (أولم ولو بشاة) معنى ذلك: دليل على بركة الاقتصاد في هذا النكاح، وسبيل إلى التوفيق والمودة بين الزوجين فيه، ولكن الأدهى والأمر أن يأتي عائل مستكبر لا يملك شيئاً من المال إلا يسيراً، وقد تدين ذلك المال من أهل المداينات، ثم يخطب امرأة ويطلب منه من المال الشيء الكثير، ومن ثم يوافق على المهر؛ فيأخذ المهر على ما فوقه من الشروط والتكاليف، ويتم الزواج على ما يتم عليه في لحظة إسراف في الوليمة؛ فإذا انتهت أيام الولائم والأفراح وضع ذلك الزوج يده على خده، وثنى رأسه بين ركبتيه يتفكر في هم الديون العظيمة التي لحقته، فتنقلب حياته نكداً وشقاء عليه وعلى زوجته المسكينة الضعيفة، وإن من كرم الشمائل وتمام العقل أن ينظر الولي للمتقدم إلى ابنته؛ فإن قدَّم مهراً كثيراً رد عليه ما زاد عن المئونة المتواضعة والكافية لحاجة ابنته، لكي يكسب بذلك أجراً عظيماً من الله، ويكون أدعى للقرب منه، لما عرف من تواضعه وزهده، أما ما شاع بين الناس أن فلاناً أخذ على ابنته من المهر كذا، فليعلم أن الذي يرغب في مصاهرته بعد ذلك ويريد الزواج من بقية بناته أنه لا بد أن يقدم مهراً كالمهر الذي قدمه غيره أو ينافسه، وإلا فلا يقبل، وبها تبقى بناته واحدة بعد الأخرى في البيت لا نصيب لها بسبب ما جره صداق الزوج الأول، وقبول الولي لذلك الصداق دون مراعاة ودراسة لحال ذلك الذي قدمه. نسأل الله جل وعلا أن يستر على بناتنا، اللهم لا تفضح لنا ستراً، ولا تكشف لنا عورة، واستر على بناتنا واجعلهن في كنفك وسترك وعافيتك من أيدينا أمانة إلى أزواجهم سعداء شرفاء، إلى قبورهم شهداء سعداء. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

آثار حرمان المرأة من الزواج

آثار حرمان المرأة من الزواج الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، كل ذلك تعظيماً لشانه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذ في النار. معاشر الأحباب! إن مشكلة الغلاء هذه لمصيبة على الشباب والشابات، لمصيبة على الأولاد والبنات، ولا ندرك أثرها إلا يوم أن ينبت أول الشيب في رأس البنت، وبعد ذلك يندم ندماً عظيماً أن لو كان زوجها لذلك الفقير الذي لم يلبث سنوات قليلة إلا ورءاه قد أغناه الله من واسع فضله، لستم الذين ترزقون، الله وحده هو الذي يرزق: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود:6] إذاً فلا نجعل فقر ذلك الفاضل أو قلة حاله سبباً لرده، أو قلة مهره سبباً لبعدنا عنه. اعلموا يا معاشر الأحباب! أن ذلك قد يكون جريمة ينعكس على بناتنا ولا حول ولا قوة إلا بالله! سمعت مراراً أن رجلاً كان يرد عن ابنة له، فإذا تقدم الخاطب قال: هذا ليس من طبقتنا، وهذه عبارة كثيراً ما يرددها بعض الناس، هذا ليس عنده من المال ما يكفي لسعادة ابنتنا، يتردد الخطاب عليها واحداً تلو الآخر حتى جاوزت الثلاثين من عمرها، فلما اقتربت من الخامسة والثلاثين أينعت، وبعد أن أينعت ذبلت شهوتها وانكسر ذلك الشباب المتألق فيها، فاتجهت إلى الذبول رويداً رويداً، وأصابها مرض من الأمراض فاتجهت على هاوية الموت رويداً رويداً، طرحها ذلك المرض على الفراش أياماً وليالي وشهوراً، وانتهى بها ذلك المرض حول الأربعين إلى أن جاءتها سكرات الموت، وقبل ذلك وقف أبوها يبكي ولا ينفع البكاء حين ذلك، يعتذر لابنته ويشعر بجريمته يوم أن أوشكت هذه البنت أن تنتقل إلى الدار الآخرة، وقد حرمها نعمة الزواج، يسألها أن تحلله وأن تبيحه، فقالت: لا حلك الله ولا أباحك، وتشهدت وأسلمت روحها إلى بارئها، أترون ذلك الأب يعيش سعيداً إذا تذكر هذا المشهد، أو تذكَّر ذلك الموقف، وهو يرد عن هذه البنت المسكينة طمعاً في رواتبها؛ ويتعلل بأن من تقدم إليها ليس من طبقته أو ليس من أهل المال والثراء، هذه مصيبة ينبغي أن ننتبه إليها. ثم اعلموا يا معاشر المؤمنين! أن عشرين ألف ريال أو خمسة عشر ألف ريال لشابٍ يسكن مع أهله لكافية في زواجه، هل من شرط الزواج أن ينام على غرفة نوم؟ لا والله، أي فراش على الأرض يكفي ذلك. هل من شرط الزواج أن يقدم ملابساً بعشرة آلاف؟ لا والله، يكفي ما ستر العورة وما جمل الإنسان، وإن القليل القليل من ذلك المهر ليكفي. هل من شرط الزواج أن يقدم وليمة تكلف عشرة آلاف ريال؟ لا والله، إذاً نحن الذين نعظم مشكلة الزواج، وإلا يوم أن نجد شاباً مستقيماً يعيش في كنف الله في بيت والده أو في سكن من السكن المهيأ له، أو نستطيع أن نساعده نحن في ذلك، فلنزوجه، وينبغي أن نفاتح البنت عندنا: يا بنية! جاءك فلان بن فلان معه كذا من قليل المال والله يرزقه، والله يتولاه والله يرحمه ويرحمك معه، ولعل ذلك سبب السعادة بينك وبينه إن قبلت هذا الزوج ورضيت به في حياة تبدأ على أساس من القناعة والاقتصاد، وإن الكثير من البنات ليقبلن ويرضين ولكن الآباء والأمهات هم الذين يرفضون ويمتنعون، وبعد ذلك يتندمون إذا تعدت البنت ثلاثين أو أربعين سنة ولم تجد زوجاً، ومن ذا الذي يتقدم لبنت الثلاثين أو الأربعين والبيوت ملأى من البنات في سن المراهقة؟ من ذا الذي يتزوج هذه؟! من ذا الذي يتزوج هذه ولو زوجة ثانية ومجتمعنا يرى أن الزواج من زوجة ثانية أمر غير مرغوب فيه؟! أسال الله تعالى أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، وأن يبطل كيد الزنادقة والملحدين الذين أدخلوا علينا التقاليد والعادات التي يريدون بها لشبابنا تغيراً ويريدون لبناتنا فتنة، ويريدون لمجتمعنا تفككاً. اللهم من أراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بشبابنا انحلالاً، وأراد بنسائنا تبرج وسفور اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء، وأرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف. اللهم استر على ولاة أمورنا وانصرهم بالإسلام وانصر الإسلام بهم، اللهم أصلح بطانتهم، اللهم اجمع شملهم، ولا تفرح عليهم عدواً ولا تشمت بهم حاسداً. اللهم اجعل لنا من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة. اللهم زوج شباب المسلمين، اللهم بارك لهم في أزواجهم، اللهم استر على نساء المسلمين، ووفق شباب المسلمين، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لنا ولموتانا الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك. اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

فضل الاستسقاء

فضل الاستسقاء إن العبد مهما حاول أن ينسب الفضل إلى نفسه إلا أن هناك شاهد عيان من الواقع الشرعي والعقلي على أن الله عز وجل له الفضل الأكبر في كل شيء، وإن من أعظم النعم على عباده أن جعلهم يلجئون إليه في كل نائبة ونازلة، ومن هذه النوازل جفاف المياه وقلة الأمطار، فشرع في هذا صلاة الاستسقاء؛ ليتضرع العباد إلى ربهم ويلجئون إليه، ويعترفون بنعمه سبحانه عليهم.

تعريف بنعمة الله على عباده

تعريف بنعمة الله على عباده إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وأطعمنا، وكفانا، وسقانا، وآوانا، ومن كل ما سألناه أعطانا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا لله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم ولسائر الأمم قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ويقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] ويقول سبحانه أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين! تقرر أن يُقام في يوم الإثنين القادم صلاة الاستسقاء، وهي مشروعة، يندب الإمامُ الناسَ لها إذا تأخر نزول الغيث، أو احتبس القطر، فالحمد لله على ما شرع؛ ولكن -أيها الأحبة في الله- إن الذي نلاحظه ونشهده أن كثيراً من المسلمين -هداهم الله- لا يلتفتون إلى إقامة هذه الشعيرة، ويتهاونون بها، ويتخلفون عنها، فما السبب يا تُرى؟! قد يظن البعض أن المياه موجودة في منازلهم في علوها وسفلها، والماء متيسر على كل حالة، فلا يشعر بمزيد حاجة إلى نزول القطر من السماء، ويرى البعض أن البحار بأمواجها متلاطمة بالمياه، وأن محطات التحلية منتشرة في كل مكان -ولله الحمد والمنة- والماء يصل عبر هذه المحطات إلى المنازل نعم، هذه نعمة سخرها الله لنا، ونشكر القائمين عليها؛ ولكن هل يعني ذلك أن ننشغل أو نلتفت عن صلاة الاستسقاء، ولا نشهدها؟! لماذا إذا اجتمعنا لصلاة الاستسقاء لا نرى إلا صفين أو ثلاثة؟! هل استغنى البعض عن رحمة ربهم؟! أهم في غنىً عن فضل خالقهم، لا والله، نسأله أن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك. إن أولئك الذين يظنون أن المياه متوفرة في كل لحظة ومن ثم لا يشعرون بمسيس الحاجة إلى الغيث من السماء، قد يجهلون قول الله جل وعلا: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:30]. والله لو غارت المياه لعجزت قوى الجن والإنس، قوى البشرية بآلاتها ومخترعاتها ومحطاتها، أن تجذب ولو قطرة واحدة من باطن الأرض؛ لأن الله جل وعلا هو الذي خلق هذا الماء، وهو الذي أنزله، وهو القادر على أن يجعله جماداً لا يخرج عبر هذه الأنابيب، وهو القادر على أن يجعله صلباً لا يسيل فيها، وهو القادر على أن يحبسه عن العباد؛ ليعرفوا مدى ضعفهم، وليدركوا حقيقة ذلهم وفقرهم إلى خالقهم: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً} [الفرقان:50]. أيكفرون بنعمة الله؟! أيجحدون فضل الله؟! أهم في غنىً عن هذا الغيث الذي ينزله الله سبحانه وتعالى؟! {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:68 - 70]. من الذي يخلق هذا السحاب، ويجعله متراكماً؟! من الذي يأمر هذا السحاب أن يمطر ماءاً عذباً زُلالاً؟! أليس الذي أمَر ذلك بقادر على أن يجعل هذا العذب الزلال أجاجاً، فلا تستمرئه النفوس، ولا تسيغه الحلوق ولا تقبله؟! أليس الذي أودعه في باطن الأرض قادر على أن يمنعه من الخروج مهما أراد العباد ذلك؟! أليس الذي خلق هذه البحار، وهذه الأنهار، وهذه المحيطات بقادر على أن يمنعها أن تنفذ عبر هذه الآلات والمخترعات إلى أيدي الناس؟! أليس الذي جعل هذه المخترعات قابلة لجذب المياه، وقابلة لتحليتها، أليس قادراً على أن يُبطل مفعولها بكلمة (كُنْ)؟! {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40]. فالله سبحانه وتعالى بكلمة (كُنْ) قادر على أن يجعل هذه المحيطات جماداً صلباً لا يتحرك. والله جل وعلا قادر على أن يجعل هذه البحار نيراناً تتأجج، وسيرى الناسُ هذه العلامة يوم القيامة: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار:3] {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] فيرون الماء ينقلب ناراً وله لهب عظيم، أليس ذلك بقادر على أن يمنعه أن ينفذ إلى العباد؟! إذاً: فيا عباد الله! لا غنى لكم عن فضل خالقكم، ولا استغناء عن رحمة ربكم، فإنكم فقراء إلا بغناه، مساكين إلا برحمته، أذلاء إلا بعزته. فاسألوا الله جل وعلا الغيث، وتوبوا إليه قبل ذلك، وتوبوا إلى خالقكم قبل ذلك، وقدموا أعمالاً، وتصدقوا، وصوموا، وصلوا، وقوموا. اسألوا الله جل وعلا أن يتوب عليكم توبة صادقة نصوحاً: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} [الإسراء:8]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

الاستعداد لصلاة الاستسقاء بطاعة الله

الاستعداد لصلاة الاستسقاء بطاعة الله الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل، وعن الضد وعن النظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شي قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين. عباد الله، اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. اعلموا أن خيرَ الكلام كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة في الدين بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. معاشر المؤمنين! التفتوا وتنبهوا، واستعدوا لصلاة الاستسقاء بعد بزوغ الشمس، من يوم الإثنين: [8/ 5] لهذا العام. وقدموا قبل ذاك توبة صادقة، وأعمالاً صالحة. كان طارق بن زياد متجهاً إلى الأندلس، وشكا الناسُ حاجة وجدباً وقحطاً، فقالوا: لو استسقيت أيها القائد؟ قال: نعم. فأمهلهم ثلاثة أيام، وأمرهم بالصيام والقيام والتضرع إلى الله. فلما حان يوم خروجهم، قال: اخرجوا بالبهائم، فخرجوا بها، قال: افصلوا بينها وبين أبنائها، فارتفعت أصواتها ولها حنين إلى السماء، ثم اجتمع الناس وقام فيهم مصلياً، ثم قام فيهم خطيباً بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيه، وخطب خطبة عظيمة، وقالوا له: هلا ذكرت أمير المؤمنين في خطبتك؟ فقال: هذا مقام لا يُذكر فيه إلا الله. فما انتهى من كلمته هذه حتى تشققت السماء بمطر كأفواه القِرب، وأغاثهم الله سبحانه وتعالى بعد قيام وصيام وتوبة وإنابة وإقلاع عن كل ذنب يبغضه الله سبحانه وتعالى. فأخبروني -يا عباد الله- يوم الإثنين بأي شيء نستسقي؟! بأي شيء نستسقي؟! بمحلات الفيديو التي توجد في كل مكان وشارع؟! ببنوك الربا التي هي لعنة على من أكلها، وكتبها، وشهد فيها؟! (لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278 - 279]. بأي شيء نستسقي يا عباد الله؟! نستسقي بلهو الكثير منا، وهو يصبح ويُمسي لا يذكر الله إلا قليلاً؟! صوت الغناء والشيطان في بيته، لا يُسمع القرآن في بيته إلا قليلاً، ولا يُتلى كتابُ الله في بيته إلا نادراً. بأي شيء نستسقي يا عباد الله؟! أنستسقي بأولئك الذين يتخلفون عن صلاة الفجر، ولا يشهدونها؟! بأولئك الذين لا يرون من صلاة الجماعة شيئاً؟! بأي شيء نستسقي يا عباد الله؟! لقد طفحت المكاييل بذنوبنا، ولقد جاوزنا الحد، وما يمنع العذاب عنا إلا الله سبحانه وتعالى، نستسقي برحمته سبحانه، برحمته التي سبقت غضبه، بفضله الذي سبق عقوبته، نستسقي برحمته وحده لا شريك له، وإلا فأعمالنا يا عباد الله شاهدة على أولئك الذين يُمْطَرون بالعذاب من السماء. اللهم إنا نتوب إليك فتب علينا. اللهم إنا نئوب إليك فتب علينا. اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت، نبوء لك بذنوبنا، ونبوء لك بنعمتك علينا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك. اللهم لا إله إلا أنت الحليم العظيم، رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم. اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا. اللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا. اللهم اغفر لنا. اللهم تجاوز عنا. اللهم ارحم شيوخاً وعجائز رُكَّع، وأطفالاً رُضَّع، وبهائم تَرْتَع. اللهم ارحمنا برحمتك. اللهم لا تعاجلنا بعقوبتك. اللهم إنا نتوب إليك فتب علينا. اللهم إنا نتوب إليك ونستغفرك، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. عباد الله! هل نتوب إلى الله؟! هل نخرج يوم الإثنين مستغفرين تائبين؟! هل نقلع من هذه اللحظة عن الذنوب؟! الذين لا يشهدون الصلاة مع الجماعة، الذين لا يعرفون الفجر مع الجماعة، أفلا يتوبون إلى الله ويتدبرون أمره؟! هل يعودون إلى المساجد؟! هل يعمرون بيوت الله من جديد؟! الذين يتساهلون بالأموال وأكلها بالباطل أو بالشبهة، ألا يخشون الله ويتوبون إلى الله؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:29 - 30]. عباد الله! توبوا إلى الله واستغفروه، حاسبوا أنفسكم، ماذا تفعلون في بيوتكم؟! بأي شيء تخلون به؟! بأي شيء تتعاملون؟! بأي أمر تخرجون؟! وبأي أمر تعودون؟! اتقوا الله وردوا المظالم إلى أصحابِها، وتوبوا إلى الله ودعوا الغيبة والنميمة في المجالس، توبوا إلى الله وأقلعوا عن كل ذنب صغير وكبير؛ فإن الله جل وعلا يقبل توبة التائبين، حتى ولو كانوا من الذين قتلوا، أو زنوا، أو سرقوا: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [مريم:68 - 69] {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} [مريم:60] فأولئك يتوب الله عليهم. فتوبوا إلى الله يا عباد الله، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم افتح لنا أبواب القبول، اللهم افتح لنا أبواب التوبة. اللهم ارزقنا الاستعداد قبل الممات، والاستدراك قبل الفوات، اللهم إنا نسألك توبة قبل الموت، وراحة عند الموت، ولذة ونعيماً بعد الموت، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء. اللهم اختم بالسعادة والشهادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، ولا تجعل اللهم إلى النيران منقلبنا ومثوانا. {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] ربنا أنت أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا، اللهم لا تعذبنا بما فعلنا، ولا تؤاخذنا بما اجترح السفهاء منا، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمِّر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والمجرمين، اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم انصر إمام المسلمين، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأراضين بقدرتك. اللهم اجمع لنا ما تفرق. اللهم اجمع لنا ما تشتت فيما يرضيك وينفعنا في الدنيا، ويقربنا إليك في الآخرة، يا رب العالمين! اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. اللهم اجعلنا على حوض نبينا من الواردين، ولكأسه من الشاربين, وعلى الصراط من العابرين. اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه الفجرة والمجرمين، اللهم أدخلنا الجنة بسلام آمنين، اللهم اجعلنا على الصراط يوم تزل الأقدام من العابرين، ولا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم، اللهم لا تحرمنا النظر إلى وجهك الكريم. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مُبتلىً إلا عافيته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا أيِّماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، برحمتك يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر. وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا؛ اللهم اغفر لوالدِينا ووالدِي والدِينا. اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان ميتاً اللهم نوِّر ضريحه، وافتح له باباً إلى الجنة، وآنسه برحمتك يا رب العالمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ لعظكم لعلكم تذكرون. فاذكروا الله العلي العظم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

فضل العلم وخطورة الأمية

فضل العلم وخطورة الأمية رفع الله شأن العلم والعلماء في كتابه، وإن كنا نعاني اليوم من أمية عامة، فإننا نعاني أشد المعاناة من حملة الشهادات، فهم أجهل وأشد أمية في دينهم وعلمهم بالله تبارك وتعالى من العوام، وهنا يبين الشيخ فضل العلم المعرِّف بالله وخطر الجهل.

فضل العلم والعلماء

فضل العلم والعلماء إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: إن من السمات الحضارية المميزة لعصرنا هذا سمة العلم وانتشار مراكز التعليم، على اختلاف وتنوع درجات المؤسسات التي تباشره وتعنى به، ولا غرابة في هذا -يا عباد الله- فما بليت أمة من الأمم، وما رمي مجتمع من المجتمعات بمثل الجهل وعدم المعرفة، وما شرفت أمة من الأمم، وما سعدت المجتمعات إلا بالعلم والمعرفة المنبثقة عن العلم بوحدانية الله وحده وبهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وحسبكم أن علامة إرادة الله لعبده الخير الفقه في الدين (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) يقوله النبي صلى الله عليه وسلم. ومن سمو درجات العلم وشرف المنتسبين إليه، والساعين في تحصيله، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن: (أن من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وأن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) فهل بعد هذه الفضائل يستوي العلماء والجهال؟ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] حاشا وكلا. بل رفع الله منازل أهل العلم وأكرمهم بقوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. أيها الإخوة في الله: الآيات والأحاديث في فضل العلم وطلبه وكرامة أهله المعلمين والمتعلمين الساعين في تحصيله كثيرة وكثيرة جداً، نكتفي بما ذكرناه حثاً وتشويقاً وترغيباً، حثاً لأنفسنا لنستفيد من العلم والمعرفة والاطلاع، وتشويقاً وترغيباً لبعض إخواننا الذين فاتهم التعليم في شبابهم، فرضوا أن يشبوا ويشيبوا غير مكترثين بما فاتهم من الكنوز العظيمة والخيرات العميمة بالتعليم، وقد يكون لبعضهم عذر في ذلك لانشغال الكثير منهم بلقمة العيش في زمن كان تحصيل لقمة العيش فيه أمراً عسيراً. أيها الإخوة في الله: لسنا بهذا نقول: إن من لم يقرأ ولم يكتب فلا وزن له ولا قيمة كلا. فرب أمي لا يقرأ ولا يكتب خير عند الله من مائة متعلم، وما يفيد العلم إذا انقلب حجة على صاحبه، لكن الذي نقول: العلم كرامة، العلم رفعة تزيد من وزن الإنسان ومن رفعته واحترام رأيه واحترم قوله في بيته ومجتمعه وبلاده، فلماذا يبقى بعض إخواننا راضين بما هم عليه حال يستطيعون معها من القراءة والكتابة خاصة وأن البعض منهم دون الأربعين أو حول الخمسين أو فوقها تقريباً؟ وهي سن لا يزال الإنسان فيها قادراً على الاكتساب والتحصيل العلمي إن حصلت له همة وعزيمة. أيها الإخوة: كلنا يعلم الكثير من الآيات والأحاديث التي فضلت العلم والعلماء، فتصوروا كم يفوت المعرضين عن التعليم وعن القراءة والكتابة من الخيرات والدرجات. ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام لا شك -أيها الإخوة- أن القراءة والكتابة المعتمدة على نعمة البصر بالعينين ليست وحدها هي سبيل تحصيل العلم، بل إن السمع بالأذنين -أيضاً- من أعظم وسائل تحصيل العلم، ولذلك قدم الله السمع في آيات كثيرة من كتابه، وهذا شيء محسوس معلوم؛ لأننا نرى كثيراً من الذين فقدوا البصر، ومع ذلك تراه حافظاً، ذكياً، ألمعياً، لا ينقص بعلمه وفكره وسديد رأيه عن غيره من المبصرين الذين يقرءون ويكتبون، بل وقد يفوق الكثير منهم. وعلى أية حال فالواجب على كل واحد منا أن يدفع عن نفسه سمة الجهل والانتساب إلى الجاهلين؛ وذلك بالعلم وتحصيله عبر أي وسيلة تيسرت له بما أنعم الله عليه من السمع والبصر والفؤاد. معاشر المؤمنين: إن بعض الذين يرغبون في العلم وهم كبار في السن يترددون في تحقيق رغبتهم، مع تيسر الوسائل والمدارس لقولهم: إن الحياء يمنعهم وهم بهذا السن أن يتعلموا مبادئ وحروفاً قد حفظها أطفالهم وصغارهم، والله إنها حجة يلقنها الشيطان ويسوقها على المسلم ليرده عن العلم، وليستريح من عناء مجاهدته عن صراط الله المستقيم، إذ الواجب ألا يتردد المسلم -إذا كان من الذين لا يحسنون القراءة والكتابة- في الإقبال على التعليم والتعلم، والواجب ألا يتردد في الانخراط في سلك التعليم، ومحو الأمية ونبذ الجهل، والإصرار والتصميم على العلم. والعلم -يا عباد الله- موهبة ربانية يكرم الله بها عبده ولو بعد بلوغه من العمر شيئاً كثيراً، فكم سمعنا عن بعض العلماء الذين طلبوا العلم وهم كبار في السن فما هي إلا سنوات معدودة ثم أصبحوا من كبار العلماء الذين يأخذ عنهم ويتزاحم الناس في حلقات دروسهم. وأخيراً: اسمعوا قول الإمام الشافعي رحمه الله: ومن فاته التعليم وقت شبابه فكبر عليه أربعاً لوفاته ومن لم يذق ذل التعلم ساعة تجرع ذل الجهل طول حياته بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

أثر الجهل على المجتمع

أثر الجهل على المجتمع الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل، وعن الند والنظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، كل ذلك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ شد في النار. عباد الله: إن بعض المسلمين من الذين لا يقرءون ولا يكتبون لا يأبهون ولا يبالون بما يدعون إليه من الانضمام إلى حلقات العلم، أو مدارس محو الأمية ومتابعة التعليم بحجة أنهم في شغل شاغل عن هذا، وهذا أمر في غاية الخطأ والبعد عن الصواب، ولن يدركوا خطورة هذا إلا بعد سنين طويلة حيث يضطر الواحد منهم طائعاً أو مختاراً إلى ترك المشاغل إما لكبر سنه أو لسبب غير ذلك، وبعد ذلك سيصبح قلقاً من طول الأوقات ومرور الساعات، وسيشعر بالفراغ القاتل فعلاً وهو يرى كبر سنه وانشغال من حوله بأعمالهم، ولا شك أن مآلهم إلى ما آل إليه. لكن -يا عباد الله- لو أن ذلك الرجل الكبير قَبِل النصيحة يوم أن سمعها، وبادر بالالتحاق إلى مراكز محو الأمية ومتابعة التعليم للكبار لاستفاد من ذلك أعظم فائدة وأربح تجارة، أتدرون ما هي؟ إنها القدرة والاستطاعة على تلاوة كتاب الله جل وعلا، وهذا أمر ملحوظ مشاهد حينما تدخل مسجداً من المساجد وترى كبار السن قد تسابقوا وتقدموا إلى المسجد، فمنهم من تراه ممسكاً بمصحفه مكباً على قراءة كتاب الله، كل حرف بحسنة، وكل حسنة بعشر أمثالها، وترى البعض منهم يتمنى أن لو كان كصاحبه القارئ كتاب الله، لكنه حرم هذا بتفريطه أو بتهاونه بالتعليم ولو كبيراً، لكنه يشتغل بالتسبيح والتهليل. وترى البعض هداهم الله لا بهذه ولا بتلك مشتغل، بل انشغلوا بالحديث عن أمور دنيوية أو أعراض غافلة، وهم في بيت الله سبحانه وتعالى عياذاً بالله من ذلك، وما ضر الواحد إذا كان من الذين لا يحسنون القراءة والكتابة، ما ضره لو تعلم القراءة والكتابة فاستطاع بذلك أن يقرأ كتاب الله جل وعلا، واستطاع بذلك أن يجلب الخيرات والحسنات العظيمة المضاعفة إلى صحائف أعماله بتلاوة كتاب الله، والتلاوة لا تحتاج إلا إلى فهم القراءة، وقراءة الحروف وتدبرها ومعانيها، وكتاب الله جل وعلا بعد ذلك خير معين على فهم جوانب هذه القراءة. ثم إن الذي يستطيع القراءة والكتابة يمكن أن يستفيد وأن يدرك شيئاً كثيراً من حلقات العلم المعقودة في المساجد، ويمكن أن يستفيد كثيراً من المحاضرات والمواعظ والندوات سواءً سمعها في الأشرطة أو غير ذلك، وإن الذي يحسن القراءة والكتابة يستطيع أن يفيد أولاده الصغار وأن يساعدهم، ولو كان كبيراً فقد يعين ويساعد أحفاده، يساعد أولاد أولاده في القراءة والكتابة، وهذا اشتغال بأمر جد عظيم ومفيد إن شاء الله. إذاً: فما الذي يجعل البعض منا يتردد في أن يلتحق بمدرسة تمحو أميته، وتنبذ وتبعد عنه سمة الجهل والجهالة؟ إن الذي يتردد بعد هذا، إن الذي يبتعد عن هذه المدارس وهو بحاجة إلى تعلم القراءة والكتابة مخطئ في حق نفسه خطأً عظيماً، وأي شيء أعظم من أن يحرم نفسه قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى؟ أما البلية العظمى والداهية التي أكبر منها أن تجد شباباً لا زالوا في ريعان الشباب لا يقرءون ولا يكتبون، ومثل ذلك يوجه لهم الحديث خصوصاً، وتضاعف لهم النصيحة مضاعفة، ينبغي لهم أن يبادروا إلى التعلم ونفي الجهل والجهالة عن أنفسهم؛ إذ أن الجهل مدعاة إلى الفراغ، والفراغ مدعاة إلى الانحراف والجريمة، وحسبكم أن تعلموا أن جملة عظيمة من الإحصائيات الواردة في جرائم الاختطاف والسرقات والمخدرات والخمور وغيرها، أن نسبة عظيمة من الذين يتعاطون هذه الأمور هم الذين لا يقرءون ولا يكتبون أو من الذين تعلموا تعليماً ضعيفاً. وإن البعض منهم نتيجة لهذا الأمر يكون عاجزاً عن نوال وظيفة مناسبة يخدم فيها أمته، ويجلب فيها رزقاً حلالاً إلى نفسه، فيضطر بعد ذلك بإقناع شيطاني أن يلتفت إلى سبل الحرام والمتاجرة بالمحرمات أياً كان ذلك النوع، إما أن يفتتح محلاً للفيديو يبيع فيه أفلاماً لا يعرف إلا اسم هذا الفلم أو ذلك الفلم، وهذا ما يفلح فيه أو يستطيع، أو يفتح محلاً يبيع فيه الأغاني والأشرطة، أو يتاجر بأمور محرمة، أو يخاطر بمخدرات يمنعها الشرع وتحضرها الدولة ويعاقب عليها القانون وولاة الأمر، كل ذلك أمر خطير جداً. إذاً: فإن العلم شرف وفضل ومنزلة رفيعة سامية، ومن حرم هذا الشرف وهذه المنزلة فقد قاد نفسه طائعاً أو مكرهاً إلى سبيل لا يرضاه ولا تحمد عقباه. معاشر المؤمنين: نسوق هذا الكلام ونحن قرب مناسبة تسمى "اليوم العالمي لمحو الأمية".

رسالة إلى أنصاف المتعلمين

رسالة إلى أنصاف المتعلمين أيها الإخوة: إننا نجد نوعاً من الأمية ألا وهي أمية المتعلمين، أمية الذين يحملون الشهادات ولكن الكثير منا ولو حلمنا شيئاً من هذه الشهادات قد نكون أميين في كثير من مسائل الدين والشريعة، إذ أن كثيراً من الذين يقرءون ويكتبون يجهلون أبسط القواعد في أحكام الدين، ويجهلون أبسط الأحكام في أمور الشريعة! تلك والله أمية عظيمة، وتلك والله أمية خطيرة، ورب أمي لا يقرأ ولا يكتب يفقه من كتاب الله ومن سنة رسوله وبمجالسته العلماء ومواظبته على حضور دروس العلم وحلقات التعليم يفقه شيئاً كثيراً، أكثر مما يفقهه حامل شهادة من الشهادات. إذاً -أيها الإخوة- إنه نوع آخر من الأمية وهو أمية المتعلمين، أو أمية الذين يقرءون ويكتبون، أمية خطيرة، أمية خطيرة جداً وهي أمية الجهل عن العلم بأحكام دين الله سبحانه وتعالى، إذ الواجب على من حمل شهادة أو انتسب إلى العلم والعلماء أن يتم علمه وتعليمه بعلم كتاب الله وسنة رسوله على أقل الأحوال، أبسط ما يحتاج إليه في أمور الصلوات الخمس والوضوء والطهارة وطهارة النساء في ما يعلم به زوجته وبناته وأولاده، لا بد أن يكون ملماً بذلك في أبسط قواعد أحكام الصيام، في أبسط قواعد أحكام الحج، في كثير من الأمور التي نحتاجها ذاهبين آيبين غادين رائحين، وتتردد علينا إما يومياً أو أسبوعياً أو سنوياً، أو في موسم من مواسم السنة، ومع ذلك ترى الواحد منا وهو يحمل هذه الشهادة الطويلة العريضة لا يستطيع أن يدرك شيئاً من أبسط أحكام الشريعة! هذه والله أمية عظيمة نحتاج إلى محاربتها، ونحتاج إلى أن نبعد أنفسنا عن أن نوصم بها أو نوصف بها. أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه، اللهم علمنا ما جهلنا، وذكرنا ما نسينا، وارزقنا العمل بما علمتنا، اللهم اجعل عملنا حجة لنا لا حجة علينا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد ولاة الأمر فينا بفتنة، وأراد علماءنا بمكيدة، وأراد شبابنا بضلال، وأرد نساءنا بتبرج وسفور واختلاط وعمل مع الرجال، اللهم أشغله بنفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم افضحه على رءوس الخلائق. ربنا إننا نصبح ونمسي ونبيت في عافية وأمن، ونعمة وستر، ورزق وفضل منك وحدك لا شريك لك؛ ربنا أتمم علينا ذلك، ولا تغير علينا بذنوبنا، اللهم من أراد علينا تغييراً بما يريده من فساد أو إفساد، اللهم أهلكه عاجلاً غير آجل، اللهم أبعده عنا، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك يا رب العالمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم ارزقنا توبة قبل الموت، وراحة عند الموت، ونعيماً ولذة في القبور بعد الموت، اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى الجنة مصيرنا ومآلنا، ولا تجعل ربنا إلى النيران منقلبنا ومثوانا. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا غائباً إلا رددته برحمتك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين! اللهم إنا نعوذ بك من فجاءة نقمتك، ومن زوال نعمتك، ومن تحول عافيتك، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا فأنت بنا راحم، اللهم اغفر لنا وارحمنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. اللهم اغفر لوالدينا، اللهم اجزهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً فأجزل الرحمة له، وأوسع السعة في قبره، اللهم جازهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم اجعلنا من عبادك المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم ثبت عبادك المجاهدين، اللهم وفق الدعاة المصلحين، اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم وفقهم وارزقهم العلم النافع والعمل الصالح، واجزهم عن المسلمين خير الجزاء فإنهم على ثغر عظيم من ثغور الدين. اللهم اجعلنا من عبادك الذين يراقبونك في كل ما يأتون ويذرون، اللهم اعصمنا عما يسخطك، اللهم جنبنا ما يغضبك، اللهم حل بيننا وبين معصيتك، اللهم وفقنا إلى طاعتك ومرضاتك يا رب العالمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم انصر إمام المسلمين، اللهم أصلح إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح أعوانه وإخوانه، اللهم اجمع شملهم، اللهم لا تفرق بينهم، اللهم وحد صفهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اجعلهم لكتابك وسنة نبيك عاملين، ولدينك داعين يا رب العالمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

فقيد الجهاد عبد الله عزام

فقيد الجهاد عبد الله عزام إن للإسلام رجالاً ضحوا بدنياهم وملذاتها لإعلاء كلمة الله، وجعلوا أوقاتهم وجهودهم وقفاً لله، والزمان وإن كان يفجع بموت الأبطال إلا أن العزاء جنات وجنات، وفي هذه المادة تجد عزاء للمسلمين في فقيد الأمة وأبي الجهاد في هذا العصر الشيخ عبد الله عزام رحمه الله وغفر له، وبوأه الفردوس الأعلى في الجنة.

اغتيال الشيخ عزام رحمه الله

اغتيال الشيخ عزام رحمه الله إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياًَ مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: عقيدتنا وعقيدة كل مسلم على وجه هذه البسيطة ألا يموت أحد قبل أن يستوفي رزقه وأجله، والأرزاق والآجال بيد الله جل وعلا، لو اجتمع الجن والإنس وكان بعضهم لبعض ظهيراً، على أن يؤخروا أجل مسلم ولو يوماً واحداً، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً. ولو اجتمع الجن والإنس وكان بعضهم لبعض ظهيراً على أن يخطفوا دقيقة واحدة من أجل المسلم لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً. عباد الله: يقول الله جل وعلا: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] فلو أن عبداً من عباد الله قدر موته في بلدة بعيدة، لتهيأت له أسباب السفر إلى أن يبلغ برجله وإرادته البلاد التي تخطف روحه فيها. فيا عباد الله: الموت أمر سهل هينٌ ميسور بالنسبة لفهمه، وبالنسبة لميعاده وأجله، لكن الأمر كل الأمر في الاستعداد للموت ولما بعد الموت. عباد الله: يقول الله جل وعلا: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] واعلموا أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: وإن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فتنفح فيه الروح ويؤمر الملك بكتب أربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد) فالرزق والأجل محدود معدود معلوم مقسوم وكل واحد منا جنين في بطن أمه. أحبتي في الله: أسوق هذه المقدمة الطيبة من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لأذكر لكم واقعة كلكم عرفها وتلقاها بواسع الرضا بقدر الله جل وعلا، ألا وهي استشهاد أمير المجاهدين العرب عبد الله عزام رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في مستقر رحمته، وخلف أهله وذريته بخير منه، وخلف المجاهدين بخير منه. عباد الله: منذ جمع ماضية وليست الجمعة الماضية كانت محاولة باءت بالفشل دبرت لاغتياله رحمه الله حيث وضعت مادة متفجرة تحت المنبر الذي يخطب عليه، وقبل وصوله إلى المسجد بدقائق معدودة اكتشفها عامل النظافة فأخرجها مع مشاركة رجال البوليس والأمن، ونجاه الله جل وعلا حيث لم تكن ساعته، ولم تحن منيته. ثم بعد ذلك تعرض لمحاولة أخرى كانت خاتمة الشهادة بالنسبة له، كان ماضياً بسيارته إلى المسجد ليخطب الجمعة في المصلين والمجاهدين، وبينما السيارة في طريقها إذ مرت على عبوة ناسفة شديدة الانفجار وضعت في أنبوب مد عرضاً تحت السيارة، فما أن قاربته السيارة إلا وانفجرت شطرين، انفجرت القنبلة وتلك المادة الشديدة الانفجار، وانشطرت السيارة التي كانت تقله رحمه الله، وكان معه ولداه، تناثرت الأشلاء، وتطايرت الدماء، وسالت على الأرض لتشهد كل بقعة من البقع التي وقعت عليها قطرات الدماء بأنهم ماتوا وهم في طريقهم إلى توحيد الله وكلام الله، وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، بأنهم ماتوا وهم في طريقهم للركوع والسجود، بأنهم ماتوا وهم في طريقهم ليشهدوا جماعة الملائكة، وجماعة المصلين، فرحمك الله يا عزام رحمة واسعة. واعلموا -يا عباد الله- أن هذه الحادثة لا تجعلنا نظن أنه لو لم يسلك هذه الطريق لنجا، بل في علمنا أنه لو كان في بيته لمات في تلك اللحظة التي انفجرت فيها سيارته، ولو كان في بر أو في بحر أو في طائرة أو في سفينة أو في قصر مشيد لمات في لحظته التي انفجرت بها السيارة {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] يموت الإنسان ولو كان في بروج مشيدة، يوم أن تدق الساعة الأخيرة من عمر الإنسان. لكن -يا عباد الله- قفوا وتأملوا هذه الحادثة، هذه الحادثة الشنيعة التي تنم عن حقد دفين على الجهاد والمجاهدين، وهل بعد هذا وقبله يبقى مسلم ساجد يجهل العداء بين الصهيونية والإسلام، أو يجهل العداء بين الشيوعية والإسلام، أو يجهل العداء بين النصارى والمسلمين، أو يجهل العداء بين ذوي الأفكار المنحرفة، والتيارات الهدامة، والمذاهب المفسدة، مع الإسلام والمسلمين. أسلوب التصفية الجسدية، أسلوب قديم، حاول الكفار واليهود أن يغتالوا نبينا صلى الله عليه وسلم، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يحفظه وأن الله يعصمه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]. مات صلى الله عليه وسلم ثم خلفه أبو بكر الصديق، ثم خلفه عمر وانتهت بتصفية جسدية، طعن رضي الله عنه وهو في المحراب شهيداً يصلي بالمسلمين صلاة الفجر، ثم خلفه عثمان فتسور القتلة بيته وقتلوه في قعر داره، ثم خلفه علي بن أبي طالب ومات بالتصفية والاغتيال، ذلك شهادة لهم من الله في منازل الأنبياء والشهداء، ولا يزال التاريخ يعيد نفسه جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن. عمر بن عبد العزيز مات مسموماً رضي الله عنه، وهكذا مات كثير من سلاطين الإسلام وأئمة الدين وعلماء الشريعة بهذا النوع من التصفية، وهذا الأسلوب الوحشي الهمجي، حتى جاء عصر فيه إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة، ولما خرج من العيينة أرسل وراءه من يشيعه، فإذا بلغ مكاناً معلوماً أمر بان يسل السيف عليه، ويبين رأسه من جسده، فلما رفع السيف وهم أن يقتله عصمه الله، وجمدت يد القاتل وجمد السيف في يده، فعلم ذلك الذي وكل بقتله أن هذا ولي من أولياء الله، عصمه الله بعصمته، فولى أدباره وعاد منكسراً، وحفظ الله إمام الدعوة، وبعد ذلك توالى العداء إلى أن بلغ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، حفيد إمام الدعوة، لما أعلن شرك ووثنية الذين يطوفون بالقبور ويدعون من دون الله، ويستغيثون بالموتى وينذرون لأضرحتهم ويذبحون لها، ضايق ذلك الشياطين، فأسروه وأخذوه ووضعوه في فوهة المدفع. وقبل أن يضعوه فيه عزفوا الموسيقى تبكيتاً وعناداً له، يعلمون أنه رباني بوحي الله، رباني بكلام الله، يغيظه مزمار الشيطان وكلام الشياطين، فعزفوها أمامه ثم كتفوه وربطوه، ووضعوه في فوهة المدفع ثم ألقوا المدفعية، لتنطلق كلمة التوحيد، وتنطلق أشلاؤه متناثرة في ذلك المكان، وماذا بعد ذلك؟ أنشر فكره وانتشر علمه، ذلك المحدث الجليل حفيد إمام الدعوة، الشيخ سليمان الذي كان يقول: إني لأعرف رجال الحديث أكثر من معرفتي بأهل الدرعية يوم أن كان ساكناً فيها، يعرف الأسانيد والمتون والرجال، بتلاميذهم ومشايخهم، علماً أعظم من علمه برجال الدرعية. الله أكبر يا عبد الله! كانت نهايته تصفية جسدية، وها هو التاريخ يعيد نفسه، منذ سنتين أو ثلاث فجرت طائرة تقل رجلاً كان نعم العون للمجاهدين وهو ضياء الحق رحمه الله رحمة واسعة، وعفا عنا وعنه، والآن تفجر سيارة عزام، بأولاده ومن معه، وهكذا يستمر أعداء الإسلام، يستمرون في أسلوب التصفية الجسدية، ظناً منهم أن هذا يكبت صوت الحق، ويكتم أفواه رجاله، ولكنهم جهلوا أن موت الرجال انتشار للفكر، وأن موت الأرواح وأرواح الشهداء لا تنتهي، وأن موت الأجساد انتشار للدعوات والمبادئ، قتلوه قتلهم الله، وانتقم منهم، وفضحهم على رءوس الخلائق.

ورع الشيخ عبد الله عزام رحمه الله

ورع الشيخ عبد الله عزام رحمه الله أيها الأحبة في الله: كان رحمه الله جسراً متيناً بيننا وبين الجهاد، كنا لا نعرف أخبار الجهاد والمجاهدين، وولايات أفغانستان وأخبارها العسكرية، والتموينية، والدعوة في تلك الصفوف إلا عبر مجلته الجهاد، وعبر المجلات التي كانت على نفس الصف والمنوال، البنيان المرصوص، والمجاهد، ولهيب المعركة، والملتقى، كان له دور عاطر واضح فيها، نسأل الله أن يجعل ذلك في موازين أعماله: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8]. يريدون أن يقتلوا الجهاد بقتل عزام، وما علموا أن أماً أنجبت عزام مثلها مئات الأمهات تنجب الأبطال والرجال والأجيال، هنيئاً لمن مات هذه الميتة. وإذا لم يكن من الموت بدٌ فمن العجز أن تموت جباناً وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام كان رحمه الله أستاذاً في الجامعة الأردنية، كان بوسعه أن يكون يوماً ما رئيساً أو ذا منصب مرموق في تلك الجامعة أو ذا منصب في تلك الدولة، ولكنه ترك المراتب والمناصب، والمراكب والمفارش وهاجر بنفسه وبزوجته وبأولاده ووالده وبناته إلى أرض الجهاد، وعاش في بيت متواضع في مكان متواضع، والله -يا عباد الله- كان بوسعه رغم الملايين المتدفقة عليه من أنحاء العالم كي يبذلها في الجهاد، وكفالة الأيتام، وكفالة المجاهدين والشهداء والأرامل، والمعوقين كان بوسعه أن يفتي لنفسه أو يتأول لنفسه ليشتري بيتاً فاخراً فارهاً عامراً أو سيارة مريحة، لكنه سكن بيتاً متواضعاً، سكن داراً صغيرة متواضعة، وركب سيارة صحراوية، سيارة كان بوسعه أن يركب ما هو أفخر وأفضل منها؛ لكنه كان يحاسب نفسه محاسبة الشريك الشحيح لشريكه، كل ذلك ألا يدخل ماله وجيبه، قرشاً واحداً من أموال المجاهدين، في بقعة هاجر إليها وترك تلك البلاد، هاجر إلى أرض قد تكون من دول العالم المتخلفة، أو دول العالم النامية، تنقصها كثير من الخدمات، رضي بأن يعيش هناك وترك عيشة الترف وعيشة الرفاهية، ليختار شظف العيش وخشونته. كان رحمه الله صديقاً للشيخ تميم العدناني رحم الله تميماً رحمة واسعة، كان مثله يشهد هذه المشاهد والمعارك والغزوات واللقاءات ضد أعداء الإسلام، في يوم واحد، في المأسدة، في لهيب المعركة، لم يشعر المسلمون المجاهدون إلا وسحب الطائرات تحلق على مواقعهم ومعسكراتهم ثم أمطرت نيرانها وقذائفها، والشيخ تميم كان مستظلاً بظل شجرة، لم يستطع أن يتجاوز مكانه؛ لأنه لو جاوز شبراً واحداً من ماطر القنابل والقذائف لنالته، كان جالساً تحت شجرة يقرأ كتاب الله، قرأ خمسة أجزاء من القرآن تحت تلك الشجرة التي تناثرت أغصانها وجذوعها وهو قاعد مكانه، وكل يناديه، تعال يا شيخ! تعال هنا، انج بنفسك، فيقول: أبقى هنا، اسأل الله أن أكون شهيداً، وإن بقي لي حياة تقدمت لأرمي أعداء الإسلام الشيوعيين، كان يريد الشهادة في سبيل الله، لكن نسأل الله أن يؤتيه أجر الشهداء، مات بنوبة قلبية، يوم أن كان مسافراً إلى أمريكا رحمه الله رحمة واسعة، فحزن عزام حزناً بليغاً على فراق صاحبه تميم وكتب في رثائه، ما وهي إلا أسابيع معدودة، فمات عزام شهيداً بعده، فمن الذي يرثيك يا عزام؟ ومن الذي لك إلا الله جل وعلا. نسأله أن يجعلك من الشهداء، نسأله أن يجعل روحك في الجنة، وأرواح شباب المسلمين المجاهدين، وأن يجمعك بجميع المسلمين في دار كرامته، الله أكبر يا عباد الله! {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]. هاجر رحمه الله والله جل وعلا يقول: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الحج:58] {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة:154] رحمك الله يا عزام. عرفناك حراً طوال السنين تبيع الحياة لرب ودين فإن كنت فارقت دار اختبار فأنت شهيد مع الخالدين نسأل الله أن نكون وإياك مع الشهداء في صحبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قدمت النساء يعزين زوجته جبر الله مصيبتها وخلفها خيراً من ذلك، قدمت النساء يعزين زوجته فخرجت إليهن وقالت بروح الأم المسلمة الصامدة: أتعزونني والله إنها لمفخرة لي أن أقدم زوجي واثنين من أولادي في سبيل الله، أمٌّ لا كالأمهات، أين الأم التي كان ولدها يسافر إلى مانلا وإلى بانكوك وهي تحزم أمتعته وملابسه وتودعه، ولما من الله عليه بالهداية وقال: يا أمي! أريد أن أذهب إلى الجهاد في سبيل الله قالت: لا. لا يا ولدي، إني أخاف عليك، أتخافين أن يموت؟! يوم أن كنت تحزمين أمتعته وتعدين ملابسة وتعدين متاعه يسافر إلى تلك الدول ما قلت: أخاف عليك أن تموت موتة سيئة، أو أن يختم لك بسوء الخاتمة، ويوم أن أراد الجهاد تقفين له وتقولين: لا يجوز الجهاد إلا برضى الوالدين، نعم. نحن نقر وندين الله جل وعلا أنه لا يجوز الجهاد إلا برضى الوالدين، ولكن كيف تأذنين له وترضين بسفره هناك، والآن تمنعينه وتقفين أمامه يوم أن أراد أن يموت شهيداً في سبيل الله؟ إذا مات شهيداً كان شافعاً لك عند الله جل وعلا. عباد الله: اعلموا أنها سنة الله في الحياة، واعلموا أن جثة الشيخ بقيت سليمة لم تتناثر ولم تتجزأ، انشطرت السيارة وتناثرت أشلاء من معه، إلا جثته وحده رحمه الله، فبقيت سليمة صحيحة، ما تناثر منها شيء، ومات ولفظ أنفاسه الأخيرة، وهو يشهد أن لا إله إلا الله، ويشهد أن محمداً رسول الله في الطريق إلى المستشفى رحمه الله رحمة واسعة، هكذا تحيا الدعوات، وهكذا ينتشر الحق، وهكذا يظهر النور.

الجهاد وأهميته في نشر الدين

الجهاد وأهميته في نشر الدين إن الإسلام -أيها الإخوة- انتشر يوم أن أُريقت دماء أصحابه على أرض الجهاد، وإن الفتوحات الإسلامية توسعت يوم أن سالت دماء الصحابة، ودماء التابعين، وجنود المسلمين على أرض المشرق والمغرب، وهي سنة الله، والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة. لن ينتشر هذا الدين إلا بالجهاد في سبيل الله، شريعة الأمة، شريعة الخلود، شريعة البقاء، فإن كنت حياً فمن السعداء، وإن مت في الأرض، في أرض الجهاد فمع الشهداء، هكذا يعيش المسلمون. عباد الله: كم من شخص لم يُعرف فكره وصدقُ نيته وصلاحه إلا بعد أن واراه التراب، انتشر وعرف وعلم شأنه وقدره، سيد قطب رحمه الله كان معلوماً لديكم، وقع أن قدم للإعدام في المشنقة، وطلب منه أن يعتذر أو أن يقول كلاماً ليرضي به من حوله، ولكي يخفف عنه الإعدام إلى السجن المؤبد، أو نحو ذلك، فماذا قال؟ إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في كل يوم خمس مرات، يرفض أن يعتذر للطغاة، الله أكبر يا عبد الله! هكذا تنتشر الأديان، هكذا ينتشر الدين وتنتشر العقائد، وبدون ذلك لا تنتشر فكرة ما لم يروها أبناؤها بدمائهم. وقال رحمه الله في تفسيره في ظلال القرآن حول كلامه عن قول الله جل علا: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] قال رحمه الله: وكم من شهيد بلغت دعوته مبلغاً بعيداً، لو قدر له أن يعيش آلاف السنين لم تبلغ دعوته عشر ما بلغت، فهذا عزام مثله، وقبله أئمة الدعوة في نجد، وفي سائر أنحاء المعمورة يوم أن قدموا دماءهم لله انتشر التوحيد، وانتشرت الدعوة، وانتشر فكرهم، الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! على هذه الخاتمة الحسنة وهذه الخاتمة الطيبة، وإنها والله تدفع آلاف الشباب، أن يعلنوا ثباتهم وصمودهم واستمرارهم في لقاء العدو ومواجهة الأعداء، إلى أن يأذن الله لهم أو يفتح الله للمؤمنين أجمعين: تالله ما الدعوات تهزم بالأذى أبداً وفي التاريخ بر يميني ضع في يدي القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكين لن تستطيع حصار فكري ساعة أو رد إيماني ونور يقيني فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي وربي حافظي ومعيني الله يحفظ عباده، والله يحفظ دينه، والله يحفظ شريعته، الله متكفل بحفظ دينه {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38] {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الجهاد لا ينتهي بموت أحد

الجهاد لا ينتهي بموت أحد الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: هل انتهى الجهاد بموت عزام؟ أو هل انتهى الجهاد بمقتل ضياء الحق؟ ولو استشهد قادة الجهاد، لو استشهد سياف أو جميل الرحمن، أو رباني أو حكمتيار أو أي من قادة الجهاد، لو استشهدوا جميعاً في لحظة واحدة، أو في يوم واحد -يا عباد الله- لو استشهد هؤلاء هل ينتهي الجهاد؟ لا والله، الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، وإن الذي بعث للجهاد عبد الله عزام لهو بأمره ومشيئته ورحمته قادر على أن يبعث ألف عزام مثله، فنسألك اللهم أن تظهر من شباب المسلمين من يكون على مستوى هذا الرجل أو أفضل منه، لكي يقدم ما يجب عليه تجاه المجاهدين، وإن أرحام النساء ما عقمت أن تنجب مثله. إن الله جل وعلا علمنا شريعة ماضية وسنة كونية، يوم أن تكلم الصحابة رضوان الله عليهم، وأشيع في معركة أحد أن النبي مات، كان لذلك أثر في قلوب بعض الصحابة، فقال الله جل وعلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144] لا والله، لم ولن ينقلب الصحابة والمؤمنون على أعقابهم، ثم لا والله لم ولن ينقلب الشباب على أعقابهم بعد استشهاد عزام، أو بعد استشهاد قادة الجهاد، فكل ماضٍ إلى ما يرضي الله جل وعلا، وكلٌ سائر بأمر الله جل وعلا، ولكن -يا عباد الله- الأمر الذي بقي هو أن عزاماً مات ودفن في قبره، ومازالت صحائف حسناته مفتوحة، تكتب ملائكة الحسنات أعماله، والله إن آلاف المسلمين لم يعرفوا كفالة الأيتام إلا منه، ولم يعرفوا كفالة الشهداء إلا منه، ولم يعرفوا كفالة المعوقين إلا منه، وما التزموا وتحمسوا للبذل والجهاد إلا بفضل الله ثم بفضل خطبه، كل ذلك بفضل الله ثم بخطبه ورسائله ومجلة الجهاد التي كان ملفها في جيبه، مصبحاً وممسياً ماضياً آيباً، مرتحلاً مقيماً في كل مكان ترى معه ملف هذه المجلة، لكي يكتب لي ولك وللخامس والعاشر، ليكتب للمسلمين أجمعين، عن أخبار إخوانه المجاهدين، فهذا رجل مات، ولكن لا زالت حسناته ماضية، وشتان بين رجل يموت كهذا وآخر لا دور له في الجهاد ولا في الدعوة ولا في النفع. وميت ضجت الدنيا عليه وآخر لا تحس له أنيناً والناس ألف منهم كواحدٍ وواحد كالألف إن أمر عنا كان رحمه الله عن أمة، كان رحمه الله عن ألف وآلاف مؤلفة، لا أقول هذا غلواً فيه، ولا أقول هذا مبالغة، ولا أقول هذا إطراءً في المديح، فإن الرجل أفضى إلى ربه ولو كان حياً ما تكلمت فيه على منبر، لكنه أفضى إلى ربه، وإذا كان ولا بد فالكلام في الأحياء فتنة، لكن الكلام في الأموات إظهار لمآثرهم ومناقبهم ومحاسنهم، وأقول: قفوا يا أيها المستمعون، قفوا، وأنصتوا إن أناساً تكلموا في عرضه، وإن أناساً نالوا من سمعته، وإن أناساً لفقوا عليه الأقاويل، وتكلموا في صاحبه الشيخ تميم العدناني، إما بشريط، أو بمقالة، أو بكتيب، أو برسالة، فأقول: إن كان هدفهم النصيحة فما هكذا تورد الإبل -أيها الإخوة في الله- هلا ذهبتم إليه في بيته ونصحتموه إن كنتم ترون شيئاً يستحق النصيحة، لكن الرجل أفضى إلى ربه، فأين لكم أن تقفوا معه أو تجلسوا معه لتقولوا: سامحنا وحللنا وأبحنا فيما نشرناه عنك؟! أو سجلناه عليك، أو قلناه فيك؟! أيستطيع أحد أن يناجيه أو يكلمه عند قبره، لا والله سيقف من تكلم فيه مع عزام رحمه الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، سيقفون عند رب لا يجور، وعند رب لا يظلم، وميزان لا شطط فيه، ليكون القصاص وليكون القضاء فمن الحسنات أو السيئات. لكني أقول لمن وقع في عرض هذا الرجل أكثروا من الاستغفار له، واسألوا الله له العفو والمغفرة، فلعل ذلك أن يكون سبباً للمغفرة والتوبة عليكم. أيها الأحبة في الله: ينبغي أن يكون من شباب أمة الإسلام من يسد هذا الثغر، ينبغي أن يكون من بينكم يا شباب الإسلام من يقوم بهذه المنزلة، وهذه المكانة، فلا تحتقروا أنفسكم أنتم أبناء فطرة، من أرض هي مهبط الرسالة، ومكان تجديد العقيدة، فالله الله لا يثبطنكم الشيطان، أو يحقر من شأنكم، فو الله ثم والله -بمشيئة الله وفضله ومنه- ليكونن على أيديكم خير عظيم في الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم تكون بعد ذلك في سجل الخالدين المرموقين الذين يموتون ومازالت معالمهم شامخة، وقممهم باسقة، وشخصياتهم قائمة: إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه وموت فتىً كثير الجود محل فإن بقاءه خصب ونعمه وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمه وموت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمه فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه وباقي الخلق هم همج رعاع وفي إيجادهم لله حكمه فكونوا من الذين يبكى عليكم بعد موتهم، كونوا من الذين يذكرون بالخير، كونوا ممن تبقى صحائف حسناتهم مفتوحة تنورها الملائكة بالحسنات، تنورها الملائكة بالصالحات ولو كنتم في قبوركم. أسأل الله أن يعفو عنا وعنه، وأن يجمعنا به في جنته، وأن يعفو عمن نال من عرضه، وأن يتجاوز عنهم، وأن يوفق الجميع إلى ما يحبه ويرضاه، ونسأله بحفظه وبعزته التي لا تضام، وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظنا ويحفظ ولاة أمرنا، وعلماءنا وقادة الجهاد في كل مكان. اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم ردهم إليك رداً جميلاً، اللهم تب عليهم توبة صادقة، اللهم وفقهم للتوبة النصوح، اللهم اجعلهم خير الشباب لأمتهم، وخير الرجال لأوطانهم، وخير النفوس لأهلهم وزوجاتهم ووالديهم وأولادهم، برحمتك يا رب العالمين! اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغث قلوبنا، اللهم أغث قلوبنا، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد برحمتك يا رب العالمين! اللهم استعملنا بطاعتك، اللهم استعملنا بطاعتك، اللهم استعملنا في طاعتك، وثبتنا على دينك وتوفنا على ما يرضيك، اللهم لا تقبضنا على خزي، اللهم لا تقبضنا على معصية، اللهم توفنا ركعاً سجداً، مجاهدين مصلين، آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، اللهم صل وسلم على محمد وآله وصحبه.

فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1]

فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] إن الكفار على مر العصور والأزمان ومنذ سالف التاريخ ما زالوا ينفقون أموالهم وما يملكون؛ ليصدوا عباد الله عن دينهم؛ حسداً وحقداً وبغضاً، وفي هذا الدرس تتعرفون على شيء من عداوة الكفار للإسلام وأهله، وطرق محاربتهم للدين الإسلامي، ثم الحث على العمل لهذا الدين وتحويل العواطف إلى برامج عمل في عرض حقيقة هذا الدين بالأسلوب الحسن اللين.

عداوة الكفار للإسلام وأهله

عداوة الكفار للإسلام وأهله الحمد لله الذي لم يزل بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه هو الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأصلي وأسلم على نبيه وصفيه من خلقه، محمد بن عبد الله الذي بعثه للجن والإنس بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! يقول الله جل وعلا في كتابه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36]. أيها الإخوة في الله! إن المتأمل لهذه الآية وهذه الحقيقة القرآنية التي لا تتبدل ولا تتغير، يجد مصداقها برهاناً عملياً في واقع العصور والأزمان، فالكفار منذ سالف التاريخ والعصر لا زالوا ينفقون أموالهم وما يملكون؛ ليصدوا عباد الله عن دينهم، حسداً وبغضاً وحقداً، وصدق الله حيث يقول: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:105] ويقول تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109]. فيا معاشر الأحبة! لا شك أنكم تعلمون وتزدادون علماً بما تقرءون وتسمعون، مما يحيكه أعداء الإسلام ضد المسلمين، وكتاب ربهم وسنة نبيهم، وأقلياتهم في مختلف البلدان في هذا الزمان, مما يحيكونه ويدبرونه من المؤامرات التي دافعها الحقد والكراهية، فهم لا زالوا ينفقون وما زالوا يسخرون، وحسبكم أن تعلموا أن كل تركةٍ لا وارث لها فإنها تصرف للمجلس الأعلى للكنائس؛ لكي تسخر في خدمة تنصير المسلمين وإخراجهم عن دينهم، وأن الفوائد البنكية في بنوك أوروبا وفي البنوك الغربية العالمية وغيرها ما لم يأخذها أصحابها فإنها -أيضاً- توجه إلى المجلس الأعلى للكنائس الذي يمون الكنيسة في العالم ويضمن نفقات قسسها ورهبانها وصلبانها وشياطينها، وأن هناك أموالاً تفرض في ميزانيات الدول النصرانية تسخر لخدمة الكنيسة في كل بقاع المعمورة. فيا أيها الأحبة! والله لو علمتم واطلعتم على ما يملكه الفاتيكان أو ما يملكه المجلس الأعلى للكنائس من أموالٍ طائلة لوقفت شعور رءوسكم من حجم تلك الملايين العظيمة التي سخرت لهذا المجال، سخرت لعقيدةٍ محرفة ولكتاب ملفق، ولعقيدةٍ منسوخة، ولحقدٍ مستمر، ولبغضاء دامية، كل ذلك مسخرٌ، فما يقابل ذلك من جهود المسلمين؟ وما الذي يفعله المسلمون في مقابلة صد عدوان أولئك الكفرة الفجرة؟!

طرق الكفار في محاربة الإسلام

طرق الكفار في محاربة الإسلام أيها الأحبة في الله! إننا إذا تأملنا ما يلزمه أولئك الذين يتخرجون من الكليات الكنسية واللاهوتية حيث يلزم الخريج منهم أو الخريجة بأن يخدم الكنيسة سنةً بعد تخرجه، سنةً مجانيةً على الأقل أو أكثر من ذلك، إما في مجاهل أفريقيا، وإما في دول شرق آسيا، تلك الملايين المسلمة التي فقدت الوعي والتوجيه الصحيح، وسادت في كثيرٍ من البقاع عندهم الطرق الصوفية والمبادئ المنحرفة، وظن كثيرٌ من المسلمين أن هذا هو الإسلام بأسره، سجادةٌ توجه، ومسبحةٌ تقلب، وهمهمة، وكلامٌ قليلٌ وكثيرٌ في هذا، وقد جهل كثيرٌ منهم أن حقيقة الإسلام انطلاق، وأن حقيقة الإسلام قوة، وأن حقيقة الإسلام حركة تأبى الضيم وتأبى الذل والخضوع، إن أعداء المسلمين حاربوا الأمة المسلمة بطرقٍ سافرة وبطرقٍ مزيفةٍ مستترة. فأما الطرق السافرة؛ فهي الحرب العسكرية، والعداوة العقدية والمواجهة. وأما الطرق المستترة؛ فهي تشجيعهم لطرق الصوفية وللمبادئ المنحرفة التي تتسمى باسم الإسلام، وهي في حقيقتها تنخر في كيانه وتهدم بمعاولها أساسه، ولذلك لا تعجبوا أن تجدوا من الطرق التي تنسب بهتاناً وزوراً إلى الإسلام والمسلمين تنشط في دول اليهود وفي دول الكفر ولا تجد من يعارضها أو يعاندها!! لماذا؟! لأنها طرقٌ تسمت بالإسلام لكنها تحمل في داخلها وفي طياتها هدماً وتدميراً للإسلام. أرأيتم القاديانية هي بدعةٌ أول ما ظهرت، ومحنةٌ كافرةٌ أول ما انتشرت، قادها الفاجر المسمى: المرزا غلام أحمد القادياني، ذلك الذي ادعى -فيما ادعى به- شيئاً من المبادئ التي جاء بها الإسلام ثم كشف عن باطله؛ فادعى إبطال الجهاد، ثم ادعى قرب رفعة المنزلة إلى أن قال بنبوته، إن هذه المحنة التي اجمع المسلمون في العالم على تكفير منتحليها وأصحابها، لمحنةٌ كافرةٌ تنشط في إسرائيل، وتنشط في كثيرٍ من الدول التي تعادي الإسلام والمسلمين، ومثلها البابية، ومثلها البهائية، ومثلها كثيرٌ من الطرق التي يتزعمها غلاة الصوفية، وتجدون أربابها وأقطابها وأوسادها في بلدانٍ يجد المسلمون فيها ضيقاً وعنتاً وتشديداً عليهم، أما دهاقنة الصوفية وغلاتها المنحرفون فلا يجدون أدنى أذى، لماذا يؤذى أولئك المعتدلون ويترك أولئك المنحرفون؟! الجواب واضح: لأن أولئك الذين فهموا الإسلام على حقيقته، وأدركوا الدين على حقيقته، يمثلون خطراً على تلك الدول والحكومات الكافرة، وأما أولئك الذين فهموا الإسلام فهماً تقليدياً متقوقعاً وطرقاً صوفية، ومسابح وانكشاف، وإلهامات وتخريفات، أولئك لا يمثلون أدنى خطر، بل إن من أعظم معتقدات أولئك المنحرفين ومبادئهم: البعد عن الخوض في أمور السياسة، والبعد عن الخوض في أمور الحياة وفصل أمور الدين عن واقع الحياة. فيا أيها الأحبة! افهموا جيداً من هم الذين يعملون للإسلام على الساحة، ومن هم أولئك الذين ينتسبون إليه والإسلام منهم براء، المسلمون في هذا الزمان جاوزوا المليار جاوزوا الألف مليون! ولكن يصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلةٍ نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير). ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانظروا تعداد المسلمين اليوم في العالم، إنهم كثير، لكنهم غثاء كغثاء السيل، يقول صلى الله عليه وسلم: (يصيبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت، وينزع الله المهابة من صدور أعدائكم) نعم. فلم يعد المسلمون يهابون كما كانوا يهابون من قبل؛ لأنهم انشغلوا بالدنيا وتركوا أمر الله وراءهم ظهريا إلا ما شاء الله منهم وقليلٌ ما هم.

الحث على العمل لدين الإسلام

الحث على العمل لدين الإسلام فيا عباد الله! انظروا تعداد المسلمين ثم أخرجوا من هذا التعداد أولئك الذين هم على دينٍ صحيح، ثم أخرجوا من أولئك من الذين يعملون ويدعون إلى الله جل وعلا، تجدون أولئك ثلة وقلة ومجموعة يسيرة في واقع العالم الإسلامي، وإذا ما نظرنا إلى تعداد هذه الطائفة القليلة في مقابل جهود أعداء الإسلام، وتعداد مبشريهم ومنصريهم وما ينفقون من أموال ليصدوا المسلمين عن دينهم لوجدتم أن البون شاسع، والفرق واسع، والهوة ساحقة بين أولئك وأولئك، لكن الله جل وعلا بين أن الفجار ينفقون الأموال فتكون عليهم حسرة ثم يغلبون بما أنفقوا من أموالهم ومأواهم جهنم يحشرون إليها وبئس المصير. أما أولئك المؤمنون فمع إخلاصهم وبتوفيق الله لهم يوفقهم الله جل وعلا إلى ما يسرهم وينفعهم ويمكن لهم الغلبة، إن يكن منكم مائة يغلبوا مائتين، فالله جل وعلا قد جعل ميزان القوة ليس بالعدد ولا بالتعداد ولكنه بما يكمن في قلوب الرجال من الإخلاص لله والولاء لدينه ولكتابه ولسنة نبيه، والإخلاص لأئمة المسلمين وعامتهم. فيا عباد الله! بعد هذا كله ليسأل كل واحدٍ منكم نفسه: هل أنت منتسبٌ إلى الإسلام؟ لا شك بأن A نعم، إذا كنت منتسباً حقاً فماذا قدمت للإسلام؟ وماذا حقق الله على يديك لدين الله؟ إن كل واحدٍ منكم لمسئول فيما قدم للإسلام وأين موقعه من الإسلام؟ موقعنا: أن وجدت في أرض مسلمة ثم تقلبت في أنواع الأكل والشراب والمسكن واللباس ثم انتهت حياتك وانقضى الأمر بعد مماتك، ثم فارقت الدنيا كمن لا يعرف له شيء، ولم تذكر له منقبة، ولم يشهد التاريخ ولم تشهد الأرض ولم تشهد الناس له بفعلٍ يشهد له به عند الله، أو يشهد له به في خدمة الإسلام والمسلمين. أيها الأحبة! قد يقول البعض: وما حيلة العاجز؟ وماذا نفعل ونحن لا نقدر؟ الجواب مراراً وتكراراً تسمعونه في الإذاعات وفي المجلات وفي الخطب والندوات، أن كل واحدٍ يقدر على أن يبذل لدينه مهما كان بذله قليلاً أو يسيراً، وبالمناسبة فإن الحديث يجر إلى أولئك الذين ينطلقون قرب الإجازة الصيفية في جولاتٍ وسياحاتٍ وانتقال وسفر، كل واحدٍ منا ومن أولئك ملزمٌ ومسئولٌ أن يجعل في طريقه وفي ذهابه وإيابه وفي حله وسفره وترحاله، مسئولٌ أن يقدم وأن يبذل شيئاً للإسلام والمسلمين.

عناصر هامة لتحويل العواطف إلى برنامج عملي

عناصر هامة لتحويل العواطف إلى برنامج عملي وإليكم عناصر عملية نستطيع من خلالها أن نحول العواطف إلى برنامجٍ عملي، فإن مما يضر بالمسلمين أن تسخن عواطفهم وأن يلهب حماسهم ثم يتفرقون ولا يفقهون ما المراد من الكلام، وما الذي ينبغي عليهم علمه بعد خروجهم من المساجد، إن مما ينبغي علينا أن نعلمه ونفقهه أن من واجبنا إذا سمعنا ندوةً أو خطبةً أو نصيحة أن نتساءل في ختام الأمر ما الخلاصة وما البرنامج وما هي ورقة العمل التي نطبقها في الواقع؟ لا أن نتعود سماع المواعظ ورفع الأصوات وتحرك الآهات وطنين الأنات، ثم بعد ذلك نخرج وكأن شيئاً لم يكن، كمن ينفخ في قربةٍ ثم يجعلها منتفخة مما بجوفها من الهواء ثم يتركها فجأةً، فيخرج الهواء الذي بداخلها وتعود لصيقة الأرض كما كانت، لا نريد هذا بل نريد أن نعرف البرنامج العملي من واقع كل نصيحةٍ أو خطبةٍ أو ندوة.

أهمية نشر المطبوعات المعرفة بالإسلام في كل سفر وترحال

أهمية نشر المطبوعات المعرفة بالإسلام في كل سفر وترحال أيها الأحبة في الله! كم من أبناء المسلمين من الذين يسافرون إلى الخارج؛ إما في علاجٍ أو في تجارةٍ أو في مهماتٍ أو أعمالٍ أخرى، ما ظنكم لو أن كل واحدٍ سافر معه باثنين كيلو من الكتب التي ترجمت بلغة البلاد التي ينتقل إليها، لو أن كل سائحٍ سافر إلى أوروبا حمل جملةً من الكتب المترجمة باللغة الإنجليزية ثم تركها في الفندق الذي نزله ووزع شيئاً منها على من قابل وعلى من عرف، والله ما هي إلا مدةٌ يسيرة وبلاد الغرب تشهد تجدداً في فهم الإسلام، حتى ولو لم يسلموا لكنهم سيجددون النظر وسيقلبون الفكر في دين الإسلام، وسيعلمون أنهم كانوا لا يفقهون من الإسلام إلا الصور المحرفة والأشكال المزيفة. أتدرون كيف يفقه الغرب دينكم؟ إنهم يظنونه ضريحاً وقبراً قد سجيت عليه ألوان الزخارف والسجاجيد، ويطوف حوله من يطوف، ثم محاريب نصبت، ومسابح بين الأصابع تقلب، وهز للرءوس، ورقص شرقي، وموسيقى هافته، هكذا يظنون دين الإسلام. وذات مرةٍ عرض في أحد التلفزيونات الأوروبية على رأس عيد السنة عرضٌ للأديان، فعرضوا شيئاً عن النصرانية، وشيئاً عن بعض الأديان الأخرى، فلما جاء العرض على الإسلام أتدرون بمن جيء؟ جيء بعازفٍ بما يسمى بالقيثارة وجيء بأناسٍ يهزون رءوسهم، وسجاجيد نحو المحاريب وجهت، ومسابح تقلب في الأصابع، وهزٌ للرءوس، هكذا يفهم كثيرٌ منهم دين الإسلام، والله إنهم لا يعرفون جوانب العدل في الحياة الاجتماعية، ولا يعرفون جوانب الإيثار، وجوانب الكفالة، وجوانب الإرفاق، وجوانب التعامل بالأمر بالمعروف ونفع الناس، يجهلون ذلك كله ولو أيقنوا وعلموا حقيقة هذا في دين الإسلام لتجدد الأمر لهم، لكن ويا للأسف إن كثيراً من الأوروبيين لا يعرفون عن أبناء المسلمين إلا من يسألهم عن أجمل حانة وأعتق بارة، وأطيب مكانٍ للهو والخلاعة، يسألونهم عن هذا، فيعرفون أن بعض أبناء المسلمين أو أن جل أبناء المسلمين على هذه الشاكلة وعلى هذا المنوال.

أهمية عرض حقيقة الإسلام في كل مؤتمر واجتماع

أهمية عرض حقيقة الإسلام في كل مؤتمر واجتماع أيها الأحبة! حدَّث طبيبٌ ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليشهد مؤتمراً يبحث في دور الكالسيوم في جسم الإنسان، وذكر في رحلته أمراً عجيباً غريباً مما يدل على عزة المسلم، وأن تمسك المسلم يجعل الغرب يلتفتون إلى الدين ويسألون بكل قوة، ويبحثون بكل دقة، ويغيرون الصور التي كانوا يحملونها عن دين المسلمين. قال: لما حضر المؤتمر وعلى مدى ثلاثة أيامٍ من البحوث التي ناقشت أطروحة المؤتمر، دعي ذلك الطبيب المسلم لكي يستمع أولئك الأوروبيون والغربيون منه كلاماً، فلما قام متحدثاً إليهم قال: لقد أجاد المؤتمرون وأفادوا ببيان دور هذه المادة التي ركبها الله وخلقها في جسم الإنسان، وإني أسألكم معاشر الأطباء والاستشاريين، إني أسألكم: إذا كان هذا دور الكالسيوم في جسم الإنسان، فما دور الإنسان في الحياة؟ فأخذوا يسألون أنفسهم: ما دور الإنسان في الحياة؟ أهو دور الأكل والشرب والنكاح والنوم، هذا دورٌ تشارك البهائم فيه بني الإنسان، ثم بدأ يشرح أن للإنسان دوراً مميزاً مستقلاً، فمازال يأخذ لبهم ويأخذ قلوبهم بأسلوبه العبق وعباراته الرقيقة، فلما انتهى تجمهر حوله أربعون من أولئك، وانفض الاجتماع بإسلام ستة من الأطباء وإسلام طبيبتين. فيا أيها الأحبة! ليس الأمر منحصراً على من يسافر طبيباً، أو من يسافر مهندساً، لكن الأمر يتضح إذا خرج كل واحدٍ منا في أي مهمةٍ كانت له في داخل بلاده وخارجها ثم رأى أولئك الذين لا يفهمون في الإسلام، ورأوا صدقاً في المعاملة ووفاءً في الأمانة ولطفاً ودعوةً بالحكمة واللين والموعظة، بعد ذلك يستجيبون ويتهيئون ويستقبلون. فيا عباد الله! لو أن من ذهب إلى بريطانيا أو إلى فرنسا أو إلى أي دولة من الدول حمل معه مجموعة من الكتب باللغة الإنجليزية، كم تشهد الصالة الدولية سفراً ورحلات مستمرة، لو أن كل مسافرٍ حمل في جعبته وفي حقيبته كيلو أو اثنين أو ثلاثة من الرسائل التي توضح دين الإسلام وتبين حقيقته فأعطاها لمن يقابله إما في الطائرة وإما في مكانٍ آخر وإما في فندقه وإما في أي جهةٍ ينزل بها، بعد مدةٍ وليست بالطويلة سيشهد أولئك دعوةً صريحة وقوةً ناطقةً تصحح مفاهيم الإسلام لدى الأمة الغربية ونرد هذا الهجوم بمثله، والله إنكم لتعجبون عجباً عظيماً يوم أن تكشفوا أدق الوسائل واتفه المناسبات التي يستغلها المنصرون لكي يعرضوا دينهم على أبناء المسلمين. حدثني شابٌ حضر الدورة الأولمبية الأخيرة في سيئول وجاءني بهدية، وجاء مع الهدية بمناظر جميلة من سيئول فقال: لا تبهتك المناظر ولكن انظر إلى ما بقلب الصورة، فلما طلبتها وجدت نصوصاً من الإنجيل معربة مطبوعةً باللغة العربية: هكذا يدعوكم المسيح، وهكذا أحب الله العالم، وهكذا خلص المسيح أصحاب الخطيئة، بمختلف العبارات التي يريدون من خلالها أن يلقي المسلم عن نفسه وعن كاهله شعوره بالذنب والمعصية، ليظن أن المسيح هو المخلص من شؤم الخطيئة ثم يفعل ما بدا له ويحيل الذنب والخطيئة على المسيح، كما هو معتقد النصارى فيما يفعلون ويتركون. أيها الأحبة في الله: هذا اقتراحٌ أول ولو أن كل مسافرٍ عمل به، ولو أن كل من سافر وانتقل وخالط أولئك دعاهم إلى الإسلام لكنا نشهد دعوةً ودخولاً في دين الإسلام أفواجاً. وإننا لنشكر الله جل وعلا ثم نشكر الذين يقدمون برامج نافعة في القناة الثانية لدعوة الناس إلى الإسلام، كما ندعو أولئك القائمين عليها أن يجتهدوا مادامت هذه القناة والشاشة باللغة الإنجليزية التي يفقهها كثيرٌ من دول العالم، ونحثهم أن يركزوا البث فيها على ما ينفع دعوة الناس والإسلام، وعلى ما يشرح الدين الصحيح والعقيدة السليمة التي تهدي الناس إلى دين الله، وندعو الله أن يمن عليهم بأن لا يضعوا فيها إلا ما يرضي الله ورسوله حتى لا نكون من الذين ينفقون فيما يضر أنفسهم أو أبناءهم نسأل الله ألا نكون من أولئك. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.

أساليب لدعوة الكفار إلى دين الإسلام

أساليب لدعوة الكفار إلى دين الإسلام الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أثر المعاملة الحسنة في إقناع الناس

أثر المعاملة الحسنة في إقناع الناس أيها الأحبة! إن من أساليب دعوة الكفار إلى دين الإسلام المعاملة الحسنة والصدق والوفاء في المعاملة، إن من الناس من يستقدم من العمال عمالاً يجعلهم في أرض المسلمين، ثم يتركهم كالغنم البهيمة السائحة التائهة في الأرض، ثم إذا جاءوا يبحثون عنه لا يجدونه، ثم إذا جاءوا يستوفون حقوقهم لا يجدون حقوقاً، وبعضهم يتخلص منهم بالإعلان عن تخلفهم وتغيبهم، ثم إخراج تأشيرة الخروج بدون عودة بعد أن يجهز القبض عليهم وإخراجهم وتسفيرهم قبل أن يعطيهم حقوقهم وهذه مصيبة. إن عاملاً يأتي إلى بلاد المسلمين ثم يخرج ولا يستوفي حقوقه، يعود إلى بلاده ساباً شاتماً مبغضاً لاعناً للمسلمين أجمعين، لا يسب ذلك الذي عامله بالخيانة ولا يشتم ذلك الذي أخلف معه الأمانة، وإنما يظن أن هذا ديدن المسلمين أجمعين، وهذا طبع المسلمين أجمعين في بلادٍ أتى إليها وقدم إليها. فيا عباد الله! ادفعوا القالة والسوء عن أنفسكم، واتقوا الله جل وعلا فإن الظلم ظلمات، حتى ولو كان الظلم على كافر، واتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، إن من صدق في معاملة عماله وقام بالوفاء والأمانة معهم، ثم بعد ذلك دعاهم إلى الإسلام وتلطف في دعوتهم سيجد استجابةً عظيمة، وإن مكتب الجاليات في القصيم ومكتب الجاليات في الرياض ومكتب الجاليات التابع لرئاسة دراسات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ليشهد أفواجاً -بحمد الله- يدخلون في دين الإسلام بعد أن يجدوا من يعرض عليهم الإسلام عرضاً ليناً رقيقاً لطيفاً، يدخلون في دين الله سبحانه وتعالى. فلو أن كل واحدٍ منا مع حرصنا على ألا نستقدم إلا المسلمين، ولكن لو أن كل واحدٍ منا احتك أو رأى كافراً في عمله أو استقدمه في أعمالٍ لا يتقنها إلا أمثالهم، أو وجده في أي مناسبة، فأخذ عنوانه وأرسل إليه كتيباً بلغته التي يفقهها ويعلمها، وأرسل له شريطاً وأرسل مع الشريط شيئاً مما يلطف القلب، فإن هذا مما يهيئ أولئك ومما يجعلهم يستعدون ليدخلوا في دين الإسلام، فينبغي أن نستغل الفرص وينبغي أن نستغل المناسبات.

مسئولية المسلمين عن تبليغ الدعوة

مسئولية المسلمين عن تبليغ الدعوة كم من كبار الشركات التي تأتي إلى بلادنا وقد تأتي الشركة وتخرج ولم يفق فيها إلا في النزر اليسير، داعيةٌ أو اثنين، والبعض منهم قد يأتي إلى هذه البلاد ويخرج منها ولم يفهم حقيقة الإسلام، إننا مسئولون عن أولئك الذين في أماكنهم وبلدانهم لِمَ لم نبلغ لهم دعوة الله، أفلا ترون أن المسئولية أعظم فيمن جاء من بلاده إلى أرضنا ولم نسمعه كلام الله، ولم نبلغه دعوة الله. واعلموا أن الوسيلة ميسرة، فاتصالك بمكتب رابطة العالم الإسلامي بـ الرياض، أو اتصالك بمركز الجاليات في الرئاسة العامة للبحوث، أو اتصالك بالندوة العالمية للشباب الإسلامي، أو بغيرها من المؤسسات التي جعلتها هذه الدولة وفقها الله وجعلها مرفوعة بالإسلام، وجعل الإسلام مرفوعاً بها، هي ولله الحمد موجودةٌ ومكاتبها متفرقة في مدن المملكة لو اتصلت بأي جهةٍ من هذه وأخذت منهم أشرطةً وكتيبات ونشرت باللغة التي يفقهها ذلك الذي عرفته أو لقيته أو علمت مكانه سواءً كان عاملاً أو مهندساً، أو صغيراً أو كبيراً، ثم قدمتها له واجتهدت في ذلك، انظر كيف يهدي الله على يديك رجلاً واحداً، يكون ذلك خيرٌ لك من حمر النعم، وإن كل واحدٍ ليسأل نفسه: كم بلغت من العمر؟ هل أسلم على يدي كافر؟ هل اهتدى على يدي ضال؟ هل بلغت دعوة الله إلى من كان يجهلها أو لا يعرفها؟ ومن المؤسف أن نطرق الرءوس وأن نجيب بلا، فيا خيبة الأمة إن كان الأعداء يصلون إليها فلا يسمعون منهم كلام الله! ويا عجب الحال إذا كان الأعداء يبثون أفكارهم، ويبثون دعواتهم ومبادئهم وعقائدهم، يبثونها إلى المسلمين غزواً في عقر دارهم، وما غزي قومٌ في عقر دارهم إلا ذلوا!! أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم هداةً مهتدين، وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم مباركين أينما كنا، وأن يهدي على أيدينا كفاراً إلى الإسلام، وأن يهدي على أيدينا ضلالاً إلى الالتزام.

فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [2]

فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [2] معلوم أن المسلم لا يعرف الفراغ سواءً كان في عمل أو إجازة، ولا يعرف اللهو واللعب والبطالة؛ لأنه لا يخلو في كل حال من عبادة يرضي بها الله جل وعلا، وفي بعض الأيام يواجه أبناؤنا إجازة طويلة، قد تكون لبعضهم منحة إلهية ومنة ربانية، وقد تفتح على بعضهم باباً إلى الهاوية والردى، وفي هذا الدرس دعوة إلى الاهتمام بالوقت والمحافظة عليه فيما يعود بالنفع، والتحذير من الإغراءات السامة التي تهدف إلى إفساد الشباب عبر الرحلات السياحية والدورات التعليمية خارج بلاد المسلمين.

الإجازة بين الصلاح والفساد

الإجازة بين الصلاح والفساد إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: معاشر المؤمنين! جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) فهذا سؤالٌ سيواجه كل مسلمٍ منا، فينبغي أن نعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً. أيها الأحبة في الله! مر بنا الحديث في جمعةٍ ماضية عن وصول الإجازة وتباين آراء الناس وأفكارهم في قضائها، ومعلوم أن المسلم لا يعرف الفراغ في كل وقته، سواءً كان في عملٍ أو في إجازة، ومعلوم أن المسلم لا يعرف اللهو ولا البطالة؛ لأن المسلم لا يخلو في كل حالٍ من عبادةٍ يرضي بها الله جل وعلا، سواءً كان في ليلٍ أو في نهار في ذهاب أو في إياب، في حلٍ أو في ترحال. أيها الأحبة! يواجه أبناؤنا إجازة طويلة، وهذه الإجازات قد تكون بالنسبة لبعضهم فتحاً إلهياً، ومنةً ربانيةً باستقامتهم وثباتهم وحسن إسلامهم، وتكون على البعض باباً إلى الهوى والشهوة، باباً إلى الفساد والغفلة، باباً إلى كل ما يجر البلاء والمصيبة عليه وعلى أفراد مجتمعه. فأما الذين تكون لهم هذه الإجازات أبواباً إلى الاستقامة وحسن الفقه في دين الله، فأولئكم الذين أعدوا لسؤال المواجهة جواباً، الذين تذكروا يوم يقفون بين يدي الله جل وعلا، ليسألوا عن أعمارهم فيما أفنوها وعن شبابهم فيما أبلوه، أولئك الذين تكون لهم الإجازة منةً ربانيةً للهداية والاستقامة، أولئكم الذين عرفوا قيمة الوقت، أولئك الذين علموا أن الوقت هو الحياة وأن كل يومٍ يمضي إنما يقربهم للأجل، وكل شهرٍ ينطوي إنما يقودهم إلى المنية، وكل سنةٍ تمضي إنما تقفز بهم إلى دارٍ برزخية، فمن أيقن ذلك وعلمه وعلم أن قيمة الوقت مرتبطةٌ بالنهاية، مرتبطةٌ بالمصير والمواجهة، اجتهد أن يستعمل في طاعة الله ومرضاته، واجتهد أن يسخر وقته فيما ينفعه يسر المرء ما ذهب الليالي وكان ذهابهن له ذهابا كثيرٌ من الناس يفرح بمضي الليالي والأيام، أو الشهور والأعوام فرحاً بما ينتظره من حظوظ الدنيا وبما سيناله في مراتب هذه الدنيا الفانية، ولكن البصير الذي يفقه حقيقة الدنيا يعلم أن مضي الأيام فيها إنما يقربه إلى أجله، ومن أدرك أن منيته قد دنت واقترب أجله ومضى أعظم عمره، أو لا يدري ما الذي مضى وما الذي بقي فحريٌ به أن يعد ويستعد، حريٌ به أن يتزود لدار الرحلة ونهاية المصير، نسأل الله لنا ولكم حسن الختام.

دعوات لإفساد الشباب في الإجازة

دعوات لإفساد الشباب في الإجازة معاشر المؤمنين! أولئك الذين تكون إجازتهم فتحاً ربانياً عليهم من الله، أولئكم الذين اعتنوا بمزيد العبادة، واجتهدوا في الصلاة مع الجماعة، وأشغلوا أوقاتهم بمرضاة الله جل وعلا، وعجبٌ أيما عجب أن ترى الأسئلة الكثيرة عن مشكلة الفراغ وفيما يقضي الناس أوقاتهم، ويفتح دعاة السوء ومزامير الباطل أبواباً من الفتن وصفحاتٍ من البلاء يدعون كثيراً من الشباب لقضاء أوقاتهم وإجازاتهم فيها عبر الرحلات السياحية، وعبر الدورات التعليمية التي يعدونها لأبنائنا خارج بلاد المسلمين. فلنعلم -أيها الأحبة- أن هذا خطرٌ وأي خطر، وبلاءٌ وأي بلاء، أن يظن بعض من لا حظ لهم من الوعي والفهم أنه يجازي ولده على نجاحه ويكافئه على تفوقه أن يرسله مع بعثةٍ سياحية لتتجول به في دول الغرب أو في أي بلادٍ كافرة، والله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] والبعض يلقي بفلذة كبده إلى التهلكة، والبعض يقذف ويزج بولده إلى الردى والهاوية. اعلموا يا معاشر المؤمنين: أنما تعلمونه أو تقرءونه أو تسمعونه من دعواتٍ تستجلب أبناءكم وشبابكم لتعلم اللغة الإنجليزية مثلاً عبر بعثةٍ سياحية، أو لتعلم دورةٍ على الحاسبات الآلية خارج أرض المسلمين، إنما هي دعوةٌ سامة قد لبست بالحلاوة وعليها طلاوة الفجور، فانتبهوا لأبنائكم! من ذا الذي يستقبلهم؟ ومن ذا الذي يتولاهم؟ أتهبط بهم الطائرات في مكة والمدينة؟ أتنزل بهم تلك البعثات إلى المراكز الإسلامية، أم تهبط بهم إلى الفنادق وإلى الشواطئ والأندية وإلى صالات اللهو وساحات الرقص؟ أيها الأحبة! الحذر الحذر من أن تزجوا بأبنائكم في مثل هذه الدعوات الباطلة، فإن كثيراً من المسلمين قد يغتر بها ويظن أنها تنمي قدرة ولده، فيحدوه أو يوافقه على التسجيل فيها، ويغيب ولده عن ناظريه شهراً أو أقل أو أكثر ويعود وقد كره مجتمعه وتكبر على ما في مجتمعه من القيم والآداب الشرعية والإسلامية، ويعود وقد تبرم من هذه المحافظة ومن هذا الستر، وقد جعل في قلبه نية العودة بعد الفرار من سيطرة والده عليه. إن كثيراً من الناس يشكو كيف تمرد ولده عليه وقد نسي أنه هو الذي فتح له باب التمرد، إن كثيراً من الناس يتألم لما أفلت زمام ولده من يده ونسي أنه هو الذي قدم له الزمام وأفلت له الخطام فجعله يعيش ويلهو أينما شاء وحيثما شاء وكيفما شاء.

الإجازة مزيد من الفهم والوعي

الإجازة مزيد من الفهم والوعي فيا عباد الله! اعلموا أن الإجازة مزيدٌ من الفهم مزيدٌ من الوعي مزيدٌ من العلم والإدراك لمن قام بما أمر الله وانتهى عما زجر الله، الإجازة نافعة والإجازة فرصةٌ بما فيها من مزيدٍ من الوقت لأن يرفع المسلم كفاءته وينمي قدراته، ويفتح أبواب مواهبه لتنطلق بناءةً نافعة فيما ينفعه وفيما ينفع أسرته وأبناءه. أما الذين يظنونها وقتاً يحتاج إلى القتل، ومصيبةً تحتاج إلى الإزهاق، فأولئك في الغالب لا يستفيدون من إجازتهم إلا مزيداً من البلاء والمصيبة، الوقت من أعظم النعم والمواهب لمن رزق فيه بعدم الانشغال بالضروريات وقد كفي مئونتها فله حظٌ في أن يسمو على أبناء جنسه، وأفراد مجتمعه بما يستغله من وقته وكان عون الدين بن هبيرة الوزير رحمه الله رحمةً واسعة، كثيراً ما يردد قوله: والوقت أعظم ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع وكان علامة الشام جمال الدين القاسمي رحمه الله إذا مر بأهل اللهو والفراغ والبطالة قال: والله لو تشترى الأوقات لاشتريت أوقاتكم! لما علموه من أن هذه الأوقات ضروف ومجالاتٍ تملأ بالعبادة والأعمال الصالحة. كيف كان أبناء السلف وكيف كان السلف وكيف كان الصحابة يملئون أوقاتهم، يقول صلى الله عليه وسلم: (كل لهو امرئٍ باطل إلا تأديبه ولده، أو تعليمه فرسه، أو ملاعبته زوجه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فاعلموا أن أي برنامجٍ ينشغل فيه الواحد عما يعود عليه بالنفع العام فيما يقربه إلى الله، أو فيما هو مختص بما ورد في هذا الحديث فليعلم أنه لهوٌ باطل ألا فليغير برنامجه وليغير منهجه وليستفد من وقته ما دام الفراغ ممكنا والاشتغال بعيداً. أسأل الله جل وعلا أن يحسن لكم الخاتمة، وأن يستعملنا في مرضاته، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.

أهمية المحافظة على الوقت

أهمية المحافظة على الوقت الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة؛ وكل بدعةٍ ضلالة؛ وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: قضاء الإجازة أو وقت الفراغ يعود لكل واحدٍ بالنسبة لحاله ومرتبته ومكانته، فأما سائر الشباب فإنا ننصحهم على اختلاف مستوياتهم أن يملئوا أوقاتهم بما يرفع قدراتهم، فمثلاً: تمضي هذه الإجازة بشهرين أو بثلاثة وقد كنت لا تحفظ من القرآن شيئا فلو قررت ألا تنتهي الإجازة إلا وقد حفظت من القرآن حظاً طيباً فهذا قرارٌ رشيد، وحظٌ جزيلٌ لمن قام به وناله، وما الذي يمنع الكثير منا وهو يملك في كل يومٍ وليلة أربعاً وعشرين ساعة، أيعجزه أن يقضي ساعةً في بيتٍ من بيوت الله عند أحد القراء الحافظين؛ لكي يحسن تلاوته ولكي ينمي موهبته ولكي يزيد حظه من كلام الله جل وعلا. إن من قام ولو بساعةٍ واحدة في كل يومٍ عبر هذه الإجازة لقادرٌ أن يحفظ ثلث القرآن كاملاً بلا شك أو تردد، فما الذي يعيقنا أو يردنا أو يمنعنا إلا أن الأوقات تضيع في السبات العميق، وفي النوم الطويل وفي الذهاب والإياب مع أناسٍ قد لا يعود الذهاب والإياب معهم بحظٍ وافرٍ من الأجر على النفس. فيا عبد الله: قارن نفسك إن كنت تحترمها، وقارن وقتك إن كنت تقدر قيمته قبل الإجازة وبعدها في بداية الإجازة ونهايتها، إن كنت ممن يحترم نفسه فأنت ممن يحترم وقته، ومن قدر قيمة الوقت وضع القرارات المناسبة لما يملأ به وقته ليجد نفسه أمام آخر يومٍ من أيام الإجازة، هل حقق ما قرر أم لا؟ ولست بمرجعٍ ما فات مني بليت ولا لعل ولا لو اني أما الذين يسوفون وليتنا ولعلنا ولو أننا إلى آخر ما يرددون به على أنفسهم ويتمنونه، فإن التمني رأس أموال المفاليس، فأولئك يبدءون أعواماً وليست إجازات، وتنتهي سنوات وليست لحظات وهم على مكانهم عرفناهم قبل خمس أو عشر سنين وهاهم اليوم كما عرفناهم لم يزدادوا فقهاً ولا حفظاً ولا علماً ولا دعوة، فمن كان يعرف قدر نفسه وقيمة وقته فليقارن بين بدايته ونهايته ليعلم إن كان حقق نجاحاً ليحمد الله أو ليقيم نفسه في عداد الذين لا يعرفون لأوقاتهم قيمة، إن أصحاب المشاريع ليضعون المخططات ثم يقسمون مراحل العمل على مرحلةٍ أولى، فيقدرون أنهم في الشهر الأول ينهون هذه المسافة من هذا المشروع، وفي الشهر الثاني ينهون هذه المسافة من هذا المشروع وفي الشهر الثالث يكملون مشروعهم كاملاً، فحريٌ بنا ونحن نعنى بأوقاتنا فيما يقربنا إلى طاعة ربنا أن نجعل المخطط أمامنا وأن نبني المشروع بين أعيننا، فمشروعنا كتاب الله، من ذا الذي يعاهد ربه في هذه الإجازة أن يحفظ حظاً من كتاب الله جل وعلا، من ذا الذي يعزم بنفسه على أن ينال حظاً من سنة رسول الله، أين داعية يعزم على نفسه أن يهدي الله على يديه في هذه الإجازة أربعةً أو خمسةً من الشباب، يردهم إلى المساجد بعد أن كانوا لا يصلون، يردهم إلى البر بعد أن كانوا يعقون، يردهم إلى الصلة بعد أن كانوا يقطعون، هذه مشاريع الشباب المسلم في هذه الإجازة، حفظ لكتاب الله، وفقه لسنة رسول الله، ودعوةٌ إلى الله، وهداية للضلاّل إلى صراط الله، وعملٌ بما يقربهم إلى مرضاة الله جل وعلا. أما الذين تبدأ الإجازة وتنتهي ولم يزدادوا بها إلا كسلاً ونوماً وخمولاً، فأولئك قد دفنوا جزءً عظيماً ووأدوا حظاً وافراً من أعمارهم.

الواجبات أكثر من الأوقات

الواجبات أكثر من الأوقات أيها الأحبة: من أدرك قيمة الوقت ما عاد لديه فراغٌ يشكو منه، الواجبات أقصر من الأوقات، فلو اعتنى كل واحدٍ منا ببر والديه وصلة رحمه وزيارة إخوانه في الله، والتقلب في أنواع طاعة الله سبحانه وتعالى، والمشاركة بما يجعل له حظاً في الدعوة إلى الله لما وجد وقتاً يشكو من فراغه، بل لتمنى أن اليوم والليلة ثمانية وأربعين ساعة بدلاً من أربعٍ وعشرين ساعة، لما يجد من الواجبات التي تحتاج إلى مزيدٍ من الأوقات لقضائها. وإننا لنعرف شباباً يحصل لهم في هذه الإجازة فتور وكسل وتهاون، والسبب والله أعلم عائدٌ إلى تفلتهم من مجالسة الأخيار وتساهلهم بمقارنة الأشرار لما رأت أختها بالأمس قد خربت صار الخراب لها أعدى من الجرب فمن صاحب الأشرار يوماً يعد في جملتهم وقائمتهم، ومن صاحب الأخيار نال شرف النسبة إليهم. فيا شباب الإسلام! الله الله لا تنقطعوا عن إخوانكم في الله بل إن الإجازة لفرصةٌ ممكنة في أن توثق الروابط، وأن تتعمق الصِلة بإخوانكم في الله الذين تذكركم بالله رؤيتهم، وتعينكم على الحق مصاحبتهم، وتذكركم مصاحبتهم ما نسيتم من أمر الله.

الإجازة فرصة لتنمية المواهب

الإجازة فرصة لتنمية المواهب فيا شباب الإسلام! الإجازة فرصةٌ لتنمية المواهب ورفع القدرات والكفاءات، ألا ليت شاباً يأنس من نفسه حب الوعظ والإرشاد، يتجول في المساجد لكي يستأذن الإمام في أن يلقي كلمةً يتدرب بها على الإلقاء وعلى الوعظ والإرشاد، فما تمضي هذه الإجازة إلا وهو في عداد المرشدين النافعين، ألا ليت شاباً يعرف قيمة هذه الإجازة فيقرر أن ينال حظاً وافراً من الدعوة إلى الله: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) فلو عرفت جاراً لا يصلي وقررت أن يكون هذا الجار هو مشروعك في هذه الإجازة، فبدأت بهديته ومضيت على نصيحته، ولاطفته فيما يقربه إلى الله فنلت محبته ونلت مودته، فهداه الله على يدك، أي نصرٍ وأي نجاحٍ وأي فلاحٍ أعظم من أن تنال عباداتٍ كاملة، يقوم بها رجلٌ سواك وكل عملٍ يفعله فلك مثل أجره: (من دعا إلى هدى فله مثل أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة). شباب الإسلام! المراكز الصيفية تفتح أبوابها بما فيها من مختلف الأنشطة الرياضية والاجتماعية والفكرية، فهلم إليها وتوجهوا إليها واستفيدوا مما يدور فيها، وإن البعض ليقول: قد شاركنا فلم نستفد، أقول: نعم، من شارك مشاركةً سلبية فلن يستفيد شيئاً، ومن شارك مشاركةً إيجابية فسيستفيد بإذن الله خيراً عظيماً. كثيرٌ من الشباب حينما ينتسب إلى مركزٍ صيفي أو مكتبةٍ خيرية أو صحبةٍ صالحة، تراه مطرقاً ساكتاً صامتاً قد يمنعه الخجل والحياء، فليعلم أن العلم والفضل لا يناله مستحٍ ولا مستكبر، إن الحياء الذي يردك عن مزيد العلم لا يعتبر حياء، وإن التكبر الذي يردك أن تتواضع لكي تتعلم لمن أخبث الطباع أيضاً، فشارك في هذه المراكز وبادر إليها وكن عنصراً إيجابياً في كل مجالاتها، وقارن نفسك قبل الالتحاق بها وبعد الخروج منها، ستجد أنك نلت حظاً عظيماً، ولقد عرفنا كثيراً من الخطباء وكثيراً من الدعاة وكثيراً من الذين واصلوا تعليمهم كان الفضل لله، ثم لهذه المركز الصيفية يوم أن التحقوا بها وشاركوا في أنشطتها فعرفتهم قيمة أنفسهم وثمن أوقاتهم بإذن الله جل وعلا. فالله الله يا شباب الإسلام! لا تضيعن الإجازة سدى واعلموا أن بناتكم -أيضاً- يواجهن قضية الإجازة، ولعل المشكلة تكون أكبر بالنسبة للفتاة، فالواجب على كل شابٍ وعلى كل زوجٍ وعلى كل أخٍ أن يجعل في بيته منتدىً إسلامياً ومركزاً صيفياً ونشاطاً يومياً، يقدم كل يومٍ شريطاً جديداً لزوجته أو لأخته أو لأهل بيته، يقدم كل يومٍ مجلةً إسلامية تحوي أخبار المسلمين ومختلف المواضيع، يقدم كل يومٍ برنامجاً نافعاً لا أن يستمتع هو بإجازته وأخته أو زوجه أو أهله حبيسة البيت، لا تستفيد من إجازتها شيئاً، فالأقربون أولى بالمعروف. وابدأ بنفسك ثم بمن تعول فهم أحق من يحتاجون إليك في هذه الإجازة، فأعنهم وشاركهم في قضاء أوقاتهم بما ينفعهم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بشبابنا ضلالة وأراد بنسائنا تبرجاً واختلاطاً وسفوراً، وأراد بعلمائنا مكيدة، اللهم اجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره يا سميع الدعاء. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعهم بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم أسبغ وافر الرحمة على قبره، وافتح له باباً إلى جنتك يا رب العالمين. اللهم أبرم لأمتنا أمر رشدٍ، يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.

قصة من آثار الخدم

قصة من آثار الخدم إن من المخجل والمخزي ما تهاون به كثير من المسلمين من استقدام الخدم والخادمات من غير حاجة ماسة لذلك، أو مراعاة لمصلحة راجحة أو غير راجحة، وفي هذه المادة يتكلم الشيخ عن جملة من الإرشادات التي ينبغي مراعاتها لمن ابتلي بالخادمات في بيته.

أمور في استقدام الخادمات

أمور في استقدام الخادمات الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: الحديث عن الخدم والخادمات معلوم لدى الجميع شيء كثير عنه؛ لكثرة ما يتعرض له في الإذاعات والندوات والخطب وغيرها، لكن الذي نريد أن ننتبه له في هذه الخطبة، هو أن نعلم جملة من القوانين والإرشادات التي ينبغي مراعاتها لمن ابتلي ببلية الخادمات في بيته، وقبل أن نفصل في ذلك فلا بد أن نذكر أن الكثير منا يعلم أضرار استقدامهن ومساكنتهن ومخالطتهن في البيوت مع الأطفال والشباب وأفراد الأسرة، لكن البعض ابتلي بهن للحاجة الماسة إليهن؛ لظروف مرض أو عجز أو حاجة، كل يختص فيما دعاه إلى استقدامهن. أيها الإخوة: ينبغي أن نعلم أنه لا ينبغي لأحد أن يجعل خادمة في بيته إلا لحاجة ماسة ومصلحة راجحة، تدعوه للإقدام على ذلك، ومن أجلها يضطر أن يتحمل جزءاً من سلبيات هذا الاستقدام محاولاً تلافي ذلك ما أمكن إليه سبيلاً، لكن المؤسف والمخجل هو ما تهاون فيه كثير من المسلمين في هذا الباب حيث فتحوه على أنفسهم، فأخذ كل يستقدم من غير مراعاة لحاجة ماسة أو غير ماسة، من غير مراعاة لمصلحة راجحة أو غير راجحة، ومن صريح القول -أيها الإخوة- أن نحدد النقاط التي نريدها كما يلي:

استقدام أكثر من خادمة

استقدام أكثر من خادمة الأمر الأول: يستقدم البعض منا أكثر من خادمة في حين أنه لا يحتاج إلا لواحدة فقط أو قد لا يحتاج، لكن المباهاة والمفاخرة جعلت بعض المسلمين يستقدم الخدم من دون حاجة، ويستقدم أكثر مما يحتاج إليه، وهذا الأمر هو الذي فتح باب الفراغ القاتل والبطالة الخطرة على بعض الفتيات، وسينتج هذا أو قد أنتج عدداً كبيراً من الفتيات اللاتي لا يعرفن إعداد أدنى واجبات المنزل، ويبدو هذا واضحاً عندما تتزوج الواحدة منهن فتقع في خلاف ومشاكل زوجية، فهي لم تتعود سلفاً أن تعد الطعام، أو أن تجهز الملابس، أو أن تعتني بالبيت، بل قد كان ذلك من واجبات الخادمة، ومن ثم سيضطر زوجها إلى طلاقها أو البقاء معها في مناخ تسوده الخلافات وسوء العشرة.

التهاون في لباس الخادمة ومخالطتها

التهاون في لباس الخادمة ومخالطتها الأمر الثاني: أن البعض منا حينما يستقدم خادمة لحاجة لا بد منها، تراه يتهاون في حجابها ولباسها وحشمتها أمامه وأمام أولاده، ومن المؤسف أن ترى كثيراً من المسلمين لا تتورع الخادمة في بيته أن تلبس ما شاءت من لباس زاه أو خفيف يشف ويكشف عما تحته من أجزاء بدنها وعورتها، ولا تتردد أن تدخل وتخرج أمام رب المنزل بهذا اللباس، ولا شك أن هذا من الحرمة بمكان، ولما ينتج عنه من إفشاء نيران الشهوة والفتنة المحرمة، والرغبة في الخلوة وتزيين الفاحشة والعياذ بالله. ومن المؤكد أن السبب في تساهل الخادمة بأمر الحشمة إلى هذا الحد هو صاحب المنزل الذي استقدمها، وسكت عن بداية تهاونها حتى أغرقت في سفورها عن مفاتنها أمامه وأمام أولاده، فتنبهوا لذلك -يا عباد الله- وليحرص من ابتلي بالضرورة والحاجة إليهن أن يبقي حاجزاً كبيراً في المعاملة معهن، ولا يتباسط في المعاملة والحديث؛ لكي يجعل الخادمة تعاب منه ومن الدخول عليه وهو في أي مكان في منزله، وليجعل من زوجته أو بناته وسيلة الاتصال فيما يأمر بإعداده وتجهيزه. ولقد نتج من تهاون كثير منا بحشمة الخادمة أن أصبحت الخادمة تدخل على الواحد في حجرة نومه أو بيته من غير مراعاة لأدب أو حياء، ومن ذلك خروج الخادمة مع زوجة الرجل كاشفة حاسرة عن وجهها وشعرها، وذلك لا شك يعرض الجميع -يعرض الزوجة والخادمة- لأطماع الشاذين والمنحرفين أياً كان ذلك الخروج، سواءً كان في السيارة أو في السوق أو في الطريق، وربما جرت الخادمة البلاء والمكروه لزوجة الرجل في داره بسبب خروج الخادمة بهذه الطريقة. ومن ذلك خروج الخادمة بمفردها أو مع خادمة أخرى، وهذا كثيراً ما نراه في هذه الأيام، تخرج الخادمة بمفردها أو مع غيرها في بعض الأوقات في وقت متأخر من الليل، أو مبكر في الصباح في حين خلوة؛ لشراء بعض الحاجات المنزلية، وهذا -أيضاً- أمر خطير، إذ أن تلك الخادمة المسكينة قد تقع في شباك الفاحشة بإغراء المال الذي لم تترك بلادها إلا لأجله، أو بالفتنة والخلوة وتزيين الشيطان أو غير ذلك من الأسباب.

استقدام الفتاة الصغيرة الجميلة

استقدام الفتاة الصغيرة الجميلة الأمر الثالث: أن بعض الذين يحتاجون إلى الاستقدام يستقدم فتاة صغيرة جميلة يتراوح عمرها بين الثامنة عشر أو الخامسة والعشرين أو بين ذلك، ولا شك أن رجلاً كهذا استقدم وصيفة أو جارية ولم يستقدم خادمة، إذ أن الفتاة الصغيرة أو من تكون في هذا السن أقرب إلى الشهوة والفتنة من غيرها، وذلك لشباب عمرها وضعف عقلها، خاصة إذا كان في المنزل شباب في سن المراهقة أو حول سن المراهقة، فإن هذا -يا عباد الله- استقدام مصيبة وبلية لا خادمة، إذ من الواجب على من احتاج لهذا أن يستقدم امرأة جاوزت الثلاثين من عمرها تقريباً، غير جميلة وفاتنة. ومن المضحك المخزي أن ترى واحداً قد استقدم خادمة أصغر وأجمل من زوجته إلى حد كبير، فيا ليت شعري أي باب من الفساد في حياته الزوجية قد فتحه على نفسه.

استقدام الكفار

استقدام الكفار الأمر الرابع: أن بعض من احتاج لاستقدام الخدم والخادمات يستقدم الكفار ولا يرغب في استقدام المسلمين، وهذا لا شك أنه لا يجوز؛ لمخاطر الخادمة الكافرة في الدين والعقيدة والتربية على الأطفال والنشء والصغار، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب وقال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً) رواه مسلم. واستقدام الكفار قد يدخل في موالاتهم والعياذ بالله، فكيف يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراجهم من جزيرة العرب والبعض منا إذا جاء يريد أن يكتب توكيلاً أو يطلب خادمة يقول: أريد كافرة لا مسلمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

سوء المعاملة مع الخدم

سوء المعاملة مع الخدم الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ شد في النار عياذاً بالله من النار. معاشر المؤمنين: إن بعض المسلمين الذين اضطروا إلى استقدام الخادمات لا يتقون الله جل وعلا في معاملتهن، ويحملونهن من الأعمال والبلاء ما لا تطيقه الواحدة منهن، وهذا والله ظلم عظيم، وأشد الظلم ما كان لضعيف لا يملك لنفسه حولاً ولا طولاً ولا قوةًَ إلا بالله العلي العظيم. معاشر المؤمنين: إن بعض الذين يقسون في معاملة الخادمة، سواءً كان الذي يعاملها هو الرجل أو المرأة، ولا ينبغي للرجل أن يأمرها أو ينهاها وإنما ينبغي له أن يجعل زوجته وسيلة الاتصال بذلك، أو أن يأمر وهو في مكان بعيد يسمع صوته ويلبى ما يريد، ويوضع في مكانه بحيث لا تحصل الخلوة أو تتكرر المشاهدة والمقابلة، إن بعض الذين يقسون في معاملة الخادمة يضطر الخادمة إلى أن تنتقم منهم انتقاماً في أي مكان استطاعت أن تنثر غيظها فيه وأن تضيح بمكلوم بغضها لما لاقته من هذه المعاملة الشرسة، وعلى أقل الأحوال إن عادت إلى بلادها وقد سلم أهل المنزل منها تعود بمفهوم سيئ عن المسلمين في معاملتهم، وتعود بمفهوم سيئ عن المسلمين في تطبيق أحكام دينهم، وهذا باب من الفساد عظيم.

عواقب سوء المعاملة مع الخدم

عواقب سوء المعاملة مع الخدم إن الذين يعاملون الخادمة بهذه الطريقة القاسية فلا يراعون ما يحل بها من المرض أو الجهد أو الضنك، إنهم بذلك لا يخشون الله في هذه المسكينة، رغم الحاجة إليها فإنه لا ينبغي لأحد أن يحملها من العمل والجهد ما لا تطيق، ومن خالف ذلك فإنه على خطر أن تنتقم الخادمة منه خاصة إذا كانت كافرة، ولا ينبغي لمسلم أن يستقدم كافرة. ولقد سمعنا كثيراً وكثيراً عن عدد من الخادمات اللاتي انتقمن بسرقة الذهب والمجوهرات وغير ذلك، أو على أقل الأحوال إتلافها، انتقمت بإتلاف كل ما هو ثمين في المنزل خشية أن يكشف معها على الحدود أو المطارات، فجعلته في مكان لا يعرف أو ألقته في مكان يجل المسجد عن ذكره، إن ذلك كله بسبب القسوة والمعاملة السيئة، إذ أنه لا بد للإنسان حينما يرى تهاوناً أو تكاسلاً يريد لهذه الخادمة أن تنتبه إليه أن يجعل ذلك عبر زوجته، وأن تنبهها بأسلوب لطيف كي لا تنتقم من أولاده أو من زوجته أو أي فرد من أفراد الأسرة.

صورة من انتقام الخادمات لسوء المعاملة

صورة من انتقام الخادمات لسوء المعاملة علمت علم اليقين بحادثة دامية، وحادثة هي التي جعلتني أكتب هذه الخطبة، وهي أن خادمة -وهي كافرة- كانت تلقى معاملة سيئة، والأصل أنه لا يجوز استخدام الكافر والكافرة، وكلكم يعلم هذا، وتردد هذا كثيراً في الندوات والخطب والمحاضرات. استقدم خادمة كافرة، وكانت تلقى قسوة في المعاملة من صاحبة المنزل فيما يبدو ذلك، فلما قرب أو بقي مدة لا بأس بها على ذهابها إلى بلادها وتسفيرها وخروجها ماذا فعلت؟ في حين غفلة من أهل المنزل، وفي حين عدم وجود صاحب المنزل، والأم في غفلة عظيمة عن أولادها وأطفالها، أسأل الله أن يجبر مصيبتها فيما حل بها، أمسكت تلك الخادمة الخبيثة بالطفلة الصغيرة فذهبت بها إلى دورة المياه ووضعتها في مكان يسمى البانيو، فلما وضعتها أخذت شيئاً حاداً أشبه ما يكون بالشاطور فضربت به بين مفصل رقبتها وكتفها ضربات متعددة حتى أزهقت روحها، وجعلت دماءها تطيش في هذا الحوض داخل دورة المياه، ثم اتجهت إلى أخيها الصغير وأرادت أن تنتقم منه وطعنته طعنات متعددة فسمعت الأم بسبب صراخ طفلها، فجاءت لتنظر ما الخبر، وإذ بها ترى طفلة تتشحط في دمائها، وطفلاً قد طعن طعنات في زند يده، فأخذت تدافع وهمت الخادمة بقتل الأم -أيضاً- ثم تعاركت معها في عراك شديد، فأعان الله الأم عليها ودفعت بها في مكان وأقفلت عليها، واتصلت بزوجها ودعت سلطات الأمن والشرطة للتحقيق في ذلك، ولما حقق معها ماذا قالت؟ قالت: كنت أريد أن أنتقم من أفراد المنزل كلهم جميعاً، أريد أن أقتلهم جميعاً. هذا ما صرحت به ونطقته في هذا التحقيق الذي علمته علم اليقين ولا أقوله نقلاً عن فلان أو علان، إنها لحادثة مؤلمة، إنها لحادثة تجعل الإنسان يسأل الله جل وعلا ألا يحيجه إلى هؤلاء الخدم والخادمات، وأن يستغني بما آتاه الله جل وعلا عنهن أياً كانت الظروف، وأياً كانت الأسباب والمسببات، ولكن إذا كان لا بد للإنسان منهن؛ فليتق الله في المعاملة، وليحرص على عدم استقدام الكافرة التي لا دين لها يردعها، ولا عقيدة في قلبها تمنعها، ولا تعرف إلا الانتحار حين تفعل ما دار بخلدها، وحينما تطبق ما تريد أن تفعله في أهل الأسرة انتقاماً منهم، الكافرة لا دين لها، الكافرة لا عقيدة لها فكيف نرضى أن نجعلها في بيتنا؛ نأكل من طبخ يديها، أو نشرب من إعداد يديها، أو نرضى أن تمس أطفالنا أو تمس عوراتهم؟ هذا والله بلاء عظيم! وهذا قد يدخل في ضعف الولاء والبراء، وضعف الموالاة والمعاداة في الله. لا ينبغي لأحد أن يستقدم الكافر والكافرة أياً كانت الظروف ما دام يجد عن ذلك بديلاً ولغيره سبيلاً، لا بد أن يمتنع وينتهي أقوام عن وجود الخادمات الكافرات في بيوتهم، وعليهم أن يتوبوا إلى الله، وأن يبادروا بتسفيرهن وإخراجهن أياً كانت الخسارة، بضعة آلاف لا تتجاوز الأربعة أو الخمسة في سبيل بقاء الأسرة على مستوى من صفاء العقيدة ونقاء الدين. أما المسلمة التي يستقدمها الإنسان في حاجة إليها فعليه أن يراعي ما ذكرنا ذلك كله. وإن من البلاء: أن بعض المسلمين -هداهم الله- يهين الخادمة إهانة عظيمة، فتجده يمرح ويضحك مع أصدقائه وزملائه ثم يصيح للخادمة بأعلى صوته أن تحضر له الشاي والقهوة، فتأتي هذه المسكينة تمشي على استحياء وتدخل والنظرات تأكلها من مفرق رأسها إلى أخمص قدمها، تنظرها العيون مقبلة مدبرة، وتدخل على الرجال لكي تضع ما بيدها من شاي أو غير ذلك. أما يتقي الله ذلك الذي استقدمها كيف يرضى أن تدخل بين الرجال؟ ما دمنا قد غضضنا النظر مع شعور الإنسان بالخطأ وشيء من الإثم والمخاطرة في استقدامها بدون محرم لها، فما الحال في دخولها على الأجانب، وما الحال في تعويدها على الدخول على الرجال، إما أن تقدم شيئاً أو تخرج شيئاً، هذا غلط عظيم وشر جسيم، وبلاء قد عم كثيراً من المسلمين وأخذوا يتهاونون به. عباد الله: اتقوا الله في معاملة أولئك الضعفاء الذين اضطرتهم الحاجة إلى المال وإلى لقمة العيش إلى السفر، وخلفوا أطفالاً صغاراً وعجائز كباراً، خلفوا كل ذلك لكي يأتوا بقليل من المال، فما بال بعضنا يفتن الواحدة في عرضها وفي دينها، ويكسر حجاب حيائها وحشمتها في إدخالها أمام الزوار في المجالس ذاهبة آيبة، أو بأمرها أن تخرج إلى السوق أو الدكان لتحضر له شيئاً مما يريد، وهذا ينافي تعاليم الإسلام وآدابه، وإن من فعل ذلك لعلى خطر عظيم. أما تخشى الله جل وعلا الذي أعزك في بلاد عز وأكرمك في أرض كرامة، وآتاك من المال والجاه والمتاع، وجعل أولئك يبتلون في مالهم وأنفسهم فاضطروا أن يهاجروا رجالاً ونساءً ليخدموك؟ أما تخشى الله أن يزيل الدولة وأن يغير الأيام {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]؟ أما تخشى الله الذي جعلك غنياً وجعلها فقيرة أن يجعلك فقيراً ويجعلها غنية؟ اتق الله في هذه المسكينة التي في يدك، إذا كنت في غير حاجة لها فاحرص ما استطعت أن تستغني عنها، وأن تبقى سعيداً في بيتك مع أولادك لعدم وجود من يكدر صفو هذه الخلوة مع زوجتك وأولادك، فإذا كان لا بد منها لحاجة لا مفر منها فعليك أن تتقي الله فيها. لا تخرجها في سيارتك حاسرة الوجه والرأس، ولا تتحدث معها، ولا تجعلها تدخل عليك، واجعل وسيلة الاتصال بها زوجتك، ولا تخرجها إلى السوق لكي تحضر شيئاً من الحاجيات من الدكان أو غيره، وإذا رأيت ما تكره كذلك فازجرها وانهرها، وإن رأيتها متهاونة في لباس فازجرها ومرها بلباس حشمة، فإن ذلك أتقى لك ولها، وأقوم لأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر. ولا تحملها من العمل ما لا تطيق، وعلم زوجتك أن تحسن معاملتها؛ فإنك إن أسأت المعاملة وظننت أنها مسكينة ضعيفة لا تملك أحداً تشكو إليه الحال إلا إلى ربها، فإنك بذلك قد تجني هذه النتيجة في أولادك وفي زوجتك والعياذ بالله. نسأل الله جل وعلا ألا يعرضنا للفتنة والبلاء، وأن يحفظنا بالإسلام قائمين قاعدين، اللهم احفظنا بحفظك، اللهم اكلأنا بعنايتك، اللهم احرسنا بعنايتك يا رب العالمين! معاشر المؤمنين: اتقوا الله في هذا الأمر كثيراً، وأمروا من تعرفونهم يتهاونون في ذلك، ومن المؤسف المخزي -أيضاً- أن بعضهم لا يصرف لها رواتبها، ولا يعطيها حقوقها، ولا يكرمها بما يكرم به أهله، والواجب على الإنسان الذي اضطر إليها أن إذا أتى بشيء من الملابس أو غير ذلك أن يشتري ولو حاجة بسيطة يدفعها لزوجته تقدمه إليها تطييباً لخاطرها، وإشعاراً لها بخاطر الرحمة والرأفة والشفقة والمودة من إخوانها المسلمين، لكي تعود وهي تعلم أن في بلاد الإسلام مسلمين على حق، ومسلمين بحق، مسلمين يخشون الله حق خشيته فيما ولاهم الله وفيمن كانوا دونهم من الخدم والحشم وغير ذلك. فاتقوا لله -يا عباد الله- خاصة فيما يتعلق بالمعاملة، فإن هذه الحادثة الدامية التي سمعتم بها ليست أولى ولا أخيرة، ولقد سمعنا كثيراً وكثيراً لكن كثيراً ما نسمعه بالنقل وعن وعن وعن، أما هذه فعلمته من مصدر أشبه ما يكون مباشراً في مباشرة الأمر وتحقيقه. إذاً: -يا عباد الله- اتقوا الله تعالى في هذه المعاملة، واحرصوا ألا تجعلوا الخادمة تتولى أمر الأطفال خاصة في نظافتهم ومباشرة عوراتهم وفروجهم؛ لأن ذلك قد يعودهم في المستقبل على أمور سيئة لا تحمد عقباها. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءً، وأراد ولاة أمرنا بفتنة، وأراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بشبابنا ضلالاً، وأرد بنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف. لا إله إلا الله الحليم العظيم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم. اللهم يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم يا من بيده ملكوت كل شيء، اللهم يا رب السماوات والأرض، اللهم يا من بيده الملكوت، يا ذا العزة والجبروت، اللهم أرنا عجائب قدرتك في الفرس الإيرانيين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، اللهم أهلك زروعهم وضروعهم، اللهم عجل زوالهم، اللهم عجل زوالهم، اللهم عجل زوالهم وفناءهم، اللهم أرنا فيهم شر ما تجزي به ظالماً في ظلمه، وطاغياً في طغيانه، ومتجبراً في تجبره، وفاسقاً في فسقه، وكافراً في كفره، وملحداً في إلحاده، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم اردد كيدهم في نحورهم، اللهم اضرب بعضهم ببعض، اللهم اجعلهم أحزاباً وطوائف شتى، اللهم اضرب بعضهم ببعض، اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمد من بينهم سالمين آمنين بقدرتك يا رب العالمين! اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلى زوجته، ولا أسيراً إلا فككت أسره، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لنا ولوالدينا، واجزهم عنا خير الجزاء، اللهم اغفر لنا ولموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أعنا على ما أعنتهم عليه، اللهم أعنا على ما أعنتهم عليه. اللهم اختم بالشهادة والسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى الجنة مصيرنا ومآلنا، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم إنا نسألك توبة قبل الموت، وراحة عند الموت، ونعيماً في القبور بعد الموت. اللهم انصر إمام المسلمين، اللهم أعز إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح إخوانه وأعوانه، اللهم اجعلهم

قصص وعبر

قصص وعبر في هذا الدرس تجد قصة لفتاة تهاونت بالمعاكسات الهاتفية، فأدى بها ذلك إلى ذهاب عِرْضها ثم ذهاب حياتها، وقصة لمجاهد يحترق بيته فتموت ابنته وزوجته ولكنه يقف صابراً محتسباً أمام قضاء الله وقدره. وبعد ذلك يتحدث الشيخ عن فضل الجهاد والمجاهدين وحث الناس على دعم المجاهدين.

مقدمة في فضل حلق الذكر

مقدمة في فضل حلق الذكر الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، واسمه الأعظم الذي سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب أن يجمعنا في جنته كما جمعنا في هذا المكان، وأسأله سبحانه أن يجعل اجتماعنا وكلامنا واستماعنا هذا خالصاً لوجهه الكريم، فإن العمل إذا فقد الإخلاص كان هباءً منثوراً، وكان حجة وعذاباً وبلاءً على صاحبه، يقول الحسن البصري: [الناس هلكى إلا العالمون، والعالمون هلكى إلا العاملون، والعاملون هلكى إلا المخلصون، والمخلصون على خطر عظيم]. ووالله -أيها الأحبة في الله- إن الإخلاص ما فقد من عمل إلا وكانت أموره ومشوبة بنقص وخلل، ومهما كثر ذلك العمل، وإن وافق الإخلاص عملاً من الأعمال كان بركة وطهارة وفضلاً وخيراً عليه، فأعود وأسأله أن يرزقني وإياكم الإخلاص الذي من أجله أمرنا الله أن نعبده: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]. أحبتي في الله: لا يفوتني أن أذكركم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي معناه: (إن لله ملائكة سيارين في الأرض يبتغون حلق الذكر، فإذا وجدوا شيئاً منها نادى بعضهم بعضاً أن هلموا، فيجتمعون فيسألهم ربهم: علام اجتمع عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا رب! اجتمعوا يسألونك ويشكرونك ويذكرونك ويستعيذون. فيقول الله جل وعلا: وما الذي يسألونني؟ فتقول الملائكة: يسألونك الجنة) الجنة التي من أجلها نسعى هذا السعي ونطلبها ونرجوها، الجنة -أيها الأحبة- التي كما قال أحد السلف: عجبت للجنة كيف نام طالبها؟! وعجبت للنار كيف نام هاربها؟! الجنة التي سأل النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها رجلاً من الأعراب، فقال: (يا أعرابي! كيف تصلي؟ فقال الأعرابي: يا رسول الله! إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ -أنا لا أعرف كيف تدعو أنت وكيف يدعو معاذ - ولكني أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: أنا ومعاذ حولها ندندن). تقول الملائكة: (يا ربنا! يسألونك الجنة. فيقول الله: وهل رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: لا. فيقول الله جل وعلا: كيف لو رأوها؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد لها طلباً) والجنة شأنها عجيب والناس عنها غافلون في هذا الزمان، وكل خير وكل بر طريقٌ مفضٍ ومؤدٍ إليها ولكن الناس يغفلون عن هذا، فهي كما قال ابن القيم رحمه الله في نونيته: يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن كيف تصبر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان حور تزف إلى ضرير معقد يا محنة الحسناء بالعميان تتمة الحديث أن الله جل وعلا يقول للملائكة: (وممَ يستعيذ عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! يستعيذون بك من النار. فيقول الله جل وعلا: وهل رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: لا. فيقول الله جل وعلا: كيف لو رأوها؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد منها هرباً وخوفاً. فيقول الله جل وعلا: يا ملائكتي! يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت لهم) فأبشركم -أيها الأحبة- أن من جلس في بيتٍ من بيوت الله يسمع كلام الله وذكر الله، ويحمد الله ويسبح الله فليبشر بخير عظيم وفضل عميم، ولعله أن يخرج من هذا المسجد وقد محيت ذنوبه وسيئاته. (ثم تقول الملائكة: يا ربنا! إن في هذا الجمع فلان بن فلان ليس منهم وإنما جاء لحاجة -أرسل لأمر ما- فيقول الله جل وعلا: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم). فيا أحبتي في الله: أبدأ كلامي مثنياً على الله الخير كله، ونحمده على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، ونعم الله علينا تترى متتابعة، ومعاصينا تترى لا تنقطع، الحمد لله على حلمه بعد علمه، وعلى عفوه بعد مقدرته. أيها الأحبة في الله: موضوعنا -كما تعلمون- قصص وعبر، ما جئنا في هذا المكان لنقول لكم: كان يا ما كان، في قديم الزمان، وما جئنا في هذا المكان لنختلق أو لنجمل أو لنزين، أو لنفذلك أو نزيد أو ننقص في أحداث بلغت أو سمعنا، ولكن أريد أن نعلم قبل ذلك أن القصص أخبار، والخبر الصادق نوع من أنواع المسالك التي تثبت بها العقائد.

سبل تثبيت العقيدة في القلوب

سبل تثبيت العقيدة في القلوب يقول العلماء: إن العقائد تصل إلى القلوب بثلاث سبل: فأولها -المسلك الأول الذي تثبت به العقائد-: المسلك الحسي، فأنت حينما ترى بعينك عموداً تعتقد أن الذي رأيته عمود، وحينما تلمس بيدك جداراً -لو كنت كفيفاً مثلاً- فإنك تعتقد بواسطة هذه الحاسة أن هذا الشيء الذي لمسته جدار، فبمجرد هذه الحاسة التي ركبها الله جل وعلا فيك فإنك تعتقد جملة من الأشياء. وكذلك فإننا نعتقد جملة من الأمور بواسطة الاستنتاج العقلي، يعني: إما أن نعتقد بواسطة الحواس وإما أن نعتقد بواسطة الاستنتاج، كيف الاستنتاج؟ كما في قول الله جل وعلا: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] هل يعقل أن عدماً خلقنا؟ لا يعقل أبداً؛ إذاً: يقودنا هذا إلى استنتاج أن الذي خلقنا خالق قادر حكيم قاهر مدبر حليم عليم. والمسلك الثالث من المسالك التي تثبت بها العقائد: هو مسلك الخبر الصادق، فإذا جاءنا خبر عن ثقة أو خبر صادق أو خبر استفاض واشتهر فإننا بموجب هذا الخبر نعتقد الأمر، مثال ذلك: لو حدثكم رجل عن أفغانستان، ولعل بعضكم لم يذهب إلى أفغانستان، ثم أفاض الكلام عن أفغانستان وأحوال أفغانستان ومجاهدي أفغانستان وأيتام أفغانستان وأيامى وثكالى وجراحات أفغانستان، فإن كل واحد منكم يعتقد اعتقاد اليقين أن هناك بلاداً اسمها أفغانستان وإن لم يرها، وذلك بناءً على الخبر الصادق الذي أخبر به، ويعتقد أن هناك في أفغانستان جهاداً في سبيل الله، كيف اعتقد وهو لم يجاهد معهم ولم يقف ولم ير الجهاد معهم ولم يشاركهم؟ إنه اعتقد أن الجهاد قائم في أفغانستان بناءً على الخبر الصادق؛ لذا فإن الخبر الصادق واحد من السبل والمسالك التي تثبت بها العقائد. حتى لا نتهاون بشأن الأخبار، وحتى نأخذ الأمور بمهماتها وبلوازمها من العبر والفوائد والتطبيق، والله جل وعلا يقول في كتابه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] ويقول سبحانه: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ} [الأعراف:176] {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء:164] فالله جل وعلا جعل القصص في القرآن فيها عبرة وفيها عظة وفيها ذكرى وفيها تربية، وفيها أنس للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من صحابته ومن بعده من أمته المؤمنين الموحدين. فإذا كنا نتكلم -كما قلت لكم- عن القصص وما يتعلق بها فلسنا ننسج من خيال أو نسبح في خيال ثم بعد ذلك نرتب مشهداً على مشهد أو فصلاً على فصل، وإنما نخبركم بأقدار الله في عباده، ونخبركم بما قدر الله جل وعلا على أمم أو بشر أو أفراد أو مجتمع من المجتمعات، وعند ذلك يكون الأمر فيها عبرة {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]. ثم اعلموا -أيها الأحبة- أن القصة عديمة الفائدة إلا إذا أخذنا منها العظة والدرس، القصة لا جدوى منها إلا إذا عرفنا أن نستنبط الدروس والمواعظ والزواجر والأمور النافعة من فصولها ومقاطعها، ولقد كان بوسعي أن أحدثكم كما أضمرت في نفسي حديثاً غير هذا، إلا أني وجدت أن الأحباب قد اختاروا هذا العنوان "قصص وعبر" وإن كنت من المقلين في شأن القصص ولكن أخبركم بما وقفت عليه بنفسي، أو بما أخبرني به من كان متصل السند بالحادثة.

عقوبات فعل المعصية

عقوبات فعل المعصية فأذكر لكم أولاً حادثة مدارها والعبرة فيها على أن المعاصي وإن كانت صغيرة فإن شؤمها عظيم، يقول شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية رحمه الله: هناك بشر أو أناس يفعلون المعاصي، فإذا لم يعاقب على المعصية بعد فعلها فوراً يظن أنه قد نجا من شؤمها وسلم من إثمها وعقوبتها، على حد قول القائل: إذا لم يغبر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبار الجدار إذا سقط اليوم هل يغبر بعد ثلاثة أيام؟ إذا لم يغبر الآن وإلا فلن يكون له غبار، بعض الناس يظن أن المعصية كذلك، أنه إذا لم تنل عقوبتها فوراً فإنك قد سلمت منها ولن تنال منها شؤماً أو أذىً، وليس بهذا صحيح؛ لأن شأن المعاصي يختلف، بل إن من المعاصي ما يكون شؤمه ولو بعد أربعين سنة، ومنها ما يكون شؤمه عند الموت، ومنها ما يكون شؤمه في أشد الأحوال التي يحتاج الإنسان فيها إلى نفسه، وابن القيم على جلالة قدره ذكر عدداً من الأخبار التي بين فيها شؤم الذنوب والمعاصي، قال: ومن عقوباتها، ومن عقوباتها، ومن عقوباتها ذكر أربعة وسبعين عقوبة وشؤماً وبلاءً وفساداً وضرراً يحصل من المعصية، وأذكر شيئاً بسيطاً مما ذكر ابن القيم وأعود إلى قصتي لكم. يقول ابن القيم: ومن عقوباتها أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، وذكر قصة رجل أنه لما حضرته الوفاة فقيل له: قل "لا إله إلا الله" فأصبح يغني: ورب سائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب يا فلان: قل: لا إله إلا الله، فأصبح يغني: ورب سائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب وآخر قيل له: قل لا إله إلا الله، فقال: أوه! هذا فتن حار. وآخر قيل له: قل: لا إله إلا الله، فقال: (ده يازده) كلمة فارسية معناها: العشرة بخمسة عشر كان مرابياً. فأدلل هذا الكلام تأييداً لقول ابن القيم أن المعاصي يكون شؤمها ولو بعد حين، وبعض المعاصي تكون بدايتها سهلة أو هي في نظرك سهلة وإن كانت ليست سهلة، بل عظيمة وخطيرة وشنيعة؛ لكن البعض قد يراها سهلة هينة فيقع فيها، وما يعلم أن لها شؤماً وإثماً وحوباً وعاقبةً وخيمة.

قصة تبين عاقبة استهانة الفتاة بالمعاكسات الهاتفية

قصة تبين عاقبة استهانة الفتاة بالمعاكسات الهاتفية هذه القصة لفتاة لم تكن تعرف الاتصال بالشباب، ما كانت زانية، ما كانت تفعل الفواحش إلا أنها كانت تتساهل بالهاتف، كانت تتساهل بالهاتف الذي نسميه "المغازلة أو المعاكسة"، فتكلم هذا وتتحدث مع هذا؛ ظناً منها أنها تقطع الوقت لا أقل ولا أكثر، المهم أن هذه الفتاة تزوجت وهي واثقة من نفسها أنها بكر، ليس هناك شيء يدعوها إلى الخوف أبداً، ثم تزوجت برجل يسكن أخوه معه في نفس البيت، ولما كان زوجها يذهب إلى عمله كانت تجد شيئاً من أوقات الفراغ فاشتاقت أو زين لها الشيطان أن تكلم من تكلم فاتصل بها وأخذت تتحدث لاحظ أخو زوجها أن الهاتف يشغل مدة من الزمن في أوقات متكررة فدعاه ذلك إلى الشك لما رأى تكرر الأمر وتكرر الحادثة فأحضر جهازاً يتنصت به على الهاتف -أو على التليفون- وإذ به يجد الطامة التي لا يسكت عليها، إنها زوجة أخي تعاكس وتمازح شاباً غريباً، وتحدثه ويحدثها، فما كان منه إلا أن سجل هذه المكالمات في شريط واحتفظ به.

أخو الزوج يهدد زوجة أخيه بالمعاكسات الهاتفية

أخو الزوج يهدد زوجة أخيه بالمعاكسات الهاتفية وفي يوم من الأيام جاء أخو الزوج إلى البيت فوجد الفتاة -زوجة أخيه- على حالها لا تزال عروساً فداخله الشيطان أن يهم بها وأن يفعل، فدنا منها فسبته وشتمته وأخذت تبتعد عنه بكل شيمة وبكل كرامة وعزة وبكل ثقة، واثقة أنها لن تمكن هذا منه، فلما سمع نخوتها وكرامتها وشيمتها تظهر في عباراتها وكلامها ذهب أدراجه وعاد وراءه، ثم أحضر مسجلاً وأحضر شريطه وأسمعها الكلام الذي دار بينها مع ذلك الشاب في المحادثة التي سجلها، وإذ بها بعد أن كانت رافعة الصوت تنعكس ذليلة خاضعة خانعة ثم رجته قالت: أرجوك أن تستر علي، والله ما كان بيني وبينه شيء إنما هي مجرد مكالمة. قال: لا. إما أن أفعل بك وإما أن أفضحك عند أخي! فقال أصيحابي الفرار أو الردى فقلت هما أمران أحلاهما مر فإن فعلت فمر وإن أخبر زوجها فمر -أيضاً- ولكن الجاهلة المسكينة اختارت الستر المفضوح، الستر المفضوح قالت: تستر علي وأعطيك ما تريد. فما كان من ذلك الوقح القذر إلا أن تجرأ على حرمة أخيه واستمتع بزوجة أخيه، وليس متاعاً بل هو شناع وأمر فضيع، ففعل بها على أن تكون هذه هي المرة الأولى والأخيرة على وعد أن يتلف الشريط وألا يعود إلى تهديدها به وألا يخبر أخاه بذلك. لكن الشيطان يجر المعاصي ويرقق بعضها ببعض، يرقق بعضها ببعض والسيئة تقول: أختي أختي، بعد أيام قليلة جاء الشاب في وقت غريب وكان أخوه غائباً عن البيت فنادى زوجة أخيه: فلانة فوجست روعة وخوفاً من هذا الصوت، فلما سألته: ماذا تريد؟ قال: أريد أن نفعل مثلما فعلنا. فأخذت تبكي وتتوسل: أرجوك ألا تفعل هذا، ألم تكفِ المرة الأولى؟ أما يكفيك أنك هتكت ستر أخيك؟ ألم ألم ثم أخذت تتوسل إليه وترجوه، ولكن ذلك المجرم الذي استولى الشيطان على قلبه عاد يهددها بالشريط، فإن لم تعطه هذه المرة الأخيرة ولا أعود لها وإلا فضحتك عند أخي؛ فما كان منها إلا أن اختارت مرة أخرى الستر المفضوح وأسلمت نفسها له، فلما فعل بها أصبح لا يترك فترة بين الفينة والأخرى إلا وهو يطلبها ويهددها ويفعل بها. وفي واحدة من المرات ناداها، ظنت أنه كالعادة يريدها وإلا سيفضحها، وإذ به يريد أمراً أخبث وأخطر وأخزى من ذلك، قال: إن لي صديقاً عزيزاً علي أريد أن تفعلي معه هذا الشيء، فأخذت تبكي أشد البكاء وأحر البكاء، ولما لم تجد في هذا القلب رحمة، وتكسرت آهاتها وعبراتها أمام صلابة ذلك الحجر القاسي ما كان منها إلا أن استجابت خوفاً من أن يعلم زوجها بذلك، فحدد لها ميعاداً تخرج فيه من مكان ما إلى صديقه وتخرج معه وتفعل معه. ماذا بعد ذلك؟ الذي حصل -أيها الإخوة- أنه رتب مع صديقه موعداً وجاء بسيارته، وأصدر لها الصوت المنبه فخرجت في الوقت والساعة المحددين، ولما ذهبت معه وكلها أمل وحسرة واختلى بها وفعل بها أعجبته فلم يرغب أن يردها إلى البيت، الحاصل: إنها رجته وتمنته وتوسلت إليه بعدما قضى حاجته منها أن يعيدها إلى مكانها، فما قبل ذلك المجرم، بل حبسها عنده أياماً وأخذ يتكرر عليها، جاء الزوج إلى بيته فلم يجد زوجته، سأل الجيران، سأل الأقارب، سأل الأحباب، لم يجد عنها خبراً حتى أمضت أياماً! فما كان منه إلا أن بلغ الجهات المسئولة، وأخذت الجهات المسئولة تبحث عن زوجة الرجل.

المعاكسة الهاتفية أودت بعرضها وبحياتها

المعاكسة الهاتفية أودت بعرضها وبحياتها جاء أخو الزوج إلى صديقه وقال: فضحتنا، لماذا تأخرت بها؟ الشرطة تبحث ورجال الأمن يبحثون، وكل الناس تسأل وتبحث أين المرأة؟ أين الزوجة؟ أين الفتاة؟ قال: والله أعجبتني! بمجرد الكلام السخيف الساقط. قال: وما الحل؟ نريد أن نردها، وكيف نردها وأجهزة الأمن تبحث عنها؟ قال: لو رددناها إلى بيتها لفضحنا، لكن أرى أن نتخلص منها. فاجتمعوا وفعلوا بها كلهم مرة أخرى سوياً!! ثم خرجوا بها إلى مكان ما وقتلوها ودفنوها. الذي حصل أن واحداً من رجال الأمن الذين أعلموني بهذه القضية كان خارجاً في طريقه فوجد في طريقه أو في مكانه الذي كان جالساً بالقرب منه تربة غير طبيعية، ورجال الأمن الذين لهم دراسة بالجنايات يعرفون الأماكن التي نبشت حديثاً أو قديماً، المهم عرف أن هذه التربة ليست طبيعية فجاء ونبشها وإذ به يجد الجثة، فتحفظ على هذا الحادث وطلب فرقة نقلت الحادث، وجاء الطبيب الشرعي فشرح وحلل، وإذا بالطب الشرعي يجد من خلال تشريح معين وجود ماء يقارب فصيلة الرجل في رحم المرأة. المهم أنهم في البداية أحضروا أخا الزوج وحققوا معه ومسوه بشيء من العذاب ولم يعترف، فلما وجدوا هذه القضية وجدوا ماءً قريباً من ماء أو من فصيلة ماء الزوج، رجعوا إلى أخي الزوج ومسوه بزيادة من العذاب حتى اعترف بما ثبت لديهم من الأدلة، والآخر لم يكن موجوداً. الحاصل أن الآخر ارتاع على صديقه والقاعدة الأمنية تقول: المجرم يدور حول مكان الجريمة، وإذ به جاء يوماً ما يسأل وقبض عليه وأودع السجن؛ لأنهم لم يعرفوا من القضية إلا رقم السيارة التي حملت هذه المرأة ونوع السيارة، فمسكوا بالآخر وقالوا: إن صاحبك اعترف بكل شيء فاعترف؛ فاعترف بالقصة من أولها إلى آخرها. أما أحدهما فقتل وأما الآخر فينتظر عقوبته، فالعبرة -أيها الإخوة-: هذه جريمة حصل فيها الزنا مراراً، وحصل فيها القتل بأبشع صوره! ما هو سبب هذه الجريمة؟ ما هو السبب الأول؟ إنها المكالمة، إنها الذنب الذي يعده البعض صغيرة، إنه المعصية التي يعدها البعض من صغائر الذنوب والمعاصي، انظروا كيف جرت بشؤمها وويلاتها إلى أن انتهت بهتك ستر المحارم، وفعل الزنا من المحارم، وفعل الزنا مع الأجانب، وانتهت بالقتل على أبشع صوره، فحسبنا الله ونعم الوكيل! ونسأل الله ألا يهتك لنا ستراً وألا يفضح لنا عورة، وألا يرينا في أنفسنا ولا في أحبابنا ولا في بناتنا وزوجاتنا عيباً ولا سوءاً ولا مكروهاً.

خطر التساهل بالصغائر

خطر التساهل بالصغائر الذنوب -أيها الأحبة- التي يتساهل بها كثير من الشباب، فكثير من الشباب والشابات يتساهلون بجملة من الذنوب والمعاصي منها هذه المعاكسة، لا أقول: المعاكسة وحدها، بل إن لكل ذنب شؤماً بطريقة لا تخطر على بالك، كيف يتفاقم شؤم الذنب وكيف يكون خطره: كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر يضر خاطره ما سر ناظره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر إن صغار الذنوب أمر يتساهل به كثير من الناس، كقوم اجتمعوا -كما جاء في الأثر- وأرادوا أن يوقدوا ناراً، فجاء هذا بقشة وهذا بعود وهذا بقطعة حتى أضرموا ناراً عظيمة، فمثلها مثل الذنوب نتساهل بصغارها، فإذا اشتعلت على صاحبها أوقدت عليه ناراً عظيمة وتأججت وأحرقته بشؤمها وعذابها وويلها. خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى وافعل كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى هذه الصغائر التي نتساهل بها في أنفسنا في ذواتنا في بيوتنا في شخصياتنا في أحوالنا المختلفة هي شؤم خطير، وحسبكم أنها تحجبنا أن نصل إلى منازل الأبرار والمقربين، إن أناساً -وإن كنت تعرفهم بحسن السيرة والاستقامة- بقوا على ذلك المستوى إن لم ينحدروا عنه، لماذا لم يترقوا في دين الله؟ لماذا لم يرتفعوا في بركة الله وفضل الله؟ لقد حجبتهم الصغائر، لقد حجبتهم الذنوب التي تساهلوا بها فبقوا على مكانهم. لذلك -أيها الأحبة- إننا أحوج ما نكون إلى محاسبة النفوس محاسبة شديدة، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقوله: (أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق) ولماذا كانت التقوى وحسن الخلق أثقل الأمور التي توضع في الميزان؟ أخبركم بهذا والأمر جلي. أما التقوى فلأنها علاقة السر بينك وبين الله، وأما حسن الخلق فلأنه مقياس المعاملة بينك وبين الناس، فمن أحسن المعاملة مع ربه وأحسن المعاملة مع خلق الله كان ذلك العمل من أثقل ما يوضع في موازين أعماله يوم القيامة: (اتق الله حيثما كنت) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب:70] الأمر بالتقوى كثير في كتاب الله جل وعلا؛ لأنه العلاقة السرية التي تحجبك وتراقبك وتحاسبك أن تفعل شيئاً وأنت تقدر عليه، لا يردعك عنه جهاز أمن أو تصنت أو خبير أو رقيب أو حسيب إلا الله جل وعلا. حينما تكون التقوى قوية، حينما تكون التقوى في النفوس حاضرة غير غائبة فأبشر بالخير وكما يقول ابن القيم: اتق الله ونم في أي مكان شئت بين السماء والأرض. حينما تحصل التقوى، مراقبة الله عن الصغائر قبل الكبائر، عن الذنوب التي يتساهل بها الكثير منا ويفعلها، وبعضهم لا يزال يعد نفسه مع الأتقياء ومع الملتزمين ومع الصادقين، ومع الأبرار المقربين وهو يتساهل في جملة من الذنوب لو جمعت لاستحى أن تظهر أمام الناس، فالله أحق أن يستحيا منه. في السنن -والحديث الصحيح- يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن رجالاً يأتون يوم القيامة بأعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباءً منثوراً، قال صلى الله عليه وسلم: إما إنهم مثلكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، فقالوا: يا رسول الله! صفهم لنا، جلهم لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: إنهم كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) التساهل بالذنوب والوقوع في المعاصي والآثام من غير مراقبة ولا استحضار لوقار الله سبحانه وتعالى، ولذلك نوح عليه السلام لما تنوعت أساليب قومه عرف السبب الذي جعلهم يعرضون.

حذر الصحابة من الذنوب

حذر الصحابة من الذنوب نقول -أيها الأحبة- إن هذه المسألة من أهم الأمور والمسائل التي هي حسن العلاقة وحسن المراقبة فيما بيننا وبين ربنا جل وعلا، وإذا علمنا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على الرغم من أنهم مبشرون بالجنة بقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من أعمالهم التي سبقوا بها في دين الإسلام، وجيشوا الجيوش وفتحوا الأمصار كانوا يتخوفون من صغار الذنوب ويخشونها. أبو بكر الصديق يقول: [يا ليتني كنت شعرة في صدر عبد من عباد الله] وهو المبشر بالجنة، وعمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة جاء عبد الله بن عمر -ولده- يضعه على فخذه فقال: [وحيك يا بن عمر! ضع رأسي على الأرض، ويلي إن لم يرحمني ربي!] وهو المبشر بالجنة، فإذا كان هذا فعل المبشرين بالجنة فما فعلنا يا عباد الله؟ وكان صلى الله عليه وسلم يطيل القيام حتى تفطرت قدماه، وتقول عائشة: (يا رسول الله! ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: يا عائشة! أفلا أكون عبداً شكوراً؟!) أين نحن من أولئك؟ تلت عائشة رضي الله عنها قول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:59 - 60] قالت عائشة: يا رسول الله! ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا)) يفعلون ما فعلوا ((وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)) خائفة ((أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)) هل هم الذين يزنون؟ هل هم الذين يسرقون؟ هل هم الذين يشربون الخمر؟ قال: (لا يا بنت الصديق، أولئك أقوام يصومون ويصلون ويتصدقون، ومع ذلك قلوبهم وجلة خائفة يخشون ألا يتقبل الله منهم). فيا أحبتي في الله: أين نحن من عمالقة الإسلام وقمم التقوى الذين بلغوا في الصلاح ذروته، وفي الزهد والعلم والتقى غايته وهم يخشون سوء العاقبة؟ الحسن البصري لما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: أتبكي وأنت أمير المؤمنين في الحديث؟ قال: ذكرت قول الله جل وعلا: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} [الزمر:47 - 48].

أحسنوا العمل وأحسنوا الرجاء

أحسنوا العمل وأحسنوا الرجاء فيا إخوان: نحن لو أردنا أن نتذكر ذنوبنا ومعاصينا وآثامنا وفواحشنا وسيئاتنا لعددناها كما نعد هذه الإضاءة في هذا المسجد، نذكرها بالوقت واللحظة والظرف والزمان والمكان والتاريخ، ولو أردنا أن نعد حسناتنا لوجدنا حسنات لم نتأكد منها، ذلك حج عبثنا وهزلنا فيه، ذلك صيام لم نتقنه، تلك صلاة لم نخشع فيها، حينما نريد أن نعد أعمالاً صالحة لا نجد عملاً نتيقن كل اليقين أننا أحكمناه على الوجه الذي يرضي الله بالإخلاص والمتابعة والدقة في التزام السنة، وحينما نريد أن نعد المعاصي والله نعدها ونتذكرها كما نرى هذه الإضاءة في السقف، ومع هذا كله لا نزال نطمع في درجات الأبرار والمقربين، والله إننا لنطمع فيها برحمة الله جل وعلا، اللهم لا بأعمالنا ولا بسعينا ولا بكدنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولكن برحمتك التي وسعت كل شيء يا رب العالمين. فأحسنوا العمل وأحسنوا الرجاء، وإن الذي يرجو لا بد أن يحسن العمل، الذي يحرث الأرض ويسقيها ويبذرها ويزرعها يرجو الثمرة، أما الذي يرجو الثمرة وهو لم يزرع هذا مجنون، والذي يرجو الولد وهو لم يتزوج هذا مجنون، فإذا كنا نرجو الجنة والرحمة فلنبذل ولنعمل وبقية الأمر على الله بمنه ورحمته، وأبشروا: إن من سعى إلى ربه بسعي مبارك مع حرصه على مرضاة ربه فليبشر بالخير، لا أقنطكم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من معركة هوازن - حنين - اجتمعت أربعة وعشرون ألف ناقة، وستة آلاف امرأة من السبي، وأربعون ألف شاة، وغنائم كثيرة، فلما كانوا من بين السبي إذا بامرأة تنطلق، تشق الطريق بين السبي، ثم تأخذ طفلاً وتضمه على صدرها وتظهر ثديها وتلقم فمه في ثديها، والنساء يستحين ويخجلن أن يرضعن أولادهن إلا أن تضع ستاراً أو رداءً يستر ثديها، أما هذه فبين الناس فعلت ذلك، حيل بينها وبين طفلها والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر والصحابة ينظرون، فقال صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه تلقي بولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: لَله أرحم بعبده من هذه بولدها) فأبشروا خيراً -يا عباد الله- أنتم تقرءون في كل يوم: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] إنها قمة الرحمة من الله جل وعلا لعباده، لكن لمن يلتمس طريقها، ولمن يسلك مسالكها، أما الذي يرجو الرحمة وهو على عناد وإصرار فذلك شأنه غريب. ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تمشي على اليبس فيا أحبتي في الله: لنراقب أنفسنا جيداً، إننا -ولله الحمد والمنة- في زمن التزم الشباب والشابات، واستقاموا وتابوا، وهم الآن أحوج ما يكونون إلى مراقبة سلوكهم وتصرفاتهم، بحاجة إلى غربلة أفعالهم وما يجترحونه بجوارحهم وكل أدرى بنفسه: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] فما دام الأمر ممكناً قبل أن يختم المطاف، وقبل أن تغلق الصحائف وينقطع النفس وينتهي الأجل فلنحاسب أنفسنا محاسبة جيدة. هذه -أيها الإخوة- قصة بمتابعة أحداثها من ثقة أخذتها، هي والله لخير دليل على أن المعاصي لها شؤم وإن تصاغرناها أو تساهلنا بها واعلموا أن الأذن تعشق: والأذن تعشق قبل العين أحياناً وينبغي للمسلم أن ينتبه لنفسه، ولذلك يقول الله جل وعلا: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] المرأة نهيت عن الخضوع في القول، وينبغي للمسلم ألا يستطيل الحديث مع النساء فيما لا طائلة ولا حاجة له فيه، بل اجعل الحديث بقدر ما تحتاج إليه فإن ذلك أنقى لقلبك وأتقى لربك، حينما تجعل هذه الأذن نقية شفافة في السمع، فإذا سمعت كلام الله وكلام رسوله استطعت أن تتلذذ بالسماع، لم يخالط سماعك صوتاً أطلت الحديث معه فيما لا فائدة فيه.

من قصص المجاهدين

من قصص المجاهدين

قصة مجاهد في سبيل الله وبيته الذي احترق

قصة مجاهد في سبيل الله وبيته الذي احترق أما القصة الثانية -أيها الأحبة- فهي لواحد من إخوانكم المجاهدين من خيرة شباب الجهاد، أسأل الله جل وعلا أن يأجره في مصيبته وأن يخلف له خيراً منها، وإذا أراد الله بعبد خيراً ابتلاه، ذلك شاب من خيرة الشباب المجاهدين، له زوجة حافظة للقرآن الكريم متقنة مدرسة للتجويد. كان في مدينة الرياض في ليلة من الليالي في غرفته، وقبل أن ينام كانت زوجته تدارسه قول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32] كانت تدارسه وتشرح له هذه الآيات، كانت عالمة بكتاب الله، وما أجمل الحياة مع زوجة تقية صالحة! هنيئاً لمن له زوجة كهذه! الحاصل -أيها الأحبة- أنه قرابة الساعة العاشرة وزيادة كان يتحدث معها، وفي تمام الساعة الثانية إلا قليل -أو بعد الواحدة والنصف- إذ به يستيقظ على رائحة دخان أشبه ما يكون بحريق في المنزل، فلما فتح باب غرفته إذ به يجد الحريق مشتعلاً في البيت، وعرف أنه إن لم يتصرف فهو محترق هالك لما محالة، فما كان منه إلا أن حمل طفلته الكبرى -عمرها أربع سنوات والأخرى رضيعة، عنده طفلتان- وحملهما ومر على الأرض وهي محترقة، الموكيت والفرش محترق بالنار يلتهب نتيجة التماس في الكهرباء، البيت كله محترق لكنه مر حافياً على هذا الحريق وأخذ الطفلة، ثم توجه إلى باب الصالة يريد أن يفتحها فوجد بابها مغلق، فقام وعبر مرة أخرى على الحريق وألقى بالطفلة في المطبخ واتجه إلى المطبخ، خرجت زوجته الأخرى بالطفلة الأخرى فإذ بها تعثر في الفرش -في الموكيت- مع ذوبانه في النار التصق برجليها فظنت أن باب الصالة مفتوح فرمت بالصغيرة تريد إنقاذها برميها والباب مغلق فارتطمت الصغيرة وسقطت مرة أخرى في الحريق. وأخذت هذه، هو في المطبخ ويصيح وينادي زوجته وهي تجيب، يريد أن يصل إليها فلا تستطيع، وهي تريد أن تتحرك، فاحترقت الطفلة الصغيرة. عندما انتهى الحريق إذ بهم يجدون الحريق لم يلتهم من زوجته ولا شعرة واحدة!! حافظةً لكتاب الله، إن الذي خلقها هو الذي خلق النار فأمرت النار أن تأكل ما أكلت، وأمرت النار أن تحفظ جسداً وقلباً حوى كلام الله وكتاب الله، ووجدوا بالقرب منها أو حولها بقعة ماء تحتها، كانت سبباً في حفظها بإرادة الله ومشيئته.

الجهاد يعلم الصبر

الجهاد يعلم الصبر والحاصل أن هذه الحادثة انتهت بوفاة زوجته وطفلته، وزرته في المستشفى -مستشفى الحمادي- الدور الأول غرفة (1136) فلما دخلت عليه وكنت أقطع أصابعي ماذا أقول له؟ وبماذا أعزيه؟ فلما دخلت عليه إذ به يبتسم، فسلمت عليه وقبلت جبينه وعانقته وقلت له: الحمد لله على ما قضى وقسم، إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب. فماذا كان جوابه؟ قال: يا أخي! إن الله جل وعلا قد اختصني بخير وأرجو أن يأجرني عليه، فعجبت من شأنه، ولما تذكرت أنه من المجاهدين عرفت كيف علمه الجهاد الصبر. يا إخواني: لو وقعت هذه المصيبة لآخر لأخذ يسب القدر والمقدر، وأخذ يسخط ويدعو ويزمجر بالويل والثبور على هذه الدنيا وعلى هذا الحادث، لكني عجبت من صبره ومن ثباته ومن شأنه هذا كله، فقلت له: يا أخي! والله إنما رأيت منك من الصبر والثبات لدليل على قوة العقيدة؛ لأن المسلم يعتقد أن المقادير بأمر الله، ونعلم أن القضاء واقع وأن الأمور بأسبابها، والمسلم يعتقد أن الله ما قدر قضاءً إلا كان رحمة بعبده، فأنت -يا أخي- وليد رأيت في قدر الله عليك في حريق قدميك وموت طفلتك وموت زوجتك أن ذلك عين الرحمة من الله بك وبهما، فرأيت فيك هذه الابتسامة، ابتسامة الرضا بقدر الله جل وعلا. فيا أحبتي في الله: هكذا وجدت هذه الصورة وهذه القصة المؤثرة المعبرة في هذا الشاب، فأردت أن أحدثكم بها لما اختار الإخوة موضوع محاضرتنا أن يكون قصصاً وعبراً. وهذا اليوم العصر جرى اتصال هاتفي بـ الرياض مع أحد الأصدقاء فسألته، قلت: كيف الأخ وليد؟ قال: أبشرك أن رجله كأنها تعود من جديد، مع أن القدم احترقت يقول: والله كأنما تنبت من جديد! ويقول: بمشيئة الله حالما تشفى سأذهب إلى الجهاد مرة أخرى ولا حاجة لي في هذه الدنيا. فاعلموا -أيها الأحبة- أن الله اختص لمعالي الأمور رجالاً، قد يقول البعض: وما أكثر من هذا؟ هذا جاهد وماتت زوجته وماتت طفلته، وحصل له ما حصل، ماذا يريد أكثر؟ لكن اعلموا -أيها الأحبة- أن معالي الأمور لا ينالها إلا طائفة قليلة من البشر، القمم، الذرى، ولذلك كان الجهاد ذروة سنام الإسلام لا يناله إلا من انتصر على شهواته، وانتصر على الضعف والجبن والخوف والخور، وتوكل على ربه حق التوكل، وعرف أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطئه لم يكن ليصيبه. يقول وهو يعد نفسه ليعود إلى الجهاد: فقلت: ادعه إلى أن يتريث حتى يتماثل للشفاء، وإلا فاعلم أننا إن قلنا له: اقعد عن الجهاد فإن ذلك لن يطيل في عمر، وإن قلنا له: اذهب إلى وجه المعركة ومنطقة الالتحام والمواجهة فإن ذلك لا يقرب أجله تأخرت أستبق الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما الموت لا يتقدم ولا يتأخر، وكما يقول ذلك الشاعر: أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعي فإنك لو سألت بقاء يوم عن الأجل الذي لك لم تطاعي فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع والله إني لأظن وأغلب الظن أن أخي وليداً هذا سيموت شهيداً في سبيل الله على هذه المعنويات، وعلى هذا الصبر، وعلى هذا الاحتساب، برحمة الله قبل كل شيء، وبسالف جهاده، وبصبره على هذا الحريق الذي ماتت فيه زوجته الحافظة التقية -أسأل الله أن يجمعنا بها في الجنة وإياكم أجمعين- وبموت طفلته، والله إن الله يريد به خيراً، أسأل الله أن يثبته وأن يثيبه وأن يحفظه، وأرجو أن يكون الله قد اختار له منازل الشهداء والأنبياء، تلكم منازل لا ينالها إلا قلة وندرة من الناس، وإني لأعجب ممن يتمنون مقابلة البشر الضعفاء ولا يشتاقون إلى مقابلة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يشتاقون لمجالسة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز، والصحابة والسلف الصالح والتابعين وابن تيمية وخيرة عباد الله الصادقين الذين شهد لهم الأولون والآخرون بالصلاح والاستقامة.

وقفة مع الجهاد والمجاهدين

وقفة مع الجهاد والمجاهدين كنت ذات يوم في جلسة مع رجل دبلوماسي في دولة خارج المملكة فقال: سمعت عن هذا المجنون حكمتيار؟ قلت: ماذا هناك؟ قال: رونالد ريجان يطالب أن يراه ويتقابل معه ويرفض هذا المجنون أن يقابله؟ من يحصل أن يقابل ريجان، يدعى مرتين يرفض الأولى ويرفض الثانية، ريجان يرسل ابنته فيرفض أن يقابلها! قلت: يا مسكين! لكني أعرف شباباً لا تعرفهم أنت وربما يمرون وأحدهم أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع في الأبواب لو أقسم على الله لأبره؛ يقابل أفضل الخلق ألا وهم شباب الجهاد الذين يستشهدون في سبيل الله فيكونون في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع رسول الله، مع النبيين والصديقين والشهداء، إذاً: أي مجلس أفضل: مجلس ريجان أو مجلس الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين؟ فسبحان الله! حينما تنتكس وتنعكس الفطر وتتقلب الأمور يصبح أسخف الأمور أعلاها، ويصبح أعلاها أسفلها، ويصدق فيها ما قال القاضي عبد الوهاب المالكي: متى تصل العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا ومن يثن الأصاغر عن مراد إذا جلس الأكابر في الزوايا وإن ترفع الوضعاء يوماً على الرفعاء من أقسى البلايا إذا استوت الأسافل والأعالي فقد طابت منادمة المنايا فما بالكم وقد ارتفعت الأسافل وهبطت الأعالي، عند ذلك تطيب منادمة المنايا، ويحلو الموت في سبيل الله، ولكن هي مكانة لا يبلغها كل واحد. يقول: إذا كان الناس في الدنيا يقولون: هذه درجة عامة، وهذه درجة خاصة، وهذه أولى، وهذه درجة فوق الأولى، اعلموا أن المجاهد وإن كان من أفقر عباد الله وأقلهم في هذه الدنيا شأناً ينال أعلى الدرجات في دين الله جل وعلا، نسأل الله أن يخلص النيات لوجهه سبحانه وتعالى. هذه هي القصة الثانية التي أسوقها شحذاً للهمم للجهاد في سبيل الله، وأسوقها لأقول: إن الجهاد علم الرجال الصبر، ولماذا يقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] ليس الحسنة بعشرة أمثالها أو إلى سبعمائة ضعف فقط، بل بغير حساب؛ لأن الصبر يرتبط بقوة العقيدة، ومنطق العقيدة هنا أن يعلم ذلك المجاهد الصابر المحتسب أن قضاء الله وقدره وإن كان في ظاهر الأمر لنا عذاباً أو ألماً أو جرحاً فإنه في حقيقته عين الرحمة وعين الحكمة واللطف؛ لأن الله أرحم بعبده من تلك بولدها كما أسلفنا في القصة.

أب وابن يلتقيان في أرض الجهاد

أب وابن يلتقيان في أرض الجهاد هذه قصة لشاب من الإمارات كنيته: أبو سليمان، كان شاباً مدللاً، عطراً ناعماً، مترفاً، وسيماً، من أسرة غنية وثرية أراد أن يذهب إلى الجهاد، وكان الأب يضمر في قلبه، حب الجهاد لكن يخشى على الولد، فلم يجد إلا أن يختار للولد دراسة لإكمال دراسته خارج الإمارات فأعد ذلك الشاب، أعدت ملابسه الحريرية الناعمة، وأصناف وأشكال عطوراته لكي يذهب إلى بريطانيا لإكمال دراسته. الحاصل -أيها الإخوة- أن الشاب تأثر من إمام المسجد بكلمة عن الجهاد فأضمر في نفسه أن يجاهد، وطلب من أهله أن يجاهد، فخافوا عليه ورفضوا، وكانت أسرته بها نوع من التساهل واللامبالاة في بعض الأمور الشرعية، فما كان منه إلا أن وافق على مرأى منهم ومسمع أن يسافر لـ بريطانيا، فسافر إلى بريطانيا ومن مطار لندن حجز ليعود إلى إسلام أباد. وفعلاً عاد وليس عنده عن الجهاد معلومات إلا رقم هاتف مجلة البنيان المرصوص، فاتصل على مكتب المجلة ورد عليه شاب سعودي " عبد الله أبو يزيد " أعرفه، قال: أنا فلان من المكان الفلاني. قال: لماذا تكلمني بصوت منخفض؟ قال: سمعت أنهم يختطفون -شاب صغير، خريج ثانوية- وأنا أخشى على نفسي، أريد أن تستقبلني، أريد أن تأخذني. قال: فجئت وأخذته إلى مقر مجلة البنيان المرصوص، فلما وجدته إذا بالشاب عليه (كرفته) و (ياقة) و (قميص) وعطر، يقول: والله الصالة تفوح من رائحة عطره، ولما ذهبنا به إلى بيت الأنصار نسلم الأمانات التي عنده، التليفر شكس، دفاتر شيكاته سياحية، وعطوره وملابسه، وأشياؤه عجيبة جداً، قال: فجعلناها في صندوق الأمانات ثم ألبسناه لباس المجاهدين. ولما لبس لامته ذهبوا به إلى معسكر صدى، ثم انتقلوا من صدى إلى منطقة خلدن، فلما أقبل إذا برجل يجاوز الخمسين أو يقارب الستين من عمره يهندس في سيارة كانت واقفة، فلما التفت ذلك الذي يصلح السيارة إذا به يصرخ صرخة الفرح والولد مثله، ثم يحضن بعضهم بعضاً، أتعلمون من الولد ومن الآخر؟ هذا أبوه سليمان وهذا الولد خالد، خالد يكنى بـ أبي سليمان والأب يكنى بأبي خالد، فإذا بهما يلتقيان ويتعانقان ويبكيان مدة، والولد قد أرسل لأهله رسالة أنه عاد من لندن إلى الجهاد، وأخذ يتابع أخبار أهله. يقول لي أبو يزيد: والله كنت أسمع منه حديثاً مع والده: كيف والدتك؟ كيف أخواتك؟ وهو يطمئن والده يقول: أبشرك أنهم بخير، أرسلت لهم رسائل وأخبرتهم أنني ذاهب للجهاد عسى الله أن يقبلني شهيداً وأشفع لهم إلى آخر ذلك. فيا أحبتي في الله: اعلموا أن الدنيا التي تمكنت في قلوبنا، وأن مظاهر الرفاهية والحياة والتحضر والتمدن التي عشنا فيها الآن لم تقطع طائفة قليلة من عباد الله أن ينالوا معالي الأمور، آباءً وأبناءً ورجالاً وشباباً وشيباً، فأسأل الله جل وعلا أن يجعل في قلوبنا حباً لدينه، وحباً للبذل والتضحية والتفاني والشهادة في سبيله سبحانه وتعالى. فيا معاشر المؤمنين: هذا ما اخترتموه من الحديث معكم وإن كان في خاطري أن أحدثكم بغيره، لكن فيها والله عبر، في الأولى عبر، وفي الثانية عبر، وفي الثالثة عبر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37].

حث على دعم المجاهدين

حث على دعم المجاهدين أحبتي في الله: وأسألكم بالله الذي خلقكم من العدم، ورزقكم وكنتم فقراء، وأعزكم بعزته وأغناكم بفضله ألا تبخلوا على هذا الجهاد بشيء، فوالله إن الأمة الإسلامية إذا سارت على طريق الجهاد الذي نحن نعيشه اليوم سنوات أو عقوداً من الزمن قليلة والله ليتغيرن وجه هذا الكون، وحسبكم أن الجهاد في أفغانستان قد غير الكثير من مخططات اليهود والاستعمار، وجعل القوى التي يسمونها عظمى تختلف وتخطط وتعيد حساباتها مع البشر، وإن استمر الجهاد لينصرن الله من ينصره، ابذلوا بقدر ما تستطيعون ولا تبخلوا على دينكم وعلى جهادكم شيئاً، واعلموا وإن كان الناس الآن يشكون من شح التبرعات للجهاد كانت خمسمائة ألف تكفي لعمليتين الآن يجعل الله في قذيفة ما يكفي لعملية تدمير كاملة. حادثتان أحدهما قبل أسابيع: محطة الكهرباء في جلال أباد تتفجر بقذيفة هاون، بكذا وثلاثين ربية -يعني: فيما يعادل ثمانية أو تسعة ريالات- وإذا انفجرت المحطة احتاج الشيوعيون أن يستخدموا المولدات التي تقوم على الوقود ونقل الوقود بالطرق البرية مهددين تحت مدافع ورصاص المجاهدين، فيضطرون إلى إنزال الوقود (بالبراميل) فإذا نزلت لم تسلم من نار قذائف المجاهدين، وقد حصلت ذات مرة أن الشيوعيين ينزلون الوقود في إحدى المناطق المحاصرة (بالبراميل) فجعل المجاهدون يعدون البراميل واحداً واحداً، فلما جاء البرميل قبل الأخير إذ بهم يضربونه بالرصاص الحارق الخارق فيشتعل البرميل في السماء وينزل على موقع الوقود ويحرق المكان بأكمله. قذيفة هاون بثمانية ريالات أو بتسعة ريالات يكون لها أثر عظيم، وأحدهم في الأسبوع الماضي قبل أن آتي إلى هذه المنطقة جاء لتوه من خوست قال: أبشرك طائرة كانت وشيكة النزول في مطار خوست تريد أن تقف أو تهبط قرب مستودع ذخيرة فضربت بالبي إم، فالطائرة هذه محملة بالأسلحة فانفجرت فتفجر بها مستودع الذخيرة الموجود في المطار، وتفجر معها بحركة عشوائية للطائرة ثمان طائرات كانت رابضة في مطار خوست. فيا أحبتي في الله: هذه قذيفة بي إم، لو قلنا: أننا نحتاج مليون ريال لضرب ثمان طائرات، الطائرة الواحدة بملايين الدولارات، لو قلنا: إننا بمليون ريال نريد أن نضرب كذا طائرة، ونفجر كذا مستودع أسلحة، قلنا: هذا ضرب من الخيال والعبث، لكن نحن أمرنا بالجهاد، سنجاهد ويستمر الجهاد في سبيل الله بطائفة منَّ الله عليهم وفضلهم وكرمهم وأعزهم بذروة سنام هذا الدين، وكل يختار لنفسه موقعاً، فمن أراد الذروة ومن أراد الحضيض ومن أراد الوسط، وكل يكرم نفسه حيثما وقع.

من كهربائي إلى مساعد قائد جهادي

من كهربائي إلى مساعد قائد جهادي جاء إلي في الرياض شاب سمعت به وزارني -من أهل اليمن (الإيمان يمان والحكمة يمانية) أبو عتيق اليمني - كيف حالك يا أبا عتيق؟ ماذا كنت تعمل؟ قال: كنت كهربائياً. يقف على السلم وصاحب الفلة: (يا بو يمن) ما أكملت الشغل، جننتنا، عطلت الأمور. قال: فلما سمعت عن الجهاد ذهبت، فانتقل إلى منطقة بغمان وكان مساعداً للحاج شير علم. الحاج شير علم هذا من قادة الجهاد الذين يهددون نجيباً، لما نزل إدوارد شيفر في فندق الإنتر كونتينتل أمطروه بالصواريخ سكر بيش وسكرشل، فخرج نجيب في التلفاز، يقول: هكذا يعامل المجاهدون ضيوفهم، ثم أرسل رسالات متعددة، رسائل متعددة إلى الحاج شير علم يرجوه أن يستحي ظناً منه أن هذا هو الحياء، وأن يقف عن ضرب المنطقة حتى يسافر الضيف، فرد عليه ذلك الأعرابي الأفغاني برسالة قال فيها: يا نجيب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال:38] وكتب له الآية، يا نجيب أسلم تسلم وإلا فانتظرني بالذبح. رسالة قصيرة تروعه وتقض مضجعه. يمني كهربائي يطلق صواريخ سكربيش وسكرشل، صقر عشرين وصقر ثلاثين حتى يخرج نجيب ويقول: لقد أمطرت كابول بطوفان من الصواريخ. ولو علم نجيب أن الذي يهدده ليس رئيس حلف الناتو، وليس رئيس حلف الأطلسي أو حلف وارسو أو المناورات العسكرية الأجنبية الغربية أو الشرقية لا. إن الذي يهدده أبو عتيق اليمني، أقصركم أطول منه، وأنحفكم أسمن منه، والله إني أعجب من ذلك الرجل. وآخر كان (يليس) الجدران، انتقل إلى شكردرة فمن الله عليه وفتح على قلبه بالجهاد حتى أصبح يلقب بعدو الطواغيت يخافه الشيوعيون، إذا قيل للشيوعيين المنافقين الذين يتسللون لأخبار المجاهدين يقولون: عدو الطواغيت وصل منطقة يخشاه الشيوعيون خشية عظيمة، يماني (مليس).

فضل الجهاد والمجاهدين

فضل الجهاد والمجاهدين يا إخوان! الجهاد يشعل العزة ويرفع العزيمة، ويجعل من لا شأن له ولا مكانه يحمل على الرءوس وعلى الأذقان، فمن أراد لنفسه عزة فعليه بالجهاد، الجهاد لا يحتاج إلى دكتوراه ولا يحتاج إلى دورة لغة، يحتاج إلى نفس تؤمن بالله وتفنى حباً في سبيل الله، وتضحية لإعلاء كلمة الله، وماذا بعد ذلك؟ إن قدرت له الحياة سيعيش عزيزاً مكرماً، وإن مات تبادرته الحور العين، ست خصال: يغفر له عند أول دفعة من دمه، والذي يموت على فراشه ينازع ويعالج وتسحب منه الروح سحباً في سكرات الموت، أما ذلك الشهيد فيغفر له عند أول قطرة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، وتبتدره اثنتان وسبعون حورية إلى آخر الخصال التي ينالها. واعلموا -يا إخوان- أنني أقول: إن الجهاد يكون من كل واحد بحسبه، فإذا كان جهاد أحدنا في جمعه للتبرعات، أو إيضاح قضية الجهاد، أو في أمر ينفع المجاهدين حتى وإن لم يكن في ساحة الجهاد فهو في عين الجهاد، لكن أقول لشاب ليس له دور أو عمل أو مكانة أو أسرة يقوم عليها أو أمر ينفع المجاهدين: ما الذي يقعدك؟ أليس الجهاد خيراً لك؟ ولذلك -يا إخوان- الأمر بالنسبة للشباب في الجهاد كل بحسبه، فإذا كان خدمتك للجهاد في الجبهة فخير الجهاد أن تكون في الجبهة، وإن كانت خدمتك للجهاد في موقعك فخير الجهاد أن تبقى في موقعك، وإن كانت خدمتك للجهاد في الطب والجراحة فخير الجهاد أن تكون في الطب والجراحة، وإن كانت خدمتك للجهاد في كفالة الأيتام فخير الجهاد أن تمضي في هذا العمل، المهم أن تعلم أن الجهاد أن تخدم الجهاد في أجل صورة وفي أجمل موقف سواءً كنت في الجبهة أم لا. اعلموا -أيها الأحبة- أن الجهاد لا شك في مقابلة الصفوف والأعداء، والرباط هو أفضل الأحوال جميعاً؛ كفى بصليل السيوف فتنة، لماذا لا يفتن الشهيد في قبره؟ قيل: كفى بصليل السيوف فتنة، كفى بأزيز الطائرات ولهيب النار فتنة. فيا أحبابي: أدعوكم أن نكون مجاهدين، جهادنا كل بحسبه، جهادنا أن ندعم هذا الجهاد كل في موقعه، وكل في مكانته، وكل بحسب قدرته وافهموا هذا الكلام فهماً جيداً. أقول -أيها الإخوة-: إننا لم نعرف كيف نعمل للإسلام، نحن إذا جاء أحد وألقى المحاضرة وقال: تبرعوا، تبرعنا، لكن لم نعرف كيف نجعل العمل للإسلام كالفطور والغداء والعشاء كما يفعل النصارى، العمل للتنصير عمل يومي، يعني: إلى جانب كونه طبيباً لكنه منصر أو مهندساً لكنه منصر في نفس الوقت، أياً كان عمله، لكن نحن عندنا ازدواجية أو انفصام، لا نستطيع أن نجمع بين كوننا أساتذة ومجاهدين أو أطباء ومجاهدين أو مهندسين، ومجاهدين ينبغي أن نعرف كيف نتعلم لنجعل الجهاد عملاً يومياً في الصباح والمساء كما نجعل الغداء والفطور والعشاء وجبة يومية. أقول لكم -أيها الإخوة-: سنة حسنة من استمر بها يلقى الله بأجر عظيم، كل واحد منكم لا يخلو في الأسبوع من مناسبة أو وليمة، أسبوعياً الواحد يدعى إلى ثلاث ولائم أو أربع ولائم، ونجتمع ونتحدث قليلاً ثم نتفرق ما فعلنا شيئاً لماذا لا نخدم هذا الجهاد؟ نشبع والناس جياع، نضحك والناس يبكون، لماذا لا نتعود من الآن أن كل مجلس نجلس فيه وفيه أكل وشرب، أنا أسامحكم من جلسات الشاي؛ لكن الجلسات الضخمة والعشاء الدسم لا بد أن يكون بعدها الحساب كيف؟ إذا جلس عندك إخوانك وتحدثوا وشبعوا وأكلوا وريقة: لا تنسوا إخوانكم المجاهدين. على الأقل إذا اجتمع عشرة وكل واحد دفع خمسة ريالات تحصل خمسون ريالاً أظنها تكفل يتيماً لمدة شهر واحد أو أقل من شهر. المهم أن نجعل العمل للجهاد والعمل للإسلام عملاً يومياً، ما ظنكم أن كل واحد منا كانت عنده مناسبة يجمع فيها مائة ريال، ثمانين ريالاً، مائة وعشرين ريالاً على مستوى المنطقة، كم نجمع للمجاهدين؟ ثم نسلمها إلى يد موثوقة توصلها إلى المجاهدين حسب الهيئة التي نتعامل معها أو الجهة التي نحن نثق بها. فيا أحبابي: العمل للإسلام نريد أن يكون يومياً لا أن يكون مناسبياً، مناسبة محاضرة: الجهاد الجهاد. والعشاء ليس فيه جهاد؟ والغداء ليس فيه جهاد؟ والعقيقة ليس فيها جهاد؟ والنزالة وقصر الأفراح لا نجمع فيها للجهاد؟ ولا نثقل كاهلنا بالكثير، ريال أو خمسة ريالات، بالكثير عشرة ريالات وكثر الله خير من فعل ذلك، كل واحد منكم مسئول عن هذا العمل. عندنا شاب أسأل الله أن يوفقه بالدخل المحدود، شاب زهراني عندنا في الرياض الله يبارك فيه، بين فترة وفترة: يا أخ سعد تفضل هذه مائة وستة عشر هذه مائة وعشرون، هذه ثمانون، هذه تسعون. ما هذا؟ كنا في مناسبة، ومستمر على هذا العمل، قلت: يا أخي! هنيئاً لك، وذكرت له حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل: وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه الله إلى عمل صالح ثم يتوفاه عليه) فأسأل الله أن يستعملني وإياكم في طاعته، وأن يثبتني وإياكم على مرضاته، أسأل الله أن يتوفانا راكعين ساجدين شهداء مسلمين موحدين، وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من الهداة المهتدين، ونسأله ألا يتوفانا وألا يقبضنا على خزي أو فاحشة أو منكر أو معصية. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

توبة كثير من اللاعبين في الرياض

توبة كثير من اللاعبين في الرياض Q سمعنا توبة كثير من مشاهير اللاعبين من مدينة الرياض وعودتهم إلى الله تعالى، فما مدى صحة هذه العبارة؟ A الحمد لله، هذا صحيح، ولله الحمد والمنة، وأقول: إن الكثير من اللاعبين -ولله الحمد- على حد طيب من الاستقامة وحسن السيرة، ولكن الله من عليهم بمزيد من الصلاح والحب للإسلام والعمل له، فما تسمعونه خير وأولئك مثل وقدوة لأمثالهم من محبي الرياضة، أو للشباب الرياضيين الذي يظنون أن الشهرة تنتهي بكل واحد أو تشغله عن كل شيء، فلله الحمد والمنة من نجوم المنتخب ومن مشاهير اللاعبين لهم حظ طيب في الاستقامة والصلاح والدعوة إلى الله جل وعلا، ونحن نسأل الله أن يثبتهم وألا يكلهم إلى أنفسهم. وليس هذا -يا إخوان- بغريب منهم، هل اللاعب في غنىً عن الجنة أو في أمان من النار، أو في ضمان برحمة الله جل وعلا؟ كلنا محتاج لذلك، لكن مثل هؤلاء إذا كان العدد من الشباب يتطلعون وينظرون إليهم فمن باب أولى إذا رأوا من يحبونه ويعشقون لعبه ويتابعون أخباره وأهدافه ومواقفه وفرصه؛ يعلمون أن هذا من خيرة الصالحين، من الشباب الطيبين ممن لا يترك الصلاة على أي حال حتى وإن كان في الداخل أو في الخارج، في المعسكر أو في أي مكان، على أنه مهما كان في أي موقف لا يلتفت إلى النساء، لا يقع في المعاصي، لا يقع في الزنا، لا يتساهل في مخالطة الفساق، فعند ذلك يكون قدوة وداعية رغم أنه في مكان -وليس بالضرورة- قد يجد فيه منفذاً إلى أن يفعل شيئاً من المخالفات، ومع ذلك ومع إمكانية ذلك فإنه يذكر رقابة الله عليه، وعلم الله بأحواله جميعاً فلا يفعل من ذلك شيئاً، بل يجتهد في حفظ نفسه وإخوانه.

وسيلة مبتكرة في الدعوة إلى الله

وسيلة مبتكرة في الدعوة إلى الله Q هناك أحد الإخوان يسأل بالله، ومن سألكم بالله فأجيبوه: يطرح فكرة، يقول: أجتمع أنا ومجموعة من أحبابي وعددهم ما يقارب خمسة وعشرين من الإخوة ندفع في كل شهر خمسة وعشرين ريالاً فما فوق، وهو مبلغ ندفعه إلى صندوق عند أحدنا، ونشتري بهذا المبلغ كل شهر مجموعة أشرطة ورسائل لفئة معينة من الناس، مثلاً نجتمع في آخر الشهر ونشتري رسائل وأشرطة ومحاضرات فننصح المرضى ونذهب إلى أحد المستشفيات ونوزعها على غرف المرضى، ونهدي لهم تلك الرسائل والأشرطة، ونسأل الله أن ينفع بهذه الفكرة؟ A يعني هذا الأخ جزاه الله خيراً ينشر فكرة ويسن سنة حسنة لعله أن يفوز بأجرها عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة). يا إخواني: هذا الدين عظيم وليس محدوداً بجانب معين، جميع جوانب الحياة للدين فيها أمر ونهي، وللدين فيها علاقة وصلة، فكل سنة ومشروع نافع حسن تفعله في هذه الأمور فأنت تؤجر به، وثق أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

حكم السكوت عن جماعة يفعلون الفاحشة بعد نصيحتهم

حكم السكوت عن جماعة يفعلون الفاحشة بعد نصيحتهم Q أنا شاب ملتزم، وأسكن في عمارة وفيها شباب، وأرى كل يوم هؤلاء الشباب ومعهم فتيات وساقطات ومن يتبعن الرذيلة مثل هؤلاء، وأنا أعرفهم ونصحتهم ولكن لا فائدة، فهل أنا آثم على السكوت في ذلك، أم أن مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من ستر على مسلمٍ ستره الله عليه يوم القيامة) يشملني؟ A لا يا أخي، هذا رضى بالشر ورضى بالمعصية وبالفسق ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولا يدخل هذا في الستر، الستر مثاله كأن تجد مثلاً سكراناً أو أن تقبض على اثنين في حالة معينة في أول وهلة مثلاً ثم تنصحهما ويلتزمان بالتوبة ويبذلان لك الرجاء أن تستر عليهما، ويعدانك بالتوبة إلى الله جل وعلا، فهنا حسن لو سترت عليهما، لكن هؤلاء الذين تنصحهم مراراً ومع ذلك هم مصرون فهذا لا يصدق عليه الستر، بل فيه المداهنة والرضا ولا حول ولا قوة إلا بالله! بل من واجبك أن تعد المخطط، وأن تنصب الكمين لكشفهم والقبض عليهم، طالما أنك نصحتهم مراراً فلم ينتصحوا، ونهيتهم فلم ينتهوا، وزجرتهم فلم يزدجروا، فلا بد أن ترتب المكان والخطة والكمين المناسب للقبض عليهم. ولعلمك هناك حالات لا بد فيها من القوة ووضع الندى في موضع السيف بالفتى مضر كوضع السيف في موضع الندى ويقول الآخر في بعض ألوان الشر: والشر إن تلقه بالخير ضقت به ذرعاً وإن تلقه بالشر ينحسر فلا بد أن تستخدم شيئاً من القوة حتى تقهر هذا الباطل، ولماذا شرع الجهاد؟ لأنه قمع للعناد والعصيان الذي يقف أمام انتشار الحق وإقامة شرع الله جل وعلا، فالقوة مطلوبة في بعض المواقف.

كتاب الداء والدواء لابن القيم

كتاب الداء والدواء لابن القيم Q نرجو أن تذكر الكتاب الذي ذكرته في بداية الحديث عن أن الشيخ ابن القيم رحمه الله قد أورد أربعاً وسبعين قصة. A نحن قلنا أنه قال: ومن عقوبات الذنوب، ومن عقوباتها، أورد أربعة وسبعين أثراً من آثار الذنوب أورد في بعضها شيئاً من القصص ولم أقل أربعة وسبعين قصة، هذا الكتاب اسمه الداء والدواء أو الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، هذا كتاب قرأته ثلاث مرات لا أمل قراءته، وأنصح كل واحد منكم أن يكثر من قراءته، والعجيب حينما تقرأ فيه كأنك تقرأ لأحد علماء النفس والأطباء النفسيين في هذا الزمان، مع أنه في القرن السابع! من شدة جمال ومعالجة وخطاب هذا الكتاب لمكنونات النفس!

لكي تجعل بيتك خاليا من المعاصي

لكي تجعل بيتك خالياً من المعاصي Q كيف أستطيع أن أجعل من منزلنا أو بيتنا بيتاً إسلامياً ليس فيه معصية، وبذلك أقي نفسي وأهلي من وقود النار؟ A اعلم -يا أخي الكريم- أنها أمنية كل واحد، وكل واحد يجب أن يجعل من بيته أسرة مسلمة في مجتمع مسلم، وعلى أية حال -بالمناسبة- هذه البلاد الطيبة المترامية الأطراف، الشاسعة الأنحاء، ليس غريباً عليها أن تكون مشعلاً وقدوة ونبراساً وإماماً لدول العالم أجمع، والعالم الإسلامي خاصة؛ لأن أهلها أهل عقيدة، وأرضها أرض رسالة وتجديد عقيدة، بل الغريب أن نجد البعد عن الالتزام. من واجبك -يا أخي الكريم- أن تسعى إلى بذل الحب والندى واللطف والمودة لأهلك وأهل بيتك، حينما أريد أن أنصح من يكرهني فاعلموا أنه لن يسمع مني؛ لأن من يبغضني لن يسمع مني صرفاً ولا عدلاً، لكن إذا أحبني سمع مني، فأول خطوة أفعلها: أن أتودد وأن أتحبب إلى أهل منزلي: أبي وأمي وإخوتي وأخواتي، هذا بالهدية، وهذا بالتواضع والخدمة وكف الأذى والإيثار والبشاشة وعدم رفع الصوت وخفة النفس معهم، لا أن أكون ثقيل المنام، ثقيل الفراش، كثير الأوامر والمطالب، طويل اللسان، متعدد الأوامر، ثم آتيهم: اتقوا الله، النار حارة، النار باردة ولا يسمعون شيئاً، لا فائدة من الكلام هذا؛ لأنهم يرون رجلاً ثقيل النفس. لكن حينما يجدون قبل كل شيء الذي يأمرهم حبيباً لطيفاً خفيف الظل ليس ثقيلاً عليهم دائماً يقدم لهم الهدية يخدمهم لا يكون أنانياً همه نفسه يحبهم يتدلل أو يتفنن في أساليب مرضاة والديه، عند ذلك -أيها الإخوة- تجدهم يحبونه، فإذا أحبوه حينما يقول لهم يسمعون، وحينما ينصحهم ينتصحون، وحينما ينهاهم ينتهون. أذكر أحد الشباب -الله يذكره بالخير- هو الآن إمام مسجد في الرياض، كنا إذا زرنا، نقول: أين أبو فلان؟ يقول: الطبراني ما بعد جاء. يضحك عليه يسميه الطبراني، أين هو؟ والله الطبراني ذهب المعرض ذاك. ومع ذلك كان كثير المزاح مع والده، خفيف الظل، خفيف النكتة والمرح مع والده، ليس أنانياً، واستطاع بفضل الله أن يجعل من والده الحليق لحية طيبة مباركة، ومن ذلك البيت المنفلت أسرة صالحة، ومن ذلك المجلس الذي يجلسه والده مع أصدقائه وشلته مجلس قراءة في كتاب الله أو في التفسير بماذا؟ بحسن الخلق. يا إخوان قبل أن نقول للناس: هذا حلال وهذا حرام، ينبغي لا ينبغي، يجوز لا يجوز، ينبغي أن نعرف أولاً هل هم يحبوننا أم لا؟ هل رأوا فينا القدوة الصالحة أم لا؟ هل وجدوا فينا مسابقة ومسارعة إلى تطبيق ما نأمر أم لا؟ فحينما يجدون هذه الصفات التي تكسر حواجز العلاقات، بل تفتح سبل المودة وتمهد الطرق للمحبة عند ذلك يسمعون منا ويتأثرون بنا. وأقول لك: لا تقصر أو تبخل عليهم بكل جديد من الأشرطة والرسائل الطيبة، وأيضاً الأمور النافعة، يعني: تجد بعض الشباب يومياً شريط، يومياً رسالة، لكن ما يوم من الأيام أعطاهم مثلاً وجبة أو ساندويتشات أو عطور أو أقمشة أو أشياء جميلة، دائماً كتاب أو رسالة، يوماً رسالة، ويوماً ساندويتش، ويوماً كذا، فجدد عليهم يقبلون هداياك، وبين الفينة والأخرى ساعة وساعة. أسأل الله أن يبارك فيك، وأن يصلح بيتك وسائر بيوتنا أجمعين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

كيف تدعو فردا؟

كيف تدعو فرداً؟ الدعوة إلى الله هي دعوة للخروج من ظلمة المعاصي إلى نور الهداية، ومن سراديب الجهل إلى ساحات العلم والمعرفة بالله ورسله وشرعه. وكما أن الدعوة الجماعية لها تأثير فكذلك الدعوة الفردية هي أصل التأثير وأنفع الدعوات؛ باستقراء حال كثير من المهتدين، وإذا كان نفع الشخص في الدعوة الجماعية عميقاً فهو أعمق في الدعوة الفردية.

الدعوة إلى الله: مفهومها وأهميتها

الدعوة إلى الله: مفهومها وأهميتها إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى، فهي سبيل النجاة لأولى القلوب السليمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين! لا يخافكم أن دعوة عباد الله إلى طاعة الله من أجَلِّ الأعمال وأفضل القربات، كيف لا وهي وظيفة الأنبياء، ومهمة الرسل، وديدن العلماء، وميراث ورثه الدعاة، دعوة عباد الله إلى طاعة الله، ذلكم الجواب الذي تحدث به الصحابي الجليل حينما قابل قائد الفرس، وقال ذلك القائد: ألم تكونوا جياعاً، فكنا نعطيكم كل عام ميرة أصواعاً من بر أو شعير فتكفيكم، فما الذي جاء بكم؟ فقال الصحابي الجليل: [جئنا إليكم لنخرج من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها]. أيها الأحبة! الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى النور وهجر للظلمة. الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى العلم وقطيعة للجهالة. الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى الاجتماع وتحذير من الفرقة. الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى العمل وتطليق للبطالة. الدعوة إلى الله جل وعلا دعوة إلى التعاون وهجر للأثرة والأنانية. كيف لا وهي تدور في محورها على عبادة الله جل وعلا، وعبادة الله سبحانه وتعالى محققة لكل خير طاردة لكل شر. أيها الأحبة! يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] ويقول جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ففي هذا خطاب يوجه الطاقات إلى أن توظف في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ويرسم لها طريق الدعوة وسبيلها ووسائلها، ويبين فضلها، وجليل منزلتها {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] وبدأ بالحكمة قبل الموعظة، والموعظة مشتملة على العلم والبصيرة، لأن الاختيار والتوقيت، ومعرفة السبيل، وكيفية التطبيق والأداء أمر مهم جداً، الحكمة: فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي، الحكمة: وضع الأمر في نصابه وفي موضعه، وعلى السبيل والطريقة التي تضمن بإذن الله نجاحه. فاختيار الوسيلة أمر مهم لا يغني عن وجود العلم، ووجود العلم لا يغني عن الحكمة والوسيلة، وكل أمر من الأمور لا بد فيه من صحة الوسيلة وصحة النية كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: كل أمر من الأمور لا بد فيه من صحة المقاصد، وصحة الوسائل، وإن صحة الوسائل لا تعفي ولا تغني عن صلاح المقاصد، وإن صلاح المقاصد، لا يغني ولا يعفي من صحة الوسائل. وهذا أمر جلي واضح حتى في أبسط الأمور وأيسرها، فمن أراد ونوى وقصد السفر، فإن قصده السفر لا يغنيه عن تحديد وسيلته المناسبة، ومن اختار وسيلة مناسبة في السفر دون تحديد للوجهة والمقصد، فهو ضائع هائم على وجهه. يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى هدى فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة) ويقول صلى الله عليه وسلم لـ علي، والخطاب لعموم الأمة: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمُرِ النعم). أيها الأحبة! لن نطيل في بيان فضل الدعوة، وأهميتها، ومكانتها، ومنزلتها، فهي أمر واجب وجوباً عينياً لا تبرأ ذمة الحاكم والمحكوم إلا بالقيام به، لا تبرأ ذمة الراعي والرعية إلا بأدائه، لا تبرأ ذمة الرئيس والمرؤوس إلا بالعمل له والدعوة إليه، وتيسير سبله، وفتح أبوابه، وتنويع مجالاته، الدعوة إلى الله أمر مهم وخطير وجليل وكبير ينبغي أن يلج كل مجال، وأن يدخل كل مضمار، وأن يحل في كل مساحة {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104] وواجب الدعوة واجبان: واجب يتعلق بولي الأمر ومن عينه ولي الأمر مسئولاً محاسباً متابعاً منظماً معداً لأمر الدعوة إلى الله. وجانب آخر من الدعوة يتعلق بكل فرد، يتعلق بالذكر والأنثى، والفتى والفتاة، والرجل والمرأة، قال ربنا جل وعلا: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41]. فهذا دليل صريح على أن شقاً وجزءًا وجانباً عظيماً من الدعوة يتحكم في الحاكم وأجهزته وكل دواوينه المتعلقة بهذه المهمة، يتحملون فيها عبء وشرف التكليف في هذا السبيل، ويقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] فهذا دليل أيضاً على أن واجب الدعوة لا يقتصر في وجوبه ومسئوليته والمحاسبة عنه على الحاكم وأجهزته، بل يتعدى الوجوب إلى سائر الأمة، فكل مؤمن وكل مؤمنة مسئول عن الدعوة سبحانه وتعالى. وهذان الدليلان على سبيل المثال لا الحصر، لأن الأدلة من القرآن والسنة متواترة متضافرة مشتهرة على توزيع هذه المسئولية. ألا وهي مسئولية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

الأسلوب الناجح في الدعوة إلى الله

الأسلوب الناجح في الدعوة إلى الله أيها الأحبة! ولنا وقفة بعد هذا لنتكلم في واحد من أساليب الدعوة إلى الله، لقد ظن أو علم كثيرٌ من الناس بما رأوا من المحاضرات، والندوات، والكلمات، واللقاءات، وطباعة الكتب، وتوزيع الأشرطة أن هذه من أساليب الدعوة إلى الله، وهذا أمرٌ صحيحٌ، ولكنهم ظنوا أن وسائل الدعوة تقف عند هذه الوسيلة الجماعية، أن الدعوة في وسيلتها وطريقتها مخاطبة للجماهير، مخاطبة للجموع، حديث مع الفئام، ومن ظن أن الدعوة اقتصرت على هذه الوسيلة فقد أخطأ وأساء فهماً.

أهمية أسلوب الدعوة الفردية

أهمية أسلوب الدعوة الفردية أيها الأحبة! هناك وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله أوصيكم ونفسي بها، وأُحملكم ونفسي مسئوليتها، والدعوة إليها، ونشرها، والعناية بها ألا وهي: الدعوة الفردية، فإن كثيراً من الناس لا يعلم عن هذا شيئاً، وبعض الناس يظن أن الدعوة بالوسيلة الفردية استعمال لوسيلة ضعيفة غير مؤثرة، وليس هذا بصحيح، بل إن الرجال الأشاوس الأفذاذ الذين نفعوا الأمة لو رجعت إلى تاريخهم لوجدت أصل تربيتهم دعوة فردية تلقوها من عالم في حلقة علمه، وإمام ترسموا خطاه في منهج سلوكه في حياتهم. إذاً: الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية لا تغني عنها الوسائل الجماعية في الدعوة، من الممكن والميسر أن توزع مئات أو آلاف الأشرطة، ومئات أو آلاف الكتب، وتخاطب المئات أو الآلاف من الناس في محاضرة أو ندوة، ولكن ثق وتيقن واعلم أن عدداً كبيراً من هؤلاء لم تنفذ رسالة الدعوة إلى قلوبهم، ولم تبلغ صميم أفئدتهم؛ الأمر الذي يشكك في أثر هذه المواعظ على جوارحهم وحواسِّهم. أما التربية الفردية، أما الدعوة الفردية، فلها- بإذن الله- منزلة ومنفعة عظيمة، ولست بهذا أقلل من شأن الدعوة إلى الله بالوسائل العامة، أو بطبع الكتب وتوزيعها، ونسخ الأشرطة وتوزيعها، أو مخاطبة الجموع عبر الخطب والمحاضرات والندوات، ولكن ينبغي أن يكون لكل داعية ولكل فرد منكم جهد واضح، ومعالم بينة في الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية. أتدري ما هي الدعوة الفردية؟ اتصال فردي بواحد أو اثنين، فإن ذلك أدعى- بإذن الله- إلى التأثر، وإن ذلك- بإذن الله- أدعى إلى التربية الحقيقية، والاستقامة النافعة، ولها أثرٌ بالغٌ، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ:46] الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية دعوة إلى مخاطبة العاطفة والفكر، دعوة إلى مخاطبة القلب والعقل، وتأثيرٌ على السلوك، واقتداءٌ في المعاملة، ولأجل ذلك كان الاقتداء من أجلِّ طرق التأثر والتأثير في الدعوة: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21] ويقول الله تعالى لنبيه، والخطاب للنبي بالأصالة، ولعموم الأمة بالتبع: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28].

الدعوة الفردية: صورة من صور تطبيقها

الدعوة الفردية: صورة من صور تطبيقها ترى شاباً منحرفاً وفي علمك أن من نفسك القدرة-بإذن الله- على التأثير عليه دون التأثر به، أو ترى شاباً فيه علامات خير، ولم توجه طاقتك بالكامل إليه، فتبدأ بالتعرف عليه أولاً، وكسب محبته ثانياً؛ لأنك لن تؤثر على أحد ما دام يبغضك، ولن تؤثر على أحد ما دام يكرهك، ولن تؤثر على أحد ما لم تكسر حواجز تمنع رسالتك من نصيحةٍ أو كلمةٍ إلى قلبه، فلا بد من كسب محبته بهدية، برسالة، بدعوة، بمناسبة، بأي وسيلة من الوسائل المشروعة التي تمكن لك في قلبه موقعاً ومكاناً، ثم بعد ذلك اعقد العزم على أن يكون ذاك الشاب، أو ذلك الرجل، أو ذلك الذي قصدت دعوته، اعقد العزم على أن يكون رفيقاً لك لمدة سنة كاملة، بمعنى الرفقة والملازمة والمتابعة، فتأخذه معك في محاضرة عامة، وتزوره ويزورك، وتتفقد المكتبات التجارية لترى ما فيها من الكتب، ولو شئت لزرت غيرها من المكتبات الخيرية، تذهب وإياه إلى درس، أو اثنين، أو ثلاثة من الدروس العلمية الشرعية في الفقه، أو العقيدة، أو النحو، أو غيرها، فيكون تلميذاً ملازماً، لهذا تجعل بينك وبينه وترسم معه منهجاً تحفظ فيه معه أجزاء من القرآن، وأحاديث من السنة، ونصوص من المتون، بمعنى اجعل هذا الرجل أو اجعل هذين الرجلين قضيتك هذا العام. إننا أيها الأحبة لو سلكنا هذا الطريق، لنمى الخير بطريقة الأعداد المضاعفة المركبة، فلو اجتهد عشرة من الشباب على عشرة مثلهم، لكانت حصيلة هذا الجهد- بإذن الله- عشرين من المهتدين، ثم إذا اجتهد العشرون، كانت حصيلة سعيهم أربعين، فثمانين، فمائة وستين، وهكذا يتضاعف الخير بهذه الوسيلة المهمة. نعم، لك أن تقول: شتان شتان بين أن أفرغ جهدي ووقتي لدعوة واحدة أو اثنين، وبين أن أقف خطيباً، أو محاضراً، أو متحدثاً أمام ثلاثة آلاف، أو أربعة آلاف، لا شك أن الأرقام هنا بينها بونٌ شاسعٌ، وفرقٌ واسعٌ، ولكن ثق أن الجماهير- في الغالب- عاطفتها وقتية، في الغالب من تأثر منها فإنما يتأثر في لحظة سماع الموعظة أو الخطبة أو النصيحة، وليس هذا تقليل لشأن الخطبة أو المواعظ، ولكن ذلك -كما قلت- يوجه، ولا يغني عن الدعوة إلى الله بالوسيلة الفردية. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

أثر الدعوة الفردية على المدعوين

أثر الدعوة الفردية على المدعوين الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. أيها الأحبة في الله! إن الشريط والكتاب له أثرٌ بالغ، ولكن الشريط يخاطب حاسة السمع، والكتاب يخاطب العقل بواسطة البصر، وأما الدعوة الفردية فهي دعوة تخاطب السمع والبصر كل صفة قابلة للتوجيه والتأثر في المدعو، لذا كان لزاماً أن يتحمل كل واحدٍ منا، وكل من ينسب نفسه إلى هذه الأمة المباركة، إلى هذه الدعوة السامية وإلى هذه الأمة الوسط أن يتحمل كل واحدٍ منا مهمةً ودوراً عظيماً في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لا تكتفي برسالة ترمي بها لصاحبك، أو بشريط يوزع في مناسبة، أو كتاب تسلمه في يده، بل إنا نسألكم، ونسأل من يعدون أنفسهم مستقيمين، أو يعنون بأمر الدعوة، ويهتمون بأمر الإسلام والمسلمين، نقول: إلى جانب كل جهودكم أين جهودكم في الدعوة الفردية؟ العلم ميراث، بل حتى أمور الدنيا ميراث، تجد أنواعاً من الصناعات والحرف يتوارثها حفيدٌ عن أب، وأبٌ عن جد، وجدٌ عن أجداده، فالدعوة تلزم من كل واحد قادر أن يجعل له تلاميذ أن يكون له أصحاب يتعاهدهم كما يتعاهد الزارع زراعته، يهتم بهم كما يهتم التاجر بثروته، يتفقدهم كما يتفقد المستثمر أمواله، تحج بهم ومعهم، تعتمر بهم ومعهم، لا تنقطع عنهم في الأسبوع المرتين والثلاث، تحضر معهم ويحضرون معك دروس العلماء وطلبة العلم، تذهب وإياهم إلى المحاضرات والحفلات والمهرجانات النافعة حتى لو اقتضى الأمر أن يكون حظك في تسوق بعض حاجاتك وبعض حاجاتهم على وجه من الذهاب سوياً وجميعاً ففي هذا خير. أيها الأحبة! إن التربية الحقيقية هي ثمرة من ثمار الدعوة الفردية، الكلمات العامة في المناسبات العامة تخاطب خطاباً عاماً وخطاباً خاصاً، ولكنها لا تحيط بحياة المدعو، فلهذا الذي يسمع كلامك الآن يتأثر بك قليلاً، فلما يعود إلى شاشته يجلس متكئاً واضعاً رجلاً على رجل ليسمع ويرى نقيض وخلاف كل ما خطبت عنه، أو تكلمت فيه، وربما ارتكب شيئاً من الأفعال التي حذرت منها، أما الدعوة الفردية إلى جانب هذه الوسائل المباركة، فإنها تأثير على الوجدان، تأثيرٌ على الفكر الذي يتحكم بالحواس والجوارح، تأثيرٌ على القلب، تأثيرٌ على المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. إننا لا نريد النتائج بالعشرات، أو بالمئات، وإنما نسأل كل شاب من الشباب -والخطاب للشباب وللشابات، والرجال والنساء، والكبار والصغار- ونخصهم بهذا الخطاب؛ لأنهم أحرى وأدرى وأقوى على اختيار هذه الوسيلة وتطبيقها: هل جعلتم في برنامجكم، وأنتم في بداية هذا العام الهجري (1414هـ) وتستقبلون إجازة عظيمة، هل جعل كل واحد منكم في ذهنه أن يجعل محصلة عمله، وثمرة جهده في هذه الإجازة واحداً، أو اثنين من الشباب يرافقهم ويلازمهم، ويعتني بهم، ويحل مشاكلهم، ويجتهد في فهم أمورهم، وتأثيره على سلوكهم؟ ثقوا أيها الأحبة أننا وأنكم ستجدون أثراً مضاعفاً مركباً في هذا المجتمع، فكل سنة تجدون صوراً، ومزيداً من الصور المشرقة في صلاح الأمة، وهذا لا يغني عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمعنى أنه لا يغني عن وظيفة الحسبة، وهذا لا يقلل أو يغني من الدعوة بالأساليب الجماعية كالخطب والمحاضرات، والندوات، واللقاءات، وتوزيع الكتب والأشرطة، ولا يغني عن غيره من الوسائل، ولكن الوسائل مجتمعة بدون استخدام هذه الوسيلة -أي: الدعوة الفردية- تبرز وتبين أن النتيجة ربما كانت ناقصةً، أو ليست في حجم ما نطمح إليه ونرغب فيه. لذا أيها الأحبة أعيد وأكرر، وأزيد وأبين، وأخص الشباب بهذا ألا يكون نصيبكم من الالتزام فقط التزامكم الشخصي، وذهاب الواحد بنفسه إلى حلقة العلم منفرداً وعودته منفرداً، ذهابه إلى المكتبة منفرداً وعودته منفرداً، ذهابه إلى المعهد العملي أو المركز الصيفي منفرداً وعودته منفرداً، ذهابه إلى العمرة منفرداً وعودته منفرداً، بل لا بد أن يجعل معه واحداً أو اثنين يذهب بهم إلى حلقة العلم والمحاضرة والمعهد، والمركز، والحج والعمرة، والسفر، وزيارة العلماء وطلاب العلم. وهنيئاً لك يوم القيامة يوم أن تقف بين يدي الله جل وعلا في وقت ذهلت فيه كل مرضعة عما أرضعت، ووضعت كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى من شدة عذاب الله وهول ما يرون، في وقت كل يفر من صاحبه، الأم تفر من ابنها، والزوج من زوجته، والأخ من أخيه، في ذلك الوقت ستجد صيامك وصيام هذا الذي أثرت عليه في موازينك، ستجد تهجدك وصلاتك، وتهجد اثنين ممن أثرت عليهم، ستجد علمك وعلم اثنين أو ثلاثة ممن أثرت عليهم، ولو صدقت النية لكان لك في نهاية كل سنة ميزانية ثرية، وميزاناً يخبرك أنك رابح حيث كانت نتيجة سعيك، ومحصلة عملك أن اهتدى على يديك في هذا العام اثنين، واهتدى على يديهم عشرين، وعلى يد العشرين آخرين، فيكون الجميع في ميزان أعمالك يوم القيامة. أرأيتم كيف تكون الدعوة من أجَلِّ الأعمال، وأربح البضاعات، وأجّلِّ القربات، أرأيتم كيف أن الحسنات في الدعوة إلى الله تضاعف مضاعفةً مركبةً لا حصر لأرقامها إلا بعلم الله جل وعلا إذا صدقت النوايا، وصحت الوسائل. فيا شبابنا، ويا رجالنا، ويا أبناء أمتنا، ويا معاشر المؤمنين والمؤمنات الدعوة الفردية، وهذا الخطاب يصح أن يوجه للمرأة، وللنساء، فللمرأة أن تؤثر على صاحبتها بزيارتها، واستضافتها، وحضور المحاضرات معها، إني أعجب يوم أن تجد منتقداً ينتقد فتاةً تحضر محاضرة، أو ينتقد امرأةً قد سجلت اسمها في مدرسة تحفيظ القرآن، أو في مركز صيفي يعنى بتحفيظ القرآن الكريم، لكنه ما انتقد تلك التي حظ السوق منها خمسة أيام من الأسبوع، وحظ حديقة الحيوانات يومين من الأسبوع، وحظ الملاهي اثنين أو ثلاثة، وحظ المناسبات والزيجات في الفنادق وقصور الأفراح أياماً متعددةً، تجد عجباً! لا تجد من ينكر على تلك المرأة التي ضاع ليلها ونهارها بين الحدائق والمناسبات والأسواق، ولكن يقول بعضهم: ما سمعنا بالتزام امرأة تحضر محاضرة، أوليس خيراً لها أن تسمع إذاعة القرآن الكريم فقط؟ ما سمعنا بامرأة تخرج إلى ندوة نسائية، أولا يكفيها أن تسمع الشريط بعد تسجيله؟ ما سمعنا بامرأة كذا وكذا، لكنه يعلم علم اليقين حال تلك التي خرجت لتفتن الرجال وتفتن نفسها، وأن شر البقاع عند الله أسواقها، وأن شر فتنة أنزلت على هذه الأمة المال والنساء، فلا ينكر من هذا قليل ولا كثير، لكنه ينكر على الفتاة الصالحة، وعلى المرأة المسلمة المتدينة، ينكر عليها اهتمامها بالدعوة الفردية أيضاً، فالخطاب للجميع أن يتبنى كل واحد في كل عام رجلاً أو رجلين، والفتاة تتبنى صديقةً أو صديقتين، امرأةً أو امرأتين، فتعتني ويعتني الكل بصاحبه عنايةً فائقةً، وإن النتيجة-بإذن الله- نافعة.

لا يجدي تعداد الأخطاء ولكن علاجها

لا يجدي تعداد الأخطاء ولكن علاجها إن مهمتنا في الدعوة تعبيد الناس لله سبحانه وتعالى، وإن وظيفة الأنبياء هي تعبيد الناس لله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] وليعلم كثيرٌ من الشباب أنه ما ضره ولن يضره أن يعرف الكثير أو القليل عن أخطاء الحكام والحكومات، ولن يضره أن يجهل الكثير أو القليل عن المخالفات في أي مجال من المجالات المتعلقة بفلان أو علان، ولكن سينفعه -بإذن الله- اشتغاله بالدعوة إلى الله، اشتغاله بتعبيد الفرد لله، وتعبيد الفتاة لله، اشتغاله بتطويع السمع والبصر واليد والرجل والحواس لله سبحانه وتعالى، اشتغاله بأن يعبد الله على بصيرة، أن تؤدى الصلاة كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يشتغل العبد بطاعة الله وتطبيق أوامر الله، ولن يضره لو جهل أخطاءً من حكام، أو حكومات، أو مسئولين، أو مؤسسات، أو هيئات. من المؤسف أن تجد قليلاً يرى أن الدعوة هي اشتغال في المجالس بأخطاء فلان وعلان، وزلات فلان وعلان، والهيئة الفلانية، والمؤسسة الفلانية، والرجل الفلاني، والمسئول الفلاني، وقس وألحق ما شئت من الألقاب والهيئات بعد هذا، ولكن اعلم أن هذا لن يكون في موازينك يوم القيامة. لو أخذت عشرةً أو عشرين من الشباب، وأعلمتهم باختلاس مالي، وأخبرتهم عن سرقة، وحدثتهم عن تلاعب، وأشغلتهم بأي أمر من هذه الأمور وأضرابها وأصنافها، فإن ذلك لن يؤثر في سلوكهم في حياتهم. لكن لو امتلأت قلوبهم حباً في الجنة، وخوفاً من النار، لانعكس هذا على صلاح سلوكهم، وانعكس هذا على بيان البصيرة والطريقة الصحيحة في دعوة أولئك المخطئين أو المختلسين أو الواقعين في المنكرات، كثيرٌ من الناس يظن أن الدعوة اشتغال بأخطاء الأشخاص والهيئات والمؤسسات، وليس هذا بصحيح، الدعوة تعبيد الناس لله، الدعوة تطويع الناس لله، الدعوة تسخير النعم في طاعة الله سبحانه وتعالى، هذا هو المهم والخطير الجليل الذي سوف ينفعنا وينفكم بإذن الله. يقول الإمام الجهبذ العلامة رحمه الله رحمةً واسعةً محمد الأمين الجَكني الشنقيطي صاحب" أضواء البيان " والكتب المعروفة، يقول لولده: يا بني إن الله لن يسألك يوم القيامة لماذا لم تشتم فرعون -هل يوجد طاغية أشد طغياناً منه، وأضل ضلالاً منه؟ - ولكن الله سيحاسبك على عرض كل مسلم زللت فيه. وهذه مسألة مهمة. إذاً: فالتربية والدعوة الفردية حينما نتحدث عنها هي دعوة إلى التربية بمعناها الحقيقي، دعوة إلى تعميق التقوى والمراقبة والمحاسبة والخوف من الله جل وعلا. أما أن تعلم الشباب بما ظهر من ألوان وأصناف الفضائح والجرائم والمنكرات سواء في مجلات أجنبية، أو بما يتناقله الناس إن صدقاً، وإن كذباً، لكن ثم ماذا؟ تجد واحداً يتحدث عن تلك الفضيحة الفلانية، وهو يشعل سيجارته ويتعاطى شرب الدخان، وما أثر ذلك على سلوكه، ويرى زوجته تنظر في صور الرجال الممكيجين الذين تجملوا بالمكياج ومساحيق التجميل ولا يغار عليها، وهو يعلم ويعرف عن كثير من الأخطاء، ولكن ما أثر ذلك في سلوكه، ويرى ابنته تخرج إلى السوق ويكثر خروجها وما أثر في سلوكه، والشاب يرى هذا من أخته ولا يغار أو ينكر عليها، هذه هي الدعوة التي لا تؤثر في النفوس أي شيء؟ إذاً: الدعوة الحقيقة التخويف بالنار، والترغيب بالجنة، وتعبيد الخلق لله، وتسخير الجوارح في طاعة الله، وتعميق المراقبة لله، تعميق التقوى في النفوس بحيث إذا ازدانت، وازدهرت، وتزخرفت المعصية، وغلقت الأبواب، وحضرت الشهوة، وقام الشيطان، ودعي المسلم إلى المعصية، قال: إني أخاف الله، قال: معاذ الله، قال: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17] هذه ثمار الدعوة. أما أن نظن أن من أهم وأصول الدعوة بيان الأخطاء، والفضائح، والمشكلات، ونظنها وقوداً وزاداً نربي به الجيل والأمة، فثقوا -والله- وأدين لله بهذا الكلام، أقوله تعبداً: أنك لو أخذت شاباً عمره من العشرين إلى الثلاثين، وأنت تبين له فضائح الأنظمة، وأخطاء الحكام، ومصائب الهيئات، وأفعال المؤسسات والمعارف حتى بلغ الثلاثين من عمره، فلن يؤثر هذا في سلوكه شيئاً، سيمتلئ قلبه غيظاً وحقداً وكمداً وحسداً وبغضاً، ولن يؤثر في واقعه شيئاً، اللهم إلا نشر الحسد، والتشاؤم، والإحباط، وعدم التفاؤل في صلاح الأمة. أما لو أشغلته بحفظ القرآن والسنة، وتعبيد جوارحه لله، ومراقبة الله، وفعل مرضاة الله، ولا يمنع ذلك إن علم، أو إن رأى خبراً، أو سمع أمراً، فله أن يحكم عليه، إن رأى أمراً، أو سمع به في شاشة، أو مجلة، أو جريدة، لا يعني ذلك أن يسكت عنه، ويقول: ليس من المصلحة أن نحكم عليه بأنه حلال أو حرام، إذا رأى ما يخالف شرع الله فسئل عنه، أو أراد أن يبين حكمه لنفسه، أو من حوله، يقول: هذا لا يرضي الله، هذا لا يجوز، هذا يسخط الله، هذا كبيرة من الكبائر، هذا أمر خطر، هذا يسبب الهلاك والفساد، ويقف عند هذا الحد، ولا يجعل شغله الشاغل الكلام عن الآخرين، لا يجعل شغله الشاغل في تربية من حوله، ودعوة أبنائه، أو إخوانه، هذه القضية، ففي هذا أمرٌ مهمٌ جداً جداً. أسأل الله أن يسددنا وإياكم إلى الوسيلة والطريقة النافعة في الدعوة إلى الله، وأسأله سبحانه وتعالى أن يهدينا لمعرفة أسباب مرضاته، ولزومها، وتنجب أسباب سخطه والبعد عنها. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم انصر المسلمين في الفلبين، وكشمير، وأركان، وطاجكستان، اللهم اجمع شملهم في أفغانستان، وانصر المجاهدين في فلسطين، وإريتريا وأرومو، وسائر البقاع يا رب العالمين. اللهم أهلك أعداء المسلمين، اللهم عليك بالهندوس والصربيين، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم فرق شملهم، وشتت جمعهم، وقسم دولهم، واجعلهم غنيمةً للمسلمين يا رب العالمين. ربنا لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا متزوجاً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته. اللهم اجمع شملنا وحكامنا وعلمائنا ودعاتنا على طاعتك، وسخر لنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأراضين بقدرتك. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

كيف تقضي الإجازة؟

كيف تقضي الإجازة؟ أيها الأحبة: الإجازة تقدم علينا في كل عام، وهي قطعة من أوقاتنا وأعمارنا، تحتاج إلى برامج عملية جادة، وإلا فستعود على أصحابها بما لا جدوى فيه ولا طائل تحته، والناس في قضاء هذه الإجازة أصناف، وفي هذه المادة تقفون وقفات مع أصناف الناس في الإجازة والسياحة.

أصناف الناس أمام الوقت

أصناف الناس أمام الوقت الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجو بها النجاة يوم القيامة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصَح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتَرَكَنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: بعد أيام قليلة أو أقل من قليلة يستقبل كثير من الشباب والطلاب، وربما رتَّب بعضُ الموظفين حساباته من أجل أن يوافقهم في استقبال إجازة طويلة تحتاج برنامج عملي جاد وتطبيق نافع، وإلا فستعود على أصحابها بالوبال وضياع أوقاتهم فيما لا جدوى فيه ولا طائل تحته. أيها الإخوة: الناس أمام الوقت أصناف: فمنهم من يرى الوقت محنة؛ يبحث ويقلِّب في ألوان السبل للقضاء عليه ولقتله والتخلص من بياض نهاره وسواد ليله، فتراه يبحث عن مواقع اللهو ومواطن السياحة التي لم يفقه أو لم يعبأ أو لم يكترث بمآلها وعواقبها. وآخرون ينظرون إلى الوقت غنيمة بكل ما تعنيه الغنيمة من معنى، فتحتاج إلى المبادرة بالاستفادة، وإلى الإعداد قبل الدخول فيها. وأقوام تمر عليهم الأوقات يستوي فيها ليلها ونهارها، وجدها وهزلها، ونافعها وضارها، فهم كما قال القائل: ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سَبَهْلَلا أيها الأحبة في الله: إن هذه الإجازة هي قطعة من العمر، هي قطعة من الحياة والزمن، وكل يوم يمضي منها فهو مقرِّب إلى القبر والموت واللحد والنهاية والآخرة، فالعاقل ينظر إلى هذه الإجازة أنها مطايا تحثه وتسير به إلى آخرته؛ نعم قد يُسَرُّ البعض بحلول هلال شهره، وزوال بدر شهره، وهو كما قال القائل أيضاً: يَسُرُّ المرء ما ذهب الليالي وإن ذهابَهن له ذهابا أيها الأحبة في الله: إن المتأمِّل في هذه الإجازة بعين البصيرة، وبمنطق الدليل، وهُدى الوحي من الكتاب والسنة، ليراها قطعة من عمره، وقطعة من حياته تقربه إلى الآخرة، فما تُراه صانعاً بقطعة من عمره؟! أيقتل قطعة من عمره؟! أيفني أياماً وليالي من حياته؟! أيتخلص من فرصة قد أوتيها ليعمل فيها ويزرعها ويغتنمها؟! أيتخلص منها حتى تنتهي بلا فائدة؟! إن ذاك والله هو الغبن الفاحش الواضح البيِّن، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ). ومن تأمل حال المرضى والمشغولين، وَجَدَ الأصحاء والفارغين في نعمة، إما أنهم يستفيدوا منها أو يُغْبَنوا فيها. انظر صحيحاً لم يجعل من صحته حظاً للصيام، ولم يجعل من قوته مكاناً للقيام والتهجُّد، ولم يجعل من عافيته سبباً لنفع الآخرين أو قضاء حاجاتهم، أو السعي إلى حِلَق الذكر ورياض الجنة، أو الجد في طلب العلم والدعوة إلى الله جل وعلا، أين مضى عُمُرُه؟ وأين ذهبت عافيتُه؟ وانظر إلى آخر لا شغل له؛ أيامه ولياليه مليئة بالساعات الفارغة فلم يصرف شيئاً منها فيما ينفعه في دينه أو دنياه، أو ينفع غيره بأي وجه من سبل النفع ومساعدة الآخرين: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ). ولذا جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتَنِمْ خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، وخذ من نفسك لنفسك، ومن دنياك لآخرتك). الفراغ الذي يقدم عليه كثير من الشباب والبنات والرجال والنساء وغيرهم إن لم يُعد له برامج ومشاريع لتملأه وإلا فستمضي بلا فائدة من أعمارهم. لذا أيها الأحبة حري بكل واحد منا أن ينظر فيما يملؤ وقته وفيما يشغل فراغه، ولينظر ما هو البرنامج الذي اختاره، هل ينفعه في دينه؟ أو ينفعه في دنياه؟ أو ينفعه في الدنيا والآخرة؟

أصناف الناس في السياحة

أصناف الناس في السياحة بعد هذه المقدمة اليسيرة ننتقل إلى طائفة قد ربطوا أمتعة السفر وتهيئوا بحجز وتذاكر إلى دول مختلفة لقضاء إجازة نهاية العام، وهم على أصناف: فمنهم من لا برنامج له في السياحة إلا رؤية شلالٍ هادر، أو بحيرة واسعة، أو جبل تكسوه الخضرة، أو برج شاهق، أو بناية تنطح السحاب، أو مدنية متقدمة، وحضارة معاصرة، فلا حظ له من سياحته إلا هذا، فذاك -أيها الأحبة- الواقع والعقل والمنطق شهود عليه أنه يخسر أكثر مما يربح، إذ أن كثيراً من البلاد التي توجد بها تلك المشاهد، وتقع بها تلك المواقع الغالب على كثير منها الإباحية والانحلال والتبرج والسفور، وسبل الخنا متاحة، وأبواب الدعارة مُشْرَعَة، والأزقة العامة مليئة بمن يتاجرون بلحوم الفساد والعياذ بالله. وطائفة يسافرون: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:11] يقولون: نسافر للسياحة، وهم أقرب إلى الوقوع في الفساد من السيل إلى منحدره، يقولون بألسنتهم: نسافر لأجل السياحة، فإذا خلوا في فنادق الدرجة الأولى أو الشقق المفروشة أو الأماكن المشهورة التي يعرفها بعضهم أو كثير منهم لم يتمالك نفسه أمام عَرض رخيص، أو فتنة بشعة، أو بين يدي مشهد يهز مشاعر الفساد في النفس، ويدعو النفس إلى الوقوع في الفاحشة، والله جل وعلا يقول: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14]. اسأل بعض الذين ذهبوا وسافروا وطاروا وارتحلوا، قل لواحد منهم -إن أعطاك لحظة من الصراحة معك-: لماذا تسافر؟ فهل قال: سافرت لأجل الزنا؟! أو قال: سافرت لأجل الخنا؟! أو قال: سافرت لأجل اللحوم العارية؟! لا، وإنما قال: سافرت للسياحة، سافرت للاستطلاع، سافرت لرؤية كذا وكذا. ووالله لو أن عبداً من عباد الله لم يعرف عن الأبراج حرفاً، ولم يعرف عن الشلالات كلمة، ولم يعرف عن البحيرات جملة، ولم يعرف عن الجبال نثراً، ولم يعرف عن الطبيعة شعراً، ما ضره ذلك يوم يلقى الله جل وعلا، ولن يحاسبه الله أو يقال له: يا عبد الله، لماذا لم تعرف جزر هاواي، أو الشلالات الهادرة، أو البحيرات الواسعة، أو الجبال المكسية بالخضرة، ولكن: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فِيْمَ أفناه؟ وعن شبابه فِيْمَ أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفِيْمَ أنفقه؟).

حقيقة السياحة إلى بلاد الكفار

حقيقة السياحة إلى بلاد الكفار السياحة تلك الكلمة التي هي نوع فسادٍ يتربع الجرائد والمجلات فلا يستطيع البعض أن ينكره! السياحة بوابة من بوابات الخنا! السياحة بوابة من بوابات الدعارة! السياحة بوابة من بوابات إثراء الاقتصاد الغربي، ودعم الدول التي تؤذي المسلمين وتضطهدهم! السياحة بوابة من بوابات تضييع أوقات المسلمين وأبنائهم! وليست السياحة بجميع جوانبها، بل السياحة في ذاك النوع الذي تحدثنا عنه آنفاً. نعم أيها الأحبة، إن كثيراً ينفقون تحت دعوى السياحة مئات الآلاف أو عشراتها! ويقال لأحدهم: إن مرضعة صومالية ورضيعاً أشبه بالهيكل العظمي، عَظْمٌ يتربع على عظم أمه ويمص ثدياً لا قطرة من الحليب فيه، فيقال لأحدهم: ائتِ أو أعطِ أو ابذل من أموال سياحتك لهؤلاء الفقراء، فيقول: لا، هكذا قدر الله عليهم. قد يمعن الله بالبلوى وإن عَظُمَتْ ويبتلي الله بعض القوم بالنِّعَمِ أما يخشون الله؟! أما يخافون الله؟! أما يعلمون أن الليالي دول والدهر قُلَّب؟! {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] ينفق أحدهم على علبة المشروبات الغازية خمسة ريالات في الوقت الذي لا تساوي فيه ريالاً واحداً، ولو قيل له: ابذلوا قيمة هذا لمرضعاتٍ وأطفال رُضَّع قد بلغوا من الجوع والعطش مبلغاً؛ لم يبالِ ولم يكترث، وما موت البهائم على قارعة الطريق وموت إخوانه في أرض المجاعة إلا بميزان واحدٍ أو مقياس واحد. وآخر يقال له: آلافك هذه تكفل مئات الدعاة في الفليبين، أو في القارة الخضراء في أفريقيا، الداعية يُكْفَل في السنة الواحدة بألف ومائتي ريال. فلأَنْ تبذل هذا المال لوجه الله جل وعلا بدلاً من أن يُبْذل المال لفنادق يهودية أو شركات سياحية تعود ملكياتها إلى علمانيين فجرة أو غربيين كفرة، تجده متردداً! تهون الآلاف في الفنادق وفي البرامج السياحية لكنها صعبة شديدة عظيمة ثقيلة يوم أن يقال له: ابذل بعض هذه الآلاف لكفالة الدعاة إلى الله جل وعلا. وهذا مثال، واللبيب بالإشارة يفهم، وعلى هذا فقِس، ولا تعييك المسائل لكثرة الشواهد والوقائع فيما تراه من واقعك. أيها الأحبة: نقول لأولئك الذين يهمون بالسفر وقولوا لهم أنتم أيضاً: أنتم أدرى بأنفسكم: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] وما يعرف صراحة الإنسان أحد كمعرفته صراحة نفسه: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:15] حتى لو أظهر أو أعذر أو صنع أو لفق أو جَمَّع من الأعذار والأقوال، هو أدرى بنفسه؛ هل سافر لأجل أفلام خليعة، أو لمناظر مجردة؟! هو أدرى بنفسه. من كان هذا همه فليتذكر أن أناساً سافروا أشداء أقوياء وعادوا جنائز في التوابيت، وليتذكروا أن بعضهم سافر مبصراً وعاد كفيفاً، وبعضهم سافر نشيطاً وعاد معوقاً مشلولاً، وبعضهم عاد بكثير من الذنوب والأوزار والسيئات مريضاً، وربما كانت نهايته في سوء خاتمته وسوء مآله وغايته ولا حول ولا قوة إلا بالله! وليتذكر أن عليه من الشهود ما لا يحصى، فأرض وطئها تشهد عليه، وملائكة كرام كاتبون يشهدون عليه، وجارحة عصى الله بها تشهد عليه، والخلق شهود عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد عليه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] وقبل ذلك وبعده شاهد عليه مَن لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض والسماء {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] شاهد عليه مَن يعلم كل دقيق وجليل، من يعلم ويسمع دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء. قولوا هذا لمن علمتموه تعود السفر للتبذير وصرف المال هناك بلا فائدة، وبلا غاية وحاجة.

قولوا لمن علمتموه تعود السفر بلا غاية وحاجة:

قولوا لمن علمتموه تعود السفر بلا غاية وحاجة: أيها الأحبة: نقول لأولئك الذين يهمون بالسفر وقولوا لهم أنتم أيضاً: أنتم أدرى بأنفسكم: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] وما يعرف الإنسان صراحة أحد كمعرفته صراحة نفسه: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:15] حتى لو أظهر أو أعذر أو صنع أو لفق أو جَمَّع من الأعذار والأقوال، هو أدرى بنفسه؛ هل سافر لأجل أفلام خليعة، أو لحوم رقيعة، أو لمناظر مجردة؟! هو أدرى بنفسه، من كان هذا همه فليتذكر أن أناساً سافروا أشداء أقوياء وعادوا جنائز في التوابيت، وليتذكروا أن بعضهم سافر مبصراً وعاد كفيفاً، وبعضهم سافر نشيطاً وعاد معوقاً مشلولاً، وبعضهم عاد بكثير من الذنوب والأوزار والسيئات مريضاً، وربما كانت نهايته في سوء خاتمته وسوء مآله وغايته ولا حول ولا قوة إلا بالله! وليتذكر أن عليه من الشهود ما لا يحصى، فأرض وطئها تشهد عليه، وملائكة كرام كاتبون يشهدون عليه، وجارحة عصى الله بها تشهد عليه، والخلق شهود عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد عليه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] وقبل ذلك وبعده شاهد عليه: مَن لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض والسماء، شاهد عليه: مَن {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] شاهد عليه: مَن يعلم كل دقيق وجليل، من يعلم ويسمع دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء. قولوا هذا لمن علمتموه تعود السفر للتبذير وصرف المال هناك بلا فائدة، وبلا غاية وحاجة.

كيف يهنأ لمسلم سياحة

كيف يهنأ لمسلم سياحة كيف يهنأ لمسلم مُنْتَجَع؟! وكيف يهنأ لمسلم سياحة وهو يعلم أن الأعراض في البوسنة تُنْتَهَك، يتعاقب الصرب على فرج الفتاة العذراء الصغيرة؟! وكيف تهنأ السياحة والجياع يموتون في الصومال جوعاً؟! وكيف تهنأ السياحة والمسلمون في الفليبين الآن في كتباتو وفي مراوي يواجهون حرباً شعواء ضروساً من النصراني راموس؟! السياحة كيف تهنأ بها والفتن محيطة حتى ببلادنا هنا؟! فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ من كان يقول: إن واقعنا اليوم كواقعنا قبل سنتين فقط فلا حظ له من الفهم والوعي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي: (انتهى وقت النوم يا خديجة). قال امرؤ القيس لما قُتل أبوه: اليوم خمر وغداًَ أمر. انتهى هذا العبث، وانتهى ذاك اللهو، وقد آن لنا أن نعمل، وآن لنا أن نجد، وآن لأفعالنا أن تنطق ولو سكتت ألسنتنا. صامت لو تكلما لفظ النار والدما وأخو الحزم لم يزل يده تسبق الفما لا تلوموه قد رأى منهج الحق أظلما وبلاداً أحبها ركنُها قد تهدما وطغاةً ببغيهم ضجت الأرض والسما كيف تهنأ السياحة والأبرار الأحرار، الأتقياء الأوفياء الأصفياء خلف القضبان في السجون والزنازين في بلاد تدَّعي الإسلام وقد ملئت سجونها بعشرات الآلاف من المسلمين. أيها الأحبة: إن القضية والمأساة والأزمة إنما هي في القلوب، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم). فإلى أولئك الذين قد أعدوا عدة السفر نقول: أحبابنا! اتقوا الله، إخواننا! راقبوا الله، إخواننا! أربعوا على أنفسكم ففينا وفيكم من الذنوب والعيوب والزلات والهفوات ما الله به عليم، فلا حاجة أن تطفح الموازين بمزيد من الذنوب والمعاصي. نقول لأولئك الذين جمعوا ريالاً مع آخر، وديناراً مع آخر: اصرفوها وابتغوا بها وجه الله تنفعكم: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. وما نهاية عبدٍ جوَّال؟! ما من شلال إلا وتمتع بالنظر إليه، أو جبل إلا وأكل وجبة على سفحه، أو سهل إلا وتناول شراباً على خضرائه، أو بحيرة إلا وتناول الشاي على أطرافها، أو بحر إلا وأبحر بزورق في أمواجه، ما هي نهايته؟ نهايته اللحد كنهاية مَن لم يعرف في السياحة ألفاً ولا باءً، مادامت النهاية هي اللحود فاعمل لدار البقاء. فاعمل لدار غداً رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها ابنِ ما شئت، واشترِ ما شئت، وعَمِّر ما شئت، فليست تلك بدورك، وليست بقصورك، وليست بمنازلك، إنما منزلك البرزخي لحد طوله متران وعرضه شبران، هذا هو بيتك، وهذا هو مآلك، وهذا هو مصيرك، ولو كنت ضابطاً مرموقاً فلن يُدفن جندي معك، ولو كنت رئيساً عظيماً فلن يُدفن خادم معك، ولو كنت ثرياً كريماً فلن يُدفن دينار معك، ولو كنتَ مَن كنتَ فلن يُدفن معك ولن يؤنِّسك إلا عملُك الصالح. بعد هذه الجولة الطويلة في الدنيا بأبعادها وجنباتها يموت ابن آدم، وفي نهاية الرحلة يودعه ويشيعه ثلاثة: عمله، وماله، وولده، فيرجع ماله وولده ويبقى عمله، فاعمل لنفسك.

همسة صراحة وعتاب

همسة صراحة وعتاب وكلمة مودة وعتاب، وهمسة صراحة نقولها لأولئك الذين يسافرون بالنساء والبنات، بالزوجات والأمهات، والصغيرات والكبيرات، ويرون أن هذا صورة من صور التقدم والوعي والمدنية والحضارة: ما ضَرَّ أَمَةً من إماء الله عفيفة شريفة حيية متحجبة تغض طرفها، لا تخضع بصوتها ما ضرها أنها لم تعرف شيئاً عن تلك البلدان، ولكن ضَرَّ فتاة من إماء الله أن رأت مشهداً احتقرت به زوجها، أو رأت صورة أبغضت فيه بلادها، أو جلست مجلساً كرهت فيه دينها، أو ارتكبت ما حرم الله عليها، أو عادت إلى بلادها وكأنها تعود من حرية السماء إلى سجن الأرض. إن كثيراً من الناس يجنون على بناتهم ونسائهم، ولا تقولوا: لن يقع فقد وقع، والشواهد كثيرة، أناس ينهون عن الحق وينأون عنه، لا يكتفون في سياحتهم بفساد أنفسهم بل يسافر الواحد منهم ثم تنتهي الرحلة مع الأهل والزوجة والأسرة في مطار لندن أو باريس، ثم يشق طريقاً منفرداً له، وتشق الأسرة طريقاً آخر منفرداً لها، فلا تسأل عما يفعل، ولا تسل عما يفعلون أو يُفعَل بهم! أيها الأحبة! نقولها وقلوبنا يعتصرها الأسى غيرةً وحباً وشفقةً لإخواننا الذين ضاقت بلاد التوحيد بأطرافها أن تستوعب مراح قلوبهم وفساح أفئدتهم؛ لكي يبحثوا عن السياحة في بلدان أخرى، فلنكن صرحاء: إن كانت السياحة بحراً؛ ففي بلادنا بحار. وإن كانت السياحة جبلاً؛ ففي بلادنا جبال. وإن كانت السياحة رملاً؛ ففي بلادنا رمال. وإن كانت السياحة هواءً عليلاً ومواقع في جبال شاهقة؛ ففي بلادنا كذلك. وإن كانت السياحة خلاعة تُعْرَض، أو خموراً يؤذن بها، أو دعارةً مقننة، أو سينما يحميها النظام والقانون؛ فهذا هو بيت القصيد! والآن جاءت المسألة! من أراد السياحة فليسأل نفسه؛ إن كان جاداً يريد أن يغير شيئاً من مكانه فسيجد بنصف تكلفة سفره داخل بلاده إن شاء في الشمال أو في الجنوب وإن شاء في الشرق أو الغرب؛ لكن لن يرى صليباً يُعْبَد، ولن ينقطع الأذان عن مسمعه، ولن يرى فواحش جهاراً نهاراً، أو كبائر إلا الربا، فأقول: خير لك أن تقضي سياحة إجازتك أو إجازة سياحتك في حدود بلدك، ففيها إثراء للقوة الاقتصادية في الداخل، وفيها حفظ لدينك ولدنياك، وحفظ لأهلك ولزوجتك، ولعل إقدام الكثيرين على السياحة داخل بلادهم يجعل المسئولين يعملون جادين في تطوير برامج السياحة في الداخل بما لا يحدث فتنة أو ينشر فساداً.

لكل قوم سياحة

لكل قوم سياحة وأنتقل بعد ذلك إلى السائحين الراكعين العابدين؛ فريق لهم في الإجازة سياحة، ولكنها سياحة الجهاد والدعوة، يخرجون في سبيل الله ولوجه الله، ابتغاء مرضاة الله؛ فيبحثون عن المساجد التي لم يُلتفت لها فيعطون أهل المساجد وعُمَّارها ما جمعوه طيلة هذه الأشهر، ويعلِّمونهم القرآن، ويعلِّمونهم أحكام الصلاة، وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويدعونهم إلى كل فضيلة، ويحذرونهم من كل رذيلة، إن وجدوا قبراً أنكروه ولا زالوا بأصحابه حتى ينقلوه أو يهدموه، إن وجدوا بدعة اجتهدوا في بيان مخالفتها للسنة، إن وجدوا منكراً تلطفوا في إزالته حتى يثبِّتوا إخوانهم في تلك البلاد. هنيئاً مريئاً غير داء مخامر نقول: هنيئاً لهم ما فعلوه ويفعلون، ونقول: (إن الأقربين أولى بالمعروف). فما الذي يمنع أيضاً أن تكون السياحة أو حظ السياحة بحدود بلدك التي رأينا وتعلمون أن فيها أناساً بعضهم لا يحسن الفاتحة، فما الذي يضير شباب الإسلام الذين يحبون التجوال والتطواف والتسيار أن يخرجوا فئاماً وجماعات صغيرة ينطلقون إلى حدود مملكتهم وحدود بلادهم فيخيموا في كل منطقة يحلون بها خمسة أيام يتعرفون على أهل الحي عبر المسجد، يتعرفون على الإمام يعطونه الكتب والأشرطة، وعلى المؤذن، ويتجولون في القرى والهِجَر، وفي تلك المواطن والمضارب، يجمعون الناس ويذكرونهم بالجنة، ويخوفونهم من النار، ويخبرونهم عن مخططات أعداء الإسلام، فإن بلادنا بحاجة كما أن تلك المراكز والمساجد الإسلامية البعيدة بحاجة: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

السياحة طريق إلى فاحشة الزنا

السياحة طريق إلى فاحشة الزنا الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:208]. معاشر المؤمنين: إن السياحة قد تكون بداية للرذيلة عند بعض الناس وطائفة منهم، وكم جاء في هذا المسجد وتحت هذا المنبر وعند ذلك الباب شباب يقولون: سافرنا لأجل السياحة فعدنا بفاحشة الزنا، والواحد منهم لو قيل له في البداية: يا عبد الله! لا تسافر إلى بلادٍ الدعارةُ فيها مُصَرَّحة، والخنا أبوابه مفتوحة، ودعاة الرذيلة على أبوابه في كل طريق، لا تسافر وأنت شاب غرير مسكين بين هوى مطاع، وشح متبع، ونفس أمارة، وشيطان يوسوس؛ لقال: معاذ الله، ما ذهبت لأجل الزنا ولا يزال الشيطان به لحظة لحظة حتى يعود وقد سجل في عداد الزناة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فيا عبد الله: اتقِ الله جل وعلا، فإن كان قد مضى مثلها فالحمد لله على ما ستر وغفر، وأمامك امتحان فيما بقي، وإن كانت الأولى فاحرص على صفاء صفحتك، فاحرص على صفاء سجلك، وليكن خالياً من فاحشة الزنا. أحد الشباب لما حضر موعد زفافه، وفي ليلة زواجه الأول بكى! فقيل: ما يبكيك؟ فقال: أبكي فرحاً وشكراً، وحمداً وثناءً على الله أنني أدخل بزوجتي الليلة ولم أعرف الحرام لحظة. تلكم الشهادة، وتلكم العفة، وتلكم الطهارة يا عباد الله. ومن العجب أنك قد تجد بعضهم من عصمة الله له أنه لا يقدر على السفر، فيأتيه من يقول: سافر معنا، فالتذكرة مجاناً، والسكنى على حسابنا، والتنقلات هدية منا، فما يزالون به حتى يضاف في عدادهم ولا حول ولا قوة إلا بالله! فيا عبد الله: ما دمت نظيفاً فاحرص على نظافتك، وما دمت نزيهاً فاحرص على نزاهتك، وما دمت عفيفاً فاحفظ عفتك، وليعلم أولئك الذين يدعون أنها نوع ذكاء أو شطارة كما يسمونها، أو تدبير بصمت، ليعلموا أنهم بهذا يفتحون الشر على بيوتهم، قال الشافعي: من يزنِ يُزْنَ به ولو بجداره إن كنتَ يا هذا لبيباً فافهمِ إن الزنا دَين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ من قد زنا يوماً بألفي درهم في بيته يُزْنى بغير الدرهمِ يقول صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك) أتريد حفظ بيتك؟ احفظ نفسك (احفظ الله يحفظك) ابنِ أسواراً منيعة من التقوى ومراقبة الله بينك وبين حدود الله، يُبْنَ لبيتك ولأهلك أسوارٌ منيعة فلا يتسلق مجرم أو صاحب فاحشة على أهلك وبيتك. ثم إن طائفة من الشباب لا ينظرون إلا إلى ذات الفاحشة؛ فوالله لو استنطقت هذه البقعة تحت المنبر لو أراد الله أن يُنْطِقها لنطقت؛ أن شاباً جاء متألماً من ارتكاب فاحشة الزنا، وكان الأمر أن سافر إلى بلاد ليست بعيدة فكلَّمه مَن كلَّمه من داخل الفندق وعَرَض عليه فأرسل له والعياذ بالله، ثم إنها لذة وهمية في لحظة قصيرة، ثم عاد يضرب أخماس أسداس، ويعض أصابع الندم، يعيش قلقاً وشروداً وشتاتاً في الذهن والتفكير مع ما يتبع ذلك من قسوة القلب، والوحشة مع الرب، والخوف من الخلق، وتكدر الأحوال عليه، وتقلب أموره بين يديه بسبب تلك المعصية، وإن لم يتُب فحسابه عند الله عسير، قال صلى الله عليه وسلم: (ومررت بأناس -ليلة أسري به صلى الله عليه وسلم- عراة، ويُجلدون بسياط من نار، وتحت أرجلهم لهب يمس فروجهم، فإذا علا الذهب ضَوْضَوا -أي: صاحوا وارتفع صياحهم- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هؤلاء الزناة، وأقوام يشربون من عصارة أهل النار، من ردغة الخبال وهم أهل الخمر والمسكرات). وبعد هذا وقبله شاب يُغَرَّر به، فيزني بفتاة في لحظة غاب فيها عقله، وحضر شيطانه، وغَرَّر به زملاؤه، ثم واقع فتاةً فحمل فيروس الإيدز، والإيدز لا يظهر ظهوراً واضحاً فيمن يصاب به إلا بعد ست أو سبع سنوات، فلربما حمل الفيروس وعاد إلى بلاده، وحيّاه من حياه، فخطب منهم وزوجوه، فنقل الفيروس إلى فتاة عفيفة شريفة، فأصيبت بالإيدز، ونقل الفيروس إلى جنينه، فيصاب به كذلك، وصدق الله العظيم حيث قال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]. ثم أولئك الذين قد اشتعلت غرائز الجنس في أبدانهم ما الذي يردهم أن يتزوجوا؟! إن وجدوا ما يريدون ويرغبون من البنات في مواصفاتهم، والبعض قد ضيعه وقاده إلى الشهوة والفاحشة شدة تفصيله وشروطه في مواصفات زوجته، فتأخر عن الحلال وأقدم وأسرع في الحرام، فما الذي يضيره لو تزوج أرملة أو مطلقة أو امرأة أكبر منه سناً فإنه ينظر نفسه يوم أن يقضي وطره وينتهي مِمَّا في نفسه، ولكن مجتمعٌ بلسان سليط وأبصارٍ حادة يوم أن يتزوج شابٌّ بكرٌ فتاةً أرملة أو فتاةً مطلقة، ومجتمعٌ سليطٌ يوم أن يتزوج شابٌّ بثانية أو ثالثة أو رابعة، ومجتمعٌ سليطٌ يوم أن يتزوج شابٌ بامرأة أكبر منه ولو بعشرين سنة، ولكنه مجتمع جبان يوم أن يُعْلَم أن فلاناً قد سافر وزنا، أو سافر وتكرر سفره لغير تجارة أو علم أو دعوة أو فائدة، فعند ذلك يُغَضُّ الطرف وتَصْمُتُ الألسنة! مصيبة من أعظم المصائب! وإن أولئك الذين تساهلوا بالزنا تحت دعوى السياحة، موضة الشباب شرق آسيا، موضة الشباب غرب أفريقيا، موضة الشباب البلاد الفلانية!

تصوير رائع لحقيقة الزنا

تصوير رائع لحقيقة الزنا اسمع كلاماً جميلاً لواحد من دعاة الإسلام يقول فيه: إن أولئك الذين يسافرون إلى بلاد الغرب أو الخارج لأجل الزنا ينظرون امرأة متبرجة قد أخذ بألبابهم وأبصارهم أصباغُ وجهها، وتبرجُ أطرافها، وجمالُ لباسها، إن المرأة في ذلك المجتمع ما هي إلا كالحمَّام، كالمرحاض، كدورة المياه المنصوبة على قارعة الطريق، فيأتي شاب يدخل ذلك المرحاض وذلك الحمَّام الذي يعجَب ببلاطه ورخامه وأدواته الصحية ولكن ما حقيقة ما يوضع في الحمَّام؟ هو فضلات البشر. فذلك مثل المرأة المتبرجة التي يقصدها أهل الزنا والدعارة، يرون شكلاً جميلاً كجمال شكل الحمَّام وظاهره؛ ولكن حقيقة تلك الفتاة التي تعرض نفسها للبغاء أو توافق على هذه الفاحشة كحقيقة ما يوضع في الحمَّامات، فمن ذا الذي يرضى أن يكون الغائط حضناً له، والبول فراشاً له، والنَّفَس عطراً يشمه؟! ولو أن كل شاب سافر إلى بلاد الغرب وفي نفسه أن يفعل ما يفعل، فرأى فتاة مهما أعجبه جمالها أو عُرِي أطرافها أو رائحة عطرها فتذكر أن جمالها الخارجي كجمال دورات المياه الخارجية من بلاط أو سيراميك أو قطع صحية لتذكر أن تحت الثياب البول والغائط، والنجاسة والنَّتَن، والقذر والوسخ، فمن ذا الذي يفتش حتى يصل إلى النجاسة وإلى النَّتَن وإلى القذارة فيجعلها حضناً له؟! هذا تصوير رائع لحقيقة الزنا، وتقريب جميل لهذه الفاحشة التي قد استسهلها كثير من الشباب ووقعوا فيها. وبعضهم لا يبالي ولا يخشى ولا يخاف، وأشد منهم من ينتهي من تلك ليبحث عن غيرها، فلو أن مَن وقع أناب وتاب ورجع وثاب إلى رشده لكان حرياً أن يغفر الله له والله يغفر لمن يشاء. أما أولئك الذين يصرون على هذه الفواحش فإنا نخشى عليهم أن يموتوا على خاتمة السوء، وعند ابن القيم كلام جميل يقول فيه: إن الإصرار على المعصية بريد الموت على الكفر. ليس بريداً إلى سوء الخاتمة، بل هو بريد الموت على الكفر. شاب ذهب برفقة بعض الشباب إلى بلد ليست بعيدة قال: فلما حللنا مشارف تلك المدينة والعاصمة التي يحجها ويقصدها كثير من الشباب، وقف لنا رجل من أهلها عليه سيما الوقار والصلاح فقال: يا عباد الله، أيها الشباب! ما الذي جاء بكم إلى هذه البلاد، وأنتم قد تركتم مكة خلف أظهركم، والمدينة ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أظهركم؟! هل في بلادنا كعبة يُحَجُّ إليها، أو مسجد يُشَدُّ الرحل إليه، أو حلق علم كما هي في بلادكم؟! أنصحكم وهذه بلادي وأنا أدرى بها: عودوا إلى بلادكم خيراً لكم، عودوا إلى بلادكم خيراً لكم، عودوا إلى بلادكم خيراً لكم.

دعوة إلى اغتنام الإجازة في المراكز الصيفية

دعوة إلى اغتنام الإجازة في المراكز الصيفية وختام الحديث أيها الأحبة دعوة للشباب الحضور، ودعوة لكم: أن تدعوا الشباب ومن تعرفون أن يغتنموا الإجازة في المراكز الصيفية فإن فيها من الأنشطة النافعة الثقافية، والعلمية الشرعية والخطابية والترويحية والمهنية والعلمية وغيرها الكثير الكثير، فجزى الله من دعا إليها كل خير، وجزى الله أساتذة وشباباً ودعاةً بذلوا من أوقاتهم مقابل ثواب يرجونه من عند الله، ولو أعطوا من المال ما أعطوا فليس ذاك بثمن تضحياتهم وجهودهم، فلهم بعد الله الشكر الجزيل، ونسأل الله أن يثبتهم على صبرهم على الناشئة، وعلى تلطفهم بأخطائهم، وجلدهم في معاناة تربية الشباب المراهقين ومَن فوقهم، فإن المراكز الصيفية جِدُّ جميلة، وأروع من رائعة لكثير من الشباب الذين لا يدرون أين يقضون أوقات فراغهم، فوجهوا الشباب إليها. وإلى كل معلم ومدرس وقائد دعوة: أن يشارك وأن يبذل ما في وسعه لإنجاح هذه المراكز التي تحفظ عشرات الآلاف من الشباب. وأدعو الشباب قبل هذا وبعده إلى الدروس والحلق العلمية، ففي بعض المساجد حلقات عبارة عن دورات تعليمية لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، مَن حضرها من أولها إلى آخرها أقول: جدير وحقيق بشهادةٍ في ذلك الفن الذي حضره؛ لأنها علمية أُرِيْدَ بها وجه الله، قام بها وبذلها وأداها علماء وطلبة علم أفاضل ففيها خير، وهي مرتع لمن أراد أن يقضي إجازته فيما ينفعه. كذلكم المكتبات الخيرية ففيها نفع عظيم جداً، ونوصي أهل الأحياء بمساعدة ودعم روادها والقائمين عليها. كما ندعو الشباب أيضاً ونحثهم على الصف في الأسواق والبيع والشراء وتعاطي التجارة، لو أن الشاب صلى الفجر وذهب إلى السوق الكبيرة، سواءً سوق جنوب الرياض أو شرق الرياض إنك لتجد أرباحاً طائلة يغفل عنها كثير من الشباب، سيارة بكاملها فيها من البطيخ أو الطماطم أو الخضراوات أو الفواكه تباع السيارة بكاملها بألف ريال، فمن اشتراها وصبر عليها سحابة النهار باعها مجزأة بثلاثة آلاف، أو بألفين وخمسمائة، أو بألفين؛ لكن أين الشباب الذين ينامون في الليل مبكِّرين ويستيقظون بعد الفجر كما يستيقظ امرؤ القيس: وقد اغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل من الشباب من ترى فيه الجدية يخرج قبل الفجر أو مع الفجر مباشرة، ومنهم من لا يعرف اليقظة إلا بعد الظهر وأما الليل فقد سهره وأقامه فيما لا ينفعه ولا طائل تحته. أو ابحث لك عن وظيفة والتجارة خير من الوظيفة في دخلها وفي راتبها وفي كل شيء، إلا من احتسب أن ينفع المسلمين بوظيفته، فيها خير كثير وربح وفير ولكن الشباب عن هذا غافلون، قال صلى الله عليه وسلم: (بُورِك لأمتي في بكورها). فأين اغتنام البكور يا شباب الإسلام؟ اغتنموا هذا الصباح، ففيه من الأرزاق الخيرات والأرباح والبركات شيء كثير. أسأل الله أن يستعملنا وإياكم في طاعته. أسأله سبحانه أن يجعل هذه الإجازة القادمة وفيرة علينا بالصحة والعافية، والعمل الصالح والدعوة إلى الله، ونفع المسلمين، وكسب الحلال، وبر الوالدين وصلة الأرحام. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم دمر أعداء الدين. اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم انصر المجاهدين في الفليبين. اللهم انصر المجاهدين في البوسنة والهرسك. اللهم اجمع شمل المسلمين في أفغانستان. اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، وكشمير، وإريتريا، وأرومو، وفي سائر البقاع يا رب العالمين. اللهم عليك بالصربيين. اللهم أحصهم عدداً، واجعلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً، واجعلهم غنيمة للمسلمين. اللهم إنك تعلم أن المسلمين لن يستطيعوا أن يقدموا لإخوانهم في البوسنة والهرسك شيئاً يُذكر، اللهم فلا تَكِلْ إخواننا إلى المسلمين وكِلْهُم إلى وجهك الكريم وعزتك التي لا تضام، وركنك الذي لا يرام، وقدرتك التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، انصرهم بنصرك، واجمع شملهم، وعجل نصرهم، وأقم دولتهم، واقمع أعداءهم بقدرتك يا رب العالمين. اللهم آمِنَّا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم اهدِ أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم اهدِ علماءنا، وثبت دعاتنا، وأصلح شبابنا، واهدِ نساءنا، واجمع شملنا، ولا تفرِّح علينا عدواً، ولا تُشْمِت بنا حاسداً. اللهم اهدِ إمام المسلمين، وأصلح بطانته، وقرِّب له مَن علمتَ فيه خيراً له، وأبْعِد عنه مَن علمتَ فيه شراً له ولأمته برحمتك يا رب العالمين. اللهم اغفر لآبائنا، وأمهاتنا، وأجدادنا، وجداتنا، ولنا، وأحبابنا وإخواننا المسلمين. وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

لا إله إلا الله منهج وحياة

لا إله إلا الله منهج وحياة لا إله إلا الله كلمة لابد من توضيح معناها وبيان مقتضياتها وآثارها، وذكر فضلها وشروطها وحقوقها وكل ما يتعلق بها، ومن أجل ذلك جاءت هذه المادة شارحة لما سبق؛ لأن كلمة التوحيد هي الأمر كله، من قالها نجا ومن استعصم بها عصم.

فضل لا إله إلا الله

فضل لا إله إلا الله الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. أحمده سبحانه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم نلقاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله عز وجل أن يجعل لي ولكم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، اللهم إنا نسألك بصفاتك وأسمائك ألا تردنا في هذا اللقاء خائبين، اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا تائباً إلا قبلته، اللهم إنك تعلم ولا يعزب عن علمك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء أن هذه الوجوه ما اجتمعت إلا ترجو رضاك وجنتك، وتخاف سخطك ونارك، اللهم فأعطنا ما سألناك، وأمِّنِّا مما منه خفنا بمنك وكرمك يا رب العالمين! أيها الأحبة في الله: الحديث اليوم عن قضية القضايا، عن قضية الدنيا والآخرة، عن الأمر كله، عن أوله وآخره، إنها: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) إنها (محمد عبده ورسوله). هذه الكلمة لأجلها نزلت الكتب، ولأجلها بعث الرسل، ولأجلها طيبت الجنة للأبرار، وأعدت النار للأشرار، لأجل هذه الكلمة مد الصراط؛ أحد من السيف، وأدق من الشعرة. لأجل كلمة (لا إله إلا الله) تطايرت الصحف: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:7 - 8] وأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يصرخ ويصيح فائزاً من ثمار لا إله إلا الله: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:19 - 20]، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق:10 - 12] ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:25 - 28]. من أجل (لا إله إلا الله) أعد الله كل نعيم للأبرار، وأعد كل جحيم للفجار والأشرار. إن الذين خالفوا لا إله إلا الله نزل بهم عذاب الله في مواضع شتى، وفي سور شتى، لقد دكدكت الأرض وزلزلت خمس مرات، زلزلت بالطوفان وبالصيحة وبالخسف وبالحاصب وبالريح الصرصر عقوبات حسوماً على أقوام خرجوا عن لا إله إلا الله. (لا إله إلا الله) شأنها عظيم، في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معاذ! فقال معاذ: لبيك يا رسول الله! وسعديك، فقال: يا معاذ! فقال معاذ: لبيك يا رسول الله! وسعديك، فقال صلى الله عليه وسلم الثالثة: يا معاذ! فقال معاذ: لبيك يا رسول الله! وسعديك، فقال صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار) الله أكبر! هذا الفضل العظيم لأجل هذه الكلمة العظيمة. وفي حديث عتبان عند الشيخين رحمهما الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) متفق عليه. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل) متفق عليه. إن الأمان والأمن والطمأنينة في هذه الكلمة العظيمة (لا إله إلا الله) قال الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] الأمن في الدنيا والآخرة، والهداية إلى صراط الله المستقيم. (لا إله إلا الله) هي العروة الوثقى (لا إله إلا الله) هي القول الثابت: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:27] وفي الحديث أن موسى رسول الله صلى الله عليه وعلى نبينا وسائر الأنبياء قال: (يا رب! علمني دعاء أسألك وأدعوك به، فقال الله عز وجل: يا موسى! قل: لا إله إلا الله، فقال موسى عليه السلام: يا رب! كل عبادك يقولون: لا إله إلا الله، فقال الله عز وجل: يا موسى! لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن لا إله إلا الله). الله أكبر! ما أعظم هذه الكلمة في لفظها ومعناها ومدلولها، وفضلها وأنسها وسعادة من لهج بها، وسرور من رددها ومن عاش لأجلها ومن مات عليها! (لا إله إلا الله) يأتي عبد يوم القيامة فيحاسبه الله عز وجل، فيقال له: (يا عبد الله! -الله عز وجل يقرره بذنوبه- هل لك من حسنات؟ هل لك من أعمال؟ فيقول: يا رب! غير ما تعلم، فيقول يا رب! ليس عندي إلا ما تعلمه، فيقول الله عز وجل: إنك لا تُظلم عندنا اليوم، ثم يخرج له بطاقة فتوضع في كفة، ويوضع ذلك الرجل بأعماله في كفة، فترجح لا إله إلا الله) وضع الرجل بذنوبه، بسيئاته، بأخطائه، بمنكراته في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة، فرجحت بهن لا إله إلا الله. والمعنى في هذه الأحاديث العظيمة التي جاءت في فضل لا إله إلا الله، ومنها ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توضأ ذات يوم ثم قال: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني رسول الله لا يلقى بهما عبد ربه غير شاك إلا أدخله الله الجنة)، وكذلك حديث: (من قال: لا إله إلا الله صدقاً من قلبه إلا أدخله الله الجنة)، وكذلك حديث: (من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله؛ أدخله الله الجنة)، وفي بعض الأحاديث: (حرمه الله على النار) فإن هذا مما يدل على أن شأن لا إله إلا الله عظيم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ إلا كتب له بذلك ألف حسنة، ومحيت عنه ألف سيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان، وكأنما أعتق عشر رقاب من ولد آدم). أين الذين يخافون من الأعداء؟ أين الذين يخافون من تسلط الجن والشياطين؟ نقول لهم: عليكم بلا إله إلا الله، فإنها تعصم الدماء، وتحفظ الحقوق، لما قال أسامة مخبراً النبي صلى الله عليه وسلم برجل من العدو قابله، فلما رفع أسامة سيفه، وبهر ذلك المشرك شعاع السيف قال: لا إله إلا الله، فأهوى أسامة بالسيف عليه، حتى جعله فرقين، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم تغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (أقتلته بعد أن قالها؟! أقتلته بعد أن قالها؟! أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟! وكيف بك إذا جاءت لا إله إلا الله تحاج له عند الله يوم القيامة؟!)، ورجل يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أو يسأل فيقول: (يا رسول الله! أرأيت لو أن رجلاً من المشركين ضربني حتى قطع يدي بسيفه، ودمي يشخب من عروقي، ثم رفعت عليه السيف لأقتله فقال: لا إله إلا الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنك إن قتلته كنت بمنزلته قبل أن يقولها، وكان بمنزلتك قبل أن تفعل ذلك).

شروط لا إله إلا الله

شروط لا إله إلا الله إن (لا إله إلا الله) شأنها عظيم، وخطرها وأهميتها في حياة المسلمين عظيمة لو أنهم وعوا هذه الكلمة ومعناها وأبعادها، ولكن افهموا واعلموا وأخبروا من وراءكم أيها الأحبة، يقول الشيخ/ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ما معناه: قد يقول قائل: إذا نطق العبد بهذه الكلمة نال كل هذه الفضائل، ونجا من العذاب، وليس له بعد ذلك من خطر يخافه أو يهابه، الجواب فيما يقوله الشيخ: لا، إن هذه الكلمة من يقولها لابد أن يأتي بشروطها وحقوقها وواجباتها، إذ لولا ذلك لردَّدها كل مردد، وتلفظ بها كل متلفظ، ولقال: يكفيني هذه الكلمة. مع تركه ما أوجب الله، وارتكابه ما يخرجه من الملة، ألا وإن لا إله إلا الله لها شروط وحقوق وواجبات، ولمخالفتها تبعات. ومن شروطها حتى ينال الإنسان فضلها: ألا يرتكب ما ينقضها، وألا يقع فيما يخالفها، وألا يقصر في حقوقها وواجباتها، أتظنون أن لا إله إلا الله تنفع طغاة العلمانية الذين يعتقدون عدم صلاحية الدين للاقتصاد والإعلام، والاجتماع والتربية! أتظنون أن لا إله إلا الله تنفع طغاة التغريب والضلالة الذين يريدون أن يحصروا الدين في المساجد والمحاريب والأقبية والخلوات، ويريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؟ أتظنون أن لا إله إلا الله تنفع أولئك الذين يريدون أن يدخلوا في رءوس الأمة ألا مجال للدين إلا في التسبيح فقط، وما سوى ذلك فليس للدين فيه أمر ولا نهي؟! إن لا إله إلا الله تنفع من عمل بها، ومن علمها وتيقن أنها في شئون حياته كلها، نعم وإن ارتكب شيئاً من المعاصي، أو وقع في شيء من الكبائر، فإن أهل السنة والجماعة مخالفون لمذهب الخوارج والمعتزلة الوعيدية الذين منهم من يكفر بارتكاب الكبيرة، ومنهم من يجعل صاحب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، ليس مخلداً في النار ولكن من أهل الجنة، نعم إن أهل السنة والجماعة يرون أن من قال: لا إله إلا الله وارتكب ذنباً يقر أنه ذنب، ووقع في خطيئة يقر أنها خطيئة، ويعترف أنه في تقصير، فذلك شأنه شأن المذنبين في الصغائر والكبائر. أما الذين يقولون: لا إله إلا الله وهم يقررون تقريراً، ويعتقدون اعتقاداً، ويدينون لطواغيتهم ديانةً ألا دخل للدين إلا في الأحوال الشخصية؛ في زواج وطلاق، وفي محاريب وتسابيح، وما سوى ذلك فلا علاقة للا إله إلا الله بها، إن ذلك تحجير للكون كله في زاوية ضيقة، ذلك تحجير لأمر عظيم في مجال ضيق، لذا فلنعلم هذه الكلمة وخطورتها وشأنها. (لا إله إلا الله) نفي وإثبات، (لا إله) لا يوجد إله، لا يتصور إله إلا إله واحد هو الله وحده الذي يستحق العبادة. (لا إله إلا الله) نفي وإثبات، نفي لهذه الألوهية ونفي لهذه العبودية عن كل موجود وكل مدع إلا لمن يستحقها وهو الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، الذي تألهه القلوب، وتفزع إليه، الذي تتضرع إليه، الذي تنكسر إليه، لا إله إلا الله الذي تألهه النفوس، البهائم تجأر إلى ربها، والصغار يجأرون إلى ربهم، وكل ما في الكون ساجد مطمئن مسلم لله عز وجل. (لا إله إلا الله) شأنها عظيم أيها الأحبة! وشروطها: أن يعلم العبد هذه الكلمة: ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) [محمد:19]، شروط لا إله إلا الله أن تعلم بها علم اليقين: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18] تأكيد، وإثبات وبيان، وتوضيح وشهادة، قل أي شيء أكبر شهادة من الله؟ أي شيء أعظم من شهادة الله على وحدانيته؟ ثم رضي شهادة الملائكة وشهادة أولي العلم. ومن شروطها: القبول المنافي للرد، فمن قال: لا إله إلا الله فليقبل شرع الله، وليذعن للا إله إلا الله، وليسلم لأمر الله، من كان يقول: أنا أقول لا إله إلا الله، وأقر بلا إله إلا الله، فإذا قيل له: إن الله حكم بهذا. عليه أن يقول: سمعنا وأطعنا، من يقول: لا إله إلا الله ويريد ثوابها، إذا خوف بالله وبأمره، وبنبيه صلى الله عليه وسلم وبزجره فليقل: سمعنا وأطعنا، ألا إن قبولها أمر لابد منه، فمن ادعاها ورد مقتضاها فذلك متناقض في نفسه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. ومن شروط لا إله إلا الله: الإخلاص، وضده الرياء، فيجب أن تخلص لهذه الكلمة، أن تقولها حباً في الله وطاعة لله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]، إخلاص بمحبة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]. ولابد لهذه الكلمة من صدق يمنع من الاعتراض: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] ومن حقق ذلك في لا إله إلا الله وجد لذة الانقياد لها، يقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36].

حقوق لا إله إلا الله

حقوق لا إله إلا الله {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر:22 - 24]. تتكرر الأسماء وتتعدد وتتنوع، وتتضمن هذه الصفات، وكلها كمال مع كمال، وبهاء مع جلال، قال الشيخ/ محمد بن عثيمين في رسالته القيمة النفيسة، التي أنصح كل شاب وكل طالب علم أن يعتني بها؛ دراسةً وفهماً وفقهاً، المسماة: القواعد المثلى في أسماء الله وصفاته الحسنى: إن من القواعد الثابتة في أسماء الله وصفاته أن دلالة أسماء الله على صفاته دلالة بالمطابقة والتضمن والالتزام، فإن كلمة لا إله إلا الله تتضمن كافة أسمائه، وكافة صفاته، وضرب لذلك مثلاً -مناسباً أن نطرحه- ألا وهو قول الله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12] ففي أول الآية الله عز وجل يبين أنه الخالق، وهذا اسم من أسمائه، ويقتضي هذا الاسم أن يكون الخلق والإيجاد من العدم، وإبراء النسمة والخلق من العدم هو من صفات الله عز وجل، فالاسم الخالق، والصفة الخلق، ويقتضي ذلك صفات بالتضمن والالتزام: أن يكون قادراً على ما يخلق، عليماً بما يخلق، حكيماً فيما يخلق، فكذلك لا إله إلا الله، الله اسم علمٌ على الله يتضمن هذا الاسم أسماء الرحمة وكل اسم فيه الرحمة وفيه المغفرة، وفيه الخلق، وفيه الرزق، وفيه كل ما يليق بالله عز وجل من أسمائه الحسنى، وكل ما يليق بالله عز وجل من صفاته العلى. إن كلمة لا إله إلا الله تتضمن كل شيء، فالله هو الرزاق ذو القوة المتين لمن أراد أن يسأل ربه بالرزق، وهذا ما يسمى بتوحيد المسألة؛ أن تسأل الله باسم يناسب سؤالك، فإن كنت تريد رزقاً فقل: يا رزاق! ارزقني، وإن كنت تريد رحمة فقل: يا رحمان! ارحمني، وإن كنت تريد قوة فقل: يا قوي! قوني. إن كلمة لا إله إلا الله تضمنت كل أسماء الله وصفاته، فمن أراد رزقاً فالله هو الرزاق، ومن أراد فضلاً فالله ذو الفضل العظيم، ومن أراد ذرية فالله هو الذي يهب الذرية: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:49 - 50] ومن أراد العزة فالله هو المعز، ومن أراد النصرة فالله هو الناصر، ومن أراد العون فالله هو المعين، ومن أراد التيسير فالله هو الميسر، ومن أراد البركة والطمأنينة ألا إنها في ذكر الله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. (لا إله إلا الله) كلمة سعد بها من نطق بها وقام بحقها، وشقي وضل من جحدها، لقد أنكر هذه الكلمة أقوام فعاشوا عيشة الضنك والحسرة، يجزعون لكل مصيبة ولو تافهة، ولا يؤجرون على ما فاتهم من حظ، ولا يؤجرون على ما حل بهم من أسى، يتخوفون من المستقبل وعاقبتهم إلى النار، عبدوا بجحودهم دنياهم فأوردهم ذلك شقاء، فتعبوا وانتكسوا يحبون أن يجنوا لزوالها أو نقصها، ويتقاتلون على تحصيلها، ولا يحتسبون ثواباً فيما أنفقوا ولو على أنفسهم وأهليهم منها، لماذا؟ لأنهم لم يقوموا بلا إله إلا الله. ألا وإن من واجبنا أن نفهم هذه الكلمة بكل معانيها، وأن نظل دائماً داعين إليها. (لا إله إلا الله) الركن الأعظم قبل كل شيء، وكل عمل يبنى عليها، وبدونها لا يقبل عمل ولو كثر أو تعاظم؛ لأجل ذلك أيها الأحبة! نالت قضية التوحيد قدراً عظيماً وحيزاً كبيراً من الاهتمام والمقام في كلام الله وكلام رسوله. وقد يقول قائل: إن لا إله إلا الله فقط نالت اهتماماً في بداية الدعوة، وفي صدر الدعوة، وفي السور المكية، ولما قامت دولة الإسلام في المدينة، ولما أمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بدولته في مهاجره في المدينة لم يعد الأمر كما كان في التنويه والتنبيه والإشارة إلى عظم لا إله إلا الله. وليس هذا بصحيح، فإن كلمة لا إله إلا الله لم يُخاطَب بها المشركون وحدهم، بل خوطب بها المؤمنون أيضا تذكيراً وتثبيتاً، وكما خوطب بالدعوة إليها الكفار في كثير من السور والآيات المكية، خوطب بها المؤمنون في كثير من الآيات والسور المدنية. أيها الأحبة: اسمعوا قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ} [النساء:136] أوليس ربنا عز وجل ينادي عباده ويدعوهم باسم الإيمان ثم يقول: آمنوا بالله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً} [النساء:136]؟ إن الحياة لا تقوم إلا على الحقيقة -الحق كله في لا إله إلا الله- وأعظم حقيقة هي لا إله إلا الله، فهذه الكلمة وما تضمنته حق وما سواها باطل، لا إله إلا الله تحجب التأله عن كل شيء إلا لله وحده، ومن لم يكن الله الرحمن الرحيم الحي القيوم إلهه فإلهه الهوى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] من لم يكن الله إلهه فإلهه شهوته في منصبه أو ماله، فيما يريد أو فيما يذر، قال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الخميصة، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش). نعم، إن لا إله إلا الله من كانت قضيته فأذعن لها صار عبداً لله عز وجل، ومن ضيعها وجهلها وصرف عنها شقاءً وضلالاً ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنك لا تحصي كم يتخبطه من الآلهة من شهواته، ومن ملذاته، وممن يهابهم ويرهبهم ويخافهم، وممن يخشاهم على نفسه ورزقه وحياته.

عمومية لا إله إلا الله

عمومية لا إله إلا الله أيها الأحبة: كلمة لا إله إلا الله، لماذا وقفت الأمم السالفة -وليست قريشاً وحدها- منها موقف التحدي والعناد موقفاً واحداً؟ إن جميع هؤلاء الأقوام وقفوا من أنبيائهم موقف عداوة، فهذه ثمود، وهؤلاء قوم نوح، ومدين، وعاد، والمؤتفكات، كلهم وقفوا من لا إله إلا الله موقف التحدي والعناد، والمصارعة وعدم التسليم، لماذا؟ وحق لنا أن نسأل عن ذلك. نعم أيها الأحبة: إنهم يدركون ما تعنيه هذه الكلمة، واسمعوا قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} [هود:25 - 27] هذا موقفهم من لا إله إلا الله، لما قال لهم: اعبدوا الله مالكم من إله غيره. وأما عاد لما قال لهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ * قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [هود:52 - 53]. وأما ثمود لما دعاهم: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون:32] ثم ذكرهم بنعم الله عليهم التي تدعوهم إلى توحيده، قال لهم: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ * قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [هود:61 - 62]. وهذه من أساليب أهل الضلالة؛ إذا دعاهم داع إلى الهدى، قالوا: كنا نظن أن لك عقلاً راجحاً، كنا نظنك عاقلاً، كنا نظنك فقيهاً، كنا نظنك فاهماً، أفتدعونا إلى مثل هذا الكلام وتقوله؟ إلى غير ذلك مما ورد وكان من الأنبياء مع أقوامهم يوم أن وقفوا في مواجهة لا إله إلا الله. أيها الأحبة: لعل من أخطر القضايا التي جعلت هؤلاء يقفون في مواجهة لا إله إلا الله هو منهج العلمانية القديمة والحديثة، إن العلمانية المعاصرة هي فرع وامتداد لذلك الضلال القديم، الذي جعل أمم الأنبياء تقف في وجوه الأنبياء لترد هذا الهدى، ولتجعل الأصابع في الآذان، ولتستغشي الثياب، ولتصر على عنادها بعداً عما يدعون إليه، إن تلك الأقوام الجاهلية قد استنكرت من رسلها أن يتدخل الدين في شئون الحياة، إن تلك الأمم يخيل لهم أن الدين فقط في حرية شخصية، وأن الدين فقط في محراب وخلوة، في مسبحة وسجادة، ولما جاء من يدعوهم ليقول: إن الدين يشمل جميع نواحي الحياة وقفوا في ذلك، وهم يعلمون معنى لا إله إلا الله؛ ألا يكون في الحياة دقيق ولا جليل، صغير ولا كبير، كثير ولا قطمير إلا للا إله إلا الله فيه أمر وتوجيه. نعم! لقد عاش أولئك الطواغيت الذين واجهوا الأنبياء ومن تابعهم على منهجهم يحللون كيف ما يشتهون، ويحرمون كيف ما يريدون، ويفعلون ما يحلو لهم، لا يجدون من يردهم إلى لا إله إلا الله، فعلموا أن هذه الكلمة وأن الدين جاء ليقطع عليهم لذَّاتهم، وينغص شهواتهم، ويغير عليهم أمورهم، فقالوا: لا. لا نقبل هذه. وأبرز نموذج لهذه القضية: اعتراض قوم شعيب على رسولهم، قال الله عز وجل عنهم: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:85] ثم لا إله إلا الله أخذت تفصل وتوجه حتى في أدق القضايا الاجتماعية والاقتصادية: {وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود:84 - 85] لو كانت مجرد لا إله إلا الله كل يقولها ويمضي أولئك في غشهم وفي تطفيفهم في موازينهم، وفي شهواتهم ولهواتهم وما اعترضوا عليه، ولكن لما جاء لتتدخل لا إله إلا الله في أدق شئون حياتهم اعترضوا اعتراضاً عظيماً، إنهم لم يعترضوا فقط على الجانب العقدي من هذه الكلمة حين دعاهم رسولهم إلى نبذ كل آلهة تعبد دون الله، وإنما اعترضوا أيضاً بروح علمانية: كيف يدخل الدين في حياتنا، فقالوا: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود:87]. إذاً العداوة والعناد هل هي من أجل هذه الكلمة لفظاً ونطقاً، أم من أجل مقتضاها ومعناها؟ لو كان العناد من أجل هذه الكلمة نطقاً لما كان لقريش أن تزج بفلذات أكبادها وأجمل شبابها في مواجهات مع النبي صلى الله عليه وسلم، لتطير الرءوس، ولتسيل الدماء، ولتتناثر الأشلاء في معسكر الإيمان ومعسكر الشيطان اللذين يتواجهان ويتجابهان ويتصارعان. العداوة من أجل الكلمة ومقتضاها، لو كانت كلمة فقط لكان كل يسعد بها ويقولها غير آبه بما تقتضيه وما تلتزمه، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إليها قال: (يا معشر قريش! قولوا: لا إله إلا الله كلمة واحدة تدين لكم بها العرب، وتدفع لكم بها الجزية العجم، فقال أبو جهل: نعطيك عشراً يا محمد -أي نعطيك عشر كلمات لا كلمة واحدة تجعلنا بها سادة للعرب، وملوكاً على العجم يدفعون لنا الجزية- فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: قولوا: لا إله إلا الله، فقال شيطانهم، وقائد ضلالهم وكبيرهم الذي علمهم العناد: تباً لك ألهذا جمعتنا؟ {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]). نعم أيها الأحبة! لا يتصور من قريش أن تقف موقف العناد كله، ولا يتصور من قريش أن تقف هذا الصراع العظيم إلا لأنها تعلم أن لا إله إلا الله سوف تغير حياتها، إن قريشاً كانت تفخر وتفتخر وتفاخر أن يوجد فيها شاعر كـ النابغة الجعدي، أو أن يوجد فيها شاعرة كـ الخنساء، أو يوجد فيها نابغ في مجال من المجالات، لماذا لم تفتخر قريش وهذا نبي يخرج فيها؟ نعم، كان في ظنها أن تفتخر لو كان هذا النبي لا يتدخل في سلطتها، وفي زعاماتها ورياساتها، وفيما تفرضه على الناس من حولها، ولكن لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بلا إله إلا الله، وأدركوا مضمونها، وكانوا يفتخرون بكل من ينسب أو يلفت أنظار قبائل الأمة من حولهم إليهم، يفتخرون به، ويتوجونه رياسة لكي ينال بذلك زعامة وفخراً وسؤدداً بين قبائل العرب والعجم، لما قال محمد وقد ظهر فيهم نبياً، وكان الواجب أن يفتخروا به، وقفوا في معاداته وعداوته، لأنه جاء بما لا يشتهون، جاء بما ينغص عليهم حياتهم. إن لا إله إلا الله لم تأتِ فقط لتزيل الأصنام، وإنما جاءت لتحطم وتهدم كل انقياد لغير الله، وكل إذعان لغير الله، وكل تحاكم لغير الله عز وجل، جاءت لكي تلغي وتنسف هذه المرافق التي بنيت على أساس عرقي عصبي قبلي، ولتقرر: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. جاءت لتحد الناس على ميزان الحق، وصراط القسطاس المستقيم، فلا يبغي أحد على أحد: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188]. جاءت لا إله إلا الله لترد النفوس عما ولغت وذلت وانحدرت فيه، ولترفعها إلى ما يرضي الله عز وجل، إن الذين يظنون أن لا إله إلا الله فقط لإزالة صنم يعبد على صورة وثن أو غيره فأولئك فهمهم قاصر. إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال لـ عدي بن حاتم: (كم إلهاً تعبد؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء، فقال: من لشدتك وكربك؟ فقال: الذي في السماء، فتلا النبي صلى الله عليه وسلم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:31]-أي: واتخذوا المسيح رباً من دون الله- فقال عدي: يا محمد! إنهم ما عبدوهم -يعني ما سجدوا لهؤلاء الرهبان، وما سألوا الرهبان تفريج الكربات وإغاثة اللفهات- فقال صلى الله عليه وسلم: أوليسوا يحرمون عليهم الحلال فيحرمونه؟ قال: بلى، قال: أوليسوا يحللون لهم الحرام فيستحلونه؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم إذاً) إن العبادة ليست سجوداً للأصنام، بل إن من أطاع غير الله معتقداًَ أن له حق التشريع والطاعة فذلك شرك وضلال مخرج من الملة، نعوذ بالله من الخذلان. إن لا إله إلا الله لما خالطت شغاف القلوب، وباتت دماء تضخها هذه القلوب، وخفقات تنبض بها الأفئدة، وزاداً للأرواح قبل الأبدان، ونسمات تتعللها الأنفاس في الصدور، إن لا إله إلا الله لما خالطت شغاف النفوس هجرت الأعين نومها، وهجرت الأبدان راحتها، فأصبحت النفوس كباراً. وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام لما خالطت هذه النفوس لا إله إلا الله فسالت الدماء لأجلها، وطارت الرءوس، وأخرج مكنوز الأموال، وكل تبرأ من ماله ومن كل ما يثقله ويبعده عن مرضاة الله عز وجل. أما في هذا الزمان كم الذين يقولون: لا إله إلا الله؟ أين الذين يقولون: لا إله إلا الله؟ مليار ونصف المليار. يا ألف مليون وأين همُ إذا

مفهوم لا إله إلا الله

مفهوم لا إله إلا الله أيها الأحبة: إن لا إله إلا الله -كما قلت- لا تنحصر في مجال معين، ولو فهمها المسلمون هذا الفهم وقاموا بها هذا القيام لما وجدت حالنا اليوم كما نحن عليه الآن: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163] هذه لا إله إلا الله من الحياة إلى الممات، من البداية إلى النهاية، من الظاهر إلى غاية الباطن؛ في الشكل والمضمون، وفي القلب والقالب، في الصورة والحقيقة، في العبارة والمعنى، ينبغي أن نفهم لا إله إلا الله، إننا لا نستطيع أن نزعم أننا وفينا لا إله إلا الله وإن اعتقدنا إننا لا نستطيع أن نزعم ونحن نقول: لا إله إلا الله، لا نستطيع أن ندعي أننا وفيناها حقها، وإن اعتقدنا الاعتقاد الصحيح، وإن نجونا من الوقوع في شرك العبادة وإن وإن إلى آخره، فإن حق لا إله إلا الله بحذافيره وأطرافه وكل مستلزماته أمر عظيم، لكن علينا أن نجتهد ما استطعنا، وأن نجاهد أنفسنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. إنني أعلم أن ممن يقولون: لا إله إلا الله ولا يفهمون أبعادها ومعناها، يقولون: إلى متى ونحن نظل نتحدث عن لا إله إلا الله، أما آن لنا أن نطرح الطروح العملية؟ أما آن لنا أن نخرج إلى البرنامج التطبيقي؟ أما آن لنا أن ندع الكلام في لا إله إلا الله لنتحدث عن المرحلة القادمة؟ نقول لأولئك: أيها الأحبة! إن لا إله إلا الله ليست شيئاً قائماً بذاته والدين أو نواحي الحياة أمراً مستقلاً آخر، بل إن لا إله إلا الله صميم الحياة، والحياة في صميم لا إله إلا الله، ومن ثم فحديثنا عن كل صغير وكبير يربطنا بلا إله إلا الله، إن كنا عباداً لله عز وجل نفتخر ونتشرف بهذه العبودية، لنتوجه إلى لا إله إلا الله، وليكن قولنا، وسرنا وجهرنا، ونهينا واحتسابنا في لا إله إلا الله وفي مقتضاها، حتى لا نخرج عن هذه المسألة؛ لأن لا إله إلا الله هي الأمر كله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:16]. لقد غلب على عقل كثير من الناس في واقعنا المعاصر أن قضايا العلم، والحضارة والتكنولوجيا، والأدب والفكر، والاجتماع والسياسة هي قضايا موضوعية بحتة أو فنية بحتة، أو قضايا علمانية لا بد أن تخرج عن إطار الدين، وهذه القضايا يستوي فيها المؤمنون والكافرون، وأن سعي الأمة إلى حيازة التقدم يجب أن يكون موضوعياً بحتاً لا علاقة له بالعقيدة، وإنما ينطلق من واجب إزالة التخلف، واللحاق بركب الحضارة، والسعي إلى إيجاد المجتمعات الحديثة، ومعايشة العصر الذي نعيش فيه، نقول: هذا خطأ ووبال وضلال، إن هذا التخلف العقدي الذي ابتليت به بعض شعوب المسلمين في قصر مفهومها، وضيق مفهومها للا إله إلا الله، أخرج من هذه المفاهيم فروض الكفاية، أو شيئاً من الواجبات التي لا ينبغي للمسلمين بصفة خاصة أن يقعوا فيها، أو يتضجروا من الحديث عنها، لأنها شاملة لكل نواحي الحياة، حتى نرى الحياة كلها من صغيرها وكبيرها مرتبطة بلا إله إلا الله في إصلاح شامل، ودعوة مستمرة، وجهاد لا يلين، حتى يعبد الله وحده لا شريك له؟ (لا إله إلا الله) هي الروح والنور، وهل رأيتم حياة في شخص لا روح له؟ (لا إله إلا الله) هي الروح والنور، وهل رأيتم رجلاً لا نور له إلا ويتخبط في الظلمات، ويسقط في المهاوي والدركات؟ إن معرفة الله بأسمائه وصفاته، والتوجه إليه بالدينونة توجهاً شاملاً، والأخذ بمنهجه الذي أنزله في محكم كتابه؟ وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم هو الدواء الشافي لأوجاع البشرية وآلامها، وهو الروح لأرواحنا، والنور لنفوسنا، وبغير لا إله إلا الله وهي الروح والنور لا حياة ولا ضياء، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:52] نعم سمى الله هذه الكلمة وما تشتمله من الوحي المنزل روحاً ونوراً، فهو للأرواح نور، يمدها بالحياة الحقة، والإنسان بغير الروح يعيش حياة بهيمية؛ أو يموت وإن كان يتحرك بين الناس، يعيش عيشة بهيمية يأكل ويشرب وإلى غير ذلك ولكنه كما قال الله عز وجل: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. وبدون (لا إله إلا الله) فإننا أموات، وإن أكلنا وشربنا، وعلى الأرض مشينا: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً} [الأنعام:122] لقد علمنا ديننا كيف نعيش مع لا إله إلا الله، كما أن لا إله إلا الله في السياسة والاقتصاد والتربية والاجتماع والإعلام وما سوى ذلك فهي أيضاً في زواجنا وطلاقنا، ونفقاتنا مع زوجاتنا، ومع الحضانة والإيلاء والظهار، ولا إله إلا الله في الخطبة والنكاح، وفي الوليمة والضيافة والجوار، ولا إله إلا الله هي في العلاقات والأُخُوَّة، والبيع والشراء والإجارة، والمساقاة والمزارعة والوكالة والضمان، لا إله إلا الله هي في كل هذه الأمور جميعاً، لأننا نرقب فيها ما يرضي الله فندنو إليه، ونرقب فيها ما لا يرضيه فنبتعد عنه، علمنا هذا الدين كيف نرتبط بلا إله إلا الله. إن مما يدلنا على أن الأديان غير الإسلام محرفة، وأن الشرائع غير الإسلام مبدلة أنك لا تجد في غير الإسلام ديناً يبين لك أدق تفاصيل حياتك، حتى في أول مراحل الحياة يوم أن توضع النطفة في رحم المرأة، للإسلام في ذلك توجيه، وللإسلام في خروج الجنين توجيه، وفي تسميته توجيه، وفي رضاعته توجيه، وفي حضانته ونفقته توجيه، وفي تربيته وتسميته توجيه، وفي معاملته توجيه، وفي علاقاته بمن حوله توجيه، إنك لا تجد هذه الدقائق إلا في دين الإسلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، لا تجد هذا إلا في كتاب قال الله فيه عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. إن هذا الشمول للا إله إلا الله، وهذا الكمال للا إله إلا الله يدلنا حقاً على أن هذا هو دين من عند الله، وما سوى ذلك فليس بدين ثابت أو سليم من الزيادة والنقصان، والتحريف والتبديل وغير ذلك. علمنا ديننا كيف نعيش مع لا إله إلا الله إذا أصبحنا: (اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا، وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور) علمنا كيف نمسي: (اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا، وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير) علمنا كيف نستغفر، وكيف نقر، وكيف نتقرب إلى الله بسيد الاستغفار، وكيف ندنو من الله عز وجل رتباً ومراتب تقربنا من مرضاته عز وجل: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت -حتى في الاستغفار عودة إلى لا إله إلا الله- خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) أي: أعترف بذنبي، أقر بذنبي، وبهذه المناسبة فإن كثيراً من الذين يذنبون لا يحسنون الاستغفار، تعلموا سيد الاستغفار، وتعلموا الإقرار بين يدي الله عز وجل، إذا سجدت فاعترف بذنبك لله: اللهم يا من لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء! ما خفي عليك مقامي، ولم يعزب عنك شأني وأمري، في تلك الليلة، في ذلك اليوم، في تلك اللحظة فعلت كذا، أذنبت كذا، حصل كذا، انظروا كيف يعترف الجاني على المجني عليه، انظروا كيف يعترف المقصر في حق من ظلمه أو نال منه، يعترف اعترافاً تفصيلياً دقيقاً، ولله المثل الأعلى وهو الغني عنا، ينبغي أن نتذلل لله عز وجل، وأن نلظ بكل ما يرضي الله عز وجل بمناداتنا له بأسمائه وصفاته. اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا، وأهلنا ومالنا، هذا من الدعاء وأسوقه بلفظ الجمع لعله أن يستجاب لنا: اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بك اللهم أن نغتال من تحتنا. سبحان الله العلي العظيم! هذا الدين علمنا أن نعيش مع لا إله إلا الله في كل حال، حتى إذا لبسنا ثوباً جديداً، حتى إذا دخلنا المسجد، حتى ولو خرجنا من المسجد، حتى وإن أصابتنا المصيبة، إذا نزلت الطامة المدلهمة لا فرج إلا بلا إله إلا الله كما ثبت في البخاري أن دعاء الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) كان صلى الله عليه وسلم يعلم أن في شخصيته قدوة سامية جلية، كيف يحيا الإنسان في معية الله، وكيف يكون في كنف لا إله إلا الله صابراً إن أصابه ضر، شاكراً إن أصابه ضير، متطلعاً إلى الله عز وجل، لاجئاً إلى الله، مستعيناً مستغفراً، مسلماً بقضائه وقدره، هذه حال لا إله إلا الله: {يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:191]. إذاً فيا أيها الأحبة: إن لا إله إلا الله لم تنزل لتكون كلمة تنطق بها الألسنة، وإنما جاءت ومن أجلها تقاتلت هذه الأمم مع أنبيائها، ومن أجلها وجدت الجنة والنار، حتى تقيم مجتمعاً وكياناً متكاملاً على ما يرضي الله عز وجل، لا إله إلا الله جاءت ليتشكل الواقع البشري وفق كتاب الله، وسنة رسوله، فمن حقق خيراً فليستزد، ومن وقع في إثم أو خطيئة فليستغفر الله، وليعد وليؤوب إلى الله عاجلاً غير آجل.

اقتران لا إله إلا الله بأنواع التوحيد الثلاثة

اقتران لا إله إلا الله بأنواع التوحيد الثلاثة إن لا إله إلا الله تعني عبادة الله وحده لا شريك له، لئن كانت لا إله إلا الله بياناً للربوبية، وأن الله هو الخالق الرازق، المحيي المميت، المدبر الذي يقبض ويبسط، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، ويعز من يشاء، يمنع ويخفض ويرفع، إن كانت هذه من معاني لا إله إلا الله في باب الربوبية، ولئن كان الكفار يقرون بذلك: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه} [لقمان:25] فإن هذا وحده لا يكفي، لا نفهم من أن لا إله إلا الله تعني أن نعترف بأن الله هو المدبر الخالق، الاقرار بتوحيد الربوبية لا يعصم الرقاب ولا يحفظ الحقوق والأموال، بل لابد مع توحيد الربوبية من توحيد الألوهية وهو صرف العبادة بكل أنواعها بكل أشكالها لله عز وجل، فلا إله إلا الله عبادة لله وحده لا شريك له، ولا يجوز أن يشرك معه غيره، قال الله عز وجل: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه). ولا إله إلا الله كما أنها إقرار بالربوبية وإفراد بالعبادة، هي أيضاً وحدانية في الأسماء والصفات، لا إله إلا الله في أسمائه، فلا يسمى إلا بما سمى به نفسه، وسماه به رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يوصف ربنا إلا بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان من نقص، وما كان من وصف لا يليق إلا وينفى عن الله عز وجل بمقتضى لا إله إلا الله، وبمعنى لا إله إلا الله.

مقتضيات لا إله إلا الله

مقتضيات لا إله إلا الله لهذه الكلمة العظيمة مقتضيات عدة: فمقتضاها الإيماني: أن من فقد هذه الكلمة فهو يتخبط خبط عشواء، والذين أعرضوا عن ذكر الله في ظلمات لا نهاية لها، إن الذين لا يفهمون لا إله إلا الله يرون أن الحياة من أجل أن يقضوا أوطارهم في شهواتهم وملذاتهم، لا وألف لا، وكيف تكون حياة بدون لا إله إلا الله والله يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون:115] خلقتم من أجل لا إله إلا الله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]، من فهم لا إله إلا الله يدرك أن كل ما في الكون لم يخلق إلا لأجل الله ولمرضاة الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27] نعم ذلك ظن الذين كفروا، يظنون أن في هذا الكون شيئاً خلق باطلاً، أو شيئاً وجد عبثاً، أو شيئاً قد وجد سدى، أما الذين يفهمون لا إله إلا الله يعلمون أن النفوس لم تخلق عبثاً، ولم تترك سدى، ولم يوجد من هذا شيء باطل: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:27 - 28] الذين يعلمون لا إله إلا الله يعلمون أن هذا معناها ومقتضاها. أما ذلك الضال المضل -وهو مثال لمن لم يفهموا معنى هذه الحقيقة- يوم أن قال: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري ولماذا لست أدري؟ لست أدري أولئك لم يفهموا لا إله إلا الله، ولم يعرفوها، ولم ينالوا شرف الانتساب إليها، فإلى أي درك يهبط هذا الإنسان إذا لم يعرف معنى وجوده، إلى أي هاوية تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق يوم أن يجهل لا إله إلا الله، إن الإيمان بالله وحده هو حق لله على عباده، في وقتٍ الله عز وجل غني عن عباده، يقول الله عز وجل وهو الغني عن العباد: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:56 - 57]. إننا ندعى إلى لا إله إلا الله ليس لحاجة ربنا إلينا، وليس من أجل أن يستكثر بنا ربنا من قلة، أو يستظهر بنا من قلة علم {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ:22] لا إله إلا هو وحده لا شريك له، والله لا يزيد في ملكه شيء أن يعبده الناس على قلب رجل واحد، أو أن يكونوا على أفجر قلب رجل واحد منهم كما في الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً) إذاً فنحن المحتاجون والله هو الغني عنا، ونحن الفقراء والله الغني، وإن نشكر فالله يرضى لنا، وإن نكفر فإن الله غني حميد: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء:15]، {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:6]. إن الفساد الذي يسري في الأرض حين يهبط الإنسان عن الإيمان بما لا تدركه الحواس، فيفقد الإيمان بالله واليوم الآخر، ويفقد معنى لا إله إلا الله يعني ألواناً شتى لا تحصيها أقلام ولا مجلدات من الضلال والضياع، لأن النفوس إذا ضاعت وزلت وتاهت عن طريق لا إله إلا الله، فلا تسل عن هلكاتها، في أدنى أدنى وأصغر أصغر أمور حياتها، ومن زار الكفار أو عاش معهم فترة أو قرأ أحوالهم عرف إلى أي درجة يتخبط أولئك. أيها الأحبة: إن بعض المسلمين يقول: هؤلاء الكفار عندهم من المخترعات، وعندهم من زخرف الحياة، وعندهم من الملذات والشهوات، ما يظهرون به في غاية السعادة، مع أنهم لم يعرفوا لا إله إلا الله، فلماذا أنتم تكررونها وتزيدون وتعيدون فيها؟ نقول: أيها الأحبة! إن أولئك كما قال الله عنهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] والله عز وجل يبتلي عباده المؤمنين ويبتلي الكافرين: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:20] ليبتلي الإنسان هل يثبت وهل يبقى على يقينه وإيمانه؟ لأن أناساً لما رأوا سعادة وهمية في حياة الكفار، وابتسامات زائفة على وجوه الكافرين، وشيئاً من الرخاء في بعض حياتهم أو حياة أممهم، قال: هؤلاء عاشوا وبدون هذه الكلمات التي تدعون إليها وتكررونها، نقول: هذا من البلاء، وهذا من الفتنة، إذ لو تأملت أحوال بقية الكفار لوجدت فيهم من الضلال والخبال، والبؤس والشقاء ما الله به عليم، ولكن إن لله سنناً من أخذ بها نال شيئاً ولو حظاً من الدنيا، فبعضهم الذين أخذوا بشيء من سنن الدنيا نالوا حظاً في الدنيا مع شقاء في نفوسهم وأرواحهم، والآخرون من الكفار لم ينالوا حظاً لا من الدنيا ولا من السعادة أبداً، فيُبتلى المؤمنون بهذا. إن أخذنا بالعمل والجد، والصبر والمثابرة، والتعلم والكفاح والمنافسة؛ فإننا أيضاً ننافس هذه الأمم الغربية الكافرة، حتى لا يقول أحد: إن ديننا فقط هو ذكر وعبادة دون أن ننافس في تجارة وصناعة، وسياسة وإعلام واقتصاد وغير ذلك، إنها سنن لو أن أمماً بوذية ويهودية وغربية وشرقية في قضية من قضايا الأمور الدنيوية أخذت بأسباب الدنيا، بعوامل الإنتاج، بنظرية الإنتاج على الطريقة التي تنتج بها ما توده وما تحتاج إليه لأنتجت، وهذه من سنن الله أن من صبر على أمر من أمور الدنيا ناله، لكن المؤمن يصبر فيؤجر على صبره، ويظفر فيثاب على ظفره، ويثاب فيما قدم وعمل، وأما أولئك فليس لهم عند الله قليل ولا كثير من سعيهم، وإنما تعجل لهم ملذاتهم وما يحلو لهم حال دنياهم.

آثار لا إله إلا الله في الدنيا

آثار لا إله إلا الله في الدنيا إن لا إله إلا الله -أيها الأحبة! - لابد أن يكون لها أثر في حياتنا، فمن آثارها: أن يتحرر الإنسان من كل طاغوت، والطواغيت: من يعبدون بتجاوز وتعد من دون الله عز وجل، وحسب مؤمن يعظم لا إله إلا الله فيشعر أنه عبد لله، لا تنحني هامته إلا لله وحده، ولا يطأطئ رأسه وأنفه إلا لله وحده، ولا يمرغ أنفه وجبينه إلا لله وحده، وبدون ذلك ولغير ذلك فإن إراقة الدماء أهون عليه من أن يسجد لغير الله، أو أن ينقاد لغير الله عز وجل، هذه آثار لا إله إلا الله، يقولها من لم يدرس في الجامعات، ولم يؤلف المطولات، ولم يقرأ في المختصرات، صحابي من الصحابة لما قابل قائداً من قواد المشركين، يجيبه على سؤاله الذي قال فيه: ما الذي جاء بكم؟ فقال: [إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فإن أجبتم لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن أبيتم فالجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإن أبيتم ناجزناكم بأقوام يحبون الموت كما تحبون الحياة] إن هذا من مقتضى كلمة لا إله إلا الله، أن يتحرر الإنسان فيها، أن يجد عزة وغنى: (استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره) فلا إله إلا الله تغنيك عن كل ما سوى الله عز وجل، ألا لو أننا تعلقنا بها، وتوكلنا بمعناها على الله حق التوكل لرزقنا كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً. أيها الأحبة: ومن آثار لا إله إلا الله: أنها تحرر هذه النفوس فيما جبلت عليه من غرائز جبلية، جبلت النفس على حب المال، وجبلت النفس على حب الشهوة، وجبلت النفس على كثير من الغرائز، لكن من تعلق بلا إله إلا الله واستحكمت في حياته فإنها تجعله منفقاً لهذا المال الذي يتقاتل الناس على جمعه، تجعله متعففاً عن هذه الشهوة التي يحتال الكثير من أجل الوصول إليها، تجعله سامياً يرمق ما عند الله في وقت يتنافس فيه الناس على الريال والريالين، إن لا إله إلا الله تجعل أماني المسلم أماني عظيمة، ولذلك لما قال أحد السلاطين في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنك تريد ملكي وما عندي وسلطاني، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أنا أريد ملكك؟! إن من يطمع في جنة عرضها السماوات والأرض ليس له حاجة فيما عندك. المسلم الذي يرغب جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لا يفكر أن يطمع في أشياء دنيوية، أو أمور سخيفة تافهة، فالعاقل -أيها الأحبة! - يدرك أن لا إله إلا الله تحرر النفس، وتجعل الإنسان يرثي لحال هؤلاء الذين يتقاطعون ويتدابرون، ويكذبون ويتشاتمون، ويتهاجرون ويتسابون من أجل مصالح الدنيا، لأنه إن رآهم يتقاتلون على ريال أو ريالين أو مليون أو أكثر فإنه يرغب فيما عند الله عز وجل، إن هذا أيضاً مما تقتضيه لا إله إلا الله ومن آثارها. فواجبنا أيها الأحبة أن نعتني بها، وأن ندركها تمام الإدراك، وأن نكون دعاة إليها، ندعو إلى لا إله إلا الله حتى آخر لحظة في حياتنا، وحتى آخر لحظة في حياة من ندعوهم، أما آخر لحظة في حياة الداعي: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} [البقرة:133] هو الآن يعالج سكرات الموت، ويدعو إلى لا إله إلا الله، فيقول: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} [البقرة:133] فيقولون: {نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:133]. وندعو إلى لا إله إلا الله حتى آخر لحظة في حياة من ندعوهم: لما قام صلى الله عليه وسلم يدعو عمه أبا طالب، وهو يعلم أنه في آخر اللحظات، لا يستطيع أبو طالب أن يحمل سيفاً للجهاد، ولا أن يقوم ليركع، ولا أن ينحني ليسجد، ولا أن يمد لينفق، ولكنه يدعو إليها حتى ولو في النزع الأخير: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) فيقول أبو جهل وصناديد قريش الذين كانوا من حوله: أتترك دين الآباء والأجداد؟ والنبي يدعوه إليها وأولئك يصدونه عنها حتى مات وهو يقول: على ملة عبد المطلب. ندعوهم حتى آخر لحظة من حياتهم، خرج صلى الله عليه وسلم يزور يهودياً وولده مريض، فلما جاءه وجد الشاب المريض ينازع في سكرات الموت، فقال صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى ولد جاره اليهودي: (يا فتى! قل: لا إله إلا الله -دعوة حتى في النزع الأخير من الحياة- فينظر الصبي وعينه تغرغر بالدمع إلى والده، فيقول أبوه: أطع أبا القاسم، فيقول الصبي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فتفيض روحه، فيخرج النبي صلى الله عليه وسلم يكبر يتهلل وجهه وهو يقول: الحمد الله الذي أنقذه بي من النار). ندعو إلى لا إله إلا الله غير المسلمين لكي يعرفوا حلاوة الإيمان، ولننقلهم من السجود والخضوع والتعظيم لغير الله، من العبودية للأحجار والأصنام وغيرها إلى شرف التوحيد والوحدانية لله، وندعو المسلمين أنفسهم الذين ينطقون لا إله إلا الله أن يقوموا بحقها وواجبها، ندعو من يقول: لا إله إلا الله أن تحركه لا إله إلا الله لتسابق خطوه نفسه في صلاة الفجر ليكون أول الصافين مع الجماعة، ندعو الناطقين بلا إله إلا الله أن يكفوا عن أكل الحرام، ندعو الناطقين بلا إله إلا الله ألا يعطوا ولا يأخذوا الرشوة والربا، ندعو الناطقين بلا إله إلا الله أن يقوموا بهذا الواجب بسمعهم وأبصارهم وفروجهم وبطونهم وكل ما آتاهم الله. أسأل الله أن يجعل قولي وقولكم حجة لنا لا حجة علينا. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

أنواع المرجئة والرد عليهم

أنواع المرجئة والرد عليهم Q جزاكم الله خير الجزاء، ونسأل الله لنا ولكم الأجر في كل حرف مما ذكرتموه، يقول المرجئة اليوم: الإيمان بكلمة التوحيد والإقرار بها في القلب وحده ملزم لدخول الجنة، وإن ترك الرجل الصلاة وامتنع عن الزكاة، فما هو رد فضيلتكم على هذه المقولة؟ A الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، لا شك أن هذه مقولة ضالة خاطئة، والمرجئة بالمناسبة إذا أطلقوا فهناك إطلاقان: مرجئة الفقهاء المتقدمين الأوائل، هم الذين يقال لهم: مرجئة الفقهاء الذين أرجئوا القول فيما كان بين الصحابة وفيما كان بين علي ومعاوية، وأحياناً قد تسمع عنهم في ترجمة بعض الثقات أو العدول: فلان من مرجئة الفقهاء، فلا يعني ذلك أنه من الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، أما المرجئة الذين ضلوا ضلالاً بعيداً فهم الذين ينطقون بهذا، وهم ضد الوعيدية من فـ الخوارج والمعتزلة، وأهل السنة وسط بين طرفين، الخوارج والمعتزلة يقولون: من ارتكب الكبيرة الخوارج يخلدونه في النار، والمعتزلة يقولون: هو في منزلة بين المنزلتين، والمرجئة يقولون: من كان مؤمناً فلا يضره شيء أبداً ما دام أنه يدعي الإيمان، بل إن أبا الحسن الصالحي من القدرية، وبعض من وافقه من الطوائف قالوا: إن مجرد المعرفة كافٍ ليكون الإنسان مؤمناً، وبعض طوائف الضلالة من الكرامية قالوا: إذا قال الإنسان: أنا مؤمن فقط بلسانه هذا في حد ذاته كافٍ، وهذه أقوال فاسدة. يلزم من القول الأول أن يكون إبليس وأبو طالب والضُّلاَّل والجهَّال الذين يعرفون الله ولم يستجيبوا له ولم يعبدوه أن يكونوا مؤمنين، ويلزم من القول الثاني: أن يكون المنافقون مؤمنين، وضلال أمر المرجئة واضح جداً لأن النصوص في القرآن والسنة جاءت فيها آيات الوعد والوعيد، فكما أن الله عز وجل رتب الثواب الجزيل على من قام بالإيمان، رتب أيضاً العقاب الأليم على من خالف، والصلاة بحد ذاتها أخطر أمور العبادة وشرائع الدين وأركان الإسلام، من تركها فقد كفر، نعم من ترك الزكاة لا يكفر، من ترك الحج والصوم لا يكفر يعتبر عاصياً مرتكب كبيرة جداً، لكن الراجح وكما سئل سماحة الشيخ/ ابن باز وأفتى، قال: من ترك الصلاة فقد كفر: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما دعاه المسور بن مخرمة على إثر طعنة طعن فيها يوم كان في المحراب رضي الله عنه فقال عمر: [نعم. ألا إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة] فقام عمر يصلي وجرحه يثعب دماً، فأولئك الذين يقولون: مجرد الإيمان في القلب أو مجرد التلفظ وحده كافٍ مع عدم السلامة من النواقض، وعدم القيام بالشروط والحقوق فإن لكل شيء حقوقه وشروطه وواجباته، وهذه مبينة مفصلة من كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

حكم من قال: لا إله إلا الله وهو واقع في المعاصي

حكم من قال: لا إله إلا الله وهو واقع في المعاصي Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أقول لا إله إلا الله ولكن في بعض الأحيان أفعل المعاصي، فهل اعتبر من الذين لا يعملون بمقتضاها أم ماذا؟ A من قال لا إله إلا الله وارتكب من الذنوب والمعاصي ما ارتكب فهو مقصر في حقوق لا إله إلا الله بقدر ما ارتكب، لكن أخطر ما هنالك أن يأتي الإنسان بما يناقضها أو يضيع شروطها، فإذا ضيع من شروطها أو ارتكب ما يناقضها مما يخرج من الملة فهذا الخطر العظيم، أما من ارتكب ذنباً فإن الكل يقول: لا إله إلا الله، لكن نور لا إله إلا الله في النفوس يختلف، هناك من يقول: لا إله إلا الله فيبكي، وتغرورق عينه بالدموع، ويسمع له البكاء والأنين والنحيب، وهناك من يقول: لا إله إلا الله وهو خارج مدبر بعيد عن الفريضة وعن الطاعة، فهذا مرتكب كبيرة عظيمة، وذاك في قلبه من حق لا إله إلا الله الشيء العظيم جداً، لكن ينبغي أن نفهم حتى لا نكفر الناس، ولا يفهمنا أحد فهماً خاطئاً أن من عصى الله فقد ارتكب ما يناقض لا إله إلا الله، لا. المعاصي ليست من نواقض لا إله إلا الله. من نواقض لا إله إلا الله السخرية بالدين والاستهزاء، من نواقض لا إله إلا الله ترك الصلاة، من نواقض لا إله إلا الله كراهة العبادة، كراهية شيء مما جاء به الله ورسوله إلى آخر ما تعلمون، لكن من وقع في الذنب وفي المعصية فإن نور لا إله إلا الله، وحقوق لا إله إلا الله بشمولها ومعناها لم تكتمل في نفسه، فعليه التوبة والمبادرة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.

من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه

من أسباب زيادة الإيمان ونقصانه Q أرجو من الشيخ أن يذكر لنا بعض أسباب زيادة الإيمان وأسباب نقصانه؟ A لا شك في معتقد أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول واعتقاد وعمل؛ قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. مما يزيد الإيمان في النفوس: مثل هذه المجالس، يجد الإنسان في نفسه -السامع والمتكلم- حباً للخير، وإقبالاً على الطاعة، وحماساً إلى الدعوة إلى الله عز وجل؛ حماساً في الصلاة وفي العبادة. وكذلك مما يقوي الإيمان: العناية في هجر المنكرات وتركها وعدم التساهل بها، إن الذي يربي نفسه على الحساسية تجاه المنكرات يجد أن أدنى أدنى منكر يجعله يتأثر، ويحس بنفسه ما يجعله يتألم أكثر من لذته فيما فعل من المعصية، فمن أراد زيادة الإيمان فعليه بالأعمال الصالحة جملة، ومن أهمها: تلاوة كلام الله عز وجل وتدبره، العناية بحلق الذكر ورياض الجنة: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا) العناية بعبادة السر، بمعنى أن يكون لك حظ من قيام الليل، أن يكون لك حظ من صدقات لا يعلم بها أحد، أن يكون لك حظ من عمل معين، تجد مثلاً بعض الناس يسرق نفسه خلسة لا يعلم به أحد فيعتمر ويعود ما درى به أحد، بعض الناس يأخذ نفسه خلسة مع المقابر والجنائز لا يعرفه أحد، كلما كانت العبادة أو كان للإنسان حظ من عبادة السر بينه وبين الله لا يعلم بها أحد فإن ذلك مما يعظم هذا الجانب في النفس.

وصايا لتائب

وصايا لتائب Q قد منَّ الله علي بالهداية، ولكن شباب الحي والمدرسة لم يتركوني في حالي، وإني أقول لك يا حضرة الشيخ: أريد منك بعض النصائح التي تبعدني عن مثل هؤلاء؟ وما هي شروط لا إله إلا الله (تذكيراً ببعضها)؟ A لا يظن الإنسان أن الهداية إذا نال العبد شرفها وكرامة منزلتها أنه سيجدها ماءً عذباً زلالاً من دون شيء من الابتلاء قال تعالى: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:1 - 2]. وقال: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:10]. وقال: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:43]. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29]. يا أخي الحبيب: ليس غريباً أن تجد أهل الشر والمنكر والباطل والمعاصي يسخرون، لأنهم يحسدونك على ما أنت عليه من الهداية، ويرون أنك بعد أن كنت معهم في حضيض معاصيهم ودنس منكراتهم قد ارتفعت عليهم، فأنت كنت كمن يمشي معهم حافياً في الشوك والشمس والحر والهاجرة، وإذا بك فجأة تركب أطيب المراكب وألينها وأعلاها وأشرفها، فحسدوك فيما أنت فيه، ولكن المسلم ينظر إلى هؤلاء بالرحمة والعطف: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء:94] لأن بعض الذين يهتدون يرجع ينظر إلى هؤلاء بعين العداوة والتصدي والحقد والتدبير، لا. كما من الله عليك بالهداية فابذل لهم من أسباب الهداية إذا تمكنت من الصلاح، وتمكنت من الاستقامة، فإن شئت ألا يفوتك أجر هدايتهم، أو أحببت أن تبادر في دعوتهم فاستعن بالله ثم بمن يعينك على ذلك ممن ثبتت قدمه في الدعوة والعلم. ونوصي هذا الأخ حديث العهد بالتوبة والاستقامة: أولاً: أن يطهر نفسه من كل معصية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] لأن بعض الشباب هداهم الله يتوبون إلا من شريطين وثلاثة، ويستقيمون إلا من أربع مجلات، ويرجعون إلا من ثلاث نقاط، فتجد الواحد توباته كأنها شركات تقسيط، أو ربما عنده شيء يقبله وشيء يرفضه، والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] ما دام أن الله من عليك بالهداية لا تدع شيئاً تحت السرير أو فوق النافذة، أو عند الدولاب أو في شنطة السيارة، كل ما عندك مما يدعو إلى معصية الله أخرجه وأتلفه ولا تبق من ذلك شيئاً. الأمر الثاني: التمس البديل عن أصحابك، والبديل عن سماعك، والبديل عن مطالعاتك، فالإنسان بطبعة اجتماعي، يحب الاختلاط والحديث والأنس والألفة، فإن كنت من قبل مختلطاً بهؤلاء الذين يعصون الله ويعينونك على المعصية فعليك بثلة وصحبة طيبة، واذهب وابحث، سلمان الفارسي تعلمون قصة إسلامه بحثاً عمن يهديه ويدله إلى الاستقامة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، بل إني أعرف شاباً ابتلي بقرناء سوء في مدينة تبعد عن الرياض حوالي ستمائة كيلو متر فنقل دراسته، ونقل سكنه خوفاً على استقامته والتزامه، لما فعلاً أحس أنهم قد أحاطوا به، والسبب أن قرناء السوء في تلك المنطقة قد أخذوا عليه مستمسكاً يهددونه ويفضحونه به، فلم يجد بداً للمحافظة على استقامته والسلامة من فضائحهم إلا أن يهاجر فاراً بتوبته واستقامته معرضاً عن كل ما يغرونه أو يهددونه به. البديل الآخر: ألا وهو المطالعة والقراءة، تجد بعض الشباب في ضلاله؛ مجلات وأشرطة وملاهي إلى غير ذلك من المطالعات السيئة والرديئة، فأبدل هذا بمادة نافعة، كتب، طلب علم، عناية بالقرآن، اشتغال بالسنة، سماع المحاضرات، الخطب، الفوائد، القصائد، النثر والشعر الطيب النافع، هذا فيه خير بإذن الله. أما ما يتعلق بما مر ذكره في المحاضرة من شروط لا إله إلا الله فهي: العلم المنافي للجهل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} [آل عمران:18]. اليقين المنافي للشك. المحبة: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]. الإخلاص: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]. الانقياد: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] وهي واضحة وجلية. وأوصي الشباب بالعناية برسائل الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب الموجزة المختصرة الطيبة التي تبني أصول الإيمان، مثل: كتاب التوحيد، والمسائل الثلاث، وكشف الشبهات إلى غير ذلك.

وصايا للمرأة المسلمة

وصايا للمرأة المسلمة Q هل من كلمة للنساء حول ما يخصهن من مقتضيات لا إله إلا الله؟ A الخطاب للرجل كالخطاب للمرأة، الخطاب للذكر كالخطاب للأنثى، لا يفرق المرأة عن الرجل ولا الرجل عن المرأة إلا ما خص أحدهما بدليل، وما سوى ذلك فالمرأة والرجل على حد سواء في الخطاب، إلا أننا نوصي المرأة فيما هو من خصائصها: أن تتقي الله عز وجل، وأن تجعل لا إله إلا الله انقياداً واتباعاً وإخلاصاً وخشية من الله في خروجها، فلا تخرج إلا لحاجة ومع ذي محرم، وبقدر حاجتها، غير متبرجة ولا متعطرة ولا متزينة. في علاقاتها: فلا تصاحب إلا من تخشى الله من صويحباتها. وتتقيه في كلامها: فإياها أن تُملأ بالغيبة والنميمة فتكون كمن جمعت من الحسنات في صلاتها ونوافلها، ثم ضيعت هذه الحسنات في سماعة الهاتف. ما أكثر النساء اللائي يصمن الإثنين والخميس، ويتهجدن الليل، ويضيعن آلاف الحسنات على سماعة الهاتف في الحديث عن فلانة وعلانة، أو يضيعن الحسنات في كثير من الذنوب والمعاصي! فالعاقل الذي مَنَّ الله عليه بجمع الحسنات يحرص على تمام المنة بالمحافظة عليها وعدم ضياعها. كذلك على هذه المرأة: أن تعلم أنها مستهدفة في حظها من لا إله إلا الله من قبل العلمانيين ودعاة التغريب والضلالة، الذين نقلوا للأمة كل ألوان الفجور والفساد، اليوم المرأة مستهدفة، مجلة الأزياء مستهدفة، عرض الأزياء مستهدفة، دعاوى الاختلاط مستهدفة فيها؛ اختلاط في الوظيفة، اختلاط في التعليم، اختلاط في أمور كثيرة: المرأة نصف معطل، المرأة حبيسة الدار، المرأة مظلومة المرأة المرأة، وفعلاً في بلادنا هذه بالذات المرأة مستهدفة، ولن يقر للعلمانيين قرار، ويهدأ لهم بال حتى يروها تجوب الشوارع بسيارتها، وتخادن من تشاء، وتصاحب من تشاء، وتخرج متى شاءت، وتلبس ما شاءت، وتتبرج كيفما شاءت، وتتحدى بوجهها مقبلة مدبرة الرجال وغيرهم، فالمرأة العاقلة تقول: أنا أدرى بما أكرمني الله عز وجل به، فلا أريد حضيضاً مما عند هؤلاء العلمانيين الذين يَدَّعون أنهم أوصياء على المرأة، وكما يقول أحد المفكرين: هؤلاء والله لا يريدون تحرير المرأة وإنما يريدون حرية الوصول إلى المرأة. نعم في المجتمع المسلم ونحسب أن بلادنا بلاد إسلامية، ومجتمعنا مجتمع إسلامي، على ما فينا من الذنوب والخطأ والتقصير، في بلادنا هذه من الصعوبة أن الإنسان يدخل على المرأة هكذا مباشرة، كيف؟ هل رأيتم إنساناً يمسك امرأة في الشارع يتحدث معها، أو سيجدها موظفة وسوف يتعامل معها، أو يجدها معه في طاولة الدراسة أو جنبه في الوظيفة أو عند إشارة المرور، بين الرجل وبين المرأة في هذه البلاد حواجز كثيرة، دعوني من الذين يتسللون لواذاً ويعملون خلف الكواليس، فمن ستر الله عليه فإن الله ستير يحب الستر، ونحن لا نتكلم عن الحالات الشاذة، لكن في عامة شأن الأمة الوصول إلى المرأة في المجتمع أمر صعب، ولأجل ذلك هم يريدون أن يخرجوا المرأة من هذه الحصون المنيعة حتى يسهل الاتصال بها، من الصعب أن يأتي واحد من هؤلاء، بل دونه الدماء، لو واحداً يطرق الباب يقول: أريد أن أكلم امرأة، أو يدخل عليها في مدرسة، أو يهتك ستراً من أستار وجودها، أو حصناً من حصون بقائها، ولذلك لابد أن نخرج هذه المرأة. هل سمعتم علمانياً يقول: أخرجوها نزني بها، أخرجوها نستمتع بها، أخرجوها نتمتع بجمالها؟ لا. أخرجوا هذه المظلومة، أخرجوا هذه المسكينة، أعطوها حقها، دعوها تعمل مع الرجل، دعوها تشارك في الإنتاج، اتركو الدخل القومي يزيد، اتركوا ودعوى وهلم جراً إلى الصيحات الضالة، ولو كانوا جادين ويريدون أن تستفيد هذه المرأة، بدلاً من دعاوى التحرر ليفكروا كيف يوجدوا للمرأة مصانع نسائية مستقلة، كيف يوجدوا للمرأة قنوات نسائية بحتة، إن الإسلام لم يحرم على المرأة أن تعمل حينما تحتاج أو إذا رغبت في الضوابط الشرعية دون أن يفتتن بها الرجال، ودون تعطيل الوظيفة التي خلقت لأجلها وهي: الإنجاب والرعاية بالأبناء والزوج، فإذا وجد هذا فلا حرج، لكن أولئك تجد الذين يتكلمون كثيراً عن المرأة لا يطرحون قضية توظيف المرأة في المجال النسائي المستقل، لا. بل: لماذا لا تسوق السيارة؟ لماذا لا تشارك الرجل؟ لماذا لا تقف في المصنع؟ لماذا لا تعمل كذا؟ وهؤلاء بإذن الله خابوا وخسروا ما دام في الأمة أغيار من علمائها ورجالها وولاتها بإذن الله عز وجل. هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

لا تنسوا فلسطين

لا تنسوا فلسطين إن فلسطين المحتلة هي جرح واحد من عشرات الجراح في هذه الأمة، ولغفلة بعض المسلمين وبعدهم عن دينهم وإقبالهم على دنياهم نسي كثير منهم قضية فلسطين واليهود المحتلين، الذين وصفهم الله عز وجل في كتابه بأوصاف يستحقونها، وقد ذكر الشيخ في المحاضرة بعضاً من معتقداتهم وأقوالهم.

من عقائد اليهود

من عقائد اليهود الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى, أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه, قال في محكم كتابه: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:82] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, خلقنا وخلق البشر أجمعين, والذي خلق هو أعلم بما ينفع ويضر, وهو أعلم بما تنطوي عليه سرائر العباد, والذي خلقنا وخلق أعداءنا هو الذي يعلم ما نكن في صدورنا وما نعلن, ويعلم ما يكن أعداؤنا في صدورهم وما يعلنون: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وجاهد في الله حق جهاده, بعث بالسيف إلى يوم القيامة, ونصر بالرعب، وجعل رزقه تحت ظل رمحه, وجعلت له الأرض مسجداً وطهوراً, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى, تمسكوا بشريعة الإسلام, وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى, واعلموا أن لله سنناً لا تتبدل ولا تتحول قال تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62] {وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} [الإسراء:77]. ومن سنن الله: أن من تمسك بدينه وتوكَّل عليه وأناب إليه في السراء والضراء, فالله ناصره, ولو كان لا يملك قليلاً أو كثيراً. ومن سنن الله: أن من بعد عن دين الله فإن الله خاذله ومذله, ولو تدجج بالسلاح وأحاطت به القوى إحاطة السوار بالمعصم. معاشر المؤمنين! يقول الله جلَّ وعلا: {هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران:119] وهذا في شأن أهل الكتاب, ويقول الله جلّ وعلا في شأنهم أيضاً: ((لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ)) [المائدة:82] اليهود الذين قالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] اليهود الذين قالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] اليهود الذين قالوا: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام؛ فتعب فاستراح في اليوم السابع! فأنزل الله رداً عليهم وتبكيتاً لهم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [ق:38 - 39]. والله لا سبيل إلى العزة والاستعلاء والكرامة, ومضاء السنة والعقيدة إلا بالصبر, والتسبيح ليلاً ونهاراً قال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق:39 - 40]. اليهود -يا عباد الله- الذين هم أكَّالون للسحت اليهود الذين يقتلون الأنبياء بغير حق اليهود الذين يسعون في الأرض فساداً قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً} [المائدة:64] اليهود الذين لا يرون لبشر منزلة, ولا مكانة, ولا مقام أبداً. وإذا شئتم أن تعرفوا عقائد اليهود, ورأي اليهود فيكم؛ فاسمعوا إلى نصوص مترجمة من التلمود, وإلى نصوص مترجمة من كتبهم وكتب عقائدهم! أيها الأحبة في الله: إن اليهود يقولون: إن الله تعالى يدرس التلمود منتصباً على قدميه! قبحهم الله, يرون أن التلمود أعظم من الله, وأن الله يقف جاثياً على قدميه يدرس التلمود -يدرس كتابهم- تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً! اليهود يقولون: إن التلمود وجد قبل الخليقة, ولولا التلمود لزال الكون, ومن يخالف حرفاً من التلمود يمت. واليهود يقولون: إذا احتدم خلاف بين الله والحاخامات فالحق مع الحاخامات. ويقولون: إن اليهود يعتبرون عند الله أفضل من الملائكة؛ فإذا ضرب واحد من الناس يهودياً فكأنما ضرب العزة الإلهية! ويقول كتابهم: لو لم يخلق اليهود لانعدمت البركة من الأرض, ولما خلقت الأمطار. ويقول كتابهم: الفرق بين الحيوان والإنسان كالفرق بين الأمم واليهود. ويقول كتابهم: مصرح لليهودي أن يطعم الكلاب, وغير مصرح له أن يطعم الأجانب لحماً, بل يعطيه للكلاب؛ لأنها أفضل منهم، والأمم الخارجة عن دين اليهود ليسوا كلاباً فحسب بل حمير أيضاً. وتقول كتبهم وبرتوكولاتهم: خلق الناس باستثناء اليهود من نطفة حصان, وخلق الله الأجنبي على هيئة إنسان ليكون لائقاً لخدمة اليهود الذين خلقت الدنيا من أجلهم! وتقول كتبهم: لا يجوز لليهودي أن يشفق على غير اليهود من الأمميين. وتقول كتبهم: يحق لليهودي أن يغش الكافر, وأن ينافق معه عند اللزوم. وتقول كتبهم: إذا كان اليهودي قاضياً بين يهودي وأجنبي؛ فواجب عليه أن يعمل جهده ولو بالغش والخداع ليظهر الحق بجانب اليهودي ويحكم له. وتقول كتبهم: مصرح لليهودي أن يجامل الأجنبي ظاهراً ليتقي شره على أن يضمر له الشر. وتقول كتبهم: لا يغفر إله اليهود ذنب اليهودي الذي يرد مالاً مفقوداً إلى الأجانب. وتقول كتبهم: غير مصرح لليهودي إقراض الأجنبي إلا بالربا, والربا محرم تعاطيه بين اليهود. وقال الحاخام ليفي بن جرسون: إن حياة الأجنبي ملك يد اليهودي فكيف بأمواله. وتقول كتبهم: يجب قتل الصالحين من غير اليهود, ومحرم على اليهودي أن ينجي أحداً من باقي الأمم من هلاك, أو يخرجه من حفرة, بل يجب أن يسد الحفرة الذي وقع بها الوثني. وتقول كتبهم: كل من يقتل أجنبياً يقرب قرباناً إلى الله. وتقول كتبهم: إذا قتل يهودي يهودياً آخر خطأ وكان قصده أن يقتل أجنبياً فخطيئته مغفورة؛ لأنه كان يهدف إلى قتل الأجنبي. وتقول كتبهم: الذي يقتل أجنبياً يكافأ بالخلود في الفردوس, والذي يرتد عن دينه من اليهود يعامل كالأجنبي إلا إذا فعل ذلك تقية, أو من أجل غش الأمميين. ويقول اليهود: الزنا بغير اليهود سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً مباحٌ لا عقاب عليه أبداً. وتقول كتبهم: اليمين الذي يؤديه اليهودي للأجنبي لا قيمة له, ولا يلزم اليهودي بشيء؛ لأنه لا أيمان بين اليهود والحيوان. وتقول كتبهم: مباح لليهودي أن يؤدي عشرين يميناً كاذبة يومياً، وتمحى ذنوب هذه الأيمان في اجتماعات الغفران التي يعقدها الحاخامات لشطب حساب الأيمان الكاذبة. وبعد فهذا قليل من كثير من التعاليم التلمودية الحاقدة!!

خسة أفعال اليهود عبر التاريخ

خسة أفعال اليهود عبر التاريخ معاشر المؤمنين! اليهود هم الذين سعوا لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الجدار, تمالئوا أن يلقوا عليه حجرة عظيمة فأتاه الوحي وأخبره. واليهودية هي التي سمَّت الفخذ للرسول صلى الله عليه وسلم في شاة وقال صلى الله عليه وسلم: (ما زال سُم تلك اللحمة التي من الشاة مؤثراً في بدني). وسُحِر رسول الله صلى الله عليه وسلم, سَحَرهُ لبيد بن الأعصم في جف طلعة نخل ذكر, فكان صلى الله عليه وسلم من شدة السِّحر يخيل إليه أنه أتى نساءه ولم يأتهن, حتى جاء ملكان وقالا: ما بالرجل؟ فقال مطبوب: سحره لبيد بن الأعصم اليهودي, فبحثا عن السحر وأخرجاه. واليهود هم الذين قتلوا عمر بن الخطاب. واليهود هم الذين أججوا الفتنة واجتمع الناس على بيت عثمان , وهو الخليفة وإمام المسلمين, وتسوروا الجدار, وأغروا ناقصي العقول حتى جثم أحدهم على صدر عثمان واحتز رقبته بالسكين, بعد أن أمسك بلحيته وجز رقبته عن بدنه. واليهود هم الذين سعوا بالفتن في صفين , وفي الجمل بين علي ومعاوية , وبين عائشة وعلي. واليهود هم الذي قتلوا علي بن أبي طالب. واليهود هم الذين لا زالوا يسعون في بلاد المسلمين خراباً ودماراً يتنفذون ولا يدعون فرصة إلا ويثبون إليها, ويستحكمون فيها, وينشرون ما يخدم أفكارهم, ويخدم نظامهم, ويخدم عقيدتهم, هذا فيما مضى. واقفزوا مع التاريخ قفزة عظيمة, اسألوا الحرائر كم قتل في دير ياسين؟ كم قتل في تل الزعتر؟ كم قتل في صبرا وشاتيلا؟ كم قتل في سيرلانكا على يد نمور التاميل بأموال يدفعها اليهود؟ وكم قتل في سينجار بـ كشمير بأموال يدفعها اليهود؟ وكم قتل من المسلمين على أيدي البابيين والبهائيين, وعلى أيدي القاديين, بأموال يدفعها اليهود؟ والله ما من شر إلا واليهود وراءه. فيا معاشر المؤمنين! إن كنتم تجهلون حقيقة اليهود فاعرفوا حقيقتهم, فإن الله جل وعلا قد قرب حقيقة اليهود لكم في كل يوم سبعة عشر مرة, فأنتم تسبونهم وتلعنونهم في صلاتكم, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:1 - 7] المغضوب عليهم هم: اليهود, والضالين: النصارى, إن اليهود مغضوب عليهم, والنصارى ضالون, ومن غضب الله عليه فهو ملعون. فيا معاشر المؤمنين! اعرفوا حقيقة أعدائكم, إن الذي لا يعرف حقيقة عدوه, لا يميز بين القريب والبعيد, والدخيل والعميل, والصادق والمنافق, والمخلص والمتنفذ.

سبب احتلال اليهود لأرض فلسطين

سبب احتلال اليهود لأرض فلسطين عباد الله! أسألكم سؤالاً: لماذا اختار اليهود فلسطين أرضاً يجعلونها خنجراً يطعنون بها وحدة المسلمين لكي يقيموا عليها دولة لهم, أليس اليهود أغنى أمم الأرض؟! بلى والله! ألا يوجد على سطح هذه الكرة الأرضية من الصحاري والقفار, والبيداء الشاسعة والأراضي ما يكفي لإقامة وطن لليهود, يبنونه بأموالهم على أحسن طراز وأحدث تقدم؟ لا يعجزهم ذلك من قلة المال أبداً, لا يشكون قلة المال حتى يقيموا بلداً في صحراء نيفادا , أو يقيموها في مكان بعيد, ولو طلبوا من دولة غربية أو شرقية أو من النصارى أو من وافقهم رقعة تقام عليها بلادهم أو لو سعوا إلى ذلك لوجدوا إليه سبيلاً. فلماذا يأتون إلى هذه الرقعة؟! ولماذا يقيمون وطنهم في هذه الرقعة؟! لأن كتابهم يقول: " إن فلسطين أرض الميعاد. إذاً: فاليهود يعملون بعقيدتهم, وبدينهم, وبتوراتهم, وبتلمودهم. معاشر المؤمنين! نحن أولى أن نعمل بشريعة ماضية من أولئك الذين يعملون بشريعة منسوخة, ونحن أولى أن نعمل بقرآن محكم من أولئك الذين يعملون بتوراة محرفة, ونحن أولى أن نكون أقرب إلى تعاليم ديننا وعقيدتنا. معاشر المسلمين! إن اليهود لن يرضوا ولن يقفوا عند حد معين, ولكنها سنة الله جل وعلا: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} [الإسراء:104] لعل هذا أوان اقتراب مذبحتهم وملحمتهم ونهايتهم وما ذلك على الله ببعيد. وإن كان يجرح فؤادي أن أسمع إذاعة بصوت عربي أو أقرأ جريدة بحرف عربي تقول: إن عند اليهود ثلاثمائة رأس نووي, {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36] هل يخوف المسلمين في العالم الإسلامي بثلاثمائة رأس نووي؟! من الذي خلق اليهود؟ الله، من الذي خلق عقولهم؟ الله، من الذي سخَّر لهم هذه المادة الذرية؟ الله, من الذي جعل هذه الصواريخ تنطلق على نظام وسنة عملية؟ الله, أليس الذي قدر على ذلك كله قادر على أن يغير شيئاً من هذا كرامة لعباده المؤمنين؟ أليس الذي جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم قادر على أن يجعل الصواريخ تعود إلى قلوب اليهود؟! بلى والله, قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر:43] {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً} [النمل:50] فكان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم أجمعين, ويقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36] وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:15 - 17] ويقول الله جل وعلا: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [إبراهيم:46]. نعم. إن لهم كيد, وإن لهم مكر, وإن لهم تخطيط بعيد المدى, أول ما فكر اليهود في إقامة هذا الوطن الذي يجمع شتات اليهود في أولى القبلتين, أول ما فكر اليهود في هذا كان عام (1848م) أي: قبل وعد بلفور بمائة عام, ومضى العمل على قدم وساق, مضى العمل جاداً من خلال بعض المفكرين والأساتذة والإرساليات والمنظمات والشركات, لكي يكتبوا تقريراً, ويستقرئوا الواقع عن إمكانية غرس هذا العضو الغريب بين المسلمين، فقالوا: لا يمكن أن يغرس عضو غريب في بدن صحيح إلا إذا خففت المناعة في هذا البدن, فسعوا إلى ذلك ونشروا الرذيلة وروجوا الدعارة, وأنتجوا كل ما من شأنه أن يقطع الأواصر وأن يكسر العلاقات, ويهدم الحياء, ويخرج المرأة, وينبت الفاحشة؛ حتى أصبح مجتمع المسلمين مخدراً. وحينئذٍ أمكن زرع عضو غريب في بلاد المسلمين, وبعد مائة عام من التخطيط والتفكير ظهر أول حرف يقول في وعد بلفور: " بوطن قومي لليهود في فلسطين "! وماذا بعد ذلك؟ لا زال العمل على قدم وساق ومضت الأمة في مراحل دامية من المذابح والقتل والمواجهات العسكرية, ودخلتها الخيانات والعمالة, ودخلها ما دخلها مما فضحه التاريخ. ولا تستر الشمس بالبراقع! حتى بلغ الحال إلى أن أصبح إخواننا الفلسطينيين يشردون في الأرض -يا عباد الله- والله ما سافرت دولة إلا ووجدت واحداً من الفلسطينيين هناك, أين أرضكم يا إخواننا؟ أين بلادكم يا إخواننا؟ في الصين الشيوعية وجدت فلسطينيين! في كمبوديا وجدت فلسطينيين! في مختلف بقاع العالم وجدت الفلسطينيين! أيتام على مائدة اللئام! أين الولاء والبراء؟ أين قوة الإيمان؟ أين دم التوحيد الذي يسري في القلوب. يا أمة الإسلام! كم من فتاة بقر بطنها وهي حامل! وكم من مسلمة انتهك عرضها أمام والديها في السجون؟ وكم من صغير قتل بأفتك ألوان التعذيب أمام والديه؟ وكم من رجل رأيناه يموت غيظاً, ويموت كمداً, ويموت من قلة الحيلة، وهوانه على الناس، وغفلة إخوانه المسلمين. يا معاشر المسلمين! أين إيماننا؟ أين توحيدنا؟ أين عقيدتنا؟ أمسلمون بالكلام, أم بالتوابع, أم بالجنسيات؟ هذا نداء للعالم الإسلامي كله: " لا تنسوا فلسطين ". إن الله جل وعلا وعدنا بأن تعود فلسطين من جديد, إن الله وعدنا أن نذبح اليهود شر مذبحة في فلسطين حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! ورائي يهودي تعال فاقتله. يا أخي الكريم! ما شعورك لو أن لصوصاً طردوك من بيتك وأخذوا يتفاوضون على بيع دارك, وأنت تنظر إليهم, هل يبقى في عروقك دم يسيل أو يجري؟ هل يبقى لقلبك خفقة أو نبضة؟ هل يبقى لعقلك مساحة للتفكير؟ هل يبقى في قدمك جهد لتتحرك به؟ يا أمة الإسلام! لا تنسوا فلسطين , ولا تنسوا الجهاد في فلسطين؛ فالجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة, إن الذي جعل من الأفغان الحفاة العراة العزل واجهوا روسيا بخيلها وهلمانها وصواريخها ودباباتها وطائراتها وفرق التدخل السريع منها والصاعقة والكمندوز الذين نزلوا بهم في أرض أفغانستان , وإن الله جل وعلا يوم نصر الأفغان على هذه الدولة الظالمة الباغية وتحطمت فذلك بيان لوعد الله وذلك تحقيق لوعد الله: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) عادوا أولياء الله في أفغانستان , فانقلبت الدائرة على رءوسهم بانقسام بلادهم وذوبان نظريتهم وذوبانهم وسيرهم تحت معسكر آخر, إن الذي نصر أولئك ليس عاجزاً بل هو القادر جل وعلا على أن ينصر أطفال الحجارة, وعلى أن ينصر المسلمين, وعلى أن ينصر الفلسطينيين, وعلى أن ينصر الشباب الصغار, إن الله جل وعلا قادر على أن يجعل هؤلاء خنجراً في قلب اليهود. اللهم ارحم الفلسطينيين في كل مكان، اللهم ارحم إخواننا الفلسطينيين، اللهم إنك تعلم أن بلادهم تباع وهم يشردون، اللهم إنا نسألك نصراً من نصرك, ونسألك اللهم نفحة تقويهم بها, وتثبتهم بها، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحّد جهودهم صفوفهم, وسدد رصاصهم, اللهم بك وحدك لا شريك لك، اللهم أنت المستعان وإليك المآب وعليك التكلان لا يكمل قدر إلا منك, وما قدرت إلا بتمام حكمة لأنك لا تقدر عبثاً, وقدرت بتمام العدل لأنك لا تقدر ظلماً, ورحمتك سبقت غضبك, ووسعت كل شيء. اللهم ارحم إخواننا في فلسطين , وارحم الفلسطينيين في كل مكان، اللهم اهد شبابهم واجمع كلمتهم, ووحد شملهم، اللهم ردهم إلى أرضهم وأسكنهم في بلادهم, وأقم كتابك وسنة نبيك على أرضهم يا رب العالمين. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

فقدان فلسطين مكانها بين قلوب المسلمين

فقدان فلسطين مكانها بين قلوب المسلمين الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى, وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى, واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار, وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة, ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من النار. معاشر المؤمنين! إننا لم نبلغ حقيقة الإيمان إلا بشعورنا بالولاء والبراء, إننا لم نبلغ لذة الإيمان إلا بالموالاة في الله والمعاداة في الله, والله جل وعلا يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73] إن لم نحقق هذا الولاء بيننا تكن فتنة عظيمة جداً, وإن ما نعيشه اليوم هو إفرازات ماضياً ضاعت فيه الأمة, وضاعت فيه مقدساتها, وضاع فيه القدس , وضاعت فيه القبلة الأولى, وضاعت فيه أرض المعراج والإسراء منذ تاريخه القديم. ويوم تسمعوا هذه الكلمات لست أعني الحركة الانتحارية، ولكن أقول: حركة عملية ألا تنسوا فلسطين , وأن تكون فلسطين في دمائكم, إن كثيراً من أطفالنا نشئوا وقد نسوا شيئاً اسمه فلسطين , وسمعوا بشيء اسمه إسرائيل, ولقد كنا صغاراً في المدارس نتسابق إلى مدير المدرسة نقدم عشرة ريالات مكتوب عليها: ادفع ريالاً تنقذ عربياً, وإن كان في حقيقة قلوبنا أننا نريد أن ننقذ مسلماً, لأننا رأينا في العرب البعثيين, ورأينا في العرب اليهود, ورأينا في العرب من هم أخبث من اليهود, ورأينا في العرب من هم ألعن وأسوأ وأخبث تخطيطاً وتدبيراً للكيد والمؤامرات من الأعداء, وليس هذا بغريب وليس هذا بعجيب! ولكن الواجب -أيها الأحبة- وأنا أخاطبكم فيما تستطيعون, وكل مخاطب فيما يقدر عليه, وأول ما أخاطبكم به ألا تنسوا فلسطين في كل صلاة بدعوة واحدة: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:10 - 11] إن أبواب السماء تشققت كأفواه القرب, وأصبحت الأرض طوفاناً لا يملك لها قراراً, بدعوة واحدة, فلعل الله جل وعلا أن يرحم إخواننا وأن يهلك أعداءنا بدعوات مجتمعة. أيها المسلمون! عودوا إلى خريطة التاريخ, واشرحوا لأطفالكم وأبنائكم خريطة فلسطين , وقولوا: هذه فلسطين يحدها من الشمال كذا, ومن الجنوب كذا, ومن الشرق كذا؛ ومن الغرب كذا, وقولوا لهم: في عام كذا دخل اليهود أرض إخوانكم, وتمكنوا فيها, وقولوا لهم: إن كتاب الله يقول: إن هؤلاء الذين دخلوا هذه الأرض سوف نقاتلهم في آخر الزمان -ونحن في آخر الزمان- وسوف تشترك الأشجار والأحجار في المعركة, حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم يا عبد الله ورائي يهودي تعال فاقتله. ابعثوا قضية فلسطين ولا تشاركوا في دفنها ولا تشاركوا بوأدها, ولا تنسوا فلسطين من قلوبكم, ولا تنسوا فلسطين من دمائكم, إن المسلم الذي لا يعرف من الإسلام والمسلمين إلا حدوده الجغرافية, كما أكل المسلمون خارج حدوده, سيؤكل هو ويتفرج المسلمون عليه كما تفرج هو. ومع إفرازات التاريخ من قريب وبعيد جعلنا نتفرج على كثير من بلدان المسلمين وهي تشكو الفقر والحاجة, وتشكو الذلة والمسكنة, وتشكو المذابح والإعدامات, وتشكو المشانق والزنازين, ونسأل الله ألا يؤاخذنا, ونسأل الله ألا يهلكنا, ونسأل الله أن يستجيب دعاءنا لإخواننا وأن يفرج كرباتهم. معاشر المؤمنين! قد يقول قائل: إن هذه الخطبة قد تغير شيئاً في مجرى ما يدور؟ ولكني أقول: لا. لن يغير في مجرى ما يدور إلا دعاؤكم أنتم, لن يغير مجرى الأحداث إلا دعاؤكم أنتم، قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] وقال جَلَّ جَلالُهُ: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي} [البقرة:186]. إن إخواننا في فلسطين وفي أولى القبلتين وأرض الإسراء والمعراج لفي حاجة إلى الدعاء, وإن المجاهدين داخل فلسطين لفي حاجة إلى الدعم وإلى العطاء والزكوات والصدقات والوقوف معهم, حتى لا يقر يهودي بنومه, وحتى لا يتلذذ يهودي بلقمة, ولا يتلذذ يهودي بشربة، ولا ينام يهودي قريراً, ولا يمشي يهودي مطمئناً, وهم والله الآن في رعب, ربنا جل وعلا قال فيهم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} [الحشر:14]. إن اليهود بينهم من الخلاف والنزاع والافتراق ما الله به عليم، قال جَلَّ وعلا: ((بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14] فما الذي جعلهم مجتمعين في أعيينا؟! إن فرقتنا -معاشر المسلمين- هي التي جعلتنا ننظر إليهم مجتمعين, ولو كنا مجتمعين لنظرنا إليهم متفرقين: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14]، جبناء: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} [المائدة:22] خوافون جبناء. من الذي يصمد لهم؟ تصمد لهم حقيقة الإسلام.

أثر العقيدة في توجيه أصحابها

أثر العقيدة في توجيه أصحابها لو أن أسداً محشواً بالليف, محنطاً بالقطن, وقف في وسط هذا المسجد ما تحرك أحد خوفاً منه, ولربما رأيت الأطفال يجعلون أناملهم الطرية بين أنيابه الحادة, لأنها صورة أسد, ولو أن نمراً صغيراً انطلق لوجدت الناس يهربون منه يمنة ويسرة, لماذا يهرب الناس من نمر صغير ولا يخافون من أسد كبير؟ لأن الأسد صورة, والنمر حقيقة. فنحن لا نريد أن نحمل صورة الإسلام, إن اليهود يحملون شيئاً من حقيقة معتقدهم, ولأجل ذلك خافهم الناس, أما إن كنا نحمل حقيقة معتقداتنا فوالله لا وزن لهم ولا كرامة, ولا هيبة لهم ولا مهابة, ولكن -يا عباد الله- كيف ننمي هذه الحقيقة الدينية؟ وكيف ننمي حقيقة العقيدة؟ شباب الإسلام! قد آن لكم أن تنفضوا النوم عنكم, يا شاباً ما زال يغرق في المعاكسة! يا شاباً ما زال مغرقاً في الهوى والحب والغرام! يا شاباً ما زال يبيع أفلام اللهو والطرب! يا شاباً ما زال يتعامل بالربا! يا رجلاً ما زال وراء شهواته وملذاته! يا رجلاً غافلاً في سكراته! يا مسلماً ضيعت نفسك وضيعت بيتك وأسرتك! إخوانك يتخطفون, وأبناؤهم يباعون, وزوجاتهم وأعراضهم ينتهكون, وثكالاهم يصرخون, وشيوخهم يشردون, وأنت على سماعة الهاتف تنتظر حبيبتك أن ترد عليك: صباح الخير أو مساء الخير؟! أهذه أمة الإسلام؟! أقوم يعذبون ويقتلون وشباب لا زالوا على الغرام ومصارعة النساء وأفلام الفديو والرقصات الحمراء والليالي الغنائية المطربة؟! أهذا شأن شباب المسلمين؟! إن شبابنا المسلمين الذين سافروا إلى بانكوك ومانيلا وكازبلانكا وكثير من البلاد إن أفجر واحد منهم يستطيع أن يمد خطوته ساعتين إلى أولان باتور في منغوليا أو إلى فلمبيا في كمبوديا ويعلم المسلمين الوضوء والفاتحة والصلاة, المسلم شيء كثير لكنه أسد ربط في قفص, وتربى مع البقر فلا يفقه إلا الخوار ولا يعرف الزئير أبداً. إن الشباب الذين تنقلوا إلى بلاد الفساد والعهر من أنحاء العالم الإسلامي لكي يفجروا ويزنوا ويفسدوا, إنهم يحملون في قلوبهم خيراً عظيماً لو تابوا إلى الله, ولو تابوا إلى الله وسابقوا إلى الاتحاد السوفيتي لكي يجمعوا المسلمين أحفاد البخاري وأبو داود السجستاني ومسلم بن الحجاج النيسابوري وأحفاد الترمذي لو عادوا إليهم وأعادوهم إلى الإسلام وعلموهم العقيدة، إن أولئك الذين يفعلون الفاحشة لو تابوا إلى الله وبدلاً من الذهاب إلى بانكوك أو مانيلا أضافوا ساعتين حتى يصلوا إلى بلاد المسلمين فيعلموهم العقيدة؛ لاستطعنا حينما يغضب مسلم فينا أن يغضب له مليار مسلم. رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم أمتي هل لكِ بين الأمم منبر للسيف أو للقلم أتلقاك وطرفي مطرق خجلاً من أمسك المنصرم ألإسرائيل تبقى دولة في حمى الحق وظل الحرم لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد لقد تركنا إخواننا فلا عجب أن يرعاهم اليهود, لقد تركنا إخواننا ونسيناهم, مَن منا يفكر في فلسطين صباح مساء؟ أو أفغانستان؟ أو أثيوبيا؟ أو المسلمين في سيرلانكا؟ أما قرأتم جريدة المسلمون، أما اطلعتم في العدد الماضي على صورة شاب قد قطعت رقبته كما تقطع رقبة البهيمة؟ وتعلقت رقبة طفل بقطعة لحم تتدلى؟ أرأيت الذبيحة يوم أن تذبحها ولا تستطيع أن تقطع الوريد والمريء والأوداج ويبقى شيء من الحياة ونزع من الموت, أرأيت كيف ترفس الذبيحة؟ رأيت صوراً لإخواننا المسلمين في مسجد من مساجد سيرلانكا قد ذبحوا والمسلم يرفس على الجدار وعلى ما حول الجدار والدم يتناثر يمنة ويسرة!! أين المسلمون؟! ضع صندوقاً في بيتك وصندوقاً عند بابك واكتب على هذا الصندوق: فلسطين وأفغانستان وكشمير وأثيوبيا وإريتريا وآسام , اكتب عليه هذه الأسماء لكي تراها بعينك فإذا دخلت ضع خمسة ريالات وإذا خرجت ضع مثلها, وإذا أذنبت فكفر بهذه الصدقات, ثم اجمعها إلى رابطة العالم الإسلامي , إلى الندوة العالمية للشباب الإسلامي وقل: هذا من أجل المسلمين, والله لو رفع شعار يقول: قاتلوا المسلمين لتبرع أعداؤكم بالمليارات, ولو رفع شعار يقول: قاتلوا اليهود والنصارى لعجزنا أن نجمع شيئاً. أحد الدعاة يقول: أردنا أن نجمع لمشروع مائة مليون من أجل المسلمين، رفعه النصارى فجمعوا في خلال ثلاثة أشهر فقط مائة مليون دولار, ونحن لنا ثلاث سنوات نجمع مائة مليون بعملتنا حتى الآن! وكثير من المسلمين أغنياء ولكن أين من يتفاعل مع قضايا المسلمين؟! أسأل الله جل وعلا ألا نكون على كرب إخواننا من المتفرجين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين أجمعين، اللهم آمنا في دورنا, وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته واجمع شمله وأعوانه وإخوانه على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم بصرهم بكتابك وسنة نبيك، اللهم مسكهم بالحق المبين، اللهم ما علمت في أحد خيراً لهم فقربه منهم، وما علمت في أحد شراً لهم ولأمتهم فأبعده عنهم، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم ولي علينا خيارنا واكفنا شرارنا، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وولاة أمرنا ولا تشمت بنا حاسداً ولا تفرح علينا عدواً بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين, يا أكرم الأكرمين! اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته, ولا هماً إلا فرجته, ولا ديناً إلا قضيته, ولا مبتلىً إلا عافيته, ولا مريضاً إلا شفيته, ولا حيران إلا دللته, ولا غائباً إلا رددته, ولا أيماً إلا زوجته وأسعدته, ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته, بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم استرنا بسترك واكلأنا برعايتك, ولا ترفع عنا يد رحمتك, بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم أكرمنا ولا تحرمنا، اللهم أعطنا ولا تهنا, وأعنا ولا تُعن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، اللهم رد فلسطين إلى المسلمين، اللهم رد المسلمين إلى المسلمين، اللهم اقتل اليهود في فلسطين، اللهم جمد الدماء في عروقهم، اللهم اقتلهم شر قتلة، اللهم مزقهم شر ممزق، ربنا إنه لا يعلم جنودك إلا أنت {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر:31]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

لحظة قبل فوات الأوان

لحظة قبل فوات الأوان جمعت هذا المادة عدة مواعظ للشيخ، فقد احتوت على تنبيه للغافلين المسيئين، مع بيان أن الموت حقيقة لا مفر منها، ثم عقب ذلك بذكر قصتين: الأولى لرجل مات وهو ساجد لعاهرة، والقصة الثانية عن رجل مات في المسجد والشيخ نفسه يخطب الجمعة، فشتان ما بين الميتتين.

أيها المسيء احذر!!

أيها المسيء احذر!! إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! معاشر الأحبة: كثيراً ما نواجه ويواجه كل واحدٍ منكم طوائف من الشباب ومن كبار السن من اللاهين العابثين الغافلين عن الآخرة، العابثين في دنياهم، اللامبالين بأي مصيرٍ يئولون إليه وينتهون عنده، إن قدمت شريطاً فيه موعظة لا يسمعونه، وإن قدمت رسالة فيها كلامٌ جميل لا يقبلونه، وإن قدمت نصيحة لا يرعوون لها، وإن تلطفت مع طائفة منهم يظنونه ذلاً واحتقاراً، وإن أخلصت النصيحة لأحدهم ظنوه استعلاءً وتكبراً، والله إن العقل والفكر ليحارا، ويصبح الحليم حيران أمام طائفة من أولئك اللاهين العابثين، الذين لا يعرفون المساجد إلا نزراً يسيراً، ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ولهم في بلاد الغرب مع البغايا والفاجرات صولات وجولات، كيف الطريق إلى قلوب هؤلاء؟ كيف يُدعون إلى الله؟ كيف يُنادَون إلى كتاب الله؟ هل نيأس منهم؟ {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87] هل نحكم عليهم بالشقاء؟ كلا لأن المسلم ليس مسئولاً أن يحكم على الناس في نهاياتهم أن يكونوا من أهل الجنة أو أهل النار، وعقائد أهل السنة جميعاً ناطقةٌ بأنهم جميعاً لا يشهدون لأحدٍ بجنة أو نار، لكن يخشون على المسيء العقاب، ويرجون للمحسن الثواب، هل يعتبرون من سقط المتاع أو على هامش الحياة؟ لا والله يا عباد الله! هناك مدخل رئيس، وهناك حقيقة لا بد من طرحها، وقضية لا بد من مواجهتها؛ قضية لا بد أن نواجهها نحن، لا بد أن يواجهها كل واحدٍ في هذا المسجد، ولا بد أن يواجهها كل مسلم وكافر، كل بعيدٍ وقريب، كل ذليل ٍوحقير، كل عزيزٍ وأمير، كل صعلوكٍ ووزير، هي حقيقة الموت، هي نهاية المطاف، هي خاتمة الدنيا. إن كل البشرية تشهد وتعلم وتنطق أن نهايتها هي الموت، وأن منتهى الطريق بالنسبة لها هي الانقطاع عن هذه الدنيا؛ انقطاع النفس والروح، وانقطاع الجوارح؛ فالعين لا تبصر، واليد لا تتحرك، والأذن لا تسمع، والنفس لا يجري، والدماء لا تتحرك، والشرايين لا تنبض، إنها النهاية الأخيرة التي يواجهها ويقف أمامها كل صغيرٍ وكبير، كل بعيدٍ وقريب.

مات وهو ساجد لعاهرة

مات وهو ساجد لعاهرة شابٌ من مدة ليست بالقريبة حدثني عن أحد الشباب فيما تسمى بـ (بانكوك) قال: لقد كان في ضلالة، في بلاء، في أمرٍ لا يفيق منه بسبب المخدرات أو الشراب وما صاحب ذلك من مصاحبة البغايا والفاجرات، وفي لحظة من سكرٍ وشوقٍ إلى عهرٍ تأخرت صديقته، تأخرت حبيبته عليه، وقد كاد يُجن من تأخرها، فما هي إلا لحظات حتى أقبلت عليه، فلما رآها خر ساجداً تعظيماً لها، خر ساجداً لها وما الذي تنتظرونه؟ إنها السجدة الأخيرة، هي النهاية، والله ما قام من سجدته بل أقاموه في تابوته، وأرسلوه بطائرته ودفنوه مع سائر الموتى.

مات وهو يسمع خطبة الجمعة

مات وهو يسمع خطبة الجمعة أيها الأحبة في الله! في الجمعة الماضية أثناء ما كنت أخطبكم على هذا المكان، وأنتم تستمعون في هذا المكان، دخل ملك الموت في هذا المسجد وتخطى صفاً واحداً واثنين وثلاثة وأربعة حتى بلغ الصف السادس أو السابع من آخر هذا المسجد، فقبض روح عبدٍ من عباد الله كان شاهداً الصلاة والخطبة معنا. الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! لا إله إلا الله! لا إله إلا الله! لو تقدم ملك الموت صفاً واحداً لقبض روحك، ولو تقدم صفوفاً أكثر لقبض روحي، ولو تأخر صفاً واحداً لقبض روح شخصٍ آخر. استعدوا يا عباد الله! ولمثل هذا فأعدوا، أسأل الله لميتنا الرحمة والغفران، ولذويه الصبر والسلوان، خرج من بيته إلى الجمعة لم يتخط رقبة، متطيباً متهيئاً، حادث أهله واستأنس بأطفاله، ثم اغتسل وخرج إلى المسجد، يقود سيارته بنفسه، وجيء بسيارته إلى البيت لا يقودها هو، لبس ثوبه بنفسه ولم يخلعه بل خلع منه، دخل هذا المسجد بنفسه وخرج محمولاً. أيها الأحبة! بعد أن دخل الخطيب وأعلن التحية للسلام مد ميتنا مصحفه إلى من كان بجواره، فأخذ المصحف من يده ووضعه على الرف الذي أمامه، ثم جلس قليلاً يستمع الأذان ثم الخطبة، بعد الشروع فيها، وما هي إلا لحظة أو أقل من لحظة حتى اتكأ على ظهر كف يده، فظن الذي بجواره أنه ناعسٌ أو نائم، فالتفت إليه وأيقظه، فإذ به يسمع شيئاً أشبه ما يكون بشخير النائم، ثم بعد ذلك استلقى على قفاه، الله أكبر! (من مات يوم الجمعة أمن الفتان) الله أكبر! على هذه الميتة الطيبة في هذا المكان المبارك، في هذه الساعة المباركة، في يوم الجمعة خير يومٍ طلعت عليه الشمس.

لقد كان في قصصهم عبرة [1]

لقد كان في قصصهم عبرة [1] في هذه الخطبة عرض موجز لقصة رسول من أولي العزم مع أشهر طاغية عرفه الزمان: إنها قصة موسى عليه السلام مع فرعون، ففيها عبرة عظيمة جداً، وهي: أن الليل مهما طال بالطغيان فلابد أن يأتي الفجر لينشر نوره بنصر الله وتأييد جنده: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ)).

قصة موسى عليه السلام

قصة موسى عليه السلام

بداية نشأة موسى

بداية نشأة موسى الحمد لله القائل في محكم كتابه: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فالعاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى في محكم كتابه: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً} [مريم:51]. معاشر المؤمنين: ذكر الله قصة موسى مع فرعون في سور كثيرةٍ من القرآن الكريم، وقصة هذا النبي الكريم -عليه وعلى نبينا أتم الصلاة والتسليم- مع فرعون الطاغية العنيد تتكرر وتبرز في كل زمان ومكان، وفي كل وقت وحين، لأنها تصور حقيقةً واقعةً، إنها تصور الصراع بين الحق والباطل، إنها تصور الصراع بين أولياء الرحمن وجند الشيطان منذ فجر الوجود وميلاد البشرية. ولد موسى عليه السلام في عهد الطاغية الأكبر فرعون الذي ادعى الربوبية وأعلن التمرد والعصيان، وزعم أن لا إله ولا رب سواه، وذاق بنو إسرائيل من أذى فرعون ومن شره ما لم يذوقوه من قبل ولا من بعد {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4]. لقد رأى فرعون في منامه رؤيا أفزعته، فاهتم لها واغتم بها، رأى ناراً قد أقبلت من بيت المقدس حتى وصلت إلى بلاد مصر وأحاطت بدورها وبيوتها، فأحرقتها وأحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل دون أذى، فدعا فرعون الكهنة والسحرة والمنجمين، وسألهم عن هذه الرؤيا، فعبروها قائلين: إنه سيولد في بني إسرائيل غلام يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، ويكون ذهاب ملكك يا فرعون على يديه، وسيخرجك وقومك من بلدك، ويبدل دينك، وقد أظلك زمانه الذي يولد فيه. عند ذلك طار صواب فرعون، وجُنَّ جنونه، فأمر بقتل كل غلام يولد في بني إسرائيل، أما الإناث فلم يأمر بقتلهن، بل أمر بتركهن لأجل الخدمة والتسخير؛ يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم. وفي أثناء شدة هذا العذاب ولد موسى عليه السلام، كانت ولادته خطباً أليماً بالنسبة لأمه، ولما قرب وقت الوضع، وبدأت آلام المخاض، حزنت أمه حُزناً شديداً، واشتد همها وغمها، وأوحى الله إليها إلهاماً ألا تخاف ولا تحزن، لما سبق في علم الله أن هذا المولود سيكون له شأن عظيم، فولدته أمه خفية عن القابلات، وقذف الله في قلبها السكينة، وأمرها أن ترضعه حتى إذا خافت عليه فلتصنع له تابوتاً من الخشب، ثم تضعه فيه، وتربط التابوت بحبل لئلَّا تذهب به الأمواج، ثم تلقيه في البحر، وفعلت ذلك ثقةً بوحي الله وإلهامه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:7]. وفي ذات يوم انفلت رباط التابوت، فذهب الماء بالتابوت، وفيه الوليد الرضيع الرقيق موسى عليه السلام، ذهبت الأمواج بالتابوت، تُرى إلى أي مكان سترحل الأمواج بهذا الرضيع وهذا الوليد؟ سترحل به إلى من هو أشد الناس بغضاً لبني إسرائيل، وأشدهم كراهيةً لأبنائهم، ذهب التابوت بموسى إلى بيت فرعون في ساعة كان الجواري يغتسلن ويستقين فيها، فأبصرن هذا التابوت، فأخذنه من الماء، وظنن أن فيه مالاً، فحملنه على عادتهن، وذهبن به إلى سيدتهن آسية زوجة فرعون، فلما فتحت التابوت، وجدت فيه هذا الغلام، فلما رأته، ألقى الله محبته في قلبها. فلما جاء فرعون ورأى الغلام طار عقله وأراد قتله، وطلب الذباحين ليذبحوه، فالتمست آسية زوج فرعون منه أن يتركه لها، لأنها لا تلد: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} [القصص:9] فقال لها فرعون: بل هو قرت عين لك أنت، أما أنا فلا حاجة لي فيه.

حياة موسى في بيت فرعون

حياة موسى في بيت فرعون عاش موسى في بيت فرعون عند آسية، واجتهدت في البحث له عن مرضعة لتكون له ظئراً وتربيه، لكن الوليد الرضيع يأبى المراضع، ولا يقبل ثدي واحدة منهن حتى اشتد به الجوع، واشتد به البكاء، وهو لا يقبل ثدياً. وما زالت آسية زوجة فرعون تبحث له عن مرضع حتى رأته أخت موسى، وقد كانت ترقبه من بعيد، فجاءت إلى آسية امرأة فرعون، وعرضت عليها أن تأتي بامرأة مرضعة أمينة ناصحة تتعهد بهذا الرضيع، وتعتني به مقابل أجرة لها، فقالت لها امرأة فرعون: ائتيني بها، فإن قبل ثديها أكرمتها بأي مال أرادت، فانطلقت أخت الرضيع إلى أمه، وأخبرتها الخبر، فلما رأت ولدها كادت أن تبدي به، أي: كادت أن تقول: هذا ولدي، لولا أن ثبتها الله حتى لا يشعر آل فرعون بأن هذه هي أمه، فلما وضعته في حجرها، التقم ثديها، وأخذ يرضع بنهم ولذة حتى ارتوى وملأ جنبيه. ففرحت آسية فرحاً عظيماً، وطلبت من أم موسى -وهي لا تعلم أنها أمه- أن تمكث في القصر عندها لترضع هذا الغلام، ووعدتها بأن تعطيها أنواع المال والهدايا، وأن تكرمها بأنواع الإكرام، فأظهرت أم موسى العفة، وقالت: إن طابت نفسك أن تعطينيه، فأذهب به إلى بيتي، وأتعهده بالعطف والرعاية كما أتعهد ولدي، وأنا لا أستطيع أن أدع بيتي وأولادي من أجل هذا الغلام، تقول أم موسى وهي تعلم أنه ولدها: لا أستطيع أن أدع بيتي وأولادي من أجل هذا الغلام، فرضيت آسية أن تدفعه إليها على أن تأتي به في كل فترة لتراه وترضعه عندها. {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ} [القصص:11 - 13] بعد أن أمرت أن تلقيه في البحر: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:13].

فرار موسى إلى مدين

فرار موسى إلى مدين شب موسى وترعرع في بيت فرعون معززاً ومكرماً، حتى إذا دخل المدينة ذات يوم على حين غفلة في أهلها وجد فيها رجلين يقتتلان، أحدهما من شيعته أي: من بني إسرائيل، والآخر من عدوه أي: من القبط، فاستغاثه الذي من شيعته على القبطي، فضربه موسى، فمات القبطي من فوره. ثم أصبح موسى خائفاً يترقب، فجاءه رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، فأخبر موسى الخبر، وأمره أن يخرج من أرض مصر، لأن القوم يبحثون عنه، ويريدون قتله، فخرج موسى وتوجه إلى أرض مدين، ودعا ربه أن ينجيه من القوم الظالمين. وفي أرض مدين أقام موسى، وتزوج بابنة شعيب عليه السلام، ورعى له الغنم فيها عشر سنين، وبعد ذلك حنَّ قلب موسى إلى أرض مصر، وفي طريقه إليها في ليلة مظلمة باردة تاه موسى عن الطريق: {فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:10 - 14] وهكذا نبئ موسى وكلمه ربه، وتوجه إلى فرعون بأمر ربه {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى} [النازعات:17 - 25].

تمكين الله لموسى في الأرض

تمكين الله لموسى في الأرض اشتد الأمر بين موسى وفرعون، وتمادى فرعون في طغيانه وعناده، وأراد أن يكذب بنبوة موسى، وقال: إن هو إلا ساحر جاء بأخيه معه، وجمع فرعون السحرة أجمعين، وأراد بذلك أن يضل الناس عن النبوءة والدعوة، ولكن الله جل وعلا أبطل كيده وأبطل سحره: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69]. وبعد مضي هذه المدة وموسى يدعو فرعون ويخاطبه بخطابٍ لين، ويدعوه بدعوة وموعظة رقيقة إلا أنه لم يستجب، حتى إذا اشتد الأمر وبلغ أشده، ووصل الأمر بينهم إلى القتل والقتال، لما رأى فشل سحرته، ولما رأى فشل تدجيله وتطبيله، لما رأى فشل ذلك كله، لم يجد إلا أسلوب الجبابرة والطواغيت المعاندين، أسلوب القتل، أسلوب التشريد والإبعاد، فأتبعوهم مشرقين {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] لما ذهبوا ولم يبق من أمامهم إلا البحر، وفرعون وقومه من خلفهم {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء:61 - 63] وعبر عليه موسى ومن معه من بني إسرائيل {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء:64 - 66] لما رأى فرعون ومن معه أن البحر أصبح يبساً، وعبر عليه موسى ومن معه لحقوا بهم يريدون أن يعبروا على البحر، لكنها سنة الله جل وعلا، يريد الله أن يغيرها، وأن يبدلها، وأن يعكس قانونها ونظامها لأوليائه وعباده وأنبيائه، أما الكافرون الجاحدون الظالمون فليسوا بأهل أن تغير لأجلهم سنة واحدة، أو أدنى ظاهرة في هذا الكون، فلما عبر موسى ومن معه، عاد البحر كما كان أمواجاً تتلاطم، ومياه تغرق من عليها، ثم أدرك فرعون الغرق: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس:90] لم يقل آمنت أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، انظروا العناد والجبروت والتجبر والطغيان حتى في آخر ساعات العذاب، وفي آخر ساعات الهلاك لم يقل آمنت أنه لا إله إلا الله، بل قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [يونس:90 - 91] ليس ينفعك الإيمان في هذه اللحظة، ولا ينفعك قولك في هذه اللحظة وأنت من المفسدين الضالين المتجبرين المعاندين.

نجاة موسى في يوم عاشوراء

نجاة موسى في يوم عاشوراء وكان اليوم الذي نجى الله فيه موسى وأعوانه وجنده، وأهلك الله فيه فرعون ومن معه، هو يوم عاشوراء، لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم رأى اليهود في المدينة يصومونه، فسأل عن ذلك، فقيل له: هذا يوم نجى الله فيه موسى ومن معه، وأهلك فيه فرعون، فقال صلى الله عليه وسلم: (نحن أحق بموسى منهم) فصامه وأمر بصيامه. عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه) متفق عليه. وعن أبي قتادة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: (يكفر السنة الماضية) رواه مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لئن بقيت إلى قابل، لأصومن التاسع والعاشر) رواه مسلم. معاشر المؤمنين: هذه قصة طويلة نهايتها في اليوم المبارك الذي هو يوم عاشوراء، أعز الله فيه عباده، وأعز فيه دعاة دينه، وأعز فيه جنده المخلصين، وأهلك فيه الطغاة والمعاندين والمتجبرين، ذلك يوم عظيم، وهو يوافق يوم الخميس من الأسبوع القادم، فصوموا هذا اليوم يا عباد الله، ومروا أبناءكم ومن دونكم بصيامه، واشكروا نعمة الله جل وعلا، وتذكروا فضل الله عليكم وعلى عباده المسلمين أجمعين. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

العبر من قصة موسى عليه السلام

العبر من قصة موسى عليه السلام الحمد لله الواحد الصمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جل عن الشبيه وعن المثيل وعن الند وعن النظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، كل ذلك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار؛ عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: لو تأملنا هذه القصة الجليلة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في مواضع متعددة من كتابه الكريم، لوجدنا فيها جملة لا تعد ولا تحصى من الدروس والمواعظ والآيات والعبر {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]. هذه القصة لو لم يأت فيها إلا البشارة للدعاة المخلصين، لو لم يكن فيها إلا البشرى للذين يقومون بالدعوة إلى الله في كل مكان، وأن الله سبحانه وتعالى ينصرهم مهما أظلم الليل، ومهما ادلهمت الخطوب، ومهما تكالبت قوى الطغيان، ومهما تجمع أعوان الشر، فإن الله سبحانه وتعالى ينصر دعاة دينه، وينصر المصلحين المخلصين العاملين بكتابه وسنة نبيه {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] النصر للدعاة المخلصين المصلحين في الدنيا والآخرة، والفوز لهم في الدنيا والآخرة، والفلاح لهم في الدنيا والآخرة. تأملوا وتدبروا هذه العبرة العظيمة: ذلك الطاغية الذي أمر القابلات أن يخبرنه بأي مولود يولد في بني إسرائيل حتى يقتله، وحتى لا يبقى في بني إسرائيل باقية من الذكور، يأبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يتربى ويترعرع وينشأ نبيه الكريم في بيت الطاغية فرعون، ينشأ الداعية في بيت الطاغية ويترعرع ويمشي في أرض قصره وجنانه وحدائقه، ثم بعد ذلك يأمره الله سبحانه وتعالى، ويكلفه بنبوءته، ثم يعود إلى فرعون شامخ الرأس معتزاً، رافعاً رأسه بما أوحى الله إليه، آمراً إياه بما أمره الله ببلاغه أن يهتدي، وأن يؤمن، وأن يخلي بينه وبين بني إسرائيل، وبين الناس أجمعين أن يلحقوه وأن يتبعوا دينه، لكن ذلك الطاغية يأبى ويعاند، فيأبى الله سبحانه وتعالى إلا أن يجعل هلاكه في أعظم آية للناس أجمعين، يقول الله سبحانه وتعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92]. إنها لآية عظيمة في فرعون، إنه لدرس عظيم لجميع الدعاة أمام الطغاة. إذاً يا عباد الله: إنها لبشارة لجميع المسلمين في كل مكان، إنها لبشارة للدعاة في كثير من الدول المجاورة والبعيدة، الذين يلقون ألوان الأسى والعذاب والتشريد، يرون الإهانة في زوجاتهم، وفي بناتهم، ويرون القتل في أبنائهم، ويرون المضايقة والتشريد عن بلدانهم، لأنهم يقولون: لا إله إلا الله، ولا حاكمية، ولا قيادة، ولا أمر، ولا نصر، ولا عزة، ولا انقياد إلا لله، ولا تطبيق إلا لحكم الله، ولا انقياد إلا لشريعة الله، هذه كلمة لا تعرف إلا في هذه البلاد، وهذا نظام لا يعرف إلا في هذه البلاد الطيبة. نسأل الله أن يديمه علينا، وأن يديم العز لنا ولولاة أمورنا وعلمائنا، كي نبقى سعداء راضين بما قسم الله لنا، شاكرين له على ما أنعم به علينا من هذا العز والتمكين. إنها لعبرة عظيمة، إن حفظ الله جل وعلا لعظيم. وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمانُ أي عناية أعظم من أن يوضع طفل لا يملك شيئاً في تابوت صغير، ثم يلقى في البحر، فيحفظه الله بحفظه، ويكلؤه برعايته، تذهب به الأمواج المتلاطمة في البحار المليئة بالحيتان، والمليئة بكل شر وأذى حتى يصل إلى بيت الطغاة، فيترعرع وينشأ فيه، ويقذف الله تلك المحبة في قلب زوجة فرعون لهذا النبي الكريم؟! معاشر المؤمنين: إن الله لينصر الذين ينصرون دينه، وسنن الله لا تتغير ولا تتبدل، إذا علم الله منا إخلاصاً، وعلم منا انقياداً، وعلم منا إرادةً لوجهه الكريم، ولم يكن في نياتنا أدنى طمع في مال، أو منصب، أو جاه. إن الله سبحانه وتعالى لينصر كل قائم لله بحق، ويجعل القلوب تفتح أبوابها لكلامه، ويجعل الأفئدة والجوارح تتطاير وتبادر لكي تنفذ ما أراد. إنا -معاشر المؤمنين- أتينا من إخلاصنا، وبلينا من ذات أنفسنا، فقدنا الإخلاص وفقدنا إرادة وجه الله خالصاً في كل دقيق وجليل، ومن أجل ذلك فعلى قدر إخلاصنا تأتي النتائج في الدعوة، على قدر إرادتنا وجه الله تأتي النتائج وتأتي الثمرات في كل عمل نعمله. أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من المخلصين الذين يريدون وجهه الكريم، اللهم سخر لنا ولولاة أمرنا ولإمام المسلمين ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم من أراد ولاة أمرنا بفتنة، وأراد علماءنا بمكيدة، وأراد شبابنا بضلال، وأراد نساءنا بتبرج وسفور، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين! اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك. اللهم عليك بالشعوبيين الفرس الذين لا يؤمنون بكتابك كاملاً، ولا يصدقون بنبوة نبيك، ويسبون صحابته، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واهلكهم بدداً، ولا تبق فيهم أحداً، اللهم أهلك زروعهم وضروعهم، اللهم اجعلهم غنيمةً باردةً للمسلمين، اللهم قرب هلاكهم، اللهم قرب هلاكهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك يا من أمرك بين الكاف والنون! اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم ارزقنا توبةً قبل الموت، وراحةً عند الموت، ولذةً وأنساً ونعيماً في القبور بعد الموت، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا غائباً إلا رددته. اللهم وفقنا لما تحب وترضى، اللهم جنبنا ما يسخطك، واعصمنا مما يغضبك، اللهم خذ بأيدينا إلى مرضاتك. ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، اللهم عليك توكلنا، وإليك أنبنا، ولك أسلمنا، وبك خاصمنا، ولك توجهنا، فلا تكلنا إلى أنفسنا، ولا إلى ما عندنا، وبارك لنا فيما آتيتنا. اللهم ارزقنا الاستدراك قبل الفوات، والاستعداد قبل الممات، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم اجزهم عنا خير الجزاء، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم، واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أعنا على ما أعنتهم عليه، اللهم نور على أهل القبور قبورهم، اللهم افسح لهم اللحود مد أبصارهم، اللهم افتح لهم أبواباً إلى النعيم والجنان. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على نعمه التي لا تستطيعون شكرها، واشكروه على آلائه التي لا تقدرون حصرها يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

لقد كان في قصصهم عبرة [2]

لقد كان في قصصهم عبرة [2] تحدث الشيخ -حفظه الله- عن الظروف التي اكتنفت ولادة موسى عليه السلام وكيف أن الله رده إلى أمه لترضعه بثمن على ذلك. وقد استعرض شيئاً من عبر هذه القصة، مبيناً أن الله لا يعجزه شيء، وأن نصره لجنده لا يتخلف، وأن الحق مهما عُذِّب أهله فإنهم ينصرون نصراً يذل الله به كل أعدائهم ومناوئيهم.

ولادة موسى ونشأته عند فرعون

ولادة موسى ونشأته عند فرعون الحمد لله معز المؤمنين، ومذل الطغاة والمتجبرين، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، هو الذي أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ومنَّ علينا بالتوحيد، وفضلنا على كثيرٍ من الأمم تفضيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، أنتم اليوم في يوم مبارك من شهر الله المحرم، وهذا الشهر من الأشهر المخصوصة بالفضائل التي امتنَّ الله بها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث أضاف الله هذا الشهر إلى نفسه، يقول صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل) فأضافه على نفسه بقوله: (شهر الله المحرم) وهذه الإضافة لا تكون إلا لخاصة مخلوقات الله لشرفها وعلو منزلتها، فهذا الشهر مفتاح السنة، وفيه نصر الله نبيه وكليمه موسى عليه السلام على إمام الكفر وقائد الإلحاد فرعون الذي طغى وعلا في الأرض، وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] والذي تجبر وأدبر وتولى عن آيات الله وحجج الأنبياء، يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:4] وما أكثر الفراعنة في هذا الزمان! وكان الذي يحمله على تعذيب بني إسرائيل وإهلاكهم، واستحياء -أي: استبقاء- نسائهم، وإهلاك الذكور منهم هو علمه بأنه سيخرج من ذرية إبراهيم عليه السلام غلامٌ سيكون هلاك مُلْك مصر ومَلِكِها على يديه، وشاع هذا وانتشر بين القبط، وتحدث به بنو إسرائيل، وعند ذلك فزع فرعون، وطاش ذعراً وخوفاً، وأمر بقتل أبناء بني إسرائيل حذراً من وجود هذا الغلام بينهم، وأنى له ذلك، ولن يغني حذرٌ من قدر. لما حملت أم موسى به خافت أن يعلم بحملها، ولم تكن تظهر عليها علامات الحمل، فيا عجباً من آيات الله ومعجزاته، ولكن أكثر الناس عن تدبر آيات الله غافلون، علامةٌ عجيبةٌ لا يظهر عليها علامات الحمل، فلما ولدت به ضاقت به ذرعاً، فألهمها الله أن تتخذ له تابوتاً، وكانت دارها على نهر النيل، وكانت ترضع ابنها، فإذا خشيت من أحد وضعته في التابوت فأرسلته إلى البحر، وفي التابوت حبل تمسكه به، فأرسلته ذات يوم، وقضت إرادة الله أن يذهب التابوت ولا يعود، وذهب فيه ولدها مع النيل، فمر على دار فرعون، فالتقطه آل فرعون، الذين يذبحون الأبناء، التقطه الذين يقتلون كل ذكر من أبناء بني إسرائيل، فلما جاءوا به ووضعوه بين يدي امرأة فرعون، وفتحت هذا التابوت، رأت وجهاً يتلألأ نوراً، فوقع حبه في قلبها. فلما جاء فرعون ورآه أمر بذبحه، وقال: اذبحوه، أو اقتلوه، فدافعت عنه تلك المرأة، فقالت: {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا} [القصص:9] ولقد نفع الله زوجة فرعون به، وحقق الله ما رجته من النفع، فهداها الله به وأسكنها جنته بسببه. فلما أرادوا الغذاء لهذا الرضيع والوليد، وقد حرم الله عليه المراضع من قبل، وجدوه لا يقبل ثدياً، فحاروا في أمره حيرةً عظيمةً، فأرسلوه إلى السوق يبحثون له عن مرضعة يقبل ثديها، فرأته أخته ولم تظهر أنها تعرفه، بل قالت: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص:12] فذهبوا به إلى منزلهم، فأخذته أمه، فلما أرضعته التقم ثديها، وأقبل على درها، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وأجروا لها أجرة من النفقة والكسوة، وجمع الله شملها بولدها بقوله جل وعلا: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [القصص:13].

إرسال موسى ومحاجته لفرعون

إرسال موسى ومحاجته لفرعون ثم نشأ موسى عليه السلام في كنف الله ورعايته في بيت فرعون يتغذى أحسن الغذاء، ويلبس أطيب اللباس، ولما بلغ أشده واستوى، آتاه الله النبوة، وقدر أنه رأى ذات يوم رجلين أحدهما من شيعته والآخر من أعدائه القبط، فاستغاث الذي هو من بني إسرائيل بموسى، فنصره على عدوه بضربة مات القبطي على إثرها، وعند ذلك أدرك موسى أنه أساء، فاستغفر ربه، فغفر له، ثم خاف من فرعون وملئه بعد حادثة القبطي هذه، فخرج من مصر إلى مدين، فوصل إليها وتزوج فيها، ثم سار بأهله إلى أرض مصر، وبينما هو في الطريق أكرمه الله برسالته، وبعثه إلى فرعون، فبلغه رسالة ربه، ولكنه عصى وتكبر وعاند، فأقام موسى عليه الحجج والبراهين، ولكنه لم يقبل شيئاً من ذلك، بل أنكر واستنكر قائلاً: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:23] وقال لأهل مصر: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]، وقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24].

فرار موسى ومن معه

فرار موسى ومن معه بعد أن عدل فرعون إلى استعمال القوة لصد الدعوة، وصد صوت الحق، أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يخرج بمن معه من المسلمين إلى بلاد الشام، فخرج بهم ليلاً، فلما علم فرعون بخروجهم، غضب وجمع جنوده، وسار في طلبهم، فأدركهم عند طلوع الشمس، وقد انتهوا إلى البحر: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61] لأن العدو خلفهم والبحر أمامهم، والجبال عن يمينهم وشمالهم وهي شاهقة عالية، فقال لهم موسى عليه السلام، قال لهم الرسول الصادق: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] وتقدم إلى البحر وأمواجه تتلاطم، وهو يقول: هاهنا أمرت، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، فلما ضربه انفلق وصار اثني عشر طريقاً، فانفلق وصار كل فرق كالطود العظيم، على عدد أسباط بني إسرائيل، وصار البحر يبساً لا ماء فيه، فسلكه موسى بمن معه، فلما جاوزوه وخرج آخر رجل من رجال موسى دخله فرعون وجنوده، وعندما تكاملوا أوحى الله إلى هذه الأمواج أن تتلاطم، وإلى هذا الماء أن يعلو، وإلى ذلك اليابس أن يتفتت سائلاً، فأطبق الله عليهم البحر بما فيه، وأغرقهم أجمعين، وبنو إسرائيل ينظرون إليهم، هكذا نصر الله رسوله وكليمه ومن معه من المؤمنين، وأهلك فرعون ومن معه من الكافرين، هذا حدث عظيم من أعظم أحداث التاريخ التي ثبتت وجاءت في شرعنا، ونقلت إلينا نقلاً صحيحاً، لم يتعرضها تحريف ولا تبديل، فيها العجب والعبرة والذكرى، ولكن أين المعتبرون؟!

سنة الله فيمن ينصره

سنة الله فيمن ينصره عباد الله: تأملوا هذه الواقعة العظيمة، وتأملوا هذه المعجزة الإلهية الكريمة؛ يوم أن تخلفت أسباب الحياة وامتنعت الأمور المادية أجرى الله خوارق العادات، وقلب القوانين على رأسها لتسخر لهذا النبي وأتباعه، وإنها سنة الله جل وعلا الذي شرع الشريعة وأرسل الرسول، وأنزل الكتاب، وأمر بالدين الحنيف، إن الله هو الذي خلق هذا الكون، وهو الذي أوجد ما فيه من اليابسات والكائنات، والسائلات والجمادات، فهو الذي يصرفها لعباده المؤمنين، وهو الذي خلقهم وأمرهم بالجهاد، فسخر لهم هذه الأمور. إن الذي جعل النار المحرقة برداً وسلاماً على إبراهيم هو الذي جعل هذا الماء يابساً لموسى، فاعتبروا من ذلك يا عباد الله، واعلموا أن الله جل وعلا لا يعجزه شيء، وأن نصره لا يتخلف عن جنوده المؤمنين، فالله جل وعلا وعدهم بالنصر بقوله: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

السنة في صيام عاشوراء

السنة في صيام عاشوراء معاشر المؤمنين: هذا اليوم العظيم الذي وقع فيه ذلك الحدث في اليوم العاشر من شهر محرم، وهو يوم عاشوراء، قد صامه موسى شكراً لله عز وجل، ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود يصومونه، فقال لهم: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى وأولى بموسى منكم فصامه صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه) رواه البخاري ومسلم. ويستحب صيام يوم قبله، أو بعده لما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صام عاشوراء، قيل له: إن اليهود والنصارى يعظمون هذا اليوم، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا كان العام المقبل، صمنا اليوم العاشر والتاسع إن شاء الله)، وفي مسند أحمد رضي الله عنه وأرضاه: (صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله، أو يوماً بعده). وصيام هذا اليوم بساعاته القليلة، بلحظاته المحدودة فيه أجر عظيم، فلقد روى الإمام مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: (يكفر السنة الماضية) فمن يبخل على نفسه بتبييض صفحاته، وتبييض صحائف أعماله؟ من يبخل على نفسه أن يعود سجل أعماله أبيض باستهلال عام جديد، وبداية عام مشرق، أن يكون بذلك اليوم الذي يصومه قد كفر صغائر الذنوب والسيئات التي اقترفها في العام الماضي، وليعلم العباد أن صيام يوم عاشوراء يكفر الصغائر من الذنوب، أما الكبائر- مع فضل الله وسعة رحمته- فإنها تحتاج إلى توبة. عباد الله: لو تأملنا يوم عاشوراء، لوجدنا الناس على مذاهب شتى فيه، أما الرافضة -عليهم من الله ما يستحقون- فهم يقضون ليلته ضرباً في أبدانهم، وجلداً بالسياط على أنفسهم، ما هذا الذي يفعلونه؟! وأي شريعة شرعت لهم ذلك؟ إنما هو من ذوات أنفسهم، فهم يتقربون إلى الله بغير ما شرع، فإن ذلك مردود عليهم، وإن كانوا يعدونه عملاً صالحاً، فسيجدونه هباءً منثوراً. عجباً لأولئك الذين يبكون ويتباكون، يضربون أنفسهم لمقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، ورضي الله عن صحابة نبيه أجمعين، يقول أحد الصحابة: [عجباً لكم يا أهل العراق تقتلون الحسين، وتبكون ليلة قتله!] وجاء إلى ابن عمر رجل يسأله عن دم البعوضة إذا وقع على الثوب هل ينجسه، قال: ويحكم ألا ينجسكم دم الحسين وتسألون عن دم البعوضة ونجاسته. إن أولئك الذين يعظمون هذا اليوم بأمور لم يشرعها الله، ولم يسنها رسوله صلى الله عليه وسلم إنما هم في ضلال ووبال عظيم، فالحمد لله الذي هدانا وقد ضل كثيرٌ من العالمين، واليهود وغيرهم فيمن يتمسك منهم قد يعظمون هذا اليوم، ولكن هذا اليوم بدليله وببقائه وثباته لدليل وشاهد على تكذيبهم وتحريفهم، إذ أن الشرائع جاءت بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فلِمَ لا يؤمنون؟ وإذا كانوا يقولون إنهم على دين موسى، فدين موسى هو اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وجد في يد عمر بن الخطاب قطعة من التوراة مكتوباً في ورق، غضب وقال: (والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) فيا عجباً من أولئك المصرين على العناد والإلحاد، فالحمد لله الذي فضلنا على كثيرٍ من خلقه تفضيلاً، وهدانا إلى أمورٍ ضل عنها كثيرٌ من العالمين. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

درس للدعاة من قصة موسى عليه السلام

درس للدعاة من قصة موسى عليه السلام الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] كل ذلك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. عباد الله: إن المتأمل لقصة موسى مع فرعون، إن المتأمل لقصة نبي الله الكليم مع فرعون الطاغية الجبار الأثيم، ليرى فيها دروساً ومواعظ وعبراً للدعاة، الذين يتأملون ويستذكرون ويعلمون أن الله جل وعلا يوم أن شرع الشرائع، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وشرف العباد بالدين الحنيف، وأكرمهم بالدعوة إليه, والمجاهدة والصبر على الأذى فيه، يعلمون أن في هذه القصة أملاً يرتجى، وبشارة عظيمة للذين يدعون إلى الله على بصيرة، ذلك أن الله جل وعلا يسخر الأمور ويدبرها حينما يجد دعاة صادقين ربانيين متجردين عن المطامع والأهواء والشهوات. وإننا لنعجب عجباً عظيماً يوم أن كان الطاغية فرعون يبحث عن أبناء بني إسرائيل يقتلهم، وتقدر مشيئة الله جل وعلا أن ينشأ النبي في قعر بيت فرعون، أعجوبةٌ عظيمةٌ ذلك الذي رآه فرعون في منامه، وسمع به، وترددت الأقاويل في زمانه أن ذلك الغلام الذي سيخرج، وسيكون على يده هلاك ملك مصر وملكها، ينشأ ذلك الغلام في بيت فرعون، ويتغذى في بيته، ويترعرع في داره، ويستظل بسماء قصره، ومع ذلك يكرمه الله جل وعلا بالنبوة والرسالة، وهل بعد حفظ الله حفظ؟ يوم أن يوحي إلى أمه {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} [طه:39] أي شيء بعد الهلاك في البحار، بعد الأمواج المتلاطمة، ومع ذلك يحفظه الله جل وعلا بهذا التابوت، ويذهب به بقدر الله ومشيئته إلى بيت الطاغية، ويتربى وينشأ فيه. وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمانُ اتق الله يا بن آدم، ونم في أي مكان شئت بين السماء والأرض، من يحفظه الله فلن يتعرض له أحد بسوء. هذه معجزةٌ ربانيةٌ من الله، ودرسٌ للدعاة، إذ مهما عظم الباطل، وعلا هديره، فإن الله جل وعلا لا بد أن يجعل هذا الباطل جفاء، ويبقى ما ينفع الناس، فالله جل وعلا قد ضرب ذلك مثلاً وعبرةً للدعاة المؤمنين الصادقين ألا يخافوا، وألا يهابوا من كيد الجبابرة والطواغيت، وأنتم الآن يا عباد الله ترون في معظم أصقاع المعمورة أن المسلمين يعذبون، وأن المسلمين يقتلون، وأن الدعاة يعذبون ويشردون وينفون ويطردون، ومع ذلك فإن الله جل وعلا ناصر دينه، أما كيد البشر، فهو كيد ضعيف لا يستطيعون بجميع ما أوتوا أن يصلوا إلى قلب مؤمن في إيمانه ويقينه، يقول أحدهم يوم أن عذبوه وجلدوه، لما أن أكرهوه على الفواحش، وأرادوا به كل سوء ومكروه، لا لشيء إلا لأنه دعا إلى الله على بصيرة، قال: تالله ما الدعوات تهزم بالأذى أبداً وفي التاريخ برُّ يميني ضع في يدي القيد ألهب أضلعي بالسوط ضع عنقي على السكينِ لن تستطيع حصار فكري ساعةً أو رد إيماني وصد يقيني فالنور في قلبي وقلبي في يدي ربي وربي حافظي ومعيني إن من استقام على دينٍ صحيح ودعوة إلى الله صادقة متجردة عن الأهواء والمطامع والشهوات، لا بد أن ينصره الله جل وعلا كما نصر موسى، ونصر الأنبياء، وأهلك أعداء الأنبياء بالريح العقيم، والضفادع والطوفان، والجراد والقمل والدم، آيات الله جل وعلا وجنوده لا يعلمها إلا هو {إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] ولكن أين المؤمنون؟ أين الدعاة الصادقون الذين من أجلهم تخرق العادات، وتتخلف القوانين ويحقق الله على أيديهم النصر العظيم؟ نسأل الله جل وعلا أن يكون إشراق نور الإسلام من جديد في أرض المعمورة من قلب هذه البلاد التي أشرقت فيها أنوار النبوة، ولمعت فيها بروق تجديد العقيدة، نسأل الله جل وعلا أن يعود لها هذا العز دائماً أبداً، وأن يحفظها من كل سوء ومكروه. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بولاة أمورنا سوءاً، وأراد بعلمائنا فتنةً، وأراد بشبابنا ضلالاً، فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا واعف عنا واغفر لنا وارحمنا. اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا أيماً إلا زوجته، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم وفق إمام المسلمين لما تحب وترضى، اللهم قرب له من علمت به خيراً له ولأمته، وأبعد واطرد عنه من علمت به شراً له ولأمته، اللهم وفقنا لما تحب وترضى. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين، اللهم وسع لهم في قبورهم، اللهم افسح لهم مد أبصارهم، اللهم افتح لهم أبواباً إلى الجنان والنعيم. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

لقد كان في قصصهم عبرة [3]

لقد كان في قصصهم عبرة [3] استعرض الشيخ شيئاً من المواقف بين يوسف وإخوته من جهة، وبين يوسف والملك من جهة أخرى عندما مكنه من خزائن الأرض، وأوضح الشيخ في ثنايا الكلام عِظم أخلاق هذا النبي الكريم في تعامله مع إخوانه رغم ما فعلوا به، ثم أنهى خطبته ببعض الفوائد من هذه القصة.

بداية تمكين الله ليوسف في الأرض

بداية تمكين الله ليوسف في الأرض الحمد لله، الحمد لله وحده لا شريك له، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه، وعن المثيل، وعن الند، وعن النظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، بلَّغ دين ربه أتم البلاغ، وأوصل رسالة ربه أتم الإبلاغ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى. معاشر المؤمنين: أرسل الملك رسولاً في طلب يوسف وإخراجه من السجن، فلما جاء الرسول إلى يوسف وأخبره بذلك، وبشره بالخروج، قال: لن أخرج حتى ترجع أيها الرسول إلى الملك، ثم تسأله: ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن؟ يريد يوسف بذلك أن يتحقق الملك ورعيته من نزاهة عرضه وبراءة ساحته فيما ينسب إليه من جهة امرأة العزيز، وأخرجت يوسف عليهن، فقال الملك: ما خطبكن وشأنكن إذ راودتن يوسف عن نفسه يوم أن أخرج عليكن؟ فقلن: حاشا لله ما علمنا عليه من سوء، وما هو بمتهم، وعند ذلك ظهر وتحقق ما أرداه يوسف من إعلان براءته على لسان من كاد به، ونطقت امرأة العزيز قائلة: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:51] أي: يوم أن قال: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف:26] وتقول امرأة العزيز: وأعترف بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في فعل فاحشة، وإنما راودته مراودة فامتنع، ولست أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا من عصم الله ورحمه، وهذا القول هو الأشهر والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام. وبعد أن تحقق الملك براءة يوسف عليه السلام، ونزاهة عرضه فيما نسب إليه، قال: ائتوني به أستخلصه لنفسي، وأجعله من خاصتي وأهل مشورتي، فلما كلمه الملك وعرف فضله وعلمه وبراعته، قال له: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف:54] أي: لك عندنا مكانة وأمانة، فقال يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55].

قصة يوسف مع إخوته

قصة يوسف مع إخوته ثم مكن الله ليوسف في أرض مصر بعد أن جعل على خزائنها يتبوأ ويتصرف ويتنقل فيها حيث شاء بعد ذلك الحصر والحبس والضيق رحمةً له من الله جزاء ما صبر عليه من الأذى من إخوته، والحبس من امرأة العزيز، وليس جزاء الصبر والاحتساب هذا العز والتمكين فحسب، بل إن له في الآخرة أعظم وأكثر من ذلك، وبعد مضي تلك السنين المخصبة وحلول السنين المجدبة عم القحط بلاد مصر بكاملها، ووصل إلى البلاد المجاورة حتى إلى أرض كنعان التي كان فيها يعقوب والد يوسف عليهما الصلاة والسلام، حينئذٍ احتاط يوسف عليه السلام للناس في غلاتهم، وورد عليه الناس من سائر البلدان يطلبون الميرة والقوت لأنفسهم وأولادهم، فكان إخوة يوسف من جملة من ورد إلى مصر حيث بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه، فأخذوا معهم بضاعة يعتاضون بها طعاماً، وركبوا عشرة نفر، وبقي يعقوب عليه السلام ومعه ابنه بنيامين شقيق يوسف، ولما وصل إخوة يوسف أرض مصر، جاءوا إليه فرأوه في أبهته ورياسته، فعرفهم يوسف، ولم يعرفوه لتغير حاله بعد أن فارقوه صغيراً، ولم يخطر على بالهم أن يصل أخوهم يوسف إلى ما وصل إليه مما رأوه من العزة والسيادة.

قدوم إخوة يوسف إلى مصر لأخذ الميرة

قدوم إخوة يوسف إلى مصر لأخذ الميرة الحاصل أنهم قدموا على يوسف وهم لا يعرفونه، وذكروا أنهم قدموا إليه للميرة، وأنهم إخوة عددهم اثني عشر، هلك أصغرهم في البرية، وبقي شقيقه عند أبيهم يعقوب ليتسلى به، ثم أمر يوسف بتجهيزهم وتوفية الكيل لهم، وحمل أحمالهم، ثم قال: ائتوني بأخيكم هذا الذي ذكرتم أنه عند أبيكم، ائتوني به لأعلم صدقكم فيما ذكرتم، ثم رغبهم في الرجوع إليه، واصطحاب أخيهم معهم قائلاً: {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [يوسف:59] ثم رهبهم قائلاً: فإن لم تأتوني بأخيكم هذا، ولم تقدموا به معكم في المرة الثانية، فليس لكم عندي ميرة ولا تقربون، ثم همس يوسف لفتيانه وغلمانه قائلاً: اجعلوا بضاعتهم التي قدموا بها ليمتاروا عوضاً عنها، اجعلوها في رحالهم وأمتعتهم لعلهم يرجعون. فلما رجع الإخوة إلى أبيهم، قالوا: يا أبانا منع منا الكيل بعد هذه المرة إن لم ترسل معنا أخانا بنيامين {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [يوسف:63] وسنرجع به إليك، فقال يعقوب عليه السلام: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} [يوسف:64] وهل أنتم صانعون به إلا كما صنعتم بأخيه يوسف من قبل، تغيبونه عني وتحولون بيني وبينه: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:64] بكبر سني وضعفي وحزني على يوسف. ولما فتح إخوة يوسف متاعهم، وجدوا بضاعتهم ردت إليهم، فقالوا: يا أبانا ما نبغي؟ أي: وماذا نريد بعد هذا؟ هذه بضاعتنا ردت إلينا، وأتينا بالميرة إلى أهلنا، وزيد لنا في الكيل، وكل ذلك لنا إن أرسلت أخانا معنا، وسنحفظه ونزداد به حمل بعير، فقال يعقوب: لن أرسله معكم حتى تأتوني موثقاً من الله وتحلفون لتأتنني به إلا أن يحاط بكم وتغلبوا جميعاً، فلا تقدرون على تخليصه، فآتوه العهود والمواثيق، فأكدها يعقوب عليهم بقوله: {اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف:66] فوافق بعد ذلك على تجهيز بنيامين معهم، ثم أوصاهم، وقال: {يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف:67] قال ابن عباس وغيره: [خشي عليهم العين؛ لما كانوا عليه من جمال الهيئة وحسن المنظر وبهاء الطلعة] ثم قال يعقوب: وما يغني هذا الاحتراز والاحتياط في رد قدر الله شيئاً.

أسلوب أخذ يوسف لبنيامين

أسلوب أخذ يوسف لبنيامين ولما دخل إخوة يوسف عليه ومعهم أخوهم بنيامين، أدخلهم دار كرامته ومنزل ضيافته، ثم خلا بأخيه وأخبره بشأنه، وما فعل إخوانه به، وقال له: لا تبتئس، ولا تأسف، أو تظهر جزعاً مما صنعوه بي، واكتمه عنهم، وتواطأ يوسف مع أخيه على حيلة يبقيه عنده معززاً مكرماً، فلما جهزهم وحمل أحمالهم، أمر بعض فتيانه أن يضع السقاية في متاع بنيامين، وهي إناء من فضة، وقيل: من ذهب يكيل للناس به. فلما أوشكوا على الرحيل، أذن مؤذن ونادى مناد: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:70] فالتفت إخوة يوسف إلى المنادي، وقالوا: {مَاذَا تَفْقِدُونَ} [يوسف:71] قالوا: نفقد صواع الملك، وهي السقاية التي جعلها يوسف في رحل بنيامين، ولمن جاء بهذه الصواع حمل بعير، وتكفل المنادي بذلك قائلاً: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] فقال إخوة يوسف: ما جئنا هنا سارقين، ولا مفسدين، فقال الفتيان: فما جزاء السارق إن كان فيكم من أخذ صواع الملك؟ فقال إخوة يوسف: جزاء من وجد في رحله فهو جزاؤه، وكان في شريعتهم أن السارق يدفع إلى المسروق منه، وهذا هو ما أراده يوسف عليه السلام، فبدءوا يفتشون أوعيتهم قبل وعاء بنيامين، كأنه لا يعرف من الذي سرق، إذ لو بدأ بتفتيش وعاء بنيامين قبلهم ووجدها فيه، لقال إخوة يوسف: هذا أمر قضي بليل، أو دبر بخفاء، فلما فتش الفتيان وعاء بنيامين وجدوا السقاية فيها، فأخذوا بنيامين منهم بحكم اعتقادهم وإلزامهم بما يعتقدونه، في أن من سرق يدفع إلى المسروق، فقال إخوة يوسف لما رأوا الصواع قد أخرج من متاع بنيامين: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف:77] يعنون يوسف عليه السلام يوم أن أخذ صنماً لجده أبي أمه فكسره، فأسرَّ يوسف في نفسه قوله: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف:77] ثم قال إخوة يوسف: يا أيها العزيز! إن له أباً شيخاً كبيراً يحبه حباً شديداً، خذ أحدنا مكانه، أو بدلاً منه إنا نراك من المحسنين المنصفين، فقال يوسف: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف:79]. فعند ذلك يئس إخوة يوسف من تخليص أخيهم بنيامين، ثم انفردوا عن الناس يتناجون فيما بينهم، فقال كبيرهم وهو الذي أشار عليهم بإلقائه في البئر بدلاً من قتله: ألم تعلموا أنكم أعطيتم أباكم العهود والمواثيق من الله لتردن يوسف إليه، وقد رأيتم كيف تعذر ذلك عليكم، ومن قبل ذلك تفريطكم في شقيقه يوسف، فلن أبرح هذه البلدة حتى يأذن لي أبي في الرجوع إليه راضياً عني، أو يحكم الله لي بأخذ أخي، ثم قال أخوهم الأكبر: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف:81] وإن كنت لم تصدقنا، اسأل القرية التي كنا فيها، والعير التي أقبلنا فيها، وإنا لصادقون فيما أخبرناك به من سرقته.

موقف يعقوب من أولاده في فقدهم لبنيامين

موقف يعقوب من أولاده في فقدهم لبنيامين فلما جاءوا إلى أبيهم عليه السلام، قال لهم مثلما قال يوم أن جاءوا بدم كذب على قميص يوسف، قال لهم: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً} [يوسف:83] إن الله عليم بحالي، حكيم في قضائه وقدره في أولادي، ثم تولى يعقوب وأعرض عنهم، وذكرته هذه الحادثة بفقده يوسف، فقال {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] ساكت حزين كئيب لا يشكو أمره إلى مخلوق، وهذا ملاحظ مشهود إذ قد يقع للإنسان من المصائب والآلام ما يجعله كئيباً ساكتاً لا ينطق بشيء من شدة حزنه وآلامه. فقال إخوة يوسف لأبيهم يعقوب: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف:85] إن استمر بك هذا الحال، فقال يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف:86] يريد بذلك تحقيق رؤيا يوسف وظهورها. ثم التفت يعقوب إلى أبنائه وقال: اذهبوا وتحسسوا من يوسف وأخيه، لا تيأسوا من روح الله، فذهبوا إلى مصر، ودخلوا على يوسف، وقالوا له: يا أيها العزيز! مسنا وأهلنا الضر والجدب والقحط، وجئنا ببضاعة مزجاة، ومعنا ثمن الطعام الذي نمتاره وهو قليل، فأوف لنا الكيل، وتصدق علينا برد أخينا إلينا، واقبض هذه البضاعة المزجاة منا، إن الله يجزي المتصدقين، ولما ذكروا له ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام، وما أصاب والدهم من الحزن لفقد أولاده، رق قلب يوسف لهم، وقال لهم: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} [يوسف:89] فعرفوه عند ذلك، وقالوا: {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90] فقال إخوته: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف:91] وإنا لمخطئون فيما فعلناه في حقك، فقال يوسف: لا تثريب ولا تأنيب ولا عتاب عليكم، ثم دعا لهم بقوله: {يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:92].

مجيء يعقوب وأهله وبنيه إلى أرض مصر

مجيء يعقوب وأهله وبنيه إلى أرض مصر ثم قال يوسف: اذهبوا بقميصي هذا، فألقوه على وجه والدي الذي عمي من كثرة البكاء يأت بصيراً، وائتوني بجميع بني يعقوب، ولما فصلت العير خارجة من أرض مصر، قال يعقوب وهو في بلاد كنعان، قال يعقوب لمن كان عنده من بنيه: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [يوسف:94] لولا أن تقولوا: إنك كبرت وهرمت. فقالوا له: (تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف:95] في حب يوسف لا تنساه ولا تصبر عنه، فلما أن جاء البشير الذي يحمل قميص يوسف، وكان هو بعينه الذي جاء بالقميص الذي لطخ بالدم الكذب، فألقى القميص على أبيه، عاد يعقوب بصيراً يرى ما حوله، ثم قال: ألم أقل لكم إني أعلم من الله أنه سيرده إلي. فعند ذلك قال إخوة يوسف لأبيهم: يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين، قال: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف:98] أرجأ الدعوة لهم بالمغفرة إلى وقت السحر، ثم تجهز يعقوب عليه السلام مع بنيه وأهله ورحل من بلاد كنعان إلى أرض مصر، ولما أخبر يوسف بقدومهم وقرب وصولهم، خرج لتلقيهم، وخرج الملك، وأمر أمراءه وأكابر الناس بالخروج مع يوسف لتلقي نبي الله يعقوب عليه السلام، فلما رآه أبوه وأمه وإخوته، خروا له سجداً، وكان السجود للكبير جائزاً في شريعتهم، لكن حرم في شريعة الإسلام. ثم قال يوسف: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف:100] لأنهم كانوا أهل ماشية وبادية {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} [يوسف:100] إذا أراد أمراً قيض أسبابه ويسره وهو العليم بمصالح عباده، الحكيم في أفعاله وأقواله وقضائه وقدره، وبعد أن استقر يوسف بإخوانه ووالديه، سأل ربه مبتهلاً حسن الختام قائلاً: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

بعض الدروس المستفادة من قصة يوسف

بعض الدروس المستفادة من قصة يوسف الحمد لله الواحد بلا شريك، القوي العزيز بلا نصير، والعليم بلا ظهير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. معاشر المؤمنين: لا شك أن هذه السورة العظيمة والقصص الكريم الذي أوحاه الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قد احتوى جملةً من الدروس والعظات والعبر والفوائد التي لا يحصيها إلا الله سبحانه وتعالى، وإن تعرضنا لشيء منها فما أوتينا من العلم إلا قليلاً. لقد اشتمل هذا الطرف الذي ذكرناه في آخر قصة يوسف على جملة من الدروس من أهمها: أنه لا بأس أن يخبر الإنسان عما في نفسه من الصفات الكاملة من العلم وغيره إذا كان في ذلك مصلحة، وسلم من الكذب، ولم يقصد به الرياء، لقول يوسف عليه السلام: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]. - ومن الفوائد أيضاً: أن الولاية لا تذم إذا كان المتولي لها يقوم بما يقدر عليه من إقامة الشرع وإيصال الحقوق إلى أهلها، ولا بأس بطلب الولاية إذا علم الإنسان أنه أهل لها، وأعظم كفاءة من غيره. - ومنها: أن جباية الأرزاق إذا أريد بها التوسعة على الناس من غير ضرر يلحق بهم فلا بأس بذلك، لأن يوسف أمرهم بجباية الأرزاق والأطعمة في السنين المخصبات للاستعداد به للسنين المجدبات، وقد حصل بذلك خير عظيم. - ومنها: أن سوء الظن مع وجود القرائن الدالة عليه غير ممنوع ولا محرم، فإن يعقوب قال لأولاده: (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 64] وقال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً} [يوسف:18]. - ومنها: أن استعمال الأسباب الدافعة للعين وغيرها من المكاره، أو الرافعة لها بعد نزولها غير ممنوع، وإن كان لا يقع شيء إلا بقضاء الله وقدره، والأسباب من القضاء والقدر، وذلك من قول يعقوب: {يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} [يوسف: 67]. - ومنها: أنه ينبغي لمن أراد أن يوهم غيره بأمر لا يحب بيانه أن يستعمل المعاريض القولية والفعلية المانعة له من الكذب، كما فعل يوسف حينما ألقى الصواع في رحل أخيه، ثم استخرجها منه ليوهم أنه سارق، وليس في ذلك تصريح بالسرقة، وإنما استعمل المعاريض، ومثل هذا قوله: {مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ} [يوسف:79] ولم يقل: سرق متاعنا. ومنها: أنه لا يجوز للمسلم أن يشهد إلا بما علمه وتحققه برؤية، أو سماع لقولهم: {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف:81]. ومنها: أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وذلك في قول يعقوب لما اشتد عليه ألم فراق يوسف، وتلاه فراق بنيامين، وابيضت عيناه من الحزن، فقال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86]. ومنها: أن قرب الفرج مع شدة الكرب، فإنه لما تراكمت الشدائد، وتنوعت المصائب على يعقوب، رجع إلى فارج الهم كاشف الغم مجيب دعوة المضطرين، وهذه عوائده الجميلة خصوصاً لأوليائه وأصفيائه ليكون لذلك الوقع الأكبر والمحل الأعظم، وليجعل من المعرفة بالله والمحبة له ما يعادل ويرجح بما جرى على العبد بلا نسبة. ومنها: جواز إخبار العبد بما يجد، وما هو فيه من فقر أو مرض، أو غيرهما على غير وجه التسخط، لقول يعقوب: ((يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ)) [يوسف: 84] وقول إخوة يوسف: {مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} [يوسف:88]. ومنها: فضيلة التقوى والصبر، وأن كل خير في الدنيا والآخرة من آثار التقوى والصبر، وأن عاقبة المتقين أحسن العواقب لقوله تعالى: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90]. ومنها: أنه ينبغي للعبد أن يلح دائماً على ربه في تثبيت إيمانه، وأن يحسن له الخاتمة لقول يوسف وهو نبي كريم: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101]. ومنها: ما ورد في هذه السورة من الأصل الدال على مشروعية الجعالة والكفالة في قول يوسف: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف:72] فهذه هي الجعالة، وقوله: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] فهذا دليل على مشروعية الكفالة. معاشر المؤمنين: كتاب الله جل وعلا مليء بالفوائد والآيات والعظات والعبر، ولكننا نخشى أن نكون قد وقع فينا قول الله سبحانه وتعالى على لسان النبي: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30]. إن كتاب الله جل وعلا لمليء بالآيات والعظات والعبر: وإن كتاب الله أوثق شافع وأغنى غناءٍ واسعاً متفضلاً إن كتاب الله جل وعلا فيه دواء القلوب، وفيه دواء الأمراض، وفيه الفوائد، وفيه كل شيء من القصص التي ذكرها الله لنبيه، ذكرها لكي يطيب نفسه، وذكرها لكي يهون عليه ما رآه من قومه حينما يذكر قصص الأقوام السالفين مع أنبيائهم، وما يلقى النبي من إخوانه، وما يلقى النبي من أقرب الأقربين إليه، يكون في ذلك شيء عظيم في تطييب نفس النبي صلى الله عليه وسلم، وتهوين ما يلقاه من قومه. أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم لكتاب الله من التالين المتدبرين، وأن يجعلنا في فوائده ودروسه من المستفيدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرد بولاة أمرنا فتنة، وأراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بشباب المسلمين سوءاً، وأراد نساءهم باختلاط أو تبرج أو سفور، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره، اللهم أدر عليه دائرة السوء. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم ارزقه بطانة صالحة، وجنبه بطانة السوء، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه، اللهم قرب لهم من علمت فيه خيراً لهم، وأبعد عنهم من علمت فيه شراً لهم ولأمتهم. اللهم توفنا على الإسلام شهداء، وأحينا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم إنا نسألك توبة وإنابة قبل الموت، وراحة وشهادة للوحدانية عند الموت، ولذة ونعيماً في القبور بعد الموت. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا غائباً إلا رددته، ولا باغياً إلا قطعته برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعلنا من عبادك المحسنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، اللهم اجعلنا على حوض نبينا واردين، ولكأسه من الشاربين، وعلى الصراط من العابرين، اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمجرمين. اللهم أدخلنا الجنة بسلام آمنين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، اللهم اغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم يا عظيم السماوات والأرض! اللهم يا جبار السماوات والأرض! اللهم إنا نسألك أن ترينا عجائب قدرتك في الشعوبيين الفرس، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، ولا تبق فيهم أحداً، اللهم اجزهم شر ما تجزي به طاغياً في طغيانه، ومتكبراً في كبره، وفاسقاً في فسقه، ومجرماً في إجرامه، وطاغوتاً في طغيانه بقوتك وقدرتك يا قيوم السماء والأرض! فإنهم لا يؤمنون بكتابك، ويسبون صحابة نبيك، ويخونون ملائكتك المطهرين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم عجل زوالهم، اللهم عجل زوالهم، اللهم عجل زوالهم، اللهم أشعل الفتنة بينهم، اللهم أهلك بعضهم ببعض، اللهم اهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمد من بينهم سالمين، اللهم عجل زوالهم، ربنا إنك لا يعجزك شيء، ربنا يا من أمرك بين الكاف والنون، اللهم إنهم لا يرون لمسلم حرمة، ولا يرون لمسلم ذمة، ولا يرون لكتابك قدراً، اللهم عجل زوالهم، اللهم عجل زوالهم، اللهم عجل هلكتهم، اللهم أرنا هلكتهم على رءوس الخلائق بقدرتك يا جبار السماوات والأرض! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعو

ماذا أعددنا لاستقبال رمضان؟

ماذا أعددنا لاستقبال رمضان؟ رمضان موسم عظيم للطاعات، وتكثير الحسنات وتكفير السيئات، وتزداد أهمية الوقت في رمضان بشكل كبير لتعدد الطاعات وزيادة الأجور، لكن هناك من الناس من يتذمر لقدومه، فحاله فيه حال الغافل اللاهي الأكثر بعداً عن طاعة الله. وفي هذه الخطبة بيان لفضل شهر رمضان وأحوال الناس فيه، إضافة إلى ذكر بعض المحاذير التي يقع فيها كثير من الناس في رمضان.

فضل شهر رمضان

فضل شهر رمضان إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. وقال صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس) وذكر منها صيام هذا الشهر الكريم، فصومه ركن من أركان الدين. أيها الأحبة: لم تبق إلا أيام قليلة، ويهل علينا بهلاله، ونسعد بإطلاله، فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن أُكرم ببلوغه والعمل فيه، والتمام له والقبول، فذلك شهر عظيم، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيها أبواب النيران، وتسلسل الشياطين، ذلك شهر كله مدرسة عظيمة، منذ تربت فيه الأجيال بأمر الله عز وجل بصيامه إلى يومنا الحاضر، بل وإلى أن تقوم الساعة. ولكن الناس في هذا الزمان بين مد وجزر في استفادتهم من هذا الشهر العظيم، والأمر في استفادة الناس ليس إلى الشهر، فالشهر يبلغ بقدر الله عز وجل، ويحل بأمر الله عز وجل، ولكن الأمر إلى الناس، فمن زكى نفسه وجاهدها؛ فقد أفاد من هذا الشهر خيراً عظيماً، ومن دساها وأتبعها هواها، وتمنى على الله الأماني؛ فقد خسر خسراناً عظيماً، إذاً فالأمر فينا وليس في الشهر. من كتب الله له أن يدرك هذا الشهر؛ فهو مدركه لا محالة، ولكن الذين يدركون الشهر تتباين نتائجهم في ختامه، فمنهم الرابح فيه، ومنهم الناجح، ومنهم الفائز فوزاً عظيماً، ومنهم الخاسر خسراناً مبيناً. إنه شهر الصبر واليقين، وبذلك تُنال الإمامة في الدين، قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] ففيه عبادة الصوم، وهي عبادة جليلة، يقول الله عز وجل فيها في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي) رواه البخاري ومسلم. أيها الأحبة: إن إدراك هذا الشهر وصيامه سبب لتكفير الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة يستجن بها العبد من النار) أخرجه الإمام أحمد. فمن كان مذنباً أو مفرطاً أو مضيعاً، فأدرك هذا الشهر، فيا هنيئاً له إذ بلغ شهراً يكون له جُنَّة ووقاية من عذاب الله، ويكون سبباً في تكفير ذنوبه، ومباعدة وجهه عن النار سبعين خريفاً، قال صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) وهو حسنة من الحسنات، بل من أعظم الحسنات وأشرفها وأزكاها، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] أما الذين لا يتذكرون، أما الغافلون، أما اللاهون والجاهلون، أما الضائعون والسابحون في غفلاتهم ولهوهم، فليس لهم في ذلك حظ من الذكرى. والله إنها لفرحة عظيمة، أن يهل علينا شهر يكون لنا جُنَّة من النار، وتكفر فيه ذنوبنا، وترفع فيه درجاتنا، وتفتح لنا فيه أبواب الجنة، وتغلق دوننا أبواب النيران، وتصفد وتسلسل الشياطين التي طالما تسلطت علينا وأغرتنا بالمعاصي وأغرت المعاصي بنا. يقول صلى الله عليه وسلم: (فتنة الرجل في أهله وماله وجاره يكفرها الصلاة والصيام والصدقة) رواه البخاري ومسلم. ويقول صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم. فمن ودع الشهر الماضي في العام الماضي، ثم استقبل هذا الشهر في هذا العام، وقد سلم من الكبائر، فهي بشارة له وهدية وتحية، نقول له: قد كفرت ذنوبك كلها، ومحيت سيئاتك وأنت تستقبل صفحة جديدة بيضاء نقية. إن من صام هذا الشهر إيماناً واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه، فالصالحون في هذه الأمة يحرصون على الخير، وكانوا أحرص الناس عليه، لذا تراهم قبل دخول الشهر يراجعون أنفسهم قبل أن يراجعوا خزائن الطعام، ويستعدون بأرواحهم قبل أن يستعدوا لأصناف المآكل والمشارب، ويزكون أفئدتهم قبل أن يقلبوا النظر فيما يأكلون ويشربون. إن من أقبل عليه هذا الشهر فقدم عليه وهو في اشتياق ولهفة وحنين إليه، حنين إلى الصوم حنين إلى القيام حنين إلى التهجد حنين إلى الركوع والسجود والوقوف بين يدي الله عز وجل رجاءً ورغبة، عسى أن يغفر الله لنا ولهم كل ما سلف من الذنوب، وعسى أن نكون في عداد العتقاء من النار، فأولئك تراهم يفرحون فرحاً عظيماً لا يقارن بفرحهم سواءً كان بزوجة حسناء، أو بولد يولد، أو بمال يوهب، أو بشيء من حطام الدنيا.

حال كثير من الناس مع قدوم رمضان

حال كثير من الناس مع قدوم رمضان إن كثيراً من الناس يقدم عليهم الشهر فيستسلمون للأمر الواقع، غير فرحين بقدومه، غير آبهين بإهلاله، غير سعداء بإطلاله، فأولئك نخشى عليهم أن يكونوا ممن قال الله عز وجل فيهم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9]. إن من لم يأبه بهذا الشهر ويفرح به، وحصل في نفسه ضد ذلك، وهو الألم من انقطاعه عن الملذات والمآكل والمشارب، وألمه في أنه سوف يترك كثيراً مما تعوده من أوهامه التي ينسجها بقدوم الشهر، فهذا على خطرٍ عظيم أن يحبط عمله، وأن يرد صيامه ولو صام، ولا حول ولا قوة إلا بالله. إن كثيراً من الناس اليوم مما تأسف له القلوب حزناً، وتزداد النفوس في أحوالهم ألماً وحسرة، أن ترى بعضهم إذا قدم رمضان كأنهم في ضيق وشدة، وكأن الشهر ضيف ثقيل، ينوء بكلكله عليهم، فيقطع عنهم لذاتهم، فتراهم تتحشرج أرواحهم في صدورهم لم كل هذا؟! لأن رمضان في نظرهم يحجب عنهم ما تعودوه من الذهاب والإياب، والسعي الدءوب، والكدح الذي لا يعرف الملل، في أمور قد فرغت وقسمها الله عز وجل. هذا في المباح فضلاً عما يقترفه بعضهم من الملذات الوهمية المحرمة، فترى الذين تعودوا الخمر والفساد، وتعودوا الخنا والزنا، وتعودوا المعاصي والآثام، يعدون الساعات والأيام، يعدون عداً تنازلياً متى ينقضي هذا الشهر، ويفرحون بانقضاء أيامه ولياليه، فهم على مرور أيام السنة ولياليها غارقون في الملذات والشهوات والمباحات والمحرمات، فإذا أتى رمضان في نظرهم، حرمهم من هذا ومن غيره، ورأوا أنه يقيدهم يقطعهم عما كانوا يشتهونه. ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامر ونواهي ورأوه أعظم قاطع للنفس عن لذاتها يا ذبحها المتناهي عباد الله: لأجل ذا كان من واجبنا أن نتميز عن استقبال الغافلين للشهر، وأن نتميز عن استقبال اللاهين للشهر بأن نستقبله بكل فرح، وبكل شكر ودعاء، وبكل خضوع وسعادة أن بلَّغنا الله هذا الشهر، وكم من نفس تدفن في ليلة حلوله! وكم من نفس تبلغ أوله ولا تدرك آخره! وكم من نفس أعدت الطعام والمتاع لبلوغه ولأجل صيامه وقيامه! فكان الطعام لورثتها من بعدها، وأما هي فلم تدرك منها شيئاً.

ضياع الأوقات في رمضان

ضياع الأوقات في رمضان عباد الله: إن بعض المسلمين هداهم الله إذا جاء رمضان بحثوا يقلبون وينظرون ويفكرون كيف يضيعون الأوقات في هذا الشهر العظيم، وإن قضية الزمن ليست من مصائب الغافلين وحدهم في هذا الشهر، بل هي قضية ومصيبة الأمة. إن التفنن الذي تعيشه أمتنا في تضييع أوقاتها على الصعيد العام والخاص؛ أدى بأن يمضي العالم وأن يسبقنا إلى المستقبل، وصرنا أيتاماً للتاريخ، وصرنا أشباحاً وأوهاماً وأطلالاً للتاريخ، ذلك بتضييعنا الأوقات عامة، والأوقات في شهر رمضان خاصة. فإن لم يتحول إلى فن في استغلال الأوقات واغتنامها، وإعمارها على الوجه الصحيح، فسنبقى أمة في دبر الزمان وفي ذيل القافلة. أيها الأحبة في الله: كم نغبن غبناً عظيماً في ضياع الأيام والليالي والشهور والأعوام دون أن نستفيد منها، فما بالك بأشد الغبن حينما تمر مواسم التجارة وفرص الربح العظيم، ثم تولي ولم نأبه ولم نستفد منها، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ). فكم غبنا في أشهر ماضية، وكم غبنا في ليالٍ عديدة وأيام مديدة، ضاعت فيها فرص لنا فيها قدرة أن نبلغ أعلى الدرجات، وأن نسابق الأمم إلى مدارج الرقي والكمال، ولكننا ضيعنا تلك الغنائم التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالعناية بها إذ قال: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) رواه الحاكم وصححه. نعم أيها الأحبة: كم ضاع من أيامنا في طوال أيام السنة ولياليها؟ وكم ضاعت منا الفرص في عشر ذي الحجة، وفي شهر رمضان، وفي الهجيع الأخير من الليل، وفي ساعات الإجابة يوم الجمع، وفي مناسبات عديدة نستطيع أن ندرك بها أجوراً وثواب أيام وليالٍ عديدة؟ ولكن لغفلتنا واشتغالنا وضياع أوقاتنا بما يضرنا فرطنا وضيعنا وأصبحنا من المغبونين: الحذر الحذر -أيها الأحبة- من أن تلهينا الدنيا عن العمل للآخرة في زمن شريف كهذا الشهر العظيم. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:9 - 11]. ففي الآية تحريض ودعوة وترغيب إلى المسارعة في اغتنام هذه الأوقات وعدم ضياعها، أو الاشتغال بأمور قد قسمها الله ونحن أجنة في بطون أمهاتنا. الحذر من أن تلهينا الدنيا، ثم نقبل ظالمين أنفسنا، ثم نصبح في غمرات الموت، أو نمسي نادمين على ما فرطنا من الليالي والأيام، إذ العاقل -أيها الأحبة- يتدارك أيامه وشريف الزمان قبل أن يقول: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] قبل أن يقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون:10] قبل أن يقال له: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37]. أين ضاعت الأعمار؟ وأين مضت الشهور؟ وأين ولت الدهور؟ وفيم قضيت الليالي والأيام؟ يا نفس كُفِّي فطول العمر في قصر وما أرى فيك للتوبيخ من أثر يا نفس قضيت عمري في الذنوب وقد دنا الممات ولم أقض من الوطر يا نفس غرك من دنياك زخرفها ولم تكوني بهول الموت تعتبري يا نفس بالغت بالعصيان غاوية ولم تبالي بتحذير ومزدجر

حال السمع والبصر واللسان في رمضان

حال السمع والبصر واللسان في رمضان العاقل -أيها الأحبة- يعصم سمعه ولسانه وبصره: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]. فكم من رجل يدرك هذا الشهر، فيصوم بفمه عن الطعام والشراب، ولا يصوم لسانه عن القيل والقال، ولا يصوم عن الغيبة والنميمة، يتسحر ويفطر ليهدي أجر صومه إن ثبت له أجر الصوم، ليهديه إلى الذين يغتابهم، وإلى الذين يتكلم في أعراضهم، وكثير من الناس بهذا يقعون وفي هذا يشتغلون. فالعاقل يعصم لسانه وبصره، فما أكثر الذين يصومون عن المأكل والمشرب والمنكح، ولكن آذانهم لا تصوم عن سماع اللهو، ولكن أعينهم لا تصوم عن النظر إلى الحرام! وتراهم حتى في شهر الصيام يشترون لهو الحديث، ويضلون أنفسهم، ويضلون من دونهم بغير علم: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:25]. إن كثيراً من الناس ربما تراه في نهار رمضان صائماً، ثم ينظر إلى قناة من القنوات، تلك التي يستقبلها جهاز الدش أو المستقبل، ثم يرى شيئاً يُستهزئ فيه بكلام الله، ويُستهزئ فيه بسنة رسول الله، ويسمع فيه ما يناقض العقيدة والشريعة، فتراه لا يزيد أن يقلِّب يداً على الأخرى، أو يضع رجلاً على رجل وقد نسي قول الله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} [النساء:140]. فما أكثر المسلمين اليوم الذين يرون عبر هذه القنوات أموراً فيها استهزاءً بآيات الله أو بشريعة الله أو بسنة رسول الله، ولكنهم لا يقومون ولا يتحركون ولا يتجافون أو يبرحون هذا المكان! وإنما تراهم على منكرهم يقعدون ويمكثون، فأولئك والله على خطر عظيم، أن ينالهم نفس الوزر الذي يناله الفاعلون؛ لأن من رضي وسكت وأقر فيما يسمع ويرى من غير أن يقوم وينكر بقلبه على الأقل؛ فربما كان وشيكاً أو حقيقاً بأن يدخل في هذا الوزر العظيم. أما كثير من المسلمين الذين لا يتورعون عن سماع اللهو والغناء، سواءً في رمضان خاصة وفي غيره عامة، فنقول لهم: يا عباد الله! أبهذا يستقبل الشهر؟ أبهذا يتقضى العمر؟ أبهذا يقضي المسلم سحابة يومه؟ يسمع الأغاني الماجنة والأغنيات الخليعة والدندنة والطنطنة التي تشغل عن ذكر الله والتي تصد عن استماع كلام الله؟ ورحم الله القائل: فلعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا! وكم من حر أصبح بالغناء عبداً للصبيان والصبايا! وكم من غيور تبدل به اسماً قبيحاً بين البرايا! وكم من ذي غنىً وثروة أصبح بسبب اللهو على الأرض بعد المطارب والحشايا! وكم من معافى تعرض لهذا اللهو فأمسى وقد حلت به أنواع البلايا! وكم أهدي للمشغوف من أشجان وأحزان فلم يجد بداً من قبول تلك الهدايا! وكم جرع من غصة! وأزال من نعمة! وجلب من نقمة! وذلك منه إحدى العطايا! وكم خبأ لأهله من آلام منتظرة وغموم متوقعة وهموم مستقبلة! نعم يا عباد الله! إن اللهو وسماعه، والحرام والنظر إليه، والمعصية والاشتغال بها، تورث ذلك كله، فالعاقل يصون صومه، ويصون جوارحه في صيامه: (فمن لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).

كيف نستقبل شهر رمضان

كيف نستقبل شهر رمضان عباد الله: الواجب علينا أن نستقبل الشهر بترك الذنوب الواجب علينا أن نستقبل الشهر بالتوبة إلى الله عز وجل؛ إذ إن كثيراً من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، ولكنهم لم يفهموا هذا الأمر فهماً جيداً، فضيعوا أمر الله احتجاجاً برحمته، ووقعوا في الكبائر والفواحش احتجاجاً بلطفه، ونسوا أن الله شديد العقاب، كما أنه غفور رحيم، وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على عفو الله مع إصراره على معصية الله فهو كالمعاند. قال بعض السلف: رجاءك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق. وقال بعض الناس للحسن: نراك طويل البكاء، قال: [أخاف أن يطرحني في النار ولا يبالي]. فهذا الحسن البصري من العلماء العباد والزهاد والمحدثين، هذا عظيم خوفه وجليل إشفاقه من الله عز وجل، مع أنه لم يقترف من الذنوب ما اقترفه السفهاء، ولم يقع في المعاصي كما وقع فيه الأغبياء والجهلاء، بل سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بُشر بالجنة، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكان إذا رأى في السماء لوناً أو تغيراً؛ تغيَّر وجهه واصفر لونه صلى الله عليه وسلم، ويقول: (اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً). وإذا كسفت الشمس أو خسف القمر؛ ظهر صلى الله عليه وسلم من حجرته يجر رداءه خوفاً ووجلاً وإخباتاً وخشوعاً وخشيةً من الله عز وجل أن يحل بالخلق ما يحل بهم، فما بالنا نحن معاشر الذين جمعنا مع الذنوب أملاً عظيماً ومع التفريط رجاءً واسعاً؟ فنعوذ بالله أن نكون من الذين يقع فيهم أو يحل فيهم أمر الله وقوله: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. سأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد! كيف نصنع بمجالسة أقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تنقطع؟ فقال: [والله لأن تصحب أقواماً يخوفونك حتى تدرك أمناً، خير لك من أن تصحب أقواماً يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف]. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه -أي: يعطي العبد ما يحب- فإنما هو استدراج، ثم تلا قول الله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44]). فالعاقل -يا عباد الله- يحاسب نفسه وينتبه ويعد للأمر عدته، ويحذر أن تكون هذه المعاصي قد جعلت على قلبه طبقة من الران، فأصبح كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

محاذير تقع في رمضان

محاذير تقع في رمضان الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

الترف والإسراف

الترف والإسراف أيها الأحبة في الله: إن كثيراً من المسلمين هداهم الله، يقعون في محاذير ينبغي السلامة منها في هذا الشهر العظيم خاصة، فمن أهمها: الترف الذي يحصل والإسراف الذي يقع في المآكل والمشارب على موائد الإفطار والعشاء، فإن هذا شهر عبادة وليس شهر مهرجان للطعام والشراب، وليس شهر منافسات أو مسابقات لاختيار الأذواق والأطعمة، إنما هو شهر عبادة (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) وكثير من المسلمين يتفننون في هذه الأطعمة، إننا لا نحرم أن يطهي الإنسان ما يحب ويشتهي، ولكن نقول: الحذر الحذر من أن يبلغ الأمر إلى حد الإسراف والتبذير. فكم من مسلم مر بزبالة فرأى فيها ألوان الطعام والشراب قد اختلطت بالنجاسات وغيرها، أفهذا من شكر نعم الله؟ أفهذا من حمد الله أن بلغنا الشهر، ونحن أعزة، وغيرنا في مذلة! ونحن في أمن وغيرنا في مخافة! ونحن في نعيم وغيرنا في مجاعة! ونحن في اجتماع وشمل وغيرنا في تفرق وتمزق! ونحن في منعة وغيرنا تتخطفهم السهام من كل جانب! {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:57]. فيا عباد الله: الواجب علينا القصد في المعيشة كلها، لأن المقصود من الأكل عند الإنسان أن يكون الطعام والشراب بلغة إلى الآخرة ومعيناً على عبادة الله. نعم إن الحيوان والبهيمة نهمته ورغبته إشباع غريزة الأكل التي خلقت فيه، ليسمن ثم ينحر ليأكله أهله وأصحابه. أما الإنسان فما يأكل ليسمن كما تسمن البهائم، وإنما يأكل ويشرب من أجل أن يكون الطعام بلغة إلى طاعة الله عز وجل. فينبغي أن نفهم المقاصد في كل ما شرع لنا، وفي كل ما أوتيناه من نعم الله عز وجل، والحذر الحذر من أن يكون همنا الرغبة في الدنيا بكل ما فيها. إن طائفة من البشر لا هم لهم إلا الملذات ولا غير الشهوات ولا غير رغبات النفوس ولا غير شهوات النفوس ولا غير المهم اللذة في المأكل والمشرب والفراش والغدو والرواح المهم اللذة سواءً وافقت طاعة أو معصية وذلك من الإعراض عن رحمة الله ورجاء ما عند الله، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس:7 - 8]. فنحن أيها الأحبة: نأكل ونرجو رحمة الله، ونشرب ونرجو رحمة الله، ونغدو ونروح نرجو رحمة الله، وننام ونستيقظ نرجو رحمة الله، ينبغي ألا يفارقنا رجاء لقاء الله، ورجاء رحمة الله عز وجل.

التهاون في أمر السحور

التهاون في أمر السحور إن من المحاذير التي ينبغي السلامة والحذر من الوقوع فيها من كل مسلم هو أن نعتني بأمر السحور؛ فإنه سنة ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة). إن في السحور بركة، هدية عظيمة وبركة عميمة، يقولها النبي صلى الله عليه وسلم، ينطق بها عن وحي يوحى، وما هو من الهوى. وكثير من المسلمين اليوم جعلوا طعام منتصف الليل هو مائدة طويلة عريضة، ويجعلونها هي خاتمة المطاف ثم ينام الكثير نومة يدع فيها لقمة السحور، ولو أن المسلم تفطن لذلك؛ لوجد أن في اليقظة للسحور سر ومعنى وبركة، فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وليكون من الذين قال الله فيهم: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18]. أن تنال الشرف بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وتنفيذ نص أمره صلى الله عليه وسلم، مع ما ينالك من التسبيح والاستغفار في لحظات السحر لتكون من الذاكرين الله كثيراً، إن هذا أمر عظيم ينبغي أن ننتبه إليه.

التهاون في صلاة التراويح

التهاون في صلاة التراويح كذلك أيها الأحبة: الله الله في صلاة التراويح، فإن كثيراً من الناس لا يبرح أن يسلم التسليمة الثانية عن يساره بعد صلاة العشاء، ثم يطلق ساقيه للريح، يخشى أن يكون زبوناً قد سبقه أو سبق إلى دكان جاره، وكلها نصف ساعة، ما بين ركوع وسجود وقنوت وقيام، ينال فيها العبد إجابة دعوة، وتعظيماً وتسبيحاً، وقبولاً ورحمة، في ركوع وسجود ووتر وقنوت. فالله الله لا تضيعوا صلاة التراويح، فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى الناس بصلاته، ثم صلاها وفعلوا مثل ذلك، ثم احتبس في بيته ولم يخرج لهم، فقالوا: يا رسول الله! هلا نفلتنا بقية شهرنا، فقال وهو الرءوف البر الرحيم بأمته: (خشيت أن تفرض عليكم) {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. الرسول صلى الله عليه وسلم شرعها لنا وصلاها وصلى الصحابة بصلاته، ثم عاد إلى بيته يصليها خشية أن تفرض على الأمة، فيكون ذلك من المشقة، وما المشقة -أيها الأحبة- على القادر المستطيع عليها؟ إنها تشريع لكي نتسابق فيه، وإنها رحمة من النبي صلى الله عليه وسلم فقد خاف أن تفرض على الأمة.

التسابق إلى المساجد على حساب الفريضة

التسابق إلى المساجد على حساب الفريضة ومن المحاذير التي يقع فيها كثير من الشباب والمسلمين هداهم الله، أنهم يتسابقون إلى المساجد يتذوقون الأصوات، ولا حرج ولا بأس، ويا حبذا الصوت الجميل بكلام الله عز وجل، ولكن ليس على حساب الفريضة. تجد أناساً يقضون العشاء ويصلون العشاء وقد فاتتهم، وقد خرجوا من أماكن بعيدة، ليدركوا صلاة التراويح في مسجد من المساجد، فيضيعون الصلاة مع الجماعة. الصلاة الصلاة يا عباد الله، فضل تكبيرة الإحرام مع الجماعة الأولى، وفضل إدراك الجماعة يعدل التراويح كلها، فلا تضيِّع أمراً جليلاً ولا تضيع أمراً فاضلاً بأمر مفضول، فالحذر من الوقوع في هذا الأمر. كذلك أيها الأحبة: من الجميل جداً، والطيب جداً ما نراه في أن كثيراً من المسلمين قد جعلوا جوار كل مسجد مكاناً يفطر فيه الصائمون، خاصة إخواننا وأحبابنا العمال الذين يشتغلون بالعمل، والسعي لأجل لقمة العيش وهنيئاً لهم إنهم يمسون ويبيتون بإذن الله ورحمته مغفوراً لهم: (من أمسى كالاً من عمل يده، أمسى مغفوراً له). فحقهم علينا -وإكرام المسلمين واجب- أن نعد لهم طعاماً وشراباً وعشاءً، لكي يأووا إلى هذه الأماكن، فيجدوا الرحمة والتكافل والمحبة والمودة والمؤاخاة بين المسلمين. وإنها سنة حسنة قد انتشرت في كثير من المساجد، فينبغي لكل مسلم إذا رأى أن مسجدهم ليس حوله من هذا الأمر الحسن شيء؛ فعليه أن يدعو جماعته أن يعدوا تفطيراً لجائع وإكراماً لمسلم: (ومن فطر صائماً؛ فله مثل أجره لا ينقص من أجر الصائم شيئاً). إن في تفطير الصائم -أيها الأحبة- وإطعام الطعام سبب لدخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس! أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).

التساهل في الكلام والنظر إلى الحرام

التساهل في الكلام والنظر إلى الحرام أيها الأحبة: من كان يريد أن يتلذذ بكلام الله عز وجل، من كان يريد حلاوة القرآن في سمعه وحلاوة القرآن في قلبه؛ فعليه أن يترك فضول الكلام وفضول النظر. إن بعض المسلمين هداهم الله تجده بعد أن قضى سحابة نهار طويل في النوم، وقام وقد فاتته الفريضة في الظهر والعصر، ثم يجلس أمام التلفاز ليشاهد أفلاماً ضاحكة ساخرة وسخيفة ومشاهداً ليست مما يليق بأمر شهر الصيام، ثم بعد ذلك يأوي إلى الصلاة يريد أن يبكي من آية الوعد والوعيد، يريد أن يخشع، هيهات هيهات! وأنى له الخشوع والبكاء! وهو حينما يريد أن يكبر ليدخل في الفريضة والتراويح، يعود الشريط بالذاكرة ليعرض أمام عينيه ما رآه عصر يومه، أو ظهر يومه، أو مغرب يومه، من أفلام ساخرة أو ضاحكة أو سخيفة. إن العاقل إذا أراد أن يحتفظ ويتلذذ بالخشوع فعليه أن يغض طرفه، ويحفظ سمعه، ويحفظ لسانه. اترك فضول الكلام؛ توفق إلى الحكمة، واترك فضول النظر؛ توفق إلى الخشوع. فمن أراد الخشوع وكان يشكو قسوة القلب، ويرى الناس من حوله لصدورهم أزيز ونحيب وبكاء، وهو يرى قسوة لنفسه ولقلبه من بينهم، نقول: قلِّب الأمر في بصرك، وقلِّب الأمر في سمعك، فلعلك تنظر في هذه الأمور وهذه الملهيات مما يحجبك عن لذة الخشوع والإنابة والخضوع. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم عليك بمن سعى في إيذاء أوليائك، اللهم عليك بمن آذى المسلمين في كل مكان. اللهم عليك بالصرب والروس واليهود، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، وأرنا فيهم عجائب قدرتك. اللهم من صد عن دينك، اللهم من صد عن سنة نبيك، وصد عن صحابة نبيك، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم مزقه كل ممزق، اللهم لا ترفع له راية، واجعله لمن خلفه آية. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وحكامنا وعلماءنا ودعاتنا، ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً. اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم اجعل كل ذلك في طاعتك يا رب العالمين. اللهم ارحم إخواننا المستضعفين في البوسنة والشيشان وفي كل مكان، واجمع شملهم في أفغانستان، وانصرهم في طاجكستان يا رب العالمين. اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وظمأى فاسقهم، وحفاة فاحملهم، ومتفرقين فاجمع شملهم، اللهم أقم على الحق والشريعة دولتهم، اللهم انتقم لهم ممن ظلمهم، اللهم عجل بطشك بمن عاداهم يا رب العالمين. اللهم اغفر لنا ولأمهاتنا وآبائنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم جاز الجميع بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، وأعنا على قيامه وصيامه، اللهم حبب إلينا الطاعة فيه وفي كل شهر، اللهم بغِّض إلى نفوسنا المعصية فيه وفي كل شهر يا رب العالمين، واجعل حظنا منه القبول يا حي يا قيوم. اللهم صلِّ على نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.

ماذا يحدث على أرض الشيشان؟

ماذا يحدث على أرض الشيشان؟ إن لنا إخواناً في بلاد شتى يعانون الجوع والخوف والفقر، وينتظرون الموت في كل لحظة، ومن هذه البلدان الشيشان، وهي البلاد التي عانت الأمَرَّين من الروس الشيوعيين والنصارى الحاقدين الذين يريدون إبادة الإسلام وأهله، وقد قاموا بذلك مراراً وتكراراً، ولكن يأبى الله إلا أن ينصر جنده ويخذل أعداءه ولو كره الكافرون.

غمط المسلمين وحقوقهم

غمط المسلمين وحقوقهم الحمد لله وحده لا شريك له، الحمد لله القائل: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:35] والقائل عز شأنه: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:14] والصلاة والسلام على رسوله وسيد أنبيائه ورسله وخلقه، محمد بن عبد الله القائل: (إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتبعتم أذناب البقر، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) والقائل صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قومٌ الجهاد إلا ذلوا). أحمد الله سبحانه حمداً يليق بجلاله، وأثني عليه الخير كله، وأزكى الصلوات والتسليمات الطيبات المتتابعات، على نبي الرحمة وإمام الهدى. ثم أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. معاشر المؤمنين: في هذا العصر تتكشف أقنعة الممثلين والمزورين، الذين يدعون الوقوف إلى جانب العدل والحرية، ولكن شرط انكشاف الحقيقة أن تكون القضية متعلقة بالمسلمين، فإن كان الأمر متعلقاً باليهود أو بالنصارى أو بأعداء المسلمين على أي ملة أو فرقة، وفي أي موقع وجهة، فلك أن ترى العدل والمساواة والحرية وحقوق الإنسان، وأما إذا تعلقت القضية بالمسلمين، الذين يقولون: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ويشهدون أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، فحينئذ ستنكشف الحقيقة، ويظهر لك تزوير العدالة، وتعتيم الحقيقة، وتضليل المساواة، وهراء دعوى حقوق الإنسان. أيها الأحبة: في هذه الفترة يقطع المسلمون بيقين أن الأعداء من اليهود والنصارى ومن تابعهم وشايعهم ووافقهم، لا يكفيهم من المسلمين ولا يرضيهم إلا أن يروا المسلمين قطعاناً مسخرة في أرض الكفر، مستعبدين لا يعترضون على جور، ولا يطالبون بحق {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]. واسمحوا لي أن أنقلكم نقلة إلى أرض ملتهبة على سطح جليدي بارد، حيث الجمهوريات الإسلامية، وما أمرها عنكم بخفي، لقد طالبت جمهوريات المسلمين باستقلالها وطالب غيرهم، فنالت لتوانيا وغيرها، وكل جمهورية نصرانية أو ملحدة أو وثنية نالت استقلالها فوراً، وعلى ترحيب سريع ومبادرة واتفاق لم تطلق في سبيل ذلك طلقة، ولم يعجم لذلك فم، ولم يكتم في ذلك نفس، وإنما نال الكفار حقوقهم بمجرد الطلب، بل بالإشارة. لقد طالبت جمهوريات المسلمين باستقلالها، بعد تهلهل الاتحاد السوفيتي وبعد سقوطه، وبقي الاتحاد الروسي فنال كل نصراني حقه، وتبوأ كل يهودي موقعة، بكل قناعة وعدالة ديمقراطية نسبية، لكن هذه الديمقراطية الفضفاضة لم تتسع للمسلمين، بل ضاقت جنباتها، وشرغ حلقها بنفس المسلمين وريقهم. لقد ضاقت هذه الديمقراطية بحق أدنى مسلم، أو أصغر مسلم يريد أن يبني مسجداً يركع ويسجد لله فيه، وضاقت جنباتها على كل مسلم يلتمس مصحفاً يتدبر فيه كلام الله، أو يربي ولده على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وضاقت جنباتها بكل المسلمين، أو بأي جماعة من المسلمين حينما يريدون أن يحكم حياتهم شريعة ربهم عز وجل. ولا أخالكم الآن تفكرون إلا في قضية الشيشان والبوسنة والهرسك بالتبع، ويلحقها قضايا المسلمين الأخرى في كل مكان، لماذا يرفض الغربيون الكذب والخداع، وتظهر الفضائح في وكالات الإعلام الغربية لكل من خادع الشعوب الغربية؟ يرفض الغربيون الكذب والخداع في إطار مصالحهم، ويشنع إعلامهم وتنبح صحافتهم على كل من خدعهم، في استراتيجياتهم ومستقبل مصالحهم، لكن هذا الإعلام النابح لا يتردد عن أن يعتم عن الحقائق ويضلل المعلومات حينما تمت إلى المسلمين بأدنى صلة.

شدة عداوة الروس للمسلمين

شدة عداوة الروس للمسلمين لقد أعلن الروس أنهم لا يعادون الإسلام والمسلمين، في وقت كانت الدبابات تسحق أطفال المسلمين، والمجنزرات تطوي أبدان العجائز والشيوخ بين جنباتها، والطائرات تقصف بيوتهم في أرجون وقروزني، ولم يكف الزعيم الروسي عن الدجل والكذب، مدعياً أنه أصدر أوامره بوقف القصف والزحف على الشيشان، في الوقت ذاته كانت المحطات الفضائية تبث مشاهد المذبحة والاجتياح الشرس. قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هي لقد مرت الإبادة القيصرية والماركسية وقهرت المسلمين في أذربيجان وطاجكستان، بمساعدة الأرمن النصارى، والشيوعيين واليهود، وانتهت بسقوط الاتحاد السوفيتي، ولن يعي الأغبياء في الاتحاد الروسي تلك النهاية الناطقة بوحدانية الله وقدرته، حيث ظن المسلمون واستبعدوا سقوط الاتحاد السوفيتي، وظن الشيوعيون أن حصونهم وسلاح الدمار الشامل، وكل ما ادخروه لمواجهة حلف الأطلسي، ظنوا أن ذلك يمنعهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، ورأى المسلمون فيهم آية من أعظم الآيات. سقطت الشيوعية بأيدي رجالها، وتحطم الصنم وهوى تمثال لينين، وبالت فوقه الكلاب والقطط، إن الاتحاد الروسي لم يع هذا الدرس، ولم يعتبر بتلك النهاية، فعاد يدعم الصرب المعتدين بالسلاح والجند جهاراً نهاراً، غير مبال بأي قرار دولي يحضر السلاح في المنطقة، وغير خاف على كل متتبع لأخبار المسلمين، أن آخر هدية قدمها الروس لإخوانهم الصرب أربعة آلاف عربة قطار، مملوءة بالذخائر والأسلحة والعتاد، ناهيك عن الطائرات التي نقلت الجند لأجل حصار بيهاتش، ونزعها من يد المسلمين بعد أن حررها المسلمون. لم يقف أولئك الظلمة على هذا الحد، بل جندوا كل المرتزقة في حرب المسلمين في الشيشان، ومنذ أيام قليلة وقف العالم بأسره ليشاهد الفصل الأخير للنهاية الشيشانية، ظناً من الغرب ويقيناً من الروس، وجزعاً من المسلمين، أن الهجوم الشامل على الشيشان، والتعبئة العامة في مواجهة المسلمين لن تدع لهم بعد ذلك عيناً تطرف، ولن تدع لهم فرصة للمواجهة، سواء بضع ساعات، وكما يسمونها رقصة الديك أو حركة الانتحار. ففوجئ الروس أن صوتاً إسلامياً صادقاً، ونزعة جهادية طالما اشتاقت لمواجهة الكافرين في ساحة من ساحات الجهاد، قد انبعثت بين ذرات الهواء ونسمات الأفئدة، وتحركت من تحت أنقاض المدن المقصوفة، وإذا بزعيم يخرج للحرب لابساً كفنه، والجيش من ورائه قد لبسوا الأكفان، وهذا هو الذي وقع قبل أيام على حدود قروزني العاصمة الشيشانية، خرج القائد متكفناً لا يريد إلا الموت، وخرج الجند وراءه بالأكفان، لا يريدون إلا الموت، مع تكبير يرجف الأرض رجفاً، ويدوي بين الجبال. وإذا بكتيبة من عملة المجاهدين الصعبة الشباب العرب قد انضمت إليهم بين عشية وضحاها، تسللت ولاذت وتحركت من طاجكستان ومن البوسنة ومن كل أرض فيها نفوس أبية تتمنى الموت في سبيل الله، فراع هؤلاء الكفار ذلك التكبير والنشيد، نشيد الغرام والحب والشوق إلى الموت والشهادة في سبيل الله، يقول قائلهم ويرددون وراءه: لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحمى لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما لبيك إن عطش اللواء سكب الشباب له الدماء لبيك لبيك لبيك. في هذه الأيام تقدم الروس إلى العاصمة الشيشانية، وكأنهم يرددون ما قاله أبو جهل يوم بدر: لنقاتلن محمداً وصحبه، فلنقتلهم ولننحرن الجزور بأرضهم، فتغني القيان، وتسقينا الخمر، وتسمع بنا العرب، فلا تزال تهابنا الدهر أبداً، خرج الروس إلى الشيشان ينفقون أموالاً {ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:36] خرجوا بطراً ورئاء الناس، لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولما تقدموا خطوات إلى العاصمة الشيشانية قروزني راعهم وهالهم جيش حداؤه التكبير، وأمنيته الشهادة، وحل بالروس ما لم يكن في حسبانهم، وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون. حل بالروس مذبحة طالما اشتقناها لتشفى صدورنا -يا عباد الله- طالما اشتقنا في الكفار ذبحاً وقتلاً، ودماء ونزيفاً يشفي صدورنا من كل عرض اغتصب، ومن كل طفلة انتهكت، ومن كل امرأة تعاقب عليها الكفار في عفتها، ومن كل مسلم طردوه من بيته، وأحرقوا زرعه وسلبوا ماشيته، من كل شاب عفيف فعلت به الفاحشة، طالما اشتقنا إلى مذبحة، يشفي بها الله صدورنا وقلوبنا من هؤلاء الكفار. حل بالروس مذبحة لن تبلغ وكالات الإعلام الدولية نصف وصفها بل ولا ربعها، ثم طفق المسلمون الشيشان مسحاً بالسوق والأعناق في رقاب الروس وأقدامهم، وانضمت كتائب العرب يرسلون من كل حدب إلى الشيشان، ورأى الروس نار المعركة فظنوا أنهم مواقعوها، ولم يجدوا عنها مصرفا، وفي تلك اللحظات يفيق الروس لحظة من سكر التسلط والقهر، ليسمعوا من يهودي يدعى كيسنجر قوله: إن المضي في هذا الهجوم قد يسقط الرئاسة الحالية. ولو شاء لقال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14] إن المضي في هذا الهجوم يثير حفيظة المسلمين من جديد. إن احتدام النار في جوف الثرى أمر يثير حفيظة البركان ثم امتنع ستة من الجنرالات عن مواصلة المعركة، وتدخل خنزير نجس من الغرب لينصح الروس بعدم المضي في هذا الطريق، الذي يفجر الجهاد ويستثير حمية المسلمين كلهم، وربما اندلعت عدوى الجهاد إلى الأنقوش والقوقاز وإلى كل مكان، نصح ذلك الخنزير قومه وأولياءه بعدم المضي في هذا الطريق، الذي يفجر على الأرض موقعاً جديداً. أيها المسلمون: بشروا القاتل بالقتل ولو بعد حين، لقد تفرج الطواغيت على رحلة الهروب وهم يضحكون، تفرجوا على رحلة الهروب من الجحيم إلى الموت، هروب العجائز والشيوخ والأطفال والنساء، ووقفوا يقهقهون على صور النائحات والثكالى على أبنائهم، تحت أنقاض المنازل بعد القصف، وما هي إلا أيام ثم دارت رحى الحرب من جديد. وفي القتلى لأقوام حياة وفي الأسرى فدى لهم ورق وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الحث على الدعاء للمسلمين في الشيشان والبوسنة

الحث على الدعاء للمسلمين في الشيشان والبوسنة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها. معاشر المؤمنين: قد يقول قائل: ليس الحدث بجديد، فلماذا تسوقه؟ فأجيبه: نسوق هذا الحدث حتى نبذل أقوى وأشد وأفتك سلاح نملكه وهو الدعاء {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77] {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات:75] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]. أسوق حدثاً ربما فيكم من هو أدرى به مني، من أجل أن نطالبكم ونناشدكم ونسألكم دعوة واحدة في كل سجدة لإخوانكم المسلمين في الشيشان وفي البوسنة وفي كل مكان، فلن تعدم الأمة من شخص تجاب دعوته، نسوق هذا الحدث حتى نزداد قناعة باليأس، ونزداد يقيناً بالتشاؤم من كل نظام لا يحكم بالإسلام. فلا ترج السماحة من خبيث فما في النار لضمآن ماء القلوب والتشاؤم ندعو إليه من كل نظام لا يحكم بالإسلام، فليس للإسلام والمسلمين رحمة ولا عدالة، ولو ادعى العدل والحرية {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران:119] تلك الأنظمة: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] تلك الأنظمة: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:105] تلك الأنظمة: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109].

شتان بين الفريقين

شتان بين الفريقين نسوق هذه الحادثة لنعلم أن فجر المسلمين قادم، ولكن من أين؟ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] لنعلم أن فجر الإسلام قادم، وأن ساعة الصفر باتت وشيكة، وأن أمة الإسلام تتجاذبها سنن الله من كل جانب، حتى يلتقي الماء على أمر قد قدر، إن فجر الإسلام قادم، فقد يكون من مهبط الرسالة، وقد يكون من أرض الأعاجم، وقد يكون في أرض الزنج، وقد يكون في أفريقيا {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]. وليس بين بلاد وبين الله نسب إلا بالتقوى، وشرفنا وعزنا وأمنيتنا أن نكون أهل هذا الشرف، قادة الركب وهداة الأمة ولكن {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:123] ليست المسألة بالأماني وإنما هي لمن أمهرها أرواحاً وعقولاً وأموالاً ودماء، وإن نتولى أو ننكص على أعقابنا، أو نرجع القهقرى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. ونسوق هذه الحادثة، لنعلم أن الإسلام إذا دخل المعركة تغيرت الموازين واختلفت الحسابات. إن المخططين العسكريين، والحسابات العسكرية، مبنية على تصور معركة بين فريقين أو فرق، كل فريق ينافح ويناضل ويقاتل من أجل الحياة، أما إذا دخل الإسلام المعركة، فإن الحسابات تتبدل وتتغير؛ لأنها حسابات لفريقين، أحدهما يتمنى الموت ويشتاق للشهادة، كما ودع الصحابة من خرجوا لغزو الروم، فقال أحدهم لـ عبد الله بن رواحة: ردكم الله سالمين، فقال ابن رواحة: لكنني أسأل الرحمن مغفرة وطعنة ذات فرغ تقذف الزبدا وضربة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا حتى يقال إذا مروا على جسدي يا أرشد الله من غاز وقد رشدا الحسابات حينما يدخل الإسلام المعركة، فإنها بين فريقين: فريق يريد الحياة بنعيمها الزائل، وشبابها المنتهي بالهرم، وصحتها التي يعقبها السقم، وعزها الذي يكدره الذل، وغناها الذي يشوبه الفقر، في مواجهة فريق يدخل المعركة، وهو يريد جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، يريد جنة فيها خلود ولا موت، يريد جنة لا يجدون فيها ظمأ ولا سقماً ولا ألماً ولا هرماً. نسوق هذا هدية لكل شاب نشيده: فيا رب إن حانت وفاتي فلا تكن على شرجع يعلى بخضر المطارف ولكن أحن يومي شهيداً بفتية يصابون في فج من الأرض خائف عصائب من شيبان ألف بينهم تقى الله نزالون عند التزاحف إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف أيها الأحبة في الله: إن الشيوعية ولت، وبقي أذنابها في أخاديد من الأرض، فسلط الله عليها من سلط حتى انتهت، إن الشيوعية أرض بلا سماء، ويوم بلا غد، إنها الشيوعية {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} [النور:39]، إنها الشيوعية: سعي بلا غاية، وعمل بلا نتيجة {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12]. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم يا ودود يا ودود يا ودود يا ذا العرش المجيد! اللهم يا منزل الكتاب، ويا هازم الأحزاب، ويا منشئ السحاب، أسألك اللهم أن تنزل بأسك وبطشك وعقابك وعذابك وأليم بأسك بالصرب والروس واليهود ومن شايعهم، بقدرتك التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم أنزل بهم بأسك وعجل هلاكهم، اللهم أهلكهم بريح صرصر عاتية، وأهلكهم بالطاغية، ولا تجعل لهم باقية. اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم غاية، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم واجعل تدبيرهم تدميراً عليهم يا قوي يا عزيز. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

معاكسة البنات

معاكسة البنات أضحت معاكسة البنات عند كثير من الشباب الفارغين اللاهين، هي ما يقضون فيه وقت فراغهم، وكانت النتيجة هي أن ضحت الفتاة بعرضها وجلبت العار لأهلها. فهذه الخطبة نصيحة إلى كل من تخاف العار وإلى كل من يخشى الخزي والشنار في الدنيا قبل الآخرة من أولياء الأمور، وهي نصيحة إلى كل شاب ما زال في قلبه خشية لله، ويعلم أنه موقوف مسئول بين يدي الله.

أثر مشكلة المعاكسة على الطرفين

أثر مشكلة المعاكسة على الطرفين إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: يا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فالتقوى سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، واعلموا أن الاستفادة والاعتبار من تجارب المجتمعات السابقة والتأمل في واقع المجتمع اليوم لمن أهم الأمور التي تهدي الناس إلى الرشاد وتمنعهم من الزلل والضلال، إِنْ همْ جعلوا المقياس في نجاح تجربتهم وفشلها كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

السبب في انحراف الشباب إلى هذا الطريق

السبب في انحراف الشباب إلى هذا الطريق والذي نريد أن نصل إليه في هذا اليوم: أن نقف على مشكلة من مشاكلنا الاجتماعية والتي تعاني منها كثير من الأسر، أما المشكلة فهي معاكسة البنات والنساء في بيوتهن ومدارسهن وطرقاتهن، وأما الوسيلة المستخدمة في هذه المشكلة أو في تلك الجريمة فهي أجهزة الهاتف أو ما يسمى بالتلفون، والسيارات الملمعة التي قضى أصحابها ساعات طويلة تحت عجلاتها وحديدها تنظيفاً وتلميعاً ليتباهوا بها عند البنات والنساء حول المدارس والأسواق. وأبطال هذه المشكلة -وليسوا أبطالاً بل هم أنذال إن لم يتوبوا إلى الله جل وعلا- هم بعض الشباب الفارغون الذين يعيشون عبئاً على كاهل المجتمع، من الذين يستهلكون ولا ينتجون، يأكلون ولا ينفعون، بأي عمل منضبط أو عمل منتظم يستفيدون ويفيدون به أمتهم ومجتمعهم، والكثير منهم قد اعتمد على جهد أبيه قليلاً كان أو كثيراً. وأما ضحية هذه المشكلة فهي من الفتيات الجاهلات بسوء المصير، وخبث المؤامرة حينما يدخلن بداية الطريق في هذه المشكلة عن جرس الهاتف، أو التقاط رسالة رمي بها على سائق الأسرة أو أي سبيل آخر.

بداية الوقوع في هذا الانحراف

بداية الوقوع في هذا الانحراف معاشر الأحبة: لا شك أن الكثير منكم سمع بهذه المشكلة، وقد يكون البعض ممن طاله الأذى، والناس في هذا بين مستقل ومستكثر وقد يلجأ البعض إلى إبعاد الهاتف من منزله طلباً للسلامة من هذا ثم يغلق على نفسه باباً من أسباب الراحة في الاتصال، وهذا ليس بحل جذري ناجح، بل الحل وصواب القول في هذه المشكلة يبدأ من المسئول عن الأسرة أباً كان أو أخاً أو ولياً ليجلس مع فتياته في بيته، وليبين لهن أن هذه المشكلة تبدأ من حب إشباع فضول النفس والانسياق مع رغباتها قليلاً؛ مما يجعل البنت لا تمانع الاستمرار في حديث هاتفي قصده المعاكسة، ومادته الحب العفن الذي تعلمه صاحبه من الأفلام والمسلسلات. وكثيراً ما حدث لبعض الفتيات أن تبدي رغبتها في قطع هذا الحديث الهاتفي طالما أن المتصل أو أن الاتصال لا طائل من ورائه، ولا علاقة لهذا المتصل بالأسرة، فترونه يعاود الاتصال مرة وأخرى متوجلاً تلك الفتاة أن تكلمه وأن تسمع له ولو قليلاً ليقص عليها مشكلة خاصة أو ليبدي لها مشاعر كاذبة دنيئة لتقع في شباك علاقة هاتفية معه، وبعد مدة يسيرة لا يتردد في إبداء رغبته بمراسلتها وإعجابه بأفكارها وآرائها، وبهذا يكون قد سجل عبر جهاز التسجيل مكالمات هاتفية معها، وعبر رسائلها التي بخط يدها يكون في حوزته وثائق يهدد بها تلك البنت المسكينة حينما ترفض الخروج معه أو مواعدته خارج المنزل في السوق أو في أي مكان آخر. وقد تكون تلك الفتاة غبية لدرجة تجعلها توافق على الخروج أو المقابلة خوفاً من التهديد لها بوسائل المواصلات وأشرطة الاتصال، وبعد ذلك تقع المسكينة في فخ الجريمة والفاحشة، وإن لم يكن ذلك فعلى أقل الأحوال أن يكون قد عبث بمشاعرها أياماً وليالي فتعيش مضطربة قلقة خوفاً من سوء مصير ما وقعت فيه. بداية هذا الأمر جرس رنان مكالمة لطيفة أو صوت فيه تكسر وحسرة! وبعد أن نعلم فتياتنا هذا الدرس وأن المشكلة تقع من شباب عابثين لاهين ليسوا بأهل للأمانة والمسئولية مهما ألانوا القول وبذلوا الوعود بإنهاء حسم البداية الهاتفية بالزواج؛ لا سيما وأن كثيراً من العابثين يظهر لتلك المسكينة التي يخاطبها أنه من أسرة غنية، وقد يستعير سيارة أو يستأجرها لترى صدق ما يقول، وقد يكذب في مستوى وظيفته أو تعليمه ويدعي بما هو ليس بأهل له. ثم إذا جاء وخطب البنت من أهلها وتحقق وليها بأنه ليس بكفء لابنته أو أخته ثم رده رداً جميلاً، انقلب صارخاً في وجهه: إني أحبها وهي تحبني، وبيني وبينها مكالمات ومراسلات، والوثائق موجودة بخط يدها، وأشرطة التسجيل بين يديك إن شئت أن تسمع صوتها وبعد ذلك يضطر الولي لتزويجها منه ليستر نفسه من هذه الفضيحة وخشية من العار، ثم تدفع تلك المسكينة ثمن جرأتها على الأدب والحياء وتعاليم الإسلام في ذلك لتكون زوجة لرجل عابث فاشل استطاع صيدها في شباك سماعة الهاتف أو التلفون. وفي بعض الأحايين قد تكون معلومات هذا الشاب صحيحة فيما يقوله للبنت أو من يحدثها سراً عن أهلها بالهاتف، ولكن في نهاية المطاف إذا تقدم لخطبتها رفض وليها واعتذر لسبب من الأسباب -وما أكثر هذه الأسباب- وبعد ذلك يعيش الشاب كمجنون ليلى هراءً وسفهاً بما جنت يداه، وتعيش تلك الفتاة عذاب الضمير وحسرة البال، وبالأخص لو تقدم لخطبتها رجل آخر وقد وقر في قلبها حب أحد غيره، وقد تتزوج غيره والأول ما زال في خيالها وأحلامها. إذاً فالتفتوا معاشر الآباء، والتفتوا معاشر الأولياء، ولا بأس بأخذ الحيطة والتوجس ريبة من المكالمات الطويلة أو انشغال الهاتف في منتصف الليل، ولو كانت بين فتاة وأخرى فقد تكون الفتاة الأخرى وسيطاً أو سمساراً بين الطرفين توقعهم في البلاء وترميهم بتوسطها إلى الشقاء.

على من تقع مسئولية المشكلة

على من تقع مسئولية المشكلة وأما الذين يؤذون بنات المسلمين في الأسواق التجارية وغيرها، فالمسئولية في هذا ذات شقين: المسئولية الأولى: على أولياء أولئك النساء: كيف يرضون بخروجهن متعطرات متبرجات بملابس رقيقة، وطريقة فاتنة، ومن رضي بهذا الوضع في خروج نسائه وبناته ولو كان معهن فلن يسلم من إثم من نظروا إليهن وقلبوا النظر في مفاتنهن ومحاسنهن. والمسئولية الثانية على أنذال الجريمة الذين يتسابقون على مواقف السيارات قرب الأسواق، ويتجولون غادين رائحين متشبهين بالنساء في كلامهم وطريقة مشيهم، وإن كان رجال الأمن والهيئة ومن ولوا مراقبتهم بالمرصاد لمثل أولئك أعانهم الله وسدد خطاهم. فالمسئولية معاشر الأحبة هي مسئولية الأولياء، ولسنا بحاجة إلى أن نذكر وقائع حدثت، ولسنا بحاجة إلى أن نبين أن بنت فلان من الناس وقعت ضحية مكالمة هاتفية، أو أن فلانة من الناس قد ارتبطت بحب انتهى إلى الزواج بشاب ما، وبعد ذلك قبل الدخول بها، وبعد العقد عليها في بيت أهلها وقبل الدخول بها وإعلان الزواج أخذها لينظر ما تشتهيه من مفارشها وملابسها، وإذ به يأوي بها شقة من شقق زوجاته وتصرفه هذا شرعي لا نقول إنه حرام لأنه قد عقد عليها وعقد الزوجة كافٍ بالخلوة بالمرأة ووطئها، ولكن المصيبة ما بعد ذلك يوم أن قضى وطره منها بعد أن أعيتها الحيلة منه وأجبرها بالقوة بعد ذلك ردها إلى أهلها وقال لأهلها لا أريد ابنتكم إن شئتم أن تردوا عليَّ مهري وإلا فهي معلقة في داركم، تلك أسرة مستورة مسكينة، أسرة في أمس الحاجة إلى الدينار والريال فجمع مهر ذلك الخبيث من المحسنين ورد عليه نتيجة هذا الحب الذي بدأ بمكالمة هاتفية. لذا معاشر الأحباب! فإني أحذركم وأرغب منكم أن تحذروا بناتكم وفتياتكم ومن ولاكم الله مسئوليتهن، وأن تبينوا أن هذا خطر عظيم.

تنبيه إلى كل غيور على فتياته

تنبيه إلى كل غيور على فتياته وينبغي معاشر الأحباب أن نلتفت إلى تربية بناتنا على الحياء منذ الصغر، والحياء شيء يسري في العروق وفي الدماء، ولا ينفع إيجاده في البنت بعد كبرها وبعد مضيها من العمر دهراً إن لم يكن ذلك الحياء زرع وغرس في نفسها منذ طفولتها، والآن فإن الكثير لا يبالي بحياء الفتاة في صغرها فترى الكثير يلبس ابنته ملابس قصيرة جداً تبدي ساقها وفخذها وإن كانت طفلة لا نقول: إن هذا مما تشتهيه النفوس ولكن نقول: إن هذه الفتاة تتربى في صغرها رويداً رويداً على هذا النوع من اللباس، فإذا كبرت لا ترى بأساً ولا ترى حرجاً لو بدا ساقها أو شيء من فخذها. إذاً فانتبهوا لذلك يا عباد الله، واغرسوا الحياء في صغاركم وأطفالكم منذ الصغر، وعلموهم الستر والحياء في طفولتهم، وعلموا البنات خاصة أن يلجأن إلى البيوت، ولا تعودوهن كثرة الخروج بهن والاختلاط بغيرهن لأن الحياء شيء يسري في الدماء، ولأن الحياء أمر مهم، فإذا نزع الحياء فلا إيمان، ولا فائدة في امرأة لا حياء لها. فلا والله ما في العيش خيرٌ ولا الدنيا إذا ذهب الحياء يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء والآخر يقول: ربوا البنات على الفضيلة إنها في الشرق علة ذلك الإخفاق الأم روض إن تعهده الحيا بالري أورق أيما إيراق الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق فالحياء تربية منذ الصغر، والحياء مسئولية على الأولياء والآباء، من استطاع أن ينجح في غرس هذا الزرع في بناته وأطفاله فإنه في مستقبل الأمر بإذن الله يجني شباباً وفتياتٍ صالحين وصالحات، ويرى منهم خيراً بفضل الله جل وعلا، وللجميع أسوة في نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان أشد حياءً من العذراء في خدرها صلى الله عليه وسلم بآبائنا هو وأمهاتنا. فالحياء مسئولية علينا، وإن الكثير من الفتيات اللائي وقعن في شباك هذه السماعات إنما وقعن لجرأتهن على الحياء، وإنما وقعن غريزة حب استطلاع لما يدور في نفوس بعض الشباب، وإنما وقعن لرؤيتهن أفلاماً فيها شاب يبدأ حبه بمكالمة هاتفية، وبعد ذلك اتصال في أي وقت، وبعد ذلك خروج في أي مكان وبدون استئذان وفي أي مناسبة، وبعد ذلك تعيش المسكينة بعد أن تحطم جدار الحياء في قلبها، ما بال تلك تذهب حيثما شاءت وأنا حبيسة الجدران لا أخرج إلى هنا ولا إلى هناك، وبعد ذلك تقع فريسة أولئك الشباب العابثين. أسأل الله جل وعلا أن يستر علينا وعليكم، اللهم استر على بناتنا، اللهم استر على محارمنا، اللهم لا تفضح لنا عورة ولا تهتك لنا ستراً. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

إلى كل من سئم من هذا الطريق

إلى كل من سئم من هذا الطريق الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن المثيل وعن الند وعن النظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير كل ذلك تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى أزوجه وآله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. معاشر المؤمنين معاشر الشباب: الزموا جماعة المسلمين بالصلاة معهم جماعة، الزموا جماعة المسلمين بالصلاة معهم جماعة. أيها الأحبة في الله: إنكم سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلمتم وهذا ثابت: (أنه صلى الله عليه وسلم كان أشد حياءً من العذراء في خدرها) ولكم في نبينا وإخوانه من الأنبياء سلفاً صالحاً. وإن كنا قد عالجنا المشكلة الآنفة الذكر في جانب البنات، فإن للشباب مسئولية عظيمة، وإن على الشباب دوراً عظيماً في اتصالاتهم، وفي مقابلاتهم، وفي مواقع أعمالهم ومسئولياتهم؛ لأن الإنسان إذا اتصل ببيت من البيوت وقد أرخى القول وكسره، ولين الكلام وأخبثه، فإن المرأة ناقصة عقل ودين سرعان ما تقع في شباك ذلك الصوت الدافئ، وبعد ذلك قد تكون الجاهلة المسكينة هي التي ترغب في مداومة الاتصال. إذاً: فيا معاشر الأحباب ينبغي لنا إذا اتصلنا باتصالات لغير أقارب أو لغير محارم أو لغيرهم، ينبغي أن نكون جادين في الحديث، وأن يكون اتصالنا لحاجة معينة، كأن يكون فلان موجود أم لا؟ وينتهي الكلام بعد ذلك، أو أخبروه أن فلاناً اتصل عليه فقط، أما أن يتكسر الكلام، وأما أن يلين القول بأصوات وعبارات مضحكة وقد يكون فيها خبث ودهاء، فإن الإنسان قد يجر بذلك البلاء والفضيحة على غيره من المسلمين، وقد يكون من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا عياذاً بالله من هذا الأمر. وينبغي للشباب أن يعلموا أنها مسئولية لهم، وأن الله جل وعلا يبتليهم، وطوبى لشاب ترك هذا النوع من الحديث الذي يجره إلى البلاء، ليكون أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إن البعض قد يسير في حديث هاتفي مع بعض البنات حتى يصل الأمر بهن إلى أن الواحدة منهن تدعوه إلى نفسها، ولكن البعض يقف عند ذلك، والواجب أن يقف في أول الطريق في أول المكالمة، ومن وقف عند ذلك فهو إن شاء الله من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، يوم أن ذكر واحداً منهم: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله). وكلكم يعرف قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانحدرت صخرة من الجبل فسدت ذلك الغار عليهم، فقال أحدهم: إنه لن ينجيكم إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فقام منهم رجل وقال: اللهم إنك تعلم أن لي ابنة عم أحبها حباً شديداً، وكثيراً ما راودتها عن نفسها، حتى إذا احتاجت في سنة جدب وقحط ثم جاءت إلي واحتاجت قلت لها: لا أعطيك حتى تمكنيني من نفسك، فوافقت تحت ضغط الحاجة والفقر، وبعد ذلك يقول: يوم أن وقف منها موقف الرجل من زوجته، وجلس منها مجلس الرجل من زوجته، دمعت عينه بعد أن قالت له: يا هذا اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام عنها وانصرف، فانفرجت الصخرة عن ذلك الغار بأعمالهم الصالحة بعد رحمة الله وتجاوزه عنهم. ولكم في نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الذي كان عند امرأة العزيز: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] قالت له: تهيأت لك، أرادته إلى المعصية: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:23] وليتها وقفت عند هذا الأمر، بل إنها قالت: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32] فماذا قال ذلك الشاب الوسيم الجميل؟ ماذا قال ذلك النبي الجليل؟ {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:33] أين الذي يقول هذا الكلام في هذا الزمان؟ وأي إيمان يتزعزع أو يتحرك عندما يقع في فتنة كهذه {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف:33]. اللهم اصرف عنا كيد أهل السوء، اللهم اصرف عنا كيد أهل السوء، اللهم اصرف عنا وعن بناتنا وعن نسائنا كيد أهل السوء. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بفتياتنا وبناتنا ونسائنا سوءاً، اللهم فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء بقدرتك يا جبار السماوات والأرض! اللهم من أراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بشبابنا ضلالاً، اللهم فأدر عليه دائرة السوء، اللهم فأرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم بطانة صالحة وجنبهم بطانة السوء، اللهم ما علمت في أحد لولاة أمورنا خيراً فقربه منهم، وما علمت في أحدٍ لولاة أمورنا شراً فأبعده واطرده عنهم، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اهد أئمتنا لكتابك ولسنة نبيك، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم اجمع شمله بإخوانه، اللهم لا تشمت بهم حاسداً، ولا تفرح عليهم عدواً، ولا تشمت بهم حاسداً، اللهم سخر لهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك. اللهم اهد شباب المسلمين، اللهم اجعل لشباب المسلمين من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، ومن كل فاحشة أمناً، اللهم فارحمهم واهدهم وردهم إليك رداً جميلاً، اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى الجنة مصيرنا ومآلنا. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً غير ضار، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر نبينا محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، والأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

مفاهيم غائبة

مفاهيم غائبة ترتبط القضايا الدعوية بالهمة والاهتمام، ويحتاج القائم بالدعوة إلى خبرة وتأهيل ومتابعة، واختيار مجال مناسب له من مجالات الدعوة الكثيرة. لكن قد تنشأ في مسيرة الدعوة كثير من الأخطاء الناتجة عن غياب بعض المفاهيم التي لا غنى عنها. وفي هذه المحاضرة بيان لبعض تلك المفاهيم، وللأخطاء الناتجة عن غيابها، والمتعلقة بآداب الاختلاف، ومن هو القائم بالدعوة، وضوابط الجهاد، وغير ذلك.

خطأ حصر وتحديد مجالات الدعوة

خطأ حصر وتحديد مجالات الدعوة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إنها لمناسبةٌ سعيدةٌ، وموقفٌ مشرفٌ أن يقف الأخ بين يدي إخوانه، وفيهم من هم خيرٌ منه وأعلم وأتقى لله منه؛ لأجل التواصي وسماع الموعظة والذكرى، وإن الإنسان ليملُّ الانتظار والإطالة إلا في عبادة، أو في انتظار عبادة، وإن الإنسان ليكره الزحام إلا في طاعة ولسماع ذكرى، وإن الواحد ليحمد الله عز وجل أن تمضي هذه الساعة من عمره ودهره وحياته وهي شاهدةً له بأنه ما قضاها أمام ملهاة أو معصية، ولا في سماع باطلٍ أو ساخطٍ من القول، وإنما قضاها بعد عبادةٍ في ذكرٍ ينتظر بعدها عبادة، وإن ذلك -كما في الحديث- مما يرفع الدرجات، ويمحو الله به الخطايا، ذلكم هو الرباط كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: كثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء على المكاره، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط). أيها الأحبة! إنها نعمة عظيمة أن نجتمع وإياكم في طاعة، ولسماع طاعة، ولنحقق طاعة، ولنعمل في طاعة، ونحن نعلم أن الكثير من عباد الله في معصية، وإلى معصية، وعلى معصية، أو في تحقيق معصية، أن تكون من المصطفين الذين أكرمهم الله بهذه الهداية، ومنَّ عليهم بهذه الاستقامة، إنها لنعمةٌ وأي نعمةٍ، بل وأعظم بها من نعمة. أحبتنا في الله! حديثنا اليوم محصلة موجزة، وتجربة قصيرة متواضعة من خلال زيارات ولقاءات وكلمات، أو محاورات بين بعض الإخوة ومع كثير من الأحبة، تبين لي أن ما تسمعون الليلة وإن كان معلوماً لدى الكثيرين بحمد الله، إلا أن الكثير أيضاً يغيب عن أذهانهم الكثير مما نسمعه اليوم، وبعضهم لا يتصورونه بوضوح كامل، أو بأفق واسع، ولأجل هذا سميناه بـ (المفاهيم الغائبة) وليس هذا من باب الاستغراق، ولكن لعل في الإشارة ما يغني عن التفصيل في كل العبارة، وكفى من القلادة ما أحاط بالعنق. أيها الأحبة! التعبير بالمفاهيم لأجل التواصي والتذكير بدلاً من النقد والانتقاد مع اعتقادنا جميعاً أن النقد الذاتي مطلوبٌ، ولَأن ننتقد أنفسنا خيرٌ من أن يقع أعداؤنا على مواقع الضعف فينا، ولَأن نبادر إلى التواصي بيننا خيرٌ من أن يجدها الأعداء مسبة، أو مثلبة يتشمتون بنا فيها، وهذا الذكر لهذه المفاهيم مع احترام العمل القائم والجهد المبذول، والحديث سهل والعمل عسير، وليس بيسير إلا على من يسره الله عليه. أقِّلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا أيها الأحبة! طرح هذه المفاهيم أراها تصحيحاً لتصور خاطئ، أو توسيعاً في مجال ضيق، أو تذكيراً بأمر غائب، وبالجملة فالموضوع لا يخرج عن إطار التواصي الذي هو من صفات المؤمنين كما أخبر سبحانه عز وجل بقوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. وطرح هذه المفاهيم من باب التذكير بها لا يخرج عن إطار الذكرى لقول الله عز وجل: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55]. وأبدأ في سرد هذه المفاهيم، وربما لا تأتي مرتبةً، ولكن لعل ذلك من التشويق والتنويع، فمن ذلك: أنني رأيت كثيراً من الأحبة والفضلاء والغيورين والمتحمسين يتصورون حصر الجهد في الدعوة في مجالات محدودة معدودة، وإذا لم يتحقق النشاط، أو النماء، أو الامتداد، أو الحركة، أو العمل في هذه المجالات المحدودة، يرى أنه لا مقام، ولا مكان، ولا سبيل إلى الدعوة إلى الله عز وجل. وأرى أن ذلك تحجير لواسع، بعضهم يرى أن الدعوة فقط في المحاضرة والندوة وتوزيع الشريط والكتاب، وفي الحقيقة أن هذا حصرٌ، ومن يرى أن الدعوة فقط في هذه المجالات فهو كمن يجعل البحار في قِرَب، أو يجعل المحيطات في أنهار، الدعوة محيطٌ متدفقٌ واسعٌ، وبحرٌ أمواج خيره وبره ونفعه متلاطمةٌ تجيء بالخير بإذن الله عز وجل، وليس محصورةً في هذه المجالات فحسب.

أهمية خطبة الجمعة ودورها في الدعوة

أهمية خطبة الجمعة ودورها في الدعوة فعلى سبيل المثال لا الحصر: هناك خطبة الجمعة، وما أدراك ما خطبة الجمعة؟ إنها من أجل وأرقى وأعلى وأسمى وأهم مجالات الدعوة إلى الله عز وجل، ولو أننا تواصينا مع خطبائنا، ومع الذين يعتلون المنابر في مجتمعاتنا بالعناية بها، بتقديم الفائدة، واقتراح الموضوع، وتحديد العناصر، وتقريب الكلمة، والمعنى والقضية، واقترحنا عليهم ما يهم، لكان في ذلك خيرٌ عظيمٌ. إن خطبة الجمعة حضورها واجبٌ، والإنصات لها واجب، ويحضرها من لا يحضر الدروس والمحاضرات، ويحضرها من لا يقرأ الكتاب، ولا يسمع الشريط، بل يحضرها من قد لا يصلي الصلوات الخمس مع الجماعة، فأهم جمهور، وأهم المستمعين لمادة الدعوة وقضايا الدعوة هم المصلون يوم الجمعة، فالعناية بهذا الأمر مهمٌ جداً. وإني لأعجب أن أجد كثيراً من الإخوة ربما يهتم أحدهم بالمحاضرة اهتماماً لا يهتمه لخطبة الجمعة، وأرى أن ذلك من عدم فهم الأولويات وترتيبها، بل لو قال قائل: إنني مشغول بالجمعة، ولا أرى شغلاً بغيرها، قلنا: ليس هذا ببدع، ولا غريب، ولا عجيب، فهي مجال مهم، إنها رسالة إلى جميع الناس في ساعة واحدة في زمن معين، لا تجد ذلك في دين من الأديان، ولا في عقيدة من العقائد، هبوني وأروني واذكروا لي ملة، أو ديانة، أوحزباً، أو مذهباً، أو طائفة تستطيع أن تجمع أتباعها وأنصارها ومؤيديها ومعتنقيها في ساعة على وجه الأرض أو المعمورة، لا تجد ذلك، لكن في هذا الدين تجد ذلك. خذ على سبيل المثال: ترى في هذه البلاد في المملكة العربية السعودية من الشمال في أقصى طريف والقريات إلى الجنوب في آخر شرورة ونجران وما وراءها، ستجد أنه من الساعة الثانية عشر إلا ربع مثلاً إلى الساعة الواحدة إلا ربع الناس كلهم في المسجد، هذا مؤتمر خطير، واجتماع خطير، وهذه مسألة مهمة، وهذا حشد لا يمكن أن يحققه الإنسان بالإعلانات على المحاضرات، ولا بالدعوة إليه عبر الإذاعة، أو عبر وسائل الإعلام، لكنه يتحقق بحي على الصلاة حي على الفلاح، فيتحقق هذا الاجتماع العظيم الكبير، ثم لا نجد كثيراً من إخواننا يهتم بهذا الاجتماع ويعطيه حقه، أو يوفيه قدره، أو ينزله مكانته التي ينبغي أن يُنزل إياها. قد يقول أحدكم الآن: لو كان الحضور من خطباء الجمع لكان هذا سائغاً. أقول: نعم يا أخي الحبيب. في الحضور من هم من الخطباء، وأنتم ممن يصلون مع الخطباء، فإذا كنا جميعاً نعتني بهذه الخطبة، ونعين الخطيب على تحضيرها وإعدادها وأدائها، وتقديم الأفكار والعناصر، واقتراح الموضوعات المناسبة، وتقريب ما يعينك في الخطبة، القضية الواحدة التي تطرح في الخطبة تحتاج إلى الأدلة من القرآن والسنة، وإلى الكلام من سير السلف والصالحين، وإلى القصص الواقعة الحادثة في هذا الصدد، وإلى شيء من العناية بسبك العبارة والأسلوب، فلو أننا اعتنينا واعتنت كل مجموعة منا بخطيب حيهم وإمام حارتهم مثلاً، وأعانوه على إعداد هذه الخطبة؛ لكُنا نحن وهذا الخطيب شركاء في الأجر العظيم حينما يقول خطبة تربوية نافعة تدعو العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتدعو العباد إلى نبذ الغفلة والضلالة والهوى، والعودة إلى الاستقامة والجد والاجتهاد في الطاعة، نشترك معه في الأجر والثواب، ولا أظن أن عاقلاً يأنف أو يستنكف أن يقبل نصيحةً تأتيه من أحد إخوانه، بل علينا أن نعلن وأن نفتح هذا الباب لمن كان عنده نصيحة في أمر ينفع المسلمين. والخطيب مسئول عن هذه الكلمة، ومحاسبٌ عليها في الدنيا والأخرى، لكن هذا لا يمنع من أن نعينه وأن نقدم له الأفكار المهمة سواءً بالعناصر المحررة، أو بالأرقام والحسابات والإحصائيات، كل ذلك أيها الأحبة نافع ومهم، ويحول هذا الاجتماع الأسبوعي في ساعة واحدة على مستوى هذه المملكة بكاملها إلى اجتماع يطرح قضايا مهمة وعالية وجيدة جداً، أنا لا أقول: جميع الذين يخطبون لا يعتنون بذلك حاشا وكلا، بل الكثير والكثير من إخواننا ومشايخنا وخطبائنا يعتنون، لكن هذا أيضاً لا يعني أنه لا يوجد من لا يبالي، أو لا يعتني، أو لا يهتم، فواجبنا أن نهتم بهذا الموضوع، وأن نعتني به غاية العناية، فهو من أكبر وأضخم وأهم، بل وأخطر مجالات الدعوة هي خطبة الجمعة، فألا من مشمرٍ ومهتمٍ ومعتنٍ بهذه القضية.

وجود مجالات دعوية تناسب الجميع

وجود مجالات دعوية تناسب الجميع كذلك أيها الأخ الحبيب حينما أتحدث إليك، أو أحاورك في أمورٍ ومجالاتٍ دعوية ربما تسمع من بعض الإخوة القول بأنه لا يحسن هذا المجال، ولا يحسن هذا المجال، وهل كانت الدعوة محصورة فقط في مجال تحسنه؟! لا أظنك عيياً عاجزاً أخرقاً لا تستطيع أن تحسن مجالاً من مجالات الدعوة، وأقلها مجال المراسلة سواء كانت مراسلة في الداخل أو في الخارج. إن كثيراً من الذين ضلوا ومنهم من أضلوا عن سواء السبيل عادوا إلى المحجة، وإلى الطريق البين، وإلى البرهان الواضح، وآبوا من الزيغ إلى الهداية، ومن الانحراف إلى الاستقامة برسائل متتابعة طرقت أسماعهم عبر شريط، وطرقت قلوبهم عبر أحرف مكتوبة، ملؤها المحبة، عبقة بالأخوة والرأفة والرحمة والحنان، فيا أيها الأحبة، ليس من الضروري أن نكون خطباء حتى نقوم بالدعوة، على الخطباء مسئولية، ومن لا يحسن الخطابة أظنه يحسن الرسالة، ومن لا يحسن الرسالة أظنه يحسن القراءة، فيختار رسالة معدة في هذا الأمر، أو يستشير، أو يسأل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] كيف ينصح ضالاً واقعاً في هذا الإثم، أو من زل ووقع في هذا الذنب العظيم؟ فيأتيه التوجيه: عليك بالرسالة الفلانية، الكتيب الفلاني، انقل من الشريط الفلاني، قدم من هذا الشيء الفلاني، وابعث به مع هدية متواضعة، أو بدون هدية، ستجد أن ذلك بإذن الله من أسباب الفلاح والنجاح في الدعوة، ولا تظن أن كل رسالة سوف تأتيك برجل ملتزم ومهتد، اجعل في بالك أنك ربما ترسل مائة رسالة، فلا يستجيب إلا واحد، وألف رسالة، فلا يستجيب إلا اثنين، أو ثلاثة، ولن تكون أفضل من رسل وأنبياء هم صفوة الله من خلقه وخيرة خلق الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (ورأيت النبي يأتي يوم القيامة ومعه الرهط والرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد). إذاً: اليوم قضايانا الدعوية مرتبطة بالهمة والاهتمام، ولا أظنها ترتبط ارتباطاً كلياً تاماً ببعضها البعض، نعم الإجادة والقدرة أمر مهم، لكن ليس ذلك هو كل شيء، لأنك إن عجزت عن هذا المجال ستقدر في مجال آخر، لكن إذا وجد الاهتمام فإنك بإذن الله عز وجل ستجد المجال المناسب بحجم قدراتك وظروفك. على سبيل المثال: الكثير بلا حصر من الشباب يرغبون في الزواج، لكن ليس كل هؤلاء الشباب يستطيعون أن يتزوجوا الفتاة الحسيبة النسيبة، المتعلمة الجميلة، الفاخرة الراقية إلى آخره، لكن مع ذلك يتزوج الإنسان بقدر ظروفه، وبقدر إمكاناته، ويحقق الهدف الذي يصبو إليه، لما كانت رغبة شخصية وفطرة غريزية، ونداء قائماً في البدن والروح والجسم استطاع الإنسان أن يصل إليه، وإن لم يصل إليه بكل المواصفات والمقاييس التي يريدها، لكنه حقق ذلك، لأن الرغبة مستمرة وملحة وقائمة، فكذلك إذا كانت الرغبة في الدعوة إلى الله عز وجل ملحة وقائمة تصبحك وتمسيك وهي همك، وتراها في المنام، وتتمناها، ومرتبطة بشعرك وقصيدتك وقراءتك، وتتألم لما يؤلم المسلمين؛ حينئذٍ ستجد مجالات كثيرة في الدعوة إلى الله عز وجل، والمقام يضيق بذكر مجالات عديدة للدعوة، وأحيل إلى شريط سبق أن ألقي منذ زمن لا بأس به بعنوان"مجالات جديدة للدعوة" انظر هذه المجالات فستجد أنك لن تعجز عن واحد أو آحاد من هذه المجالات.

تعدي القيام بالدعوة إلى غير البشر

تعدي القيام بالدعوة إلى غير البشر أيها الأحبة! إني أقول لإخواني الشباب الذين فيهم الخير والصلاح والاستقامة والغيرة على الإسلام والمسلمين، أقول لهم: لماذا وقف الالتزام إلى حد الأمور الشخصية فقط؟ لماذا لا يكون الواحد إيجابياً وداعياً ومتحركاً؟ إن الجن وهم الجن لما سمعوا الوحي تحركوا ودعوا أقوامهم، والله عز وجل يقول: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] فهم حضروا، وأنصتوا ليتدبروا ويفهموا مقاصد الخطاب، وما فيه من الأمر والنهي والحكم، ثم ماذا بعد ذلك؟ {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف:29 - 31] فأفادوا أنهم سمعوا وحياً وخيراً وهدى، ثم دعوا قومهم إلى الاستجابة: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:31]. ثم ماذا بعد ذلك؟ قالوا لقومهم: {وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ} [الأحقاف:32] هؤلاء وهم جن لما سمعوا الوحي أنصتوا وتدبروا وولوا إلى قومهم منذرين. لا يكن الهدهد خيراً منك، فقد نصح وتكلم ودعا وسعى، وكانت نصيحة هذا الطائر سبباً في إسلام مملكة كاملة كانوا يسجدون للشمس من دون الله، سليمان عليه السلام لما تفقد الهدهد، وتفقد الطير، فقال: ما لي لا أرى الهدهد؟ فلما بحث عن هذا الهدد أين كان؟ أين ذهب؟ فجاء إلى سليمان عليه السلام الملك النبي، وقال: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل:22 - 24] هذا هدهد يدعو وينكر منكراً، وأكبر المنكرات هو الشرك بالله عز وجل: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ} [النمل:24] إلى أن قال: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النمل:25] ويستدل بأفعال الرب على استحقاق الخالق للعبادة عز وجل.

مقترح في الدعم المادي للدعوة

مقترح في الدعم المادي للدعوة أيها الأحبة! هذه من القضايا المهمة، لأننا نجد فتوراً وكسلاً في أمر الدعوة إلى الله عز وجل، ولكن ينبغي أن نتواصى، وأن نهتم سيما والدعوة هي أمر الله لنبيه للمؤمنين من بعده: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104] {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً} [فصلت:33] (من دعا إلى هدىً، فله أجره وأجور من تبعه إلى يوم القيامة) (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم). فيا أحبابنا! الدعوة مسئولية مهمة، لكن أنا أقول لك: متى تصبح الدعوة قضية مهمة؟ حينما تجعل للدعوة اهتماماً شهرياً في ميزانيتك، وذلك فرع عن الاهتمام القلبي في شخصيتك وروحك ستجد أن الدعوة مهمة، الواحد يخصص من دخله للكهرباء وللماء، ويخصص من دخله لراتب الخادمة لصيانة سيارته، فهل تخصص من دخلك للدعوة إلى الله عز وجل؟ هل فعلاً شهرياً إذا قبضت راتبك، أو الدخل الذي يأتيك تقول: هذا للدعوة إلى الله عز وجل، أكفل به داعية في أي مكان خارج البلاد، أو أشتري به شريطاً نافعاً أوزعه على الشباب، أو كتيباً، أو رسالةً، أو أفكر كيف أشغل هذا الجزء اليسير من الدخل في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وما يدريك لعل الله أن يهدي بهذا أقواماً أنت لا تعرفهم، ويهدي بذلك آخرين من ورائهم لا تعرفهم تلقاهم يوم القيامة هم وأعمالهم ومن هدى الله على أيديهم في موازين أعمالك الصالحة، والدعوة- كما تعلمون- هي خيرٌ ينفع العبد بإذن الله عز وجل، لأنها أعظم أجراً في أقصر زمنٍ وأقل مدة، فأسأل الله ألا يحرمنا وإياكم هذا الأجر العظيم.

آداب الخلاف في فقه النوازل

آداب الخلاف في فقه النوازل أيها الأحبة! من المفاهيم الغائبة عند كثير من شبابنا اليوم: أنه حينما تقع في هذا الواقع نوازل، أو تحدث أمور ليس فيها حكم قطعي بنص قطعي الدلالة والثبوت حينما تقع مثل هذه الأحداث أو الوقائع لا شك أن الناس تتباين آراؤهم وأقوالهم، بل وربما تباينت آراء وأقوال أهل العلم فيها، فيقع شيء من الاختلاف في وجهات النظر، فتعجب من وجود بعض الشباب يتحمس إلى أقصى اليمين لبعض الآراء، وتجد آخرين يتحمسون إلى أقصى اليسار لبعض الآراء، ولا يمكن أن تكون بينهم مسافات للتقارب، أو قناعات أنني على صواب ورأيي يحتمل الخطأ، وأنك على خطأ ورأيك يحتمل الصواب، لا أبداً. لا يرى الحق والقول والصدق إلا عنده، وما سوى ذلك وكل ما عند غيره فهو باطل، وعلى مبدأ ضال، وإن لم تكن معي فأنت ضدي. وهذا لا ينطبق خاصة إلا في المسائل التي تجِد في الواقع، ولا تكون فيها أحكام قطعية ثابتة. أما المسائل التي أحكامها قطعية بدلالة قطعية بثبوت قطعي فلا يختلف فيها أحدٌ من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، لكن هناك نوازلاً ومواقفاً وأحداثاً وأموراً عجيبة غريبة تقع في واقع المسلمين اليوم بالتأكيد سيختلف فيها المسلمون، وتتعدد فيها الآراء، لكن إذا تنوعت هذه الآراء هل من حقنا أن نلزم الناس جميعاً أن يكونوا معنا على رأي واحد؟ A لا. وهذا ليس بصحيح ما لم يكن الخلاف في هذا الأمر يفضي إلى فتنة، فحينئذٍ الذي يجمع الناس على أمرٍ عامٍ، به يتعاملون، وإليه يختصمون، أو يحتكمون هو الحاكم أو المفتي الذي يعينه هذا الحاكم، وكما في القواعد الفقهية والشرعية: حكم الحاكم يرفع الخلاف، فله أن يلزم الناس في المسائل الاجتهادية برأي يجتمع الناس عليه دفعاً للفتنة، ولا حاجة إلى الإنكار الشديد. أعود إلى قضية الخلاف في المسائل: لا حاجة إلى الإنكار الشديد في مسائل الخلاف، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يقول: ومسائل الخلاف لا ينكر فيها باليد، ومعنى كلامه: لا يلزمك أن تجمع الناس فيها على رأيك، وإنما كلٌ يورد ما عنده بالأدلة، ونحن على يقين بين القطبين، وبين الطرفين، وبين النقطتين مسافة طويلة يمكن تصور وجود الخطأ الكبير والصواب القليل فيها، ووجود الصواب الكبير والخطأ القليل فيها، فواجبنا حينئذٍ أن نقرب هوة الخلاف ولا نوسعه.

تجاوز الاختلاف المشروع إلى التدابر والقطيعة

تجاوز الاختلاف المشروع إلى التدابر والقطيعة العجيب الذي يقع: أن ترى من بعض الشباب حينما يقع الخلاف أنهم يتدابرون ويتقاطعون، ويغتاب بعضهم بعضاً، ويتكلم بعضهم في عرض بعض، وربما أصبح هذا البر الطيب المبارك الخير يتكلم في عرض آخر مثله، وله مثل هذه الصفات، ولا يتكلم في عرض فاسق أو فاجر، وليست هذه دعوة إلى الكلام بأعراض الفساق والفجار أبداً، إنما هي دعوة إلى العمل، الكلام يا أحباب لا ينتج ولا يقدم شيئاً، نريد عملاً جاداً يفضي إلى تحقيق نتائج ترد عباد الله إلى عبادة الله وحده لا شريك له، إن الله عز وجل قال: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:118 - 119] لكن الله سبحانه وتعالى نهى عن التفرق، فالخلاف ممكن، والتفرق ممنوع {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159] فالخلاف وارد، ولا يمكن في مسألة اجتهادية أني ألزمك برأيي، ولا يمكنك أنت أنك تلزمني برأيك، إذا كان الخلاف سائغاً، وفي مسائل لا ترتبط بمصير أمة، أو بمصلحة مجتمع بالكامل، أما إذا كانت هذه المسألة التي اختلف فيها المختلفون مرتبطة بمصير أمة، أو بقضية استراتيجية كقضية أمن، فحينئذٍ نرجع إلى عالم قد تعلقت الأمة برقبته، وأصبح قوله وفتواه بمنزلة حكم الحاكم الذي يرفع الخلاف، وإذا أمر ولي الأمر بلزوم قول هذا المفتي، لزمنا جميعاً أن نعمل به، وكلٌ يحمل في قلبه ما يعتقد.

أهمية الحفاظ على الأخوة مع المخالفين

أهمية الحفاظ على الأخوة مع المخالفين أيها الأحبة! يقول يونس بن عبد الأعلى المصري الشافعي رحمه الله: ما رأيت أعقل من محمد بن إدريس الشافعي -الإمام الشافعي رحمه الله- اختلفت معه في مسائل كثيرة فتفرقنا، يعني: ما اتفقنا عليها، فلقيني ذات يوم وأخذ بيدي وقال: يا أبا عبد الله ألا يستقيم أن نكون إخوة وإن لم نتفق في مسألة. اليوم الواقع في الحقيقة يندى له الجبين، أن تجد هذا ملتحياً، وهذا ملتحياً، وهذا يتبع السنة، وهذا يتبع السنة، وهذا على خير، وهذا على خير، وربما بينهم من الفرقة والخلاف ما يجعل بعضهم لا يلقي السلام على صاحبه، ولا يشمِّته، ولا يعوده في مرضه، وربما لا يتبع جنازته، وربما أسقط حقوقه وأهدر واجبات له، وربما احتقره (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) ولم هذا كله؟ لأنه اختلف معه، وهل الخلاف مبرر لأن نقع في هذا الأمر؟ هل هذا مبرر لَأن أغمطك حقك، ولا أنزلك قدرك؟ أستغفر الله وأتوب إليه. سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، إمام أهل السنة عن إسحاق بن راهويه وهو إمام من أئمة الحديث، فلما سئل عنه قال الإمام أحمد -مع أنه بين الإمام أحمد وبين إسحاق بن راهويه خلاف في مسائل- قال: لن يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق بن راهويه، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً. فيا أحبابنا! هل نجد في أنفسنا هذه الروح؟ هل نجد في أنفسنا هذه السعة لتحمل شخصية ورأي المخالف؟ هذا للأسف يكاد أن يكون نادراً، ويصبح الاعتدال بين كثير من القضايا المتلاطمة ذات الأطراف المتباينة أمراً عسيراً حينما نحمل مثل هذه النفسية. أيها الأحبة! إن هذه القضية: وهي عدم تصور الوفاق والاجتماع حتى مع الخلاف في بعض الآراء الاجتهادية والمسائل؛ جعل بعض شبابنا لا يبالي بإخوانه، ولا بقدرهم، ولا بمنزلتهم، ولا بمكانتهم، ولا يغار على أعراضهم، وهذا أمرٌ خطير، فالذي يتقي الله عز وجل، ربما تراه يخالف هذا الشخص، أو هؤلاء الأشخاص في آرائهم، في أفكارهم، لكنه يتقي الله في أعراضهم، ويتقي الله فيهم إذا غابوا، فيذب عنهم إذا حضر مجلساً، ولا يسمح أن يتهموا، أو أن يقال فيهم ما يقال، بسبب ماذا؟ لأن الخلاف ليس بينه وبينهم في عداوة شخصية، بل إنما الأمر يعود إلى دليل واجتماع وفكر ورأي يراه مدعماً، ويرى الآخرين يختلفون فيه، ولكنه لا يوافقهم على ذلك، فخلافه لا يبيح أعراضهم ولا يسقط حقوقهم. ثم أيها الأحبة قد كثر الخلاف في آخر الزمان، وفي الآونة الأخيرة كثرت المسائل التي اختلف فيها فلان مع فلان، وفلان قال كذا، وفلان قال كذا، ثم أي شرخ من تصدعات الخلاف يفتح علينا شروخاً عديدة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والعجيب أننا نرى دولاً تحاربت وتصارعت، ثم اصطلحت واتفقت وتصالحت! فيا أيها الأحبة! إذا كان هذا على مستوى الدول والأنظمة تقاتلت وتحاربت، ثم تصالحت وانتهت، لأجل ماذا؟ لأجل المصالح، أو لأجل القناعة بعدم جدوى العداوة، أفلا يليق بنا أن نصلح ذات بيننا، وأن نضيق هوة الخلاف؟ نعم والله أيها الأحبة، فتجد بعض الشباب يختلفون على قضية ما، ومنشأ خلافهم هو بسبب اختلاف أناس أكبر منهم فيها، اختلاف أنظمة، أو دول، أو فقهاء، وسمها ما شئت، فبعد ذلك يصطلح هؤلاء المختلفون ولا يزال هؤلاء المساكين على شجار وشقاق بينهم. سبحان الله! أصحاب القضية اتفقوا وانتهوا، وأنت لا تزال ترفع راية الخلاف والنزاع والشجار، هذا يذكر بالطرفة التي تسمعون بها، أو تعرفونها: الرجل الذي كان في محطة القطار، ومعه ثلاثة أو أربعة يأكلون وجبة، ولما سمعوا صوت منبه القطار أخذوا يتراكضون، فركبوا جميعاً إلا واحداً رجع وهو يضحك، قالوا: لماذا تضحك؟ قال: أنا المسافر وهؤلاء أتوا ليودعوني، فالذي جاء يودع ركب القطار وذهب به، وصاحب القضية لا يزال قائماً، يعني: اقلب هذه الطرفة على هذا الواقع وستجد أصحاب القضايا الكبار الذين اختلفوا قد اتفقوا، وانتهى الخلاف فيما بينهم، لكن الذين ورثوا الخلاف لا زالوا يجترونه، ولا يدرون هل اتفق من فوقهم أم لم يتفقوا. والسبب أن الواحد لا يفكر بعقله وإنما يفكر بعقل غيره، وقد نسي أنه يوم القيامة لن يسأل غيره عنه إلا بما أغواه فيه، أو أضله به، لكن أيضاً المسئولية والمحاسبة فردية، فنسأل الله لنا ولكم البصيرة. ومن الأمور التي تعين أيها الأحبة: أن يلتفت الواحد إلى الدعاء والإلحاح على الله أن يهديه إلى الحق فيما يختلف فيه الناس، إن النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح دعاء القيام: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل فاطر السماوات والأرض، رب كل شيءٍ ومليكه، اهدني لما اختلف فيه من الحق، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون).

عدم إلزام الناس بما تراه

عدم إلزام الناس بما تراه إن هذه المسائل التي يختلف فيها الناس لن يسألك الله عز وجل عنها، لماذا لم تتبن هذا الرأي؟ بل بوسعك أن تعرض عن هذا الاختلاف كله، ولن يسألك الله يوم القيامة: لماذا لم تأخذ بهذا الرأي، لا سيما إذا كان لا يتطرق إليك الأمر مباشرةً؟ فالآن تجد بعض الناس يقول: ما رأيك في فلان وعلان؟ تقول: يا أخي! لن يسألني الله عنه يوم القيامة، إن كان صالحاً فالله وليه، وإن كان غير ذلك فحسابه على الله عز وجل، أنا لست ملزماً أن أحمل راية عداوة، أو راية موالاة أو معاداة، يعني: لست مسئولاً أن تعرض عليك قائمة، فيقال: ما رأيك في كل من: 1، 2، 3، 4، 5، 6، يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله فيما يذكره الدكتور/ عبد الله الأمين عن سيرة والده في شريط أكرر النصيحة بسماعه اسمه/ العقد الثمين في سيرة الشيخ الأمين، يقول: كان رحمه الله يقول: يا ولدي إن الله لن يسألك يوم القيامة لماذا لم تشتم فرعون؟ فكذلك بعض الشباب ما رأيك في طالبان؟ ما رأيك في رباني؟ ما رأيك في حكمتيار؟ ما رأيك في فلان؟ يا أخي افرض أني ما أعطيت رأياً في هؤلاء جميعاً، لن أمدح هذا، ولن أشتم هذا، ما شققت عن قلوبهم ولا عندي شيء، قد يكونوا قالوا شيئاً يوجب مدحهم أو قدحهم، لكن ما بلغني، أنا غير مسئول عن ذلك. فيا أخي الحبيب! عليك بما ينفعك، والحذر من المبادرة والمعاجلة بالقول، تجد البعض- سامحه الله وهاده- إذا حصلت نازلة، أو وقعت واقعة تتعلق بآراء وأشخاص وقضايا معينة، لا بد أن يجمع الناس ويلزمهم برأيه، والمسألة فيها سعة عريضة، أنا جذيلها المحكك، وأنا عذيقها المرجب، وأنا ابن بجدتها، وأنا فارس ميدانها، وأنا حذام وإذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام ويريد أن يجمع الناس على رأيه، هذا ليس من حقك يا أخي، الناس لديهم عقول، وتتباين عقولهم في الفهم، والاستنباط، والدلالة، ولولا ذلك ما اختلف أئمة الإسلام، ولما تباينت أحكامهم في ثبوت النصوص والأدلة، ولما تباينت أحكامهم في فهم الدلالات من النصوص والأدلة، فكذلك الاستنتاجات من البشر في قضايا ربما لا تصل إلى أمور العقيدة من حق الناس أن يختلفوا فيها، وإن وقع الخلاف فالحذر أن يكون سبباً في الفراق، الخلاف وارد، لكن أن يكون الخلاف سبباً في السب، أو الشتم، أو الغيبة، أو النميمة، أو إسقاط الحقوق، والتجرؤ على الأعراض، فإن ذلك أمرٌ خطيرٌ أيها الأحبة.

أهمية سؤال أهل العلم عند الالتباس

أهمية سؤال أهل العلم عند الالتباس حينما تجد نفسك ملزماً بأن تقول قولاً وليست لديك الآلة والقدرة والتجربة والمعلومات الكافية، حينئذٍ مثل ما قال الشيخ/ ابن عثيمين: هذا صنفٌ يلزمه السؤال {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7] وبعد ذلك إذا رأيت أهل الذكر مختلفين وأنت تقول: أنا لا أدري أميل مع من، أو أقول بقول من، أقول: اعرض هذا الرأي على أقوال أهل الذكر وأحكامهم فهذه مسألة اجتهادية. أعطيك مثالاً: عرضت مسألة من مسائل سمها ما شئت مثلاً مسألة التأمين، أو مسألة معينة، فأقول لك: رأي هيئة كبار العلماء الشيخ/ ابن باز، الشيخ/ ابن عثيمين، الشيخ/ ابن فوزان، والشيخ/ ابن غديان، والشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، والشيخ فلان، والشيخ فلان، ورأي المجمع الفقهي، ورأي كثير من علماء الإسلام أن ذلك ممنوع لما فيه من غرر ورهان، أو مقامرة، أو جهالة، ويأتي اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، عشرة من العلماء المشهود لهم بالعلم، فيقولون: لا، هذا أمر جائز، تقول: والله أنا عامي أصدق من؟ أقول بقول من؟ أقول: انظر إلى هذا الفريق والجمهور الكبير من العلماء والأئمة والمجتهدين، أظن أن النفس تطمئن إلى الميل إلى قولهم وفتواهم. وقس على ذلك أي قضية وأي نازلة، إذا كنت مضطراً للكلام فيها، فانظر إلى الجمع الغفير والكم الهائل من العلماء وأئمة الإسلام، فإذا نظرت قولهم في هذه المسألة معيناً، فاتبع ذلك القول المعين، وستجد أنك بإذن الله عز وجل أمام الله بمعذرة، لأنك نظرت إلى هذه المسألة فلم تستطع أن تقول فيها بقول أو باجتهاد من عندك، لأنك قاصر عن الاجتهاد، ثم نظرت إلى من حولك، فوجدت مائة يقولون بهذا القول، وخمسة أو عشرة يقولون بالقول الآخر، فقل بقول هؤلاء المائة، ولا يضيرك عند الله أن تقول: قلت بقول هؤلاء، بل هذا في أمور الدنيا، الآن الواحد لو أراد أن يستشير في علاج أو دواء معين، وقال: ما رأيكم؟ يسأل هيئة استشارية طبية، ويقول: ما رأيكم في استعمال هذا الدواء؟ فتقول له هذه الهيئة: مائة طبيب ينصحونك بعدم تناوله، وخمسة أطباء ينصحونك بتناوله، فهل من العقل أنك سترمي بقول مائة طبيب عرض الحائط، ثم تأخذ بقول هؤلاء الخمسة؟ هذا في بدنك وصحتك، ستأخذ بقول من توافرت عقولهم وأقوالهم بهذا، فكذلك من باب أولى في دينك ودنياك ومعادك. مسألةٌ تتفرع عن هذه القضية -وهي من المفاهيم الخاطئة-: يظن بعض من يسمع بمثل هذه القضايا أن من واجبه أن يتحيز لأحد الفريقين، وأن يتعصب، لا أبداً هذه مسألة لن يسألك الله عز وجل عنها يوم القيامة، أنت ما تتفرج على حلبة مصارعة، يلزمك أن تشجع فلاناً ضد فلان، وفلاناً ضد فلان، ولا يمكن أن تضرب هذه القضايا الخلافية بحلبات المصارعة، بل إذا أردت أن تتدخل في هذه القضية فليكن تدخلك من منطلق قول الله عز وجل: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] إذا وجدت هذا الخلاف قد أفسد ذات البين، وأردت أن تتكلم، فلا تزد النار وقوداً، وإنما اجعل كلامك باباً للتوفيق والتقريب في إصلاح ذات البين بإذن الله عز وجل. فلا يلزمك حينما تسمع بفرقة، أو فتنة، أو اختلاف أن تتحيز لأحد أطرافه إلا إذا رأيت أن الحق الواضح البين مع فريق قد ذهب جمهور العلماء والثقات والأثبات والكبار إليه، فحينئذٍ لك أن تميل، وأن تطمئن إلى هذا القول، وأن تعمل به، وليس ذلك بغريب بإذن الله عز وجل.

كيفية اختيار مجالات العلم والدعوة

كيفية اختيار مجالات العلم والدعوة مسألة أخرى: ستجد حينما تقع مثل هذه القضايا ردوداً ومرادات ونحو ذلك، تجد بعض الشباب لا شغل له إلا دراسة الردود والقيل والقال، حسناً اسأله أولاً عن تأسيس علمه، كيف أسس علمه في الفقه؟ كيف أسس علمه في المصطلح؟ كيف أسس علمه في العقيدة؟ كيف أسس علمه في اللغة؟ كيف أسس علمه في القواعد الشرعية الفقهية وأصول الفقه؟ لا تجد عنده تأسيساً، لكنه يريد أن يشتغل برد فلان على فلان، وقال فلان على فلان، وأشغل حياته بذلك، مع أن نقل الردود ما يسعف عن الله عز وجل، ولئن تلقى الله يوم القيامة وأنت لا تعرف رداً على هؤلاء المختلفين، أو لم تسق رداً بينهم، لن يحاسبك الله على ذلك، لكن ينفعك عند الله عز وجل أن تكون قد أسست علماً رصيناً متيناً مكيناً في العقيدة، والتوحيد، والعبادة، والفقه، واللغة، والمصطلح. فأسأل الله عز وجل أن يؤلف قلوبنا، وأن يهدينا إلى الصواب. كذلك من المفاهيم التي أدركتها ولاحظتها وربما يقع بعض الشباب فيها: التهوين من شأن بعض المجالات، وعدم الالتفات إليها، والقول بالتركيز على مجالات معينة. هذا ليس بصحيح، أنا لا أحسن إلا هذا المجال، فلماذا تهون من شأنه، تريد أن تثبطني حتى أتركه، فلا أعمل، أنا لا أحسن إلا هذا المجال، قد تكون أنت قادراً على مجالات عديدة في الدعوة مثلاً، لكنني أنا لا أستطيع أن أحسن من الدعوة إلا مجالاً واحداً، فلماذا تهون من شأنه؟ بل إذا وجدتني على ثغرة قد عضضت بالنواجذ عليها، فأعني وثبتني واشكرني وأيدني، فإن لم يكن ذلك عندك. لا خيل عندك تهديها ولا مالُ فليسعف النطق إن لم تسعد الحالُ إذا لم تستطع أن تدعمني وتؤيدني على هذا المجال الذي أنا فيه بكلمة طيبة، فإن بخلت وعجزت بكلمة طيبة (فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). أنا أضرب مثالاً من الواقع: شاب يقول لآخر: لماذا تعمل في مكاتب هذه الجالية؟ ليسوا غير هنود رائحين وهنود قادمين وطالعين ونازلين! وهل دعوة غير المسلمين إلى الإسلام أمر هين؟ مثلاً بعض الشباب يرى في باله أنه لو استطاع أن يكبس أو يكتشف أو يداهم شبكة دعارة أن ذلك هو أخطر وأهم وأكبر مجال يستطيع أن ينصر فيه الدعوة إلى الله جل وعلا، لكن أن يسلم على يده هندي، أو هندوسي، أو بوذي، أو وثني، أو نصراني، أو يهودي، هذا مسألة لا تقوم ولا تقعد عنده، لا يا أخي هؤلاء على ضلالهم ودعارتهم على سبيل المثال لا يزالون مسلمين، وهم فساق وعصاة ومرتكبو كبيرة، لكن هذا ترك الكفر إلى الإسلام، كان يسجد للصليب، فأصبح يسجد لله، كان يخضع للأوثان، فأصبح يخضع لله عز وجل، فلماذا تهون من هذا المجال؟ يعني: لا بد أن نؤمن بقدرات وإمكانيات وتخصصات كل في مجاله، بل هذا يدعو إلى النظر في فقه الأولويات والاهتمام به، هل يستطع أحد أن يقول: إن الاهتمام بإنكار منكر أعظم وأجلّ وأعلى قدراً من دخول كافرٍ في الإسلام؟ طبعاً لا، لكن هذا لا يعني أن الذي يعمل في الجاليات يثرب على أهل الهيئات والحسبة الذين يطاردون أهل الكبائر والمنكرات، بل أولئك على ثغر، وأنت على ثغر، وهذا الذي يتربى عند العلماء في حلق العلم على ثغر، وهذا الذي يعمل في الأعمال الخيرية على ثغر، وهذا الذي يعمل في كفالة الأيتام على ثغر، وهذا الذي يدعو في السجون على ثغر، وهذا الذي يخالط الشباب ويدعوهم ويكلمهم ويدعوهم بلغتهم والمستوى الذي يفهمونه على ثغر، وكلٌ على ثغر، فإياك أن تهون من شأن مجال يعمل فيه واحد من إخوانك. ليس هذا- كما قلت- بدعوة إلى أن يجتمع الناس في مجلس واحد، وهو أيضاً تحذيرٌ من أن يهون بعضنا من مجال يشتغل فيه البعض الآخر، إنما من واجبا أن نحترم القدرات والمهارات، وأن نوظف الطاقات كلٌ في المجال الذي يصلح له بإذن الله سبحانه وتعالى.

انصراف الناس عن العمل والدعوة

انصراف الناس عن العمل والدعوة أيها الأحبة! أعود لأقول مذكراً بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمر: (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة). أذكر كما علمت أن أحد الإخوة خطب خطبة جمعة، وبعد الجمعة قال: أيها الأحبة -في مسجد لا يقل عدد المصلين فيه عن ثلاثة آلاف مصلٍّ أغلبهم من الشباب- إننا نفتح مجال المشاركة والمساهمة معنا في مكتب الدعوة وتوعية الجاليات في شعبة متابعة المسلم الجديد، فنريد من يعمل أو يتابع معنا، فلم يتقدم إلا ثلاثة من ثلاثة آلاف، نحلل هذه الظاهرة: إما أن يكون الجميع مشغولين بالدعوة كل واحد منهم في مجال آخر، هذا يعمل في تحفيظ القرآن، وهذا تجويد، وإما أن يكون هؤلاء الثلاثة الآلاف بعد أن نخرج منهم ألفاً هم كبار في السن، ويبقى ألفان إما أن يكونوا مشغولين فعلاً بمجالات الدعوة، ليس لديهم وقت فراغ يعملون، أو أن يكون هؤلاء لم يهتموا بالعمل في الدعوة إلى الله عز وجل، وهذه مسألة خطيرة! لو كان الثلاثة الآلاف هؤلاء كلهم يعملون في الدعوة، لرأيت أمراً آخر. إذاً الواقع أيها الأحبة: لم تعد عندنا تلك الحرقة، وذاك الحماس، وتلك الإيجابية، وذلك التعاون والتخطيط والترتيب، وتلك المتابعة من أجل تحقيق عمل دعوي، أعرف في حي من الأحياء أحد الإخوة على ثغر دعوي، جندي مجهول، ماذا عنده؟ يعلم أطفالاً كتاب الله عز وجل و (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ويأخذهم في كل أسبوع في رحلة يقرأ عليهم من الأحاديث، ويشرح لهم، ويلعب معهم الكرة، ويعطيهم الجوائز، وهو على هذا العمل سنين مستمر عليه، يا ليت كل واحد يأخذ له مجالاً دعوياً، ويعمل فيه! لكن للأسف إلى الآن ما تحركت هذه القضية في قلوبنا الحركة المناسبة، أو بالقدر المطلوب.

خطأ حصر القيام بالدعوة على فئة معينة

خطأ حصر القيام بالدعوة على فئة معينة كذلك أيها الأحبة من الملاحظات: أن تجد من يرى حصر انتفاع الإسلام والدعوة في فئة معينة، يعني: يتصور أنه يمكن يخدم الإسلام فقط أصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء، أو القضاة الأكابر، أو أو إلى آخره، يعني: لا يتصور أنه يمكن أن يخدم الإسلام من جميع البشر الذين أمامه. أيها الأحبة! أنا إذا تصورت أنني لا أستطيع أن أوظف جهود الحاضرين لخدمة الإسلام والدعوة إلا من خلال مواصفات معينة، فمن تنطبق عليهم هذه المواصفات هم الذين سيخدمون، والبقية لن يعملوا شيئاً أبداً، وإذا تصورت أن جميع الحاضرين بإمكاني أن أوظف جهودهم، فأنا أستطيع أن أوظف جهوداً ضخمة وخطيرة وجبارة في خدمة الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، إذاً من أين ينشأ الخلل؟ ينشأ من أنك تتصور أن خدمة الإسلام ونفع الدعوة لا يمكن أن تحصل إلا من عدد محدود، أو من طائفة معينة، والبقية لا، وبعبارة أوضح وأشمل: ينبغي أن تتصور أن الفاسق يمكن أن يخدم الإسلام، والفاسق يمكن أن يعينك في أمر ترجوه عند الله سبحانه وتعالى، ففسقه له وحسناته لله عز وجل، لكن تنفعه بإذن الله سبحانه وتعالى، {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:102]. لماذا لا نتصور أن الإنسان إذا كانت عنده معاص، أو منكرات أو فسق أنه لا يمكن أن يكون عنده عمل صالح؟ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8] بل إن بعض الذين عليهم سمات الفسق الظاهر، أو شيء من هذا تستطيع أنك تكلمه أحياناً، وتشعره بأنه يستطيع أن يتبنى قضايا دعوية، أو أموراً مهمة، فتجد فيه إيجابية، إذاً لماذا نعجب؟

إسلام نصراني على يد فاسق

إسلام نصراني على يد فاسق في مدينة الرياض رجل يشرب الخمر (سكير) لكن فيه خيراً وهو حبيب لطيف، لكنه يشرب الخمر دائماً، فشرب ذات يوم، واتصلت زوجته بأحد الإخوة متضايقة من حاله، فجاء إليهم، فوجد هذا الرجل، ووجد معه السائق -وكان نصرانياً- وجد الرجل جالساً مع السائق يتحدث معه، فعجب كيف يتحدث وهو سكران؟ فإذ به يدعوه إلى الإسلام -والذي لا إله إلا هو أيها الأحبة إن هذه قصة حقيقية- وهو ليس لديه تلك الحقائق عن الإسلام، لكن يقول: اسمه راجو، وراجو هذا أسلم في مكتب الدعوة وتوعية الجاليات في البديعة، ومحضر وشهادة إسلامه موجودة، فيقول: يا راجو! لابد أن تسلم! الرجل في حالة سكر، ليس في حالة طبيعية، طبعاً هو كان يدعوه قبل سكره، يعني: ما جاء الفتح بالدعوة يوم سكر، لا يأتي أحد الناس يقول: أنا عجزت أن أدعو! لا بد أن أشرب كأساً!!! لا، الرجل كان يدعو هذا النصراني في أوقات صحوته، كلما رآه قال: يا راجو أسلم، يا راجو أنت لماذا لم تسلم؟ يا راجو لابد أن تسلم! المهم سكر ذاك اليوم، وجلس يكلمه ويكلمه، ولما جاء الأخ ودخل عليه وجد هذا الأخ راجو متهيئاً تماماً للإسلام، فأخذه وأكمل له اللازم وأنطقه الشهادتين، وأحاله إلى مكتب الجاليات، كيف أسلم؟ والله ما أتته رسالة ولا أعطي كتاباً، لكن هذا الفاسق الذي يشرب الخمر كان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم على يده. إذاً أيها الأحبة! لا نتصور أن من يفعل المعصية لا يمكن أن يفعل الطاعة، لا نحرم المسلمين من نفعه وخيره، ألم يكن الصحابي يجلد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول أحد الصحابة: [أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به في الخمر] فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تعينوا الشيطان على أخيكم) ما قال لهم: يستاهل، وما حفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم طرده عن مجلسه، وما حفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ منه، وما حفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنت صحابي معنا وفي الخلف تشرب خمر؟ سبحان الله العلي العظيم!

إمكان وقوع الخير من جميع فئات المسلمين

إمكان وقوع الخير من جميع فئات المسلمين لماذا لا نتعامل مع المجتمع من حولنا بكل إمكانية وطاقة ومقدرة ونستثمر الجوانب الخيرة فيه، قد يكون عنده تقصير في جوانب، لكن عنده جوانب إيجابية هل تحسسناها؟ هل بحثنا عنها؟ هل التمسناها؟ فإذا حركت هذا الخير في نفسه، طبعاً هذا لا يعني أنك لا تنكر عليه، لا يفهمنا أحد فهماً خاطئاً، بأنك خلاص تقول: والله ما دام هذا الرجل عاصياً أو فاسقاً وحصل منه خير، إذاً لا تنكر عليه المعصية، لا. إنما استثمر ما عنده من الخير أولاً، ابدأه بالخير الذي عنده، وانظر كيف تنكر هذا المنكر الذي وقع فيه بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن في ذلك خيراً عظيماً أيها الأحبة. خلاصة الأمر: أن البعض لا يتصور خدمة الإسلام، أو نفع المسلمين، أو إمكان نفع الدعوة، أو فعل الخير إلا من رجل صالح، لا. بل يمكن أن يقع الخير من صالح سابق بالخيرات، ومن ظالم لنفسه، ومن مقتصد، وهذا في نفس الوقت يجعلنا نخاف، لأننا لا نتكلم وننظر إلى الآخرين، النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر) فخف على نفسك أنت أن تكون ذاك الفاجر الذي ينصر به الدين، الله عز وجل يقول في المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] لماذا لا تخاف على نفسك، وتخشى الله أن تكون ذلك المنافق الذي إذا تكلم سمع له الناس؟ وفيك نفاق قد تأصل وأنت لا تدري، هذا الكلام ليس حكماً على الآخرين فقط، بل هو أيضاً خوفٌ على نفسك، ورغبة في إصلاح الآخرين، والاستفادة من الخيرات الموجودة فيهم بإذن الله عز وجل.

عموم خطاب القرآن للأمة بالإيمان

عموم خطاب القرآن للأمة بالإيمان إن الأمة كل الأمة تخاطب بالقرآن العظيم"يا أيها الذين آمنوا" وهل كل الأمة على درجة الإيمان الكامل بأركان الإيمان وأحكامه وآدابه وشرائعه؟ لا. ومع ذلك خوطبت الأمة بالعموم تغليباً، خوطبت بالجانب الخير فيها، دخل في هذا الخطاب الفساق أهل المعاصي الذنوب، وينادون باسم الإيمان، لماذا؟ تغليباً في الخطاب للجانب الخيّر فيهم، فلماذا لا نغلب في خطابنا واستثمار الطاقات الموجودة في مجتمعنا، أن نغلب الجوانب الخيرة في الناس، فإن ذلك خيرٌ عظيمٌ بإذن الله عز وجل. أقول: إذا فهمت هذه القضية، فإن ذلك يجعلك تستثمر أكبر عدد ممكن من الناس، إذا كان عندك في العمل مائة زميل من زملائك في العمل فيهم عشرة متدينين إن كنت تنظر أنه لا يمكن خدمة الإسلام إلا من خلال هؤلاء المتدينين، فأنت تستثمر عشرة، وإن كنت ترى أنه يمكن أن تستثمر جميع الطاقات الموجودة في هؤلاء، فأنت تستثمر هؤلاء العشرة بدرجة ثمانين في المائة، وتستثمر التسعين بدرجة عشرين أو ثلاثين أو أربعين في المائة بمقدار الخير الموجود فيهم، لكن انظر من أي جانب تدخل، قد يكون هذا الشخص الذي لا تعده متديناً لا يحب الشريط، ولا الكتاب، لكن يمكن أن يكفل داعية، قد لا يحب شيئاً اسمه الكفالات، يمكن أن يهدي شريطاً أو ينسخ شريطاً، أو يعطيك آلة تسجيل ترسلها إلى بلدة مسلمة محتاجة، المهم أنك ستجد أن هناك مجالات خيرة تستفيد فيها بإذن الله سبحانه وتعالى.

دعوة الأفراد ودعوة الجماعات

دعوة الأفراد ودعوة الجماعات أيضاً من المفاهيم الغريبة والعجيبة، وهذه لاحظتها في الخارج كثيراً: أن يتصور البعض أنه لا يمكن أن تتم الدعوة إلى الله إلا من خلال جماعة، أو حزب منظم، فيتصور البعض أنه لا يمكن أن يدعو إلى الله، أو يشارك في الجهود الدعوية إلا بعد أن ينخرط في سلك الجماعة، وأن يلتزم بأحكامها وأوامرها، ونقول: هذا ليس بصحيح. بل هناك أشخاص نراهم أكبر من أفكار الجماعات، ونراهم أوسع آفاقاً من أفكار هذه الجماعات، بعض الأشخاص الله سبحانه وتعالى أعطاه فكراً كبحر يتدفق، والجماعة قوالب معينة، فكيف تريد أن تجر هذا البحر وهذا الفكر، وهذه الفتوحات، وتجعله في قالب جماعة، أو حزب، أو مجموعة منظمة معينة؟ A يمكن أن تدعو إلى الله جل وعلا من خلال هذه الجماعة ومن خارجها، والأدلة والشواهد على ذلك في تاريخ الإسلام كثيرة، أنا أقول هذا أيها الأحبة لماذا؟ لأن بعضهم في ريبة من أخطاء جماعته، أو أخطاء حزبه، يريد أن يترك هذا الحزب، أو أن يترك هذه الجماعة مثلاً، ولكن يظن أنه إذا تركهم فلن يستطيع أن يدعو، أو يؤثر، أو يعمل، لا، A أنه يمكن أن يعمل، وأن يلتزم، بل بعضهم يظن أنه لو ترك هذه الجماعة، لم يعد أمامه خيار آخر إلا أن ينحرف، وأن يضل ضلالاً بعيداً، هذا ليس بصحيح، بل الشريعة والعبادة والدين واضح وجلي بحمد الله عز وجل، ومجالات الدعوة- كما قلنا- متاحة، وتستطيع أن تدعو إلى الله سبحانه وتعالى دون الانخراط في هذا الحزب أو في هذه الجماعة، وهذا ليس من باب الحرب على الجماعات، بل في الجماعات حسنات وسيئات، وعندها صواب وخطأ، والحق مقبول، والخطأ مردود، ولكن المقصود بيان إمكان العمل بسهولة تامة، وتأثير بالغ دون أن يرتبط الإنسان بهذه الجماعة. أما فيما يتعلق ببلادنا في هذه المملكة الطيبة المباركة الذي أراه أننا في بلاد لا يسوغ لنا أن نعمل في ظل جماعات منظمة أو أحزاب، هذا طبعاً كما أعلم غير موجود ولله الحمد، ليس هذا اتهاماً، لكن لو أراد أن يقول ذلك، نقول: لماذا نكون جماعة؟ نحن بلاد مسلمة، ودولة مسلمة، وعندنا خير، وأخطاء، وحسنات، وسيئات، وسيئاتنا وأخطاؤنا لا تخرجنا عن صفة الإسلام، والحسنات الموجودة عندنا تستطيع أن تستثمر جهودك من خلالها، أومن خلال قنواتها، فأنت على خير عظيم بإذن الله عز وجل، فينبغي أن ننتبه لهذا، وحينما أقول ذلك، أدعو حتى لا يقع أحد في أمر جهل منه. أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا ربما شاب غرير يسافر إلى الخارج، ثم يلقى جماعة يقولون له: تعال معنا نريد أن نكون جماعة، تعال بايعنا عندنا أمير، ومسئول، ونقيب، وقل له: يا أخي الحبيب! أنا في بلد مسلمة لا أحتاج إلى ذلك، اسألهم. قل: هذه الجماعة من أجل ماذا؟ يقولون: من أجل إقامة دولة مسلمة، قل: الآن أعيش في دولة مسلمة، الجهود التي تريدني أن أفعلها في إقامة دولة مسلمة هي موجودة، جهودي أوجهها في إنكار المنكر، والأمر بالمعروف، وإصلاح الخطأ، وتكثير الخير، وتقليل الشر ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، لا أن أتصور أنني ينبغي أن أعيش بكيان أو بتنظيم معين داخل هذه الدولة معاذ الله، وعلماؤنا الأفاضل وكبار العلماء قد نهوا عن ذلك، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الإمام مسلم: (لا حلف في الإسلام) في عصور الخلافة، في عهد أبي يكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، في عهد عمر هل وجدتم بعض الصحابة ذهب يصنع له جماعة من أجل أن ينكر منكراً؟ لا. ينكر المنكر مباشرة بأساليبه، بأحكامه، بآدابه، بضوابطه، من يوفق إلى الخير يهد إليه، من يحقق الله على يده خيراً فالحمد لله، من يعجز عن ذلك، أو يبتلى، أو يحصل له ما يحصل، يصبر على ما يأتيه، وهذه سنة الله في خلقه.

خطأ تعليق العمل للإسلام بالجهاد

خطأ تعليق العمل للإسلام بالجهاد كذلك من الغرائب، أو هي من العجائب: تعليق العمل للإسلام بالجهاد، فإذا لم يكن هناك جهاد فلا دعوة، ولا عمل، ولا جهد أو غير ذلك. وهذا ليس بصحيح، إن الجهاد وسيلة لتبليغ الدعوة، فإذا حصل البلاغ بغيره حصل الخير، وأقول هذا الكلام، لأن كثيراً من الشباب الذين بارك الله فيهم، ونفع بهم، وسدد رصاصهم، وأبلوا بلاءً حسناً في حرب الشيوعيين والروس مثلاً في أفغانستان تجد بعضهم لما رجع من أفغانستان، جلس بدون عمل دعوي، لماذا لا تعمل؟ يعني ما هناك عمل إلا في جانب عسكري وإلا فلا يمكن أن تجد عملاً آخر، لا. الجهاد مرحلة متقدمة عند تعذر الدعوة، أنت الآن في بلاد فيها مجالات دعوية كثيرة متاحة ومفتوحة، فبادر يا أخي الكريم بالعمل، ولا تجعل هذا الفكر يتسلط عليك، ترصد أو قصف، أو أسرى أو ألغام إذاً لا عمل! لا. ستجد مجالات للعمل كثيرة بإذن الله. بل إن هذا الفكر، وهو قول الإنسان: ليس هناك جهاد، إذاً لا أستطيع أن أعمل، ربما يدعوك إلى أنك تذهب تحرض أقواماً عاجزين عن الجهاد، أو هم أقليات في بعض البلاد تذهب وتحرضهم على أن يفعلوا عملاً وهم لا يستطيعون مواجهة هذا العدو الكبير، ثم بعد ذلك ماذا يحصل؟ إذا- لا قدر الله- حصل هذا لأنه إنسان متعلق بالجهاد وانتهى الجهاد، وما هناك عمل جهادي، ولا يريد أن يعمل إلا في ظل الجهاد، وفي غير الجهاد لا يتصور أن هناك عملاً ودعوة، يذهب ويحرض أناساً في أي جهة من الجهات، وبعد ذلك يصدقونه ويتحركون معه، وهو مجموعة أقلية مسلمة فقيرة ضعيفة مريضة ليس لديها أي إمكانيات تبدأ تتحرك وجدوا لهم خمسمائة رشاش، وألف قذيفة، وصاروخين استنجر، هيا باسم الله نبدأ بالجهاد، لا يا أخي الحبيب هذا أمر يحتاج إلى نظر، وتأمل، ودراسة، فلا يلزم من انتهاء الجهاد في أفغانستان، أو البوسنة أن تفجر الجهاد في مكان آخر، وأنت لا تدري عن أوضاعهم وظروفهم، ولا تدرس أحوالهم، ولا تعرف من يمدهم، ولا تعرف من يقف معهم، ولا تعرف هل من بينهم من هو قادر على أن يقيم مثل هذا العمل، أو لا يقيمه، فتزج بهم في معركة غير متوازنة ومشاريع عسكرية غير مدروسة، وهذا أمر خطير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

غربة الإسلام المعاصرة

غربة الإسلام المعاصرة كذلك أيها الأحبة من المفاهيم العجيبة حول قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء). بعض الإخوة يتصور أن غربة الإسلام غير موجودة، يقول لك: يا أخي انظر هذه محاضرة، وهذا المجتمع كل الناس حاضرين ولله الحمد، والمسجد ممتلئ، وهناك محاضرات، وهناك ندوات، ولماذا الكلام عن غربة لإسلام؟ ولماذا تتكلم عن غربة الإسلام؟ الخطأ يأتي هنا، لا تحكم بغربة الإسلام وعدمها من خلال بيئتك المحافظة، أو الملتزمة، أو التي فيها أعمال دعوية، أو نشاط دعوي معين، انظر إلى غربة الإسلام والمسلمين أحياءً وأمواتاً في كثير من البلدان في الخارج، يعيشون غربةً حقيقيةً لا يستطيع أحدهم أن يأمن على نفسه ودينه، في بعض البلدان أحدهم لو صلى الفجر مرات متوالية لأصبح متهماً، وفي بعض البلدان الفتاة المحجبة تبتلى وتسجن وتؤذى، هذه غربة حقيقة، لا تنظر إلى مجتمعك، وتقول: والله أنا في خير، وما هناك غربة في الإسلام، لا. الغربة موجودة، لكن لا تنسب الوضع إلى مجتمعك فقط، انظر إلى مجتمع المسلمين عامةً، وانظر إلى حياة المسلمين عامة؛ ستجد الغربة الحقيقية التي ربما جعلت الجيل الثاني، والثالث من أبناء المسلمين يتنصرون، تصوروا في الأرجنتين، وتشيلي، وأمريكا الجنوبية عوائل مسلمة هاجرت، فكانت النتيجة المفجعة المؤلمة أن الجيل الثالث من أبناء هذه العوائل أصبحوا نصارى بأسماء نصارى، وأجدادهم مسلمون بأسماء مسلمين، الغربة موجودة. البعض عندما تكلمه عن غربة الإسلام، يقول لك: يا أخي نحن بخير والحمد لله، حسناً هل الإسلام كله بلادنا؟ حينما تتكلم عن المسلمين فلا تتكلم عن المسلمين فقط في حدود المملكة، بل تكلم عن المسلمين عموماً، فتتكلم عن غربة المسلمين، نعم في بعض البقاع هم بخير، وفي بقاع كثيرة هم في فتن وبلاء وشر الله به عليم، فينبغي أن ننتبه لهذه القضية. وأقول: هذا الشعور بعدم الغربة استناداً إلى ما ترى من واقع الخير- ولله الحمد- يجعلك لا تهتم ولا تبالي بأحوال المسلمين، ولا تتألم بآلامهم، بل لا بد أن تستحضر غربة الإسلام في هذا الزمن، وغربة المسلمين في هذا الزمن حتى يتحرك الجسد، أليس المسلمون كما قال صلى الله عليه وسلم: (كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) نعم. فهناك أعضاء متألمة من جسد الإسلام والمسلمين اليوم يتألمون ويتأوهون ويبكون ويسكبون العبرات، ويصيحون، ولا يجدون من يغيث، أو ينجد، أو ينصر، ولا أدَل على ذلك من الذي يحدث الآن في فلسطين من حال إخواننا المسلمين اليوم، ولكن {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:216] {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].

الحاجة الدائمة للجهاد

الحاجة الدائمة للجهاد أيها الأحبة! إننا ما كرهنا مجيء من حرشوا على هؤلاء أمنهم وأوطانهم، أو بلادهم حتى تتحرك الغيرة الحقيقية، وأن يعلم المسلمون أن أوهام السلام الدائمة هذه غير واردة إطلاقاً، لا يمكن أن يعتقد مسلم يؤمن بالقرآن والسنة أنه سيتم سلام دائم لا يخدشه حربٌ أبداً، لأن هذا الاعتقاد يناقض الإيمان بالحديث (تقاتلون اليهود، فينصركم الله عليهم، ويقاتل معكم الشجر والحجر، حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! ورائي يهوديٌ تعال فاقتله) الذي يتصور أنه يمكن أن تعيش البشرية في ظل سلام إلى أن تقوم الساعة مع اليهود، هذا غير وارد أبداً، وهو مخالف لنصوص الكتاب والسنة، ربما يقع سلام في أزمان معينة، لكن لن يدوم، لن يستمر إطلاقاً، وهذا هو اعتقادنا. أيها الأحبة! أيضاً من القضايا التي نلاحظها أن بعض المسلمين عنده غيرة، أو اجتهاد، أو نوع من الحركة، ولكن مثل: المسحة الطبية صالح للاستعمال لمرة واحدة فقط، بعض الإنسان عنده غيرة واحدة فقط استهلكها في أفغانستان، ما بقي عنده أي تحمس سواءً للبوسنة، أو للشيشان، أو لـ فلسطين، أو أورونيا، أو آراكان، أو بورما، أو الفليبين، أين الغيرة؟ استهلكناها في أفغانستان، أين العواطف والمشاعر الجياشة؟ ذهبت في قضية أفغانستان، هذا ليس صحيحاً، الغيرة المطلوبة من المسلم ينبغي أن تكون متجددة في كل عصر عاش فيه، في كل زمان عاش فيه، وكذلك في كل قضية من قضايا المسلمين ليحقق هذا التآلف، وهذا الترابط الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم.

أهمية تحري الدقة في وصف الواقع

أهمية تحري الدقة في وصف الواقع من العجائب والغرائب: أن نجد عند بعضنا مبالغةً في وصف الواقع، وتزيّداً واستطراداً في وصف الأحداث ونقلها، والواجب أن نكون أُمناء في الكلمة، وأن نصف الواقع بدقة، وأن ننقل الحدث حينما تدعو الحاجة لنقله بدقة، وألا نبالغ أبداً، صف ما رأيت، وانقل ما سمعت ولا تتجاوز. إن المبالغة في وصف الأحداث قد تفضي إلى التثبيط والإرجاف والتخويف والإضعاف، وإن التهوين والتساهل في نقل الأحداث، ووصف الواقع قد يفضي إلى عدم أخذ الحيطة الكاملة والأهبة التامة أيضاً، فحينما نكون دقيقين في وصف واقعة معينة، فإن ذلك يجعلنا أمناء في نقل الكلمة، ونجعل الآخرين يأخذون للقضية أو للحدث حقيقتها التي لا زيادة فيها ولا نقصان. فلو أن واحداً من الناس يقول: يا إخوان! شبَّ حريق في العمارة الفلانية -واشتعلت الأدوار الثلاثة، والأبواب، والنوافذ، فيأتي الإنسان الذي عنده رغبة في إطفاء الحريق، يقول: ماذا بقي؟ القضية انتهت والمبنى انتهى واحترق، إذاً لا حاجة، ما تجد عندك حرقة لأن تبادر، لأن المبنى احترق وانتهى، وفي الحقيقة أنه ما احترق إلا دور واحد، أو دوران فقط، فلو نقلت إليه الحقيقة، لبادر لاستدراك ما يمكن استدراكه من البناء دون أن يحترق، ويأتي آخر، يقول لك: والله إنه حصل حريق، لكنه في نافذتين وباب فقط، ولا أكثر، أو المبنى سليم، فهذا الذي يرغب أن يتحرك للإطفاء، يقول: مجرد نافذتين وباب، لا تحتاج إلى هذا الجهد كله، الناس الذين حوله يستطيعون أن يصلحوه، فانظروا من أين جاء الخلل: لما بالغنا في نقل الحدث أصبح فيه إرجاف وتثبيط ويأس، وعدم تفاؤل وإمكانية، أو غلب على الظن أنه ما عادت هناك إمكانية للسيطرة على هذا الحريق، ولما هونا من شأن الحدث، أصبح الأمر هيناً وكلناه وأسندناه إلى الذين بجواره، لكن إذا نقلنا الحدث بدقة، فإن ذلك يدعو إلى أن كلاً يأخذ أهبته، ويستعمل قدرته، ويشارك بحسب طاقته. أقول هذا الكلام أيها الأحبة! ونحن نلاحظ أن هناك أحياناً مبالغات في نقل بعض الأحداث، ووصف بعض القضايا والوقائع، والواجب أن نكون دقيقين في نقل الكلام والأحداث، لست بحاجة أن أضرب الأمثلة مثلاً بقضية أفغانستان، فأذكر أن الكثير وأنا كنت واحداً من هؤلاء وهذا ليس والله دعوى أو بدافع كذب -معاذ الله- ولو كذب الإنسان ما كذب في منبر ولا في بيت الله، لكن بدافع الحماس يُحدث الناس على القضايا بما يُتفاءل به، تحدث الناس عن القضايا أنه سيكون كذا، وسيكون كذا، والأمل أن يحدث كذا، والأمل أن يحدث كذا، وأطلنا الحديث في الآمال والتفاؤلات، وما كان الحديث دقيقاً في وصف الواقع، فلما جاءت الغرائب والعجائب، قلنا: كيف حصل هذا؟ لو كنا أيام أفغانستان نسمع وننقل ونتداول الواقع بدقة بحسناته وسيئاته ما كان الذي يحدث اليوم أمراً عجيباً ولا غريباً علينا، لكن كنا نتكلم عن الواقع بنفس فيها تفاؤل، وأنه سيحدث كذا، وسيكون كذا بإذن الله، وهذا يدل على كذا، لم تكن هناك دقة في وصف الواقع، لكن نقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة:143] لن يضيع كل جهد من جهاد، أو حماس، أو تبرع، أو بذل، أو عمل يرجو به الإنسان وجه الله عز وجل، حتى وإن تقاتل المجاهدون، أو اختلفوا، أو قامت بينهم الفتن، نسأل الله أن يصلح أحوالهم بإذن الله عز وجل.

القبول بما تيسر من العمل

القبول بما تيسر من العمل ومن القضايا والمفاهيم الغائبة: أن البعض يطمح إلى أعلى درجات العمل أو عدم العمل. يعني: إما أن يركب سيارة شبح (ستمائة إس إي إل) أو يمشي حافياً، وينيت، كرسيدا، بيجو، هذه غير واردة، إما شبح ستمائة أو المشي حافياً، حسناً يا أخي الحبيب أليست هناك درجات في وسائل النقل بين هذه السيارة وبين أن تمشي حافياً؟ إما أن تلبس حريراً أو تتعرى!! هذا ليس بصحيح. تجد البعض مثلاً تقول له: العمل، الدعوة، النشاط، يقول لك: انظر يا أخي متى ما صارت الأمور كذا وكذا وكذا -وأعطاك مواصفات مثالية متكاملة رائعة لمجتمع لا ينقصه شيء- وإلا فلن أعمل، أساساً لو كان الوضع هكذا ما احتجنا إلى عمل. فيا أخي الحبيب! عود نفسك أن تعمل في ظل القدرات والظروف والأجواء المتاحة أمامك، أنت الآن تقود سيارة نزل الضباب، تهدئ السرعة، ارتفع الضباب، تستطيع أن تسرع قليلاً، زاد الضباب، تمشي رويداً رويداً، لو تمشي عشرة كيلو متر في الساعة، فدائماً ضع هذا أمامك إمكانياتك المادية، اندفع بقوة إذا ارتفع الضباب، ضباب الفقر وإمكانياتك المادية ضعيفة، اعمل في ظل هذه الإمكانيات المادية لنزول ضباب الفقر مثلاً، وبهذه النفسية يكون عندك استعداداً أن تعمل صيفاً وشتاءً ليلاً ونهاراً في جميع الأجواء والظروف، وتستمر على العمل بإذن الله عز وجل، لأن البعض إما أن يعمل في كل مجال، وفي كل ميدان وبأعلى طاقة، وإما ألا يعمل، وأقول: هذا من المفاهيم الغائبة، وربما هو من وسوسة الشيطان أيضاً {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} [البقرة:268] فمبدأ: ونحن أناسٌ لا توسط بيننا لنا القبر بين العالمين أو الصدر يا إما أعلى قمة، أو القبر، هذا ينبغي أن نزيله في الدعوة إلى الله عز وجل، وأن يكون مبدؤنا في الدعوة: أن تعمل في كل مكان بقدر الإمكانيات والمجالات والظروف المتاحة بإذن الله عز وجل.

ترك العجلة ومراعاة عامل الزمن

ترك العجلة ومراعاة عامل الزمن من الغرائب: العجلة، العجلة (ولكنكم قوم تستعجلون) {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:37]. فلا تكن عجلاً في الأمر تطلبه فليس يحمد قبل النضج بحران ينبغي للإنسان أن يعطي الأمور قدرها، الصغير لا يكبر إلا في ظل زمن، البيت لا يبنى إلا في زمن، الإنسان لا يأخذ الشهادة الجامعية إلا في زمن، ستجد أن الزمن ظرف وعنصر رئيسي في كثير من القضايا، ولا تبلغ الأمور أشدها وتستوي جيداً إلا بمرور الزمن، فكذلك العمل والدعوة والإصلاح وكثير من القضايا تحتاج إلى صبر، وتحتاج إلى زمن، وتحتاج إلى تفاؤل، وعود نفسك على التفاؤل يا أخي، إن تشاءمت فإنك تقتل نفسك، وإن تفاءلت فأنت تدفع نفسك، وتتنفس عبيراً ونسيماً طلقاً بإذن الله عز وجل، تستطيع أن تقول: نصف هذا الكأس فارغ متشائماً، وتستطيع أن تقول متفائلاً: نصف هذا الكأس مملوء، تستطيع أن تقول في العسل: تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير ذماً ومدحاً وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير تستطيع أن تقول إذا كنت محباً لأبيك: هذا والدي، وتستطيع أن تقول: هذا زوج أمي، القضية واحدة، لكن بحسب ما في نفسك وما في شخصيتك من التفاؤل ينعكس على أسلوبك وعباراتك، وبحسب ما في نفسيتك وشخصيتك من التشاؤم ينعكس أيضاً على أسلوبك وعباراتك.

التمسك بالدعوة في جميع المواقف

التمسك بالدعوة في جميع المواقف في الختام ينبغي ألا تجعل ضعف موقفك سبباً في قعودك عن الدعوة إلى الله عز وجل، لا يمنعك من الدعوة ضعف موقفك، أو ضعة موقعك كأن تكون صغيراً بين كبار، أو فقيراً بين أغنياء. نعم أيها الأحبة! هل تتصورون موقفاً أضعف وأحط من موقف تلك المرأة التي كانت على فراش الزنا بين رجلي الزاني، على حالة من الفقر والضعف، ومع ذلك ماذا قالت؟ كما في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، فانحدرت صخرة من الجبل، فانطبق الغار عليهم بهذه الصخرة، وقالوا: إنه لن ينجيكم مما أنتم فيه إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، الأول توسل إلى الله ببره بوالديه، والثاني توسل إلى الله عز وجل بأنه أعطى الأجير أجره، والثالث توسل إلى الله بأنه كانت له ابنة عم، وكانت على أحسن ما تكون عليه النساء، وأنها كانت تحتاج إليه، فيراودها عن نفسها، فتأبى وتتمنع، وأنها جاءته في سنة قحط أو جدب، فأرادت منه الإعانة أو المال، فقال: لا أعطيك حتى تمكنيني من نفسك، فتحْت ذِلة الحاجة ووطأة الفقر وجدب السنين وقحط الأرض، رمت بنفسها تحت قدميه، فلما تمكن منها، ما كان موقفها الضعيف الذليل صارفاً لها عن الدعوة، بل في تلك اللحظة التي هي في أحط موقف، قالت: اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، حتى في اللحظات الأخيرة من الضعف والهوان، فنفعت تلك الرسالة، وتلك الدعوة، وتلك الكلمة، فقام وتركها وترك المال. إذاً: لا يمنعك ضعف موقفك وموقعك من الدعوة إلى الله عز وجل. وكما مرَّ بنا: إن موقف الهدهد الطائر أمام الملك النبي سليمان عليه السلام ما منعه من أن يدعو وأن يبين، وموقف النملة تحت جيش جرار يهز الأرض، ما منع النملة أن تنصح قومها {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [النمل:18].

أهمية وضوح الموقف

أهمية وضوح الموقف أيها الأحبة وختاماً: وضوح المواقف أمر مهم جداً: إن الكثير من الشباب لا تجده ينطلق في الدعوة، وحياته، وتعامله من مواقف واضحة، على سبيل المثال: وأنا أقول هذا الكلام ديانةً، لأنني أعتقده عقيدة أدين الله عز وجل بها، يعني: ستجد البعض حينما تناقشه في مسألة، تقول: هذا أسلوب لا يليق، أو لا يناسب، لماذا؟، تقول: لأننا في مجتمع فيه حاكم شرعي، وله بيعة، وله سمع وطاعة، وقد اجتمعت الأمة هنا عليه، وأهل الحل والعقد قد بايعوه، فأنت تعتقد أن هذا الأسلوب لا يناسب، ولا يجوز، ولا يرضي، فلا تجده يسلم لك، ولا تجده يفصح عما في نفسه مثلاً، فالغموض واللعب بالمواقف هذا لا يصلح، كن واضحاً وضوحاً جلياً جيداً، عندما يقولون: ما هو موقفك من هذه القضية؟ ترفعها بكل وضوح، موقفك من أهل البدع؟ وموقفي واضح، موقفك من الفاسق، كيف تتعامل في خيره وتنصحه وتتقي شره؟ لا بد أن تكون واضحاً، هذا الوضوح ينعكس أخي الحبيب على أسلوبك. أذكر- والشيء بالشيء يذكر- أن المارق المسكين هذا الذي اسمه المسعري صاحب لجنة الحقوق جمعني به مجلس قبل أن يفعل فعلته هنا، فأخذ يتكلم حديثاً اشمأززت منه، فقلت له: يا أبا فلان، يا دكتور أنا أوافقك بشرط أن توضح لي الآن موقفك، هل أنت ترى بيعة وسمعاً وطاعةً، وتوافق ما أجمع وأطبق عليه كبار العلماء الأخيار الأبرار الصالحين، أم لا؟ قال: لا، لا، لا، هذه قضية ما لها داعي، ولا تدخلها في حديثنا، قلت له: لا، اطرح هذه القضية أولاً، فإذا اتفقنا عليها، تفرع عنها أسلوبنا في الدعوة، فإن أسلوبك في الدعوة فرع عن موقفك من الوالي، أو الإمام، أو الحاكم، إن كنت ترى بيعته، فأسلوبك يختلف، ويتمشى بحسب أوضاعك، وإن كنت لا ترى ذلك، فأسلوبك يختلف أيضاً، ليس هذا باتهام لأحد، أو بقول على أحد، لكن أنا هذا الحديث الذي دار بيني وبين هذا الرجل، ولا أعممه على أحد أبداً، فأقول: لا بد أن يكون الإنسان واضحاً في مثل هذه القضايا لمصلحة الدعوة إلى الله عز وجل، ولمصلحة استمرارك في العمل الدعوي، وإذا كتب على الإنسان ما كتب، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أيها الأحبة! هذا بعض ما جمعت في هذه القضايا أو هذه الأمور التي وجدتها إما مفاهيم غائبة، أو أخطاء يقع فيها الكثير، فأسأل الله عز وجل أن يجعلها خالصة لوجهه، وأن ينفعنا وإياكم بها، وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته واسمه الأعظم أن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن يرحم المستضعفين في كل مكان، وأن ينصر المجاهدين في فلسطين، وأن ينتقم من اليهود عاجلاً غير آجل، وأن ينصر إخواننا في الشيشان، وفي الفليبين، وفي كل مكان يا رب العالمين. اللهم لا تدع لهذه الوجوه ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيما إلا زوجته وأسعدته يا رب العالمين، ورزقته ذريةً صالحةً بمنك وكرمك يا رب العالمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا على طاعتك، ولا تفرّح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

أرقام تتحدث عن حال المسلمين في البوسنة

أرقام تتحدث عن حال المسلمين في البوسنة أيها الأحبة قبل الإقامة هذه رسالة كريمة من أخ كريم وهو الشيخ/ عبد الكريم بن سعد المقرم مدير مكتب منطقة مكة المكرمة للهيئة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك، يقول فيها -الخطاب إن شاء الله إلى الجميع-: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لقد خلفت الحرب الطاحنة التي دارت رحاها أكثر من ثلاث سنوات في جمهورية البوسنة والهرسك الكثير من المآسي والمعاناة التي جفت في ذكرها المحابر، وتكسرت في وصفها الأقلام، وضاقت بحروفها وجملها الدفاتر والأوراق، وإليكم هذه الأرقام الناطقة لتتصوروا معنا فظاعة ما حدث: مائة شخص كانوا يموتون يومياً بسبب الجوع. مليونان ومائة وثلاثون ألف لاجئ داخل البوسنة وخارجها. أربعة عشر ألف وثلاثمائة وخمسة وسبعون نوموا في المستشفيات بسبب الأمراض والإصابات. مائتان وخمسة وسبعون ألف قتيل. خمسون ألف طفل وشاب معوق. ألف مسجد تم تدميرها. خمسة وثلاثون ألف طفل ماتوا برصاص القناصة. تسعون بالمائة من أطفال البوسنة كانوا يعيشون في خنادق تحت الأرض. خمسين في المائة من أطفال البوسنة شاهدوا مقتل أقاربهم وجيرانهم. أربعون في المائة من أبناء البوسنة فقدوا الأب والأم. نسأل المولى جلت قدرته أن يرفع البلاء، وأن يكشف الهم، وأن يزيل المحن عن المسلمين في كل بقاع الأرض، والهيئة العليا بتوفيق الله، ثم بدعم متواصل من حكومة خادم الحرمين الشريفين أيده الله والمحسنين في هذا البلد تقوم بدور عظيم لدعم صمودهم وتخفيف آلامهم ومواساتهم بما تقدمه هذه الهيئة المباركة من مساعدات إنسانية في مجالات الطب والتغذية والتعليم مع الدعوة إلى الله، وذلك بتبصيرهم بأحكام الدين، وتدريس القرآن في المساجد إلى آخر هذا الخطاب. يقول: وحيث إن الله تعالى وفق قادة هذه البلاد الكريمة لنصرة قضايا المسلمين في كل مكان، وجعل أبناء هذه الديار كالبلسم الشافي لجراح المسلمين، وهذه نعمة من نعم الله، فعليه نأمل من إخواننا التعاون معنا في تحريك المشاعر الإسلامية والإنفاق في سبيل الله والعناية بالبذل، وتسليم التبرعات لمندوب المكتب علماً بأن الجمع سيكون في صناديق مغلقة، وسيتم فتحها وجردها بإشراف لجنة مختصة في مقر المكتب. لذا أيها الأحبة أدعوكم ونفسي أن تتبرعوا، وأن تبذلوا ما استطعتم لهذه اللجنة الموفقة المباركة، أسأل الله أن يدفع بذلك البلاء عنا وعنكم، واعلموا أن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع أنواع البلاء، وتدفع ميتة السوء، أسأل الله أن يكفينا وإياكم كل شرٍ. أقول قولي هذا وأستغفر الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من يحقن دماء المسلمين؟

من يحقن دماء المسلمين؟ هذه خطبة تتحدث عن مآسي المسلمين في أرض البلقان -البوسنة والهرسك- كما تتعرض لبعض جرائم الصرب في حق إخواننا المسلمين هناك. ثم هي نداء إلى كل مسلم غيور، من أجل أن يبذل كل ما يستطيع في سبيل نصرة إخواننا في أرض البلقان. وقد كان هناك تعقيب للشيخ عمر أحمد سيف تحدث فيه عن فضل الجهاد والمجاهدين، وعن الشرك وبعض أقسامه.

مآس من أرض البلقان

مآسٍ من أرض البلقان الحمد لله مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء, وينزع الملك ممن يشاء, ويعز من يشاء, ويذل من يشاء, وهو على كل شيء قدير، الحمد لله الخالق من العدم، ومسدي النعم، ودافع النقم، ومبيد العصاة من الأمم، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله حتى يرضى، والحمد له إذا رضي، والشكر له إذا رضي. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم القيامة، والفلاح في الدنيا والآخرة، أشهد أن لا إله إلا الله، واحد في ربوبيته، فلا مالك ولا مدبر ولا متصرف ولا محيي إلا هو، واحد في ألوهيته، فلا يعبد ولا يذبح ولا ينذر لغيره، الحمد لله، واحد في أسمائه وصفاته، جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، كان بنا براً رءوفاً رحيماً: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فلا نجاة -والله- إلا بها، يوم تضيع الأحساب، ولا تنفع الأنساب، وتتطاير الصحف، ولا ينفع خليلٌ خليلاً: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1]. عباد الله: يقول الله جل وعلا: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء:75] وقال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج:39]. معاشر المؤمنين: وما تزال أنهار الدماء تجري، وما يزال الجرح النازف صبيباً سكيباً على أرض البوسنة والهرسك، الذي لا يحيط مدى وصفه إلا الله جل وعلا.

أين ذهب دعاة حقوق الإنسان

أين ذهب دعاة حقوق الإنسان عباد الله: وما تزال جهود الأمم الأوروبية المشتركة، دعاة الديمقراطية، وأساطين حقوق الإنسان، ما زالت تواصل سعيها، حتى أمنت أرواح الكرواتيين، واطمأنت على دماء النصارى، وبعد ذلك لم تبالِ ولن تبالي بأي واد هلك المسلمون، وبأي نهر جرت دماؤهم، ومن ذا ينتظر من العدو رحمة؟ ومن ذا ينتظر من الحاقد براً؟ عباد الله: إخوانكم الذين سمعتم وقرأتم وعلمتم عن أحوالهم، لا تزال الأحوال في ضعف ونقص وهلاك، وقبل يومين أو ثلاثة وصل إلى جدة واحد من الأفاضل الذين زاروهم هناك، وقال: إن دام الأمر على هذه الحال، فتقبلوا العزاء في كل المسلمين في جمهورية البوسنة والهرسك، إذ أن الحرب ضارية، والعداوة مشتعلة، ولا تفرق بين حبلى أو حائل، أو صغير أو كبير، أو عجوز أو فقير، فإنها حرب تمشيط وتصفية، عودة صليبية كما حصل للمسلمين في الأندلس، في الوقت الذي نرى فيه شعارات حقوق الإنسان ترفع، وفي الوقت الذي نرى فيه الهيئات تتخطى ملايين الأميال لكي تعالج قضايا بعيدة معالجة الشطط والحيف والجور والإثم، وتغمض بعين ملؤها الحقد، تغمض عما يدور بجوار منطقة أوروبا أو في وسط دول البلقان.

صرخة من سراييفو

صرخة من سراييفو معاشر المؤمنين: باختصار وضع البوسنة والهرسك الآن أموال للنهب والسلب، وبيوت للدمار، وصبايا للاغتصاب، وأحداث للفواحش، وشيوخ للهوان، وعجائز للتشرد، ونساء للترمل، وأطفال لليتم. إن دام هذا ولم يحدث له غيرٌ لم يبكَ ميت ولم يفرح بمولود معاشر المؤمنين: نشرت إحدى الجرائد، وهذا غيض من فيض، وقليل من كثير من حقائق ما يدور, أن عروساً دخل عليها الصربيون فلم تجد بعد مذبحة عظيمة, وبعد هتك ما ترك فيها عفة، كفنت أسرتها بثوب زفافها. وفي سراييفو العاصمة دماء, وخطف, واغتصاب, وتهرب الأم التي تهيأت للمخاض، وتجد آلام الطلق, تخرج هاربة من البيت، فيقعدها المخاض على الأرض، وتخر جاثية، فتلد في الطريق، تتشحط بنزيف ومرض ولا تجد من يغيث، وتترك طفلها بحبل سرته، مرتبط بها، تحت رحمة أقدام الغادين والرائحين!! معاشر المؤمنين: أهذا شيء يخطر بالبال أن يقع بالمسلمين؟! قل للغفاة عن الجهاد ألم تروا ماذا يراوح دينكم ويغادي أأموت في كف اللئام وأنتم حولي ولم يهززكم استنجادي كم واحد منكم وممن سمعوا الصيحات حمل اللواء، وأقام الليل، واجتهد في الدعاء، وقاد حملة التبرعات، وبذل ما يستطيع، أم اكتفينا بخطبة وقتية، ومشاعر آنية، وبعد ذلك كأن شيئاً لم يكن. أأموت في كف اللئام وأنتم حولي ولم يهززكم استنجادي صرخات المسلمين في البوسنة والهرسك، تنادي كل مسلم في قلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتقول له: أأموت في كف اللئام وأنتم حولي ولم يهززكم استنجادي أأرد عن داري أأقتل صابراً بيد الحقير أتستباح بلادي يا نائمين على الحرير وما دروا أنا ننام على فراش قتاد متلفعين دم المعارك ما لنا إلا الحصى في القفر ظهر وساد نغدو على النيران يذكيها لنا غدر اللئام وخسة الأوغاد ونبيت لا ندري أنصبح بعدها أم أن عين القتل بالمرصاد يا نائمين وما دروا أنا هنا لسنا نذوق اليوم طعم رقاد

أبناء البوسنة والهرسك في أحضان المنصرين

أبناء البوسنة والهرسك في أحضان المنصرين معاشر المؤمنين: من تنتظرون وما تظنون؟ من تتوقعون أن يعمل في ظل هذه الظروف، إلا من رحم الله من المسلمين؟ بدأت الأميرة اليزابيث مع مطلقة المليونير الأمريكي إيفان ترامب، بدأت بحملة شعبية في لوس أنجلوس لجمع التبرعات لأطفال البوسنة والهرسك، كافرة تقود حملة لإغاثة أطفال المسلمين! وأين أنتم معاشر المسلمين؟! والحملة في برنامجها شراء سيارة لنقل الضحايا، ولماذا الحملة لأجل الأطفال؟ معلوم أنها حملة لجلب الأطفال وتربيتهم في معاهد فيالق السلام، ورسائل الإصلاح، وصوت الأناجيل، ومحاضن التبشير والتنصير، ما كانت حملة رحمة، ولا حملة إنسانية، وإنما حملة لأجل قطف ثمرة ريعان الصبا، وتفتح الطفولة على مبادئ ومعتقد الأرثوذكس والبروتستانت والكاثوليك، وأما الهيئات الإسلامية مع وجودها في الساحة، إلا أن جهدها لا يكاد يذكر بالنسبة لواقع المصيبة، وواقع الحملة الصربية الشعواء.

من المسئول عما يحدث في أرض البلقان

من المسئول عما يحدث في أرض البلقان معاشر المسلمين: من الملوم؟ من الآثم؟ من الذي يتحمل مسئولية هذا الهدر لأرواح المسلمين، وهذا النزيف لدمائهم، من يتحمل هذا؟! كل مسلم قدر على شيء تجاه هؤلاء فقصَّر أو بخل به، أو قعد عن القيام به، يناله من الإثم بقدر ما تحمل من المسئولية، وبقدر ما قدر عليه من الواجب، لن نعلق المسئولية على أحد بعينه، كل واحد منا يسأل نفسه وليسأل نفسه: ماذا استطعت أن تفعل وبم؟ معاشر المسلمين: لقد كان بوسع الرئيس علي عزت بيقوفتش، والمسلمين في البوسنة والهرسك، لقد كان بوسعهم أن يمدوا يد الخيانة والنفاق، ويد العمالة ويعلنوها دولة الأديان، كما تنادي بعض البلدان على مبادئ البانش سلا، والمبادئ الخمسة، وتعايش الأديان في ظل سلمي، لقد كان بوسعهم أن يعلنوها دولة الأديان، ودولة النصارى، ودولة الإسلام، ودولة العلمانية، ودولة الوثنية، ودولة كل بدعة, وكل ملة، وكل نحلة، ولكنهم أعلنوها فقط دولة إسلامية، فكان جزاؤهم ما ترون، ولو باعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل، لكان أول من يفادي عنهم حلف الناتو، ودول الكمنولث، وأول ما يدعمهم السوق الأوروبية المشتركة، وتكون قضاياهم على أولويات مقاعد الهيئات الدولية. ولما اختاروا الإسلام اختير لهم أن يكونوا في إرشيف القضايا، كقضية فلسطين، وإن حركت أوراق الصادر والوارد في القضية، أما صُلب القضية فلا حوار ولا جدال حوله. معاشر المؤمنين: ومع هذا فثقتنا بالله أن النصر للمؤمنين، وأن العزة للمسلمين: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105] وثقتنا في الله بقوله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} [القصص:5] ألم يستضعفوا؟ بلى. أليس وعد الله حق؟ بلى. {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5]. معاشر المؤمنين: والله لو اختار المسلمون في البوسنة والهرسك، أن يعلنوها علمانية، أو يعلنوها دولة الأديان، لتكفل النصارى بأبنائهم، ولتحركت حقوق الإنسان لنجدتهم، ولحسمت قضاياهم في أول قطرة أريقت منهم، أما وقد أرادوا الإسلام فلا سبيل إلى الرحمة والنجدة: {هَاأَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ} [آل عمران:119] في المحافل في الهيئات على جدران الصحف وأوراق المجلات: {قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران:119]. وكيف نظن بنصراني حاقد أنه قد رضي عنا، وقول الله أبلغ: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]؟!

نداء إلى كل مسلم

نداء إلى كل مسلم ولكن يا عباد الله! أين الرجال؟ أين الشباب؟ أين الشابات؟ أين المعلمات؟ أين الصالحات؟ أين الغيورات؟ أين المثقفون؟ أين المتدينون؟ أين المتعلمون؟ أين كل مسلم مهما بلغت ذنوبه، وظهرت معاصيه، وفشا فسقه، أين هو عن هذه النجدة؟! إن المعصية لا تمنع الطاعة، وإن السيئة لا تمنع الحسنة، بل ذلك سبيل إلى محو المعاصي والسيئات. أين الرجال الذين أسروا ضباط الروس في أفغانستان؟ أين الشباب الذين كسروا فلول الصاعقة، وكانوا سبباً من أسباب انهيار دولة عظمى، ودمروا صنم لينين؟ أين الذين ذبحوا الشيوعيين على الطريقة الإسلامية؟ أين أولئك؟ هل كلت منهم السكاكين؟ أم تثلمت منهم المدى؟ أين أسامة؟ أين الأسد؟ أين أسود الشباب؟ أين أسود الرجال يا عباد الله؟ إنها صرخة ليست لمن في هذا المسجد وحده، بل لمن سمع النداء: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً} [النساء:84]. من لإخوانكم يا عباد الله؟! من للثكالى إذا ناحت نوائحها من للجراح التي استشرت بوادينا من لليتامى إذا سالت دموعهم على الخدود وقالوا: من يواسينا من للضحايا إذا ضجت مرددة صدى المنية قل اليوم باكينا من للسيوف وقد لانت أسنتها أيغمد السيف قهراً في نوادينا أين السيوف على الأعداء مشرعة بوارق في خضم النقع تهدينا الله أكبر يا غارات معتصم عودي ففي القلب شوق كاد يفنينا معاشر المسلمين: لعلها صيحة تبلغ آذان الغيورين، تبلغ آذان الذين دعموا الجهاد في أفغانستان، وشاركوا الجهاد في أفغانستان، أن ينقلوا رحى الحرب إلى دول البلقان، واعلموا أن الحرب لن تكون فقط على البوسنة والهرسك. فالليالي من الزمان حبالى مثقلات يلدن كل عجيبه اللهم عليك بالصربيين، اللهم أنزل عليهم طيراً أبابيل، اللهم سلط عليهم جنودك الذي لا يعلمهم إلا أنت، اللهم اقتلهم بدداً، وأحصهم عدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم ارحم المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم ارحم المستضعفين هناك، اللهم احقن دماءهم، واجبر كسورهم، وفك أسراهم، وارحم ضعفهم، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

ابذلوا أموالكم ودعاءكم في نصرة المجاهدين

ابذلوا أموالكم ودعاءكم في نصرة المجاهدين الحمد لله، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أمة الإسلام: متى نبلغ مرحلة نتجاوز فيها وصف الأحداث، وتحليل الوقائع؟ متى نبلغ مرحلة يكون الحدث إشارة لانطلاق الفعل؟ متى نبلغ مرحلة تكون الواقعة انفجاراً تجاه المطلوب؟ متى نبلغ مرحلة تكون المذابح والمآسي بداية أو انطلاقة لنقدم ما ينبغي، لنبذل ما يجب، لنتفاعل على الوجه الصحيح، أما أن نتقلب في وصف الأحداث، ونخرج من الجوامع والمساجد، قالوا عن اليوغسلافيين كذا، وقالوا عن الألبان كذا، وقالوا عن الأفغان كذا، ثم نعود بعد ذلك كما قال شاعر قوم عاد: وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم نهاركم وليلكم التنامي نتقلب على الفرش، وبين الضياع والزوجات. معاشر المؤمنين: علينا أن ننتقل من مرحلة وصف الأحداث، ليسأل كل واحد منا نفسه: ماذا علي أن أفعل؟ وماذا ينبغي لي؟ فإن سمعت الجواب وإلا فاسأل، حتى تبلغ الجواب. معاشر المؤمنين: تعودنا في أحداثنا أن نكون كما قيل: أوسعتهم شتماً وأودوا بالإبل، إننا لو لعنا الصربيين من الآن إلى ألف سنة قادمة، هذا لا يغني عن خطوة إيجابية في كفالة يتيم، أو تجهيز مجاهد، أو إرسال سلاح، أو شراء عتاد ينفع إخواننا هناك، أما أن نردد المآسي، وأن نذكر المصائب، فنحن كمن يصف سيارة اتجهت لكي تدهس بيته وأولاده، فأخذ يرقب النافذة، ويقول: السيارة اقتربت، السيارة دنت، السيارة وصلت، إلى أن تدهسه وبيته في مكانه، هذا لا يجدي ولا ينفع. عادتنا أن نصف الأحداث وننتظر غيرها، كما قال القائل: حرب حزيران انتهت وكل حرب بعدها ونحن طيبون تغلل اليهود في بلادنا ونحن عائدون ناموا على فراشنا ونحن راجعون وصوت فيروز من الفردوس يأتي عائدون حرب حزيران انتهت جرائد الصباح ما تغيرت الصور العارية النكراء ما تغيرت إذا خسرنا الحرب لا غرابه لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابه بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه بمنطق الطبلة والربابه إنا نتوق لألسن بكم على أيد فصاح الكفر جمع شمله فلمَ النزاع والانتطاح يا ألف مليون وأين هم إذا دعت الجراح هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح من كل ألف واحداً نغزو بهم في كل ساح ولكن كما قال صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد في المسند عن ابن عمر: (الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة) ولكن قبل أن نفيض في هذا السؤال، وندع لكم الجواب، ولنسأل بهمسة: هل نحن جادون في خدمة الإسلام؟ هل نحن جادون في التضحية للإسلام؟ إن من ادعى الصدق سيسأل: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:8] إن العمل لا يقبل إلا بإخلاص وصدق، ومن ادعى الصدق فسوف يسأل: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:8] أسأل الله جل وعلا أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه. أحبابنا! الدعاء الدعاء في كل سجود في الفرائض، وفي الوتر والنوافل والرواتب، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] وهل ضرورة واضطرار أعظم من هذه؟ لا والله. فيا عباد الله: الدعاء الدعاء، والله لأن تجمع أطفالك وصبيانك المميز وغير المميز, والصغير والكبير، ثم ترفع يديك وتدعو وهم يؤمّنون، لهذا مما تبذله وتقدمه لإخوانك في يوغسلافيا. كذلك -أيها الأحبة- ماذا خصصنا من أموالنا شهرياً حتى تنجلي هذه الغمة؟ مصيبة ليس لها من دون الله كاشفة، ماذا قدمنا؟ نخصص للخادمة كل شهر خمسمائة ريال، ونخصص للسائق كل شهر ألف ريال، فماذا خصصنا للضحايا والأيامى واليتامى الأرامل والمنكوبين والمساكين، مرة واحدة أدخلنا اليد في الجيب، ثم قذفنا بمائة أو أكثر أو أقل وانتهت العهدة، وكأنها شقت عنان السماء. لا بد أن يستمر البذل، ولأجل ذلك فسنستمر في هذا المسجد في كل شهر جمعتان، الجمعة الماضية وقبل الماضية والجمعة القادمة، وسنستمر بعد كل جمعة، سنجمع لهذه النازلة إلى أن يأذن الله بالفرج، إلى أن نعذر, ولا أدري كيف نعذر ونحن نقدر على ما هو أكبر. معاشر المؤمنين: هذا أقل ما نفعله، ألا تجتمعون على طعام إلا وقد بذلتم شيئاً من قيمة ما تلذذتم به، لكي يواسى به من جرح هناك، ولا زواج ولا زفاف ولا عقيرة أو تيرة أو وكيرة أو أي مناسبة، إلا وقد بذلتم من الأموال ما تتذكرون به أثناء لذتكم بالطعام والشراب، تتذكرون به من يتضورون جوعاً، ويموتون حفاة عراة، وينبغي أن نستمر. فينا -معاشر المسلمين- مللٌ من قضايانا، كثير من الناس ملّ قضية فلسطين، وإن جاوزت الستين عاماً، وكثير من الناس بلغ قلبه حنجرته، وظن بالله الظنونا، لما بلغ الجهاد عنق الزجاجة، وتآمرت الهيئات الدولية، وبعد هذا كله أذن الله بفرج من عنده، إذا انقطعت أسباب الأرض، تفتحت أبواب السماء، ولا يبلغ العبد حقيقة التوكل، إلا إذا قطع التعلق والرجاء والطلب من البشر، وتعلق بالله جل وعلا، حينئذٍ: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:10 - 11].

الابتلاء قد يكون بالسراء أو بالضراء

الابتلاء قد يكون بالسراء أو بالضراء أيها الأحبة: لنتعلق بالله، ولنعلم أن أسبابنا مما نتعبد به الله، وليست الأسباب هي كل الحدث، أو ما يغير الحدث، لكنها ابتلاء وامتحان من الله لنا، إن الله قادر أن يقتل الصربيين بغاز في السماء يهلكهم، إن الله قادر على أن يفجر بركاناً أو يحرك زلزالاًَ، أليس الذي يجعل الجبال كالعهن المنفوش يوم القيامة قادر على أن يحرك جبلين أو ثلاثة؟ أو يزلزل الأرض من تحت أقدامهم فيهلكوا؟ بلى. ولكن ليبلوكم. قد ابتلاهم الله بالضراء، وابتلينا بالسراء، ولكل بلوى فعل، ففعل من ابتلي بالسراء صبر، وفعلنا في السراء شكر، وحقيقة الشكر أن نبذل، ليس شكر اللسان: قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم فماذا قدمتم يا معاشر المؤمنين؟ اسألوا أنفسكم، واعلموا أن المطاف والمرحلة قادمة على ألبانيا، وستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله، والله بصير بالعباد، إن هذه الحملة ليست حملة على اليوغسلافيين البوسنة والهرسك لأنهم البوسنة والهرسك، بل إنها حملة لأنهم مسلمون، لأنهم يريدون الإسلام، وفي ألبانيا ثلاثة مليون وستمائة ألف مسلم قد ينتظرهم الدور، وفي غيرها من دول البلقان، أترضى أوروبا الصليبية أن تقوم دولة أصولية إسلامية في وسط أوروبا، لا. لن ترضى أبداً؛ ولأجل ذلك فإذا جاءكم صريخ الألبان يدعوكم إلى النجدة كما جاء صريخ البوسنة والهرسك، فابذلوا وادعموا وأعطوا السلاح والمال، قبل أن تحل المعركة، ليس بإخوانكم في البوسنة والهرسك جبن، بل والله إنهم الآن يقاتلون ببسالة، وقد حمي وطيس القتال، ولكن عزل ليس معهم بندقية أو رشاش، وقيمة الرشاش مائة وخمسين دولار فقط هناك، عجزوا عن تأمين رشاش لكل بيت، حتى يدافع الناس عن أنفسهم وأعراضهم، ومع هذا كله فالقصف ليس في حرب المدن، بل بالراجمات والصواريخ والمدافع الثقيلة. لا يجدي وصف الأحداث، ولا ينفع كثرة الكلام، نريد عملاً وفعلاً، نريد من كل واحد منكم، وكل من يسمع هذا الكلام أن يقدم ميزانية شهرية للهيئات الإسلامية، التي تبذل وتدعم وتقدم النجدة والفزعة في هذه البلية، هذا ما ننتظره. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فاشغله في نفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أهلك العلمانيين، اللهم سلطهم على بعضهم، اللهم افضحهم بأقلام بعضهم، اللهم سلطهم على بعضهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك، اللهم فرج كربتهم، اللهم اكشف الغمة عنهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم تكفل بأيتامهم، اللهم استر نساءهم، اللهم ارحم شيوخهم وعجائزهم. اللهم عليك بالصربيين، اللهم سلط عليهم جنودك يا رب العالمين، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم سلط سلاحهم في جباههم، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم بدل ضعف المسلمين قوة، وشتاتهم دولة، وذلتهم عزة، وفقرهم غنى، وجوعهم شبعا، وعطشهم ريا، بمنك وكرمك يا رب العالمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً فجازه اللهم بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفواً وغفرانا، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم تمم نصرهم، اللهم أقم على الحق دولتهم، اللهم اجمع شمل قادتهم، اللهم اخزِ شيطانهم، اللهم اطرد المنافقين والمفسدين من حولهم، اللهم اجمع شملهم، اللهم بصرهم، اللهم بين لهم، اللهم اهدهم، اللهم اجمعهم على الهدى يا رب العالمين، اللهم لا تخيب ظنون وآمال المسلمين فيما عندهم من الهدى والخير يا رب العالمين. اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، إلهنا اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل اللهم إلى الجنة بعد الشهادة مصيرنا ومآلنا بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم أمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم سخر لنا ولأئمتنا ودعاتنا وحكامنا ملائكة السماء بقدرتك، وجنود الأرضين بقدرتك، واجعل ذلك في طاعتك يا رب العالمين، اللهم ولِّ علينا خيارنا، واكفنا شرارنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر , وعمر , وعثمان , وعلي، وارضَ اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

تعقيب للشيخ: عمر أحمد سيف عن الجهاد وأقسام الشرك

تعقيب للشيخ: عمر أحمد سيف عن الجهاد وأقسام الشرك السَّلامُ عَلَيَّكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ الحمد لله, الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض, وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير, يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور, الحمد لله القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:38 - 39]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله, أرسله شاهداً ومبشراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, وأمره أن يقول: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام:50] , وأمره كذلك بأن يكون أول من أسلم, وأن ينفذ أمر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في ذروة سنام الإسلام فقال: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً} [النساء:84] صَلَّى اللهُ عليه وعلى آله الأطهار, وأصحابه الأبرار, الذين آمنوا به ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه وعمموه ونشروه في الأقطار.

فضل الجهاد والمجاهدين

فضل الجهاد والمجاهدين إخواني في الله، أحبابنا في الإيمان! لقد جئت إلى هذا المسجد وأنا أسمع لخطيبنا المسطع, والشاب النبيل المجاهد الأخ: سعد البريك , وفي نفسي وذهني كلمات هيئتها لأقولها, ولكني حينما سمعت هذه الخطبة التي أخذت بمجامع القلوب, ووصلت إلى الأعماق, ولم تترك مقالاً لقائل. سمعت هذه الخطبة بهذا اللفظ البليغ الوجيه, فسرى في جسمي سرور كما تسري الكهرباء في مسالكها, لشيئين: الأولى: أني وجدت واطمأن قلبي بأن هذه الأمة لا زال بها الخير والحمد لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى, وما دام فينا أمثال هؤلاء الخطباء الذين يحرضوننا على التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله, وإحياء سنة الجهاد, هذه السنة والفريضة الغائبة التي يقول فيها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا) ويقول فيها صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلِيهِ: (من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق) والعياذ بالله. سرى في جسمي سرور عظيم, وعلمت أن في الزوايا قضايا, وأن الخير في هذه الأمة -بحمد الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لا زال يفيض ولهم آذان، أمثال هؤلاء الشباب الذين يحملون مشاعل العلم, ويقولون كلمة الحق لا يخافون في الله لومة لائم فنحن على هدى, ونحن على حق, كثّر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى من أمثالهم, وجزى الله خطيبنا خير الجزاء, وبارك الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في علمه وفي عمره, ونفع به وبإخوانه الأجلاء. إخواني في الله: ماذا أقول؟ لم يترك خطيبنا مقالاً لقائل, وطرق لنا أعلى فريضة في الإسلام التي لا يعادلها شيء بنص قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وقول رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فربنا يقول: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:95 - 96] فهذا الفرق بين المجاهدين والقاعدين حينما يكون الجهاد فرض عين, أي: يوجد في الأمة من يسد الثغور, ويقص رأس الأعداء, ويقف في وجوههم, في تلك الحالة يكون الجهاد فرض كفاية وربنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى يذكر فضل المجاهدين في هذه الحالة ويستثني أولي الضرر ممن قال فيهم: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ} [الفتح:17] {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:92] إذ ذكر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى هؤلاء, فالمجاهدون بالفعل يسبقونهم بدرجة, وأما الآخرون من العلماء والحكام والأطباء والمهندسون وغيرهم, فهؤلاء يخدمون، لكن المجاهدين يفضلون عنهم بدرجات عظيمة, بدرجات منه ومغفرة ورحمة. وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن في الجنة مائة درجة ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله). وجاء رجل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صحيح البخاري براوية أبي هريرة رضي الله عنه قال: (دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: لن تجده, فلما ولى دعاه, قال: كيف قلت؟ قال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تقوم ولا تفتر, وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟ قال: أما إنك لو فعلت ذلك ما بلغت درجة المجاهد في سبيل الله) وفي رواية ذكرها الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث في الجزء السادس, قال: (أما إنك لو فعلت ذلك ما بلغت عشر درجة المجاهد في سبيل الله). ورضي الله عن الإمام المجاهد عبد الله بن المبارك حينما كتب إلى الفضيل بن عياض وهو يتعبد في مكة: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب ماذا أذكر في فضل الجهاد؟ قد ذكره الشيخ بارك الله فيه, وأطلق وبين, ونادى وأبلغ, وماذا أجد في ذلك؟ ولكنني أقول كما قال الشاعر: ربَّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم نسأل الله أن يوقظنا من غفلتنا, وأن يلهمنا رشدنا, وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. فالجهاد هو أعلى ذروة سنام الإسلام, ولا يعدله عمل من الأعمال مهما كان ذلك العمل, كيف لا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (والذي نفسي بيده لولا رجال من أمتي لا يستطيعون الخروج معي ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله, ولوددت أن أقتل في سبيل الله, ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل) كررها ثلاثاً صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلِيهِ يتمنى الشهادة, مع أنه صاحب المقام المحمود, وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وهو الذي قال له: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [التحريم:8].

الشرك وأقسامه

الشرك وأقسامه إخواني في الله: الإسلام أوامر ونواه, وباب النواهي واجتنابها أهم من باب الأوامر, باب الأوامر ذروة سنامها الجهاد في سبيل الله, وقد ذكرني الشيخ -بارك الله فيه, وزاده من علمه- وقد حذر, وأنذر, وبشر, وبين طريق الخلاص- أننا يجب أن نجاهد بأموالنا وأنفسنا وألسنتنا وبكل ما نستطيع. وباب النواهي أعظمها الذنب الذي لا يغفره الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وهو الشرك بالله, نسأل الله السلامة والعفو والعافية: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء:48] والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يقول في الحديث القدسي: (يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي, يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك ولا أبالي, يا بن آدم! لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لقيتك بقرابها مغفرة) اللهم اجعلنا من الموحدين. وفي علمنا جميعاً ولا أفيدكم أن الشرك ينقسم إلى ثلاثة أقسام: شرك في الاعتقاد, كما تعتقده عباد الشمس والقمر والجن, حيث جعلوا إلهاً للخير وإلهاً للشر كما قال الشاعر: جعلوا الضياء تخلق الخير وظلمة تخلق الشر فمن اعتقد أن هناك خالقاً وفاعلاً غير الله تبارك وتعالى فهو كافر مشرك بالله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40] خلقك وحدك, هذا شرك, من ظن أن هناك خالقاً غير الله يقلب الليل والنهار, يسخر الشمس والقمر, يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته, ينزل الأمطار فهو كافر مشرك! نعم. قد يتسرب إلى قلوب بعض الجهلة أن كثيراً من النصارى اخترعوا اختراعات كثيرة, وأنهم وأنهم ولكننا نقول له: وكل اختراع جاء منهم فإنه من الله مخلوق فما خلقوا غيرا ولكنه أوصافه قد تبدلت وخالق أصل خالق كل ما يطرا وإن أنكروا من غيهم خلق ربنا جميع الذي فيهم وفي غيرهم أجرى فقولوا لهم فيلخلقوا لي شعيرة ومنهم أصول الخلق أو يخلقوا برا ومع كونهم بالطب فاقوا وخيلوا بتصوير أمر كونه ذلك الأمرا لو اجتمعوا من أول الدهر جملة لما اخترعوا روحاً إذا صوروا ذرا وقد صوروا عيناً لفاقد نورها وما جعلوا نوراًَ فما برحت عورا والله تبارك وتعالى تحدى البشرية والناس جميعاً فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج:73] هذا الذباب الصغير الحقير الذي تراه يقع تيجان الملوك, وعمائم العظماء, ربنا ضرب به مثلاً: ((لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً)) [الحج:73] نعم. لو كان هناك مسرح طوله وعرضه آلافاً من الكيلومترات, وأرادوا أن يخلقوا ذباباً أين سيضعون الرأس في ذلك الجسم الصغير؟ أين سيضعون العين؟ أين سيضعون الشرايين التي ستنقل الدم؟ أين سيضعون حاسة السمع؟ أين سيضعون حاسة الدماغ؟ أين سيضعون الرئة والقلب والكليتين والمعدة, الذكر, الأنثى؟ هذه الذبابة الصغيرة لو رأيتها بالميكرسكوب الذي يضخمها خمسين مرة, لرأيت جميع ما فيها من الأعضاء, وهي مصغرة ولها يدان وأربعة أرجل, وهي تمسح في كل مرة عن عينها التي ليس فيه أجزاء, ولهذه الأرجل عظام ولها مفاصل ولها عروق ولها جلد, ولها مخ يسري فيها, فكيف سيضعون كل هذا ويصورون الذبابة الصغيرة في هذه الأعضاء؟! فعجزهم ربنا بهذا الجسم الصغير, بل قال لهم أعظم من ذلك, أنه حينما يكون بجانبك شيء من العسل أو اللبن أو الفاكهة أو الخبز يأتي الذباب فيأخذ منه قطعة صغيرة لا تراها العين, يأخذها ويهرب، فقال لهم سبحانه وتعالى: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج:73] فأنت تقدر أن تسحق هذه الذبابة بوسائل كثيرة, ولكن هل تقدر أن تأخذ ذلك الجزء الصغير الذي سلبه منك الذباب وترجعه إلى حيزك وتنتفع به؟! لا. إنه بمجرد أخذه يضيع في جسمه ويصير مادة أخرى, فقال جل وعلا: {وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73]. فالذين لا يعرفون ربنا خسروا الدنيا والآخرة, لا تظن أن الله بعيد منك, ضع يدك على قلبك وانظر هذه النبضات, حياتك أنت متوقفة على جريان الدم والنفس, لو انقطع النفس لانتهيت, ولخرجت من دار الدنيا إلى دار الآخرة, ولو وقف قلبك لحظات من الذي يسير هذا القلب؟ هل هناك فيلسوف أو كافر أو ملحد أو أي مخلوق يقدر أن يقول: إنه يقدر أن يتحكم في نبضات قلبه؟ لا. إذاً من الذي يسيره؟ اقرأ قول الله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:16] جل الله العظيم. خلقنا بغير اختيارنا, وسنموت وسنخرج من الدنيا بغير اختيارنا, وسنقف بين يديه تبارك وتعالى في اليوم الذي ترجف فيه الأرض والجبال بغير اختيارنا. الشرك الثاني: شرك الوسيلة, وهو الذي وقع فيه أكثر المشركين, إنهم لا يقولون: إن الملائكة أو النبيين أو الصالحين يخلقون أو يرزقون ولكنهم يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] هذا له مكانة عند الله, ونحن مذنبون لا نقدر أن نعبد الله, ولكننا نتقرب إلى هؤلاء ونعبدهم, وهم يشفعون لنا عند الله تبارك وتعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزمر:43 - 44] وهؤلاء الذين عُبِدوا من كان منهم عاقلاً سيوقفه الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم الذي يقول الله فيه: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:116 - 117] تبرأ منهم: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة:166]. وسيقيم الله الملائكة -لأن جماعة من العرب كانوا يعبدون الملائكة- ويقولون: بنات الله, فالله تبارك وتعالى في ذلك اليوم قال: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [سبأ:40 - 42] وبقية المعبودات التي لا تعقل، يقول سبحانه: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:22 - 24]. ويقول سبحانه: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء:98 - 99] ليبين الله تبارك وتعالى ذلتهم وخستهم، حتى الشمس والقمر يكوران في النار؛ لأنهما عُبِدا من دون الله تبارك وتعالى. - الشرك الثالث: شرك الرياء, وهو الذي يجب أن نحذر منه, وشرك الرياء هو أن تتظاهر بالتقرب إلى الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة كالصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها, وأنت لا تريد التقرب بها إلى الله, بل تتقرب بها إلى الناس لتخدعهم إما ليؤمنوك, وإما ليعطوك مالاً, وإما لأنك تخافهم, فهؤلاء هم المنافقون الذين قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:8 - 9] قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142]. وقد يكون كثير منهم يتكلم باسم الإسلام, ويدخل المساجد, ويصلي الجمعة, وليس مقصوده بالتقرب إلى الله, ولكن مقصده أن يسمع الخطيب ويتلقف الأخبار التي ينقلها إلى هنا وهناك ليوقع الفتنة ويفرق بين الأمة المحمدية, فهؤلاء المنافقون: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّار

طرق تؤدي إلى الشرك

طرق تؤدي إلى الشرك وهناك طرق تؤدي إلى الشرك, ويجب أن نحذرها، وقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ليس منا من تطير أو تُطير له, أو تكهن أو تُكهن له, أو سحر أو سُحر له, ومن أتى كاهناً وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) من هو الكاهن؟ هو الذي يدعي معرفة الأمور المغيبة, لأسباب ومسببات, فبعضهم يحصد اسم الشخص وأمه, وبعضهم ينظر في وجوههم ويراقبها, وبعضهم ينظر في الكف والذراع, وبعضهم ينظر في الحصى والمسبحة, وبعضهم يدعي أن له صاحباً من الجن وهو يخبره بالمغيبات, والله تبارك وتعالى يقول: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65]. ولو كانت الجن تعلم الغيب لعلمت بموت سليمان عليه السلام, لقد سخرهم الله لسليمان عليه السلام قال تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ:13] وقال سبحانه: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:14] فالجن مقبوضون تحت قدرة الله, لا يقدرون على شيء, ولا يملكون شيئاً, ولا يعلمون شيئاً من الغيب: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65]. فمن جاء إلى الكاهن وسأله عن شيء؛ عن غائب: متى يرجع؟ أو عن مريض: هل يشفى أو يموت؟ يتزوج هذه الزوجة تكون سعيدة أم تكون شقية؟ وغيرها من الأمور المغيبة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -في معنى الحديث-: (فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد, ومن جاءه غير مصدقٍ له لم تقبل له صلاة أربعين ليلة). قال: ومن الكهان أيضاً رجل يدعي أنه له سراً مع الله, وأن الله تبارك وتعالى أكرمه بعلم الغيب كما أكرم الأنبياء والمرسلين, كما أكرم عيسى بن مريم الذي كان ينبئهم بما يدخرون في بيوتهم, وغالب هؤلاء لا يؤدون الفرائض ولا يجتنبون المحارم, وإنما يجعل هذا وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل, ويحال أن يرزق الله مثل هذا سراً حتى يلج الجمل في سم الخياط, ومن رزقه الله سراً وكانت بينه وبين الله سريرة لا يجعل كرامة الله وسيلة للناس يبتاع ويشتري بها, ليخبرهم بالمغيبات, وليقضي لهم الحوائج ليأخذ بذلك عرضاً من الدنيا قليلاً, نسأل الله السلامة والعفو والعافية. إخواني وأحبابي: إن أول ما نتواصى به أن العمل لا يقبل إلا إذا كان خالصاً لوجه الله الكريم, فاعبدوا الله وحده لا شريك له, وأن يكون على منهاج محمدٍ بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه, قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]. وأنا لا أطيل عليكم, ولكنني أختم بهذه الكلمة بحديث عظيم أخرجه الإمام الترمذي في سننه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً, فقال لي: (يا غلام! ألا أعلمك كلمات؟ احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك -في الدنيا في البرزخ في الآخرة- إذا سألت فاسأل الله, وإذا استعنت فاستعن بالله, واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, رفعت الأفلام وجفت الصحف). اللهم اجلعنا من الموحدين, اللهم أجرنا من الشرك الخفي والظاهر, نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه. وكنت أريد أن أشير إليها ولكن لم يدع الخطيب مقالة لقائل, جاء بالأمر كله واستوعب المقال كله, ونسأل الله أن يوفقنا للعمل بما قال, وأن يجعلنا من الذين يقولون ويفعلون, وألا يجعلنا من الذين يقولون ما لا يفعلون, وأن يجعلنا من الصادقين. فالفرق بين المؤمن والمنافق في الجهاد يقول الله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15] وقال سبحانه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23] ويقول سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8]. والآخرون قال فيهم: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:20 - 21]. اللهم اجعلنا من الصادقين, ووفقنا لما تحبه وترضى يا رب العالمين. إخواني وأحبابي: هذا ابتلاء للمؤمنين -كما ذكره الشيخ- أن الله تبارك وتعالى يبتلي المؤمنين حيث قال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] وإذ أننا نقرأ في القرآن المجيد قصة أهل الأخدود في نجران الذين أحرقهم ذو نواس بالنار يقول سبحانه وتعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:4 - 8]. وهذا هو مجال الابتلاء, ليتبين الصادق من الكاذب, من الذي يتقهقر؟ نسأل الله أن يجعلنا من الصادقين, وأن يوفقنا لما يحبه ويرضى, وأن يطيل أعمار علمائنا وشبابنا الذين يدعون إلى الله بهذا الأسلوب الناصع الحاد, نسأل الله أن يكلل أعمالهم بالنجاح. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من يسدد الهدف؟

من يسدد الهدف؟ إن الشباب هم عماد الأمة، وعليهم المعول في رقي الأمة وازدهارها والحفاظ على أمنها واستقرارها، قد توجه الشيخ في هذه المادة إلى الحديث عن الشباب، وقد تركز الحديث على نقطتين أساسيتين: تحديد الغايات، وتسديد الأهداف، ثم أتبعها ببعض صور تخبط الشباب اليوم.

أصناف الشباب

أصناف الشباب إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسله صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة: إذا مر ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم فصلوا وسلموا عليه، قولوا: اللهم صل وسلم على نبينا محمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى عليّ صلاة واحدةً صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يسرني في هذا اللقاء الذي تجدد بعد لقاء سابق، وكان من الرجاء والدعاء والتوسل إلى الله عز وجل أن يجعله الله نافعاً طيباً ينفع الله به قلوب الشباب، وينفع به المتكلم أيضاً، يسرني أن يتجدد هذا اللقاء مع شبيبة مسلمة مؤمنة لا نزال نرجو فيها خيراً كثيراً، ولا نزال أيضاً نخشى عليها شراً كثيراً. أيها الأحبة: ما نرجوه منكم بقدر ما نخشاه عليكم، وبقدر ما نخشاه من بعض الشباب على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم، فنحن أمام أصناف من الشباب: شاب نرجوه أن يقدم شيئاً للإسلام والمسلمين، لنفسه ولأسرته ولمجتمعه ولأمته. نخشى عليه شراً كثيراً وعدواناً يتقصد به عبر مجالات ووسائل عديدة. وشاب نخشى منه على نفسه ومجتمعه، ونخشى منه على أمته وأسرته أيضاً شراً كثيراً، فالحديث عن الشباب ذو شجون، وفروعه وأقسامه وأنواعه ومجالاته متعددة. ولا تعجبوا -أيها الأحبة- فهذه قصاصة من جريدة الرياض، تقول هذه القصاصة: إن خمسين في المائة من السعوديين تقل أعمارهم عن خمسة عشر عاماً، معنى ذلك أننا دولة شباب، نحن دولة فتية، لنا الصولة والجولة القادمة، وواقع الشباب اليوم الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشرة والعشرين والخامسة والعشرين، بوسعك أن ترى فيهم مستقبل هذا البلد وهذا المجتمع، بعد عشر سنوات أو بعد خمسة عشرة سنة انظر إلى نصف السكان الذين أعمارهم الآن خمس عشرة سنة بعد عشر سنوات سيكون نصف السكان في الثلاثين أو في الخامسة والعشرين، وحينئذٍ تنظر أي بلاد وأي مجتمع أنت تعيش فيه؟ إذا كان هؤلاء الذين هم في الخامسة عشرة إلى الخامسة والعشرين على مستوى من الجد والتحصيل، والمتابعة والاستقامة، والأخلاق الرفيعة والآداب السامية، والعناية بتزكية النفوس، والابتعاد عن مواقع الرذيلة والانحطاط، والسفالة والفساد، نحن ننتظر أن نرى نصف السكان بعد عشر سنوات على هذا المستوى، وإن أصابهم ما أصابهم من الخمول والكسل والدعة، والانحطاط والسفالة فأي جيل يكون بعد عشر سنوات أو خمس عشرة سنة؟ سوف يكون والعياذ بالله وصمة عار في هذا المجتمع، ووصمة عار في جبين هذه الأمة.

الشباب مفخرة الأمة والبلاد

الشباب مفخرة الأمة والبلاد إذاً: لا تلومونا إن تحدثنا عن الشباب وأعدنا الكلام عنه، لأن دولتنا ليست دولة عجزة، ولسنا بلاد عجزة، لو كان الواحد في بلجيكا في بروكسل فتلك الدولة دولة عجزة، أغلب أعمار الناس فيها ما بين الخمسين إلى السبعين والسكان الشباب قلة، ولذلك اضطرت تلك الدولة الأوروبية أن تجنس المغاربة والتونسيين والجزائريين، وتعطيهم الجنسيات؛ من أجل الإكثار من الشباب، أي أمة لا تفتخر أن عندها مليون عجوز، ولا تفتخر أن عندها ملايين من العجزة، إلا نحن نفتخر بالعجائز ونفتخر بالشيوخ الذين عندنا؛ لأنهم هم الركع السجود، لأنهم الصائمون القائمون، لأنهم أهل التوحيد والإيمان، لكن ما سوانا من الدول الغير مسلمة، لا يهمها ولا تحرص ولا تتمنى بل يؤذيها ويقض مضجعها أن يكون أغلب السكان فيها من العجائز والشيوخ؛ لأن العجائز والشيوخ، لا يدخلون في الحروب ولا يسعفون في الكوارث، ولا يستطيعون أن يحسنوا التصرف في أمور الأعاصير والهزات الأرضية. فالأمم تحتاج إلى شباب. أيها الإخوة: بقدر ما تكون الغالبية العظمى من أعمار الأمة من الشباب يقال: هذه دولة مقبلة، هذه دولة شابة، هذه بلاد فتية، فنحن وإياكم في بلاد فتية، وفي بلاد قادمة وفي بلاد ننتظر لها الصولة والجولة بإذن الله عز وجل، لكن يحكم هذا كله عناصر عديدة من أهمها: هؤلاء الشباب الذين نتحدث عنهم بأي وضع وبأي حياة يعيشون ويتقلبون؟ أقرأ عليكم هذه القصاصة من الرياض واس، تعرفون ما معنى واس؟ وكالة الأبناء السعودية، اتضح لوزارة الصحة لدى وضعها الخطط الصحية اللازمة؛ من أجل بناء مجتمع صحي وسليم، أن (50%) من عدد السكان في المملكة العربية السعودية، تقل أعمارهم عن الخمسة عشر عاماً، أي: أنتم لستم داخلين في هذا العدد، وأن نسبة الإناث اللواتي هن في سن الإنجاب تبلغ (20%) من عدد النساء، وعلمت وكالة الأنباء من معالي وزير الصحة، الدكتور أسامة عبد المجيد شبكشي، أن خطط الوزارة المرسومة التي تستهدف توفير الخدمات الصحية بشقيها الوقائي والعلاجي لجميع المواطنين، راعت هذه الحقائق، إضافة إلى اهتمام خطط الوزارة بالتوزيع السكاني بجميع مناطق المنطقة، بجميع محافظاتها ومدنها وقراها. والذي يهمنا في هذا أننا علمنا أن عدد السكان في هذه البلاد نصفهم أقل من الخمسة عشر عاماً، والنصف الثاني وهي شريحة من المجتمع ليست قليلة وهم أنتم الذين ما فوق الخمسة عشر إلى العشرين إلى الخامسة والعشرين إلى الثلاثين وهذا هو محك البحث، وهذه هي قضية النقاش والتي نطرحها هذا اليوم.

العاقل من حدد غايته وسدد أهدافه

العاقل من حدد غايته وسدد أهدافه أيها الأحبة: كل أمة رجالها وشبابها يسددون أهدافاً في حياتهم، ولا أظن عاقلاً يمضي في عمل معين إلا وهو يريد أن يسدد هدفاً. بل حتى الذين يلعبون والذين يعبثون، يقولون: إنهم يسددون أهدافاً، هذا الذي ينظر ميدان وملعب الرياضة، تجده لا بد أن يكون عالماً وعارفاً ما هو الباب الذي يدافع عنه، وما هو الباب الذي يسدد الأهداف إليه، وإذا كان لا يعرف ما هو الباب الذي يسدد الأهداف إليه، وما هو الباب الذي يذود الأهداف عنه، أو يبعد الضربات عنه، فيسمى مجنوناً غبياً لا يصلح أن يكون لاعباً في ميدان الرياضة، هذا في عرف الرياضة، كذلك الذين يعملون في أي مجال آخر، سواء كان مجالاً فنياً أو تقنياً أو عسكرياً، أو أمنياً أو إدارياً أو تعليمياً أو إعلامياً، لا بد أن تحدد هدفاً معيناً، لأن الذي يسير بلا هدف يحدده، ولا غاية يقصدها، ذلك هو المجنون لا محالة؛ لأن العاقل هو الذي يعرف ماذا يفعل، أما المجنون يمشي خطوة أمام وخطوتين وراء، وخطوتين يسار وخطوة يمين، كأنه يرقص ديسكو أو يرقص رقصات عجيبة جداً، فتقول له ما هذا الذي عندك؟ ما هذه الحركات التي تفعلها؟ يقول لك: لا أدري، لكن الذي يعقل يمشي خطوات متتابعة مهما طالت، يتوقف وقفات طويلة، لماذا أنت متوقف يقول: لي هدف من هذا الوقوف، يجلس جلسات معينة، ما الذي أجلسك طيلة هذا الوقت؟ يقول: أنا أعرف لماذا جلست، فالفرق بين العاقل وبين المجنون، والفرق بين العاقل والجاهل، أن العاقل هو الذي يحدد الغاية ويحدد الهدف والمقصد والنية من جميع تصرفاته، فاسألوا أنفسكم يا معاشر العقلاء، لا أظن بل من المستحيل أن يوجد في هذا المعهد شاب مجنون، بل الكل عقلاء ولله الحمد والمنة، وإلا لو كان من بين الحاضرين مجنون لما قبل في هذا المعهد الذي يحتاج إلى قدرات عقلية واستيعابية كبيرة، ويحتاج أن يعرف تمام المعرفة لماذا يوضع هذا هنا، ولماذا يبعد هذا من هنا، وكيف يوضع هذا في هذا المكان، وكيف تصلح هذه الآلة وكيف يستفاد من هذه القطعة، هذه العمليات تحتاج إلى عقلية دقيقة، وتحتاج إلى فهم كبير.

تفاوت العقول في الطاقات والقدرات

تفاوت العقول في الطاقات والقدرات ومن هنا أود أن أقول لكم يا معاشر الإخوة! لا تظنوا أن العقلاء هم الأطباء الذين يجرون العمليات الجراحية، ربما الطبيب لو وقف ليدرس الدراسة التي تدرسها ربما كان من الفاشلين، وربما لو جيء بمهندس يخطط أو يعد أو يصمم أطول العمائر وقيل له تعال ادرس هذه الدراسة -التي أنت أفلحت فيها- ربما لا يجيدها، فلا نظن أن العقل والذكاء والقدرة والإنتاج محصور في شهادات الأطباء أو محصور في شهادات المهندسين، أو محصور في شهادات مبرمج الكمبيوتر فقط؟ لا. حتى الأعمال الدقيقة المهنية، والأعمال الفنية، لكلٍ فيها جهد وعقل وفهم وذكاء ودور، وأكبر دليل على ذلك أنك تستطيع أن تمر على مائة ورشة أو مائة مكان لإعداد الآلات وغيرها، فتقول هذا أفضل من هذا، وهذا أفضل من هذا؛ لأن هذا قد أعطى مزيداً من العقل والفهم والتركيز على ما درس وعلى ما يعمل عليه من الآلات، وعلى ما يصلحه وينتجه، فكان أفضل بكثير من هذا الذي لم يعط هذا الجهد كله، أو يستوعب هذا الجهد كله، وهذا فرق واضح؛ ولذلك بعض الشباب تقول له -مثلاً- في اجتماع من اجتماعات التعارف، يا أخي الكريم! ما الاسم الكريم؟ يقول: فلان بن فلان وينزل رأسه، تقول له: لماذا لا تكمل؟ قل: اسمي فلان بن فلان، أدرس في معهد التدريب الفني والمهني، أو في المعهد المهني، وهذا ليس بعيب؛ لأن هذا المعهد الذي تدرس فيه يتطلب قدرات عقلية وفنية ربما لا يستطعها هذه الطبيب الذي أنت تذهب إليه يعالجك، ولا يستطيعها الذي يصلح أشياء أخرى في أجهزة الكمبيوتر الدقيقة. إذاً: فلنعلم جميعاً أننا معاشر الشباب على درجة عالية من العقل والفهم فلا نحتقر أنفسنا، وتجد بعض الشباب يقول: أغلقت في وجهي كل مجالات الحياة لم أجد أملاً أو مجالاً إلا أن أتجه إلى المعهد المهني، لا تجعل هذا التصور في ذهنك، بل اجعل التصور الذي يلزم أن يبقى في ذهنك أن لك موهبة، ولديك طاقة، وعندك ميولاً، كما أن غيرك له ميول في الطب، وهذا له ميول في الكمبيوتر، وهذا له ميول في الهندسة، أنت لك ميول في أعمال مهنية، سواء كانت سمكرة، أو هندسة، سواء كانت مكنيكا أو نجارة أو لحام أو تربيط أو غير ذلك. والمهم أن تعرف أن هذا العقل ليس برخيص، ولا تسمح لأحد أن ينظر إليك بعقلك نظرة الدون، ووالله -يا إخوان- لو جاء أحد يكلمكم بطريقة يحتقر فيها عقولكم فإن أول من يحتقر أنتم، ولو جاء أحد يكلمكم بطريقة يحتقر فيها اهتماماتكم كان أول من يحتقر أنتم، وإذا جاء أحد يقول لكم: إن هذه العقول كما خلقها الله عز وجل وأودع فيها من دقائق الخلق وأسرار التكوين ما يجعلها ذكية فاهمة، لوجدت أن هذا فعلاً هذا هو الذي يخاطبك بحق.

العقل مناط التكليف

العقل مناط التكليف إذاً: العقل مناط التكليف، فلا تظنن أن الإنسان يكلف أو يشرف بطول جسمه، أو بلون بشرته، أو بنوع شهادته، إنما يكلف بعقله، فإذا وجد العقل حينئذٍ يوجد التكليف والخطاب الشرعي والحلال والحرام، والأمر والنهي، والذي يجوز والذي لا يجوز، وقبل أسابيع بسيطة وأيام معدودة كنا في زيارة لإخوانكم الشباب في معهد الأمل للصم والبكم، مجموعة شباب في معهد الأمل للصم والبكم، حقيقة أحسن شيء في ذلك المجتمع أنه لا يوجد فيه ضجة، ذاك المجتمع ليس فيه ضجة إطلاقاً، نعم هم في معركة كلامية، هذا يتكلم وهذا يعطيك حركات معينة، وعندهم إشارات معينة هي لغة التعامل، فقال لي أحد الأصدقاء جزاه الله خيراً وهو عبد الرحمن الفهيد، وهذا الشاب مثلي مثلكم يتكلم ويسمع وينطق ولكنه يفهم لغة الصم والبكم أكثر من الصم أنفسهم، يفهم لغة الصم والبكم أكثر من الصم والبكم أنفسهم لأن له ستة إخوة من الصم والبكم هم إن شاء الله من المهتدين؛ فتعامله معهم أورثه تعلماً للغتهم، والعجيب أن لهم دقائق لا تتوقعها، والصم هؤلاء لهم حركات بعيدة، ولهم دقائق في الإشارات، أذكر أن واحداً منهم دعاني إلى حفل زواج، فيقول لي: أنت، فسألت الرجل: ما معناه؟ قال: هذه باللغة العامية، حتى الحركات نوعان، حركات عامية، مثلما نتحدث بالكلام العامي، وحركات فصيحة مثلما نتكلم باللغة الفصحى. قال: هذه باللغة العامية عند الصم، يعني: زواج، أي: أدعوك أنك تحضر الزواج، قلت: إذاً: ما هي اللغة الفصحى عندهم؟ قال: اللغة الفصحى عندهم (إشارات). ومن الدعابة التي حصلت ونحن في الزواج. أنني لما حضرت الزواج قابلت أحد الشباب منهم، والحفل لا يوجد فيه أحد يسمع، لكن عندهم سواليف وهذا يتكلم مع هذا، وهذا يتكلم مع مجموعة إلى آخره، فلقيت واحداً منهم أعرفه فقلت له: أنت متى الزواج؟ فقال الذي معي للأبكم بإشارة كذا تحت سيارة، وهي تعني: الزواج، فالشاهد الذي أريد أن أصل إليه أن هؤلاء الصم والبكم بمنّ الله وفضله، فيهم استقامة وصحوة وفيهم غيرة على الدين، ويعتمرون سوياً، ويحجون سوياً، فكان الحديث الذي بيني وبينهم، قلت يا شباب: لا تتوقعون دائماً أن يأتي الشيخ علي العثمان وإلا فلان الفلاني، وإلا الشيخ صالح الحمودي أو أحد المشايخ دائماً يلقي عليكم محاضرة. بل نريد أن يأتي اليوم الذي يكون واحد منك يقف على منصة المتحدث ومنصة الكلام وهو يلقي محاضرة بالإشارات ويترجمها عبد الرحمن لنا بالكلام؛ لأن الكلام هو نتيجة فكر، الأفكار التي تدور في رأسك تحولها إلى كلمات وتخاطب بها الشخص الذي أمامك، فكذلك نحن نتكلم ونسمع وعندنا أفكار، كذلك الصم والبكم عندهم أفكار وعندهم عقول. فيا أيها الصم! يا أيها البكم من الشباب: تعالوا وأعطونا ما يدور في رءوسكم من أفكار، حولوها باللغة الدارجة عندكم إلى إشارات يترجمها إلينا المترجم بالكلمات، ولا تظنوا لأنكم صم وبكم لا يمكن أن تخاطبوا بالصلاة والصيام والحج والجهاد والعبادة وعمل الخير، لا. بل منهم من ذهب وجاهد في سبيل الله، ومنهم من هو نشيط في الدعوة الله سبحانه وتعالى في صفوف إخوانه الصم، تعرفون كيف يطبقون أساليب الدعوة وينشطون إلى الله سبحانه تعالى؟ يأتون إلى محاضرة مسجلة في شريط كاسيت ويسلطون الكاميرا على المتكلم، فجزى الله خيراً الذي يقوم بهذه العملية ومنهم: الأخ عبد الرحمن، يسمع المحاضرة للشيخ الحماد وسم ما شئت من المشايخ والدعاة، والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين، وغيرهم، فيسمع الكلمات ويحول كلمات المشايخ إلى إشارات، والكاميرا تلتقط صورته، ثم يحول هذا الشريط بالكامل من كلمات إلى إشارات مسجلة على شريط فيديو، والآن ولله الحمد والمنّة، وزعوا آلاف الأشرطة على الصم والبكم في الكويت، وقطر، والبحرين، والإمارات، وهذه العاهة تذكرنا وإياكم بنعمة الله علينا في السمع والبصر. أيها الأحبة: الشاهد الذي أريد أن أقوله أن النقطة الجزئية التي تجعلنا نخاطبكم وتجعلكم تخاطبوننا ونتخاطب جميعاً هي قضية العقل، فمع وجود العقل سوف نتحدث معك، ونناقشك، ونقنعك أو تقنعنا، وسوف نتحاور معك، ويكون بيننا وبينكم الجدال الطويل حتى يمن الله علينا وعليك بالهداية، أما إذا لم يوجد العقل فكلكم يعرف الحديث: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يعقل، والنائم حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ). أيها الأحبة: نحن نتخاطب مع العقول وهذه العقول من يحترم عقله يحترم الخطاب ويحترم الكلام، ويتفاعل، والذي لا يحترم عقله، هو الذي يقول: أنا لا أفهم ما تقول وليس لدي استعاد أن أفهم ما تقول، ولا أريد أن أفهم ما تتكلم به. أيها الأحبة: الحياة بدون غاية عبث، وقد تكلمنا عن الغاية آنفاً، والذي يعيش حياة بلا غاية فوجوده كوجود البهائم، حتى وإن كان له قلب فهو قلب لا يفقه به، حتى وإن كان له بصر فبصرٌ لا يبصر به، حتى وإن كان له سمع فسمع لا يسمع به: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179]. إنهم يرون ولكن لا يرون الحقيقة، إنهم يسمعون ولكن لا يسمعون الحق، إنهم يعقلون ولكن لا يعقلون الإيمان والهدى؛ ولذلك قال الله عز وجل عنهم: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:179] انظر كيف يكون الإنسان كالبهيمة إذا استخدم حواسه فيما لا يليق، وجعل القلب في تدبر أمور لا تليق، وجعل اللسان فيما لا يليق، وقديماً قلنا في محاضرة (حاول وأنت الحكم) للذي سمعها منكم أو حضرها: أن الناس يسمون الذي يستخدم الشيء في غير ما وضع له مجنون، ولو أن واحداً منكم في المعهد قال له المدرس: فك الماكينة هذه وغير الزيت، فأتى بالكأس ووضعه تحت الماكينة؛ ليغير فقال له الأستاذ: تغير الزيت بالكأس يا طبل؟ الكأس للماء وليس لتغيير الزيت، فربما إذا تكررت الحركات التي تستخدم فيها شيئاً لغير ما وضع له، تقول هذا مجنون، أو يأتي واحد ماسك الملعقة يقول: باسم الله، اللهم بارك فيما رزقتنا وقنا عذاب النار. وأراد أن يضع الطعام في أنفه أو أذنه، نقول هذا مجنون؛ لأنه يستخدم الجوارح في غير ما خلقت لها، الأنف للشم -واحد من المجانين قال له المدرس لماذا الأذن؟ قال: نعلق عليها النظارات- والأذن للسمع، واللسان للتسبيح والنطق بذكر الله عز وجل، لا للنطق بالأغاني والمحرمات، إن الذي يستخدم هذه الجوارح فيما خلقها الله له، فإنه من أعقل العقلاء، لكن إذا استخدمها في غير ما خلقت له يقال عنه: مجنون. عندما ترى واحداً يستخدم ما خلق الله عز وجل لغير ما خلق له، فتقول: هذا مجنون، فما بالك بمن استخدم الجوارح كلها، أي: الذي يستخدم جارحة واحدة في غير ما خلق الله، في غير الحكمة التي خلقت يقال عنه: مجنون، ولذلك الذي يقعد يشم الهروين ويشم الكوكايين ويشم الشمة، بماذا نحكم عليه؟ فالذي يستخدم جارحة في غير ما خلقت لها يعد مجنوناً، فما بالك بمن استخدم عقله وسمعه، وبصره ولسانه، ويده ورجله وفرجه، وكل شيء في غير ما شرع الله عز وجل، وفي غير ما خلق له، ذاك هو الجنون الكامل، فحياتنا لابد أن تكون حياة العقلاء، ولن نكون عقلاء إلا إذا تصرفنا فيها بمحض ما يتفق مع الحكمة التي خلقها الله، أو التي خلقنا الله لها. إن الله خلقنا لحكمة عظيمة فما هي الحكمة التي من أجلها خلقنا؟ عبادته سبحانه وتعالى وهذا سؤال تفهمه جدتي وجدتك، ويفهمه الشايب الكبير الذي لم يدرس، ويفهمه أخوك الصغير الذي لم يدخل الابتدائي بعد، وتفهمونه أنتم والذي في الجامعة.

الفارق بين المسلم والكافر

الفارق بين المسلم والكافر أيها الإخوة: إن في الغرب أساتذة ودكاترة، وأطباء ومكتشفين ومخترعين، يطورون قنابل نووية ومفاعلات ذرية، بضخامة مسئولياتها. والمهم أن القضية وما فيها أن هؤلاء الغربيين برغم ما عندهم من اختراعات ومعلومات واكتشافات لو يأتي واحد منكم يسأله، تعال يا دكتور، تعال يا بروفيسور! تعال يا مكتشف يا مخترع! لماذا خلقك الله؟ لا يجد عنده جواباً، ولا يستطيع أن يجيب، ولا يحسن الجواب أبداً. إذاً: فحياتهم حتى وإن أوجدوا ما أوجدوا كما قال الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، ظواهر الحياة يتعاملون معها، ويحاولون أن يكتشفوا أسرارها أيضاً، ولكن هم عن الآخرة هم غافلون، لكن أنتم يا معاشر الشباب! حتى وإن كان الواحد ليس لديه مؤهل أو كفاءة إلا سادس ابتدائي هو عندنا يعادل مائة بروفيسور من هؤلاء؛ لأن الله عز وجل قال: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] هذا المشرك، حتى وإن كان بروفيسوراً أو دكتوراً، حتى وإن كان مخترعاً أو مكتشفاً لا تظن أننا سنحبه أكثر من حبنا لك، أو أننا سنقدمه عليك يا أيها الأخ المحب، حتى وإن كان ما كان منك من ذنوب ومعاصي وزلات، حتى وإن أحدثت ما أحدثت من خطيئات في السر والجهر، في الليل والنهار. فذنوبك وأخطاؤك ومعاصيك لا تجعلنا نحب الكافر أكثر منك إطلاقاً، بل نستفيد مما أنتجه الكافر، الآلة التي أنتجها الكافر قال الله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] إذا كان كافراً فلا نضيع حقه، ولا نظلمه ولا يمنع أن نتعامل معه بالحسنى، لكن مهما بلغ فنتفة شاب مسلم وقطعة من شاب مسلم أزكى وأحب وأفضل إلينا من هذا الكافر، لأن الله عز وجل قال: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة:221] أي: عبد من عباد الله: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221]. ولو وقفنا عند هذه الآية دقائق، تجد بعض الشباب يقول: يا روحي يا ماردونا، وماردونا أخزاه الله كما أخزى فرعون، كافر ضال مضل، فاجر، شاذ أخلاقياً، واضع في أذنيه خلاخل وليس هذا أكبر قضية! يفتخر أن عنده ولدين من زوجته التي لم يتزوج بها بعد، وهي صديقته وخدينته وعشيقته، يأتي يتصور هو بجوارها وبجوارهم ولدين، هذا الذي قال الشيخ ابن محفوظ فيه: اللهم امرده مرداً، يقول: وبجواره عشيقته: هؤلاء أولادنا، فمن أين جاءوا؟ هم أولاد زنا والعياذ بالله، ولكن انظر كيف تنطلي على الشباب المسلم فتجده معلقاً في حجرته صورة كبيرة لـ ماردونا وزوجته.

تولع الشباب بمشاهير الغرب (الأنجاس)

تولع الشباب بمشاهير الغرب (الأنجاس) أيها الأحبة: كافر أمرنا أن نبغضه، أمرنا أن نكرهه، وأن نمقت فعله ودينه، وتجد من شبابنا من يفتخر به ويعلق صورته ويباهي بها، وبعضهم يقول: أنا عندي ألبوم النجوم، أي: المشاهير أول واحد ماردونا، والثاني مايكل جاكسون، وهذا الخبيث مايكل جاكسون رأيت بعض الشباب على ما قال: بريك دنس: يتكسر، فسألته ما هذه الحركة، قال هذه حركة مايكل جاكسون يقول: هذا المغني المعروف الروق ولو قرأتم ما كتبه هذا الماجن، الفاجر الحقير، المسمى مايكل جاكسون قال: لأن أغني للخنازير فتسمعني أحب إلي من أن أغني للعرب فيسمعونني، لكن للأسف يا شباب! نحن أصبنا بداء كما يقال: (القط يحب خناقه) الذي يسبنا ويشتمنا ويستهزئ بنا ويحتقرنا، نعلق صورته على الجدران ونفتخر به ونعتز به، والذي يقدرنا ويحترمنا، ويخاطب عقولنا، ويأمرنا في ديننا، وينهانا عن سخط ربنا نقول: (يا شيخ امش بلا مطاوعة، بلا وجع رأس، صلوا صلوا، افعلوا ردوا هاتوا) لا يا أخي الحبيب: نحن نريد أن تعرف فعلاً من الذي يحبك حباً صادقاً، ومن الذي أنت تحبه وهو لا يراك إلا قطعة من نجاسة. ومعلوم أن الخنزير نجس، فهذا الخبيث مايكل جاكسون ماذا يقول: لو كنت أعلم أن العرب يسمعون لي ما غنيت، ويقول في عبارة أخرى: لئن أغني لقطعة من الخنازير أحسن من أن أغني للعرب، واسأل شبابنا اليوم ماذا يفعلون، اسأل بعض الشباب ولا أريد أن أضرب كثيراً من الأمثلة سواء فيما يسمونه (النجوس) وليس النجوم (نجوس) من النساء والرجال، شباب مولع بهؤلاء الغربيين. أي: على سبيل المثال لو تسأل بعض الشباب عن لاعب محترف يوجد في إحدى الفرق الرياضية، وأنا لا أتكلم عن سامي الجابر وماجد وغيرهم، فهؤلاء إخواننا، ونسأل أن الله يهديهم ويثبتهم وينفع بهم، ويردهم إلى الحق رداً جميلاً. إنما أتكلم عن لاعب كافر في نادٍ من الأندية، ولو سميت لك لاعباً كافراً في نادي الهلال مثلاً، فقلت لك أيهما تحب ماجد عبد الله الذي في نادي النصر أم اللاعب الكافر في نادي الهلال ماذا ستقول؟ لا. ذلك نصراوي. لكن القضية لو كان هذا الكافر في فريقك، وسأضرب لك مثالاً: لو أن لاعباً كافراً مثلاً في نادي الهلال وأنت هلالي، وأتيت لك بالمقابلة محيسن الجمعان في نادي النصر، فالبعض لو تقول له: أيهما تحب محيسن الجمعان أم اللاعب الكافر، يقول: يا شيخ بلا هم بلا وجع رأس، عسى الله أن يخلي لنا هذا الرمح الذي يلعب رأس الحربة، هذا دينمو النادي، الله أكبر! كافر أحببته؛ لأنه في نفس الفريق الذي تشجعه، وأبغضت هذا المسلم لأنه في الفريق الآخر. أيها الأحبة: أعلمتم كيف نحن نضل ضلالاً بعيداً حينما نحب كافراً لأجل الرياضة أو الفن، أو قضية من القضايا؟! إن المسألة لها حدود، حتى ولو كنت قد جن بك الجنون -وكلامنا عن الجنون الرياضي- لو جن بك الجنون في النصر، لا يبلغ بك الحد إلى أن تحب لاعباً كافراً في هذا النادي، وتكره لاعباً مسلماً في نادٍ آخر. من المأساة والمآسي كثيرة، أن تجد بعض الشباب إذا دخل دورة المياه، كتب على جدرانها: فندق نادي كذا، وهذا مما يعبر به عن كراهيته للنادي، ثم يسمي لك أسماء النادي كلهم ويكتبهم ويحتقرهم ويبغضهم ويكرهم، يكتبهم في باب الحمام وهم مسلمون يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويصلون ويصومون وفيهم خير كثير، وفيهم دين ومع ذلك تجده يكتب أسماءهم ويقول: هذا مكانهم وموقعهم؛ لأنهم في الفريق الذي لا يحبه، لكن تعال في الفريق الذي يشجعه ويحبه، حتى ولو كان فيهم من الكفار، تجده يشخص بهم، ويضعهم في ألبوم النجوم الذي عنده، وربما جعل صورهم في غرفته بالكامل، وربما علق صورة اللاعب الكافر مفتخراً بها مع الفريق، فأين الإيمان؟ أين الولاء والبراء؟ أين حمية المسلم لدينه وغيرته على عقيدته، تلك والله من أعظم المصائب ومن أعظم البلايا ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الانتحار في الغرب

الانتحار في الغرب أقول: إن الغربيين مهما بلغوا من العلم والرقي المادي إلا أنهم من التفاهة والسخافة بدرجة عالية، فهم لا يعرفون الغاية التي من أجلها خلقوا، ولذلك تجد نهاياتهم عجيبة، هذا ينتحر، وهذا يأكل الحبوب حتى يموت، وهذا يمسك بخط موجب من عمود الكهرباء، وعجائب الانتحار في الغرب لا حدود لها، مع أنك تجده متعلماً، وعنده قدرات، ودراسة عالية، وبعد ذلك ينتحر، والانتحار في الغرب لا يوجد في الناس الذين لا يقرءون ولا يكتبون وإنما يقدم على الانتحار الدكاترة والأغنياء، وهذا أحد الذين حاولوا الانتحار، فتداركوه في اللحظات الأخيرة وقالوا له: لماذا تريد أن تنتحر؟ قال: لم يعد في الحياة شيء جديد قالوا: كيف لم تجد في الحياة شيئاً جديداً؟ قال: جمعت الأموال بعد جهد جهيد واستطعت أن أحصل ثروة، ثم ماذا؟ قال: حصلت الثروة من أجل أن أكون سعيداً فلم أجد السعادة، ولن يجد السعادة؛ لأن السعادة في رضا الله وتقواه، فرب شاب فقير مسكين لا يملك في جيبه ريالاً واحداً، أو لا يملك في رصيده عشرة ريالات، من أسعد عباد الله، وآخر عنده ملايين مملينة، وتجده (طفشان زهقان حيران) لا يدري أين يذهب وأين يقبل وأين يدبر.

غاية المسلم في الحياة

غاية المسلم في الحياة إذاً: ليست القضية قضية أن الإنسان يعيش بلا غاية، بل القضية أن تعيش لهدف وغاية، والله عز وجل قد بين لنا الغاية التي نحن ننتظرها. يا أحباب: نحن نصبح ونمسي، إذا قال المؤذن حي على الفلاح وذهبنا نصلي، ووقفنا وركعنا وسجدنا، فالجباه أشرف عضوٍ في الإنسان لو ضرب إنسان على وجهه لجن جنونه؛ لكن هذا الوجه الشريف أشرف ما فيه باختيارك وبرضاك وبطوعك، تأتي وتسقط وتضعه على الأرض: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ترمي هذه الجبهة على الأرض خاضعاً منكسراً، ولا تجد وضعاً تكون فيه في تام الذلة والخضوع والعبودية لله مثل وضع السجود أبداً. وأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد؛ لأنه يكون في غاية الخضوع والذلة والانكسار للخالق، تدعوه وأنت منكسر في سجود؛ لأنك تعلم أن أمامك غاية، وهي أن يرحمك الله رحمة واسعة، وأن يتوفاك على الإسلام، وأن يرضى عنك وأن يدخلك الجنة، وأن ينجيك من النار. يا شباب: أنتم جميعاً الذي لا يجعل هذه الغايات أمامه صباح مساء مسكين مسكين، ضائع ضائع، ووالله لو جاء مدير المعهد المهني، وقال: يا شباب: من هذه السنة لا يوجد شهادات، هناك دارسة لكن ليس هناك شهادات؛ تجد الطلاب في فوضى، ندرس كل هذه الدارسة ثم نخرج بدون شهادة وبدون فائدة لا نقبل، فأين الغاية وأين الثمرة وأين النتيجة، أنتم حددتم بل الغاية والثمرة والمقصد من مجيئكم يومياً إلى المعهد موجودة في عقولكم وقلوبكم، ولذلك لو جاء المدير يساومكم عليه، يقول: هذه الغاية ألغيناها، قلتم: لا. نبحث عن معهد آخر يعطينا الشهادات. إذاً: أنا أسألكم جميعاً الآن، هل تجعلون الغاية من وجودكم وهي عبادة الله عز وجل، هل تجعلونها أمام أعينكم؟ للأسف كثير من الشباب يقول: لا. والكافر هو الذي يقول: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري ولماذا لست أدري؟ لست أدري هذا الكافر لا يعلم لماذا خلق وإلى أين النهاية، لكن أنت أيها الشاب! أنت تعلم ما هي الغاية من وجودك، الغاية أن تعبد الله وحده لا شريك له، أي عمل يخالف مقاصد العبودية لله عز وجل، لا تقبله أبداً، لو جاءك رجل وقال: تعال أريد أن أشغلك طبالاً، نريد أن نشغلك رقاصاً، نريد أن نشغلك رقِّيصاً، تعرفون الفرق بين الرقاص والرقيص؟ الذين يعرفون الحمام يعرفون الفرق بين الرقاص والرقِّيص. المهم لو قال لك: أتشتغل عندي رقاصاً؟ قلت: لا يا أخي أنا لم يخلقني الله عز وجل لأكون رقاصاً، وإنما خلقني الله لعبادته، هات وظيفة معينة فيها عبودية، أدرس في المعهد المهني وأتخرج على وظيفة معينة، أنفق على أولادي منها عبادة لله، أطعم وآكل بالحلال من دخلي وأتصدق عبادة لله؛ لأن العبادة ليست فقط بالركوع والسجود، بل هي في كل عمل ترجو به وجه الله، لكن لا يأتي أحد يقول أنا أرجو وجه الله بالرقص، أنا أرجو وجه الله بالعزف، أنا أرجو وجه الله بالملاهي، لا. دف ومزمار ونغمة شادنٍ فمتى رأيت عبادة بملاهي أيها الأحبة: الغاية من وجودنا هي عبادة الله عز وجل، فلابد أن نجعلها أمام أعيننا، وهذا حديث عليكم أن تحفظوه غاية الحفظ ألا وهو: (من أصبح وهمه الآخرة) يعني: أنت اليوم استيقظت على أذان الفجر، وأصبحت وكل همك: يا ألله ترحمني يا ألله تجعلني من أهل الجنة، وليس بلازم أن يصبح عمرك ستين سنة حتى تقول: يا ألله ارحمني: (من أصبح وهمه الآخرة تكفل الله برزقه، وأتته الدنيا راغمة، وجمع الله ضيعته) يعني جميع الأمور المتشتتة، يجمعها الله له ويهيئ أمره ويسهل عليه أموره: (ومن أصبح وهمه الدنيا فرق الله عليه أمره ولم يؤته من الدنيا إلا ما قسم له).

المسلم يختلف عن الكافر في أمور عديدة

المسلم يختلف عن الكافر في أمور عديدة يا أحباب! نحن ولله الحمد نختلف عن غيرنا، فعندنا غاية سامية عظيمة، لكن كما قلت لكم: هؤلاء الغربيون ليس عندهم غايات يعيشون من أجلها. تجد الواحد يمسك الحديقة من أولها إلى آخرها ويركض ويركض، ويسمن هذا الجسم، ولكن مصير هذا الجسم إلى جهنم وساءت مصيراً إن مات على الكفر، ولكن الواحد منا يأكل؛ لكي يتعبد الله عز وجل، يأكل لينشط، فإذا أصبح نشيطاً صار قوياً على طاعة الله وعبادته، لكن هذا يأكل من أجل أن يهدر ويخور كما يخور الثور. انظر العجائب التي يحققونها، أحدهم يحاول أن يسجل رقماً قياسياً في الأكل، هذا ضرب الرقم القياسي في أكل مائتي بيضة، وقد جاء منافس جديد وحطم الرقم القياسي فأكل مائتي بيضة وواحد بيضة وصفار، وبعد ذلك يأتي واحد ثالث أو امرأة تحطم الرقم القياسي وتأكل مائتين وثلاث بيضات، ويسجل الرقم القياسي في أكل البيض لفلان، ويسجل الرقم القياسي لرفع الأثقال، لكن الفرق بينكم وبين هؤلاء الحمير والبهائم في الغرب أنكم ولله الحمد والمنة الواحد منكم إذا قلنا له افعل كذا يقول: لماذا؟ ما هي الغاية؟ ما هو الهدف ما هو المقصود؟ لكن هؤلاء الغرب يهم الواحد أن يسجل الرقم القياسي. ومن المضحكات ما قرأت في جريدة أن رجلاً استطاع -أظنه أمريكياً- أن يحطم الرقم القياسي في أطول ساعات الكلام: الذي ضرب الرقم القياسي ثلاث ساعات، والذي تكلم ثلاث ساعات وعشر دقائق هذا جاء وضرب الرقم القياسي وتكلم خمس ساعات أو ست ساعات وحطم الرقم القياسي. والواحد منكم يا شباب، إذا قال سبحان الله، كتبتها الملائكة له، إذا قال الحمد لله كتبتها الملائكة، إذا قال: الله أكبر كتبها الملائكة، إذا قال: لا إله إلا الله كتبتها الملائكة في موازين أعماله، لكن هذا الذي حطم الرقم القياسي في الكلام يرغي ويزبد، خمس ساعات لا يكتب له شيء؟ ولذلك الفرق كما أقول: وينبغي أن يعرف المسلم قيمته والفرق بينه وبين الكافر، وحتى تعرف قيمتك وقدرك يا أخي! ومشكلتنا يا شباب: أن الشباب المسلم حتى الآن لم يعرفوا قدرهم ووزنهم في الإسلام، وما عرفوا أن عزتهم بالإسلام. يا أخي: أنت عزيز عزة عظيمة، يكفيك أن الواحد من المسلمين لو أصابه حادث ومات، تدفع ديته كاملة، لكن هذا الكافر تدفع نصف الدية، ولو أن مسلماً قتل كافراً فلا يقتل به حتى ولو كان عمداً وعدواناً، ينبغي أن نعرف قدرنا بالإسلام، بغض النظر عن قيمة الإنسان، نعم الإنسان له قدر في تعليمه وشهادته، وقدر في قوته المالية، وقدر في قوته العقلية، لكن هناك قدر في كونك مسلماً، وكثير من الشباب لا يعرفون قدرهم في الإسلام، بل بالعكس تجد بعضهم ينظر إلى نفسه نظرة هزيمة وضعف واحتقار أمام هذا الكافر، ولكن كما يقول الشاعر: وأنت امرؤ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع أيها الأحبة: المشكلة أن هؤلاء الغربيين الذين احتقرناهم فيما فيه الكفاية، ولكنهم حددوا أهدافاً معينة فوصلوا إليها في أمور دنياهم، هذا دخل المختبر وأغلق على نفسه الباب وقال: لن أخرج حتى أكتشف عقاراً أو مصلاً أو قطرات معينة توضع في فم الأطفال فتمنع -بإذن الله- شلل الأطفال. وهذا دخل في المعمل وقال: لن أخرج من هذا المعمل حتى اكتشف عقاراً يعوض الأنسولين في الجسم، وهذا دخل المعمل فقال: لا أخرج حتى اكتشف دواء يعالج المرض الفلاني، وحدد هدفاً ووصل إليه، وهذا حدد هدفاً معيناً في هندسة، في تسلح، في أمور عسكرية، في طيران، في تجارة، في تخطيط، في اقتصاد، في إدارة، حددوا أهدافاً فسددوا الضربات إليها، لكن نحن وإياكم يا شباب! نشكو إلى الله عز وجل أن من شبابنا من لم يعرف الغاية التي خلق من أجلها، ومثل هذا كرجل داخل ملعب، مرة يسدد الهدف على فريقه ومرة على الفريق الثاني، لا يدري من أين يسدد؟! ومرة يضرب الحكم بالكرة ومرة يضرب الجمهور بالكرة، ومرة يضرب الذين يتفرجون، ليس عنده ضربات محددة، فهكذا الذين لا يحددون أهدافهم وغاياتهم، ومصيبة أخرى أن بعضهم حدد الهدف لكنه لم يسدد الضربات؛ ولذلك حديثنا اليوم عن نقطتين: أولاً: تحديد الهدف. الثانية: تسديد الضربات، توجيه الجهود والقوى، الطاقات والإمكانيات وكل ما تستطيع توجيهه إلى هذا الهدف، وربما يسمع بعضكم من بعض، بعض الشباب يقول: (فلان عربجي ما يفهم) لا والله. هذا الشاب الذي بعضكم يقول عنه عربجي لا يفهم، والله إذا من الله عليه بالهداية سترون منه العجائب والغرائب، بل أعجب العجائب. أحدهم ممن كان يسمى (عربجي) وهو نصري ناصر (عضلات). والمهم أنه كان في ضلاله ومضاربه ويدخل على الشاب ويحوسهم ويضربهم، ويدخل على المساكين ويأخذ دراهمهم، فمنّ الله عليه بالهداية، وليست الهداية أمراً بعيداً فأخونا نصري ناصر لما منّ الله عليه بالهداية الآن يحفظ القرآن كاملاً، منّ الله عليه برفع الغشاوة التي على قلبه، وزالت السحابة التي كانت على قلبه وانقشعت، فأبصر الأمور على حقيقتها ولم ينظر إليها بالشهوات والغفلات، فلما نظر إلى الأمور بالحقيقة حدد هدفاً في طاعة الله، وسدد الضربات نحو هدف محدد هو رضى الله في حفظ كتاب الله، اجتهد في حلقات القرآن اجتهد ليل نهار، حتى حفظ القرآن ولله الحمد والمنّة. والآن أسرته بعد أن كانت تتعوذ منه ويتبرءون منه ويتمنون سيارة تطؤه وتريحهم منه؛ أصبحوا يفتخرون به، فقد ضرب أروع الأمثلة في الاستقامة وفي طاعة الله سبحانه وتعالى. أيها الأحبة: كما قلت مشكلة الشباب اليوم مشكلتان الأولى: عدم تحديد الهدف. الثانية: عدم تسديد الضربات والجهود والطاقات إلى الهدف، مثلاً بعضهم يقول: أنا حددت الهدف، سأجد واجتهد في دراستي في المعهد المهني، هذا الهدف حدده، هل سدد الضربات؟ لا. تجده على الرصيف، أو في الحراج يميز أنواع السيارات هذه موديل كذا وهذه موديل كذا، فأين تسديد الضربات إلى الهدف الذي حدده، لم يوجه عقله وقلبه وفكره وسمعه وبصره لهذا الهدف حتى ينتجه؛ ولذلك لا يكفي أن تسجل في المعهد المهني في بداية العام، لكن يحتاج مع التسجيل مواظبة وحضور باستمرار، ومداومة ومثابرة واجتهاد حتى تخرج بنتيجة، ولا يكفي أن تقول: أنا أريد أن أتوب إلى الله، لا يكفي أن تقول أنا أريد أن أكون شاباً صالحاً ولا تسدد الضربات نحو الصلاح، لا بد أن تسدد الجهود والضربات نحو الصلاح؛ فتتخلص من وسائل المعاصي وتتجنب مجالسة أهل السوء، وتترك مجالس اللهو والمعصية، وتجد في هذا المجال؛ حتى تكون من المهتدين بإذن الله.

تخبط الكافر في هذه الحياة ليس غريبا

تخبط الكافر في هذه الحياة ليس غريباً أيها الأحبة: ليس عجيباً أن يتخبط الغربيون في حياتهم، لكن الغريب والعجيب أن يتخبط الشباب المسلم الذي يعلم أن له رباً خلقه، وهو يعبد ربه وحده لا شريك له، ويعلم أن له نبياً أسوة وقدوة حسنة، ويعلم أن له ديناً، وقد أنزل الله وحياً وكتاباً معصوماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. ليس غريباً أن يتخبط الذين ليس عندهم من يدلهم، لكن الغريب أن يتخبط الذين عندهم ما يدلهم ويهديهم وعندهم ما ينفعهم، هذا هو الغريب، لو ذهبت سيارتان بـ الدهناء، سيارة فيها دليل، رجل خريت يعرف الطريق، وسيارة ليس فيها دليل، إذا ضاعت السيارة التي بدون دليل فليس بغريب أن تضيع؛ لأنه ليس لديها دليل، ولكن إذا ضاعت السيارة التي فيها الدليل فهذه هي والله المصيبة، معها دليل وتضيع، وكذلك هي مصيبتنا في شباب اليوم، عندنا دليل وهدى، وعندنا رشد وطريق ونور، ومع ذلك نتخبط في الطرق، نتخبط في الظلمات، نتخبط في ألوان وأنواع من المعاصي لا يقف بعض الشباب فيها إلا عند منحنى خطير ولا حول ولا قوة إلا بالله.

من صور التخبط عند الشباب

من صور التخبط عند الشباب

الاستهزاء بجناب الربوبية

الاستهزاء بجناب الربوبية أيها الأحبة: إن من صور تخبط الشباب اليوم، وانشغالهم عن تسديد الهدف إلى الغاية الصحيحة، بل سددوا الأهداف إلى غايات لا يزال الواقع يثبت يوم بعد يوماً أنها غايات ضالة منحرفة كما قلت آنفاً؛ أنهم سددوا الأهداف بالإعجاب والتقدير، والإكبار والاحترام لأنجاس المجتمع وأوساخه، إن لم يهدهم الله عز وجل. أيها الإخوة: هذه قصاصة من جريدة تقول هذه القصاصة: بعد تجربة السجن الفنان سعيد صالح يتطلع لتقديم فن هادئ، سعيد صالح كما تعلمون ويعلم الكثير أنه ممثل كوميدي مصري، وليس عيباً أنه من مصر، بل إذا ذكرت مصر نفتخر بها فمنها: ابن شهاب وفيها الليث وفيها أئمة كبار، والإمام الشافعي رحمه الله، له مذهب قديم وجديد، أحدهما في مصر، لكن العيب أن من الشباب من يعطي هؤلاء الفنانين غاية التقدير والاحترام، والقضية ليست قضية عادية، بل هي كما يقول الخبر. لم يكن يوم السادس عشر من أكتوبر تشرين الأول في العام الماضي يوماً عادياً في حياة الفنان الكوميدي سعيد صالح -أولاً: لا شماتة، قولوا: اللهم لا تجعلنا من الشامتين، ووالله ما أسوق هذا الخبر شماتة، ولا يجوز أن يشمت الإنسان بأحد؛ لكن أقول انظروا أيها الشباب، يا من تعلقت بالفن، أو تعلقت بالفنانين أو تعلقت بالممثلين، انظر من تتعلق به، انظر من تتعلق بهم، وحاشا أن يكون فيكم إن شاء الله من يتعلق بأمثال هؤلاء، لكن هذا من باب التحذير، يقول: لم يكن يوماً عادياً في حياة الفنان سعيد صالح، إنما هو يوم الإفراج والعودة إلى الضوء والنهار، والشارع والأحباب والجمهور بعد غياب دام ثلاثمائة وسبع وستين يوماً وأربع ساعات قضاها خلف جدران سجن الحضرة بقلب الإسكندرية بتهمة تعاطي المخدرات. الله أكبر! سنة في السجن وفضيحة، أسأل أن يسترنا ولا يفضحنا، ونسأل الله أن لا يهتك علينا أستاره، وأن لا يفضح أسرارنا، وأن يجعل باطننا خيراً من ظاهرنا، ولا نقول هذا شماتة، لكن نسأل الله إن لم يهدهم أن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. أحدهم في تمثيلية من التمثيليات كان يتكلم وهو صديق لهذا الفنان، اسمه سمير غانم كما أخبرني بعض الإخوة، وأراني المشهد يقول: كان يتكلم عن حمار له، ولم يكن الحمار حاضراً في مكان الكلام، كان الظاهر في تمثيلية أو مشهد اسمه (جحا يحكم المدينة) فكان يتكلم عن شخص اسمه عبد الهادي، قال له المحقق الضابط: أين عبد الهادي؟ قام ودخل الحمار وقال هذا عبد الهادي، ليس هذه المشكلة، المشكلة أنه كان يناقش المحقق، يقول: هذا هو عبد الهادي؟ قال: (ده ربنا خلقه لحد ركبته وقال له: كمل أنت الباقي). يا إخوان: هذه كلمة خطيرة ربما الإنسان يشرب الخمر فيتوب، وربما الإنسان يزني فيتوب، وربما الإنسان يفعل اللواط فيتوب، ولكن تستهتر برب العالمين وتقول إن الله خلق هذا الحمار إلى ركبته وقال له كمل أنت الباقي، فهذا خطره عظيم وعقابه جسيم؟!! فأين الغيرة لله؟! أين الغيرة على تعظيم الله وجلال الله: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13] إذا كان تعظيم حرمات الله من تقوى القلوب، فما بالك بتعظيم الله عز وجل، أعظم التقوى تعظيم الله سبحانه وتعالى، نعم قد يخطئ الإنسان لكن لا يبلغ به الأمر إلى أن يسخر ويستهزئ بالله عز وجل. وأنا لم أصدق هذا حتى رأيته بعيني وسمعت بأذني، وكتبت في هذا كتاباً إلى الجهة المسئولة. أيها الشاب: يا من تتعلق بمثل هؤلاء الممثلين، أو فنان أو مطرب أو نجم أو أو. كما قلنا في مايكل أو غيره، هذا يقول: لو كان العرب يسمعون لي ما غنيت، أغني للخنازير ولا أغني للعرب، وهذا يستهتر بربك ويقول: هذا خلق حماراً وقال له: (كمل أنت الباقي) ألا له الخلق والأمر وحده لا شريك له، ليس لأحدٍ أن يخلق ذبابة فضلاً عن أن يخلق أو يكمل الباقي من خلقه، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73]. لا يستطيعون أن يخلقوا ذبابة، وهذا يقول: (أنت لا تعرف عبد الهادي، ده ربنا خلقه لحد ركبته وقال له: كمل أنت الباقي) ووالله لو أن رجلاً سخر بأمك واستهزأ بأمك وقال أمك التي هي كذا وكذا، لن تطيق، ولا أحد يطيق أن يسمع أحداً يستهزئ بأمه أو بأبيه، فما بالك وأنت تسمع من يستهزئ بربك؟! ومن الغيرة أن يكون الإنسان غيوراً على حرمات الله وعلى عظمة الله عز وجل. يقال في بلد من البلدان أن ضابطاً كان يحقق مع رجل في تهمة من التهم فقال المجرم: أنا معترف كذا (وأرجو على شان الله) أن تتركها لي، فقال الضابط: ما هذا ربك، ولو جاء ربك لأسجننه معك، فقام المجرم، وأخذ الخرامة التي كانت على الطاولة وضرب بها وجه الضابط، وقال: انظر يا حيوان! اجلدني اضربني اقتلني واعمل الذي تريد؛ لكن لا تتجرأ على الله، وتتكلم عن ذات الله، تتكلم عن جناب الله عز وجل فيما لا يليق، افعل ما تشاء ولا أسمح لك أن تفعل هذا الشيء. فيا أحبابنا: نحن لا نريد أن نتمادى بالإعجاب بفن أو لهو أو بمنكر إلى درجة أن يصبح الواحد يسمع هذا الفن أو يسمع هذا العفن الحقيقي، يسمع فيه ما يسمع ثم بعد ذلك يسكت ويضحك، للأسف أن هذه التمثيلية (جحا يحكم المدينة) انتشرت وشاعت وتناقلت، وقل أن تسمع مسلماً يغار، أين الغيرة على حرمات الله وفي ذات الله، وفي جنب الله عز وجل؟ هذا خبر طويل عن سجن هذا الفنان، نسأل الله ولنا ولهم الهداية، وإن كان في علم الله أنهم لا يهتدون، نسأل الله أن يريح المسلمين من شرهم ومن فسادهم.

من صور تخبط الشباب: جنون الرياضة

من صور تخبط الشباب: جنون الرياضة أيها الأحبة: من تخبط الشباب اليوم وانصرافهم عن تسديد الهدف: جنون الرياضة، والجنون فنون، فتجد هذا الشاب إذا شجع فريقاً، يعد لك أسماء الفريق من الكابتن والحارس، والظهير، والدفاع الأيمن، والأيسر، خط الحربة، والهجوم، رأس الحربة، ويسمي الاحتياطيين ويسمي جميع الفريق، ولو قلت له عد لي عشرة من المبشرين بالجنة، أو عد صحابة رسول الله الذي فصل لك كيف تصلي، ونبيك الذي تعلمنا منه صلى الله عليه وسلم أحكام الدين، علمنا بأسماء عشرة من صحابته لم يعرف أسماء خمسة منهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون. تعرف أسماء لاعبين الكرة وأسماء الفنانين ولا تعرف أسماء العشرة المبشرين بالجنة، لا تعرف أسماء الصحابة، وعلماء الإسلام الأجلاء الذين كتبهم ومصنفاتهم ومؤلفاتهم بين أيدينا، كتب التشريعات المعاصرة، واستنباطات واجتهادات من تراثهم ومن علمهم المستمد من كتاب الله وسنة رسوله، ما نعرفهم ونعرف أسماء الفنانين واللاعبين. ثم كما أقول لأحد الأقارب وهو شاب صغير عمره ست عشرة سنة من أقاربنا مجنون رياضي، يموت في الرياضة، قلت له: تعال يا ولد أنا ليس لدي سوط أضربك، والإقناع لا بد أن يكون بالحوار، والقوة لا تأتي بنتيجة، ولا ينفع إلا الحوار والنقاش، يا حبيبي أنا أسألك النادي الذي تشجعه إذا رسبت في دراستك هل ينجحونك؟ قال: لا. قلت: إذا بقي عليك درجتان للنجاح، هل النادي يتوسط لك وتنجح؟ قال: لا. قلت: هذا النادي إذا تخرجت من الثانوية وأردت أن تدبر لك قبولاً في جامعة من الجامعات هل يدبر لك قبولاً ومستواك ضعيف؟ قال: لا. قلت: إذا تخرجت بلا شهادة بسبب ضياع وقتك أيام الاختبارات في تشجيع الأندية والنتيجة رسوب ولم يوظفك أحد هل النادي مستعد أن يوظفك؟ قال: لا. فقلت له: هل النادي يصرف عليك شهرياً؟ قال: لا. هل يصرف على أمك وأهلك؟ قال: لا. قلت: لماذا هذا الجنون؟ لماذا كل هذا الجنون والسهر، مسمر عند شاشة التليفزيون: سدد، افعل، سجل، ناوله، ويعض أصابعه ويقرض أظفاره، وفي النهاية تجده إذا وقفت المباراة على (بلنتيات) قام وقلبه يرجف، بعضهم يقول: يا رب، فعلاً إذا جاءت في الثواني الأخيرة وبها (بلنتيات) إذا وقف، قال: هاه! ما أقدر ما أقدر هاه! أخذك الله وأراحنا من أمثالك وأشكالك. وأنت امرؤ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع شاب محسوب على هؤلاء السكان، تأخذ خدمات أمنية وصحية واجتماعية وتعليمية وتربوية، وجميع الخدمات تستهلكها وإنتاجك يا رب لا يسجل الهدف، هذا الإنتاج الآن. أعود إلى صاحبنا هذا الولد الله يصلحه، قلت: يا حبيبي: إذا مرضت يشفيك هذا النادي، يعالجك هذا النادي؟ قال: لا. إذا نزلت بك المنية تقول: يا رب ارحمني خفف علي سكرات الموت هل ينفعك هذا النادي؟ قال: لا. إذا وقفت بين يدي الله عز وجل وسألك: (لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه) إذا وفقت يوم القيامة وسألك الله ماذا قدمت للآخرة، تقول: يا رب كنت مشجعاً أو في رابطة المشجعين، أو يا رب كنت مخلصاً في التشجيع للنادي الفلاني. أيها الأحبة: نعم. ممكن أن يلعب الإنسان الكرة مع زملائه، فلا بأس بها وهي رياضة، ولا بأس أن يستمتع باللعب الجميل مع الزملاء والإخوان، لكن أن تصل إلى درجة أن الواحد يظل أربعاً وعشرين ساعة في لعب الكرة ومتابعتها، وأحدهم أقسم بالله لا يدخل الموز في بيته من أجل لونه الأصفر، لأنه هلالي. وانظر إلى أي درجة بلغ التعصب بالشباب، أنهم سددوا أهدافاً ولكن إلى غايات لا تنفعهم أبداً.

من صور تخبط الشباب التسكع في الشوارع

من صور تخبط الشباب التسكع في الشوارع من الشباب من سدد أهدافاً لكن ليست في العبادة، وليست في طلب العلم، وليست في صنعة نافعة، وليست في تجارة رابحة، وليست في تجربة مفيدة، وإنما سددوا أهدافاً في التسكع في الطرقات والشوارع، ونرجو من الله أن يمن عليهم ويهديهم، فبعض الشباب سدد أهدافاً ولكن في التسكع في الطرقات والشوارع يمنة ويسرة، ثم يأتي بعدها إلى البيت (ثم يخبطها نومة) ويكلم أمه يقول: لا أحد يدق عليّ الباب. يا أخي! ألا تستحي على وجهك (هذه أمك يا ثور) تكلمها بهذا الأسلوب، قبل يديها ورأسها، بدلاً من أن تقول: لا تشغليني طق طق قم صل، وتلقاه قد رسم له جمجمة وعظمين هكذا، خطر ممنوع الاقتراب، كأنه قرصان سفينة من البحارة، ممنوع الاقتراب، ومتى يقوم؟ يقوم بعد صلاة المغرب، أو قبل صلاة العشاء، إن كان فيه خير صلى بعض الصلوات التي لم يصلهن ثم دخل الحمام وقعد ساعة، يفرك وجهه وأذانه ورقبته، إلى أن يخرج يسأل عن الثوب، ولابد أن يكون الثوب جاهزاً، ويصدر الأوامر على أمه كأنما هي خادمة في البيت، ثم يأتي بتلك الطاقية التي كأنها صاع، على وجه لا تراه، ثم يضع العقال على الطاقية، بضعهم يقلد بدون استقلال في الشخصية. ثم يخرج هذا الشاب بعد أن يضبط كل شيء يركب السيارة، ويمر على فلان وعلان، ويقضي يومه في دوران في كل شارع، حتى إذا انتهى من شارع الثلاثين، توجه إلى شارع العُلية، وإذا انتهى منه سارع إلى شارع الستين، ثم شارع جرير، وبعضهم زيادة على ذلك يجهز معه كم ورقة لاصقة، ويمر في الشارع، يحط رقم هاتفه، وتأتي البنت تطالع الرقم؛ فإن كانت مسكينة وليس لديها حصانة إيمانية وتقوى وخوف من الله وتربية جيدة، تقول: اتصل وقد جعل تحت الرقم اسم هشام. وفي هذه اليومين -أيها الأحبة- اتصلت بي فتاة من جدة، قالت: أنت فلان؟ قلت: نعم أنا فلان، قالت: أنا أرجوك حصلت لي مشكلة وأريد أن تنصح من وقع فيها، قلت: ما مشكلتك؟ قالت: كنت أمشي في السوق أنا وأختي وفجأة أحس بلمسة شاب والتفت وإذا الشاب قد وضع رقماً لاصقاً، تقول: فوراً التفت وأخذت الجزمة وضربته في رأسه وصرخت، فجاءوا الناس وضربوه واستهزءوا به، ولم يدع عزة في نفسه، وأخذوه وهذه الورقة، مكتوب فيها الاسم هشام وجعل رقم التلفون في جدة، قالت: أرجوك خذ هذا الرقم وهذا اسمه وانصحه جزاك الله خيراً، فضربت الرقم وقلت: السلام عليكم، فقال من تريد؟ قلت: في نفسي لا بد أن أدخل مدخلاً معيناً، قلت: لو سمحت أين الأخ هشام؟ قال: أي هشام، ولذلك هذه أساليب ملتوية يضع الرقم واسم مستعار ويبدأ يغازل به والعياذ بالله. أهذه أهداف يسدد فيها الشباب؟ يضيع العمر ويضيع الشباب في تجوال، في إيذاء المسلمات، في إيذاء العفيفات الطيبات الطاهرات، وإلا بعضهم سار يعمل له لوحة كبيرة: (4351234) يقف بجانب نساء يريهن الرقم، إلى أي درجة ضاعت الحياة، أصبحت الحياة تافهة ما عاد عند الإنسان اهتمام إلا أن يوصل رقمه إلى فتاة، هذه آخر أمنيات الشباب اليوم أن الواحد يوصل رقمه إلى بنت. يا أخي: إذا كان فيك رغبة زواج، اذهب واخطب من المسلمين مثل المسلمين، وانظر إلى هذه الفتاة إن شاء الله تعجبك وتعجبها، أما أن تؤذي بنات المسلمين بهذه الطريقة وتسدد أهدافك إلى إيذاء المسلمات وإيذاء العفيفات وإيذاء الطيبات، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

من صور تخبط الشباب: السهر مع المردان والشكشكة

من صور تخبط الشباب: السهر مع المردان والشكشكة من المآسي أيها الشباب! مأساة السهر أيضاً وسدد كثير من الشباب أمورهم إلى السهر في الاستراحة الفلانية والمخيم الفلاني في المكان الفلاني، وأعجب ما سمعت الشكشكة وما كنت أتوقع هذا الشيء حتى سألت أحد الشباب وقلت: ما هي الشكشكة؟ قال: والله غريب يا شيخ تسأل عن هذه الأشياء؟ قلت: والله أنا سألت بعض الشباب وقلت لهم ما هي الأشياء التي انتشرت بين الشباب المراهقين خاصة؟ لأني عندما أتكلم لا أتكلم عن قضايا في واد والواقع الذي يعيشه بعض الشباب في وادٍ ثانٍ، ولا بد أن أتكلم عن الأشياء الواقعية، قال: يا شيخ الشكشكة: استراحة ومخيم يأتون فيه هؤلاء (الخكاريا وعيال ومردان وخرابيط ورقص وتفيخه) إلى الفجر أو إلى آخر الليل، ثم يخرجون والعياذ بالله، إما أن تفتح عليهم باب اللواط وباب الشذوذ ويسرون مثل البهائم، نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ونسأل الله أن يعافينا من ذلك، من الذي يطيق أن يجلس في مجمع آثم، ومجتمع وسخ، مجتمع ساقط، مجتمع رذيل، مجتمع اللواط، ومجتمع (الخكارى) ومجتمع المخنثين؟! فما عجبي أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجاب مسألة خطيرة جداً، والواجب أن ننتبه لإنقاذ هؤلاء الشباب، الشاب الفارغ الذي ليس في ذهنه شيء. أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا فالشاب الذي ليس عنده حصانة وتحذير من هذه الأشياء يقع فيها ولا حول ولا قوة إلا بالله، والقضية كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:21] ليس فجأة طلع من المعهد وذهب في شكشكة، لا، القضية: جلسة، لقاء، سجارة، سهر، يمين يسار، تعال اسهر معنا، صيدة قيدة، شكشكة وقلة حياء، وهكذا يضيع العمر حتى إذا قال الزملاء: فلان مات تعالوا صلوا عليه. وفي ذات مرة شاب من المراهقين حصل له حادث ومات، وأنا أعرف أباه وأسرته، فجئت إلى المقبرة، وجاء زملاؤه ووقفوا عند القبر!! إلى متى التأنث؟ إلى متى؟ فكان الواحد يخاف أن يلمس التراب ثوبه، شمر عن يديك وتعال خذ اللبن والتراب والماء واعجن كي تضع اللبن على صديقك وتدفنه وتودعه لحده، وتعرف أنك كما دفنته ستدفن، كما أهلت عليه التراب سيهال عليك التراب، لماذا لا تحيا القلوب؟ لماذا لا تستيقظ وإلى متى والشاب في غفلة؟ السيارة ملاهي وأغاني وغفلات وإم بي سي، إف إم، ليل نهار، وفي البيت ملاهي وأغاني ودشوش وقلة حياء ووساخة، الليل سهر، الشوارع تسكع، الصلاة لا يعرفها مع الجماعة، متى يريد أن يكون له حظ في الإسلام وهو هكذا: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم:87]. وقيل في العهد: هو الصلاة (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) فإذا جمع الشباب ترك الصلاة وتسكع، وهمم دنيئة ومعاكسات وشكشكة، وقلة أدب وأمور سخيفة أسألكم بالله متى ينفع هؤلاء بلادهم وأسرهم، مثل هذا أسألك بالله أنت يا أخي السامع! يا أخي الشاب! لو عندك أخت هل تزوجها هذا الخكري، يقول: لي اخسأ، صحيح اخسأ ليس بكفء لها، وهذا متى يتزوج ومتى ينجب، وإذا كان مسئولاً عن أمه وأخواته فمتى ينفعهن وكيف يدير شئون حياتهن، هل يصلح أن يكون رب أسرة أو مسئولاً عن مسئولية، للأسف لا. ولا حول ولا قوة إلا بالله، وزد على ذلك هذه البرنيطة. أصبحت البرنيطة هي الشعار السائد، وأنا لا أقول لبس البرنيطة حرام، البس الذي تريد لكن لا تقلد الغربيين ولا تكن مهزوماً، ما لبستها إلا يوم أن لبسها الغربيون، في الأفلام وفي (إم بي سي) وفي الشاشات والقنوات، وفي أمس القريب أنا في مطار جدة، وشاب معه اسكيتنج المتزلج هذا، ولابس برنيطة حمراء، ووالله إني أقسم بالله، أني لم أعرف هو بريطاني أو سعودي، ويوم كنا جالسين منتظرين موعد الإقلاع جلسنا نأكل أنا وزميلي في المطعم، فمر بجانبنا وهو يتكلم بالعربية، قلت: يا دافع البلاء هذا الشكل!! سلسة في اليد، والقبة وفنليته لا أدري ما شكلها كأنها نمر مرقعة، واستكيتنج يتزلج عليها. واقع الشباب اليوم يعصر قلوبنا، لا يعرفون ماذا يراد بهم، وأعداء الإسلام لا يمكن أن ينجحوا في تدمير أمة، وإفساد أمة وإهلاك أمة إلا إذا دمروا الشباب، إذا دمر الشباب من يدافع عن البلاد؟ من يقف في مواجهه الأعداء؟ شاب ضائع صايع مسكين لا يستطيع أن يواجه، لكن لنا أمل أن من بين هؤلاء الشباب، ليس هؤلاء كلهم شبابنا ولله الحمد، يوجد في شبابنا أبناء الكليات العسكرية والحربية والجوية والبرية وكليات وشباب صالح من مختلف البلاد، لكن أيضاً من شدة غيرتنا لا نريد أن يبقى في مجتمعنا حجم بهذا الكم الموجود الآن من الشباب الضائع أو المتساهل في حياته وشبابه، لا يمكن أن تضيع الحياة بهذه الطريقة. أيها الأحبة! أقول لكم: واجبنا أن ننتبه وأن نعود ولا طريقة إلى تسديد الهدف إلا بالعودة الصادقة إلى الله عز وجل، لو كان هذا الشباب متديناً مستقيماً صالحاً، لا يقبل على نفسه أن يعاكس أو يكشكش أو يلبس قبعة، أو يتزلج اسكيتنج كما قلت لكم، بعض الأشياء لا أسوقها على وجه الحرمة ولكن أقول إنما وقع الشباب فيها على طريق التقليد، لكن ذلك عيب أمام الناس أن تلوك العلك وبيدك سلسلة، وهذه الأمور للأسف من الأشياء التي لا تليق أبداً. إن هذه القضايا -أيها الأحبة- قد أوقعت كثيراً من الشباب في هذا الانحراف التي ذكرت لكم، ولم يقف عند حد معين، وكما قلنا في محاضرة (حاول وأنت الحكم) السابقة، كيف يبدأ الشاب بالانحراف أول شيء يتعرف على واحد. ثانياً: جلسات ولقاءات. ثالثاً: سجائر، وبعد السجائر سهرة، وفي السهرة حبوب سكنال تدوين، حبة بيضاء، هروين كبتاجول، مخدرات، إبرة، ولا يزال الفساد يجر بعضه بعضاً، ولو أنه في البداية عصم نفسه عن مجالس السوء وجاهد نفسه على طاعة الله، ومن أراد أقرب طريق للاستقامة والهداية أمرين: الأول: اختيار الجليس الصالح. الثاني: الحفاظ على الصلاة مع الجماعة. ركز على هاتين القضيتين أكبر تركيز، الصلاة مع الجماعة، من أدرك تكبيرة الإحرام خلف الإمام أربعين يوماً كتبت له براءتان، براءة من النفاق وبراءة من النار، وهذا فضل عظيم؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وجليس صالح يعينك على إبعاد ما عندك من ملاهي ومعاصي، والهداية قريبة بإذن الله عز وجل.

فاحشة اللواط ومقدماتها

فاحشة اللواط ومقدماتها لقد أصبح خطر الشباب بعضهم على بعض عظيم، وأكبر الخطر لم يعد فقط في القنوات الفضائية، بل هناك خطر عظيم من الشباب بعضهم على بعض، ناهيك أو فضلاً عن بعض الشباب الذين لا يقصرون في قلة الحياء والخساسة، وقد وجدت شاباً في الحي الذي أسكن فيه بعد صلاة المغرب فاستغربت من أين جاء هذا؟ ليس من عيال الحارة ولا من شباب الحي، ما الذي جاء به؟ ومعه سيارة غمارتين وهذا معه سيارة، وهذا معه، وقاعد يكلم له ولد عمره أربع عشرة سنة، تريد دورة؟ الله يجعل الشياطين تدور بك، ومعروف ما وراء الدورة، تريد دورة، يأتون يمسكون الشاب المسكين مولع بسواقة السيارة، تعالى نعطيك دورة، دورتين ثلاث أربع حتى يصبح لوطياً يفعل به اللواط. شاب آخر مولع بالأشرطة والسماعات والأستريوهات، أنا عندي لك هدية، يعطي له أستريو الذي يعجبه، ثم بعد ذلك والعياذ بالله يوقعه في اللواط، والله يا شباب لا أقول تجاوزاً، جاءتني أشرطة شاب يقولون: ورطنا ورطة، يأتي يقول: أنا عندي مشكلة استحي أن أقولها لك، أقول له: سجل مشكلتك في شريط، وضع رقم تلفونك وأسمع المشكلة وأرد عليك. فسمعت المشكلة يقول: أنا شاب يقول: ابتليت وتورطت بأن تعرفت على أناس، هدايا، مجاملات، حتى ورطت معهم في اللواط، كيف أستطيع أن أخرج منه؟ وأخبث من هذا أن بعضهم قاتلهم الله أنى يؤفكون على أساس يدفع الهدية لشيء يريده، واحد عمره سبع أو تسع عشرة سنة ويهدي هذه الهدايا لشاب عمره أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة، استريو سوني بألف وخمسمائة ريال، لله في لله؟ لا. وراءها شيء. ثم يعطي له أستريو ثم غداً هدية، ثم ميدالية، ثم قلماً، ثم يجره، ثم يتفرجون على أفلام حتى يفعل به اللواط، والكاميرا تصور، ثم إذا أراد أن يقلع عن هذا، قالوا: تريد أن تروح تأتي وأنت حيوان، بالأمس كانوا يهدونه هدايا واليوم بالقوة، وانظر هذه صورتك موجودة وهذا فيلم الفيديو موجود، ووالله العظيم لو لم تأت لنفضحنك ونعمل بك كذا وكذا، وهذا الواقع. فالعاقل إن كان يرى أن حوله من ينسج الخيوط؛ لأجل أن يقتنصه فليكن أسداً يقتنص في خير ولا يقنص في شر. والأمر الثاني: آخر يقول عن نفسه: إنني ابتليت بشاب فعلت به وفعلت به، والآن أنا طفشان من تصرفاته، صورت وأخذت عليه وأهدده، والآن مسكين متحطم في حياته لا يقدر أن يعلم أهله بالمشكلة، الكبير هذا الذي فعل الفواحش بهذا الصغير، يعني بدأ يراجع نفسه، يقول: لا أدري كيف أتخلص، لا أدري كيف أغفر هذا الذنب، أو أستغفر من هذا الذنب. أيها الإخوة: انظروا كيف يقود الضياع والفراغ القاتل الشاب إلى هذه الأمور، وهذه قضايا ليس بعيب أن نتكلم فيها، طالما وجد من شبابنا من يقع فيها، كما أن الله تكلم في القرآن عن القتل وتكلم في القرآن عن الزنا، وتكلم في القرآن عن فعل قوم لوط، وتكلم في القرآن عن السرقة، وتكلم في القرآن عن قضايا كثيرة، كذلك نحن نتحدث للتحذير لمثل هذه القضايا. وختاماً: أقول من يسدد الهدف إلى الاستقامة؟ من يسدد الهدف إلى الهداية؟ من يسدد الهدف إلى مرضاة الله؟ من يسدد الهدف إلى التوبة؟ من يسدد الهدف إلى الطريق المستقيم؟ من يسدد الهدف والطريق إلى الجنة؟ من يسدد الهدف إلى جلساء صالحين ينفعونه بإذن الله؟ من يسدد الهدف إلى الجد والاجتهاد والإنتاج؟ هذا سؤال الرجل فيكم يقول: أنا أسدد الهدف نحو الخير، ومن لم يكن رجلاً فلا غرابة أن يستمر في ضلاله المبين، وحاشا أن يكون فيكم من يقول هذا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، واسمه الأعظم أن يهديني وإياكم لطاعته، وأن يثبتنا وإياكم على مرضاته، قولوا: آمين. يا شباب أمنوا على الدعاء لعلها ساعة يكتب لنا ولكم فيها قبول ورحمة واستجابة، اللهم اهد هؤلاء الشباب واهدنا معهم يا حي يا قيوم. اللهم اهدنا بهدايتك، وثبتنا بتثبيتك، وأيدنا بتأييدك. اللهم لا تفضح أسرارنا، ولا تهتك أستارنا، وثبتنا على ما يرضيك، واقبضنا غير خزايا ولا مفتونين يا رب العالمين! اللهم ارزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً، وتوفنا وأنت راضٍ عنا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. وأشكر لكم أيها الشباب هذا الاستماع الجميل، وأسأل الله أن يجمعني بكم في الجنة، وأقول ما قلته في (حاول وأنت الحكم) أنا مستعد لاستقبال أي مكالمة وأي رسالة وأي شريط، وأي قضية وأي شيء عندكم، إنسان يستحي أن يقول شيء، يرسله لي في شريط، يضعه في رسالة صندوق البريد (57594) الرمز (11584) موجود عند الشيخ علي العثمان أو عند الشيخ محمد البرقاوي، من أراد أن يراسلني، يضع عنوانه وأنا أراسله تريد ترسل بشريط أرسله للشيخ، وغلفه واكتب عليه يصل شخصياً ولا يفتح إلا بيد الأخ سعد البريك، تريد أن تكلمني مكالمة هاتفية هذا التلفون الذي أرد عليه (4260277) أي مشكلة عندك دونها في الرسالة وضع اسمك ورقم هاتفك، إذا لم تجدني قل: أنا من شباب المعهد المهني عندي مشكلة الفلانية وهذا رقم هاتفي أرجوك اتصل عليّ، عندي مشكلة أريد أن أتناقش معك فيها: (4260277) في رسالة مسجلة وفي فاكس، الذي عنده فاكس في الورشة يرسله جزاكم الله خيراً (4260277) بارك الله فيكم.

منبر الجمعة

منبر الجمعة لا أحد يسلم من العداوة، حتى الله عز وجل ما سلم من خلقه وعبيده؛ لذا وجب علينا أمة الإسلام أن نحذر من هذه العداوات التي قد تأتي إلينا من أناس يظهرون لنا الولاء وهم يحملون لنا البغض العميق، وهؤلاء هم المنافقون، وهؤلاء المنافقون عانى منهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن نعاني منهم اليوم، وبصور مختلفة وحيل متعددة.

قدم العداوة بين الحق والباطل

قدم العداوة بين الحق والباطل الحمد لله الذي أعز عباده المؤمنين، ونصر جنده الصادقين، وجعل أعداء دينهم من الصاغرين، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو إله الأولين والآخرين، أحمده وأشكره وأثني عليه الخير كله، أحمده ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، وأشهد أن لا إله إلا هو جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، عبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. معاشر المؤمنين: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: ما من أحد في هذه الدنيا يسلم من العداوة أو ينجو من الأحقاد والضغينة من قبل الحاسدين أو المبغضين، وإذا كان رب العباد جلَّ شأنه، وعزَّ سلطانه قد ضل وجهل في ذاته وصفاته أحقر خلقه وهم اليهود، فقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64]، وقالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]. وإذا كان نبيه صلى الله عليه وسلم قد نال من عرضه المنافقون، ونال من سيرته ونبوته الكافرون، فقالوا: ساحر أو مُعَلَّمٌ مجنون، وقالوا: في شأن الوحي الذي يتلى عليه: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5]، ولم ينج صلى الله عليه وسلم وهو النسيب الشريف في قومه لم ينج من أذى المعاندين، وسفاهة الجاهلين، فجعلوا الشوك والقذر في طريقه، وسلا الجزور على ظهره، وتمالؤوا في قتله ليضيع دمه، ولم ينج صحابته الكرام من كيد اللئام، وأذى الرعاء والطَّغام، فثبت الصحابة رضاً لرب الأنام، وأرخصوا الأرواح ليعز دين الإسلام، وبذلوا الدماء ليرتفع الجهل وليحل العدل والنور بين الأنام، وجاء من بعدهم التابعون لهم بإحسان، فحملوا الراية، ونشروا الهداية، وكانوا بحق لهذا الدين آية. ومع هذا كله مع التضحيات ما نجوا من الأذى والفتنة والابتلاء! وبالجملة: من طلب السلامة من الخلق فقد طلب المستحيل. إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل نصبُ المنصِب أوهى جلدي وعنائي من مداراة السفل ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل ولقد كانت العداوة بين الحق والباطل قديمة قِدم البشرية، واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ليبتلي الله المؤمنين، وليمحص الصادقين، وليكشف الستر عن المفسدين والمنافقين. إن عداوة الكافرين جلية من قديم الزمان، وحسبكم قول الله عز وجل: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:105] ويقول سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] ويقول تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ} [آل عمران:119]، ويقول جل شأنه: {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران:119]. ولما كانت هذه العداوة بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، والهدى والضلالة لما كانت العداوة قديمة قِدم البشرية؛ فقد تلونت وتطورت بألوان البشر وتطورهم، وظهرت تارة سافرة العداوة، وتارة بأشكال قشيبة، وبأساليب غريبة {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62] {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:43]. عباد الله: لقد علم أعداء الإسلام علم اليقين أن مواجهة المسلمين في عقائدهم لا تزدهم في الدين إلا صلابة، ولا تزيدهم في الطريق إلا مُضياً. لقد علم أعداء الإسلام أن المسلم حينما يصادم في عقيدته ودينه وكتاب ربه وسنة نبيه علموا أن هذا الصدام يزيل الغشاوة عن فطرته، فينهض للذب عن ملته، والذود عن أمته، وحينئذٍ لجئوا إلى أثواب الخداع القشيبة، وصور المكر المريبة التي انطلت على السذج والغوغاء، وفطن لها أولوا الفراسة والذكاء؛ فانطلق الصادقون يحذرون أمتهم شفقاً وحباً، يحذرون أمتهم شباباً وشيباً، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، انطلق الصادقون يحذرون أمتهم من خطر هذه الأساليب الملتوية، ويكشفون زيفها وباطلها.

أثر النفاق على المجتمع المسلم

أثر النفاق على المجتمع المسلم عباد الله: إن الذي يظهر لك العداوة سافرة، لا تحتاج إلى أدلة وبراهين لتعرف عداوته، إن الذي يبغضك صراحة لا تحتاج إلى دليل لمعرفة بغضائه وعداوته، ولكن مصيبة الأمة والخطوب المدلهمة إنما هي من أعداء يظهرون المسالمة ويبطنون الضغينة، فهم على حد قول القائل: يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب وهم كما قال الآخر: إن الأفاعي وإن لانت ملامسها عند التقلب في أنيابها العطب فالمنافقون وأهل العداواة المغلفة هم مصيبة الأمة، وسبب النيل منها. لقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقامت دولته، فأصبح الناس معه على فئات ثلاث: مؤمنين وكافرين، وهؤلاء شأنهم واضح، والفئة الثالثة المنافقون، ومن المنافقين نال النبي صلى الله عليه وسلم أذىً عظيماً، فما ترك المنافقون شاردة ولا واردة يقدرون على صرفها لمعاداة النبوة إلا فعلوها، حتى بلغ بهم الأمر أن اتهموا نبيهم صلى الله عليه وسلم في زوجته عائشة بالزنا. يا عبد الله: لو جاء واحد وقال لك: إن زوجتك زانية، أو أمك باغية، أو أختك فاجرة، ما الذي يصيبك؟ هل تستطيع أن ترقأ بالنوم للحظة؟ هل تستطيع أن تلذ بطعام أو شراب؟ فما بالكم بالنبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالمعجزة، تتنزل عليه الملائكة بالوحي، خير من وطئت قدمه الثرى، يقول المنافقون عنه: إن زوجته لزانية. أي مصيبة تصيب الأمة من المنافقين وأذناب الكافرين، لقد بلغ الأمر بهم أن اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في زوجته عائشة، وهي العفيفة الحصان الرزان. أم المؤمنين رضي الله عنها، رموها بالإفك، وقال رأس النفاق ابن أُبي في شأنها ما قال لما عادت متأخرة عن الجيش. فاتها الجيش -والجيش بالليل سائر- بقيت مكانها، فلما جاء الصحابي الجليل صفوان بن المعطل السُلمي ورآها عرفها، وكان قد عرفها قبل نزول الحجاب، فما كان منه إلا أن أناخ ناقته، وتنحى عن الناقة بعيداً، حتى تركب أم المؤمنين، وأمسك بزمام الناقة، يقودها حتى بلغ الجيش. أي عفة؟! وأي غض للبصر؟! وأي احترام لزوج النبوة أعظم من هذا؟! ومع ذلك كله قال ابن أُبي رأس النفاق، الذي نشر حادثة الإفك وتولى إذاعتها ونشرها بين الناس وبين أذناب النفاق في مجتمع المدينة، قال: والله ما سملت منه وما سلم منها. فَمِن هؤلاء -يا عباد الله- يدخل البلاء في صفوف الأمة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204 - 206]. ولكن اعلموا -يا عباد الله- أن لله في هذا حكمه، وأن أنواع البلاء وتلون الابتلاء لله فيه حكمة: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام:112]، {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

طعن الأعداء في رموز الأمة

طعن الأعداء في رموز الأمة الحمد لله، الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: ها أنتم ترون وتعلمون أن العداوة للإسلام والمسلمين سافرة ظاهرة، وأخذت ألواناً قشيبة وأساليب غريبة، فتنطلي على من لا عقل له، ومن لا فؤاد ولا لب له، ويفهمها ويفطن لها الألِباء الأذكياء. فيا معاشر المؤمنين: اعلموا أنكم مستهدفون، وأن أمتكم مستهدفة، وأن أرضكم مستهدفة، وأن مقدساتكم مستهدفة، وأن ولاة أمركم مستهدفون، وأن علماءكم مستهدفون، فما دمنا نعلم هذه العداوة، فلنأخذ الأهبة والاستعداد، لنشد من ترابطنا، ولنوحد صفوفنا، ولنجمع كلمتنا، ولا نجعل للمجرمين والمنافقين إلى أرضنا وخيراتنا وأمتنا وعلمائنا سبيلا. معاشر المؤمنين: يئس الكفار أن يحرفوا القرآن بعد محاولات لتحريفه، فعجزوا عن ذلك، وكيف يقدرون والله حفظه، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. وحاولوا تشويه السنة، ولكن قيَّض الله لها رجالاً أتقياء أصفياء أقوياء، حفظوا الدين بالإسناد، فبينهم السند الذهبي العالي المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ويوم أن أيقن أعداء الدين والملة أن لا سبيل لهم إلى الكتاب والسنة؛ لم يبق أمامهم إلا الرجال، فأخذوا يلفقون الافتراءات والأكاذيب والأقاويل والأباطيل على الرجال. يقول أحد الرافضة: إننا أبطلنا الناقلة ليبطل المنقول، أي: أن شتمهم للصحابة، ونيلهم من رجال الحديث ليس لعداوة مجردة بينهم وبين رجال الحديث، ولكن الضرب والسبيل والطريق لتشكيك المسلمين في حديث نبيهم، الطريق إلى ذلك أن يشكك الناس في سير الصحابة، ومن قرأ الخطوط العريضة، وجد أقوالهم التي يستحي الواحد أن ينطق بها على هذا المنبر من شناعة قولهم في شأن الصحابة والتابعين ومن بعدهم. يريدون أن يشوهوا صورة الصحابة، ويريدون أن يشوهوا صورة التابعين، حتى إذا قرأت حديثاً في سنده ذلك الصحابي قلت: ومن يضمن لي سلامة الحديث وفيه ذاك الصحابي الذي سمعنا عنها كذا وكذا. ومعتقد أهل السنة والجماعة: أن الصحابة كلهم عدول، اختارهم الله جل وعلا لصحبة نبيه، ونهى النبي عن الوقوع فيهم فقال: (لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق ملء جبل أحد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) لو تصدق واحد بوزن جبل أحد ذهباً ما كانت صدقته تساوي نصف مُدٍّ، يتصدق به أحد الصحابة، ومع ذلك اجتهد الأعداء في النيل من سير التابعين ومن بعدهم، حتى يتشكك الناس في سير العلماء، وفي سير معالم الدين، ورموز الشريعة، وهيهات هيهات {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38]. عباد الله: يلجأ الأعداء إلى أسلوب الشائعات والأباطيل والأكاذيب والافتراءات في معالم الدين وعلماء الأمة وولاة الأمور هجوماً وتشويهاً وتشكيكاً؛ ليتفرق الناس عن ولاة الأمر، ولتضعف الثقة في ولاة الأمور، وليتشكك الناس في نزاهة العلماء، وليتصل الناس بالمذاهب والتيارات والملل والنحل والفرق والأباطيل؛ ثم تصبح الأمة تعيش في حيص بيص، لا يجدون معلماً يتعلقون به، أو ثقة ينضوون تحت لوائه، هكذا يريد الأعداء يوم أن يلفقوا الأباطيل والتهم والشائعات على أعداء المسلمين. أليس أبا جهل هو من كان في مواسم الحج خلف النبي صلى الله عليه وسلم وتارة يسبقه وتارة يلحقه وهو يقول: يا معاشر الحجاج! إن هذا ابننا، ولقد صبأ عن ملتنا، وإنه سفيه فينا ينال من عقله، وينال من سيرته، حتى يتشكك الناس في عدالته، فلا يقبلوا منه صرفاً ولا عدلاً. وهذا الأسلوب قد فعله شياطين الإنس في هذا الزمان وقبل هذا الزمان، ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا نالت الرافضة من سير الصحابة؛ لكي يشككوا الناس فيهم، ونال النصارى من قادة الإسلام العسكريين، وأخذوا يشككون في دوافعهم إلى الجهاد، ويشككون في أعمالهم وقيادتهم لجيوش الأمة. واقرءوا ما كتب في سلسلة روايات تاريخ الإسلام، فمن قرأها -ومؤلفها نصراني- يحكم كل الحكم أن القادة وأن الجهاد تسيره آهات العشاق، ويحركه مطامع الأشواق، من قرأ تلك الروايات التي امتلأت تشويهاً وتحريفاً وتشكيكاً بسير قادة الإسلام، يقول: ما حرك الجيش إلا حب تلك الأميرة. إنهم يوم أن كتبوا عن فتح محمد بن القاسم لبلاد السند، قالوا: وكان يحب الأميرة سيتا بنت الملك ذاهر، ومن أجل ذلك جَيَّش الجيش، وأعَد العُدة، وسار وعبر النهر حتى يلتقي بمحبوبته. هكذا ينال أعداء الإسلام من الدين، لا يستطيعون أن يسبوا صحابياً، لا يستطيعون أن ينالوا من الدين مباشرة، لكنهم يستطيعون النيل من علماء الدين منذ القديم إلى هذا الزمان، فانتبهوا لذلك يا عباد الله، ولا ينبغي لمسلم أن يفتح أُذنه للشائعة والمقالة: (فبئس مطية الرجل زعموا) كيف والله جل وعلا يظهر براءة أوليائه في الدنيا قبل الآخرة {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18].

مكيدة أبطال الشموع

مكيدة أبطال الشموع معاشر المؤمنين: إن أسلوباً خبيثاً خطيراً يدبر لأمة الإسلام في هذا الزمان، وقبل هذا الزمان، أتدرون ما هو يا عباد الله؟ إنه صناعة الأبطال من الشموع، وتشكيك الثقة في الحقائق. أما صناعة الأبطال من الشموع فهذه ملموسة واضحة، يوم أن ترى المجلات الأجنبية والوافدة تضفي على رجل ألقاب الثقة، وألقاب العلم، وتجعله علماً ومعلماً وشخصية ومركزاً، ويجعلونه إماماً حتى يتعلق الناس فيه، وتشرئب أعناقهم إلى رؤيته، وتنطلق أبصارهم تتأمله. وما تزال تلك الوسائل المغرضة للدين وأهله وعلمائه وولاة أمره تصنع من أحقر التافهين بطلاً عظيماً، فإذا لمع وبرز وعرفه الناس جميعاً، أخذوا فصلاً جديداً من تمثيلية أو مسرحية، فينال من قبل الأعداء نيلاً، تجدونهم وهو من أوليائهم، وهو من أذنابهم يظهرون أنهم يؤذونه، ويظهرون أنهم يتابعونه، ويظهرون أنهم ينالون منه، حتى يتأكد الناس أنه صادق وليس بعميل. ثم بعد ذلك يطلقون سراحه من جديد، فيمسك شأناً من شئون أمة الإسلام، ثم بعد ذلك يعيث في الأرض فساداً، كيف استطاع أن ينال ثقة الجماهير والأمة يوم أن مر بدور مسرحي، وفصل تمثيلي خطير لم يكن شيئاً، ثم أظهر بين الناس، ثم لمع، ثم أصابه نوع في ظاهر الأمر بلاء، وليس في حقيقته بلاء، ثم يعود بعد ذلك مصيبة وويلاً على المسلمين. هذا اسمه صناعة الأبطال من الشموع! والنوع الآخر والمقابل لهذا: تشكيك الناس في الثقات، يوم أن يبرز عالم من العلماء، أو أن يظهر علماء المسلمين وقادتهم وقادة الجهاد ورجاله، يوم أن يظهرون ويبرزون على الساحة، تجد ألوان التشكيك، المجاهد الفلاني كان ممن يتعاطون المخدرات، القائد الفلاني وصلت إليه سيارة فيها خمور، فلان بن فلان حصل له كذا وكذا، فماذا بعد ذلك يا عباد الله؟ في المقابل تصنع الأبطال من الشموع التي لو عرضت على حرارة الفتنة لذاب الشمع ولم يبق له وجود، وفي الجهة الأخرى الثقة العالم التقي النقي يرمى بمختلف الاتهامات، لماذا؟ حتى يشكك الناس فيه، ولا يثقوا بقوله، ولا ينتصحوا لنصحه، ولا يخلصوا الأمر له ومنه. فيا عباد الله: اعلموا أن أمتكم مستهدفة، اعلموا أنكم مستهدفون بمختلف الأساليب وألوان الوسائل، فمن الناس من يفهمها، ومن الناس من تنطلي عليه. يكفي اللبيب إشارة مرموزة وسواه يدعى بالنداء العالي يا عباد الله: لقد عرفنا في بعض دول العالم الإسلامي رجالاً ممن كانوا من أهل التجارة والربح الحلال، ماذا لفق عنهم؟ ماذا قيل عنهم؟ ماذا نشر عنهم؟ إنهم يتاجرون بالمخدرات، إنهم يفعلون كذا وكذا، حتى يتشكك الناس في سيرهم وسمعتهم، وفي المقابل تخرج الرموز، ويخرج الأبطال الذين صنعوا من الشموع، فتنطلي الحيلة على السذج والغوغاء. واعلموا -يا عباد الله- أن بلدكم هذا بحمد الله ومنته هي آخر قلعة للإسلام، وهي آخر معقل من معاقله، ويأبى الله أن يدب هذا المرض إلى رجاله أو شبابه أو علمائه أو ولاة أمره، وإن حصل شيء فهذا لا يزيد أبناء المجتمع بولاة أمره إلا تماسكاً، ولا يزيد رجاله بولاة أمره إلا التفافاً، حتى يطرد الدخيل، ويكشف العميل، وتظهر السنة، وتمحى البدعة. هكذا ينبغي أن يعمل المسلمون يوم أن يصاب المجتمع، أو يدب إلى الأمة بداية مرض من الأمراض، فاعلموا أن هذا لا يجعلنا نفيض في القول والشائعات والتفسير والاقتراحات والآراء، كل يفسر من تلقاء نفسه، لا وألف لا، بل هذا يزيدنا في ولاة أمرنا تمسكاً، وبعلمائنا ثقة، وبمجتمعنا وحدة، حتى لا يدب الضعف إلينا. وما قتلت أمة إلا يوم أن قتلت من الداخل، وما سلبت أمه إلا يوم أن نهبت من الداخل، وما تسور اللص جداراً إلا يوم أن وجد الأمر هيناً، وما دخل بيتا إلا يوم أن وجد الباب مفتوحاً، فلا تفتحوا ولا تشرعوا أبواب الفتنة والشائعة والقول في ولاة أمركم أو علمائكم، بل احفظوا أنفسكم: {َوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} [النور:12]. يوم أن نسمع أي مقالة في واحد من ولاة أمورنا، أو علمائنا، أو رجالنا الصادقين المخلصين، فإننا والله لا يزيدنا هذا إلا إيماناً بصدقه وإخلاصه؛ لأنه ابتلي والابتلاء دليل من دلائل الصدق والإخلاص. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين، وارفع لواء الدين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

نساء لم يذكرهن التاريخ

نساء لم يذكرهنَّ التاريخ في إطار الهجمة المسعورة ضد المرأة، والحال المزري الذي وصل إليه واقعها، يطير بنا الشيخ في موكب حافل بصور من حياة النساء بداية بأمهات المؤمنين والصحابيات؛ مع ذكر بعض صور الصالحات في زماننا، كما تطرق إلى الأسباب والدواعي التي جعلت كثيراً ممن تجاوز سن الشباب من النساء يقمن بتصرفات المراهقة والتصابي.

أسباب الحديث عن المرأة

أسباب الحديث عن المرأة الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: أسأل الله جل وعلا أن يجزيكم خير الجزاء على حضوركم هذه المحاضرة في ليلةٍ شديدة البرودة، وأسأل الله جل وعلا أن يجمعنا بكم في جنةٍ لا نرى فيها: {شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} [الإنسان:13 - 14]. أحبتنا في الله: حديثنا إليكم حديث الأخ المتعلم إلى إخوانه العلماء والأفاضل، ولكن لا بأس أن يذكر بعضنا شيئاً قد يغيب عن أذهان البعض. أحبتي في الله! عنوان هذه الكلمات: نساءٌ لم يذكرهن التاريخ، نساءٌ لم يذكرهن التاريخ بسوء، نساءٌ لم يذكرهن التاريخ بفاحشة، نساءٌ لم يذكرهن التاريخ بمعصية، نساءٌ سطر التاريخ مآثرهن، وسجل كرامتهن، وسطر مواقفهن التي كانت ولا تزال شمساً مشرقة وقناديل تضيء لأجيال الفتيات والبنات والأمهات طريق السير في معترك الحياة.

الهجمة المسعورة على المرأة

الهجمة المسعورة على المرأة أما الحاجة إلى طرح هذا الموضوع: فإنا وإياكم نعلم هذه الهجمة المسعورة، وذلك النعيق والنقيق والصياح والعواء ضد المرأة وتجاهها، ولماذا كل هذا على هذه المرأة المسكينة؟! نعم. إذا أفسدوها فسد المجتمع، ومن أراد أن يبطل شيئاً؛ فلا بد أن يبطل أركانه، ومن أراد أن يفسد داراً؛ فلا بد أن يعطل أساسها، ومن أراد أن يخرب دولةً؛ فليهدم مجتمعها، وإن مجتمعنا ولله الحمد والمنة لا يزال يشهد تماسكاً وترابطاً، ورعايةً وعناية من الآباء والأمهات، ومكانة الأسرة مرموقة، ومنزلتها معلومة، إلا أن أعداء الإسلام من العلمانيين والمنافقين والمتربصين بنا الدوائر قد شرقوا بريقهم، وأغاظهم هذا الأمر، وحسدونا على ما نحن فيه، وصدق فيهم قول الله: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] وصدق فيهم قول الله جل وعلا: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة:105]. إذا لقونا تبسموا بالشفاه، وأظهروا صادق الولاء، وإذا خلوا عضوا علينا الأنامل من الغيظ يريدون أن يروا يوماً أسود، وشتاتاً وفرقة، ومصيبةً وبليةً في هذا المجتمع، ويأبى الله ذلك -بمنه وفضله وكرمه- ورسوله والمؤمنين.

إبراز الإعلام للمرأة الكافرة والفاسقة

إبراز الإعلام للمرأة الكافرة والفاسقة حاجتنا أيها الأحبة إلى طرح هذا الموضوع؛ لأننا نرى في وسائل الإعلام وفي كثيرٍ من الصحف والمجلات تلميعاً للكافرات، وذكراً وإطالةً وإطناباً، وإشارةً وإلماحاً، وتصريحاً وتلميحاً بشأن الفاسقات. ونرى من يحرص على أن يبرز المرأة التي تركت بيتها، وأهملت أولادها، وهجرت بيت زوجها. نرى من يحرص أن يجعلها هي القدوة، وهي المثل الأسمى، وصاحبة القدح المعلى. نرى من يحرص أن يسجل هذه المرأة المتبرجة التي تسافر وحدها، والتي تخرج وتدخل وتتصل وتهاتف وتكلم وتعِد وتزور وتلقى من تشاء كيفما شاءت، وبأي زيٍ شاءت، وفي أي وقتٍ شاءت. نرى من يحرص على إبرازها بأنها الفتاة المرموقة، والمرأة المثقفة، وصاحبة الفهم والوعي والإدراك التي استجابت لما يحتاج إليه الواقع، والتي واكبت ظروف العصر، والتي طرحت نفسها في معادلة الرقي الاجتماعي. هذا والله مما نراه، وتلك شنشنةٌ نعرفها من أخزم! نعرف أن أعداء الإسلام ما أرادوا للمرأة سعادة، ولا أرادوا لها حرية، ولا عفةً وحياءً، ولا ستراً وحجاباً، وإنما أرادوا أن يكون الطريق إليها سهلاً، وأن يكون السبيل إليها مفتوحاً، وكما قال محمد قطب حفظه الله وسائر علماء ومفكري المسلمين، قال: إنهم لا يريدون حرية المرأة ولكنهم يريدون حرية الوصول إلى المرأة.

جعل نصيب للمرأة من الخطاب

جعل نصيب للمرأة من الخطاب إن من حاجتنا إلى طرح هذا الموضوع: أن نخاطب المجتمع، وأن يكون نصيب المرأة من الخطاب معلوماً، كما أن الدعاة في شأن هذه الصحوة المباركة خاطبوا الشباب على الأرصفة، وجلسوا على الرصيف وحدثوهم، وخاطبوا الشباب في السجون وفي معاقل المخدرات، وتحدثوا مع الناس في المساجد، وتكلموا مع المراهقين في مدارسهم ودور تعليمهم. إن من واجب الدعاة إلى الله أن يخاطبوا المرأة وأن يحدثوها، خاصةً تلك المرأة التي أقبلت على الكهولة. إن الحديث للمرأة عامٌ ولكني أخص اليوم بالذكر فئةً وشريحةً من النساء اللائي جاوزن الخامسة والثلاثين أو الأربعين، وأقبلن في دبر العمر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه في صحيح البخاري أنه قال: (قد أعذر الله إلى امرئٍ بلغه الستين من عمره) وفي الصحيح أيضاً: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك) فأيما رجلٍ وامرأة بلغ هذا السن أو جاوزاه؛ فهو والله في دبر العمر، وفي خريف الحياة، فلينظر ماذا قدموا وماذا أخروا.

السفه الذي تحياه جملة من النساء

السفه الذي تحياه جملة من النساء إن مما دعاني وحدا بي إلى الحديث معكم في هذا الموضوع والحديث إلى الأخوات ممن يسمعن ويستمعن إلى الشريط: أنني رأيت وعرفت وعلمت شريحةً كبيرةً من النساء بدلاً من أن تكون الواحدة منهن إذا أقبلت على الأربعين، أو جاوزتها في الخمسين، بدلاً من أن تتجه إلى قيام الليل، وصيام الإثنين والخميس، والصدقة وصيام الأيام البيض، وصلاة الضحى والدأب على الاستغفار، وعلى التسبيح، أراها قد عادت إلى الجنون والسفاهة، وهي كما قال القائل: عجوزٌ تمنت أن تعود صبيةً وقد ذبل الخدان واحدودب الظهرُ فراحت إلى العطار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهرُ نعم. إني أعجب أن أرى امرأةً جاوزت الأربعين تتغنى وتتزين وتفاخر أنها ستكون عصر السبت في حديقة الحيوانات، وعصر الأحد في الملاهي، وعشاء الإثنين في حفل الزفاف، واليوم الرابع في النادي الفلاني في حفلةٍ نسائية، أين حظ العبادة من وقتها؟! أين حظ الطاعة من ساعاتها؟! أين حق القيام والتهجد من قيامها ونهارها؟! لا تجد لهذا قليلاً أو كثيراً، إلا من رحم الله منهن، وقليلٌ ما هُنَّ. إنا لا نقول: حرامٌ على المرأة أن تحضر مناسبةً، أو أن تروح عن نفسها بشيء، ولكن امرأةً جاوزت الشباب، ودخلت في الكهولة، حريٌ بها أن تستحي، حريٌ بها أن تُقْبل نحن ما قلنا: إنها عجوزٌ قد خرفت، أو قلنا إنها قد أدبرت، ولا فائدة لزوجها منها، حاشا وكلا! فكم من امرأةٍ في هذا السن هي خيرٌ من شابةٌ في مقتبل عمرها، ولكن نقول: إن هذه المرحلة تتطلب منها إقبالاً وتوجهاً وحرصاً على العبادة، لكي يعلوها الوقار، وتتزيا بالهيبة، وتقتدي بها بناتها، وتقتدي بها جاراتها، وتقتدي بها زوجات أبنائها، تكون بهذه الحال لا أن تصبح سفيهةً مراهقة: هَبِ الشبيبة تبدي عذر صاحبها ما بال أشيبَ يستهويه شيطانُ

دواعي سوء تصرف من جاوزن سن الشباب

دواعي سوء تصرف من جاوزن سن الشباب أيها الأحبة في الله! إن ما نراه في حال كثير من نساء المسلمين في هذا الزمن، لاسيما اللائي بلغن هذا العمر أو جاوزن الأربعين وقاربن الخمسين، مع إغراق كثيرٍِ منهن في السفاهة والتصابي والمراهقة، إنها والله مراهقةٌ جديدة، إنها والله عودةٌ إلى مراهقة الكهولة، مراهقة الخمسين وما بعد الأربعين، ما الذي يدعوهن إلى ذلك؟ إن الداعي والباعث إلى كثيرٍ من هذه التصرفات: أولاً: الفراغ: فراغ القلوب، وفراغ الوقت. نعم. لقد فتح الله علينا أبواباً من الخير كثيرة، وأبواباً من النعم لا تحصى. كانت المرأة فيما مضى مشغولة بجلب الماء من البئر، وبإعداد الملابس لزوجها، وطهي الطعام، وإعداد شئون أولادها، وترتيب منزلها، لا تجد إلا وقتاً قليلاً للعبادة، ومع هذا كله، فقد عرفنا وعرفتم، ولاحظنا ولاحظتم أن فئةً كبيرةً من النساء اللائي سلفن في عمرٍ مضى مع كثرة مشاغلهن في المنازل كنَّ أقرب إلى الله، وأتقى لله، وأقوم لليل، وأصوم للنهار، وأكثر عبادةً وتهجداً، ولما فتحت علينا شئون الدنيا وأصبح الناس يخدموننا من بلاد الشرق والغرب، أصبحت البيوت مليئة بالخادمات، كان المفترض أن تجتهد -من نالت الفراغ بعد الشغل- في العبادة والطاعة، ولكن من المؤسف حقاً أن نجد أن الوقت أخذ يُملأ بالملاهي وحدائق الحيوانات، وكثير من المناسبات التي لا فائدة فيها، وكثير من اللقاءات التي ربما ملئت بالرقص وسماع الغناء، وربما اجتمعن ورقصن البنات فيها وحصل فيها من المنكرات ما الله به عليم. أعود وأكرر: إننا لا نثرب أو نحرج أو نحرم على المرأة أن تنال شيئاً من الراحة، أو أن تروح عن نفسها في مناسباتها، ولكن لا يعني ذلك أن تشتغل الليل والنهار وطيلة أيام الأسبوع أو أغلب أيام الأسبوع في مثل هذه المسائل. ثانياً: بعد الفراغ في الوقت. فراغ الروح، إن من كان بالله أعرف؛ كان منه أخوف، وإنما العلم الخشية، و {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]، فمن عرف الله حقاً كان خائفاً منه، ومن أدرك نعم الله قابلها بشكره بعبادته، ولكن كثيراً من النساء ويا للأسف قابلن هذا بفراغ الروح وملئن القلوب باللهو والطرب! إن لكل شيءٍ غذاء ومادةً تناسبه لكي تملأه بها، فلو أن فتاةً أو امرأةً جاءت وقالت: إني عطشى، إني جائعة، نقول لها: اشربي بنزيناً! هل البنزين شرابٌ للعاطشين؟! لا. إن من كان عطشاناً فإن غذاءه الماء، ومن كان جائعاً هل نلقمه التراب، أو نجعله يعلف الصخرة والحصى؟! لا. إن من كان جائعاً فغذاؤه الطعام، فما دامت البطون لا يصلح لها إلا ما يناسبها من الطعام، فكذلك القلوب من العبث أن نملأها بغير ذكر الله جل وعلا. إن كثيراً من الناس جاعوا في قلوبهم وأصابهم العطش، وأقفرت صحاري قلوبهم، وأجدبت ربوع قلوبهم، فذهبوا يستسقون وذهبوا يطلبون الماء والطعام لقلوبهم، فقدموا لهذه القلوب الأغاني لعلها تروى من عطشها، قدموا للقلوب الأفلام لعلها تشبع من جوعها، قدموا للقلوب المجلات الخليعة لعلها تجد شيئاً من حاجتها، قدموا للقلوب السهرات التافهة، والذهاب والإياب، والغدوات والروحات، في غير طاعة الله أو في لهوٍ يفضي إلى معصية الله جل وعلا. أيها الأحبة! إن الضخ الإعلامي -عبر كثيرٍ من وسائل الإعلام التي كانت المرأة هدفاً رئيساً فيه- حدا بكثيرٍ من النساء أن إلى التنافس، والدليل على ذلك أن تجد جملة وشريحة من النساء ممن أقبلن على الخمسين تنافس وتقلد وتفاخر أن فستانها كفستان الممثلة الفلانية، وأن لباسها كلبس المغنية الفلانية، وأن سهرتها في المكان الذي سهرت فيه الراقصة الفلانية، ووالله إن هذا موجودٌ في مجتمعنا، نسأل الله أن يرد الجميع إليه رداً جميلاً. ثالثاً: لو كانت المرأة فقيرة لما اشتغلت بهذا. نعم. حينما ترى امرأةً سبتها في حديقة الحيوانات، وأحدها في الملاهي، واثنينها في حديقةٍ عامة، وثلاثاؤها في مناسبةٍ سهرة، وأربعاؤها في حديثٍ، وتجد في هذا سهرٌ طويل واشتغالٌ عن طاعة الله، ونومٌ عن صلاة الفجر، ونهارها ضائع والخادمة هي التي تدبر الأطفال وتدير البيت، لو كانت هذه المرأة فقيرة، أو أفغانيةً تستجدي قطعة قماش تستر عورتها وعورة بناتها بها، أو كرديةً لا تدري هل تضع القماش تحت رجلها لكي يقيها من صقيع الجليد والثلج؟ أم تجعله على كتفها؛ لكي يرد عنها شدة البرد والزمهرير لو كانت واحدة من تلك لما فكرت ولما وجدت وقتاً أن تزور حديقة أو ملهاة، ولكن هو شأن بني آدم: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7] لما استغنى بالمال وبالوقت وبالعافية؛ أصبح يصرف ويقلب، وأصبح حال كثيرٌ من النساء يصرفن ويقلبن هذه الأوقات في الملاهي والمسارح ومناسباتٍ لا ترضي الله جل وعلا. والله لو كانت في الصومال التي تشهد مذابح عنيفة، أو كانت إريتريةً فقيرة، أو في بلادٍ فيها قتلٌ وسفكٌ وتشريدٌ وأرامل ويتامى لما وجدت مكاناً ووقتاً لكي تضيع المال والوقت والصحة، أو مريضةً في كل عشرين ساعة تغسل كلاها لفشلٍ كلوي أصابها، لو كانت مريضةً تحتاج أن تستنشق الأكسجين أو البخار لأزماتٍ في تنفسها تنتابها بين الساعة والساعة، لو كانت مريضةً بشريانٍ أو بصمام، أو مشلولةً لا تستطيع أن تتحرك، والله ما وجدت وقتاً لكي تضيعه في الذهاب والإياب إلى هذه الملاهي وإلى تلك الحدائق وغيرها. وإني لأنصح أخواتي وبناتي، وأنصح الزوجات والأمهات أن يزرن قسم النساء في دار النقاهة، ولهن وحسبهن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من زار مريضاً؛ لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع) فلهن الأجر من الله بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا يا صويحبات أمهاتنا! ألا يا بنات مجتمعاتنا! ألا يا معاشر الزوجات! ألا يا معاشر البنات والأمهات! زوروا دار النقاهة؛ لكي تعرف الواحدة نعمة الله عليها، لكي تعرف أنها إن أرادت حاجتها الخاصة قضتها بنفسها، وأن أختاً لها لا تستطيع قضاء حاجتها إلا بوقوف ثلاث ممرضات، إحداهن على صدرها واثنتين على بطنها، حتى تخرج ما بجوفها!! أفلا تحمد الله؟! أفلا تشكر الله؟! أفلا تسبح وتكبر لله جل وعلا؟! هذا خيرٌ لها، لكن الكثير من الناس لا يستعتب أو يعود أو يؤب إلا إذا مسه الشر، إلا إذا حلت به المصيبة، وكما قال الله جل وعلا، وهذا في شأن الذكر والأنثى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12]. فتاةٌ يوم أن كانت مريضة تتلوى تتقلب تتأوه، امرأة يوم أن كانت مريضة لا تطيق أن ترى أحداً، لا تتمنى أن تقابل أحداً، فلما عوفيت وشفيت اذهبوا بنا اليوم إلى الحديقة؛ اذهبوا بنا إلى ذلك المكان، بالأمس كانت تتلوى وتتضور من الجوع والألم، ولما حضرت تلك الحفلة المطربة والمغنية وآلات الموسيقى والأعواد والفرقة الموسيقية أخذت ترقص يمنةً ويسرةً على هذه الأنغام، ونسيت أنها بالأمس كانت تتلوى على السرير الأبيض في المستشفى!! نعم {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ} يتلوى على جنب {أَوْ قَاعِداً} لا يستطيع أن يستمر نائماً، تارةً يقعد، وتارةً يقف، وتارةً ينقلب على جنبه، وتارةً على ظهره {دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ} لما ذاقت تلك المرأة أو الفتاة أو الزوجة أو الأم طعم العافية {مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} [يونس:12] كأنها لم تصب يوماً بمرض، ولم تذق ألماً وسقماً من الأسقام.

نساء من السلف

نساء من السلف أيها الأحبة! هذه مقدمة لهذا الموضوع، وأما النساء اللاتي لم يذكرهن التاريخ، وقدواتهن. بل تيجان رءوسهن: أمهات المؤمنين رضي الله عنهم والصحابيات ومن سرن على هديهن، واقتفى أثرهن وأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحسان إلى يوم الدين.

خديجة بنت خويلد رضي الله عنها

خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فأولهنّ خديجة بنت خويلد: كان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يذكرها ويدعو لها؛ تقول عائشة: (قلّ مجلسٌ يجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذكر خديجة بخير) حتى أنه ذات يوم كان عندهم لحمٌ أو طعام، فقال صلى الله عليه وسلم: (أطعموا صويحبات خديجة) فاشتعلت الغيرة في نفس أُمنا عائشة رضي الله عنها، فالتفتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: [يا رسول الله! هل كانت خديجة إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها] رضي الله عن أمهات المؤمنين، تضايقت عائشة من كثرة ذكر خديجة، لا كراهية في خديجة، ولكنها غيرة تصيب النساء، فالتفتت وقالت: [وهل كانت خديجة إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها] فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد آمنت بي خديجة لما كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً ولم أرزق من غيرها، قالت عائشة: فقلت في نفسي: والله لا أذكر خديجة بسوءٍ أبداً).

فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم

فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم انظروا إلى شأن فاطمة بنت نبينا صلى الله عليه وسلم، بنت النبي، بنت ملك الدولة، بنت رئيس الدولة، بنت إمام الدولة الإسلامية العظمى، قال زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [سنوتُ] أخذت أستخرج الماء من البئر بالسانية، والناس تسني على الأباعر والحمر والثيران وغيرها وعلي يسني بنفسه، قال: [سنوتُ حتى اشتكيت صدري] يخاطب زوجته وصاحبة خدره وفراشه، قال: [سنوتُ حتى شكوت صدري، فاطلبي يا فاطمة من أبيك خادماً، فلقد بلغني أنه قد جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسبي] فذهبت فاطمة، ولما وقفت بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم استحت! ما أجمل الحياء! ما أجمل العفاف! ما أجمل هذا الحياء الذي ظهر وأيرق وأشرق وأزهر في بيت النبوة، بعد أن استحت عادة مرةً أخرى، فذهب علي بنفسه رضي الله عنه وقال: [يا رسول الله! سنوتُ حتى اشتكيت صدري، وطحنت فاطمة حتى مجلت يداها] أصابها شيءٌ من آثار القروح من أثر ما تطحنها على الرحى وهي تعلف النوى لفرس علي بن أبي طالب. قال علي: [يا رسول الله! فهب لنا خادماً] فهل قال صلى الله عليه وسلم: أبشر بسواد عين، فإن ابنتي عندك؟! أو قال: أبشر لعينك يا علي يا بن أبي طالب يا بن عمي؟! لا. بل قال صلى الله عليه وسلم: (والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة -الفقراء المساكين المحتاجين الذين يطوون الحصى على بطونهم من الجوع والفاقة والحاجة- تطوى بطونهم ولا أجد ما أنفق عليهم، لكن أبيع السبيَ؛ فأنفق على أهل الصفة). ثم ولى علي رضي الله عنه، وفي الليل جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته وزوجها، فوجدهما قد تغطيا بفراشٍ إن غطيا به رأسيهما بدت رجلاهما، وإن غطيا به رجليهما بدا رأسيهما، الله أكبر! فجلس النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، قال علي: والله إني لأجد أثرَ برد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم على كبدي، فقال: (أفلا أخبركما بما هو خيرٌ لكما من خادم؟ تسبحان دبر كل صلاةٍ عشراً، وتحمدان عشراً، وتكبران عشراً) وهذا في مسند أحمد، وفي صحيح البخاري: (إذا أويتما إلى فراشكما سبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبرا الله أربعاً وثلاثين) قال علي: [فما تركتها، قيل له: ولا ليلة صفين، قال: ولا ليلة صفين]. نساءٌ لم يذكرهن التاريخ بفاحشة ولا بمعصيةٍ ولا بدناءةٍ ولا بخسةٍ ولا بسخافةٍ أبداً، منهن فاطمة رضي الله عنها، أول أهل الرسول لحاقاً به، فقد أخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بخبرٍ سارّها به فيما بينه وبينها، وعائشة تنظر إليهما، فبكت فاطمة ثم سارّها مرةً أخرى؛ فضحكت فاطمة، فماذا كان السر الأول المبكي؟ وما هو السر الآخر المضحك الذي بعث على الفرح والابتسامة؟ أما الأول: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنتِ أول من يلحق بي من أهل بيتي) فبكت رضي الله عنها وقد توفيت فاطمة بعد رسول الله بستة أشهر. ثم لما سارها مرةً أخرى، قال: (وأنت يا فاطمة سيدة نساء أهل الجنة). يا أمنا! يا أختنا! يا جدتنا! يا زوجةً لإخواننا! يا فتاةً من بناتنا! لو قيل: إن مطربةً فلانية ستحضر النادي الفلاني؛ لتهيأ كثيرٌ من البنات لكي تقف أو تصور أو تجالس أو تظفر بكلمة أو توقيع على ما يسمى بالأتوجراف، أو ورق الذكرى لكي تحتفظ وتفتخر به. يا أمنا! يا أختنا! يا زوجة أحد إخواننا! ألا يسرك أن تكوني صديقةً ورفيقةً وزوارةً لسيدة نساء أهل الجنة في الجنة؟ بلى والله إن ذلك لهو الفوز العظيم، أن تكوني صديقةً لـ فاطمة، وأن تكوني قريبةً من خديجة، وأن تكوني جليسةً لـ عائشة رضي الله عنها. ولما حانت منية فاطمة رضي الله عنها ودعها زوجها وغسلها وكفنها وصلى عليها. هذا نهاية المطاف في الحياة وبداية الانتقال إلى دار برزخية. عائشة نهايتها الموت، فاطمة سيدة نساء أهل الجنة أيضاً كانت نهايتها الموت، وكذلك خديجة وغيرها أفأنتِ لن تكون لك مثل هذه النهاية؟ ستموتين وسنموت جميعاً. أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح لو كانت الأعمار تبقى لواحدٍ لكان رسول الله حياً مخلداً فيا أمنا! يا أختنا! يا زوجة أحد إخواننا! يا امرأة ندعوك بالله وإلى الله ولوجه الله، أفلا تزورين خديجة رضي الله عنها، وهي التي يقرؤها جبريل الرسول الأمين السلام ويبشرها من الله ببشارة، يقول لزوجها محمدٍ صلى الله عليه وسلم: (بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا وصب). يا أختنا! يا فتاة الإسلام! يا امرأة الإسلام! ألا تريدين أن تكوني زوارة صديقة جليسة أنيسة لـ خديجة؟ بلى والله.

عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها

عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها أما عائشة، وما أدراك ما عائشة، ذلك المعلم الشامخ والقمة السامقة من أمهات المؤمنين، أحب النساء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: (أحب الناس إليَّ عائشة، وأحب الرجال إليَّ أبوها) هل اتكلت عائشة على أن زوجها هو النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك ستكون ضامنة للجنة بأي حال؟ مع أنها مبشرةٌ بالخير العظيم من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، التي نزلت براءتها من فوق سبع سماوات في حادثة الإفك المعلومة، التي حفظت للأمة شيئاً عظيماً من أحكام الدين فيما يتعلق بالمعاشرة وخصوصيات حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن القاسم قال: [كنتُ إذا غدوت أبدأُ ببيت عائشة أسلم عليها، فغدوت يوماً، فإذا عائشة قائمة تسبح وتقرأ القرآن وتقرأ قول الله جل وعلا: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27] قال: وهي تدعو وتبكي وتردد هذه الآية: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27] قال: فلما طال انتظاري قمت وذهبت إلى السوق؛ لعلها تنفتل من صلاتها وتسبيحها، يقول: أطلت انتظارها، وهي لا تزال تقرأ الآية ولم تلتفت ولم تدر أني قد دخلت عليها. قال: فذهبت إلى السوق ثم رجعت فإذا هي قائمةٌ كما هي تصلي وتبكي. وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: إنكم لن تلقوا الله بشيءٍ هو خير لكم من قلة الذنوب] ثم أتبعت تقول: [فمن سره أن يسبق الدائب المجتأب؛ فليكف نفسه عن كثرة الذنوب]. هذه حال عائشة. ولما حضرتها الوفاة وكان عندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر فاستأذن ابن عباس وقد قربت من الموت فقالت: [مالي ولـ ابن عباس؛ فأكب عليها يرجوها ابن أخيها حتى أذنت له، فدخل ابن عباس وأثنى عليها خيراً وقال: أنت الذي أنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، وبركاتك على المؤمنين في كثيرٍ من الأمور، فالتفتت عائشة إليه وقالت: دعني منك يا بن عباس، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنتُ نسياً منسياً]. عائشة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم، مبشرة بالخير العظيم، تمدح وتثنى وتذكر مناقبها بين يديها، فتقول: [دعني عنك يا بن عباس؛ فوالله لوددت أني كنتُ نسياً منسياً]. يا أمة الله! يا فتاة الإسلام! يا امرأة تجاوزت الأربعين أو قربت منها! خذي صورةً من صور أمهات المؤمنين واجعليها قدوةً ونبراساً ومثالاً لتتأسي وتقتدي بها، بدلاً من أن تنافسي فلانة في ذهبها، وعلانة في حليها، وفلانة في فستانها، وفلانة في خدمها، وفلانة في أباريقها، وفلانة في زجاجها وما عندها من الأواني والأثاث وغير ذلك، خذي طريقة أمهات المؤمنين واسلكيه؛ تصلين بها إلى جنة، فتُخدَمي في الجنة، وتكوني من المنعمات نعيماً لا ينقطع، أما الحلي والملابس والأباريق والأكواب والأثواب والأثاث وغير ذلك؛ فإنك تنقلين من سعته إلى ضيق قبرك، ومن نور الإضاءة والكريستال والنجف إلى ظلمة القبر، ومن السعة في الفلل والقصور إلى ضيق اللحود، ومن الأنس بالزائرات والصديقات والملاهي والحدائق وغير ذلك إلى دار وحشة حيث لا أنيس فيه إلا عبادة ترجين بها وجه الله جل وعلا.

أم شريك رضي الله عنها

أم شريك رضي الله عنها خذوا صورةً من صور هؤلاء النساء اللائي لم يذكرهن التاريخ بسوءٍ ولا بشرٍ أبداً. أم شريك رضي الله عنها، اسمها: غزية بنت جابر بن حكيم السدوسية، قال الأكثرون: هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها، وعن ابن عباس قال: [وقع الإسلام في قلب أم شريك رضي الله عنها فأسلمت وهي بـ مكة، وكانت تتردد وتدخل على نساء قريش سراً]. امرأة لما أسلمت وكان الإسلام لم يزل بعدُ سراً خفياً لم تقم له دولة وصولة، هذه المرأة جعلت تدخل على نساء قريش سراً فتدعوهن وترغبهن في الإسلام، حتى انتشر أمرها في مكة، فأخذوها، وقالوا: لولا قومك لفعلنا بك، وفعلنا، لكن سنردك إلى قومك. قالت: [فحملوني على بعيرٍ ليس تحتي منه شيء، ثم تركوني ثلاثة أيام لا يطعمونني ولا يسقوني، وكانوا إذا نزلوا منزلاً أوثقوني في الشمس واستظلوا هم عن الشمس، وحبسوني عن الطعام والشراب، فبينما هم كذلك قد نزلوا منزلاً أوثقوني في الشمس في حر الهاجرة، إذا أنا بشيء أجد برده على صدري، فتناولته فإذا هو دلوٌ من ماء -كرامة لـ أم شريك رضي الله عنها- قالت: فشربتُ منه قليلاً قليلاً، ثم نزع مني فرفع عني ثم عاد وتناولته فشربت منه، ثم رفع ثم عاد فتناولت منه، ثم رفع مراراً ثم شربت منه حتى رويت، ثم أفضت سائر ما في هذا الدلو على جسدي وثيابي، فلما استيقظ القوم إذ هم بأثر الماء حولي، ورأوني حسنة الهيئة، قد بَلَّ الماء جسدي وبدني، فلما استيقظوا ورأوها على هذه الحالة؛ قالوا لها: إنك حللت الوثاق فأخذت سقاءنا، وشربت منه، قالت لهم: لا والله، ولكن قد كان من الأمر كذا وكذا، قالوا: لئن كنتِ صادقةً لدينك خيرٌ من ديننا، فلما ذهبوا إلى أسقيتهم وجدوها كما هي ما نقصت منها قطرة، فأسلموا عند ذلك] وكانت سبباً في إسلامهم. انظروا أيها الإخوة! انظرن واسمعون يا معشر الأخوات! ويا معاشر الأمهات! امرأة تدعو سراً لما تعذر الأمر أن تدعو جهراً.

أم أيمن رضي الله عنها

أم أيمن رضي الله عنها ومن صور الأمهات والنساء اللائي لم يذكرهن التاريخ: أم أيمن، اسمها: بركة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وهي حاضنته. ورثها صلى الله عليه وسلم وأعتقها، وكانت رضي الله عنها عابدةً صالحة. قال أنس رضي الله عنه: [ذهبت مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أم أيمن -الله أكبر! إمام الدولة الإسلامية العظمى يخرج من بيته ليزور امرأة اسمها أم أيمن - فلما دخلنا عليها قربت للنبي طعاماً أو شراباً، فإما كان صلى الله عليه وسلم صائماً أو لم يرده، فجعلت تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم وتريد منه أن يأكل فهي حاضنته ومولاته، ولها عليه دلالٌ، وفي قلب النبي صلى الله عليه وسلم لها منزلة، قال أنس: فلما توفي صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر لـ عمر: مر بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان صلى الله عليه وسلم يزورها -انظروا إلى تتبع سنة النبي، كان يزور فلانة، إذاً الصحابة يزورونها- فلما رأتهما أم أيمن -لما رأت أبا بكر وعمر - بكت؛ فقالا لها: ما يبكيك يا أم أيمن؟ فقالت: إني لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صار إلى خيرٍ مما كان فيه، ولكني أبكي لانقطاع خبر السماء، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها]. قال الواقدي: حضرت أم أيمن معركة أحد، وكانت تسقي الماء وتداوي الجرحى وشهدت خيبراً وتوفيت في آخر خلافة عثمان. أمٌ حاضنةٌ داعيةٌ رقيقةٌ بكاءة، من بكائها يبكي أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وليس الأمر عند هذا، بل شهدت أحداً وشهدت خيبراً.

أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط

أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قد يخرج الله الحي من الميت، وقد يخرج الله الرياض الغناء من الصحاري الجدباء، عقبة بن أبي معيط الذي جاء بسلى الجزور فوضعه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن كان النبي في تلك اللحظة ساجداً له ابنةٌ اسمها أم كلثوم، قالت: كنت أخرج إلى بادية لنا فيها أهلي، فأقيم بها ثلاثة أيامٍ جهة التنعيم، ثم أرجع إلى أهلي ولا ينكرون ذلك، ثم إني لما أجمعت الهجرة إلى المدينة -بعد أن دخلت في الإسلام، واستقر الإسلام في قلبها- خرجت يوماً من مكة كأني أريد البادية على عادتي. ماذا تريد يا إخوان؟ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، تتوقعون إلى أين تذهب؟ هل تزور أحداً تتفكه، تضيع الوقت، تقضي الساعات؟ لا. تريد أن تهاجر من مكة إلى المدينة، امرأة بنت أشقى القوم تهاجر من مكة إلى المدينة، وهذه دعوة لكل فتاةٍ في أسرةٍ كافرة، أو في أسرةٍ لا تدين بالإسلام الصحيح، أن تهجر قومها وأهلها وأن تفر بنفسها ودينها إلى دين الله، وإلى الإسلام وإلى مرضات الله جل وعلا. قالت: ثم لما خرجت وأنا أريد اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ برجلٍ من خزاعة قال: أين تريدين؟ فسألته فقلت: مَنْ أنتَ؟ قال: أنا من خزاعة، قالت: فاطمأننت إليه؛ لأني أعلم أن لخزاعة عهدٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي بين النبي وبينهم عهدٌ وميثاق، فليسوا بأعداء له- قالت: فقلت: أنا من قريش وأريد اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فسار بها وخدمها وأحسن رعايتها، وكان يجعل البعير يبرك لها ويتنحى عنها حتى تركب، ثم إذا استوت وتسترت عليه أخذ بها حتى وصلت المدينة، ثم إنها لما بلغت المدينة، دخلت على أم سلمة، فسألتها أم سلمة رضي الله عنها، قالت: فسألتني أم سلمة، فقلت: أنا فلانة هاجرت إلى الله ورسوله، فقالت أم سلمة: هاجرت إلى الله ورسوله؟!! أهلاً بكِ يا أخية، وأثنت عليها والتزمتها وقبلتها، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل وسأل قالت له أم سلمة: هذه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فتكلمت أم كلثوم قالت: إني خائفة أن يردني رسول الله كما رد أبا جندل وأبا بصير؛ لأن بين النبي عهدٌ وميثاق أن من خرج من مكة إلى المدينة أن يرده النبي إلى أهل مكة، فرحب بها النبي صلى الله عليه وسلم، وللقصة بقية شاهدها: امرأة تهاجر فراراً بدينها لوجه الله ولحاقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها

أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وأما أسماء بنت أبي بكر وما أدراك من أسماء؟ إنها ذات النطاقين، كانت إذا مرضت أعتقت كل مملوكٍ لها، ما أكثر من يمرض من بناتنا وأخواتنا وزوجاتنا، فإذا مرضت الواحدة منهن أهديت لها المجلات، وهذا شيٌ أراه بعيني وترونه. تجد بعض الفتيات إذا ما زارت قريبة لها في المستشفى أخذت لها كل المجلات الخبيثة الخليعة التي لا تليق ثم جاءت بها وأهدتها وقدمتها لتلك المريضة، هل يقدم للمريض صورٌ متبرجة؟ هل يقدم للمريض غثاء؟ هل يقدم للمريض كلامٌ يشغل عن الله وعن ذكر الله جل وعلا. الآن الورود عند المستشفيات تباع الوردة بمائة ريال ومائة وخمسين ريال، والله لو أن الواحدة من أخواتنا إذا زارت صديقةً أو قريبة؛ اشترت المسجل الصغير ومع المسجل عدداً من الأشرطة المناسبة لكان هذا خير لها، فإذا قدمت هذه الهدية لهذه المريضة، جعلت السماعتين على أذنيها وأخذت تسمع كلام الله، تسمع الشفاء {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء:82] تسمع الهدى والوحي والبصيرة التي تعينها وتعين بدنها على الصحة والعافية. كانت أسماء إذا مرضت تعتق كل مماليكها وتتصدق بمالٍ كثيرٍ جداً.

سمية بنت الخياط رضي الله عنها

سمية بنت الخياط رضي الله عنها وسمية بنت الخياط، ما شأن هذه المرأة؟ إنها أول شهيدةٌ في الإسلام، لما أسلمت جاء أبو جهل يصفعها ويضربها ويركلها ويجرها ويسحبها يريدها أن تترك دين محمد صلى الله عليه وسلم، فكان شأنها أنها كانت ثابتةٌ ثبوت الجبال، صامدةًَ صمود الرواسي، على دين نبينا صلى الله عليه وسلم وملة الإسلام، زوجها يعذب، وعمار يعذب، وأمه سمية تعذب، والنبي يقول: (صبراً آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة). فلما بلغ الغيظ من أبي جهل مبلغه؛ خرج ذات يوم فوجدها تعذب وقد وكل بها عبيداً له يعذبونها حتى تترك الإسلام، فاغتاظ أبو جهل منها، ورأى عبيده قد مدوها على حر الهاجرة، فانتزع الحربة من يد أحد عبيده ثم رمى بالحربة في فرجها فخرت صريعة شهيدةً في سبيل الله، وكانت أول شهيدةٍ في الإسلام. أين فتاة الإسلام التي تصر على هذا الدين، وتلتزم وتستقيم على هذا الدين، وتدعو إليه في مدرستها وبين جاراتها وصويحباتها وتمضي وتستمر على هذا؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! قممٌ سامقةٌ وجبال رائدة في الدعوة والتقوى، وشريحةٌ من بناتنا يعالجنَ المعاكسة، والهوى، والحب، والمجلات، والخلائع، وأمورٌ الله أعلم بها، أسأل الله أن يستر على الجميع بستره.

فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها

فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها وهذه فاطمة أخت عمر بن الخطاب: دخل عمر بن الخطاب على أخته وزوجها وقد أسلما، فلما طرق الباب وفتحت، ودخل عليها، صفعها صفعةً، وكان معه شيءٌ شج به وجهها، فسال الدم على وجهها -وكان ذلك قبل إسلام العملاق عمر بن الخطاب الذي أعز الله به الإسلام- قالت فاطمة: يا بن الخطاب ما كنتَ صانعاً فاصنعه، فإني قد أسلمت! إن المسألة قد انتهت ولا يمكن أن تعاد القضية للمداولة أو تطرح للحوار، أو ترد للمساومة، قد أسلمت يعني قد أسلمت.

أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها

أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها وأم عمارة نسيبة بنت كعب: صحابيةٌ جليلة شهدت أحداً والحديبية وخيبر وحنين وعمرة القضاء، ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدت اليمامة في غزو مسيلمة الكذاب، وشاركت في حرب الردة، ورجعت وبها عشر جراحاتٍ من طعنٍ وضرب، قال عمر بن الخطاب: [ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا رأيت أم عمارة تقاتل وقد جرحت اثنتي عشر جرحاً]. ولما نادى منادي رسول الله في أحد: أن الحقوا بالكفار في حمراء الأسد ما استطاعت اللحاق من كثرة نزيف الدم من بدنها، مجاهدة وفينا من يعرض الجهاد على نفسه لو حق الجهاد أن يذهب أو لا يذهب، امرأة قدوة أسوة. نحن لا نريد من بناتنا أن يذهبن إلى أفغانستان أو كشمير أو بورما وسيلان لكي ينقذن المسلمات من الشيوعيين ونمور التاميل والهندوس وغيرهم! لكن نريد استقامة وتوبة ودعوة، نريد منهن الحرص على تنظيف المجتمع، نريد منهن عناية وبداية بالنفس ثم بالأولاد والزوج، وكم من زوجةٍ إذا صلحت كان بصلاحها صلاح زوجها. إن فتاةً لما رأت الانحراف في زوجها، أصبحت تعتني بأولادها بطريقةً أصبح الأطفال ينكرون على أبيهم ما يرونه؛ حتى اضطروه أن يخرج الفيديو والأفلام من البيت بحسن تربيتها! فالمرأة نريد منها أن تقوم بهذا الدور، فهي لها دورٌ ينبغي أن تقوم به، وحتى الآن لم نر آثاراً واضحة أو على المستوى المطلوب لفتاةٍ الإسلام، وإن فتاة الإسلام، والمرأة المسلمة، والأم المسلمة، والزوجة المسلمة جديرةٌ وقادرة على أن تقوم بهذا الدور، ولكن الذي حيرها وثبطها هو إرجاف العلمانيين واستهزاء المستهزئين وسخرية الساخرين وتقليد أصحاب الموضات والقردة والببغاوات، إننا ننتظر منها عملاً يكون سبباً في رحمة الله؛ لكي تكون جليسةً لـ أم عمارة وعائشة ورملة وسهلة وأم حبيبة وغيرها.

أم حبيب سهلة بنت ملحان رضي الله عنها

أم حبيب سهلة بنت ملحان رضي الله عنها أم سليم سهلة بنت ملحان الرميصاء عندما خطبها أبو طلحة قالت: [أما إني فيك لراغبة، ومثلك لا يرد ولكنك كافر!!]. الله أكبر! الله أكبر! انظروا كيف أصبحت المرأة المسلمة، والزوجة المسلمة، والأم المسلمة تعرض دينها ودعوتها بقوةٍ وقدرة، تقلب عقيدة الرجل، الذين يقولون: إن المرأة النصف المعطل، المرأة التي تسلط عليها الرجل، وغسل أفكارها ودماغها، وأصبحت تابعةً له، وأصبحت رقيقةً يملكها. أم سليم تغسل فكر أبي طلحة وتغير معتقده! بأسلوبٍ جميل وكلماتٍ معدودة: [أما إن مثلك لا يرد! وإني فيك لراغبة، ولكنك كافر وأنا مسلمة، فإن تسلم؛ فإسلامك مهري ولا أريد منك مهراً]. انظروا يا عباد الله: المرأة التي كذبت دعاوى الجاهلية والعلمانيين وأصحاب حركة التغريب والإفساد في المجتمع! الذين يقولون: إنه لا دور لها، والرجل يؤثر عليها، والرجل والرجل نعم يؤثر عليها بطاعة الله، ولكن هذه قلبت عقائد وأفكار وموازين رجل من الجاهلية إلى الإسلام، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الشرك إلى التوحيد. خرجت أم سليم يوم حنين تداوي الجرحى ومعها خنجر، وكان زوجها أبو طلحة يبتسم لشأنها ويقول: [يا رسول الله! أما ترى أم سليم قد ربطت في بطنها خنجراً] والآن بعض شبابنا لو رأى خنجراً يخاف، ولو سمع طلقة مسدس سقط على الأرض. فـ أم سليم تخرج وفي بطنها خنجر، فألتفت إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا أم سليم! ما تفعلين بهذا الخنجر فقالت: إن دنا كافر يا رسول الله أبقر به بطنه) امرأة تعلم الشجاعة! امرأة قدوة لنساء المسلمين! ولـ أم سليمِ قصةٌ عجيبة: كان لزوجها أبو طلحة بعد أن تزوجها وأسلم ولدٌ مريض عليل، فخرج أبو طلحة ثم اشتد المرض بولدها، فمات وتوفي رحمه الله، فقامت وغسلت ولدها وطيبته وكفنته ووضعته في طرف البيت في حجرةٍ له، فلما جاء زوجها؛ وجدها قد أعدت نفسها وتهيأت له، وأعدت طعامه، فلما أصاب الطعام وبات ونام معها سألها عن ولده، قال: ما شأن ولدي؟ قالت: هو بأهدئ حال وأسكن ما يكون، ثم إنه لما أصبح؛ أخبرته فكان أن وجد أبو طلحة في نفسه عليها شيئاً، فذهب وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى عليها خيراً وقال: (أعرستم البارحة؟ قال: نعم. فدعا لهما وقال: اللهم بارك لهما فيه) فرزقا أولاداً فيهم بركة وخير.

أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها

أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها أما أم حرام بنت ملحان أخت سهلة تقول: (نام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها فاستيقظ وهو يضحك، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال: عرض عليّ ناسٌ من أمتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة من كرامة الله لهم، قالت أم حرام رضي الله عنها: ادع الله أن يجعلني منهم -يركبون على البحر في غزو ومع ذلك تدعو الله أن تكون معهم- فقال: اللهم اجعلها منهم) ثم نام أيضاً فاستيقظ فضحكَ فسألته فقال كما في الأولى: (أناسٌ من أمتي يركبون على ظهر البحر كالملوك على الأسرة فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم يا رسول الله! فقال: أنت من الأولين) فخرجت أم حرام رضي الله عنها وغزت مع عبادة بن الصامت وكان زوجها، فوقصتها بغلة لها شهباء فوقعت وماتت وكانت بإذن الله شهيدة {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100] فما بالك بمن خرج مجاهداً.

صحابية فقدت أبوها وأخوها وزوجها وابنها

صحابية فقدت أبوها وأخوها وزوجها وابنها وهذه قصة لامرأةٍ من نساء المؤمنين اللائي لم يذكرهن التاريخ بسوءٍ ولا فاحشةٍ ولا منكر، ولا خزيٍ ولا عار، قال أنس رضي الله عنه: لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصةً عظيمة، وقالوا: قتل محمد! حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة، فخرجت امرأةٌ من الأنصار ولما خرجت تنظر ما الخبر، إذ بأهل المعركة يقابلونها بأخيها وأبيها وزوجها وابنها! كلهم قتلى في المعركة! قال: لا أدري بأيهم استقبلت أولاً، فلما مرت على آخرهم، من هذا؟ قالوا: هذا أخوك وأبوك وزوجك وابنك. هل لطمت خداً؟ هل شقت جيباً؟ هل ناحت بدعوى الجاهلية؟ قالت: وماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!! قالوا: أمامك، فذهبت إلى الرسول فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: [بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لا أبالي إذا سلمت من عطب!] إذا سلمت أنت يا رسول الله؛ فلا أبالي بمن يهلك ومن يعطب، الله أكبر! فيا أحبابنا! هذه صور أمهاتنا نسائنا، ولولا أن يطول بنا المقام لذكرنا المزيد وهو موجودٌ ميسور لا جهد لي فيه لجمعه، قد جمعه الأسلاف والآباء والأجداد في الكتب، ولكني أريد أن أنتقل بإخواني وأخواتي نقلةً كبيرة إلى واقعنا المعاصر

من أخبار الصالحات في عصرنا

من أخبار الصالحات في عصرنا هل انتهى الصلاح؟ هل انتهى الخير؟ لا والله، لا زال الخير في هذه الأمة، واسمعوا طرفاً من أخبار الصالحات في مجتمعنا. امرأة موجودة يقول لها زوجها: يا فلانة! لماذا لا توترين في أول الليل؟ قالت: لا أترك وترَ آخر الليل. قال: والله لا أذكر أن وترها فاتها آخر الليل متهجدةً عابدة. وفي حوطة بني تميم امرأةٌ كان زوجها عقيماً، فصبرت عليه، وما تركته وتزوجت غيره، كفيف البصر، كانت تقوم معه في الليل يتهجدان، ولولا عجائز وشيوخ ركع، وبهائم رتع، وأطفالٌ رضع؛ لصب علينا البلاء صباً، ولكن يرحمنا الله بدعائهم. تقوم الليل مع زوجها الكفيف العقيم إلى آخر الليل، وقُبيل أذان الفجر تأخذ بيده وتذهب به إلى المسجد حتى تجعل يده في باب المسجد وتعود إلى بيتها. أيها الإخوة! ولا يزال الخير في هذه الأمة، والأمثال الطيبة والصور الرائعة تتجدد في الأمهات وفي الزوجات الصالحات، وما سقنا هذا الحديث إلا ونحن نريد المزيد من التميز هذا المجتمع بصلاح المرأة فيه، بصلاح الزوجة، بصلاح الأم والبنت والفتاة الصغيرة والكبيرة.

المرأة الأفغانية

المرأة الأفغانية المرأة الأفغانية التي خاض شعبها جهاداً إسلامياً، مع ذلك ما تبرجت وما سفرت وما خرجت وما باعت عرضها، وكل من ذهب إلى أفغانستان، وكل من تتبع أخبار الجهاد يجد أن من أعجب الغرائب والعجائب في تاريخ الجهاد على صلابة المراس، والوطيس الذي حمي فيه وشدة بأس الطرفين فيه، أن المرأة لم تخرج ولم تتبرج ولم تبع عرضها لأجل الحاجة أبداً، بل كان الأفغان أشد الناس غيرةً على نسائهم، وكانت الأفغانية أشد غيرة. حدثني أحد الإخوة قال: زرت أحد القادة فكان في منطقة مليئة بالشيوعيين، فدخلت فأدخلني في الستر، ثم إذ بي كأني أرى خيمةً تتحرك، فقلت: من؟ قال: هذه ابنتي، قلت: كيف تجعل ابنتك تخرج؟ قال: لا تخشى شيئاً، الرشاش تحت عباءتها. المرأة الأفغانية صورة من النساء اللائي لم يذكرهن التاريخ، لابد أن يسطرهن التاريخ. حينما نقول: لم يذكرهن التاريخ نساءٌ لم يذكرن بفاحشة، ونساءٌ قد عرفن وسجلن وسطرن الخير والمآثر والبطولات والتضحيات ولم يؤرخن حتى الآن، أو أرخ شيءٌ قليلٌ من مواقفهنَ وسجايهن. أخبرني أحد الإخوة عن قصة مجاهد جاء كان كالاً تعباً بعد سنواتٍ طويلة من الجهاد، وقد تعودت الأفغانية أن زوجها يذهب للجهاد خمسة أشهر وستة أشهر ثم يعود، يجلس عندهم عشرين يوماً، يتفقد أحوال أبنائه ثم يعود إلى الجبهات من جديد، قالت: فكأنها لاحظت أن الرجل قد مضى عليه خمسة وعشرون يوماً ما خرج، قالت: ما بالك لا تذهب إلى الجبهة من جديد؟ قال: الجهاد طال والمسألة طالت، قالت: لا حرج، أعطني ثيابك ورشاشك، وأنت البس ثيابي واجلس أنت عند الأطفال، وأنا أذهب أجاهد. صورة من صور التضحية والفداء، ليست المرأة التي إذا خرج زوجها مع إخوانٍ له في الله في رحلة أو دعوة، أو عمرة تصيح وتئن وتنوح: تركتني لوحدي، سبحان الله العظيم! نعم. كثير من الشباب الآن يشكو مشكلات بعض زوجاتهم، تريدُ أن يقابلها صباح مساء، ألا تكونين يا أختنا عوناً له على طاعة الله؟! ألا تكونين له عوناً في الدعوة إلى الله؟! ألا تكونين شريكة الأجر معه في أن يسّرت له من وقتك ونفسك وبيتك ما يجعله مفكراً دؤوباً في العمل والتخطيط والتنفيذ للدعوة إلى الله جل وعلا.

الحياء المطلوب عند المرأة

الحياء المطلوب عند المرأة خذوا صورةً جديدةً من صور النساء: امرأةٌ تبكي بعد أن أجريت لها عمليةٌ في عينيها، قيل لها: احمدي الله على العافية ما الذي يبكيك يا أم فلان! قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، بعد هذه السنين الطويلة يكشف وجهي رجل، الله أكبر الحياء، العفاف، النقاء، الطهارة، السمو الذي نفتقده، للأسف بعض البنات، والأمهات، لو كان في قدمها جرح كشفت وجهها! وما علاقة الرجل بالوجه، لكن ربما دخلت عليه متساهلةً أو مضطرة، والتي تعرف أنها مضطرة لن تكشف إلا ما دعت الحاجة لكشفه، لكن مصيبتنا أن يقال: هنا طبيبة وهنا طبيب فتذهب إلى الطبيب مباشرةً، ولا تتردد بأن تكشف وجهها، وربما كشفت ما لا حاجة إلى كشفه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أين العفاف؟ أين الحياء؟ أين الطهر؟ أين السمو والنقاء؟ نحن بحاجةٍ إلى هذا، امرأة تبكي بعد أن أفاقت من بنج العملية: ماذا فيك يا أم فلان؟ قالت: الله المستعان، بعد هذا العمر يكشف وجهي رجل؟!! الله المستعان.

قصة لعجوز مقعدة عابدة

قصة لعجوز مقعدة عابدة وأذكرُ لكم قصةً لعجوز أعرفها جيداً لأنها جدتي، أسأل الله أن يتغمدها برحمته؛ تعلمتُ منها شيئاً كثيراً، وقد علمتني شيئاً من الفقه درسته وما فقهته وعلمتني إياه لما تخرجت من المعهد العالي للقضاء، جئت إليها وهي في سجادتها، قلت: يا أماه ادعُ الله لي ألا أكون قاضياً أعرف من نفسي أني لا أصلح لهذا، وأما القضاء فهو منصبٌ خيرٌ طيبٌ مبارك، هنيئاً لإخواننا الذين صبروا وصابروا وثبتوا ورابطوا من أجل نفع الإسلام والمسلمين فيه، فلما قلتُ لها: ادعٌ الله لي ألا أكون كذلك، قالت: يا مجنون! -بهذه العبارة- دراستك طيلة هذه السنين ما نفعتك، استغربت! وقلت: وماذا أنتظر أن تقول؟ قالت: لا أدعو لك بما تريد أسأل الله أن يقسم لك الخيرة المباركة من أمر الدين والدنيا. سبحان الله العلي العظيم! أريد شيئاً، ولكن خيرة الله هي خيرٌ لي مما أريد، فكانت دعوةً مستجابة، ولله الحمد والمنة. كانت تلومنا نور الله ضريحها، وقد أقعدت أربع عشرة سنة، تزحف آخر الليل على يديها وركبتيها إلى الحمام وربما غسلت بالماء البارد في الليلة الشاتية لتصلي آخر الليل، وتصلي وتوقظ جدي الذي تجاوز المائة وتوفي من سنواتٍ قليلة، فيتهجدان، ثم تنادي وتصيح: يا فلان يا فلانة وربما تصفق بيديها، فإذا نزلنا وسلمنا عليها تقول: كل الليل تنامون؟ هل أنتم مرضى؟ ثم تردد أبياتاً علينا من الشعر العامي تقول: يا نايم الليل كله ترقد ولا فيك عله لزماً تزور المقابر وترقد الليل والنهار كله نعم. تنكر علينا أن ننام الليل، تقول: لماذا هذا النوم كله؟ هل أنت مريض؟ هل أنت عليل؟ ستزور المقبرة وتنام ليلاً ونهاراً طويلاً، أسأل الله أن يجمعنا بها وإياكم في الجنة. لما كنتُ صغيراً أنا وأخي تعطينا المال لكي نشتري بها الكتب، إذا قلنا: نريد مالاً، لا تعطي، لكن نريد نشتري كتباً تخرج المال وتعطينا، وزيادةً على ذلك تقول بالعبارة العامية: "جعل العدو عينك، من يستطيع أن ينفع الناس ويبخل بذلك". أيها الإخوة! نحن بحاجة أن تتعلم الأمهات اللائي بلغنَ الأربعين والخمسين الدروس والمثل والقيم، وحسن التربية وحسن الأداء والتوجيه، لكي تصنع الرجال، الرجال لا يصنعون في الجامعات والمدارس والمعاهد: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ أيها الإخوة! أحد الإخوة يقول عن خالةٍ له: كان كفنها عندها تحمله حيثما ذهبت ورحلت وسافرت، ومعه حنوطها، وكل ما يلزم لتكفينها وتغسيلها قال: منذُ عشرين سنة، وهي تدور بكفنها، بأي مكانٍ ذهبت تذهب به استعداداً للموت، ولا يفارق الموت بالها (أكثروا من ذكر هادم اللذات).

قصة امرأة متصدقة

قصة امرأة متصدقة إن المجتمع بفضل الله جل وعلا ما خلي من الصالحات، حتى من الفتيات، وأختمُ بهذا قبل أن أفرع من الكبيرات. أحد الإخوة في مدينة عفيف، رجلٌ فاضل؛ لما ماتت أمه فجع أهل عفيف بها، فعجب من شأنها وما كان يدري أن لأمه هذه المنزلة، فلما سأل عنها؛ عرف أنها كانت إذا هجع الناس في ليلٍ أو هاجرة تخرج إلى بيوت الضعفاء والمساكين، تأخذ من طعام وكساء بيتها وتقسم على الناس وتعطيهم وتواسي مصائبهم، وتتلمس حاجاتهم.

فتاة تدعو إلى الله

فتاة تدعو إلى الله أما فتياتنا الملتزمات الصالحات نسأل الله أن يثبتهن، فأذكر قصة واحدة لفتاة توفيت منذُ مدة، أسأل الله أن يبدلها بزوجٍ في الجنة، وأن ينور ضريحها وأن يغفر لها، يقول لي أخوها: ما كانت تحضر زواجاً فيه منكر، وإذا حضرت زواجاً لابد أن تقسم الأشرطة والكتيبات وتوزع على جميع البنات، وأما المناسبات والولائم، فكانت تملأ بذكر الله جل وعلا، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، خطبها شابٌ من أهل منطقة القوعية أو قرب تلك الجهة، وحصل حادثٌ لها ولأبيها فماتت في الطريق مع والدها، ومات معهم أيضاً فتاةٌ أو امرأةٌ أخرى، وكانت قد رأت في المنام أنها قد فصلت قميصاً فلم تلبسه، فعبرت رؤياها قرب وفاتها ولم تخبر بذلك، وكتب الله ما كتب أن انتقلت بمنِّ الله ورحمته إلى جوار ربها، نسأل الله أن يغفر لها جوار رحمة ربها جل وعلا.

صلاح المرأة صلاح للمجتمع

صلاح المرأة صلاح للمجتمع أيها الإخوة! ينبغي أن نعرف أننا بحاجةٍ إلى إعادة هذه الصور، وينبغي أن نذكِّر المرأة أنها ستموت، وبعد موتها لن تذكر بملابسها، ولن تذكر بحليها ولا بلهوها، بل ستذكرُ بصلاحها، وثمرة هذا الصلاح أن يحفظ الله أولادها {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]. يا فتاة! يا أماً! يا زوجةً! يا جدةً! تخشين على الأطفال والذرية. أصلحي حالك مع الله يتكفل الله بأولادك، اتقي الله حق التقوى؛ فإن الله يحفظهم من بعدك، وثمرة هذا أن يتأدب الأبناء. تعلمنا الأدب من البيوت أكثر من المدارس، تعلمنا آداباً كثيرة في الصباح والمساء والدخول والخروج والإنصات وغير ذلك من العجائز والأمهات، نسأل الله أن يجزيهم عنا بالجنان ورفعة الدرجات، وتكفير الذنوب والسيئات، فهل الأم والزوجة هذه الأيام قادرة وجديرة بأن تؤدي هذا الدور؟ ثم إن المرأة بصلاحها يكون صلاح صويحباتها، وبخلاف ذلك فإنها تعرض نفسها وبيتها وذريتها لشر عاقبة. أسأل الله أن يصلح بناتنا وزوجاتنا وأمهاتنا وأن يجمع الجميع على طاعته بدار كرامته، وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة لمتتبعي التلفاز

نصيحة لمتتبعي التلفاز Q حول مشاهدة التلفاز وقضاء كثير من النساء الأوقات في البيوت في مشاهدة المسلسلات والتمثيليات، سواء المسموعة أو المشاهدة المرئية، فما هي النصيحة لأهل البيوت الذين أدخلوا آلات اللهو في بيوتهم وصارت صادةً لهم عن ذكر الله عز وجل؟ A المصيبة أيها الإخوة أن كثيراً من البيوت أصبحت الشاشة هي الجلسة الرئيسية وأطول الأوقات استعداداً للجلوس، أقول: استعداداً للجلوس، وهذا والله شرٌ مستطير، نعم قد ترد بعض البرامج النافعة، لكن من يتحكم بدقة، ففي هذا نوع منفعة أو مصلحة، لكن من يهمل الأمر على مصراعيه فذلك والله يضر بنفسه وأهل بيته، وحسبك يا أخي، وحسبك يا أختي أن تعالجي مشاكل نفسك وبيتك ومجتمعك، فضلاً عن أن نستورد مشاكل. بعض الأمهات قد حارت في مشكلة ابنتها، فتاة مراهقة لها تصرفات غريبة، وأشياء مريبة، وسهر على التلفون، ومع من؟ صديقتي وقريبتي، نعم. قد تكون تكلم صديقة لكن ليس كل من تكلمت وسهرت على هذا كلمت صديقةً وقريبة، الذين يرمون بهذا الجهاز في كبد الدار، ويجعلونه يوجه الساعات الطوال، يوجه الأطفال بأفلام الكرتون المفسدة للعقائد، وأقولها بملء فمي؛ لأني جلست وتابعت عدداً من الحلقات، ورأيت كيف تفسد العقائد من خلال أفلام الكرتون. وربما المرأة التي طالما اشتاقت إلى العفاف والحياء وبيت الزوجية جلست مع إخوانها وأبيها تنظر إلى المصارعة الحرة وإذا بالرجال عراة، إلا ما يستر العورة، هذا والله مصيبة عظيمة، ومن الديوثية أن تتقلب عيون الرجال والنساء على هذا الأمر ولا يغار الرجل على زوجته وأهله، والله إنها مصيبة عظيمة جداً، وأعجب أيضاً من امرأةٍ تسمح لزوجها أن يقلب عينيه في ذوات المساحيق والألوان والممثلات والغاديات والرائحات الكاسيات العاريات. المعروف أن الحب الحقيقي بين الزوجين يدركه غيرة، غيرةً من الرجل على زوجته، وغيرة الزوجة على زوجها، فأين هذا؟ هذا شرٌ مستطير، من لا يحسن التحكم فيه فعليه أن يخرجه، وما أقل وأندر من يتحكم.

حكم استقدام الخادمات وخروج النساء للأسواق

حكم استقدام الخادمات وخروج النساء للأسواق Q كثر استقدام الخادمات، وتفرغ النساء لدخول الأسواق والغيبة والنميمة، فما حكم ذلك؟ A الخادمات مصيبةٌ عمت بها البلوى ولكن نقول: من استطاع أن يسلم فهو في خير؛ لأن السلامة لا يعدلها شيء، أما من وجد أنه في حاجة أو مصيبة أو شيءٌ من ذلك، وربما كان وجود الخادمة أخف نقول: بضوابطها وشروطها ولعل أقل ما في ذلك، أن تكون كبيرةً غير جميلة، لا يطمع فيها الشباب، ونسأل الله أن يعفو، كما يقول أحد المشايخ جزاه الله خيراً، قال: في بيوتنا ذنبٌ نذنبه كل يومٍ ولا نستغفر الله منه، قلت: ما هو؟ قال: وجود الخادمات. والله صدقت يا أخي! فهي حقيقة ابتلينا بها نسأل الله أن يعيننا على التخلص منها.

حكم تعدد الزوجات لمن كان قليل المال

حكم تعدد الزوجات لمن كان قليل المال Q هل تنصح بالتعدد لمن كان قليل المال، وهل صحيح أن التعدد باب من أبواب الرزق؟ A الله جل وعلا قال: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32]. عجبت لمن يبتغي الرزق ولا يطلبه بالنكاح، قال الإمام أحمد: أرى أن يتزوج ويستدين، أو أن يستدين ويتزوج، الحاصل يا أخي نقول: من كان كما في الحديث: (من استطاع منكم الباءة) المقدرة المالية والبدنية فلا حرج أن يتزوج، أما ما يفعله كثير من كبار السن، تجد الرجل كبيراً جداً جداً، ويتزوج فتاة ربما يغري أهلها بالمال، فيفتح عليها باب الفتنة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فذلك أمرٌ نحذر منه، وشره وخطره كبير ونقول للكبار: صرمت حبالك بعد وصلك زينب والدهر فيه تغيرٌ وتقلب نشرت ذوائبها التي تزهو بها سوداً ورأسك كالثغامةِ أشيبُ رجل كبير، تفرغ للعبادة يا أخي، صل المغرب والعشاء في المسجد، قم قبل الفجر بساعة {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً} [المزمل:7] تهجد، اشتغل في العبادة، قد مضى ما مضى، ولا حاجة لأن يتصابى الإنسان من جديد.

واجب المرأة الملتزمة تجاه صديقاتها المنحرفات

واجب المرأة الملتزمة تجاه صديقاتها المنحرفات Q ما هو واجب المرأة الملتزمة تجاه صديقاتها اللاتي ابتعدن عن نهج الله عز وجل؟ A دعوتهن بالحسنى، هذا هو الواجب من خلال المناسبات والزيارات واللقاءات وتوزيع الشريط والكتيب.

كثرة محلات الخياطة

كثرة محلات الخياطة Q ما رأيك في كثرة محلات الخياطة، حتى أصبحت الشوارع وأكثر البقالات تتحول إلى محلات للخياطة النسائية، ومع ذلك توجد تماثيل عند باب المحل، مما يدعو إلى وقوف الشباب أمام المحل يتمتع بالمناظر والنظر إلى النساء؟ A هذه والله فيها فتنة، وقد شكى وذكر لي بعض الشباب أنه حينما يرى تمثالاً قد فصل على هيأة بدن فتاةٍ وقد أصبغ بلباسٍ جميلٍ مطرزٍ منمق، يقف وقفةً يتأمل وما يبقى إلا أن يتخيل صورة الرأس أما صورة الجسم بالكامل فموجود. نقول: لعل هذا أن يزال بإذن الله جل وعلا، والمحافظة على قلوب الشباب مطلوبة، ما هي النتيجة؟ يفتن هذا الشاب، فيفرغ شهوته إما في لواطٍ أو فسادٍ أو زنا أو أمرٍ لا يرضي الله جل وعلا، أو ابتغاء شيءٍ وراء ما أبيح وشرع له، فأما قضية ملابس الخياطة فلم يقل أحد: إن ملابس الخياطة حرام، لكن لو بدلاً منها تنتشر عندنا الكتب والمكتبات والتسجيلات، انتشار الأمور النافعة، دليل وعيٍ وتقدم حضاري للمجتمع، أما انتشار العطورات، وملابس الخياطة ليس بحرام، لكن ينبغي أن لا يزيد عن حده.

حكم معاملة الزوج لزوجته معاملة سيئة

حكم معاملة الزوج لزوجته معاملة سيئة Q حول معاملة الأزواج لزوجاتهن المعاملة التي لا ترضي الله عز وجل، ما رأيك في ذلك؟ A نقول لكل من أساء معاملة أهله: رسولنا خير الأولين والآخرين، كان ألين الناس لأهله، ويقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) (خياركم خياركم لنسائهم) (استوصوا بالنساء خيراً) النبي وصى بذلك، قال: (اتقوا الله بالنساء؛ فإنهن عوان) أي: أسيراتٌ عندكم، والمرأة والله مسكينة حينما تقع عند زوجٍ لئيم؛ ومن الرجال من لؤمه يجعله يتفنن في إيذاء المرأة، يا أخي الجبل يتحمل أشياء الكثيرة، وقد تخطئ المرأة خطأً صريحاً واضحاً في تعاملها معك، لكن أين الرجولة؟ أين القوامة؟ أين الحلم؟ أين العلم؟ أين سعة الصدر؟ أين القوة؟ أين سمو الأخلاق؟ أين قوة الرجل؟ هو رجل لكن في حقيقته مرجوج، عند أتفه شيء تجده يلاطخ المرأة ويرد عليها بمثلها، واسكتي وإلا "طخ" وكأنها منصة إطلاق الصواريخ التي في يد ألت سين، وحينما تجد رجلاً أول ما يهدد بالطلاق، فاعرف أنه سخيف، إلا من رحم الله، أو تاب إلى الله من ذلك. يا أخي الكريم! إن كانت هذه المرأة زوجتك بمثابة من تريد أن تعيش معها، أو بمنزلة من ستعيش معها، ولا تفكر في فراقها، فهي كواحد من أولادك. إذا أغضبك أحد أولادك هل تقول له: اذهب أنت لست من عيالي؟ لا يمكن، وهذه المرأة هي الأساس، يا أخي عش معها، تحمل منها، تتحمل منك، تحمل عنك، تحمل عنها، وإن من النساء من ضربن أروع الأمثلة، وإن من الرجال من قابل ذلك بأسوأ الأمور. امرأة زوجها أصيب بحادث، وأصبح معوقاً تغسله وتزيل عنه الأذى، تطيبه، تتحمل منه، ويقابلها بالسباب والشتيمة، وفعلاً بعض الرجال لئيم، ويا أخي الحبيب اذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق). بعض الناس حينما تقابله يوزع الابتسامات، وإذا جاء عياله عنده لا يجدون منه ابتسامة واحدة. يا أخي! هب عيالك ابتسامة، نكتة، تجده طول الطريق تنكيت ويجعل إخوانه يموتون من الضحك، وإذا جاء إلى البيت عاد إليه الوقار أشد ما كان، يا أخي! أعطي زوجتك نكتة، أعطي عيالك ضحكة، خليهم ينبسطون معك، امزح، هذا أمرٌ مطلوب، كما قال عمر: [أحمظوا مع النساء في بيوتكم] يقال: أحمظوا للإبل إذا أطالت رعي المرعى فتغيرت بطونها، لكي ترعى الحمض فيتغير شأنها، تنشط من جديد، فالإنسان يقطع هذا الملل والروتينية والرتابة العائلية بشيءٍ من ذلك.

حكم حضور مناظرات علمانية

حكم حضور مناظرات علمانية Q هل تنصح بحضور المحاضرات التي ستعقد بـ الجنادرية علماً أن كلها لعلمانيين أو قوميين، أرجو التنبيه على ذلك؟ A نحن لا نقول: فلان علماني أو هؤلاء علمانيين، لكن نقول: من بدر منه ما يدل على علمانيته فلا كرامة لعرضه، ولكن أن نقول: هؤلاء علمانيين قف عند هذا وتوقف، من بدر منه ما يدل على ذلك دلالةً واضحة، فلا كرامة لعرضهم، الشيء الأخير، ينبغي لمن يحضر أن يفهم ويستفيد، بعض الناس يحضر فقط بدون فائدة، نقول: يا أخي إذا كنت تستفيد فاذهب، أما إذا كنت لا تستفيد احضر محاضرة، درس قرآن تجويد، سيرة وهلم جرا. يا أخي الكريم! نعم التصفيق لا يليق وغير مقبول لأنه من صفات النساء، لكن لا نقول: بمجرد أي غلطة، أو أي مناقشة الله أكبر الله أكبر، لا يا أخي يوجد في القاعة أناس من الذين فضحوا الحداثيين وعرفوهم، ودرسوا فكر العلمانيين وتتبعوهم ويشمون روائح اتجاهاتهم، فهؤلاء قادرين على النقاش. وأنصح وأؤكد أن من كان متسماً بالوعي والفهم وإدراك الأبعاد وحقائق الأمور ينبغي أن يحضر، وأنصح أن يحضر من أجل إذا وجد استهتاراً أو تلميحاً فيرد. حينما تناقش قضية المسرح، يتبجح أحدهم يقول: إن المسرح السعودي لا يزال متخلفاً لفقدانه العنصر المؤثر المشارك ألا وهو المرأة، تستجعد له وتشرقه، تناقشه بعقل، والنقاش وأدب الحوار والإقناع وإلقام الخصم الحجة أمر مطلوب. أقول: على إخواننا أساتذة الجامعات، أو خريجي الجامعات أو الذين درسوا وفهموا هذا الاتجاه فيما يتعلق بالأدب والحداثة، والاتجاه العلماني والتجديد، وكل من يتقن هذه الأمور ويعرفها ويستوعب أبعادها، عليه أن يحضر ويسجل ملاحظاته، لأنه سيفتح لك باب المداخلة بعد المحاضرة، فكن جريئاً وسجل العبارة: قلت في محاضرتك كذا وكذا وكذا، هي واحدة من اثنتين؛ إما أن تعترض على وحي الله وهدي رسوله، فمن أنت؟ ولا كرامة له، وإما أن تعتذر الآن، وإما أن تبين مقصدك. لقد استطاع الحداثيون أن يعبثوا فترةً بالصفحات الأدبية من خلال الاحتماء بالرمز والإشارة، حينما تحاججه، يقول: أنا قصدت كذا، إذاً يقال: إن قصدت كذا فهذا مرفوض، وإن قصدت كذا، فلعلك أن تتعلم من العبارة ما يفصح ويوضح مقصودك، نحن بحاجة إلى أن يحضر القادرين على النقاش المستوعبين، أو الذين ينقلون التقارير الجيدة للعلماء وطلبة العلم. أما أن نحضر هكذا فقط جموع الله أكبر الله أكبر، أنا لا أؤيد هذا والأمور بأدبها وأبوابها مقبولةٌ. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

مهلا دعاة التحرير [1، 2]

مهلاً دعاة التحرير [1، 2] هذا الدرس وقفات مع دعاة التحرير مع العلمانيين المنافقين، يوضح الشيخ فيه أهدافهم من دعوى تحرير المرأة. وكذلك بيَّن أسباب ظهور هذه الدعوى في أرض الحرمين، كما يذكر بعض الحيل الخبيثة التي يقوم بها هؤلاء المنافقون. وفي الأخير: ينادي الشيخ العلماء والقضاة والشباب وولاة الأمر والصالحين والصالحات في بذل أقصى الجهد من أجل القضاء على هؤلاء المنافقين.

أهمية الانقياد لشرع الله

أهمية الانقياد لشرع الله الحمد لله ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله على كل حال، الحمد لله على نعم لا تحصى، وعلى آلاء لا تنسى، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحد في ربوبيته، فهو المشرع، وهو المدبر والمقدر، وهو المتصرف، ألا له الحكم والأمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحدٌ في ألوهيته، فلا يجوز التعظيم والركوع والسجود والخوف إلا منه وحده لا شريك له، ولا يجوز الذبح والنذر إلا له، ولا الحلف والتعظيم إلا به وله، ولا الخوف إلا من عذابه، ولا الرجاء إلا في ثوابه، أشهد أن لا إله إلا الله واحدٌ في أسمائه وصفاته، جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. أشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: أحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بادئ ذي بدء أستحضر وتستحضرون نية الجلوس في مثل هذه المجالس الطيبة، لعل الله جل وعلا أن يمن علينا فتغشانا الرحمة، وتحفنا الملائكة، وتتنزل علينا السكينة، ويذكرنا الله في ملأ عنده، نسأل الله ألا يحرمنا هذا الأجر، وهذا الثواب باجتماعنا بادئ ذي بدء. أحبتي في الله: وقبل أن أدخل في موضوعي هذا، والله لو علم العلمانيون أن بعض سيارات دارت في الأسواق ستجمعكم هذا الاجتماع، وستؤلف قلوبكم هذه الألفة، وستوحد صفوفكم هذه الوحدة، وستجمع شملكم، وستعينكم على ترتيب عملكم واجتهادكم، لما فعلوا هذا الأمر، رب ضارة نافعة: وربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سببٌ ما بعده سبب والله إن تلك الحادثة التي فجرت الأوضاع تفجيراً مزرياً ما زادت الطيبين إلا صلابةً وعودةً ورجوعاً وأوبةً وصدقا ونصحاً، وزادتهم تآلفاً والتفافاً حول علمائهم وولاة أمرهم. أيها الأحبة في الله: حديثنا اليوم "مهلاً يا دعاة التحرير" وكما قال فضيلة الشيخ المقدم -جزاه الله خير الجزاء- وبكلمات موجزة جمع كثيراً من هذه الأفكار التي سأطرحها بين أيديكم، وعلى أية حال أشاركه ويشاركني فيما نقول. أحبتنا في الله: قضية المرأة ينبغي أن نتناولها من مبدأ العقيدة، من الذي خلقنا؟ هو الله جل وعلا، وهذا الإله سبحانه عظيم في ذاته، عظيم فيما خلق حكيم عليم: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] وهذا الإله الحكيم، ما شرع لعباده شيئاً إلا لحكمةٍ يعلمها، وما أمرهم بأمرٍ إلا لحكمةٍ يعلمها، وما نهاهم عن أمرٍ إلا لحكمةٍ يعلمها، تعالى الله أن يأمر أو ينهى عبثاً، والله إن كل حرف في الآيات التي وردت في الحجاب كلها عن حكمة بالغة، لأن الله عليم حكيم، ينبغي أن نربط قضية الحجاب بالعقيدة، لماذا؟ لأننا يوم أن نتناولها من باب العقيدة ندرك أن الإله الحكيم العليم في تدبيره وتقديره؛ لحكمة أرادها أمر المرأة أن تحتجب، وأمرها أن تقر في بيتها، وأمرها ألا تخضع بقولها، وأمرها ألا تضرب برجلها ليعلم ما تخفي من زينتها، وأمرها إذا سألها الرجال متاعاً ألا يسألوها إلا من وراء حجاب، هل يقدر الله عبثاً؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

دعاة التحرير بين أمرين لا ثالث لهما

دعاة التحرير بين أمرين لا ثالث لهما نقول: مهلاً يا دعاة التحرير، إما أن تعلنوا أنكم كفار أعراضكم مستباحة -أي: بالسبي- ورقابكم مستباحة -أي: بالقتل- وأموالكم لا عصمة لها، لأننا نبدؤكم أولاً بمسألة مهمة ألا وهي: إما أن تسلموا أن الله حكيم وعليم، وله الخلق والأمر، فحكمته وعلمه وخلقه وأمره اقتضى أن تحتجب المرأة، وأن تلتزم بيتها، وألا تضع خمارها عن وجهها، أو أن تعلنوا أن الله ليس بحكيم، وأن الله ليس بعليم، وأن الله قدر هذا الحجاب عبثاً، وأن الله قدر هذا الحجاب تعنتاً وتضييقاً على خلقه، أو لأمر لا حكمة له ولا طائل تحته، وهذا عين الكفر والإلحاد والزندقة. ينبغي أن نقف في أعلى الجبل لكي نوجه الراجمات على الذين يعيشون في حضيض الساحة، إننا يوم أن نخاطب العلمانيين، أو دعاة تحرير المرأة لا نخاطبهم بمنطق المدافعة، أو منطق الضعف، وإنما نبدؤهم بالعقيدة وننتهي إلى الفروع، عقيدتنا أن إلهنا حكيم، وأن إلهنا عليم، وأنه سبحانه له وحده الخلق والأمر: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] ما لنا خيار، فقهنا أو لم نفقه، أدركنا الحكمة أو لم ندرك. بادئ ذي بدء مع أن الحكمة واضحة جلية، لكن نقول: لا خيار لنا إذا جاء أمر الله بل سمعنا وأطعنا.

دعاة التحرير وهزيمتهم النفسية

دعاة التحرير وهزيمتهم النفسية المسألة الثانية أيها الأحبة! ينبغي أن ندرك أن دعاة تحرير المرأة الذين نقول لهم: مهلاً قبل أن تستباح رقابكم، وقبل أن تهدر دماؤكم، نقول لهم: إن مكمن الخطر تجاه هذه القضية هو هزيمة نفسية في قلوبكم، لو تأملنا أولئك الذين أرادوا ونعقوا وصاحوا وقلدوا ورددوا خلف كل ناعق يريدون إخراج المرأة، أو يريدون ما يسمى بتحريرها، لوجدناهم من ضعفاء الشخصية، ضعفاء النفوس الذين درسوا في بلاد الغرب، ولا يدل هذا على أن الدراسة في بلاد الغرب حرام، أو أنها لا تجوز، بل التفصيل فيها له مقام غير هذا، ولكن أولئك الذين نعقوا ورددوا وراء الناعقين والببغاوات، ونادوا بإخراج المرأة، أولئك من الذين عاشوا هزيمة نفسية وضعفاً في الإيمان، وجهلاً بالعلوم الشرعية، ثم نزلوا بلاداً أهلها في تمدن وتطور ورقي، ورأوا أفلاماً الابتسامات تعلو رجالها وأبطالها، ورأوا مسلسلات ظاهرها الود والوئام، فظنوا أن الحياة السعيدة هي ما يعيشه أولئك، وظنوا أن سبب السعادة في مجتمع أولئك القوم هو الحرية المطلقة التي يزعمونها، أو هي الإباحية على حقيقة أمرها، ظنوا أن سعادة ذلك المجتمع الموهومة التي تظهر على الشاشة وليست على الحقيقية، لأن ذلك مجتمع شقي، وصدق الله العظيم: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] إنهم في ضنك من عيشهم، لكن أولئك الذين لا يعرفون إلا الصور والمشاهد اللامعة البراقة ظنوا أن هذه هي الحياة السعيدة، وظنوا أن سبب السعادة هي الإباحية والانحلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! أولئك الذين ضعفت نفوسهم، وهزموا في معركة الذات ومعركة النفس، عادوا ليصيحوا بأعلى صوتهم: أين المرأة المظلومة؟ أين المرأة حبيسة البيت؟ أين رئة المجتمع المعطلة؟ أين النصف المعطل؟ فبدءوا يصيحون ويرددون لكي يخلقوا قضية اسمها قضية المرأة، وليس عندنا في الحقيقة قضية اسمها قضية المرأة؛ لأن القضايا توحي بالمرافعة، وتوحي بالخصومة، وتوحي باللجاج والجدل، وأما مجتمعنا فالمرأة فيه فوق هذا المستوى؛ لأنها آمنة سعيدة مطمئنة، أخذوا يصيحون: أين المرأة؟ لماذا لا تعمل؟ لماذا نصف مجتمعنا معطل؟ لماذا لا تحسب حسابات جهود المرأة في الدخل القومي للمجتمع؟ لماذا تهدر هذه الطاقات الاقتصادية؟ العامل البشري من عوامل الإنتاج نصفه معطل في هذا المتجمع، وأخذوا يرددونها تارةً اسمها قضية الأسبوع في مجلة، وتارةً زاويةٌ في صحيفة، وتارةً عمودٌ في جريدة، وتارةً مقالةٌ في إذاعة، وتارةً مسلسل أو فيلم في شاشة، أو غير ذلك. من هنا بدءوا يطنطنون ويصيحون لكي يغرسوا في فكر المجتمع أن هناك قضية اسمها قضية المرأة، ثم نقول لهم: يا من أشغلتمونا بالنباح، وعندنا قناعة: إذا الكلب لم يؤذيك إلا بنبحه فدعه إلى يوم القيامة ينبح ماذا يضير السحاب نبح الكلاب؟ ما يضير البحر أمسى زاخراً إن رمى فيه غلامٌ بحجر والله ما كدروا شيئاً، ولا حركوا شيئاً بالنسبة لأولئك الذين إيمانهم بحكمة ربهم عظيمة جليلة وهم واثقون بها، ما هي قضية المرأة في مجتمعنا؟ أيها الأحبة! قضية المرأة في مجتمعنا التي يريدونها ويريدون أن يصنعوا منها شكلاً وحجماً وطولاً وعرضاً، يقولون: نريد للمرأة أن تتعلم، من قال أننا رفضنا تعليم المرأة؟ يريدون للمرأة أن تعمل، من الذي قال برفض عمل المرأة عند الحاجة إليه بضوابطه المشروعة؟ لكن لم يقف عند ذلك، وبعيني قرأت في مجلة من مجلاتنا ذات يوم في تحقيقٍ صحفي متى يأتي ذلك اليوم الذي يظهر فيه مجالات جديدة غير المجالات التقليدية بين قوسين الطب والتعليم؟ متى يظهر للمرأة مجالات جديدة غير هذه المجالات؟ في الحقيقة وبكل صراحة المجالات التي يريدونها مجالات الوظيفة أن يغلق الباب على الرجل والمرأة في مكتب واحد، مجال المضيفة أن تحلق بها الطائرة في السماء، فتسافر الساعات والأيام ويخلو بها من يخلو من الربان والقبطان، وتسكن في الفنادق، ويخلو بها من يخلو بها. يريدونها في التمريض الذي نسأل الله تعالى أن يمرض قلوبهم به، التمريض الذي أشغلوا المجتمع به، أي تمريض هذا؟ والله لو كان نساء يمرضن نساء، وبنات يمرضن بنات، لقلنا على العين والرأس، ولكن قد أعلنوا باطنهم، وأخرجوا المجلات وفيها صور المتطوعات في التمريض يفرحن وبكل نشاط في مزاولة هذا الأمر، ومريض من الرجال والذكور ويحيط به جمع من الفتيات، هذا التمريض الذي تريدون لبناتنا؟ يريدون بناتنا أن تقلب فرج الرجل وعورته، وهل قل الرجال؟ وهل مات الشباب؟ وهل وظفنا جميع الشباب حتى نقول إننا بحاجة أن نوظف المرأة في مجال التمريض، ولكن الأكليشة المعتادة في حدود الشريعة الإسلامية وفي إطارها ونظامها حتى يأتي نهاية اليوم الذي يزنى فيه على الشريعة الإسلامية، ويشرب الخمر على الشريعة الإسلامية، بهذه الطريقة والنغمة التي أخذوا يعبثون بها على عقول المسلمين. إن كانوا يقولون: إن قضية المرأة تعلم وتوظيف في مجال مناسب، بضابط مشروع، فليست قضية إذ أن الأمر موجود، ولا حاجة إلى تحصيل حاصل، أما إن كانت القضية غير ذلك، فنقول هنا: مهلاً يا دعاة التحرير.

مغالطات يتفوه بها العلمانيون

مغالطات يتفوه بها العلمانيون

قولهم: الملتزمون يسيئون الظن دائما

قولهم: الملتزمون يسيئون الظن دائماً يقول أولئك العلمانيون دعاة التحرير: أنتم يا علماء الدين! أنتم يا معاشر المطوعين! أنتم يا معاشر الملتزمين! أنتم يا من لا تسمحون لبناتكم أن يسهرن الليلة الطويلة في المستشفى مرافقة للطبيب المناوب! يا من لا تسمح لابنتك أن تداوم الدوام الكامل عشر ساعات، أو اثنتي عشرة ساعة مع طبيب، أو مع جمع من الرجال مختلط بالنساء، يقولون: أنتم تسيئون الظن. لو أن رجلاً قال لآخر: أعطني ابنتك البالغة سن الزواج، وأقفل علينا الباب أنا وإياها أربع ساعات، واتركنا -الله يخليك- أربع ساعات على انفراد، فيقول وليها: لا يمكن، لا يجوز، ماذا تفعل بها؟ أقول: يا أخي! أنت لماذا هكذا تسيء ظنك؟ دعني أعلمها البخاري، دعني أخرج معها البخاري، دعني أقرأ معها التفسير، هل يعقل أن هذا الذي سيخلو ببنتي أو ابنتك، أو أختي أو أختك، أو زوجتي أو زوجتك في ردهات المستشفى ساعات طوال في ليل بهيم، في هجيع الليل، ونيام الناس، وسبات عميق، هل يعقل أنه سيخلو بها يتهجدون يتناوبون الحراسة في سبيل الله؟ ماذا سيفعل بها هذا؟ يا إخوان! نريد أن نقول: مهلاً يا دعاة التحرير، فلا تظنوا أن المجتمع غبي إلى هذه الدرجة، لا تظنوا أن الناس أصبحوا ديوثين، لا تظنوا أن الناس أصبحوا لا يغارون على محارمهم، ولكن كما قلت في الخطب والمحاضرات: ظن دعاة التحرير أن المجتمع انقسم إلى قسمين: قسم يوفر لحيته ويقصر ثوبه، فهذا لن يرضى بتمريض البنات مختلطات مع الرجال، ولن يرضى بقيادة المرأة، ولن يرضى باختلاط المرأة، وقسم آخر من الذين يحلقون لحاهم مثلاً أو يسبلون ثيابهم، أو قد يسمعون شيئاً من الغناء قالوا: هؤلاء الذين يسمعون الغناء أو يحلقون اللحى أو يسبلون الثياب هؤلاء سيوافقوننا بأن نخلو ببناتهم، حاشا وكلا، والله إننا لعلى ثقة بأن الحليق والمسبل، أو من سمع الغناء ما بلغ به ضعف الإيمان إلى درجة أن يصبح ديوثاً، فيرضى أن تقود بنته، أو أن ينفرد بأخته وزوجته ليلة طويلة في مناوبة في مستشفى بدعوى التمريض، أو غير ذلك، يقولون: أنتم تسيئون الظن دائماً، وكلما طرحنا قضية، أول ما يخطر على بالكم -أنتم يا هذا المجتمع السعودي- الفاحشة والجريمة، لماذا يا أخي؟ بإمكاننا أن نوجد العمل في ظل الضوابط الشرعية والشريعة الإسلامية، والقيم والآداب والأخلاق والتقاليد، والله ما عهدنا رجلاً ألقي في الماء فسلمت ثيابه من البلل: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء هل يعقل هذا؟ لا. والله لا يعقل. إذاً فنحن على ثقة ويقين، ونقول: كذبتم يا دعاة التحرير، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجلٌ بامرأةٍ إلا كان الشيطان ثالثهما) قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على المحارم) حتى المحارم نهينا أن ندخل عليهن من غير محرم، فما بالك يوم أن تجعل ابنتك وأختك في وظيفة أو في عمل مختلط، أو في معمل الجامعة أو في مكان لتختلط بالأجنبي، إذا كان المحارم قد نهينا عن الاختلاط بهن: (إياكم والدخول على المحارم، قالوا: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ -أخو الزوج لا يظن أن يقع منه السوء إلا في النادر القليل- فقال صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت) فنقول: أنت يا رسول الله ما صدقت، أنت يا رسول الله لا تعرف، أنت تطلق الأحكام على عواهنها، أنت يا رسول الله لا تعرف تطور المجتمع، أنت لا تعرف إلى أي درجة ستتمدن البشرية، ونقول: صدقتم ووفقتم يا دعاة العلمانية، بأنه يمكن للمرأة أن تختلط مع الرجل في الوظيفة، ويغلقان المكتب عليهما، ويمكن أن تختلط مع الفتى في معمل الجامعة، ويمكن أن تختلط بالتمريض مع الممرضين والممرضات، ويمكن ويمكن إلى آخره! نصدق من ونكذب من؟ نكذب نبينا ونصدق القردة والخنازير؟!! حاشا لله، لا والله بل صدق رسول الله، وكذب أولئك المفسدون المجرمون، الحمد لله الذي أظهر باطنهم، وكشف خزيهم، وبين دسيستهم وحقيقتهم. هذه مغالطة دائماً يأتي بها دعاة التحرير، فنقول لهم: مهلاً هذه مغالطة مرفوضة قولكم: لماذا تسيئون الظن؟ لماذا تتهمون الناس بالجريمة؟ لماذا يتبادر إلى أذهانكم الفاحشة في أول لقاء مختلط، وعلى انفراد بين الرجل والأنثى، وبين الفتى والفتاة؟

تجاهل العلمانيين لامتهان المرأة الغربية

تجاهل العلمانيين لامتهان المرأة الغربية المغالطة الثانية مع أن أولئك العلمانيين الذين يدعون إلى تحرير المرأة درسوا في أوروبا، وهم يعرفون ما يسمى بـ (نايتك لبز) بالأندية الليلية، وهم يعرفون ماذا يحصل فيها من امتهان للمرأة، ويعرفون ماذا حصل للمرأة الغربية من احتقار، أنها إن لم تؤجر فرجها مرحاضاً تقضى فيه الحاجة، فلن تجد ما تأكل أو تشرب أو تلبس، يعرفون هذا جيداً، ومع ذلك: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] مع أنهم عرفوا ورأوا ودرسوا هناك، وأدركوا ما حل بالمرأة الغربية إلا أنهم مع إدراكهم ومعرفتهم لهذا يغالطون المجتمع، ويريدون نقل التجربة الغربية إلى بلاد الإسلام، وإلى قلعة الإسلام الصامدة المملكة العربية السعودية، يريدون أن ينقلوا هذه المعركة إلى هذه البلاد، أخزاهم الله وفضحهم. المسألة الثالثة، وقبل أن أنتقل إليها أذكر كلاماً لـ سيد قطب رحمه الله لما تكلم عن آيات الحجاب، وفي موضع آخر في حديثه عن أدب الإسلام في الدخول على النساء، وفي تنظيم ضوابط المجتمع المسلم في ظل الأسرة المسلمة، قال: إن المرأة في المجتمع الغربي أصبحت كالمرحاض يقضي فيه الغادون والرائحون حوائجهم. تصوروا -يا إخوان- حمامات -أجلكم الله- على الطريق العام، على الخط الدائري، وكل من حصره بوله -أجل الله المسجد والملائكة والسامعين- أو حقبه غائطه، اضطر أن يقف ليقضي الحاجة في ذلك المرحاض ثم يمضي، إن المرأة في المجتمع الغربي ما هي إلا مرحاضٌ يقضي فيه الغادون والرائحون حوائجهم، فمن ذا الذي يرضى أن ينقل التجربة إلى هذا المجتمع ليجعل نساء المجتمع العفيفات الطاهرات مراحيض يقضي فيها المجرمون والغادون والرائحون حوائجهم؟! من الذي يحفظ هذه المسكينة يوم أن تكون نوبتها الطويلة في الليل ولا رقيب ولا حسيب إلا الله، مع تسلط الهوى، وتحكم الشهوة، وغيبة الضمير، وتسلط الغريزة، وحينئذٍ يخلو بها هذا الممرض، فيقضي حاجته في فرجها، وفي ليلة أخرى ممرض آخر، وفي ليلة أخرى ممرض آخر، ألم تصبح حماماً؟ بلى والله، جعلوها مرحاضاً كل يقضي حاجته فيها. إننا نعرف أن للمرأة مكانةً ومنزلةً ليس هذا بيان تفصيلها، لكن نقول: مهلاً يا دعاة التحرير إن كنتم تريدون أن نجعل من المرأة مرحاضاً يقضي فيه الغادون والرائحون حوائجهم، فإن هذا لا يمكن أن يكون في مجتمع لا يزال دم الإباء والغيرة، وقبل دم الإباء لا يزال الانقياد لأمر الله في قلوبهم ونفوسهم.

قولهم: الهدف من عمل المرأة خدمة الوطن

قولهم: الهدف من عمل المرأة خدمة الوطن المغالطة الثالثة: يقولون: إننا يوم أن ندعو للاستفادة من المرأة، ومن تحريك النصف المعطل وإلى آخره، يقولون: هذا من أجل الوطن، هذا من أجل الدفاع عن الوطن، من أجل خير الوطن، من أجل أن نشارك الأمة، إن الأمة قد شاركت في مجالات عديدة، ورغبة منا أن نشارك في وطننا، فلا بد أن نفعل كذا، والذي يؤزونهم إلى الفساد أزاً، ويدفعونهم إلى الهاوية دفعاً، يقولون: من أجل أن تشارك المرأة وتشعر بكيانها وسيادتها على أرض مجتمعها وحدود بلادها، فلا بد أن تشارك في الوطن، وهل هناك مشاركة أعظم مما ذكره فضيلة الشيخ في مقدمته؟ أن تتولى بيتها، وأن تخدم زوجها، وأن ترعى أولادها، وأن تحفظ نفسها: (إذا المرأة أطاعت بعلها، وصلت فرضها، وصامت شهرها -إلى آخر الحديث- قيل لها: ادخلي الجنة من أي باب شئت من أبوابها الثمانية) أي منزلة وأي كرامة للمرأة أعظم من هذا؟! نعم. لا يريدونها أن تدخل الجنة من واحد مع هذه الأبواب، ولكنهم يريدونها أن تدخل النار مع أي باب يفضي بها إلى الهاوية. تقول أسماء بنت يزيد بن السكن الأشهلية الأنصارية، وكانت تسمى خطيبة النساء، قالت: (يا رسول الله! إن للرجال فيك حظاً ليس لنا، يحجون معك، يغدون معك، يسمعون كلامك، يجلسون إلى آخر ما قالت، فما لنا منك حظٌ يا رسول الله، أو ما حظنا منك يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا أسماء! يا أسماء! يا أسماء! بلغي من وراءك أن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله). والتبعل يعني: الخدمة، والرقة في المعاملة واللطف، والعناية بفراشه، والعناية ببيته وبنفسه، والعناية بطعامه وشرابه، وكل ما فيه خدمة الزوج وطلب رضاه في رضى الله، فإنه يعدل ذلك كله. أي فضل، وأي أجر، وأي منزلة جعلها الإسلام لك أيتها الأخت المسلمة، أيتها البنت المسلمة، أيتها الأم المسلمة؟! ولكن أولئك يريدون أن تميلوا ميلاً عظيماً، يريدون أن تنحرفوا انحرافاً بيناً. المهم أيها الأحبة هذه مغالطات ثلاث: المغالطة الأولى: ألا وهي أنتم تسيئون الظن. المغالطة الثانية: يتجاهلون ما حل بالمرأة في المجتمع الغربي. المغالطة الثالثة: نريد المرأة أن تخدم الوطن. وكل هذه مغالطات ودعاوى وشنشنة نعرفها من أخزم، دعاوى باطلة، قيل: أكبر شاهد للثعلب، ما هو؟ فقيل: ذيله، هي ذيول الثعالب التي ظهرت بالمكر والخديعة، فحسبنا الله ونعم الوكيل!.

الاختلاط في التعليم متدرج

الاختلاط في التعليم متدرج أيها الأحبة في الله! لا يستطيع أعداء المرأة في مجتمع كهذا، مجتمع لا زالت المآذن تصدح فيه خمس مرات، ولا زال أهله أهل صلاة وعبادة، ولا زال الناس أهل غيرة على فرشهم وعلى محارمهم وعلى أعراضهم لا يستطيعون أن يقولوا: أعطونا بناتكم نخلو بهن، لا. أعطونا بناتكم نفعل بهن، لا يستطيعون أن يتجرءوا ويقولوا هذا الكلام، إذاً فلا بد من التدرج دعاة التحرير يريدون أن يتدرجوا حتى يحصلوا على ما يريدون، فيبدءون بمختلف الوسائل وشتى المجالات. يبدءون مثلاً: لماذا لا نستفيد من الفتاة لكي تدرس الشباب الصغار، أو الأطفال الصغار في المرحلة الابتدائية، الطفل في المرحلة الابتدائية أيضاً -يا (مطاوعة) - تشكون في هذا الطفل الذي عمره ست سنوات، لا تريدونه يختلط مع البنية الصغيرة، لا تريدون المدرسة تدرسه، يبدءون من هنا، وما المانع أن تكون المرحلة الأولى الابتدائية والثانية الابتدائية والثالثة الابتدائية؟ ما المانع أن تكون المرأة هي التي تدرس هؤلاء الصغار؟ وما المانع أن يختلط الصغار إناثاً وذكوراً في هذه المراحل؟ هذه بداية من أسفل، وهناك بداية من فوق، يقولون: والله يصعب علينا أن نعد معامل للبنات ومعامل للذكور، فنضطر أن نخلط الرجال والبنات، الشباب والشابات، الفتيان والفتيات في المعامل، يصعب علينا أن ننزل محاضرات معينة في الدائرة المغلقة للبنات ومحاضرات للرجال، لا بأس أن يختلطن، ما الذي يمنع أن نختلط؟ ما الذي يمنع أن نشاهد هذا الدرس العملي، فبدأ الاختلاط من أين؟ من فوق، وبدأ من المراحل الأولى الابتدائية والمرحلة الجامعة، وما يزال هذا الاختلاط ينزل ويرتفع، ينزل ويرتفع حتى يلتقي في قمة الجنون والمراهقة في المراحل المتوسطة والثانوية ويستوي على سوقه في المرحلة الجامعية، ولا حول ولا قوة إلا بالله! لا يستطيعون من البداية أن يفتحوا ويقولوا: الثانوية المائة والخمسون المختلطة للبنين والبنات، لا. لا يقدرون على قول هذا، لكن ما الذي يمنع أن يتربى الأولاد مع البنات في الابتدائية إلى السنة الأولى والثانية والثالثة، طيب ما هو الفرق بين الثالثة والرابعة؟ أضيفوا الرابعة، وما هو الفرق بين الرابعة والخامسة؟ أضيفوا الخامسة، ورويداً رويداً حتى يلتقي الاختلاط بين نزول من أعلى وارتفاع من أسفل، فيلتقي في مرحلة زمنية هي قمة الجنون والمراهقة، ويقولون أيضاً: في حدود الشريعة، وفي ظل الضوابط الشرعية إلى آخره.

كيف ظلمت المرأة الغربية

كيف ظلمت المرأة الغربية وقبل أن نفيض في هذا الموضوع نريد أن نسأل سؤالاً: كيف ظلمت المرأة الغربية وكيف حررت؟ المرأة الغربية؟ أيها الأحبة! كان المجتمع الغربي حتى المجتمع الفرنسي والمجتمع الألماني في عصور غابرة كانوا يشكون هل هي إنسان، أو لا. وقرروا في زمن ما أنها إنسان، ولكن خلقت لخدمة الرجل، ووافقهم الألمان في هذه الفكرة، ومورست أبشع صور الإقطاع في عصور الإقطاع على المجتمع الأوروبي، ومارس الرهبان والقسس والكاردينلات في تسلطهم عبر الكنيسة أبشع ألوان التسلط على المرأة، ثم بعد ذلك أرغمت المرأة بالعمل الشاق، فأصبحت تعمل في المناجم، وأصبحت تعمل عملاً طويلاً، ومع ذلك لا تنال نفس الأجر الذي يناله الرجل، فأصبحت المرأة تصيح: نريد أن نساوى مع الرجل في الأجر، فبدأت قضية للمرأة، نعم المرأة تعمل عمل الرجل، ولكنها لا تأخذ الأجر ذاته، فتبنى من تبنى هذه القضية، وقامت ثورات لتحرير المرأة ومساواتها مع الرجل في الأجر، فتمت المساواة، ثم بعد ذلك لماذا لا تساوى المرأة مع الرجل في المجالات الأخرى؟ وقالوا: لا حرج، وفتحوا هذا الباب. إذاً قضية المرأة الأوربية إنما هي بسبب تشريع البشر القاسي الذي لم يراعِ فيها الأنوثة، ولم يراعِ فيها طبيعة التكوين أبداً، فالمرأة تحررت من ظلم، ولكن إلى ظلم أشد منه، ولا حول لا قوة إلا بالله! لكن المرأة في المجتمع المسلم أي ظلم أصابها، إن الظلم الذي يقع الآن على المرأة المسلمة، وعلى الفتاة المسلمة، وعلى الأخت المسلمة هو تسلط عبر الإعلام عبر الشاشة عبر الإذاعة عبر المجلة عبر الجريدة عبر الصحيفة عبر مختلف المجالات، تسلط على هذه المرأة من أجل إبعادها عن المنهج الرباني، لكي يقولوا لها: لا تطيعي هذا الذي خلقك بلسان الحال أو بلسان المقال، وإلا ما معنى مقابلة مع مجموعة من الفتيات والأخوات: كيف وجدت نفسك مع تقاليد المجتمع الذي يرفض هذه الظاهرة؟ تقول: بحمد الله أنا فتاة في مجتمع متحرر وأسرتي مقتنعة، والأخرى تقول: لا. أمي واجهتني ببعض الصعوبات، ولكن جدتي أقنعتها، وهلم جراً، يعني: محاولة لمسخ الفتاة المسلمة عن التزامها وعن عقيدتها، ومن هنا يوم أن نعرف أن قضية المرأة التي يصيحون بها في المجتمع المسلم هي قضية إبعادها عن المنهج الرباني، وعن شريعة الله جل وعلا، يريدون إبعادها من الحصن الحصين والدرع المكين إلى مسبعة الذئاب، وإلى صحراء الكلاب؛ حينئذٍ نعرف أن عندنا قضية ولكن بلا قضية، قضية امرأة، لكن ما هي القضية؟ في الحقيقة ما عندنا، بالنسبة لنا في نظرنا ما هناك قضية، المرأة كل ما يتعلق بها موجود في كتاب الله، وما عقمت أذهان وعقول علماء الأمة ومفكريها وقضاتها أن يجعلوا لكل أمر جديد ما يناسب هذا الأمر في حدود الضوابط الشرعية، أما أن يحدد الضوابط الشرعية من لم يعرف الصلاة، أو من عاش زمناً طويلاً وعهداً طويلاً في بلاد الغرب، وأشرب حب الغرب وسلوكهم، وهو الذي يقرر المصالح الشرعية، لا. العلماء قالوا: المصالح المرسلة التي لم يشهد لها الشرع باعتبار ولا بإلغاء يقررها المجتهدون والعلماء، فكيف يقرر أولئك الذين هم من مجمعات زبالات أذهان الغرب وحثالات أفكارهم، هل هم الذين يقررون مجال المرأة، أو يقررون عملها وهم لا يعرفون الأصول ولا الضوابط الشرعية التي يقوم عليها مجال المرأة؟ تباً وسحقاً لهم.

المفسدون دائما يتسترون

المفسدون دائماً يتسترون حينما يراد تخريب وإفساد الأمة في أمر من الأمور، لا بد للمخرب أن يستتر بقضية؛ القضية الخدمة المشاركة الدفاع الوطنية الإخلاص إلى غير ذلك، وخذوا مثالاً، وما أشبه الليلة بالبارحة، وهذا أمرٌ عرفتموه أنتم من خلال الخطب والندوات والمحاضرات وما قرأتم، مثال ذلك: أول مظاهرة في مصر في ميدان قصر النيل أمام ثكنات الجيش الإنجليزي، قامت النساء وهتفت ضد المستعمر الإنجليزي، طيب ما هي علاقة المستعمر الإنجليزي بإزالة الحجاب عن الوجه؟ إذاً لا بد أن يكون لمن أراد أن يفرض على المجتمع أو أن يغزو المجتمع بحدث قذر خطير لا بد أن يلوح بقضية، أو أن يطير بالونة ترتفع الأبصار إليها، وحينئذٍ هو يعمل من تحت، حينما يريد مجرم أن يفسد المجتمع، أو لص من اللصوص حينما يريد أن يسرق بنكاً من البنوك، لا بد أن يسحب في جيبه قنبلة، فيفجر سيارة في الطريق، فينشغل الناس بالسيارة المتفجرة، ثم هو يدخل إلى هذا البنك ويسرق فيه، لا بد أن ترفع قضية وأن تثار إما لإشغال الناس بها، والعمل في غفلة الناس عنها، أو لكي يصبح للمخرب قضية يتستر بها.

دعاة التحرير في مصر

دعاة التحرير في مصر عند المرأة المصرية كانت المظاهرة بقيادة هدى شعراوي هتفت في شارع النيل أو في ذلك الميدان ضد الاستعمار الإنجليزي، وأخذت تنزع الحجاب، وتزيله وتميطه عن الوجه، وتهتف ضد المستعمر، وعندنا الذين أرادوا أن يجعلوا من أنسفهم منطلقاً وتاريخاً يؤرخ به تحرير المرأة، أو تخريب المرأة على الصحيح، قالوا: نريد الدفاع عن الوطن، ونريد المشاركة، ونريد ونريد إلى آخره، وحينئذٍ لا بد أن يصنع من ذلك الذي رفع الشعار بطلاً، وفاتني أن أحضر قصاصة أوصلها لي أحد الإخوة جزاه الله خيراً بقلم تافهٍ نزقٍٍ حقيرٍ اسمه/ فهمي هويدي كتب في جريدة الأهرام كتاباً نال فيه من عرض والدنا وحبيبنا سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، نسأل الله أن ينتقم لشيخنا وحبيبنا منه، نسأل الله أن يري هذا الكاتب في نفسه بلاءً ومكروهاً حتى يأتي محمولاً ليتحلل من شيخنا، وليكون آية وعبرة لكل من سولت نفسه أن يهزأ، أو أن ينال من علمائنا وأحبابنا، حينئذٍ لا بد أن يكون هذا المخرب بطلاً، كيف يصنع من المخرب بطلاً؟ اطمئنوا ما على المجرم إلا أن يفجر الحادثة ويتولى بقية المهمة وكالات الأنباء، التغطية الصحفية الـ (السي إن إن) المقالات الكتابات التأييد القصائد التي تفيد بهذا الأمر، فحينئذٍ يصبح المجرم في عرف بعض الساقطين بطلاً، ولكن بحمد الله جل وعلا في مجتمعنا هذا لم يحصل من قام بهذه الجريمة على لقب البطولة، أو لقب يسره، بل نال الدعاء بالويل والثبور إن هو أصر على ضلالته، ولم يرجع، ولم يتب إلى الله، نسأل الله الهداية لجميع المسلمين. في الحقيقة -أيها الأحبة! - وبالتدريج حينما تثار قضية من القضايا، ويكون لهذه القضية من يتبناها، إما امرأة معينة أو مجموعة من الفتيات شعارنا المشاركة في الوطن، المشاركة في الدفاع، من الذي يصنع منا أبطالاً؟ وكالات الإعلام، ووسائل الإعلام الأجنبية هي التي تلمع هذه الحادثة، بالتدريج نبدأ الدخول في قضايا جديدة.

الهدف من محاربة الزواج المبكر

الهدف من محاربة الزواج المبكر إذاً كانت القضية أولاً: من يعلق الجرس؟ فإذا علق الجرس في هذه الحادثة، بعد ذلك انتقلت المرحلة إلى مجال آخر تتنقل بعد ذلك إلى التعليم، ثم تنتقل بأسلوب مغلف إلى قضية أخرى وهي الزواج، لماذا تزوج الفتاة المسكينة في سن ست عشرة سنة وسبع عشرة سنة؟ لماذا لا يوجد قانون يمنع الفتاة من الزواج في ذلك السن حتى تصبح عاقلة؟ ومن الذي قال لكم إنها مجنونة؟ لماذا تتزوج الفتاة؟ هذا ظلم، هذه مسكينة إلى آخره. لماذا كل هذا؟ حتى تطول فترة المراهقة، وأثناء هذه الفترة قد تسلطت الجرائد والمجلات والأفلام والمسلسلات التي جعلت من الفتاة سجينةً في قفص بين أربعة أبواب، أتدرون كيف تتصور الفتاة المسكينة أنها سجينة؟ فيلم من الأفلام يخرج أسرة في حدائق غناء، وتلقى الفنانين والمشاركين من أطفر عباد الله، لكن مستأجرين هذا القصر من أجل أن يمثلوا للناس فيه، المهم أسرة في هذا المجتمع والحدائق الغناء، وهذه الفتاة التي تبلغ من العمر سبع عشرة وثمان عشرة سنة تطل من الشرفة إذ بالشاب يمر يضرب لها بوق السيارة، فتنزل تحدثه، ثم تتساطع النظرات، وتتبادل الآهات والأنات، ثم تبدأ قصة الحب، ثم ماذا بعد ذلك؟ تبدأ البنت تحدث أمها: أنا والله تعلقت بفلان، ما المانع أني أخرج معه؟ ولماذا؟ وما له؟ واذهبي معه يا ابنتي، وهلم جرا. ثم تخرج معه، ورويداً رويداً قارن بين مجتمع الشاشة ومجتمع الأربع جدران، فتاة جالسة في أربع جدران تنظر إلى فتاة تطل في الشرفة، وتقول: أنا لو أطل من على هذه الشرفة فستأتيني لعنة هذا الحين من الشارع، تبدأ تقارن المسكينة في حين غيبة من التربية، وغفلة من الأولياء، وبعد في المناهج عن تأصيل الكرامة، وبيان العزة التي أكرمها الله بها؛ تبدأ تقارن بين نفسها العزيزة الكريمة الأصيلة، تبدأ تقارن نفسها بالحقيرة المبذولة التافهة، وتغبط هذه التافهة على ما هي عليه، تقول: أنا بين أربع جدران، وهذه تخرج في أي وقت، ومع ذلك جعلها تقود السيارة هي وإياه، أنا لو أريد أن أسوق فلن يسمحوا لي أن أسوق، ويحدثها بالهاتف في كل وقت، يرن التلفون وتأخذ التلفون وتنتقل إلى حجرة، وكيف حالك؟ وما رأيناك؟ والجامعة وما الجامعة، وهلم جرا. مصيبة المصائب! ما معنى أن هذه تتحدث مع صديقها وأنا لا أتحدث مع صديقي؟ من هنا تبدأ قضية المقارنات الغير منضبطة، أو بالأحرى المقارنات التي ليست أصلاً بمحل للمقارنة، وتشعر الفتاة بأنها بحاجة إلى مجتمع غير هذا المجتمع الذي هي فيه، طبعاً الزواج في هذا السن، الفتاة تتحرك غريزتها، يدنو مجتمع الشاشة، أو مجتمع الفيلم والمسلسل يدنو الفتى من الفتاة، ويحدثها حتى لو شئت أن تدخل ورقة بين أنفها وأنفه، ما استطعت، فهما قريبان جداً من بعض، والفتاة هل هي جماد لا تتحرك، وليست بدون مشاعر؟ تتمنى أن لو كانت مكان تلك الفتاة في بعض المشاهد وبعض المواقف، ومن هنا يكون عندها رغبة في الزواج، لكن عيب أن تتزوج وعمرها ست عشرة سنة، أو في نظر المجتمع لو تصارح أهلها بأن لها رغبة في الزواج: يا أبي، يا أمي لو تقدم إلي فتى يريد الزواج مني وافقوه، فيقولون: ما هذه المجنونة التي تموت على الزواج؟ إذاً من خلال زرع بغض تزويج البنات المبكر في نفوس المجتمع تبدأ تتولد الرغبة في الاتصال، هناك ضغطٌ عبر الوسائل الإعلامية وهناك غريزة، فيتدافع الأمران، ماذا يحصل؟ تبدأ العلاقات السرية، من أين؟ من الهاتف، وهي ما تسمى بالمعاكسة والمغازلة، كثير من البنات لما تزوجت انتهت من شيء اسمه المعاكسة. إذاً ما هي القضية؟ هل هو حب في الانحراف ذاته، أو مجرد غريزة ودوافع ومثيرات وأشياء تؤجج الشهوة والفتنة، وما عندها ما يقضي حاجتها ووطرها؟ إذ تريد أن تتزوج، والأدهى من ذلك يوم أن يأتي البنية نصيب فيقال: اصبري، دعي أختك الكبيرة تتزوج، طيب فلتتزوج وليكن ذلك، لكن تعلمنا أنه عيب تزويج الصغيرة قبل الكبيرة، المسألة قسمة ونصيب، فمن كتب لها النصيب فلتتزوج، لكن من خلال التحقيق الصحفي، من خلال العمود، من خلال المقابلة: Q ما رأي سعادة الدكتورة الفلانية في الزواج المبكر؟ A أنا لا أرى الزواج المبكر، لأنه دائماً ينتهي بالفشل. السؤال: ما رأي المعيدة الفلانية في الزواج المبكر؟ A الزواج المبكر مصائب لا حدود لها. Q ما رأي المحاضرة التي تعمل في مركز الخدمة الفلانية؟ الجواب: هذه خطورة، هاوية الأولياء يقذفون بالفتاة المسكينة إليها. ومن ثم نبدأ نعتقد أنه لا يمكن أن يحصل الزواج إلا في سن متأخرة، والمطلوب ما هو بالضبط؟ إيجاد فترة انحراف وفساد وإباحية قبل الدخول في عقد الزوجية، هذا هو المطلوب بالذات، وذلك مجال أو جبهة من جبهات النزاع في قضية تحرير المرأة، ولا حول لا قوة إلا بالله!

الهدف من تعليم المرأة في مجالات لا وظيفة لها عند التخرج

الهدف من تعليم المرأة في مجالات لا وظيفة لها عند التخرج هنا مسألة جديدة، ونقول لدعاة التحرير، ونقول للعلمانية أيضاً: فتح التعليم الجامعي في مختلف المجالات، ونحن نعلم أن هناك مجالات فتح التعليم الجامعي فيها وهي مجالات لا تناسب عمل المرأة، هناك مجالات محدودة وبناءة ومثمرة حينما تتعلمها المرأة، وتنال بها الشهادات، يكون من صالح المجتمع، ومن صالح بني جنسها، ومن صالح المرأة أن تتعلمها، لكن مجالات لا علاقة لها بالمرأة، ما الفائدة من التخصصات فيها؟ عندما يتخرج عندي هذه السنة ألف فتاة إدارة أعمال، وإدارة خاصة، واقتصاد زراعي وهندسة وكيمياء وفيزياء وما يتعلق بذلك، ما الفائدة من هذه التخصصات؟ أليس من الأولى أن أعين الشباب الذين هم بحاجة إلى من يأخذ بأيديهم لردهم إلى سلك التعليم ببرامج تنشيطية تدريبية، وإعادتهم إلى سلم التعليم سواءً كان مهنياً، أو كان تقنياً، أو أكاديمياً بحتاً، أو في أي مجال من المجالات، أليس الشباب أولى من الفتيات في هذه التخصصات؟ القضية -أيها الإخوة- هي والله نتيجة حتمية لتوظيف المرأة، أو هي مقدمة تفضي حتماً إلى توظيف المرأة، عندما يكون عندي جامعة، وعندي حوالي ألف فتاة في تخصصات، ما عندنا مجال نوظف الفتاة فيها، عندنا الآن مثلاً مجال التعليم ومجال الطب، ونسمع أن هناك دسائس وبعض المكاتب التي ما بين المكتب والمكتب إلا زجاجة، أو فاصل أقل من الزجاج، لكن مجموعة من ذوات الشهادات في مختلف التخصصات ما هناك مجال يناسب تخصصها، طيب ماذا نفعل؟ تتخرج الدفعة الثانية، صار عندي ألفا فتاة، تتخرج الدفعة الثالثة، ثلاثة آلاف فتاة، الدفعة الرابعة، أربعة آلاف فتاة، تبدأ الفتيات اللائي يحملن المؤهل الجامعي في المجالات التي لا وظيفة لها في المجتمع يصرخن بصوت واحد: وظفونا وظفونا، درسنا وعندنا شهادة (ليسنس)، أو بكالوريوس في مختلف التخصصات، لماذا نعطل؟ لماذا نهمل؟ أين مجال العمل؟ وحينئذٍ حتماً ستفتحون توظيف المرأة. هذا التخطيط الذي فتح مجالات تخصصية في التعليم تخرج شهادات لا مجال وظيفي لها في المجتمع هو في الحقيقة يعني: بناء تراكمي لإيجاد كمية هائلة من الخريجات اللائي يحملن مختلف التخصصات لكي يأتي اليوم الذي ينصاع فيه من ينصاع، لكي توظف المرأة، وهنا نسأل سؤالاً، وليكن هذا السؤال صريحاً، والصراحة صابون القلوب، نقول: هل الفساد في التخطيط والتعليم أم أن هناك أمراً مبيتاً اسمه توظيف المرأة؟ هل الذي خطط لتعليم الفتاة في المجتمع يجهل معنى إيجاد تخصصات لا وجود وظيفي لها في المجتمع، أم أنه يراهن على توظيف المرأة في يومٍ ما؟ ليجب كل واحد منكم على هذا السؤال، وليسأل من يعنيه الأمر في هذه المسألة، هذا أمرٌ لا مفر منه، هي واحدة من اثنتين: الذي خطط لتعليم الفتاة، وجعل هناك مجالات معينة حينما تتخرج الفتاة بعدها لا تجد مجالاً وظيفياً لها، نقول له: إما أنك خططت تخطيطاً عشوائياً، فلا تصلح للتخطيط في التعليم، وإما أنك تريد توظيف المرأة في يوم من الأيام، وكلا الأمرين منبوذ مرفوض. قد يقول قائل: ونحن نقترح أن ليس من شرط تعليم المرأة وظيفتها، ليس بالضرورة أن كل من تعلمت أن نعطيها المرتبة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، ويوجد عدد من المتعلمات اللائي تعلمن وآثرن البقاء في بيوتهن وتربية أولادهن وخدمة أزواجهن، لكن نقول: هلا إذا كان هذا قصدك الشريف يا من خططت للتعليم، هلا جعلت هذه المجالات مناسبةً فيما يتعلق بفقه النساء، طهارة النساء، أحكام العشرة الزوجية، العناية بالأطفال، رعاية الأطفال، أمور أولية لعناية المرأة بأولادها وزوجها وبيتها، إذا كان المقصود هو أننا نعلم المرأة لنرفع عنها الجهل، ولكي نفيدها في إطار منزلها وأسرتها، فعندنا فنون وعلوم، الفنون يراد بها العلوم، فعندنا مجالات نستطيع أن نجعل دراسة المرأة متخصصة في هذه المجالات التي تخدمها.

حرص العلمانيين على توظيف المرأة مضيفة في الطائرة

حرص العلمانيين على توظيف المرأة مضيفة في الطائرة أيها الإخوة: أنتقل إلى جانب آخر حرص دعاة التحرير على إيقاع المرأة المسلمة فيه، صاحوا يوماً ما: لماذا لا يوجد مضيفات؟ لماذا لا نستبدل العمالة الأجنبية ببنات المجتمع، وفي الحقيقة هذا في إطار الشريعة، ومعروف أن الناس في الطائرة يغضون أبصارهم، والمضيفة إذا أرادت أن تناول أحداً، فلا شك أنها تمد له الفنجان، وتقول: يا أخي! غض بصرك حتى لا تنظر إلي، وقبل أن تمد له الفنجان والقهوة تقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] ويعني: لا بد أن يغنوا على مثل هذه الموضة، والمقصود مجال جديد لإشغال الفتاة لكي تخرج إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! مجالات جديدة دخلت فيها العمالة الأجنبية النسائية، قالوا: لماذا لا نستبدلها بمجالات أو لماذا لا نستبدلها بعمالة من أهل المجتمع؟ التمريض كما قلت لكم صاحوا، وقالوا: في إطار الشريعة، وفي حدود الشريعة، ولا بد أن نخدم بها المجتمع إلى آخر ذلك. أسأل سؤالاً دار في ذهني، وسمعت محاضرة للشيخ/ سفر الحوالي حفظه الله، وأورد أيضاً هذا السؤال، يقول: لو قلنا لأحد من الذين وافقوا على دخول بناتهم في ذلك التمريض الذي اختلط فيه البنات مع البنين، الذكور مع الإناث، الشباب مع الشابات، ودخل فيه الإناث على المرضى شباباً وشيباً وصغاراً وكباراً ذكوراً، ومن أعجب ما رأيت أن تجد الطبيب المترجمة له أنثى، وأن تجد الطبيبة المترجم لها ذكر في بعض المستشفيات، وهذا سؤال يحتاج إلى جواب. الحاصل لو قلنا لرجل أراد أن يوظف ابنته في التمريض: ما هو رأيك؟ كم يعطونكم في التمريض؟ كم الراتب؟ أربعة آلاف، نقول: تفضل هذه خمسة آلاف ريال، أعطنا ابنتك عندنا عجوز في البيت نريد هذه البنية أن تخدمها، يقول: عجيب وابنتي خدامة عند أبيك، وأنا محتاج فلوسك من أجل تعرض عليَّ خمسة آلاف ريال من أجل ابنتي تخدم عندك، طيب ما هو الفرق بين أن تخدم طابوراً كاملاً كله رجال يمدون أرجلهم، أو أن تخدم جدتي هذه العجوز، ما الفرق بين هذا وهذا؟ بالعكس قد تكون في بيتي، وأنا أكون حريصاً عليها، ولك أن تطمئن -إن شاء الله- فلن أدخل أجنبياً على ابنتك، ولن أجعلها تختلط بأحد، ولن تخدم إلا أنثى مثلها، لكن انظر الأمر كيف يلبس على الناس، لو قلنا: أعطونا البنت تعمل خادمة في البيت بخمسة آلاف ريال، يقولون: لا. والله ما احتجنا إليك بعد حتى أن ابنتنا تعمل في بيتك، لكن نقول: ثلاثة آلاف ومائتان وستون وتشتغل مضيفة، أو ممرضه، وتخدم طابوراً كاملاً ذاهبة آتية، أوه فلانة موظفة في المستشفى الفلاني إنها ممرضة! وكأن مجالات المرأة ضاقت حتى لا نجد لها مجالاً إلا تمريض الرجال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والمصيبة التي تطرح نفسها حتى الآن على ما عندنا من الخير والأموال والأرزاق والبركات نحمد الله على ذلك لا يوجد عندنا مستشفى طاقمه نسائي بالكامل، والله -يا إخوان- نحن بحاجة، ونقولها لكل غيور، ونقولها لكل مسئول: إن مجتمعنا بحاجة إلى مستشفيات نسائية بحتة، وليكن حينما يرى أن تدخل الرجال لأمر ضروري لا بد منه، وليكن في حدود تنسيق ضيق بقدر الحاجة.

افتتاح العلمانيين لأندية للفتيات

افتتاح العلمانيين لأندية للفتيات أيضاً من المجالات التي أراد بها دعاة التحرير، ونقول لهم: مهلاً وعلى رسلكم، فإن المجتمع يقظٌ منتبهٌ -ولله الحمد والمنة- صيحةٌ مرت في زمن ما تدعو إلى نوادي الفتيات، لماذا لا يوجد للفتيات أندية؟ لماذا لا يوجد للفتيات أنشطة؟ إلى آخر ذلك. ونحن عندنا أتم العلم وأتم اليقين أن كل ما يراد ممكن، كل مطلب من مطالب الفتيات في إطار الشريعة ممكن في أمرٍ سنسمعه الآن، وليس بجديد عليكم، ولكن نقول: أولئك الذين يصيحون: نريد نوادي الفتيات وما أدراك ما نوادي الفتيات، والنوادي الآن -بالمناسبة- كأني أشم أنه يوجد في المجتمع رائحة نوادي مثال ذلك: شاب ذات يوم قدم إليَّ قائمة أسعار النادي الرياضي في أحد الفنادق، وهذا النادي يمكن أن تأخذ البطاقة فيه امرأة أو رجل، ولا أذكر بالضبط اسم الفندق هل هو شيراتون، أو ما أدري بالضبط، المهم يوجد نوع من أنواع الرقص، الفندق مستعد أن يدرب المشتركة بالبطاقة على نوع من أنواع الرقص. حمام السباحة الآن مكشوف في أحد الفنادق، كنت في زيارة للشيخ/ جلال الدين حقاني لما جاء إلى الرياض، واستضيف في فندق المنهل، فقال لأحد الساكنين: إن الساكن في الفندق يطل على جنبات المسبح، والمسبح في أوقات معينة للنساء، يوجد في بعض الفنادق تكون غرف الزوار في مختلف الأجنحة والجنبات، فالزائر خاصة إذا كان في الأدوار العلوية بكل سهولة يستطيع أن يفتح ستارة النافذة، وأن يطلع، وأن يرى هؤلاء النساء يتحممن، أو يسبحن في مسبح الفندق، لماذا يكون مسبح الفندق بهذه الطريقة؟ وهناك يوم للرجال ويوم للنساء، يعني: هل المشكلة بأن يوماً للرجال ويوماً للنساء، ولكن الرجال والنساء كلهم ينظرون من النوافذ، يعني: هناك ترتيب وتبييت معين، ولذلك نحن بأمس الحاجة إلى ضبط أوضاعنا، وإلى معالجة أمورنا، ولكن بالحكمة، برفع الأمر إلى العلماء والقضاة وولاة الأمر، وإدراك هذا الأمر، فما كان من الفنادق بهذه الصفة، فلا بد أن يستر المسبح فيه عن أولئك حتى لا نسمح لأنفسنا بالنزول إلى الحضيض والهاوية ونحن في قلعة من قلاع الإسلام بمن الله وفضله. أنا أدرك -والله يا إخوان- كل الإدراك، وعندي قناعة أن ولاة الأمر لا يرضون هذا، ولكن عندي أيضاً قناعة بأن ولي الأمر ليس شمساً مشرقة تطل على كل شيء، فهو دوركم أنتم ما رأيتم من منكر في نادٍ أو فندق أو في جهة من الجهات إلا أن تكتبوا عنها، وأن تتحروا عنها، وأن تثبتوها، ويا حبذا أن تكون الكتابة واقعية ودقيقة، ومن ثم يأخذ الأمر مجراه لمحاسبة ومساءلة من وقع في هذه المسألة.

جامعة خاصة بالبنات هي الحل

جامعة خاصة بالبنات هي الحل العجيب -أيها الإخوة! - أن الذين يدعون إلى تحرير المرأة مستعدون لأن يجربوا كل شيء إلا الإسلام، مستعدون أن يجربوا جميع الحلول والألوان والأطروحات الوضعية البشرية الغربية والشرقية وهلم جراً، مستعدون لتجريبها في كل مجال وفي كل مكان إلا شيئاً اسمه الإسلام. أحد الإخوة الغيورين -جزاه الله خيراً- يقول: لا تقل: دعاة التحرير، بل قل دعاة التخريب، على أية حال لا مشاحة، وإن كان كما يقولون نسميهم بما يزعمون، ولكن نفند باطلهم بمن الله وفضله، فأولئك -أيها الأحبة- دعاة التخريب مستعدون بأن يطبقوا كل ناعق، وكل صيحة، وكل فن جديد، وكل نوع من أنواع الرقص، وكل نوع من أنواع الموضة والخلاعة والمجون ويفتحوا لها باباً ومجالاً إلى غير ذلك، لكن شيء اسمه الإسلام الصحيح الصريح الذي يسعى وينهض بالمرأة، فليس لديهم الاستعداد لذلك، ومن هنا أقول: يا من تصيحون وتنادون بدعوى تحرير المرأة! هل يوماً ما طرحتم في المجلة أو في التلفاز أو في الإذاعة أو في الجريدة، أو في المكان الذي أنتم فيه، هل طرحتم شيئاً اسمه جامعة البنات؟! هل طرح أولئك الذين يصيحون ويقلبون المساكين ممن صدقوهم في هذه الدعاوى الباطلة على جمر الفتن، قلبوا الناس على جمر الفتن جربوا كل شيء معهم، لكنهم يوم أن يذكر جامعة البنات يخنسون ويسكتون ويقولون: لا. لا يمكن، تريدون جامعة من البواب إلى العميد إلى المديرة إلى العميدة تريدونها بنات، لا. لا. لا يمكن أبداً، لنا استعداد نعمل اختلاط ونفصلهم نضع قسم ذكور وقسم إناث، لكن انظروا يعني يوم أن يأتي يوم الكلام عن جامعة البنات يقولون: لا. لا يضر أن نضع قسماً للبنات وقسماً للذكور حتى يحاولوا إيجاد الاتصال بعد الهوة التي عملوها شيئاً ما للإيقاع بالمرأة من جديد، فمن هنا -أيها الأحبة- نقول: إن الحل في كل ما يتعلق بحاجة الفتاة، وحاجة المرأة، وتخصصات المرأة التي نحتاجها ويحتاجها المجتمع الحل موجود في جامعة البنات، والمشروع موجود، والمشروع مقدم. نسأل الله أن يرى النور، ونسأل الله أن يبادر به عاجلاً غير آجل، فنحن لا يعجزنا أن نوجد إذا كان عندنا سبع جامعات للذكور، فلن نعجز أن نوجد خمس جامعات للبنات بمن الله وفضله في مختلف التخصصات التي نريدها نحن لن نقول: فلتبق المرأة جاهلة، أو لا نريد أن نعلم المرأة، لكن نقول: فلندرس حاجة المجتمع، ما هي المجالات التي يحتاج المجتمع إلى وظائف نسائية فيها؟ ثم نقدمها في قوالب مشاريع منهجية ودراسات جامعية تتبناها جامعة البنات. نريد أن نضع منتدى ثقافياً للفتيات، جامعة البنات مسئولة عن هذا المكان، البنات ما دام أن الجامعة من أولها إلى آخرها، من ألفها إلى يائها كلها بسكنها بتدريسها بمعيداتها بمحاضراتها بأستاذاتها بجميع الإداريات فيه بكل دقيق وجليل فيها من النساء، ولن نعجز في هذا، نقول: إذا كان عند الفتيات أنشطة ثقافية، وأنشطة أدبية، وأنشطة فكرية، طبعاً كلها بفضل الله ومنه فيما يخدم هذه البلاد وفكرها ومجتمعها وأمتها، نقول: يمكن أن يوجد في إطار جامعة البنات، لكن أن نفتح لنا نادياً ونقول: العضوية للسيدات مقبولة. وبعيني مركز المناهل في الحي الدبلوماسي اطلعت على دليل قبول الراغبات في الانتظام فيه، وما الذي يحدث في هذا المركز؟ هذا أمر نحتاج أن نسأل أولاً هل هو مرخص له أم لا؟ فإذا كان مرخصاً، ننتقل إلى السؤال الثاني: ما الذي يحدث في هذا النادي من الأنشطة؟ وهل كل نشاط نسائي مسموح به؟ يعني: يوم أن يكون عندنا جمعية نسائية مرخصة، أو نادٍ نسائي مرخص، هل يعني ذلك أن نعلم بنات المسلمين الرقص؟ هل يعني ذلك أن نعلم بنات المسلمين البالية على الموسيقى؟ وقد حدث، ونقل من نقل أن بعض الفتيات وحتى بعض الأمهات تخرج الواحدة عليها العباءة، وما دون العباءة الله أعلم به، والسائق ينتظرها لكي ينقلها من النادي إلى غير ذلك، مصائب تحتاج إلى بحث وتأمل. نقول: ليس عندنا ناد للمرأة! لو فتحنا نادياً للمرأة لم يأت بجديد عن الذي تمارسه الفنادق، ومثل مركز هذا النادي أو غيره من المراكز، إذاً لا بد أن نعرف ما الذي يدور في مجتمعنا، ومن حق كل غيور أن يعرف ماذا يدور في مجتمعه، فإن كان الذي يدور أمراً يكون سبباً في حلول النقمة ونزول البلاء وقرب الهلاك وزوال الأمة، فإن مسلماً لا يرضى بهذا على نفسه وأمته، وإن كان الذي يدور خيراً لا شر فيه، أو أمراً لا تعارضه الشريعة، فنقول: الحمد لله. ومن الآن أقول: لا يجزع الذين يتسترون خلف هذه المواضيع، إن كان عندكم خير فجزاكم الله خيراً، وإن كان عندكم شر فليخرج الشر من جحره حتى ننظر ماذا يفعل، الآن نحن بفضل الله جل وعلا -وقبل الآن، وليس هذا بأمر جديد- في منتهى الوضوح في هذا المجتمع، فلننتبه ماذا يدور وماذا يدار في ثنايا هذا المجتمع.

لا يتولى تعليم المرأة إلا من ولي القضاء

لا يتولى تعليم المرأة إلا من ولي القضاء نقول: أيها الإخوة! إن الحل موجودٌ في جامعة البنات، ورحم الله سماحة الشيخ/ محمد بن إبراهيم، ونور الله ضريحه، وجمعنا به في الجنة وعلماء المسلمين أجمعين الذي قال، أو كان يوصي، بل بأوامره وتعليماته ألا يتولى تعليم البنات إلا من ولي القضاء، لماذا؟ لأن تعليم البنات تولياً لأعراض المسلمين، المسئول عن تعليم البنات مسئول عن أعراض المسلمين، فلا بد أن يكون هذا المسئول رجلاً يقدر هذه الأمانة الخطرة التي في عنقه، وحتى الآن بفضل الله ونحن نشهد أنه لا يتعاقب على هذا المكان إلا من عرف عنه الخير، أو ظن به الخير، ولكن أقول: لماذا حرص الشيخ محمد على هذا الأمر رحمه الله؟ ما ذاك إلا لأن تعليم المرأة مسألة مطلوبة، ولكن التساهل في ضبطها وتوجيهها وإدارتها ومناهجها أمرٌ خطيرٌ، ولا حول ولا قوة إلا بالله! أيها الأحبة! اعلموا أننا لسنا في الميدان وحدنا، بل نحن في مجتمع فيه الغالبية العظمى من الذين هم يدينون بالولاء لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وفيهم طائفة من الأعداء الذين ظهرت عداوتهم، وفي هذا المجتمع من المنافقين الذين: {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] وأحدهم: {َيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:204] ولو تولى من أمور المسلمين شيئاً لسعى في الأرض فساداً ليهلك الحرث والنسل، فلسنا في الميدان وحدنا، بل في المجتمع من المخربين والمنافقين والعلمانيين من يتربصون بنا وببناتنا وزوجاتنا وأخواتنا الدوائر، فانتبهوا لذلك.

سبب ظهور دعوى تحرير المرأة

سبب ظهور دعوى تحرير المرأة أيها الإخوة! الدعوة إلى تخريب المرأة، أو ما يسمى بتحرير المرأة دعوة قديمة، ولكن طال صبرهم، نفذ صبرهم وهم ينتظرون متى يأتي الوقت الذي يعلنون فيه، إلى متى ودعاة تخريب المرأة لا يجدون إلا زاوية أو عموداً أو صفحة، أو مجلة، أو مقطعاً أو شيئاً من ذلك؟ يريدون الصراحة، يريدون أن يعرفوا هل الضم إلى حزبهم -حزب الشيطان- حزب العلمانيين والمنافقين خلق كثير؟ فبدءوا يطرحون أوراقهم سافرةً علنيةً، ولكنهم فوجئوا بأن المجتمع يردهم ويقول: ليس هذا مكان هذه الأطروحات، يمكن أن تطرح هذه الدعاوى في أمستردام، يمكن أن تطرح في هايد بارك، تطرح في واشنطن، أما أن تطرح في مجتمع المسلمين، في أرض تجديد العقيدة، في أرض الحرمين، ليس هذا مكانها أبداً، لكن ما الذي حصل؟ العلمانيون المنافقون لاحظوا أن المجتمع في انتشار، الشريط الإسلامي ينتشر بطريقة أرعبتهم وأزعجتهم الكتاب الإسلامي أصبح في كل بيت، وفي كل سيارة، وفي كل بقالة، الشريط الإسلامي أصبح في كل دكان وفي كل مكان، في كل ليلة عشرات المحاضرات، بل مئات المحاضرات على مستوى المملكة الندوات الخطب تفجر الوعي في نفوس الناس، قالوا: القضية قضية سباق، الوعي يسرع إلى أن يحتوي جميع أفراد المجتمع، فلنطرح أوراقنا بسرعة قبل أن يستكمل الوعي بجميع أفراد المجتمع، فكانت الحركة جنونية، ولذلك الذي يلاحظ حركة قيادة المرأة، وما يتعلق بها فيها نوع تهور، وفيها نوع سرعة يعني: حتى التوقيت ما ضبطوه على مقياسهم هم، لأنهم أدركوا أنهم في صراع مع الزمن، المجتمع يلتزم بالمئات بالآلاف، الوعي ينتشر، الناس وإن وقع بعضهم في بعض الذنوب والمعاصي، لكن لا يمكن أن يتنازلوا عن الخصائص والأركان والمبادئ والعقائد، فما الذي حصل؟ قالوا: لا بد أن نسارع في طرح العملية، ولكن حنثت يمينهم فليكفروا إن كان لهم يمين. ظن العلمانيون، ظن دعاة التخريب، أو دعاة التحرير عند أنفسهم، ظنوا أن المجتمع يمكن أن يجدي فيه نفس الأسلوب الذي أجدى في مصر، حركة تحرير المرأة التي تمت في مصر، وأنصحكم بقراءة كتاب جميل رائع جداً جداً، وهو فصل من كتاب واقعنا المعاصر لـ محمد قطب اسمه قضية تحرير المرأة كيف كان تحرير المرأة في مصر؟ قصة طويلة، لكن هناك ظرف معين، ما هو؟

سبب ظهور دعوى تحرير المرأة في مصر

سبب ظهور دعوى تحرير المرأة في مصر بدأت الدعوى إلى تحرير المرأة في وقت كانت السلطة المصرية ضعيفة، كانت الحكومة المصرية ضعيفة، والمستعمر الإنجليزي كان جاثماً على الصدور، وكان الصف الإسلامي إلى حد ما قليل، وماذا بعد هذا؟ لم يكن الوعي منتشراً في المجتمع على الوجه الكافي، أولئك العلمانيون المنافقون فاتتهم هذه النقطة، قالوا: سنطبق مثلما فعلت هدى شعراوي أمام ميدان التحرير، أمام ثكنة الجيش الإنجليزي، واحدة تمسك الحجاب وترميه، والأخرى تمزقه وتدوسه، ثم يصيحون لا للرجعية، لا للحجاب، لا. لا إلى غير ذلك، فطبقت حركة شبيهة بهذا النوع ظناً منهم أن ما سرى هناك يسري هنا، ما أشبه الليلة بالبارحة، لكن إذا كانت السلطة المصرية في ذلك الزمن ضعيفة، فنحن عندنا قناعة وبالعشرة نبصم عليها أن السلطة في مجتمعنا قوية -ولله الحمد والمنة- لماذا؟ لأن السلطة تستمد قوتها من التشريع، والبشر يستمدون الانقياد والولاء والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من التشريع، فاجتمعت إرادة الأمة مع إرادة السلطة في كتاب واحد، فكونت قوة واحدة، وإذا كان هناك علماني يشك في هذا، فليخرج على منبر ليناقض مبدأ من مبادئ الدولة، أو ليكذب أمراً من هذه الأمور، ولينظر إن علقت رقبته في ساحة العدل أو لا. نحن نراهن من الآن، إذا كان العلمانيون تجرءوا على هذه القضية في مصر في ذلك الزمن الذين حرروا أو خربوا المرأة في مصر: قاسم أمين، سعد زغلول، هدى شعراوي إلى غيرهم، إذا كانوا استغلوا وضع ضعف السلطة المصرية وانحسار الوعي الإسلامي في ذلك المجتمع، فإن المجتمع عندنا -ولله الحمد والمنة- يشهد قوة، ويشهد تمكناً، وهذا أمر ثابت لا يحتاج إلى إثبات أو دليل، لكن نقول: إذا كان هناك علماني أو منافق يشك بأن السلطة ضعيفة أو عاجزة فليبرز أنفه، أنا مستعد أراهنه إذا ما تعلقت رقبته بمشيئة الله جل وعلا في ساحة العدل أو لا. لماذا؟ لأننا عندنا قناعة يوافقنا فيها ولاة الأمر، ويوافقنا فيها العلماء أن هذه البلاد، هذه الدولة قامت على كتاب الله وسنة نبيه، فإذا وجد يوماً ما خطأ أو ظاهرة، نقول: لسنا أمة معصومة، لكن مردنا إلى الكتاب وإلى السنة من جديد.

قياس مجتمع مصر على مجتمع السعودية عند العلمانيين

قياس مجتمع مصر على مجتمع السعودية عند العلمانيين العلمانيون هنا أرادوا أن يسلكوا نفس الطريقة، وأن يضعفوا هيبة العلماء وسلطة العلماء حتى يصبح العالم سخرية في نظر الناس، وحتى يصبح طالب العلم أحد المرتزقة الذين يكفيهم قليل من الدنانير والجنيهات ونحو ذلك، لكن في هذا المجتمع لا. طالب العلم عزيز، تجده يعمل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليل نهار، ولا يريد مزيداً من الراتب أو المال، أو بل بالساعات أو إضافي أو احتياطي، الناس تخدم هذا الدين بعيونها، تخدم هذه الأمة بمقلها، تخدم هذا المتجمع بأرواحها، فإذا كان وضع المجتمع المصري في زمن اهتزت فيه صورة العلم والعلماء، فإننا الآن -ولله الحمد والمنة- نشهد التفافاً حول العلماء، ووحدة بين العلماء وولاة الأمر ما شهد لها التاريخ مثيلاً بفضل الله جل وعلا، فإذا كنا على هذا الأمر، ونعرف أن هذا من مصادر القوة والعزة والثقة والطمأنينة.

عليكم بالوقوف ضد العلمانيين

عليكم بالوقوف ضد العلمانيين أوصيكم -يا شباب الصحوة! - أوصيكم يا رجال الصحوة! أوصيكم يا معاشر المسلمين في هذا البلد أن تلتفوا حول علمائكم، الالتفاف حول العلماء هو أكبر سد منيع أمام العلمانيين، لأن الناس إذا طلبوا من العالم وولي الأمر أن يحاكم العلماني الذي خالف، لا يجد العلماني محيداً من أن يقدم رقبته ذليلة أمام المحكمة ليسمع حكم الله عليه. وأقترح بل وأطالب إذا وجد دكتور -مثلاً- وأخذ يستهتر بالقرآن، أو يقول: القرآن متناقض، أو وجد من يتهجم على السنة الصحيحة، أو وجد من يحاول أن يشكك في الأمة، ما هو المانع من أن تلغى شهادة الدكتوراه؟

القضاة ودورهم في الوقوف أمام العلمانيين

القضاة ودورهم في الوقوف أمام العلمانيين إذا كان هناك رجل أنفقت عليه الدولة سنوات طويلة، وأخيراً جاءنا بشهادة يشكك المجتمع في عقائده وخصائصه وأركانه وأصوله، فلا بارك الله في شهادةٍ جاءت بهذا الأمر، الأمر سهل، تلغى هذه الشهادة، ويعمم على هذا الرجل، إلا إذا كان والله يريد أن يلقى له وظيفة في الشيطان الرجيم، أو في أي جهة، يذهب يبحث له عن وظيفة، أما أن يستهزئ بالقرآن، أو يستهزئ بالسنة، لو وجد هذا، أو أن يبدأ ويقول كلاماً فيه استهزاء، أو يشكك في الدين أو في السنة أو في القرآن، فما هو المانع من إلغاء شهادته؟ شهادة لا تصلح بالتدريس، بل بحكم الشهادات التي اشتريت شراءً، لأن العلم ليس شهادات، العلم أمرٌ ينبني على عقيدة، وعلى فكر يثمر سلوكاً، وينتج برنامجاً، ينتج مشروعاً يساهم في حفظ الأمة والمجتمع، وتحقيق أهداف الدولة، هذا معنى الشهادة، أو أن الشهادة مجرد أنك تبدأ تتحدث في كل منبر وتتكلم كيفما يحلو لك، لا. هذا أمر مرفوض ولا يجوز، وأظن أن هذا ممكن بكل سهولة يوم أن يتجرأ أحد المنافقين أو العلمانيين على أمر من أمور الشريعة، فحينما يطالب الناس من علمائهم وولاة أمرهم أن يحال هذا الذي تعدى على الدين أو على الشريعة أو على القرآن أن يحال إلى المحكمة الشرعية، أظن من حق المحكمة الشريعة أن تحكم بما تراه، إذا كان القاضي له حق التعزير ولو بالقتل، أظنه بكل سهولة يستطيع أن يعزر بإلغاء الشهادة التي حصلت عليها، وإن عشت في متشقن، أو كلورادو، أو في فنزويلا، أو في سان فرانسيسكو عشر سنين من أجل هذه الشهادة، بكل سهولة نستطيع أن نلغي هذه الشهادة بحكم شرعي، ومن هنا أركز على القضاة وأقول: ينبغي أن نعتني بقضاتنا، وأن نلتف حول قضاتنا مع التفافنا بعلمائنا وولاة أمرنا؛ لأن القضاء مسئوليتان: مسئولية قضائية للفصل بين الناس فيما يحصل بينهم من نزاع. ومسئولية ولائية، يعني: القضاة هم نواب الإمام في ولايات عديدة مثال ذلك: الأموال التي لا وصية عليها، لا يمكن أن يتصرف الوصي بدون نظر القاضي في مشاركته، المرأة التي لا ولي لها يزوجها القاضي، أمور كثيرة القاضي يتولاها، فمصالح المجتمع القضاة من أهم من يعنون بها، وهم مسئولون عنها أمام الله، فينبغي أن نوصل ونبين ونبرز ونعلن ونخبر القضاة بما يحدث، وبما يدور في هذا المجتمع ليتولى كل واحد منهم مسئوليته. أيها الأحبة! تقول واحدة من اللائي شاركن في تلك المظاهرة: والله لو علمنا أن الأمر سيحدث إلى ما آل إليه، أو أن المجتمع سيضج هذه الضجة ما توجهنا. إي والله، يعني: ظنوها غضبة ساعة وتنتهي، لكن سبحان الله العلي العظيم! وربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سببٌ ما بعده سبب يقول أحد الذين كانوا يخالطون بعض العلمانيين ويعرفونهم بأسمائهم أو بسيماهم، ويعرفون عنهم فيما سبق من حياتهم، يقول: سبحان الله! هؤلاء تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، يجلس ثلاثة يتحدثون، فيقوم واحد، فيبقى اثنان يلعنان الذي خرج، والله يا إخوان: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] هؤلاء كيدهم كيد شيطان، وكيد الشيطان ضعيف، هؤلاء أحقر من أن ينالوا المنزلة والمكانة، ولذلك انظروا عدد البرقيات والاحتجاجات التي بلغت حتى المساجين في السجن أبرقوا برقية، ومعهد النور الذي يتكلم فيه المكفوفون الذين ما يرون النساء أبرقوا برقية، ومع ذلك من الذي أبرق تأييداً لهذا الأمر؟ ربما لا يتجاوزون ثلاثة أو أربعة، أما الذين قالوا: خمسين ألف برقية، مائة وسبعين ألف برقية، فكل هذا ليس بصحيح أبداً. نعم يوجد من أيد، لكن يدخل الحمام ويرفع صوته ويقول: نعم لقيادة المرأة، نعم نعم، ويبرد عن قلبه قليلاً في الحمام ويخرج، لا سبيل له أن يعبر عن رأيه إلا في المنبر الحر الخاص به وهو الحمام، أما غير ذلك لا يستطيع أن يؤيد، يؤيد أين؟ فعلى أية حال -أيها الأحبة- أقول لكم: إن بعض الفتيات من اللائي خرجن أو شاركن -والله- مغررٌ بهن، ومن هنا حينما نسأل الله لهن الهداية، فإننا نسأل الله الهداية اللائي الذي غرر بهن، أولئك الضعيفات المسكينات اللائي ظنن أن الأمر مسألة قيادة سيارة وانتهين، في عدد منهن غرر بهن، وبعض اللاتي يعلمن بهذا الأمر مغررٌ بهن أيضاً، لكن مجموعة شياطين، أو رءوس مدبرة أو مفكرة، هؤلاء إن علم الله فيهم شراً وفساداً على أهلهم وآبائهم وأمهاتهم وذرياتهم ومجتمعهم، فنسأل الله أن يأخذهم عاجلاً غير آجل، وكما قلت لكم: أولئك العلمانيون المندسون المتسللون أولئك أصبح الآن بعضهم يلبس ثوب الإسلام، ويتحدث باسم الإسلام، وبعضهم ظل يحاول أن يثبت أنه يصلي مع الجماعة، وبعضهم يعني: ضربهم الخوف والرعب بفضل الله جل وعلا. فيا معاشر الشباب: نحمد الله على هذه الحال التي ألفت هذا المجتمع رب ضارة نافعة: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19]. أيها الأحبة! حقاً إن أولئك الذين يسمون دعاة التحرير إنهم لا يريدون حرية المرأة، ولكن يريدون الهاوية والمصيبة والحضيض للمرأة.

نداء للشباب من أجل التعاون مع العلماء

نداء للشباب من أجل التعاون مع العلماء قبل أن أختم: أيها الإخوة! من خلال متابعاتي لبعض ما يكتب، وبعض ما ينشر من الكتابات يظهر لي أن بعضاً من العلمانيين يملك سكرتارية متكاملة في الشئون الاقتصادية، وفي الشئون السياسية، وفي الشئون الاجتماعية، فلا يعقل أن رجلاً يستطيع أن يكتب كتابات بهذا العمق وبهذا المستوى من تلقاء نفسه، لا بد أن يكون له سكرتارية تتابع الأخبار أول بأول، وتعد له المعلومات وتحضر كل شيء، وما عليه إلا أن ينزل المقال باسمه سواءً في مجلة أجنبية، أو في إذاعة خارجية، أو غير ذلك. لكن أقول: أيها الأحبة! نحن بحاجة إلى سكرتارية، علماؤنا بحاجة إلى سكرتارية، وأنتم سكرتارية العلماء، أنتم المكتب الإداري لعلمائكم ولقضاتكم ولولاة أمركم، فأنتم -يا شباب الصحوة- فيكم من عنده الوعي السياسي، والوعي الاقتصادي، والوعي الاجتماعي، ومنكم من يجيد اللغة الإنجليزية، فأرجو من كل واحدٍ منكم أن يعتبر نفسه سكرتيراً أولاً لسماحة الشيخ/ ابن باز متع الله به، ولا أظن واحداً منكم يحرم نفسه هذا الشرف أن يكون خادماً لهذا الشيخ، لا والله، بل إنه غاية الشرف أن نعين سماحة والدنا على ما يمكن أن نقدم له من حصر واستقصاء ورصد ومتابعة بدقة كافية لكي نقدم بين يدي سماحته وبين يدي علمائنا، وكذلك لولاة أمرنا، نحن أيضاً سكرتارية لولاة الأمر، لكي نقدم كل شيء فيما هو خطرٌ قد يخل بأمن المجتمع، ولا حول ولا قوة إلا بالله! المطلوب منكم -أيها الإخوة- أن تتابعوا من يظن فيهم الانحراف الفكري أو من عرفوا بذلك، نريد منكم أن تعتنوا برصد المقالات السابقة، يعني مثلاً: إذا أحد اشترى مجلة كذا، أو جريدة كذا، يشتري مجلداتها، ويتخصص في كتابات الكاتب الفلاني، ويبدأ يتفرغ لها، ويقرأها سطراً سطراً، واجمعوا زلاته من أول ما كتب إلى يومنا هذا، حتى إذا تكلم الأغيار، وقالوا: إن الدكتور الفلاني، أو الاستاذ الفلاني، أو السمكري الفلاني، أو البنشري الفلاني، ما هناك مشكلة، أن فلان بن فلان عنده من الأفكار كذا وكذا، نقول لعلمائنا: وهذه البينة، في مجلة كذا، يوم كذا وكذا نشر هذا المقال، وهذا المقال موجود، الجرائد لا تنسى شيئاً، والمحلات لا تضيع شيئاً. على أية حال هي سجل يحفظ، وما كانوا يوماً ما يظنون أن كتاباتهم ستشهد عليهم وستدينهم، لذلك أقول: يا شباب! من عرف بعدواته للصحوة، وعداوته للأمة، وحقده على المجتمع، فمن واجبكم البحث، هذا الرجل أين يكتب؟ في أي مجلة؟ والله عرفنا أنه يكتب في مجلة كذا وكذا، فليتقاسم الشباب هذه المجلة، وليطلبوها من المجلدات القديمة، من بداية كتابته في تلك المجلة، أو الجريدة إلى يومنا هذا، وليجمعوا مقالاته مقالاً مقالاً، وليرصدوها وليحللوها، وليقدموا بها تقريراً لأمير المنطقة، لولي الأمر، ولسماحة الوالد الشيخ وللعلماء والقضاة، حينئذٍ -يا إخوان- والله لا يجرأ علماني أن يمسك القلم إلا سقط القلم عشر مرات، يعني: يستأجر عاملاً يمسك القلم في يده من أجل أن يكتب، إذا علم أن وراءه من يرصد الحرف والكتابة. أكبر دليل على أنهم كانوا يعتقدون أن المجتمع مجتمع غبي وجاهل وساذج كتاباتهم في الحداثة، كتابات الحداثيين التي بلغت حد الشرك والإلحاد، ما كانوا يظنون أن أحداً يوماً ما سيخرجها بأكملها ويعرضها بين يديهم حتى قالوا: يا ويلنا من جمع هذا عنا كله؟ لكن فليعلم العلمانيون أن المجتمع فيه من يرصد هذه الحركة، والعودة إلى سجلات التاريخ من الوثائق والمقالات والبرامج وغيرها التي تخرج أفكارهم جميعاً، هذا واجبكم يا سكرتارية الأمة، يا سكرتارية ولاة الأمر والعلماء، وهذا أمر مطلوب منكم.

دور الصالحات في تبيين الهدف من دعوة التحرير

دور الصالحات في تبيين الهدف من دعوة التحرير كذلك أقول: وما دامت القضية قضية الأخت المسلمة، وقضية المرأة المسلمة، أقول: لا بد للأخوات المسلمات من مشاركات نشطة وفعالة وجيدة، لا بد أن تتخصص الأخوات الداعيات وبناتنا وزوجاتنا وأمهاتنا وأخواتنا ممن يقدرن على رصد هذا الفكر، والقراءة فيه، والخروج بنتيجة حول هذا الموضوع، لا بد أن تعد الواحدة منهن تقريراً جيداً، ومادة جيدة لتكون محاضرة أو موضوعاً، فتزور هذه الثانوية، وتلقي على البنات ماذا يراد بالمرأة، وتزور الجامعة الفلانية وتلقي، هذه مسئولية الأخوات الداعيات. لا بد لكل واحدة أن تجتهد، وأن تجمع كتيبات وأشرطة ومقالات فيما يتعلق ببيان فضيحة العلمانيين والمنافقين في دعوى تحرير أو (تخريب) المرأة، وكيف خربت المرأة في مصر، وكيف يراد تخريبها عن طريق الأندية الرياضية مثلاً، أو عن طريق الجمعيات، أو عن طريق مجالات معينة، أو الدخول في أمور لا تليق ولا تناسبها، هذا واجب الأخت المسلمة أن تعتني به، وأن تعرف دورها، وأن تقوم به على أتم وجه وأحسن حال.

سبب التحدث عن العلمانيين

سبب التحدث عن العلمانيين ختاماً: لماذا الكلام عن العلمانيين؟ لماذا الكلام عن المنافقين؟ لماذا نصيح ونقول: تباً يا دعاة التحرير؟ تباً يا دعاة التخريب، مهلاً يا دعاة التخريب، لماذا نقول ذلك؟ نقول: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25] كل هذا الأمر من أجل ألا تصيب الأمة فتنة من الفتن، أو غاشية من عذاب الله، أو أن يسلط الله جنداً من جنده: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31]. تقول عائشة: (يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. -تهلكون وفيكم من يقوم الليل، ومن يصوم الإثنين والخميس، ومن يتصدق-نعم. إذا كثر الخبث) إذا كثر الخبث تهلكون ويهلك الصالح والطالح، وإذا غرقت سفينة المجتمع، يغرق فيها الأخيار والأشرار والأبرار والفجار: (إذا كثر الخبث) متى يكثر الخبث؟ إذا خرجت المرأة عن طورها، وعن دورها، وعن طبيعتها، وعن مهمتها، وعن مسئوليتها، فسحقاً وتباً وبعداً يا دعاة التخريب لستم دعاة التحرير. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا واسمك الأعظم؛ أن تفضحهم على رءوس الخلائق، اللهم افضحهم على رءوس الخلائق، اللهم افضحهم على رءوس الخلائق، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، اللهم ما علمت فيهم فجراً وحقداً على ولاة أمرنا وعلمائنا وأمتنا ومجتمعنا، اللهم اجعل سلاحهم في صدورهم، واجعل كيدهم في نحورهم، وأدر دائرة السوء على رءوسهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم سلط عليهم جندك يا من لا يعلم جنده إلا هو. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

قياس تعليم المرأة على قضية قيادتها للسيارة

قياس تعليم المرأة على قضية قيادتها للسيارة Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. استبشرنا أخيراً عندما علمنا أن الفاسقات اللاتي خرجن قد فصلن من أعمالهن، إلا أننا وهذا اليوم يوم الأربعاء الموافق 18/ 5 قد فوجئنا بنزول جداول مواد للفصل الدراسي الثاني في جامعة الملك سعود واسم المذكورات موجود أمام مواد سيقمن بتدريسهن لفتياتنا أحببنا إحاطة فضيلتكم للعمل بما تستطيعون به، والله يحفظكم ويرعاكم. Q في جريدة ما كتب مقال عن قيادة المرأة للسيارة، وأنها سوف تقود السيارة في المستقبل، لأنه سبق أن عرض كل من التليفزيون ودراسة المرأة، وفي الأخير درست المرأة، واشتغلت في التليفزيون وما إلى ذلك، فما هو ردنا على هؤلاء، نرجو توضيح الأمر وفقكم الله؟ A الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد: أما مسألة أنه نزل أسماء بعض اللائي قمن بإدارة أو تدبير أو المشاركة في هذه المظاهرة، فأعدكم بمن الله أن أبلغ أمير الرياض حفظه الله بهذا، وأن نبلغ سماحة الشيخ بهذا الأمر لمتابعته، ولنا فيهم بعد الله وطيد الثقة والأمل. وأما ما يتعلق بأن كاتباً ما كتب في جريدة ما بشرق أوسطٍ ما، لأنه المسألة معروفة يعني، كتب وقال: إن قضية قيادة المرأة قضية يحسمها الزمن، مثلها مثل قضية تعليم المرأة، ومثل مسألة البرقية وهلم جراً، الحاصل أيها الإخوة قبل أن نأتي إلى بيت القصيد قضية تعليم المرأة من الذي عارضه في المجتمع؟ عدد محدود وبسيط جداً جداً في مناطق أيضاً محدودة وبسيطة جداً، ولا شك أيضاً أن نوع المعارضة لم يكن على فكرة تنوير المرأة، ورفع الجهل عنها، وإلا كان ربما لعدم وضوح المنهج في تعليم المرأة، فهل تقاس قضية عارض فيها اثنان في المائة بقضية عارض فيها ثمانية وتسعون بالمائة؟ هل يقاس تعليم المرأة بقيادة المرأة؟ هل يقاس رفع الجهل عن المرأة بجر المرأة إلى الهاوية والإباحية والمصيبة؟ لا والله، إذاً فالذين يقولون: القضية قضية زمن، أولئك يبدو أنهم أجهل من أن يقدروا النسب المئوية في الحوادث أو الأحداث، هذه مسألة. المسألة الثانية: أن سمو وزير الداخلية الأمير/ نايف بن عبد العزيز حفظه الله، قولوا آمين، نسأل الله أن يحفظه وإخوانه وأعوانه، وأن يصلح بطانتهم، وأن يجمع شملهم على كتاب الله وسنة نبيه، صرح تصريحاً رائعاً جميلاً في نادي مكة الأدبي، بأن هذا الحدث مرفوض شرعاً وعقلاً ونظاماً، وبيَّن موقف الدولة -منَّ الله عليها ووفقها- في هذه القضية، (قطعت جهيزة قول كل خطيب) هذا التصريح من مصدر مسئول يقطع الحديث في هذا الموضوع نهائياً، ولكن نفاجأ أن صاحب المقال يقول: إن القضية لم تنته بعد، وإنها قابلة للحوار في المظلة القادمة، فمن هو الذي يتحدث باسم الدولة؟ هل هو سمو الأمير أم هذا الرجل؟ لا شك أنه سمو الأمير حفظه الله. إذاً نعرف من هنا أن هذا تطاول، ولكن لنا في المسئولين الثقة بعد الله جل وعلا في أن يعالج هذا الأمر، أو يتناول هذا الأمر بالأسلوب الرادع المناسب.

قضية التطوع للبنات في التمريض

قضية التطوع للبنات في التمريض Q يقول: فضيلة الشيخ: ما موقفنا تجاه التطوع للبنات في التمريض؟ A والله يا إخوان لا أحد يعارض أن المرأة تتعلم شيئاً ينفعها وينفع أولادها وبيتها وبناتها إلى غير ذلك، ولكن -يا إخواني- الأمر عجيب جداً جداً جداً! سنوات طويلة والناس تنتظر تجنيد الرجال وتدريب الرجال، وخرج الأمر بعد دراسة طويلة متأنية، وفجأة يدرس وينفذ مسألة التمريض في لحظات ودقائق، فنريد أن نسأل: ما الفارق بين هذا وهذا؟ هذه مسألة. المسألة الثانية: إذا كان التمريض المطلوب لكي تتعلم المرأة ما يناسب عنايتها ببناتها وأولادها، وزوجها وأهلها، فإن لهذه الدورات مكانها المناسب، لا تقام في مكان يختلط فيه الغادي والرائح والذاهب والآيب، لا يجوز -يا إخوان- بدعوى أن نعلم المرأة كيف تسعف ولدها وبنتها، أن نجعلها تختلط بالرجال في الطوابير وتدخل على المرضى الرجال، فموقفنا من هذه الرفض، ولا نقبلها، ولا يقبلها كل غيور على بنته وزوجته وأهله إلا حينما تقوم مثلاً في ظل جامعة البنات، أو في ظل مستشفى نسائي كامل (100%)، وتكون هناك دورات لتعرف المرأة الإسعاف الأولي لأطفالها وأولادها، والذي يتولى الأمر من بدايته إلى نهايته نساء، ولا ترى الرجال، ولا يراها الرجال، ففي هذا خير عظيم، وما سوى ذلك فالباب مفتوح للعلاقات المشبوهة من خلال هذه القضية.

وجود ناد فيه اختلاط في المملكة

وجود نادٍ فيه اختلاط في المملكة Q يقول السائل: نعم يوجد نادٍ فيه اختلاط ويوجد فيه أنواع من الرياضة ومنها السباحة والتنس وما إلى ذلك في الحي الدبلوماسي، ماذا يجب علينا وفقكم الله؟ A في الحقيقة أنا بلغني هذا، وما قلت الكلام لكم عن الحي الدبلوماسي جزافاً، ولكن أقول: أريد مزيداً من المعلومات، وأريد مزيداً من الوثائق والبيانات، حتى حينما نضع أمراً بين يدي المسئولين وولاة الأمر والعلماء حفظهم الله، يكون الأمر موثقاً محققاً متأكداً منه، لأنه بسهولة تسمع الكلام في أي مجلس، والذي بلغني أيضاً ليس فقط بلاغ شخصي مجرد، بل أيضاً وصلني الجدول، أو دليل الاشتراك في هذا النادي، لكن أيضاً أريد مزيداً من الشواهد والأدلة، وهذا واجبكم أن تساعدونا لنحفظ مجتمعنا متعاونين جميعاً في إطار واحد.

قيادة المرأة للجمل ليست كقيادتها للسيارة

قيادة المرأة للجمل ليست كقيادتها للسيارة Q لقد أذاعت إذاعة غربية في صحيفة غربية على لسان كاتب يقول الكاتب: أليست المرأة كانت تقود الجمل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فما المانع في قيادة السيارة لها هذه الأيام، لأن السيارة حلت محل الجمل، نرجو توضيح هذه الشبهة وفقكم الله؟ A الفرق أن الجمل ما له دركسون والسيارة لها دركسون، يا إخوان أريد أن نفهم وأن نعلم أن القضية ليست ركوب امرأة على مقود قيادة، نريد أن نفقه وأن نعرف أن العلمانيين المنافقين ضعفاء العقول المغرر بهم يظنون أن النزال والنزاع في هذه القضية هو قضية هل يجوز للمرأة أن تدق إشارة وتلف يمين و (تفرمل) و (تعشق) أو لا؟ ليس هذا محل النقاش في القضية، القضية أبعد من هذا كله، يوم أن تركب المرأة السيارة وتقودها خذوا على هذا طرفة: إذا امرأة تخاصمت مع زوجها، والله ما يلحقها في الخط الدائري، لا نزال في بداية المصارعة، في بداية النقاش لحظات والملابس عند الباب: هيا اذهب بي إلى عند أهلي، فما بالك إذا قادت السيارة، أقول هذا على سبيل الدعابة، لكن إذا قادت المرأة وقطعت الإشارة فيصدر تعميم يسمح لكل امرأة أن تقطع الإشارة ولا تحاسب، وإلا فضروري أن يوقفها الشرطي ليسألها: الرخصة الله يصلحك، الاستمارة الله يمتع بك، ما هذا الكلام؟ والمرأة تتأخر عن البيت إلى العصر، أين كنت؟ أين الغداء؟ تقول: والله بنشر الكفر، ما الذي صار؟ والله خبطت، حدوها الشباب وطلعوها على الخط. يا إخوان! الله جل وعلا الذي شرع بحكمة يعلمها، ولطف قدَّره، وعلم يراه جل وعلا {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53] كل هذه الآيات هل توافق قيادة المرأة، وإلا تخالفها؟ لا شك أنها تخالفها، إذاً فهل ننقاد لجر المرأة إلى الهاوية بدعوى أن المرأة كانت تركب البعير، لها أن تركب السيارة، ونحن الذين نذهب بها، ونحن الذين نقضي حاجتها، ونحن الذين نذهب ونجيء لأجل مصلحتها، نجعلها تتسوق بصحبتنا فيما تحتاج إليه، ولا بد من تناوله بيدها وما يتعلق بذلك، لكن إذا قادت السيارة وخرجت لوحدها حتى ينفرد بها من ينفرد في أطراف المدينة، أو يخالطها من يخالطها في أي مكان، من أين يحصل للمرأة العفة والحياء وغض البصر؟ وإلا سوف تسوق السيارة وهي مطأطئة رأسها في غض البصر، لا يمكن أن تعقل هذه المسائل كلها، فالذين يقولون: قياس قيادة المرأة على ركوب الجمل، الجمل قضية ركوب وليست قيادة، الجمل وسيلة لنقل المرأة، فنحن ما منعنا المرأة تركب في السيارة مع محرمها، أو حينما لا تكون الخلوة في قضاء حاجتها، ما هناك مانع أن المرأة تركب، لكن أن تقود هي في مجتمع الأعين فيه شاردة، والنظرات جائعة، والمرأة ضعيفة، والأخطار كامنة، ونقول: المرأة قادت الجمل، فلماذا لا تقود السيارة؟! أظن أن هذا قياس غبي مع الفارق.

الجمعيات النسائية قد تكون أوكارا للفساد

الجمعيات النسائية قد تكون أوكاراً للفساد Q نعلم علم اليقين أن الجمعيات النسائية لها دور كبير فيما حصل، ففي الرياض جمعيتان هما: جمعية الوفاء، وجمعية النهضة، فنرجو أن توضحوا ذلك الدور، كذلك ما رأي فضيلتكم في دخول الفتيات المستقيمات فيها ومعرفة ما يدور فيها، نرجو توضيح الأمر وفقكم الله؟ A أيها الإخوة! الجمعيات النسائية إما أن تكون خيراً، وإما أن تكون شراً، وللأسف إن كان زمام المبادرة في بعضها قد أخذه من لا ينتظر منه الخير، أو من لم يظهر منه الخير حتى الآن، اللهم إلا بعض الأمور التي لا تشجع على الثناء أو الثقة، لكن أنا بالنسبة لي محدود الاطلاع فيما يتعلق بالجمعيات النسائية، وإن كان حد علمي ينتهي إلى أنها أوكار وأماكن لتوجيه بعض النساء في أمور لا توافق ولا تناسب طبيعة هذا المجتمع المسلم بما يخدم اتباعه لكتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أو على الأقل فيما لا يعين على التمسك، لكن أرجو ممن عنده معلومات وافية وجيدة عن جمعية النهضة وجمعية الوفاء، جمعية كذا، أرجو أن يعتني بجمع ما يسر الله له، وأن يزودني بهذا فأدعو له، وجزاه الله خير الجزاء.

وقفة مع مسرح الطائف، ومع رجل يدرس الطالبات مشافهة دون حاجز

وقفة مع مسرح الطائف، ومع رجل يدرس الطالبات مشافهة دون حاجز Q هل لك من كلمة حول ما يحصل في مسرح الطائف للتمثيل خاصة وفيه اختلاط، أو ما يشتكين منه طالبات جامعة الملك فيصل بـ الدمام، وهو تدريس الرجل للطالبة مشافهة دون حاجز؟ A يا إخوان! هذه وقاحة وكسر للحياء، كان الأولى بهذا المدرس أن يكون مأموناً على أعراض بناتنا وأخواتنا، فلا يرضى بهذا، وبإمكانه أن يحقق ما يريد بوسيلة أخرى، وما وقفت مصيبة المجتمع على هذا الفصل أو على هذه المادة حتى نكون أو لا نكون بسبب هذه المادة، ولكن هذا مما يدل على أن هناك إصراراً وتحدياً، ولا يزال أملنا في جامعة البنات حلاً لهذه المشكلة. لقد سئلت عن هذا الكلام في الأحساء من طالبات جامعة الملك فيصل، وقالوا: إن هناك أحياناً يحصل مدرس، وربما هذا المدرس يتكلم بأمر لا يليق، فقلت: ينبغي للطالبات أن يخرجن من الفصل جميعاً، وأن يذهبن إلى العميدة أو إلى المسئولة، فإن لم يجدوا امرأة مسئولة أو قاضياً أو عالماً من العلماء يرفع إليه الأمر، فليرفعوا مسئوليتهم، أو شكايتهم إلى أمير المنطقة أو إلى وزير الداخلية، أو إلى خادم الحرمين حفظه الله، أما المرأة تجلس والدكتور يكلمها ويشافهها هذا أيضاً أمر غير مقبول، من واجبها أن تترك القاعة لكي يشرح للماسات والكراسي والجدران، وحينئذٍ يشعر المدرس أنه منبوذ، فإن لم يكن في قلبه غيرة لكي يحترم هؤلاء البنات، فإن البنات في أنفسهن غيرة على أعراضهن وأنفسهن، فيخرجن ويتركن له القاعة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

سحب بعض الصلاحيات على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

سحب بعض الصلاحيات على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q يقول السائل: -طبعاً ممكن ألا نوافقه على هذا- أحداث الخليج استفاد العلمانيون منها بمشروعهم السخيف وهو تخريب المرأة، وأنتم أيها الدعاة -على حد قوله- لم تستغلوا الوضع وتطالبوا بإزالة أكثر المنكرات الشائعة، بل سحب البساط من تحت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم هذا؟ A أيها الأحبة! هذا مما نرجو الله جل وعلا أن يسدد خطى العلماء وولاة الأمر فيه، لأنه بدأت فيه خطى طيبة بعد اجتماعات مباركة بمن الله وفضله وتوفيقه، ونحن على أمل قريب أن نسمع باب التطوع في الهيئات قد فتح على مصاريعه، ومن أراد أن يتطوع في الهيئة كما أن التطوع حاصل في التمريض، وكما أن التطوع حاصل في الدفاع المدني، وكما أن التطوع حاصل في الجيش، فيفتح التطوع في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قريباً نحن على أمل أن نخرج هذا المشروع، ولنا ثقة بالله أن يتحقق هذا الأمر قريباً. وأما مسألة سحب الصلاحيات، ففي الحقيقة والله يا إخوان كانت الهيئة قد وفرت على رجال الأمن وضباط الأمن جهداً كبيراً في وقتهم وفي فكرهم وانشغالهم، يعني: كانت قضية الاختلاء المحرم، وقضية التحقيق في بعض المسائل، وأمور كانت الهيئة تقوم بها، فتجد رجل الأمن أو الضابط مفرغاً لقضايا القتل لقضايا الاختطاف لقضايا الاغتيال لقضايا السرقة تحتاج إلى متابعة وطول نفس، فإذا أشغلنا رجال الأمن بصغار القضايا مع كبارها، ماذا يبقى عندهم؟ ولذلك فإن الحاجة ماسة إلى عودة التحقيق والصلاحيات للهيئات، وهذا ما ننتظره ونطالب به عاجلاً غير آجل.

ليس الحكم الشرعي إلغاء شهادة المستهزئ بالدين بل القتل

ليس الحكم الشرعي إلغاء شهادة المستهزئ بالدين بل القتل Q ذكرت في حديثك أن الدكتور إذا نادى أو شكك في القرآن، فتسحب شهادة الدكتوراه منه، وقد يفهم أن هذا الحكم الشرعي؟ A لا شك أن من شكك في حرف من كلام الله، أو فيما هو ثابت من سنة رسول الله، فهذه ردة، وحكم المرتد أن يقتل، لكن أقول: إلى جانب هذا، ليعرف كل من يجرؤ على الكلام، أو التلميح من قريب أو بعيد في مسائل تتعلق بالشريعة حسمت شرعاً أن الشهادة تسحب منه يوماً من الأيام، ما عاد هناك رخصة عمل، مثل: العامل الذي يبحث له عن عمل. يقول له: أخرج الرخصة، هل معك رخصة؟ أو هذا الجدار يبنيه غيرك، لا تبنيه أنت، وأما الحد الشرعي، فأنا أوافقك ولم أقصد أن الحد الشرعي مجرد فصله من وظيفته، بل الحد الشرعي في من استهزأ أو شكك في الثابت من القرآن، والثابت من السنة، فلا شك أن هذا حده القتل، لأن هذا الفعل خروج ومروق من الملة وردة تستحق القتل، وكما قلت: إن ظن العلمانيون أن الدولة ضعيفة، فأنا على ثقة أن من حرك أنفه فإن الدولة لن تسمح بتسلط الفوضى في هذا المجتمع، لا سيما ونحن بمن الله جل وعلا يد واحدة من ولاة الأمر والقضاة والعلماء وشباب الصحوة ورجال المجتمع، لأننا نشم أن سيتسلل في صفوف المتحمسين أو في صفوف الطيبين من يظن به الحماس، والحماس لا بد أن يكون معروفاً ومنضبطاً، ولذلك يسرني هذا العنوان الذي سمعته لفضيلة الشيخ/ عبد الوهاب الطريري (الحماس الذي نريده) أقول: يا شباب! فلنركز جيداً على أننا أمة واحدة ومجتمع واحد، ولا نسمح بالتصرفات الفوضوية كما نوهت عن قضية المنشورات كتصرف فردي، وليس الذي كتب المنشور من الطيبين والملتزمين ابتداءً، نعم. قد يوجد من يظن أنه قد يخدم الإسلام عندما يصور عشر أوراق أو عشرين ورقة، وقلنا: لا. وليس بدليل شرعي، وليس الاستحسان بدليل على مثل هذا الأمر. رام نفعاً فضر من غير قصدٍ ومن البر ما يكون عقوقاً لكن أقول: مع جرأتنا في الحق قوة في الصلة بالولاة والعلماء والقضاة لكيلا نسمح لأحد أن يتنفذ في صفوفنا بأي حال من الأحوال، وأحذركم -يا شباب وانقلوها عني في كل مجلس- أحذركم ممن قد يتزيا بزي يظن أنه رسمي، أو ينتحل شخصية رسمية، ليدعي أنه رجل مفوض، انتبهوا جيداً، إذا طلبت، أو إذا أردت أن تقدم شيئاً، فمبنى الإفتاء ومبنى الإمارة والجهات الرسمية واضحة شامخة، فلا يجرك أحد يقودك إلى أمر لا تعلمه أنت، إذا أردت شيئاً، فاذهب إلى هذه البوابات المفتوحة ليكن عملك صريحاً واضحاً. يقول ابن مسعود: [إذا رأيت الناس يتسارون في أمر دينهم، فاعلم أنهم على دسيسة] لماذا؟ لأن أمور الدين أمور مبنية على الصدق والجهر بالحق والنطق والصراحة، أخشى من إنسان نظن أن مقاسنا فيه مقياس شكلي أو ظاهري، وقد نرى فيه نوعاً من التهور، أو نوعاً من الغلظة، فنظن أن هذا أخلصنا وأعلمنا، وأحقنا وأغيرنا على مجتمعنا، لا. لن نسيء الظن بالضرورة، لكن لن ننقاد بما يريد، قبل أن ننفذ شيئاً يراد منا لا بد أن نراجع سماحة الشيخ، نراجع علماءنا، نراجع قضاتنا، نراجع ولاة أمرنا، فنعرف هل نحن في خطىً واضحة بينة، أو لا؟ وأظن الإخوان فهموا ما أقصد جيداً.

نبذة عن نشأة العلمانية

نبذة عن نشأة العلمانية Q حبذا لو أعطيتنا فكرة عن العلمانية من حيث المذهب والمكان؟ A أصل العلمانية والمنشأ، فلا شك أنها نتجت وليدةً، أو بصفتها ثورة على تسلط الكنيسة على المجتمع، حيث إن المجتمع عانى ألواناً من القهر والطغيان الكنسي، صكوك الغفران، التركات للكنيسة فيها نصيب، لا يغفر لأحدٍ ذنبه إلا بإذن الراهب، والراهب لا بد له من أجرة، لا يعقد نكاح إلا وللراهب فيه أجرة، لا يحصل شيء تباركه الكنيسة إلا والكنيسة لها فيه أجرة، وأصبحت المسألة طغيانٌ كنسيٌ، ومنعت الكنيسة الناس من أن يتنوروا بالعلوم التطبيقية والتجريبية، فثار الناس ضدها، وقالوا: لنجعل الكنيسة في جانب معين، ولنجعل أمور الحياة وأمور العلم لكافة مجالات الحياة. من هنا نشأت العلمانية أي: فصل العلم عن الدين، وفصل الدين عن الحياة، وجعل الدين في طقوس معينة، هذه صفة منشئها، ومن عرف صفة المنشأ، أو كيفية النشوء، أدرك جيداً أن العلمانية تعني ألا يتدخل الدين في أمر الحياة أبداً، حينما نتكلم عن الاقتصاد في الإسلام، يقول لك: ما الاقتصاد في الإسلام؟ أعطني آدم سميث، أعطني بيجو، أعطني فريدريك، أعطني علماء الاقتصاد المعروفين، ولا تدخل الدين في الاقتصاد، لماذا تدخل الدين في الاقتصاد؟ أو تأتي تدخل الدين في السياسة، لماذا تدخل الدين في السياسة؟ الدين تريد أن تصلي أهلاً وسهلاً فالمساجد منورة ومفروشة ومكيفة، والأئمة موجودون وهلم جراً، لكن تريد أن تدخل الدين في الحياة. ونحن ليس عندنا هذا الفصام النكد بين الدين والحياة؛ لأن الدين هو الحياة، والحياة هي الدين، حياة بدون دين لا تسمى حياة، بل هي حياة البهائم.

هل العلماء مقصرون في الوقوف أمام دعاة التحرير؟

هل العلماء مقصرون في الوقوف أمام دعاة التحرير؟ Q يقول السائل: لماذا لا يخرج العلماء في وسائل الإعلام للتنديد بقضية حرية المرأة؟ A أولاً: نرجو ونطالب أحبابنا وإخواننا وشبابنا وقضاتنا وعلماءنا أن يحرصوا على المشاركة، لأن كلمة حق أقولها أن المشاركة ضعيفة في هذا المجال. الأمر الثاني: عندي شك أنه لو جاء رجل يريد أن يحلل الأحداث تحليلاً من واقع شهادته التي أخذها من جامعة هارفد، أو من جامعة إكسفورد، أو من جامعة اسطنبول ربما يبرز على الشاشة، لكن أن يبرز شيخ من المشايخ يحلل الأحداث عندي في هذا شك، لكن أنا مستعد أن أدير حلقة أو حلقتين أو عشر حلقات في التلفاز مع عدد من المشايخ وطلبة العلم.

الاستبداد في الصحافة

الاستبداد في الصحافة Q الهجمة الإعلامية البشعة ممثلة بشكل مركز في الصحافة في مقالات وكتابات من دعاة التخريب، بينما الاختفاء شبه التام للصوت الإسلامي المقابل، فإلى متى هذا الاستبداد في الصحافة؟ A والله هذا أسلوب جميل جداً استبداد فكري، والله صدقت، دكتاتورية في الصحافة، نعم. لماذا ينشر لدعاة الضلالة، ولا ينشر للصوت الإسلامي الأصيل؟ يعني: ما هو الضابط في أن مقالك ينشر ومقالي لا ينشر؟ أريد أن أعرف هل لأنك تستدل من مدينة أفلاطون، أو قرية أرسطو، وأنا أستدل من القرآن والسنة؟ لا أدري، لماذا الاستبداد؟ أنا أسأل بعض الشباب، أقول له: هل أرسلت؟ يقول: كتبت وكتبت وكتبت ولم ينشر، لكن أقول لشباب أيضاً: اكتبوا واكتبوا، وكل كتابة صور منها واجعل منها في ملف، وأرسلها وبالبريد المسجل، وخذ عليها واسطة، واستمر على هذا حتى يأتي اليوم الذي تجمع لك عدة رسائل وتدخل بها على مسئول، وتقول: انظر صورة من صور الاستبداد، عدة رسائل ما نزل منها مقال، والكلام التافه والساقط والبذيء قد يكون في كل حال يكتب، أحياناً تقرأ في الصحافة كلاماً، يعني: لو وضعوا مكانه مقالاً من هذه المقالات الطيبة، أو من هذه الأفكار الإسلامية الطيبة النيرة لكان خيراً، لكن لأن يكتب كلامٌ تافه فهو في نظر بعضهم أهون من أن ينزل مقال لأحد طلبة العلم، أو العلماء، يوجد استبداد فكري في الصحافة ما عندي في هذا شك، لكن أقول: واجبنا أن نكتب، ثم نكتب، ثم نكتب، ونأخذ مؤكدات الكتابة بالبريد المسجل حتى نعرف لمن هذه المؤسسة، هل هي لأفراد المجتمع المؤسسة الصحفية، أم هي لفئة معينة يحضر ويمنع منعاً باتاً على غيرهم أن يدخلوها وأن يكتبوا فيها؟.

لماذا لا يوقف العلمانيون عند حدهم؟

لماذا لا يوقف العلمانيون عند حدهم؟ Q يقول السائل: الصحفيون والكتاب الذين يدعون إلى تخريب المرأة، لماذا لا يوقفون عند حدهم عن طريق العلماء، نرجو توضيح ذلك؟ A وعلى أية حال هذا مما ذكرته آنفاً، وقلت: إنه حينما يكون هناك رصد قوي، وجمع لكل ما كتبه أولئك الذين يعبثون ويهزءون، أو لا يبالون بما يكتبون، ويهرفون بما لا يعرفون، يوم أن ترصد مقالاتهم وتقدم إلى المدعي العام بدعوى الإخلال بالأمن، وبدعوى مخالفة أمر الله وأمر رسوله، يحال هذا الشخص مع المدعي العام إلى المحكمة، ويحكم فيه القاضي بالحكم الشرعي الذي يراه، هذا أمرٌ مطلوب، وينبغي ألا يتساهل به حينما نعلم: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] (ما) عامة في كل شيء، أي أمر حصل فيه خلاف، نحن نعرف أن المسئولين -وفقهم الله- حينما يتنازع اثنان، يقول: هيا أحيلوهما للشرع، بفضل الله نحن مطمئنون لهذا الأمر، فإذا تنازع الأغيار مع صحفي من الصحفيين، حولوهم الشرع، الشرع على العين والرأس، نحن نرضى بالشرع، ومن أحيل على مليء فليحتل.

نظرات في حديث (سبعة يظلهم الله)

نظرات في حديث (سبعة يظلهم الله) منزلة عظيمة أن يُظل الله عبداً من عباده في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم سبعة أصناف تكون لهم هذه المنزلة. فيا ترى: ما هي الأعمال التي أهلت هؤلاء السبعة للوصول إلى هذه الرفعة؟! بيان ذلك تحويه هذه المادة، مع متفرقات أخرى لن يعدم قارؤها الفائدة.

مقدمة في حديث (سبعة يظلهم الله)

مقدمة في حديث (سبعة يظلهم الله) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم رب جبرائيل وميكائيل، رب كل شيء ومليكه، فاطر السماوات والأرض اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله جل وعلا أن يجزل لكم المثوبة وحسن الجزاء على حضوركم، وأستميح أخي المقدم جزاه الله خير الجزاء على قوله: إن لنا فضلاً عليكم، لا والله، بل الفضل لكم بعد الله جل وعلا، إن الفضل ليس للقائد على جنوده، بل الفضل للجنود الذين جعلوا منه قائداً، وإن الفضل ليس للمدرس وحده أو للعالم وحده على تلاميذه، بل لهم فضلٌ أن اجتمعوا حوله واجتمعوا له حتى جعلوا منه إماماً ومعلماً. ونحن وإياكم في هذه المحاضرات لعل الله جل وعلا أن يجزل لنا ولكم المثوبة كما أسلفت، لولا حضوركم لما جئنا، ولولا إنصاتكم لما تكلمنا، فنسأل الله جل وعلا أن يجعل الكلام منا والسماع منكم، والمجيء منا والقدوم منكم خالصاً لوجهه الكريم، كما نسأل ألا يجعله هباءً منثوراً، نسأل الله ألا يجعل أعمالنا وإياكم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، نسأل الله جل وعلا ألا يجعل أعمالنا وإياكم كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف. وأشكر لأخي فضيلة الشيخ/ عبد الله الصميعي إتاحة هذه الفرصة مع مندوب مركز الدعوة والإفتاء والإرشاد في هذه المنطقة لتنظيم هذه المحاضرة، فنحن وإياكم بأمس الحاجة إلى أن نجلس في بيوت الله، والله لو لم يكن من المحاضرات إلا أن تكتب ملائكة الحسنات لنا أنا مكثنا برهة من الزمن في بيوت الله جل وعلا، وغشيتنا الرحمة وحفتنا الملائكة ونزلت علينا السكينة، لكان في هذا خير عظيم، وإن كان هناك مزيد من فائدة أو علم أو حكمة، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. أيها الأحبة في الله: أما موضوعنا فهو كما تفضل أخونا الشيخ هو نظرات في حديث عظيم جامع اتفق الشيخان على صحته "نظرات في حديث سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" هذا الحديث رواه البخاري في مواضع عدة، ورواه الإمام مسلم، ورواه بعض أهل السنن، ورواه الإمام أحمد، ورواه مالك في الموطأ، وشهرة هذا الحديث أعظم من أن يعرف أو أن يعنون، وحسبكم أن عليه تاج الوقار، وقد جاوز القنطرة، ورواه الشيخان رحمهما الله رحمة واسعة. في البخاري: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى عن عبيد الله، قال: حدثني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال -وفي رواية: ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال- فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق -في رواية: بصدقة أخفاها- حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). في هذا الحديث العظيم فوائد شتى ومسائل منثورة، ولعلكم تستفيدون من هذا الحديث أكثر مما استفدته من خلال ما بحثت وطالعت (فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب مبلغ أوعى من سامع). أيها الأحبة في الله: قال العلماء: هل الثواب مخصوص لهؤلاء السبعة؟ أي: هل هؤلاء السبعة وحدهم هم الذين يكونون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله؟ أجاب ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه وسفره العظيم الجامع المانع فتح الباري حيث قال: والظاهر أنه لهؤلاء السبعة، وقيل: بل لغيرهم، وقال ابن حجر: وناظرت فلاناً -وسماه- في مجلس أحد الخلفاء، وكان يذكر أنه يحفظ صحيح مسلم، قلت له: هل تحفظ شيئاً يدل على أن غير هؤلاء السبعة يكونون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله؟ فقال: لا. فبينت له أن الإمام مسلماً رحمه الله روى في صحيحه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله). وابن حجر رحمه الله قال عن نفسه: تتبعت مواضع شتى لمعرفة هل هذا الفضل مخصوص بهؤلاء السبعة، فوجدت هذا الفضل قد أعد لهم وأعد لغيرهم، منه ما هو في أحاديث صحاح، ومنه ما هو في أحاديث بعضها يقوي بعضاً، ومنه ما هو في أحاديث ضعيفة. قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل ينظم هذا الفضائل التي من شأنها أن يكون فاعلها أو المختص بها من الذين في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله: وقال النبي المصطفى إن سبعةً يظلهم الله الكريم بظله محبٌ عفيفٌ ناشئٌ متصدقٌ وباكٍ مصلٍ والإمام بعدله قال ابن حجر: وزدت على هذه الأبيات ما قلت فيه: وزد سبعةً إظلال غازٍ وعونه وإنظار ذي عسرٍ وتخفيف حمله وإرفاق ذي غرمٍ وعون مكاتبٍ وتاجر صدقٍ في المقال وفعله أيها الأحبة: قال ابن حجر بنص كلامه: وقد تتبعت الأحاديث الواردة في مثل ذلك، فزادت على عشر خصال، وقد انتقيت منها سبعة وردت بأسانيد جياد، ونظمتها تذييلاً على ما ذكر أبو شامة، وهي التي سمعتموها آنفاً. قال بعض أهل العلم: ونقله ابن حجر عن الكرماني، وذكر الكرماني ما محصله أن الطاعة أو أن العبادات التي وردت في هذا الحديث إما أن تكون بين العبد وبين الرب، وإما أن تكون بين العبد وبين الخلق، فأما العبادات التي بين العبد وبين الرب فهي عبادة باللسان وهي عبادة الذكر، أو عبادة بالقلب وهي تعلق القلب بالمساجد، أو عبادة بالبدن هو بدن الناشئ في العبادة، وإما أن تكون تلك العبادة مرتبطة بين العبد وبين الخلق وهي في أمر عام في الإمام العادل، وفي أمر خاص بالقلب وهو التحاب، أو بالمال وذلك جلي في الصدقة، أو في البدن وهذا واضح في العفة.

علماء ألفوا في الخصال الموصلة إلى الظلال

علماء ألفوا في الخصال الموصلة إلى الظلال أيها الأحبة في الله: ومن عظم شأن هذا الحديث صنف فيه علماء الإسلام والسلف الكرام مصنفات عدة، فقد ألف ابن حجر رحمه الله في هذا جزءاً سماه معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال أي: إلى ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، وألف السيوطي رحمه الله رسالة أخبرني بها فضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن إبراهيم بن قاسم القاضي في المحكمة الكبرى حيث سألته: هل هناك من ألف غير ابن حجر مصنفاً أو جزءاً في هذه الفضائل؟ فقال: نعم. فهناك السيوطي ألف رسالة بعنوان تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش وعليه مختصر بعنوان بزوغ الهلال في الخصال الموجبة للظلال. ونبدأ في فقه الحديث: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله). قال بعضهم: الظل هو المنعة والحفاوة والعز والتكريم، ولا شك أن المصير إلى هذا المعنى تأويل، ولا حاجة إلى التأويل في هذه المسألة، فظل كل شيء بحسبه، أما وقد آمنا أن لله عرشاً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فإن لهذا العرش ظلاً كما هو لائق بهذا العرش العظيم، فهو ظل حقيقي، أما الكلام في كيفيته والكلام في طوله وعرضه، وهيئته وتفاصيله، فإنا لم نحط بالله علماً: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه:110] {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103]. فالكلام في تفصيل هذه المسألة هو كالكلام في الاستواء، الإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، والصفة معلومة والكيفية مجهولة، وهذا خير طريق يسلم به العبد في إثبات صفات الله جل وعلا، أن تثبت لله ما أثبته لنفسه كما قال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180] وأن تنفي عن الله ما نفاه الله عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وما من لفظ لم يرد في الشرع له اعتبار أو إلغاء أو نفي أو إثبات، فعلامة الدهر وإمامه، وأحد أئمة العلم في هذا الزمان الشيخ/ محمد بن صالح بن عثيمين قد قال: وأما الصفات التي لم يرد فيها نفي ولا إثبات، فإن السلامة أن يتوقف في لفظها وأن يفصل في معناها، فيقال: إن كان المعنى يدل على كمال يليق بالله أثبتناه لله، وإن كان المعنى يدل على نقص ينزه الله عنه، فإننا ننزه الله عنه، ودليلنا على ذلك الشمس المشرقة والآية المحرقة لشبهات المعاندين ألا وهي قول الله جل وعلا: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]. وهذه لفتة مهمة في هذا الحديث أيها الأحبة: أن نحرص على معرفة منهج السلف رضوان الله عليهم في إثبات العقائد، وخاصة فيما يتعلق بالأسماء والصفات. نعود إلى الموضوع، ممن ألفوا في الخصال الموجبة لظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام السخاوي وهو من تلاميذ ابن حجر، ألف رسالة بعنوان الاحتفال في جمع أولي الظلال قال: ظفرت بأربع عشرة خصلة زيادة على ما جمعه شيخي أي: ابن حجر، وهذا مما أفادنا به فضيلة الشيخ/ عبد العزيز بن قاسم متع الله به وحفظه، ولا عيب ولا حرج أن يسند الإنسان الفضل والعلم إلى من تعلمه منه وقل فلان جزاه الله صالحةً علمنيه ودع ذا الكبر والحسد

الإمام العادل وسبب تخصيصه في الحديث

الإمام العادل وسبب تخصيصه في الحديث أما الخصال التي وردت في هذا الحديث، فأولها: إمام عادل. وهل تدخل المرأة في هذه الخصلة؟ قال ابن حجر: لا تدخل المرأة، لأن المرأة لا تلي الإمامة العظمى، وقال بعضهم: قد تكون المرأة من أهل هذه الخصلة إذا كانت ذات عيال وعدلت بين أبنائها في المعاملة. الحاصل أن الإمام العادل في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، وأين الإمام العادل؟ الإمام العادل هو الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، والإمام العادل هو الذي ما يلي شيئاً من أمور المسلمين إلا وينتهج منتهى العدل فيه، والإمام العادل هو الذي يجعل القوي الأمين في خير مكان يناسبه، والإمام العادل هو من إذا رأى في المسلمين كفؤاً ومن رأى في المسلمين أهلاً أن يولى ولاه ولو كان بعيداً أو قريباً، ولو كان نسيباً أو وضيعاً؛ لأن مصلحة المؤمنين تتعلق بهذا الأمر. لماذا كان الإمام العادل من الذين خصوا بهذه المنقبة؟ لأن الإمامة فيها السلطة والقدرة، وكثيرٌ ممن يلون السلطات ويقدرون على رقاب الناس، يقع منهم الظلم والعدوان والبغي وأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك لما كان الإمام والياً وقادراً ومتنفذاً ومتسلطاً وتحت يده ما يشاء من أموال الناس، وما يشاء من الجند والعسكر الذين يأتمرون بأمره فيما يشاء في رعيته أو في من دونه، كان عدله منقبة عظيمة؛ لأن من ترك شيئاً وهو يعجز عنه لا فضل له في ذلك، حينما تقول: هذا رجل ضعيف لا يظلم، فإن كونه متصفاً بعدم الظلم، أو كون هذا الضعيف عادلاً ليست بمنقبة؛ لأنه ضعيف لم يلِ رقاب أحد ولم يلِ أموال أحد حتى يعدل أو لا يعدل أو حتى يظلم أو لا يظلم، ولكن الذي ولي شيئاً وتحت يده المال والسلطان والقوة والجند والعسكر حينئذٍ يكون عدله منقبة ويكون لعدله مزية. وهذا يذكرنا بما أفاض فيه العلامة الشيخ/ محمد بن عثيمين في رسائل في العقيدة حيث قال: والقاعدة الثانية في مسألة الصفات: نفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم مع إثبات كمال ضده؛ لأن الإنسان قد ينفى عنه الصفة وليس نفي الصفة عنه مدحاً أو كمالاً في جانبه، قال: لماذا؟ لأنه ربما نفيت الصفة عنه لعجزه أو لعدم قابليته أو لامتناع ذلك عليه، كأن تقول: هذا عمود لا يظلم، فكونك تنفي الظلم عن هذا العمود ليس ثناءً عليه وليست منقبةً له؛ لأن العمود لا يمكن أن يصدر منه عدل ولا ظلم، ولكن حينما تقول لمن هو قادر على البطش ومن هو جبار وقوي، ومن بيده المال والسلطة، تقول: هذا قادر ولكنه لا يظلم، حينئذٍ يكون نفي صفة الظلم عنه كمالاً في جانبه. ولهذا نقول: ننفي ما نفى الله عن نفسه مع ثبوت كمال ضده، فإذا نفينا عن الله صفة الظلم، فإننا نثبت لله كمال ضدها وهو كمال العدل، ومنه قول الشاعر: قبيلةٌ لا يغدرون بذمةٍ ولا يظلمون الناس حبة خردل فإن هذه ليست مديحة لهذه القبيلة، وليست منة أو مزية لهذا القبيلة، لأنها قبيلة صغيرة، فقوله: لا يغدرون بذمةٍ ولا يظلمون الناس حبة خردل، قوله هذا فيهم ليس مدحاً لأنهم عاجزون وضعفاء. ثم بعد ذلك الإمام العادل من يتفقد رعيته، والإمام العادل من يخشى الله فيهم، والإمام العادل من يراقب الله في كل ما يأتي ويذر، وللإمام على رعيته حقوق: أن يدعى له بظهر الغيب، وأن يدعى له بصلاح البطانة، وأن يدعى له بالسداد في القول والفعل، وأن يدعى له بحسن النية والفعل والمقصد، وأن يحرص على جمع شمل الأمة حوله، وعدم تشجيع الخارجين والبغاة ومن يريدون باستقرار بيضة الأمة انكساراً أو تشتتاً، هذا من حقوق الإمام العادل، إذ أن الإمام العادل له حقوق وعليه واجبات.

شاب نشأ في عبادة الله

شاب نشأ في عبادة الله أما الثاني في أولئك الثلة الذين هم في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله: فشاب نشأ في عبادة ربه، أو شاب نشأ في عبادة الله جل وعلا، وفي بعض الروايات: (شاب نشأ في عبادة ربه حتى توفي على ذلك) وفي حديث آخر: (شاب نشأ في عبادة ربه أفنى نشاطه وشبابه في عبادة الله جل وعلا) وهذا شرط مهمٌ حينما يحصل الإنسان فضيلة من الفضائل وعد الشارع عليها بثواب جزيل، فإن من شرط نيل هذا الفضل أن يثبت عليها وألا يأتي بما يناقضها كما يقول شيخ الإسلام/ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب حفيد إمام الدعوة رحمه الله لما ذكر باباً في فضل لا إله إلا الله: (من قال لا إله إلا الله خالصاً مخلصاً من قلبه دخل الجنة) وفي حديث أبي هريرة لما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاك إلا أدخله الله الجنة) قال الشيخ سليمان: فهذه الأحاديث التي جاءت في فضل لا إله إلا الله قد قيدت بالقيود الثقال: أولها: الثبات على لا إله إلا الله حتى يلقى الله بها، الثبات على كلمة التوحيد، كلمة الإخلاص والشهادة بالوحدانية والرسالة حتى يلقى الله جل وعلا بها. الأمر الثاني: ألا يأتي بما يناقضها، وما أكثر الذين يقولون: لا إله إلا الله، وبعضهم يناقضها في كل صباح، أو في كل أسبوع، أو في كل شهر، أو في كل سنة، أو في عمره مرة، عجباً لأولئك الذين يرددون لا إله إلا الله ويصدق فيهم قول الله جل وعلا: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106]. إن من الناس من يعتقد أنه موحد، وإذا قلبت أمره، وجدت في حقيقة أفعاله ما يخرجه من الملة، فمن ذلك استهزاؤه بالدين، ومن ذلك استهزاؤه بالسنن، ومن ذلك تضايقه أو تبرمه وكراهيته لما شرع الله وشرع رسوله، حتى وإن كان هذا الأمر المشروع بالنسبة له من الأمور التي يفعلها ويطبقها، فإن من فعل عبادة وهو يكرهها متبرماً منها متضجراً من فعلها، فإن هذا لا يقبل منه، بل هذا مظنة كفر وخروج عن الملة كما قال إمام الدعوة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب: ومن نواقض التوحيد أن يكره العبد شيئاً جاء به الله أو جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستدل بقول الله جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9]. ومن نواقض التوحيد أيضاً: كل فعل أو قول يفضي إلى الشرك سواءً كان جلياً أو كان خفياً، أو كان ذبحاً أو استعانة أو استغاثة أو اعتقاداً بأن الله جل وعلا معه من تصرف له شيء من العبادة أو معه من يدبر الكون، أو كما فعلت الجهمية والمعطلة الذين نفوا عن الله صفاته وجعلوا إلهاً من العدم سموه إلهاً، ونفوا عنه كل الصفات، وأولئك كما قال الإمام: ولقد تقلد كفرهم خمسون في عشرٍ من العلماء في الأزمان والأوطان واللالكائي الإمام حكاه عنه بل حكاه عنهم الطبراني إن أولئك وإن اجتهدوا في العبادة، لكنهم يمرقون في مسائل الصفات إلى حد الخروج بها عما لا يليق بالله جل وعلا من التعطيل أو الإغراق في التشبيه، فأولئك ممن أتوا بنواقض التوحيد ولا حول ولا قوة إلا بالله! نعود إلى أصل موضوعنا: شاب نشأ في عبادة ربه، أين الشباب الذين ينشئون في عبادة ربهم؟ أين الشباب الذين يقدمون مرضاة الله على أهواء أنفسهم؟ أين الشاب الذي إذا وقف أمامه داعيان: داعي الهدى وداعي الردى، داعي الفضيلة وداعي الرذيلة، داعي الغواية وداعي الهداية، داعي الاستقامة وداعي الانحراف، قدم داعي الهدى والهداية والاستقامة وما يرضي الله جل وعلا على ما يخالفه؟ إن كثيراً من شبابنا، إن كثيراً من أحبابناً -نحبهم وندعو لهم بظهر الغيب سراً وعلناً، جهاراً ونهاراً وإعلاناً وإسراراً- ولكننا نعلم -أسأل الله أن يهديهم- أن الواحد منهم إذا خلا بمحارم الله ارتكبها وانتهكها، ونعلم من بعضهم أن الواحد منهم حينما تعرض له شهوة ذاتية أو شهوة شخصية قدم شهواته على ما كان يدعيه أو يقوله بلسانه ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولماذا ذكر الشاب في هؤلاء السبعة؟ لأنه شاب يملك القوة، قوة الفكر وقوة البدن وقوة الغرائز وقوة الحواس، واجتماع هذه القوى مظنة إلى سيره واتجاهه إلى المعصية، فكان من هذا الشاب الذي يعجب ربنا منه ليس له صبوة، يوم أن يكبح جماح نفسه ويوم أن يقهر عنان شهواته، ويوم أن يقود نفسه إلى مرضاة الله جل وعلا، وما يرى من منكر أو فتنة أو دعاية إلى ضلالة أو دعوة إلى انحراف يقول: إني أخاف الله، ويذكر ربه ويقول: معاذ الله، إنه ربي أحسن مثواي، يوم أن ينشأ في طاعة الله فلا يرى إلا حلالاً، ولا يسمع إلا حلالاً طيباً، ولا يقرأ إلا كلاماً نافعاً، ولا يمشي إلا إلى حلق الذكر ورياض الجنة، ولا يمد يده إلا بما ينفع ويشفع، ولا يقبض بيده إلا ما كان طيب المطعم، ولا يفكر إلا كيف يزيد من إيمانه، كيف يرفع مستوى إخلاصه، كيف يصل إلى درجات المؤمنين، كيف يبلغ درجات المحسنين، كيف يبلغ درجات الموقنين، كيف يكون من المخلَصين والمخلِصين، يفكر بهذا، أو يفكر كيف يصلح أمه، كيف يصلح زوجته، أو يصلح ابنته، أو أخواته، كيف يدعو والديه أو كيف يدعو جيرانه أو زملاءه في المدرسة. هذه همومه وهذه أفكاره وهذه اتجاهاته، ليس شاباً همه أن ينتصر الهلال على النصر، أو الاتفاق على الوحدة أو الأهلي على الزمالك أو غيرها من سائر اهتمامات كثير من شبابنا، ليس شاباً يتمنى أن تفوز دولته أو بلاده في دوري الأربعة أو في كأس العالم، ولكنه لا يهمه أن يذبح المسلمون في آسام أو في سنيقار أو في سيريلانكا أو في كمبوديا أو في الصين أو في أي مكان من الأماكن. من شبابنا من هذه همومه: أن تصل بلاده إلى دوري الأربعة، ولكنه لا يهتم أن تصل أمته إلى أرقى درجات التوجيه والقيادة والريادة في هذا العالم المعاصر، من شبابنا من همومه أن يصل مستوى المسرح الوطني والأغنية الوطنية إلى مستوى منافس للأغنية الخليجية أو الأغنية الغربية أو الفلكلور الغربي ونحو ذلك، لكنه لم يهتم كيف ينقذ إخوانه الضائعين في ماخور البغاء وفي مواقع الرذيلة ومنحدر المخدرات، وفي أوكار الفواحش والزنا واللواط. إن من الشباب من لا تفكير له إلا في كل سافل من الفكر وكل ساقط من الهمة وكل رديء من الأمان، فأولئك كيف نرجو أن نرفع بهم رأساً؟ شباب هذه اهتماماتهم، اهتمام الواحد منهم أن يملك سيارة مكشوفة، اهتمام الواحد منهم أن يجد صديقة لا تخونه، اهتمام الواحد منهم أن يجد عشيقة لا تفارقه، أبمثل هؤلاء تحرر فلسطين؟ أبمثل هؤلاء تحرر أفغانستان؟ أبمثل هؤلاء ننقذ بنات المسلمين في سجون أرتيريا اللواتي هن حبالى من الزنا، وقد أنجبن ما لا يقل عن ألفي طفل من السفاح والزنا؟ أمثل هؤلاء الشباب نرجو أن تعود أسبانيا إلى سيطرة الإسلام؟ أمثل هؤلاء الشباب ممن نرجو أن يرتفع مستوى الإعلام ليكون إسلامياً على مرضاة الله؟ أن يرتفع مستوى الاقتصاد لتكون المعاملات وعوامل الإنتاج وحركة المال والسياسات النقدية والتجارة الدولية لتكون على أوسع وأحدث نمط وأكثر الأنظمة تقدماً على مرضاة الله جل وعلا؟ نريد شباباً نشئوا في طاعة الله، يفكرون في هموم الإسلام، يفكرون في هموم المسلمين، كيف يدير الإسلام إعلاما، كيف يدير الإسلام اقتصاداً، كيف يدير الإسلام سياسة، كيف يدير الإسلام تعليماً، كيف يدير الإسلام تربية وشباباً، كيف يدير الإسلام هذه الأمور على نحو يحقق مرضاة الله جل وعلا، من نشأ في طاعة الله فهنيئاً له أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وكما قلت: خص الشباب لأنهم مظنة الشهوة واجتماع الغرائز والنشاط. علمت يا مجاشع بن مسعدة أن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة يا للشباب المرح التصابي روائح الجنة بالشباب الشباب قوة فإما أن تكون قوة بناء، وإما أن تكون قوة هدم، إما أن يكون الشباب قوة عمار وإما أن يكونوا قوة دمار، أين الشباب الذين ننتظرهم بكل مجال وبكل صعيد أن يكونوا على هذا المستوى؟

رجل قلبه معلق بالمساجد

رجل قلبه معلق بالمساجد وثالث الثلة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجلٌ قلبه معلق بالمساجد، في إحدى الروايات: (ورجل قلبه معلق بالمساجد من حبها) وقيل معلق: أي من العلاقة وهي شدة الحب، والمعنى: أنه طويل ملازمة المسجد يبكر إلى المسجد بعد الأذان أو قبل الأذان ويمكث في المسجد بعد الصلاة، يعتكف في المسجد، يحضر دروس العلم، يحضر المحاضرات يحضر الندوات يحضر الحلقات، يجعل جلوسه في المسجد جلوس طمأنينة وجلوس ارتياح، قلبه غير معلق بالملاعب، وغير معلق بالأرصفة، ولا بصالات التزلج، وغير معلق بأمور الرذيلة، ولا بالإسفاف والإغراق في المباحات أو في أمور اللهو، بل شاب قلبه معلق بالمساجد. وما أقل الذين تتعلق قلوبهم ببيوت الله جل وعلا. وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل حال المؤمن -أيها الأخوة- أن يكون في المسجد كالسمكة في الماء، وأما المنحرف الفاسق فانظر إليه حينما يدخل المسجد كأنه ضب في الماء، المؤمن كالسمكة في الماء وأما المنحرف الفاسق فكأنه الضب يتقلب بعكرته في الماء، يريد الخروج من المسجد من أول وهلة يسلم الإمام. على أية حال إن التعلق بالمساجد أمر لا يستطيع الإنسان أن يصفه تمام الوصف، ولكن يدركه تمام الإدراك إذا عود نفسه وجاهدها ودربها على المكث والجلوس في المسجد؛ فبكر إليه وجلس فيه وجعل المسجد جزءاً رئيسياً من يومه وحياته. لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يداريها

رجلان تحابا في الله

رجلان تحابا في الله الرابع من الثلة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. وفي هذا بيان حقيقة المحبة مع الدوام عليها، محبة صادقة خالصة، محبة نشأت لله فتدوم لوجه الله، ومن أحبك لشيء أبغضك عند فقده، ومن لقيك بشيء فارقك عند فقده، فمن أحبك لدنياك كرهك لفقرك، ومن أحبك لوظيفتك فارقك لعزلك، ومن أحبك لمنصبك فارقك عند تغير أحوالك، إذاً فانظر من تحب، وانظر أولئك الذين جمعت أرقامهم وأسماءهم في دليل هاتفك، أسألك: هل استطعت أن تخرج عشرة من هؤلاء تعدهم للنوائب؟ هل تستطيع أن تجمع من مجموع من عرفت وخالطت وجالست وصادقت وخاللت وتعرفت هل تستطيع أن تخرج من هؤلاء خمسة أو عشرة؟ لا والله، أصبح الصديق الوفي في هذا الزمان أشد ندرة من الغول والعنقاء، بل أصبح من عجائب الدنيا السبع أن تجد اثنين على وفاء صادق. وما أكثر الذين يدعون المحبة! ما أكثر من تلقاه فيقول: أخي، إني أحبك في الله، ولكن لو طلبنا برهان المحبة لوجدناها دعوى. والدعاوى إن لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء

من لوازم المحبة

من لوازم المحبة إن من حقيقة الحب في الله: أن تحفظ عرض أخيك في غيبته، ألا تغتابه، ألا تنم عنه، ألا ترضى فيه بمكروه، ألا يشذب أو يجرح أو ينشر جلده بكل ساقط ورديء في المجلس وأنت ساكت، إن من الحب في الله أن تكون داعياً له بظهر الغيب، وهذه المحبة يؤجر الإنسان عليها يوم أن يحققها، جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ -عجيب سؤال البدو! عجيب سؤال الأعراب! عجيب سؤال أهل البادية! قال الصحابة: كنا نفرح إذا جاء أعرابي إلى مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يسأل العجائب، وهذا ليس بغريب- جاء الأعرابي ذلك البدوي رضي الله عنه، قال: يا رسول الله! متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وماذا أعددت لها؟ -هذا جواب الحكيم: أن تصرف السائل إلى إجابة تنفعه- قال صلى الله عليه وسلم: ماذا أعددت لها؟ فقال: يا رسول الله! ما أعددت كثير عمل، ولكني أحب الله ورسوله ويوم أن قال (أحب) هو يعني هذه الكلمة، ويعرف أبعاد هذه المحبة ويعرف حقيقتها. جهد الصبابة أن تكون كما أرى عين مسهدة وقلب يخفق أرق على أرق ومثلي يأرق عين مسهدة تدعو لإخوانك بظهر الغيب، تتذكر إخوانك في الله، إذا نأوا دعوت لهم بالحفظ، وإذا دنوا دعوت لهم بدوام اجتماع الشمل، قلبك يخفقك عليهم حباً وشوقاً إليهم، هذه المحبة حينما تكون لله، فإنها تزداد حينما ترى من أخيك زيادة في الطاعة، دليل الحب في الله إذا أردت أن تعرف نفسك هل أنت تحب في الله أو لا تحب في الله، وهل دعواك صادقة أنك تحب فلان بن فلان في الله ولله، انظر إلى نفسك فإذا رأيته يزداد في العبادة ازداد حبك له، فهذا دليل المحبة الصادقة في الله، وإذا رأيت انحسار العبادة عنه وضعفه وكسله وابتعاده عن العبادة قلَّتْ محبتك له، فهذا دليل محبتك الصادقة لله وفي الله، لما كانت لله زادت محبتك يوم ازداد في طاعة الله وقلَّتْ محبتك يوم قلت أو انحسرت أو انقطعت عبادته لوجه الله جل وعلا. أما المحبة التي تزعم في هذا الزمان وهي محبة الجسوم والرسوم، ومحبة الصور والوجوه، وانسجام الناس لأهواء أو لعرق خفي في النفوس لا يعلمه إلا الله جل وعلا، ويدعي بعضهم محبةً في الله الله أعلم بصدقها فتلك محبة المرضى، تلك محبة السقم، تلك محبة البلاء، تلك محبة بداية الانحراف. فما في الأرض أشقى من محبٍ وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل وقتٍ مخافة فرقةٍ أو لاشتياق فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق هذه محبة الجسوم والرسوم، أما الحب في الله، فإذا فارقت أخاك وقد قتل شهيداً في سبيل الله ازداد حبك له، وتطايرت شوقاً أن تقتل في سبيل الله كما قتل، وإذا سبقك إلى عبادة أو إلى حفظ قرآن أو إلى وعي السنة أو إلى الدعوة إلى الله، تطاير قلبك فرحاً أن أخاك بلغ هذه المنزلة وأدرك هذه المنقبة: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26] وكما في الحديث: (المتحابون في الله على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء بمجالسهم من الله يوم القيامة، أما إنهم ليسوا بأنبياء ولا شهداء، ولكن يغبطهم الأنبياء والشهداء بمنازلهم من الله، قال الصحابة: من هم يا رسول الله؟ قال: المتحابون في الله) والحب في الله عبادة عظيمة. والله -يا معاشر المؤمنين! يا معاشر الطيبين! يا معاشر الأكرمين! - إنا نحبكم في الله، ونسأل الله جل وعلا أن يجمعنا بكم في الجنة، وإننا ما نذكر عملاً نرجو أن نلقى الله به إلا توحيده وحده لا شريك له عسى ربنا أن يسلم لنا توحيدنا ما غيرنا وما أشركنا وما بدلنا، ثم محبتكم لله وفي الله ودليلنا وبرهاننا وبينتنا على ذلك أننا نفرح يوم أن قيل فلان بن فلان استقام، أو فلان الذي استقام حسنت استقامته، أو فلان نبشرك أنه حفظ القرآن، أو فلان دعا إلى الله ووفقه الله، أصبح نشيطاً في حيه، أصبح داعية بين زملائه، هدى الله زملاءه في العمل على يده، نفع الله به بين زملائه والموظفين من حوله، حينئذٍ نفرح ونعلم أن فرحنا به دليل محبتنا لله وفي الله.

التزاور بين المتحابين في الله

التزاور بين المتحابين في الله ولا يخفاكم حديث الرجل الذي سافر إلى أخٍ في الله يزوره، انظر يا أخي! تخرج من بيتك، تحرك سيارتك، تمشي ثمانين كيلو متراً أو مائة أو مائتين، فتطرق الباب على أحد إخوانك في الله تزوره في مدينة الخرج أو في عفيف أو الدلم أو في أحد ضواحي شتير أو في القصيم أو في المنطقة الشرقية أو في أبها أو في وادي الدواسر أو في حوطة بني تميم أو في الحريف أو في أي مكان تذهب إليه وتزوره وتجلس معه ساعة أو ساعة إلا ربع لا يحركك من بيتك إلا حبه في الله ولله، ومن ثم تعود من جديد، هذا من الحب في الله، كما في الحديث: (إن رجلاً زار أخاً له في الله، خرج خروجاً بعيداً لزيارة أخ له في الله، فأرسل الله على مدرجته ملكاً -أي: جعل الله ملكاً على طريق هذا الذي ذهب يزور أخاه في الله- وكان هذا الملك على صورة رجل، فقال للزائر: أين طلبك؟ أو ما حاجتك؟ قال: أزور أخي في الله، قال: وهل لك من حاجة تربها؟ قال: لا والله إلا أني أحببته في الله، فقال الملك: إني رسول الله إليك، إن الله أحبك كما أحببته فيه) هنا تظهر المحبة في الله وتظهر الأخوة في الله يوم أن يدعوك إخوانك في الله إلى أمر من الخير فتستجيب، يوم أن يزجروك عن أمر من الشر فتنزجر وترعوي، هذه من دلائل الحب في الله والبغض في الله. والمحبة في الله شأنها عظيم، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من أولئك.

رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال

رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال والخامس -أيها الأحبة- من الثلة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، وفي رواية: رجل دعته امرأة إلى نفسها، وفي أخرى: فعرضت نفسها عليه، أي: دعته إلى الفاحشة، قال بعضهم: دعته إلى زواجها، فأبى خشية أن يشتغل بها عن العبادة، أو أبى خشية أن يكون قبوله من الزواج بها سبباً أو طريقاً إلى فعل معصية وفاحشة، وهذا تأويل بعيد، والظاهر الواضح والجلي من الحديث أنه رجل دعته امرأة ذات منصب إلى نفسها، دعته إلى الفاحشة، فقال: إني أخاف الله. وتدخل المرأة في هذا الباب: لو أن رجلاً ذا منصب وجمال دعاها إلى نفسه فأغراها بالمال، وامتنعت من ذلك، وقالت: إني أخاف الله، قال ابن حجر: فهي تدخل في ظل عرش الله، فهي من السبعة الذين يكونون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله.

وقفة مع قصة يوسف وامرأة العزيز

وقفة مع قصة يوسف وامرأة العزيز أيها الأحبة في الله: إن هذه المسألة من أخطر المسائل ألا وهي فتنة النساء، وإن كثيراً من الناس ربما يصمد أمام المدفعية وربما يصمد أمام الرشاش، وربما يصمد أمام القنابل الدبابات ويصبر على حمم الطائرات ودويها، ولكنه لا يصمد دقائق أمام امرأة ذات منصب أو ذات جمال أو جمعت بين الأمرين جميعاً؛ لأن فتنة النساء عظيمة. في صحيح البخاري عن سهل بن سعد قال: قال صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه ضمنت له الجنة) أي: من حفظ فرجه وحفظ لسانه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كفيل وضمين وزعيم له بالجنة بإذن الله جل وعلا، ولا تخفاكم قصة يوسف عليه السلام لما غلقت الأبواب امرأة العزيز وقالت: هيت لك، قال: معاذ الله، تذكر ربه، وذكر نعم الله عليه، وذكر ما أنعم الله به عليه فاستعاذ بالله، ومن استعاذ بالله فقد نجا، ومن لجأ إلى الله فقد عصم، ومن توكل على الله فقد كفي، قال: معاذ الله، ولما هددته وبلغ التهديد منه مبلغاً حتى طاردته، ودخل العزيز ذات مرة ورأى شيئاً من الريبة، وألفيا سيدها لدى الباب، فانقلبت عليه فاتهمته بالفاحشة: {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف:25] ماذا قال يوسف الذي هو حرٌ قد بيع رقيقاً، وعزيزٌ قد أصبح طريداً شريداً، وأصبح خادماً في بيت السلطان: {قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف:26] وظهر البرهان الحسي، البرهان القريب: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف:26] لأنه إذا شق القميص من الأمام من القبل فمعناه أن يوسف عليه السلام -وحاشاه ذلك- أراد أن يندفع إليها فدافعته فانشق قميصه من ذلك: {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف:27] أي: أن يوسف هو يهرب وهي تلحقه وتجذبه بقميصه فيتشقق قميصه من هذا: {فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:28 - 29] قيل: إن هذا كان قبل إسلام العزيز وإلا فلا يعقل أن رجلاً يجيب على مثل هذا الموقف الذي فيه من خروج امرأته عن حدود العفة والطهارة والحياء وحفظ الفراش وحفظ النفس بهذا الكلام: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:29]. لما بلغ الأمر منها مبلغاً وتحدث صويحباتها ونساء المدينة: {امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} [يوسف:30 - 31] حتى تبين أنها لا تلام في باطلها الذي همت به وإن كانت في الحقيقة قد أسرفت على نفسها بهذا الفعل: {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف:31 - 32] هل انتهى الأمر؟ لا: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32] إما أن يفعل الفاحشة، إما أن يختار الرذيلة، إما أن يجيء إلى الفراش، إما أن يأتي إلى علبة الليل، إما أن تطفأ الأنوار ويحصل الستر وإما أن يسجن. فماذا قال عليه السلام وهو شابٌ حدثٌ صغيرٌ في قوة شبابه ضعيفٌ أمام زوجة الملك في قصرها في دلالها في جمالها في أبهتها في سلطانها بين وصيفاتها وخدمها وحشمها، تدعوه وتهدده، فماذا يقول؟: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:33] هل منا من قال ذلك؟ {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:33]. أين شباب الأسواق العقارية وأسواق الشعلة، وأسواق العامة الذي الواحد منهم يخرج وقد ملأ جيبه بعشرات الأرقام من رقم هاتفه وهاتف أصدقائه ويمشي ويوزع، حتى أن بعضهم يحتال في استخدام بعض الأساليب كي يلصق الرقم بعباءة الفتاة ولا حول ولا قوة إلا بالله! أحد الشباب أحضر لي بطاقة صغيرة مكتوب عليها: نرجو ممن يطلع على هذه البطاقة مساعدة حاملها أو الاتصال بجمعية العشاق والمحبوبين والمجروحين، وفي القلب الاسم: عاشق محتار، مكان اللقاء: أول وهلة حصلت، وأسئلة سخيفة، بكلام لا يليق ذكره، وعبارات عجباً لشباب يحملونها! وصدق من قال: إن الشباب في هذا الزمان، أو إن بعض الشباب في هذا الزمان حتى لا نظلم البقية إذ فيهم خير عظيم، حتى بعض الذين عندهم بعض المعاصي نظن ببعضهم خيراً كثيراً؛ لأن الكثير من الشباب حتى وإن كان في معصية لكن فيه رجولة، لا يتخنث إلى هذا الحد، لا ينهار برجولته إلى هذا الحد، ولعل رجولته وحياءه وعفته التي انبثقت من صلاته وحرصه على العبادة تقوده إلى استكمال ما نقص من نفسه من السنة أو الاستقامة على ما يرضي الله جل وعلا. أقول أيها الإخوة: إن بعض الشباب هم حقيقة ذكور وليسوا رجالاً، هم ذكور وليسوا رجالاً، وقد قالتها امرأة في مجمع من اللقاءات أو في مكان لما سئلت امرأةٌ من النساء عن قول الله جل وعلا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] وهي في بلاد ليس للرجل فيها منزلة أو مكانة، فقالت وأجابت جواباً صحيحاً: الله جل وعلا قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ} [النساء:34] ولم يقل الذكور قوامون على النساء، لأن الرجولة أمر يتعدى الذكورة، الرجولة وصف كامل بما فيه من الشمم والإباء والحياء والغيرة والخشية والانقياد والاستجابة لأمر الله جل وعلا. نعود إلى صلب موضوعنا، فهذا يوسف عليه السلام لما دعته وهددته: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:33] هذا من حصل له مثل هذا أو من ابتعد عن موقف كهذا، فهو من الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

قصة محمد المسكي

قصة محمد المسكي ومن الأمور التي سطرها التاريخ أن شاباً وسيماً يقال له: محمد المسكي كان هذا الشاب يأكل من طعام يده، يصنع المراوح التي تعمل باليد، وكان يدور في الأزقة والأسواق ويبيع مراوحه هذه ويأكل من كسب يده، فرأته امرأة وكانت ذات مالٍ فأعجبت به، وترصدت له عند الباب، فلما مر جوار بابها، قالت: هل عندك مراوح غير هذه؟ قال: نعم. فأرخت له الستر أو فتحت له الباب، وقالت: ادخل لأرى، فلما دخل وكان منصرفاً عنها يظن أنها سترى ما في يده من المراوح، ثم يبيعها أو لا تشتري إن أبت، ثم يخرج، فما دخل قليلاً إلا وجذبته وأدخلته دهليز بيتها وأغلقت الباب دونها ودونه، وقالت: إما أن تفعل بي الفاحشة وإما أصيحن بك بين الناس إن فلان بن فلان اقتحم بيتي وتسور داري ودخل وأراد أن يفعل بي الفاحشة، فأصبح في محنة عظيمة، إن فعل الفاحشة أصبح ممن زنوا، والزنا شأنه خبيث وخطير، والله سماه سوء السبيل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] فيه فحش وفيه سوء السبيل، وإن فضح نفسه فهو في مصيبة عظيمة، فقلب النظر وأدار الفكر، فقال: حسناً: أريد الحمام، فلما خلت بينه وبين الحمام، دخل المكان الذي هو (الحش) وليس الحمام آنذاك كحماماتنا واسعة، بعض الحمامات الآن تعتبر صالة أو حجرة طعام بالنسبة لبعض البيوت، بعض الحمامات تبلع (6×5) بعض الحمامات (10×8) صحيح والله، دخلت بيتاً ذات يوم فرأيت حماماً أكبر من مجلسنا، فعجبت من هذا عجباً عظيماً، قلت: سبحان الله! هل الرجل ينام في هذا المكان؟! أن الحمام آنذاك هو (حش) توضع فيه القذارة والعذرة، مكان كالحفرة يوضع فيه الغائط -وأجل الله بيته والملائكة والسامعين أجمعين- فما كان منه إلا أن نزع الغطاء عن الحش وبيت الغائط، ثم أخذ يغرف من الغائط ويمسح على رأسه وثيابه وأجزاء بدنه، فلما ملأ بدنه بهذا خرج إليها وناداها، فلما رأته بهذه الصورة أخذت تسبه وتشتمه وطردته من بيتها. انظروا إلى هذا الشاب الذي يدعى إلى الزنا فيأبى ولا يريد الفضيحة على نفسه، فهدي إلى هذه الفكرة الذكية، واختار أن يلطخ نفسه وبدنه بالبول والغائط حفاظاً ألا يطأ مكاناً حرمه الله عليه، ألا يلمس جسداً حرمه الله عليه، ألا يقول كلاماً يحاسب عليه، فلما خرج من بيتها أخذ يدعو ربه أن تصرف الأبصار عنه حتى بلغ بيته وغير ملابسه واغتسل مما هو فيه من النجاسة فما هي إلا لحظات حتى فاح المسك من جميع أجزاء بدنه! أكرمه الله جل وعلا، جل ربنا أن يعامله العبد نقداً فيجازيه نسيئة: {إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة:120] {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف:30] لقد أحسن العمل فجاءه حسن الجزاء، أصبح ما يحل محلاً إلا والمسك يفوح من طريقه، حتى أصبح معروفاً أن فلان بن فلان مر من هذا الطريق بدليل رائحة المسك، وفلان بن فلان في ذلك المسجد بدليل رائحة المسك، وسمي محمد المسكي نسبة إلى هذه الكرامة التي أكرمه الله جل وعلا بها.

الزنا وعواقبه

الزنا وعواقبه أين شبابنا الآن في هذا الزمان؟ لعلهم يكفون عنا ويكفون عن بيوت المسلمين أصواتهم وألسنتهم التي تشبه نقيق الضفادع، التي تشبه صوت الغربان، وبعضهم يتكسر بصوته ويظن أنه بهذا يضع الحبال للفتيات لعله أن يأسر فتاة بصوته المميز، مسكين والله هذا! وبعض الفتيات من الضالات المضلات -ولا حول ولا قوة إلا بالله- ربما تسلطن على بعض الشباب واتصلن عليه، تتصل الفتاة على الشاب، وتريد أن توقعه في الفحشاء، ضاع الحياء وضاعت الفضيلة في بعض البيوت التي اشتغلت واشتهرت وامتلأت بالأفلام، أفلام الفيديو والأفلام الخليعة، والرقص مع المطربين والمطربات، والمصارعات النسائية إلى آخر ما نسمع وما يقال عن أفلام فيها من كل ما يزعج البصر ويقلق السمع ويخبث الفؤاد ويكدر العقل، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وقد أحسن بعض الشباب لما قال لي: إن فتاة اتصلت بي ذات مرة وكانت منحرفة، قال: إنها اتصلت بي وقالت: ألم تسمع صوتي قبل هذا اليوم؟ قال: نعم. سمعت صوتاً قريباً من صوتك في الحمام أو في الغسالة أو في السيفون، قال: فما كان منها إلا أن أغلقت السماعة وقد استحت على وجهها، وجزاه الله خيراً على هذا الجواب، إن من الناس من لا يرده إلا مثل هذه الأساليب ولا حول ولا قوة إلا بالله! والذي أنصح به عامة: إن من ابتلي بمثل هؤلاء الذين يتسلطون على هاتفه: إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت السكوت خير جواب للسفيه. صبراً على فعل السفيه فإن صبرك قاتله كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تؤكله وكن -يا أخي الكريم- حريصاً على حفظ بيتك بحفظ نفسك. إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم من يزنِ يزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهم من يزنِ في بيتٍ بألفي درهم في بيته يزنى بغير الدرهم يزنى بالمجان ولا حول ولا قوة إلا بالله! الحاصل أن من ترك هذا الأمر خشية لله، ومن ترك ذلك لأجل الله ولوجه الله، ترك مواقع الريبة ومحادثة الفتيات، وإن عرض عليه الأمر، أو عرض على الفتاة أمر الرذيلة، تركت ذلك لوجه الله جل وعلا، فإنه يؤجر أجراً عظيماً. ومن المؤسف أن في بعض الأماكن تأتي الفتاة بسائقها وتطرق الباب على الشاب ولا حول ولا قوة إلا بالله! وقد علمت بشيء من هذا، وحمدت الله أن حفظ ذلك الشاب الذي تسلطت عليه شيطانة من شياطين الإنس حتى طرقت عليه الباب وأرادت أن توقع به أو تأخذه معها أو أن تواقعه في بيته ولا حول ولا قوة إلا بالله! فمن حفظ نفسه ومن أراد ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، فحري به أن يبعد نفسه عن مواطن الريبة: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].

رجل تصدق بصدقة فأخفاها

رجل تصدق بصدقة فأخفاها والسادس من الثلة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجل تصدق بصدقة، أو تصدق فأخفى -كما في نص حديث البخاري - حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. والمقصود: حتى لا يعلم الناس الذين من حوله، وبعض الناس أو كما ذكر أن بعضهم كان لا يفقه الحديث فكان إذا أراد أن يتصدق أدخل يده اليسرى في جيبه ثم أدخل المال يمده هكذا يظن أن الشمال تنظر إلى اليمين فحينئذ يخبئها في جيبه أو في داخل معطفه أو كوته، وليس هذا هو المقصود، إنما المقصود أن صدقته خفية لا يعلم بها الناس، يتحرى فيها أوقات السر، ولا يريد الإعلان بها خلافاً لما نسمع عن بعض الذين يتصدقون اليوم وغداً، نرى الجرائد قد امتلأت أن فلان بن فلان تصدق بمليون ريال على كذا وعلى كذا وعلى كذا. إن خير الصدقة ما كان سراً لوجه الله جل وعلا، وإن خير الصدقة ما كان يرجى به وجه الله، هب أن الناس علموا بصدقتك هل يقبلونها منك؟ هل يرفعونها إلى السماء؟ هل يخرجونك من النار؟ هل يدخلونك الجنة؟ وهب أن الناس لا يعلمون إن عدم علم الناس أقرب إلى إخلاصك وأتقى لقلبك، وأقرب منك إلى ربك، وأدعى إلى ثباتك، وأحوط ألا يصيبك العجب فيما أنت فيه، فاحرص على ذلك أخي الكريم. ولعل كثيراً من الذين يشاهرون ويدعون ويظهرون ما يفعلون من دعوى الصدقات في الجرائد والمجلات وغيرهم، لعل الكثير منهم لا أقول كلهم؛ لعل بعضهم ممن يسرق من هذا ويعطي هذا، نعم. بعضهم يرابي، والربا من قوت المساكين والضعفاء، بعضهم يرتشي، بعضهم يأخذ أموالاً ليست من حلها ثم يصرفها هنا. بنى مسجداً لله من غير كسبه فكان بحمد الله غير موفق كمطعمة الأيتام من كد فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي وفي مسند أحمد من حديث أنس بسند حسن مرفوعا: (إن الملائكة قالت: يا رب! هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم. الحديد، قالت: فهل أشد من الحديد؟ قال: نعم. النار، قالت: فهل أشد من النار؟ قال: نعم. الماء، قالت: فهل أشد من الماء؟ قال: نعم. الريح، قالت: فهل أشد من الريح؟ قال: نعم. ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها عن شماله) وهذا كلام موصول بالسادس من أولئك الذين يظلهم الله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ألا وهو الذي تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. وقال بعض أهل العلم: يحتمل أن يكون هذا رجل يشتري من فقير وضعيف متكسب فيعطيه أكثر من سلعته، أو يتقصده بالشراء منه لكي يعينه على أسباب الكسب، وهذا جميل جداً، إذ ليس من شرط الصدقة أن تكون هكذا من دون مقابل، مثال ذلك: أنت حينما تعرف رجلاً فقيراً معدماً، أو رجلاً مسكيناً ويبيع سلعة مباركة أو سلعة ميسرة من أدنى السلع ويبيعها بعشرين ريالاً، فتأتي أنت وتشتري منه واحدة من هذه السلع وتعطيه أربعين ريالاً أو تعطيه خمسين ريالاً وتذهب، أنت بهذا تعينه على الاستمرار في الكسب، واشتريت منه إعانة له، وما زاد عن قيمة السلعة هو صدقة، وهذا من أفضل أنواع الصدقة أيضاً، هو من خير ما يتصدق به العبد بإذن الله جل وعلا. الحاصل: فلنحرص -يا إخواني- على صدقة السر كما في هذا الحديث: إن مما هو أشد من الجبال والحديد والنار والماء والريح وغيرها الصدقة يتصدقها ابن آدم في السر فلا تعلم شماله ما تنفق يمينه.

حث على الصدقة وإخفائها

حث على الصدقة وإخفائها معاشر الأخوة معاشر الشباب هل منا من خرج في الساعة المتأخرة من الليل، أو خرج في غفلة الناس في الضحى وأخذ معه كيساً من الرز، أو ذبيحة من اللحم، أو شيئاً من الدجاج، أو شيئاً من المأكولات فقصد بيتاً من بيوت الفقراء لا يعرف من هو، لا يعرف وجهه، متلثماً مستخفياً متخفياً لا يريد أن يعرف، فطرق الباب وتصدق بهذه الصدقة وذهب؟ هل منا من يفعل ذلك؟ إننا -أيها الإخوة- كما نحن بحاجة إلى أعمال علنية جماعية نتعاون فيها مع بعضنا البعض، فإننا بأمس الحاجة إلى أعمال سرية، أعمالنا السرية صدقة في السر، أن تدخل لوحدك وأن تدعو واحداً من الضلال فيما بينك وبينه لا يعرف بذلك أحد، أن تعرف فلان بن فلان من المنحرفين وأن تجتهد عليه في السر لا يعرف أحد جهودك في دعوته، وجهودك في تقويم انحرافه، فإن هذا من أعظم الأعمال التي تؤجر عليها عند الله. والله إني لأغبط شباباً لم يعرفوا في المحاضرات، ولم يعرفوا في الندوات، ولم يعرفوا في اللقاءات، ولم يعرفوا في كثير من المنابر، ولكنهم في الدعوة أنشط منا وخير منا، وهم أتقى وأعلم وأنقى لله منا، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، نغبطهم بأن أعمالهم في السر، نغبطهم بأنهم لا يعرفون، نغبطهم بأنهم إذا ذهبوا لم يفقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا، فذلك أدعى لإخلاصهم. نسأل الله ألا يفسد أعمالنا وأعمالكم بالرياء أو السمعة.

رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه

رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه والسابع من الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: رجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه. فاضت عيناه بالدموع، وفي الحديث: (عينان لا تمسهما النار: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله) وفي الحديث: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله جل وعلا) لأن البكاء في السر والبكاء في الوحدة أمره عظيم، ما أكثر الذين حينما يجدون من يبكون يبكون! وكما يقول الشاعر: فلو قبل مبكاها بكيت صبابةً بسعدى شفيت النفس قبل التندم ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا بكاها فقلت الفضل للمتقدم والإنسان حينما يحضر مع قوم يضحكون ليس من الغريب أن يضحك معهم، وحينما يجلس مع قوم يبكون ليس غريباً أن يبكي أو يتباكى معهم، ولكن الخير والفضل وقوة الإيمان وصدق اليقين أن يبكي وحده، أن يبكي ولا يراه إلا الله، أن يبكي وحده في سيارته أن يبكي وحده في حجرته، أن يبكي فيما بينه وبين نفسه، أن يبكي بكاءً لا يعرفه من حوله، تنحدر من عينه قطرات ساخنة ودمع حار متتابع، يسيل على وجنتيه ولا يعرف من بجواره أن فلان بن فلان أبكى، أما الصياح والضجيج والنياح والبكاء ورفع الأصوات والمبالغة في هذا، فمن الناس من بكاؤهم في خير وبكاؤهم في صدق، ومن الناس من ترى فيهم تكلف البكاء أو تكلف التباكي إلى أمر يخرجهم عن حدود مقبولة في الغالب. يقال: إن الشافعي أو غيره مر برجل يبكي في المسجد، وقال: ما أطيب هذه الدموع ولو كانت وحدك لكانت أطيب.

من أسباب البكاء خشية الله

من أسباب البكاء خشية الله قال القرطبي رحمه الله: والبكاء فيض العين أو دمع العين هو بحسب حال الذاكر، فربما يبكي الإنسان حينما يسمع أوصاف الجلال، فحينما تقرأ في القرآن آيات عظمة الله؛ علمه قوته جبروته أن الله جل وعلا يسير الجبال فتسير، يجعلها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، أن الله يجعل البحار تنسجر، والنجوم تنكدر، والسماء تنفطر، والكواكب تنتثر، حينما تقرأ مثل هذه وحينما تبكي لهذه الأوصاف، فإنك تبكي لأوصاف الجلال والعظمة التي هي من علم الله وقوته وقدرته وجبروته جل وعلا. وقد يبكي الإنسان حينما يرى أوصاف الجمال، فإذا رأيت بستاناً جميلاً ورأيت وروداً متفتحة ورأيت زهوراً عبقة بالعطر، أخذت تبكي شوقاً إلى الجنة؛ لأن ما ترى في الدنيا هو شيء قليلٌ قليل جداً جداً بالنسبة لما هو موجود في الآخرة: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25] إذا ذكر نعيم الولدان والأولاد والذرية، ذكرت نعيم الجنة، وإذا ذكرت القصور، ذكرت أن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أفشى السلام، وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام، حينما تعلم هذا النعيم المقيم العظيم من الله جل وعلا: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ} [الواقعة:10 - 14] السابقون أغلبهم في الزمان الماضي، والقليل منهم في الزمن المتأخر: {وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ} [الواقعة:14 - 40] فالبكاء إما أن يكون لأوصاف الجلال وأوصاف عظمة الله جل وعلا، وإما أن يكون لأوصاف الجمال؛ الشوق إلى ما أعد الله جل وعلا. وقد كنت أحفظ عن جدتي رحمها الله رحمة واسعة وأحفظ عن عجائزنا وشيوخنا الكبار في السن إذا جلسوا في الطعام، قالوا: أسأل الله الكريم من فضله، يا ألله نعيم الجنة، يا ألله الجنة التي لا يتفرق أحبابها ولا يزول نعيمها، أما الآن فتكاد تنعدم سماع مثل هذه الكلمات، رحم الله الآباء والأمهات والأجداد والجدات، كانوا يعلموننا الشوق إلى الجنة، وكانوا يربون في نفوسنا أن ما نرى من النعيم ليس بشيء بالنسبة لما ينتظر المؤمنين عند الله جل وعلا، ولكن في هذا الزمان قل أن تسمع هذا، وقل أن تجد من يربي أولاده على مثل هذه المعاني. الحاصل أيها الإخوة: أن البكاء من خشية الله أمر عظيم جداً جدا، روى الحاكم من حديث أنس مرفوعاً: (من ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله حتى يصيب الأرض من دموعه لم يعذب يوم القيامة) فأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من عباده الذين يستظلون بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ونسأل الله جل وعلا أن يكرم المؤمنين والمؤمنات بهذا الفضل. ألا وإن هذه الفضائل ليست للرجال وحدهم دون النساء، وإنما هي لأولئك جميعاً، وذكر ابن حجر رحمه الله: إن مما يخص به الرجال دون النساء في الحديث كقوله ورجل قلبه معلق بالمساجد، قال: لأن صلاة المرأة في بيت زوجها أفضل. هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

شاب يستقيم تارة ويعوج تارة

شاب يستقيم تارة ويعوج تارة Q إنني أعاني من نزاعات نفسية بين الخير والشر، فأجد نفسي ملتزماً من الملتزمين، وبين الفينة والأخرى أرجع إلى بعض المعاصي والمنكرات كالأغاني والأفلام وترك الصلوات، فضيلة الشيخ! أرجو منك أن تدلني على الخير والفضيلة وفقكم الله وسدد خطاكم؟ A هذا يسميه الإخوان سير الثعالب، سير الثعالب: هو أن تكون تارة في اليمين وبعد فجأة نجدك في أقصى اليسار، وعلى أية حال نسأل الله أن يجعل سيرك سير الجياد الأصيلة، وإذا أردت أن تصدق نفسك، فاعلم أنك يوم أن تجد نفسك واحداً من المقصرين أو المنحرفين ما ذاك إلا لوجودك بينهم، إذ لا يعقل أن تجد نفسك منحرفاً بين إخوانك الطيبين، وحينما يفرط الإنسان في قول الله جل وعلا: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] حينما تنصرف عن هؤلاء وتعدو عيناك عنهم إلى غيرهم، وتطيع من أغفل الله قلبه وأخلد إلى الأرض، حينئذٍ ستكون من حزبه ولا حول ولا قوة إلا بالله! والنفس البشرية -يا إخوان- سريعة التأثر وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا من كثير التقلب لما رأت أختها بالأمس قد خربت صار الخراب لها أعدى من الجرب الإنسان يعدَى بمن حوله، فإذا كان الذين يخالطهم في مدارسه في وظيفته في مجالسه في لقاءاته في سهراته من المنحرفين، فإنهم يزينون له الباطل درجة درجة، والله جل وعلا قد نهانا عن خطوات الشيطان، فيه إشارة إلى أن الإنسان لا يضل فجأة، حينما تسأل الآن الذين هم وراء القضبان في سجون المخدرات، أو أصحاب الجرائم ومحترفي الجرائم والعصابات، هل أولئك انحرفوا فجأة لأول وهلة؟ لا. إنما هي جلسات ولقاءات وخلوات، تعاون فيما بينهم على منكر، درجة درجة حتى بلغوا ذروة سنام المعصية ولا حول ولا قوة إلا بالله! لذا فإني أنصحك وأشدد عليك في النصيحة أن إذا وجدت نفسك فارغاً ووجدت من قلبك ضعفاً وميلاً إلى المعصية فابحث عن مكان يجتمع فيه الأخيار؛ درس محاضرة كلمة ندوة حلقة قرآن مكتبة خيرية اذهب إلى التسجيلات الإسلامية واشترِ شريطاً اذهب إلى المكتبة وتصفح الكتب الموجودة اذهب إلى أي مكان تجد فيه أخياراً وأبراراً، والصادق -يا إخواني- الذي يريد مجاهدة نفسه سيجد في مركز الدعوة وخاصة بالذات في مدينة الرياض سيجد في مركز الدعوة والإفتاء في الرياض جداول لا تكاد أنت تغطي ولا نصفها، هناك دروس الفجر طول الأسبوع دروس بعد العصر طول الأسبوع دروس بعد المغرب دروس بعد العشاء محاضرات ندوات مشاركات. يا أخي! مراكز الجاليات بحاجة إلى من يشارك في الدعوة إلى الله، دعوة الكفار إلى الإسلام هذه التي ظهرت بنتائج إيجابية ووصلت إلى أرقام طيبة جداً جداً، القائمون على هذه المراكز يصيحون ويضجون يريدون من يتعاون معهم، هيئة الإغاثة الإسلامية تريد من يتعاون معها، رابطة العالم الإسلامي تريد من يتعاون معها، السجون بحاجة إلى من يتعاون معها، الأعمال الخيرية كثيرة، أشغل نفسك بالطاعة تنشغل بذلك عن المعصية إن كنت صادقاً: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:66 - 68] وكما تفضل الشيخ؛ لو أن الواحد منا يعزم على أن يتبع القول العمل، لوجد نفسه في ثلة مباركة من الأخيار أينما حل.

واجبنا نحو إخواننا في البلاد المجروحة

واجبنا نحو إخواننا في البلاد المجروحة Q قضية المسلمين في خارج هذه الدولة، في دول العالم الخارجي من انتهاك الحرمات ومن سفك الدماء كقضية كشمير وغيرها، نرجو من الشيخ توضيح مسألة كيف نحمل هذه الأمة، وكيف نتحرك من أجل هذا الإسلام؟ A الذي يحمل هم شيء يتتبع أخباره بادئ ذي بدء، فمن يحمل هم المسلمين في أفغانستان يتتبع أخبارهم، ومن يحمل هم المسلمين في كشمير، في سيريلانكا، في كمبوديا، في منغوليا، في أي مكان، لابد أن يتتبع أخبارهم. الأمر الثاني: ماذا بعد السماع؟ تحويل هذا السماع والعاطفة المتفاعلة مع هذه الأخبار إلى برنامج عمل، في كشمير يقتلون، بحاجة إلى سلاح، من الذي يشتري لهم السلاح؟ بحاجة إلى طعام، من الذين يؤمن لهم الطعام؟ بحاجة إلى غذاء، من الذين يؤمن الغذاء؟ أيتامهم بحاجة إلى كفالة، من الذي يؤمن لهم كفالة؟ بعض طلابهم بحاجة إلى تعليم، من الذي يتكفل بهؤلاء؟ من الذي يتكفل بإرسال عشرة أو عشرين طالباً من طلاب الجامعات من كشمير إلى مواصلة الطب هنا أو في أي دولة من الدول التي يواصلون فيه دراسات الطب ويصبحون أطباء؟ خدمة الإسلام لا تنحصر في مجال واحد يا إخوان، خدمة الإسلام حتى وإن تعذر عليك أن تخدم المسلمين هنا، لو تعذرت فمن شأنك أن تجمع المال وتأخذ المسلم من كمبوديا وترسله إلى الجامعة الإسلامية في باكستان أو جامعة أخرى وترسله إلى هناك، قد يقول قائل: العدد في الجامعة الإسلامية هنا مكتفٍ، والجامعات امتلأت، ما هناك إمكانية، هل نقف؟ إخواننا بحاجة إلى تعليمهم الفقه، بحاجة إلى تدريسهم القضاء، بحاجة إلى أن يتخرج من أبنائهم أطباء ومهندسون وكيميائيون وفيزيائيون، كيف تستطيع أن تعلم هؤلاء؟ اجمع المال، خذ لهذا الطالب منحة فأنت تخرجه من دولة إلى دولة على حسابك وأنت هنا، هل يشترط في التجارة أن تأخذ البضاعة من اليابان وتأتي بها إلى هنا؟ هناك من أكبر التجار من لا تعرف بضاعته هذه البلاد، يشتري البضاعة من اليابان ويبيعها في قطر، يشتري البضاعة من كمبوديا ويبيعها في تركيا، يشتري البضاعة من اليونان ويبيعها في إيطاليا، فينبغي أن نكون على مستوى تفكير ووعي، وما مع الحب إن أخلصت من سأم، إذا وجد الاهتمام سنجد السبل إلى العمل. ومثلٌ أضربه ورددته كثيراً: يا إخوان! لو أن واحداً منا يريد الزواج من فتاة ذكر من محاسنها وصفاتها ما تشرئب إليه الأعناق وما تتمناه القلوب، ما الذي يحصل؟ ستجد أن الواحد أولاً يعرف موقع بيتها تماماً، وربما عرف أمتار البيت، ورقم صك حجة الاستحكام الذي خرج فيه ذلك البيت، ثانياً: ستجد أنه يحاول أن يتعرف على أبيها وأصدقاء أبيها، يتعرف على أمها وصديقات أمها، على أخواتها ومدرسات أخواتها ومدرساتها، ستجد أن الرجل يبني أخطبوطاً من العلاقات حتى يصل إلى هذه الفتاة ويخطبها ويحقق النية بالزواج منها. فمن أحب الدعوة إلى الله وأحب خدمة الإسلام ولو بأقل من حبه لهذا المستوى سيعرف كيف يعمل.

هل أكون من الذين يظلهم الله

هل أكون من الذين يظلهم الله Q أنا شاب تبتُ إلى الله عز وجل بعد مدة طويلة وبعد عكوف عظيم على كثير من المنكرات، فضيلة الشيخ! هل أكون من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؟ A يا أخي الكريم! نسأل الله لنا ولك ذلك، التوبة تجب ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، أما قضية أننا نحدثك هل أنت في ظل عرش الله أم لست في ظل العرش، من الذي يعلم ذلك؟ يقول العلماء: ولا نشهد لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا من شهد له الله ورسوله بالجنة، ولكن نرجو للمحسن الثواب ونخاف على المسيء العقاب، حتى أحب أحبابنا وأقرب من نعرفه بالدعوة والصلاح والاستقامة لا يجوز أن نقول هذا من أهل الجنة، نقول: نسأل الله أن يكون من أهل الجنة، وحتى أفجر الناس لا نقول هذا في النار، بعض الناس إذا رأى مجرماً، قال: أما أنت ففي الدور الرابع من قعر جهنم، وهل علمت أنه من أهل النار؟! هل علمت أنه من أسفل سافلين؟! اتق الله! قد يتوب قبل موته، قد يعمل أعمالاً يسبقك أنت يا من تكلمت فيه، ومن الذي يتألى على الله تقول: إن الله لا يغفر لهذا؟ لا يجوز هذا الكلام، إنما نقول: نسأل الله لك ولأنفسنا وإخواننا أجمعين أن نكون في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله. ونقول يا أخي: إذا كان العرش عظيماً فما بالك بظله، أيضاً ظل عرش الله عظيم، وظل كل شيء بحسبه، فإذا كنا لا نكيف هذا العرش وعقولنا أصغر من أن تحيط بالعرش وصفاً وعلماً، فكذلك ظل العرش الكلام فيه كالكلام في العرش أصلاً. نرجو الله أن يتغمدنا وإياك برحمته. . نستغل مثل هذه اللقاءات، ولا نريد أن نسميها استغلالاً بل هي في الحقيقة اغتناماً، ولا نريد أن نكلف النفوس أكثر مما تطيق، فهناك مشاريع خيرية، ومن إخوانكم في الله من الشباب الطيبين المحتاجين للمساعدة، ولا أكتمكم أن عدداً منهم شكا إليَّ حاجته ومسكنته وفقره، وقد زكاه فضيلة الشيخ/ سعيد بن مسفر حفظه الله، ووعدت فضيلة الشيخ/ سعيد بن مسفر بن مفرح الداعية الإسلامي المعروف، قلت له: في أقرب محاضرة سوف أحدث الإخوة بجمع بعض التبرعات لمساعدة عدد من هؤلاء الشباب في أمر زواجهم وقضاء شيء من ديونهم. أرجو من الإخوة أن يتبرعوا ولو بالقليل، نحن لا نريد من مائة شخص أن يدفع على الخمسين ريال، لكن نريد من كل شخص أن يدفع خمسة ريالات إذا تيسر ذلك أو من أغلب الأشخاص، فإن القليل من الكثير يكون كثيراً بإذن الله، كما أرجو أن يقف على الأبواب التي حولكم وبجواركم من الأخوة من يجمع هذا المال ويسلمه للإمام جزاه الله خيراً، ونحن بدورنا نعطيه الشيخ تعاوناً على هذا وجزاكم الله خيراً. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

نعمة الأمن

نعمة الأمن إن الأمن نعمة جليلة من نعم الله، لا يعرف قدرها إلا من فقدها وحرم العيش تحت ظلها، لا من سخرها لغير مرضاة الله وطاعته. أيها الأحبة: هانحن اليوم نسمع باجتياح الكويت من قبل البعثيين وما حل بهم؛ فما هو واجبنا تجاه ذلك؟ وما هي العبر من ذلك؟ هذا ما ستعرفونه في هذه المادة.

الظلم وأنواعه

الظلم وأنواعه إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فإنها سبب الطمأنينة والأمن والرزق والرخاء والنِعم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: يقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] والظلم في هذه الآية هو الشرك، ويتناول كل ما سواه من أنواع الظلم بالتبع، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: الظلم على أنواع ثلاثة: فأولها ظلمٌ لا يقبل من العبد معه عدلاً ولا صرفاً، ولا قليلاً ولا كثيراً، ذلك المعني في قول الله تعالى: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] فإن من جاء بهذا الظلم الكبير -وهو الشرك- فلا حظ له في الأمن ولا الهداية ولا القبول ولا الفوز والنجاة. والنوع الثاني من أنواع الظلم: وهو ظلم العباد بعضهم بعضاً بعدوان بعضهم على حقوق بعض، ودماء وأعراض بعض، وأموال بعضهم البعض، فهذا الظلم معفو عنه برد الحقوق إلى أصحابها والتوبة إلى الله جل وعلا. والنوع الثالث من الظلم الذي تتناوله الآية: ألا وهو ظلم العبد نفسه بالمعاصي والسيئات، والفواحش والخطيئات؛ فهذا الذنب إن كان من الكبائر فلا مغفرة لصحابه إلا بالتوبة الصادقة النصوح، وإن كان من الصغائر على غير إصرار من فاعله فذلك مكفرٌ بقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] وقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] والشاهد كما يقول شيخ الإسلام سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: إن من أتى بنوعٍ من الظلم فقد نقص حظه من الأمن، ومن أتى بالظلم كله فقد فَقَدَ الأمن كله، ومن أقل أو أكثر في الظلم كثر أو قل نصيبه في الأمن بقدر ما فعل.

نعمة الأمن وفضلها

نعمة الأمن وفضلها أسوق هذا -أيها الأحبة- مقدمةً لأقول: إن الأمن نعمة من نعم الله جل وعلا، وكثيرٌ من النعم لا يعرفها أصحابها إلا عند فقدها، فالصحة نعمةٌ لا يعرف تمام فضلها إلا المرضى، والماء نعمةٌ لا يعرف تمام فضلها إلا العطشى، والطعام نعمة لا يعرف حقيقة فضلها إلا الجياع، والكسوة نعمة لا يعرف حقيقة فضلها إلا من كان عريانا، فكل نعمة تعرف بفقدها وبضدها، نعوذ بالله من ضد النعم، ونعوذ بالله من سائر النقم. معاشر المؤمنين: إننا في نعمة من أعظم النعم التي تفقدها كثير من الأمم ويغبن فيها كثير من الناس، ويسخرونها لغير مرضاة الله وطاعته. إن من نال أمناً وطمأنينة فحري به أن يسخر هذه النعمة في الدعوة إلى الله وعبادة الله على بصيرة، وشكر نعم الله جل وعلا، لا أن يكون الأمن سبباً للهو والطرب، والعبث والرقص كما هو شأن كثير من العباد والعياذ بالله. عباد الله: اعلموا أن البشرية وإن جمعوا أموالاً طائلة، وإن نكحوا عدداً من الزوجات، وإن تقلبوا في مختلف مظاهر المدنية، ما قيمة هذا كله بدون أمن؟! ما قيمة المال إذا كنت خائفاً لا تستطيع أن تجاوز بيتك لتشتري به قليلاً أو كثيراً؟! وما قيمة الحدائق ما دمت خائفاً لا تستطيع أن تنعم بظلالها الوارفة، ما قيمة الطرق وأنت خائفٌ لا تستطيع أن تسير أو تتجول فيها؟! ما قيمة الأسواق وأنت خائفٌ لا تستطيع أن تقضي حوائجك منها؟! ما قيمة كل ما تراه من بين يديك ومن خلفك، وعن يمينك وشمالك وأنت مضطرب خائفٌ فزعٌ لا تستطيع أن تنال من هذا شيئاً؟! إذاً: أليست نعمة الأمن مقدمة على نعمة الأموال، وعلى نعمة الثراء، وعلى نعمة المدنية والحضارة، وعلى كل مظاهر النعم التي يتنافس الناس فيها ويحسد أو يغبط بعضهم بعضاً عليها؟ عباد الله: أقول هذا والقلب كله أسى، والكبد مكلوم، والفؤاد مفطورٌ لما حل بإخواننا المسلمين في الكويت من اجتياح بعثي كافر غاشم، على أرض إخواننا المسلمين. أيها الأحبة: نقول هذا لأننا نعلم أن في البلاد رجالاً ودعاةً وصالحين، وعباد وأتقياء ومؤمنين، نعلم أن كل أولئك يعيشون على هذه الأرض، وأن هذا الأمر الذي حل بهم علم الله أنه أصابنا ما أصابهم وجعلنا نتأسى ونهتم ونغتم لما أصابهم، وهذا واجب كل مسلم، لا أن يقف موقف الشامت أو المتفرح أو الناقد. فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا إذا ما الدهر جر على أناس حوادثه أناخ بآخرينا إلى الذين يشمتون بمصائب إخوانهم نقول لهم: الأيام دول: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] فقد يقع بهم كحال مَن شمتوا فيهم، وإن الأيام متقلبة، ولكن المتفرج على كربة أخيه يدفع الغرامة ضعفين، فلا أقل من أن نرفع أكف الضراعة إلى الله جل وعلا أن يرفع عنهم الوباء، وأن يدفع عنهم البلاء، وأن يبعد أولئك الفجرة البعثيين عن أرضهم، ونسأل الله جل وعلا أن يحفظ أعراضهم، نسأل الله أن يحفظ أعراض بناتهم وزوجاتهم ونسائهم، نسأل الله أن يحفظ ذرياتهم، نسأل الله أن يحفظ دماءهم، نسأل الله أن يَمنُّ عليهم بالهداية، وأن يتفضل عليهم بأمن وعفو وعافية وفضلٍ ورعبٍ في قلوب أعدائهم يدفع البلاء عنهم. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

المسلمون هم هدف الحروب الأوروبية الصليبية

المسلمون هم هدف الحروب الأوروبية الصليبية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: هل سمعتم أن دولة أوروبية اجتاحت دولة أوروبية مثلها، هل سمعتم أن ولاية أمريكية اجتاحت ولاية أمريكية مثلها، هل سمعتم أن أرضاً كافرةً اجتاحت أرضاً كافرة مثلها، حتى ما نراه ونسمعه ونقرأه ونشاهده عبر مختلف الوسائل من أن بلاداً غربية غزت بلاداً غربية أخرى فاعلموا أن حقيقة المغزو فيها هم المسلمون. إن ما سمعناه ورأينا شيئاً من مشاهده وتابعناه في مصائب ليبيريا من الحكومة القائمة والحكومة المتدخلة التي سطت على أراضيها، واستمرار المذابح على أرض تلك البلاد تشير الإحصائيات أن نسبة الضحايا من المسلمين نالت المرتبة الأولى، حكومة نصرانية تهاجمها جماعة نصرانية والذبح في المسلمين، إنها تمثيلية، إنه مخطط غاشم نحن عنه غافلون.

الأمن نعمة يقذفها الله في القلوب نتيجة العبادة

الأمن نعمة يقذفها الله في القلوب نتيجة العبادة معاشر المؤمنين: اعلموا أن الأمن ليس بكثرة الجنود، ولا بكثرة الأجهزة، واعلموا أن الأمن ليس بتعدد أنواع وسائل النقل أو الأخبار أو الرصد أو غير ذلك، ولكن الأمن في القلوب، الأمن نعمة يقذفها الله جل وعلا في قلوب العباد، وهذه النعمة نتيجة العبودية لله، والقيام بشرعة والدينونة بدينه وتحكيم أوامره، وتطبيق نهجه، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. أيها الأحبة: أليست أمريكا أكثر الدول جيوشاً؟ أليست أكثرها أجهزة للأمن، وأدقها أجهزة لمكافحة الجريمة ومتابعة الجريمة والإنذار المبكر للجريمة؟ مع ذلك في كل دقيقة حادثة اغتصاب، وفي كل ساعة حادثة قتل، وفي كل نصف ساعة حادثة سرقة، وفي كل لحظة من لحظات الزمن يسجل التاريخ جريمةً من الجرائم، مع أنها من أرقى الدول إن لم تكن أرقى دولة في أسباب الأمن ومكافحة الجريمة! إذاً: نعلم من هذا أن الأمن ليس بكثرة الجنود ولا الرجال ولا الأجهزة، وإنما الأمن نتيجة عبادة الله جل وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} لم يظلموا أنفسهم بشركٍ، أو بظلم بعضهم بعضا، أو بظلم أنفسهم بالذنوب والمعاصي والسيئات: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] وعرف الأمن هنا بـ (أل) التي استغرقت جميع الأمن، الأمن النفسي والعسكري والإغاثي والاجتماعي والاقتصادي، وجميع ما يصدق عليه مسمى الأمن، فإن من عبد ربه من دون وقوع في الظلم فإن له الأمن.

الواجب على الأمة تجاه ما حل بالكويت

الواجب على الأمة تجاه ما حل بالكويت عباد الله: ما أنتم فاعلون بعد هذا؟ إن كثيراً منا لما سمعوا وتابعوا الأخبار في لندن ورويتر ووكالات الأخبار ما زادوا على ذلك شيئاً، والله -يا عباد الله- إن كنا نعرف حقيقة نذر الله للعباد، وإن كنا نتعامل مع سنن الله في الكون، فإن من واجبنا بعد أن سمعنا هذا الاجتياح الغاشم لإخواننا المسلمين أن ننظف البيوت من المعاصي، نطهر البيوت من السيئات، ونتوب إلى الله من الفواحش والخطيئات، وما دفع البلاء إلا بتوبةٍ صادقة، وما نزلت عقوبة إلا بذنب وما رفعت إلا بتوبة من ذلك. فيا معاشر المؤمنين: أين التضرع إلى الله، والله إني كنت أقول في نفسي: لتضجن المساجد بالقنوت في صلاة الفجر لتدعوا للمسلمين في الكويت أن يرفع الله عنهم هذا البلاء وهذا العدوان الغاشم، ولكن يا للأسف! لعل الكثير منا لم يدع لهم في ركوعه أو سجوده، لماذا يا عباد الله؟! أهكذا بلغت بنا الأنانية أن نتفرج على الأحداث؟ كم بيننا وبين هذه النار المحرقة؟ كم بيننا وبين هذا العدوان الغاشم؟ إنه عدوان حل بجيراننا ومع ذلك فهل ما نراه يغير في سلوكنا؟ هل يغير في واقعنا؟ هل يجعلنا أشد عودة إلى الله؟ هل يجعلنا أكثر رغبةً فيما عند الله؟ هل يجعلنا أشد تمسكاً بدين الله جل وعلا؟ إن من أعظم المصائب أن الإنسان يبتلى وينذر بالعقوبة أو بما شابهها ثم بعد ذلك هو لا يدري. فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

التقوى هي النسب بين الخالق والمخلوق

التقوى هي النسب بين الخالق والمخلوق يا معاشر المؤمنين: اعلموا أننا ولله الحمد والمنة على ما فينا من التقصير والنقص -لأن من بلغ به المدح إلى الإطراء حري أن يحثا في وجهه التراب- فإننا لا نزال بخيرٍ ونعمةٍ في تطبيق حدود الله وتحكيم كتابه، ومع هذا فإننا والله بأمس الحاجة على أن نتتبع كلام الله حرفاً حرفاً وآيةً آية لنطبقه في واقعنا، ونعمل به في مجتمعاتنا، فإن ذلك أول سببٍ يحفظنا الله جل وعلا به، ولن نكون أفضل عند الله من الكويتيين أو من أي دولةٍ من الدول؛ لأننا من أهل نجد أو من أنحاء الجزيرة، فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بالتقوى فمن كان أتقاهم لله كان أقربهم منه. إن بلالاً العبد الحبشي الأسود الذي أكرمه الله بالصحبة لفي أعظم منزل من منازل الملوك والرؤساء وأشراف القبائل، لماذا؟ لأننا نعلم أن هذا الدين كلٌ مكانه فيه بحسب قربه من الله، فإذا كنا نعلم أن الأمن من الله فلا بد أن نتقرب إلى الله بطاعة الله ومرضاته، والبعد عما يسخطه واجتناب ما نهى الله جل وعلا عنه. فيا معاشر المؤمنين: الخوف الخوف! من العقوبة، والبدار البدار! إلى التوبة، استعدوا وأنيبوا وأسلموا وأخبتوا إلى ربكم، واعملوا أن الأمور وإن كانت تحزُّ في النفس إلا أنه ولله الحمد والمنة -حتى الآن- لم يحصل لأحد إخواننا في الكويت ما ينقل أن بيته اغتصب، أو أن داره دوهمت، أو دخل عليه في عقر داره، لكن هل ننتظر حتى يدخل الفجرة في بيوتهم؟ نعوذ بالله من أن يكون ذلك مما ننتظره أو مما نعده طمأنينة كافية، بل لن نطمئن حتى يخرج إلى أولئك الفجرة من آخر شبر من أراضيهم ويرتدوا على أدبارهم منكسرين. اللهم لا تجعل ذنوبنا سبباً لما حصل لإخواننا يا رب العالمين! يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر.

هل من عودة قبل الموت؟

هل من عودة قبل الموت؟ تكلم الشيخ في بداية هذه المادة عن حقيقة الموت ثم أتبعها بقصص واقعية تبيّن حسن الخاتمة وسوءها، ثم ختمها بالتحذير من المعاصي التي تؤدي إلى سوء الخاتمة.

حقيقة الموت

حقيقة الموت الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! معاشر الأحبة: هناك مدخل رئيسي، وهناك حقيقة لابد من طرحها، وقضية لابد من مواجهتها، قضية لابد أن نواجهها نحن، لابد أن يواجهها كل واحد في هذا المسجد، ولابد أن يواجهها كل مسلم وكافر، كل بعيد وقريب، كل ذليل وحقير، كل عزيز وأمير، كل صعلوك ووزير، إنها حقيقة الموت. هي نهاية المطاف، هي خاتمة الدنيا، كل البشرية تشهد وتعلم وتنطق أن نهايتها هي الموت، وأن منتهى الطريق بالنسبة لها هو الانقطاع عن هذه الدنيا، انقطاع النفس، وانقطاع الروح، وانقطاع الجوارح، فالعين لا تبصر، واليد لا تتحرك، والأذن لا تسمع، والنَّفَسُ لا يجري، والدماء لا تتحرك، والشرايين لا تنبض. إنها النهاية الأخيرة التي يواجهها ويقف أمامها كل صغير وكبير، كل بعيد وقريب. وكثيراً ما سمعنا بشباب كانوا في غفلة وبعد، كانوا في قسوة وجفاء وغلظة، كانوا في قطيعة وعقوق، بعضهم يشهد ويقر على نفسه، يقول: ما ركعتها في المسجد مع الجماعة، وبعضهم يقول: ما جانبت كأس الخمر مرة. وبعضهم يقول: ما سافرت إلا واقعت الفاحشة. فإذا به في يوم من الأيام تجده باكياً خاشعاً، ساجداً راكعاً، سبحان مقلب القلوب والأبصار! من الذي غير هذا؟ من الذي بدل أحواله؟ إنه الله جل وعلا، ولكن كيف السبب؟ ما هو السبيل؟ وأي طريقة وصلت إلى قلبه؟ قدر الله على الكثيرين منهم أن يقفوا مشهداً ماثلاً حقيقياً لا محيص ولا مناص عنه، قدر الله للكثير منهم أن يقفوا أمام حقيقة الموت وهم بأم أعينهم وأمهات أبصارهم يشهدون صديقاً أو حبيباً أو قريباً، ولا ينفع طبيبهم، ولا يجدي نحيبهم.

قصص متفرقة في حسن وسوء الخاتمة

قصص متفرقة في حسن وسوء الخاتمة حدثني أحدهم قال: كنت مسافراً في دراسة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكان شأني شأن كثير من الشباب الذين يقضون الليل في الملهى، والمساء في المرقص، والعبث الذي تعنيه كلمة العبث بأبعادها ومعانيها، وذات يوم وكنا آيبين من ملهانا وعبثنا، تقدم بعضنا إلى السكن، أما واحد منا فلقد استبطأناه، ثم قلنا: لعله يأتي بعد سويعة، أو بعد ساعة، أو بعد هنيهة، ثم لم نزل ننتظر لكنه ما أتى، فنزلنا نبحث يميناً وشمالاً، وخاتمة المطاف قلنا: لابد أن يكون في موقف السيارات (الكراج) تحت البناء، فدخلنا ذلك البناء، دخلنا موقف السيارة فوجدنا السيارة لا زال محركها يدور، وصاحبنا قد انخنعت رقبته على إطار السيارة وهو في مكانه، والموسيقى الهادئة لا زالت منذ آخر الليل حتى اللحظة التي فتحنا فيها باب السيارة وهي تدندن وتطنطن، فصحنا نادينا، تكلمنا: يا أخانا، يا صاحبنا فإذا به قد انقطع عن الدنيا منذ اللحظة التي وقفت سيارته في ذلك الكراج. هذه نهاية أشعلت في قلوب الكثير من أولئك الشباب يقظة وغيرة، وعودة وإنابة، وتوبة وخضوعاً إلى الله، فعادوا إلى الله تائبين، ما شربوا بعدها، ولا فعلوا بعدها، بل أنابوا واستكانوا وعادوا لربهم، أسأل الله أن يثبتنا وإياهم، وأسأل الله أن يعامل صاحبهم بعفوه، وأن يتجاوز عنا وعنه. هذه واحدة والأخرى ليس لها إلا أيام قليلة سمعتها من أحد إخواني في الله، يقول: كنت كغيري من سائر الشباب، وفي ليلة من الليالي التي كنت أسهر فيها مع أحبابي وأصدقائي، ومن بينهم واحد من الأحبة هو أعز حبيب إلي، وأعز صديق إلى قلبي، وأقرب قريب إلى فؤادي، بينما أنا وإياه إذا به فجأة يصرخ: فلان! أدركني. ما الذي بك؟! إني أحس بشيء في قلبي. قال: فدنوت منه، فإذا هو يتلبط ويتقلب، ويقول: أسرع لي بطبيب!! فناديت واتصلت بمن يحضر لنا طبيباً، وكانت الفترة لا تتجاوز خمس عشرة دقيقة أو عشرين دقيقة ونحن ننتظر وصول الطبيب، وفي تلك الدقائق وكان يقول: إني أحس بالفراق، إنها النهاية، إنها الخاتمة، سأفارق الدنيا، سأترك طفلي، سأترك زوجتي، سأفارقكم، ستضعونني في كذا، ستتركونني وحدي. وأخذ يمر عليه سجل ذكرياته، وأخذت تتقلب أمامه صحائف أفعاله، قال: وأنا أنظر إليه وكلي وحشة ودهشة، وكلي عجب وغرابة، وأنا أنتفض وهو يحاسب نفسه ويعاتب روحه، وأنا والله أصبره وأنا أشد ألماً منه، وأشد استعراضاً لما يكون في حياتي منه، فأخذت أتقلب في ذلك الموقف وما هي إلا ست عشرة دقيقة تزيد أو تنقص قليلاً حتى فاضت روحه، وذهبنا وأحبابنا وأقاربنا وأصحابنا نضع قريبنا وصديقنا وأعز أحبابنا وأجل أقاربنا نضعه في مثواه الأخير، ونواري عليه التراب، أحب الأحباب هو الذي يتقن من اللحد ألا يتسرب منه ذرة هواء أو إشعاع نور، ثم ما برحنا أن نهيل عليه التراب، ثم ودعناه في مثواه الأخير، وانصرفنا. شاب من مدة ليست بالقريبة حدثني عن أحد الشباب بما تسمى بـ بانكوك، قال: لقد كان في ضلالة وبلاء، وقد كان في أمر لا يفيق من جرائه من المخدرات أو الشراب، وما صاحب ذلك من مصاحبة البغايا والفاجرات، وفي لحظة من سكره وشوق إلى عهره تأخرت صديقته، تأخرت حبيبته عليه، وقد كاد يجن من تأخرها، فما هي إلا لحظات حتى أقبلت عليه، فلما رآها خر ساجداً لها تعظيماً، خر ساجداً لها! وما الذي تنتظرونه؟ هي السجدة الأخيرة، هي النهاية، والله ما قام من سجدته، بل أقاموه في تابوته وأرسلوه بطائرته، ودفنوه مع سائر الموتى. أيها الأحبة: إن هذا الموت هو أخطر وأعظم وأكبر حقيقة يواجهها الشقي والسعيد، الغني والفقير، العزيز والذليل، الرفيع والحقير، ومن أجل هذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) (ألا وإني كنت نهايتكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة). أيها الأحبة: أسوق هذه الأحداث متفرقة مختلفة وكلها تختلف من حيث الخاتمة والنهاية، لكنها في مؤدى واحد وهو الخاتمة، أي خاتمة نواجهها؟ أي نهاية نفضي إليها؟ وأي عمر يمتد بنا؟ وأي شباب نتقلب فيه حتى ننتقل منه إلى الشيخوخة ثم نتوب بعد ذلك هل ضمنا هذه الحياة؟ وهل ضمنا هذه الأعمار؟ بادروا بالتوبة، بادروا بالإنابة قبل أن يخطفكم الموت، ويخطفكم الأمل، وتمضي الملائكة بوديعة الله من أرضه إلى السماء، فتكون في أعلى عليين أو في أسفل سافلين. إن حسن الخاتمة وسوء الخاتمة لأمر خطير وعجيب وجليل جداً، جاء صحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي يجهز جيشاً من الجيوش لمعركة حاسمة مع الكفار، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ كافر، فقال: (يا محمد! أرأيت إن اتبعتك، فما الذي لي وما الذي علي؟ قال: إن شهدت أن لا إله إلا الله وأني رسول الله كان لك ما للمسلمين عامة، وعليك ما عليهم عامة، فإن غنموا غنمت معهم، فقال: ما على هذا أتبعك. فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن غنموا فأنت معهم في الغنيمة، وإن مت فلك الجنة من الله جل وعلا، فقال ذلك الصحابي: والله ما على هذا اتبعتك -أي: ما اتبعتك لأجل الغنيمة- وإنما اتبعتك على أن أغزو معك فأرمى بسهم من هاهنا، وأشار إلى نحره ويخرج السهم من هاهنا وأشار إلى قفاه) ثم دخل المعركة وقاتل وأبلى بلاء حسناً، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمي بسهم دخل في نحره وخرج من قفاه، فقال صلى الله عليه وسلم: (صدق الله فصدقه، بخ بخ! عمل قليلاً ونال كثيراً) دخل الجنة وما سجد لله سجدة. انظروا الخاتمة، انظروا النهاية، انظروا الخاتمة وتأملوها واعتبروا بها، أسأل الله أن يحسن لي ولكم الخاتمة، وأن يجعلنا وإياكم من السعداء، وأن يتوفانا على التوحيد شهداء. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

التحذير من سوء الخاتمة

التحذير من سوء الخاتمة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. جاء عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بكتب أربع كلمات: برزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد. فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذارع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) حديث صحيح. أيها الأحبة في الله: هذا الحديث عمدة في حسن الخاتمة وسوءها، نسأل الله جل وعلا أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، نسأل الله جل وعلا الثبات على نعمة الدين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الأنبياء وسيد المرسلين، أول من ينشق عنه القبر، وأول من تفتح له أبواب الجنة، وأول من ينال أعلى منازلها، وهو صاحب المقام المحمود، وهو صاحب الوسيلة والشفاعة العظمى، الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان يطيل قيامه وصيامه، وكان يطيل سجوده وتهجده، ويقول: (يا مقلب القلوب! يا مقلب القلوب! يا مقلب القلوب!). فيا عباد الله: اسألوا الله جل وعلا بهذا الدعاء، اسألوا الله الذي بيده النواصي، اسألوا الله الذي بيده القلوب وهي بين إصبعين من أصابع الرحمن التي تليق بجليل وجهه وعظيم سلطانه، اسألوا الله أن يثبت قلوبنا وقلوبكم على الإيمان، وأن يعصمنا من الزيغ والضلالة، ومن الغواية بعد الهداية، ومن الفساد بعد الصلاح. وأنتم يا شباب المسلمين! إن الكثير من شبابنا يسوفون التوبة ويؤجلون الإنابة، وينشغلون بالعبث ويلهون في الباطل ظناً منهم بأن الحياة أمامهم، وهم في ريعان الشباب، وفي ربيع العمر، وفي زهرة الدنيا يظنون أن الاستقامة تعقيد، وأن الطاعة وسوسة، وأن الإخبات لله تضييق وتشديد لا والله يا عباد الله! إننا نفوت على أنفسنا حظاً عظيماً من السعادة بقدر ما نفوته من الأعمال الصالحة، واعلموا أن الموت ساعة لا تتقدم ولا تتأخر، فمن الذي يضمن خروجه من المسجد؟ ومن ذا الذي يضمن يقظته من فراشه؟ ومن ذا الذي يضمن عودته إلى بيته؟ ومن ذا الذي يضمن وصوله إلى عمله؟ إذا كان هذا شأننا فيا عجباً لقسوة قلوب لا تدري متى تخطف، وهي مع ذلك عابثة لاهية: تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر وكم من عروس زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري فيا عباد الله: استعدوا للقاء الله، وبادروا بالتوبة، والخضوع والإنابة، إنما هذه الدنيا متاع قليل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم:55] والله إن هذه الدنيا بما فيها من ملذات وشهوات، ومراكب وقصور، ودور وضيعات، وزوجات وجنات، وأموال وذريات لا تعدل غمسة في نار جهنم، وإن الشقاء في هذه الدنيا بما فيه من الفقر والمرض، والسقم والذلة، وضيق الحال لا يساوي غمسة في نعيم الجنة، يوم القيامة يؤتى بألذ أهل الدنيا حالاً وأيسرهم عيشاً ثم يغمس غمسة وهي أقل جزء من أجزاء اللحظة يغمس غمسة في النار فيقال: يا بن آدم! هل رأيت نعيماً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا يا رب! ما مر بي نعيم قط. ينسى نعيم الدنيا كله في غمسة صغيرة دقيقة في النار. ويؤتى بأشد أهل الدنيا بؤساً وفقراً ومرضاً فيغمس غمسة واحدة في الجنة فيقال: يا بن آدم! هل مر بك بؤس قط، هل مر بك شقاء قط؟ فيقول: يا رب! ما مر بي شقاء، وما مر بي بؤس. فلنعد لذلك اليوم وهو يوم لابد أن نَرِدَهُ على صراط أدق من الشعرة وأحد من السيف، الناس يمضون عليه على قدر أعمالهم، وكلاليب جهنم عن يمين ويسار، فمن المؤمنين الذين يسعون ونورهم بين أيديهم مد أبصارهم يمرونه كالبرق الخاطف، ومن المؤمنين من يمرونه كأجاود الخيل، ومنهم من يمره كأسرع الناس عدواً، ومنهم من يحبو على الصراط حبواً، ومنهم من يمضي عليه فتدركه كلاليب جهنم، أدركته أعماله السيئة وتفريطه في حقه، وتضييعه وتقصيره في جنب الله وطاعته. فلنعد لذلك اليوم، ولنعد لدار سوف نسكنها، سوف نبقى فيها، والله ما نفع أهل الأموال أموالهم: أين الملوك؟ أين الأمراء؟ أين الوزراء؟ أين الرؤساء؟ أين الخلفاء؟ أين الذين ملكوا؟ أين الذين نالوا؟ أين الذين جمعوا؟ أين الأغنياء؟ أين الأثرياء؟ أين الكبراء؟ لقد ودعوهم وودعناهم في حفرة لا فراش فيها ولا خادم، ولا مائدة فيها ولا باب إليها، لا نور يضيئها ولا هواء يهويها، لا شيء فيها إلا خرقة بيضاء يحسدك الدود عليها فينتزعها من جسمك، ولا يتركها لك، كتب الله أن تعود إلى هذه الدنيا في نهاية المطاف وفي خاتمة الأمر كما نزلت عليها، حتى كفنك ينازعك الدود فيه فيقرضه منك خيطاً خيطاً، شعرةً شعرةً، وينتزعه من جسدك، فإن منَّ الله عليك وكنت من الصالحين عوضك الله بهذا الكفن أبواباً إلى الجنان، ونعيماً مقيماً في دار الخلود، فتفتح لك أبواب الجنة ويضاء لك القبر، وتؤنس بعملك الصالح، وتبقى زاهياً متغنياً، تقول: رب! أقم الساعة، رب! أقم الساعة. وإن كنت من أهل الشقاء، من أهل الضياع الذين ضاعت أموالهم في الربا، وتركوا المساجد، وغفلوا عن الجماعات، وضيعوا حقوق الله، وانتهكوا محارمه، في كل سفر وفي كل ذهاب وإياب، لا يراعون حرمات الله، يواقعون الفواحش لا يبالون، فإنك لا تجني من الشوك العنب، وكل سيلقى عمله أمامه. يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل انظروا واجمعوا في صناديقكم، لو زار كل واحد منا قبره في الأسبوع مرة، في نصف الشهر مرة، في الشهر مرة وأنت تنظر: هذا صندوقي، هذا فراشي، هذه داري، سأسكنها وحدي، هل وضعت فيها عملاً صالحاً، أم أودعتها خيبة وضياعاً، وحرماناً وحسرة؟؟ أسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، اللهم أبقنا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً الله فجازه بالحسنات إحساناً.

هل من وقفة للمحاسبة؟

هل من وقفة للمحاسبة؟ تأملوا طلوع الشمس من مشرقها مضيئة ثم غروبها واصفرارها، ثم هجوم الظلام ورحيل الضياء، ثم بزوغ فجر جديد يسير بنا نحو الغايات والآجال، بل تأملوا بزوغ تلك الأهلة صغيرة نحيلة، ثم نموها نحو الكمال والجمال، وما بعد ذاك إلا المحاق والزوال، وكذلك أنتم يا عباد الله! تكونون نطفاً في الأرحام ثم علقاً ومضغاً، وتولدون دقاقاً ضعافاً، ثم تكونون شباباً، ثم تبلغون أشدكم ثم تكونون شيوخاً، فمنكم من يرد إلى أرذل العمر ومنكم من تخطفه الآجال، فيا من علمتم أن هذا حالكم ومصيركم! ماذا أعددتم للقاء ربكم؟!

أثر مسير الأعوام في الأعمار

أثر مسير الأعوام في الأعمار الحمد لله الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، أحمده سبحانه وأُثني عليه الخير كله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، أرسله الله سبحانه وتعالى إلى الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه ومن تمسك بسنته وسلم تسليماً كثيراً. عباد الله: اتقوا الله حق التقوى. معاشر المؤمنين: بعد يومين أو ثلاثة تطوون صحائف عام كامل مضى وانقضى، وتبدءون عاماً جديداً، ولعلكم تعجبون وتقولون: سرعان ما انقضى ذلك العام، ومرت كالبرق فيه تلك الليالي والأيام. لا شك -يا عباد الله- أنها مطاياكم تَحث بكم السير إلى نهايتكم، فالليل يسير بكم مرحلة، والنهار يُقدمكم أخرى، وكل يوم تمرون به يباعدكم عن الدنيا ويقربكم إلى الآخرة، أليست -عباد الله- حكمة بالغة وآية واضحة، ودليل فناء وانقضاء؟ معاشر المؤمنين: لا شك أن سرعان مضي الأيام، غالباً يمر على أهل السعادة والصحة والعافية، وإن تباطؤ وثقل تلك الأيام يمر على أهل العلل والمصائب، وإلا فإن الليل والنهار بين السعادة والشقاء، كله أربع وعشرون ساعة، منذ أن خلق الله السماوات والأرض إلى يومنا هذا، لكنه النعيم والوصال، أو البلاء والمصيبة، تجعل بعض الأيام سريعة المضي والانقضاء، وتجعل غيرها بطيئة المضي والانقضاء، وكما يقول القائل: مرت سنين بالوصال وبالهنا فكأنها من قصرها أيام ثم انثنت أيام هجر بعدها فكأنها من طولها أعوام ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام معاشر المؤمنين: تأملوا طلوع الشمس من مشرقها مشرقة مضيئة، ثم زوالها ثم غروبها مصفرة ضعيفة، ثم هجوم الظلام ورحيل الضياء، ثم بزوغ فجر جديد يطوي بالعباد يوماً بليلة، وستحث بهم الخطى نحو الغايات والآجال. تأملوا بزوغ الأهلة صغيرة نحيلة، ثم تنمو نحو الكمال وبدور الجمال، وماذا بعدها إلا المحاق والزوال، وأنتم يا بني آدم في الأرحام نطفاً، وتخلقون علقاً ومضغاً، وتولدون رقاقاً ضعافا، ثم تكونون شباباً، ثم تبلغون أشدكم ثم تكونون شيوخا، فمنكم من يرد إلى أرذل العمر، ومنكم من تخطفه الآجال قبل ذلك. عباد الله: كل شيء في هذا الوجود دليل على الفناء والزوال، وشاهد على بقاء رب العزة والجلال: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [النور:44]. تأملوا عامكم الذي ودعتم، وتأملوا عامكم الذي ودعكم كم ولد فيه من مولود، وكما مات فيه من حي، وكم عز فيه من ذليل، وكم ذل فيه من عزيز، وكم اغتنى فيه من فقير، وكم افتقر فيه من غني، وكم حصل فيه من اجتماع بعد افتراق، وافتراق بعد اجتماع، كم صح فيه من سقيم، كم اعتل فيه من صحيح، كم وكم وكم. تقلبٌ وتغيرٌ وتبدلٌ يطوى في الليالي والأيام، وترحل به الشهور والأعوام، فسبحان المتفرد بالبقاء والدوام.

من أقوال السلف في مضي الأعمار

من أقوال السلف في مضي الأعمار قيل لنوح عليه الصلاة والسلام، وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً: يا أطول الأنبياء عمرا! كيف رأيت هذه الدنيا؟ فقال: رأيتها كداخل من باب وخارج من آخر. وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فقال: (أيها الناس! إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين: أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم، ومن الحياة قبل الموت). وخطب أبو بكر رضي الله عنه، فقال: [إنكم تغدون وتروحون إلى أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا]. وقال عمر بن الخطاب في خطبته: [أيها الناس! حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]]. عباد الله: فلنحاسب أنفسنا في عامنا المنصرم، ولنجرؤ في السؤال، ولنصدق ب A كيف قضينا ساعاته؟ وفيما أمضينا أوقاته؟ نسأل أنفسنا اليوم وسنسأل عن هذا غداً.

المحاسبة بين يدي الله عن الأوقات والأعمار

المحاسبة بين يدي الله عن الأوقات والأعمار روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله ديناراً ديناراً درهماً درهماً، من أين اكتسبه وفيما أنفقه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فيا ليت شعري من أعد منا لهذا السؤال جواباً؟ الناس أمام هذا الأمر مذاهبهم شتى، أجوبتهم متباينة، منهم من أفنى عمره في الدنيار والدرهم الزائل والحطام الفاني، أبلى شبابه في مضاعفة ما جمع بأي سبيل وعبر أي وسيلة، قد أفنى عمره في الغفلة والكسل، واللهو والعبث، قد غره التسويف مع طول الأمل، أما العلم فلم يبال بالعمل بما علمه، أو تعلم ما جهله، بل إن منهم من جعل ذلك وراءه ظهرياً، أما المال فإن الكثيرين لم يألوا جهداً في اكتسابه من أي طريق حل أو حرم، ما دامت البضاعة تزجي لهم ربحاً، وتسح المال عليهم سحاً، فتركوا فرائض ربهم، ونسوا أمر آخرتهم، ولم يزل ذلك دأبهم حتى خرجوا من الدنيا مذمومين مدحورين مفلسين من الحسنات والأعمال الصالحات، فاجتمعت عليهم سكرات الموت، وحسرات الفوت، وهول المطلع، فيندم الواحد منهم على تفريطه، يوم لا ينفعه الندم، وبعد أن زلت به إلى الموت القدم: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:24 - 26] ومنهم من ربح عمره وتزود فيه لآخرته، أفنى عمره في طاعة ربه، والتزم بشرائع دينه، وأبلى شبابه في مجاهدة نفسه من دونه، فعلم وعمل وصبر وصابر، واكتسب المال من حله وأنفقه في محله، فهنيئاً له النجاح والفوز والفلاح، يقال له عند ختامه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. أسأل الله أن نكون وإياكم أجمعين من أولئك، ومن كان حاله كذلك فليسأل الله الثبات وليلزم، ومن كان غير ذلك فليبادر إلى التوبة ما استطاع. وما المرء إلا راكب ظهر عمره على سفر يفنيه باليوم والشهر يبيت ويضحي كل يوم وليلة بعيداً عن الدنيا بعيداً عن القبر تأملوا فناء الأعوام، وتجدد الأيام، تأملوا ذلك يا عباد الله، وليكن لكم فيه عبرة. أشاب الصغير وأفنى الكبير مر الغداة وكر العشي إذا ليلة أهرمت أختها أتى بعد ذلك يوم فتي بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الحث على التوبة والتشمير في العمل الصالح

الحث على التوبة والتشمير في العمل الصالح الحمد لله منزل الكتاب، وهازم الأحزاب، وخالق الخلق من تراب، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه مآب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين: مضى من أعمارنا عام سبقته أعوام، ذلك العام لا تعود منه دقيقة واحدة مهما اجتمعت على ذلك من قوات الإنس والجن والبشرية، لا تستطيع أن ترد دقيقة واحدة منه، ولو أوتيت كل وسيلة من ذلك. معاشر المؤمنين: اعتبروا في هذا الفوات الذي لا استدراك له إلا بالتوبة والإنابة، ومضاعفة العمل والجد والتشمير في طاعة الله. جاء في الأثر: [في كل صباح ينادي مناد: يا بن آدم! أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود أبداً] ويقول صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك).

الموت هو بداية الحياة فما أعددنا

الموت هو بداية الحياة فما أعددنا اعلموا يا عباد الله: أن الموت ليس هو النهاية، بل إن الموت هو بداية الحياة الطويلة، هو بداية الحياة البرزخية، هو بداية الحياة التي يقال فيها للناس بعد ذلك: يا أهل الجنة! خلود ولا موت، ويا أهل النار! خلود ولا موت، إذاً: فاستعدوا لما بعد الموت، استعدوا في هذه الأيام ما دمتم في فراغ ولله الحمد والمنة، لم يكونوا منشغلين بفقر أو بمرض أو بسقم أو ببلاء أو بمصيبة، استغلوا شبابكم قبل هرمكم، وجاهدوا أنفسكم قبل أن تغلبكم، وتداركوا أوقاتكم قبل أن تخطفكم الآجال، قبل ألا تنالوا ما تسوفونه وتتمنونه. أسأل الله جل وعلا أن يمن علي وعليكم بالاستدراك قبل الفوات، والاستعداد قبل الممات: مضى أمسك الماضي شهيداً معدلا وأصبحت في يوم عليك شهيد فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثن بإحسان وأنت حميد ولا ترج فعل الخير يوماً إلى غد لعل غداً يأتي وأنت فقيد فيومك إن أعتبته عاد نفعه عليك وماضي الأمس ليس يعود فتداركوا يا عباد الله! تداركوا الأمور قبل الفوات، واستعدوا قبل الممات، إنها والله يا عباد الله لحظات ثم لا يدري الإنسان ولا يستطيع الإنسان الاستدراك، إن الموت يأتي بغتة، إن الأجل يخطف العبد خطفة. يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل اجتهدوا في ملء هذا الصندوق بالأعمال الصالحة، اجتهدوا أن تجدوا أنيساً لكم من أعمالكم يؤانسكم في وحشتكم، ويحادثكم في غربتكم، ويقربكم إلى مغفرة ربكم برحمة خالقكم، اجتهدوا -يا عباد الله- وإنا والله لفي غفلة، وإنا والله لفي شغل عن أمر الآخرة، وإن الكثير من المسلمين لفي إدبار عن دين الله جل وعلا ولا عذر لهم ولا حجة، وقد آتاهم الله جل وعلا من عافية الأبدان، وكثرة الأموال، والبركة في الأرزاق ما لم يؤت أحداً من العالمين، ما جوابهم أمام الله، الكثير منهم يسمع نداء الله، يسمع دعاة الفلاح يؤذنون في كل صباح: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، فلا يهب الكثير منهم، بل يأنسون ويرغبون ويتثاقلون في فرشهم، قد بال الشيطان على نواصي الكثير منهم. ألا وإن ذلك خطر عظيم، وبلاء على الأمة جسيم. عباد الله: إن ما نراه ونشاهده في صلاة الفجر خاصة، وهو أن كثيراً من المسلمين لا يشهدون هذه الفريضة مع جماعة المسلمين إنها لمصيبة عظيمة، إنها لبلية كبيرة، ولا تدرون يا عباد الله أن الله جل وعلا قد يحدث عليكم من البلاء والفتن والمصائب بسبب ذنب واحد من الذنوب، فكيف إذا جمعنا على أنفسنا ذنوباً عدة، أليس الكثير منا يتخلف عن الصلاة في جماعة؟ أليس البعض والعياذ بالله لا يعرف الصلاة إلا يوم الجمعة؟ أليس بعض المسلمين يسمع آيات الله تتلى في تحريم أكل المال بالباطل، وأن الله جل وعلا قد آذن آكل المال بالباطل بحرب منه ومن رسوله ومع ذلك يسمونها بغير اسمها، ويأكلون الحرام جهاراً نهارا؟ أفلا يخشون الله؟ أفلا يخافون ربهم الذي خلقهم؟ إن كثيراً من المسلمين قد سخروا نعماً وهبها الله لهم في عصيان الله، ومعاندته ومخالفة أمره، فيا سبحان الحليم العظيم الذي يؤتي العباد آذاناً فيسمعون بها ما يغضبه، ويخلق للعباد أبصاراً فيرون بها ما حرم عليهم، ويؤتيهم من الأيدي والأرجل ما يملكون به بطشاً فيسعون به إلى عصيان الله، سبحان الحليم العظيم، ما أحلم الله على خلقه. ولكن اعلموا يا عباد الله أن الله سبحانه وتعالى ليملي للظالم ولا يهمله، فإذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر. نسأل الله جل وعلا أن يتلطف بنا، وأن يمن علينا بالتوبة والاستدراك إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد الإسلام بسوء، وأراد ولاة أمره بفتنة، وأراد علماءه بمكيدة، وأراد شبابه بضلال، وأراد نساءه بتبرج واختلاط وسفور، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم عليك بالشعوبيين الفرس، اللهم عليك بهم فإنهم لا يصدقون كتابك، ولا يصدقون بنبوة نبيك، ويسبون صحابة نبيك. اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أهلكهم جميعا، اللهم أحصهم عددا، وأهلكم بدداً ولا تبق منهم أحداً، اللهم لا ترفع سوط عذابك عنهم، اللهم أهلك زروعهم وضروعهم، اللهم انتقم للمسلمين منهم، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف. ربنا إن عبادك يحجون يلبون لك، وإن غيرهم من الشعوبيين يلبون للزعماء والرؤساء، اللهم اجعل تلبيتهم حسرة عليهم، واصبب سوط عذابك عليهم بقدرتك وجبروتك يا رب السماوات والأرض فإنك عزيز وقوي قادر، وأمرك بين الكاف والنون، وإذا أردت شيئاً فإنما تقول له كن فيكون، لا إله إلا أنت ربنا عليك توكلنا ولا حول ولا قوة لنا إلا بك. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، ولا إلى قواتنا، ولا إلى جندنا، ولا إلى عتادنا، وكلنا إلى وجهك الكريم، وبارك لنا فيما عندنا من الرجال والسلاح والقادة والعتاد. اللهم وفقنا لطاعتك، واعصمنا مما يسخطك، اللهم إنا نسألك أن تحيينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم إنا نسألك توبة قبل الموت، وراحة بعد الموت، ونعيماً وجنةً بعد الموت، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. اللهم آتنا صحفنا باليمين، واجعلنا على حوض نبينا واردين. اللهم اجعلنا على الصراط من العابرين، اللهم أدخلنا الجنة بسلام أول الداخلين، اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمنافقين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا فرجته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لوالدينا واجزهم عنا خير الجزاء، اللهم اغفر لهم ولجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله وحده لا شريك له يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

هل نحن غثاء؟

هل نحن غثاء؟ أضاع المسلمون مجداً بناه الأجداد، وزادوا عليه بإضاعة أنفسهم، والأمر كما قال عمر: (لقد أعزنا الله بالإسلام؛ فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)، وعليه فمهما تعلقنا بالمبادئ الأرضية فنحن في سفل لا علو. فيجب أن نعود إلى الله؛ لكي يرحمنا ويرفع ما بنا من ذل وغثائية؛ فنعيد مجد ديننا وكتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

المسلمون لما أصابهم الوهن

المسلمون لما أصابهم الوهن إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى في أنفسكم، اتقوا الله تعالى فيما ولاكم الله، اتقوا الله تعالى في إخوانكم المسلمين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطابٍ جمع فيه أصحابه: (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟ قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، يصيبكم الوهن وينزع الله المهابة من صدور أعدائكم، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت). تعالوا بنا يا عباد الله! لننظر هذا الحديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، هل تداعت الأكلة على المسلمين؟ هل تداعى الأعداء والشياطين والكفار والمجرمون على المسلمين في هذا الزمان كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟ نعم يا عباد الله! لقد اعتدوا وقتلوا وشردوا ونهبوا وسلبوا، لقد صدق صلى الله عليه وسلم. ثم تعالوا نسأل سؤالاً آخر: هل نحن قلةٌ في هذا الزمان؟ هل المسلمون قليلٌ في هذا الزمان؟ لا والله، إننا اليوم كثير جداً، إن أعظم تعدادٍ لنسبٍ منتمية إلى دينٍ من الأديان لهو تعداد المسلمين؛ بلغ تعدادهم ألف مليون مسلم (مليار مسلم) وما زال قدسٌ من مقدسات المسلمين يئن تحت وطأت اليهود منذ ثمانين أو سبعين عاماً، وما زالت قطاعٌ ودولٌ وأراضٍ من بلدان المسلمين ترزح تحت نير الاستعمار وسلطة الكفر والطغيان. نحن الآن كثيرٌ جداً، هل من قلةٍ نحن يا رسول الله؟ قال: (لا. أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء) فهل نحن غثاءٌ في هذا الزمان؟ نعم والله يا عباد الله! إن طوائف عديدة من أبناء المسلمين ورجالهم غثاءٌ كغثاء السيل لا ينفعون ولا يضرون، لا يقدمون ولا يدفعون لا يعرفون لأنفسهم مصلحةً أو يتخذون تجاه دينهم وعقيدتهم موقفاً، نعم والله إنهم غثاء، ألف مليون مسلم وهم أشد الناس تسلطاً على رقابهم، وهم أشد الناس استضعافاً لأنفسهم بما تركوا من كتاب الله وسنة نبيه: (ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ينزع الله مهابتكم من صدور أعدائكم). هل بعد نزع هذه المهابة نزعٌ يا عباد الله؟ نعم، إن عادت النفوس إلى دينها، انظروا حال المسلمين اليوم يتجرأ الأعداء على النساء والأبرياء والأطفال والصغار، والشيوخ والعجائز! أين شبابنا؟! أين رجالنا؟! أين أمتنا؟! إنهم غثاءٌ كغثاء السيل، قد نُزعت المهابة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي). أين هذه الأمة التي نُصرت بالرعب مسيرة شهر؟ إنا لا نراها الآن، إن بين كثيرٍ من أمم المسلمين وبين أعدائهم ليس مسيرة شهر بل كيلوا مترات معدودة، لكن أين الخوف من المسلمين وأين الرهبة من المسلمين؟ لقد ضاعت في جوانح الشهوات، لقد ضاعت في ألوان المغريات، لقد ضاعت في جنبات الملهيات، إذن فليس المسلم الذي يهابه العدو هو المسلم الموجود الآن إلا ما ندر من أبناء المسلمين. نعم هو باقٍ على دينه نحكم له بحكم الإسلام، ويُعطى حقوق المسلمين، وتُأخذ منه واجبات المسلمين، لكن أهو الذي يُهاب؟ أهو المسلم الذي ينصر بالرعب مسيرة شهر؟ أهو المسلم الحري بخرق العادات وسنن الكون؟ لا نظنه ذلك المسلم الذي بلغ تعداده في هذا الزمان مليار مسلم إلا ما ندر وقلّ حتى لا نكون مبالغين أو مجاوزين. قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت). نعم يا عباد الله! لقد تعلقنا بالدنيا تعلقاً شديداً؛ لقد تعلقنا بهذا الحطام الفاني تعلقاً شديداً إلى حدٍ أن ألفنا الترف والراحة والدعة والخمول، إلى حدٍ جعلتنا لا نفكر في شأن مسلمٍ يئن ويصيح ويستغيث ويستنجد ويستفزع، لقد بلغ بنا حد الترف وبلغ بنا حد الدعة وبلغ بنا حد الخمول إلى درجة عجيبةٍ جداً. إننا لنعجب يوم أن نسمع أخباراً عن الجهاد في فلسطين، عن شبابٍ يدفنون أحياء، عن نساء يغتصبن، عن حوامل يجهض حملهن من بطونهن، عن شبابٍ تكسر أيديهم وأرجلهم حتى لا يرفعون سلاحاً، عن أمةٍ شردت في أفغانستان، عن مليوني رأس تطايرت على أرض الجهاد، عن خمسة ملايين مهاجر، عن خمسمائة ألف يدٍ ورجلٍ وشلوٍ مزع وقطع والمسلمون سكارى في خمر شهوتهم، والمسلمون في غفلةٍ عظيمة. يا زمان استفق! ويا ضمير انتبه! ويا مسلم استيقظ! أين أنت؟ وأين انتسابك لدينك؟ أين نخوتك؟ أين نجدتك؟ أين بذلك؟ أين معونتك؟ أين شهامتك؟ أين كرم الآباء؟ أين نخوة الأجداد؟ الله المستعان على زمانٍ مضى لأمة المسلمين كان لنا فيه عزة، صاحت امرأة قد اعتدي عليها؛ فسُير لها جيشٌ آخره في أرض الخلافة وأوله في عمورية، صاحت امرأة وقالت: وامعتصماه فبلغ الخليفة هذا النبأ فسير لها جيشاً أوله في عمورية وآخره في أرض الخلافة، والآن يا عباد الله! هل سمعتم صيحة نادت وامعتصماه؟ نعم والله سمعناها ولكن! رب وامعتصماه انطلقت ملئ أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم ألإسرائيل تبقى دولةٌ في حمى البيت وظل الحرم

أين نحن من ما ض سلف؟

أين نحن من ما ضٍ سلف؟ وأين نحن من واقعٍ نعيشه؟! وأين نحن من غفلة وقعنا فيها؟! واستحكمت شهواتها وملذاتها في قلوبنا نحن يا معاشر المسلمين؟ أين عزة الإسلام؟ أين عزة المسلمين في قلوبنا نحن يا معاشر المسلمين؟ أين لواء الإسلام خفاقاً على أرض المعمورة، تمر سحابة فيرفع هارون الرشيد رأسه يخاطب سحابةً تمر يقول لها: [أمطري حيث شئت فيسأتيني خراجك] سيأتي خراج هذه السحابة، سيأتي ما نتج من مطرها إلى أرض الخلافة. يا معاشر المسلمين: كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا لم تنس أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها ولصاغ منها الحلي والدينارا أين هذه العزة التي مشت جبالاً فوق الجبال، وبحاراً فوق البحار، وشُهباً في أعالي السماء، ونجوماً في أعالي الكون؟ أين هذه العزة يا عباد الله؟ إن هذا سؤالٌ يُوجه لكل مسلم: هل نعتز بأحكام ديننا؟ هل نعتز بشريعتنا؟ هل نعتز بأمتنا؟ إن مسلماً لا يعتز بدينه يُطرق حياءً وليس والله حياء، بل هو خنوعٌ وخضوع، إن مسلماً يُطرق خنوعاً وخضوعاً لا يُغير منكراً يراه، كيف نلتمس العزة من هذا المسلم؟! إن مسلماً قد استعبد الشيطان قلبه، إن مسلماً استحكمت الشهوة في بدنه، إن مسلماً سلب المال لبه، كيف نرجو من مسلمٍ كهذا عزة؟ أين المسلم الذي لا يهاب الموت؟ أين المسلم الذي يقول: ترددت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياةً مثل أن أتقدما أين المسلم الذي يقول: فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ كطعم الموت في أمرٍ عظيم أين المسلم الذي يقول: إذا لم يكن من الموت بدٌ فمن العجز أن تموت جبانا ذاك مسلمٌ قل وندر في هذا الزمان، ذاك مسلم لا تكاد تجد في الألف إلا واحداً منه. عباد الله! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يُغلب اثنا عشر ألف من قلة) أعجزت أمة الإسلام أن تنجب اثني عشر ألف مسلمٍ في هذا الزمان، مصيبةٌ من أعظم المصائب، ولا عجب في ذلك يا عباد الله: إن الهوان والذلة والصغار على من ترك الجهاد، على من ترك النخوة، على من ترك النجدة، وسيأتي يومٌ يؤكل فيه كما أُكل إخوانه. يقول قائد اتحاد المجاهدين: عبد رب الرسول سياف: إننا لنلوم آباءنا وأجدادنا لأنهم سكتوا ولم ينجدوا المسلمين في بخارى وترمذ وسمرقند فأكلتهم الشيوعية، ثم تقدمت الشيوعية نحونا وقديماً قيل: (أُكلت يوم أكل الثور الأبيض) والله من رأى جاره يُؤكل ويقتل فليكونن القتل قريباً إليه. لما رأت أختها بالأمس قد خربت صار الخراب لها أعدى من الجرب عباد الله! لا تعجبوا من ذلة المسلمين، لا تعجبوا من هوانهم على الناس، لا تعجبوا من قلة حيلتهم، لا تعجبوا من ضعفهم، يقول الله جل وعلا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

نحن قوم أعزنا الله بالإسلام

نحن قوم أعزنا الله بالإسلام الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله! أيكفي أن نطلق خطباً حماسيةً نستلهب فيها المشاعر والعواطف، أيكفي أن نسب العدو صباح مساء، أيكفي أن نلعن الظالمين والغاشمين؟ ليس هذا والله بسلاح، وليس هذا والله بعمل، وليس هذا والله بتدبير، إنما التدبير يا عباد الله! أن نجتهد في العودة إلى ديننا، أن نجتهد في العودة إلى كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم أفراداً وأسراً ومجتمعات وحكوماتٍ ودولاً. إنه لا سبيل للعزة إلا بهذا الأمر، إنه لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أولها، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام؛ ومهما أردنا العزة بغيره أذلنا الله]. فيا عباد الله! تمسكوا بالنور المبين وسنة سيد المرسلين، فهما والله مصدر العزة، حاربوا المنكرات ولا تجعلوا لها مكاناً ظاهراً في مجتمعكم، تتبعوا الفساد والمفسدين، وليكن كل مسلمٍ حارساً أميناً، وجندياً على ثغرٍ من ثغور الأمة حتى لا يتسلل الفساد أياً كان، إدارياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو غير ذلك؛ حتى لا يتسلل الفساد إلى جماعة المسلمين، حتى لا يجد الانحراف مكاناً وموقعاً في صف المسلمين. أيها الأحبة في الله! ما الذي جعل شباب الأمة في غفلةٍ عما يُراد بهم، ما الذي جعل رجالات الأمة في منأى عما يحاك ضدهم؟ إنه اللهو والترف، إنه الضياع! يا شباب المسلمين! كم رأيتم فلماً من الأفلام؟ كم شاهدتم من المسلسلات؟ هل رأيتم ذات يومٍ فلماً واحداً عن الجهاد في أفغانستان؟ هل رأيتم يوماً فلماً واحداً اسمه الشهادة؟ هل رأيتم يوماً فلماً اسمه حصار قلعة؟ هل رأيتم يوماً واحداً صفحةٍ من صفحات التاريخ المعاصرة التي سجلها الشهداء في أرض الجهاد؟! يا شباب الإسلام! ما الذي عزلكم عن واقع أمتكم، ما الذي جعل كثيراً من شبابنا حينما يخرج من عمله أو من جامعته أو من كليته يتجه إلى حيث قدم اشتراكاً في محلٍ من محلات الفيديو آخر فيلم ساهر، آخر رقصةٍ ماجنة، آخر مسلسلة خليعة، آخر فلم رعبٍ، آخر مسلسلٍ بوليسي، وما رأى والله ذات يومٍ فيلماً واحداً عن الجهاد في أفغانستان، ما رأى يوماً واحداً فيلماً عن الانتفاضة في فلسطين.

كره الأعداء لنا ولديننا

كره الأعداء لنا ولديننا كيف يفعل بالأبرياء؟! وكيف يقتل العزل؟! وكيف تهان الكرامة؟! وكيف تجهض الحوامل؟! انظروا ما دمتم رأيتم، انظروا هذه الأفلام، اقلبوا الموجة ولو مرةً واحدة؛ لتدركوا إلى أي مدى إخوانكم يذبحون ذبح الشياه، وينهكون نهك النعاج، أين غيرة شباب المسلمين؟ إنا لله وإنا إليه راجعون. اقرءوا عن إخوانكم، تتبعوا أحوالهم، إن الناس قد أشغلهم أمر الدينار لما أوشكت الحرب العراقية الإيرانية أن تقف، إن الناس أشغلهم أمر الليرة هل ترتفع أم لا؟ وما أشغلهم يومٌ من الأيام مذبحةٌ من مذابح المسلمين في أي قطرٍ من أقطار المسلمين. فيا عباد الله! اسمعوا إلى نفثات جريحٍ قالها وهو يتشحط في دماء إخوانه: أحل الكفر بالإسلام ضيماً يطول عليه للدين النحيب فحقٌ ضائعٌ وحمىً مباحٌ وسيفٌ قاطعٌ ودمٌ صبيب فكم من مسلمٍ أمسى سليباً ومسلمةٌ لها حرمٌ سليب وكم من مسجدٍ جعلوه ديراً على محرابه نصب الصليب دم الخنزير فيه لهم خلوقٌ وتحريق المصاحف فيه طيب أمورٌ لو تأملهن طفلٌ لطفل في عوارضه المشيب أما لله والإسلام حقٌ يدافع عنه شبانٌ وشيب فقل لذوي البصائر حيث كانوا أجيبوا الله ويحكم أجيبوا {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة:38] {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [محمد:38] فمنكم من ينفق، ومنكم يا عباد الله من يتردد، منكم من يحاسب الريال محاسبةً شديدة، منكم من يحدث المبلغ حديثاً ذا شجون، هل يخرجه أم لا؟ فيا عباد الله: أصون نفسي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض بالمال فينبغي أن نصون الأعراض، وأن نرفع الجهاد، وأن نقدم آيات الولاء صادقةً لله ولكتابه وللمجاهدين ولأئمة المسلمين بكل ما أوتينا، بأنفسنا، بأموالنا، بأقلامنا، بصحفنا، بوسائلنا وبكل أمرٍ استطعنا أن نحمله. يا عباد الله! انتبهوا لما يحاك ويدبر ضد إخوانكم المسلمين، إن الحرب تمشي خطوةً خطوة، تأملوا الحرب التي حلت بإخواننا المسلمين، أياً كان نوعها، عسكريةً وفكرية، والله إن الذي جعلهم يتسلطون على هذه البقعة بعينها ليس هو كره هذه الدولة وحب لبقية الدول من أبناء المسلمين؟ لا وألف لا، لكنهم يريدون المسلمين لقمةً لقمةً، يريدونهم خطوةً خطوةً. إن من تتبع مناهج الفساد ومظاهره التي تحل بمجتمعات المسلمين، والتفت إلى الوراء قليلاً لينظر كيف حل الفساد بدولٍ إسلامية، انقلبت علمانية أو شيوعية أو اشتراكية، ليرى المخطط يمضي درجةً درجةً، ويمشي خطوةً خطوةً، وما أشبه الليلة بالبارحة. فيا عباد الله! أفيقوا واستفيقوا، وانتبهوا لما يراد بكم، عودوا إلى الله عوداً حميداً، عودوا إلى الإسلام عوداً جديداً، انبذوا المنكرات، حاربوا المنكر وأهله، ارفعوا بالإسلام رأياً، لا تتركوا المساجد واعمروها بطاعة الله، أزيلوا الضغائن والشحناء بين النفوس، كونوا عباد الله إخواناً واثبتوا صفاً واحداً، والله لا سبيل للأمة إلا بالجماعة، وإن الفرقة لهي شرٌ مستطيرٌ على الأمة، فاتحدوا واستعينوا {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]. اللهم أغز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم إنهم يريدون بهذه الجزيرة شراً، اللهم إنهم يريدون بالحرمين سوءاً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف. اللهم من أراد بنا سوءاً، وبولاة أمرنا فتنة، وبعلمائنا مكيدة، وبشبابنا ضلالة، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً؛ اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم شتت له ما تجمع، اللهم فرق له ما تجمع، اللهم عليك بأعداء دينك، اللهم عليك باليهود والشيوعيين والجعفرية والإثني عشرية، اللهم مزقهم واجعلهم بدداً، اللهم لا تبق منهم أحداً، اللهم اهلك زروعهم وضروعهم، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم. اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم أصلح مضغة قلبه، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له وللأمة، وأبعد عنه من عملت فيه شراً له وللأمة، اللهم سخر لنا وله ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم لا تشمت بنا حاسداً ولا تفرح علينا عدواً. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مجاهداً إلا نصرته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته. اللهم ادفع عنا البلاء والزنا والزلازل والمحن؛ ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. شباب الإسلام أعود إلى كلمة نسيتها: إن الدعاة منكم، إن الذين أدركوا درجة الوعي ودرجة الفهم وبلغوا مرتبة الدعوة، وبلغوا مرحلة الاستقامة والالتزام، فعليهم واجبٌ أضعاف أضعاف ما على غيرهم من الواجبات: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] إنهم لا يستوون في الدرجات، فكذلك لا يستوون في الواجبات، إن من علم تحمل مسئولية، فيا شباب الإسلام! احفظوا مجتمعكم بالدعوة إلى الله عبر وسائلها المختلفة. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

هم الآخرة [1]

هم الآخرة [1] الآخرة هي نهاية الدنيا، فمن كانت الآخرة همه فإن الله يجمع له شمله، ويجعل غناه بين عينيه، ومن كانت الدنيا همه فرّق الله عليه شمله، وجعل الفقر بين عينيه، فصاحب هم الآخرة تراه حزيناً دائب العمل للآخرة، سريع التأثر إذا ما رأى جنازة وفي هذه المادة ما يحدوك إلى أن تجعل الآخرة نصب عينيك.

شرح حديث من كانت الآخرة همه

شرح حديث من كانت الآخرة همه الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واسمعوا قول ربكم عز وجل في محكم كتابه حيث يقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:20] واسمعوا قول ربكم عز وجل في محكم كتابه حيث يقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] واسمعوا قول ربكم عز وجل حيث يقول: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [البقرة:200 - 202]. معاشر المؤمنين: إن الله جل وعلا خلق هذه الدنيا وأودع فيها من الكنوز والخيرات والثمرات، وحبب إلينا أصنافاً وأنواعاً من نعيمها وطيباتها وملذاتها، فلا يظنن ظان أن الله أباح الطيبات وندب إلى السعي في الدنيا وحبب الناس إلى شيء من لذاتها، ثم بعد ذلك يحرمها عليهم {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] أوليس جل وعلا هو الذي قال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15] أوليس ربنا عز وجل هو الذي قال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14] ثم بين ربنا عز وجل أن في الآخرة ما هو خير من الدنيا: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:17] {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى} [الضحى:4]. بين ربنا عز وجل بعد ذكر هذه المحببات المزينات إلى النفوس أن هناك ما هو خير منها: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:15] ذلك الخير لمن؟ للذين اتقوا. معاشر المؤمنين: إن المعاتبة والمحاسبة والملامة والمناقشة هذا اليوم ليست مع أقوام أخذوا من الدنيا نصيبهم وبذلوا هذا النصيب فيما يعين ويحقق الغاية التي من أجلها خلقوا، ألا وهي عبادة الله، وإنما الحساب والعتاب مع أحباب لنا، مع إخوان لنا أشغلتهم دنياهم واستعبدتهم، فخدموها بدلاً من أن تخدمهم، وتبعوها بدلاً من أن تتبعهم، وجعلوها غاية بدلاً من أن يجعلوها وسيلة. معاشر المؤمنين: اسمعوا هذا الحديث من كلام من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، أخرج هذا الحديث ابن ماجة بسند صحيح قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت الآخرة همه جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له) هذا حديث عجيب! وهو من جوامع الكلم، ووالله إني لأعرف أناساً كانوا متذبذبين حيرى مترددين في قلق عظيم يريدون أن يشتغلوا بالدنيا، ويريدون أن يعملوا للآخرة ويقولون: لو أشغلنا حظنا من جهدنا وفكرنا للآخرة لفات حظنا ونصيبنا من الدنيا، والناس ذئاب يتقاتلون على الدنيا فلن يبقى لنا منها شيء. يقول قائلهم: ما زال ذاك الهم يقلقني وفي المنام يؤرقني؛ حتى قرأت هذا الحديث فكان كالماء العذب الزلال على قلب الظامئ الصديان، كان هذا الحديث شفاء من سقم تلك الوسوسة، ودواءً من علة ذلك الشك، ولا عجب أن يصيب المؤمن شيء من ذلك، إذ أن الشيطان لا يدع أحداً إلا وسوس له: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} [الناس:5] والله جل وعلا بين أن هذا الشيطان يعدنا الفقر ويأمرنا بالفحشاء {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]. تعالوا معاشر الشباب! تعالوا معاشر الشيوخ! تعالوا معاشر المسلمين! لنقرأ ولنتدبر هذا الحديث (من كانت الآخرة همه) من هو الذي يهتم للآخرة وبالآخرة وما صفاته؟ أخي الحبيب: إن كانت الآخرة همك فإنك لن يمر بك يوم إلا تذكرت فيه مصيرك ومعادك، إن كانت الآخرة همك فإنك لن ترى شيئاً من الدنيا إلا ربطته لا محالة بالآخرة، إن صعدت جسراً في الطريق تذكرت جسر جهنم، وإن لبست ثوباً تذكرت لباس أهل النار ولباس أهل الجنة، وإن شربت شراباً تذكرت شراب أهل النار وأهل الجنة، وإن أكلت طعاماً تذكرت طعام أهل النار وأهل الجنة، وإن اجتمعت بك حال أو تشتت بك أمر ستتذكر بهذا أحوال أهل النار وأحوال أهل الجنة. أما الذي ليست الآخرة همه، ولم تشغل باله، وليس لها نصيب من فكره، فسيان إن علا أو هبط، وسيان إن لبس أو نزع، وسيان إن حل وارتحل، وسيان إن جاع أو عطش، وسيان إن نام أو استيقظ، أما من كانت الآخرة همه فإنك تراه يتذكر الآخرة في كل حال وهو يتقلب فيها من الدنيا. أخي الحبيب: إن كانت الآخرة همك لا شك أنك لن تتحدث بحديث إلا وللآخرة فيه نصيب، فإن كان الكلام في دنيا فإن لآخرتك من دنياك نصيباً، وإن كان الكلام في أمر فإن للآخرة في بدايته أو في وسطه أو ختامه ذكراً، وبالجملة فمن كانت الآخرة همه تجده يرضى لأجل الآخرة، ويحزن لأجل الآخرة، ويغضب لأجل الآخرة، ويفرح لأجل الآخرة، ويسعى لأجل الآخرة، فمن كان كذلك فقد أوتي نعيماً وفضلاً عظيماً، ومن كانت الآخرة همه فبشارته ليست مني ولا من عالم على وجه الدنيا، بل من سيد الأنبياء الذي لا ينطق عن الهوى وحديثه وحي يوحى، من كانت الآخرة همه فإن محمداً صلى الله عليه وسلم يبشره ويقول له: أبشر أولاً باجتماع شملك. إن من كانت الآخرة همه يعطى نعمة اجتماع الشمل، فيعطى سكينة وطمأنينة، واجتماع فكر، واجتماع أهل وأحباب وشمل وإخوان، ويجنب الشقاق والقطيعة، وتجتمع دنياه عليه ويكتب له القبول في الأرض، فلا يراه أحد إلا أحبه، وبالجملة يجتمع له وحوله في طاعة الله كلما أراد، ومن كانت الآخرة همه جمع الله له شمله وآتاه الله غنى في قلبه.

حقيقة الغنى

حقيقة الغنى إن الغنى ليس بأصفار على يمين الأرقام في الأرصدة الجامدة أو المتحركة في البنوك، وإن الغنى ليس في الضِيَاع والعقارات المتناثرة يمنة ويسرة، وإن الغنى ليس في المراكب، وكم من رجل أصفاره لا تعد على يمين أرقام حساباته، وكم من رجل لا يحصي صكوكه ووثائق أملاكه، وكم من رجل أوتي من الضِيَاع والضيعات والأموال كثيراً ومع ذلك تجد الريال يؤرقه، والقليل يؤذيه، والدينار يشغله ويحرمه لذة النوم، بل وربما ألوان الطعام لا يتلذذ بها. أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقال ويقول آخر: أحب ليالي الهجر لا فرحاً بها عسى الله يأتي بعدها بوصال وأكره أيام الوصال لأنني أرى كل وصل معقب بزوال تجد ذلك الذي تزاحمت الأرقام في أرصدته لا يهنأ؛ لأنه ربما تذكر ذكرى الحسرة لا ذكرى العبرة، تذكر أنه سيفارق هذا؛ ولأجل ذلك تجد بعضهم بقدر لهثه وسعيه ودأبه وكده في جمع الدنيا على اختلاف أصنافها ومجالاتها لا يتلذذ بها، فكلما تجدد له نوع كسب من الدنيا تجددت له علة جديدة، إما في همه أو في بدنه، أو فيمن حوله. لذا فإن من كانت الآخرة همه آتاه الله اجتماع الشمل ثم أورثه وأنعم عليه بغنى القلب؛ ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس) رواه مسلم. فتجد هذا الذي جعل الآخرة همه قانعاً راضياً سعيداً باشاً ضحوكاً، طيب القلب لين الجانب، خافض الجناح حسن المعاملة، في كل أمر تراه راضياً مرضياً، غير لحوح في بذل الأسباب للحصول على الدنيا، يعمل بقول نبيه: (اتقوا الله وأجملوا في الطلب) يعني: بذلاً معقولاً مناسباً في الحصول على الدنيا، لا أن يجعل الدنيا همه فتشغله، يبيت عليها، ويرى في المنام أحلاماً حولها، يستيقظ مفكراً فيها، ويمشي خطوات في تحصيلها، ويحزن ساعات على فواتها، ولا يجتمع بأهل لأجلها، ولا يصل رحماً لأجل صلته بها، ولا يبر الوالدين لأجل اشتغاله بها. هكذا -أيها الأحبة- من كان غناه في عرضه فلن يجد لذة الغنى الحقيقية، إن لذة الغنى هي في القلب، ولأجل ذلك تجد الكريم غنياً في قلبه: تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناها لقبض لم تجبه أنامله فلو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله تجد العبد الغني في قلبه لا يتردد ببذل دنياه، إن أدبرت لا يحزن، وإن أقبلت لا يفرح {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:23] يجد أن من صميم زهده في الدنيا أن ما أقبل منها فلأجل الله، وما أدبر منها فبقدر الله، وأسأل الله لي ولكم أن يجعل ما أقبل علينا من الدنيا في طاعته، وأن يجعل ما أدبر عنا من الدنيا حراماً يصرف عنا بمنه وكرمه.

من كانت الآخرة همه أتته الدنيا وهي راغمة

من كانت الآخرة همه أتته الدنيا وهي راغمة أيها الأحبة في الله: من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة، هذه الدنيا شأنها عجيب، إن لحقتها فرت عنك، وإن أعرضت عنها لحقتك، وهذا والله مجرب، واسأل كثيراً من الصالحين أو ممن عملوا في الدين والدنيا، يقولون: إن اشتغلنا بدنيانا أدبرت عنا ولحقناها فأشغلتنا، وتبعناها فضيعت أوقاتنا، فإذا أعرضنا عنها لأمر الآخرة إذ بألوانها وعروضها تحوم حولنا وتتزخرف لنا تتراقص طرباً بين نواظرنا علنا أن نعود إليها من جديد، فالعاقل يقبل إلى الآخرة وستأتيه الدنيا راغمة. إن الدنيا من الله والآخرة إلى الله، ومن طلب الآخرة فإن الله يبعث له الدنيا ويرسلها، ومن اشتغل بدنياه التي قسمت وفُرِغ من شأنها، وطوي الكتاب في صحائفها، وجف القلم بالزائد والناقص منها، من طلب الدنيا في أمر قد قسم وانتهى فذلك مشغول بما فرغ منه، ومن طلب الآخرة فيما له حظ في كل زيادة يحققه فيها جعل الله الدنيا تابعة لاحقة. أذكر شخصاً من علماء المسلمين الذين أفضوا إلى ربهم ولا بأس أن أذكره فقد أفضى إلى ربه عز وجل، ذلكم هو الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد الذي كان رئيساً للتمييز وقبله للإفتاء ومن العلماء الأجلاء المعروفين، وله من الكتب والمصنفات شيء كثير، وقد أدركته في آخر حياته، يقول: كنت في بداية عمري فقيراً لا أجد إلا قيمة الحبر والقمطر، لا أجد إلا قيمة القلم واللوح وشيء من البلغة في طلب العلم، قال: وفي يقيني أن الله جل وعلا سيفتح علي من الدنيا ما يزيد عن حاجتي وحاجة أهلي، ثم يحدثني ويقول: وأنا الآن أجد حولي من الدنيا شيئاً كثيراً أضعاف أضعاف ما كان يخطر ببالي، قال: كنت مشغولاً بطلب العلم وكنت مشغولاً مع الإخوان في بيت الإخوان في مدينة الرياض بطلب العلم والتدريس والمناقشة، كنت آنذاك فقيراً، أو قليل ذات اليد، وفي يقيني أن الدنيا ستأتي، قال: فما هي إلا سنوات حتى أتت الدنيا من كل جانب، أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة، وأن يتغمد روحه وأن يسكنه الجنان بمنه وكرمه.

من كانت الدنيا همه شتت الله شمله

من كانت الدنيا همه شتت الله شمله أيها الأحبة: إقبال الدنيا ومجيئها لمن اهتم بالآخرة أمر غريب عجيب! قال ابن الجوزي: الدنيا ظل، إن أعرضت عن ظلك لحقك، وإن طلبته تقاصر دونك. وأما من كانت الدنيا همه -كما في تتمة الحديث- (ومن كانت الدنيا همه فإن الله جل وعلا يشتت عليه ضيعته ولا يأتيه من الدنيا إلا ما قسم له) أي: من كانت الدنيا تفكيره، لأجلها يقدم خطوة، ولأجلها يتقهقر أخرى، من كانت الدنيا سبباً في قربه وبعده، وابتسامته ونطقه وصمته وكلامه، ورضاه وسخطه وحزنه ومعاتبته، فليعلم أنه يعاقب عقوبة عاجلة: أولها: تشتت الشمل، فكل ما حوله متشتت حتى ولو رآهم رأي العين بين يديه، انظر لمن حوى الدنيا بأجمعها، واسأله عن حال قربه بأهله وزوجاته وأبنائه وأولاده، تجد أولاده يتمنون الدقيقة من وقته ليقابلوه، موظفوه يقابلونه أضعاف أضعاف ما يقابله أبناؤه، وخدمه يقابلونه أضعاف أضعاف ما تقابله زوجته، والسبب في ذلك أن الدنيا باتت له هماً ومطلباً، ومغنماً، ولأجل ذلك تشتت شمله حتى وإن كان الأمر بين يديه، وزد على ذلك أن الفقر يلازمه، ولا يعني ذلك أن له صك إعسار ثبت فيه عسره أمام غرمائه، لا وألف لا، بل أرصدته تملأ البنوك، ولكن الفقر بين عينيه، لو طرق الباب سائل يريد لقمة لأعطي اليوم وحرم الغد، ولو طلب أحد جهازاً من اللهو أو شيئاً من المنكر لبذل الكثير في سبيله، تجده مغداقاً منفاقاً بذولاً في الحرام والشبهات والمكروهات، شحيحاً بخيلاً في الطيبات والصدقات، وذاك من أصناف الذين اشتغلوا بالدنيا، فشتت الله شمله وأصبح الفقر لا يفارق عينه حينما يدعى إلى خير، وإذا دعي إلى شر أو حرام بذل الأموال ولم ينس أنه يحاسب، وقد نسي أنه يحاسب على ما بذل. نعم. الشيطان يعده الفقر ويأمره بالفحشاء، وهذا والله أمر غريب وعجيب، سمعنا ورأينا وعرفنا أصنافاً من الأثرياء إذا سئل أحدهم كفالة داعية من الدعاة، أو تجهيز غاز من الغزاة، أو كفالة يتيم من الأيتام، أو بناء مسجد من المساجد، أو دار من دور الحضانة والتعليم لأبناء المسلمين؛ أخذ يتعلل بحاجة المال وصرفه وتدويره وتشغيله في صنوف شتى، وأما إذا دعي إلى سفر في جولة لأقطار الدنيا وما فيها من مشاهد محرمة وصور مظلمة، وأحوال لا ترضي الله هان عليه الدرهم والدينار. فذاك رجل الفقر بين عينيه حينما يدعى إلى الخير والمعروف، ويغيب الفقر عن عينيه حينما يدعى إلى الحرام {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ} [التغابن:14]. أيها الأحبة في الله: اسألوا ذلك الذي اهتم بدنياه وخدمها وأتقن حساباتها ولا ينتهي عام إلا والميزانية لمؤسسته وشركته تقدم بين يديه بالهللات والأرقام، ووراء المحاسب مراجع، ووراء المراجع محاسب قانوني، ووراء القانوني مدقق لتقدم نهاية العام كشوف في غاية الدقة والعناية، هل اهتم بأعماله بنصف هذا القدر أو بثلث هذا القدر، أو بربع هذا القدر؟ لا والله، وذلك من الحرمان. واسأل ذلك الثري الذي أشغلته دنياه عن آخرته: كم لك من دنياك؟ هل تلبس كل ثيابك التي في خزينة ملابسك؟ ليس لك إلا ما يغطي ظهرك، وليس لك من مخازن الأطعمة إلا لقيمات تشبع بطنك، وليس لك من أنهار المياه وبحارها إلا جرعة تملأ جوفك، وليس لك من ملاذ النساء إلا فراشاً في دقائق معدودة بلذة فانية يعقبها التعب وانكسار القوة، الذين جمعوا الأموال هل تلذذوا بلذات مئات الرجال في آن واحد، وهل أكلوا مقدار ما يأكله مئات الرجال في آن واحد، أو شربوا ولبسوا بقدر ما يشربه ويلبسه مئات الرجال في آن واحد، لا وألف لا. ملك كسرى عنه تغني كسرة وعن البحر اجتزاء بالوشل القليل ربما أغنى وكفى عن الكثير، وصدق صلى الله عليه وسلم: (ما قل وكفى خير مما كثر وألهى) الثري الذي دنياه لدينه وآخرته وإخوانه والمسلمين؛ قاصداً بذلك مرضاة رب العالمين، فنعم المال له! اللهم فزد له وبارك له. أما الثري الذي أشغلته دنياه عن آخرته، وإن الأثرياء لهم إيمان بالغيب عجيب في شأن الأرصدة، يوقع الثري صفقة بخمسمائة مليون أو بمليار أو بمائة مليون، ويقبل أرقاماً وأصفاراً على ورق، لكنه ما رأى المليار وما رأى الملايين مجتمعة، رأى أرقاماً ووقع على وثيقة فآمن تمام الإيمان أنه يملك المليار، ولو قيل له: تصدق بحائطك، تصدق ببستانك، تصدق بشيء من ثروتك، واعلم أن لك في الجنة أضعافها لتردد يمنة ويسرة، وفكر وقدر، ثم هلك كيف قدر، يؤمنون بالغيب في أرقام حول أرصدة من الدنيا، وأما الإيمان بالغيب فيما أعد الله من نعيم الآخرة فإن الكثير منهم في ضعف وتردد وشك وريب، أين هو من ذلك الصحابي الذي تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله، يوم أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم: (لك بها سبعون ناقة مخطومة في الجنة) فأخذ يهلل ويكبر، كأنه يرى نوقه في الجنة، كأنه يسوق أذواده في الجنة، كأنه يحتلب ويدور حول نوقه في الجنة، إيمان بغيب. وهذا صهيب الرومي لما لحقت به قريش، قالوا: جئت صعلوكاً فقيراً فآويناك وأغنيناك، أو بعد ما قويت واغتنيت تهاجر بمالك؟ والله لا ندعك، فقال: [وإن تركت لكم المال؟ قالوا: نخلي عنك، فوصف مكان ماله لهم وفر مهاجراً إلى الله] وما يغني قليل وحفنة ومتاع من الدنيا أمام الهجرة إلى الله ورسوله، إن الهجرة إلى الله ورسوله لهي أضعاف أضعاف لا يمكن أن تقاس، وكما قال صلى الله عليه وسلم -كما ذكره الإمام مسلم في كتاب وصف الجنة-: (مثل هذه الدنيا في الآخرة كمثل ما يضع أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع) إن الدنيا قطرة من الماء علقت بسبابتك وأما الآخرة فهي البحار في الدنيا مجتمعة، فمن ذا يبيع بحراً بقطرة، ومن ذا يبيع محيطاً برشفة، ومن ذا يبيع أنهاراً عذبة زلالاً بقربة، إن ذلك هو الخسران المبين. أيها الأحبة: إن من كانت الدنيا همه فإن الدنيا تدبر عنه ولو جمع الله حوله أرقاماً وضِيَاعاً ومراكب وقصوراً؛ لكنه لا يتلذذ بها، حدثني شاب كان سابقاً يعمل مديراً للإدارة الإقليمية في بنك من البنوك الربوية، وجاء رجل من كبار السن من أهل الودائع الربوية، قال: فجاء الرجل متعكزاً على عصاه وواحدة من ودائعه بالدولار -ستون مليون دولار- قال: فجاء ونفسه مضطرب قد علت أنفاسه وخارت قواه، فقال: يا ولدي كم بلغت الفوائد على الوديعة؟ قال فقلت له: يا والد! يا شيخ! ألك حاجة في السؤال عن فوائد الوديعة وأنت ترى ما أنت فيه من ضعف الصحة وإدبار العافية، وانقطاع النفس والحرمان من كثير من اللذة؟ قال فانقلب إلي قائلاً: وهل عينوك في المكتب واعظاً أو مديراً؟ قال فما لبثت أن سمعت عنه أن انقطع للعلاج في المستشفى على سرير قد لزمه شهرين كاملين قال: فجاء بعد خروجه من المستشفى وقد وضع له جهاز ينظم ضربات قلبه -ما عاد قلبه يسعف نفسه وحاله- ثم جاء مرة أخرى على عكازه وقال: كم بلغت الوديعة؟! أليس ذلك من تشتت الشمل، أليس ذلك من الفقر، أليس ذلك من المحق؟ {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} [البقرة:276] يمحق الله الربا والمرابي في صحته وفي بدنه وفي عافيته وفي أهله، أولاده حوله لا يتمتعون بالجلوس معه، والدنيا بمتاعها ولذاتها حوله، أما الحلو منها فسكره يمنعه من تناوله، وأما المالح فضغطه يمنعه، وأما الدسم والدهن فضيق شرايينه يمنعه، إن ذلك لمن صور تشتت الشمل، لا يعني تشتت الشمل حالة واحدة فقط، بل ربما رأيت في ظاهر الأمر أن الدنيا اجتمعت لمن اهتم بها وخدمها، ولكنها في الحقيقة بين عينيه ولا يمس منها شيئاً بين يديه، ولا يدخل جوفه منها شيئاً، الدنيا حوله ولا يستمتع بقليل منها. ومن تأمل -أيها الأحبة- حال أولئك وجد أنهم كالذي يجلس على شاطئ بحر مالح فكلما ازداد شرباً من البحر الذي لا ينفد ازداد عطشاً فعاد مرة أخرى شارباً، تخيل رجلاً قد بلغ به العطش مبلغاً، وقد نصب خيمته بجوار البحر كلما شرب ليروي ظمأه إذا به يزداد عطشاً، والبحر لن ينتهي بشرب ذلك العطشان، والشرب من الماء المالح لن يروي ظمأ ذلك الصديان. أيها الأحبة: من تأمل حال الفريقين -من كانت الدنيا همه ومن كانت الآخرة همه- وجد أن الفرق بينهما عجيب، وعجب في هذه الدنيا! كلما سعيت في طلبها كلما أدبرت عنك وهربت. أيها الأحبة: قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: [هم الدنيا ظلمة في القلب، وهم الآخرة نور في القلب] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني بما فيه من الآيات والذكر والحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

صفات أصحاب هم الآخرة

صفات أصحاب هم الآخرة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: إن المتأمل لأحوال الخلق يراهم إما من أصحاب هم الآخرة أو من أصحاب هم الدنيا، أو من أصحاب هم الدنيا والآخرة، فهم المخلطون وما أكثرهم في هذا الزمان! نسأل الله أن يعفو عنا وعنهم أجمعين. يقول يحيى بن معاذ الناس ثلاثة: رجل شغله معاده عن معاشه فهو من الفائزين، ورجل شغله معاشه عن معاده فهو من الهالكين، ورجل مشتغل بالمعاش والمعاد فهو من المخاطرين. أيها الأحبة: لئن سمعنا صفات أهل الآخرة الذين أهمتهم الآخرة، ولئن سمعنا عما أعد الله لهم فلنسأل عن صفاتهم، إن أصحاب هم الآخرة أقوام علموا أن الدنيا وسيلة وجسراً للآخرة، فتصرفوا بالدنيا ولم يجعلوها تتصرف بهم، وشتان بين من جعل الدنيا غاية وبين من جعلها وسيلة، إن من الجنون أن ترى رجلاً قد ركب جسراً ينقل أو يفضي أو يوصل من بلد إلى بلد فلما بلغ منتصف الجسر أناخ رواحله وضرب خيامه ونزل بأهله وقال: ها هنا النهاية، أتظنون أن هذا من العاقلين ولو غره ما على الجسر من المناظر والمطاعم والمآكل والمشارب، أما العاقل فلن يغتر بما يرى على قارعة الطريق؛ لأنه يعلم أن الغاية بعد لم يصل إليها. إن الذين يجعلون الآخرة همهم لهم صفات عجيبة:

الحزن لأجل الآخرة

الحزن لأجل الآخرة فأولها: الحزن لأجل الآخرة، فترى الشخص منهم يحزن إن أذنب ذنباً، المؤمن يرى ذنبه كجبل يوشك أن يقع على رأسه، وأما المنافق وأصحاب هم الدنيا فإن الشخص منهم يرى الذنب كذبابة وقعت على أنفه فقال بها هكذا، وأشار بيده حول أنفه فطارت، تجد الواحد منهم لا يفرق بين أن يدخل مسجداً أو يخرج إلى ملهاة، إذا وجدت قلبك يستوي عند الدخول في مكان طاعة أو في مكان معصية، وخروج من مكان طاعة وخروج من مكان معصية، فاعلم أن هذا قلب من قلوب الهالكين، ما لم يتداركه الله بتوبة ورحمة. من صفات أصحاب هم الآخرة الحزن: فيحزن إن فاتته صلاة الفجر، ويجد أثر ذلك في صبيحته وضحاه وسحابة يومه، ويحرص على أن يعوض ما فاته من الفجر في بكور ومبادرة إلى الصلوات الأخرى، بل ربما دخل المسجد قبل الأذان ليعوض ما فات في صلاة الفجر، تجده حزيناً قلقاً، تجده كئيباً، لماذا؟ لأن صلاة الفجر فاتته، أو تجده حزيناً لأنه قارف ذنباً من الذنوب، حتى يأتي بحسنة تمحوه: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. قال مالك بن دينار: إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب، كما أن البيت إذا لم يسكن خرب، وتعلمون أن البيوت التي لا تسكن سرعان ما تأوي إليها الهوام والخشاش، وسرعان ما تخرب بل ربما تعودها الناس مكاناً لقضاء الحاجة ورمي المخلفات، والقلب إذا لم يساكنه حزن على فوات طاعة، وحزن على اقتراف معصية، وحزن على فوات أمر من أمور الخير، فإن ذلك القلب يكون خرباً بقدر ما فاته من الحزن، وبقدر حزنك وهمك للآخرة يتحقق فيك بإذن الله صفة الاهتمام بالآخرة. تأمل -يا أخي- إذا كانت نفسك لا تحاسبك ولا تلومك ولا تعاتبك في فعل معصية أو زلة أو هفوة، فعالج قلبك وانظر أنك إذا أصابتك علة في رجل أو يد أو حاسة أو جارحة بادرت إلى المستشفى بالكشف والتحليل والإشاعة والتشخيص، ولكن القلب إذا مرض لا تعالجه، أفلا يهمك قلبك كما يهمك بدنك؟! قال ربنا عز وجل: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:1 - 2] قال الحسن البصري: [هي والله نفس المؤمن] لا ترى المؤمن إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلامي، ما قصدت بطعامي وشرابي؟ أما الفاجر فلا يحاسب نفسه أبداً. نعم. إن القلوب إذا ران عليها الذنوب أصبحت لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً. من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام

العمل الدائب للآخرة

العمل الدائب للآخرة أيها الأحبة: ومن صفات أهل الآخرة أن ترى عملهم للآخرة دائباً {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ} [الأنعام:162] البداية {وَمَمَاتِي} [الأنعام:162] النهاية {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]. {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162 - 163] هكذا تكون صفات أهل هم الآخرة، العمل الدائب الذي لا ينقطع، وليس للاستقامة والعبادة والعلم والدعوة والتعليم تاريخ صلاحية، أن يقول شاب أو رجل التزم عشر سنوات، أو أطلب العلم عشر سنوات، أو علم عشر سنوات، فينتهي الأمر، بل مع المحبرة إلى المقبرة {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99]. ومع هذا العمل الدائب وجلٌ وقلقٌ وخوفٌ رجاءَ أن يُقبَل العمل، وخشية أن يرد العمل لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:60] وجاء في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة حول هذه الآية: (أولئك الذين يصومون ويتصدقون ويقومون الليل وقلوبهم وجلة يخافون ألا يقبل منهم). أيها الأحبة: إن الحزن الذي هو من علامات وصفات أهل هم الآخرة، ليس الحزن الذي يقبع بهم في السراديب أو ينزوي بهم في الأقبية أو يعزلهم عن الناس، بل هو الحزن على فوات الخير الذي ينقلب تشميراً وجداً في طلب الخير والسعي إليه والدعوة والعبادة، وحينئذ يكون الحزن للآخرة سعادة تنعكس على العبد بإذن الله.

التأثر عند رؤية الجنائز

التأثر عند رؤية الجنائز ومن علامات وصفات أهل هم الآخرة أنهم إذا رأوا جنازة أو شهدوها تأثروا بها. هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعلّ الردى مما نرجيه أقرب أيها الأحبة: إن من شهد جنازة فلم يتأثر، ووقف على شفير قبر فلم يتأثر، فليعلم أن قلبه ليس من قلوب هم الآخرة، فليعالج هذا القلب، وليعلم أنه مريض، بل إن المرض مستحكم فيه، إن الموت عبرة، وإن الموت آية: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:34 - 35] {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] إن الذي لا يعتبر بالموت ولا يتأثر به ليس من أصحاب هم الآخرة. قال إبراهيم النخعي رحمه الله: كنا إذا حضرنا جنازة أو سمعنا بميت عرف فينا أياماً؛ لأنا قد عرفنا أنه نزل أمر صيره إلى الجنة أو إلى النار. فكونوا من أصحاب هم الآخرة يا عباد الله! أسأل الله جل وعلا أن يعز الإسلام والمسلمين، وأسأله سبحانه أن يدمر أعداء الدين، وأسأله سبحانه أن يجعلنا في الآخرة من الحريصين، ولأجلها من الساعين، وبها من المهتمين، وللحديث بقية لعله أن يكون في جمعة قادمة. نسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، واسمك الأعظم ألا تدع لنا في هذا المقام ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا حاجة إلا قضيتها، ولا عيباً إلا سترته، ولا زللاً إلا غفرته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا متزوجاً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا مجاهداً إلا نصرته بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً مجللاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم إنا خلق من خلقك، وعبيد من عبيدك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، ولا تحرمنا بمعاصينا رحمتك، اللهم إن عظمت ذنوبنا فإن فضلك أعظم، وإن كثرت معاصينا فإن رحمتك أكبر وأكثر، يا حي يا قيوم! أعطنا ولا تحرمنا، واسقنا وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في طاجكستان، وفي البوسنة وفي كل مكان. إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

واقدساه!

واقدساه! أنزل الله علينا خير كتبه، وأرسل إلينا خير رسله، وشرع لنا خير شرعه؛ من أجل أن نتحاكم إليه ونحكّمه في كل نواحي الحياة، لا أن نأخذ بعضه ونترك بعضاً. إن المسلمين لما أخذوا شيئاً من الدين وتركوا باقيه عاقبهم بما يعيشونه اليوم من ذل ومهانة؛ بل إنهم لما رفعوا الشعارات الكفرية ما أفلحوا ولن يفلحوا، ولن تحرر أراضي المسلمين إلا بالجهاد تحت شعار التوحيد لا غير.

صور من صور البأس والتسلط

صور من صور البأس والتسلط الحمد لله، الحمد لله على عفوه مع قدرته، الحمد لله على ستره وهو لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، الحمد لله على حلمه وهو ممتن على عباده بسائر النعم، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت يا ربنا من شيء بعد، اللهم لك الحمد حتى ترضى، اللهم لك الحمد في كل حال، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فلو اتقينا الله جل وعلا لجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، ولكن يا عباد الله لو صدقت القلوب مع ربها لجاء وعد ربها لها صدقاً وحقاً، ولا ينال النصر من عند الله إلا بنصر دين الله. أيها الأحبة في الله: يقول لله جل وعلا: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً} [الإسراء:4 - 7]. معاشر المؤمنين: في هذه الأيام تظهر صورٌ من صور البأس والتسلط الذي هو دليل من دلالات قرب الملحمة الحاسمة والموقعة الفاصلة بين الإيمان والكفر، بين الإسلام والجاهلية، بين الشعارات الزائفة والشعارات القرآنية، بين أصوات النفاق والعمالة والخيانة والتدجيل، وأصوات الحق والكرامة والشهادة والبسالة، منذ أيام قليلة ارتكب اليهود مجزرة دامية في اثنين وعشرين من أبناء فلسطين، في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أول قبلة للمسلمين، وذلك يوم أن جاء عدد من اليهود وحاخاماتهم وشياطينهم تساندهم فرق الأمن ورجال الجيش، لوضع حجر الأساس للهيكل المزعوم. عباد الله: يوم أن بدأ المسلمون في فلسطين يصدون هذا العدوان، فُتحت ألسنة اللهب ونيران الرشاشات على صدور الأبرياء العزل، الذين جاءوا يقفون خضوعاً واحتراماً بين يدي الله في الصلاة، وركوعاً وتعظيماً لله، وسجوداً وانكساراً بين يدي الله، فُتحت ألسنة اللهب ونيران الرشاشات على صدور تلك الفئة المؤمنة فأردتهم قتلى، فهنيئاً لهم بمقعد صدق عند مليك مقتدر، نسأل الله أن يجعلهم من الشهداء، ونسأل الله أن يرفع منازلهم إلى درجات الأنبياء، ونسأل الله جل وعلا أن يجمعنا بهم في أعلى عليين. معاشر المؤمنين: ليست المجزرة غريبة، وليست المذبحة عجيبة، فإنا أمةٌ لم تعرف من اليهود إلا حقدها ورميها البهتان والإفك على الله جل وعلا: {وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64] أمةٌ يقتلون النبيين بغير الحق، قتلهم الله شر قتله، أمةٌ قالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] أمةٌ قالوا: إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ثم تعب فاستراح في اليوم السابع، والله جل وعلا يقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]. أمةٌ ارتكبت هذه المنكرات والطوام العظيمة، ليس عجيباً بعد أن اعتدت على جناب رب العالمين بالقول والبهتان، والله أجلّ، والله أعظم، والله أكبر من أين ينالوا شيئاً في عباده إلا بتقديره، وفي قدر الله للعباد تمام العدل والحكمة والرحمة، أمةٌ كان لها دور في مؤامرات الحقد في الخلافة الراشدة والدولة الأموية والعباسية وممالك الأندلس والخلافة الإسلامية إلى زمننا هذا، أمة لازالت مخططاتها تسري بسفك دماء المسلمين على الترب الطاهرة، في تل الزعتر وفي دير ياسين وفي برج البراجنة وفي صبرا وشاتيلا، دماءٌ من قديم الزمان إلى يومنا هذا، دماءٌ للمسلمين تنزف، أنهارٌ من الدماء تجري، ولازالت أمة الإسلام في غفلة، ولو قتل كلب من كلابهم، أو خنزير من خنازيرهم، لقامت وسائل الإعلام العالمية والصحف والمجلات والمؤتمرات والجلسات الطارئة في هيئة الأمم وفي مجلس الأمن وفي محكمة العدل، وليس ثمة عدل، قامت تلك المؤتمرات لمناقشة هذه الأمور. قتل شعبٍ كامل مسألة فيها نظر وقتل كلبٍ واحد جريمةٌ لا تغتفر هذا هو المقياس الذي يتعامل به اللوبي الصهيوني، أو الضغط الصهيوني على مختلف الحكومات الغربية التي تحمي وتساند وتحفظ دور اليهود في هذه المنطقة.

كيف يعيش أهل الإسلام الأحداث

كيف يعيش أهل الإسلام الأحداث معاشر المؤمنين: وا حرَّ قلباه! وا إسلاماه! وا قدساه! من أمة تنتهك، ومن أبكار يغتصبن، ومن أعراض تنتهك، ومن شباب يؤسرون، ومن أمة غافلة. مالي وللنجم يرعاني وأرعاه أمسى كلانا يعاف الغمض جفناه لي فيك يا ليل آهاتٍ أرددها أواه لو أجدت المحزون أواه أنى اتجهت إلى الإسلام في بلدٍ تجده كالطير مقصوصاً جناحاه كم صرفتنا يدٌ كنا نصرفها وبات يحكمنا شعبٌ حكمناه في هذه الأيام يا عباد الله! ومآسي المسلمين تتجدد وتتقلب، ومصيبة جديدة تُنسي التي قبلها، وطامةٌ داهية تشغل عن التي سلفت، فيا أمة الإسلام! أي غفلة نحن فيها؟! والله لقد توقعت أن تضج المساجد بالقنوت والتكبير والاستغفار والصدقة، وبذل أسباب النصرة، لكي يُرفع البلاء عن المسلمين، ولكن ما ثَم شيء تغير، محلات الفيديو لا زالت تبيع، ولا زال بيعها رائجاً كما كان، وأشرطة الغناء لا زالت تباع، وسوقها نافقة كما كان، والتبرج والسفور في كثير من بلدان المسلمين لا يزال كما كان، والبعد عن الله والاستنكار والتجهم على كل من أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر. فيا أمة الإسلام! أتريدون أن يغير الله أحوالكم وأنتم لم تغيروا شيئا؟! {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].

عزتنا بديننا

عزتنا بديننا معاشر المؤمنين: يوم أن اغتصبت امرأة من المسلمين صاحت وامعتصماه! ثم لبى صيحتها بجيشٍ عرمرم، وخميسٍ يضرب الأرض ضرباً، حتى فتحت تلك الأرض وطرد النصارى، وقام علم الإسلام في تلك البلاد، والآن: رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم ألإسرائيل تبقى دولةٌ في حمى الأرض وظل الحرم لا يلام الذئب في عدوانه إن يكُ الراعي عدو الغنم إذا كان الراعي هو عدو الماشية فلا يلام الذئب في عدوانه عليها، والله ما تسلط اليهود وهم الذين قال الله في ضعفهم وفي جبنهم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14] أمةٌ ذليلة: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران:112]. والله لولا خيانات القيادات العربية المحيطة بتلك البلاد، ما كان لأولئك دورٌ ولا مكانة ولا منزلة ولا دولة، ولكن إذا كانت العراق تحمي هذه الدولة، وإذا كان الأردن يحمي هذه الدولة، وإذا كانت الأنظمة الكافرة تحمي هذه الدولة، ولم يبق في المنطقة إلا دولة واحدة، نسأل الله أن يجمع شملها وأن يثبت خطاها وأن يسدد رأيها، وأن يلم شتاتها وشتات شعبها وقادتها على كلمة الحق بإذنه ومنه وكرمه، كيف تريدون أن يسل ذلك الخنجر من صدر المسلمين الذي طعن فيه؟

شعارات رنانة

شعارات رنانة يا عباد الله! لقد سمعنا قبل الاجتياح العراقي للكويت، أن العراق تلعن أمريكا صباح مساء، وتلعن الإمبريالية والرأسمالية، وتلعن البيت الأبيض، ويلعنون ويسبون ويشتمون، وظن الغوغاء والسذج والبسطاء، وروج البعثيون والحداثيون والعلمانيون، وكل من لا يرفع بهذا الدين رأساً، نوهوا ورددوا ورفعوا هذه القيادة الغاشمة، ومجدوها عبر الصحف والمجلات، حتى قالت كاتبة عاهرة: (أتمنى أن أحلم بـ صدام في المنام ولو لحظة من اللحظات) والآخرون في صحفهم وفي مجلاتهم صفحتين تجدها لقادتهم ولشئون بلادهم، وباقي الصحف كلها تمجيد في بطل الفاو وصدام القادسية، ماذا ننتظر وقد صنعنا بأيدينا صنماً من الشمع، انكشفت حقيقته عن حرارة الفتنة؟ يا عباد الله: أين تلك الصيحات التي تنادي بالعداوة لـ أمريكا والبيت الأبيض؟ أين تلك الصيحات التي هددت إسرائيل بالكيماوي وصواريخ الاسكود المزودة بالرءوس النووية؟ أين المزدوج؟ أين القنابل؟ أين تلك الشعارات وذلك التهديد والدعاء بالويل والثبور، وتريثاً لانتظار المرحلة الحاسمة بين العراق وإسرائيل؟ وبينما الأمة الغافلة الجاهلة الغبية في انتظار لموقعة بين إسرائيل والعراق، إذا هي بمفاجئة باقتحام واجتياح لأرض مسلمة في الكويت. هكذا يلعب الإعلام ويطبل على الشعوب، هكذا يسخر الإعلام بعقول البشر، هكذا يسخر الإعلام العالمي بالغوغاء والشعوب، يقوم حاكم ثم يلعن الذي قبله، ويقول: لقد ظلمكم وفعل بكم، لقد أذاقكم الجوع، وألبسكم العري، وذوقكم المرض، وأما حكومته المزعومة فيعد بأن تفعل وستفعل، ستوجد فرصاً للعمل، وسوف تعدل ميزان المدفوعات، ولسوف تفعل وتفعل، وإذا جنَّ المساء وجدت الحاكم الجديد ينادم الحاكم القديم في قصر من القصور يعاقرون الخمرة. والله يا عباد الله! هذا ما يفعل في الدول العربية، كلما دخلت أمة لعنت أختها، ولكن الفرق بينهم أنهم يتلاعنون في النهار، ويتنادمون سوياً ويشربون ويطربون في الليل جميعاً، أهذه حكومات يرجى منها أن ترد للإسلام دولة؟ أهذه حكومات يرجى منها أن تطرد اليهود عن أرض فلسطين؟ يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكس جاءت إليك ظلامةٌ تشكو من البيت المقدس كل المساجد طهرت وأنا على شرفي أدنس هذه رسالة من الأقصى أرسلت إلى صلاح الدين الكردي وليس العربي، أو من طنطن من البعثيين والقوميين العرب بهذه الشعارات فما زادوا الأمة إلا خبالاً، وما زادوا الأمة إلا ضعفاً وتشتيتاً. معاشر المؤمنين: ومع هذا لا تزال آمالنا، ولا تزال آمال المسلمين تتعلق بقادة المسلمين في هذه المملكة، البلاد الوحيدة التي لازالت تحكم الإسلام على ما فينا، والكمال لله، لازالت الآمال تتعلق بهذه الأمة وبقادتها وعلمائها، عسى الله أن يبعث في هذه الأمة أمراً رشيداً يتحرر به الأقصى، وتنقلب به الموازين بمنه وكرمه إنه هو أرحم الراحمين. معاشر المؤمنين: لقد انشغل العالم الإسلامي انشغالاً عظيماً بأحداث الخليج في وقت اجتاحت فيه تلك الطغمة البعثية الكافرة الحاقدة، في وقت شغلت بذلك الاجتياح أمة الإسلام، والناس لم يصدقوا أو يكذبوا أن ما حصل كذباً أو صدقاً، ولكن الآن نقول: أين المهيب الركن؟ أين الأماجد البعثيين؟ أين الشرفاء البعثيين الذين هددوا إسرائيل سنين طويلة؟ أين المهيب الركن الذي يريد أن يضرب أمريكا والبيت الأبيض، ويريد إن يضرب إسرائيل؟ هل يثأر لمسلمة تغتصب؟ هل يثأر لمجزرة تنتهك في بيت المقدس وفي مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولكن يا عباد الله! إنه مخطط ومؤامرة لتصفية القضية في هذه الظروف، والله لو تأملتم تاريخ إسرائيل وما يدور في أرض المسلمين، إسرائيل كطغمة أو كنظام في الهواء لا وجود له في عقيدتنا، لأن الذي هو زائل لا محالة لا وجود له ولا بقاء، لو تأملنا ما يدور، لوجدنا أن كل ضربة سواءً في الخليج أو أفغانستان أو في أي مكان، يقابلها عمل بصمت وتوطين سريع، وتهجير لليهود من أنحاء العالم في المستوطنات الفلسطينية التي شغل المسلمون عنها وعن متابعتها. وفي هذا الزمان أصبح الحديث عن فلسطين أمراً مملاً عند كثير من المسلمين، لأنهم منذ ستين سنة وهم يسمعون أن فلسطين ستحرر بالمنظمات والشعارات والقيادات. فوق التل وتحت التل وعن يمينه وعن شماله قادمٌ بدبابة قادمٌ بطائرة وما رأينا ذبابة ما رأينا شيئاً أبداً، أين الصيحات والشعارات؟ وأين أموال المنظمة التي بلغت المليارات؟ أين أموالها لكي تساند الجهاد في فلسطين؟ لكي تدعم قوة حماس؟ أين تلك الأموال التي ضاعت في تجارات الله أعلم بها؟ ومن هو الذي يثري على حسابها؟ ولكن يا عباد الله إنه النفاق، إنه سكوت الأمة على ما يدور بها، وعلى ما يدبر لها، إنه الوهن وحب الدنيا وكراهية الموت، نسأل الله أن يرفع البلاء عن المسلمين، وأن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر بمنه وقوته وقدرته أعداء الدين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم، والتائب من الذنب كما لا ذنب له.

تضليل الإعلام وسخريته بالعقول

تضليل الإعلام وسخريته بالعقول الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: إن أزمة المسلمين في هذا الزمن هي أزمة القيادة التي ترفع لواء الجهاد لتحرير بيت المقدس من اليهود والصهاينة، إن الأمة التي قال الله في شأنها: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ في سَبِيلِ الله} [البقرة:246] لقد طلبوا ملكاً وقائداً وقيادة قبل أن يطلبوا جنوداً وسلاحاً، وما ذاك إلا لأن الأزمة هي أزمة القيادة، إن الشعوب التي ترونها فيها خير كثير، ولو تركت الشعوب تتفاعل مع قضاياها لاستطاعت إلى حد كبير أن تحل الكثير منها، ولكن القيادات العميلة والقيادات الخائنة هي التي تستعدي الشعوب بعضها على بعض. وكلمة حق أقولها: ما إن تسمع إذاعة من الإذاعات إلا وتجد فيها إيغاراً لشعب على شعب، إلا ما سمعناه هنا من تصريحات طيبة، ألا وهي: إن هذه البلاد خيرها للجميع سابق، وسيبقى خيرها بإذن الله لكل وافد وقادم ولكل ضيف بها إذا كان ملتزماً بآداب هذه البلاد، وأحكامها الشرعية، ونظمها العقلية، وجميع أنظمتها الرزينة الحصينة. فيا عباد الله: إن أجهزة الإعلام لازالت هي التي تسير الشعوب، والله لقد عبث الإعلام البعثي بكثير من عقليات المسلمين، إلى حد أن بعضهم تصوروا أن الأمريكان يطوفون بالكعبة، وتصور بعضهم أن الأمريكان يسعون بين الصفا والمروة، وأولئك بينهم وبين الأراضي المقدسة مسافات بعيدة لمصالح عديدة، ومع ذلك فقد صور الإعلام أن الكعبة لا يطوف حولها إلا الأمريكان، وأن المسعى لا يسعى فيه إلا الأمريكان، وأن الحرم النبوي وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم محاط بالأمريكان، فضجت هذه الشعوب الغافلة البسيطة الغوغاء، وصدقت دعوى الجهاد من الذين لم تجف أيديهم من دماء المسلمين الأكراد في حلبجة، لم تجف أيديهم من دماء المسلمين الصالحين في العراق. أيصبح فرعون واعظاً؟ أيصدق للماكرين نصح ووعظ؟ ولكن كما تكون تلك الشعوب يولى عليها، (كما تكونوا يولى عليكم) لما رضيت بالذل -ولا أقول كلها بل بعضها- لما رضيت بالذل والهوان، وسكتت عن كلمة الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحكمت فيها الأنظمة الفرنسية، والقوانين الرومانية، والقوانين الوضعية، ونحيت الشريعة، ولم يسمع صوتٌ ينادي بتطبيق الشريعة فيها، تسلط الفجار عليها، تسلطوا تسلطاً عجيباً غريباً، فنسأل الله جل وعلا أن يوقظ هذه الشعوب من غفلتها.

أمثلة لقادة المسلمين الأوائل

أمثلة لقادة المسلمين الأوائل يا معاشر المؤمنين! أقول كما قلت: إن الأزمة هي أزمة القيادة، خذوا مثلاً من الأمثلة في وقت الحروب الصليبية.

ألب أرسلان

ألب أرسلان كان واحدٌ من أمراء المسلمين وقائدٌ من قواد المسلمين يقال له: ألب أرسلان، كان معه خمسة عشر ألف جندي، هدده الروم والصليبيون بمائة ألف وحشدوها وتوجهوا له، ويقول ذلك الصليبي لـ ألب أرسلان: انتظر فإني آت ولن يقف القتال إلا في بيتك وفي عاصمتك. فقام ألب أرسلان، وأعد جيشاً على رأسه الفقهاء والعلماء والصالحون، ثم لما كان يوم جمعة في رمضان، صلى الجمعة وسار إلى المعركة، فلما سار قليلاً خلع لباسه، ثم لبس كفناً أبيض، ونزل بالسيف يريد المعركة التحاماً، يريد معركة بالسلاح الأبيض، ثم قال: يا أيها الجند! -نادى في خمسة ألف جندي- ما هاهنا سلطان، ما هاهنا قائد، ما هاهنا أمير، فمن أراد أن ينصرف فلينصرف، فإني مجاهد من المجاهدين في سبيل الله، ثم دخل والتحم في الجيش، فما هي إلا ساعات حتى جيء بـ أرمانوس قائد الصليبيين والحملة الصليبية أسيراً بين يدي ألب أرسلان، فأكب يبكي ساجداً شكراً وحمداً وثناءً على الله.

صلاح الدين

صلاح الدين صلاح الدين الكردي لا العربي، لنعلم أن نصرة الإسلام ليست بالقبائل وليست بالأحزاب والأنساب، وإنما نصرة الإسلام لمن تمسك بهذا الدين وحكمه قلباً وقالباً. صلاح الدين يقول أحد قضاته بهاء الدين: كان رحمه الله خاشع القلب، غزير الدمع، كثير التعظيم لشعائر الله، يقول: رأيته ذات يوم ساجداً، ودموعه تتقاطر على شيبته وسجادته. وإذا سمع بعدوٍ نزل بأرض المسلمين خرَّ ساجداً، وهو يقول: إلهي انقطعت أسباب المدد من الأرض، ولم يبق إلا سبب من عندك، بالإخبات إليك، والذل بين يديك، حتى تأتيه بشائر النصر وهو على رأس جيوش المسلمين. أما قادة الأمة في (48م) و (67م): تجوع يا بحر، قالها طواغيت الأمة، يقولون: تجوع يا حوت، تجوع في البحر، فسنلقي إسرائيل فيك، وما أصاب إسرائيل شيئاً. زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع إن الذي يقتل اليهود هو مسلمٌ مؤمنٌ صادقٌ مجاهد، وليست تلك القيادات الخائنة العميلة.

شاب صدق الله فصدقه

شاب صدق الله فصدقه معاشر المؤمنين: إن هذه الأمة تحتاج إلى عقيدة وقيادة تستنفر جميع المسلمين: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] نريد أمة مستنفرة، نريد أمة كتلك الأمة التي دعا قائد الجهاد دعوته في المسلمين، فلما جنَّ الليل إذ بامرأة تطرق الباب عليه، وتقول: افتح أيها القائد، وهو يقول: من في الباب؟ فتقول: افتح أيها القائد، فقدمت له شيئاً قد لف في قماش، فقالت: دعوت المسلمين وتلوت قول الله: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] وأنا امرأة كبيرة طاعنة، وليس عندي إلا شعري هذا حلقته وجدلته، وجعلت منه لجاماً لفرسك عسى أن أكون بذلك قد نصرت مع المسلمين بما بين يدي، فلما فتح هذا القماش وجد فيه ما ذكرت. ولما كان في الجيش، إذ بشاب صغير من أبناء المسلمين، وإذ به يتقدم الصفوف ومعه قوس وسهام، وكان مسدد السهم والرمي، فكان يرمي فما رمى سهماً إلا نزل في قلب كافر من الكفار، فعجب الكفار من ذا الذي يصوبهم بالرمي والسهام؟! حتى اجتهدوا في تحديد مكانه، فصوبوا عليه، ثم أصابه سهمٌ في قلبه، فسقط، فقام ذلك القائد وأخذ الشاب، ثم دفنه، ثم عاد مرة أخرى يحمل على العدو، فلما كرَّ مرة أخرى إذ بالأرض قد لفظت هذا الصبي، وخرج ذلك الصبي على وجه الأرض، فعاد وقال: لعل شيئاً من السباع جره أو أخرجه، فعاد ودفنه مرة أخرى، ثم التحم مع العدو، فلما كرَّ مرة أخرى، إذ به يرى جثة الصبي فوق الأرض، ثم عاد ودفنه ثالثة، ثم كر، ولما عاد إذ بالصبي حوله عدد من السباع والطيور الجارحة، وكل سبع وطير في فمه قطعت من جسد ذلك الشاب، فكان أمره عجيباً وكان شأنه غريباً. فلما انتهت المعركة وقد نصره الله، أخذ متاعه ومزادته، وسأل هذه لمن، ولبيت من؟ فعاد بها وإذا بهذه المزادة وهذا المتاع الذي للطفل أمه تلك المرأة التي قدمت ضفيرتها لجاماً لفرس القائد، فقال لها: أسألك بالله يا أمة الله ما الذي كان يصنع ولدك؟ فسألته هل دفنت ولدي؟ قال: دفنته، قالت: ثم ماذا؟ قال: ثم لفظته الأرض، قالت: ودفنته، قال: فدنته ثم لفظته الأرض، أسألك بالله أي أمر هذا؟ قالت: والله إنه استحلفنا ألا نخبر بشأنه إلا إن كتب الله له الشهادة، ثم جاءت بمسوح وصوف وأمور عجيبة وقدمتها بين يدي القائد، قالت: إن هذا الصبي كان إذا جن الليل جعل أغلالاً في رجليه، ولبس هذا الصوف وهذا المسوح وأخذ يتضرع ويبكي ويتهجد، وهو يقول: اللهم احشرني في حواصل الطير وأجواف السباع، قال: والله يا أمة الله ما جئت الكرة الثالثة إلا وفي منقار كل طير، وفي فم كل سبع قطعة من أشلاء ولدك، فقالت: الحمد لله الذي استجاب دعوته عله أن يكون شفيعاً لنا يوم القيامة. بهذا أيها المسلمون! تنتصر الأمة، لا تنتصر الأمة بالأغاني أو بالمهرجانات أو بالفن أو بالطرب، أو بالتمثيل أو بالمسارح، أو بتلك الأمور التي خدرت المسلمين تخديراً طويلاً، وأولئك يلعنون ويسبون ويشتمون اليهود، وهم أذناب وعملاء لليهود. إن الأمة في هذا الزمان تريد نفيراً عاماً كلٌ بما يستطيع، بنفسه وبماله، أليست امرأة قدمت ضفيرتها؟ ونحن ماذا قدمنا لـ فلسطين، وأفغانستان، والأكراد في حلبجة؟ ماذا قدمنا لشعوب العالم الإسلامي؟ كثيرٌ وكثيرٌ من المسلمين هم كل واحد منهم أن يملأ بطنه وأن يقر عينه وأن ينام هادئاً، وأن يصبح عادياً لم يغير شيئاً ولم يقدم غيره.

النفير النفير

النفير النفير إن أمة الإسلام المستنفرة تحتاج شباباً لا يملئون مدرجات الكرة في المباريات، إن أمة الإسلامية المستنفرة لا تريد تجارة بالأفلام والملاهي، إن أمة الإسلام المستنفرة لا تريد اختلاطاً في دواوينها وتعليمها، إن أمة الإسلام المستنفرة تعني شباباً ولاؤهم لله، ونصرتهم لله، وقلوبهم لوجه الله، وعلى كتاب الله وسنة رسول الله، لا تريد شباباً تعلموا فنون الهوى، وألون المعاكسة، وأصناف المغازلة من التمثيليات والمسلسلات، إن أمة الإسلام تريد شباباً لم تحطمه الليالي، ولم يسلم إلى الخصم العرين، أما أولئك الذي يلعنون اليهود وهم يخدمونهم، أولئك الذين يسبون اليهود وهم يدعمونهم، أولئك الذين يلعنون اليهود وهم يغازلونهم غزلاً بعيداً، أولئك يصدق فيهم قول القائل: وجوهكم أقنعةٌ بالغة المرونه إذا لقيتهم يبتسمون طلاؤها حصافةٌ وقعرها رعونه صفق إبليس لها مندهشاً وباعكم فنونه هذا الكلام لتلك القيادات البعثية والعلمانية التي فعلت بالمسلمين هذه الأفاعيل، وفعلت بشعوبهم هذه المآسي، وسلمت فلسطين لليهود. صفق إبليس لها مندهشاً وباعكم فنونه وقال: إني راحلٌ ما عاد لي دور هنا دوري أنا أنتم ستلعبونه ودارت الأدوار فوق أوجهٍ قاسيةٍ تعدلها من تحتكم ليونه فكلما نام العدو بينكم رحتم تقرعونه لكنكم تجرون ألف قرعة لمن ينام دونه وغاية الخشونه أن تندبوا: قم يا صلاح الدين حتى اشتكى مرقده من حوله العفونه كم مرة في العام توقظونه كم مرة على جدار الجبن تجلدونه فيطلب الأحياء من أمواتهم معونه دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه لأنه لو قام حقاً بينكم فسوف تقتلونه لو قام صلاح الدين لقتلته تلك القيادات العميلة الخائنة. فيا معاشر المؤمنين: لا ينبغي أن نقف هكذا مكتوفي الأيدي. وقد يقول بعضكم: وما شأننا نحن معاشر المصلين بالسياسة؟ أقول: إن السياسة كما يقول الشيخ/ عبد الرحمن الدوسري رحمه الله، وهو عالم ما عرف قدره إلا يوم أن وُرِيَّ في التراب، كان يقول: لا إله إلا الله من لامها إلى هائها سياسة، ألا له الخلق والأمر، إن الذي نصلي له هو الذي أمرنا أن نحكم بكتابه وأن نتحاكم إلى شرعه، وأن نجري في جميع مجالات أمرنا على شرعه الذي رضيه وحفظه لنا. فيا معاشر المؤمنين! ما هو دوركم؟ إن كل واحدٍ منا وكل مسلمٍ يسمع هذا الكلام، هذا الزمان أو بعد زمان نموت فيه يحمل كفلاً ووزراً من أوزار الأمة، يوم يعلم دوره ويعرف استهداف أمته، ولا يقدم صغيراً ولا كبيراً، طلقة في سبيل الله، تجهيز غازٍ في سبيل الله، دعوة إلى الله، كفالة يتيم، رعاية المؤمنين، البذل لهم، الجهاد بالأنفس معهم، هذا دورنا فهل نقوم به، نسأل الله جل وعلا ألا نكون من الذين خذلوا دينه وجنده وأولياءه. فيا معاشر المؤمنين: أعدوا عدتكم، وإن الجبناء لا تطول أعمارهم، وإن الشجعان تدوم بهم الأيام بقدر الله ومنه. فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما ترددت أستبقى الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما تعاملوا مع الله، لا تخشوا أحداً غيره، اعرفوا عظمة الله، فكل عظمة دونه هينة، اعرفوا قدر الله، فكل قدر دونه ذليل، اعرفوا عظمة ربكم وقوة ربكم، وجبروت ربكم، والله لا يضركم كيد الأعداء شيئاً. اللهم أعز الإسلام المسلمين، والله إننا نستحي أن نرفع أيدينا إلى الله وبيوتنا مليئة بالملاهي، والله إننا نستحي أن نرفع أيدينا إلى الله بأن ينصر الإسلام والمسلمين ونحن أول من يخالف الإسلام، والله إننا نستحي أن نرفع أيدينا إلى الله لكي يحفظنا ويرحمنا ونحن لا نعرف الصلاة في المساجد إلا قليلاً، والله إننا نستحي أن نرفع أكفنا إلى الله وأسواقنا مليئة بالمنكرات، وشوارعنا مليئة بالتبرج والسفور، وانقلابٌ في الموازين، حتى يصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخلاً في شئون الآخرين، وتصبح المعصية ضرباً ولوناً من ألوان الحرية في هذا الزمان، لكن الله ذو رحمة واسعة، قال جل وعلا: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156]. فلن تضيق عنا معاشر المذنبين والعصاة، والله لو أن العقوبات تنزل بمن فعلها جميعاً ما بقي لنا في هذه الأرض عين تطرف، ولكن نسأل الله أن يعاملنا بعفوه، نسأل الله أن يعاملنا بعفوه سبحانه، وبرحمته التي سبقت غضبه، وبرحمته التي وسعت كل شيء. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم إن كنت تعلم في حياتنا للإسلام خيراً فأحينا، اللهم إن كنت تعلم أن في بقائنا على الأرض خيراً فأبقنا، اللهم إن كان في موتنا خيراً للإسلام فاقبضنا، اللهم إن كان في موتنا خيراً للإسلام فتوفنا، اللهم لا تجعلنا شؤماً على الإسلام والمسلمين، اللهم لا تجعلنا مصيبة على الإسلام والمسلمين، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم اجمع شملنا بولاة أمورنا، اللهم قرب لهم بطانة خيرة صالحة، وجنبهم بطانة السوء يا رب العالمين، اللهم لا تفرح علينا ولا عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ربنا إنك قلت وقولك الحق: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] اللهم لا تجعل لكافرٍ علينا سبيلاً، اللهم لا تجعل لفاجرٍ علينا سبيلاً، اللهم لا تجعل لمجرمٍ علينا سبيلاً. اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم نسألك الشهادة في سبيلك، اللهم أرق دماءنا كرامة لدينك، اللهم اسفك دماءنا كرامة لشرعك، اللهم توفنا وأنت راض عنا، اللهم اقبضنا وأنت راض عنا، اللهم لا تقبضنا على خزي ولا عار ولا معصية يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين، اللهم لا تفتنا في ديننا، وإن فتنتنا فثبتنا، ربنا لا تفتنا ولا تفتن بنا ولا تجعلنا فتنة للقوم الكافرين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم لا تدع لنا ذبناً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته. معاشر المؤمنين: إن الجهاد في أفغانستان قد تعطلت كثير من أموره بسبب الأحداث في الخليج، وذلك لأن الكويت كانت رئة يتنفس منها جانب كبير من جوانب أعمال الإغاثة في الجهاد، فلما تعطلت بقي دوركم أنتم، وإني سائلكم بوجه الله الذي لا يسأل بوجهه إلا الجنة، وإني سائلكم بالله فمن سألكم بالله فأجيبوه، أن تجمعوا ما تستطيعوا بذله في الجمعة القادمة، فإني سأجمع لإخوانكم تبرعات أسأل الله أن يجعلها دفعاً لنا عن البلاء، اللهم ادفع بها البلاء عنا، واجعلها رحمة منك لنا، اللهم نسألك أن تتقبلها في خالص أعمالنا. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

واقع الدعوة في المجتمع الغربي

واقع الدعوة في المجتمع الغربي إن الناظر في حال الغرب وتمردهم عن أوامر الله عز وجل ليدب اليأس إلى قلبه أن ينزل الإسلام في ساحة هؤلاء، لكن لو نظرنا إلى المراكز الإسلامية لعجبنا من قوة هذا الدين في انتشاره بين أبناء المجتمع الغربي، ومع ما فيه من إيجابيات إلا أن هناك ملاحظات ينتبه لها، لذلك لابد من دعوة المسلمين إلى الاهتمام بأمر المراكز الإسلامية في المجتمعات الغربية وما تحتاج إليه من مشايخ وطلاب علم، وتبصير في بعض القضايا الشائكة، والاهتمام بأمر المساجد والمراكز وغير ذلك.

مقدمات ومسلمات لابد منها في الدعوة

مقدمات ومسلمات لابد منها في الدعوة الحمد لله الذي أعز المسلمين بالإسلام، ومهما أرادوا العزة بغيره أذلهم الله، الحمد لله الذي أعز عباده المؤمنين ونصر جنده المجاهدين، وخذل الشرك والمشركين، الحمد لله وحده؛ نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، الحمد لله منشئ السحاب، منزل الكتاب، هازم الأحزاب، لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه مآب، الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو أهل الحمد وله الحمد كله، وإليه الحمد كله، جل ثناؤه، وعز سلطانه، سبحانه وتعالى عما يشركون. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، كان بأمته براً رءوفاً رحيماً، لم يعلم طريق خير إلا دل الأمة عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا حذر الأمة منه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. معاشر المؤمنين! اتقوا الله تعالى حق التقوى فهي وصية الله لكم وللأولين والآخرين، وهي سفينة النجاة، وهي باب السعادة بين يدي رب العالمين: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المسلمين! كان الحديث في الجمعة الماضية عن نظرة المسلم إلى الكافرين النظرة الشرعية التي ينبغي أن ينظر بها المسلم إلى الكفار، فهي نظرة لا تصل إلى شيء من الإعجاب بحالهم أو مجتمعهم أو طباعهم أو أخلاقهم، بل البراءة والبغضاء والكراهية لمنكرهم وبهتانهم وإفكهم وكفرهم وباطلهم، وهي مع ذلك نظرة منصفة: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8]. وهي نظرة منصفة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135]. وكذلك -أيها الأحبة- هي نصيحة لكل من أشرب قلبه حب الغرب فأعجب بهم، وأصبح هجيراه وديدنه الحديث عنهم، وتعلق بأفعالهم وطباعهم وسلوكهم، أولئك قوم صدق فيهم قول ربنا عز وجل: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:139] ثم جرى الحديث أو جرى الوعد أن يكون الحديث هذه الجمعة عن واقع الدعوة إلى الله في بلاد الغرب أو في البلاد الأمريكية، أو في البلاد الكافرة. أيها الأحبة في الله! إن من المقدمات والمسلمات أن كل داع أو حريص أن يعمل أو ينشأ أو يؤسس عملاً دعوياً لابد أن يدرس البلاد وأهلها وطبعها وواقعها ومجتمعها، ثم بعد تحديده ماذا سيعمل يفكر كيف يعمل، إذ لا ينبغي لمسلم أن يبدأ بالعمل قبل الفكرة، لا ينبغي لأحد أن يشرع في عمل قبل أن يتفكر في غاية عمله، وباعث عمله، وطريقة عمله، وكيفية تقويم عمله هذا، إذ أن من صفات من لا يحمدون أعمالهم أن الفعل يسبق التفكير، والصواب أن الفكر والتدبر يسبق العمل: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ:46] فلابد من التفكر، ولا بد من التدبر، ولابد بعد التفكر من الشروع بعد اختيار الوسيلة. والأمر الآخر أن العمل مهما كانت مقاصده وغايته لابد أن تكون وسيلته شرعية، فإن الغاية لا تبرر الوسيلة كما هو الحال عند أرباب المكر والخديعة ممن يسمون أنفسهم بالسياسيين.

ترويج الخمر وتأثيرها على المجتمع الغربي

ترويج الخمر وتأثيرها على المجتمع الغربي أيها الأحبة في الله! هذا المجتمع الذي نتحدث عن الدعوة إلى الله جل وعلا فيه؛ مجتمع يعج بالخمر صباح مساء، فشربهم للخمور أكثر من شربهم للمياه، بل وإن الذين يتعاطونها ويشربونها هم من الصغار والشباب والذكور والإناث، وحسبكم أنها كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم أم الخبائث، أورثتهم تلك الخمرة حالات الاغتصاب، وحوادث السيارات، والسطو، والاغتيال، والعدوان والجريمة، ويداهم أوكت، وأفواههم نفخت، إذ أنك لا ترى شاشة تلفزيونية أو صحيفة أو مجلة إلا وهي تدعو وتبرز دعاية براقة مشوقة لذوي القلوب السقيمة تدعو إلى تعاطي الخمر، فهم يدعون إليها ويروجونها عبر كل وسيلة إعلامية، ثم بعد ذلك يقبل الصغار والكبار عليها، ثم بعد ذلك يبذلون أسباباً لمكافحة النتائج المختلفة من الجرائم وغيرها على إثر تعاطي الناس لتلك الخمرة. فهناك واحد من كل ثلاثة سائقين يتسببون في مقتل أشخاص آخرين بسبب تعدي السرعة القانونية، ونصف المتهمين في القضايا الأخلاقية هم من المتعاطين المسرفين للخمور.

موت الغيرة والإصابة بمرض الإيدز

موت الغيرة والإصابة بمرض الإيدز ثم قادهم ذلك إلى موت الغيرة وكيف توجد غيرة عند كافر؟! لقد سجلت نسبة الارتفاع بمرض الإيدز هناك نسباً جاوزت المئات، ويتضاعف العدد في كل سنة أضعاف أضعاف ما سبق، وأكثر -بل 90%- من الذين أصيبوا بهذا كان بسبب ما أدت إليه الخمر والمسكرات، حيث أن 90% من مرضى الإيدز كانوا أصيبوا بالإسراف في ذلك والممارسات الجنسية غير المشروعة، وحينما نقول الإسراف فإننا لا نقول: إن التقليل من الخمر لا يسبب، فهي حرام قليلها وكثيرها صغيرها وكبيرها. والآن أصبح ما يقارب عشرة ملايين نسمة يصابون بفيروس الإيدز وسيصلون إلى أعدادٍ مضاعفة. وبعد ذلك فإن هذا قادهم إلى الانطلاق والجري الهائج وراء الشهوة الشاذة المسعورة وغيرها، فـ (70%) من النساء اللائي يعملن مع الرجال يتعرضن للابتزاز من قبل رؤسائهن بل واعتدي على الكثير منهن على إثر الاغتصاب الجنسي ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ارتفاع درجات الاغتصاب

ارتفاع درجات الاغتصاب أما الاغتصاب بالتفاصيل فإن المسجد يجل وينزه عن ذكره، ولكن نشير إلى أرقام هي إشارات واللبيب بالإشارة يفهم اغتصب أمريكي 23 فتاة خلال 3 أشهر، والكثير منهم لا يحتاج إلى الاغتصاب لأن كل زاوية وطريق ومقهى وحانة واستراحة ما هي إلا مواعيد لضرب الصداقات وإيقاع الخيانات الزوجية، وفي أمريكا ارتفعت جرائم الاغتصاب بنسبة 124% والأعداد والنسب لا تزال في ازدياد وارتفاع. بعد ذلك يوم أن انتشر الاغتصاب والإباحة الجنسية في بلادهم ابتلي أو حصل لكثير من النساء الحمل -الحبل الغير شرعي- فأقدموا على الإجهاض والتخلص من الأجنة: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير:8] يحمل من الزنا نسبة تزيد عن 20% من كل 100 امرأة، وحالات كثيرة من الإجهاض أكثر من هذا، مع أنهم تقدموا تقدماً باهراً في اختراع واكتشاف وسائل منع الحمل حتى لا يقعوا في نتائج الزنا والمعاشرات الجنسية. أيها الأحبة! صدق ربنا عز وجل حيث يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] بل إن كثيراً ممن يسمون أو يدعون برجال الدين والكنيسة عندهم 80% منهم يمارسون الفاحشة والعياذ بالله سواء مع الراهبات أو مع الأحداث وغيرهم. فإلى الذين يعجبون بالغرب، وإلى المخدوعين ببلاد الغرب ليقرءوا أرقاماً مختصرةً موجزةً عن الخطف والسرقة والعدوان، والاعتداء والبغاء والشذوذ والدعارة، والانتحار وما أدراك ما الانتحار، بل لقد وجد في بعض الجمعيات التي تساعد المنتحرين أو الراغبين في الانتحار أن يصلوا إلى النهاية في أسرع مدة زمنية مرغوبة مقصودة. نعم لا غرابة أن ينتحروا فليس بين أعينهم نار يخافون منها أو جنة يرغبونها، أو رب يرجون رضوانه جل وعلا؛ حينئذ يكونون كالأنعام بل هم أضل سبيلاً. إنك يوم أن تريد أن تدعو إلى الله جل وعلا أو تؤسس عملاً إسلامياً في بلاد كهذه، الإباحة ميسرة، والخمور والمخدرات منتشرة، والجريمة مسيطرة فإنك تحار حيرة بالغة عظيمة.

قوة انتشار الدين في المجتمعات الأمريكية

قوة انتشار الدين في المجتمعات الأمريكية أيها الأحبة! على الرغم مما سمعتموه من الأرقام فإن بلاد الغرب وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية بها عدد كبير جداً من المساجد والمراكز الإسلامية، وهذا والله مؤشر على القوة الذاتية الفاعلة البالغة في هذا الدين، فإن انتشار الإسلام لا نعزوه بالدرجة الأولى إلى جهود المسلمين، بل نعزوه إلى القوة العظيمة التي بلغ بها الدين أنحاء الشرق وأنحاء الغرب على الرغم من فقر المسلمين، وقلة ذات أيديهم، وقلة حيلة أبنائه، وحسبك أن تعلم أن أكثر من (80 أو 70 %) من المسلمين هناك قد هاجروا فراراً بأنفسهم أو بحثاً عن لقمة عيش وغير ذلك.

جهود المسلمين المهاجرين في نشر الإسلام

جهود المسلمين المهاجرين في نشر الإسلام أيها الأحبة! وحينما نتكلم عن الإسلام هناك فإنك تتكلم عن جهود المهاجرين من المسلمين إلى تلك البلاد، وإن تسمية الأمر هجرة فيه نظر، فلنقل: عن جهود الذين سافروا إلى تلك البلاد، فمنهم من يأثم بسفره، ومنهم من يغنم ويؤجر بسفره، والبواعث تحدد، والمقاصد تحكم على هذا. إن كثيراً من المسلمين تركوا بلادهم دولاً وبلداناً عربية؛ خاصة أيام الستينات التي شهدت عسفاً واستبداداً وطغياناً وظلماً وجبروتاً، في تلك الفترة وما بعدها هاجر كثير من المسلمين، منهم من بحث عن لقمة العيش، ومنهم من بحث عن الأمن والطمأنينة، ولا أمن ولا طمأنينة في تلك البلاد أيها الأحبة، وتبع هذا الانتقال أو هذا السفر أن هاجرت عقول إسلامية جبارة عظيمة عجيبة بلغت من الذكاء والعبقرية شأواً بعيداً، بلغت من الذكاء والعبقرية منزلة رفيعة، فأكبر ناطحة للسحاب في شيكاغو قد خططها أو كان المهندس لها مهندساً مسلماً، كذلك أطباء الجراحة وكثير من أطباء الفلك، وكثير من المخترعين والمكتشفين هم مسلمون يعودون إلى آباء مسلمين وأمهات مسلمات، بل وهم مسلمون إلا أن بعضهم قد نسي علاقته بالإسلام البتة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالعمل الإسلامي في بلاد الغرب تارة تراه عبارة عن نشاط مجموعة من جالية مهاجرة، وفي الغالب أن ترى الجالية تتركز في منطقة معينة، ففي كل بلد أو في كل ولاية ومدينة تجد أن مسلمين من بلد عربية أو إسلامية معينة يجتمعون هناك، فينشئون مسجداً ومركزاً إسلامياً يجمعون نفقاته من فتات موائدهم ومن باقي أجورهم على قلة ذات أيديهم، فإذا أسسوا هذا المسجد أو المركز كان مكاناً لتجمعهم، وأغلب هؤلاء يكون أثرهم أو يكون هدفهم المحافظة على كيانهم وخصائصهم واجتماعاتهم حتى لا يذوبوا في المجتمع وهيهات ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

خطر العيش في بلاد الغرب

خطر العيش في بلاد الغرب إن الذي يعيش في بلاد الغرب لعلى خطر عظيم، بل محقق مؤكد ما لم يتداركه الله بأن يشتغل بالطاعة حتى لا يشغل بالمعصية، وأن يشتغل بالدعوة حتى لا يدعى هو، وأن يعتني بأولاده حتى لا يذوبوا في المجتمع الكافر، إن كثيراً من المسلمين ذابوا في المجتمع الغربي كما يذوب الملح في الماء، وإليكم بعض هذه الأدلة والشواهد: في مدينة من المدن قابلت مسلماً لا يعرف أبناؤه شيئاً عن الله جل وعلا، ولا عن نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا عن الإسلام وأحكامه! وآخر أولاده لا يقرءون الفاتحة، وآخر أبناؤه لا ينطقون بحرف عربي فضلاً عن كلمة عربية؛ والسبب أن الفكرة كانت في البداية مجرد انتقال إلى بلاد الغرب، ولم يأخذوا لها حسابها وحسبانها. وحينئذ أتذكر وتتذكرون قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين) قد يقول قائل خاصة في وقت يكون شغوفاً ولوعاً محباً أن ينتقل إلى تلك البلاد: إن هذا من الرجعية والتشدد والتخلف. لكن من عاش ونظر وفكر وقدر، وقلب الرأي والبصر، وسأل الغادين والرائحين والمقيمين، بل والمتجنسين بالجنسيات الأمريكية هناك أدرك حقيقة هذا، فهذه مسلمة تستنجد بالمسلمين يوم أن دخل ولدها بصديقته الباغية الداعرة في بيتها، ويحميها القانون والبوليس وتحميها الشرطة من أن تمنع ولدها عن الدخول بزانيته! وآخر له بنت مسلمة تصادق فتىً كافراً ويحميها القانون من غيرة أبيها، ويحميها القانون من أن يمنعها والدها وأهلها من أن يعترض لماذا؟ لأن من شرط الحصول على الجنسية أن يؤدي المتجنس القسم للخضوع والالتزام والتقيد والانضباط بكل ما يمليه النظام والقانون، ولا يخرج ذلك المتجنس عنه أبداً. لذا فإن كثيراً من المسلمين على الرغم من أن الجنسيات قد قدمت لهم وأغروا بها إغراءً إلا أنهم رفضوا ذلك، وقالوا: نصبر على البلاء والابتلاء؛ حتى يفرج الله أوضاع بلداننا، فنعود إليها قائدين فاتحين منتصرين.

ملاحظات على العمل الإسلامي في أمريكا

ملاحظات على العمل الإسلامي في أمريكا

قلة المراكز والأنشطة

قلة المراكز والأنشطة أيها الأحبة جزء من العمل الإسلامي أو الدعوة إلى الله تنحصر في نشاط الجاليات، وجزء آخر إنما هو نتيجة لجهود الهيئات والمؤسسات الإسلامية التي فتحت مكاتبها وأرسلت دعاتها، واجتهد مندوبوها في نشر الإسلام مع طباعة الكتب وتوزيع المنشورات والأشرطة وغير ذلك للتعريف بالإسلام، ولكن لا تزال النتائج قليلة، ولست بهذا متشائماً، بل وصف الواقع كما هو أمر مطلوب، ويوم أن نقول: قليلة إن هذا لا يعفينا من البذل في بناء كثير من المراكز والمساجد، وإن هذا لا يجعلنا نجد لأنفسنا مسوغاً أن ننتقدهم في بلاد آمنة مطمئنة، ونحن نتفرج على حاجاتهم وكرباتهم، وليس هذا بمسوغ أن نهزأ أو نسخر أو نقلل من الجهود، ولكن نقول: إن الحاجة ماسة إلى النظر في مناهج العمل.

ندرة المنهج الشرعي الصحيح

ندرة المنهج الشرعي الصحيح أيها الأحبة في الله! إننا يوم أن نقول: هي نتيجة قليلة بأن العمل الإسلامي في بلاد الغرب خاصة إذا لم يجد منهجاً دقيقاً منضبطاً إنما هو كخط في البحر، إذاً فالحاجة ماسة جداً إلى أن ننظر إلى المناهج من جديد، إلى أن ننظر إلى المناهج التي يعمل بها في بلاد الغرب، وأقول هذا؛ لأن مما آلمني وجرح فؤادي أن عدداً من المراكز الإسلامية -مع شكرنا وتقديرنا ولا يسعنا في هذا المقام إلا ندعو للقائمين عليها بالسداد والتوفيق- إلا أن كثيراً من المراكز الإسلامية ليست على منهج شرعي صحيح، وإن قلت كثيراً لا أخشى أن أكون بالغت فقل: بعض أو النصف؛ لأن الحاجة ماسة إلى طلبة علم وعلماء وليس ثمة علماء في تلك البلاد، وهذا يحمل الدعاة ويحمل العلماء ويحمل المهتمين بالإسلام، ويحملنا هنا حكومة ووزارة وشعباً، وعلماء وأفراداً مسئولية عظيمة ما دمنا قبلة الإسلام للمسلمين، وما دمنا نحمل الصدارة للمسلمين في العالم.

الانشغال بالقضايا السياسية وترك الأهم في الدعوة

الانشغال بالقضايا السياسية وترك الأهم في الدعوة أيها الأحبة في الله! إن من الغرائب والعجائب في بعض المراكز الإسلامية أن تجد شغلها الشاغل متابعة القضايا السياسية أولاً بأول، ويلج ويفد إلى المسجد أناس لا يحسنون الوضوء، وأناس لا يعرفون الصلاة، وأناس لا يحسنون الفاتحة، وأناس لا يعرفون قراءة القرآن، المهم أن يعرف الموقف من قضية سياسية قديمة أو حديثة قريبة أو بعيدة، وذات يوم وكنت أخطب الجمعة في مركز من المراكز في أورلاندو بعد نهايتها قام رجل يعلق -جزاه الله خيراً وأصلح شأني وشأنه- إذ به يريد أن ينقض الخطبة من أولها ليلفت المسلمين إلى قضية سياسية معاصرة وغير ذلك، حيث قال: ليس المهم أن نتحدث عن هذا فالناس يعرفون هذا، وما هو الذي ليس بمهم في نظره؟ الكلام عن العقيدة، والكلام عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومسئولية المسلمين في المحافظة على أنفسهم وأبنائهم، ومسئولياتهم في الدعوة إلى الله لتوطين الإسلام في المجتمع الذين يعيشون فيه هذا ليس بمهم! أما المهم فهو تكفير الحكومات والحكام، وتكفير النظم والأنظمة، والكلام بكل شاردة وواردة غير منضبطة بضابط شرعي، ثم قلنا: وماذا بعد هذا؟ وفي تلك اللحظة إذ بنا نفاجأ بشاب مغربي من الله عليه بالتوبة والهداية من قبل مجيئنا جاء يريد أن يتعلم الصلاة، فإذا به لا يسمع إلا عراكاً وخصومة وجدالاً بين قضيتين، إن هذه الظاهرة وإن كانت بدأت تقل إلا أنها من مساوئ أو من سيئات وسلبيات بعض المراكز هناك. المهم أن تعلم ما هي المواقف الساخنة الحديدية من غزة أريحا، أو كامب ديفيد، أو أي قضية سياسية، ونحن نقول ونردد هنا وهناك: ليست مهمة المسلمين أن يمدحوا الظلمة أو يعتذروا عن المخطئين والطواغيت، ولكن ليست -أيضاً- مهمتهم أن يصرفوا عقول وجهد وتفكير أبناء المسلمين -خاصة في تلك البلاد- إلى الانشغال بأخطاء هذه النظم والأنظمة، حاجة الناس أن يعبدوا الله وحده لا شريك له على بصيرة، حاجتهم أن يعرفوا كيف يطبقوا العبادة على متابعة شرعية دقيقة للنبي صلى الله عليه وسلم، ويوم القيامة لن يضيرهم أنهم ما عرفوا عدداً من أخطاء كثير من الأنظمة، وليس بسبب أن يعذبوا لأنهم جهلوا أحوال كثير من النظم والحكام والحكومات، ولكن من قصر في واجب أوجبه الله عليه من عبادة وفريضة، أو وقع في أمر نهى الله عنه من منكر ومعصية أو فاحشة، فإن ذلك يكون سبباً في عقوبته وعذابه. هذه من القضايا التي أوصي نفسي وأوصي كثيراً ممن يذهبون إلى بلاد الغرب أن يعتنوا بها، أن يهتموا بأن يسرعوا وأن يشتغلوا مع الناس في تعبيدهم لله، مهمة الأنبياء: ما بعث موسى ليشتم فرعون وقارون وغير ذلك، وما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليشتم أبا لهب وأبا جهل وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، لكن هذه قضايا ظهرت في الطريق أثناء تبليغ الدعوة، فكان للأنبياء مع الطغاة مواقف وهذا هو الواجب، ولا يسوغ هذا لأحد أن يعتذر عن ظالم أو طاغوت: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} [النساء:109] لكن باختصار وتأكيد ومزيد منه: إن قضيتنا أن نعبد الناس لله هنا وهناك وفي الشرق والغرب، قضيتنا هي قضية الأنبياء: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ومعنى يعبدون: أي يوحدون، تعميق التوحيد في نفوس المسلمين أمر عظيم، إذ أن مما يؤلمك أيضاً أن ترى قول الله قد تحقق في بعضهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] يقعون في الشرك أو في ذرائعه من حيث لا يشعرون. ويا أيها الأحباب! إن واحداً من عوام هذا المجتمع الموحد ليفوق كثيراً من المسلمين في بلاد مختلفة، ولست بهذا أسفه أو أجهل أبناء المسلمين فهناك من هو خير منا، وفيهم من هو أقرب وأتقى وأعلم، وكل بحسب درجاته وعلمه وتقواه {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ولكن أن نعرف ما هي مهماتنا، مهماتنا التي لأجلها نزلت الكتب وشرعت الشرائع، وخلقت الخليقة، ووجدت الجنة والنار، ويقف الناس فيها للخصومة؛ إنما هي قضية التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له. أيها الأحبة! هذا ما أحببت أن أقوله حتى تعلموا ما هو واقع الإسلام في بلاد الغرب؛ وحتى لا نحكم بالجفاء والتشاؤم الشديد على جهود إخواننا فلهم جهود جزاهم الله خيراً، ولو قال قائل: أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا لقلنا: صدقت وكنت من الصادقين، ولكن إن وجود العمل والجهود والأنشطة لا يعني أن نتباعد وأن نقول لك: مسلم أن الإيجابيات كذا وأن السلبيات والأخطاء كذا، من واجبنا أن نعمق مزيداً من الصواب والإيجابيات، وأن نكافح بالعمل والعلم والدعوة وحسن البلاغ، والجدال بالتي هي أحسن تلك السلبيات. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

لابد من صرف الجهود في دعوة السود في أمريكا

لابد من صرف الجهود في دعوة السود في أمريكا الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! إن قضية من القضايا المهمة والخطيرة في تلك البلاد، ومن الأمور التي ينبغي أن تصرف كثير من جهود الدعاة والغيورين إليها؛ ألا وهي قضية السود في أمريكا هذه طائفة أغلب المسلمين منها، وطائفة قريبة للإسلام، ويسمون أنفسهم بالمسلمين الأفارقة في عودة وبحث جاد عن الجذور، ما الذي جاء بأولئك إلى أمريكا، وقد ألف كتاب اسمه الجذور وكان قد لقي رواجاً عظيماً بينهم، يخبر المسلمين السود هناك بأنهم جاءت بهم السفن والأساطيل والبواخر الغربية إلى بلاد الغرب، وهناك عملوا سخرة وأذلاء واستعبدوا لبناء كثير وإنجاز كثير من خط البنية أو أسس التنمية هناك. ثم بعد ذلك لا يجدون لأنفسهم مكاناً، بل ويجدون عنصرية واحتقاراً وازدراءً، حتى إن بعض المطاعم مثلاً يكتب عليها "ممنوع دخول الزنوج والكلاب" وبعضهم ربما سمحوا للكلاب ولم يسمحوا لهؤلاء بذلك، فهم يكرهون البيض، الكثير منهم يكرهون البيض. الأمر الآخر: أنهم يجدون من البيض احتقاراً. الأمر الثالث: أنهم يريدون أن يلتفوا على كيان واحد واجتماع واحد، كانت هذه القضية قد أشغلت فكر رجل اسمه أليجا محمد، وأصل اسمه: علي جاه محمد، هذا الرجل يقال إنه اعتنق الإسلام، ولكنه خبط وضل ضلالاً بعيداً حتى ادعى النبوة ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم بعد ذلك ظهر من أتباعه رجل اسمه مالكم إكس هذا الرجل حج وزار المملكة منذ سنين، ثم بعد ذلك ظهر له أن قيادة السود تحت ذلك الرجل المسمى أليجا محمد أنها في ضلال وخبال، ونسبت أمور كثيرة ليست من الإسلام إليه، فالذي حصل منه أن انشق عنه وخرج عن خطه وتحسن شيئاً كثيراً. ثم بعد ذلك استطاع بمنّ من الله وفضل ولدٌ لهذا الرجل الذي اسمه أليجا محمد واسمه وارث الدين محمد هو الذي قاد الحملة ضد أبيه، ومن نعم الله أن من قاد الحملة ضد ذلك الرجل هو ولده إذ لو قادها رجل آخر مثلاً من البيض أو من طائفة أخرى لقالوا: مكيدة أو مؤامرة ضد الإسلام والمسلمين، فلما بين ذلك الابن ضلال أبيه وفساد منهج أبيه ترك الكثير من السود تلك الضلالات وعادوا إلى إسلام صحيح، هذا الرجل يتبعه قرابة المليون ونصف المليون ممن يهتمون بالإسلام على منهج صحيح، ولكن لقلة الدعاة وقلة العلم وقلة الإمكانيات تجد عندهم أخطاء كثيرة. وإني أنصح من يهتم بالإسلام في الغرب أن يركز على السود تركيزاً عظيماً فإني أرى أنه سيكون لهم شأن بعد عشرين إلى ثلاثين سنة قادمة، سيكون لهم شأن في نشر الإسلام والدعوة إلى الإسلام هناك؛ لأجل ذلك من واجبنا أن نهتم بهم، لهم في الولايات المتحدة ما يقارب ثلاثمائة مسجد في أنحاء مختلفة بين صغير وكبير، ويلقون دعماً من المسلمين خاصة من هذه البلاد جزى الله من أعان على دعمهم ومن بذل في دعمهم خير الجزاء، ولكن لا يزال الدعم أقل بكثير من احتياجاتهم وكفاياتهم، وإننا يوم أن نقول علينا أن نهتم بالسود لا يعني ذلك أن نناصب البيض العداوة أو لا نلتفت إليهم ففي كثير من المراكز عدد من البيض بل ومنهم علماء، وأعرف عدداً منهم أحدهم كان زميلاً لنا في الجامعة اشتغل بالترجمة وتأليف الكتب عن الإسلام نفع الله به الإسلام والمسلمين، ولكن أولئك السود لهم أهمية بالغة وإقبال سريع، وحماس شديد، واستجابة عجيبة، وطواعية أعجب، حينما تؤثر عليهم وتمسكهم بالمنهج الصحيح من الإسلام فإنك ستجني ثمرة ذلك في توطيد الإسلام. إن المهاجرين يوم أن يبنوا مركزاً -جزاهم الله خير الجزاء وأثابهم ونفع بهم وسددهم وحفظهم وذرياتهم- سيهاجرون يوماً، ولكن أبناء المجتمع الأمريكي الذين هم الأمريكان أصلاً، الذين يحميهم النظام والقانون في بعض القضايا ربما ضغطوا بقوة جنسياتهم ومواطنتهم على القانون فأجبروا هذه البلاد على المشاركة في تحمل شيء من نفقة المسجد أو تحمل شيء من نفقة المعلم، ومن استطاع أن يفقه قانونهم استطاع أن يصل إلى أحكام قانونية عليهم تجعلهم يخدمون الإسلام شيئاً ما.

كيفية دعم الإسلام في أمريكا

كيفية دعم الإسلام في أمريكا

زيارة المراكز الإسلامية وتفقد شئونها في الدروس والحلقات

زيارة المراكز الإسلامية وتفقد شئونها في الدروس والحلقات أيها الأحبة في الله! خلاصة هذا الكلام: لن تكون هذه الخطبة من أجل التعريف بالإسلام في أمريكا، ولكنك لن تستجيب لتوجيه أو إشارات أو إرشادات في دعم الإسلام إلا بعد أن تتصور واقع تلك البلاد، فكيف ندعم الإسلام هناك؟ الحاجة ماسة إلى زيارات دورية متتابعة لعدد من الدعاة والعلماء، وحينما تكون الزيارة لابد أن يوطن الداعية والعالم نفسه أن يسمع هجوماً، وأن يستمع اتهامات، وأن يسمع عبارات مؤلمة جارحة، في مركز من المراكز قال لي رجل: أنت وأمريكا وإسرائيل سواء، أنتم وأمريكا وإسرائيل سواء. فكيف تجيب على مثل هذا؟ تجيب عليه بأن تدنيه وتمسح على صدره، وتبتسم بين عينيه، وتناقشه فقرة فقرة ونقطة نقطة حتى تزول الشبهة التي علقت به، إننا ما ذهبنا ملاكمين ولا مصارعين حتى نتهجم عليهم أو نقذفهم بالشتائم والسباب، وإنما الواجب أن تتحمل منهم الخطأ، وأن تترفق بهم، وأن تجادلهم بالتي هي أحسن، ولو اقتضى الأمر أن تصمت في حال لتجيبهم مرة أو تطرح القضية في حال أخرى لكان هذا أمراً حسناً، فحينما يذهب الداعية أو العالم أو طالب علم إلى هناك من واجبه أن يشتغل في الدعوة والتعليم، وأركز على التعليم بإقامة دروس وحلقات، إن محاضرة تلقيها وتمضي أو خطبة تخطبها وتمضي لا بأس بنفعها، ولكن ثبت أن الذي نفع بإذن الله تلك الحلقات والدورات التي أقامتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إذ غيرت كثيراً من أفكار بعض المنتسبين إلى تلك المراكز، وأصبح هم كثير منهم العودة إلى المنهج الصحيح بدلاً من الاشتغال بأشكال أو أمور لم تنفع الإسلام كثيراً وإن نفعت شيئاً قليلاً.

ربطهم بالفتيا من العلماء المعتبرين

ربطهم بالفتيا من العلماء المعتبرين الأمر الآخر أيها الأحبة! بعد حاجتهم إلى الدروس والحلقات التعليمية حاجتهم إلى الفتيا، وليس الإنسان قادراً أن يفتيهم في كل مسألة حلت في بلادهم (وأجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) لذا كان من ألزم اللوازم أن من ذهب إلى هناك أن يجعل بينه وبين المراكز التي زارها خطاً مباشراً للاتصال المستمر، إذا أشكل عليهم شيء يعدهم بأن يعرضه على العلماء هنا والذين نحسبهم ولا نزكي على الله أحداً من أتقى علماء المسلمين على ظهر الأرض، لماذا نقول: لابد أن نربطهم بالفتيا هنا؟ لأن الفتوى جاهزة في المجتمع الأمريكي، الفتوى التي تعدت حتى المرونة إلى تقطع أجزاء الأحكام. الأمر الآخر: الفتوى جاهزة في بلدان كثيرة مختلفة، حتى أباحت لبعض النساء أن تجمع بين صلاة الظهر والعصر عند الشاطئ لأن في أداء كل صلاة في وقتها مشقة، والمشقة تجلب التيسير فلا بأس للفتاة المسلمة حينما تسبح على الشاطئ أن تصلي الظهر والعصر جمعاً، ستعجب من ألوان الفتاوى وأشكالها؛ إذاً فمن ذهب إلى هناك فليربطهم بمن يعرف من العلماء الثقات، من العلماء الصالحين الذين يوثق بعلمهم سواءً في مصر أو في سوريا أو في لبنان أو في أي منطقة أو في المملكة خاصة بالدرجة الأولى، المهم نحن لا نتعصب لجنسية العالم بل نتعصب لعلمه وتقواه، فإذا وجد العالم الذي يتقي الله فاحرص أن يكون بينك وبين أولئك سبباً تربطهم به حتى يفتيهم في حاجاتهم وأسئلتهم، ونوازل تحل في أرضهم تحتاج من الفتوى بالدقيقة بل بالساعة وفي كل يوم. وإنني أقترح أن يوجد لوزارة الشئون الإسلامية خط مجاني مباشر لكل مركز من المراكز الإسلامية، أن المركز من هناك يتصل ونحن الذين ندفع فاتورة الاتصال من أجل الإجابة على أسئلتهم وفتواهم من قبل علمائنا الأجلاء نفع الله بهم وجزاهم خير الجزاء.

العناية بالمساجد والمراكز

العناية بالمساجد والمراكز الأمر الآخر -أيها الأحبة- العناية بالمساجد والمراكز، فحينما تسمع كلمة المسجد والمركز إنها في الغالب لا تعني أكثر من مساحة لا تتجاوز الخمسة أمتار في سبعة أمتار، ويسمى هذا بالمسجد، يجتمعون فيه يومي السبت والأحد، يدرسون أبناءهم جزاهم الله خير الجزاء اللغة العربية وشيئاً من أحكام الإسلام، ويضيق ويعج المسجد بهم حينما تكون خطبة الجمعة أو محاضرة أو ضيف زائر يقابلونه أو يسألونه ويستفيدون منه. إذاً فالحاجة إلى مساعدتهم من أجل توسيع المساجد والعناية بها، وأهم من بناء المساجد والمراكز: القيادات. قبل أن تبني مسجداً أو تتبنى مشروعاً في بناء مسجد أو الالتفاف إلى مسجد مهمل اسأل من الذي سيتولى المسجد، ربما بنيت مسجداً فتولاه فاجر يسب الصحابة، ربما بنيت مسجداً فتولاه قادياني مخرف، ربما بنيت مسجداً فتولاه صوفي مخلط، إذاً الحاجة قبل بناء المسجد أو المركز ماسة إلى أن تعرف من الذي سيقوم عليه، ومن الذي سيعتني به، وهناك طريقة جيدة: هي أن تربط المساجد التي تبنى من أموالنا أو بجهودنا أو بتبرعات المسلمين أمثالكم أن نربطها هنا، إما بالشئون الإسلامية بعد الإفتاء، أو أن نربطها بجمعية تسجل رسمياً في القانون أو في الحكومة الأمريكية لهذه الجمعية نظام يخضعها لمجلس الأمناء، هذا المجلس له الحق أن يختار الإمامة ويعزلهم، ويختار المؤذن ويعزله، وله أن يحدد المنهج والطريقة، ويأذن بالمحاضرة أو لا يأذن بها. إنك تعجب في أن مركزاً من المراكز جاء فاجر يسب الصحابة يخطب في الجمعة، كيف حصل هذا؟! لما فقد ذلك المركز -وهذه نادرة وأندر من نادرة- مجلساً يعتني عناية دقيقة بالمنهج الصحيح سمح لمثل هذا أن يعتلي المنبر، إذاً فالحاجة ماسة ملحة إلى البحث عن الأئمة والقيادات، وإني أعتبر أن التحدي القائم والمواجهة الخطرة في هذه المرحلة خاصة في الدعوة هناك هي: البحث عن القدرات التي تتولى الإمامة والخطابة والتعليم والإفتاء والتدريس في تلك البلاد، وأين من كان يقول يوماً ما: إننا اكتفينا كفاية زادت عن الحد من خريجي المعاهد العلمية والكليات الشرعية وغيرها؟ إن من يسافر إلى بلاد الغرب يجد أننا بحاجة ماسة إلى أضعاف أضعاف الأعداد الموجودة من حملة الشهادات الشرعية والمعاهد العلمية؛ لأن العالم يحتاجنا، العالم يناديكم يا معاشر المسلمين، إن طالباً لا يملك إلا الكفاءة المتوسطة من المعاهد العلمية يصلح ويكون إماماً وخطيباً ومعلماً لكثير من الأحكام، لا تتصور حجم الجهل بالإسلام وأحكام الإسلام هناك، لذا إذا وجد من أبناء المسلمين خاصة ممن طلبوا العلم الشرعي في حلق الذكر عند ركب العلماء واستفادوا فإنهم يؤهلون بإذن الله إلى هناك، والمترجمون بفضل الله على قدرة وإمكانية أن ينقلوا المعلومة بكل سلامة ودقة.

الحرص على توطين الإسلام في أهل البلد

الحرص على توطين الإسلام في أهل البلد الأمر الآخر: إن أولئك يحرصون على توطين الإسلام، بمعنى أن من تولى مركزاً أن يعتني بخمس أسر أمريكية ذات جنسية أمريكية مقيمة أصلاً في البلد فيعتني بها، يدعوها إلى الإسلام، يتكفل بحاجاتها حتى يمسكها بالدين، ثم بعد ذلك لا تسأل عن جهود هؤلاء في نشر الإسلام، يقومون به بإذن الله سبحانه وتعالى، أما أن يكون العمل مجرد جماهيري وخطب وندوات ومحاضرات دون اهتمام موثوقٍ بهم من الأئمة والقيادات في توطين الإسلام وترسيخه بكل منطقة، فإنك تكون كمن يخط في بحر أو يزرع أو يبذر كثيراً من البذور على مسافة طويلة يموت قبل أن يجمع منها رغيف خبز يأكله ليدفع به خطر الجوع. هذا فيما يتعلق بالمساجد: الحاجة ماسة إلى الأئمة والقيادات، ولا نشترط أن يكون الأئمة سعوديين، من عرفناه بسلامة المنهج وصحة المعتقد فما الذي يمنع أن نتعاقد معه ونرسله إلى هناك ليتولى هذا المركز ويكون عضواً معنا في رئاسة أو تكوين مجلس الأمناء الذي يدير ويوجه هذه المساجد؟ ثم إن الجمعية حينما تسجل بهذه الطريقة في تلك البلاد تكون معفية من الضرائب، وربما وجدت دعماً إلى حد ما، كما لقيت بعض الجمعيات دعماً لأجل نشاطها في السجون الأمريكية وتحذير الناس من المخدرات وغيرها.

استيفاد أبناء المسلمين الأمريكان إلى المراكز الإسلامية العربية

استيفاد أبناء المسلمين الأمريكان إلى المراكز الإسلامية العربية وهنا نقطة مهمة في خدمة الإسلام هناك: أن نستقدم من أبناء المسلمين الأمريكان أنفسهم ليدرسوا الشريعة والعلوم الإسلامية هنا، وإن الحاجة ماسة إلى بذل المنح بالآلاف قبل المئات، الحاجة ماسة أن يمنح أولئك منحاً دراسية حتى يدرسوا هنا، فإن لم يتيسر أن يمنحوا هذه المنح بالآلاف والمئات فلن نعجز أن نستقدم واحداً -مثلاً- إذا رأيت أمريكياً صالحاً فيه خير فما الذي يمنعك أن تستقدمه لعقد عمل؟! يقوم بعمل يسير لمدة ساعات محددة ولكن المهمة الرئيسة له أن يحضر دروس العلماء هنا، تقول له: أنا استقدمك وعلى كفالتي إذا لم يجد منحة، إذا لم يجد الأمريكي منحة ليتعلم الإسلام هنا لا نعرف كيف نستقدمه الطريقة سهلة: أن نتفق معه على عقد عمل أن يكون سكرتير أو ناسخ آلة أو وظيفة من الوظائف العادية، ولكن يعلم أيضاً أن من مهمات قدومه أن يدرس الإسلام ويحفظ القرآن ويتقن الشريعة، من خلال برنامج نقدمه نقول: هذا برنامجك وهذا عملك كعملك في وظيفتك أو في مهمتك، في الفجر درس، وفي الصبح عمل، وفي الظهر راحة، وفي العصر درس وفي المغرب درس، يستمر على هذا لمدة سنتين ترده إلى بلاده عالماً يقود جماهير كثيرة من الأمريكان والعرب والمسلمين وغيرهم. إذاً أيها الأحبة! بوسعنا أن نشارك، ويا ليت المسلمين يجتهدون في هذه القضية، إذ بهذا نوشك أن تتكون بين أيدينا جامعة أهلية، نعم إن ظروف الجامعات ونظمها وما يتعلق بها قد يحكمها في عدد المقبولين والذين يمنحون المنح، لكن ما الذي يمنع أن يكون عدد كبير من أولئك حينما يقدمون يرتبون في برامج معينة علمية ودراسة على المشايخ وتعليم اللغة العربية حتى ولو بجهد شخصي؟! وهذه قضية -أيها الإخوة- نحن فرطنا بها كثيراً خذ على سبيل المثال ولو خرجنا على قضيتنا قليلاً: كم عدد العمال الذين ينظفون المساجد؟ بعدد المساجد الموجودة بـ المملكة يوجد عمال ينظفون المساجد، فلو أن كل جماعة مسجد اهتموا -وهذا ما قصرت فيه أنا أولاً قبل غيري، لا تظنوا أن عاملنا هنا قد حفظ القرآن والسنة- بعاملهم فعلموه اللغة العربية، وزعوا الأدوار بينهم: أنت تعطيه درساً في العربية، وهذا يعطيه درساً في القرآن، وهذا يعطيه درساً في أحكام الإسلام، بعد أن ينتهي عقده والذي يبلغ مدة سنتين يعود إلى الهند أو إلى بنجلادش أو إلى سيلان أو غيرها يعود إماماً وداعية وعالماً ينفع المسلمين هناك هذا لو كان الإسلام يهمنا كثيراً. أيضاً مما يحتاجه المسلمون هناك أن يفرغ المؤهلون، فإني عجبت من زميل درس معي بالكلية لما وجدته يعمل في وظيفة برمجة الكمبيوتر وهو قادر على أن يتفرغ ويعطي للترجمة والدعوة أمراً كثيراً، فحينما يوجد من أبناء الأمريكان المسلمين سواءً حصلوا هذا بالدراسة هنا أو حصلوه بعلمهم هناك ما الذي يمنع أن يفرغوا إلى أعمال الدعوة وأعمال الترجمة ففي هذا خير عظيم؟

نشر الكتب الكبيرة في التعريف عن الإسلام

نشر الكتب الكبيرة في التعريف عن الإسلام حاجتهم أيضاً إلى الكتب التي تتحدث عن الإسلام، إن العجب أن تجد مجرد مطويات أو نشرات أو كتيبات تتحدث عن الإسلام، أما المطولات عن الإسلام، كتب كاملة عن الإسلام سواءً في تفسير القرآن العظيم كاملاً، أو في الفقه الشرعي كاملاً، أو في حاجات المسلمين المختلفة كاملة؛ فإن هذا يكون أندر من النادر، وفرحت ذات يوم لما وجدت كتاباً عن الإسلام من أول أحكام الشريعة إلى آخرها فلما قلبت النظر فيه إذ فيه من البدع وفيه من المصائب، وفيه من الأمور التي تفضي -ولا حول ولا قوة إلا بالله- إلى ما لا تحمد عاقبته. كذلك حاجة الناس عامة هناك إلى أن تصحح معلوماتهم عن الإسلام، الأمريكان لا يعرفون الإسلام إلا أنه اختطاف وقتل وإرهاب وأمور عظيمة صورها الإعلام وصورها الظالمون، فحاجتنا ماسة لإيجاد محطات إسلامية متخصصة للبث عن الإسلام، وهذا ما استبشرت به يوم أن علمت أن واحداً من المسلمين أو من أبناء المسلمين جزاه الله خير الجزاء قد حرص على أن يؤسس عملاً كهذا، يوجد في بعض القنوات برامج في ساعات محددة بالإيجار للتعريف بالإسلام، ولكن حينما تكون محطة كاملة عن الإسلام باللغة التي يفهمها القوم فإن ذلك سيؤثر بإذن الله، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله ليتمن الله هذا الأمر، وليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، حتى لا يبقى بيت حجر ولا مدر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل) حتى لا يقول قائل: إن هذه من الأماني العذبة والأحلام الخيالية لا، بل نتكلم اليوم ونحن على ثقة أن رايات التوحيد سترفرف في كل بقعة من بقاع الأرض أياً كانت يهودية أو نصرانية أو شيوعية أو بوذية. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا وأمراءنا ودعاتنا، ووفقنا جميعاً إلى طاعتك، ربنا لا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر المجاهدين في كل مكان، وسدد رصاصهم واجمع شملهم ووحد صفهم، وانصرهم على أعدائهم، ربنا لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا صلاح إلا قضيتها، ولا أيماً إلا زوجته، ولا متزوجاً إلا ذرية صالحة وهبته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين! اللهم صل على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وأقم الصلاة.

واقع المسلمين اليوم

واقع المسلمين اليوم قد يعيش المرء هانئ البال، مستريح النفس، متمتعاً بالنعم، وقد يعيش على العكس تماماً من ذلك، فيتكدر باله، وتتشتت أموره، وتغتم نفسه. وما يعيشه المسلمون اليوم إنما هو جزء مما سبق، وخاصة ما يعانيه إخواننا في أراضي الجهاد، والواجب على كل من يؤمن بقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان) أن يبرهن على ذلك بأن يشد من أزر إخوانه هناك مادياً ومعنوياً، أو الدعاء فهو سهام لا تخطئ هدفها.

غفلتنا أدت إلى مصائبنا المتلاحقة

غفلتنا أدت إلى مصائبنا المتلاحقة الحمد لله مغيث المستغيثين، ونصير الضعفاء والمكروبين، وقاصم الطغاة والمتجبرين. أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الواحد المتفرد بالكمال والجمال، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه، وعن الند، وعن المثيل، وعن النظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، صلَّى الله عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من اقتفى أثرهم واتبع هداهم إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي سبب غيث القلوب، وهي سبب غيث البلاد والبهائم والعباد، وهي أمر الله جلَّ وعَلا للمؤمنين في مُحكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. أما بعد:

غفلتنا عن الشرع والتفاتنا إلى النعم

غفلتنا عن الشرع والتفاتنا إلى النعم فيا عباد الله: إن المتأمل لأحوال المسلمين في أصقاع المعمورة، والمتدبر لجوانب معايشهم وحياتهم، وتعليمهم واقتصادهم، وعلاقاتهم ومعاملاتهم لَيَجِد أن المسلمين مستضعفون في عامة البلاد إلا في هذه البلاد {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة:54]. ولكن ما السبب في ذلك يا عباد الله؟! المسلمون في غالب الأحوال مشردون، والمسلمون في غالب الأحيان يُقْتلون، وأطفالُهم ييتمون، ونساؤهم تُرَمَّل، فما السبب في ذلك يا عباد الله؟! أهو أمْرٌ جَنَوه على أنفسهم؟! {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165]! أهو أمْرٌ بسبب تقصير المسلمين وتفريطهم في حق إخوانهم؟! أهو عدمُ التفاتٍ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). نعم هذا واقع يا عباد الله، نحن منشغلون غافلون عن هذا الحديث! أهو عدم التفات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً. وشبَّكَ النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه). نعم، نحن في غفلة في شهواتنا! نحن في غفلة في ألوان ملذاتنا! نحن في غفلة وسكرة من هذه النعم التي بأيدينا! نحن في غفلة في ذلك كله عن هذا الحديث! نحن في غفلة عن الأثر الذي يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن أمسى وأصبح غافلاً عن شأن المسلمين فليس منهم). نحن في غفلة عظيمة، وسكرة كبيرة عن ذلك كله! وما سبب هذه الغفلة؟! ألأَنَّا نستحق النعمة، وغيرنا يستحقون العذاب؟! ألأَنَّا نستحق العزة، وغيرنا يستحقون الذلة؟! لا وربي، لا والله، إنما ابتلى الله بعض العباد وما ابتلى غيرهم. ويبتلي الله بعض القوم بالنعم نسأل الله ألا تكون استدراجاً لنا.

جملة من مصائب المسلمين بسبب غفلتهم

جملة من مصائب المسلمين بسبب غفلتهم يا معاشر المسلمين: إن واقع المسلمين في كثير من البلدان يشهد بذلك، ولو أردتُم أن نذكر قليلاً من الأمثلة لوجدنا القتل والتشريد، ورُخْص الدماء، وهُوْن الرقاب على الأنفس في مذابح المسلمين في الهند في آسام. في مذبحة المسلمين في سوريا، وما نسيها مسلم ولن ننساها، ونقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، لا ينسى مسلم قتل ثلاثين ألف نفس في مذبحة واحدة. ولا ينسى مسلم مذابح المسلمين في فلسطين؛ في دير ياسين، وفي صبرا وشاتيلا، وبرج البراجمة، وغيرها من المذابح التي استهدفت أرواح المسلمين، خاصة السُّنَّة منهم. ما السبب في ذلك يا عباد الله؟! تأملوا وتدبروا، وإليكم مزيداً من حوادث المسلمين في ذلهم وضعفهم: في أفغانستان قُتل ما يربو على مليون وثلاثمائة ألف شهيد، يقول زعيم اتحاد المجاهدين/ سياف: لقد بنينا سداً منيعاً من جماجم الشهداء، نعم قدموا أرواحاً، وقدموا نفوساًَ، وشُرِّد أطفال، ورُمِّل نساء، وضُيِّعت منازل، وأحرقت الزروع، وما ذلك إلا كما يقول الله جلَّ وعَلا: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج:8 - 9]. وفي مقابل هذه الأوضاع الحزينة التي تجعل القلوب تبكي دماً نجد كثيراً من المسلمين في غفلة من هذا، يصبحون ويمسون، ويأكلون ويشربون وينكحون، كأنهم ما خلقوا إلا لهذا، وقد نسوا أمر الله جلَّ وعَلا لهم بعبادته، وقد نسوا أمر الله جلَّ وعَلا لهم في التفاتهم، وفي تحملهم المسئولية في شأن إخوانهم المسلمين في كل مكان. فإذا أردت أن تقارن بين هذين الحالين: أقوام في جحيم، وأقوام في حروب، وأقوام في عذاب، وآخرون في غفلات، وشهوات، ولذات -نسأل الله جلَّ وعَلا أن يرد الجميع إليه رداً جميلاً- يصدق عليهم قول القائل: قلب يئن ودمعة تترقرقُ ودمٌ ينِزُّ وأمة تتمزقُ وطنٌ تجوسُ الطائراتُ سماءَه والخمر في ساحاته يتدفقُ تنبهوا لذلك يا عباد الله، واعلموا أنكم لستم ذوو فضل ومزية على غيركم من المسلمين إلا بتقوى الله، وبطاعته، وبحسن التمسك بالعقيدة، وقد يكون ما لديكم من النعم استدراجاً. نسأل الله ألا يعذبنا بذنوبنا.

واجبنا لدفع غفلتنا

واجبنا لدفع غفلتنا عباد الله: إن واجبنا ألا نعيش عيش البهائم! فإن أردنا أن نأكل طعاماًَ لذيذاً نظيفاً تذكرنا أقواماً يأكلون طعاماً كَدِراًَ! وإن لبسنا ثياباً جميلة جديدة تذكرنا أقواماً وفئات يلبسون ثياباً خَلِقَةً ممزقة! وإن ركبنا مراكب فارهة، وسكنا مساكن عالية؛ فإن الكثير يركبون الدواب، ويمشون حفاة عراة، ولا يجدون إلى راحة العيش سبيلاً! وإن أردنا أن نبيت آمنين مطمئنين تذكرنا أناساً يبيتون تحت قذائف الطائرات، ومدافع الدبابات، وأصوات المتفجرات، لا يهدأ لهم بال، ولا يلذ لهم نوم، ولا يقر لهم قرار! فنحن مسئولون عن إخواننا في كل مكان، مسئولون عن ذلك كله؛ لأنهم إخواننا في الإسلام؛ ولأننا وإياهم كما شبَّهنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كالبنيان الواحد يشد بعضه بعضاً. وشَبَكَ بين أصابعه). فأين التشبُّك والتلاحم والترابط حتى في أدنى اليسير، وأقل القليل لبذل المعونة وتذكر حالهم، والدعاء لهم. نسأل الله جلَّ وعَلا أن يرفع المحنة عنهم، وأن يهلك عدونا وعدوهم. اللهم ثبتهم، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم سدِّد رصاصهم في نحور أعدائهم، بقدرتك يا جبار السماوات والأرض! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، وتوبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً ويرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم.

واقع الجهاد على أرض الأفغان

واقع الجهاد على أرض الأفغان الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن أقدامكم وجسومكم على وهج النار لا تقوى. اعلموا -يرحمكم الله- أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

المجاهدون يلقون الشدائد

المجاهدون يلقون الشدائد عباد الله: إن أردنا أن نخصص واقعة معينة من أشد ما يواجه المسلمين في هذه الأيام، ومنذ أعوام مضت، وجدنا فئة مجاهدة صابرة، قد ابتليت في عقر دارها بعدو ملحد لدود، يملك أقوى الطائرات والمدافع والدبابات، ويناصف القوى العالمية ممالكها وقواها في كل سباق التسلح، وما تطور من أجهزة الحروب. وجدنا إخواناً لنا في أفغانستان يقاتلون الروس، وهم الذين يُعتبرون من أمهر الجيوش في حروب الشتاء في هذه الأيام. تتكاثف الوطأة على إخواننا المجاهدين، والروس يخرجون من القلاع المحصنة، ويعدون العدة لضرب المسلمين في هذا البرد القارس، وفي الزمهرير الشديد، يعدون العدة لضربهم على رءوس الجبال، وقمم الثلوج، يعدون العدة لضربهم، وهم لا يملكون عتاداً ولا سلاحاً، إلا ما تيسر من قديم السلاح والعتاد، وما غنموه من نحور أعدائهم. عباد الله: إن إخوانكم المجاهدين في أفغانستان لفي واقعة من أهم الوقائع التي لا ينبغي لمسلم أن يغفل عنها، ولا ينبغي لمسلم أن ينساها، وينبغي له أن يتذكر كل نعمة في صباحه أو مسائه، في ذهابه أو إيابه، أن يقارنهم بها، وأن يشعر عِظَم حاجتهم إلى ما هو فيه من النعمة، فإن لم يكن ذلك فلا أقل من بذل المعونة، ومد يد النصرة، واستنفار النفس قليلها وكثيرها لمد العون، ولمساعدتهم هناك. إنهم يعيشون حرباً شديدة شعواء. وإن كنا نسمع عن الأخبار الرياضية في مختلف ألوان البلاد، ونسمع عن مسابقات الجمال، ونسمع عن كل المهاترات والسخافات؛ إلا أننا لا نسمع إلا القليل القليل عن أخبار إخواننا المجاهدين، والكثير منا في غفلة عن حالهم، وإلا فمن أراد أن يتتبع حالهم، وأكثر السؤال عنهم، فسيجد الإجابة المحزنة، والإجابة المريرة التي تجعل القلوب تنجرح دماً لما هم فيه من البلاء.

جرائم الروس وثبات الأفغان

جرائم الروس وثبات الأفغان إن الروس أعداء الله ورسوله يوم أن دخلوا قرية غزنة، وقد فعل المجاهدون فيهم فعلة عظيمة، دخلوا تلك القرية وأخذوا الشيوخ العجائز الكبار، وجرَّدوهم من ثيابهم، وصعدوا بهم في الطائرات، ورموهم على قمم الجبال، وعلى الأرض من بعد سحيق. انظروا ماذا يفعل أعداء الله وأعداء رسوله بإخوانكم! إنهم إذا دمَّر المجاهدون لهم سرباً من الدبابات، أو شيئاً من الغنيمة غنموه منهم، دخلوا على أقرب قرية للأبرياء العزل، فجردوا الفتيات، واغتصبوهن في أعراضهن، ثم بقروا بطون الحوامل منهن، ثم صعدوا بمن شاءوا في الطائرات، وألقوهم من شواهق الجبال، ثم التفتوا إلى المواشي والزروع، فأحرقوها دماراً وهلاكاً عليهم وعلى المجاهدين. فحسبنا الله ونعم الوكيل! إن المجاهدين إذا فعلوا بهم فعلة ناجحة قوية دخلوا إلى إحدى القرى وأخذوا يذبحون الناس فيها ذبح الشياه، يُجْرُون السكاكين على رقابهم، والصغار والنساء والكبار لا يملكون إلا أن يرفسوا بأرجلهم كما ترفس البهيمة التي ذاقت ألم الذبح من مُرِّ السكين. فأي واقع لإخوانكم المسلمين أنتم غافلون عنه؟! نسأل الله جلَّ وعَلا أن يكشف ما بهم، نسأل الله أن يهلك عدوهم. ومع ذلك فكما أسلفتُ لكم قدَّموا مليوناً من الشهداء وثلاثمائة ألف شهيد، كلهم لقوا ربهم. نسأل الله أن يجعلهم من الشهداء، وأن يجعل عملهم خالصاً لوجهه، وأن يكونوا سبباً لنصرة إخوانهم مِن بعدِهم. مع ذلك كله وما قدَّموه فإخوانكم يزدادون صلابة، وإذا اشتد البرد اشتدت نفوسهم للجهاد، وإذا حمي الوطيس حَمَت قلوبهم على الزناد، واشتدوا في حرب أعداء الله ورسوله. يحدثني أحد الذين جاهدوا هناك، يقول: والله إنهم ليفرحون بالشهادة. يقول: كنتُ في مدفعية مع اثنين من المجاهدين، وواحدٌ منهم اسمه: نَوَّاب، وكان يطلق قذائف متتالية، أطلق قذيفة أولى وثانية وثالثة، فلم نلبث إلا أن جاءته قذيفة على قلبه، فانطوى على نفسه، من مُرِّ الحادثة وحرها على بدنه، وأخذ يتلوى من شدة الألم؛ ولكنه يقول: والله لا يئن، ويرى ذلك ضَعفاً واستكانة، فلم يقل إلا سبحان الله، الحمد لله، أخذ يرددها حتى فاضت روحه إلى باريها، هذا نموذج من نماذج الثابتين المصرِّين على الجهاد. نسأل الله جلَّ وعَلا أن يثبتهم، وأن يحتسب لهم ما قدَّموه في الآخرة. عباد الله: إن أعداء الله الروس الشيوعيين يخططون لحرب طويلة المدى، فلا تنقطعوا عن معونة إخوانكم، إنهم يأخذون الصغار والأطفال الذين لم يميزوا ولم يلتفتوا، فيذهبون بهم هناك، ويدربونهم في معسكرات الجيوش؛ لكي يعودوا حرباً على أمهاتهم وآبائهم وإخوانهم هناك، كل ذلك تخطيطاً لحرب طويلة المدى. نسأل الله جلَّ وعَلا أن يشفي مرضى المجاهدين، وألا يعذبنا ويعذبهم بسبب ذنوبنا. ونسأل الله جلَّ وعَلا أن يرفع المحنة عنهم.

ما يعانيه الجهاد على أرض الأفغان

ما يعانيه الجهاد على أرض الأفغان أيها الأحبة: إن هناك مصائب عدة يواجهونها بسبب قلة ذات اليد؛ أكلهم قليل، يأكلون اليابس من الخبز، والملابس قليلة خاصة في هذا الشتاء. بعد هذا المطر الذي أصابكم البارحة توافد الناس إلى الأسواق وجمعوا ما جمعوا من الملابس الصوفية، في داخل أبدانهم وخارجها، وأخذوا يلبسون ويُعِدُّون ويستدفئون! فمن بالدفء لإخوانكم؟! من الذي يقدم لهم ما يستدفئون به؟! ومن يقدم لهم ما يأكلونه ويشربونه؟! ومن يقدم لهم ما يطلقونه رصاصاً في نحور أعدائهم؟! إنهم يواجهون وعورة الطرق، ينقلون العتاد على البهائم، على البغال والحمير، يقول أحدهم: والله لقد رأيتُ بعيراً سقط بحمله الذي عليه؛ لأن الطرق والمسالك الجبلية وعرة ضيقة جداً، فإن أقسى حالات الحرب وأمرها ظروفاً يعيشها إخوانكم المجاهدون، يسيرون على الأقدام أياماً طويلة، ومع ذلك يتقبلون كل ذلك بصدور رحبة. واعلموا أن أعداء الله ورسوله من الشيوعيين والصليبيين وغيرهم يريدون أن يقضوا على هذه الثلة المجاهدة، ولذلك فإن بعضهم وإن كانوا يتسمون بجمعيات الصليب الأحمر، أو لإنقاذ الغرقى والهدمى وغيرهم، ومن أصيب من المجاهدين، يحاولون أن يفتحوا مستشفيات هناك، فإذا جاء من علموا من حاله ومكانه بين المجاهدين، وفيه جُرح في يده قطعوا يده كلها، أو جُرح في رجله بتروا ساقه كلها، يريدون أن يعيقوا مسيرة الجهاد. وما وقفوا عند هذا الحد، بل إن الروس أعداء الله والعملاء الخونة والمنافقين الذين يوالونهم قد أرسلوا من أرسلوا ليدخلوا في صفوف المجاهدين، وليشوهوا صورة المجاهدين، وليبينوا للناس أنهم لا يجاهدون لله، وهذا كذب وافتراء وزور وبهتان، ومن تحمل ذلك أو قاله فإنه لا يبالي بملايين الشهداء. أخذوا يدسُّون العملاء؛ ليعرفوا من هم القادة بين المجاهدين، وليدبروا لاغتيالهم في صفوف الجهاد؛ نظراً لقلة ما في أيدي المجاهدين، واستغلالاً لضعف إيمان أولئك. إن حاجة إخوانكم منذ زمن طويل وهي مريرة في جهادهم هذا، وفي دخول موسم الشتاء يزداد الألم مرارة، ويزداد الأمر حسرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الأيام دواليك

الأيام دواليك يا عباد الله! تنبهوا أن الأيام دواليك، فإن لم تفزعوا لنصرتهم ونجدتهم فإن الإنسان مهدد بانقلاب الدائرة عليه، إن لم يشكر نعمة ربه، وإن لم يقم بواجب إخوانه، وإن لم يقم بالواجب الذي فرضه الله عليه تجاه إخوانه من المسلمين، وتذكروا قصيدة أبي البقاء الرندي يوم أن سقطت الأندلس، ودخلها النصارى، وقَتَلوا مَن قَتَلوا فيها، وشَرَّدوا مَن شَرَّدوا فيها، التاريخ يعيد نفسه، ونجد هذه الحادثة تقع على إخواننا المجاهدين في أفغانستان، ويقول فيها: يا غافلاً واسمعوا -معاشر الغافلين- الذين لم يلتفتوا: يا غافلاً وله في الدهر موعظةٌ إن كنت في سِنَة فالدهر يقظانُ فجائعُ الدهر أنواعٌ منوعةٌ وللزمان مسراتٌ وأحزانُ يا ماشياً مرحاً يُلهيه موطنهُ أَبَعْدَ حمص تغرُّ المرءََ أوطانُ؟! ونحن نقول: أبعد ما فُعل بالمجاهدين! أبعد هذا تغرُّ المرءَ أوطانُ؟! تلك المصيبة أنست ما تقدَّمها وما لها مع طول الدهر نسيانُ! كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتز إنسانُ؟! ماذا التقاطع في الإسلام بينكمُ وأنتمُ يا عباد الله إخوانُ ألا نفوسٌ أبِيَّات لها هِمَمٌ؟! أما على الخير أنصارٌ وأعوانُ؟! يا مَن لِذِلَّة قومٍ بعد عِزِّهمُ أحالَ حالَهمُ جورٌ وطغيانُ بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم واليوم هم في بلاد الكفر عُبدانُ لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ فهل في القلوب إسلامٌ وإيمانُ؟! هل في القلوب نجدة لإخوانكم يا معاشر المسلمين؟! هل في القلوب نخوة لإخوانكم؟! هل في القلوب ذرة رحمة لهم؟! يوم أن وقع الزلزال في مكسيكو، وحلَّ البركان في كولومبيا، ثارت الصحافة بأعلى أصواتها، وتحرك الضمير الإنساني لنجدتهم؛ فأين ضميرنا لإخواننا المسلمين؟! هو والله واجب علينا، وفريضة علينا، وحق في مال كل مسلم منا، ولو عرفنا حق المجاهدين، وأدركنا مكان وجوب البذل لهم لأدركنا أن من الواجب على كل مسلم أن يعرف ويقدر قيمة هذا الجهاد، أن يخصص من دخله وماله جزءاً شهرياً لهم، ولو أقل القليل وأدنى اليسير. فإن القليل مع القليل كثيرُ هذا واجب لهم علينا، ولا مِنَّة لنا في ذلك ولا فضل، فالله الذي ابتلاهم بهذا، وابتلانا بالنعمة، والله الذي أعطانا، والله الذي أمرنا، فلا قليل ولا كثير منا، بل كل ذلك من فضل الله وحده سبحانه جلَّ وعَلا. فخافوا الله في أنفسكم وفي إخوانكم معاشر المؤمنين، وابذلوا لهم المعونة، وإن مما يسركم أن يكون معكم اليوم وفي هذه الساعة من مندوبي المجاهدين من سيجمعون تبرعاتكم، وما تجود به أنفسكم لإخوانكم، واجعلوا ذلك دائماً (فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) ولا تستكثروا على الله شيئاً تبذلونه لهم، ولا تستكثروا صدقة صغيرة أو كبيرة، ولا تحتقروا قليلاً أو يسيراً، فإن ذلك محسوب لكم ومُحتسَب في موازين أعمالكم {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ} [الشعراء:88]. وفي الحديث: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) فهل تتقون النار ببذل الصدقة والمعونة لهم؟! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم احم حوزة الدين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في أفغانستان، اللهم مكن لهم من نحور أعدائهم، اللهم عليك بالظالمين والمنافقين والمجرمين والخونة يا قوي يا متين! وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وجوب الوحدة ونبذ الفرقة بين المسلمين

وجوب الوحدة ونبذ الفرقة بين المسلمين لقد جرب أعداء الإسلام وسائل شتى في حرب الإسلام وأهله، بل إنهم جربوا الأسلحة الفتاكة من أجل إبادة المسلمين، ولم ينجحوا في شيء من ذلك؛ لأن الله وعد نبيه أن لا يسلط على أمته عدواً من غيرهم، يستحل بيضتهم، وإنما استطاع الكفار أن يخرقوا صفوف المسلمين بسبب تسلط المسلمين بعضهم على بعض، وشدة اختلافهم فيما بينهم.

الأمر بالوحدة وترك الفرقة

الأمر بالوحدة وترك الفرقة الحمد لله الواحد بلا شريك، والقوي بلا نصير، والعزيز بلا ظهير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا هو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم البعث والنشور. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! كلنا يعلم أن أعظم سرٍ في رفعة أمة الإسلام وسيادتها وعزتها هو أمر الوحدانية؛ وحدانيتها في عبودية ربها، وتوحدها في اقتدائها بنبيها، وتوحدها في الاتجاه إلى قبلة واحدة، واتحادها مع بعضها البعض على قلبٍ واحد، ولمبدأ واحد، وعلى همةٍ واحدة، وهذا التوحيد والاجتماع لا شك أنه جانبٌ من جوانب القوة، بل أعظم جانب من جوانب العزة والرفعة والكرامة. أيها الأحبة في الله: من تأمل هذه المسألة أدرك سر الآيات والأحاديث الكثيرة في كتاب الله وسنة نبيه التي تدعو إلى الاعتصام، والتي تدعو إلى التعاون، وإلى إسقاط الخلافات والاجتماع على قلبٍ واحد، يقول الله جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} [آل عمران:103] ويقول الله جلَّ وعلا: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46].

سبب تداعي الكفار على المسلمين

سبب تداعي الكفار على المسلمين أيها الإخوة المؤمنون! لستم بحاجة إلى مزيد من الآيات والأدلة في أن الله أمر المؤمنين بالوحدة ونهاهم عن الفرقة، ولكن لكي نعلم -أيها الأحباب- أن ما أصاب أمة الإسلام في هذا الزمان من هوانٍ على الكفار، ومن ذلة في أعين أعدائهم، ومن تسلط الجبابرة الكفرة على رقاب كثيرٍ من الطوائف منهم، إنما ذلك بسبب تفرق المسلمين، إنما ذلك بسبب عدم اجتماعهم على قلبٍ واحد، نسأل الله أن يؤلف بين قلوب المسلمين أجمعين. أيها الأحبة! إن أعداء الأمة يوم أن أدركوا هذا السر العجيب في رفعة الأمة وسيادتها، وهو الوحدة والتعاون والاتحاد، بدءوا يسلطون معاول هدمهم على هذا الركن المتين من أسباب القوة، فمنذ عصر الخلافة الإسلامية والنصارى وأذنابهم وأعوانهم إلى زمننا هذا يسلطون جهودهم لتفريق المسلمين وتأليب بعضهم على بعض، وإثارة الأحقاد والضغائن في نفوس بعضهم على بعض لكي لا تجتمع لهم كلمة، ولكي لا يلتئم لهم صف، ولكي لا ينضموا تحت رايةٍ واحدة، لقد كان لأعداء الإسلام أعظم دورٍ في سقوط كثيرٍ من دويلات الإسلام بسبب تسلطهم على هدم هذا الجانب، وإذا شئتم أقرب الأمثلة، فانظروا تسلطهم في دويلات الأندلس؛ حيث سلطوا بعض المسلمين على بعض، فلما تفرق المسلمون وأصبحوا ملوكاً للطوائف، وصدق فيهم قول القائل: ألقاب مملكةٍ في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد لما تقسمت بلاد الأندلس في ذلك الزمان وأصبح كلٌ يرفع لواءه بنفسه، بل وصل الأمر ببعضهم أن استعان بالنصارى لكي يكونوا عوناً له في قمع أحد إخوانه المسلمين في دولة من دويلات الطوائف، فلما فرق أعداء الإسلام المسلمين بهذه الطريقة، وهي إثارة الأحقاد والبغضاء وإثارة النزاعات العصبية والقبلية، أصبحوا لقمةً صغيرةً هانئةً صائغةً أمام أعدائهم، فأكلوهم دويلةً دويلةً حتى سقطت غرناطة آخر قلعة من قلاع الإسلام كان يملكها بنو الأحمر، وخرج أميرها وهو يقول: وداعاً يا غرناطة وداعاً لا لقاء بعده، ولأنه عرف وأدرك أن أعداءه قد نجحوا في إثارة الفتنة بين إخوانه المسلمين، ثم أكلوهم لقمةً لقمةً. ولما تسلط الاستعمار العالمي بجميع اتجاهاته على دول المسلمين، أذاقوا المسلمين ألوان القتل والتشريد وساموهم الهوان وسرقوا مقدراتهم وثرواتهم، ولم يتركوهم هكذا بعد أن بذل المسلمون في تلك الدول أعجب الألوان في دروب الدفاع والقتال لكي يتحرروا من أعداء المسلمين، ولكي يتحرروا من الاستعمار، لم يخرجوا ويتركوا الحرية لهم في بلادهم بل تركوا مشاكل حدودية تجعل المسلمين يتقاتل بعضهم على بعضٍ من أجلها، فجعلوا المسلمين يقتل بعضهم بعضاً، ويحارب بعضهم بعضاً من أجل كيلو متراتٍ معدودة على حدود كل دولة واحدة من أجل أن تستمر البغضاء العداوة، وأن يستمر النزاع والقتال، فتارةً أولئك يتقدمون شبراً، وأولئك يتقدمون متراً، وهكذا دواليك حتى لا تجتمع قلوبهم في يومٍ من الأيام، وإن الواقع يشهد شهادةً صريحةً بذلك. معاشر المؤمنين: لم يكتف أعداء الإسلام بهذا الأمر، بل زادوا على ذلك أن سلطوا على المسلمين من أبنائهم أو من غير أبنائهم من يتبنى أفكاراً دخيلة، ومبادئ غربية على أمة الإسلام لكي يتسلطوا بها، ولكي تكون سبباً في نقض ما بقي من وحدة الأمة الصغيرة من بين تلك الأمم المتفككة فيما بينها، فأثاروا النزاعات القبلية، والعصبيات العرقية لكي لا تجتمع أمة واحدة على قلبٍ واحد، وأنتم بهذا تعلمون يا عباد الله! أن أمةً واحدة يجمعها إقليم واحد، وتنتسب إلى بلادٍ واحدة، أو دولةٍ واحدة تقوم فيها العصبيات العرقية والنزاعات القبلية لا شك أنها لا تجتمع على قلبٍ واحد، ولو أرادت أن تجتمع فعليها أن تعود إلى حسابٍ مدين لا بد أن تصفيه في أمورٍ كثيرة، أولها: هذه النزاعات وهذه العصبيات. معاشر المؤمنين! إنه لا عز ولا سلطان لأمة الإسلام ولا منعة ولا كرامة للمسلمين إلا أن يتحدوا فيما بينهم، ويعملوا بقول الله جل وعلا: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً} [آل عمران:103] لقد كانت أمة العرب طوائف متناحرة، وقبائل متقاتلة، دامت بينهم حروبٌ عظيمة: كداحس والغبراء، وحرب البسوس، أربعين سنة دامت وهم يقتل بعضهم بعضاً، ولم تنته هذه الحرب إلا يوم أن بعث الله النور المبين محمداً صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء والمرسلين، فجمع قلوبهم، وأزال الضغائن والإحن فيما بينهم، فلا سلطان للمسلمين ولا وحدة لهم إلا أن يوحدوا صفوفهم ويلموا شتاتهم، وأن يجمعوا كلمتهم، وأن يحددوا رايتهم التي من أجلها يعملون وفي سبيلها يستشهدون، لابد لأمة الإسلام من هذا، وبدون ذلك لن تقوم للإسلام قائمة، نسأل الله جل وعلا أن يديم ما بقي من وحدة المسلمين في هذه البلاد خاصة، وفي سائر بلاد المسلمين عامة. معاشر المؤمنين! روى الإمام مسلم بسنده عن سعد بن أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة؛ سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألت ربي ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها). وروى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنةٍ بعامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنةٍ عامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، أو قال: من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً). إذاً -أيها الإخوة- نعلم أن أي هدمٍ أو شرخٍ في وحدة أمة الإسلام إنما هو بسبب داخلي فيها وليس لأمر خارجي عنها، لأن الله قد أعطى الأمة ألا يهلكها بسنةٍ بعامة وألا يسلط عليها عدوا ًمن سوى أنفسها حتى لو اجتمع عليها من بين أقطارها أو من في شمالها إلى جنوبها، ومن في غربها إلى شرقها مهما تآلبوا وتسلطوا على أمة الإسلام، لن يستطيعوا أن ينالوا من هذه الأمة شيئاً، لن يستطيعوا أن يدركوا من هذه الأمة منالاً ماداموا مجتمعين، أما إذا تسلط بعضهم على بعضٍ من داخلهم، وإذا ثارت العصبيات فيما بينهم وهم في أرضٍ واحدة، وتحت لواء واحد، فإن هذا نذيرٌ ومهدد بقرب تسلط عدوٍ من الأعداء عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الخيانة وأثرها على الإسلام

الخيانة وأثرها على الإسلام الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. معاشر المؤمنين! إن أعداء الإسلام في القديم والحديث جربوا ألوان الفتك والاعتداء على المسلمين، لكنهم علموا أن أفشل الأساليب وأقلها نجاحاً هو العدوان العسكري على أمةٍ الإسلام، إذ أن المسلم بطبيعته يوم أن يفاجأ بعدوانٍ ويقابل بقوة ينعكس رد الفعل بالنسبة له وليس انطلاقه انعكاساً لردود فعلٍ، بل هو عقيدةٌ تصقل بهذه المفاجأة، فينطلق من طوره الذي هو فيه أياً كان ذلك الطور؛ طور غفلةٍ أو لهوٍ أو غير ذلك، فتنتبه نفسه لهذا العدو المحيط به، فينطلق شجاعاً باسلاً لكي يرد العدوان عن أرضه وعن بلاده وعن عقيدته وعن المسلمين أجمعين، فمادام الأعداء جربوا هذا الأسلوب وأدركوا فشله طوال حروبٍ صليبيةٍ بلغت ثمان حملات، وطوال سنين طويلة جربوا فيها ألوان الأسلحة الفتاكة وغيرها، ظهر مفكرٌ مجرمٌ من مفكري البريطان وقال: إن المسلمين لا يجدي فيهم هذا الأسلوب إنما ينفع فيهم أسلوب بطيءٌ لكنه مؤكد، أتدرون ما هو؟ إنه أسلوب الغزو الفكري، قتل الغيرة، وإماتة الشيم، وتكسير الحياء، واهتمام كل فردٍ بنفسه، واعتناء كل إنسان بمادته الشخصية بعيداًً عن ملاحظة أمور المسلمين عامة. إنه أسلوب بطيء، لكنه فعال، ولما اجتمع القس صموئيل زويمر في القاهرة (سنة:1937م) بمجموعة من الرهبان والنصارى وأخذوا يستعرضون جهودهم في تنصير المسلمين كلٌ يعرض جهوده، ثم يقول: لكن مجموعةً منهم عادوا إلى إسلامهم بعد أن تنصروا، وطائفة تقول: إنهم لم يثبتوا على النصرانية مدةً يسيرة، فقال ذلك المجرم: معاشر القسس والرهبان لم تعرفوا حقيقة التنصير أو التبشير، إن حقيقة الأمر أن نخرج المسلمين من دينهم، وليسوا بعد ذلك بأهل أن ينالوا شرف الدخول في النصرانية. هذا أمر واحد، الأمر الثاني: إنه لا يقطع الشجرة إلا غصنٌ منها، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: لا تنفروا جهودكم مبعثرةً هكذا، لكن انتقوا عيناتٍ وأفراداً تلتمسون فيهم النمو والذكاء والحركة والنشاط فنصروهم وغيروا عقائدهم، ثم بعد ذلك دعوهم يعيثون في أرضهم فساداً وهم يكفونكم مؤونة التنصير في بلادهم. هذا مثلٌ نضربه لكي نبين مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الله جل وعلا تكفل لأمته ألا يهلكهم بسنةٍ عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، من خارج أرضهم وبلادهم، وسأله ألا يجعل بأسهم بينهم شديداً فقال: (يا محمد! إني إذا قضيت فضاءً فإنه لا يرد) عند ذلك نعلم أنه إذا قام واحدٌ من صفوف الأمة يتكلم بلسانها، ويلبس ثوبها وهو من بني جلدتها، وقد تبنى فكراً غربياً أو مبدأً شرقياً، أو فتنةً هدامة، فإن أثره يكون أبلغ في إفساد صفوف الأمة، وفي تفريق وحدتها، وفي كسر شتاتها المجتمع. أيها الإخوة: من هذا المبدأ غزيت أمة الإسلام، يوم أن ظهر أفرادٌ أو فئامٌ يتكلمون بألسنتنا، ويلبسون مثلما نلبس، جلودهم جلود الضأن، وقلوبهم قلوب الذئاب، وبين تارةٍ وتارة تخرج فكرةٌ دخيلة، أو مبدأٌ غريبٌ على صفوف المسلمين وبمثل أولئك يدخل الفساد ويدخل الضلال في أمة المسلمين، وصدق ذلك المجرم المبشر: إنه لا يكسر الشجرة إلا غصنٌ من أغصانها. فالله الله يا عباد الله: اعلموا أن أمم الكفر والضلالة لو اجتمعت على أمتكم فلن تستطيع أن تهلكهم، إن أمة الكفر والضلالة لو أرادوا بكم ما أرادوا لن يستطيعوا أن ينالوا منكم شيئاً، إلا إذا نال بعضنا من بعض، إلا إذا خان بعضنا الأمانة، إلا إذا فرطنا فيما أمر الله به، إلا إذا تسلط بعضنا على بعض، إلا إذا توجه النقد والتجريح البذيء من بعضنا إلى بعض، وتركنا الأعداء يأكلون لحومنا ويفتكون بإخواننا، ويتسلطون على مقدساتنا، ويتقدمون مستوطنين في أراضينا، عند ذلك معاشر المسلمين لا تسألوا عن هلكة الأمة، فكأنما هي عقدٌ قد انقطع نظامه فتتابعت حباته. معاشر المؤمنين! لولا الخيانة في صف من الصفوف ما دخل الأعداء إلى ذلك الصف، لولا التهاون في ثغرةٍ من الثغور ما تسلط الأعداء على ذلك المجال. إن سبيل الوحدة والقوة هو أن نجمع القلوب أولاً ما دام إلهنا واحد، وكتابنا واحد، ونبينا واحد، وقبلتنا واحدة، ونصلي كل صلاةٍ خلف إمام واحد، علمنا الإسلام أن نجتمع، علمنا الإسلام الوحدة، فلا بد أن نتحد في جميع أمورنا، نصوم شهراً واحداً، ونقف بعرفة في يومٍ واحد، وفي الحج نلبس زياً واحداً.

الإسلام دين الوحدة

الإسلام دين الوحدة إن الإسلام دين الوحدة فلا بد أن نتحد في أفعالنا وأقوالنا، لا بد أن نتحد في توجهاتنا، وعند ذلك لن يصل الأعداء إلى شبرٍ من أراضينا، ولن يدخلوا ثغرةً من مجالات حياة أمتنا ما يبلغ الأعداء من جاهلٍ ما يبلغ الجاهل من نفسه إن الإنسان إذا فرط في حق نفسه، دخل عليه التفريط من خارج أمره، أما إذا كان معتنياً بأموره من جميع جوانبها، فوالله ثم والله، ثم والله لن يتسلط عليه أحدٌ إلا بأمر قد كان في نفسه، فاجمعوا قلوبكم -أيها الإخوة- وابذلوا المحبة لسائر إخوانكم، وأزيلوا الضغائن والإحن من قلوبكم، وبروا بآبائكم وأمهاتكم وصلوا أرحامكم، وأظهروا مشاعر الوحدة في مجتمعكم، عند ذلك والله لن يفكر العدو في أن ينال من أدنى مقدرةٍ من مقدرات أمتكم شيئاً، لكن الأعداء إذا وجدوا أمةً متقاتلة، وفئات متناحرة، وقلوباً متباغضة، واتجاهاتٍ متباينة، عند ذلك يرون أن أمةً كهذه هي ألذ لقمة تتجرعها في حلقها وألذ غنيمة تستولي عليها بغفلة أصحابها. أسأل الله جل وعلا أن يجمع قلوبنا، وأن يوحد صفوفنا، وألا يجعل من بيننا خائناً يخون أمتنا، اللهم اجمع شمل المسلمين، وارحم اللهم المستضعفين، وانصر اللهم جميع المجاهدين في سبيلك، اللهم ثبت أقدامهم، وسدد رصاصهم، ووحد كلمتهم، واجمع شملهم على كتابك وسنة نبيك يا رب العالمين! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم لا تسلط علينا ولا عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين! اللهم احفظ هذه البلاد خاصة، واحفظ سائر بلاد المسلمين عامة، اللهم اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضا ًإلا شفيته، ولا حيرن ألا دللته، ولا باغياً إلا قطعته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا غائباً إلا رددته برحمتك ومنك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى واسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، نسألك اللهم أن تحيينا على الإسلام سعداء، اللهم توفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا اللهم في زمرة الأنبياء، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم اجعل خير أيامنا يوم نلقاك، واجعل خير أعمالنا خواتمها، اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وجنبنا أسباب سخطك وغضبك يا رب العالمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم

وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أيها الأحباب: إن الموت حق على كل حيٍ كبيراً كان أو صغيراً، ملكاً كان أو وزيراً، فكل من عاش لابد أن يموت، حتى الأنبياء وهم صفوة الله من خلقه، فهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يخيره ربه بين زهرة الحياة الدنيا وما عند ربه؛ فاختار لقاء ربه، وفي هذه المادة تعيشون مع حادثة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعض وصاياه عند موته، وأخذ الدروس والعظات من هذه الحادثة المؤلمة على الأمة بأسرها.

الموت حقيقة لا مفر منها

الموت حقيقة لا مفر منها إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى فهي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. معاشر المؤمنين: روى الشيخان في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال: (إن عبداً خيَّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عند ربه، فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فعجبنا! وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عند الله، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا). أتعلمون -يا عباد الله- من عبد الله المخير بين ما عند ربه وبين زهرة الدنيا؟ إنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قد اختار لقاء ربه وجواره. عباد الله: الموت حق على كل حي أياً كان كبيراً أو صغيراً، ملكاً أو وزيراً، فكل من عاش لابد أن يموت، سواء قرب الأجل أم بعد: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] حتى الأنبياء والرسل وهم صفوة الله من خلقه، يقول الله جل وعلا: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:34 - 35]. وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144]. عباد الله: إن مفارقة الأجساد للأرواح لا تقع إلا بعد ألمٍ عظيم، وعناءٍ جسيم تذوقه الروح والجسد جميعاً، فإن الروح قد تعلقت بهذا الجسد وألفته، واشتدت ألفتها له وامتزاجها به ودخولها فيه، حتى صار الروح والجسد شيئاً واحداً، فلا يتفارقان إلا بجهدٍ شديد، وألمٍ عظيم، ولن يذوق ابن آدم في حياته ألماً مثله.

الحث على الإكثار من ذكر هاذم اللذات

الحث على الإكثار من ذكر هاذم اللذات قال الربيع بن خثيم: أكثروا من ذكر هذا الموت، فإنكم لم تذوقوا قبله مثله. ثم إن الروح المفارقة للجسد لا تدري أين المستقر والمستودع، لا تدري أين القرار والبقاء، هل هو في الجنة أم في النار، فإن كان العبد عاصياً مصراً على المعصية إلى أن أدركه الموت، فإنه قد يغلب على ظنه أن روحه تصير إلى النار، فتتضاعف بذلك حسرته وألمه، ولا ينفعه عند ذلك ندمه، وربما كشف له مع ذلك عن مقعده من النار، فيراه حين سكراته أو يُبشَّر به، فيجتمع له مع كرب الموت وألمه العظيم معرفته بسوء مصيره، عياذاً بالله من تلك الحال وسوء المآل. عباد الله: من تذكر تلك الأحوال والمقامات التي يمر بها العبد إبان خروج روحه؛ أدرك الحكمة من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بقوله: (أكثروا من ذكر هادم اللذات الموت). وحسبكم من ذكر الموت -يا عباد الله- أن نستعد له قبل نزوله، وأن نقصِّر الآمال، وأن نرضى بالقليل من الرزق، وأن نُقبل على الآخرة، وتهون علينا مصائب الدنيا، فكل مصيبة دون الموت تهون، وإذا عظمت مصيبتنا في وفاة حبيب لنا أو قريب فلنذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عظمت عليه مصيبته، فليذكر مصيبة المسلمين فيَّ). نعم يا عباد الله: من اشتدت وعظمت وكبرت مصيبته على نفسه، فليذكر أعظم مصيبة فُجعت بها أمة الإسلام، بموت نبيها صلى الله عليه وسلم. كلنا في غفلة والموت يغدو ويروح سيصير المرء يوماً جسداً ما فيه روح بين عيني كل حي علم الموت يلوح نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح لتموتن ولو عمِّرت ما عمر نوح لما أنزل الله جل وعلا قوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النصر:1 - 3] علم صلى الله عليه وسلم باقتراب أجله. قالت عائشة رضي الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته: سبحان الله وبحمده، أستغفره وأتوب إليه). قالت أم سلمة رضي الله عنها: (كان في آخر عمره صلى الله عليه وسلم لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: سبحان الله وبحمده، فذكرت ذلك له فقال: إني أمرت بذلك وتلا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]). وما زال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يعرض باقتراب أجله في آخر عمره، فإنه لما خطب الناس في حجة الوداع قال لهم: (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا) وطفق يودع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع. ولما رجع من حجته إلى المدينة جمع الناس في طريق بين مكة والمدينة، فخطبهم وقال: (أيها الناس: إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، ثم حض على التمسك بكتاب الله وأوصى بأهل بيته خيراً).

مرض موته صلى الله عليه وسلم

مرض موته صلى الله عليه وسلم ولما بدأ به صلى الله عليه وسلم مرض الموت خرج إلى أصحابه في المسجد وهو معصوب الرأس، فقام على المنبر وقال: (إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة) ثم هبط عن المنبر فما رؤي على المنبر بعد ذلك. وفي المسند عن أبي مويهبة (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلة إلى البقيع فاستغفر لأهل البقيع وقال: ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع بعضها بعضاً، يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى، ثم قال: يا أبا مويهبة! إني قد أعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة، فخيِّرت بين ذلك وبين لقاء ربي فاخترت لقاء ربي والجنة) ثم انصرف وابتدأه وجعه الذي قبض فيه، وكان أول ما ابتدأ به صلى الله عليه وسلم من مرضه وجع الرأس. وكان صداع الرأس والشقيقة يعتريه كثيراً في حياته، ويتألم منه أياماً، ففي المسند عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرض الذي بُدئ فيه، فقالت عائشة: وارأساه، فقال صلى الله عليه وسلم: وددت أن ذلك كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك، فهيأتك ودفنتك، قالت عائشة: كأني بك في ذلك اليوم عروساً ببعض نسائك، أي بعد موتي) فاعجبوا لغيرة النساء، رضي الله عن أم المؤمنين عائشة. فقال صلى الله عليه وسلم: (بل أنا وارأساه، ادعوا لي أباك وأخاك، حتى أكتب لـ أبي بكر كتاباً). ولم يزل ذلك الصداع وتلك الحمى يشتدان برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استأذن أزواجه ليبقى في بيت عائشة فأذنّ له، وجيء به محمولاً إلى بيتها، ثم إن الحمى اشتدت به صلى الله عليه وسلم في مرضه، فكان يجلس في مخضب ويصب عليه الماء من سبع قرب لم تحل أوكيتهن، يتبرد بذلك من شدة الحمى، وكان عليه قطيفة، فكانت حرارة الحمى تصيب من وضع يده على النبي صلى الله عليه وسلم من فوقها، فقيل له في ذلك، فقال: (إنَّا كذلك يشدد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر، وقال: إني لأوعك كما يوعك رجلان منكم). ومن شدة وجعه كان يغمى عليه في مرضه ثم يفيق، وحصل له ذلك غير مرة، فأغمي عليه مرة وظنوا أن وجعه ذات الجنب، فلما أفاق أنكر ذلك وقال: (إن الله لم يكن ليسلطها علي -يعني: ذات الجنب- ولكنه من الأكلة التي أكلتها يوم خيبر) أي: من سم الشاة التي أهدتها اليهودية له فأكل منها يومئذ، فكان ذلك يثور عليه أحياناً، فقال في مرض موته: (ما زالت أكلة خيبر تعاودني؛ فهذا أوان انقطاع أبهري). وكان ابن مسعود وغيره يقولون: [إنه صلى الله عليه وسلم مات شهيداً من السم] وقالت عائشة رضي الله عنه: [ما رأيت أحداً كان أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم]. وكان عنده في موته سبعة دنانير، فكان يأمرهم بالصدقة بها، ثم يغمى عليه، فيشتغلون بوجعه، فدعا بها فوضعها في كفه وقال: (ما ظن محمد بربه لو لقي الله وعنده هذه) ثم تصدق بها، فلما اشتد وجعه ليلة الإثنين، أرسلت عائشة بالمصباح إلى امرأة من النساء، فقالت قطِّري لنا في مصباحنا من عكة السمن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسى في جديد الموت. وكان عند عائشة إزار غليظ مما يصنع في اليمن وكساء، فكانت تقسم بالله أنه صلى الله عليه وسلم قبض فيهما. فلما احتضر صلى الله عليه وسلم اشتد به الأمر فقالت عائشة: (ما أغبط أحداً يهون عليه الموت بعد الذي رأيت من شدته على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عنده قدح من ماء يدخل يده صلى الله عليه وسلم في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، يقول: اللهم أعني على سكرات الموت، قالت: وجعل يقول: لا إله إلا الله إن للموت لسكرات). ولما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب، قالت فاطمة رضي الله عنها: (واكرب أبتاه، فقال لها: لا كرب على أبيك بعد اليوم). قالت عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يخير، فلما نزل به الموت ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت وقال: اللهم الرفيق الأعلى، قالت: فعلمت أنه لا يختارنا). وروي أنه لما بقي من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً نزل عليه جبريل عليه السلام قال: (يا أحمد! إن الله قد أرسلني إليك إكراماً وتفضيلاً خاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك، يقول لك: كيف تجدك، فقال: أجدني يا جبريل مغموماً، وأجدني يا جبريل مكروباً، ثم أتاه في الثاني والثالث فقال له مثل ذلك، ثم استأذن فيه ملك الموت، فقال جبريل: يا أحمد! هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي كان قبلك ولا بعدك، قال: ائذن له: فدخل ملك الموت فوقف بين يديه، فقال: يا رسول الله! أرسلني الله إليك وأمرني أن أطيعك، إن أمرتني أن أقبض روحك قبضتها، وإن أمرتني أن أتركها تركتها، قال: وتفعل يا ملك الموت، قال: بذلك أمرت أن أطيعك، فقال جبريل: يا أحمد إن الله قد اشتاق إليك، فقال صلى الله عليه وسلم: فامض يا ملك الموت لما أمرت به، فقال جبريل عليه السلام: عليك السلام يا رسول الله! هذا آخر موطئٍ من الأرض، إنما كنت يا محمد حاجتي من الدنيا). وفي ذلك اليوم الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم وقبل موته كشف الستر عن أصحابه وهم يصلون صلاة الصبح خلف أبي بكر، فكاد المسلمون أن يفتتنوا من فرحتهم برؤية نبيهم صلى الله عليه وسلم حين نظروا إلى وجهه وظنوا أنه يخرج للصلاة، فأشار إليهم أن مكانكم وأرخى الستر، وتوفي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، وظن المسلمون أنه صلى الله عليه وسلم قد برئ من مرضه، لما أصبح يوم الإثنين مفيقاً. ولما علم المسلمون بوفاته صلى الله عليه وسلم منهم من اندهش ومنهم من خولط، ومنهم من أقعد ولم يستطع نهوضاً، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية، وبلغ الخبر أبا بكر فأقبل مسرعاً حتى دخل بيت عائشة، والنبي صلى الله عليه وسلم مسجَّى، فكشف الثوب عن وجهه، وأكب عليه وقبَّل جبهته مراراً وهو يبكي ويقول: [وانبياه واخليلاه واصفياه، إنا لله وإنا إليه راجعون]. ثم قام ودخل المسجد وعمر يكلم الناس وهم مجتمعون، فتكلم أبو بكر وتشهَّد وحمد الله، فأقبل الناس على أبي بكر وتركوا عمر، فقال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الاستعداد للموت وسكراته

الاستعداد للموت وسكراته الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وفارق الدنيا وقد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. عباد الله: سمعتم عن وفاة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وما تغشاه من الكرب والآلام، وهو أفضل من وطئت قدمه على الأرض قاطبة، ومع ذلك كان يلاقي ويعاني من سكرات الموت، ويضع يده في كوب فيه ماء بارد، ويمسح على وجهه ويقول: (اللهم أعني على سكرات الموت). فهل بعد ذلك يرجو أحد تخفيفاً فيها إلا من تداركه الله برحمته؟ وهل بعد ذلك يظن أحداً أنه سيكون أهون ألماً في وفاته من وفاة أفضل الأنبياء وسيد المرسلين وأفضل الخلق أجمعين، محمد صلى الله عليه وسلم؟ لا يكون ذلك أبداً إلا لمن زاده الله كرامة، ولا كرامة لأحد فوق ما أكرم به صلى الله عليه وسلم. معاشر المؤمنين: استعدوا لما أنتم قادمون إليه، فإن الموت لا يعرف كبيراً ولا صغيراً، إن بعض الناس حين يسمعون الموعظة أو شيئاً عن الموت فإنهم يتوجهون بذلك إلى كبار السن، يظنون بذلك أن الحديث موجه لمن ابيضت لحاهم من الشيب، واشتعلت رءوسهم شيباً، وما علموا: إن الموت لنا بالمرصد إن لم يفاجئ اليوم فاجأ في غد كم من رجل دفن أولاده جميعاً وكان أطولهم عمراً، وكما تقول العرب: وكم من ناقة شربت في جلد حوارها، فكم من رجل قد عاش دهراً وولد له بنين وحفدة ودفنهم جميعاً، وعاش بعدهم ثم توفي بعدهم. عباد الله: إن الموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً، إن الموت لا يعرف عزيزاً أو حقيراً، إنما هي آجال يقسمها الله جل وعلا: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. معاشر الشباب: أعدوا للموت عدته. يا أبناء الأربعين: كهولاً. ماذا قدمتم وقد انتصفتم في الأعمار أو جاوزتم الثلثان؟ يا أهل الخمسين: زروع قد دنا حصادها. يا أهل الستين: أعمار أمة محمد بين الستين والسبعين، هلموا إلى الحساب. يا أهل السبعين وما بعدها: ماذا قدمتم وماذا أخرتم، تفكروا وانظروا فيما أنتم قادمون عليه، وانظروا فيما ستقبلون عليه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وما بعد الموت من دار إلا الجنة أو النار، فأعدوا لهذا المصير عدته، واستعدوا له أعظم الاستعداد، فإن البشر لا شك منتهون، وإن البشر لا شك يفنون والباقي هو الله وحده لا شريك له. فاستعدوا لذلك -يا عباد الله- ولا تضيعوا أوقاتكم بالغفلة واللهو، ولا تضيعوا ساعات ليلكم ونهاركم بالغفلة عن مصيركم، وتذكروا واجعلوا الموت أمام أعينكم. إن الموت قاطع اللذات، وإن الموت ليشخص للإنسان في أعظم لذة، فيكدرها عليه، وشأن الله في هذا عظيم، لكي لا يأنس الإنسان بهذه اللذة وليعلم أنها منقطعة، وإن تلذذ بها سويعات أو أيام معدودة، فإنه يشخص الموت بين عينيه، فيذكر أن الموت لا شك مختطفه، وبعد ذلك يعلم أن اللذة والنعيم في الخلود والنعيم المقيم، فيشتاق إلى نعيم لا ينقطع، يشتاق إلى خلود لا موت فيه، يشتاق إلى صحة لا مرض فيها، يشتاق إلى شباب لا هرم بعده، يشتاق إلى عزة لا ذلة بعدها، يشتاق إلى قوة لا ضعف بعدها، يشتاق إلى كل ذلك ويعلم إنما هو في الدار الآخرة، وليس في الدنيا، لأنها دار كدر ودار نكد. طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار فإذا علم الإنسان ذلك اشتاق واستعد للآخرة، لكي ينال من نعيمها المقيم، ويفوز برضوان ربه في جنات النعيم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، والشيوعيين والنصيريين، والفسقة والمجرمين برحمتك يا أرحم الراحمين! وبقدرتك يا جبار السماوات والأرض. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرِّب له من علمت فيه خيراً له، أبعد عنه من علمت فيه شراً له في دينه ودنياه وآخرته، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد كلمتهم، ولا تفرح الأعداء عليهم، ولا تشمت الحساد بهم، وارفعهم وانصرهم بكتابك وسنة نبيك. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع موتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك. اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد. اللهم هون علينا سكرات الموت، اللهم هون علينا سكرات الموت، اللهم اجعل خير أيامنا يوم لقائك، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، برحمتك يا أرحم الراحمين!

وفوق كل ذي علم عليم

وفوق كل ذي علمٍ عليم ظن موسى عليه السلام أنه أعلم من في الأرض؛ فأعلمه الله بخطئه، مبيناً له أن الخضر أعلم منه، ولكن الخضر أخبر موسى أن كلاً منهما أعلم من الآخر في جانب من الجوانب، تواضعاً منه، وليناً مع تلميذه. مرافقة موسى للخضر هي الموضوع الأساس لهذه الخطبة، وهي تشمل استغراب موسى من تلك التصرفات، وتبيين الخضر لما لم يفهم منها. وفي ثناياها طائفة من الفوائد في التعلم والتعليم، وإصلاح الأبناء، وخطورة الكفر وغير ذلك.

فوائد من قصة الخضر وموسى

فوائد من قصة الخضر وموسى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن المثيل وعن الند وعن النظير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأصلي وأسلم على نبيه وصفيه من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين! قد أنزل الله تعالى في كتابه الذي ضمن حفظه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنزل فيه آياتٍ بينات، وجملة من القصص التي فيها العبر والعظات، ليتدبر المؤمنون ما أودع الله جل وعلا من الأحكام والآيات والزواجر والأوامر والنواهي في هذا الكتاب العظيم، وإن من ذلك ما ذكره الله جل وعلا في أواخر سورة الكهف مما جرى من شأن موسى عليه السلام مع الخضر. والأصل في ذلك أن موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام قام خطيباً في بني إسرائيل فتكلم وأجاد، وكأنما أعجب بشيء من كلامه فقام فتىً من بني إسرائيل وقال: يا نبي الله! هل على وجه الأرض أحدٌ أعلم منك؟ فقال: لا. فأوحى الله جل وعلا إليه: إن عبدنا الخضر هو أعلم منك، وعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله، فعزم موسى على بذل الهمة في طلب العلم، وسأل ربه الطريق لكي يصل إلى الخضر، ولكي يتعلم منه علماً، فجعل الله جل وعلا لموسى آية وعلامة، أن يحمل حوتاً في مِكْتل ثم يمضي، فإذا فقد الحوت فثم الخضر -أي: يكون هناك- وكلكم تعرفون القصة. وبيت القصيد وشاهد الكلام منها: أن موسى لما قابل الخضر قال له: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف:66] فقال الخضر: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} [الكهف:67 - 68].

أدب طالب العلم مع العالم

أدب طالب العلم مع العالم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري بسنده عن أبيّ بن كعب (أن الخضر قال: يا موسى! أنا على علمٍ من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم الله علمكه الله لا أعلمه أنا) وفي هذا فوائد: الأولى: أن موسى لما قابل الخضر وقف موقف المتأدب، وموقف السائل الذي يلتمس النفع والعلم، بقوله: هل اتبعك؟ ولم يقل: أريد اتباعك أو لا بد من اتباعي إياك لكي أتعلم؛ فإنما عرض الأمر عليه بصيغة العرض لا بصيغة الأمر. وفي هذا فائدة عظيمة لكل طلبة العلم حينما يبذلون سؤالاً أو يوجهون اقتراحاً، أو يديرون كلاماً، فعليهم أن يتأدبوا مع مشايخهم، وأن يسلكوا عبارة مناسبة وأسلوباً لطيفاً؛ لأن الإنسان يخاطب من هو أعلم منه، وله في نبي الله موسى عليه السلام أسوة وقدوة، وهو نبيٌ قد آتاه الله الوحي والمعجزة، ومع ذلك يقول لمن هو أعلم منه {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف:66]. فأين كثيرٌ من طلبة العلم عن أدب سؤال العلماء؟ وأين الذين حينما يسمعون عالماً من العلماء يتكلم جابهوه وصدوا كلامه وعارضوه بقولهم: ولكن فلاناً يقول غير كلامك، ولكن فلاناً يخالفك، ولكن فلاناً يقول مالا تقول؟! بدون أدنى عبارة يكون فيها تلطف! أو يكون فيها أدب الكلام مع العلماء! فما بالكم أيضاً مع من لا يحترمون مجالس العلم، فيجلس أي جلسة لا تليق بمجلسه الذي هو فيه، كأن يمد رجله أمام شيخه، وقد جاء في حديث جبريل المشهور الذي رواه أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوسٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام) ففي هذا الحديث فيه أن جبريل عليه السلام جاء يسأل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بيان وفيه هيئة طالب العلم وصفة جلسته أمام مشايخه وعلمائه، فالتفتوا لذلك وتنبهوا إليه يا عباد الله.

أدب العالم مع طلابه وعامة الناس

أدب العالم مع طلابه وعامة الناس ومن ذلك أيضاً: (أن الخضر قال لموسى: أنا على علمٍ من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم الله علمكه الله لا أعلمه أنا) فيه تواضع العالم، وفيه خفض الجناح ولين الجانب من العالم، واحترام ما عند الآخرين، حتى ولو كانوا من عامة الناس، فضلاً عمن تعلموا وقرءوا ودرسوا؛ لأن الإنسان مهما بلغ من العلم لا بد أن يكون قد جهل أشياءً عظيمة لقول الله جل وعلا: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:76] {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] وقديماً قال الشاعر: فقل لمن يدعي في العلم معرفة علمت شيئاً وغابت عنك أشياءُ فلا تردن كلاماً جاءك به ولو أحد عامة الناس ظناً منك أن مثل هذا لا يفقه في العلم ولا نصيب له في المعرفة، وما يدريك أن ضالة من حِكَمِ العلم فاتتك سنيناً طويلة لا تجدها إلا عند رجلٍ ممن تراهم من عامة الناس، فألله ألله في لطف الكلام ولين الجانب وخفض الجناح، فإن الاستعلاء والكبر والشموخ والتصعر مما يصد الإنسان ويحرمه كثيراً من ضروب العلم، قال ابن الوردي: لا تحقر العلم يأتيك الجهول به فالنحل وهو ذبابٌ طائر العسل فليس عجيباً أن تجد حكمة أو ضالة من أبواب العلم فاتتك تجدها عند هذا الرجل العامي أو هذا الرجل الكبير.

مرافقة موسى للخضر

مرافقة موسى للخضر ثم بعد ذلك: لما عاهد موسى الخضر على أن لا يسأله عن شيءٍ حينما يتبعه {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} [الكهف:71] لم يطق موسى ولم يصبر ونسي أنه عاهد الخضر على الصبر وعدم السؤال، فقال: {قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف:71] قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كانت الأولى من موسى نسياناً) أي: أنه نسي ما عاهد عليه الخضر ألا يسأله عن شيءٍ حتى يحدث له منه ذكراً فقال له الخضر: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:72] قال موسى: {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ} [الكهف:73 - 74] ولم يطق موسى أيضاً، فقال: {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف:74] فأجاب الخضر للمرة الثانية بعبارة أغلظ من الأولى حيث قال: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:75] ولم يقل في الأولى: (ألم أقل لك) بل قال فيها: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:72] وأما الثانية فقال: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:75]. ثم بعد ذلك مضيا: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} وكانوا لئاماً {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} فدخلا القرية: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} قال موسى: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف:77] لو شئت لأخذت شرطاً ونولاً وأجرة على إصلاحك هذا الجدار، الحاصل أن الخضر قال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:78] لا أستمر معك في هذه الصحبة، وسأنبئك بما لم تستطع عليه صبراً.

تأويل الخضر لخرق السفينة

تأويل الخضر لخرق السفينة {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:79] وفي قراءة لأحد الصحابة في مصحف أحدهم: ((وكان أمامهم ملكٌ ظالمٌ يأخذ كل سفينة صالحة غصباً)). فكان فعل الخضر: أن خرق السفينة لما اقتلع لوحاً من ألواحها بالقدوم، وإن كان ظاهر الأمر مصيبة إلا أن باطنه فيه مصلحة لأولئك الغلمان، قيل: كان عددهم عشرة، خمسٌ منهم زمنى -أي: مرضى- لا يستطيعون العمل، والخمسة الآخرون هم القادرون على العمل، فكان فعل الخضر عليه السلام من خرق السفينة لم يكن ذلك لإغراق أهلها، وإنما كان ذلك لصرف الملك، ألا يأخذ سفينتهم؛ لأن السفينة لو وصلت إلى شاطئ الأمان ووجدها ذلك الملك صالحة لصادرها ولأخذها ولاستولى عليها بالكلية، فكان قدر الله جل وعلا على يد الخضر أن خرق هذه السفينة حتى إذا وصلت إلى مكانها يراها أعوان الملك وجلاوزته فاسدة قد خرقت فيدعونها ولا يأخذونها، وتكون من حظ أولئك الغلمان. إذاً: فظاهر المصيبة -يا عباد الله- قد يكون مراً، قد يكون صعباً، قد يكون عجيباً، لكنه في حقيقته عين الرحمة والعطف، والرأفة، والحكمة والعلم، والله عليمٌ حكيم.

تأويل الخضر لقتل الغلام

تأويل الخضر لقتل الغلام كذلك: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} [الكهف:80] كان الغلام الذي قتله الخضر غلاماً فتياً، وكان كافراً، وكان أبواه مؤمنين فعلم الخضر بعلم الله الذي علمه الله إياه، ووحي الله الذي أوحاه إليه أن يقتل هذا الغلام؛ لأن قتل الغلام أهون من الكفر، والفتنة -أي: الكفر- أشد من القتل: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:191] {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:217] فكان من عين حكمة الله جل وعلا أن قتل الغلام، وهو قتل نفسٍ وإزهاق روحٍ فيه مصلحة عظيمة، أن يدفع الكفر عن الوالدين، عن الأم والأب، ظاهر الأمر مصيبة، ظاهر الأمر داهية، ظاهر الأمر مدلهمة، لكنه في حقيقته عين رحمة الله، وعين لطف الله بهذين الوالدين. إذاً يا عباد الله! لا نعجب من ظواهر الأمور وما فيها من القضاء والقدر؛ فإن الله جل وعلا يجري على عباده ألواناً من القضاء والقدر وفي ذلك مصالح عدة وفوائد جمة يجهلها كثيرٌ من الناس فيسخطون على قضاء الله وقدره، ويتضجرون من تدبير الله، ويدعون بالويل والهلاك والثبور، وقد جهلوا أن الله الذي قدر لهم هذا هو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم، ففي تقدير الله لهم كل رحمةٍ وفضلٍ ولطفٍ. وربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سبباً ما بعده سبب إن الأمر الذي تكرهه أشد الكراهة قد يكون هو أقرب السبل إلى ما تحبه غاية المحبة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216] {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].

الصبر عند الصدمة الأولى

الصبر عند الصدمة الأولى إذاً يا عبد الله! إذا نزلت بك المصيبة من أمر الله، والمصائب سنة في العباد: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155] لا بد أن تقابل قدر الله بالصبر على البلاء والرضا بالقضاء، فإن ذلك أعظم للأجر، وإلا فإن ما قدر الله واقعٌ لا محالة، فمن رضي فله الرضا والأجر والمثوبة، ومن سخط فعليه السخط. ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم أرأيتم الذين يصيحون ويولولون، ويبكون ويتسخطون، ويتذمرون ويتشكون عند أدنى مصيبة من المصائب، ولتكن موت قريب أو حبيب أو أم أو أب، لو قلنا لأحدهم: هذا أبوك أو أمك خذها وضعها عندك، والله ما يطيق البقاء معه ولا معها يوماً واحداً، فالحمد لله الذي شرع الدفن سنة لبني آدم. (مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي على قبرٍ وقال: يا هذه! اتقي الله واصبري! قالت: إليك عني! وما شأنك وشأني!! فلما ولى النبي صلى الله عليه وسلم، قيل لها: هذا رسول الله أما تعرفينه؟ فقامت تلحقه حتى أتت إلى بيته -ولم تجد عنده بوابين- قالت: يا رسول الله! الآن أصبر، فقال صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى). فيا عباد الله! عودٌ إلى موضوع القصة وهو: أن ظاهر الأمر في القضاء وإن كان مراً؛ إلا أن الله جل وعلا يقدر فيه أعظم المنة وأكرم المنحة، وأجل العطية، وأفضل الهبة، في أمرٍ ترى ظاهره أمراً تكرهه وحقيقته أمرٌ من الأمور التي تحبها، قد يموت قريبٌ لك بحادثٍ في السيارة، فتقول سبحان الله! كيف مات هذه الميتة؟ لا شك أن أجله هو في تلك اللحظة، سواء كان في الطائرة، أو في السيارة، أو على فراشه، لكن الله قدر المصيبة أن تكون في حادثٍ من الحوادث وما يدريك لعله أوشك أن يفضي إلى ربه وقد بقيت في ذمته سيئاتٌ ما تاب منها، فشدد الله عليه البلاء والعقوبة في آخر لحظة من لحظات عمره حتى تكون ممحصة ومزيلة لك الذنوب، فيقدم على ربه طاهراً مطهراً، ونحن في ظاهر الأمر نبكي أو نجزع وهو في حقيقة الأمر عين الرحمة، وعين الرضا، وعين اللطف بهذا العبد الذي توفاه الله جل وعلا.

تأويل الخضر لإقامة الجدار

تأويل الخضر لإقامة الجدار هذه من أجل الأحكام والدروس والعبر التي وردت في قصة موسى مع الخضر عليه السلام {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:82]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.

كيفية الحفاظ على الأبناء والذرية

كيفية الحفاظ على الأبناء والذرية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة والوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! وما كان من شأن الخضر عليه السلام مع موسى لما أقام الجدار الذي وجده مائلاً، قيل أنه أعاد بناءه، وقيل أنه أماله بيده، فاستقام الجدار صلباً، في هذا فائدة عظيمة في قوله جل وعلا: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] فصلاح الآباء يحفظ الأبناء ويحفظ الذرية ويحفظ مستقبلهم، إن التأمينات ليست هي التي تحفظ أولادك من بعدك، إلم يحفظهم الله فقد ضاعوا، ومن ضيعه الله فلا حافظ له، ومن يحفظه الله فلا مضيع له، وكان أبوهما صالحاً، فصلاح الآباء يبلغ الأبناء قيل ولو إلى السابع من الذرية. جاء في بعض الآثار عن الله جل وعلا: (أنا الله إذا رضيت باركت، وإذا باركت بلغت بركتي السابع من الولد) ولما حضر عمر بن عبد العزيز الوفاة، قيل: لو تركت لأولادك شيئاً يا أمير المؤمنين! يا خليفة المسلمين! يا من بيدك الكنوز! قال: والله لا أترك لهم شيئاً إن كانوا صالحين فلن يضيعهم الله، وإن كانوا غير ذلك فلا أدع لهم مالاً يتقوون به على معصية الله، قال الراوي: فوالله لقد رأيت كل واحدٍ من أبناء عمر بن عبد العزيز قد حمل على مائة بعير في سبيل الله بأحلاسها وأقتابها. التقوى هي التي تحفظ الأبناء من بعدنا، مراقبة الله جل وعلا، الخوف من الله هو أعظم تأمينٍ على الحياة، وأعظم تأمينٍ على الذرية، وأعظم تأمينٍ على الأموال، وأعظم تأمينٍ على الزوجات والأولاد والبنات، ولذلك لما ذكر الله سبحانه وتعالى في أول سورة النساء شأن اليتامى والتحذير من أكل أموالهم، والزواج من اليتامى، ومعاملتهم بالمعروف، وعدم تسليم الأموال إليهم حتى يبتلوا في تصرفاتهم ومعاملاتهم، قال الله جل وعلا: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:9] أتخشون أن تتركوا أطفالاً زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ؟ أتخشون أن تتركوا ذرية ضعافاً؟ أتخافون على الأطفال؟ أتخافون على الأولاد والبنات؟ نعم. والله كلنا نخاف على أولادنا من بعدنا. كيف نؤمن مستقبلهم؟ نتقي الله جل وعلا فيحفظهم الله: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:9] ما الحل؟ ما الشأن؟ ما الجواب. ؟ {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]. فتقوى الله هي خير ما يحفظ الضعاف، وخير ما يحفظ الأيتام، وخير ما يحفظ الصغار من بعدنا. وجاء في تفسير الآية {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] قيل: كان أباً سابعاً لهما، {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82] قال العلماء: فيه دلالة على أن الخضر نبيٌ أو رسول لأنه قال: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف:82] فدل ذلك على أنه وحيٌ وعلمٌ من وحي الله وعلم الله {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:82]. اللهم إنا نسألك الفقه في كتابك، والعلم بسنة نبيك، ونسألك اللهم علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، ودعاءً مرفوعاً، اللهم ارفعنا وانفعنا بالقرآن العظيم، اللهم انفعنا وارفعنا بكتابك الكريم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمدٍ من بينهم سالمين. اللهم اهدِ إمام المسلمين، وأصلح بطانته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وسنة نبيك يا رب العالمين! اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلاً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا غائباً إلا رددته. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية، ومن كان منهم ميتاً اللهم فجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفرانا، واجمعنا اللهم بهم في دار كرامتك يا رب العالمين! اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم استعملنا في مرضاتك، اللهم حِلْ بيننا وبين أسباب سخطك وموجبات عقوبتك وغضبك يا أرحم الرحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ربنا إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً طبقاً نافعاً غير ضار، اللهم اسق العباد والبهائم والبلاد، اللهم أغثنا غيثاً تنبت لنا به الزرع، وتدر لنا به الضرع، اللهم إن عظمت ذنوبنا فإن فضلك أعظم، وإن كثرت معاصينا فإن رحمتك أكثر وأكبر، الله اسقنا ولا تجعلنا من القانطين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

وقفات تربوية

وقفات تربوية يقول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) فمن تولى أمراً من أمور المسلمين فهو راع ومسئول عن رعيته يوم القيامة، حتى لو كان مدرساً فهو مسئول عن طلابه في فصله وعن ريادته لهم، وكلما كانت الرعية في حال من الضعف كانت المسئولية أعظم، وقد تكلم الشيخ عن ذلك بأمور تفيد المربي في تربيته.

ستر الله على عبده

ستر الله على عبده الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة الفضلاء، والإخوة النبلاء! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كل يوم لا نعصي الله فيه فهو يوم عيد، وكل يوم نتشرف بلقاء أحبة كرام بررة أمثالكم فهو يوم عيد، إني لشاكر لأخوي ما ذكراه في مقدمتيهما المباركة، مع أنني لا أستحق ما ذكره الأول جزاه الله كل خير مما أحسن به الظن، وأسأل الله أن يستجيب ما دعا به أيضاً. ومن جمّله الله في الدنيا فإنما جمّله الله بالستر، وكما يقول ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: يا أيها المسكين! إذا رأيت إعجاب الناس بك فاعلم أنما أعجبهم ستر الله عليك؛ لأن العبد إذا كشف الله للخلق كل مساوئه -حتى ولو سيئاته في تعامله مع أولاده وأهله- ربما نفر الخلق منه، ولكن الله سبحانه وتعالى ستير يحب الستر، ويستر على عباده ما يكون منهم، من هفوات أو غلطات أو رعونة أو غضب أو غير ذلك، فلا يرى الناس منا ظاهراً إلا أحسن ما زيننا الله به وهو الستر. وما يكون بيننا في خاصة أحوالنا وبيوتنا وأولادنا -كل لا يخلو من عيب أو نقص، والكمال لله عز وجل- فذاك جميل لولا بخل فيه، وذاك طيب لولا غضب فيه، وذاك صالح لولا هفوة منه، وذاك وذاك إلى غيرك ذلك. ومن ثم أحبتي في الله! من سمع ثناء على أحد، فليعلم أن هذا الذي أثُني عليه إنما استحق الثناء بسبب صفة من صفات الله، وهي صفة ستر الله على عباده، إن الله ستير يحب الستر، ولذلك ندب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى من ستره الله أن يمسك ستر الله عليه، وألا يهتك أستار الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون قيل: ومن المجاهر يا رسول الله؟ قال: من يمسي يعصي الله، فيصبح يهتك ستر الله عليه، يقول: فعلت البارحة كذا وكذا). ومن دلائل هذه الصفة، أن الله ستير يحب الستر: أن الأشعة المقطعية والتحاليل المجهرية والمخبرية لا تستطيع أن تكشف الشخص هل هو بخيل، أم كاذب، أم صادق، أم مخلص، أم منافق، أم جاد، أم هازل، أم غير ذلك؟ أنت تستطيع أن تجد هذا الشخص، وتأخذ عينات من دمه، وعينات من عظمه ولحمه، وتجعل جسمه بالكامل تحت ما يسمى بالكات اسكان -الأشعة المقطعية- ومع ذلك لا تستطيع أن تحكم بعد هذه التحاليل أن تقول: أظهرت التحاليل أن فلاناً بخيل، أو أن فلاناً كريم، أو أن فلاناً سريع الغضب، أو لين العريكة، أو جميل التواضع، أو حسن الخلق، أو نبيل المعاملة، هذا شيء تعلمونه تماماً. فأسأل الله أن يتم علينا وعليكم ستره، وأسأل الله أن يثبتنا وإياكم على طاعته، وأن يصلح أحوالنا جميعاً، وما أحوجنا إلى سؤال الله الثبات، فإن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء. وما سمي الإنسان إلا لنسيه وما القلب إلا لأنه يتقلب أحبتنا في الله: بعد شكري لإدارة هذا المعهد، ولإخوتي الأساتذة الفضلاء، وأولياء الأمور، وأخص صديقي وحبيبي في الله الأستاذ/ سعود بن ناصر السياري صديق الصبا على ما أكرمني به من هذه الدعوة شاكراً ومقدراً حسن ظن الجميع بي.

الإعاقة ليست مانعا من الإنتاج والبذل والعطاء

الإعاقة ليست مانعاً من الإنتاج والبذل والعطاء أقول أيها الأحبة: لا أظن أن عامّياً في مجال التعليم الخاص مثلي يمكن أن يضيف إلى معارف المختصين والمهتمين شيئاً جديداً، سوى إرشادات وتوجيهات لا تعدوا أن تكون مواعظ، وتأملات مكتوبة، لعلها أن تدفعنا جميعاً إلى مزيد البذل والعناية والرعاية والاهتمام. ونحن حينما ننطلق في كل أعمالنا إنما ننطلق من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) فالحاكم راع ومسئول عن الرعية، ورب البيت راع ومسئول عن أولاده وزوجته وبناته، والمدرس راع ومسئول عن طلابه في فصله، وعن ريادته، والتعليم في شتى مجالاته، وعلى اختلاف مستوياته (الثانوي والجامعي وغيره) كل من تولى فيه مسئولية فهو فيها راع، ومسئول ومحاسب بين يدي الله عز وجل. ولا تقف المسئولية فقط في هذه الصور التي ذكرنا، بل حتى ضابط المرور راع ومسئول عن هذا الطريق الذي وكل به، ورجل الأمن راع ومسئول عن ذلك، والشرطي والجندي والحارس، وكل من تولى أو أسند إليه أمر، سواءً بتكليف الشرع، أو بتكليف من له الولاية على الناس في الشرع، فإنه راع وهو مسئول أمام الله عز وجل عن ذلك. والعناية بالذين يحتاجون إلى عناية خاصة وتعليم خاص، لا شك أنه نوع من المسئولية التي نسأل عنها، ونحاسب عليها، سيما من أسندت إليهم هذه الهمة، بحكم اختصاصهم وتعلمهم، وكلما كانت الرعية في حال من الضعف، كلما كانت المسئولية أعظم، ألا ترون أن الطفل السوي يحتاج إلى عناية ورعاية تفوق رعاية الكبير والعناية به، فإذا كان الطفل معوقاً فهذا لا يعفي من المسئولية بل يزيدنا تحملاً. وإن كان كثيراً من الناس اليوم يظن أن الإعاقة عذر في الإهمال، وعذر في ترك الرعاية، وهذا ليس بصحيح أبداً. نعم. إن نوع الإعاقة يتباين من شخص إلى آخر، ويترتب على هذا التباين أحكام عديدة ومختلفة، يتحكم فيها المستوى العقلي والإدراك الذي هو مناط التكليف في الشريعة، فمن إعاقته في بصره يختلف حاله وتعليمه عمن إعاقته في سمعه ونطقه ومن إعاقته في سمعه ونطقه، يختلف تعليمه وحاله عمن إعاقته في ضعف تلقيه، يختلف حاله عمن إعاقته في أطرافه وجوارحه. فكلها على الاصطلاح الحديث المعاصر تدخل في نوع الإعاقة، لكن تباين أنواع الإعاقة يملي أنواعاً جديدة مختلفة من العناية والاهتمام في الأساليب والوسائل وغير ذلك، فعلى سبيل المثال: المجنون الذي لا يعقل شيئاً غير مكلف في الشرع، حتى ولو كان أقوى من المصارعين بدناً، أو أسرع من العدائين ركضاً، أو أحد من زرقاء اليمامة بصراً. وما ذاك إلا لغياب العقل، فربما ترى مجنوناً طويلاً عريض القامة مفتول العضلات، قوي الهيئة، ومع ذلك لا يستطيع أن يدبر من حاله شيئاً يسيراً، وربما من نسميه معاقاً يفوقه درجات كثيرة جداً في حاله، وهذا يؤكد أن اختلاف نوع الإعاقة يملي من الأحكام الشرعية، والوسائل التعليمية ونوع المعاملة أشياء كثيرة تختلف باختلاف نوع الإعاقة. وفي المقابل قد ترى معوقاً في سمعه أو بصره أو طرفاً من أطرافه لكنه يقود أمة من الأمم، ويفزع جيوشاً، ويزعج دولة، على سبيل المثال في عصرنا الحاضر كلكم يسمع بالشيخ أحمد ياسين في فلسطين، مكث زمناً طويلاً في سجون إسرائيل، ودولة اليهود عجزت عن هذا الرجل الذي لا يستطيع أن يرفع الطعام إلى فمه، ولا يستطيع أن يتحرك خطوة بقدمه، ولا يستطيع أن يقلب ورقة عن منضدة أمامه، هذا الرجل يصدق عليه أن إعاقته في الجوارح والأطراف إعاقة رباعية كاملة، إلا أنه يزعج دولة إسرائيل إزعاجاً لا حدود له. ولولا أنها تخشى من مشكلات تتفجر وتتفاقم ويصعب السيطرة عليها لم تتردد في قتله في السجن، لكنها آثرت أن تخرجه لما تردت حالته الصحية، آثروا أن يخرجوه لعله أن يموت خارج السجن، فكتب الله له العافية والشفاء، وجاء وأخذ جولة في كثير من الدول العربية ثم عاد، ولا يزال غصة وشجاً في حلق اليهود هناك. إذاً: ليست الإعاقة دالة على عدم الإنتاج، وليست الإعاقة دالة على عدم العطاء أو البذل أو القدرة على التغيير والتأثير، ليس هذا على إطلاقه أبداً، ولا نذهب بعيداً فقبل أحمد ياسين، سماحة الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز، هو فاقد للبصر ومع ذلك يقود أمة المبصرين، ويعد عالماً بل شيخ الإسلام في عصره، ولا يستطيع أحد أن ينسب عالماً إلى درجته في علمه وحلمه وكرمه وجاهه، وبذله نفسه وشفاعته، وقضاء حوائج المسلمين ليس فقط في هذه البلاد، بل في العالم أجمع، ولم يمنع سماحته رحمه الله فقده البصر من أن يكون رجلاً عالمياً وشيخ الإسلام في حياته. إذاً: نحتاج إلى أن نغير النظرة والتصور عن المعوقين، تلك النظرة القاصرة عند كثير من الناس الذين يرون المعوق كتلة من اللحم والعظم البشري لا يمكن أن تستثمر، ولا يمكن أن يستفاد مما فيها من مواهب أو طاقات أو قدرات، بل إن كثيراً من النظريات المعاصرة في هذا المجال تقول: إن نوع الإعاقة قد يقود إلى الإبداع والاختراع، وذلك ربما يشعر الإنسان بأن لديه نقص في جانب، ومن ثم يغطي هذا النقص بقوة التحدي والعناد والإصرار والثبات والدأب والجلد لكي يبدع في جوانب شتى، وهذا أمر ملاحظ. وحسبنا أن نعلم أن الكثير من المبتكرين والمخترعين لم يكونوا ليبدعوا بكمال الأجسام وحمل الأثقال، وإنما أبدعوا بإعمال العقول، وإطالة التأمل وكثرة التفكير، وتلك عبادة يحث عليها الشرع ويثيب عليها، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:190 - 191]. فأولوا الألباب الذين أثنى عليهم الله عز وجل في كتابه لم يحدد وزن أجسامهم، ولا طول قاماتهم، ولا قدراتهم البدنية، وإنما أثنى عليهم بكثرة ذكر الله، وبكثرة تفكرهم في خلق الله عز وجل. وينبغي أن نعلم أن الإنسان لا يوجد معدوماً، ولكنه يكتشف موجوداً، الغرب لم يوجدوا قانوناً اسمه السرعة مع الكتلة يؤدي إلى طيران الحجم المتسارع في كتلة معينة على وضع معين، لا. هذه قوانين الله سنّها، هذه سنن كونية في الكون، الله عز وجل من سنته الجاذبية، ومن سنته أن هناك أشياء تطفوا على المياه، ومن سنته أن الهواء ينقل الصور والكلمات، من سنن الله في الكون أشياء كثيرة. فالغربي حينما يجلس في المختبر أو مكان التجارب التطبيقية، والمشاهدات والتحليل وغير ذلك، هو في الحقيقة لا يجلس ليبحث عن شيء معدوم ليوجده، وإنما هو يجرب تجارب عديدة حتى يكتشف شيئاً موجوداً، إذاً هو الذي سخر لكم ما في الأرض جميعاً، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك:15] وكل ما ذلله الله وسخر الله تكتشفه العقول بالتفكير، ولم تكن يوماً طول القامات أو ضخامة الأجسام هي السبيل إلى معرفة دقائق الكون. بل أن الله دعانا لنتأمل، وجعل الإعجاز في هذا التحدي بالتأمل {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ} [فصلت:53] وحتى هذا المعوق الذي ربما يظن البعض أنه قد لا يجدي شيئاً، ولا ينتج شيئاً، ربما طول تفكره في إعاقته تكون سبباً لحل مشكلة الأجيال القادمة في مواجهة الإعاقة، فهذا المعوق ربما طول تفكيره في مشكلته هو السبب والمفتاح الذي يقدم للبشرية وللأجيال القادمة البشارة بانتهاء عصر هذا النوع من الإعاقة على يد واحد من المعوقين لما طالت معاناتهم. ومعلوم أن بعض الأطباء الذين اكتشفوا بعض العقارات والأدوية لمواجهة بعض الأمراض كانوا هم أنفسهم يعانون من نفس المرض، الأمر الذي قادهم إلى التفكير في علاجه طويلاً وكثيراً. إذاً أيها الأحبة! ينبغي أن ننظر إلى المعوق أنه يمكن أن يستثمر طاقاته العقلية استثماراً متناسباً ومتوائماً ومتوافقاً مع مراحل عمره الزمنية، وأننا نستطيع أن نوجد من هذا الكائن الذي أمامنا إنساناً يفيد نفسه ومجتمعه، والحذر من أن يرى منا المعوق، أو ذلك الذي يحتاج إلى نوع من أنواع التعليم الخاص، أن يرى منا الازدراء أو الهوان، أو أنه لا يبالى به، ولا ينتفع به، ولا يقدم شيئاً أبداً، لا. فكل واحد يجعل الله فيه خيراً، مادام عنده عقل يفكر به. دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر وتحسب أنك جسم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر أيها الأحبة! أذكر ذات مرة أنني دعيت إلى معهد الأمل للصم والبكم لإلقاء محاضرة، وكان عندهم كل يوم إثنين من أول الشهر محاضرة يستضيفون فيها بعض المشايخ، ولهم عالم عجيب وغريب وممتع وجميل لمن يختلط بهم، لأنه ليس هناك إزعاج، ولا تسمع ضجيجاً، لكنهم في الحقيقة في ضجيج من الإشارات والكلمات، حتى إن الأستاذ عبد الرحمن الفهيد -ذكره الله بخير- كان هو الذي يترجم الكلمات إلى إشارات، فأحياناً أريد أن أتأكد هل هؤلاء الذين لا ينطقون ولا يسمعون يفهمون الكلام الذي يترجم بالإشارة، فأعمد إلى سرد بعض القصص المضحكة أو الطرائف الفكاهية، حتى أنظر هل هم فعلاً يفهمون هذه الكلمات حينما تترجم بالإشارة، فأجد أنهم حينما تسرد عليهم قصة مضحكة أو طرفة فكاهية يتساقطون ضحكاً فهم فهموا هذه القصة التي ترجمت لهم بالإشارة فهماً دقيقاً. ومن الغرائب الجميلة -لا بأس أن نستمتع ببعض القصص معهم- أن أحدهم دعاني ذات مرة لحضور زواجه، فمع الاحتكاك أصبحنا نتعلم منهم بعض الإشارات وبعض الكلمات، فدعوت شخصاً كان حاضراً معنا في الزواج، فقلنا له: أنت متى تتزوج؟ وإشارة الزواج عندهم هي شبك الأصابع هكذا، هذه إشارة فصيحة، وإذا أراد أن يكلمك بالإشارة العامية يحرك لسانه ويفعل هكذا، أي: زغردة. فناديته وقلت له: متى زواجك؟ فضحكوا كلهم على هذه الإشارة، قالوا: لا. هذه معناها سحب سيارة، طيب كيف إشارة الزواج؟ إشارة الزواج هكذا، لاحظ دقة الإشارة، وهي تع

وقفة مع مدرس التربية الخاصة

وقفة مع مدرس التربية الخاصة هذه وقفة مع مدرس التربية الخاصة أقول فيها: إذا علمت ذلك فتأمل وتأكد أنك كغيرك من المعلمين، لا شك أنك قدوة يتأثر بك من حولك، ويتلقى عنك، فاتق الله واجتهد أن تكون قدوة حسنة صالحة في كل أحوالك، وخاصة أمام طلابك ممن يحتاجون إلى تعليم خاص، أو هذا النوع من التعليم. لا تظن أن هذا الذي يحتاج إلى مهارات متقدمة في التعليم الخاص معناه أنه قاصر الإدراك، ومن ثم لا يتأثر بأستاذه وبمعلمه، إن البهائم تتأثر وهي البهائم بالاختلاط والمخالطة، فما بالك ببعض الطلاب الذين لديهم نوع قصور في بعض الجوانب، هل نظن أنهم لا يتأثرون؟ A لا. الحقيقة أنهم يتأثرون، ومن هنا تتضاعف المسئولية، والأمانة الملقاة على عاتق مدرس ومعلم التربية الخاصة، ليتق الله في هؤلاء. ثم ليجعل معلم التربية الخاصة أمام عينه أنه معلم يحتسب الأجر في التعليم الذي لا يتقنه كثير من المعلمين. قد يكون الطالب السوي أمام معلم مهمل في المدارس الابتدائية العادية، لكن هذا الطالب قد يعوض إهمال معلمه بتعليم خصوصي أستاذ خصوصي، دروس خصوصية، أو تعليم في البيت، أو قدرات ذاتية، أو وسائل تلقين وتعليم أخرى، لكن الطالب الذي يحتاج إلى تعليم خاص إذا أهمل معلمه فلا يوجد في البيت متخصص في التعليم الخاص، ولا يوجد في كثير من الوسائل الإعلامية وغيرها ما يعين على تعليم هذا الذي يحتاج إلى هذا النوع. ولذا تكون المسئولية على معلم التعليم الخاص في الحقيقة أكثر، لكن معلم التربية الخاصة لا يعوض جهده شيء من تعليم أسرة أو قدرة ذاتية، فالطالب الذي يحتاج إلى التعليم الخاص إذا أهمله معلمه أو لم يلتفت له، فقل: عليه السلام. ومن فاته التعليم وقت شبابه فكبر عليه أربعاً لوفاته ومن لم يذق مر التعلم ساعة تجرع ذل الجهل طول حياته هنا مسألة مهمة، وهي دور الأسرة في الرعاية والمعاملة لهذا الذي يحتاج إلى هذا النوع الخاص من التعليم. فبعض الأسر ربما أشعروا ولدهم أنه فرد عادي كسائر أفراد الأسرة، ويعطونه ما يتحمل من المسئوليات، ويخاطبونه بما يفهم من أنواع الخطاب، ويكلفونه بما يطيق من أنواع التكاليف، ومن ثم يشعرونه أنه قريب إلى الأسوياء، إن لم يكن يرى نفسه سوياً كالآخرين، فلا يجد أي عقدة تواجهه في تعامله وسلوكه وتصرفاته. ولكن في الحقيقة بعض الأسر إما بسبب الإهمال والاحتقار، أو بسبب مزيد من الدلال والخوف، أشعروا ولدهم بواحد من هذين السببين، أو بهما مجتمعين أو متفرقين ربما أشعروه أنه مصيبة نزلت عليهم، وأنه بلوى لا يجدون لها خلاصاً إلا بنقله إلى المقبرة، وأنه حالة عجز لا تقاوم ولا يستفاد منها بأي حال من الأحوال. ومن هنا فإني أقول لأولياء الأمور: أنتم مسئولون في هذا الجانب، أشعروه بما يستطيعه ويطيقه من تكاليف، ويستوعبه من خطاب أنه سوي إن لم يكن قريباً من السوي، أما أن نعامل البقية معاملة السوي، وهذا الذي عنده نوع نقص معين قلنا عنه: مجنون، ناقص عقل، ودائماً هذه العبارات التي يسمعها منا هي في الحقيقة تجهض كل بدايات تتوجه في عقله نحو الانطلاق والانفتاح والاستيعاب والفهم. وأذكر ذات مرة أني رأيت فلماً مترجماً فيه امرأة تحكي قصة تعاملها مع ابنتها التي ليست فيها إعاقة واحدة بل عدة إعاقات، لكن هذه البنية لديها قدرات ممتازة، وتفهم الخطاب، وتستجيب، ولديها تفاعل، وعندها هوايات معينة. ففي هذا اللقاء تسأل المرأة قيل لها: كيف استطعتِ أن تبلغي بهذه البنت هذا المستوى الذي ربما بعض الأطفال الأسوياء لم يبلغوه حتى الآن؟ -مقارنة بالعمر الزمني والعقلي إذا ناسبت بينهما- فتقول: كرست لها أمرين: أعطيت لها من وقتي كل يوم جزءاً، وأعطيت جميع أهل البيت الأوامر الصارمة في احترامها والتعامل معها قدر الإمكان كأنها سوية، ومن ثم استطعنا أن نرتقي بقدراتها. يا إخوان! البهائم لها تصرف معين، لكنها إذا علّمت بطريقة معينة تعلمت، لا يمكن أن تجدوا -وأجلكم الله- حماراً أو بقرة أو ناقة أو جملاً يشتغل في السقي والحمل وغير ذلك من أول وهلة، هذا لا يقارن ولا ينسب إليه، ومع أنها بهائم وعجماوات تعلم وتعسف، ثم تتقن العمل تماماً، الآن هناك جهود ودراسات لمحاولة التخاطب والتعامل والاستفادة من الدلافين في البحار، ولعلها تكون وسيلة لتوجيه بعض السفن الكبيرة لتفادي الشعب المرجانية في بعض المواقع حتى لا تغرق ولا يحصل لها مشكلات كبيرة. انظروا إلى درجة عقول الغرب، وهؤلاء كما قال الله عز وجل: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] إذا كان هؤلاء يريدون أن يتعاملوا حتى مع البهائم ليستفيدوا من أكبر قدر ممكن من طاقاتها، يوجد -مثلاً- في بعض البلاد كلاب متخصصة لقيادة العميان، تجد شخصاً كفيفاً ومعه كلب يقوده، يقف عند الإشارة ويعرف الإشارة متى تكون خضراء ويقطع به الإشارة، ومتى تكون حمراء، لكنه لا يعرف إذا صارت صفراء أنه يستعجل ويقطع به، لا. الحاصل أنهم استغلوا حتى البهائم للاستفادة من أعلى قدر ممكن من استيعابها واستجابتها لتوظيف هذه القدرات في خدمة الإنسان، فنحن من باب أولى أن نستفيد من توجيه الإنسان وتنمية طاقاته لكي يفيد نفسه أولاً، ولعل أن يستفيد المجتمع منه ثانياً. ولأجل ذلك فإني أكرر النصيحة لشريحتين، شريحة المعلمين وشريحة أولياء الأمور أن يلتفتوا إلى هؤلاء الذين يتلقون هذا النوع من التعليم والرعاية، فلا يعاملونهم معاملة النقص والازدراء، وليتقوا الله في سلوكهم وتصرفاتهم أمامهم، ولا يجمل ولا ينبغي بأستاذ أن يدخن سيجارته أمام طلابه إذا كان مبتلاً بالتدخين، فإذا بليتم فاستتروا، وأسأل الله لنا وله الهداية. أشياء أخرى كثيرة كل ما تراه نقصاً أو عيباً فتجنبه حتى وإن كان هذا ممن تراه ناقصاً في الإدراك، أو تظن أنه لا يستوعب كثيراً، وأظن أن معلمي التعليم الخاص أدرى مني بدقائق هذه الأمور. يذكر أحد الكتاب يقول: أن ملكاً من الملوك كان له وزير، وهذا الوزير عنده فراسة عجيبة جداً، فأهدي لهذا الملك صقر -طير من الطيور الجارحة التي تصيد- فتقبل الملك هذه الهدية، وسأل الوزير قائلاً له: ما رأيك في هذا الصقر؟ قال: هذا الصقر جيد، حر، لكن هذا الصقر قد تربى مع الدجاج، فعجب الملك وصمت، وأدخل هذا الصقر مع الطيور التي عنده. وبعد أيام أهدي إلى الملك حصان، فدعا وزيره وقال: ما رأيك في هذا الحصان الذي أهدي إلينا؟ قال: هذا حصان جيد وممتاز ومن سلالة أصيلة، ولكنه تربى مع أبقار. استغرب الملك، الصقر مترب مع دجاج! والحصان تربى مع أبقار! من أين يأتي بهذا؟ هذا يوحى إليه؟ أم عنده خيال؟ فبعد زمن دعي الملك إلى وليمة، فجيء بالوزير، قال: ما رأيك في هذه الوليمة؟ قال: هذه خراف لذيذة ولا تزال صغيرة، لكنها ترضع من الخنازير، فجن جنون الملك، وأمسك به وبتلابيبه، وقال: تعال، إما أن تخبرني عن قصة هذا الصقر الذي تربى مع دجاج، وهذا الحصان الذي تربى مع بقر، وهذه الخراف التي رضعت من خنازير، أو أنك ساحرٌ أو تدعي النبوة. قال: لا. أما الصقر فرأيته منذ أهدي إليك، نظرت إليه في القفص، كل الصقور التي عندك على أوتار، أما هو على الأرض ينقر في الديدان وفي الأرض كما تفعل الدجاج، وهذا يدل على أنه منذ صغره تربى مع دجاج فأخذ طباعها، فانظر كيف تتأثر البهائم ببعضها، والطيور تتأثر ببعضها وتتحول، فلو أتيت بحيوان من فصيلة ما، وجعلته مع حيوانات من فصيلة أخرى، فإنه ينسى كامل صفاته وخصائصه، ويقلد خصائص وصفات وتصرفات الحيوانات التي هي من الفصيلة الأخرى. قال: حسناً، وقصة الحصان؟ قال: أما الحصان، فنحن نعرف أن الأحصنة تتنظف بأسنانها، أما هذا فيلحس بلسانه يميناً وشمالاً، وليست من عادة الأحصنة أنها تفعل هكذا بالجدران والأجسام وغير ذلك. قال: وأما الخراف؟ قال: أما الخراف فرأيت اللحم طبقة من شحم وطبقة من لحم، وطبقة من شحم وطبقة من لحم، وهذا لا يكون إلا في الخنازير، فأيقنت أنها قد رضعت منها، فاكتسبت صفاتها. الشاهد من القصة: إذا كانت البهائم تتأثر بعضها ببعض، فمن باب أولى ألا نظن أن من يحتاج إلى التعليم الخاص، مسكين أبله معتوه لا يفهم ولا يتأثر، لا. يتأثر في تصرفات وحركات دقيقة من أستاذه ومعلمه، ومن أسرته وبيته ووالديه، هم لا يظنون أنه يتأثر بهم، من هنا فلا بد أن نتفانى في رفع مستوى الأداء للنهوض بالعملية التربوية، بتكاتف جهودنا وتعاوننا، والاهتمام بوقت هؤلاء الذين جعلهم الله عز وجل أمانة في أعناقنا، ولأن الوقت الذي نقضيه في هذا المعهد هو في الحقيقة ملك لهؤلاء، فلا يجوز أن نسلبهم من أوقاتهم شيئاً، وأن يتواصى بعضنا بعضاً، يتواصى المدرسون بعضهم مع بعض، ويتواصى الأولياء والمدرسون جميعاً على العناية بأولادهم. وأكرر ادفعوهم دائماً بالحب والاحترام والتشجيع، وإياكم والتحقير والاستهزاء ونظرة الازدراء، فإنها تقتل المواهب وتجهض الطاقات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم قضاء الفائت من الصلاة

حكم قضاء الفائت من الصلاة Q لو أن شخصاً تاب ثم صلى مع كل صلاه صلاة إضافية فهل تسقط عنه صلاته التي تركها أيام لهوه؟ A إن كان أيام سفهه أو عبثه ترك الصلاة جملة، أي: توقف عن الصلاة سراً وعلناً ظاهراً وباطناً، لا يصلي لا في البيت ولا في المسجد ولا مع الجماعة، ترك الصلاة زمناً فهذا في الحقيقة حكمه حكم الكافر، ويعتبر عودته إلى الصلاة كمن دخل في الإسلام من جديد، فلا يلزمه قضاء ما مضى، وإنما عليه التوبة والإكثار من الحسنات والنوافل التي تمحو السيئات، وأما إن كان يصلي فترة ويقطع فترة، فمثل هذا مثل من تهاون ولزمه أن يقضي ما فاته، فعليه أن يقدر، أي: لو قيل له: أنت كم تركت الصلاة؟ ثلاثة أشهر، يقول: لا. كم تقريباً شهر؟ يقول: والله شهر كنت أضيع بعض الصلوات، يوم أصلي ويوم أجمع ويوم لا أصلي، فنقول له: اجتهد في التقدير، وصل ما استطعت مما تذكره؛ لأن هذا يعتبر قضاء، والقضاء على خلاف بين أهل العلم، هل هو مضيق أو موسع، وبعضهم يذهب إلى أنه موسع، فنقول: صل ما استطعت قضاءً مع كل صلاة صلاتين، أو في أوقات نشاطك أو قدرتك، ومع توبة وإنابة واستغفار عما فعلت فيما مضى. أما من ترك الصلاة بالكلية، فنقول له: ما مضى كان في عهد كفر؛ لأن (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).

حكم زواج المتخلف عقليا

حكم زواج المتخلف عقلياً Q ما رأي فضيلتكم في زواج المتخلف عقلياً، هل هناك شروط لهذا الزواج؟ A إذا كان متخلف تماماً، وليس عنده أي وعي، وفي حكم المجنون، ففي الحقيقة من الأولى عدم تزويجه، أما إذا كان يعقل فترة ويغيب عقله فترات، فلا بأس أن يزوج هذا ويكون العقد في حال عقله وإدراكه، لأن العقد يحتاج إلى إيجاب وقبول، وإن كان نص أهل العلم على أن الصغير يزوج، ووليه يتولى العقد نيابة عنه، لكن نقول: لمثل هذا لعله أن يكون من نسله وذريته من يعتني به ويحافظ عليه، ويكون -أيضاً- في رجاء عقله ما يحمله المسئولية، أما من كان في منتهى وغاية التخلف العقلي فلا يغش به أحد، ولا يغر به أحد.

ضوابط ضرب الطفل المعاق

ضوابط ضرب الطفل المعاق Q فضيلة الشيخ سلمه الله! هل يجوز ضرب الطفل المعاق إذا أخطأ؟ وجزاكم الله خيراً. A الضرب لا بأس به ولكن بضوابط، أن يكون غير مبرح، وألا يكون في الوجه، وألا يكون مضراً، وألا يكون عادة -أيضاً- وإلا فإن الله عز وجل قد ذكره وذكره النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى في شأن النساء: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] فدل على أن الضرب وسيلة تربوية، حتى للنساء اللائى تزوجن، ولكن ضرب غير مبرح، ضرب يدل على عدم الرضا بالفعل، أو على الغضب من التصرف، ولا يكون ضرباً من باب منازلات المصارعين على حلبات المصارعة. بعض الناس إذا أراد أن يضرب ولده -نسأل الله السلامة والعافية- كأنما هو جلاد في زنزانة يضرب مجرماً ليجبره على الاعتراف، وهذا لا يجوز أبداً، والنبي صلى الله عليه وسلم قد مقت ذلك وأنكره، قال: (يعمد أحدكم إلى امرأته فيضربها ضرب البعير ولعله يراجعها آخر النهار) هذا لا يليق، كذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) فالمتخلف عقلياً إذا كان لا يعقل بالتوجيه فكيف يعقل بالضرب، لكن يجتهد الإنسان في العناية به مع الرحمة، و (الراحمون يرحمهم الرحمان). أنا أظن لو أن إنساناً رأى قطة كسيرة في الشارع، واستطاع أن يعالجها، ما تردد أن يأخذها ليعالجها، ولو رأى بهيمة قد أصيبت بكسر أو شيء من ذلك واستطاع أن يقدم شيئاً لفعل. فمن باب أولى هذا الطفل الذي يحتاج إلى نوع معين من التربية والمعاملة، والحذر الحذر من الضرب، ومثل هؤلاء لا يضربون ولا ينبغي ضربهم ولا يجوز، وإن كنت أذكر زرت دولة من الدول، وزرت المتخلفين والمعوقين عقلياً بدرجة معينة، فوجدت عجباً من أنواع المعاملة السيئة والأذية والضرب الذي لا يطيقه الأسوياء، فمثل هؤلاء إذا كانوا لا يعقلون فما الفائدة من الضرب؟ لا بد من أساليب معينة ترغبهم وترهبهم من غير ضرب موجع وشيء مضر.

العقل مناط التكليف

العقل مناط التكليف Q هنا سؤالان قد تكون إجابتهما واحدة: السؤال الأول: ابني لديه إعاقة فكرية متوسطة يطلب مني دائماً اصطحابه لصلاة الجماعة في المسجد، ويصحو عند صلاة الفجر، فهل الصلاة واجبة عليه؟ وهل لي ثواب على دوام اصطحابه للصلاة في الجماعة؟ السؤال الثاني: هل الشخص المتخلف عقلياً شخص محاسب عند الله، وهل المعلم محاسب في تقصيره وعدم جديته في تعليم هذه الفئة أمور الدين؟ A الذي يعقل فإننا مأمورون أن نكلفه بأوامر الشرع بقدر ما يعقل، من صيام وصلاة وعبادة وكل ما يتعلق بها، ونتبسط معه تماماً، ولله الحمد والمنّة أن هذا الدين هو دين الفطرة، وأن معرفة أساسيات الدين يعرفها الصغير والكبير والعامي والمتعلم والعجوز الهرم والشاب الفتي والمرأة العجوز والفتاة الشابة، فبقدر ما يعقل يلزمنا أن نعلم وأن نأمر وننهى. أما المتخلف فإن الله عز وجل لا يعذبه لقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يعقل، والنائم حتى يستيقظ، والصغير حتى يبلغ) فهذه مسألة مهمة جداً، الذي لا يعقل لا يكلفه الله عز وجل، مناط التكليف هو العقل، أما من يعقل فبقدر ما يعقل ينبغي أن نأمره ويتعود على ذلك، مثل الصلاة يمكن أن يتعود عليها ويمكن أن يألفها، وينبغي لك أن تصحبه معك إلى المسجد مادمت تأمن محافظته على طهارته، وتأمن تلويثه للمسجد، وتأمن عدوانه وأنه لا يعتدي على أحداً ولا يؤذي أحد، بل هو في حالة متوسطة كما ذكرت، فمثل هذا يجب عليك أن تصحبه معك إلى المسجد، ولك أجر في اصطحابه، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] ولك في هذا أجر بإذن الله.

لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

لا يكلف الله نفساً إلا وسعها Q فضيلة الشيخ! لي ابن في هذا المعهد له أكثر من ثلاث سنوات في مرحلة التهيئة لم ينجح، وكلما ناقشت معه المدرسين قالوا: قصور من البيت وليس من المعهد، هل يلحقني من الإثم مع الجهد الذي بذلته مع أنني لست متخصص في ذلك؟ A لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ما دام المدرسون بذلوا جهدهم وأنت تبذل جهدك، الباقي على الله سبحانه وتعالى، ولله حكمة. الله عز وجل عليم حكيم يا أحباب، هذه المسائل ليست بالأماني ولا بالأهواء ولا بالترجي، لا شك أن كل واحد يتمنى أن ولده أجمل وأذكى وأحسن وأقوى الأولاد، لكنه ابتلاء وامتحان ولله في ذلك حِكَم، فالإنسان يرضى بما قدر الله، لا شك أن الإنسان لا يتمنى البلاء، لكن إذا ابتلي بشيء من ذلك، فليصبر وليحتسب، وليتقرب إلى الله عز وجل بصبره على هذه البلوى. جاء في الحديث (وهل تنصرون وترحمون وترزقون إلا بضعفائكم) بعض البيوت كان فيها من المتخلفين من لما كان موجوداً بينهم كانت الأرزاق تتدفق عليهم، والخيرات والأنس والشيء الكثير من الرضا، مع وجود هذا المتخلف عندهم، ولما كتب الله لهذا المتخلف أن يموت وفارقهم زال عنهم كثير مما كانوا يأنسونه ويطمئنون به، فلا تعلم أنت ما هي القضية، ولا يقول أحد: والله لا يرزقنا الله إلا بمتخلف، لا. لكن لله حكم وأسرار، وهنا يظهر سر الإيمان: وهو الرضا بقضاء الله وقدره، والتسليم بما لا نعلمه مما يختص الله بعمله، وهو الحكمة في الخلق والتدبير {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].

الحث على الاهتمام بالمعاق من حيث النظافة

الحث على الاهتمام بالمعاق من حيث النظافة Q فضيلة الشيخ: نحن معلمي المعهد نعاني من ضعف اهتمام أولياء الأمور بأبنائهم من حيث النظافة سواء في الملبس أو في الجسم، فهل لك أن تسدي لأولياء الأمور نصيحة حول ذلك؟ A هذه مسئولية تقع بالدرجة الأولى على أولياء الأمور في العناية بهؤلاء الصغار، وبهذا النوع من الطلاب، فعلى الأب والأم والأولياء في المنازل أن يهتموا بذلك، ولا يكون الغرب أكثر اهتماماً بالكلاب منا بأولادنا، إنك لتعجب يوم أن تدخل المحلات التجارية فتجد أجنحة خاصة فيها ملابس للكلاب، رقاب للكلاب، وطوق عنق للكلاب، وسلاسل مخصصة للكلاب، وحبل تمرين للكلب، وأشياء مثل البيجر اللاسلكي تجعل الكلب إذا أبعد بعيداً يعطى إشارة ويرجع، أصناف ومنتجات متخصصة لهؤلاء، فضلاً عن أدوات تنظيف الكلاب، ووجبات معينة للكلاب، وأشياء كثيرة. إذا كان هؤلاء يهتمون بالبهائم، والله عز وجل قد أكرم هذا الخلق {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70] ونفخ فيه من روحه، فينبغي أن نهتم به ونعتني به وألا نتهاون، وإذا شئت أن يهتم المدرسون بولدك، فعليك أن تعتني بنظافته، تخيل أن المدرس أمامه طالبان، هذا الأول قد اعتني به في رائحة جسمه، وفي تعطيره وتطيبه وملبسه ونظافته، والآخر لا تسل عن رائحته، رائحة ليست زكية، ولا تسل عن وسخ ثيابه، ولا تسل عن قروح بدنه، تأكد أن المدرس يقبل على هذا الطالب النظيف، وعلى هذا الطالب المعطر أكثر من هذا الطالب الآخر. وإن كان المدرس عليه تقوى الله عز وجل، ولا يكون ظلم أهل هذا المعوق سبباً في أن يظلمه هو الآخر في عدم العناية به، لكن -أيضاً- ينبغي أن يعلم الآباء أن عنايتهم بأبنائهم سبب يعين المدرسين على مزيد من العناية والاهتمام وهذا لا يخفى.

شارب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوما

شارب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوماً Q هل صحيح أن شارب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوماً؟ A ورد في ذلك الحديث من العقوبة، لكن هل يعني ذلك أنه لا يصلي أو يسقط عنه فرض الصلاة؟ لا. هو يعاقب بعدم القبول مع وجوب العمل، كالذي يصلي في بيته آثم بترك الجماعة مع وجوب الصلاة عليه.

الفرق الضالة في صفات الله

الفرق الضالة في صفات الله Q ما هي الفرق الضالة في صفات الله، وما هي الفرق الضالة في بعض صفات الله؟ A الذين ضلوا في باب الصفات فرق كثيرة، والضلال في جانب التوحيد ضلالٌ ندر من ضل فيه وهو الضلال في باب الربوبية، لا يعرف من ضل إلا من باب الجحود والعناد والمكابرة، كفرعون والدهرية الذين قالوا: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24]. والذين ضلوا في باب الألوهية طوائف كثيرة عاندت، وكفار قريش وأهل الجاهلية والذين يرون أن صرف العبادة لله وحده يسحب منهم كل ما يتمولون به بدعوى السيادة وخدمة سدانة الأضرحة وغير ذلك، ولذلك نازعوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]. وهناك طوائف وهما قسمان: قسم لا يخرج عن الملة، لكنه ضل في هذا ضلالاً بعيداً، وقسم يخرج عن الملة، فالطوائف في هذا كثيرة، وأخبثهم وأشدهم الجهمية، الذين قالوا: بنفي الصفات، والمعطلة بتعطيل الصفات، والذي أنصح به من يعتني بهذه المسائل، أولاً: أن يعتني بمنهج أهل السنة، حتى يعرف الحق، ثم بعد ذلك لا يضره ما هو اسم هذه الفرقة الضالة، المهم أن يعرف أن كل من خالف الحق فهو على الباطل أياً كان اسمه، مسمى جديد أو قديم. ومن الخطأ أن الإنسان الذي يهتم بدراسة الصفات أن يشغل وقته بدراسة الفرق الضالة في الصفات -مثلاً- وهو لا يعرف الحق من منهج أهل السنة والجماعة في باب الصفات، وخلاصته كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية، ولخصه الشيخ ابن عثيمين حفظه الله بقوله: إثبات ما أثبته الله لنفسه، وإثبات ما أثبته النبي صلى الله عليه وسلم لربه، والثاني: نفي ما نفى الله عن نفسه، ونفي ما نفاه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، والثالث: ما لم يرد فيه نفي ولا إثبات، وهذا هو الذي كثر فيه الكلام والقيل والقال، فـ أهل السنة يتوقفون في لفظه ويفصلون في معناه، فإن كان المعنى يتضمن كمالاً يليق بالله يثبتونه، وإن كان المعنى يتضمن نقصاً ينزه الله عنه ينفونه. وأوصي لمن أراد أن يقرأ قراءة سريعة ويحصن نفسه ويستفيد، هناك رسالة جميلة للشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين بعنوان: القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، رسالة جميلة وجليلة ونافعة القدر وقيمة وصغيرة -أيضاً- من اعتنى بها أدرك الطريقة السليمة في باب الصفات، فإذا عرفت الحق عرفت أن ما سواه الباطل، وهذه خذها قاعدة في كل أمور حياتك، الآن المصباح الكهربائي الذي في السقف، لو قلت للطلاب: إن وضع المصباح تحت الكراسي خطأ، صحيح أنه خطأ، وكذلك وضعها على الطاولة، وفي المطبخ، وفي الزبالة، ووضعها على السبورة خطأ، كما تتصورون من حالات وصور الخطأ التي يمكن أن نعرضها في موضع هذا المصباح، لا نهاية من الأشكال والمواضع الخاطئة. لكن حينما أبدأ وأقول: إن الموضع الصحيح لهذا المصباح وهذه النجفة بين قطبي الإضاءة، فيعرف من الوهلة الأولى أن هذا هو المكان الصواب، وأن ما سواه هو الخطأ، وبهذا تستريح من كثير من الصور، حتى لو لم تبين له أن هذا خطأ أو أن هذا باطل، يكفي أنه عرف الحق، ويعرف أن ما سواه الباطل. وهناك الأشاعرة وهم فريقان: فريق يؤول كل الصفات، وفريق يؤول في سبع صفات فقط، والكلام يطول وليس هذا مقام تفصيل.

حكم استخدام آلات موسيقية للبكم في بداية تعليمهم

حكم استخدام آلات موسيقية للبكم في بداية تعليمهم Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أنا معلم في مجال الإعاقة السمعية، وأقوم أحياناً بتعليم أطفال صغار تتراوح أعمارهم ما بين خمس إلى ست سنوات، عند بداية التحاقهم في معهد الأمل صرفت لهم سماعات، كانوا يرتدوها لأول مرة، فسببت لهم نوعاً من الانزعاج، لأنهم سمعوا الأصوات لأول مرة فكسرت عليهم الصمت الذي كانوا يعيشون به، وخوفاً من ألا يتقبلوا هذه السماعات أحضرت لهم آلة تصدر أصواتاً متدرجة أشبه بالبيانو، وهي تعتمد على النقر بالعصا، فتصدر أصواتاً موسيقية يسمعها الطفل الأصم، فيتعرف أن هناك أصواتاً مختلفة ومتدرجة من حيث الشدة والحدة، ويقوم الأطفال بالتقسيم واللعب على هذه الآلة، مما يجعلهم يتعرفون على الصوت وطبقاته بشكل أوضح، ثم أوقف هذه الطريقة حيثما يتعود الأطفال على لبس السماعة، فما الحكم الشرعي في ذلك؟ A إذا كان هذا الطفل سوف يستجيب لأصوات ومقامات البيانو هذا الذي تذكر، فاستجابته لأصوات بني آدم وهو أحوج ما يكون إلى تلقيها واستماعها والتعامل معها لا شك أن هذا أولى، ولا أظن أن هناك مصلحة أو فائدة إلا إذا كانت الحالة تقتضي، أي هو لا يمكن ولا يستفيد طبياً وعلمياً من هذه السماعات، وإنما يحتاج إلى أجهزة لها رنين مغناطيسي أو شيء معين، فتستخدم شيئاً بديلاً عن هذه المادة، حتى لا ينشأ على هذا العزف، وعلى هذا الأسلوب، وهناك الكثير من الأصوات البديلة. الآن جهاز الجوال فيه سبعة وثلاثين نغمة، فيها نغمات موسيقية ونغمات جرسية عادية ليست بموسيقى، فلماذا تختار هذا الجانب وتدع هذا الجانب؟ والمؤدى واحد والوسيلة مختلفة، مادام عندك خيارات في الوسائل اختر ما هو أجدى وأبعد عن الشبهة.

حكم مس المصحف وقراءته بغير وضوء

حكم مس المصحف وقراءته بغير وضوء Q هل يجوز مس المصحف باليد بدون وضوء؟ A هذه مسألة خلافية والأحوط ألا يمس القرآن إلا متطهر طاهر، لحديث عمرو بن حزم فيما كتب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم: (وألا يمس المصحف إلا طاهر) اختلف في ذلك هل المقصود طاهر من الشرك، أم طاهر بمعنى رفع الحدث وتحقيق الوضوء، والأحوط هو ألا يمس القرآن إلا طاهر، ولا يثرب ولا يشدد في ذلك، أما القراءة فالذي أحدث حدثاً أصغر فله أن يقرأ، وأما المحدث حدثاً أكبر أو الجنابة، فلا يجوز أن يقرأ من القرآن شيئاً حتى ولا آية ولا نصف آية، إلا ما كان ضمن كلامه، كقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون وهو لا يقصد الآية، أو بسم الله الرحمن الرحيم وهو لا يقصد الآية، أو حسبنا الله ونعم الوكيل وهو لا يقصد الآية. أي: ما تلفظ به من جنس لفظ القرآن على غير قصد التلاوة فذلك جائز، أما أن يعمد ويقصد إلى التلاوة وهو جنب فلا، أما الحائض يجوز لها أن تقرأ القرآن، ويجوز لها أن تجعل المصحف في ملحفة أو أن تلبس قفازاً أو شيئاً يحول بينها وبينه وأن تمسه فلا حرج في ذلك. وقال العلماء: الفرق بين الحائض والجنب: أن الجنب يملك رفع حدثه ويملك إيقاعه -أي: الرجل يختار أن يكون جنباً، ويملك أن يرفع الجنابة بالغسل- لكن المرأة لا تملك إيقاع الحيض ولا تملك رفعه، ومن ثم جاز للمرأة أن تقرأ وإن كانت في حيض حتى لا تنسى القرآن وتهجره، ولأن حدثها ليس بيدها، بخلاف الجنب فإنه يستطيع أن يوقع الحدث ويستطيع أن يرفعه.

وكل شيء عنده بمقدار

وكل شيء عنده بمقدار لو كانت الشعارات تَرد بلداً مغتصباً لكان العرب هم أول من يسترد فلسطين، مع أن الواقع يقول: إن ما يرفعونه من شعارات باسم الإسلام إنما يحمل في طياته أشرس العداوة على الإسلام وأهله، فهذه عبر من الأحداث، وتسلية للمؤمنين من المصائب والأكدار.

العز في كنف العزيز

العز في كنف العزيز الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده سبحانه هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شيء قدير، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، وسع علمه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته فالأمر والخلق له وحده، والتصرف في هذا الكون بيده، ولو أجمعت قوى الأرض وكان بعضهم لبعض ظهيراً على أن يقدموا شيئاً أخره الله، أو أن يؤخروا شيئاً قدمه الله، أو أن يعطوا بشراً منعه الله، أو أن يمنعوا بشراً أعطاه الله، لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وربنا واحد في ألوهيته، فكل أنواع العبادة له وحده، وواحد في أسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. معاشر المؤمنين: اسمعوا قول ربكم جل وعلا وهو يقول في محكم كتابه: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:35] ويقول جل وعلا: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8] ويقول تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} [فاطر:10] قال ابن كثير: من أراد العزة فليلزم طاعة الله. أيها الأحبة في الله: عزة كل مسلم في هذا الزمان بيقينه أن الحوادث بالمقادير، وأنه لا قليل ولا كثير إلا بأمرٍ وقدرٍ من الله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] وكل قدرٍ أياً كان فإنه لا يخلو من ثلاثة أمور كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: والمقادير دائرة على حكمة الله، وعلى تمام عدله، وعلى تمام رحمته.

رب مصيبة كفرت خطيئة

رب مصيبة كفرت خطيئة عباد الله! اشكروا الله تعالى في كل حال، وهو سبحانه الذي يحمد في السراء والضراء، والله إن من تأمل المقادير علم أنها دائرةٌ على تمام العدل والحكمة والرحمة، إننا نجزع يوم أن يموت قريبٌ لنا في حادث أو نحوه، ولقد نسينا أو جهلنا أن لله حكمة في موت قريبنا هذا، إن الله قد حدد ساعة موته، وله ساعة أجل لا يتقدمها ولا يتأخرها، وعلم الله أن على هذا المسلم ذنوباً تحتاج إلى مزيد ابتلاء لتكفر قاطبة، فكتب الله أن يكون موته بدلاً من أن يكون على فراشه ليكون في هذا الحادث. فتعظم مصيبته، ويكون عظم المصيبة عظيماً في محو الذنوب والسيئات، فتمحى ذنوبه كلها، ويقدم على ربه طاهراً مطهراً، ولو لم يصب، ولو لم يمت بهذا الحادث لمات في تلك اللحظة على فراشه لم يتقدمها ولم يتأخرها. فمن هنا نعلم أن القدر وإن كان على النفوس مراً، إلا أن فيه تمام الرحمة، وفي نفس الوقت قد يكون هذا القدر تأديباً لآخرين من الذين عصوا، أو الذين تجاهلوا أمر الله جل وعلا، فاجتمعت رحمة الله في هذا المتوفى، واجتمع عدله، واجتمعت حكمته في أبسط الأمثلة والمقادير، فما بالكم بأعظم الأمور خطراً، إنها لا تخلو من حكم عظيمة، ومن رحمة عظيمة، ومن عدل تام، وهو سبحانه وتعالى لا يخلق شيئاً عبثاً، ولا يترك شيئاً سدى، فسبحانه في كل فعله وتدبيره! معاشر المؤمنين: إن ما حل بنا لهو قدر من أقدار الله، لن يخلو من هذه الثلاثة كلها، لن يخلو من رحمة الله، ولن يخلو من حكمة الله، ولن يخلو من عدل الله، واعلموا أن هذا القدر، وأن هذا المصاب الجلل، وإن كان على النفوس مراً لكنه والله يا عباد لله طريق تمكين لأمتنا، وطريق عودة لعزتنا، وطريق رفعة لسؤددنا، ومن سنن الله ألا يتمكن أحد إلا بالبلاء: من لم يقد فيطير في خيشومه رهج الخميس فلن يقود خميسا إن الأمم لا تعلو إلا بعد أن تمر بأصعب التجارب، وما يدريكم أن الله جل وعلا اختار لأمتنا هذا القدر بما فيه من العدل والحكمة والرحمة، لكي تنبعث من هذه الأمة قيادة الدنيا وتوجيه الكون أجمع، وليس ذلك على الله بعزيز، ولا تستبعدوا شيئاً مادام المسلم متمسكاً بسنن الله جل وعلا وأمره ونهيه، إذا علمنا أن البلاء طريق التمكين، حينئذٍ لا يزيدنا البلاء في ديننا إلا صلابة، ولا تزيدنا الفتنة إلا ثباتاً، ولا يزيدنا ما يريد بنا الأعداء إلا تجمع شملٍ ووحدة صف، نسأل الله جل وعلا أن يجعل عواقب هذه الأمور لنا ولأمتنا خيراً في الدنيا والآخرة.

لا يمكن العبد حتى يبتلى

لا يمكَّن العبد حتى يبتلى معاشر المؤمنين: إن نبيكم لم يمكن إلا بعد أن وضع سلا الجزور على ظهره، وإن نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو خير من ركب المطية، لم يمكن إلا بعد أن جعل الشوك في طريقه، إن نبيكم لم يمكن إلا بعد أن طرد وأخرج من مكة، وإن نبيكم لم يمكن إلا بعدما ذهب إلى الطائف إلى بني عبد ياليل بن كلال، فصفوا له الصبيان سماطين كما يقول ابن كثير في السيرة: جعلوا الصبيان له صفين، وأخذوا يرمونه بالحجارة ويدمون عقبه، وماذا بعد ذلك؟ عاد صلى الله عليه وسلم حتى آواه السير إلى قرن الثعالب وهو يدعو ربه (اللهم أنت ربي ورب المستضعفين، إلى من تكلني؟ إلى عدوٍ يتجهمني، أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي) فلنقل هذا الدعاء جميعاً، ولنعلم أن هذا البلاء هو طريقة عودةٍ إلى بلادنا بعزةٍ وتحكيم شريعةٍ ونصرة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وهذا هو مقتضى النصيحة يا عباد الله. إن كنا أخرجنا من الكويت فقد أخرج صلى الله عليه وسلم من مكة، وقال صلى الله عليه وسلم لما خرج مهاجراً والتفت إليها: (اللهم إنك أحب البقاع إلى قلبي، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت) فلكم في رسول الله عبرة، ولن نكون أفضل حظاً وأحسن حالاً من المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أخرج من مكة، لكن الله جل وعلا جعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية. فآواه الله وأيده ونصره بطائفة من المؤمنين في المدينة، فقامت دولته في المدينة، التي يسميها السياسيون في هذا الزمان حكومات المنفى، إنها حكومة الحق والعدل والصدق والتمكين، فعاد إلى مكة فاتحاً، وقد ناله ما ناله قبل أن يفتح مكة. جاء صلى الله عليه وسلم معتمراً، فردته قريش وحبسته دون البيت، وسلت السيف مانعة له وصحبه أن يدخلوا مكة فجاءوا إلى صلح الحديبية، فلما وقف النبي مع سهيل بن عمرو مفاوض أهل مكة وكان خطيباً فصيحاً، وكان ذلقاً ملسوناً، فقال صلى الله عليه وسلم: (اكتب يا علي بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم، لا نعرف إلا رحمن اليمامة، فقال صلى الله عليه وسلم: (اكتب بسمك اللهم، ثم قال: هذا كتاب من محمد رسول الله) فقال سهيل: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك، قال: (إذاً أكتب من محمد بن عبد الله). اسمعوا وتأملوا ما حل لنبيكم، فلكم فيه أعظم الأثر والعبر، فكتب من محمد بن عبد الله هذا كتاب إلى قريش أن من خرج من مكة إلى المدينة فإن محمداً يرده، ومن خرج من المدينة إلى مكة فإن محمداً لا يسترده، فغضب عمر بن الخطاب وسل سيفه، وقال: (يا رسول الله! ألسنا بالمؤمنين؟ قال: بلى، قال: أليسوا بالكافرين؟ قال: بلى، قال: فلم نعطي الدنية في ديننا؟ أفلا تدعني أخلع ثنية هذا الكافر الذي يفاوض، فقال صلى الله عليه وسلم: يا عمر! لعل الله أن يريك من هذا يوماً يعز الله به الإسلام والمسلمين). وكان أبو بكر يقبض ويمسك بتلابيب عمر، ويقول: أليس هذا رسول الله؟ الزم غرزه، فإن الله لن يضيعه. وكانت عاقبة حميدة لما وقعت هذه الاتفاقية وعاد المؤمنون وحلوا ولم يعتمروا، عادوا إلى بلدهم، فخرج أبو بصير رضي الله عنه هارباً إلى المدينة، فلحقت به قريش وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا محمد! العهد والميثاق بيننا وبينك، رد إلينا من خرج من صبياننا إليك، فجاء النبي والتفت إليه، وقال: (يا أبا بصير! عد مع القوم فإنا أعطيناهم العهد والميثاق، فقال أبو بصير: يا نبي الله أتدعهم يفتنوني في ديني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جاعل لك مخرجاً). فعلم ذلك الصحابي بهذه الكلمة التي مُلئت فرجاً وسعة أن الله لن يضيعه، فخرج مع المشركين، وبينما هم في الطريق إذا قال أحدهم وقد سل سيفه يتأمله، قال: والله ليشرب هذا السيف من رقاب محمد وصحبه، فقال أبو بصير: إن سيفك هذا جيد، فأرني إياه، فصدَّق ذلك وأعطاه السيف، فالتفت به أبو بصير فضرب به عنق الأول وهرب الثاني، وجعل الله لـ أبي بصير مخرجاً. ثم لزم الساحل، ووقف في طريق عير قريش، فما مرت قافلة إلا ونال منها حظاً وخيراً وفيراً، حتى أرسلت قريش مندوباً ومبعوثاً يقول: يا محمد! علك أن تلغي العهد والميثاق بيننا وبينك. الله أكبر يا عباد الله! يقول الله جل وعلا: {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ} [التوبة:48] إن كل تقليب وتدويل وعبث ولف وغيره بقضايا المسلمين سواءً في أفغانستان أو في الكويت أو في فلسطين، يقول الله جل وعلا: {وَقَلَّبُوا لَكَ} [التوبة:48] لك أنت، إذاً فتقليب الأمور عائدٌ لنا معاشر المؤمنين: {وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورُ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ} [التوبة:48] وإنا لنرجو الله أن يجعل ظهور الحق قريباً.

قد تصاب ولكن لا تفقد العزة

قد تصاب ولكن لا تفقد العزة عباد الله! أسوق هذه المسألة لأقول: إن المسلم إن أُخرج من بيته، وإن طرد من داره، وإن استبيح ماله، وإن حصل له ما حصل، فإنه لا يزال عزيزاً، العزة لا تفارقنا أينما كنا، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، إن الذي يقول: إن من أُخرج من بيته فقد العزة، فهو يقول عن نبيه: إن نبيه فقد العزة، وهذا لم يقل به أحد، إن نبينا يوم أن كان في مكة ويوم أن طرد منها وذهب إلى المدينة، ويوم أن أقصي وأدميت عقبه طرداً بالحجارة من الطائف كان عزيزاً. نعم، قد يفقد النصير يوماً، قد يفقد المأوى يوماً، وقد يفقد الطعام والشراب واللباس يوماً، لكنه صلى الله عليه وسلم ما فقد عزته، وأقول لنفسي ولكم معاشر الأحبة: إن أزمة المسلمين في هذا الزمان ليست أزمة السكن أو المطعم والمشرب والملبس، إنما هي أزمة عزة. الأزمة التي فقدت: العزة، العزة التي ذهبت أدراج الرياح، بغزوٍ وتغريبٍ وحملةٍ صليبية عبر مختلف الوسائل التي سلطها الأعداء على أبناء المسلمين، قد يفقد المسلم بيتاً، وقد يفقد داراً وأهلاً ووطناً، لكن لا يفقد عزةً لا حياة له بدونها، فإن خرجنا من الكويت، فإنا نقول: خرجنا إلى المجد شم الأنوف كما تخرج الأسد من غابها نمر على شفرات السيوف ونأتي المنية من بابها ونعلم أن القضا واقعٌ وأن المنايا بأسبابها ستعلم أمتنا أننا ركبنا الخطوب حناناً بها فإن نلق حتفاً فيا حبذا المنايا تجيء لخطابها والله خرجنا أعزاء، وسنعود إليها قريباً أعزاء، بمن الله وفضله وكرمه، فليكن خروجنا إعادة للبناء، وتمحيصاً للصفوف، وترتيباً للجهود، ووحدة لكل ما نبذله لصالح الإسلام والمسلمين، ولأمتنا أعزها الله وأعاد شملها وجمعها.

ما عز من عوى ولكن من خاض الوغى

ما عز من عوى ولكن من خاض الوغى معاشر المؤمنين: ليست العزة بالصياح والعويل، والشعارات الإعلامية الجوفاء الرنانة، إنما العزة بعقيدة صادقة، إنما العزة بيقين وثقة بوعد الله ونصره وتمكينه، إننا فقدنا فلسطين من سنوات طويلة، وطالما سمعت أذني شعارات وأناشيد وطنية فوق التل وتحت التل، وعن يمين وشمال، سنفعل وسنفعل، وكل هذه الشعارات ما ردت لنا فلسطين، بل وما ردت من فلسطين شبراً واحداً. لو كانت الشعارات ترد بلداً لكان العرب هم أول من يستردوا حقوقهم؛ لأنهم كما يقول القائل: إذا خسرنا الحرب لا غرابه لأننا ندخلها بكل ما يملكه الشرقي من مواهب الخطابه بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه معاشر المؤمنين: هذا المقال يصدق على الأمة في حرب (67م) ونكبات الأمة التي أودعت الهزيمة والضعف والاستسلام، كنا من قبل نطالب بـ فلسطين كلها، ثم أصبحنا نطالب بقرار هيئة الأمم [242] والعودة إلى حدود عام كذا، ثم بعد ذلك أصبحنا نساوم ونهادن ونبيع ونشتري، وحتى الآن لم نجد شبراً فلسطينياً عليه سيادة لأمة مسلمة فلسطينية. لماذا؟ لأننا أردنا العزة بالشعارات، فأبى الله أن تكون إلا بما سنَّ في كتابه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} [فاطر:10] العزة في طاعة الله، والعز في تحكيم شريعة الله، العزة أن يقتل القاتل ضربةً مريحةً بالسيف، العزة أن تقطع يد السارق، العزة أن يجلد شارب الخمر، العزة أن يجلد الزاني البكر، العزة أن يرجم الزاني المحصن، العزة أن نجد الإسلام مهيمناً في جميع مجالات حياتنا، وإياكم الخداع مع أنفسكم، إن أغبى القوم من يخادع نفسه وهو يرى الحق في طريق ويحاول أن يلتمس نصراً أو فرجاً من طريق آخر. مادام الأمر كذلك، وأن العزة ليست بالصيحات ولا بالشعارات، فقد نرى عزيزاً صامتا لا ينطق بكلمة واحدة، ولكن قلبه يتكلم: قل لمن عاب صمته خلق الحزم أبكما وأخو الحزم لم تزل يده تسبق الفما لا تلوموه قد رأى منهج الحق أظلما وبلاداً أحبها ركنها قد تهدما وخصوماً ببغيهم ضجت الأرض والسما فإذا وجدت العزة، وجد الاستعلاء على ركام الدنيا وطواغيت الأرض. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب وتوبوا إليه فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

نحن قوم أعزنا الله بالإسلام

نحن قوم أعزنا الله بالإسلام الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، التقوى: أن تراقبوا الله في السر والعلانية، وأن تجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، اتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: كأني بكل مسلم يهتف ويقول: أين هذه العزة التي تتحدث عنها؟ أين هذه العزة التي جاوزت عنان السحب؟ أين هذه العزة التي بلغت علياء السماء؟ نقول: إن العزة في كتاب الله، إن العزة في دين الله، إن العزة في العودة إلى الله، وإن أبسط مثال جزئي على أمر العزة، حينما تكون عزيزاً في نفسك وعلى نفسك، يوم أن تتزين لك معصية من المعاصي، إن كنت ذليلاً قادتك كلمة خفض صوتها، وقادك منظر مبهرج مزيف، وقادتك شهوة بطن وفرج. وإن كنت عزيزاً في نفسك، فإنك تعلو وتستعلي على نفسك، وعلى شهوة وفتنة ومعصية تزينت وتزخرفت أمامك، فإن من ملك العزة في نفسه، حري أن يكون مالكاً لها على أي مستوى كان، ومن فقد العزة في نفسه فلن يستطيع أن يمنح أمته عزة، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، وإنك لا تجني من الشوك العنب. إن المعاصي أعظم ذل يلبسه الإنسان نفسه، إن الإصرار على المعصية أعظم ذل يلبسه الإنسان نفسه، فإذا لبس الإنسان ثوب الذلة، فكيف يريد أن يعطي أمته عزة. يقول أبو عبد الله الحسن البصري: [إنهم وإن هملجت بهم البغال، وطقطقت بهم البراذين، إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه] إن العزة قد تكون في مسلم ثوبه خلق، قد تكون في مسلم لا يملك من متاع الدنيا إلا قليلاً، ولكن: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام فأول مصدر من مصادر العزة: العقيدة الحقة، ويظهر صدق الاعتقاد بهذه العقيدة حينما تعرض على محك الفتن وحرارة الابتلاء، يوم أن هدد شيخ الإسلام ابن تيمية، وأرادوا منه أن يقول ما يريد القوم، قال: ماذا تفعلون بي؟ ظهرت العزة بصدق العقيدة عند حرارة الابتلاء، قال: ماذا تفعلون بي؟ أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة للعبادة، عند ذلك يحير الطواغيت في أعزاء المسلمين، لا يعرفون ماذا يفعلون بهم، يوم أن يروا مسلماً عزيزاً في نفسه، وإن وضع السيف على رقبته، أو سلط الرصاص على صدره، أو جعل اللغم في طريقه، أو وجهت الدبابة إلى وطنه، يوم أن يكون مالكاً للعزة فإنه لا يتردد ولا يتأخر أبداً.

عزة نبينا صلى الله عليه وسلم

عزة نبينا صلى الله عليه وسلم ومثال ذلك ما سنه نبي العزة صلى الله عليه وسلم، عزيزٌ ذلك النبي بعزة ربه وعزة منهجه وشريعته، جاءت قريش، قالوا: يا أبا طالب! إن ابنك هذا قد سب آلهتنا وسفه أحلامنا وأغرى بنا سفهاءنا، فإن كان يريد مالاً أعطيناه، وإن كان يريد ملكاً سودناه، وإن كان يريد جاهاً ملكناه، وإن كان الذي به رئي من الجن بذلنا له أسباب الطب في العرب، وإن كان يريد جمالاً زوجناه، وإلا فإنا فاعلون به ما نفعل. فلما ذهبوا وجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى عمه، قال عمه: يا ابن أخي إني قائل فاسمع، إن قومك جاءوا يشكون إلي حالهم بما أغريت بهم سفهاءهم، وجرأت عليهم صبيانهم، وسببت وشتمت آلهتهم، وإنهم يعرضون عليك أمراً؛ إن كنت تريد مالاً أو جمالاً أو ملكاً أو جاهاً، فماذا فعل نبي العزة الذي امتحنت عزته بالتغريب والتهريب؟ استعبر صلى الله عليه وسلم وانحدرت من عينه قطرات كاللؤلؤ على خد شريف، وقال: (يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، والله ما أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو تندق هذه السالفة) فلما رأى عمه هذه العزة فيه بكى واستعبر، وقال: والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا هذا النبي المؤمن علم كافراً عزة، إننا يا عباد الله بحاجة إلى العزة، إننا نريد أن نشم روائح العزة، إننا نريد من كل مسلم وإن كان غريباً عن الوطن وبعيداً عن الدار ونائياً عن الأهل، نريده أن يشعر أنه لم يفقد شيئاً واحداً ألا وهي العزة يا عباد الله.

عزة علماء الأمة

عزة علماء الأمة أتعرفون سيد قطب رحمه الله؟ في سنة من السنين امتحن علماء المسلمين محنة عظيمة، وقضي على هذا العالم بالإعدام شنقاً أمام الجماهير، وجاءت برقيات الالتماس لكي تخفف عنه هذا الحكم، ولكن الطاغية في ذاك الزمان لم يرض أن يخفف شيئاً من هذا، فجاءوا إلى سيد قطب رحمه الله، وقالوا له: إن تكتب اعتذراً لهم فإنهم يخففون عنك أو يعفون عنك. فقال لهم -وكان نحيلاً قد هده السجن والتعذيب-: إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في كل يوم خمس مرات يرفض أن يكتب حرفاً واحداً يقر به حكم طاغية. الله أكبر يا عباد الله! مكبلٌ بالحديد، نحيل الجسم من التعذيب، قد أضناه التعذيب وتفننوا فيه، ومع ذلك يجدون عزةً نافست قمم الجبال ارتفاعاً. فيا معاشر المسلمين! إننا بحاجة إلى العزة في نفوسنا حتى نستعلي على الشهوات والمعاصي والذنوب التي يصر كثير من المسلمين عليها، وما علموا أن المعصية هي التي تورث الذلة، يقول ابن المبارك: رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها

أعظم أبواب العزة الجهاد

أعظم أبواب العزة الجهاد اعلموا أن الجهاد في سبيل الله من أعظم أبواب العزة، وحسبكم أنه ذروة سنام الأمر في دين الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا). ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة) اشتغلتم بالبيع والشراء وتركتم الجهاد، يقوله النبي لأمته من ذلك الزمان إلى يومنا هذا: (إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتبعتم أذناب البقر، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) فإذا كانت الذلة بترك الجهاد فلا عزة إلا به، لا عزة إلا بقول الله: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:41] لا عزة إلا بقول الله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:14]. فيا معاشر المؤمنين: إن كل أمة من الأمم ليست محرمةً على الذلة إن هي تركت العقيدة والجهاد، أليس أبو عبد الله الصغير آخر ملك من ملوك غرناطة، وصله النصارى حتى بلغوا داره وأخرجوه، وأخذ يبكي على غرناطة، وهو يُخرج منها ويتلفت إليه مودعاً ويقول: وداعاً يا غرناطة! وداعاً لا لقاء بعده، ثم أخذ يبكي، فقالت له أمه: ابك مثل النساء ملكاً عظيماً لم تحافظ عليه مثل الرجال وقد كنا في ما مضى بعد أن اشتدت سيوف المسلمين في أجنادين واليرموك وفتوحات الشام، خرج هرقل فاراً بنفسه وهو يبكي، يودع سوريا ويقول: وداعاً يا سوريا! وداعاً لا لقاء بعده. يوم أن تمسك المسلمون بدينهم، ووثقوا بعقيدتهم، ورفعوا الجهاد في سبيل الله، جعلوا الأعداء يودعون الممالك، ويوم أن تركنا ديننا، تسلط علينا الأعداء، ولكن عوداً حميداً، سنعود بإذن الله جل وعلا، ونسأله سبحانه وتعالى أن يمكن المسلمين من رقاب أعدائهم، وأن يشفي صدورهم منهم. معاشر الأحبة: وواقع العزة يظهر في هذا الزمان، جاء مبعوث من أحد الدول العظمى يفاوض قائد المجاهدين عبد رب الرسول سياف، وأبى ذلك القائد أن يقابله؛ لأنه يعرف أنهم إنما جاءوا ليلعبوا بقضيته، بعد أن سفك دم مليون أفغاني، فلا تحفروا شبراً من أرض الجهاد إلا وفيه شلوٌ ممزع أو أنملة أو يد أو قدم أو ساق، ولا تجد وردة أو شجرة إلا وخالط ماءها دم ساعد في إنبات هذه الشجرة. جاء ذلك المبعوث قال له: يا سياف! أنت رجل دموي، أنت رجل سفاح، أنت تريد استمرار الحرب، لماذا لا ترضى بالحكومة الائتلافية؟ لماذا لا ترضى بالقاعدة العريضة؟ فلما ختم كلامه التفت إليه ذلك القائد، قال له: هل قتلت أمك في أفغانستان؟ قال: لا، قال: هل قتل أبوك في أفغانستان؟ قال: لا، قال: هل انتهك عرض بنتك في أفغانستان؟ قال: لا، قال: هل يتموا أطفالك في أفغانستان؟ قال: لا، وكان هذا اللقاء يحضره ضياء الحق رحمه الله وحميد قلف. قال: مادام الأمر كذلك، كيف تدعوني أن أرضى بهذه الحكومة المختلفة المؤتلفة، ذات القاعدة العريضة التي تسميها بعد أن مضى من أبنائنا مليون ونصف المليون من الشهداء، وثمانمائة ألف يتيم، وسبعمائة ألف معوق؟ قم عني، ووقف على قديمه ورفع يده يريد أن يصفعه، قال: قم عني، والله لأضربنك ولأصفعنك صفعة حتى يتحدث التاريخ أن مسلماً أفغانياً صفع كافراً، وقام ليضربه فأمسك بيده ضياء الحق وحميد قلف. وقابلته وسألته، قلت: هل كنت عازماً على ضربه؟ قال: والله لقد عزمت أن أمده على الأرض، وأن أطأ برجلي على صدره، كيف يتجرأ بعد مليون ونصف المليون من الشهداء ومن اليتامى ومن الثكالى والمعوقين أن أبيع قضية الأمة؟ إن نجوت معه فكيف أنجو من دماء ومن حجة هؤلاء بين يدي الله جل وعلا؟ وعادوا إليه مرة أخرى يقدمون مساعدة من القمح، فقال: جزيتم على ما فعلتم مساعدة إنسانية نقبلها، فقال ذلك المندوب: لا، نحن نوزعها في مخيمات اللاجئين والمهاجرين، قال: إن الأفغان لا يرضون أن يقدم أحد لهم شيئاً، قدم ما عندك ونحن نتصرف فيما بيننا، قال: لا بد أن نشرف على توزيع هذا، قال: يا مسكين! إن كنت تظن أنك الزعيم فلان، وتظن أنني علان فذاك أمر آخر، لكن إن لم تقبل هذا، فاخرج أنت وقمحك الآن، وقال له: إننا قد نصبر عن الطعام والشراب، لكننا لا نصبر عن العزة يوماً واحداً. فيا معاشر المؤمنين: لن يأتي أتوبيس اسمه أتوبيس الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو منظمة العدل، ويقول: هيا إلى بلادنا نعود إليها فاتحين من جديد! لا، نحن لا نسفه أحلام الجهود الدولية، ولن نجيرها أونجعلها هدراً وعبثاً، نقول: نسأل الله أن يبارك في هذه الجهود، ولكن اعلموا أن الجهود الدولية لا تمنعنا من طرح حلنا، إن الجهود الدولية لا تمنع الشباب المسلم أن يطرح الحل الذي به تعود الكويت، ألا وهو الجهاد في سبيل الله.

أهمية وجود القادة في عزة الأمة

أهمية وجود القادة في عزة الأمة معاشر المؤمنين: إن من واجب الشباب أن يبحثوا عن قادة الإسلام ودعاة الإسلام، فيلتفوا حولهم ويوحدوا الصفوف، وأن ينطلقوا للجهاد في سبيل الله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ} [التوبة:14]. معاشر المؤمنين: لا أقول ليحملن كل واحد رشاشاً ويذهب به منفرداً، فهذا خلاف ما أمر الله، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} [النساء:71] وثبات: جمع ثبة وهي الفئات الصغيرة المنظمة، فينبغي ألا يتصرف أحدٌ تصرفاً فردياً، ولكن أين القادة؟ أين قادة العمل الإسلامي في الكويت؟ وأين دعاة الإسلام في الكويت؟ وأين رجال الكويت؟ لقد قابلت منذ ثلاثة أسابيع قلب الدين حكمتيار في مكة المكرمة وقت مجيئه للمؤتمر العالمي الإسلامي، وقلت له: يا قلب الدين! ما ترى ما حل بنا وبإخواننا في الكويت؟ قال: أرسلهم إلي، والله بهذه العبارة، قال: اجعلهم يأتون إلي، وأنا أخبرهم كيف فجرنا الجهاد بمسدس وببنادق صيد وحجارة. فيا معاشر المؤمنين: عليكم أن تربوا النفوس تربية طيبة، وإن تأخر فتح باب الجهاد ساعة أو شهراً أو زمناً قليلاً، لكن هذا لا يعفي ولا يغني من الإعداد للجهاد: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46] إن كنا صادقين للجهاد، فلنعد للجهاد عدة بفقه الجهاد في الكتاب والسنة وسير المجاهدين، وما أعد الله للشهداء، وأنتم يا شباب الكويت! يا دعاة الكويت! إن دوركم لا زال مستمراً في صفوف شبابكم، وحفظ أوقاتهم، وجعلهم يتمسكون بكتاب الله وسنة نبيه، وعلى المرأة المسلمة الكويتية، وعلى الداعية المسلمة دور عظيم في نشر الخير والفضيلة والأدب والحشمة والحياء، ولها دور عظيم في إعداد أبنائها، وتربية شبابها؛ لعلها يوماً ما أن تقدم شهيداً من الشهداء يكون شافعاً لها عند الله يوم القيامة. فيا معاشر المؤمنين: إن الكويت لا يحررها الفن والطرب، والله لقد أدمى قلبي مقالاً صحفياً في إحدى الجرائد، إن الفنانين يصرون على تحرير الكويت بحناجرهم الذهبية من استوديوهات القاهرة، متى أصبح الفتح على أنغام الموسيقى؟ متى أصبح النصر على أنغام الموسيقى؟ والله ليس هذا بفتح ولا نصر، ولكن: يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن شباب الكويت: العودة العودة إلى الله، وتربية النفوس على الجهاد، والدعوة إلى الله في صفوف الشباب. فإن الشباب والفراغ والجده مفسدةٌ للمرء أي مفسده إن تركنا أنفسنا لا تتركوا إخوانكم، لا تدعوهم. لا تتركوهم للضياع فريسةً ترك الشباب أساس كل الداء إخوانكم لا شيء أغلى منهم لا شيء يعدلهم من الأشياء لا تتركوهم للضياع فريسةً ترك الشباب أساس كل الداء هي مهمة كل داعية ومسلم ومسلمة، وكل غيور، وكل من في هذه البلاد لذلك الوطن الذي استظللتم بسمائه، وافترشتم أرضه، ونعمتم بخيراته، له حق عليكم أن تجتهدوا في الجهاد والدعوة لكي يعود بإذن الله عوداً منيعاً عزيزاً. أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، واسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى؛ أن يردنا إلى الكويت رداً قريباً، نسألك اللهم أن ترد الكويت وأفغانستان، وفلسطين وجميع أرض المسلمين أجمعين. اللهم إنا نتوجه إليك وأنت في عليائك أن تعز الإسلام والمسلمين، وأن تدمر أعداء الدين، وأن تهلك الفجرة والمفسدين، اللهم من أراد شباب المسلمين بسوء، وأراد بنسائهم تبرجاً وسفوراً، وأراد بهن اختلاطاً، وأراد بعلماء المسلمين مكيدة، وبولاة أمورنا فتنة، اللهم أشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، واجعل سلاحه في صدره، وشتت جمعه، وفرق شمله، وأرنا فيه عجائب قدرتك يا رب العالمين. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك عليه، اللهم أحيينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم نسألك الشهادة في سبيلك، اللهم نسألك الرضا، اللهم اقبضنا وأنت راضٍ عنا، اللهم توفنا راكعين ساجدين، اللهم لا تقبضنا على المعاصي والفتن وحزايا أو مفتونين، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تدع لغائبٍ حبيباً إلا رددته له، اللهم لا تدع لنا كسيراً إلا جبرته، ولا أسيراً إلا فككته، ولا مريضاً إلا شفيته وعافيته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

وماذا بعد التوبة؟

وماذا بعد التوبة؟ أيها الأحبة: قفوا وتأملوا حال القلوب المريضة التي تعودت اللهو واللعب وهي تسير في هذه الحياة، تسير إلى حتفها والموت ينتظرها، فماذا أعدت للقاء ربها؟ وبمَ استعدت للسؤال في قبرها ويوم حسابها؟ فهل من توبة إلى الله؟! وهل من إنابة صادقة ومجاهدة حقة للنفس في سبيل الله؛ لتنعم في دار النعيم.

أعدوا للموت

أعدوا للموت الحمد لله، الحمد لله الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله حمداً ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله على حلمه بعد علمه، الحمد لله على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو على كل شيء قدير، خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل فضلٍ سألناه أعطانا، الحمد لله الذي لا تحصى نعمه، الحمد لله الذي لا تعد مننه، الحمد لله حمد الذاكرين الشاكرين، الفضل لله على ما نحن فيه، الثناء لوجه الله، والفضل لله، وأشهد أن محمداً رسول الله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، لم يعلم سبيل خير إلا دلنا عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا حذرنا منه، كان بأمته شفيقاً رحيماً، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: أعدوا للموت واتقوا الله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين: معاشر الموحدين! ما أقسى هذه القلوب التي نحملها في صدورنا! ما أجمد هذه العيون التي هي في رءوسنا! ما أبعد هذه القلوب حال الغفلة عن ذكر ربها وخالقها! عباد الله: قفوا وتأملوا حال هذه النفوس، حال هذه القلوب المريضة التي تعودت اللهو والعبث، والغفلة، وطيب المأكل والمشرب؛ حتى قست وبعدت عن طاعة الله، وبعدت عن ذكر المصير، والاستعداد للقاء الله. أيها المسلمون: ما منا إلا وغافل، ما فينا إلا وسادر، ما من بيننا إلا وأشغلته شهواته عن الاستعداد للقاء ربه، متى نستيقظ؟ متى نستعد؟ متى نقف للمحاسبة؟ يوم أن نرى ميتاً أمام أعيننا، يوم أن نرى حادثاً يتمزق فيه بدنٌ أمام بصائرنا وأبصارنا، يوم أن نصاب بفقد حبيب، ثم نبكي عليه سويعات حتى نواريه في التراب ثم ننساه، يوم أن يبتلى أحدنا ببلية في ماله أو دنياه يقف لحظة ليتأمل، ثم يعود في لحظات إلى غفلته. أيها الأحبة: إن في النفوس قنديلاً يضيء، لكن ضوءه ضعيف جداً بما يزاحمه من حجب المعاصي، بما يستر نوره من ألوان الشهوات، ويوم أن نقف وقفة نتأمل فيها مصيبة، أو نتذكر فيها معاداً يبقى أحدنا متردداً بين التوبة والغفلة، يشاور نفسه هل يتوب أم لا يتوب، هل يستقيم أم لا يستقيم، هل يقلع أم لا يقلع، هل يخبت ويخضع أم لا يخضع. هل تحتاج التوبة إلى مشورة؟ هل تحتاج الأوبة إلى تردد وأخذ رأي؟: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51] لا مناص من الاستجابة، ولا محيد عن القبول والانقياد: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ألستم بالمؤمنين؟ ألستم تدعون الإيمان؟ ألسنا ندعي الإيمان، الخطاب لكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24]. عباد الله: من لم يستجب لله فعلى خطرٍ أن يحال بينه وبين قلبه {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ:54].

والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا

والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا معاشر المؤمنين: ما منا إلا ويتمنى الاستقامة، وما فينا إلا ويود التوبة، ولكن قفوا هنا قليلاً، إن كثيراً من الناس من الرجال والنساء والشباب والفتيات، والذكور والإناث، والكبار والصغار يظنون أن الهداية والاستقامة والالتزام والتوبة تكون في لحظة على حين غرة، يصبح عاصياً فيمسي تائباً، أو يمسي عاصياً فيصبح تائباً، يظن بعضهم أن هناك لحظة ينقلب فيها الواحد من الضلالة إلى الهدى، ومن الظلام إلى النور، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن القطيعة إلى الصلة، ومن العقوق إلى البر، يظن البعض أن التوبة بزرار أو جهاز تنقلب حال الشخص حين الضغط عليه، لا والله -يا عباد الله- من كان ينتظر هذا الأمر لكي يتوب فما أبعد توبته! لكن التوبة -يا عباد الله- تكون بالمجاهدة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] الهداية ثمرة للمجاهدة، والمجاهدة مطلبٌ للصالحين؛ كي يثبتوا على صلاحهم، والمقصرين حتى يلتفتوا إلى تقصيرهم ويقلعوا عنه ويعودوا إلى الله، وللفاسقين حتى يجاهدوا نفوسهم، فيقلعون عن هذا الفسق، وعن هذا الإصرار. لا بد من المجاهدة حتى تحصل التوبة، حتى تحصل الاستقامة، أتظنون لذة العبادة وحلاوة الطاعة وفخر الاستقامة يكون من دون مجاهدة؟ لا وايم والله، لا بد له من مجاهدة حقيقة، لا بد له من ندم على ما مضى، واستعداد لما بقي، لا بد له من قول الله جل وعلا: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] لا بد للتوبة من هذا، نريد أن نتوب من الغناء واللهو من دون أدنى مجاهدة لكف الآذان عن اللهو، لا. لا بد من مجاهدة، وإذا ابتلي العبد ففي حال الابتلاء يعرض عليه أمران: الأول: أمر محبوبٌ إلى شهوات نفسه، مبغوضٌ مكروهٌ إلى الله ورسوله. والثاني: مرضيٌ لله ولرسوله صعبٌ يحتاج إلى مجاهدة النفس عليه. فيقف العبد بين هذين الحالين يدير المذياع، فيسمع غناء، يدير المسجل فيسمع الغناء ثم يبدأ صراع النفس هل يغلق هذا الباطل وينصرف إلى المعروف؟ هل ينصرف عن هذا اللهو ويعود إلى الذكر؟ يبقى لحظات من الصراع يجاهد نفسه، فمن كان صادق التوبة فإن قوة القلب وصدق المجاهدة يضغطان على الجارحة فتتحرك اليد لإقفال المذياع، أو اللهو، أو الباطل، أو المنكر، ثم تنصرف الجارحة إلى ما يرضي الله جل وعلا، فيسمع كلام الله، ويسمع ذكر الله، ويحقق صفة الإيمان في نفسه؛ ليخبت بذلك: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال:2]. التوبة تحتاج إلى مجاهدة، تسمع منبه سيارة جليس من جلساء السوء وصديق من أصدقاء المعصية، تسمع صوت منبهه وأنت في بيتك وفي قلبك بداية من بدايات التوبة، في قلبك بداية من بدايات الندم، هل أخرج معه أم أنصرف عنه؟ هل أستجيب له أم أستجيب لله؟ هل أعصي الله أم أجلس في طاعة الله؟ هنا تبرز المجاهدة، جاهد نفسك على أن تنصرف عنه إلى ما يرضي ربك، وإذا بلغت مرحلةً أقوى من ذلك أن تفتح الباب وتقول له: إلى متى الغفلة؟ سمعت صوت منبهك إلى أين نذهب: إلى شلة ندير الورق إلى آخر الليل؟ هل تشهد الأنامل بالتسبيح؟ هل يشهد الورق بالسجود؟ هل تشهد الأرض بالذكر؟ هل تشهد السماء بالانحناء والركوع، أم تشهد بالغفلة، والسباب الشتيمة، والقطيعة والبغضاء، واللعنة والعداوة؟ إذا لم يتحقق ذلك، فإنك مهزومٌ في هذه الجولة، إما أن تكسب الجولة وإما أن تخرج مهزوماً، ويعلن الشيطان انتصاراً عليك، وتصفق الشياطين ضاحكةً غارقة في الضحك والسخرية منك يا بن آدم؛ لأن الله كرمك وما رضيت كرامة الله؛ لأن الله دعاك وانصرفت عن دعوة الله، وقال الشيطان: دعوته فاستجاب لي، فأحس الشيطان بنشوة وزهو النصر على هذا العبد الذي جاهد نفسه وخسر الجولة؛ لأن التوبة لم تكن صادقة، قال الشيطان لهذا المسكين: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم:22] ما كبلت يدك بالحديد فأخرجتك إلى جلساء السوء، ما جعلت القيد في عنقك وفي يدك وفي رجلك فجعلتك تسافر إلى الخارج، ما سحبتك بتلابيب جيبك حتى تقعد في اللهو والمعصية، إذاً ماذا فعلت أيها الشيطان بهذا الإنسان: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22] يقول الشيطان: {فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:22] إنما دعوتكم، زينت لكم، أحكمت الصورة في خيالكم، فكانت الاستجابة منكم.

ماذا بعد المعصية

ماذا بعد المعصية ماذا بعد المعصية؟ ألذةٌ دائمةٌ؟ لا والله. بل ألم المعصية يخالط القلب، ويشغل البال، ويقلق الضمير - كما قال الحسن البصري رحمه الله-: [إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه]. فيا عباد الله: المجاهدة سبيل إلى الهداية، وليست التوبة سلعة تباع في المتاجر فنشتريها، أو قميصاً نلبسه، أو دابة نركبها، التوبة والهداية ثمرة للمجاهدة، جاهد نفسك بالبديل، إذا جاهدك الشيطان على سماع اللهو والغناء، فجاهد نفسك على سماع كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وسماع المحاضرات والخطب والفتاوى وحلق الذكر، تأمل كلاماً سماعه يرفعك عند الله درجات وينجيك من الدركات، وابتعد عن كلام يجعلك مع الضالين الظالمين، حتى إن بعض الناس قد بلغت به الغفلة واستحكمت فيه الشهوة وبلغ به العناد إلى درجة أنه أصبح يحب أهل المعصية وأهل اللهو وأهل الغناء، أكثر من محبته لله ولرسوله، ولأهل الله وأهل رسوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [البقرة:165] العاقبة في الآخرة: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا} [البقرة:165 - 166] أصحاب الشلات ومجالس الغفلات واللهو والباطل يتبرءون من الذين قادوهم إلى ذلك: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [البقرة:166 - 167] لو أن لنا رجعة، لو أن لنا عودة إلى الدنيا: {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167]. اسألوا أنفسكم -يا عباد الله- كم مجلساً من مجالس اللهو حضرناه؟ وكم مجلساً من مجالس الغفلة أقمناه؟ وكم مجلساً من مجالس الباطل غشيناه؟ وكم لحظة عن الذكر غفلنا فيها؟ ما أكثرها! سنراها يوم القيامة، سنراها في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، سنراها في مقام توضع فيه الموازين بالقسط، فلا تظلم نفسٌ شيئاً، يقول الله جل وعلا: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} [الأنبياء:47] يا رب هل من غفلة تنسى؟ هل من غمزة تنسى؟ هل من معاكسة تنسى؟ هل من أغنية تنسى؟ هل من صورة امرأة تنسى؟ {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [الأنبياء:47] حتى الهباءة، حتى الخردلة التي ترونها تدخل مع النافذة في شعاع الشمس أو الذرة: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14].

هيا إلى المقبرة

هيا إلى المقبرة أيها الأحبة في الله: هيا إلى المقبرة بقلوبكم وعقولكم وتكلموا: سألت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر يا أيها الملوك الذين دفنوا في هذه المقبرة: هل تستطيعون القيام من لحودكم الآن؟ يا أيها الأثرياء الذين في ظلمات اللحود إن لم يجعلها الله روضة من رياض الجنة! هل تنتقلون يمنةً ويسرة؟ يا أيها الوزراء! يا أيها العظماء! يا أيها الفقراء! يا أيها الصعاليك! هل يستطيع أحدٌ أن يقوم أو يتكلم؟ لو تكلموا فقلنا لهم: ماذا تتمنون؟ لقالوا: نتمنى أن نرد إلى الدنيا، فنقول: لا إله إلا الله، يتمنون كلمة واحدة، يتمنون حسنة واحدة، وأنتم الحسنات أمامكم، أمامكم الجنة قد فتحت أبوابها، فأعرض الكثير عنها. يا سلعة الرحمن سوقكِ كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمانِ (من خاف أدلج) من خاف العاقبة وسوء الخاتمة، من خاف القبر واللحد، والمحشر والمنشر وهول المطلع: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزلة، ألا وإن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة). يا سلعة الرحمن سوقكِ كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمانِ يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غاليةٌ على الكسلانِ

الجنة صعبة المنال

الجنة صعبة المنال عباد الله: الجنة صعبة المنال على الكسالى الذين تعودوا صلاة الفجر قبل الذهاب إلى العمل بربع ساعة، الجنة صعبة المنال على الذين لا يشهدون الجماعة، الجنة صعبة المنال على الذين أكلوا الحلال والحرام، الجنة صعبة المنال على من تاجر باللهو وأشرطته، والفيديو المهدم وأفلامه، والغناء ومعازفه، الجنة صعبة المنال على الذين لا يعرفون إلا دول الخارج، وبعضهم ما حج حتى الآن، وما اعتمر حتى الآن، الجنة صعبة المنال على الذين لا يذكرون الله. يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غاليةٌ على الكسلانِ يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنانِ يا سلعة الرحمن كيف تصبر الخطاب عنك وهم ذوو إيمانِ أتؤمنون بالموت؟ أتؤمنون بالقبر؟ أتؤمنون باللحد؟ أتؤمنون بمسائلة منكر ونكير؟ أتؤمنون بوقوف الخلائق عند الله يوم القيامة؟ أتؤمنون بالصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف، وعلى جنباته كلاليب جهنم؟ أتؤمنون بأن العباد يمرون عليه كالبرق الخاطف، أو كأجاويد الخيل، أو كمشي الرجال، أو كمن يحبو حبواً؟ أتؤمنون أن من الناس من تدركه كلاليب جهنم فتخطفه إلى النار، فتهوي به إلى مكان سحيق؟ نعم. نؤمن بهذا كله. أين الاستعداد له يا عباد الله؟ بكاء ساعة، بكاء لحظة، تأثر لحظات، ثم نعود بعد ذلك لندير المذياع على اللهو، لنفتح الشاشة على صور النساء، لنخرج ذاهبين آيبين لا نفكر هل إلى معصية الله، أم إلى طاعة الله، فهل من عودة يا عباد الله؟ هل من توبة يا عباد الله؟ استعدوا لهذا المطاف، واستعدوا لهذه الخاتمة، فما أسرع ما نقدم على هذه الآخرة! قيل إن نوحاً عليه السلام سئل: يا أطول الأنبياء عمراً-ألف سنة- كيف رأيت هذه الدنيا؟ قال: رأيتها كداخل من باب وخارج من باب آخر. تأملوا -يا عباد الله- كم مضى من أعماركم ثلاثون سنة! خمسون سنة! عشرون سنة! كيف مرت تلك السنين؟ كيف مرت تلك الأزمان؟ كأنها برق قاصف {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم:55]. المرء يفرح بالحياة وطول عيش قد يضره إن منا -يا عباد الله- من الموت خيرٌ له، لأن مزيد الحياة له مزيد في سيئاته ومعاصيه. المرء يرغب بالحياة وطول عيش قد يضره تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره وتسوؤه الأيام حتى ما يرى شيئاً يسره كم شامتٍ بي إذ هلكت وقائلٍ لله دره بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأله ألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، فاستغفروا ربكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الاستعداد للقاء الله

الاستعداد للقاء الله الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، وراقبوا أنفسكم وحاسبوا، وأحدثوا لكل زلةٍ استغفاراً، ولكل ذنبٍ توبة، وأكثروا من الحسنات: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار- عياذاً بالله من ذلك-. أيها الأحبة في الله: أيها المؤمنون بوعد الله ووعيده! أيها المسلمون! تذكروا يوماً تلقون فيه ربكم، فتكشف فيه الصحائف والسجلات، ويدني الله عبداً من عباده، ثم يسدل عليه ستره، ويسأل الرب عبده -والله جل وعلا أعلم بما فعل العبد- ليسائله الحساب: عبدي أتذكر ذنب كذا وكذا؟ فإننا -والله- مسئولون عن كل أعمالنا صغيرها وكبيرها.

المبادرة إلى التوبة وعاقبة التسويف

المبادرة إلى التوبة وعاقبة التسويف عباد الله: توبوا إلى الله توبةً قبل أن يدرككم الموت، توبوا إلى الله توبةً قبل أن تحل مصيبةٌ تحول بين الإنسان وبين التوبة. أحسن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ فلا يدوم على الإحسانِ إمكانُ إن من الناس من سوف التوبة وأجلها حتى نقل إلى سرير وقد بلي ببلاءٍ عظيمٍ لا يستطيع معه أن يركع أو يسجد، إن من الناس من سوف التوبة حتى نقل في تابوت من بلاد الخارج إلى بلاده، إن من الناس من سوف التوبة حتى أدركه الموت، وعجز أن ينطق بالشهادة، إن من الناس من بلغ الثلاثين والأربعين والخمسين وما تاب إلى الله حتى الآن، فمتى يا عباد الله؟ خطب الحسن البصري الناس، فقال: [يا معشر الشباب! ماذا قدمتم وماذا أخرتم؟ ويا معشر الشيوخ! إلى متى الغفلة قد أعذر الله إلى امرئ بلغه الستين من عمره؟ والموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً]. هو الموتُ ما منه ملاذٌ ومهربُ متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ نؤملُ آمالاً ونرجو نتاجها لعل الردى مما نرجيه أقربُ ونبني القصور المشمخرات في السما وفي علمنا أنا نموت وتخربُ لدور الموت وابنو للخرابِ فيا عباد الله: استعدوا للقاء الله، واعملوا صالحاً ينفعكم، اعملوا صالحاً قبل أن تحل عليكم ساعة لا ينفع فيها الندم، ولا ت حين مندم. اللهم تب علينا، اللهم خذ بقلوبنا إلى طاعتك، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لتتجنب جلساء السوء، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنلحق بركب الأخيار الأبرار، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنقلع عن اللهو والعزف والغناء، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنستلذ بكلام الله وذكره، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، اللهم أعنا على جهاد أنفسنا لنكون لك مخبتين طائعين مختارين في ظواهر أنفسنا، وفي بواطنها، اللهم حل بيننا وبين معصيتك، اللهم اعصمنا عما يسخطك، وجنبنا ما يغضبك، ووفقنا إلى ما يرضيك، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً، فجازه اللهم بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً. عباد الله: التوبة لا تأتي فجأة، التوبة ليست قميصاً يلبس، جاهدوا أنفسكم على التوبة. أسأل الله أن نوفق لتوبة صادقة نصوح تجب ما قبلها من الذنوب والسيئات والمعاصي والمنكرات. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الشرك والمشركين، واحفظ إمام المسلمين، وأصلح بطانته، واجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين! اللهم خذ بقلوبهم إلى ما يرضيك، اللهم لا تكلهم إلى من حولهم، اللهم كلهم إلى توفيقك وعونك ومنك وكرمك يا رب العالمين! اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، وفي فلسطين، وفي أرتيريا، وأثيوبيا، والفلبين، وفي جميع أراضي المسلمين أجمعين. اللهم اهد شباب المسلمين، وأصلح نساءهم، واهد فتياتهم، وجنبهن المعاكسات، وجنبهن التبرج والسفور، وأبعد عنهن الاختلاط في الوظائف والتعليم، بمنك وكرمك يا رب العالمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وصلى الله على محمد.

وهل نجازي إلا الكفور

وهل نجازي إلا الكفور لقد خلق الله الإنسان، وجعل فيه من دقيق صنعه ومن جميل خلقه ما يحير أولي الألباب وصفاً، ويعجز عنه أولو العقول إدراكاً، ولقد جعل الله في الإنسان نعماً عظيمة وأسراراً جليلة، ولكنَّ كثيراً من الناس في هذا الزمان كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، لا يعرفون الحكمة الجليلة التي لأجلها خلقوا.

كفران النعم

كفران النعم الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكوراً، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده سبحانه وحده لا شريك له على نعمه التي لا تحصى وعلى آلائه التي لا تنسى، أحمده سبحانه حمداً ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، فهو سبحانه أهل الثناء والمجد، وأصلي وأسلم على نبيه محمد وصفيه من خلقه الداعي بدعوته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له شهادة نرجو بها النجاة يوم العرض الأكبر على الله، يوم تنظر كل نفس ما قدمت، يوم تتغابن النفوس فيما أسلفت. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى فهي سبيل النجاة في هذه الدنيا، وهي سبيل الأمن في دار البرزخ، وهي سبيل الفوز والفلاح في الآخرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين: خلق الله هذه الخليقة بصغير ما فيها وجليل ما عليها لحكمة بالغة وهو العليم الحكيم، تعالى الله أن يخلق عبثاً، وخلق هذا الإنسان وأودع فيه من دقيق صنعه ومن جميل خلقه ما عجزت عنه أولو الألباب وصفاً، وعجزت عنه أولو العقول إدراكاً، {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4]. عباد الله: أودع الله في هذا الإنسان نعماً عظيمة وأسراراً جليلة، في سمعه وفي بصره، وفي عقله، وفي فرجه وأجهزته وحواسه، ولكن كثيراً من الناس في هذا الزمان كالأنعام بل هم أضل سبيلاً، لا يعرفون حكماً جليلة لأجلها خلقوا، وتطاول بعضهم وانساق وراءه من تطاول ورددوا بمسمع من الملأ: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأبقى سائراً إن شئت هذا أو أبيت كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري؟ ولماذا لست أدري لست أدري كلمات ملؤها الإلحاد والاعتراض والجهالة: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:77 - 79]. عباد الله! هذا الإنسان وهذا المخلوق إذا لم يرع نعمة ربه عليه، ويدرك سر وجوده، ويعرف الحكمة من دبيبه على الأرض فإنه ينقلب مصيبة ودماراً، وهلاكاً وفتكاً في نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته. عباد الله! هذه النفس الإنسانية عجيبة كل العجب، هذه النفس الإنسانية هي مدار كثير من الخلق والأسرار والإبداع والتكوين: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} [فصلت:53] في الأفلاك، وفي النجوم، وفي المجرات، وفي السموات، وفي هذه البحار السماوية المتلاطمة بالنجوم المسخرة: {وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:53] في هذه النفس الإنسانية؛ لأن فيها من الآيات والإبداع والعبر ما جهله كثير من الناس، واستخدموه لغير ما أوجده الله وخلقه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4]، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58]. أيها الأحبة في الله: في هذا العالم المتلاطم من بحار حكمة الله في خلق هذا الإنسان نقف وقفة متأملة في نعمة الصحة ونعمة العافية، يقول صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك) وشاهدنا: (اغتنم صحتك قبل سقمك). أيها الأحبة في الله: هذه العيون التي تبصرون بها، وهذه الآذان التي تسمعون بها، وهذه الأيدي التي تبطشون بها، وهذه الأقدام التي تمشون بها، كم لله فيها من عرق ساكن لو تحرك ما تلذذتم بعيش، وكم لله فيها من عرق متحرك لو سكن ما وجدتم لذة طعام ولا شراب ولا منام ولا نكاح. أيها الأحبة في الله: نعم الإله على العباد كثيرة، نصبح في نعمة ونمسي في مثلها، نصبح في شبع ونمسي في ري، نصبح نرفل في ثياب ونمسي في غيرها، نتقلب في ألوان من الحلل والنعم والمراكب والمساكن والمفارش وقد نسينا نعمة الله علينا فيها، وقل من عباد الله من يصبح ذاكراً لله أو يمسي شاكراً لله، أو يؤدي حق الله فيما أنعم عليه من هذه النعم وهذه الآلاء، يركبون حديداً سخر لهم يتعطف بهم يميناً ويساراً، حيثما شاءوا ولأي جهة أرادوا، وإذا ركبوا لا يقولون: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون. يصعد عشرة أدوار أو عشرين دوراً من البنايات الشاهقة، فإذا ركب مصعداً يستحيي أو يتجاهل أن يقول: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، من الذي يشكر؟ من الذي يذكر؟ أتذكر الملوك، أيذكر الأثرياء، أيذكر العظماء؟ لا والله، لا يذكرون قبل الله ولا يذكرون إلا بفضل الله عليهم وعلينا، ونحن جميعاً عباد لله جل وعلا، اذكروا الله في كل ذهاب وإياب، في كل مجيء ونزول وارتحال، اذكروا نعمة الله عليكم يا عباد الله. أيها الأحبة: وفي هذا الجو المتزاحم من هذه النعم والأمن والطمأنينة ينسى كثير من الناس نعمة ربه، فيدخل بيته على أنغام العزف والطرب والموسيقى والغناء، ويخرج منه على صور النساء المتبرجات في الشاشات والأفلام، ويركب سيارته على دنين وطنين المعازف والآلات الموسيقية، وينزل منها لا يذكر حمداً لله على سلامته ووصوله، إلى أي حد بلغت قسوة هذه القلوب؟!

عظم نعم الله

عِظم نعم الله الله أكبر يا عباد الله! لو سمعتم كلام أحد البشر وهو يتملق وينافق ويداهن أمام ثري من الأثرياء، أو أمام غني من الأغنياء لقليل من المال، لحفنة من التراب يعطي هذا الثناء وهذه المداهنة وهذه المجاملة، وينسى نعم الله عليه، التي لا تحصى بآلاف الملايين من الدولارات والريالات وغيرها. أيها الأحبة في الله: من منكم يبيع بصره بمائة مليون، من منكم يبيع سمعه بمائة مليون، من منكم يبيع فرجه بمائة مليون، من منكم يبيع يديه بمائة مليون، من منكم يبيع قدميه بمائة مليون؟ لا والله لا يرضى أحدكم أن يبيع جارحة أو حاسة من حواسه بهذه الملايين، إذاً فأنتم تملكون مئات الملايين وعشرات الملايين وآلافها، ولكن الكثير لا يشكرون الله ولا يذكرون الله إلا قليلاً، وبعضهم عن ذكر ربهم غافلون. أيها الأحبة: انظروا إلى معهد الأمل للصم والبكم، انظروا كيف يعانون مراحل التعليم، كيف يواجهون ويشقون طريقة الحياة عبر كثير من الوسائل المساعدة والأجهزة التي تساعدهم قليلاً إلى إدراك لغة التخاطب، وإيصال المعلومة المرادة منهم إلى غيرهم. عباد الله! أتظنون نعمة السمع سهلة، أتظنون نعمة البصر والبصيرة سهلة، لا والله -يا عباد الله- إنها نعمة جليلة ولكن كثيراً من الناس عنها غافلون: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ * قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الملك:23 - 24] وماذا بعد هذا؟ يتحدون ويقولون: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الملك:25 - 26] {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:54] وخلق الإنسان جهولاً، هذا الإنسان الضعيف، هذا الإنسان الذي يخلقه الله من العدم ويربيه وينميه وينشز فيه العظام واللحم والعصب والعروق والدماء في بدنه، فإذا استقام سوياً على قدميه وقف خصيماً مبيناً. وقف العاص بن وائل، وفي رواية أنه أمية بن خلف وفي يده عظم قد أرم وأخذ يفت هذا العظم ويقول: يزعم محمد أن الله يعيدنا خلقاً آخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم يخلقك الله ثم يحشرك إلى جهنم) ونزل قول الله: ((أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ)) من دفقة منوية، من نطفة قذرة يستحي ولا يطيق أن ينظر إليها في يده {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس:77] خصيم: يخاصم ويجادل، مبين: ببيان وفصاحة وبلاغة، {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] من الذي يحييها؟ من الذي ينشزها ويعيدها؟ {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:79] أنشأها الله من عدم ثم يعجز عن ردها بعد وجودها؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. أيها الأحبة في الله: تفكروا في نعم الله عليكم، تفكروا في آلاء الله في أنفسكم: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:18] كثير من الناس إذا مرت بجواره سيارة فارهة يقول: لعن الله الفقر، لعن الله القهر، لعن الله الضعف، ويردد عبارات تافهة حقيرة؛ لأنه رأى سيارة مرت أمامه وهي جميلة منمقة ملمعة، ورأى النعم كل النعم في قطع من الحديد والمطاط مجتمعة، ونسي آلاف النعم في بدنه وفي سمعه وفي بصره، مساكين أولئك الذين يرون نعم الله في الحديد والمطاط وينسون نعم الله في أنفسهم وأبدانهم، إن كثيراً من الأثرياء على أتم الاستعداد أن يبذلوا ثلاثة أرباع ملكهم في سبيل إذا جلسوا على مائدة أن يأكلوا ما شاءوا، وإذا أووا إلى فرشهم فعلوا ما يفعل غيرهم، وإذا أرادوا عافية أو ذهاباً أو إياباً وجدوا ذلك في مقدورهم وميسورهم، ومع ذلك رغم أموالهم وثرواتهم قد عجزوا عن كثير من هذا، مسكين ابن آدم مسكين هذا الإنسان. جاء أحد الوعاظ إلى هارون الرشيد فقال هارون: عظني، قال: يا أمير المؤمنين! لو كنت في فلاة قفر -مفازة من الصحراء- ليس فيها ماء، ثم لم تجد شربة ماء، وأوشكت على الهلاك من العطش ثم بذلت لك شربة ماء بنصف ملكك -بالملك الذي لا تغيب عنه الشمس، بالملك الذي تخاطب فيه السحابة: أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك- يا أمير المؤمنين! لو بذلت لك شربة من ماء أتبذل فيها نصف ملكك؟ قال: نعم والله أبذله ولا أتردد، قال: فاشرب هنيئاً مريئاً، ثم قال: يا أمير المؤمنين! فإذا استقرت هذه الشربة في جوفك ثم احتبست -أصابك الحصر لم تستطع أن تجد مسلكاً لهذه الشربة، عجزت عن البول بالعبارة الصريحة- هل تبذل نصف ملكك في سبيل إخراج هذه الشربة؟ قال: نعم. أبذل نصف ملكي في سبيل أن أجد لهذه الشربة مسلكاً ومخرجاً، فقال: يا أمير المؤمنين! تباً لملك لا يساوي شربة ماء. بذلت نصفه في شربة ماء، ثم بذلت النصف الآخر في إخراجها، وتأملوا في أنفسكم -يا عباد الله- انظروا أي طعام تشتهونه، انظروا أي شراب تشربونه، في أي بلاد زرع وفي أي بلاد بذر؟ بذر وزرع في بلاد بعيدة، وانتظر عليه أهله شهوراً طويلة ثم جنوه بأيديهم ثم أرسلوه إلى بلادكم، نعم تترا ونحن عنها غافلون، ثم جئنا إلى السوق وجيوبنا متخمة بالمال فاشترينا ما اشترينا مما اشتهينا، ثم جئنا بهذا النبات أو الشراب إلى البيت فأوقدنا النار ووضعنا القدور وطهينا الطعام والشراب، ثم لم نجد لذته إلا على طرف اللسان، ولما جاوز الحلق تساوى لذيذ الطعام مع رديئه، فترة اللذة لحظة بقاء اللقمة على طرف اللسان، فإذا نفذت إلى الجوف بعد ذلك لا تعرف ماذا أكلت، ولو رد لك ما في جوفك لتقززت منه ولتقيأت منه ولكرهته ومججته، أليس ذلك حقاً يا عباد الله؟! بلى والله يا عباد الله! ثم بعد ذلك إذا استقرت اللقيمات والشراب الذي زرع في بلاد كثيرة بعيدة وجني وصدر ووصل واشتريناه وطهيناه وطبخناه ومر على أطراف ألسنتنا لحظة واحدة ماذا بعد ذلك؟ بقي حبيس في الجوف، وتضايقنا وتمرغنا ووجدنا آلاماً عظيمة حتى نخرج هذا الطعام الذي مر بتلك المسافة الطويلة، من الزراعة والجني والتصدير والطبخ والطهي، حتى يسهل الله له مخرجاً، الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! لماذا يا عباد الله؟! لكي تعلموا أن لذة الدنيا لحظة، وأن لذة الدنيا دقيقة، ولذة على طرف اللسان، ثم تمضي وتبقى حبيسة الجوف ألماً حتى تخرج، ولكي نشتاق إلى لذات لا تتنغص، ولكي نشتاق إلى نعيم لا يتكدر. ما أضيق العيش ما دامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم والله لو بقينا في هذه الدنيا على أطيب عافية وصحة ما ساغ لنا القرار ونحن نعلم أننا سننقل من الدور إلى القبور، ومن الفرش إلى اللحود، ومن السعة إلى الضيق، ومن النور إلى الظلام، أيهنأ إنسان هذا شأن حياته؟! أيها الأحبة في الله: لو أتينا برجل من هذا الباب ودعوناه في هذه الساحة وأنتم وأنا نعلم أننا سنقتله بعد ربع ساعة، وهو لا يعلم المسكين، ثم قلنا: تفضل هذا الطعام وكل هذا الشراب، فأخذ يأكل ويتلذذ وينكس رأسه ويقلب طرفه في هذا النعيم الذي بين يديه، ألسنا وإياكم نضحك؛ لأنه سوف يأكل هذه اللقم والنعم ثم سوف يفارق الدنيا بعدها، نعم نضحك على عقله ونقول: هذا المسكين لا يدري ماذا ينتظره، فلنضحك على أنفسنا لأننا نتناول قليلاً من الطعام والشراب والآخرة تنتظرنا، وظلمة اللحود في انتظارنا، إلا من نور الله عليه قبره بالتوبة الصادقة والعمل الصالح، فما أجهل العقول والقلوب في هذا الزمان، أعدوا لدار ننتقل إليها. يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

التقوى

التقوى الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، أتدرون ما التقوى؟ اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، أتدرون ما التقوى؟ أن تعبدوا الله على نور من الله، ترجون ثواب الله، وأن تنزجروا عن معصية الله خوفاً من الله، تخشون عقاب الله، أتدرون ما التقوى؟ الاستعداد للرحيل، والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل، أتدرون ما التقوى؟ شمروا إذا كنتم على طريق ذي شوك فانظروا كيف تجافون الأقدام عن الأشواك، وتتبعون بها سبيلاً سهلة ليس فيها شوك، فكذلك التقوى أن تقودوا نفوسكم وتمسكوا بزمامها وخطامها إلى مرضاة الله، وتسيروا بها مجاهدين هذه النفوس، حتى تودعوا هذه الدنيا؛ دنيا قصيرة ضعيفة: طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذار والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار كيف تريدون الراحة في الدنيا والله يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]؟ والله إن أكبر كبير وأصغر صغير ليكابد أمر الدنيا، يظن الفقراء أن الأثرياء في راحة وهم والله في ألوان من الكبد، والفقراء يقاسون ألواناً من الكبد، وكل قد ابتلي إما بفقر وإما بغنى، ولكن السعيد من اتقى: ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخر وعند الله للأتقى مزيد

زيارة إلى مستشفى النقاهة

زيارة إلى مستشفى النقاهة عباد الله: أنتقل بكم من هذا المكان لزيارة في الله لإخوان مرضى في مستشفى النقاهة الذي كان يسمى مستشفى العزل، مستشفى الحميات بطريق الخرج، لكي تعرفوا -أيها الإخوة- نعم الله عليكم في عقولكم وأسماعكم وأبصاركم وأبدانكم. أيها الأحبة: تدخلون مدخلاً فتجدون أمواتاً لكنهم يتكلمون، وبعضهم أموات لا يتكلمون لكن أبصارهم لا زالت تطرف يرون ما يقف على رءوسهم، ولا يستطيع أن يتكلم أو يسمع، فإذا وقفت أمامه ورفعت يديك مشيراً له أنك تدعو الله له بالعافية لم يجد وسيلة للتخاطب معك إلا أن يطلق الدموع غزيرة مدرارة على وجنتيه، يراك واقفاً وهو لا يستطيع الوقوف، يراك تتكلم وهو لا يستطيع الكلام، يراك تسمع وهو لا يستطيع ذلك. أيها الأحبة في الله: يا من يشكون قسوة القلوب! يا من قست قلوبهم بألوان النعم ومختلف الطعام والشراب! زوروا إخواناً لكم في مستشفى النقاهة وانظروا أحوالهم، طائفة منهم قد أصيبوا بارتجاج في المخ مع خلل في النخاع الشوكي، ونتيجة هذه الإصابة فقدان كثير من الحواس مع شلل نصفي أو ثلاثي أو رباعي، ألوان مختلفة، تزور غرفة فترى فيها مريضاً لا يسمع ولا يبصر اللهم إلا هواءً ونفس يخرج ويدخل، وينتظر ساعته ولله في ذلك حكمة، لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج من الدنيا وما عليه خطيئة، وإن البلاء في الدنيا لأهون من العذاب في البرزخ والآخرة، ولله في ذلك حكمة. فتزور غرفة أخرى فتجد رجلاً سوياً جميلاً نظراً لكنه لا يتكلم، فقط يسمع ولا يتحرك من سريره، لا يستطيع أن يتكلم، وإذا سبقت له القراءة فكتبت السؤال على ورقة وعرضته أمامه، أشار إليك أن له على هذا السرير، أربع سنوات على ظهره، ويعاني آلاماً عظيمة. ثم انتقلت إلى غرفة أخرى لتجد أناساً لا يجدون مسلكاً للطعام إلا مع أنوفهم؛ لأن اللسان -أيضاً- قد أصيب بالشلل، والفم أيضاً قد أصيب بالشلل، فلا يستطيع أن يحرك اللقم حتى تمر على المريء ثم إلى الجوف. ثم تنتقل إلى مكان آخر، فتجد مجموعة قد فتح له في أسفل رقبته فتحة قد تكون مساعدة للتنفس في بعض الحالات. أيها الأحبة في الله: وماذا بعد ذلك؟! نعم لقد بذل لهم بفضل الله والشكر لله، ثم لهذه الحكومة الطيبة في مداراتها لأولئك، لقد بذل لهم لون من الرعاية منقطع النظير، ولكن ماذا يجدي حتى ولو عاشوا فوق السرير وعلى الحرير، ماذا يجدي ذلك؟ يريدون العافية ولو كانوا يشتغلون ليل نهار، يريدون العافية ولا يخرجون من المساجد، يريدون العافية ولو أمضوا دهرهم صائمين، يريدون العافية ولو بقوا طوال الليالي قائمين، العافية العافية التي أنتم تتقلبون فيها ولكنكم في غفلة من نعم الله عليكم، {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً} [المعارج:19 - 20] لو يصاب أحد منا بشوكة أو بأثر أو بوعكة أو بأزمة لوجدته هلوعاً جزعاً خائفاً متضرعاً {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} [المعارج:21] فإذا عاد إلى العافية أصبح يستكثر على الله ما يعمله، ويستكثر على الله ما يبذله، ويستكثر على الله ما ينفقه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. والمصيبة التي بعد ذلك -يا عباد الله- عملية إخراج الطعام من أجوافهم لا تتم كما تتم لأي أحد منكم، بل بعضهم تستمر هذه العملية وكأنها حالة ولادة خمس ساعات وأربع ساعات بمجموع من الأوعية والمحاليل، وألوان من الأدوية تعالج في مؤخرته حتى يسهل الله له فرجاً -يا عباد الله- والله إنها لمعاناة عظيمة، أحدهم يقول: يمر علي في الأسبوع يوم واحد هو اليوم الذي يستطيع أن يخرج فيه، طيلة ستة أيام يظل يعاني آلاماً ويقاسي مصائب في جوفه؛ لأن قضية الإخراج بالنسبة له عملية صعبة جداً، فيحدد له يوم واحد في الأسبوع، ثم يقول لنا: تصور ماذا تعاني زوجتك عند الولادة، والله إنا لنعاني أشد من ذلك في سبيل إخراج ما في بطوننا. أيها الأحبة في الله! أليست نعم الله عليكم عظيمة لم تشتكي وتقول إنك معدم والأرض ملكك والسما والأنجم أليست نعم الله عليكم عظيمة؟! والله نعمة الإسلام أول النعم، ونعمة العافية في كل ذلك عامة شاملة من أكبر النعم أيضاً، فالحمد لله على هذه النعم. إخواني في الله: إخوانكم في مستشفى النقاهة الذين يعانون ألواناً؛ إما من الصمم، أو من الغيبوبة، أو من الشلل الرباعي والثلاثي، لهم أسر يحتاجون المساعدة ويحتاجون الرعاية، ولما اجتمع بعض الشباب الصالحون فتبرعوا لبعضهم بألوان من العربات المتقدمة التي تسهل عليهم نوع الحركة، وبعضهم لما استطاع الكلام قيل له: نعطيك عربة؟ قال: لا. أريد البقاء على السرير وأرسلوا قيمة العربة إلى أولادي وأطفالي، إن ورائي ذرية لا أعرف من ينفق عليهم أو يصرف عليهم. أيضاً أيها الإخوة: لهم من الأسر من يحتاجون النفقة، وكبار السن الذين هم في مثل هذه الحالة لا يعرفون أحداً يزورهم، قد مل أبناؤهم وإخوانهم وذويهم من زيارتهم، يقول مشرف المستشفى: بعضهم نمكث مدة لا نرى أحداً يسأل عنه أو يطمئن عن حاله، لا حول ولا قوة إلا بالله! عباد الله: احمدوا نعمة الله عليكم، أنتم في حرية والسجناء في ضيق، أنتم في عافية والمرضى في بلاء، أنتم في نعم وذوو الصمم والبكم في مصيبة لا يعلمها إلا الله، فاحمدوا الله على هذه النعم، احفظوا أسماعكم قبل أن تصم، ولا تجعلوها وسيلة للهو والعزف والطرب وسماع ذلك كله، اسمعوا بها ذكر الله وكلام الله وحديث رسول الله، احفظوا ألسنتكم واجعلوها ذاكرة لله، احفظوا أبصاركم ولا تجعلوها لأفلام الفيديو والمسلسلات التي فيها من الصور ما لا يرضي الله جل وعلا، احمدوا نعم الله عليكم وبادروا أنفسكم بالأعمال، هل تنتظرون إلا غنىً مطغياً، أو فقراً مدقعاً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر؟ اللهم عافنا في أبداننا، اللهم عافنا في أسماعنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، وأعنا بها على طاعتك واصرفنا بها عن معصيتك، واجعلها عوناً على الطاعة، وبلاغاً إلى حين. اللهم توفنا على الإسلام شهداء، اللهم توفنا على الإسلام سعداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء.

الرؤى والأحلام

الرؤى والأحلام تحدث الشيخ عن الرؤى والأحلام من جهة تعلقها بالشرع، وكيف أنها بشرى للمؤمن ونذارة للعاصي، وعن سبب حدوث الرؤيا، مع ذكره العلاج لمن رأى ما يكره، وأن الإنسان لابد أن يحسن الاختيار لمن يفسر له ما رآه.

الرؤى والأحلام في ميزان الشرع

الرؤى والأحلام في ميزان الشرع إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه وعن المثيل وعن النظير ليس كمثله شيء وهو السميع العليم، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم، وقد وعدكم بالثواب إن أتيتم بها على نحو ما أراده الله سبحانه وشرع، وقد أمركم بها في مواضع عدة من كتابه حيث قال جلَّ من قائل عليماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. عباد الله إن من عجيب خلق الله وصنعه ما يراه النائم في عالم المنام من الرؤى والأحلام، وذلك مما يقف المؤمن أمامه مندهشاً مما يرى في نومه ويتحقق في يقظته بتأويل دقيق وبفراسة أو علم عميق، وكذلك ما يراه حقيقة بعد نومه من دون تأويل أو تفسير لظهور ووضوح رؤياه وعدم حاجتها إلى التأويل، وإن ذلك كله لما يقوي إيمان المؤمن بالوحي الإلهي والإلهام الرباني من الله جل وعلا لأنبيائه ورسله وأوليائه.

اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤى

اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤى والرؤيا -يا عباد الله- من الأمور التي كان يهتم بها النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل أصحابه بين حين وآخر بقوله: من رأى منكم رؤيا؟ ومن له أدنى اطلاع على تعبير الرؤى والمنامات مما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فإنه يعرف مدى أهمية الرؤى. والذي يهم المسلم بالدرجة الأولى في هذا الأمر أن يعلم أن الرؤى حق لا شك فيه، وأنها قد تكون دليلاً على حدوث أمور مستقبلية، خاصة إذا رآها من هو معروف بالاستقامة والصلاح، وعبرها من اشتهر وعرف بالعلم والفراسة، ومن تيقن هذا أدرك كذب وافتراء بعض الذين يدعون أو يسمون النفسانيين في تكذيبهم للرؤيا وعدم المبالاة بها على أي وجه ومن أي صفة وأي إنسان وقعت وكانت. أيها الأحبة في الله الرؤيا الصالحة لا تخلو من بشارة أو نذارة في أمر دين أو أمر دنيا، وقد تكون مبشرة تحث من رآها على لزوم سبيل الاستقامة والثبات على الحق والدعوة إليه، أو تهديه إلى ما فيه خير له في آجله وعاجله. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [يونس:64] قال أبو الدرداء: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقال: (ما سألني عنها أحد غيرك منذ أنزلت، هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) وقد تكون الرؤيا نذيراً لمن رآها عن الغفلة عن ربه، والتفريط في جنبه، ومن ثم تحمله وتجره إلى التوبة النصوح، وتبعثه على العمل الصالح، وتحذره مما فيه الشر والخسارة في أمر دينه ودنياه. وحقيقة الرؤيا تكمن فيما يخلقه الله عز وجل في قلب النائم، فيرى أموراً كما لو كان يراها وهو في حال يقظته، فسبحان الذي يفعل ما يشاء بأفئدة عباده وعقولهم في حال نومهم ويقظتهم!

الفرق بين الرؤيا والحلم

الفرق بين الرؤيا والحلم روى البخاري ومسلم رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان) وفي هذا دليل على ما ذكر، وهو أن الرؤيا من الله كلها خير، فقد تكون بشيراً بخير فيفرح المؤمن به، أو نذيراً عن شر فيتقيه ويبتعد عنه، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحلم من الشيطان) فليس معنى ذلك أن الشيطان يفعل شيئاً، ولكن معناه: أن خلق الرؤيا في قلب الإنسان في تلك الحال قد يكون بحضور شيطان وسروره بها فيما إذا كانت دليلاً على بلاء يحل بمسلم أو شرٍ يقع به. فالرؤى الصالحة الصادقة هي من الله، وكثيراً ما وقعت لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه من بعده ومن تبعهم من الصالحين إلى يومنا هذا، والغالب منها يقع على وفق ما جاء في المنام، وحسبكم -يا عباد الله- من الرؤيا الصالحة فضلاً وشرفاً أنها من أول ما بُدئ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي، فكان لا يرى شيئاً إلا جاء كفلق الصبح، وإنها لمن المبشرات بالخير أو من النذر عن الشر، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات قيل: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة) وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ولا يمنع من كون الرؤيا الصالحة جزءاً من النبوة أن يراها الكافر أو الفاسق إذ أنهما تصدق رؤاهم في بعض الأوقات، ولكنها لا تعتبر وحياً ولا تعد من النبوة في ذلك، إذ ليس كل من صدق في حديث بغيب يكون خبره عن ذلك من النبوة.

رؤيا الأنبياء وما في حكمها

رؤيا الأنبياء وما في حكمها واعلموا -يا عباد الله- أن الرؤى لا تكون وحياً يعمل به إلا إذا رآها نبي، ودليل ذلك أن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، نفذ الرؤيا وطبقها وعمل بها، ولم يقل: أضغاث أحلام، يرى أنه يذبح فلذة كبده وولده بالشفرة والسكين كما تذبح البهيمة ومع ذلك لم يقل: هذه أضغاث أحلام؟ لأنها رؤيا نبي ورؤى الأنبياء حق، وقد وفّى بها وأراد ذبح ولده فلذة كبده ولكن الله افتداه بكبش سمين. وتكون الرؤيا وحياً إذا رئُيت على عهد نبي وأقرها وأمر بالعمل بها، ومثال هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم للصلاة، وكيف يجمع الناس لها، فقيل له: خذ راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أعلم بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك وقال: (هو من أمر اليهود. فذكر له الناقوس فقال صلى الله عليه وسلم: هو من أمر النصارى) فانصرف عبد الله بن زيد رضي الله عنه وهو مهتم لهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُري الأذان في منامه، قال: طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى. فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر وسرد عليه الأذان إلى آخره إلى أن علمه الأذان، ثم استأخر عنه غير بعيد، ثم قال لـ عبد الله بن زيد: تعود إذا قمت إلى الصلاة تقول: الله أكبر الله أكبر، وعلمه الإقامة، فلما أصبح جاء عبد الله بن زيد وقص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال نبينا صلى الله عليه وسلم: (إنها لرؤيا حق إن شاء الله) وفي رواية قال: (قد سبقك بها الوحي، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتاً منك). وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اقترب الزمان -أي: قرب قيام الساعة- لم تكد رؤيا المسلم تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً) ورؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.

ما يفعله من رأى ما يكرهه

ما يفعله من رأى ما يكرهه والرؤيا ثلاثة أنواع: رؤياً صالحة هي بشرى من الله، ورؤيا تحذير من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه؛ فإن رأى المسلم ما يكره فليقم وليصل ولا يحدث بها الناس، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم الحلم الذي يكره فليبصق عن يساره، وليستعذ بالله منه فلن يضره). وصح عنه صلى الله عليه وسلم -أيضاً-: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله وليتحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره). فمن جملة هذه الأحاديث نعلم معاشر الأحبة أن الرؤيا من الأمور الممكن تحققها ووقوعها خلافاً لمن نفى ذلك وجحده، ومن جملة تلك الأحاديث ينبغي أن ننتبه إلى أمر مهم جداً، وهو أن بعض الناس يتشاءم من بعض الرؤى التي يراها، وقد تضطرب لها حاله وتشغله في مأكله ومشربه ومجلسه، وهذا من الخطأ البين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أرشدنا وبين لنا: إن كانت الرؤيا مما يكره العبد فليستعذ بالله، وليتفل عن يساره، وليقم فليصل فإنها لا تضره، وذلك يدفع شرها عنه بإذن لله وقدره، ومن اعتقد أن الرؤيا تضر بحالها أو تنفع بحالها ممن رآه فيها فقد أشرك مع الله عياذاً بالله من الشرك، إذا أن الذي يقدر القضاء على العباد هو الله، ولا يرفعه عنهم إلا هو سبحانه. عن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول -وذكر الحديث الذي سقناه آنفاً- (إذا رأى أحدكم ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، وليتفل ثلاثاً عن يساره، ولا يحدث بها فإنها لا تضره). أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:4 - 5]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم، التواب الرحيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه غفور رحيم.

الرؤيا الصادقة وسببها

الرؤيا الصادقة وسببها الحمد لله منشئ السحاب، وهازم الأحزاب، ومنزل الكتاب، وخالق خلقه من تراب، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأثني عليه الخير كله، هو الذي أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام وقد ضل عنه الكثير، ومنَّ علينا بالتوحيد وقد غفل عنه الكثير، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل ما سألناه أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول والآخر والظاهر والباطن، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا لله تعالى حق التقوى، تمسكوا بدين الإسلام في الدقيق والجليل، واعلموا نعمة الله عليكم بهذا الدين الذي به اطمأنت نفوسكم، وأمنتم في أوطانكم، وتدفقت الخيرات إلى بلادكم، وانظروا إلى ما حولكم من الجنوب والشرق والشمال والغرب، يتطاحنون ويتقاتلون بما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير، جنبوا شرع ربنا واتخذوا قوانين الكفرة والملاحدة؛ فكان أن سلط الله عليهم عدواً من أنفسهم ومن بينهم، يتقاتلون ويتذابحون ويدمرون كل شيء بنوه بأيديهم، فتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ شذ في النار. معاشر المؤمنين إن من الرؤيا ما يقع أولاً على ظاهره، ومنها ما يحتاج إلى تأويل، فما يحتاج إلى التأويل منها فينبغي أن يعرض على رجل صالح ماهر بتعبير الرؤيا، مفرق بين الأضغاث وغيرها، ويفرق بين طبقات الناس إذ أن فيهم من لا تصح له رؤيا، ومنهم من تصح له وتقع بإذن الله، يقول أحد علماء السلف: الرؤيا اكتشاف لا يحصل إلا بانقشاع الغشاوة عن القلب، فلذلك لا يوثق إلا برؤيا الصالح الصادق، ومن كثر كذبه لم تصدق رؤياه، ومن كثر فساده ومعاصيه أظلم قلبه فكان ما يراه أضغاث أحلام؛ ومن أجل ذلك استحب ألا ينام المسلم إلا متوضئاً طاهراً. وقال بعض أهل التعبير: لكل أمم أصول لا تتغير، وأقيسة مطردة لا تضطرب إلا تعبير الرؤيا، فإنها تختلف باختلاف أحوال الناس وهيئاتهم وصناعاتهم ومراتبهم ومقاصدهم ومللهم ونحلهم وعاداتهم، فينبغي للمعبر أن يكون فطناً ذكياً ذا فراسة واطلاع. ومما ينبغي أن يعلمه كل مسلم أنه يحرم الكذب في قص الرؤيا، فقد جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل) وفي حديث آخر (إن أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا) فينبغي لمن رأى رؤيا صالحة ألا يحدث بها إلا عند شفيق ناصح يحسن تعبير الرؤيا وتأويلها، فإن رأى الذي ذكرت له الرؤيا خيراً فليقل: خيراً رأيت، ثم يعبرها. وإن علم من الرؤيا مصيبة أو بلاءً فليقل: خيراً إن شاء الله وليصمت، فإن وجد خيراً ذكره وإن وجد خلاف ذلك قال: خيراً إن شاء الله، وجاء عن السلف الصالح -أيضاً- جملة من ذلك. ومن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه على صفته صلى الله عليه وسلم المعروفة فقد رآه حقاً وصدقاً؛ لأن الشيطان لا يتمثل به صلى الله عليه وسلم كما صح ذلك عنه في الحديث (من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي). ومن الناس من يفزع في منامه لرؤىً يراها، وسبب ذلك قلة ذكر الله وشدة الغفلة في اليقظة، والخوف من الخلق، وما أشد وقوع الكثير منا في هذا، فالكثير في غفلة عن ذكر الله حال دخولهم بيوتهم، وحال خروجهم من دورهم، وحال ركوبهم دوابهم، وحال دخولهم أعمالهم، إن من القليل النادر أن تسمع صوتاً يرتفع بذكر الله جل وعلا، ومن رفع صوته يذكر غيره التفتت إليه أعين الناس، لا ينكرونه، حاشا لله أن ينكر ذكر الله! وإنما قد استغربوا من قلة الذاكرين في هذا الزمان. فاعلموا -يا عباد الله- أن شدة الغفلة والخوف من الخلائق والبعد عن ذكر الله مما يسبب أموراً مزعجة في المنام، نسأل الله جل وعلا أن يمن علينا بذكره وطاعته، فينبغي لمن يفزع في منامه أن يحرص على قراءة ورده قبل نومه خاصة فاتحة الكتاب وآية الكرسي والمعوذات، وآخر سورة الحشر، وكذلك الأدعية التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يستحب للمسلم أن يقوله عند نومه وبعد استيقاظه، ومن شكا الأرق بعد ذلك -والأرق هو عدم النوم في الليل- فليقل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، ولم يبق إلا وجهك يا حي يا قيوم، اللهم اهد ليلي وأنم عيني، وليتبع ذلك بقراءة الآيات والأحاديث الواردة، وليتأكد أنه لن يقارب تمام هذه الأذكار إلا وقد غشي النوم أجفانه. عباد الله الرؤى الصادقة كثيرة جداً، فرؤى الأنبياء حق ووحي لا شك فيها، وجاء عن السلف رؤىً وقعت وتحققت، وغيرهم كثير، ولو ذهبنا نستعرض جزءاً من ذلك لطال بنا الوقت. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف:100] أسأل الله جل وعلا أن يمن علينا بالتوبة النصوح، وأن يوفقنا لذكره جل وعلا.

أمور تجعل الرؤيا فاسدة

أمور تجعل الرؤيا فاسدة أيها الأحباب إن كثيراً من الشباب الذين شغلوا أنفسهم عن ذكر الله، وتشاغلوا بالمعاصي والملاهي يترددون على العيادات النفسية ومستشفيات الأعصاب وغيرها؛ يشكون قلقاً وجزعاً وضيقاً ونكداً في نفوسهم، وتقلباً في منامهم، وما علموا أن ذلك هو بما اجترحوه في النهار، يلقون بعضاً منه في الليل، ولو عادوا إلى ربهم وآبوا لوجدوا من ذلك خيراً كثيراً. يحدثني رجل أعرفه، وكان ممن يداوي بالقرآن المرضى الذين يأتونه، قال: جاءني شاب متناثر شعر رأسه، قد شحب وجهه، وقد تغير شكله، وقد رأيت فيه هيئة تفزع من رآه، ثم إن أباه قد أتاني -أيضاً- وقال: إنه يشكو في الليل أموراً كثيرة، وفي النهار يقترف أشياء عديدة، قال: فإنه لما أتاني قلت: ما الذي تشكوه؟ فذكر لي من قلقه وفزعه وغير ذلك في منامه، ونكد وقلق نفسه في النهار، عيشةً يتمنى أن يموت ولا يحيا فيها. يقول: فقلت له: يا بني هل تصلي؟ فقال: لا. فقال: عجباً من حالك! كيف تريد أن تطمئن بالنهار وأن تسكن بالليل وأنت لا تصلي؟! أما تعلم أن تارك الصلاة كافر، وما ينفع إن رقيت عليك وقد تكون -ولا حول ولا قوة إلا بالله- على كفر بتركك للصلاة؟ قال: فما تأمرني أن أفعل؟ قال: آمرك أن تستحم من جديد وأن تغتسل وأن تصلي ثم عد إلي من الغد. قال: ففعل ذلك وعاد إلي وقد هدأ، فقرأت على صدره آيات من الفاتحة وآية الكرسي ومما يسر الله من كتابه الكريم، قال: فتردد علي أيام بذلك حتى نفعه الله جل وعلا بها، واطمأن وعاد وهو الآن من الذين يؤذنون للصلاة في أحد المساجد الكبيرة في الرياض، نسأل الله أن يمن علينا وعليه وأن يثبت الجميع على طاعته. إذاً فاعلموا -يا عباد الله- أن كل دقيق وصغير يوحش النفوس ويفزع القلوب إنما هو بما كسبت الأيدي واجترحت الجوارح، نسأل الله أن يسخرنا لطاعته، وأن يمن علينا بهدايته. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم أعنا في ديننا. اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمام المسلمين لما تحبه وترضاه، ووفق اللهم ولي عهده يا أرحم الرحمين! اللهم لا تفرح على أئمتنا عدواً ولا تشمت بهم حاسداً، وقرب منهم بطانة صالحة، ومن علمت فيه شراً لهم فأبعده عنهم. اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا حيران إلا دللته، ولا قلقاً إلا سكنت روعه وهديت قلبه برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الربا [1]

الربا [1] ما حرم الله شيئاً إلا لمصلحة عباده، وإن الناظر في حال متعاملي الربا من الدائن والمدين ليدرك ما يلحقهم من المحق والخسار، والبوار والدمار. فالربا لا يقتصر فقط على من تعامل به؛ بل يتعدى خطره إلى كل المجتمع ليهلكه ويبيد اقتصاده وأمواله، ولن يجعل الله الحل أبداً فيما حرم على عباده.

خطر الربا على المرابي في الآخرة

خطر الربا على المرابي في الآخرة إن الحمد الله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، لم يعلم طريق خيرٍ إلا دلنا عليه، وما علم من سبيل شرٍ إلا وحذرنا منه، صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وجزاه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله بإتيان ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، واتقوا الله جل وعلا في كل وقتٍ وفي كل لحظة، وفي كل فعلٍ وقولٍ وعمل، فإن الله جل وعلا ما خلقكم إلا تعبدوه، وما خلق الخلائق أجمعين ليستعز بهم من ذلة، أو ليستكثر بهم من قلة، فهو الغني الحميد سبحانه لا إله إلا هو وهو على شيءٍ قدير. معاشر الأحباب: يقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275]. معاشر الأحباب: إن المتأمل لكتاب الله جل وعلا ليجد أن الله سبحانه وتعالى عَظَّمَ جانب الربا في شأن من يتعامل به، وخطورة مآله وحاله، فإنه خطرٌ عظيم، وشرٌ جسيم في الدنيا والبرزخ والآخرة، ولذلك فقد جاء في آخر سورة البقرة فصلاً مطولاً في شأن الربا، والله جل وعلا يوم أن قال: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] أي: يوم القيامة، أكلة الربا لا يقومون إلا كما يقوم المصروع الذي يتخبطه الجن والشياطين، وذلك بما أثقل نفسه به من المال الحرام، فإنه عند ذلك لا يستطيع النهوض إلى الحشر إلا بمدافعة نارٍ تلحقه، وكما جاء في الأثر: (يوم أن ينفخ في الصور ويحشر العباد وينفرون، فإن أكلة الربا كلما قاموا سقطوا على وجوههم، وصرعوا على جنوبهم) فشأن الربا عظيمٌ وخطره جسيمٌ جداً يا عباد الله! ولعل من عظيم قول الله جل وعلا فيه، ومن عظيم التهديد والوعيد في شأنه أن الله سبحانه لم يجعل له عقوبةً حسيةً معينة، أي: كالحدود والقصاص والرجم وغيرها، وإنما توعد آكله بحربٍ منه، وتوعد متعامله بحربٍ من رسوله، وما شأن مسلمٍ يحاربه الله ورسوله فهل تبقى له قائمة؟! وهل يكون له في الخير نصيب بعد أن حاربه الله ورسوله؟! في الحديث: (إذا بعث الله الناس يوم القيامة خرجوا مسرعين إلا أهل الربا، كلما قاموا سقطوا على وجوههم وجنوبهم) وذلك يا معاشر المتقين! بما أثقلوا بطونهم به من المال الحرام، ولقد جاء في حديث المعراج: (أنه صلى الله عليه وسلم لما عُرج به رأى رجالاً بطونهم بين أيديهم كالبيوت فيها حيات وعقارب ترى من ظاهر بطونهم، فقال صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هم أكلة الربا). معاشر المؤمنين: لا شك أن الربا سحرٌ يغري المتعامل به، ويغري صاحب المال أن يقع فيه؛ وذلك لأنه في هذا الزمان تيسرت سبل التعامل به، وتيسر أسباب الربح فيه، إذ أن الكثيرين يرون أن من مصالحهم أن يودعوا أموالهم أو ما يسمونه أرصدتهم في بنكٍ من البنوك التي تدفع فائدة سنوية عليها، فيجد أن ماله يتضاعف، ويجد أن ماله يتكاثر، وهو قابع قاعدٌ في بيته، لا شك أن هذا سحرٌ يغري كثيراً من ضعفاء الإيمان واليقين من الذين لا يرعون أمر الله ونهيه، يغريهم بأن يتعاملوا بأموالهم على هذا الشأن. ولا شك يا عباد الله! أن أسلوب التعامل بالمال على هذا النحو يوقع المجتمعات في كارثة اقتصادية، إذ أن شأن هذا النوع من التعامل يجعل الأغنياء يتضاعفون غنىً، ويجعل الفقراء يزدادون فقراً إلى فقرهم، ومسكنةً إلى ضعفهم، وحاجةً إلى متربتهم، وبعد ذلك تنشأ الطبقية، وتنشأ الثورات والقلاقل في المجتمع؛ لأن المجتمع حين ذاك ينقسم إلى قسمين أساسين: طبقة أصحاب الأموال وهم الأغنياء، وطبقة الفقراء وهم الكادحون، وكلكم يعرف أن الثورة البلشفية والثورة الفرنسية نشأت وكان من أهم أسبابها آنذاك يوم أن انقسم المجتمع إلى هذه الطبقات الكادحة وتلك الطبقات الغنية. إذاً: فأمر الربا خطيرٌ جداً في شأن المجتمعات، نسأل الله جل وعلا أن يقينا مصارع أهل الربا وأن يبعدنا عنه، وأن يقينا من التعامل به، إنه على كل شيءٍ قدير، وبالإجابة جدير.

أثر الربا على أموال المرابي

أثر الربا على أموال المرابي ثم لنتأمل الآية التي تليها في قول الله جل وعلا: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:276] فأي شيءٍ بعد أن محق الله الربا؟ ولا يغرنكم رؤية أصحاب الربا في قصورٍ فارهة، أو مراكب وثيرة، أو في أماكنٍ عالية، فإن شأنهم إلى الذلة، وإن شأنهم إلى الصغار، وهي سنة الله لا تتبدل ولا تتحول، ولن تجد لسنة الله تبديلاً بقوله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} [البقرة:276]. فالربا يمحق الله سبحانه وتعالى أهله، ويمحق مشاريعهم، ويمحق استثماراتهم، ويمحق كل شيءٍ جعلوا الربا سبيلاً إلى النماء فيه، وإننا لنرى في هذه الأيام كثيراً من الذين غرتهم المادة، وأحبوا أن ينطلقوا بالمال يمنةً ويسرة، فاقترضوا من البنوك -باسم المشاريع- بالربا أموالاً آلت نهايتهم إلى الانكسار، فترى الواحد منهم يعيش أعظم الدَّين وأثقله على كاهله بسبب عمالةٍ لم يدفع رواتبها، وبضاعةٍ تأخر تسديد قيمتها، وبسبب أعمالٍ لم ينجزها، وما ذلك إلا لأنه بدأ من حرام، بدأ من سحت، بدأ من شيءٍ لعنه الله ولعنه رسوله، فكيف يرجى لرجلٍ يريد بنياناً شامخاً أن يعلو بنيانه وهو قد أسسه على شفا جرفٍ هار فانهار به إلى الدمار والهلاك؟! وإن لم يتب فسينهار به إلى نار جهنم عياذاً بالله من ذلك. كلكم ترون كثيراً من الذين وقعوا نتيجة هذه المصائب والانكسارات المالية، لو دققتم في شأنهم لوجدتم أن كثيراً منهم استدانوا بالفوائد والربا، واستدانوا بما يسمى بنسبة الفائدة، أو بما يسمونه بالتسهيلات، وما هي والله إلا عين الربا الذي لعنه الله ولعنه رسوله، ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، عياذاً بالله من حالٍ ملعونةٍ كهذه. معاشر المؤمنين: إذاً فلنعلم أن خطورة الربا ليست على الأفراد وحدهم، وإنما هي على المجتمع، ومن ثم تنقلب هذه المشاكل بلاءً ودماراً على الأمة.

فتح باب التوبة للمرابي ووعيده إن لم يتب

فتح باب التوبة للمرابي ووعيده إن لم يتب ثم الله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:278] نداءٌ ربانيٌ كريم لطيف بالعباد، {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:278] فمن كان يدعي الإيمان وينتسب إلى الإسلام فلا حق له أن يقيم على الربا، ولا يجوز له أن يتعامل به، والله جل وعلا يناديهم أولاً بهذا الأسلوب اللطيف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:278] في ذلك فتحٌ لباب التوبة، ونداءٌ إلى العودة والأوبة {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة:279] وإن لم تنزجروا، وإن لم تتوبوا وتعودوا {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279]. وبعد هذا التهديد ما ظنكم بحرب الله على العباد الذين يتعاملون بالربا؟! أتظنونها حرباً كحرب البشر؟! إنها حربٌ على العبد في ليله ونهاره، إنها حربٌ على العباد في أمنهم وأوطانهم وأبدانهم وأموالهم وذرياتهم وكل شيءٍ يتعاملون به، ولا يغرنكم أن تروا مرابياً يتعامل بالربا وهو يعيش عيشة الأثرياء أو الأغنياء، فإن الله جل وعلا يمهله ثم إذا أخذه أخذه أخذ عزيزٍ مقتدر، أخذه أخذةً تكون العبرة لغيره، نسأل الله أن يجعلنا من المعتبرين، وألا يجعلنا من الذين يعتبر بهم. {وَإِنْ تُبْتُمْ} [البقرة:279] عودةٌ إلى فتح باب التوبة، وهي مفتوحةٌ إلى يوم القيامة قبل أن تطلع الشمس من مغربها، مفتوحةٌ للعبد قبل أن يغرغر وقبل أن تصل روحه حلقومه: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279] ليس لكم إلا رءوس أموالكم، أما ما تنامى وتضاعف فما هو إلا زَبدٌ وجُفى فإنه ليس لكم، فإنه ليس من مكسبكم، فإنه ليس من مطعمكم. ثم الله جل وعلا بعد ذلك يقول خطاباً لطيفاً: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] فيه ربطٌ بهذه الآيات، وشأن الذين يتعاملون بالربا الذين إذا استدانوا أو أدانوا أحداً من الناس مبلغاً من المال فإذا حل الأجل قالوا له: إما أن توفي وإما أن نربي عليك المال، أي: تتضاعف الفائدة عليك، أي: يتضاعف الربا عليك، فالله جل وعلا نبه المؤمنين ألا يتعاملوا بالربا ابتداءً، وألا يتعاملوا به بعد حلول الأجل، إذ أن من الناس من يكون في بداية أمره سليم النية، يحب أن يوسع على غيره من إخوانه، فيقرضهم مبلغاً من المال، فإذا حل أجله وضاقت المماطلة به نتيجةً لقلة ذات يده، فإنه قد يعرض عليه هذا الأمر، فيقول: أؤجلك أو أنسئك إلى عامٍ قابل بشرط أن يتضاعف المال كذا وكذا، فهذا عين الربا الذي نهى الله جل وعلا عنه، وهو ملعون آكله وملعونٌ موكله وكاتبه وشاهديه. ثم بعد ذلك حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنص هذه الآية، هي أنه صلى الله عليه وسلم جاء عنه: (أنه لعن آكل الربا) أتظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن توجهت لعنته على أكلة الربا، أتظنونهم يسلمون في مآلهم وحالهم؟! لا والله إن لم يتداركهم رب العباد بتوبةٍ صادقةٍ نصوح، وإقلاعٍ عن هذا الأمر. معاشر المؤمنين: كلكم تعلمون أن خطر الربا عظيم، وأن شره جسيم، وأنه سحت: (وكل جسمٍ نبت من سحت فالنار أولى به) أعيذكم ونفسي بالله من الربا، نعوذ بالله من سخطه، ونعوذ بالله أن نأكل من الربا من قليله أو كثيره، وإن كنا في زمانٍ كما جاء في الحديث: (يأكل الناس الربا، ومن لم يأكله فإنه لن يسلم من غباره) نسأل الله أن يتجاوز عنا، وأن يتوب علينا، وأن يمن على الذين يتعاملون بالربا بالهداية، وأن يعودوا إلى رأس مالهم لا يظلمون الناس ولا يُظلمون. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

ضابط حاجة الربا وإنظار المعسر

ضابط حاجة الربا وإنظار المعسر الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، الحمد لله له على إحسانه، والشكر له على تفضله وتوفيقه وامتنانه، الشكر لله على نعمةٍ في أبداننا، وأمنٍ في أوطاننا، وأرزاقٍ في أموالنا، له الحمد سبحانه لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، والصلاة والسلام على أشرف خلقه، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وكل محدثةٌ بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. معاشر الأحباب: الزموا جماعة المسلمين، ألا وإن من لزوم جماعة المسلمين أن نشهد وأن نحضر الصلوات معهم في المساجد جماعة. عباد الله: كلكم سمعتم هذه الآيات البينات التي لو لم يرد في شأن الربا إلا هي لكانت زاجراً، ولكانت شيئاً يكف فاعل الربا أن يتعامل أو يستمر فيه، ولكانت مانعاً لمن سولت له نفسه أو همت أن يقترض بالربا أن تكون زاجراً ومانعاً له من التعامل فيه. معاشر الأحباب: لا شك أن كثيراً من الناس يؤولون بعض أحوالهم، ويؤولون بعض ظروفهم، فيقولون: إن الحاجة أو أن الضرورات تبيح المحرمات، وعند ذلك يتوجهون إلى أي جهة تقرضهم بالربا، فهذا لا يجوز، وما نوع هذه الحاجة التي يدعونها؟ أهي حاجةٍ حقيقية؟ أتدرون ما هي الحاجة التي تبيح المحرمات؟ إنها مقدار حاجة يسيرة تدفع عطش الموت بشربةٍ ولو كانت من خمر، وتدفع شيئاً من الجوع الذي يؤدي إلى الهلاك بأكلةٍ ولو كانت بشيءٍ قليلٍ جداً من الميتة أو الحرام حتى تندفع الحاجة. أما الذين يريدون أن يستثمروا أو أن يتمولوا، وبعد ذلك يتوجهون إلى من يقرضهم بالربا، فإنهم ليسوا بحاجة، وإن ادعوا أن مشاريعهم ستسحب منهم، أو أنهم لا بد أن يكسبوا هذه الفرصة، فهذا تحايلٌ وهذا جهلٌ، والله جل وعلا عليمٌ بالسرائر والظواهر. فالله الله يا معاشر الأحباب! لا يجرنكم هذا الأمر إلى ذلك، وينبغي لمن كان له حقٌ على مدينٍ معسر وهو يعلم إعساره ألا يضطره إلى أن يقترض بالربا؛ لأن ذلك خطرٌ عليك، وقد يكون هو السبب في أنه اضطره إلى أن يقترض بالربا، ومن هنا جاءت الآية: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] لأن كثيراً من الناس إذا حل له شيءٌ من حقه على معسرٍ من المعسرين لا يبالي بأي وادٍ هلك ما دام يمشي، ولا يقنعه أو يريح ضميره إلا أن يودعه داخل السجن، فما يفعل السجن به، هل السجن يعطيه مالاً؟ وهل السجن يصنع له نقداً؟ إن هذا لا يجديه في قليل أو كثير، وإن صاحب الحق إذا أوقف أو أودع غريمه في السجن لا يزداد إلا أن يتأخر ماله، ولو تركه حراً طليقاً يجمع المال من هنا وهنا، ويقسط ما استطاع عليه من المال، فإنه بذلك ينال ثواب أنه أنظره إلى الميسرة، ورحم عسره، ورحم فقره وحاجته، ويكون بذلك قد نال حقه على التراخي وعلى المهلة، ويكون من الذين ينالون الأجر والثواب؛ بأنه أنظره من حال العسرة التي هو فيها.

بيع العينة وصور تخرج منه

بيع العينة وصور تخرج منه معاشر المؤمنين: كثيرٌ من الناس حينما تحل عليه الحاجة، أو يتوجه عليه حلول الدَّين فإنه يتوجه إلى مكانٍ يتورقون الناس فيه، ومسألة التورق تعرفونها جيداً، يسميها بعض العامة بالوعدة، أو يسمونها بالدِّينة، وهي مسألة التورق في حقيقتها، ولها صور وأشكال شتى، فينبغي لمن أراد أن يتعامل بهذا النوع منها أن ينتبه لكي لا يقع في الحرام بحيلةٍ من محللٍ دخل طرفاً في هذه العملية، أو بحيلةٍ من صاحب المحل الذي باعه بضاعةً معينة، ثم اشتراها منه في نفس الوقت في نفس الساعة ودفع له قيمةً أقل منها، ألا وإن ذلك هو ربا العينة الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: (إذا تبايعتم بالعينة، وتبعتم أذناب البقر؛ سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى تراجعوا دينكم) فينبغي لمن توجه للتعامل بهذا الأمر -لحاجةٍ ماسةٍ به- أن يتعامل به في حدودٍ مشروعة. ولعل أنقى الصور وأوضحها: أن تشتري بضاعةً إلى أجل، ثم بعد ذلك تحوزها إلى رحلك، ثم تبيعها إلى من شئت من الناس، بسعرها أو بأقل منه أو أكثر، بشرط أن لا يكون هناك حيلة من صاحب المال أن يرسل أحداً يشتريها بقيمةٍ أقل منها، أو أن يكون هناك اتفاقٌ مسبق أن تشترى منك هذه البضاعة بدخول طرفٍ ثالث في هذه العملية. ولعلَّ من صورها التي يجوز للناس أن يتعاملوا بها: إذا كان الإنسان محتاجاً إلى سيارةٍ معينة، أو محتاجاً إلى مالٍ معين أن يتوجه إلى أحدٍ من الناس، فيقول له: إني بحاجةٍ إلى سيارة، أو بحاجةٍ إلى سلعة، أو بحاجةٍ إلى كذا، فتوجه معي إلى مكانها فاشترها بسعرها، فإذا اشتراها وحازها وامتلكها وكتبت باسمه قال: أنا أشتريها منك بعد ذلك مؤجلةً ولو ازداد شيئاً من المال مقابل نسبة الأجل، فلا حرج في ذلك إن شاء الله. أما ما يتعامل به كثيرٌ من الناس، ويتحايلون على الله، والله جل وعلا هو الذي يعلم السرائر والظواهر، فكيف يسلمون من هذا الشر، نسأل الله جل وعلا أن لا يحوجنا إلى ذلك، اللهم لا تحوجنا إلى تورقٍ، أو إلى دينٍ، أو إلى رباً. ولا حاجة لمسلمٍ في الربا؛ لأنه يعلم أن ما عند الله أحب إليه من ذلك، وأن قَدَرَ الله مهما عظم أرحم به من أن يقع في الربا، وأن فرج الله مهما تأخر فإنه أقرب إليه من أن يتعامل بالحرام. نسأل الله جل وعلا أن يوفق الجميع إلى ما يحبه ويرضاه. سمعنا في هذه الخطبة قول الله جل وعلا في آيات الربا، من آخر سورة البقرة، ولقد جاءت آيةٌ في سورة آل عمران تنهى المؤمنين أن يتعاملوا بالربا، وهو الربا المضاعف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130] وتوعد من فعل هذا بالعذاب الشديد، نسأل الله جل وعلا أن ينجينا من الربا، وألا يجعل له سبيلاً إلينا في مآكلنا ومشاربنا ومعاملاتنا. عباد الله: من يتقي الله يجعل له مخرجاً، ما ضاقت على العبد ضائقة فلن يجد فرجها إلا فيما أحل الله له، وإن كثيراً من الناس قد يتعامل بطريقةٍ نزيهة حتى يأتيه من يهون عليه أو يسهل له أمر الربا فيقترض بالفائدة، وبعد ذلك يعود هذا المال القليل نسبةً إلى البوار والهلاك والخسارة في ماله الكثير كله، وبعد ذلك يتوجه الدَّبور عليه في كل أمرٍ من أموره، ولا غرابة فإن الحرام ممحقٌ للبركة، نسأل الله جل وعلا أن ينجينا من الربا. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم من أراد بولاة أمورنا فتنة، وأراد بعلمائنا مكيدة، وأراد بشبابنا ونسائنا ضلالاً وتبرجاً وسفوراً؛ اللهم فاجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أذهب سمعه وبصره وعقله، واجعله عبرةً للمعتبرين وعظةً للمتعظين بقدرتك يا جبار السماوات والأرض. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم بطانةً صالحة، اللهم ارزقهم بطانةً صالحة، اللهم جنبهم بطانة السوء، اللهم ما علمت في أحدٍ خيراً لهم فقربه منهم، وما علمت في بشرٍ شراً لهم فأبعده عنهم، اللهم انصرهم ولا تنصر عليهم، اللهم ارفعهم ولا ترفع عليهم، اللهم سخِّر لهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك، وقربهم إلى من تحبهم وترضى عنهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً قضيته، ولا مريضاً إلا شفتيه، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، ولا مديناً إلا قضيت دينه، ولا معسراً إلا حللت عسره، يا فرج المكروبين، يا نصير المستضعفين، يا إله الأولين والآخرين، فإن أمرك سبحانك يا حي يا قيوم بين الكاف والنون، وتقلب العسر إلى يسر، وتقلب الضيق إلى فرج، وتقلب الكرب إلى سرورٍ وراحة بقدرتك يا جبار السماوات والأرض. اللهم لا تدم على مسلمٍ ضائقة، اللهم لا تدم على مسلمٍ كربة، اللهم من كان مكروباً في دَين نسألك اللهم يا حي يا قيوم، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا من كان مكروباً في دَين أن تفرج كربته، وأن تفك عسره، وأن ترزقه من واسع فضلك، وأن تغنينا وتغنيه بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، وأغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر نبينا محمدٍ، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه واشكروه على نعمه واشكروه على ما تفضل به عليكم يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الربا [2]

الربا [2] إن المسلم العاقل عندما يسمع عظم الإثم الواقع على من يقع في الربا ليحجم ويقلع ويتوب إلى ربه عز وجل؛ لأن الضرر لاحق به في دنياه وآخرته، ومن لم يقلع عنه فإنه محارب لله ورسوله، ومن ذا يحارب ربه ونبيه ويفلح؟! ومن علم أن الله حرم الربا فلا يغره ما يتحدث به رجال -وإن تصدروا للإفتاء- من القول بجوازه؛ فإنه محاسب على فعله.

عظم الإثم الواقع على المرابي

عظم الإثم الواقع على المرابي الحمد لله الواحد بلا شريك، والقوي بلا نصير، والعزيز بلا ظهير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو الذي أنشأنا من العدم، وهدانا للإسلام، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل ما سألناه أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وعلى من اتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131]. معاشر المؤمنين: مر الحديث بنا في الجمعة الماضية عن الربا، وأن خطره عظيم، وأن شره جسيم، وسمعنا ما ذكره الله جل وعلا في كتابه الكريم من الآيات الواردة في شأن الربا وفي شأن الذين يأكلونه لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم الذين تتخبطهم الشياطين صرعى من الجنون، وأنهم ممحوقو البركة فيما يأكلون ويشترون ويفعلون بهذا المال الذي هو من الربا، وأنهم مؤذنون بحربٍ من الله ورسوله إن لم يقلعوا عنه. ولقد جاء في السنة النبوية شيءٌ كثيرٌ وكثيرٌ جداً في شأن هذا الربا، فمن ذلك ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات -أي: المهلكات- قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) أرأيتم كيف عَدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الربا وجعل صاحبه مع أهل الموبقات المهلكات. وروى النسائي رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت الليلة رجلين آتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا حتى أتينا على نهرٍ من دم فيه رجلٌ قائم، وعلى شط النهر رجلٌ بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر يسبح فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجرٍ في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت ما هذا الذي رأيت في النهر؟ قالا: آكل الربا). وروى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) ألا وإن في هذا الحديث لنذيرٌ لمن يتعامل بالربا؛ من قريبٍ أو بعيد، سواء كان مودعاً أو مقترضاً، أو آكلاً أو مستثمراً أو موكلاً أو كاتباً أو شاهداً. وروى الحاكم وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الربا ثلاثٍ وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه)، وروى ابن أبي الدنيا والبغوي وغيرهما موقوفاً قال: (الربا اثنان وسبعون حُوباً، أصغرها كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهمٌ من الربا أشد من بضعٍ وثلاثين زنية، قال: ويأذن الله للبر والفاجر بالقيام يوم القيامة إلا آكل الربا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس). وروى الإمام أحمد والطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية)، وروى الطبراني في الصغير والأوسط: (من أعان ظالماً بباطلٍ ليدحض به حقاً، فقد برأ من ذمة الله وذمة رسوله، ومن أكل درهماً من ربا فهو مثل ثلاثٍ وثلاثين زنية، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به). معاشر المؤمنين: الأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ وكثيرةٌ جداً، وحسبكم بهذه المعصية الموبقة شراً وبلاءً أن اليسير منها أعظم عند الله من زِنا الرجل في الإسلام بأمه، والله إنه لأمرٌ عظيم، ولشرٌ عظيم، ولبلاءٌ عظيم.

خاتمة أصحاب الكبائر

خاتمة أصحاب الكبائر إن المتأمل لأحوال أكلة الربا، والمتعاطين المتعاملين به، يراهم قلقين مستوحشين، ولو خالطوا الناس بأبدانهم، والكثير منهم تنقلب عليهم أموالهم حسرةً وندامة إذ يعيش بعضهم ثرياً غنياً، لكنه مسلوب الصحة والعافية، أو مسلوب الراحة والاطمئنان، أو بعض الحواس، يرى أمواله من حوله، لا تسعفه ولا تسقيه أو تغنيه من ظمأٍ أو جوع، وهذا أشد العذاب على النفس، وأعظمه وقعاً عليها، ولقد ذكر الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ويسمى هذا الكتاب بـ الداء والدواء، ذكر في شأن مغبة الكبائر وعقوباتها على العبد في الدنيا، والبرزخ والآخرة ما معناه: إن من العصاة من يختم له بسوء الخاتمة بسبب معصيته التي مات مصراً عليها ولم يتب منها، وذكر منهم وأكثر فيهم أكلة الربا بأنهم في الغالب لا يسلمون من سوء المصير، وخطر الخاتمة، وذكر قصة أحدهم لما حضرته الوفاة فجعل مَنْ حوله يلقنونه الشهادة، يقولون: قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فجعل يقول: ده ياز ده، هذه كلمةٌ فارسية ومعناها: العشرة بخمسة عشر، حتى مات وهو يقول: ده ياز ده ولم يتلفظ بالشهادتين أو ينطق بهما. معاشر المؤمنين: اعلموا أنه ليس من شرط سوء الخاتمة لآكل الربا أو المصر على المعاصي أن يموت عاجزاً عن نطق الشهادتين، فأحوال سوء الخاتمة كثيرة جداً، منها: أن يموت بالفجأة، أو بسكتةٍ قلبية، أو بحادثٍ رهيبٍ مدمر؛ كاصطدام أو حريق أو غرق، أو أن يموت سكيراً مخموراً، أو تقبض روحه وهو في أحضان باغية، أو أن يقبض وينتقل إلى الآخرة وهو على معصية، أو بأي سبيلٍ من السبل التي لا يستطيع معها أن يستدرك أو يتوب من معصيته وكبيرته التي وقع فيها إلا حين أن تبلغ الروح الحلقوم، ويجئ الموت على البدن: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} [المؤمنون:99] ماذا يقول؟ فيقول هو وكل مجرمٍ مصرٍ على الذنوب حينئذٍ: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:99 - 100] ويا هول ذلك البرزخ، وما أطوله على الكفار والعصاة والمجرمين المُصرين.

ما يوقعه الربا بالمجتمعات من فساد

ما يوقعه الربا بالمجتمعات من فساد معاشر المسلمين: إن انتشار الربا في المجتمعات وشيوع تعاطيه بين الناس لنذير شرٍ بعذابٍ يحل بمن هم كذلك، كما أفادت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأولها ما سمعتموه وتعلمونه قول الله جل وعلا: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة:279] أي: إن لم تقلعوا عن الربا {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] ومن ذا يكون حرباً لله ورسوله، وسِلماً للشيطان وأعوانه وأذنابه، ثم يطمع أن يعيش آمناً مطمئناً سليماً منعَّماً، هذا محال، وإن تُصور لبعض الناس في ظواهر أمورهم فإنما هو استدراج وإمهالٌ لا إهمال فيه، وماذا بعد الفشل والخسار والبوار من مصيبةٍ على أناس يتعاملون بالربا، بعد أن محق الله بركة أموالهم وأرزاقهم، وكل شيءٍ جعلوا الربا سبيلاً للوصول إليه، أو إلى النماء فيه. من الأحاديث التي جاءت في عظم شأن الربا وخطورته على الأمم والمجتمعات: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه الإمام أحمد: (ما من قومٍ يظهر فيهم الربا إلا أُخذوا بالسَّنة، وما من قومٍ يظهر فيهم الرشا -أي الرشاوى- إلا أُخذوا بالرعب والقحط). وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده ليبيتن أناسٌ من أمتي على أشرٍ وبطرٍ ولهوٍ ولعبٍ فيصبحوا قردةً وخنازير؛ باستحلالهم المحارم، واتخاذهم القينات -أي: المغنيات- وشربهم الخمور، وأكلهم الربا، ولبسهم الحرير). وروى الإمام أحمد والبيهقي واللفظ له: (يبيت قومٌ من هذه الأمة على طُعمٍ وشربٍ ولهوٍ ولعب فيصبحون قد مسخوا قردةً، وليصيبنهم خسفٌ وقذف حتى يصبح الناس فيقولون: خُسف الليلة ببيت آل فلان، وخسف الليلة بدار فلان، ولترسلن عليهم حجارةٌ من السماء كما أرسلت على قوم لوط، على قبائل منها وعلى دور؛ بشربهم الخمر، ولبسهم الحرير، واتخاذهم القينات، وأكلهم الربا، وقطعهم الرحم، ولخصلةٍ نسيها الراوي). معاشر المؤمنين: هل بعد هذا يبقى في قلب مسلمٍ إصرارٌ على التعامل بالربا؟ هل بعد هذه المصائب والبلاء وبعد هذه المخاطر يتعامل مسلمٌ بالربا أو يبقى مصراً فيه؟! وينبغي لمن وقع في ذلك أن يقلع عنه، ومن كان مديناً لأحدٍ بدينٍ من الربا ألا يرد الفائدة عليه، ألا وإنه ليس لهم إلا رءوس أموالهم لا يظلمون ولا يُظلمون، لا يظلمون ولا يُظلمون، لا يظلمون ولا يُظلمون، شرع الله وهو أحكم الحاكمين، وهو أعدل وأقسط القاسطين، سبحانه جل وعلا، ألا وإن لكل مسلمٍ يريد أن يتوب أن يقلع عن الربا وأن يرد عليه رأس ماله، ألاَّ وإنه إن راد الفائدة لمخطئ ولمجرمٌ ولمذنب، وعليه أن لا يرد شيئاً من هذا. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم التواب الرحيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

حرم الله الربا ولا عبرة بالمتجرئين على الله

حرم الله الربا ولا عبرة بالمتجرئين على الله الحمد لله منشئ السحاب، وهازم الأحزاب، ومنزل الكتاب، وخالق الخلق من تراب، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو الأول ليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، بيده مقادير كل شيء، وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. معاشر المؤمنين: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. معاشر المسلمين: ينبغي أن نعلم حق العلم، وأن نتيقن حق اليقين أن الربا محرمٌ بجميع صوره وأشكاله، سواء ربا العينة، أو ربا النسيئة، أو أي رباً دخلت فيه حيلة محللة، ينبغي أن نعلم أن الربا محرمٌ بجميع أشكاله وصوره. ولا عبرة بأناس وإن وضعوا العمائم على رءوسهم أو تصدروا مجالس الإفتاء في بلادٍ غير هذه البلاد، إن قالوا: إن ربا الاستثمار جائز، أو إن القروض بالفوائد على المشاريع الإنتاجية أو الاستثمارية أنه جائز، فإن الله جل وعلا حرم الربا بجميع أشكاله، وبجميع صوره، فقال جل من قائلٍ عليماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} [البقرة:278] اتركوا ما بقي الربا في أيديكم، ولو كان هناك إمكان تهاونٍ أو تساهلٍ في شأنٍ من شئون الربا لترك ما بقي في أيديهم، ولاستأنفوا كل حالٍ جديدٍ بدون تعاملٍ بالربا، ولكن الله جل وعلا تعظيماً لخطر شأن الربا وبلائه على الأنفس والمجتمعات، قال وهو أحكم القائلين: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا} [البقرة:278] فهل بعد هذا يجرؤ قائلٌ، أو يفتي مفتٍ أن الربا في القروض الإنتاجية جائز؟! أو أن يقول قائلٌ: إن الحرام هو ما زاد عن الثلث، وأن الفوائد إذا نقصت عن الثلث فهي حلال؟! هذا اجتراءٌ على الله جل وعلا، واستدراكٌ على شرعه، وإن علموا بحرمة ذلك وأيقنوه، وأفتوا بخلافه، فإنهم على خطرٍ عظيمٍ بالشرك بالله، والمروق من الدين عياذاً بالله من ذلك. ألا وإن الربا خطرٌ عظيم عليكم معاشر الأفراد، وعلى المجتمعات والدول، ونذيرٌ بالحروب والهلاك، والجوع والقحط والدمار، نسأل الله جل وعلا أن يقينا شر الربا، وأن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبفضله عمن سواه. اللهم لا تجعل لهذا الحرام سبيلاً في أموالنا. معاشر المؤمنين: كيف يجترئ مسلمٌ أو يطمئن باله أو يهدأ ضميره وهو يأكل من الحرام أو ينفق من الحرام، وينبت جسمه من حرام، ويعطي زوجته وأولاده أو يتصدق من حرام: (وكل جسمٍ نبت من حرام فالنار أولى به). إنها لأعجوبة، وإنها لمصيبة، وإنه لأمرٌ غريبٌ أن يصر البعض أو يبقون على الربا، أو يقولون: نحن في ضرورة، أو نحن في حاجة، وإن لم نستدن أو إن لم نستثمر لوقعنا في ضررٍ أو في هلاك، وكما قلنا: إن الضرر هو ما تندفع به الحاجة عن الموت، أن الضرر الذي يعتبر أو يتساهل فيه شرعاً، وتنطبق فيه القاعدة الشرعية: (الضرورات تبيح المحرمات) إنما بقدر ما يدفع الهلاك عن النفس، فهل بقي أحدٌ على وشك الموت فلم يجد لقمةً إلا بالحرام أن يأكلها، عند ذلك لو أكل في مخمصةٍ من ميتةٍ أو غيرها فلا إثم عليه، أو شرب شربة خمر ليدفع الغصة دفعاً للموت فلا إثم عليه، أما أن يدعي بالضرورة لكي يستثمر أو ليحرك مصنعاً أو مشروعاً فهذا بلاءٌ وهذه مصيبةً وليست ضرورة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم من دعا إلى الربا وإلى الفتن وإلى الزلازل والمحن، اللهم فاجعل كيده في نحره، اللهم فاجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم أدر عليه دائرة السوء. اللهم من أراد بولاة أمورنا فتنة، وبعلمائنا مكيدة، وبشبابنا ضلالاً، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم فاذهب سمعه وبصره وعقله، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، وأسوأ من ذلك يا جبار السماوات والأرض، فإنهم لا يعجزونك. اللهم اختم بالسعادة آجالنا، اللهم اختم بشهادة أن لا إلا الله وأن محمداً رسول الله آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، ولا تجعل إلى النيران منقلبنا، ولا فيها مثوانا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعلهم خير أئمةٍ لخير رعية، اللهم قرب منهم من علمت فيه صلاحاً لهم، وأبعد عنهم من علمت فيه شراً لهم، اللهم اجمع شملهم ووحد كلمتهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، وارفعهم ولا ترفع عليهم، اللهم سخِّر لهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك يا جبار السماوات والأرض يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لنا ولجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم لا تدع لمسلمٍ في هذا المكان وغيره ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته. اللهم يا فرج المكروبين! يا قاضي الدين عن المدينين! يا نصير المستضعفين! يا إله الأولين والآخرين! نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، وباسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، أن تقضي الدَّين عن المدينين، وألا تحوجهم إلى الربا بحالٍ من الأحوال يا أرحم الراحمين، ولا حاجة لمسلمٍ إلى الربا. اللهم لا تدع لنا هماً إلا فرجته، اللهم اجعل لنا من كل ذنبٍ مغفرة، ومن كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافيةً، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمةً برحمتك يا أرحم الراحمين. إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، نبينا محمدٍ وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الشباب بين الشهوة والشبهة

الشباب بين الشهوة والشبهة الشباب هم عماد الأمم؛ فبهم تحيا، وعليهم تقوم، ولما علم أعداء الله ذلك سلطوا على شباب الأمة الإسلامية ألواناً من الفساد في الفكر والعقيدة والشريعة، أو فساد الأخلاق عن طريق المجون واللهو العابث. ولا خلاص من هذا إلا بالعود عوداً حميداً إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فهما قارب النجاة لكل غريق، والطريق الموصل إلى كل مرغوب ومحبوب في الآخرة.

مقدمة

مقدمة إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وأسأل الله عز وجل بمنه وكرمه وجوده وفضله وأسمائه وصفاته، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب: أن يجمعنا بكم في الجنة كما اجتمعنا في هذا المكان، وأسأله بمنه وكرمه وجوده وأسمائه وصفاته، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب: أن يجمعنا بكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأسأله بمنه وكرمه وفضله وجوده وأسمائه وصفاته، واسمه الأعظم الذي سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب: أن يبسط لنا ولكم في صلاح أعمالنا وإخلاص أفعالنا لوجهه، وصلاح ذرياتنا وسعة أرزاقنا، وعافية أبداننا إنه سميع مجيب. أيها الأحبة! لو لم يكن في هذه المحاضرات سوى أن نعيش ساعة ونجدد العهد واللقاء ونؤكد الميثاق والولاء لله ورسوله وكتابه لكفى، ولو لم يكن في هذه المحاضرات إلا أن نجتمع على غير أهداف، إلا أن نجتمع على غير مطامع أو مصالح لكفى، ولم يكن في هذه المحاضرات إلا أن يتعلم بعضنا من بعض لكفى، ولو لم يكن أولاً وقبل كل شيء في هذه اللقاءات إلا أن تتنزل علينا السكينة، وتحفنا الملائكة، وتغشانا الرحمة، ويذكرنا الله فيمن عنده لكان ذلك كافياً، فما بالكم إذا اجتمعت هذه المنافع والمصالح في مثل هذه اللقاءات المباركة، وكيف لا يكون فيها من البركات والخيرات والذين يجتمعون في بيوت الله يذكرون الله يذكرهم الله في ملئه الأعلى، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبد بي، وأنا معه ما تحركت بي شفتاه، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه). أيها الأحبة في الله! هل تجدون كرامة أعظم وأجل وأرفع وأكرم من أنكم الآن يا معاشر الحاضرين تذكرون في ملأ الله الأعلى، أليست هذه كرامة؟! أليست هذه منقبة؟! أليست هذه منزلة؟! بلى والله. فيا حسرة الغافلين عن هذه البركات! ويا هنيئاً للمقتنصين لهذه الفرص المباركات! أيها الأحبة في الله! في مستهل هذا اللقاء أشكر الله على ما مَنَّ به، ثم أشكر إدارة الإرشاد والتوجيه في الحرس الوطني على ما أكرموني به من شرف اللقاء والحديث إليكم والجلوس بين يديكم (فمن دل على هدى فله أجره وأجور من عمل به) كما أخص بالشكر في هذا المكان فضيلة الشيخ: محمد بن سالم الدوسري الذي كان له عناية ومتابعة طيبة في إكرامنا بهذا اللقاء المبارك.

رسالة إلى كل غافل

رسالة إلى كل غافل أيها الأحبة في الله! حديثنا اليوم يتعلق بالشباب، وكلكم يعيش فترة الشباب أو ودعها أو يقبل عليها، فهي مرحلة لا بد أن يمر بها كل واحد منا، وفي ثنايا هذا الكلام رسالة إلى كل شاب يعيش سن المراهقة وآلامها أو يوشك أن يودعها، ورسالة إلى كل شاب صالح يسعى لإعفاف نفسه، ويدرك خطورة الشهوات والشبهات على نفسه ودينه وأمته، رسالة إلى كل شاب أطلق العنان لشهوته والزمام لنزوته ويبحث عن المخرج، ورسالة إلى كل شاب غافل لم يستفق بعد، وإلى كل مرب وأب وأم، وإلى كل من يعنيه واقع شباب الأمة، وإلى كل من يدرك أهمية العناية بالشباب، هذه كلمات وأشجان ووقفات أنثرها بين يديكم وأشنف بها أسماعكم.

معاول تهدم في كيان الشباب

معاول تهدم في كيان الشباب إن الغالب فيمن ترون أن الواحد منهم ذاك الرجل الذي عايش مرحلة الشباب والقوة والعنفوان والحركة والعمل، والغالب فيمن ترون هو ذاك الرجل الذي مَرَّ بالمراهقة وأدرك ما يعانيه الشباب من صراع الشهوة والشبهة، وقَلَّ أن تجد شاباً إلا وقد اعترك غمار الشهوة وركب عُبابها، فمن شَطَّ في تلك المرحلة فاسأل عنه دور الأحداث والملاحظة، واسأل عنه سجلات جنح الأحداث، واسأل المعلمين والمعلمات، ومراكز الشرط، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ تجد خبراء بما يعانيه شبابنا ذكوراً وإناثاً من سعار الشهوة المتلاطم، وموج الفتن المتعالي، ورياح الشبه والمزالق الفكرية العاصفة، سيما ونحن في زمن اشتدت كربته، وعظمت فتنته، وأصبح دعاة الباطل والشهوة والشبه يجلبون بخيلهم ورجلهم على شبابنا وفتياتنا مستخدمين كل وسيلة في سبيل إيقاع الشباب وإضلاله. من هنا كان لا بد أن نتحدث عن هذا الصدع، وعن معاول الهدم التي تهدد كيان الشباب، فلا بد من تشخيص الداء وبيان الدواء، ومعرفة العلة، وإن سقوط الشباب وانحرافهم لا يمكن أن يقع هكذا فجأة أو بين عشية وضحاها، كلا. بل هناك أسباب ومقدمات وإرهاصات وأدواء خفية، ومكر بالليل والنهار، ومكر كبار، ومكر تكاد أن تزول منه الجبال؛ من أجل تدمير وتخريب وإفساد الشباب، حتى لا تمتلئ بهم المساجد، حتى لا تضج أصواتهم بالتكبير، حتى يشتغلوا بالفن واللهو والطرب، حتى يهتموا بكل ساقط من القول ورديء من الكلام، حتى لا يكون همهم إلا راقصة ماجنة أو ممثلة خليعة أو قصة درامية، أو سم ما شئت من السهام التي وجهت إلى قلوب شبابنا، فأصبح بعضنا يعزي بعضاً في مصاب جلل وخطب فادح حينما نرى غاية اهتمام الشباب هو فتاة يعاكسها، أو حبيبة يواصلها، أو أغنية يرددها، أو صورة يعلقها أو أو إلى غير ذلك، وقُل ما شئت.

انحسار الهمم عند الشباب

انحسار الهمم عند الشباب إن من أعظم الفجائع على الأمة: أن ترى الشباب انحسرت لديهم الهمم بعد أن كان شباب السلف الصالح أمانيهم عظيمة، أحدهم يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا ربيعة -صحابي صغير- سلني حاجتك -اطلب ماذا تريد؟ - يقول: وتعطيني يا رسول الله؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: وأعطيك يا ربيعة -سلني- فقال ربيعة: إني أريد أن أكون لك رفيقاً في الجنة). كانت تلك هي الأماني، كانت الجنة ومجاورة النبي في الجنة، والجلوس في مجلس صدق عند مليك مقتدر، ولقاء الصحابة في الجنة، كانت تلك أعظم الأمنيات، وكانت أرقى الغايات، والآن سل شباب الإسلام عن أمانيهم: أحدهم يتمنى أن تكون الراقصة الفلانية حبيبة أو حضينة أو عشيقة أو زوجة له، والآخر يتمنى أن يصور ولو للقطة أو لحظة مع ذاك الماجن أو ذلك اللاهي، والآخر يتمنى أن يعيش ساعات أو أياماً في مكان العهر والفساد والفجور. ما الذي غير الأحوال؟ ما الذي قلب الأماني؟ ما الذي فعل بالشباب هكذا؟ هل باتوا أبراراً فأصبحوا فجاراً؟ هل أصبحوا صالحين فأمسوا فاسقين؟ هل كانوا مهتدين وفجأة انقلبوا ضالين؟! لا وألف لا. إنه كيد ومكر كبار وعمل دءوب، وتلك مشكلة عباد الله الصالحين؛ أن أعمالهم آنية، وردود أفعالهم مخفية، وتصرفاتهم غير مدروسة بخطط مستقبلية من أجل إصلاح واقعهم ومجتمعاتهم ودعوتهم، أما أهل الشر والباطل فيخططون مخططات بعيدة المدى، ربما لعشرين أو ثلاثين أو خمسين سنة قادمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم إنا نشكو إليك جلد الفاسق وضعف الثقة! أيها الأحبة! إن أمراض الشباب إن تركت دون علاج وقضاء مبرم كان الهلاك كما قال القائل: وللمنية أسباب من السقم وإن لم تبين توضح هذه الأمراض وهذه الأخطار والسهام التي تخترق الشباب وتختلف عليهم ذات اليمين وذات الشمال أوشكوا أن يقعوا فيها جاهلين بأنها أمراض معدية وسموم خبيثة مؤذية. أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا قضيتان خطيرتان: الشهوة والشبهة هي أس القضايا في شأن الشباب، وهي الداء العضال الفتاك الذي أخذ يسري في شباب الأمة الإسلامية على فترة من الجهل والمغريات، وفترة بدأت فيها غربة الدين تستحكم، والشباب يتأرجح بين الأمرين، وكثير من الصالحين في حيرة وغفلة، وبعضهم انقاد به الأمر إلى التجافي والعزلة، فالشباب إن سلموا من شبهة غامضة لم يسلموا من شهوة جامحة، وبعضهم إن سلم من الفتن الفكرية فلن يسلم من الإغراءات الجنسية العصرية.

إعصار من الشبهات يعصف بالشباب

إعصار من الشبهات يعصف بالشباب الشباب اليوم بين طامتين وداهيتن: بين رياح عاصفة من الشبه الفكرية، وأمواج من الشهوات المتلاطمة.

كيف اخترقت الشبهات صفوف المسلمين

كيف اخترقت الشبهات صفوف المسلمين الحق أن أهل الإسلام -ومنهم الشباب على وجه الخصوص- لم يؤتوا ولم تتسور جدرانهم ولم تخترق بيوتهم إلا من طريق استطاع أعداء الله إحسان استعمالها، وهي: ما يورده الأعداء من التشكيك، ومحاولة هز ثقة الشباب بدينه ومعتقده، ومحاولة فتنته عن دينه عقدياً وفكرياً. وهذه القضية يجيئون عليها بوسائلهم المتعددة، ويسوقونها فتن تلو الفتن وشبهات تلو الشبهات، ويؤمها أذناب الغرب وأذيال الاستعمار من أهل العلمنة والحداثة والتفرنج الذين هم للفساد دعاة. ولعل هذه الحرب؛ حرب الشبهات الحرب الجهرية تتمحور في الآتي: لاحظوا وتأملوا الكلام الكثير حول الدعوة إلى زمالة الأديان، وتقارب الأديان، وتحاور الأديان، إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه صفحة من التوراة تغير وجهه وقال: (يا بن الخطاب أومتهوكون فيها وأنا بين أظهركم، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني). وإن الله عز وجل قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فالذين يكتبون عبر بعض الصحف، أو يتكلمون عبر بعض القنوات، أو يطنطنون في بعض الإذاعات بالمقولة التي أول من أثارها وشب أوارها وأشعل فتيلها طائفة من المستشرقين، وتبعهم بعض الأذناب حول قضية تزامل وتقارب وتجمع الأديان، تلك مصيبة من أعظم المصائب. كان الناس فيما مضى إذا رأوا كافراً استحضروا قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة:28] فيرون نجاسة متحركة، لئن كانت النجاسة يؤنف منها وهي رابضة قابعة منزوية فإن قلوب المسلمين فيما مضى كانت مليئة بالولاء للمؤمنين مليئة بالبراء من الكافرين، فإذا رأوا كافراً رأوه عذرة ونجاسة متحركة إلا من ندر فيمن لم يؤذ مسلماً ولم يخطط لتدميره وإيذائه، فذاك إن عاملوه عومل بنية دعوته، ونية إصلاحه، ونية تأليف قلبه، لا بنية حبه أو الثقة بما عنده. أما الآن وفي ظل هذه الدعوة التي كما قال الأول: "اكذب الكذبة ثم رددها مائة مرة يصدقها الناس ويرددونها آلاف المرات" في ظل هذه الدعوة الخطرة أصبح كثير من الشباب يسأل ويحاور ويناقش أليس اليهود إخواننا؟ أليس النصارى إخواننا؟ ألسنا جميعاً أهل كتاب؟ لماذا هذه العداوة؟ لماذا هذه الفرقة؟ لماذا هذا الانفصام؟ لماذا لا نعيش في ظل السماء وفوق سطح الأرض على حب ووئام؟ وهكذا يقول من يقول: لم لا يحتضن الهلال الصليب؟ لما لا تمتد الأيادي بالمصافحة؟ لم ولم ولم؟؟!! والله لو قيلت الكلمات البراقة والجمل القشيبة ليل نهار فإننا متمثلون قول الله عز وجل: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109]، {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:105]، {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة:217]، {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاء} [النساء:89]. مهما قلنا عن تقارب وتزامن وتحاور الأديان فإن مسألة الولاء يجب أن تبقى يقظة حية في النفوس، لأننا إذا أضعفنا المناعة تجاه الكفار، ويقابل ذلك الهوة التي تزداد توسعاً في شأن الولاء مع المؤمنين والمسلمين؛ أصبحنا بذلك لا يهمنا كثيراً ما يحل بالمسلمين، ولا يؤذينا ما يفعله الكافرون، وذلك عين التبلد، ومنتهى الجمود، وغاية ما يتمناه الأعداء. إن أعداء الإسلام لا يمنعونكم من أن تدفنوا قتلاكم، وتداووا جرحاكم، وتسقوا الظمأى والعطشى، وتطعموا الجياع، وتكسوا العراة، لا بأس أن يكون دوركم يمتد إلى هذه الدرجة، أما أن يكون دوركم ابتدائياً إيجابيا فاعلاً لا رد فاعل؛ فإن ذلك أمر يأباه أعداء الإسلام، فماذا نقول إذاً في شأن أمة الإسلام وفي شأن المسلمين إذا كان مبدأ الولاء أخذ يضعف في ظل الدعوة إلى الزمالة والتقارب وغير ذلك؟! إن هذه القنوات الفضائية التي تُصدِّر كثيراً من هذه الأفكار الخطرة والتي يجهل كثير من الناس خطرها على نفسه وعلى أهل بيته لتصب سماً زعافاً من هذا القبيل فمن الذي يَحذر؟ ومن الذي ينتبه؟ ومن الذي يدرك أن وراء الأكمة ما رواءها؟ البعض يعجبه حوار ورأي ورأي آخر واتجاه معاكس، ولا يعلم أن وراء القضية مخابرات يهودية، ولا يعلم أن وراء القضية من يسعى لصياغة العقل العربي والفكر المسلم حتى يعيش في ظل هذه الحوارات وفي ظل هذه الخيارات لا أن يستقل بنظر مستقل؛ ليس بالضرورة أن يوافق هذا أو يوافق هذا. إننا نخشى أن نفقد الاستقلال بالرأي، وأن نتحول إلى حرية في ظل خيار محدود، فليست حرية مطلقة بل هي حرية في ظل خيار بين أمرين، أما أن تختار ثالثاً فذلك هو الذي لا يريده لك مقدم هذه القضية، أو الذي يحيلها أو يدير حوارها.

ترديد الآراء المذهبية الشاذة

ترديد الآراء المذهبية الشاذة أيها الأحبة! ومن المخاطر التي سلطت على الشباب في باب الشبهات: ترديد الآراء المذهبية الشاذة والمرجوحة في بعض القضايا الخطرة. بعض المسائل تطرح في حوار، ثم بعد ذلك يأتي شيخ اجتهد فأخطأ، أو رجل قصد له أن يجيء ليعلن قولاً مرجوحاً شاذاً من أجل أن يضلل الأمة، وليقول للناس هذا ليس بصواب، وهذا ليس بحق، وهذا لا ينبغي. وعلى سبيل المثال: حينما يطرح على مجتمعنا هذا قضية كقضية الحجاب من خلال هذه القنوات الفضائية، ونحن نعرف أن السمت الغالب الظاهر في نساء بلادنا هذه هو تغطية الوجه، ثم يأتي من يطنطن على هذه القضية: لم لا تلبس المرأة حجاباً يكتفي بتغطية الرأس ويبرز الوجه ويكشفه، لم لا نعطي المرأة حقها أن تتنفس الهواء الطلق، لما لا نعطي المرأة حظها في أن ترى الحياة كما هي، غير ملزمين لها أن تلبس نظارة سوداء، لم ولم؟؟ إلى غير ذلك. ما هي النتيجة؟ إن أخطاراً فادحة تنذر بشؤم مقبل إذا ألقت المرأة حجابها، حتى وإن تكلم من تكلم وقال ذلك رأي فيه خلاف أو مسألة فيها نظر، نحن لسنا بصدد الراجح والمرجوح، ولكن مادمنا الآن نعيش طمأنينة وراحة وستراً وانسجاماً في ظروف حياتنا في ظل هذا الحق، فلم نعيد طرح المسألة بأسلوب الغرض منه هو هدم الإسلام والتشكيك في تعاليمه. حينما تطرح مثل هذه القضايا ويقال: أميطي الحجاب، ألقي الحجاب، اتركي الحجاب، دعي الحجاب، النتيجة لن تقف عند ذلك، والمراد لا يقف عند ذلك، وإنما أن تزول تلك الحواجز التي أوجدها الإيمان متمثلاً في الحياء والخشية والمراقبة، وتعظيم حرمات الله عز وجل؛ فإذا زال الحجاب اضطربت هذه النفوس، وضعفت هذه الحواجز، وكثر التماس، وحينئذٍ لا تسل عن ضلال الأمة وهلاك المجتمع.

شبهه تدار حول وضع المرأة الاجتماعي

شبهه تدار حول وضع المرأة الاجتماعي إن من أعجب العجائب وأغرب الغرائب أن تجد أناساً يجدون أنفسهم في منتهى السعادة والطمأنينة والعز والتمكين والرفاهية، ثم يأتي من يتسلط عليهم فيقول: لا. لا. أنتم قد حرمتم النصف الآخر في المجتمع حريته في أن يتنفس الهواء الطلق، أنتم منعتموه في أن يرى الحياة كما هي، أنتم أجبرتموه أن يلبس نظارة سوداء. وكل هذه العبارات التي يراد منها إسقاطاً نفسياً على المرأة لتقول: أنا مظلومة، أنا معقدة، أنا محبوسة، أنا مهلكة، أنا معذبة، أنا تعيسة، لم تمشي هذه المشية وأنا لا بد أن أمشي في العباءة؟ لما تخرج هذه في هذا الوقت وأنا لا بد أن أتقيد بوقت في الدخول والخروج؟ لما تصافح هذه وتكلم وتحدث وتناقش وتحاور من شاءت وأنا لا أحدث إلا ذوي محارمي ولا أتكلم إلا في ظل علاقات محدودة، وإن تكلمت مع غيرهم لا يسمح لي حتى بالضحك أو القهقهة أو اللين أو الخضوع في القول؟ حينئذٍ يتحول ما نرجوه من صحة المريض إلى جرم نرتكبه، ويتحول ما نخشاه على المريض من سقم إلى أمنية ينبغي أن نشجع المريض عليها، هل رأيتم أحداً يقول: لماذا أعيش في هذه الصحة والعافية وأين الطريق إلى المرض والسقم والبلاء والهدم؟! ذلك ضرب من الجنون. وقس هذه القضية على هذا المثال لتعلم أن الذين يطنطنون حول قضايا المرأة يريدون بها في ظل طرح الشبهات أن تكسر جدار الحياء، وأن تلقي جلباب العفاف، وأن تتحول فيما بعد إلى سلعة رخيصة يصل إليها من أرادها. إن من الصعب اليوم على كثير من الناس أن يحدث امرأة مباشرة إلا بحجة وبرهان، كأن يكون قريباً أو محرماً أو لسبب شرعي، لكن إذا حرصنا على إزالة مثل هذه الأمور فحينئذٍ يمكن الحديث مع المرأة لأي سبب ولأتفه سبب وبدون سبب، وتلكم يا عباد الله من أعظم الأمور خطراً وضرراً. ونحن بحمد الله عز وجل في هذه البلاد وما نراه من حرص وعناية من عامة المسلمين فيها وولاة الأمر فيها على ألا يضطرب الأمر، فإننا ينبغي أن نعقد الأكف والخناصر على أن نتواصى على التأكيد على هذه المسألة، أن نكرس الاهتمام والرعاية والعناية لجانب الحجاب حتى لا يلقى الحجاب تحت الأقدام بحجة أنه مسألة تاريخية، وقضية في عصر حجري مضى وانقضى، وقد آن للفتاة أن تخرج بدون ذلك.

طرح المسلمات للنقاش والحوار

طرح المسلَّمات للنقاش والحوار من صور ومحاور تضليل الشباب عبر الشبهات: طرح قضايا العقيدة والمسلمات للحوار والقبول والأخذ والرد. وتلكم من أعجب العجائب، حينما يأتي أحد ويقول: تعال يا فلان ما اسمك؟ فتقول: اسمي فلان بن فلان بن فلان، أنت على يقين على أنك ولد فلان بن فلان وجدك فلان وأبوك فلان؟ نعم، يقول: نريد أن نضع هذه القضية للبحث، هل فلان ولد شرعي أو ابن زنا؟ هل أبوه لقيط أم دعي أم نسيب؟ هل أمه زانية أم فاجرة أم طاهرة؟ هل يقبل أحد أن يوقف بين الملأ ويقال: تعال يا فلان نسألك عن اسمك وأصلك ونسبك؟ هل أنت ابن زناً أو ابن شرعي؟ A لا. أما مسائل العقيدة ومسائل الدين حتى ولو جاءت من الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد أن تطرح للحوار، ما رأيك فيما قاله الله؟ ما رأيك فيما قاله رسول الله؟ هل يجوز لأحد أن يقول رأياً بعد قول الله؟! أو أن يطرح رأياً بعد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:51]، {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65].

شبهة عمل المرأة

شبهة عمل المرأة من محاور الضلال والشبهات التي تطرح من أجل إفساد الشباب والشابات: قضية عمل المرأة ومسألة مشاركتها الرجل في ميدان العمل. لماذا نحصر العمل للمرأة في إطار زوايا محدودة جداً ولا يمكن أن نوسع مجالات العمل؟ نحن عندنا قواعد وضوابط شرعية، وإن الله الذي خلق المرأة هو أدرى بما ينفعها ويضرها، ولذا جعل في كتابه وسنة نبيه الضوابط التي تكفل تحقيق الاستفادة من جهدها مع الحفاظ لها وعليها. لسنا نخاف على المرأة فحسب، بل نخاف من بعض النساء، ونخاف على بعض النساء. فمسألة عمل المرأة إذا كانت المرأة محتاجة لهذا العمل أو احتاج إليها المجتمع، وأمكن أداء ذلك في وضع لا يخدش حياءها، ولا يعرضها للفتنة، ولا يعرض الرجال إلى الفتنة بها، ولا يضيع مسئولياتها وواجباتها التي هي أهم من كل شيء بعد طاعة الله عز وجل، فحينئذٍ لا يقول أحد بمنعها، أما أن ننادي بأن نجعل المرأة مع الغادين والرائحين، وفي وجه الزائرين والمودعين، وأمام الذاهبين والآيبين، فذلك أمر نعلم من خلاله أنه شر يراد بالمرأة. إذا بني ضرجوني بالدم من يلقى آساد الرجال يكلم شنشنة نعرفها من أخزم الذي يقرأ خطط العلمانية في إضلال الشعوب وحرب المجتمعات الحرب المخملية الباردة، وليست حرب كروز ولا حرب الصواريخ ولا الطائرات، بل حرب الوتر والطبلة والحفلة والرقصة والكأس والفجور والعهر والفساد، حينما تجدون مثل ذلك يتوسع فيه أبناء أمة غافلين عما شرع الله وما أمر الله منساقين وراء الشهوات؛ فاعلموا أنهم يعيشون مرحلة من الحرب ذات المحور القائم على الشبهات ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الحرية الشخصية وآثارها السلبية بين المسلمين

الحرية الشخصية وآثارها السلبية بين المسلمين أيها الأحبة! من المحاور التي تقوم عليها حرب الشبهات على الشباب والشابات: قضية: الحرية الشخصية. هل تعلمون أن منظمات حقوق الإنسان تناقش بلادنا هذه وتقول: إن من حق الإنسان أن يغير دينه، ولا يحق لكم أن تدخلوا في هذه القضية فهي مسألة حرية شخصية لا يجوز لأحد مهما بلغت سلطته أن يتدخل فيها. وتقف هذه البلاد وقفة محمودة مشكورة من خلال حوارات جادة انتهت إلى الرفض التام المطلق لمثل هذا الطرح، ولكن لا يقف أمر وضع مسألة الحريات عند حد، فإذا كانوا يبحثون مسألة تغيير الدين وأنها قضية حرية شخصية بحتة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من بدل دينه فاقتلوه) ليقام عليه حد الردة وهم يقولون: لا، ما الذي ينبني على ذلك؟ أن ما دونه من الأحكام قابل أن يكون حرية شخصية، تشرب خمر أو لا تشرب فهي قضية شخصية بحتة ليس لأحد أن يتدخل فيها، تزني أو لا تزني فهذه مسألة حرية شخصية ليس لأحد أن يتدخل فيها، ترابي أو لا ترابي مسألة حرية شخصية أيضاً، تسافر أو لا تسافر فهذه مسألة حرية شخصية. إنا لله وإنا إليه راجعون، نحن لله عبيد يتصرف فينا، نحن مُلكه ونحن عبيده، وليس للعبيد أن يتصرفوا حتى في أنفسهم إلا وُفق ما يراه مالكهم، ونحن ملك الله وعبيد الله، والله الذي خلقنا، والذي خلقنا شرع لنا ما يسعدنا فأمرنا به وحرم علينا ما يضرنا فنهانا عنه، ثم يأتي من يقول: لا. نحن لسنا لله ولسنا إليه راجعون، وليس له فينا أمر ولا نهي، قضيتنا مسألة حرية شخصية ليفعل كل بنفسه ما يشاء، تتحجبين أو لا تتحجبين قضية شخصية، تعاكسين أو لا تعاكسين قضية شخصية، تتبرجين أو لا تتبرجين قضية حرية شخصية، بل وعلى العكس من ذلك نجد حتى الذين في بلاد الغرب قالوا بأن هذه المسائل مسائل شخصية. نعم. هي مسألة حرية شخصية في التبرج والزنا والخنا والدعارة والعهر والفساد لكن في الحياء والعفاف فليس بحرية شخصية؛ لأن فرنسا والتي انطلقت منها الحملات الصليبية، التي رفعت لواء حرية الإنسان تبيح العُري لمن أراد أن يسير عارياً، وفي أوروبا قانون يبيح للنساء في الصيف إن أرادت إحداهن أن تمشي سافرة الثديين فلا حرج عليها، وما بقي في محل النزاع والحسم لدى أبناء القردة والخنازير إلا قضية: هل يسمح لأحد أن يسير في الشارع مبدياً عورته المغلظة أو لا؟ أما ما فوق فمسألة قد حسمت بأنها حرية شخصية. وإن أمة الإسلام لعلى خطر، وتجد هناك من يكتوي بنار مثل هذا الطرح، فتيات مغربيات لبسن الحجاب في بعض المدارس -والقصة مشهورة- فقامت قائمة فرنسا، وأصدر مسئول كبير من هناك قراراً وأمراً بفصلهن من المدارس. أين الحرية؟ حرية التبرج ممكنة وحرية العفاف محرمة، حرية السفور جائزة وحرية الحياء ممنوعة، إذا أخذنا نستلم هذه الحرب دون أن ننبه ونتناصح ونذكر، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55]، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21]، {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:10] ونطرح هذه القضايا ونحذر مجتمعنا وإلا فيوشك أن يقع بعض المسلمين وإن كان في قناعات داخلية أو ممارسات علنية يبدونها علانية حينما يودع أحدهم حدود بلاده. أيها الأحبة! قضية الحرية الشخصية لا يريد أحدهم فيها على نفسه سلطاناً من دين أو عرف أو عادة أو تقليد، تطرح كل هذه الشبهات في حين فترة من أهل العلم، وفي حين إعراض كثير من الشباب عن العلم الشرعي، وهجر للكتاب والسنة، كل ذلك يغلف بأغلفة زاهية براقة ناهيك عن قضايا السياحة والرياضة والفن التي استطاعوا من خلالها التقرب بل الوصول إلى الشباب المسلم من خلال هذه القنوات التي أشعلت في الناس سعير الاهتمام بهذه المسائل.

حرب تطحن برحاها المسلمين

حرب تطحن برحاها المسلمين (مونديال) القرن المنصرم انظروا كيف نقلته كل وكالات التلفزة الفضائية إلا من رحم الله وقليل ما هم، والقنوات الفضائية تتابعه خطوة خطوة، لحظة لحظة، وجموع المهجرين والمشردين والمجروحين النازفة دماؤهم من كوسوفا لقطات تلو لقطات في بعض الأحيان والمناسبات، (مونديال) القرن لا بد أن يغطى، جنازة ديانا لا بد أن تغطى بالتفاصيل، أما حقيقة ما يفعل الصرب بالمسلمين فإنما تستطيع نقله أو ما تنقله بعض القنوات هو مرحلة ما بعد الاغتصاب وما بعد سحب الهوية ومصادرة الأموال والوثائق، وهي أن تصور لنا طوابير من المهاجرين والمشردين والعجائز والشيوخ والأطفال وأصبح حال المسلمين كما قال القائل: ضج الأنين من الأنين وطغت تباريح السنين وازور وجه الحق يخجل من نواح المسلمين الحقيقة الصريحة تزوار من هول ما يقع بالمسلمين اليوم. والأم تعصر ثديها ألماً على هذا الجنين والزوجة ترقرق دمعها دمع الحزين والشيخ مل الانتظار على طوابير الطحين جاء المنصر والمبشر لا يمل ولا يلين ويباع أبناء العقيدة في المزاد بكل حين من يأخذ هؤلاء الأطفال إلى كندا؟ أرسل سبعون طفلاً وسجلتها المفوضية العليا للاجئين، وكأنها بشارة ونعمة وكرامة أن يطرد من داره بعد أن غصبت أخته وقتلت أمه وقتل أبوه وفعل ما فعل بهم ودمرت داره، ومر بالمسغبة واللأواء والشدة والنصب، كأنها كرامة أن رحل خمسين أو سبعين طفلاً إلى كندا، من يأخذ هؤلاء؟ إلى جوتن بيرج أو السويد؟ من يأخذ هؤلاء إلى لندن؟ وهكذا يباع أبناء الإسلام وأبناء العقيدة في المزاد بكل حين. ونظل نلهو لا نبالي أن نكون الغافلين والكافر المشئوم يسعى أن يفوق المشتري لأن المقصود تهجير المسلمين وتشتيتهم. نحن على قناعة أن الحرب الدائرة بين كافر وكافر، ونحن يسرنا ما نراه من إيلام وإيذاء وفتك كافر بكافر، ولكنهما يتفقان على تهجير المسلم وضياعه وتشريده، هذه قضية لا يختلف فيها اثنان عاقلان، لقد شرد المسلمون من فلسطين وهم في التيه من (1948) إلى الآن، أكثر من سبعين سنة، ولو شئت أن تقلب حجراً في أي نحو من أنحاء الأرض لوجدت هناك فلسطينياً مشرداً، ليست القضية أن نُؤَمنّ له أكلاً وسكناً وشرباً، القضية أن يعود ليعبد الله بحق وصدق على أرض الله عز وجل، وذلكم الذي لا يريده أعداء الإسلام. ويباع أبناء العقيدة في المزاد بكل حين ونظل نلهو لا نبالي أن نكون الغافلين أموالهم يا أمتي سلبت بلا حق مبين ودماؤهم يا إخوتي سفكت على حقد دفين وتودع الأم الجنين إلى بلاد الكافرين وتُكفكف العبرات حّرّا بين جمع الحاضرين سأراك أو قد لا تراني بعد موتي والأنين فإذا رجعت إلى بلادك بعد كرات السنين فاسأل تجد قبراً ستعلم أنه قبر حزين والموعد الجنات ميعاد العبيد الصابرين هذه المأساة مرت بالمسلمين في أفغانستان، والصومال، وطاجكستان، وكشمير، والبوسنة، والشيشان، وتمر بالمسلمين الآن في كوسوفا، ويقول الدكتور مانع الجهني في برنامج (دين ودنيا) في حلقته الأخيرة يقول: والدور القادم على السنجق. الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي عضو مجلس الشورى لما سأله أحد السائلين: أين أنتم لم تخبرونا عن وضع المسلمين ولم ولم ولم، فرد عليه قائلاً: لقد قلنا مراراً أن مصيبة المسلمين والكارثة سوف تحل بالمسلمين في كوسوفا يا عباد الله! أغيثوهم سلحوهم أعطوهم التفتوا إليهم، فَقَلَّ أن ترى سامعاً ومجيباً، إلى أن جاءت الكارثة {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران:143]. لما رأينا الموت حالاً بهم، هل عرفنا أن عند المسلمين مشكلة في كوسوفا، يقول الدكتور مانع: والدور القادم على السنجق، لماذا؟ الجواب أقوله: إن الكفر لا يرضى بإقامة دولة مسلمة على أرض أوروبية أبداً، ممكن أن يشرد المسلمون ويبنى لهم مسجد في أي مكان، يفتح لهم أنشطة معينة، لكن كتلة مجتمعة يوشك أن تبث فيها روح العقيدة والدعوة والإيمان لتتحول إلى مجموعة مسلمة تختط نظاماً، إذا كان الغرب يؤمن بقضية الأغلبية فحينئذٍ الخطر أن تكون هناك أغلبية مسلمة تطالب وتشرع دستوراً معيناً في ظل ما تعتقده من كتاب الله وسنة نبيه، ثم يفرض كيف؟! هذا جنون! هذا في أوروبا يحكم دين وكتاب وسنة؟! ما يمكن هذا. أيها الأحبة! وكل هذه الحروب؛ حروب الشبهات تغلف بأغلفة زاهية براقة من أجل الوصول إلى الشباب، وصدق الله العظيم: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89].

حرب الشهوات واجتياحها لصفوف الشباب

حرب الشهوات واجتياحها لصفوف الشباب الأمر الثاني من الحرب المسعورة التي يجلد الشباب جلداً بسياطها، هي حرب الشهوات والفتن والمغريات. وتلك نقطة الضعف، ومحور الخور الذي يتساقط الشباب أمامه، ولئن كان كثير من الشباب ربما يسلموا من فتن الشبهات فغالبية وجل وعظمى الشباب لا يسلمون من الشهوات، ذاك أن الشاب مظنة الشهوة، وموئل العنفوان والنشاط والتحرك الغريزي؛ وإن لم يحاط الشاب بسياج الدين وصمام التقوى -ذكراً كان أو أنثى- كانت الفادحة أكبر؛ لأن الشهوة قنبلة لا بد أن تنفجر، والإسلام لا يدعها تنفجر مدمرة نفسها ومن حولها، بل أوجد لها مصرفاً عن طريق الزواج الحلال، واللقاء المشروع مع المرأة، فإن لم يكن هناك هذا الزواج، فإن الإسلام كفل لها ألا تنفجر عن طريق سد ذرائع الفحشاء وتحريم النظر ومنع الاختلاط، كل ذلك حفاظاً على هذه الطاقة المتأججة والقوة الجامحة. ومشاكل الشباب لا تعدوا كونها نتيجة حتمية الظهور لهذه الشهوة العارمة في قلب الشباب وجسده، فأنت ترى بسبب الشهوة إهداراً للوقت، وتفاقماً للمشكلات بسبب الشهوة عن طريق الحب والغرام, وعشق الصور والهيام، وفي هذا إهدار لمشاعر الشباب وأحاسيسه، وأنت ترى الشاب والفتاة يستفرغ الواحد منهم وقته وسائر يومه جرياً ولهثاً وراء المرأة والفاحشة، وأنت ترى استفراغ فكره وهمه في التفكير للوصول للمرأة أو الحرام، وهو لا يزال في شقاء ومشقة وألم، والشيطان يسول له حياة الحب واللقاءات.

أحوال من اجتاحتهم الشهوة

أحوال من اجتاحتهم الشهوة تقول فتاة في رسالة كتبتها: أنقذوني وأسعفوني! كيف أتخلص من مشكلة المعاكسة أو ما تسميه بالحب الزائف؟ تقول: إنها تقضي أكثر من ثلاثة عشر ساعة في أوقات متفرقة على سماعة الهاتف. وآخر يقول: لا أستطيع أن أذاكر درساً أو أؤدي واجباً أو أقوم بعمل لأن غالب وقتي مع هذه السماعة، أعاكس هذه وأحدث هذه، وأواعد هذه، إلى غير ذلك. ويعدون أنفسهم بجنان وقصور من الحب في ظل الهيام والشهوة الجامحة، وصدق الشاعر: فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل وقت مخافة فرقة أو لاشتياق فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق وهذا الذي أشغله الحب -فتى كان أو فتاة- يحمل قلباً لا بد أن يملأه، فإما أن يملأه بحب ومرضاة الله ورسوله، وإما بما يسخط الله ورسوله، وهو خيار الفرد وطريق واحد، فليختر الشاب والفتاة واحداً من الطريقين، وتالله لقد صدق ابن القيم رحمه الله إذ قال: حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان إذا أردت محبة الله ولذة الإيمان فلن تحصل ذلك حتى تطهر قلبك من محبة ما يسخط الله من العشق الحرام والفكر والهم الحرام، إنك إن تعلقت بغير الله فلن تجد لذة الإيمان وحلاوة الطاعة. وإني أسائل كل شاب وكل فتاة: من أي الأصناف أنتم؟ هل امتلأت قلوبكم وقلوبنا بحب الله ورسوله، أم امتلأت بما يسخط الله ورسوله؟ نسأل الله أن نكون الأول ولا نكون الثاني. أيها الأحبة! يقول صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) أتريدون الجنة؟ أتريدون داراً فيها (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري والترمذي: اضمنوا لي اثنين، ما بين الرجلين وما بين الفكين، اللسان والفرج (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة). فهل ضمنت لسانك عن اللهو والباطل والغيبة والنميمة والكذب والزور والحرام حتى تضمن لك الجنة؟ وهل حفظت فرجك من الزنا واللواط ومقدماته وما حوله حتى تضمن لك الجنة؟ لو جاءك مسئول كبير أو رتبة عسكرية عالية وعندك موضوع من المواضيع وقال لك اترك الموضوع إلي، دع القضية عندي أنا أضمن لك هذا الموضوع، ويأتيك أحد يريد أن يعطيك شيئاً من السعي، يقول: أنا سأدبر لك هذا، سوف أساعدك، سأفعل لك، تقول: يا حبيبي فلان بن فلان بمنزلته وجلالة قدره وعلو شأنه قد ضمن لي هذا الأمر فلا أحتاج إليك ولا إلى أشكالك، فهذا نبي الله صلى الله عليه وسلم يضمن لك الجنة إذا أنت حفظت ما بين لحييك لسانك، وحفظت ما بين رجليك فرجك.

خطر الانسياق وراء الشهوات

خطر الانسياق وراء الشهوات وإن الانسياق وراء الشهوة أمر خطير جداً وعاقبته العذاب، فالذين يدعون مع الله إلهاً آخر، والذين يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، والذين يزنون يقول الله تعالى عنهم: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:68 - 70] ورجع إلى الله عز وجل وأناب واسترجع وصدق في توبته، {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70]. سئل صلى الله عليه وسلم: (أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قيل: ثم أي يا رسول الله؟ قال: أن تزاني بحليلة جارك، قيل: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك). أيها الأحبة! إن الذين ينساقون وراء الشهوات والواحد منهم لا يفكر إلا متى تستوي نبتة شهوته حتى يخطف سعيرها ولا أقول ثمارها، غير سائل وآبه ومبال بما يكتنف ذلك من فضيحة وعار وخزي وسخط، وشهود الله له وملائكته الكرام الكاتبين، والأرض تحدث أخبارها، وظلم المعصية يعلوه، وكل شيء شر يقترفه، وتختلف عليه الأمور، وارجعوا إلى كتاب ابن القيم الداء والدواء، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ذكر أربعاً وسبعين علة وشؤماً وخطراً لمن أمعن وارتكب المعاصي غير نادم ولا تائب ولا مقلع عنها. أقول: إن الانسياق وراء الشهوات وعدم محاسبة النفس للحد والوقوف والرجوع والإنابة إلى الله عز وجل والإقلاع عن ذلك لسبب الخزي والعار في الدنيا والآخرة، والعذاب المهين يوم القيامة، يقول صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة بن جندب: (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقنا على مثل التنور فإذا به لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، فسأل عنهم فقيل: الزناة والزواني) رواه البخاري. إن الذين ينساقون وراء الشهوات يعاقبون بعقوبات عاجلة وآجلة، فلا تسأل عن الأمراض الجنسية بألوانها وأنواعها، وذاك مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص يقول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر المهاجرين! خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله ورسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم فأخذ بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) رواه ابن ماجة والحديث صحيح. أيها الأحبة! ومصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر فيما نسمع به، عافنا الله وإياكم ويكفيكم من شر سماعه من أمراض جنسية اخترمت الأبدان في بلاد العهر والإباحية من الهربز والإيدز والسيلان والزهري والأمراض النتنة والنجسة، نسأل الله السلامة والعافية.

ما تجلبة الشهوات للإنسان من عواقب

ما تجلبة الشهوات للإنسان من عواقب إن الذين ينساقون وراء الشهوات ينسون أن الجزاء من جنس العمل، وأن الذي يطلق لنفسه العنان في الشهوات تضعف عنده الغيرة على المحارم والحرمات، فتراه ضعيف الغيرة الأمر الذي ربما جلب لنفسه شراً ينتهي به إلى أن يفعل في داره ما يفعل في دور الناس، أو ألا ينكر ما يفعله من حوله لينتهي بهم الأمر إلى الوقوع في ما وقع فيه مع محارم الناس، وصدق الشاعر إذ قال: عفوا تعف نساءكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم إن الزنا دين فإن أقرضته كان القضا من أهل بيتك فاعلم من يزنِ يزنَ به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهم من قد زنى يوماً بألفي درهم في بيته يزنى بغير الدرهم والله إن شاباً جاء ذات يوم بعد صلاة الفجر وأمسك بي سائلاً يقول: إني في حيرة وشكوك لا أول لها ولا آخر، في شأن زوجتي وجدت غرائب في حقيبتها، ورأيت أموراً لا أقطع بها في الفاحشة ولكنها لا تبرئها من الاتهام، فقلت له: أسألك بالله! هل أنت عفيف عن محارم الناس؟ فأطرق برأسه وقال: لا. أيها الأحبة! إن مشكلة الشهوات تبدأ بإطلاق اللحظات والعاقل يحفظ نفسه. قال رجل لأحد أهل البادية: إذا وطيت الجني قل بسم الله قال: لا توطئ الجني ولا تسمي. يعني: بعض الناس يقول: أنا أتفرج أفلام ومسلسلات وو إلى غير ذلك، ولكن إذا انتهيت فعلت وفعلت وفعلت مما أحاول أن أحافظ به على نفسي، نقول: يا أخي الحبيب! ما كل مرة تسلم الجرة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:24 - 25]. أيها الأحبة! كثير من الشباب قد انتصب كانتصاب الإمام في المحراب أمام الشاشة والتلفاز والقنوات الفضائية متابعاً للأفلام الساقطة، ولكل ما يؤجج الشهوة، مما تعرضه مجلات الخنا والفساد، وأشرطة التكسر والمجون، وكل ذلك يتعامل مع مشاعر ضعيفة، ومع نفس قد استوطنها الشيطان، وتربع الوسواس الخناس في قلب صاحبها، وحجب سمعه وبصره وقلبه ولبه وفكره عن أن يتدبر الحق، وأصبح في هذه الحال من الضلال والانسياق وراء الشهوة؛ بسبب عدم غض البصر وإطلاق اللحظ والنظر: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30]. كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر يضر خاطره ما سر ناظره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر هل كل ما اطلعت عليه استطعت عليه بالحلال؟ كل ما نظرت إليه غالبه لا تستطيع عليه حلالاً ولا حراماً وإن قدرت عليه فبالحرام، أما من أراد الحلال فالطيبون للطيبات والطيبات للطيبين. وأنا الذي جلب المنية طرفه فأنا المحاسب والقتيل القاتل أنت تطعن ولكن في صدرك، وأنت ترمي السهم ولكن لفؤادك، وأنت تلوح بالبندقية ولكن في جوفك وبدنك. فيا مسكين لا تحطم نفسك بنفسك. وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر فيا شباب! الله الله في حفظ الأبصار، وإياكم والخلوات الطويلة والفراغ والوحدة.

دور الفراغ في تأجيج سعير الشهوات

دور الفراغ في تأجيج سعير الشهوات إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة إن الفراغ من أهم البواعث على الفساد، حين يبقى الشاب والفتاة وحيدين خاليين يستسلم أحدهما أو كلامها للخواطر والأفكار، يسعى الشيطان لإمساك الزمام، يقودهم للتفكير حيث الخيالات التي لا تحدها جوازات ولا يفتش عليها جنود أو شرط، خيال محرم في الشهوة واللذة، ثم يبدأ الأمر فتنتقل الفكرة من الخيال إلى الخطرات، ومن الخطرات إلى الخطوات، ومن الخطوات إلى العزائم والأفعال. ولو لم يكن في ذلك إلا أن ينساق الفتى أو الفتاة وراء عادة بليدة رخيصة رقيعة تسبب بلادة الذهن، وفتور الهمة، وذهاب المروءة، وضياع الجرأة لكان ذلك كافياً، ثم قبل ذلك وبعده هي من التعدي وابتغاء وراء ما شرع الله عز وجل. ويا أيها الفتى ويا أيتها الفتاة! الصديق الصديق، والجليس الجليس، والرفيق الرفيق، إن الأصدقاء يصلح بعضهم بعضاً، ويفسد بعضهم بعضاً، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه الترمذي. كم من شاب كان من أهل الروضة؛ روضة المسجد والمحراب خلف الإمام لا تفوته الصلوات الخمس أصبح لا يرد المسجد إلا لماماً ونزراً يسيراً، لماذا؟ الصديق! كم من فتاة كانت لا تدع عند خروجها قفازها وحجابها وقبل ذلك وبعده حياءها، فأصبحت الآن تنافس وتباري وتتباهى بالتبرج والسفور، من الذي غيرها وأفسدها؟ صديقة عرضت لها الفجور والفساد في ثوب كلمات رقيقة، في ظل همسات خبيثة حتى أوقعتها في شهوة نتنة ضالة مضلة. وهؤلاء سيقول أحدهم أو سيقولون يوم القيامة: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:28 - 29]. إن من يخالل أحداً يختار لنفسه أن يحشر معه يوم القيامة، أتحب أن تحشر مع الذين يقومون يوم القيامة كالذي يتخطبه الشيطان من المس فعليك بأهل الربا أحِبهم، من أحب قوماً فهو معهم، أتريد أن تحشر يوم القيامة مع الفجار والفساق خالطهم في الدنيا واجعلهم أحبابك وخاصة جلسائك، واجعلهم ممن تتمنى ألا يغيبوا عن لحظك ومجلسك فترة، ستحشر معهم، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! الرجل يحب القوم ولما يحلق بهم، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب يوم القيامة). وجاء رجل يقول: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم: ماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت كثير عمل، لكني أحب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت يوم القيامة). فالشاب والفتاة إن شاءوا أن يحشروا مع الأبرار والأخيار والأطهار والصالحين والصالحات فعليهم أن يلزموهم وألا يبرحوا مجالسهم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. أيها الأحبة! لئن كان الإيمان غطاه شيء من الران وصدأة القلوب ببعض الذنوب، وأصبح القلب قاسياً بسبب ألوان المعاصي فإن الله عز وجل يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

دعوة للرجوع إلى الله

دعوة للرجوع إلى الله التوبة التوبة، الرجوع الرجوع، الإنابة الإنابة، نحن الآن قادرون على الركوع والسجود ودخول المساجد وعمل والصالحات: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. الفرصة متاحة وممكنة وميسورة، بادر: أحسن إذا كان إمكان ومقدرة فلا يدوم على الإحسان إمكان أيها الأحبة! إنني أقولها نصيحة وإشفاقاً ومحبة لإخواني الشباب، وشفقة ورأفة بأخواتي المسلمات، ألا ننجر وراء الشهوات، وهب أنك تَعُبُّ من الشهوات عَبَّاً، ويصب لك من كأس الشهوة صباً، وتعاقر ما تشتهيه نفسك بالحرام ليلاً ونهاراً، أليست الشهوة منقضية؟ أليست اللذة فانية؟ بلى. ولكن الإثم باق. ألست إن جاهدت نفسك على طاعة الله ومرضاته أليس تعب الطاعة ينسى؟ بلى. والثواب باق. إن أهنأ عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حلْ اعتزل ذكر الأغاني والغزل وقُلِ الفصل وجانب من هزلْ ودع الذكرى لأيام الصبا فلأيام الصبا نجم أفلْ إن أهنأ عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل وافتكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراً جللْ شربنا لعبنا غلطنا غفلنا سهرنا سافرنا، انتهى. ألا نتوب، ألا نرجع، ألا يكفي ما مضى؟ خلي ادكار الأربع والمعهد المرتبع والضاعن المودع وعد عنه ودع واندب زماناً سلفا سودت فيه الصحفا ولم تزل معكتفا على القبيح الشنع إلامَ تسهو وتني ومعظم العمر فني فيما يضر المقتني ولست بالمرتدع أما ترى الشيب وخط وخط في الرأس خطط ومن يلح وقت الشمط لثوبه فقد نعي {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] النذير الشيب، إذا علا لحيتك أو رأسك أو رأيت شعرات بيض قد بدأت تخالط سواد شعرك فاعلم أن النذير يندب ما بقي من زمنك، وينبئك بالرحيل، ويقول لك: استعد. الفرصة الممكنة أصبحت أقصر مما مضى، انتبه! التفت!

راقب الله تنج من معاصيك

راقب الله تنج من معاصيك ثم أخي الحبيب! راقب واعلم أن من أسماء الله عز وجل: السميع، البصير، الحفيظ، الرقيب، الخبير، العليم، وكلها تدل على أن الله مطلع وشاهد، وأن الله لا تخفى عليه خافية، فاستحي، استحي، استحي من الله. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى العصيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد:8 - 10]. أيها الأحبة! لنعلم أننا ما عصينا الله إلا بنعمه علينا، المشلول لا يمكن أن يتسور الجدران، السارق يعصي الله بقدميه، المعوق لا يمكن أن يطعن أحداً ظلماً، لأن القاتل يستخدم نعمة اليد في طعنه وعدوانه وبغيه، والأصم الأبكم الذي لا يبصر لا يمكن أن يزور ويختلس أو يشهد زوراً؛ لأن الذي يشهد الزور ويزور ويختلس لا يمكن أن يعصي إلا بنعمة السمع والبصر واللسان، فلنشكر نعم الله عز وجل، ولنعلم أن هذه النعم تنفعنا وتحفظ لنا بإذن الله عز وجل بقدر ما نسخرها في طاعة الله سبحانه وتعالى، ويعفو ربنا عن كثير، ولنعلم أن جوارحنا هذه التي نلذذها ونمتعها بالمعاصي هي شاهدة علينا، ليست لنا بل شاهدة ضدنا، يقول صلى الله عليه وسلم وقد ضحك، فسأل عن سبب ضحكه، فقال: (عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول: يا رب وعدتني ألا تظلمني فيقول الله تعالى: أوليس كفى بي شهيداً وبالملائكة الكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيقول العبد: يا رب إني لا أقبل على نفسي شهيداً إلا من نفسي، فيختم الله على فيه -على فم العبد- وتتكلم أركانه بما كان يعمل؛ فينطق لسانه، وتتكلم يده وفرجه ورجله -كل هذه تتكلم- فيقول العبد: بعداً لكن وسحقاً عنكن كنت أناضل) رواه الإمام مسلم. أيها الأحبة! هذه الجوارح وهذه النعم التي في أبداننا حقيق بنا أن نجعلها في طاعة الله ومرضاته: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون َ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت:20 - 22]. أيها الأحبة! لا يستطيع أحد أن يفعل معصية مستخفياً خلالها عن جوارحه وعن نعم الله في بدنه.

أحسن اختيار جليسك

أحسن اختيار جليسك وخاتمة المطاف: الجليس الجليس، فإنه إما أن يقودك إلى خير وإما أن يغويك إلى شر، وعليك بالدعاء، تضرع إلى الله عز وجل، تضرع إلى الله سبحانه وتعالى، وألح على الله كما ألح يوسف عليه السلام: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنََّ} [يوسف:33] فاستجاب الله دعوته فصرف عنه السوء، وصرف عنه كيدهن وفحشهن، وأظهر براءته على لسان الملأ ورءوس الأشهاد: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف:51]. أيها الأحبة! إن الفتى والفتاة إذا تسلطت عليه شهوة عارمة جامحة فاستعاذ بالله وتوضأ وصلى ركعتين وقال: يا رب يا رب إني ضعيف ما لم تحفظني، إني على خطر ما لم تحصني، يا رب اصرف عني هذا الشر، اصرف عني هذا البلاء، اصرف عني هذا الكيد، فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه ويعينه على تجاوز هذه المصيبة العظيمة. أسأل الله بمنه وكرمه وأسمائه وصفاته، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب: أن يجعل للحاضرين والحاضرات من كل هماً فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية. اللهم يا حي يا قيوم! لا تدع لنا في هذا المقام ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا متزوجاً إلا ذرية صالحة وهبته بمنك وكرمك يا رب العالمين. اللهم ابسط لنا في صلاح أعمالنا، وإخلاص أفعالنا وأقوالنا، وصلاح ذرياتنا، وسعة أرزاقنا، وعافية أبداننا، واختم لنا بخير خاتمة ترضيك عنا، اللهم حبب إلينا ما يرضيك، وبغض إلى نفوسنا واصرفنا عما يسخطك يا ذا الجلال والإكرام. اللهم انصر إخواننا المسلمين في كوسوفا، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كوسوفا، اللهم انصر إخواننا المسلمين في كوسوفا، اللهم عجل نصرهم، اللهم اهلك عدوهم، اللهم عليك بالصرب أجمعين، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا على طاعتك، اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم أصلح ولي أمرنا، اللهم أصلح ولي أمرنا، وولي عهده وأصلح بطانتهم، وأعنهم على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم من أراد بهم سوءاً فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره، ومن أراد بهم نصيحة وصلاحاً وإخلاصا ونفعاً لأمتهم ورعيتهم فقربه منهم وأعنه على الحق يا رب العالمين. اللهم صلِّ وسلم على محمد وآله وصحبه، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الأسئلة

الأسئلة

الفتور وأسبابه وعلاجه

الفتور وأسبابه وعلاجه Q فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته! أنا شاب هداني الله لطريق الالتزام منذ عشر سنوات، ولكن خلال هذه الأيام الأخيرة أحسست بالتقصير في مجال الطاعات مثل صيام التطوع، والسنن الرواتب، وصار الأمر إلى التقصير عن الصلوات المكتوبات. فما هي نصيحتكم حفظكم الله لي ولأمثالي وجزاكم الله خيراً؟ A أخي الحبيب! الفتور الذي تتكلم عنه يشكوا منه كثير من الصالحين. وما أظن ذلك إلا لأسباب أهمها: ضعف التواصل، واللقاء، لما كان الشباب حريصين على التواصل واللقاء والعمل الدعوي الذي يكفل لهم جواً إيمانياً وصلة مستمرة وتعاوناً على البر والتقوى كانت الهمم عالية والنفوس متألقة، فلما ضعف التواصل فيما بينهم، وكثرة القالة، وغلب بعض الشباب سوء الظن بإخوانه، وغاب الإعذار، ولم يعد أحد يلتمس لأخيه عذراً في أي كلمة سمعت عنه؛ أو قيلت عنه امتلأت القلوب بهذا المرض، فانعكس قسوة ظهرت آثارها على الجوارح بالطاعة والعبادة. والواجب على الشباب أن يصلحوا أحوالهم، إننا ندعو الطيبين والمتدينين وغيرهم أن يلتفتوا لأنفسهم، لأن أمراضاً أهمها مرض القالة والقيل والقال وسوء الظن وغيبة الأعراض وقطع اللحوم وفاكهة الذوات هي التي أحدثت هذه القسوة. ويا أخي الحبيب! اسأل نفسك ما الذي اقترفته؟ إما أنك تساهلت بإدمان أو بالتساهل في مجالسة عصاة يجتمعون على معصية الله واستمرأت هذا، أو أنك هجرت إخوانك الصالحين وقلة مجالستك لهم، تلك المجالس التي لو قيل لأحدهم بعدها أوتر بأحد عشرة ركعة لأوتر غير متردد، أما لو جلس في مجلس فسق ولهو ثم عاد إلى البيت يريد أن يوتر بركعة واحدة يعجز ويصارع نفسه ويغالبها، وذلك من عاجل دلائل بركات حلق الذكر ومجالس الخير، ومن دلائل عاجل شؤم مجالس اللهو والغفلة. وإني أقولها وأدعو الشباب أن يجمعوا إخوانهم الذين تشردوا ليس في الخارج لا، تشردوا عن دائرة المحبة والأخوة لسبب أو لرأي أو لموقف أو لحدث أو لقضية، حتى ولو كان هذا الشاب يوماً من الأيام قال قولة أنكرناها ولم نقبلها فإن من واجبنا أن نتلطف به، ألسنا لو جاء الآن بين أيدينا شاب وقلنا: هذا أخونا الآن خرج من سجن انفرادي، زنزانة المخدرات والترويج وتعاطي الهروين. أقول يا إخوان: الله الله عليه بالرفق واللين واللطف، لا بد أن نحتويه، لا بد أن نبين له المحبة والمودة، ولا بد أن نغض الطرف عن بعض الأمور، وأن نذكره بمناقبه ومحاسنه، وأن نذكره أن أمة الإسلام بحاجة إليه، وأن نخوفه بالله، ونذكره بقلبه الذي فيه لا إله إلا الله. أخونا المتدين الذي قضى زمناً في التدين والاستقامة ثم زل زلة، أو أخطأ خطأً، أو ارتكب أمراً، خلاص تغسل منه اليدين بالصابون وما عاد فيه أمل يرجع ولا يمكن، حتى إن بعض الشباب لأن فلاناً يرى ذلك الرأي لا يسلم عليه ولا يقابله ولا يستضيفه ولا يقبله ولا يطيقه أبداً، هذا ضيق عطن، وضيق أفق، وعدم فهم لما تحتاجه الدعوة من سعة العلاقة بالخلق أجمعين، وتوظيف طاقتهم لنشر دين رب العالمين.

نصيحة لمتابعي برامج تشكك في مسلمات الشرع

نصيحة لمتابعي برامج تشكك في مسلّمات الشرع Q أرجو توجيه نصيحة إلى بعض الشباب الذين يعيشون على متابعة البرامج الفضائية المتعلقة بالرأي والرأي الآخر وفي القضايا الشرعية المسلَّم بها للنقاش والحوار كتحريم شرب الخمر وجزاكم الله خيراً؟ A الذي ينبغي للجميع أن يحفظ سمعه وبصره وعقله ولبه وفؤاده، وإن كان قد تابع أو يتابع شيئاً من ذلك لمصلحة ظاهرة راجحة، فعليه ألا يحضر مجلسه من يسمع الشبهة فتستقر في قلبه ولا يفهم الرد عليها، وربما يكون من مقاصد أصحاب البرامج هذه أن يتفننوا في عرض الشبهات وأن يتقصدوا العجز في إيراد الأجوبة، إما باختيار الطرف العاجز في المقابل، أو بعدم إتاحة الفرصة الكاملة له أن يجيب. وإني رأيت كثيرا ً من العقلاء وإن كان بعضهم من قبل كان يتحمس بقوة في قضايا الرأي والرأي الآخر والاتجاه المعاكس وإلى غير ذلك، أصبح الكثير منهم يقول: والله ما عدت أخالها أو أظنها إلا دسيسة يهودية. أساساً يا أخوة الـ (بي بي سي البريطانية) لمن؟ هي يهودية في الأصل، ثم كانت لها مشكلة معينة في بث عربي وفوراً احتووا الموقف وجاءوا بهذه الطريقة عبر قناة من القنوات. فلا تظن أخي الحبيب أن كل ما يطرح هو لصالحك، ولا تتحمس، قد تسمع حواراً فيه جزئية بسيطة تنتشي طرباً حينما تسمعها لكن لا يسرك أن تجد أحداً ينتصر لجارك وهو في المقابل يريد أن يهدم دارك، فالمسألة فيها كيد ومكر كبار، وهذا مخطط رهيب لاحتواء فكري وجعل الأمة في قوقعة فكرية في ظل خيارات وهمية، كلها خيارات لا تخرج عن الإطار المرسوم في ظل هذه الحوارات. فكثير من الشباب لا يستطيع أن يستقل برأيه يقول أحدهم: ماذا تشجع في حلبة المصارعة هذا أو هذا، ما بوسعك أن تقول، تقول: أسأل الله أن يهلكهم جميعاً، تستطيع أن تقول هذا الكلام، ليست ملزماً أن تقول: أسأل الله أن ينتصر هذا على هذا، فكذلك في بعض القضايا لست ملزماً أن تؤيد هذا أو تؤيد هذا، لكن هم يجعلونك في جو اختيار ورأي حر، ثم تظن أنك قد اخترت الرأي، وفي كلا الحالين أنت لم تخرج عنه. مثل الأب البخيل الذي يدخل عياله في محل كل شيء بخمسة ريال يقول: ماذا تريدون يا عيالي اختاروا، أساساً كل شيء بخمسة ريال أين الخيار؟

حكم قراءة التوراة والإنجيل بهدف الاطلاع

حكم قراءة التوراة والإنجيل بهدف الاطلاع Q ما حكم قراءة كتب الإنجيل والتوراة بهدف الاطلاع؟ A ينبغي ألا يطلع عليها إلا من تدعوه دراسته وتخصصه لذلك، أما من باب الاطلاع وغير ذلك فيكفيك حكماً على هذه الكتب ما جاء في كتاب الله، الوقت الذي تصرفه في قراءة الإنجيل أو صحف التوراة اصرفه لقراءة القرآن تزداد يقيناً وثقة واعتقاداً بالله عز وجل وكتابه ورسله وأنبيائه.

حكم الدخول على النساء الأجنبيات

حكم الدخول على النساء الأجنبيات Q يتساهل كثير من الناس في الدخول على النساء الأجنبيات، مثل أن يدخل الرجل على زوجة أخيه، بل إنها تكشف وجهها عنده. فهل من نصيحة لهؤلاء؟ A نصيحتنا أن يتجنبوا مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء، قيل: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت) هذا ليس اتهاماً للحمو، لكن لمظنة ما يتساهل به الناس في دعوى الثقة التي تعقب الخلوة، وطول السهاد، وقرب الوساد، وكثرة الإمساس وفقد الإحساس ثم وقوع المشكلة، فلا ينبغي أن يتساهل في ذلك. إن ديننا الذي علمنا حتى دخول الخلاء ودورة المياه أرشدنا إلى ضوابط في معاملات الناس فلا نظن أن الدين تركنا سدى {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54] إن نتمسك بهذا الدين فنحن على خير وهداية بإذن الله عز وجل.

الاستمرار على التوبة ولو تكررت المعصية

الاستمرار على التوبة ولو تكررت المعصية Q شاب يعصي الله عز وجل ثم يتوب، ولكنه يعود ويعصي، ثم يتوب ثم يعود ويعصي. فما هي نصيحتكم له؟ A نصيحتي لهذا الأخ الحبيب أن يتوب إلى الله، ولو فعل ثانية أن يتوب ويندم ويفعل الأعمال الصالحة {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] ولو فعل ثالثاً يتوب ويرجع ويحرص ألا يجاهر: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) ويحرص ألا يهتك ستر الله عليه، قيل: (من المجاهر؟ قال: من يبيت يستره الله ثم يصبح يهتك ستر الله عليه) أذنبت ذنباً وستر الله عيك اسكت واستر، لا تتحدث تب إلى الله عز وجل، وكما ارتكبت هذا الذنب سراً فاجتهد في عبادات في السر تكون كفارة مع الحرص على العبادات والشعائر الظاهرة، واحرص على أن تجعل نفسك مع الصالحين الذين ترى بقاءك معهم بإذن الله أمان لك من الانزلاق المرات تلو المرات.

السفر إلى الخارج للدراسة

السفر إلى الخارج للدراسة Q كثير من الإخوة يرحبون بك في ربوع الإحساء ويتمنون تكرار هذه الزيارة ومنهم هذا الأخ الذي يقول: هو طالب متفوق، ووجد بعثة دراسية إلى أمريكا لعدة سنوات، علماً بأنه يستطيع إتمام دارسته في هذا الوطن، لكن من حوله يشيرون عليه بالذهاب لأنه سوف تكون له مكانة في الوظيفة مستقبلاً فما هي نصيحتكم له؟ A أخي الحبيب إذا كنت على يقين بأن دراستك هنا تغني وتكفي وتفي بالمصلحة والغرض والحاجة فعليك أن تدرس هنا، أما إذا كانت دراستك هناك سوف تغطي مصلحة وغرضاً وحاجة يحتاج إليها المسلمون أو تحتاجها هذه البلاد وأبناؤها فإنك على خير وذهابك للمصلحة، ولكن نوصيك أن ترتب علاقتك قبل أن تذهب، وأن تعرف ما هي المدينة، وما أقرب مركز إسلامي، ومع من ستعمل، وكيف ستكون برامجك الدعوية وأعمالك الخيرية حتى تشغل نفسك بطاعة الله عز وجل ودراستك، وما سوى ذلك لا وقت للضياع أو للفراغ أو للتسيب. إذا كان في ذهابك مصلحة ظاهرة راجحة وشيء لا تجده فنعم. أما لو كان الأمران سيان لا يختلفان فبقاؤك هنا أولى كما جاء في سنن أبي داود قال صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء من مسلم يقيم بين ظهراني المشركين، لا ترآى نارهما) فالمكث بين الكفار فتنة، وأمريكا كما يقال هي البلاد التي ينسى فيها الغريب أهله، فتنة وغربة، أول ما يغترب فيها الإنسان لا يستطيع العودة منها، إلا من كان هم العودة والنفع والمصلحة الجادة للعود إلى بلاده ونفع أمته حاضراً بين عينيه، فلقد رأينا كثيراً ممن تساهلوا بذلك فضل أحدهم بعد أن عجز أن يجد عملاً هناك سحر عجيب وغريب، وإني كلما لقيت بعض الشباب أسألهم ما هي أسباب ذلك؟ فأسمع من الأجوبة الغرائب والأعاجيب.

حكم مشاهدة ما يسمى بالمسلسلات الدينية

حكم مشاهدة ما يسمى بالمسلسلات الدينية Q ما حكم مشاهدة المسلسلات التي تسمى دينية والتي تعرض الأحداث التاريخية المهمة، لكن نرى في هذه المسلسلات بعض الموسيقى وغير ذلك من المحرمات؟ A أخي الحبيب: اختلط الحابل بالنابل وكلاً يدعي وصلاً بليلى، والنصوص التاريخية التي تحول إلى سيناريو وحوار ونص ومسرحية وتمثيلية وغير ذلك ما يعلم الإنسان مدى صدقها وعدم ذلك، لكن لا شك أن هناك بعض الشر أهون من بعض، هذا وارد، لكن هل نطمئن إلى ذلك؟ هل هي مصدر موثوق؟ A فيه نظر، ولا بد أن ينتبه الإنسان، فمن استطاع أن يملأ وقته وكل ما حوله بما ينفعه نفعاً صرفاً لا شك فيه فهو على خير، لكن إن قال: أنا لا خيار لي ولا حجة ولا سبيل إلا أن أخفف من الشر بمثل هذا، فنقول: إن تخفيف المنكر خير، لكن خير من ذلك بل الحق أن تنصرف النفوس إلى الوحي المعصوم من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. Q ما رأيكم يا فضيلة الشيخ! إذا كان في المسلسلات تبرج النساء والتميع في الكلام مع الموسيقى؟ الجواب: منهي عن ذلك، والنهي واضح وجلي، فالسلامة لا يعدلها شيء.

أثر الغيرة في التربية

أثر الغيرة في التربية Q فضيلة الشيخ: لقد تحدثتم بالغيرة لأن كثيراً من الأولياء قليل الغيرة على نسائه بحجة الثقة فيهن؟ A يخلط كثير من الناس بين التجسس والشك والغيرة. التجسس افتراض السوء، وسوء الظن، والتربص لانتظار الوقيعة، وأما الغيرة فهي تصرف احتياطي يحول دون سوء الظن، ويمنع الوقوع في الشر، وهو الأمر المطلوب، والنبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عجل الصحابة، لما قال سعد: [لئن وجدت رجلاً يعمل كذا لأخترطن سيفي وأضرب بين رجليه] قال صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من غيرة سعد والله إني لأغير منه، وإن الله لأغير مني، وإن غيرة الله أن يزني عبده أو تزني أمته). قضايا الأعراض والقرب والدخول على النساء والاختلاط بالنساء، للأسف يا إخوان هناك ألوان من البلاء وداوهم من المصائب، أصبح بعض الشباب وبعض الرجال وبعض النساء يجلسن جلسات مختلطة وما فيها شيء، من قال لك: أننا نجتمع على زنا، وتدار الشربات والأكلات والمزاح والضحك وإلى غير ذلك، ولا تظن أن أحداً يسلك هذا النفق الخطر المظلم إلا ولا بد أن يناش من عرضه ما يناش بكلام وبنظرات وبغمز وبلمز إلى غير ذلك. فالعقلاء يحفظون هذه الأعراض. ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد

الدعاء ودوره في مواجهة الأعداء

الدعاء ودوره في مواجهة الأعداء Q أرجو التنبيه إلى أهمية الدعاء لإخواننا المسلمين في الداخل والخارج، والتأكيد على عدم الاستهانة بفائدة الدعاء؛ لأني لاحظت كثيراً منا يكتفي غالباً بترديد ما يسمعه من الإمام، ولكنه لا يعود بالدعاء لنفسه ولا لإخوانه بدون تفكير إلا نادراً، مع أنه ربما يقبل الله دعوة رجل في لحظة ما وتكون سبباً في قصف ظالم والله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء. A جزاك الله خيراً أنت نبهت وأوصيت، وفيما قلت الكفاية والتمام، ولكن أود أن أنبه أن المؤمن داعٍ، أي: أنه حينما يدعو الإمام في القنوت أو أحد ويؤمّن السامع فإن السامع الذي يقول: آمين هو أيضاً في نفس الوقت داعٍ، ولذلك قال تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس:89] مع أن الذي كان يدعو موسى، والمؤمّن هارون، ومع ذلك قال تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس:89] فسمى كل واحد منهما داعياً مع أن موسى هو الذي يدعو وهارون هو الذي يؤمن. فالتأمين على الدعاء دعاء، مع الحرص على ما ذكر السائل في أهمية الدعاء: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77]. يوجد حسابان في شركة الراجحي المصرفية، حساب 22 للزكاة، وحساب 33 للصدقات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وجزاكم الله خيراً.

الشباب بين فقه الطيور والجهاد

الشباب بين فقه الطيور والجهاد الشباب أمل الأمة الإسلامية المتوقد في نهضتها ورفعتها وتقدمها في جميع الميادين، ومن هنا كان لا بد من التربية على الجهاد والتضحية والفداء لهذا الدين، والاعتماد على النفس بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى، كما ينبغي ترك سفاسف الأمور والترفع عنها والتطلع إلى المعالي، ولا يتحقق هذا إلا بالعزيمة وقوة الإرادة وضبط النفس، وقد جاءت هذه المادة لتعالج مرضاً يعاني منه الكثير من شبابنا، فاقرأ تعرف.

تأثير الجلساء والأصحاب على الفرد

تأثير الجلساء والأصحاب على الفرد الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة الشباب أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولا أود أن أطيل في المقدمة ولكن سأبدأ بثلاثة أسئلة نريد أن نستنتج منها أموراً بسيطة ميسرة. حينما ترون شاباً يهتم كثيراً بأمور الحمام والدجاج والطيور والأرانب والإوز، وتجدونه ذاهباً آيباً لأجل البيض، وعلى رأسه كرتون مقفص عن اليمين واليسار، هذا الشاب كيف اهتم بالحمام والطيور ونحوها؟ هل هو مولود في صندقة؟ لا. وتجدون هذا الشاب يعتبر من فقهاء الطيور، أي: فقيه، وأكبر دليل على ذلك، أنني أعرف بعض الشباب ممن يبيعون ويشترون الحمام ضاع وقته مع الحمام ومع التحويم وهلم جرا، فأسأله أقول له: ما هي أنواع الحمام؟ يقول: والله هذا نوع (قطيفي) وهذا نوع كويتي، وهذا نوع (رقيص)، وهذا نوع (مقنبر) وهذا نوع بلجيكي وهذا مصراوي. فتجده يفقهها فقهاً عجيباً، ولو احتجت أن أدرس دراسة حتى أعرف مستوى معرفته في الطيور ما عرفت سبحان الله! ويزيدك يقول: (القطيفي) في حالات يقلب في السماء ويهوز أحياناً، وأحياناً بعضهم من شدة جودته يقلب في الصندقة، ويقلب في الخيط ثلاث أربع مرات بكل سهولة. وإذا كان الطير عزيزاً عليك وغالياً، ولا تحب أن يفوت أو يضيع، فيلزمك شيء مهم وهو أنك تضع في الماء الذي يشرب سكر حتى إذا بعته يرجع إليك، طبعاً لا تصنعوا في الماء سكراً. المهم -يا شباب- أنا أعجب من هذا الشاب، فلديه طاقة وموهبة عقلية، فليس بغبي، ولا تظنون هؤلاء الشباب الذين يذهبون ويرجعون أغبياء! فعندهم عقول، لكن هذا العقل تسخر في ما يتعلق بفقه الحمام والطيور، فأنا أعجب من هذا الشاب كيف اكتسب هذه المعرفة وهذه القدرة؟! هل هو مولود في صندقة أو في قفص؟ إنه مولود في بيته أو في المستشفى بقسم الولادة، شيء طبيعي، لكن من أين اكتسب هذه المعلومات؟ اكتسب هذه المعلومات بالصحبة الذين يخالطهم ويذهب معهم ويأتي معهم، كان اهتمام أصدقائه وأصحابه كله موجه إلى الطيور والحمام وأنواعها وأشكالها وطريقة (الطبة) وما (الطبة) والبيع، وكيف تولد وكيف تبيض، وهلم جرا. تأتي إلى شاب آخر، فتجد عند هذا الشاب أحكاماً عجيبة جداً جداً في مسألة الكرة، فالكرة فيها كذلك قوانين رياضية معروفة، كم حجم الهواء الموجود في الكرة، كم وزن الكرة، وكم عدد الفريق، ومتى ينزل الاحتياطي ومتى لا ينزل، ومتى يأخذ كرتاً أصفر ومتى يأخذ كرتاً أحمر، ومتى يطرد من الملعب، ومتى يصير فاولاً، ومتى يكون تسللاً، ومتى تكون ضربة جزاء، وما حكم الوقت الضائع، وما عقوبة الغلط على الحكم، وهلم جرا، وتجد هذا الشاب عنده معلومات دقيقة جداً، فقد أجلس بجانبه وكلنا يشاهد مباراة، فهو يعرف أن هذا الهدف تسلل وأنا ما أعلم ما معنى التسلل. حينما نجد شاباً يهتم بالحمام أو نجد شاباً يهتم بالكرة، فهذا ليس شاباً غبياً، إن هذا عنده عقل، لكن هذا الشاب الذي تفقه في أمور الرياضة وأحكام الرياضيين وما يتعلق بها، هل هو مولود في الملعب أو تربى في الملعب أو بيتهم في البوابة؟ طبعاً لا، وإنما جالس وخالط شباباً كان جل اهتمامهم الكرة والرياضة ولا اهتمام لهم سواها. وهكذا تجد صنفاً ثالثاً من الشباب، جل اهتمامه في السيارات، فتجده يعرف كل ما يخص بالسيارات، حتى أنك لو أتيته تشكو إليه مشكلة في سيارتك قال: الأمر سهل يا أخي! ودلك على الخلل وكيف يمكن تصليحه، الشاب فقيه جداً في أمور السيارات، فهل هذا مولود في ورشة؟ طبعاً لا، إنما الذي جعله فقيهاً دقيقاً في مسألة السيارات وأصنافها ونحو ذلك أن لديه مجموعة شباب كانت اهتماماتهم الموديلات، والفرق بين الموديل الفلاني والآخر وغير هذا من أمر السيارات. إذاً أريد أن أخلص من هذا بنتيجة: أن الذي يحدد اهتمامك واتجاهك هم صحبتك وجلساؤك وأصدقاؤك، فإذا كان جلساؤك أهل حمام فأبشر، ستحط على رأسك كرتوناً وقفصاً بجانبه، وإن كان جلساؤك وصحبتك أهل اهتمامات رياضية فستكون من فقهاء الرياضة، وإذا كانت اهتماماتك اهتمامات خاصة بالورش الصناعية فستجد نفس القضية، فإذاً ينبغي أن نعرف: المسألة الأولى: أن شبابنا في المرحلة الثانوية أو المتوسطة أو ما بعدها، أو حتى الشباب الذين يدورون في الأسواق والله ما هم بأغبياء، والله فيهم ذكاء لا يخطر على بالكم، ولكن بدلاً من أن يكون ذكاء الشاب يتعلق بمجالات عديدة، بدلاً من أن ينطلق في الاتجاهات الأربع حصرناه في اتجاه واحد ألا وهو اتجاه الكرة أو الحمام أو الرياضة كمثل من الأمثلة. هذه مسألة. المسألة الثانية: قلنا إن الشباب أذكياء، وليس عندهم قلة ذكاء أو قلة عقول، ولكن الصحبة المحيطة بهم بدلاً من أن تجعل عقولهم تنتشر في شتى المجالات، جعلت عقولهم تنحصر في مجال قد لا يكون جديراً بالاهتمام أو لا يكون جديراً بالاهتمام إلى الدرجة والقدر الذي بلغ به أولئك.

احتقار الشباب للذات

احتقار الشباب للذات أيها الشباب! إن الإنسان من هؤلاء السابق ذكرهم تجد مصيبته في أحد أمرين: إما أن يكون متكبراً متغطرساً مغروراً، وإما أن يكون محتقراً لنفسه. أي أن عندهم مشكلتين والوسط بينهما فضيلة: إما الغرور وإما احتقار الذات، إما أن يكون مغروراً، ولا ينال العلم مستحٍ ولا مستكبر، وإما أن يكون محتقراً ذاته، والذي أود أن أركز عليه مسألة احتقار الذات. شبابنا فيهم خير كثير، المرحلة الثانوية في مختلف أنحاء المملكة مليئة بالمواهب والعقول الطيبة، ولكن المصيبة أن كثيراً منهم يحتقر نفسه، وربما لو قلت لأحدهم: ما رأيك أن تأتي تدرس برمجة كمبيوتر؟ يقول: أنا لا أنفع في هذه الأمور. ومن قال لك: إنك لا تنفع؟ ما الذي جعل الطفل الأوروبي أو الأمريكي منذ الصغر وهو يتعلم لغة البيسك والكوبول والبرمجة وما يتعلق بذلك، وأنت بهذا العقل وبهذا الحجم وبهذا المستوى تُحجم وتقول: أنا ما أنفع ولا أصلح لشيء؟ ربما أن التربية التي تلقيناها يوماً ما من بعض الآباء أو الأمهات أو الأقارب جعلتنا نحتقر أنفسنا، تجد الإنسان مثلاً يدخل عند أبيه -وأبوه عنده ضيف- يقول: هذا ولدك فلان؟ يقول: إيه يا رجل! هذا لا ينفع لا في شاردة ولا واردة، هذا ليس بكفء في أي شيء إلخ، فالمصيبة -أيها الإخوة- أن بعض الشباب ربما تلقى إهانات واحتقاراً منذ الصغر إلى درجة أن والده لا يثق به أن يشتري عنزاً، حيث تقول لأبيك: أعطني أربعمائة ريال أشتري خروفاً فلا تجد عنده استعداداً أن يثق في ولده في شراء خروف. ويقول: أخاف أن يضحكوا عليه؛ لكن هل يعطونه بطة ويقولون له: هذا خروف؟ طبعاً لا. وليكن أنك أخطأت أو زللت في المرة الأولى وباعوك شيئاً فيه عيب أو مرض أو نقص، فليست بمشكلة، في المرة الثانية تكون أفضل لكن مشكلة بعض الشباب إما أن يتكون لديه عقدة مبكرة في أول فعل أو أول تصرف أو سلوك كان بينه وبين والده؛ فأصبح يعتقد أنه لا يصلح لشيء، ولا يستطيع أن يفعل شيئاً. جاء إليَّ شاب يوشك أن يبكي، قلت له: تعال يا أخي! توضأ، فجلسنا في المسجد وصلى معي، قلت له: ما هي قصتك؟ قال: أبي يحتقرني، ما يراني بحجم المسئولية، لست بكفء، لدرجة أني لو أخرج من البيت؛ يخاف علي ويحسبني بنتاً لا يثق بي ولا في قدرتي الرجولية على نفسي، ولا حتى في ثقته بي أني أشتري شيئاً أو أقدم شيئاً أو أقضي حاجة للبيت. وما زلت مع هذا الشاب في الحديث معه حتى قلت له: انظر، أول مسألة: أريدك أن تفرض لنفسك برنامجاً ونظاماً في البيت، فيعرف أهلك أن لديك نظاماً معيناً تمشي عليه. قال كيف:؟ قلت: دعهم يعرفون عنك، أنه متى أذن المؤذن، فإنك ولو كنت جالساً تشرب معهم، ستتوضأ وتخرج تصلي. الأمر الثاني: عودهم على برنامج معين، مثلاً: أنك بعد العصر تجلس معهم نصف ساعة أو أربعين دقيقة أو خمس وأربعين دقيقة، وبعد ذلك تنظر في ساعتك تقول: والله، انتهى الوقت أنا الآن أذهب إلى غرفتي وأبدأ أذاكر دروسي، أي أنك احترمت وقتك وشخصيتك، فحينئذ هم يحترمونك. مسألة ثالثة: إذا جاءك زملاؤك، فليس كل من ضرب لك (البوري) قمت أخذت (الغترة) وخرجت معه. لا، اجعل وقتاً معيناً مخصصاً للزملاء، وما سوى ذلك اجعله لقراءتك، لاطلاعك، ولثقافتك ولدروسك، ولمراجعاتك، وأخبر أهلك قائلاً: من هذا الوقت إلى هذا الوقت كل من جاءني، فقولوا له: أنا مشغول. وكلمة مشغول يستطيع أن يقولها أي واحد منكم كما يقولها مدير دائرة أو مدير قسم. إلا في حاجة والديك، فلا يجوز أن تعتذر بأي شغل عن حاجتهما. المهم: حينما تفرض نظاماً، وأهلك يعرفون أنك احترمت نظامك هذا، ثق كل الثقة أنهم سيجعلون منك رجلاً آخر. والله يا شباب من شهرين تقريباً لما طبق هذا الأمر، وأصبح أهله يرون فيه القدرة والرجولة، وأصبح يدير نفسه إدارة جيدة، تزوج من مدة شهرين، فبلغت منهم الثقة برجولته بعد أن كان كالبنت عندهم، لا يدعونه يخرج لحاله، ويخافون عليه، ولا يدعونه يشتري شيئاً، ولا يثقون به في قضاء حاجة، مجرد أن الرجل فرض إرادته وفرض شخصيته الرجولية، ولم يفرض إرادته في الإتيان بعشرة أفلام فيديو ثم جلس يتفرج عليها، ويا شغالة هات شاي، ويا سواق هات لي (فصفص) لا، إنما فرض رجولته في أعمال وتصرفات وسلوك الرجال. منذ شهرين عرض عليه أبوه قال: تزوج يا ولدي. طبعاً هو يريد أن يتزوج، فعمره حوالي ثماني عشرة سنة أو تسع عشرة سنة، طبعاً ضحك واستحى. المهم أن هذا الشاب جاء إلي وأخبرني قال: الوالد عرض علي الزواج. ما رأيك؟ قلت: رأيي أن توافق. قال: لكن من أين أصرف عليها وماذا أعطيها؟ قلت: أنت عندك رغبة في الزواج أو لا؟ أنت رجل أو لست رجلاً، فحل أو لست فحلاً؟ قال: بلى. أنا رجل وأريد أن أتزوج. قلنا: إذاً وافق على الزواج وربي يطيل في عمر والدك على طاعته، وتسكن مع والدك في هذا البيت، والآن -ما شاء الله- هو في الثانوية ويخرج لدراسته، ويعود إلى زوجته، ويسلك سلوك الرجال في معاملته. إذاً هل يفرض علينا فرضاً -يا شباب- ألا نبدأ حياة الرجولة إلا من بعد الثلاثين عاماً وما قبل الثلاثين حياة اللف والدوران ومضيعة الوقت واحتقار الذات وهوان الشخصية؟ لا، نريد أن نعرف أن لنا قدراً منذ أن نبلغ، ولذلك الإسلام جعل حد المعاملة وحد التكليف في البلوغ. الشاب إذا بلغ عمره خمس عشرة سنة أو ست عشة سنة إذا قتل فإنه يقتل، وما جعل الإسلام حد التكليف بالحصول على الشهادة الجامعية، أو حد التكليف أن الإنسان إذا أثبت نفسه يعتبر مكلفاً. لا، الإسلام جعل البلوغ هو دليل الرجولة، فما دمت قد بلغت، فلتعرف أنك قد صرت رجلاً مؤاخذاً ومحاسباً، فلو قتلت إنساناً ستقتل به، لا تقل: لا، ما دام أنك أصبحت بالغاً؛ فإنك تقتل لو قتلت، ولو سرقت لقطعت يدك، ولو زنيت -والعياذ بالله- فإنك تجلد. هذه المنزلة التي جعلها الإسلام للرجل أو للشاب منذ حد البلوغ دليل على أن الإسلام يريد أن ينهض بنا وبكم من وقت مبكر، وإلا أين أعمارنا منذ أن بلغنا؟ أين ضاعت الأعمار؟ يا شباب! والله إننا نعجب أن شباب البعث الذي ينتمون إلى حزب البعث في العراق، والذين ينتمون إلى الأحزاب الاشتراكية في بعض الدول، في عمر الست عشرة سنة يعرف الرجل كيف ينتمي، ويشعر أن له انتماءً عقدياً، تجده يقول عن نفسه: أنا بعثي، وأعرف أن أفكار البعث تقوم على الوحدة والحرية والاشتراكية القومية والمساواة والعلمانية. تجده يعرف هذه الأفكار ويدرسها منذ المراحل الثانوية، بل ويتدرب حتى على التربية العسكرية في وقت مبكر. لماذا هذا الشاب البعثي أو الشاب الاشتراكي أو الشاب الشيعي أو الشاب أياً كان اتجاهه يعترف ويعتز بعقيدته في وقت مبكر، ونحن يا شباب الإسلام لا نعتز إلا بقصة الأسد وربطة (رامبو) و (بريك دانس) وهلم جرا؟ تصوروا في ثانويات العراق لا يدخلون الفصول بعد الطابور إلا بعد أن يمسك كل واحد الرشاش ويطلق كذا طلقة في الهواء ثم يدخلون؟ رجولة مبكرة، والآن لو نطلق طلقة كلنا انبطاح على الأرض، يتوقع المسألة فيها حرب. إننا نريد أن نعترف برجولتنا من وقت مبكر ويا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا! والله يا شباب إن فيكم خيراً كثيراً، ولكن هل بحثتم عن منابع هذا الخير؟ هل حاولتم أن تكتشفوا الطاقات؟ انظروا! عندما تأتي ممثلة ساخرة سافرة، أو يأتي ممثل خليع ماجن، ويعملون معه مقابلة في أي برنامج، أول ما يبدءون معه: يا سعادة الممثل! متى بدأت تكتشف مواهبك؟ يقول: والله كان المرحوم بليغ حمدي هو الذي اكتشفني، أو كان محمد عبد الوهاب أو الموسيقار فلان هو الذي اكتشفني. إذاً ستجد أن هذا الشاب كان طاقة، وجاء من ينقب عن مواهبه حتى اكتشف من بينها أمراً أخرجه وميزه. فأنتم يا شباب! من تنتظرون أن يكتشفكم؟ نبيل شعيل؟ أو عبد الله الرويشد؟ من يأتي يكتشف مواهبنا يا شباب؟ إذا نحن لم نبحث ونفكر ما هي الجوانب الإيجابية في نفوسنا؟ هل عندنا حب للقتال؟ هل فينا حب للعسكرية؟ هل عندنا جوانب فكرية؟ هل عندنا رغبة في المعادلات والرياضيات المعقدة التي تجعل الإنسان ربما يصل يوماً ما إلى تطوير قانون أو حساب نظرية جديدة؟ أم تبلغ الأعمار خمس عشرة سنة، تسع عشرة، أو خمساً وعشرين، والشاب لا مواهب له ولا اتجاه ولا قدرة؟ أنت إما تكون وإما أن لا تكون، إما أن توجد ويكون لك شأن وتكون لبنة في بناء المجتمع وإما أن تكون تراباً. خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد أي: تكون من بين هذا التراب ولا أحد يعرفك، وربما يدس على رأسك وأنت لا تدري، وإما أن يقال: رحم الله فلاناً منذ صغره. للأسف تجد من الشباب من يقول: أنا! أنا! أنا! لست بكفء في أي شيء. حتى وإن جئت تتهمه يقول لك: لا، أنا رجل، لكن بينه وبين نفسه يقطع في أصابعه، أنا لا أصلح لشيء، بعض الشباب الذين انقطعوا عن الدراسة في وسط الثانوية ولا عمل لهم الآن عندما أجلس مع بعضهم، أقول له: يا أخي! لماذا لا تذهب إلى المعهد الملكي؟ يقول: أنا سمكري! لماذا لا تدرس في المعهد المهني؟ لماذا لا تواصل دراستك؟ لماذا لا تدخل دورة كمبيوتر؟ ادخل لك دورة معينة مهنية أو تدريبية. تجده عنده قاعدة أنه فاشل لا يفهم ولا يعرف شيئاً. اقتناعك بأنك فاشل، لا يفتح أمامك مجالاً للنجاح والبروز والنبوغ يوماً ما. بادئ ذي بدء، حتى ولو لم تكن تعرف (أب ت ث ج) و (1+1) قبل أن تعرف هذه، أريد كل واحد منكم أن يعتقد وأن يقتنع أنه شيء ويستطيع أن يحقق شيئاً، وبدون هذا -أيها الشباب- والله لن نستطيع أن نثبت أنفسنا في خضم هذا الواقع، وبدون هذه القناعة بأننا رجال وأننا أكفاء ونقدر على أن نفعل شيئاً، بدون هذا لن نستطيع أن نغير في واقعنا أو نغير في أنفسنا حتى أي شيء.

من سير شباب الإسلام

من سير شباب الإسلام

شاب تأكله الطيور والسباع بعد استشهاده

شاب تأكله الطيور والسباع بعد استشهاده قال أحد قادة الإسلام: دعوت الناس إلى الجهاد في صلاة الجمعة ذات يوم -من القرون المتقدمة- فجاءت امرأة وطرقت علي الباب في الليل وقالت: أيها الأمير! دعوت الناس إلى الجهاد ولا مال عندي أتصدق به، فلم أجد إلا ظفيرتي هذه، فحلقت شعري، أريد أن تجعل منها لجاماً لفرسك في سبيل الله. انظروا! يوم أن كانت الأمة أمة، كانت المرأة تعتقد أنها تصنع شيئاً، فما بالك بالشباب والرجال؟! قال القائد: فدعوت لها وأخذت ظفيرتها وجعلتها لجاماً لفرسي، قال: فلما نزلت المعركة إذ بي أجد فتىً حدثاً يافعاً قال: ووجدت معه قوساً ونبلاً، وما شد وتر القوس إلا سقط النبل في واحد من الروم، يقول: عجبت من هذا الشاب الذي يحسن الرماية وهو في هذا العمر. ماذا حصل؟ قال: فأشغل الروم أمر هذا الفتى، فقد تسلط عليهم بالسهام وأصبح يقتلهم واحداً بعد الآخر، قال: فلعلهم اجتهدوا في تحديد موقعه أو مكمنه، ثم رموه بسهم سقط في قلبه، فخر الفتى ميتاً، قال: فأهمني أمره وترجلت عن فرسي، وجئت إليه ونزعت السهم من قلبه، ثم حملته شهيداً في المعركة، وتوجهت به ودفنته. قال: ثم حملته على فرسي وكررت نحو القوم، وعدت متحيزاً -الفارس لا يجوز له أن يهرب، لكن يجوز له أن يتحيز ويلف يميناً ويساراً، ويتقهقر ويتقدم، كر وفر، هذا يجوز- يقول: فعدت متحيزاً، وإذ بي أجد الفتى قد لفظته الأرض -خرج من الأرض- قال: فعجبت لشأنه! قلت: لعلي لم أحسن دفنه أو أن شيئاً من السباع جرت ثيابه، فعدت وحفرت له قبراً مرة أخرى أعمق من الذي قبل ودفنته، قال: ثم حملت على العدو وعدت متحيزاً، فإذ بي أجد الفتى قد لفظته الأرض -خرج مرة أخرى- فقلت: أدفنه مرة ثالثة ولا أعود لدفنه مرة أخرى، المعركة أمامي ولا أستطيع أن أنشغل به أكثر من هذا. دفنه المرة الثالثة فلما حمل على العدو، وجاء متحيزاً أو كاراً مرة أخرى إذا به يجد السباع والطيور تأكل من لحمه وعظمه وما بقي منها شيء، قال: فعجبت من شأنه، ومعي مزادته وما بقي من قوسه ونباله، يقول القائد: فلما انتهت المعركة أويت إلى داري وسألت الجند: من يعرف هذا الفتى وأين بيته؛ لكي أرسل ما بقي من متاعه ومزادته إلى أهله؟ فدلوني على بيته، وطرقت الباب فإذا بامرأة ترد علي، صوتها صوت تلك المرأة التي جاءت بظفيرتها وجعلتها لجاماً لفرسي، قلت لها: أهذا ولدك؟ قالت: نعم، أسألك بالله هل تقبله الله شهيداً؟ قال: إي والله. قالت الأم: وهل دفنته أيها الأمير؟ قال: دفنته ولكن لفظته الأرض. قالت: ثم دفنته؟ قال: ولفظته الأرض. قالت: ثم دفنته؟ قال: فأكلته السباع والطير، قالت: الحمد لله الذي استجاب دعوته. ولما همت بالانصراف قال: أسألك بالله يا أمة الله! ما شأن هذا الفتى فقد أعجبني أمره وشغلني شأنه؟ قالت: والله أيها الأمير! إن شأن هذا الفتى عجيب! كان في النهار لا ينفك عن رمي بنبل وسهم، وإذا جن الليل أحسن وضوءه، واجتهد في محرابه وهو يصلي ويقول: اللهم اقتلني شهيداً في سبيلك، واحشرني في حواصل الطير وبطون السباع، اللهم اقتلني شهيداً في سبيلك واحشرني يوم القيامة في حواصل الطير وبطون السباع. فتلك دعوته، قال: لقد أجاب الله دعوته ورأيت السباع والطير كلٌّ قد نال من لحمه شيئاً. طبعاً الشهيد لا ينال من آلام الموت كما ينال أحدكم من ألم القرصة حينما يذوقها.

أمنية لربيعة بن كعب

أمنية لربيعة بن كعب انظروا إلى أمنية أخرى من أمنيات شباب الإسلام: فتىً يقال له ربيعة بن كعب، كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فأحبه النبي وأعجب به، فقال له النبي: (يا ربيعة! اسألني حاجتك) أي: ماذا تطلب؟ الآن لو سألت أحدهم: ما حاجتك؟ تجد آماله معلقة بالسيارات وغير ذلك، فالنبي يقول لهذا الشاب: (يا ربيعة! اسألني حاجتك) فأطرق ربيعة ملياً، هل يطلب ناقة أو يطلب جملاً أو يطلب شيئاً من الماعز. قال: (يا رسول الله! وتعطيني ما أسأل؟ قال: أعطيك يا ربيعة. قال: حاجتي أريد مرافقتك في الجنة يا رسول الله) انظروا إلى الأماني: شاب صغير يفكر في الجنة، وليس في أي منزلة، يريد الجنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد مرافقتك في الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوغير هذا يا ربيعة؟) قال: (هو ذاك يا رسول الله، لا أريد إلا مرافقتك في الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذاً أعني على نفسك بكثرة السجود) لأن منزلة النبي في الجنة عالية، فتحتاج إلى كثرة السجود؛ لأنك ما سجدت لله سجدة إلا رفعك الله بها منزلة، ومنازل الأنبياء تحتاج إلى هذه العبادة وإلى مثلها مما يتقبله الله جل وعلا. الحاصل -أيها الشباب- نريد أن نتذكر أسلافنا وأن نرتبط بهم. تجد بعض الشباب في سيارته صورة أربعة مطربين، وبعض الشباب تجد في حجرته صورة أربعة نجوم من نجوم الكرة أو من نجوم السينما، هاتوا لنا فريقاً يرد فلسطين؟ فلسطين كم لها من سنة؟ ستين عاماً وفلسطين تحت أيدي اليهود، الاتحاد الدولي لكرة القدم هل يستطيع أن يرجع فلسطين؟ أجمعية الفنانين يرجعون فلسطين؟ أجمعية نجوم السينما يرجعون فلسطين؟ أبطال الأوبرا، رجال الأوسكار، كرنفال جنيف كل هؤلاء لا يرجعون من أرض المسلمين شبراً واحداً. من هو الذي يرجع فلسطين؟ شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا وإن جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا هؤلاء الشباب هم العملة النادرة التي تبحث عنها الأمة.

شخصية محمد بن القاسم

شخصية محمد بن القاسم يا شباب! لعلكم أن تكونوا منهم، يا شباب! ليكن كل واحد منكم محمد بن القاسم: إن المروءة والسماحة والندى لـ محمد بن القاسم بن محمد قاد الجيوش لسبع عشر حجة أي: وعمره سبع عشر سنة يقود الجيوش ويفتح السند والهند، وأخيراً يأتي محرفوا التاريخ مثل جورج زيدان وقسطنطين زريق وجورج حبش وغيرهم يقول لك: إن محمد بن القاسم كان يموت في هوى سيتا بنت الملك، ويطلع في بعض الأفلام والمسلسلات -كما ترون- قائد من قادة الإسلام، الله أكبر في المعركة. وأخيراً هذا القائد الذي كان قبل قليل يصول ويجول، يرجع في المشهد الأخير لكي يتبادل كلمات الغرام مع عشيقته أو مع محبوبته، وهي تقول له: حفظك الله، وتصيح عليه وتخاف عليه أنه يموت وما تتزوجه! هذا من سمت رجال الإسلام؟ يا أحبابنا، يا رجالنا، يا شبابنا! تاريخكم محرف، افهموا جيداً واعرفوا أن فيكم من البطولات والرجولة ما لا يعلمه إلا الله.

شباب من أفغانستان

شباب من أفغانستان في أفغانستان قابلت شاباً اسمه خالد باشا -من أبناء وشباب الطائف - والله يا شباب إنني رأيته، فرأيت في وجهه الشهادة في سبيل الله، وكان معي أحد المشايخ قلت: يا شيخ! هذا الشاب أظنه يقتل شهيداً في سبيل الله. وشاب آخر اسمه أبو زيد القمري من الشباب الأحداث، كان في منطقة مكشوفة ليس فيها تلال ولا سهول، أريد أن أبرهن لكم أن فيكم قوة وقدرة وأنتم ما نزلتم إلى ميدان الرجولة وإثبات الذات وتحقيق الشخصية؛ لأنك تعتقد أنك لا تصلح لشيء ولا تنفع في شيء، أمنياتك سيارة أو حاجة بسيطة، أريد أن تكون أمانيكم عالية: وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام أبو زيد القمري، هذا شاب من الشباب، والله يا إخواني يقف في منطقة مكشوفة أمام العدو -أمام الشيوعيين والروس في أفغانستان - تصوروا كيف كان يعمل؛ هل كان يختبئ وراء جبل ويضرب الدبابات؟ هل كان يطلق على الراجمات البعيدة سكربيت سكرشل -صقر عشرين وصقر ثلاثين- عشرين كيلو ثلاثين كيلو. لا، كان يقف على طريق الدبابة، يصنع خندقاً برميلياً عبارة عن حفرة في الأرض بقدر عمق البرميل ويسقط فيها ومعه الآر بي جي -الآر بي جي: سلاح جيد لضرب الدبابات يحمل على الكتف- وقذيفته معه فينزل في هذا الخندق، وبعد يقرأ قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال:1] وما إن يرى الدبابة: باسم الله {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] أخذ القذيفة وربطها على الآر بي جي وبسم الله، حتى إذا قربت الدبابة؛ خرج من الخندق يقول له الشباب: يا أبا زيد! اجلس في الخندق واضرب وأنت جالس. قال: لا، الموت ساعة لا تتقدم ولا تتأخر، إن كتب الله أن أموت مت ولو وسط الخندق، وإن كتب الله الحياة في الخندق أو خارج الخندق. فيقوم فإذا مرت الدبابة؛ صوب القذيفة إلى برج الدبابة. أحسن ضربة للدبابات في البرج -أعلى الدبابة- وخاصية قذيفة الآر بي جي أن درجة الحرارة فيها قوية جداً، وتدخل في عمق فولاذ الدبابة حوالي 15 سم ثم تنفجر بعد دخولها، وتسبب انشطاراً قوياً وتحرق الدبابة ومن فيها. تصوروا يا شباب كم أهلك هذا الفتى من الدبابات! وفي يوم من الأيام صعد هذا الشاب وإذ بدبابتين وراء بعض، ضرب الأولى، وهو يحتاج وقت حتى يأخذ القذيفة الثانية ويركبها ويضرب بها، لا يوجد وقت، الدبابة أسرع، فتوجهت الدبابة بالفوهة نحوه ووقف أمامها ووقفت أمامه، والرجل يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] ضربت الدبابة تلك الضربة التي لا يشك أحد أنها ستمزق أشلاءه، فإذ بها تمر بجانبه برداً وسلاماً بعيداً عن المكان! وماذا بعد ذلك يا شباب؟ {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] باسم الله والله أكبر، ويضرب الدبابة الثانية ويفجرها. يا شباب أنتم فيكم قدرة لا تخطر على بال. شاب من أهل اليمن أعرفه جيداً، والله يا إخوان كان يعمل هنا كهربائياً، وهذا ليس بعيب، لكن انظروا كيف صنع الجهاد رجالاً، فتح الله عليه، وأحب أن ينال أعالي الأمور وذروة سنام الدين، فذهب إلى أفغانستان، ويالله ذهب إلى منطقة كابول جحيم المعمعة، في منطقة اسمها بغمان وهي منطقة مرتفعة تطل على كابول، وكان مساعداً للقائد العام الحاج شير علم، قائد عام منطقة بغمان. الذي حصل يا شباب أنه بخبرته في الكهرباء صار متخصصاً في تسليك الصواريخ -صواريخ سكربين، صقر عشرين، صقر ثلاثين- توجه وبميل منحني يحدد مواقع معينة لضربها. هو بنفسه زارني في البيت يقول: والله ضربنا ذات يوم خمسين صاروخاً صقر ثلاثين وصقر عشرين على كابول إلى درجة أن نجيب قائد الحكومة الشيوعية أرسل لنا رسالة يقول فيها: يا حاج شير علم! عندنا ضيوف والأفغان لا يفعلون هكذا بضيوفهم، نرجو أن تكف عن ضرب العاصمة. فيرسل له الحاج شير علم ذلك مع أعرابي -يعني: راعي غنم- يرسل له وريقة فيها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:38 - 39] يا نجيب أسلم تسلم وإلا فانتظرني بالذبح. ويرسل له الرسالة! انظروا العزة عادت. أيام كان هارون الرشيد يقول: من أمير المؤمنين هارون الرشيد إلى نقفور كلب الروم يهدده ويخوفه، الآن شاب يمني وآخر أفغاني يهددون حاكم دولة اسمه نجيب. إذاً هؤلاء الشباب قدرة وقوة، لكن لجأ أعداؤنا في تسليط الغزو الفكري حتى أصبحت قدراتنا وأفكارنا موجهة إلى آخر موضة، آخر موديل، آخر مسلسل، آخر أغنية، آخر شريط، آخر مباراة، آخر تقليعة وهلم جرا، شغلنا بهذه الأمور يا شباب، وإلا لو كانت اهتماماتنا اهتمامات الرجال منذ الصغر كان يترجم لكم التاريخ، فلان بن فلان درس في ثانوية الرياض، شهد معركة كذا، دعا إلى الله في كذا، قام بالخطابة في مسجد كذا، فالتاريخ يحفظ أعمالكم وأفعالكم إذا الواحد منكم يقدر ويقرر أن يكون شيئاً. يا شباب! المجتمع مليء بالبشر لكن من الذي يذكر من البشر؟ خمسة: إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه وموت فتىً كثير الجود محل فإن بقاءه خصب ونعمه وموت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمه وموت العابد القوام ليلاً ينادي ربه في كل ظلمه فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه هل أنتم من الخمسة أم ممن يكونون تخفيف ورحمة إذا ماتوا؟ فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه وباقي الخلق همج رعاع وفي إيجادهم لله حكمه يا شباب الإسلام: أنتم قوة، شاب فلسطيني قابلته منذ أيام في فندق المنهل كان قادماً مع الشيخ/ جلال الدين حقاني اسمه أبو الأهوال، طبعاً له اسم آخر لكن اللقب أبو الأهوال، سمي أبو الأهوال لأنه لا يعرف يتفاهم مع روسي أو شيوعي، أربع قنابل، عشر قاذفات، شاجورين، رشاش، ويمشي وكأنه لغم يتحرك. يا إخوان! هذا الشاب فيه قدرات عجيبة، لاحظوا أن شارع التفحيط أو شارع الموت الذي وراء جنادرين يدل على وجود طاقات ومهارات، ما ظنكم لو أن الشباب هؤلاء نزلوا أفغانستان أو نزلوا إلى الساحة للحرب مع العراق؟ والله يا إخوان الشباب لديهم قدرة وهناك استعداد للتضحيات ولكن كيف ضاعت التضحيات؟ كيف ضاع الاستعداد؟ أين ضاعت الهمم؟ كيف راحت اهتماماتنا في (جيمس البكار) وصارت اهتماماتنا في أشياء بسيطة، بسبب الأفلام والمسلسلات. لو آتي لأفسق شاباً، وأضع في يديه (كلبشات) الحديد وأضع في رجليه الحديد وأقول: اسمع ممنوع الصلاة هذا اليوم. ولو كان أفجر شاب، ولو كان لا يصلي، والله يا إخواني يقول: أنت تمنعني من الصلاة، ويبدأ يلعن ويسب ويشتم في أبي وفي خامس جد، ويقطع هذا الحديد ويذهب يصلي عناداً؛ لأنني واجهته، هو يعتقد وجوب الصلاة لكني منعته وقيدته، فعاندني وقطع القيد، وفك هذه الأغلال وذهب ليصلي. لكن إذا كان هذا الشاب نفسه بجوراه مسجد وفيه بابان، ثم زيدت للمسجد أربعة أبواب، وجعلت ما بينه وبين المسجد إلا خطوات، وكبرت الميكرفونات -مكبرات صوت المسجد- وقلنا له: انظر يا أخي هذا المسجد الآن زدنا أبوابه وكبرنا ميكرفوناته لكي تسمع الأذان والإقامة. لكن هذا شريط جديد فيلم هندي تحب تنظر فيه، تفضل، فتجد هذا الشاب يضع الشريط في الفيديو، ثم يستمع إليه ولا يجيب منادياً حتى تنتهي صلاة المغرب ثم العشاء، فتذهب صلاة المغرب وصلاة العشاء وهو لا يزال ساهراً، يريد أن يرى نهاية هذا الفيلم: الفيل يلق أمه أو لا. انظروا إلى الأساليب الفكرية، لا يأتي أعداء الإسلام إليكم يقولون: لا تصلوا. يقولون: بالعكس. هذه المساجد، وسعوا الأبواب، لكن تفضل هذه الأفلام، يصدرونها لكم من هوليود ومن جميع الولايات المختلفة، من أجل أن تشغلوا أوقاتكم بها. فتلاحظ أن الشاب لو أعطيناه كفاً وقلنا له: لا تصل. لأعطانا كفين وذهب يصلي، لكن لو نعطيه شريطاً، فهو مستعد أن يترك صلاة المغرب وصلاة العشاء من أجل مشاهدة نهاية هذا الفيلم الهندي. فيا شباب خذوا مثلاً آخر: المرأة المسلمة، لو أن أحداً يأتي إلى فتاة مسلمة متحجبة وينزع الحجاب من رأسها، ويمزق عباءتها. ماذا تفعل؟ ستعود متسترة ومتحجبة، وتبقى قوية على حجابها، لكن حين تخرج لها دعاية شعر، سليفكرين وواحدة تدور برأسها كذا، وواحدة تدور برأسها كذا. ما الذي يحصل؟ تقول: الله! ما معنى أن هذه الفتاة شعرها ناعم وأنا شعري ليس بناعم؟ لماذا لا أطلع للتلفزيون مثلها؟ أو دعاية أخرى: فتاة معها ملف وتشتغل سكرتيرة في باريس تجدها تقول: انظر الأناقة! وأنا جالسة هنا أسحب هذا (البشت) وهذه هناك متطورة ومتقدمة! إذاً الأسلوب الجديد في غزو عقولكم وأفكاركم وأفكار بناتكم ونسائكم ليس هو أسلوب سب وشتيمة. بل أسلوب العرض، لاحظ مثلاً: في المسلسل تجد فتاة في أسرة تلاقي صديقها -مثلاً- في الجامعة: كيف أنت يا فهد؟ أين أنت؟ هيانذهب لنشرب في المكان الفلاني قهوة ونجلس وكذا، لماذا لم تأتِ

السبيل إلى إثبات وجود النفس

السبيل إلى إثبات وجود النفس كيف الطريق أن نوجد أنفسنا بعد هذا الكلام؟ ما هو الدليل؟ أريد أن نثبت وجودنا: أولاً: بأن نشعر أننا ننتمي إلى الإسلام بالدرجة الأولى، وحينما نشعر بهذا الانتماء الذي منح الرجال قديماً وحديثاً القوة والقدرة، فلنعرف ماذا يريد منا هذا الإسلام، يريد منا الصلاة مع الجماعة، يريد منا حسن الخلق، يريد منا الدعوة إلى الله، يريد منا أن نكون مدركين ماذا يدبر أعداؤنا لنا. يا شباب ينبغي أن ندرك أن الأعداء من الكفار أياً كانت مذاهبهم لا يفرقون بين سعودي وسعودي، لا يفرقون بين يمني وفلسطيني أو مصري وغيره، أعداء الإسلام يمزقون العلاقات بين الشعوب عن طريق الحكومات، لاحظوا هذا الأمر الخطير، مثلاً نسمع في الإذاعات: والله مشكلتنا مع اليمن، ومشكلتنا مع الأردن، ومشكلتنا مع العراق، طيب حينما أجد مسلماً يمنياً أو أردنياً أو فلسطينياً أو غيره هل كون النظام الذي وقع في بعض الجرائم يبرر أن أكون عدواً لأخي اليمني أو أخي الفلسطيني أو أخي الأردني؟ لا، افهموا هذه جيداً، نحن كلنا أمة مسلمة، والعداوة على الإسلام جميعاً لا تفرق بين جنس ولون، الذين دبروا مذابح المسلمين في فلسطين هم الذين دبروا مذابح الكويتيين، لا شك في ذلك، إلا أن الوجه تارة يكون صهيونياً وتارة يكون الوجه بعثياً وهكذا، لكن هل يعني هذا أن علاقتي الإسلامية بأخي المسلم ضائعة؟ لا. الأمر الآخر: نريد أن نثبت وجودنا، ولا سبيل إلى إثبات الوجود إلا بالالتزام بما يمليه وما يقرره هذا الدين الحنيف، حسن التعاون، السلوك، إشغال الوقت بالأمور النافعة بدلاً من أن يضيع وقتك في سماع عشرين شريطاً لـ شعيل أو الرويشد، اسمع عشر محاضرات، وستجد أن عقلك امتلأ أفكاراً ومعلومات، بدلاً من أن يضيع وقتك في مشاهدة مسلسلات أو مشاهدة أفلام، احضر محاضرات وافهم ماذا يدور، هذا القرآن من ألف وأربعمائة سنة إلى الآن ما تغير وما نقص فيه حرف وما زاد حرفاً، ما سر الإعجاز؟ الكنيسة حرَّفت في الإنجيل الكثير، فما بالكم يا شبابنا بهذا القرآن الذي من ألف وأربعمائة سنة ما تغير! نريد أن ندرك سر هذا الدين، سر العظمة في هذا الدين، سر الإعجاز في هذا الدين، ونكون رجالاً نحمله ونفتخر به، فعوداً إلى الرجولة وعوداً إلى تحقيق الذات. أسأل الله أن ينصر بكم دينه، وأسأل الله أن يعلي بكم كلمته، وأن يحبب إليكم شرعه، وأن يبغض إلى نفوسكم المعاصي والمحرمات، وأن يبارك لكم في المباحات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

ضوابط قوة الإرادة

ضوابط قوة الإرادة Q إلى فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد، فسؤالي هو: قوة الإرادة وضبط النفس لها شروط وأمور معينة نحو عقيدتنا الإسلامية السمحاء فما هي؟ أفيدونا وجزاكم الله خيراً. A لاشك أن الإرادة مطلوبة، والقوة في الإرادة مطلوبة، فمن الناس من إرادته لا تستطيع أن تقاوم الوسادة، يسمع المؤذن يؤذن، عنده إرادة أن يصلي، لكن الوسادة الناعمة تهزمه، وإرادته أحقر وأضعف وأقل من أن ينتصر على وسادته، فتجده يفوت الصلاة مع الجماعة. من الناس من عنده إرادة ألا يقع في منكر أو معصية، أنا أعرف كل واحد منكم الآن، وفيكم خير كثير على ما يحصل من الأخطاء والأغلاط، لكن قد يفكر يقول: توبة وعودة إلى الله، لا أعود أسمع هذا الغناء وهذا اللهو، أريد أن أكون رجلاً، أن يكون غاية اهتمامي الرجولة وما يحفظه التاريخ وتسجله الأمم، فتجد معه شريط محاضرة، ولكن ما زال في الدرج شريط أغاني، وتبدأ الإرادة في اضطراب: أضع هذا الشريط أو لا، أضع هذا الشريط أو لا. عنده إرادة، لكن هناك شريط ربما هذا الشريط يغلب إرادته، ولذلك يا شباب يقول الله جل وعلا: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:93] في تأديب لنفسك وفي توجيه نفسك نحو الخير لا بد أن تكون إرادتك قوية. أما أن تكون إرادة ضعيفة فهذا أمر تهزم فيه عند أول مواجهة. ثانياً: هناك شاب ملتزم ومستقيم وصالح وطيب، ولكن عنده إرادة قوية أكبر من كذا، يعني: هل إرادتك القوية في التزامك وإصلاح نفسك؟ وعندك إرادة -أيضاً- في إصلاح المجتمع، هل يعقل أن تقول: والله أنا ملتزم وعندي إرادة قوية؟ هل أقول: بإرادتي هذه أذهب وأكسر لوحة محل فيديو أو أكسر زجاج فيديو وأقول هذه إرادة؟ لا، أنا من واجبي أن أسعى حتى يزال هذا المحل من المجتمع؛ لأن هذا محل يبيع أفخاذ النساء، صور العاريات، الرقص، مصارعة نساء، وهلم جرا. طيب هل هذه الأفلام تخرج مجاهدين؟ هل تخرج كمندوز أو مظليين أو برمائيين أو ضفادع بشرية أو كاشفي ألغام؟ لا تخرج شيئاً أبداً، إذاً من واجبي إذا كان عندي إرادة أن أعرف أن هذا المحل محل خطر على المجتمع، لكن هل إرادتي أن أكسره؟ لا، إرادتي أترجمها بعقل، العاطفة حينما توضع في العقل تنتج الحكمة، وحينما توضع العاطفة في الأرجل والجوارح عامة تنتج التهور، فلابد أن أجعل هذه العاطفة في العقل وأجعل الجوارح تطبق الحكمة. عاطفتي وإرادتي أن أذهب إلى صاحب المحل: أخي العزيز أنت مسلم، وفيك خير عظيم مهما وقعت في المعاصي، وما أظنك ترضى أنك تأتي يوم القيامة وتحمل أوزار الناس جميعاً: (من دعا إلى هدى فله أجره وأجر من عمل به، ومن دعا إلى وزر أو ضلالة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها) أي أنه لو كان عندي محل فيديو وقد بعت عشرة أفلام، وضل بسببها عشرة من الشباب، فأنا يوم القيامة محاسب على هذا الحرام الذي بعته، وأحاسب على الذين ضلوا بسببي؛ لأنني أنا الذي وصلت لهم الشريط وبعته لهم. فأناقشه بالعقل وأقول له: يا أخي الكريم المجتمع الآن بحاجة إلى صناعات أو بحاجة إلى أفلام؟ المجتمع بحاجة إلى أمور تعين التنمية، وتجعل التنمية تمشي خطوات إلى الأمام أو بحاجة إلى شباب لا يعرفون إلا النوم والكسل والجلوس عند الأفلام؟ فهذه الإرادة تكون منضبطة.

حكم الاستهزاء بالدين

حكم الاستهزاء بالدين Q هذه بعض الأسئلة تسأل عن الاستهزاء بالدين، وبعضها يقول: إنه شاب ملتزم ولله الحمد، ويسعى للسنن كتقصير الثياب وغير ذلك، ولكن بعض الناس يسخرون مني كما رأيت ذلك بنفسي، فما تنصحون من استهزأ بي؟ A يا شباب! ينبغي أن نعرف أننا جميعاً سواءً من كان منا ثوبه طويل ومسبل -والإسبال لا يجوز (ما أسفل من الكعبين ففي النار) (ثلاثة لا ينظر الله إليهم -وذكر منهم- من جر ثوبه خيلاء) لكن هل يعني أنني حينما أقع في ذنب أن أستهزئ بالملتزم الذي استجاب لأمر الله ورسوله؟ يعني: أنا حينما أخالف أمر الله ورسوله هل يعني أن استهزئ بأمر الله ورسوله؟ لا يجوز، بل ثبت في الأدلة أن الاستهزاء بالدين كفر يخرج من الملة، يقول الله جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} [التوبة:65 - 66] قد أكون مقصراً، لكن هل خطأي أتمادى فيه إلى درجة الاستهزاء بدلاً من أن أقول: أسأل الله الذي هداه أن يهديني، أسأل الله الذي منَّ عليه أن يمنَّ علي، بدلاً من هذا أبدأ أقول غير هذا؟ لا. فاعلموا أن الاستهزاء كفر، وواجبك أيها الشاب -أيضاً- أن تكون بمنتهى الحكمة والاتزان، وتبتسم، وتتواضع، وتخفض جناحك، وتلين جانبك، وتقابل إخوانك الشباب والزملاء بمنتهى الرفق والرقة والعذوبة واللين، تهديه شريطاً، تهديه كتيباً، تهديه سبحة، تهديه قلماً، المهم تتودد إلى قلبه، فإذا لان قلبه تجاهك؛ تعطيه شيئاً ينفعه، تنصحه نصيحة؛ فيتقبل منك. يقول لي أحد الشباب التائبين: كان لنا جار أتمنى أن يهديه الله، وكان مولعاً بالملابس الرياضية: البدلة الرياضية، و (الترنك) و (البوتي) وما يتعلق بها. المهم يقول: احترت كيف أدعو هذا الشاب إلى الله، أنا أريده أن يهتدي، ويلتزم، لا أريده أن يبقى في سخرية أو في استهزاء لأهل الخير. ماذا فعل؟ يقول: جئت طرقت عليه -يقول: جارنا هو- قلت له: لو تكرمت أنا لي صديق جسمه قريب من جسمك، وأحب أن أذهب أنا وإياك؛ فأنت تعرف الملابس الرياضية، نذهب إلى أي محل نشتري بدلة محترمة جيدة بحكم أنك تعرفه بكذا. قال: خذ لك ساعة، تفضل. فذهبوا واشتروا بدلة جيدة بسبعمائة ريال، يقول: اشترينا بدلة محترمة. يقول: لما جئنا إلى بيت هذا الشاب قال: والله إن الشاب الذي أحبه وأحرص على هدايته وأتمنى أن يكون معنا في المسجد كل يوم هو أنت وهذه الهدية لك. يقول: ما مصدق! سبعمائة ريال هدية بدلة! يقول: قبلها وشكرني، وبعد ذلك أصبح رفيقي في المحاضرات والخطب والندوات وسماع الأمور الطيبة والنافعة، وترك كثيراً من المعاصي. فأيضاً من واجبنا أن نتحمل إخواننا، وأن نصبر عليهم قليلاً؛ حتى يهديهم الله جل وعلا. المهم ألا نكون من جنود الشيطان، فنقع في الهاويه.

أريد أن أتوب ولكن!

أريد أن أتوب ولكن! Q بعض الأسئلة تقول: أريد أن أتوب وألتزم وحاولت كثيراً، ولكن لم أستطع، فكيف أبدأ ذلك يا فضيلة الشيخ؟ A يا إخوان! أنتم تعرفون أن هناك أمراضاً معدية، فحينما آتي برجل يتماثل إلى الشفاء وأجعله في وسط معد ناقل للجراثيم والميكروبات وغيرها، لا يمكن أن هذا يصلح: لما رأت أختها بالأمس قد خربت صار الخراب لها أعدى من الجرب إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي يعني: الذي يريد أن يلتزم ويتوب، لا يقول: أنا أريد أن ألتزم ويبقى في وسط جلساء السوء! تريد أن تلتزم، اخرج من هذا الوسط الذي فيه جلساء السوء، واصحب أقواماً كراماً طيبين صالحين؛ سواءًَ بالنشاط المدرسي، بالمكتبة الخيرية، بالمركز الصيفي، في جماعة المسجد، المهم أن يكون لك صحبة طيبة. أما إذا كان جليسك فاسقاً فكيف تريد أن تصلح؟ فالعقول والطباع تتأثر، الصقور لا تأكل الحب والشعير، لا تأكل إلا اللحم، فالصقر دائماً عيونه في السماء، فإذا رأى طيراً، انقض عليه وأمسك به، ونزل يأكل من لحمه، لكن انظروا إلى الصقر! لو جعلناه يتربى مع دجاج، بعد أيام يصبح ينقر كالدجاج ويأكل الشعير، فما دامت البهائم العجماوات تتأثر بمخالطة بعضها بعضاً وإن كانت اختلفت أصنافها، فما بالك برجل مع رجل؟ شاب مع شاب تريد ألا يتأثر به، فإذا جلس مع الصالحين تأثر واستفاد، وإن جلس مع الطالحين اهتم بالذين يهتمون به كالذي يهتم بالرياضة أو بالطيور والحمام أو بالسيارات وهلم جرا؛ لأن المصاحبة والمخالطة هي التي تؤثر. أسأل الله لي ولكم التوفيق، والحمد لله رب العالمين.

الشباب والمسئولية [2،1]

الشباب والمسئولية [2،1] إن المسئولية الملقاة على عاتق المسلم كبيرة جداً، وأهمها مسئولية الفرد عن نفسه في سمعه وبصره وفكره. وفي هذا الدرس أماط الشيخ اللثام عن إجابات كثيرة تتعلق بالمسئولية أبرزها: صور المسئولية الجماعية أسباب الهروب من المسئولية ملامح أهل المسئولية وسماتهم عواقب إهمال المسئولية.

عظم قدر المسئولية

عظم قدر المسئولية الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة وهو الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، سبحان الله عما يشركون، الحمد لله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى، يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]. أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة يوم القيامة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أسأل الله جل وعلا في مستهل هذا اللقاء أن يكتب خطواتكم وأن يجعلها في موازين أعمالكم، فوالله لأنا أعلم بنفسي من الذين اجتمعوا إلي، وكما قال سفيان رحمه الله: خلت الديار فساد غير مسود ومن الشقاء تفرد بالسؤدد والله لو أن على الساحة ساداتها ورجالها؛ لما اجتمع الإخوة في هذا المقام كما ترون، ولكنا نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر. أيها الأحبة حديثنا اليوم عن المسئولية. الشباب والمسئولية موضوع ذو شجون، متعدد المباحث والمسائل، له جوانب شتى. المسئول هو الذي يطرح عليه السؤال، وينتظر منه الجواب، ويجازى ويعاتب على تفريطه، ويلام على إهماله وتركه ثغرته ومكانه. وحينما نتكلم عن المسئولية فالحديث أولاً وبادئ ذي بدء يوجه إلى أجدر الذين يحملونها ويقومون بها، وهم الشباب: شباب لم تحطمه الليالي ولم يسلم إلى الخصم العرينا الشباب الذي كان فيهم من قاد الجيش وهو ابن سبع عشرة سنة، والذين فيهم من تولى مسئولية الأمة، والذين انتصبوا للتعليم والإفتاء، الشباب الذين ضربوا أروع الأمثلة في صلاح السيرة والسريرة، واستقامة الظاهر والباطن والسر والعلانية. واسمحوا لي أن ألج إلى موضوعنا عبر بوابة شريفة، وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه واتفق عليه الإمامان الجليلان البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته). أحبابنا: الأصل أن الإنسان مسئول ومحاسب ومجازى، وأن البعث بعد الموت، وأن نشر الصحف ونصب الموازين والجنة والنار ما هي إلا نتيجة هذه المسئولية، وجزاء من تحمل أمانة فقام بها، فجزاه الله الجزاء الأوفى وضاعف له أعماله، والنار لمن أعرض عن دين الله، وتكبر عن طاعة الله، وجعل كتاب الله وراءه ظهرياً {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:7 - 8]. حتى المسئولية في الذرات وفي الخردلة يقول تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] فمسئولية الذرة والخردلة ترى نتيجتها في موازين الحسنات أو في كفة السيئات، وتعالى الله جل وعلا أن يخلق خلقاً ثم يتركهم هملاً، أو يدعهم سداً {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ} [المؤمنون:115 - 116] لا يليق بالله، وينزه الله، ويسبح الله، ويقدس الله أن يخلق الخلق ثم يدعهم هملاً {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ} [المؤمنون:115 - 116] يتنزه الله عن ذلك {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:116 - 117]. ويقول جل وعلا: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} [القيامة:36 - 39]. أبعد هذا التطور في مراحل الخلق والتكوين، وأن يخلق على أحسن صورة وأجمل هيئة، {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] ويكرم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70]. أفيكون هذا كله وليس بعده جزاء أو حساب أو لوم أو عتاب؟ لا والله، بل في آيات أخرى -والآيات في هذا المقام كثيرة- يبين الله جل وعلا أن الإنسان يسأل ويحاسب، فليس الصحيح يحمل من المسئولية كما يتحمل السقيم، وليس الفقير يتحمل من المسئولية كما يتحمل الغني، وليس صاحب الجاه والسلطان يتحمل من المسئولية كما يتحمل من لا جاه له ولا سلطان، وليس القوي أو من ولاه الله أمراً يتحمل من المسئولية كمن لم يتول أمراً، شتان بين هذا وهذا، فكلٌ يحاسب ويسأل ويعاتب بقدر ما أوتي، وبقدر ما بسط الله له، وسخر له بين يديه، لينظر في فعله وسعيه {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى} [النجم:39 - 41].

مسئولية الإنسان الفردية

مسئولية الإنسان الفردية أيها الأحبة! إن هذه المسئولية بادئ ذي بدء لا نتحدث فيها عن مسئولية الحكام عن الشعوب، أو مسئولية العلماء عن الأمة، أو مسئولية المعلمين عن التلاميذ، أو مسئولية الأم عن أهل بيتها، نعم تلك مسئوليات عظام جسام، ولن تزول قدما عبدٍ حتى يسأل عنها، ولكن في الدرجة الأولى تكون المسئولية الفردية التي أخاطب بها كل واحد منكم، فهو يتحمل مسئولية فردية تجاه نفسه ولن يتحملها غيره، وأخطاؤك لن يتحملها من سواك: {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:38] لا تحمل نفس إثم نفس أخرى، بل كل نفس تحمل أوزار نفسها، وتحمل آثامها وخطاياها، ولا يلقي أحدٌ اللوم والعتاب على غيره، نعم قد يحاسب من يحاسب بما ولي، فمثال على ذلك يوم أن نرى أسرة من الأسر بسبب فسادٍ في جريدة أو مجلة أو شاشة أو عرض أو فلم أو نحو ذلك، فإن من تسبب في نشر هذا ويسره بين المسلمين، محاسب عند الله جل وعلا بسببه، إذا قدر أن يكف الشر عن المسلمين، ولكن هذا لا يعني أن من تولى مسئولية أسرته وبيته يلقي اللائمة على الإعلام مثلاً، نعم من ولي الإعلام يحاسب يوم القيامة، بما قدم من خير بخير، وما قدم من شر بما يعلم الله جل وعلا، ولكن حساب من تولى ذلك لا يعفيك أنت عن المسئولية يا من توليت مسئولية أهلك وبيتك، وإن لم نفعل ذلك ونفهمه تمام الفهم؛ فإننا سوف نهمل أولادنا، ونقول: الإعلام ومن قام عليه يحاسب عليه يوم القيامة، ونهمل العلم في أبنائنا ونقول: يحاسب المعلمون، ونهمل بناتنا، ونقول: يحاسب من سمح بالتبرج أو الاختلاط ونحو ذلك. أيها الأحبة! المسئولية تبدأ بمسئولية الإنسان تجاه نفسه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ} [التحريم:6] ابدأ بنفسك، قِ نفسك، مسئوليتك تتحملها تجاه نفسك بادئ ذي بدء يقول صلى الله عليه وسلم: (كلكم يغدو) والغدو هو الخروج في الصباح: وقد أغتدي والطير في وكناتها (كلكم يغدو فبائع نفسه، فمعتقها أو موبقها) الناس تغدو وأنت ترى هذه الخطوط وهذه الطرق تزدحم بآلاف البشر، فمنهم من يغدو إلى هلكة نفسه، ومنهم من يغدو إلى عتق نفسه، وقريباً يحصد الزارعون ما زرعوا. وهناك مسئولية فردية يوم العبور على الصراط: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه). أيها الإخوة! خذوها صريحة أقر بها على نفسي، واعترفوا بها من أنفسكم: إننا نتفنن في عرض مسئوليات الآخرين تجاه ما تحتهم، ولكننا نحسن ونتقن التهرب من مواجهة أنفسنا بما تحملنا من المسئوليات، ما ألذ الحديث يوم أن نتكلم عن تفريط فلان وعلان، فلان ولي الأمر الفلاني ففرط فيه، وفلان قام بالأمر الفلاني فأهمله وضيعه، وهكذا. وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا نحسن ونخرج أمثال الذر من الأخطاء بالمكبرات وغيرها، يوم أن ننظر في أخطاء الآخرين، لكن لو دعونا كل واحد أن يقف في مواجهة نفسه، وأن يكون صادقاً، وأصدق الصدق مع النفس أن تصارح نفسك وأنت أدرى بنفسك، وإن مدحك الناس الليل والنهار، وأنت أدرى بفضلك، وإن ذمك الناس الليل والنهار، قال تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14]. أنت أدرى يا أخي بعيوب نفسك، وتقصيرك وتفريطك، وزلاتك وهناتك. والمصيبة -أيها الأحبة- أننا يوم أن نتبصر مسئولياتنا تجاه أنفسنا وننظر ما قدمنا؛ لنعتق هذه النفس من نارٍ وقودها الناس والحجارة، إننا يوم أن نتفكر في صلاتنا لعلنا بعد رحمة الله نرجو بها النجاة، نتذكر صلاةً نقدم إليها متأخرين، وفيها من الوساوس والهواجس ما الله به عليم، ونتذكر صياماً أغلب ساعته في النوم، وقد اختلط بشيء من النظر والسماع، ونتذكر أعمالاً ربما -ونحن أدرى بأنفسنا- داخلها ما داخلها من الشهوة أو الرياء أو السمعة أو حب الثناء، ولكن يوم أن نتذكر السيئات؛ فإن الواحد منا يبصر ذنوبه ويتذكر سيئاته، كما ترون هذه الإضاءة التي تلمع فوق رءوسكم {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14]. إن الذي يدخل الامتحان، قبل أن تقدم له ورقه الأسئلة يقول وهو يصارح نفسه بكلام لا يسمعه إلا هو، وتنبس الشفاه، وتتمتم بألغاز وحروف لا يفقهها إلا صاحبها، ويقول: لو نجوت من الموضوع الفلاني، وسلمت من المادة الفلانية، وسلمت من السؤال الفلاني، فأنا ناجح لا محالة، وكل واحدٍ منا -والله ثم والله- أدرى بنفسه ويقول لنفسه: لو سلمت من تلك، وعوفيت من هاتيك، وعافاني الله من تلك، وغفرت وسترت هاتيك، فأنا بخير. إذاً أما السيئات فنراها براقة لامعة ونحن أدرى بها، وأما الحسنات فنسأل الله أن يتقبل، وأن يكمل من أعمالنا ما نقص بتفريطنا وتهاوننا.

مسئولية الإنسان عن عينه

مسئولية الإنسان عن عينه أيها الأحبة! مسئوليتك مسئولية كل واحد منا تجاه نفسه، فهو مسئول عن عينه التي ركبت في أدق تركيب، بحدقة وشبكة وقرنية، وعروق وعصب بصري وجهاز حساس، فهي ما ركبت في هذا المكان عبثاً، وما أحيطت بعظام تحفظها عبثاً، وما جعل لها جفن يمسحها من الغبار، وما جعل لها دمع ينظفها في كل لحظة من أجل أن تنظر إلى صورة نهى الله أن ينظر إليها، أو من أجل أن تقلب النظر في أمر لا يجوز إليه، وإنما خلقها الله لتنظر في مصير الأولين والآخرين، ولكي تتدبر في خلق الله جل وعلا. {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [يوسف:109] {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:17 - 21]. هذه العين قد أشغلناها بالتوافه، فاشتغلت بهذه التوافه عن العظائم، والواحد ينظر إلى السماء تمد مد الأديم فلا يتفكر فيها {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} [الأنبياء:32] ورفعت بغير عمد، ولا يتفكر الواحد في خلقها، وبين كل سماء وسماء ما يعلم الله جل وعلا، وفي سماء من خلق الله سبعون ألف ملك، البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، قد ملئت السماوات والأرض والمخلوقات بالعجائب التي تدعو أصحاب النظر إلى التفكر فيها. ولكن أعجب إلى شاب يقول: انظر إلى قدم اللاعب الفلاني، كيف حرك رجله بحركة رشيقة خفيفة دقيقة، فأصاب الهدف في زاوية مربعة على حين غرة من حارس، انظر إلى تلك العين كيف تبعت الحذاء، وكيف تبعت القدم وتفكرت في بالون منفوخ، وتلاحق أقدام اللاعبين، ولم تبصر ولم ترتفع لتنظر ما خلق الله في ملكوت السماوات، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ} [فصلت:53]. الآفاق هي السماوات الطباق، والنفس البشرية فيها من العجائب ما الله به عليم، لكن مسئولياتنا تجاه أبصارنا قد ضيعت بالتافه، ويقول علماء الأصول والقواعد الفقهية: "الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود" حينما تشغل البصر بالتافه، اشتغلت بالتافه عن العظيم الجليل الذي يليق.

مسئولية الإنسان عن سمعه

مسئولية الإنسان عن سمعه ولا تسل عما أشغلنا به الأسماع من أخبار لا تهمنا، وأمور لا نقدم فيها كثيراً، وأعجب من هذا! أولئك الذين يشترون الفساد ويجرونه إلى بيوتهم عبر ما يسمى بأجهزة الاستقبال والبث المباشر، أو ما يسمونه بالدش، وإذا سألت أحدهم وهو مسئول عن ذريته ورعيته في بيته، ومسئول عن نفسه: ماذا يصنع وماذا يبصر؟ يقول: إني أسمع الأخبار. وأي أخبار تقدم فيها أو تؤخر يا مسكين؟ هأنت قد سمعت أن المسلمين ذبحوا في طاجكستان وقتلوا وشردوا، فماذا فعلت يا صاحب الأخبار؟ وهأنت علمت أن فيدير راموس حاكم الفليبين حشر على المسلمين في منديناو خمسين ألف جندي صليبي لحرب إبادة، نسأل الله أن يكفي المسلمين شرها، وهأنت تعلم ماذا حل بإخوانك في فلسطين، وهأنت تعلم ما يدور في أفغانستان، وهأنت تعلم ما يدور في إريتريا وفي مورو وفي البوسنة والهرسك وفي الأنجوش وفي مواطن كثيرة، فماذا قدمت يا صاحب الأخبار؟ قدمت مزيداً من الأوزار تتحملها بعلم تعلمه. ولا يقابل العلم تحمل مسئولية أولئك الذين أهملوا مسئولية الأسماع، وأشغلوها بغير المقصود، فأعرضت عن المقصود، والله جل وعلا قد حذرنا من أن نهمل وسائل العلم والمعرفة، أو أن نشغلها في أمر لا يليق، وبين في كتابه أن طائفة اعترفت بأنها تصطلي بالنار؛ لأنها ضيعت أسماعها وأبصارها، ولم تتحمل مسئولية السمع والبصر: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10]. إنهم يعقلون ولكن يعقلون حجج الباطل، ويعقلون ما يدحضون به الحق وما هم بقادرين عليه، ويسمعون الأقاويل في الدعوة والدعاة والحق والهدى والنور المبين، ومع هذا كله {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ} [الملك:10 - 11] فعد إهمالهم لأسماعهم وأبصارهم ذنباً {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:11]. وأعود أيضاً إلى موضوع إهمال مسئولية الإنسان لسمعه (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيراً أو ليصمت) (إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} [المجادلة:9] لا يتناجى اثنان دون الثالث: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً} [المجادلة:10] {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ} [النساء:114]. أحاديث المجالس التي اشتغل الناس فيها بالقيل والقال، وأكثر ما يكون من القيل والقال ربما وجده في صحيفة سيئاته، وكما في مسند الإمام أحمد وعند البزار وأبي نعيم قال صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعبدٍ وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً) هذا هو الذي ينفعك. وأما إهمال مسئولية السمع واللسان والبصر وتضييعها وإطلاقها ومتابعة ما قيل وقال، وكان أو يكون، وروي وزعم وذُكر وحُدث، وروى لنا من نثق به، وإذا فتشت عن ثقة، فلا ثقة؛ تلك والله مصيبة إلا ما كان في خير, إلا ما كان في ذكر، إلا ما كان في دعوة، إلا ما كان في أمرٍ بمعروف ونهي عن منكر، أو مكافحة بدعة أو أمر بحق يرضي الله جل وعلا. أيها الأحبة! الكلام عن المسئولية لا نريد أن نشطح به لنحاسب كل مسئول عما تحته من إدارة أو وزارة، فكل مسئول مسئول ومجزي، والناس شهود له أو عليه، وملائكته شاهدة عليه، ويوم القيامة لن يجوز الصراط حتى يرى ما قدم، ولكن نريد أن نسأل أنفسنا، نريدك أنت أيها الإنسان. دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تبصر وتحسب أنك جسم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر ربما الواحد يقول: وأي مسئولية اتحملها وأي مسئولية أتولاها وأنا ليس في نفسي، وليس بيدي شيء؟ بيدك جوارحك، بين جنباتك حواس وجوارح وقدرات أنت مسئول عنها، فأخبرنا بالله عليك ماذا قدمت لها؟ وماذا سلكت بها؟ وماذا نفعت المسلمين فيها؟

مسئولية الإنسان عن فكره وعقله

مسئولية الإنسان عن فكره وعقله من مسئولياتك مسئوليتك تجاه فكرك، هل جعلت عقلك زبالة ليضع فيها الآخرون ما أرادوا؟ أم جعلت عقلك إناءً للإيجار لتسمع ما قيل ويقال، وتعجز أن تحقق الأمر بنفسك، ولو بحثت عن الدليل، وسألت عن الحجة لبان لك الطريق، واتضحت عندك المحجة. ما هي مسئوليتك تجاه بناء منهجك الفكري؟ من واجبنا أن نكون صرحاء في بناء النفس قبل أن نلتفت إلى بناء المجتمع، فإن الكثير بل الآلاف في متابعة جادة للشريط الإسلامي، وهذا جميل جداً، وأصبح الواحد يمتلك في بيته خمسة من الأشرطة، كل شريط ينتظر دوره للسماع، وعلى سيارته عشرات الأشرطة تنتظر السماع، وفي مكتبه أشرطة، وفي ذهابه وإيابه أشرطة، وإذا سألت هل خصصت ساعات لطلب العلم؟ هل خصصت ساعات لكي تبني القرار والرؤيا والفكر بناءً على ما لديك من قناعات ومعلومات. ربما نعذر طائفةً من الذين لا يستطيعون تصور الأمور كما هي أو يحتاجون إلى السماع، ولكني لا أريد من شبابنا جميعاً أن يبني الواحد أفكاره ومنهجه وطريقته في الدعوة بناء على كل شريط يسمعه، أياً كان صاحب الشريط، فلعلمائنا ودعاتنا مكانة طيبة راقية في نفوسنا، ومع ذلك ما قال واحد من العلماء والدعاة: اطرحوا عقولكم جانباً حين سماع أشرطتنا، وعطلوا أفكاركم يوم أن تسمعوا كلامنا، ما قيل هذا أبداً، لكننا نجد كثيراً من الشباب لو ناقشته في قضية وهو من القادرين على بناء فكره، مستأنساً بالدليل من كلام الله، وكلام رسوله وما تيسر له من سماع بعض الأشرطة، لكني أقول: إن البعض تجده يحاجك: قال فلان في الشريط الفلاني، وقال فلان في الشريط الفلاني، وقال فلان في الشريط الفلاني، وهل تعبدك الله بأشرطة فلان؟!! وماذا عندك من العلم وماذا عندك من الدليل؟ وماذا عندك من الفقه؟ وماذا عندك من الوعي؟ نعم نعذر من لا يستطيع أن يدرك الأمور على حقائقها أو يتصور الأمور على ما هي عليه، نعذره وقد يحال إلى شريط ليفهم منه ما يحتاج إليه، لكن أن تكون الأمة عن بكرة أبيها، لا تبني الفكر إلا عبر الشريط، هذا ضحالة، وهذا تخلف، ولو انقطع الشريط ماذا نفعل؟ إذا كان كل واحد من شبابنا على سبيل المثال يريد أن يجعل رأيه وقوله وحكمه وورده أو مورده ومصدره ناجماً عن هذا الشريط، فإذا انقطع الشريط؛ فمن أين ستبني رأيك؟ ومن أين تستنتج فكرك؟ ومن أين تحكم بحكم أنت تريد الحق فيه؟! إذاً عطلنا العقول، ولأجل ذلك فإني أدعو إخواني وأحبابي حينما يسمعوا شريطاً أن يدعوا لصاحبه، وأن يشكروا الله جل وعلا على أن في الأمة من يبصر ويرشد وينفع، لكن لا يعني هذا أن تسلم العقل أوله وآخره بدون مناقشة، بدون فهم، بدون استيعاب، فإذا أدرت عقلك وفكرت فيما سمعت في هذا الشريط، فوجدته صواباً؛ فصواب على صواب، وأما إذا أدرت العقل والرأي وحركت الفكر، فوجدت أن الأمر فيه زيادة أو نقص، فعفا الله عن صاحبه، وما قال صاحب الشريط: إن كلامه وحيٌ يُوحى وليس فيه من الخطأ شيئاً وإنما قال: هذا ما عندي، فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأً فمن نفسي، واستغفر الله. أيها الأحبة! الذي أردته من هذا ألا يظن البعض أنني أحذر من الأشرطة، أو أقول دعوها، أو أهون من دور الشريط الإسلامي. إن بقاعاً شتى عجزنا أن نصل إليها، وربما لم نستطع أو يستطيع كثير من الدعاة بلوغها فوصلها الشريط بفضل الله جل وعلا، فللشريط مكانة ودور، لكننا نريد أن يتحمل كل واحد مسئولية فكره، مسئولية عقله، مسئولية فؤاده {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36].

الحذر من تفريط الإنسان في مسئوليته تجاه نفسه

الحذر من تفريط الإنسان في مسئوليته تجاه نفسه أيها الأحبة! الحذر الحذر من تفريط الإنسان في مسئوليته تجاه نفسه! وإن الذين يفرطون ثم يعرضون، ثم يَضِلون ويُضلون عن سبيل الله لربما كانوا على خطر عظيم، والله حذرنا من شأن أولئك الذين عطلوا مسئولياتهم فقال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} [الأعراف:179] فبين سبحانه أولئك: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:179]. لا نعطل هذه الحواس، ونتهاون بمسئولياتنا تجاه أنفسنا، وكما يقول القائل: هذا العقل نعتبره كالدور الثاني نؤجره إلى فلان، حتى يضع فيه ما يريد، مع حبي وتقديري وشكري وثنائي لأي فلان كان، ووالله إني لا أقصد أحداً بعينه، إني أعلم أننا في هذه الفترة من فترات الدعوة العصيبة ابتلينا بقول القائلين: يقصد كذا ويريد كذا، فمعاذ الله أن يرمي بعضنا بعضاً بأمر لم نرده، ولكني أحذر أن نعطل هذه المنافذ والحواس، وأن نهمل مسئولياتنا تجاهها.

صور المسئولية الجماعية

صور المسئولية الجماعية أيها الأحبة! الشباب والمسئولية بعد أن قدمنا مسئولية كل واحد تجاه نفسه، ربما البعض يقول: وهل كل أمر فيّ أنا مسئول وحدي عنه؟ نقول: المسئولية بادئ ذي بدء تنصب عليك تجاهك: نفس عصام سودت عصاما وعلمته الكر والإقداما إن الجبان لن يضع المسئولية على الجبناء من حوله الذين لم يعلموه الشجاعة. إن البخيل لا يضع المسئولية على من حوله الذين لم يعلموه الكرم. إن الكذوب المفتري الذي ينقل الكلام والقيل والقال، لا يحمل المسئولية الصادقين أو من حوله؛ لأنهم سامحوه في كذبه أو لم يعلموه الصدق، فهو مسئول عن نفسه في الدرجة الأولى كما قلت، فلا نحمل مسئولياتنا عالماً أو حاكماً أو صحفياً أو طالب علم أو رجلاً أو امرأة، كل منا يتحمل مسئوليته بالدرجة الأولى تجاه نفسه، ثم بعد ذلك يتحمل كلٌ بحسب ما ولاه الله من مسئولية، وحينما تحين ساعة الموت، وتبلغ الروح التراقي، وتظن بيقين وتعلم بصدق أنه الفراق، وتلتف الساق بالساق؛ حينئذٍ يتمنى من ولي أمراً أنه ما ولي، ومن قام مقاماً في أمر لم يمحض الإخلاص فيه أنه لم يقمه، وكل من جازف بنفسه في أمر يتمنى في تلك الساعة أنه لم يقترب منه ولم يدن، إلا من محض وأخلص وصدق الأمر لله جل وعلا، فالمسئولية فردية والمسئولية أيضاً جماعية. فمن صور المسئولية الجماعية، قول الله جل وعلا على سبيل المثال في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران:104] هذه أمة أو جماعة أو مجموعة أو طائفة مسئولة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104]. لكن هل مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسئولية لجماعة مخصوصة؟ لا أيضاً. نحن كأفراد أو بصفتنا أفراداً نتحمل مسئولية عظيمةً جسيمة في هذا الباب قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71]. فمهما رأيت من المنكرات لا تعلق الأمر على صغير أو كبير أو هيئة أو مسئول، ولكن اسأل نفسك بادئ ذي بدء هل وقفت ساعةً من ليل أو نهار فنصحت؟ والله أيها الأحبة ما أسهل أن نجلس مجلساً فنقول: لقد انتشرت محلات الفيديو في مجتمعنا، علب الرذيلة ومحلات تصدير الفساد، والدعارة الموجودة بين أظهرنا ما أكثرها، ما أقبحها وما أشينها! ونقول فيها ما نقول، ولكن هذا المسجد كم فيه الآن من هذه الرءوس التي تسمع وتبصر؟ كم عدد الذين وقفوا بأنفسهم على محلات الفيديو وقدموا نصيحة من منطلق المسئولية الفردية كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71]؟ كما قلت: نحن نتقن أن نحمل الآخرين مسئوليات عديدة. أما أن تقول للواحد: يا أخي الكريم! أين دورك تجاه هذه القضية؟ تجده إما أن يتذرع بأشغاله أو أعماله أو عجزه أو ضعفه، وسيأتي الكلام عن سبل وأنواع وحيل الإنسان على نفسه في تهربه من المسئولية. إن من علم آية دعي إلى بلاغها وبيانها: (نضر الله امرءاً، سمع منا مقالة فوعاها، فبلغها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع) وقبل أن نبلغ مسئولياتنا في التطبيق التي لو طبقنا في كل ما نسمع من خير وحق ثابت متفق فيه، لوجدنا أننا نظفر كما قال الله بفوائد جمة، يقول تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} [النساء:66] لو أننا طبقنا وحولنا المحاضرات إلى برامج عملية، والخطب إلى مشاريع دعوية، والكلام إلى إنتاج تنفيذي عملي هل رأيتم مجلس إدارة شركة من الشركات، يجلس فيه رئيس مجلس الإدارة وجميع الأفراد ثم يجتمعون كل سبت أو إثنين ويخططون وينظمون، ثم يتفرقون ولا يطبقون شيئاً، أي: شركة من الشركات أو مؤسسة من المؤسسات يوم أن يجتمع رئيس مجلس الإدارة فيها مع أعضائه يحددون هدفاً ثم يختارون الأساليب، ثم يوزعون المسئوليات، ثم يكلفون الطاقات العاملة التي تطبق هذا كله، لكن الذي بُلي به جيلنا هذا اليوم الاجتماعات الدورية المتتالية في كثير من المحاضرات والندوات، ولكن لا يعقبها تطبيق ولا تنفيذ، والله جل وعلا يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [النساء:66] الخير جاء نكرة يعم أنواع الخير: {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66]. فمن أسباب الثبات على الإسلام، أن نطبق ما علمناه {وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:66 - 68]. لو أننا فعلاً نعقب هذه الاجتماعات واللقاءات بمشاريع تنفيذية وعملية. الآية الواحدة حينما تصوغها هدفاً ومشروعاً وبرنامجاً ثم تطبقها وتنفذها يكون في هذا خير عظيم، والأمة أيضاً تتحمل مسئولية -كما قلت- كل بحسب علمه. إن الله جل وعلا قد حمل العلماء مسئولية البلاغ، وحمل الولاة والحكام مسئولية التنفيذ والقيام على شرع الله جل وعلا، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ} [آل عمران:187] وإلا ما الفائدة من حمل الكتاب بدون تبيين؟! ما فائدة العلم بالحق بدون أن يبين للناس ويدعى إليه؟! إن الله ذم الذين حملوا العلم ولم يعملوا به، أو أنكروه وجانبوه فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5]. لكن الله جل وعلا يبين أن الذين أوتوا الكتاب عليهم ميثاق البيان فقال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187]. من تحمل العلم ولم يقم بحقه؛ فعليه من الله إثم عظيم. والعلم إن كان أقوالاً بلا عمل فليت صاحبه بالجهل منغمر ويقول الآخر: ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما فلم أجن حق العلم إن كان كلما بدا طمع صيرته لي سلما أأشقى به جمعاً وأجنيه ذلة إذاً فاتباع الجهل أولى وأحزما

ملامح وسمات أهل المسئولية

ملامح وسمات أهل المسئولية أيها الأحبة! الذين يتحملون المسئولية هم نوادر، وأنتم أيها الصالحون ندرة بين الفساق، الأبرار ندرة بين الفجار، الأخيار ندرة بين الأشرار، أهل العلم ندرة بين الجهلة، أهل الإصلاح ندرة بين المفسدين، فما هي ملامح أولئك الذين هم أهل المسئولية وأهل التحمل، لهذا أسأل الله أن نكون وإياكم منهم.

احترام الوقت

احترام الوقت من ملامح وسمات الرجل الذي تراه كفؤاً لتحمل المسئولية تجاه نفسه وتجاه أمته أن تجده يحترم الزمن، يحترم الوقت، لا تجده يجود بوقته في أي رصيف أو في أي مجلس، أو في أي غدوة، أو في أي روحة، أو في أي طريق، أو في أي مكان أبداً، وإنما يسأل نفسه: إلى أين؟ ومن أجل من؟ وما هي النتيجة والثمرة؟ فإذا رأيت الرجل يحترم وقته ويحترم عمره؛ فاعلم أنه رجل جدير بالمسئولية. أما الذين يضيعون أوقاتهم، فأولئك ما قاموا بمسئوليات أنفسهم تجاه أنفسهم فضلاً أن يتحملوا مسئولية إصلاح الأمة، وفاقد الشيء لا يعطيه.

الحزم في الأمور

الحزم في الأمور الأمر الآخر من ملامح وسمات الذين هم ذوو جدارة أن يتحملوا المسئولية تجاه أنفسهم وأمتهم، أولئك الذين يأخذون الأمور بحزم وجد، والنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لما سأل ربه، قال: (أسألك العزيمة على الرشد) لم يسأل الله الرشد فقط، وإنما سأل ربه العزيمة على الرشد: (والغنيمة في البر) فكل يعرف الرشد؛ لكن من الذي يأخذ الرشد بعزيمة ويقوم به؟ والله جل وعلا قال: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ * خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة:62 - 63] ما أكثر الذين سمعوا وحضروا وجلسوا، ولكن منتهى الأمر أن نبيت على الفرش، وقلَّ أن تجد من يقول: ماذا قدمت؟ ماذا أنتجت؟ وماذا قدمت وماذا أخرت؟ الأقل من القليل. وقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل

الناس كإبل مائة

الناس كإبل مائة أيها الأحبة: قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة) واسمحوا لي أن أكون صريحاً معاشر الأحباب! معاشر الأبرار من هذه الأمة! إننا كمثل قوم واسمحوا لي أن أكون قاسياً في المثال يا إخوة! دعونا أنفسنا أيضاً إلى بر ورشد، فوقفنا عند حد معين، الكثير الكثير من أبناء الصحوة المباركة غاية ما عنده أنه يذكر ساعة كان فيها منحرفاً فتاب إلى الله، فأطلق لحيته وقصر ثوبه، ومن نام على الدرب وصل. نام عند هذه النقطة وما قدم شيئاً أبداً، هل تبنيت برنامجاً في أسرتك، في بيتك، في مجتمعك، في التعليم، في الإرشاد، في الوعي، في التوجيه، في جانب من جوانب الدعوة؟! (الناس كإبل مائة) ولذلك لو تقف عند باب المسجد، وتعد كل مائة على جنب، وأخرجت منهم واحداً. هل فيكم أيتها المائة من قام بأمر أو مشروع طبقه واستمر به؟ أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، ينفع الله به الأمة، الخير يتوسع، وكما قيل: الوجود الطبيعي له نمو طبيعي، إذا كان هذا المجتمع كما يقول علماؤنا: الأصل في مجتمعنا الخير، والشر طارئ، الأصل السنة، والبدعة طارئة، الأصل الأخذ بالإسلام بجميع جوانبه، والتفريق بين ذلك طارئ، الأصل التوحيد والبدع والوثنية والشركيات -معاذ الله أن تكون لو كانت- طارئة. يقول العلماء: الوجود الطبيعي له نمو طبيعي، فكون الصحوة مجودة ونشيطة ومتنامية في هذا المجتمع؛ هذا أمر طبيعي جداً جداً، نعم قد نعجب حينما توجد صحوة في اتجاه صحيح نحو التوحيد في بعض البلدان الإسلامية، مع الحماس للإسلام والرغبة والتشجيع نقول: الحمد لله هذا شيء جيد، عليهم أن يتجهوا للتوحيد وأن ينتبهوا للتوحيد، لكن هنا وجود التوحيد أمر طبيعي. فالشيء الذي له وجود طبيعي، يكون نموه طبيعياً، رجل وزوجته في أسرة بعد خمس سنوات وجدنا عندهم أربعة أولاد هل يعتبر نمو هذه الأسرة من رجل وزوجة إلى وجود أربعة من الذرية امتداداً بدعياً أو يعتبر هذا نمواً طبيعياً؟ في الواقع أن رجلاً وزوجته بعد خمس سنوات عندهم أربعة أطفال هذا نمو طبيعي، فالواقع يفترض عليك أن يكون التزامك طبيعياً، أو أن ظاهرة التزامك أو حقيقة التزامك التي نراها اليوم ونعتبرها أمراً طبيعياً لا بد أن يكون لها -يا أخي الكريم- امتداد طبيعي، بمعنى أن يكون لك دور في أمر بمعروف أو نهي عن منكر. وأعجب من هذا وأخطر أن تجد الواحد جبّاراً في الجاهلية خواراً في الإسلام؛ كثير من أبناء الصحوة المباركة أيام فساده لا تسأل عن دهائه ومكره وتخطيطه وفهلوته وألاعيبه وكل أسلوب يطبقه، فإذا التزم أصبح ظبياً جفولاً، وحملاً وديعاً، وحمامة سلام في منقارها غصن الزيتون، أين تلك القوة؟ (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام) لا نقول: يوم أن كنت تدمر قبل التزامك، نريدك بعد الالتزام تأخذ لك (ساكتون) وترمي الدش -كما يظن البعض- بطريقة خاطئة فاشلة جاهلة من أولها إلى آخرها، ولا نريدك أن تمد يدك في إنكار منكر أو تغير المنكر بالقوة وباليد، لا، لكن نريد الصبر والعمل والثبات، ولن تبلغ الغاية إلا بطول نفس واستعانة بالله، وكثرة ذكر يعينك على الثبات على ذلك. والله إني أعجب من شاب يوم أن تسمع عن أخباره إبان انحرافه أو قبل استقامته تجد العجب العجاب! ولما استقام؛ لم يتجاوز خطوات من بيته إلى مسجده، جزاك الله خيراً على هذه الاستقامة، ونحن لا نقول: كل الأمة تفتر، المطلوب شيء والواقع شيء آخر، ولا نقول: إن الأمة من أولها إلى آخرها ما لم يكونوا كلهم دعاة، وكلهم أهل أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؛ فإنها أمة فاشلة، لكن الذين يمثلون صفوة المجتمع، وخيار الأمة في المجتمع يفترض أن يكونوا دعاة وهداة وأهل طاقة حركية، وأهل إنتاج وأهل تفجر، وأهل خير ونور يصل أقصى أماكن الظلام حتى يملأها، ويهزم جحافل الظلام فيها، مجالات الدعوة وتحمل المسئولية كثيرة، فهل نجد من يقول: أنا لها؟

أسباب التهرب من المسئولية

أسباب التهرب من المسئولية إن كثيراً من أحبابنا يتهربون من هذه المسئولية لأسباب عديدة:

الخوف سبب للتهرب من مسئولية الدعوة

الخوف سبب للتهرب من مسئولية الدعوة أولها: الخوف، وكأني ببعضكم في هذا المسجد يقول: ولماذا لا أقدم شيئاً للإسلام؟ لماذا لا أقدم ولو برنامجاً؟ يا أخي الكريم أعطيك مثالاً بسيطاً: عمال النظافة في المساجد، هل فكر أحد أن يربط بهم علاقة، فيعلمهم اللغة العربية، ويحفظهم التوحيد، ويعلمهم بعض الآيات، فإذا عادوا إلى سيلان وسيرلانكا والهند وبنجلادش كانوا أئمة هناك، هل أحد يتحمل هذه المسئولية؟ هل هناك من يقول أنا لها؟ هذا كأبسط مثال! والله في الحقيقة لم نجد إلا النادر، وكما قال صلى الله عليه وسلم (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) تدخل حوشاً فيه مائة ناقة، لكن هذه جرباء، وهذه ضلعاء، وهذه مريضة، وهذه عرجاء، وهذه وهذه، لا تكاد تجد ناقة واحدة بين مائة ناقة، واليوم بكل أسى والله لو وجدنا من كل مائةٍ ملتزماً واحداً صاحب همة دعوية، وحركة عملية، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، والله لوجدنا الخير الكثير. أنتم تجدون واحداً مثلاً في جدة، أو في الشرقية أو في الغربية، أو في أي مكان حينما ينفع الله به، يكون له أثر عظيم، فما بالك لو كان من بين المئات أفراد وآحاد يقومون بمثل هذا الدور، والبقية أيادي مساندة ومعاونة لنشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أقول: قد يقول بعض الحاضرين، من الآن من الساعة سنبدأ بإذن الله، لماذا الناس تقدر وأنا أعجز؟ الناس تعلم وأنا أجهل؟ الناس تستطيع وأنا لا أستطيع؟ باسم الله، فإذا أراد أن يبدأ بخطوة أولى، جاءه ذلك القرين، كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} [البقرة:268]. جاءه الشيطان قال: يا مجنون! وأنت من يضمن لك أن عملك هذا تسلم من مغبته وتبعاته؟ من يضمن لك أنك لا تراقب؟ من يضمن لك أنك أنك؟ وهذه من الحيل النفسية، والأوهام والخيوط العنكبوتية التي يقوم الواحد فيقدم يديه للشيطان ويقول: كبلها بخيوط وهمك، ويقدم رجليه ويقول: اجعل عليها قيوداً من حبال توهيمك فلا تجعلني أتحرك، هل يمنعك أحد أن تعلم عمالاً القرآن الكريم؟ هل يمنعك أحد أن تدعو إلى الله جل وعلا؟ لقد انصرفنا -أيها الإخوة- إلى أساليب الدعوة الجماعية وضيعنا الدعوة الفردية، الحضور الآن بالمئات، ولو أن كل واحد يركز على شخص واحد، سواء كان قريباً في أسرته، أو زميلاً في عمله، أو جاراً في حيه، فأخذه وقال: لن أدعه ولن أبرح عاكفاً على متابعته وزيارته، وأخذه والذهاب به، والإياب معه والعمرة به، والحج معه وزيارة العلماء به، وإهدائه الشريط ودعوته إلى الطعام، حتى لا يحول حولٌ إلا ويكون ممن شقوا طريقهم في طلب العلم، وحفظ القرآن والسنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لوجدتم أن هذا الخير يتنامى في المجتمع، وتصلح الأمة صلاحاً ذاتياً، يتنامى ويتسارع تسارعاً يقهر أعداءها، لكن دائماً نربط أنفسنا بمشاريع الدعوة الجماعية، كأننا إذا منعنا أو أوقفنا عن سبيل من سبل الدعوة التي فيها نهج أو نوع طريقة جماعية كأن الدعوة أوقفت وانتهت، لا يا أخي الكريم! هذه من الحيل التي تنسجها أنت أو يكبلك الشيطان بها، فتقول: وماذا نفعل!! الشريط الفلاني موقوف، والمحاضرات في المكان الفلاني ممنوعة، إذاً ماذا نعمل؟!! لا يا أخي الكريم! والله لئن كانت مجالات الدعوة مائة، فمنع منها عشرة مثلاً، فعندك تسعين مجالاً مفتوحاً، لكن من أراد أن يعمل فسوف يعمل، وأما الذين يتعللون ويحبون من الإسلام والالتزام: أحبك في الله، أهلاً يا أخي في الله، لا تنسنا من دعواتك، لا تنسنا من الدعاء في الركعة الثالثة عشرة، من هذه الكلمات خذ ما شاء الله، أما أن تريد رجالاً يعملون؛ فما أقل أن نجد هذا! ومصيبة الصحوة أن أبناءها باتوا عالة عليها، بل لا تعجب أن ترى القيل والقال، والزيادة والنقص، وفلان وعلان، وروي وذكر، حتى بات فريق من الشباب لا هم لهم إلا أن ينقلوا منك إلى أخيك بما يكره، وينقلوا من أخيك إليك بما تكره، ولا أستبعد أن تكون هذه الصفوف الطيبة الخيرة يخطط أعداؤها لها، وأن يندس فيها من يزرع العداوة والبغضاء بين دعاتها، ويزرع الشحناء والقطيعة بين رجالها، ويحاول أن يقسمها أقساماً وأحزاباً وجماعات شتى، ولأجل هذا نقولها في الخطب وفي الندوات والمحاضرات: لا مكان للحزبية هنا، لا حلف في الإسلام، لا مكان للتجمع على حزب معين، نعم، تتجمع طائفة للعناية بالضعفاء، بالسجناء، بالمساكين، بالأيتام، بالأرامل، بالمعدمين، بالمعوزين؛ هذه معقولة. أما حزب معين وما سواه فلا مكان له، فلا، أبداً نحن أمة واحدة فينا الظالم لنفسه بالمعصية، وفينا المقتصد، وفينا السابق بالخيرات، وهذا إطار الأمة أجمع، وإذا قلنا: إن مجموعة فلان وفلان والشباب الفلانيين هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فماذا نسمي شباب الأرصفة! من الجهمية؟ ماذا نقول لبعض العصاة الذين عندهم منكرات في بيوتهم أهم من المعتزلة؟ ماذا نقول لبعض أهل التقصير؟ من الماتريدية. ماذا نقول وماذا نقول؟ أيها الإخوة! تقسيم الأمة مصيبة، ثم إن الحكم على الأمة باللوازم أمر أخطر من ذلك، الأمة أمة واحدة، ويدخل في عداد هذه الأمة من جهل أمراً، أي أن تبديع الأمة بالعربي الفصيح الصريح لا يتم إلا إذا عرفنا من رجل بدعةً أعلنها ثم نوصح بها، وأصر على قوله وقال: أقصد كذا، وما قصدت ذاك وأعني ما تخطؤنني فيه، وأراه منهجاً لي؛ فذاك المبتدع الذي تحاربه الأمة. أما أن نقسم الأمة وننقسم نحن أهل الخير إلى جماعات وأحزاب، فذلك شرٌ نحذركم وأنفسنا منه، ومن أراد أن يخدم هذا الإسلام؛ فليجنب نفسه الحزبية والعصبية، افتح بابك ونفسك وفؤادك وقلبك وجهدك وقدراتك لكل من أراد أن يعمل لهذا الدين؟ أيها الأحبة: كما قلت: من أسباب التهرب من المسئولية الخوف؛ أنا أخشى أن أراقب، أنا أخشى أن ألاحق، ما شاء الله عليك يا زعيم المافيا والألوية الحمراء، ماذا عندك؟! شريط صدر من وزارة الإعلام بالفسح تاريخ رقم، كتاب صدر بالإذن من الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية، وفسح أيضاً من وزارة الإعلام، يعني يفسح وتخشى أن توزعه، يفسح وتخشى أن تدعو به؟! أحد منعك وقال: يُسمح لك أن تأخذ عشرة من الناس فتلعب معهم كرة، وتدور أنت وإياهم في الأسواق والشوارع، ولكن ممنوع أن تأخذ ثلاثة أو أربعة من إخوانك فتزورون عالماً أو تعتمر أو تحج أو تسافر أو تقدم أمراً في سبيل الله؟! لكنها أوهام الشيطان. لذلك تجد الواحد وهو متكئ إذا فكر أن يدعو؛ رسم منهجاً دعوياً، جاء الشيطان وأنزل عليه جبلاً كـ جبل ثور، ثم جعل يضغط بهذا الجبل من الخوف والوهم والفقر ودنو الأجل؛ حتى يجعل رأسه ينطبق على فخذه، فإذا قال إنسان: مالي وللدعوة، مالي وللأمر، مالي وللمسئولية، تنفس الصعداء ونسف غترته جنباً إلى جنب، وقال: يا أخي! الحياة حلوة وسعيدة وممتازة، لما فكر أن يدعو؛ انطبق رأسه على فخذه من الثقل في جبل حمله من الوهم الذي نزل به الشيطان، ولما فكر أن يلقي الدعوة والعمل والمسئولية، وأن يرمي بها عرض الحائط، أصبح الأمر سهلاً ميسوراً بالنسبة له.

التشاؤم والتهرب من المسئولية

التشاؤم والتهرب من المسئولية مصيبة أخرى تجعل كثيراً من الشباب لا يتحملون المسئولية ويتهربون منها، بعضهم يقول: وماذا تنتظر؟ الأمة ضائعة منحرفة، الأمة تائهة، الأمة في الطوفان، الوحل، الحريق، النار، الغرق، ولا تجد الرجل يرى إلا بعين التشاؤم. أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا هذا مثل الذي يصيح ولم يدقوه بعد ولا دقوه، تجد الإنسان قبل أن يرى مصيبة يصيح ويولول، ويفزع ويهرول ويدعو بالويل والثبور، إذا كان هذا صياحك وولولتك قبل نزول المصيبة، فإذا نزلت المصيبة؛ ماذا ستفعل؟ يا أخي! كن جميلاً ترى الوجود جميلاً، تفاءل، انظر بخير. لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم يفاوض في صلح الحديبية، القضية في ظاهرها هزيمة للمسلمين. الرسول وصحابته الكرام صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم، يقدمون إلى بيت الله الحرام فيصدون، وتفاوض قريش بعنجهية وكبرياء وخيلاء وعناد، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: من الذي قدم؟ قالوا: جاء سهيل بن عمرو قال: (سهل لكم من أمركم) انظر التفاءل. ثم أيضاً أعط نفسك تصوراً معقولاً في حجم إنتاجك وعملك، تريد أن تلقي كلمة بعد صلاة العشاء أو المغرب في مسجد من المساجد، ضع في حسبانك وأنت تلقي الكلمة أنه سوف يسمع لك فقط خمسة عشر مصلياً، ضع هذا في ذهنك، فإذا قمت ووجدت عشرين مصلياً أمامك، فالحمد لله، الأمة مقبلة على خير، وجد والله شيئاً كثيراً، ووجدت فوق ما تصورت، لكن البعض حينما يريد أن يقوم فيلقي كلمة، فيذهب نصف المسجد، يقول: أهذه أمة فيها خير؟ أنا أقوم وألقي كلمة فيخرج نصفهم. وإذا ذهب نصفهم ماذا في ذلك؟ سبحان الله العلي العظيم! يا أخي! إذا كان هناك أنبياء يقدمون على الله يوم القيامة، أيدوا بالمعجزات وبالوحي وهم أفضل خلق الله، يأتي النبي منهم يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد، فأنت تريد أن يفتح لك من القبول كما فتح لـ أحمد بن حنبل أو كما فتح لأئمة الإسلام العظام، وتريد هذا بين يوم وليلة. منذ أيام كنت في مدينة الرياض في أحد المساجد، وكنت مشغولاً، يعني المشغول يصلي ثم يصلي الراتبة مثلاً أو يصليها في بيته وينصرف يمشي، فقام رجل جزاه الله خيراً يلقي كلمة، فلما قام؛ قام العدد الطبيعي من الذين في المسجد عمال، وناس لهم حاجات، وأصحاب أشغال وأعذار، وناس يمكن نساؤهم في السيارات، قال: الحمد لله يقول الله جل وعلا على لسان نبيه موسى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84] فموسى يعجل إلى ربه ليرضى الله عنه، ولكن الذين خرجوا يعجلون إلى ماذا؟ إلى منكر يرونه، ومنكر يسمعونه، ومعصية يجلسون عندها. لماذا هذا الأسلوب يا أخي؟ لماذا تبدأ نفسك بهذه الهزيمة؟ هذا إعلان للهزيمة من البداية، ابدأ بقولك أيها الأحبة في الله! كلمة لمدة خمس دقائق، لمدة عشر دقائق، من كان مشغولاً فلا حرج أن ينصرف، جزاه الله خير الجزاء على حضوره صلاة الجماعة. إن وجود هؤلاء يحضرون ويصلون معك الصلاة مع الجماعة خير عظيم، أي: إياك أن تنهار أو يصيبك الإحباط والانهيار عند أدنى إنسان يقوم، يا أخي افرض أن أحدهم ذهب يقضي حاجته، تقول: والله أنا إنسان فاشل، وما يضيرك أنك فشلت اليوم والشهر القادم والسنة القادمة، ثم بعد ذلك أصبت الصواب ولله الحمد والمنة. الحاصل أننا لا نريد أن نهزم نفسياً فلا نُرى إلا بالتشاؤم. أنا أعجب من بعض الشباب يوم أن تجلس معه يخبرك أن الإسلام محارب. نعم يا أخي، المسلمون في بعض البلاد يذبحون، المسلمون يقتلون، والمسلمون يصيبهم ما يصيبهم، لكن إلى متى ونحن نردد: ذبحونا قتلونا ضربونا جلدونا، وبعد ذلك!! ألا نوقد شمعة في الظلام، ألا نقدم عملاً إيجابياً، ألا نبدأ بإغاثة جريح، أو إسعاف مريض، لا نعرف إلا أن نجتر المصائب والآلام، ونعتبرها هي قضيتنا الأولى والأخيرة، طبعاً أنا لا أقول: إن الإنسان ينظر إلى مصائب المسلمين نظرة باردة كما يقول الشيخ عائض القرني حفظه الله، يقول: بعضهم حينما تقول له: ما رأيك بما فعل بالمسلمين في حماة؟ أو ما فعل بالمسلمين في البوسنة والهرسك؟ يقول: بعضهم يظن من الاعتدال أن تقول: هذا لا ينبغي والأولى تركه، طبعاً ما نريد هذا البرود في قضايا المسلمين، لكن لا يعني ذلك أنك يوم أن تجد مصيبة قائمة للمسلمين، أنك لن تستطيع أن تفعل شيئاً بل إن مزيداً من الدماء تدعوك إلى مزيد من العمل، ومزيداً من الجراح تدعوك إلى مزيد من السعي {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104] {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:140]. العمل مطلوب، لا نجعل هذه المصائب سبباً نتهرب به من هذه المسئولية.

وجود الخلاف في الساحة

وجود الخلاف في الساحة أكبر دليل على أن كثيراً من الشباب يتخوف من هذه المسئولية ولا يرغب أن يتحملها، أن تجد كثيراً من الشباب الآن يقول: والله الآن نرى واقعاً مختلفاً، وهنا الساحة عليها خلاف، ونحن في حيرة من هذا الخلاف، لأجل ذلك لأن تعض بأصل شجرة خيرٌ لك. لماذا يا أخي الكريم، إذا كان الخلاف في قضايا جزئية. شريعة الإسلام دينٌ جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ومكث ثلاثة عشر عاماً يؤسس العقيدة في مكة، وعشرة أعوام في المدينة ولا تنظر إلى هذا الدين إلا في القضايا الخلافية فقط. وأما القضايا المتفق والمجمع عليها لا تعمل بها، من الناس من يقول: نريد أن نعمل لكن حيرونا الآن في الاختلاف الذي في الساحة وهل الخلاف يدعوك أن تترك العمل؟ نقول لك: لا تقتحم ولا تلج مسائل الخلاف، واعمل بالمسائل المتفق عليها، هل أحد يقول: إن تعليم الجاهل للقرآن الكريم مسألة فيها خلاف؟ هل يقول: إن تعليم الذين لا يحسنون الصلاة من المسلمين وما أكثرهم، من مسائل الخلاف؟ يقول أحد: إن تعليم بعض الذين يقدمون إلى هذه البلاد وهم مسلمون على مسمى الإسلام ولا يعرفون من العقيدة شيئاً من مسائل الخلاف؟ لماذا لا تعمل بهذا المضمار، وفي هذا المجال؟ يعني لا تجعل الخلاف الذي تراه سبباً يدعوك إلى ترك المسئولية وعدم تحملها.

دعوى ""ليس من اختصاصي""

دعوى ""ليس من اختصاصي"" بعض الشباب يتهرب من المسئولية، بدعوى (ليس من اختصاصي) كما يقال: إن رجلاً من البادية نزل على أحد إخواننا المصريين الطيبين، فقال له: يا أخي الكيك أو الحلاوة الجميلة التي أعطيتنا، كيف صنعتها؟ قال: لا، هذا من اختصاصي، قال: دع أختك صاصي تعلم أختي كيف تصلحها، لا، نحن لا نقصد الأخت صاصي، وإنما نقصد مسئوليتك أنت يا أخي الكريم، اختصاصك مسئوليتك لا بد أن تتحملها، والله هذا جاهل ما هو من اختصاصي، وهذا منكر ما هو من اختصاصي، وهذه مصيبة ما هي من أختك صاصي! ماذا تتحمل أنت وأختك صاصي؟!! مصيبة والله، فلا بد أن تحدد المسئولية، وانظر في أولويات قدراتك وطاقتك ومواهبك وكفاءاتك, فستجد أنك بإذن الله تجيد شيئاً تعمله للإسلام، وكن صريحاً مع نفسك في البداية قل: لقد كنت فيما مضى كسولاً، كنت فيما مضى رُقدة، كنت فيما مضى جثمة، كنت فيما مضى أحب الراحة، كنت فيما مضى أرمي بالمسئولية على الآخرين.

دعوى ""لم يحن الوقت بعد""

دعوى ""لم يحن الوقت بعد"" من السبل التي يتهرب بها كثير من الشباب عن تحمل مسئولياتهم، يقول بعضهم: لم يحن الوقت بعد، حتى الآن لم يأتِ الوقت المناسب حتى أتحرك، ومتى يحين الوقت المناسب حتى تتحرك أطال الله عمرك؟ مثلما قال: حرب حزيران انتهت وكل حرب بعدها ونحن طيبون حتى تغلل اليهود في بلادنا ونحن راجعون صاروا على مترين من أبوابنا ونحن عائدون ناموا على فرشنا ونحن راجعون لم يحن الوقت بعد كل يوم مصيبة ولم يحن الوقت بعد! مصائب المسلمين تترى ولم يحن الوقت بعد! متى يحين الوقت إذاً؟ قيل انتظار نضوج الكرم ما انتظروا نضج العناقيد لكن قبلها التهبوا واليوم تسعون بليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب جاء المنجمون أيام عمورية وقالوا للقائد: انتظر حتى يكن الكوكب الغربي في الذنب وحتى يقطف العنب، وحينئذٍ يكون طالعك السعد حينما تغزو، فقال المعتصم: لا ننتظر عنباً ولا ذنباً، نغزو وننصر تلك المرأة التي قالت: وامعتصماه. اليوم صبرنا، وعصر الزيتون والعنب وصار مخللاً وما تحرك ذلك الذي يقول: لم يحن الوقت بعد، لم يحن الوقت بعد، وبالذات أعاتب شباب الجامعات والمدرسين وطلبة المعاهد العليمة وطلبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالذات، والجامعات الإسلامية أمة القرى وجامعة الملك عبد العزيز، والجامعة الإسلامية بـ المدينة، عندكم علم لو عرضتموه على واقع المسلمين لوجدتم أنكم قمة بالنسبة لهم، فماذا قدمتم؟ قوارير عطر مغلقة، نعم يوجد داخل الزجاجة عطر، لكن واحداً لن يشم أريجاً ولو لحظةً واحدة، والسبب مجموعة معلومات وعدم نفع، وعدم نشر، وعدم سعي بهذا العلم، فيا أخي الكريم! بلّغ وانفع من علمك بما أتاك الله سبحانه وتعالى. الذي يقول: لم يحن الوقت بعد. إذا كان يؤذيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتاء ويلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي متى متى تبدأ بالعلم والدعوة إذا كان هذا حر، وهذا برد، وهذا يمين وهذا يسار؟!! والله جل وعلا بين أن من شأن أولئك المنافقين، الذين قالوا: لا تنفروا في الحر، الوقت غير مناسب: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً} [التوبة:81 - 82] قضية التسويف والتأجيل ولم يحن الوقت بعد، والله ما أظن أن وقتاً الأمة الإسلامية بأمس الحاجة إلى أموال أبنائها وجهد أبنائها وفكر أبنائها، وسعي أبنائها ورجالها ونسائها مجتمعين في مثل هذا الزمن الذي باتت العداوة فيه صراحة منكشفة علنية ضد الإسلام وفي مواجهة الإسلام، ولا نحتاج إلى أن نبرهن على هذا كله. وبعض الشباب يقول: الظرف الآن لا يناسب أو لم يحن الوقت بعد، وكل ظرف بعده ظرف لا يناسب. وإني أقول لكم: انظر إلى ظرف يوسف عليه السلام وهو أنه في السجن، وما جعل رأسه بين رجليه، ويديه على خديه، وقال: واحسترك يا يوسف! لقد جُعلت عبداً وأنت حر، وألقيت في غيابة الجب وأنت بريء وأنت الحبيب إلى أبيك فصرت قصياً؟ لا، لما دخل السجن التفت يمنة ويسرة؛ فبدأ بالدعوة: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:39] أي: لا يوجد هناك وقت اسمه وقت دعوة ووقت جلوس عن الدعوة، نعم قد يكون من مصلحة الدعوة عدم طرح بعض المواضيع في فترة معينة، وترك بعض المواضيع قاطبة لفئة من علماء الأمة الكبار، قد يكون هذا من مصلحة الدعوة؛ لكن لا يعني ذلك التوقف عن الدعوة أبداً، ويعقوب عليه السلام والموت يدنو وقد بات وشيكاً منه: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [البقرة:133] هذا وقت تنازع فيه الروح، سكرات الموت {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي} [البقرة:133] سبحان الله العلي العظيم! ما قال: والله هذا وقت غرغرة، ما أنا فارغ لأولادي بل قال: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة:133] إلى آخر ما قالوا. والنبي صلى الله عليه وسلم في اللحظات الأخيرة من سكرات الموت، ويقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات، اللهم أعني على سكرات الموت) ولما حانت اللحظة الأخيرة قال: (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) أمة لا تعرف التوقف عن الدعوة في أي حال من الأحوال. وأما صاحبنا الحبيب الذي نقول له: تحرك، ادع، اعمل لهذا الدين، تحمل مسئوليتك، فيقول: الوقت غير مناسب، لم يحن الوقت بعد، لم يحن الوقت بعد. ابن تيمية مؤلفات كثيرة ألفها في السجن، ما قال: والله هذا مكان لا يناسب فيه التأليف أو الدعوة، لما انقطع به السبيل عن الدعوة باللسان؛ سخر القلم للدعوة إلى الله جل وعلا في السجن، وكذلك الإمام أحمد وغيره. وبعض أحبابنا تجد له زلة أو زلتين أو هنة أو هنتين، ويقول: إني إذا ذكرت فعلتي تلك لا أستطيع أن أدعو إلى الله، إني إذا ذكرت غلطتي تلك لا أستطيع أن أتحمل مسئولية، وكيف أتحمل مسئولية وأنا قبل ليلة فعلت واجترحت! يا أخي الكريم! لا تجمع مع الذنب ذنباً بترك العمل، وإهمال المسئولية، بل كفِّر ذنوبك بتحمل المسئولية والبذل لأجلها، إن أبا محجن رضي الله عنه مع أنه كان مدمناً للخمر، ما قال: إني مدمن للخمر ولا حاجة ولا داعي أن أخرج للقتال مع سعد بن أبي وقاص في القادسية، وإنما خرج ومن شدة ولعه بالخمر شربها هناك، فكانت عقوبته أن يمنع أن يشهد ساحة المعركة، فيربط في القيد، ولما سمع الصهيل والصليل أخذ يردد أبياته المشهورة: كفى حزناً أن تطرد الخيل بالقنا وأترك مشدوداً عليّ وثاقيا إذا قمت عناني الحديد وغلقت مصارع دوني قد تصم المناديا وأخذ ينادي سلمى زوجة سعد بن أبي وقاص، ويقول: يا سلمى! فكي قيدي، والله لك علي إن عدت حياً أن أضع نفسي في القيد، ما قال: والله أنا شارب خمر وما فكر بالشهادة في سبيل الله، قال: يا سلمى فكي هذا القيد، يريد أن يقاتل، فتعطيه سلمى البلقاء فرس سعد، وينزل أبو محجن وسعد بن أبي وقاص كان مريضاً، وشهد المعركة عن بعد من المعمعة، لكنه لم يكن في وسط المعركة، ومع ذلك يلام على ذلك وقيل فيه ما قيل: فعدنا وقد آمت نساء كثيرة ونسوة سعد ليس فيهن أيم أي: سعد بعيد عن المعركة، ما تتأيم واحدة من نسائه، ومع هذا كله ينظر سعد إلى ذلك الفارس الذي يفلق هام الكفار فيقول: [الكر كر البلقاء، والطعن طعن أبي محجن، ولكن أبا محجن في الحبس والبلقاء في القيد]، فيعود وتخبره سلمى وتقول: بلى هي البلقاء وذاك هو أبو محجن، فيعود بعد ذلك ويقول: [والله لا جلدتك بعدها] ثم يقول أبو محجن: [والله لا شربتها بعد اليوم] كنت أشربها حين أطهر منها، أما الآن فو الله لا أشربها أبداً.

تحمل المسئولية والعمل للإسلام

تحمل المسئولية والعمل للإسلام أيها الأحبة! نحن إذاً بحاجة أن نتحمل المسئولية وأن نعمل للإسلام، وأنا أعلم يا إخوان أن واقعنا اليوم صير التلميذ أستاذاً، وصير الأستاذ شيخاً، وصير الشيخ علامة، ولكن أيها الأحبة! هذا واقعنا، وزكاة المال من المال، والقوم يؤمهم أمثلهم، فإذا كان أبناؤنا وأحبابنا من جيل الصحوة هم أمثل جيلنا، فلماذا لا يتحمل مسئولياتهم؟! هل ننتظر شركة كورية توجه للدعوة والإصلاح، هل ننتظر عقداً نبرمه مع شركة كندية أو استرالية تقوم بواقعنا الذي عجزنا أن ننهض به، هي مسئولياتنا، وذاك مجتمعنا، وهذا واجبنا فلنقم به كل على قدر ما يستطيع. أيها الأحبة! إننا نستطيع أن نقدم للدين أموراً كثيرةً جداً، وأقل ذلك أن يوجد الهم والاهتمام للإسلام، أعني إياك أن يستوي عندك أن ترى تسجيلات إسلامية وتسجيلات غنائية، أن يستوي عندك مشروع خيري ومحل فيديو، أن يستوي عندك نصرة للمسلمين ومصيبة على المسلمين. إن من الناس من أخذ يقتات ويجتر قضايا المسلمين للاستمتاع والأخبار، بل وبعضهم يقول: نحن رأينا في الـ mbc أن المسلمين في كذا صار لهم كذا وكذا، لا يقول هذا الكلام من أجل أن يبين أن المسلمين قد حصل لهم شيء، لكن انظروا عندنا دش. مصيبة أن الواحد أصبح يفتخر بنقل الأخبار عن المسلمين فقط، وفي نفس الوقت يفتخر بما يسلطه على بيته ونفسه، لا أن يجعل ذلك سبباً في نصرة أو دعم أو عمل أو تأييد، يقول سفيان: إني لأرى المنكر، فلا أستطيع أن أغيره فأبول دماً من شدة المعاناة. نريد ولو معاناة نفسية، نريد دعوة بظهر الغيب، نريد أن تكف ألسنة الذين يقولون في المجالس ما يقولون، نريد أن تذب عن أعراض إخوانك، نريد أن تدعو لهم بظهر الغيب. لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعف النطق إن لم تسعف الحال كلمة طيبة، صدقة تنفعك ولا تضرنا يا أخي الكريم، كذلك كما قلت: احذر أن توزع الشريط الممنوع والكتاب الممنوع، بعض الناس في المكتبة الإسلامية يقول: بموجب فهرس تسجيلات التقوى، فإن رقم هذا الشريط (9999) يتكلم على الانتخابات في بعض الدول العربية، ومع ذلك تضيق (9999) فلا يجد فيها شريطاً واحداً يصلح للتوزيع والدعوة، ولا يحلو له إلا أن يوزع شريطاً ممنوعاً، لماذا يا أخي تعرض الدعوة وتعرض نفسك للمهاترات؟ وتعرض المنهج والطريق والعمل لمثل هذه الاختناقات التي لا داعي لها، الأمر يومئذٍ لله، شريط مُنع، الخير في غيره إن شاء الله. هل الأمة هلكت، ضاقت، غرقت، ماتت إن لم تسمع هذا الشريط؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، البعض لا يجد أمامه إلا مثل هذا، فأحذر أقول: وزع واعمل في شريط وكتاب مفسوح حتى إذا قال لك واحد: تعال يا مطوع ما عندك؟ أنت عندك منشورات وأنت عندك أشرطة، فتقول: تعال يا حبيبي هذا الشريط مفسوح برقم وتاريخ من وزارة الإعلام. قبل مدة في أحد الأحياء قام مدير فرع أحد البنوك يوزع دعوة للمساهمة والعمل في فرع البنك الذي افتتح في الحي في كل البيوت، وما تجد إلا النادر أو أندر النادر من يقول: لماذا تدخل دعاية للبنك الربوي تحت بيوتنا؟ وتعطي لأطفالنا أو تسلم للغادين والرائحين في حينا، لماذا لم يقل أحد هذا الكلام؟ لكن لو وجدت إنساناً يوزع على جيرانه بعض الأشرطة في أحكام الحج والعمرة، قرب موسم الحج، وقرب موعد الامتحانات التحذير من المخدرات، التحذير من جلساء السوء، التحذير من التبرج والسفور، والله هذا المجتمع غريب فيه أشياء غريبة، لا يا أخي الحبيب! يوم وزعت دعاية عن بنك تهز رأسك، ولما وزع شريط يدفع البلاء والهلاك تعترض قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117]. يا أخي الكريم! نحن وإياك بهذا العمل نسعى لدفع الهلاك عن الأمة وذلك بإصلاحها، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل عمل تستطيع أن تقدمه، وإذا أهمك الشيء، استطعت أن توجد لنفسك مجالاً تدعو فيه إلى الله، وتتحمل فيه مسئولية.

دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ودعوة السجناء

دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ودعوة السجناء من المجالات الحساسة والخطيرة دعوة غير المسلمين إلى الإسلام. لو وظفنا جميع الحاضرين في هذا المسجد في هذا العمل فإنهم لا يكفون لهذه المهمة، المشكلة أنك تدعو رجلاً كافراً إلى الإسلام فيسلم، يرجع إلى الشركة التي كان يعمل فيها، فيختلط مع المشركين والكفار، فيفتنونه ويغرونه، ويستهزئون به، يرهبونه ويرغبونه، الحل كما قال أحد الدعاة جزاه الله خيراً، قال: الحل في طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في المؤاخاة، كان إذا أسلم أحد المشركين جعله أخاً لواحد من الصحابة، فلو دخل في الدين مسلم جديد؛ قال أحد الشباب: أنا له، أعطوني إياه، رجلي في رجله، أذهب أنا وإياه، أعلمه الفاتحة، أعلمه كيف يصلي، أعلمه الوضوء، أعلمه شيئاً من الكلمات العربية، لن أدعه حتى أجعله يقف على قدميه بإذن الله، حينئذٍ نجد في الأمر إمكانية ونجد في الأمر قدرة. أيضاً من المواضيع المهمة التي يستطيع الإخوة أن يتحملوا فيها مسئولية وينفعوا بها إخوانهم المسلمين: دعوة السجناء، وهم قد اجتمعوا لك، ولا يستطيعون أن يهربوا من عندك، والجهات الرسمية تشجع وتعين، وربما تعطي مكافئة لمن أرادها في هذا المضمار وهذا المجال، إذاً فإني أدعو كل واحد من إخواننا أن يتحمل جزءاً من المسئولية في مجال يستطيع أن يقدم فيه قليلاً أو كثيراً.

عواقب إهمال المسئولية

عواقب إهمال المسئولية وختاماً أيها الأحبة! ما الذي يترتب على إهمال المسئولية؟ يترتب على إهمال المسئولية شر مستطير وخطر كبير، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة -أي: ضربوا القرعة على سفينة- فكان لبعضهم أعلاها، وكان لبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفل السفينة، إذا أردوا الماء مروا على من فوقهم، فقال الذين في أسفلها: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن هم أخذوا على أيدهم؛ نجوا ونجوا جميعاً). إن ترك المسئولية وتعليق المسئولية يمنة ويسرة، وتهربنا من المسئولية من نذر الهلاك في المجتمع، الله جل وعلا قال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:117]. فإذا أردنا صلاحاً وبقاءً ونعماً تترى متتابعة على مجتمعنا وفي بلادنا وأمتنا، فعلينا أن نتحمل مسئولياتنا وأدوارنا، أما أن يضيع كلٌ دوره، ويريد أن تمتلئ المخازن بالأغذية، والأسواق بالأطعمة، والبواخر بالنعم، وخيرات البلاد تجبى إلينا من كل جانب وهو يرى منكراً لا ينكر، أو معروفاً يضيع ولا يقوم بواجبه، وغاية ما عنده أن يهز رأسه ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا بد أن تتحمل مسئوليتك، وأن تقوم بدورك، واسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: (لتأمرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليوشكن الله أن يعمكم بعذاب ثم يدعو خياركم، فلا يستجاب لهم). أيها الأحبة: انظروا إلى أولئك الفجرة، والحداثيين والعلمانيين والشيوعيين والفسقة وأهل الضلالة، كل منهم قد طوق نفسه، وتوج نفسه تتويج الضلالة لا الهداية بمسئولية تحملها، فتجد ضالاً ضليلاً ينبري لزاوية أدبية، لا يبرحها ولا يدعها قيد أنملة، وتجد آخراً يمسك بجانب، فلا يفتر قائماً عليه أبداً، وتجد الآخر يمسك بقضية معينة، فيوالي فيها العمل والجهد والبذل. أما مشكلة الكثير من أبنائنا الملتزمين اليوم التذويق، ذواقين يوم نعمل في الجاليات، ويوم نعمل في السجن، ويوم نعمل في الفقراء، ويوم نعمل مع المعوقين، ويوم نعمل نعم هذا عمل خير، ولكن التخصص والصبر والجلد على مجال معين، يعطي الإنتاج فيه بإذن الله تعالى، أخي الكريم انظر إلى همة ذلك الشاعر الذي يقول: أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبر وأشجع مني كل يوم سلامتي وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر تمرست في الأهوال حتى تركتها تقول أمات الموت أو ذعر الذعر وأقدمت إقدام الأبي كأن لي سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر فتىً لا يضم القلب همة قلبه ولو ضمها قلب لما ضمه صدر نريد واحداً يحمل هماً من هموم الأمة، ويتحمل مسئوليةً وينبري لها، ويقول: أنا لها، وقبل ذلك يسأل الله أن يكون سعيه خالصاً لوجه الله الكريم: (القصد القصد تبلغوا، من سار أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا وإن سلعة الله غالية، ألا وإن سلعة الله الجنة). فيا أحبابنا إذا أردنا أن نمضي على طريق الأنبياء والصالحين من بعدهم والذين اهتدوا بهديهم وساروا على طريقتهم، فالعمل العمل لهذا الدين، مسئوليتنا جميعاً، ولا تجعل العمل وتحمل المسئوليات في المناسبات، منذ الليلة إن كنت جاداً تحسب على هذه الصحوة، فأسأل نفسك أي مسئولية تتحملها، إن شاء الله لو تعلم عامل النظافة الذي في المسجد القرآن وشيئاً من اللغة العربية والعقيدة الصحيحة، تأخذ لك خمسة عمال تكون مسئولاً عنهم، تذهب بهم إلى صلاة الجمعة، تردهم إلى بيوتهم، تعتمر وإياهم، تتفقد أحوالهم، تحل مشاكلهم مع العميل، شاب من جيرانك أو أقاربك تنذر نفسك له في كل الأوقات المناسبة عندك، أن تذهب به وتئوب وتعود معه، تعطيه الكتاب والنصيحة وتزوره، تأكل معه شيئاً، تشرب معه شيئاً، تقضي حاجته، تعينه، حتى بعد مدة تراه في عداد المهتدين، هكذا العمل الذي نريده. أما الحماس والعواطف، والناس كإبل مائة كما نرى واقعنا اليوم لا نكاد نجد من يتحمل المسئولية، فهذا عيب، وهذا عار علينا، وعيب على أمة الإسلام التي بلغت الآن الألف مليون وستمائة مليون، وهي تجثم على ثروات وخيرات في أفضل المواقع، ومع ذلك ما تجد لهذه الأمة أثراً، لأن الأمة مجموعة أفراد، وكل فرد ضيع مسئوليته. أحبابنا: نموذج على تحمل المسئولية في العمل، إذا رأيت الشاب المسلم أول من يدخل الدوام وآخر من ينصرف؛ فإنه جدير بالمسئولية، أما لأنك ملتزم تريد أن نعفو عنك، لأنك جئت متأخراً، ولأنك ملتزم؛ تريد أن نسمح بأخطائك في العمل، ولأنك ملتزم تريد أن نغفر خطاياك في واجباتك، لا، يا أخي الكريم! التزامك يحملك مسئولية أضعاف أضعاف ما يتحمل زملاؤك، لا تجعل التزامك وتدينك حجة أو ذريعة لكي ينظر الناس إليك نظرة مميزة مع تقصيرك وتفريطك في واجباتك، ومصيبة الأمة أن ينظر من يتصيد أخطاءها إلى الملتزمين من أبنائها في مواقع التقصير والإخلال بالمسئولية، ومنها جانب العمل، فهذا نموذج أو مجال من مجالات التحدي. هل تثبت أنك جدير بتحمل المسئولية، حدد ساعة من يوم، ويوماً من أسبوع، وأياماً من شهر، لخدمة هذا الدين في برنامج محدد ومعين، وستنفع بإذن الله جل وعلا، وما سوى ذلك كما يقول القائل: وأنت امرؤ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع لو يقال إن شاباً ملتزماً في مستشفى الثغر يحتاج إلى دم، لذهب كل واحد يتبرع بدمه، لو قيل: إن فلاناً يحتاج إلى كلية، لبحثنا له عن كلية من يمين أو يسار، أي: لما مرض فجعنا به وبذلنا له، لكن لما كان صحيحاً ماذا قدم للإسلام؟ للأسف هذه مصيبة عظيمة. ثم أحبابنا أختم بخاتمة مهمة ألا وهي أنه ينبغي أن ننظر إلى ما نحن فيه من النعم والخيرات، إن ذكرنا لسيئات مجتمعنا، وأخطاء واقعنا، وزلات ما نحن فيه، لا تجعلنا نغض النظر عن حسنات نرفل فيها ونتربع عليها، فمن واجبنا كما ننكر هذه السيئات أن نلتفت إلى هذه الحسنات، فنثني عليها ونثني على من دعا إليها، ومن قام بها، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وبهذا نسوق ونقود دفة أمتنا إلى خير في معروف ننميه، ومنكر ننكره. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

بطاقة الشيخ/ سعد البريك الشخصية

بطاقة الشيخ/ سعد البريك الشخصية Q البطاقة الشخصية؟ A لا يهمكم كثيراً هذا، إنما أنا الفقير إلى الله سعد بن عبد الله البريك، محاضر في كلية المعلمين قسم الدراسات الإسلامية، وإمام وخطيب جامع الأمير خالد بن سعود في البديعة رحمه الله، ونتعاون مع أحبابنا في مكتب الجاليات التعاوني لدعوة غير المسلمين في منطقة البديعة، أسأل الله جل وعلا ألا يجعل أعمالنا وإياكم هباءً منثوراً.

المناصحة بين الشباب

المناصحة بين الشباب Q ذكرتم المسئولية ومسئولية كل شاب منا، فما رأيك في أولئك الملتزمين الذين يقولون من الواجب ومن المفروض ومن ومن فماذا قدموا هم للإسلام؟ A الذي يقول: يجب وينبغي ويلزم نقول له: ماذا قدمت أنت أيضاً؟ نحن لا نقول: تقول لنا يجب، من الواجب أن نتناصح، ولك أن توجب علينا ما أوجبه الله علينا، وأن تلزمنا بما ألزمه ربنا ونبينا صلى الله عليه وسلم، نقول: أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا من السهل استعراض جهود داعية من الدعاة وتشريحه؛ أخطأ زاد نقص، نعم. فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه وعلى الداعية حين ينبه إلى خطأ أن يقول: نعم أخطأت، وأستغفر الله، والذي يقول: أنا لا أخطئ؛ يوشك أن يدعي العصمة، وهذا لا يجوز أبداً، لكن لا نريد أن نحاسب الداعية على فهمنا، ومثال ذلك أنا قلت كلمة أو أحد الإخوان قال كلمة، فيأتي أحدهم يقول: إن كلمة فلان في محاضرة الشباب والمسئولية تعني كذا وكذا، وإذا كنت أنا أعني بها غير ما عنيته أنت، فليس حكمك عليّ بما فهمته من كلامي، لكن بما ذهبت إليه أنا صاحب الكلام، وفي الفقه: أن المقر إذا أقر بإقرار مبهم، فإن المقر أولى الناس بتفسير إقراره، فنحن محاسبون على ما قلنا وعانينا، لا ما على فهمه الآخرون منا.

شباب لا يعرفون قيمة أنفسهم

شباب لا يعرفون قيمة أنفسهم Q بعض الشباب لا يعرف قيمة نفسه كمسلم، ولا يدرك أهمية شبابه فما نصيحتك لهؤلاء؟ A كثير من الشباب يبالغ في احتقار نفسه احتقاراً عظيماً حتى يظن أن البهيمة أفضل منه، وبعضهم ربما أصابه الغرور حتى يقع في العجب وحبوط العمل ولا حول ولا قوة إلا بالله، فنحن نقول: يا أخي الكريم! إياك أن يصيبك الغرور والعجب، وكما قال ابن الجوزي رحمه الله في صيد الخاطر: اعلم أن الناس إذا أعجبوا بك، فإنما أعجبوا بجميل ستر الله عليك. الله الذي جملنا بالستر، ولولا الستر ما اجتمعنا في هذا المسجد، كم في أنفسنا كمتحدثين وسامعين من الذنوب والخطايا، ونستغفر الله ونتوب إليه، ولكن من نعم الله أن سترنا وجملنا بالستر. أذكر ذات يوم أني أخذت ولدي عبد الله إلى المستشفى لعمل أشعة بالأمواج الصوتية في قلبه -نسأل الله له الشفاء ولأبنائكم جميعاً- فدخلت مع الطبيب، ووضع الأجهزة على قلب الطفل، فظهر في الجهاز البطين والأذين والصمام إلى آخره، قلت: سبحان الله! هذه الأجهزة الدقيقة تكشف كل شيء، ولكنها لا تكشف الخير والشر في النفوس. الله الذي ستر عباده، وجمّلهم بالستر. أخي الحبيب! إياك أن تحتقر نفسك، أنت فيك خيرٌ عظيم، وكما قلت يا أخي: والله لن تعجز أن تؤثر في أقاربك أو جيرانك أو أصدقائك أو زملائك، حتى العمال المساكين الذين تراهم حولك بحاجة إلى علمك ومعونتك ومساعدتك، فما أظن أن واحداً يقول: إني لا أصلح لشيء، فتجده يتهرب من المسئولية، أي: يتفنن في التهرب من المسئولية، وهذه مصيبة الأمة أن كل واحد يرمي بالكرة على صاحبه حتى لا تقع في مرماه.

دور الشابات

دور الشابات Q قد تكلمت عن دور الشباب فما هو دور الشابات؟ A الخطاب للرجال والنساء على حد سواء إلا ما يستثني الرجال بخصوصهم والنساء بخصوصهن، أعني أن الفتاة المسلمة أيضاً مسئولة، تجد فتاة مسلمة تقول: التبرج والأسواق والفساد والمجلات الخليعة والموضات وو إلى آخره، أنتِ أيتها الأخت ماذا فعلت؟ هل دعوت صويحباتك إلى البيت مرة في كل أسبوع؟ هل أقمت درساً في المدرسة؟ هل تعاونت مع مدرسة المواد الشرعية؟ هل كان لكِ دور في مناسبات تحضرينها من زواج وحفلات، هل كان لكِ دور في لقاءات عائلية وأسرية؟ إن الواحدة تستطيع أن تقدم خيراً، في الرياض دار تحفيظ قرآن، تخرج منها حافظات للقرآن، بجهود امرأة بعد فضل الله جل وعلا ثم بمساعدة زوجها أيضاً. من أراد أن يعمل -يا إخوان- سيجد أساليب العمل، لكن الذي يريد الأعذار سيجد ألف عذر وعذر بالكذب والتحايل، والتخلص والتملص من المسئولية، فعلى المرأة مسئولية كما هي على الرجل، ومن أعظم مسئوليات المرأة تجاه زوجها، فإن كثيراً من النساء تتسبب في أن ينظر زوجها في الغاديات والرائحات؛ لأنها ما أعطته حاجته من نفسها وهي آثمة بهذا. إن كثيراً من النساء لا تتجمل لزوجها، فيكون قلبه شغوفاً بصور المتبرجات، وهي مهملة للتجمل له وحسن التبعل له. إن كثيراً من النساء عودت أولادها وبناتها على لبس القصير، وعلى الخروج إلى السوق، والكلمات السوقية من الشارع، لإهمالها وعدم تحملها لمسئولية المحافظة على البيت. كثير من النساء أهملت الأطفال الصغار، فلا تبالي أن تكشف عورته؛ لأن الخادمة خلت به مرات، فوضأته وغسلته وجعلته يستحم، وهي التي تغير ملابسه، ولم تنتبه لحياء ذلك الطفل أو حياء تلك البُنية. إن على النساء مسئولية عظيمة جداً جداً.

السبيل إلى زيادة الإيمان في القلب وترقيقه

السبيل إلى زيادة الإيمان في القلب وترقيقه Q ما هو السبيل إلى زيادة الإيمان في القلب وترقيق القلوب، لأنه كما نعلم إن زيادة الإيمان من أهم الأسباب التي تجعل الإنسان كفؤاً للمسئولية، وحبذا يا فضيلة الشيخ لو أسمعتنا أبيات ابن القيم في سلعة الرحمن؟ A من معتقد أهل السنة والجماعة رضوان الله عليهم ورحمة الله عليهم أن الإيمان قول واعتقاد وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالطاعات من وسائل زيادة الإيمان، والذي يجد قسوة في قلبه، ولا يحضره خشوعه في صلاته، فعليه أن يكثر من الاستغفار والصلاة والأعمال الصالحة عامة؛ فإنها بإذن الله جل وعلا تعينه وتكون سبباً في سعادته. وأما كلام ابن القيم في النونية المسماة بـ الكافية الشافية، فإننا للأسف -أيها الأحبة- نصف الجنة ولا نتحمس لدخولها، ونعرف وصف النار ولا نأخذ الأهبة والحيطة للبعد والنجاة منها، فالله المستعان برحمته أن ينجينا من عذابه، وأن يدخلنا برحمته في جنته: يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنتِ غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان يا سعلة الرحمن كيف تصبَّر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان حور تزف إلى ضرير مقعد يا محنة الحسناء بالعميان وروى أبو داود في سنن له ورواه أيضاً أحمد الشيباني أثراً تضمن أجر خمسين امرئ للعاملين بسنة العدناني ما ذاك إلا أن تابعهم هم الغرباء ليست غربة الأوطان إن التمسك بالسنة في زمن الغربة له أجر عظيم بإذن الله جل وعلا. أحبابنا إن من الأمور التي أغرقنا فيها وتعمقنا فيها ما يسمى بديناميكية الدعوة وميكانيكية الدعوة، حتى أصبح الإنسان يفكر بالدعوة تفكيراً ديناميكياً آلياً بحتاً، وفعلاً غابت عنا الرقائق وغاب عنا التشويق والتخويف، ولذلك تجد رمضان يدنو منا -أسأل الله أن يبارك لنا في شعبان وأن يبلغنا وإياكم رمضان- فتجد الآيات العظمية التي تهد الجبال {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19]. آيات كثيرة فيها تهديد ووعيد، وتجد الواحد يفتح عينيه، فتطير في السماء، وحينما يأتي القنوت آه آه، قلبك غافل يوم كان كلام الله يتلى، ويوم جاء القنوت أخذت تتصنع البكاء وتتباكى أكثر من اللازم بتكلف؛ أين البكاء والخشية من كلام الله جل وعلا؟ نحن نحتاج أن نراجع النفوس، هل سيكون الدعاء المصفصف والمنمق من قبل أحد الأئمة أدعى إلى بكائك من كلام الله جل وعلا؟ في قلوبنا مرض. كذلك الآيات التي فيها الكلام عن الجنة: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أدنى أهل الجنة منزلة من يملك كملك أهل الأرض عشر مرات، ولكن أيها الأحبة إننا نعلم يقيناً إن كل واحد منا يتيقن أن الجنة والنار حق، ونعيم الجنة حق، وعذاب النار حق، لكن للأسف نحن غير مهتمين، والسبب: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] معصية ونظرة، وكلمة، وغيبة ونميمة وغفلة، وهمز ولمز، فتكون هذه حجب تمنع من التفاعل مع الآيات والأحاديث التي فيها الوعد والوعيد، لذا يا إخواني! وقد قدمنا على الشهر الكريم؛ أحذركم من فوازير رمضان، ومسلسلات بعد العصر في التلفاز. هذا أحد الشباب يقول: والله ذاك اليوم الذي أحجب بصري عن التلفاز، إنني أخشع مع الإمام، وأتلذذ لذة عظيمة في صلاة التراويح، وأما ذلك اليوم الذي أتساهل فيه؛ فأنظر إلى المسلسل والنكت السخيفة أو الطريفة أو غيرها بعد العصر، والفوازير بعد المغرب، وأدخل إلى الصلاة وكأني أصب ماء على صفوان صلب -حجر يابس- لا يمكن أن تجد فيه أي نعومة أو ليونة، نعم. إذا أردت الخشوع؛ فتهيأ للخشوع؛ إذا أردت لذة الصلاة؛ فتهيأ لها، وأعظم لذة كما قال ابن المبارك: اترك فضول النظر؛ توفق إلى الخشوع، واترك فضول السماع؛ توفق إلى التلذذ بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. كان الصحابة والسلف ومن قريب الآباء والأجداد، تجد الواحد منهم قد احدودب ظهره، بلغ المائة أو جاوزها، يصلي ويتهجد، وإذا ذكرت الجنة قام يبكي وله نشيج، أحد كبار السن يحدث عن زمن ليس بعيد، وكان قد سمى فلاناً من الأئمة أظنه الشيخ العجيلي رحمه الله قال: يقرأ {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] وكان وراءه رجل كبير في السن، وأخذ يبكي ويقول: أسأل الله أن يعيننا على جهيزهن، أي على العمل الصالح، الله أكبر! حينما تذكر الجنة يتخيل الجنة، ويتخيل برحمة الله أنه سيرى رسول الله صلى الله عليه وسلم. يا أخي! أريدك أن تحلق بخيالك ثم بحقيقة فكرك وقلبك ولبك، تخيل أنك في الجنة، بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما تشتهي قبلة على جبين الحبيب صلى الله عليه وسلم؟! أما تشتهي جلسة مع أبي بكر الصديق؟! أما تشتهي حديثاً من الروح مع عمر بن الخطاب؟! أما تشتهي أن يحدثك الصحابة عن بسالتهم في الجهاد في سبيل الله؟! أما تشتهي الأخت المسلمة أن تجلس مع خديجة وكيف كانت تثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: كلا والله لا يخزيك الله أبداً؟ أما تشتهي أمي وأمك، وأختي وأختك، وزوجتي وزوجتك أن تسمع حديث زوجات النبي صلى الله عليه وسلم؟! للأسف أصبحنا نتكلم عن قضايا الواقع، ومخططات أعداء الإسلام، حلقنا فيها كثيراً كثيراً، ولم تعد الأحاديث عن الجنة تهزنا أو تحدر دمعة من مآقينا على خدودنا. إن بعض الشباب يقول: فلان ليس عنده إلا المواعظ والترغيب والترهيب، والله جل وعلا قد أثنى على خيرة خلقه أنبيائه ورسله، فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء:90] فهل أنت تسارع في الخيرات؟ {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً} [الأنبياء:90] يرغبون في الجنة {وَرَهَباً} [الأنبياء:90] خوفاً من النار {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. الذي ما يطمع في الجنة ويخشى من النار؛ فيه حب الصوفية المسمى بالعشق الإلهي، يقولون: عبدتك لا خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك. أعوذ بالله. فيا أحبابنا تشوقوا وعلقوا أنفسكم بالجنة ونعيم الجنة. الذي عنده زوجة دوخته، ينظر في الحور العين التي ترضيه وتهنيه ويسعدها وتسعده، الذي يشكو مرضاً يعلق نفسه بالجنة: (يا أهل الجنة! إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً). لا طيب للعيش مادامت منغصة لذاته بادكار الموت والهرم حياتنا حتى وإن متعنا فيها لا تساوي أول ليلة ينزل فيها الواحد إلى القبر، أنعم أهل الأرض يغمس في النار غمسة فيقال: يا عبدي! هل مر بك نعيم قط؟ يقول: لا يا رب. إنسان منذ أن وضعته أمه إلى أن مات وهو في نعيم؛ في حرير، في ملذات، في مآكل، في مشارب، في أقل من اللحظة غمسة خفيفة في النار يصرخ منها ويقول: والله ما مر بي نعيم قط {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38]. قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة كمثل ما يضع أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع). الآخرة ذلك البحر المتلاطم، والدنيا تلك القطرة التي تعلق بأنملتك حينما تغمس أنملتك في البحر، فمن ذا الذي يبيع هذه الآخرة الغالية بهذه الدنيا التافهة الفانية، نسأل الله جل وعلا أن يعيذنا وإياكم من الغفلات: {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205]. الحذر من الغفلة، فليتذكر الإنسان: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا} [الأعراف:201] تذكر يا أخي وقرب نفسك دائماً مع الأخيار والأبرار: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف:28]. لا تغرك المراكب ولا المساكن؛ إذا رأيت نعيماً فاذكر أن في الجنة أفضل منه، وإذا رأيت مصيبة؛ فتذكر أن في النار شراً منها، ففي كل الأحوال ترتبط بالآخرة.

نصائح إلى شباب تابوا قريبا

نصائح إلى شباب تابوا قريباً Q هؤلاء مجموعة من الشباب يقولون: الحمد لله هدانا الله سبحانه وتعالى وكنا من قبل نستعمل المخدرات وغيرها، فما هي النصائح التي توجهها لنا، ولنا أسبوع في التوبة؟ A والله يا أحبابي اسمحوا لي أن أقول: ما أكثر التائبين وما أقل الثابتين! فأحذركم من الحور بعد الكور، ومن الزلل بعد الاستقامة، ومن الانحراف بعد الهداية، ومن الضلالة بعد الهدى، وإني واثق أن الشيطان لن يدعكم، ولن يدعكم شياطين الإنس الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، فإذا كنتم حمدتم الله على نعمة الهداية والاستقامة، فلا تتساهل بلحظة، لحظة لو يطرق عليك صاحبك القديم صاحب المخدرات يقول: يا فلان أجلس معك جلسة قبل أن تأخذ بالهداية سنة، فلا تفتح له الباب ولا ير وجهك وجهه، فكم اهتدى كثير من الشباب بالذات من قضية المخدرات، فما كان من جلساء السوء وأولياء الشيطان الذين وسوس بعضهم لبعض، وزخرفوا ذلك الباطل لهم من جديد، قالوا: نجلس معك جلسة نريد أن نعرف كيف اهتديت فنهتدي مثلك، وما كانوا صادقين، ولو كانوا صادقين لزاروه أو لاجتمعوا به عند عالم أو طالب علم أو واعظ أو داعية، ولكن أرادوه على انفراد بدعوى أنهم يريدون أن يتوبوا كما تاب، فما كان منهم إلا أن أخرجوا له ذلك المسحوق الأبيض الذي يتلألأ أو قطعة من المرفين أو الهروين. أنسيت ذلك الخيال التي ترى فيه أبراج إيفل في باريس، وناطحات السحاب في نيويورك، ومياه النيل وأنت في مكانك. فإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير يسكر الواحد أو يحشش في هذه المخدرات والعياذ بالله، فيظن أنه قد حلق، بعضهم يظن أنه يدفع العمود هكذا فيسقط، وإذا صحا وجد أن العمود ضرب رأسه مائة ضربة، لكنه لا يدري. فيا أخواني الذين اهتدوا نسأل الله لكم الهداية، وما يدريكم أنها خاتمة حسنة، والشيء بالشيء يذكر؛ منذ أسابيع ليست طويلة دخلت المسجد؛ فإذا بجنازة أمامي، فوجئت بها في الحقيقة، وفعلاً هزني ذلك الموقف أن تدخل المسجد وفي ذهنك موضوع الخطبة، فتفتح الباب وإذا بالجنازة أمامك، يوشك أن تسقط عليها فتهتز. فانتهينا من الخطبة والصلاة وصلينا على ذلك الشاب، وكان أخوه أحد الشباب الصالحين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فسألته عن أخيه، قال: هذا أخي ليس له في التزامه إلا ثلاثة أشهر تقريباً، وكان يعمل في البحرية، وقد مر بمجاهدة أعانه الله في نهايتها على الاستقامة، وكان حوله ممن يريدون به الغواية والضلالة من خططوا له ودبروا، ولكن الله أعانه وثبته. انظروا إلى خاتمته كان حارساً على السفن والزوارق الحربية في مدينة الدمام، في المنطقة الشرقية، فكان يحرس في رباط وقت الفجر، فلما حان وقت الفجر؛ قام وأذن على ظهر السفينة، ثم نزل من السفينة إلى قارب آخر ومعه ماء وتوضأ، ثم عاد من القارب الصغير إلى السفينة، يريد أن ينادي إخوانه، ليصلوا، فزلت به القدم، وضربته حديدة في جبينه، فسقط في البحر، وأخذ ينزف، وفقدوه اليوم الأول، وفي اليوم الثاني وجدوا مجموعة من الأسماك مجتمعة حول منطقة، فجاء الغواصون ووجدوه على تلك الحال، يقول أخوه: والله إني كنت في فزع وفاجعة من الحادثة التي حصلت له، ولكني لما رأيته يغسل وعلى وجهه ابتسامة وخير؛ حمدت الله أن الله توفاه على هذه الحالة. فالعبرة بالخواتيم، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، ولا يلزم أن تكون التوبة على قصة انقلاب سيارة أو غرق أو هدم أو حريق بعض الناس ينتظر أن تأتي شعلة من النار في فراشه فيقوم تائباً، أو يصفعه أحد بمرزبة على رأسه ثم يقوم تائباً، لا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ} [التحريم:8]. الواحد مدعو إلى التوبة سواء حصلت له حادثة تحركه وتوقظه من غفلته، أو لم يحصل له، فيكفيه ما يسمع من المواعظ والزواجر والعبر وغيرها.

نصيحة فتاة تحب التلفاز

نصيحة فتاة تحب التلفاز Q إنني فتاة قائمة بحمد الله بجميع واجباتي نحو خالقي، ولكني أحب متابعة التلفاز، وأرى أنه يعرفني ببعض الأعمال السيئة مثل الغيبة والنميمة، وفي يوم من الأيام جاءتني إحدى الأخوات الطيبات، ونصحتني بعدم مشاهدة الأفلام والمسلسلات فلم أستجب لها، فما نصيحتك لي؟ ثم ما نصيحتك لنا جميعاً وشهر رمضان المبارك على الأبواب، ولو وضعت برنامجاً للشباب جزاك الله خيراً؟ A الله جل وعلا يقول: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32] من ذا الذي قام بحقوقه وواجباته تجاه ربه، ليس فينا ذلك الرجل إطلاقاً، بل كلنا ذلك المقصر مهما بلغنا من العمل، ويكفي من التقصير أن تجد الواحدة تمعن النظر إلى التلفاز، وأما معرفة الأحكام في بعض العادات السيئة كالغيبة والنميمة من التلفاز، فنعم قد يوجد في التلفاز بعض البرامج النافعة، فالله جل وعلا ذكر أن في الخمر منافع، ولكن إثمها أكبر من نفعها، واليوم يا أخواني! لو لم يكن في التلفاز بالنسبة للمرأة كيف تنظر إلى المصارعة والرجال عراة لكفى، هذه مصيبة يا إخوان، وكثير من الإخوان يدعي أنه يتحكم، أين التحكم والمرأة تنظر إلى المصارعة، وتنظر إلى الأفلام، وفي كل فلم وحلقة وتمثيلية رسائل متتالية متتابعة، هذه فتاة تكلم خطيبها، وهذه تخرج مع صديقها في الجامعة، هل هذا مجتمعنا؟ لا، هل هذا واقعنا؟ لا، هل هذه الأفلام تحل مشاكلنا؟ لا، هل هذه المسلسلات تحاكي مجتمعاتنا؟ لا. إذاً لماذا نستورد مشاكل فوق مشاكلنا، ونتعلم منها ما يضرنا ولا ينفعنا؟ فحسبك من شر سماعه، وما بالك برؤيته، وإني أنصح أختي إذا كانت جادة في معرفة أحكام العادات وغيرها أن تأخذها من الكتب النافعة، كتب الحديث من كلام الله جل وعلا، كتب التفسير من الأشرطة النافعة، من الدروس العلمية المسجلة للشيخ ابن عثيمين ولسماحة الشيخ ابن باز، وللشيخ ابن جبرين، علماء أجلاء كبار، الشيخ ابن باز كثيراً ما يوصي بسماع إذاعة القرآن الكريم وفيها خير كثير وبرامج نافعة فعلاً. أما التلفاز فمشاكله أكثر من منافعه، وإذا قدر أننا نشارك فيه، فنحن نشارك فيه من أجل المزاحمة ولو ساعة، حتى تكون خيراً بلا شر، أي: لا يحتج أحد ويقول: والله إن فلاناً شارك فيه، هذه مشاركة بدلاً من أن يكون بث فيه خطر أو فيه شر لمدة عشر ساعات، تزاحم بساعة، فتكون ساعة خير وتسع ساعات خطأ. في رمضان أعمال صالحة كثيرة، أحد الفضلاء الذين جئت اليوم بمعيته، ولولا هيبته -وهو من الشعراء- لقلت في أهل جدة قصيدة، مع أني لست بشاعر، لكن أتسور جدار الشعر، لكن لما حضر خشيت أن ينتقدني، فكنت أقول له: يا أخي أنا ألاحظ أن كثيراً منا لا يشكو قلة الحسنات، لكنا نشكو كثرة السيئات، كثرة السيئات مصيبة عظيمة جداً، وفوق هذا أن يفسر ويؤصل بعضنا لبعض الخطيئة، فتجد واحداً يغتاب الآخر يقول: نعم هذا من مصلحة الدعوة تفضل شرح عرض فلان، الله لا يهينك لأنه لمصلحة الدعوة. اتق الله يا أخي الكريم! {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] ورمضان شهر عبادة وقرآن، فاشغل نفسك بقراءة القرآن وحفظه، هيئ نفسك أن تستعد لصلاة القيام خالياً من صورٍ تراها، أو كلمات تكدر عليك صفو خشوعك، ولا تجعل رمضان شهر النوم كما يجعله البعض، خذ برنامجاً، فقد يحوجك شيء من الجوع إلى شيء من الراحة، لا بأس ولا حرج، لكن إياك أن تفسد صيامك، إنسان صائم وعينه مفطرة على النظر إلى الحرام، أي صيام هذا؟! امرأة ساقها وفخذها ظاهر، نحرها عارٍ والرجل صائم! اللهم إني لك صمت وعلى رزقك أفطرت، تضع الفوازير، أهذا تفطر عليه؟ استحي يا أخي الكريم! ما يليق أبداً، وإن العمل الصالح يبنى على التوبة، نظف ساحة نفسك هذه الأيام من الذنوب والمعاصي، وتخلص من عادات قبيحة، وذنوب تصر عليها وتتساهل بها، وتعد أنها من الصغائر، اتركها وتب إلى الله منها، حتى تبني العمل الصالح على قاعدة نظيفة، ما رأينا رجلاً بنى بيتاً أو قصراً على أرض مليئة بالأوساخ والأتربة وكل ما على الأرض من دون تنظيف لها، بل تجده ينظف ويزيل حتى يجد قاعدة صلبة وصخراً مكيناً متيناً فيبني عليه. إذاً نريدك أن تبني الصيام والقيام والاستغفار وتلاوة القرآن، لذلك اقرأ القرآن، فإذا تعبت من القراءة؛ استرخِ قليلاً، واجعل ذكرك الاستغفار تلك العبادة اللذيذة، من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]. استغفر الله يا أخي! أكثر من الاستغفار (إن من خير ما يجد العبد في صحيفته يوم القيامة الاستغفار) أكثروا من هذا يا أخي الكريم.

نصائح للخطباء

نصائح للخطباء Q ما هو دور خطباء المساجد وخصوصاً في الأحياء التي يكثر فيها الجهل؟ وكيف يكون الخطيب ناجحاً؟ وما هي المراجع التي ينتفع بها؟ A يا أخي الحبيب! اليوم قد سهل الله للخطباء كثيراً من مسئولياتهم، فما عليهم إلا أن يأخذوا الأمر بعزم وجدية وقوة، إذا لم يستطع الخطيب أن يحضّر مواضيع جديدة، فعليه أن يأتي إلى التسجيلات الإسلامية ويقول: ماذا عندك من الخطب؟ يعطيه صاحب التسجيلات قائمة بأسماء الخطب، فينظر إلى الخطيب الذي يرتاح لخطبته ويستوعب كلامه وعباراته وأفكاره. اسمع كثيراً، ولا بأس أن تنسخ الخطبة كما هي، ولا بأس أن تختصر من الخطبة أو تنقل منها وتلقيها. حدثني أحد الإخوة يقول: في إحدى المدن عندنا خطيب منذ أن جاءنا إلى اليوم وهو يتكلم عن حقوق الجار، قلت: يمكن أنكم ما قمتم بحقوقه، ولذلك يذكركم وما تجدي الآيات والنذر في قوم لا يؤمنون. ماذا فعلتم له؟ فينبغي للخطيب أن ينوع، وأن يتابع قضايا الساحة وبالذات التوحيد والعقيدة، والترغيب والترهيب والرقائق، وفي هذا خير عظيم وليست مسئولية الخطيب على المنبر، فجيرانك في الحي إذا لم يكن للخطيب هيبة، إذا صارت مشكلة في الحي يُرجع إلى الخطيب. يا خطيب! أنت يوم الجمعة تتحدث إلى أربعة آلاف أو خمسة آلاف خاطباً فيهم، عندنا رجل مؤذٍ في الحي، إذا لم تتحمل مسئوليته من يتحمله، يأخذ الخطيب مشهد توقيعات من الجيران، يذهب إلى الأمين، يسلم عليه، يقابله، سلمك الله وأمد في عمرك على طاعته، هذا أحد جيراننا نصحناه وقلنا له وقلنا له، وما زال يفحط ويعاكس ويُؤذي، نرجو اتخاذ اللازم، يكون الخطيب له دور، أما خطيب: إن الحمد لله أقول قولي هذا ويكفي، لا يا أخي الكريم! فينبغي أن يتحمل الخطيب مسئوليته كما ينبغي، وأن يوجه وبالذات في المناسبات، فيعطيها حقوقها فهذا أمر واجب.

محاربة العادة السرية

محاربة العادة السرية Q كثر السؤال عن العادة السرية وعن التوبة ثم الرجوع إلى الذنب فما نصيحتك للشباب؟ A مثل هذه العادات الباعث عليها لا شك ثورة الشهوة لدى كثير من الشباب، ولكن يدفع لذلك الخيال، كثير من الشباب تجده دائماً يغمض عينه ثم يسرح في خيال امرأة أو جسم أنثى، ثم بعد ذلك يقول: كيف أحارب العادة السرية. اشغل نفسك بقراءة وسماع وفكرٍ، وجاهد خيالك وخطراتك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فلو زلت منك اليد إلى هذه الفعلة، فاستغفر الله. من الشباب من يظن أنه يوم أن فعل العادة السرية؛ إذاً لن يقبل الله منه عدلاً ولا صرفاً، ويوم القيامة يؤتي بحسناتك وسيئاتك، وإذا فعلت هذه الفعلة فأعقبها بحسنات {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، اصبر عن المعصية، ففي هذا أجر عظيم والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. انتبه لهذا أخي الحبيب، ومن أوشك على الوقوع في فاحشة الزنا؛ فإن ارتكاب أدنى المفسدتين دفعاً لأعلاهما أمر مشروع أسأل الله أن يرزقنا وإياكم حفظ أبصارنا وأسماعنا وخيالنا وخطراتنا وأفكارنا، وأنصح الشباب بالمبادرة إلى الزواج، حتى وإن لم يصلك دورك في المشروع الخيري للزواج، تسلف من هنا ومن هنا ومن هنا {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:32]. تزوجنا ونحن فقراء، فأصبحنا أغنياء بفضل الله جل وعلا، ما نقيس أنفسنا اليوم كاليوم الذي تزوجنا فيه، وكثير من الشباب كنا نعرفهم ربما تحل له الصدقة قبل أن يتزوج، فلما تزوج أصبح من المتصدقين.

توبة عجيبة

توبة عجيبة Q هذا شاب يقول: أخي وحبيبي في الله، إني شاب تبت إلى الله، ولكن ما زلت مع امرأة، فهل يجوز لي أن أستمر معها بعد التوبة على اتصال تلفوني أو عبر خطابات؟ A والله هذه التوبة العرجاء، ما شاء الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:208]. تب إلى الله جل وعلا، نعم لا نقول: إنسان عنده أربعة ذنوب واقع فيها، تاب من ثلاثة وبقي الرابع، نقول: لا إما أن تتوب من الرابع وإلا فارجع الثلاثة التي ذهبت، هذا خطأ، لكن نقول: تب إلى الله جل وعلا، وبالذات مثل هذه الذنوب والخطايا المتعلقة بمصائب النساء؛ فإن عواقبها وخيمة. أسأل الله أن يستر علينا وعليك، وبادر بمجاهدة النفس بالقطيعة، اقطع هذه المكالمة والمراسلة، تزوج حتى تيئس منك، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يصرفها عنك ويصرفك عنها، وألح على الله، واسأل الله أن يصرفها عن نفسك، فإن من ألح على الله ولو في شأن دنياه أجابه، فما بالك بمن يلح على الله بشأن دينه وطاعته لله.

دروس الشيخ في جدة غير موجودة

دروس الشيخ في جدة غير موجودة Q لم تجب على موضوع الدرس الأسبوعي أو الشهري في جدة؟ A هذا ما ينسى، والله يا أخي الكريم لست أهلاً أن ألقي درساً أسبوعياً أو شهرياً، رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، أي: أنا أعطي الدروس والمحاضرات الأسبوعية في الكلية، وإن كان عندي من مقدرة فلأصحاب الحي عندنا في السيرة، وليس بوسعي ولا بمقدوري أن أعطي درساً أسبوعياً في جدة أو شهرياً. أكرر مرة أخرى لإخواني طلبة جامعة أم القرى في الكليات الشرعية وجامعة الملك عبد العزيز والجامعة الإسلامية وجامعة الإمام محمد: يا إخوان! قرى المملكة وأطرفها وحدودها بأمس الحاجة، فيا أحبابنا المناطق التي فيها خير وفيها دعوة وفيها عمل ينبغي أن ينفر أبناؤها ورجالها للدعوة إلى تلك المواطن، أي: مثلاً لو أن أهل جدة أو الإخوان الذين في جامعة أم القرى ركزوا على المناطق الغربية وما وراء الغربية، فيكون في هذا خير عظيم، قرى كثيرة جداً بعضها لم يأتهم شيخ، وبعضهم ما سمع بمحاضرة، وبعضهم لم يقام عنده درس، وأيضاً إذا زرتموهم هناك فلا تكفي الزيارة أو إلقاء كلمة، انظر أمثلهم طريقة ورتب معه أن يقيم درساً للقرآن أسبوعياً، انظر أحد المدرسين في المدرسة ممن ترى فيه الخير، قل له: لماذا لا تقيم درساً؟ مادة التوحيد التي تدرسها في المتوسطة والثانوية درسها للعوام بعد صلاة المغرب يوماً من الأسبوع، الناس بحاجة ما عندك وفي هذا خير بإذن الله سبحانه وتعالى. ملحوظة: أود في هذه الفترة أن أنبه الشباب إلى أمر مهم، وهو أننا بحاجة إلى العقل والهدوء والاتزان، ولا تعني النصيحة بهذا أن الشباب مجانين أو شياطين معاذ الله، لكني أقول: ينبغي أن ننظر في واقعنا نظراً جيداً، وأن ننظر ما نحن بحاجة إليه من الهدوء ومن الاتزان ومن إصلاح الأمور خطوة خطوة. وفوق هذا كله ينبغي أن نعلم جيداً أننا نحن والعلماء والحكام في سفينة واحدة، فغرق السفينة يغرق الجميع، والخلل في السفينة خلل على الجميع، والخطر في السفينة خطر على الجميع، ليس الخطر على فئة دون فئة. لأجل هذا أدعو أن نستشعر المسئولية الجماعية، وأن ننظر إلى إصلاح واقعنا نظرة عامة شاملة، وإن الرجل اللبيب الذي عنده شيء من اللب حينما يريد أن يصلح جداراً من الطين مثلاً ما تجده يهدم الجدار بالكامل ثم يأتي ليبني لا، مثلاً عندنا بيت من الطين أحد جدرانه قد لعبت به الدود، أصبح نخراً، أصبح طيناً، لو أردنا أن نصلح هذا الجدار، فإننا لو أزلنا الجدار كله؛ سقط الدور الذي فوقه وسقط البيت كله، فإصلاح الجدار يكون على طريقة القدماء يأتون إلى الجدار الطين، فيأخذون خمس بلوكات فقط من الجدار وبقية الجدار الطيني الضعيف قائم، فيصلحونها ثم يأخذون خمس أخرى فيصلحونها، ثم خمس أخرى فيصلحونها وهكذا. اللبيب بالإشارة يفهم ونحن بأمس الحاجة إلى الإصلاح الهادئ، وأن نضع أيدينا في يد كل غيور ومخلص وناصح، من عالمٍ أو حاكمٍ أو ولي أمرٍ أو داعيةٍ أو مسئول، وأن نمد جسور الصلة على ما نرى، وفوق ما نرى، وفي مواجهة ما نرى، حتى نفوت الفرصة على من يثير الفتنة يبن فئة هذا المجتمع، حتى يقضي على الجميع صغاراً وكباراً. أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.

المرأة المسلمة والتحديات المعاصرة

المرأة المسلمة والتحديات المعاصرة إن التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في عصرنا تنقسم إلى قسمين: تحديات داخلية وتحديات خارجية، وهذه التحديات لم تكن لتجد لها مكاناً بين المسلمين إلا يوم أن وجدت من بذر لها بذر القبول. وهنا معالجة لما تواجه المرأة من فتن ومغريات، وتوجيهات مفيدة في هذا المجال.

انقسام الناس في النظر إلى المرأة إلى فريقين

انقسام الناس في النظر إلى المرأة إلى فريقين إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلى هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة: الحديث عن التحديات التي تواجه المرأة وهي في واقعنا المعاصر كثيرة جداً، ولا أخال أنني سأحيط بها أو سأسردها عليكم فضلاً عن التفصيل فيها، ولكن قبل الولوج في صميمها أود أن أعرض مسائل: الأولى: إن كثيراً ينفرون من الحديث عن التحدي والتحديات، ولا يحبون أن يسمعوا نقداً للمجتمع أو الواقع، وهذا أمرٌ لا ينبغي أن يكون؛ لأننا حينما نتكلم عن التحدي في مجالاته أو في ظروفه وصوره فإننا لا نحب ولا نحسن ولا نتسلط بمجتمع ولا نعرض، ولكن الحديث يكون مستحضره خطرٌ داهم أو شرٌ قائم، أو لأخذ العبرة والعظة من مصيبة حلت لإهمالٍ أو تفريطٍ وقع منا، أو لأجل الدعوة إلى الإصلاح كلٌ بقدر واستطاعته. التحديات التي تواجه المرأة كثيرةٌ جداً، وهي تحديات من الداخل وتحديات من الخارج. لا يبلغ الأعداء من جاهلٍ ما يبلغ الجاهل من نفسه ما كان لتلك التحديات أن تجد بين الصفوف مكانة، أو تجد بين البرادع مخيماً، إلا يوم أن وجدت لها بذرة القبول ودعا لها دعوة المحبة، وهيأ في النفوس لها موقعاً ومنزلاً، وحسبكم قول الله جل وعلا في شأن أولئك الأعداء الكفرة الذين يتمنون بالمجتمع كل مصيبة، ويتربصون بهم دوائر التفكك والانقسام، والهزيمة والتبعية، يقول الله جل وعلا: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] وتأملوا هذه الآية: هل تظنون أن الذين يتمنون أن نكفر كما كفروا -إن كانوا يروننا دونهم- أنهم يتمنون أن نكون مثلهم، فنكون سواء فنرتفع من الحضيض إلى علو منزلتهم التي هم فيها كما يظنون؟! وإذا رأوا أننا أعلى منهم منزلة فيتمنون كفرنا حتى نكون سواء، فننزل من علو مقامنا إلى حضيض مقامهم، وهذا هو الظاهر البين. إذاً: فالأعداء مهما بلغوا من الاكتشافات والاختراعات، ومهما هيئوا ألوان الترف وسبل الرفاهية ونافسوا في التمدن فإنهم لا يزالون يرون المسلمين أعلى منهم قدراً. والسبب في رؤيتهم للمسلمين أنهم أعلى منهم قدراً أنهم يرون الأمة المسلمة لا تزال تتمسك بوحي رباني معصومٍ من الزيادة والتحريف والنقصان، فلا بد أن ينزلوا هذه الأمة المتمسكة بهذا الوحي إلى حضيض مساواتها بالكافرين، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإطلاق سهام التفكك والبغضاء، والزهد في الوحي الذي أنزله الله جل وعلا، فالتحديات كثيرة من الداخل والخارج، وعذراً وعفواً من ذا يجمع بحر الكون في قطرة، ومن ذا يختزل حروف العداوة في ذرة، ولكن ما قل وكفى خيرٌ مما كثر وألهى. يكفي اللبيب إشارة مرموزة وسواه يدعى بالنداء العالي وأرغب -أيها الأحبة- أن يكون الحديث عن المرأة، الذي هو عن أمي وأمك، وأختي وأختك، وزوجتي وزوجتك، وابنتي وابنتك حتى نتحدث عن موضوع نتعايش معه، ونتكلم عن خطر يهدد كل واحدٍ منا، ونشمر لكي نذب عن أعراضنا وأنفسنا ومجتمعنا وأمتنا؛ لأن بعض المسلمين وفقهم الله حينما يسمعون حديثاً كهذا يظنون أن المعنيين بهذا قومٌ في الزهرة أو في زحل أو في المريخ أو عطارد، ونحن إنما نصلي على الميت الحاضر، ونتحدث عن واقعنا، وعن مجتمعنا، وعمن يعايشوننا ويساكنوننا ويخالطوننا، فحديثنا عنا وعمن حولنا، وفي البداية يخص هذا الحديث وسطٌ بين فريقين: فريقٌ يرى أن المرأة في مجتمعنا قد أدبرت وولت، وذابت وانحرفت، وسقطت وانتهت، ولا أمل في إصلاحها، والبقية الباقية في طريقها إلى الفساد، والبعض ربما يحمل نفساً متشائمة، ويغلق منافذ الأمل أو نوافذ العمل، ويصاب بالإحباط تجاه كل حركة تسعى إلى الإصلاح والتغيير. وفريقٌ آخر يرى أن واقعنا أفضل واقعٍ يمكن أن يخطر على بال رجلٍ في هذه البشرية المعاصرة، وليس ذاك بصحيح، وليس هذا بحق (فمن قال: هلك الناس فهو أهلكُهم أو أهلكَهم) ومن قال: لا يمكن أن يوجد واقعٌ أفضل من هذا فذاك عين المداهنة والنفاق، إن في واقعنا من الخير الكثير الكثير، وفي واقعنا من الشر ما لا يعلمه إلا الله، وذاك ميزان العدل عرفناه من كلام نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقول في صدر خطبته ومستهلها: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا). فأخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن للنفس شروراً، وأن في الأعمال سيئات، وذاك في زمنه فضلاً عن القرون التي تلت وجاءت عقب أو بعد القرون المفضلة، بل إن ما نحبه فيه الخير والشر، المال والولد من ذا يكرههما أو يبغضهما ومع ذلك يقول الله جل وعلا: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:15] ويقول تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن:14]. إذاً: فليس الخير في النفوس فضلاً عن المجتمعات والدول والأنظمة والمؤسسات والأجهزة، ليس الخير على إطلاقه وليس الشر على إطلاقه، فكل نفسٍ، وكل أسرة، وكل مجتمع، وكل نظام، وكل أمة، وكل دولة فيها خير وشر، بل قال صلى الله عليه وسلم فيما جاء في السنة أن الرجل إذا دنا بامرأة وضع يده على ناصيتها وقال: (اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه) فدل أن في الزوجة شراً كما أن فيها خيراً، فالمال فيه خيرٌ وشر، والزوجة فيها خير وشر، والولد فيه خيرٌ وشر، والنفس فيها خيرٌ وشر، فكذلك المجتمعات فيها خير وشر، فلنتأمل هذا جيداً. أيها الأحبة: وإن التحديات التي تحيط بالمرأة المسلمة في واقعنا المعاصر هي جزءٌ من التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، تحدي المرأة والتحدي بالمرأة، ذلك محور من محاور التحدي الكبير الخطير الذي تواجه به أمة الإسلام في وقتٍ نعجب فيه من جلد الفساق والكفرة وضعف الثقات والأمناء، ذلك هو جزءٌ من التحدي العام في السياسة وفي الاقتصاد وفي التربية والإعلام وفي التعليم وفي مجالات شتى، فليس الحديث عن التحديات التي تواجه المرأة بمعزلٍ عن جملة التحديات التي تحاك وتدبر للأمة من قبل أعدائها في الخارج، أو المنافقين الذين يتربصون بها في الداخل. وهذه التحديات تظهر في صور شتى، وتلبس لكل زمن لبوساً، ولكل حادثة ما يناسبها، وتنشط تارة، وتظهر تارة، وتصرح تارة، وتلمح تارة، وتقوى تارة، وتضعف تارات.

الإعلام وصور من تحدياته

الإعلام وصور من تحدياته إذا أردت أن تنظر إلى محورٍ أو جانبٍ من الجوانب التي عرضت ألوان هذا التحدي، فتأمل الإعلام بجميع مجالاته وأضربه من جريدة أو مجلة أو شاشة أو إذاعة أو كتابٍ أو نشرة أو دورية أو مطوية، فإنك سترى فيها ألوان التحدي على أوسع نطاقٍ وأوسع صعيد، لذا نحصر حديثنا عن هذه التحديات في التحدي الإعلامي، وذلك لتنوع أساليب دخوله في المجتمعات، فالبيت الذي قد لا يوجد فيه جهازٌ يستخدم البث قد لا يعدم من تلفاز، والبيت الذي يعدم التلفاز لا يخلو من الإذاعة، ولا يخلو من مجلة أو جريدة، ولهذا نختار الحديث عن التحدي الإعلامي؛ لأنه ندر أن يخلو منه بيتٌ من البيوت، بل قال أحد الدعاة في كلمة سمعتها له: إن الذي يذهب إلى الخباز صباحاً ويشتري خبزاً حاراً ربما أعطي جريدة ليضع عليها الخبز فكان في الجريدة مقطوعة أو مقالاً يدخل به التحدي إلى هذا البيت من حيث يشعر أو لا يشعر، ويسوق هذا على سبيل الفكاهة. ثانياً: إن تحدي الإعلام يخاطب جميع الفئات والطبقات، بل وجميع أفراد الأسرة، فأنت تلاحظ -مثلاً- أن الإعلام يخاطب الطفل والمرأة والأم والزوجة والمراهقة، والشاب والرجل، والكهل والكبير والصغير؛ لأجل ذلك كان هذا التحدي بشمول اتصاله لسائر طبقات المجتمع أخطر من غيره، ويجمع جميع ألوان التحدي ويعرضها في أساليب براقة قشيبة خادعة. ثالثاً: إننا نلاحظ قوة فاعلية التأثير في هذا الإعلام أكثر من غيره، فإن التحدي الإعلامي أقوى من التحدي الاقتصادي، وأقوى من التحدي الاجتماعي أو غيره من ألوان التحديات، وإن كان التحدي الإعلامي قد يكون وليداً أو -إلى حدٍ ما- له ارتباطٌ قوي بالتحدي الاقتصادي أو غيره، على أية حال لا تظنوا أن ما سنذكره من تحدٍ بات الناس ذات ليلة آمنين مطمئنين فأصبحوا وقد خندقت الفتن حولهم وحاصرت دورهم، وأطلقت سهامها في بيوتهم، وإنما كان ذاك نتيجة مكرٍ وكيدٍ ونفسٍ طويل كما يقال: سياسة الخطوة خطوة {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:6]. إننا نعجب من طول نفس العلمنة والعلمانيين الذين ما فتئوا يضربون أسواطاً ويقطعون أشواطاً، ويضربون آمالاً وأبعاداً، يتمنون أن يصلوا فيها إلى أمورٍ عديدة، ولو سمعتم بعض كبار العلمانيين يقول بعضهم لبعض: أبعد هذا المشوار الطويل لا نظهر في هذا المجتمع إلا بأمورٍ لا نجزم أنها في حقنا أو في صالحنا، كان العلمانيون ينتظرون قبل هذه السنوات التي نعيشها أن تسن القوانين التي تنزع وتخلع ولاية الرجل عن المرأة، وكانوا ينتظرون أن تصرع النظم التي لا تجعل للمرأة مكاناً تحت سيطرة الرجل أو قوامته، وكانوا ينتظرون أن يكون لها ما تريده وتشتهيه مما وصل إليه الغرب من ألوان الفساد والانحراف، وإذ بهم يفاجئون أنهم حتى هذه الساعة لا يجدون أنظمة تحميهم، فكل سعيهم إنما هو نشاطٌ واجتهادٌ وافق غفلة أو شهوة أو ضعفاً من الأخيار أو بعض الأبرار. أيها الأحبة: واعلموا أن لهذه التحديات ظروفها وأسبابها، وربما كانت بعض الأسباب باختلافٍ أورثت غيرها فكانت سبباً ومشكلة في آن واحد، فالرفاهية -مثلاً- والترف الذي حصل لكثيرٍ من البيوت، والعمالة الوافدة من الخدم والمربيات أنتج فراغاً خطراً واستعداداً نفسياً لقبول هذا التحدي وأورث ضعفاً في مواجهته. ثم تكلم الرويبضة، وتحدث في شأن القوم من لا علاقة له بهم، وأصبح أمر الدين فيما يتعلق بالمرأة حمىً مباحاً، يفتي فيه من يفتي، ويتكلم فيه من تكلم؛ حتى بتنا نرى أن مجلة ساقطة كمجلة " سيدتي " يظهر فيها من يفتي ويقول: لا بأس بقليلٍ من الغناء ولا بأس بالخروج مع الرجل، ولا بأس ولا بأس أي فتوى مرت على حين غفلة من عقول كثيرٍ من الغيورين والمسلمين، ناهيك عن سيلٍ جارف وجد أبواباً مشرعة، فأنت حينما تدخل الآن ما يسمى بالسوبر ماركت أو التموينات أو محلات التسوق تمكث ساعة لتجد مجلة المجتمع، أو الدعوة أو أنصار السنة، أو مجلة الإغاثة أو مجلة إسلامية في خضم عشرات، بل تبلغ المئات في بعض المحلات الكبيرة من المجلات التي كلها صورٌ عارية تثير الغرائز، وتشحن الفتنة، وتدعو إلى الرذيلة، وتهيئ للإجرام والفساد. ثم وافق ذلك -أيها الأحبة- جهلاً منا بأصول التربية الصحيحة، فمنا من يرى جهلاً أو تأثراً أن فتح الأبواب على مصاريعها للأولاد والبنات أن نجعلهم يمارسون تحقيق الذات كما هي النظرية الغربية في التربية، إن أعلى صور التربية تحقيق الذات، وتحقيق الذات يعني: ألا تقول للطفل: لا. وألا تنهره، وألا تزجره عن همٍّ همَّ به أو فعلٍ أراده، وآخرون لا يضعون العصا عن عواتقهم، دون استعمالٍ لتدريجٍ يجعلون شيئاً من العصيات أو الضربات الخفيفة هي نهاية المطاف في بعض ألوان الأدب أو بعض ألوان التربية. يا آباء شغلوا وأمهات لهون! ليس اليتيم من انتهى أبواه من همِّ الحياة وخلفاه وحيداً إن اليتيم من تخلت عنه أمه، وشغل عنه أبوه. زد على ذلك شيطانٌ يوسوس في النفس ويجري من ابن آدم مجرى الدم، وشهوة متسلطة، ومراهقة مسعورة عند البنات وعند الشباب إلى حدٍ كبير؛ مع بعض المثقفين المنهزمين الذين عاشوا في الغرب ودرسوا سنين طويلة، فما عادوا لنا بشراع وما عادوا لنا باتجاه، وما عادوا بنظرياتٍ نافعة صالحة في توظيف القوى العاطلة في المجتمع، أو تطوير أساليب الإنتاج أو تشغيل عوامل الإنتاج، أو إيجاد معادلات لإصلاح المجتمع وتطوير النزهة إلى معادلات جميع أفراد المجتمع، بل عاد إلينا أقوامٌ لم يعرفوا بعد سفرهم وبعد عيشهم في الخارج إلا أن عادوا ينتقدون كل قديم، وأن بعضهم يجعل فيه الدين، ويجعل فيه التقاليد والعادات، ويعطف بعضها على بعضٍ كأنها مترابطاتٍ، وفرقٌ عظيم بين أمور المعتقد وأمور الدين والتشريع من جانب، وبين السير والعادات والتقاليد التي ربما تغير بعضها تبعاً لتغير الأزمان والأمكنة. إذاً: الهجمة عامة، والمرأة محورٌ واضحٌ جليٌ في هذه الهجمة، وهذه الهجمة كما قلت تدور حول فتاتنا وأمنا وبنتنا وزوجتنا وأختنا، وهم في ذلك -أيضاً- يحرصون على تغيير البرنامج الذي تفكر به المرأة، ليس فقط عرضاً للمعصية أو الرذيلة عرضاً مباشراً، بل هناك سَبْقٌ وتقدم في المعركة فإنهم حاولوا أن يصلوا إلى طريقة التفكير التي تفكر بها الفتاة ليطلبوا فيها أسلوب التفكير وأسلوب النظر، وأسلوب القناعة والمعالجة. تلاحظ -مثلاً- ما أكرم به الإسلام المرأة من تشريع المحرم لها في سفرٍ وألا يختلى بها، وألا تخضع في صوتها، وألا تخالط وألا تسأل متاعاً إلا من وراء حجاب، وألا تضرب برجليها حتى لا يسمع ما تخفي من زينتها، يسميه الأعداء تجسساً وسوء ظن ومراقبة، في الوقت الذي يرى الإسلام أن المرأة شخصاً مهماً لا بد له من الحراسة، أرأيتم كيف يحرس الزعماء! أرأيتم كيف يحرس الملوك! أرأيتم كيف يحرس القادة؟ إن الإسلام يجعل المرأة زعيماً وقائداً ورجلاً مهماً خطيراً، لا يمكن أن يمشي وحده بل لا بد أن يعتنى بحراسته، خاصة في السفر ومواقع الخطر. كذلك -أيها الأحبة- والشيء بالشيء يذكر، يوم أن تمنع المرأة من القيادة، دفعاً لأضربٍ ولألوان كثيرة من الفساد، وسداً لذرائع المعصية والمنكر، ما ذلك إلا لإكرامها ولخدمتها ولحشمتها، فما يقولون: إن هذا الدين عظيم، يجعل المرأة أكرم من أن تقود السيارة التي ربما تعطلت فتعطل أمر المرأة، وتعرضت أن تمال أو تقف في قارعة الطريق لتنظر من يسعفها، الإسلام جعلها في مقام من يخدم، أرأيت من يحتاج إلى العناية به كعاجزٍ يحتاج إلى من يقود به السيارة، أو شخص مهم لا يتفرغ لقيادة سيارته، أو سمِ من شئت فإن الإسلام يقول للمرأة: أنتِ من هؤلاء المهمين الذين تقاد بهم السيارة، وليست هي التي تقود أو تتعرض لمشكلات أو مواقف مفاجئة لها خطرٌ على نفسها، أو فؤادها، لكنهم لا يسمون هذا احتراماً، وإنما يبرمجون -إن صحت العبارة- أو يقولون: إن هذا الدين بما فيه من قيم بالية وتقاليده مهترئة تمنع المرأة أن تمارس حريتها حتى ولو في أبسط الأمور أن تمسك بقطار سيارتها فتقوده بضعة كيلو مترات.

إلغاء التخصص وخلط الوظائف

إلغاء التخصص وخلط الوظائف يحرص أولئك على إلغاء التخصص وخلط الوظائف، أنتم تعلمون أن المرأة لها وظيفة لو اجتمع الرجال ليقوموا بها ما استطاعوا، فوظيفة الحمل لا يطيقها الرجال، وكذلك الولادة ومعاناة الحيض والنفاس المرتبطة بإنجاب الذرية، وتربية الأطفال والحدب عليهم، والسهر على شئونهم وأحوالهم. إن طفلاً صغيراً لو بكى الليل فأودعته عند أربعة رجال لملوا من التناول على هدهدته وتسكيته، كلٌ يدفعه إلى الآخر، وكلٌ يمل من تسكيته ولو بضع دقائق، لكنك تعجب كل العجب يوم أن ترى أماً ترضع وقد تكون حبلى في نفس الوقت، ولديها طفلٌ أكبر من هذا الرضيع فتقوم في وسط الليل وربما لم تفتح عينيها، ولكنها تهيأت لذلك، ومضت وسارت على الفطرة التي خلقت لها، فتجد الطفل يصرخ فتقوم لتسقيه الماء، والآخر يبكي فتلتفت إليه لتغيير ملابسه، والرضيع يصيح فتحضنه إلى صدرها وتلقمه الثدي وتسهر طول الليل ثم تنسى هذا كله في ابتسامة مشرقة يوم أن تراها بادية على محيَّا هذا الطفل الرضيع، أو على ذلك الطفل يوم أن يصبح وهو يضمها أو يلتف حولها أو يرمي برأسه عند رجليها، فتنسى الدنيا وما فيها فضلاً عما لقيت من العناء والتعب والمشقة في العناية بهذا الطفل، هل يطيق الرجال هذا؟ هل يستطيع الرجال هذا؟ لا والله لا يطيقونه ولا يستطيعونه ولله الحكمة؛ لأنهم لا أعدوا له بأي حالٍ من الأحوال. أولئك الذين يتربصون بالمجتمع الدوائر، ويسعون إلى إخراج المرأة من عفافها وطهرها وحيائها، يريدون للرجل أن يمارس هذا الدور، ويريدون للمرأة أن تمارس الدور الآخر، أن تخرج هي فتخالط من شاءت وتتهيأ وتتزين لمن شاءت، وتعمل في أي مجالٍ شاءت، وما اختارت المرأة لنفسها إلا سعادة لكنهم أفسدوا فطرتها، وخدشوا جبلتها وطبيعتها ومن يك ذا فم مر مرير يجد مراً به الماء الزلالا فجر الرجال إلى وظائف النساء، وجرت النساء إلى وظائف الرجال، وصار هناك خلطٌ في الوظائف والمسئوليات، وإني عجبت ذات يوم، يوم أن اتصلت بصديقٍ فقلت له: ماذا تفعل في البيت هل تقرأ أم تكتب؟ فقال: لا. لكن زوجتي ذهبت إلى السوق وبقيت أحرس الأطفال، فقلت: الحمد لله، تسرح العنز ويجلس التيس، نعم. هذا من العجائب والغرائب، نحن لا نقول هذا لكي يتأذى الرجال أو ينفروا عن المكوث مع الأطفال بعض الساعات حينما تدخل المرأة مع أخيها أو محرمها أو مع عدد من النسوة لقضاء حاجاتهن المعتادة في أوقاتٍ محددة من غير كثرة خروجٍ أو جعل الخروج من المنزل سمة وسجية، لكن نقول هذا إذا كانت سمة الرجال البقاء في البيوت، وحراسة الأطفال، وسمة النساء السبت في حديقة الحيوان، والأحد في الحي الدبلوماسي، والإثنين في الفندق الفلاني للحفلة الفلانية، والثلاثاء في الزفاف الفلاني، والأربعاء في المكان الفلاني، وتجد الرجل قد قام بمهمة الحراسة على خير وجهٍ بارك الله فيه وسلمه، وجزاه الله خير الجزاء، لا يعاب رجلٌ أن يمكث عند أطفاله فيربيهم ويعلمهم وينصحهم ويوجههم، لكن أين المرأة؟ ولماذا تركت الأطفال؟ ولماذا غفلت عن دورها؟ ولماذا استقلت واستهانت بمسئوليتها؟

الدعوة إلى إهمال المسئولية الحقيقية

الدعوة إلى إهمال المسئولية الحقيقية أيضاً من صور هذا التحدي: الدعوات السافرة إلى إهمال المسئولية الحقيقة وهي: مسئولية الزوج، والاستعداد للزوج، وتربية الأولاد والبنات -كما قلت- أصبحت عبئاً ثقيلاً على كثيرٍ من بناتنا، بل حتى على بعض المتدينات والملتزمات، ويا للأسف يوم أن تقول لامرأة: يا أمة الله! قري في بيتك، وأعدي وأصلحي وهيئي وعطري ونظفي هذا البيت، واجعليه جنة لا يمل الرجل شم جنباتها، ولا يمل من التقلب في أروقتها وغرفها، اعتني بهؤلاء الأطفال بكل لبسٍ جميلٍ رائع، اجعلي والدهم ينظر إليهم دائماً في أبهى حلة وأجمل زينة، إن تزيين الأطفال ليس لكي يراهم الأجانب فيقولوا: ما أبرق وأجمل هؤلاء الأطفال، بل إن الرجل ليسعد كثيراً يوم أن يرى ولده وفلذة كبده في أبهى حلة وأجمل صورة من النظافة واللبس الرائع الجميل. في المقابل نجد كثيراً من الفتيات لا تريد أن تلتفت لهذا، بل تشترط على الزوج أن يأتي بالخادمة، وفرض على الخادمة أن تتولى حتى الطبخ والإعداد والطهي، وتهيئة الملابس، والاهتمام بالأطفال والبنات، وإنها لمسألة خطيرة تحز في النفس أن يتعود الأطفال امرأة أجنبية تحسر عن عوراتهم، وتقلب عوراتهم في تغسيلٍ أو ملابسٍ ما بين طفلٍ ذكرٍ أو طفلة أنثى. إذاً: فهناك هجمة دعت إلى إلغاء التخصص وخلط الوظائف، وإهمال المسئولية، وتضييع البيت، والانشغال بغير الزوج، وإسناد مسئولية التربية إلى موظفٍ آخر هو المربي أو المربية، وعموماً فإن المحور الإعلامي يجمع لنا صوراً وألواناً ومشاهد من هذه التحديات نراها في أشكالٍ متعددة، من ذلك ما نراه من صور النساء العاريات الكاسيات على أغلفة ألوانٍ عديدة من المجلات، صور المتبرجات في ثنايا هذه المجلة وإبرازهن وإظهارهن بأنهن سيدات المجتمع االأُول، وأنهن الرائدات في مجال العلم أو التعليم أو التربية أو العمل الاجتماعي أو غير ذلك دعوة إلى الموسيقى والعزف المحرم، ودعوة إلى نبذ كثيرٍ من الأخلاق، بل وإشادة بامرأة وهي تمسك سيجارة في يدها؛ لأنها رجلة أعمال. كل جار ولى منتبطاً غير جيران بني جبلة مزقوا ثوب فتاتهم لم يراع حرمة الرجلة سموها رجلة الأعمال، أو امرأة الأعمال أو سيدة الأعمال وهي تمسك بسيجارتها ولا حول ولا قوة إلا بالله. تقليدٌ للغرب وانطلاقٌ من الأصالة، وكل هذا سيأتي في صور ومقاطع سأعرضها عليكم الآن. رفض ونبذ لقوامة الرجل الحديد -مسئولية الرجل تجاه المرأة تسمى القوامة الحديدية- نبذٌ لما أمر به الله وشرعه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] يقول تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] ذلك أمر ينبذ في هذا التحدي المعاصر. دعوة إلى الحرية والتفلت من الأحكام والقيم الشرعية، وتشجيع التمرد من قبل البنات على الأهل والأولياء، دعوة إلى الاختلاط السافر.

التحدي بالتعليم

التحدي بالتعليم ثم بعد ذلك لا حظ جانباً خطراً من الجوانب التي قل أن يفهم منها بيت، وذاك هو التحدي بالتعليم. إن الإصرار على أن تتعلم المرأة كل ما يتعلمه الرجل، يعني: الإصرار على اعتبار طبيعة ودور وتكوين المرأة هي طبيعة ودور وتكوين الرجل ذلك، وإني لأعجب ولعل ذلك مما يلتفت إليه المسئولون -وفقهم الله ومنَّ الله علينا وعليهم بالهداية والعناية- إلى مناهج تعليم النساء، ألا يتعلم النساء نفس مناهج الرجال، ليس بالضرورة أن تدرس الفتاة الجيولوجيا كما يدرسه الفتى، أو تدرس الأحياء كما يدرسه الفتى، أو تدرس الفيزياء كما يدرسه الفتى، نعم. إذا كان ثمة مجال يحتاج فيه إلى عمل المرأة وذاك العمل يتطلب مقرراتٍ ومناهج، وتخص بحالة أولئك النساء اللائي نحتاج إليهن، أما أن يتعلم كل البنات هذا، بل إنك تعجب يوم أن ترى الفتاة المراهقة تدرس في كتاب الأحياء -مثلاً- أجهزة الرجل التناسلية بعينها وربما تقف دراستها عند المرحلة الثانوية أو عند حد معين، ما الحاجة أن تدرس المرأة ما يدرسه الرجل، أو أن يدرس الفتى ما تدرسه الفتاة، بل لا بد أن نعلم أنها تختلف عن طبيعة الرجل، وتكوينها العضوي والنفسي يختلف عن التكوين العضوي والنفسي للرجل، إذاً: لا بد أن تكون مناهج تعليمها تختلف عن مناهج تعليم غيرها. حاجة المرأة ماسة إلى علومٍ تحفظ حياءها، وتشعرها بعظم دورها وعظيم منزلتها، أما ما يحصل الآن فإنك ترى عبر هذه المجلات الوافدة التي تصور دور المرأة التخريبي هو الدور الذي من أجله خلقت، أما الدور الأول وهو دور الأمومة والزوجية والتربية والرعاية وسكن الزوج؛ هذا هو دور تقليدي قديم متخلف أكل عليه الدهر وشرب، يمكن أن تكون كل هذه الأدوار التقليدية في نظرهم أصيلة، وفي نظر الشرع يمكن أن تسند إلى مربيات وخادمات، أما الأدوار التي يمكن أن تسند إلى الرجال ولا حاجة إلى النساء فيها فتخرج المرأة وتؤز إليها أزاً وتدفع إليها دفعاً، وأنتم ترون هذا الواقع ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إذاً: لا بد أن تتعلم المرأة، وأن يوجد لها المنهج الذي يهيئها لإدارة المنزل، ويجعلها تتفنن بالترغيب لزوجها في البيت، وأن تعرف علم نفس الزوج. إن علماء النفس ومن ألفوا في هذا المضمار، تكلموا عن علم الأجنة وعلم نفس الأطفال، وعلم نفس الرجال والنساء، وعلم نفس المراهقين، لماذا لا تدرس المرأة نفسية الزوج وما يحتاجه بدلاً من أن تدرس ألواناً وأضرباً من أمورٍ لا تحتاج إليها، كيفية التعامل مع الأطفال، علم سلوك الأطفال، نفسية الأطفال هذه من أهم وأبرز الدراسة التي أرى وأقترح أن تكون فرض عين على كل فتاةٍ من المراحل المتوسطة إلى المراحل الثانوية، كيفية التربية، ودراسة مشكلات الأطفال، وأساليب التوجيه والتأثير على الطفل، ليست أساليب التسمين والتجميل، وأنت تلاحظ أن كثيراً من المجلات تعتني بالأكل والملابس والأطفال. أما كيفية التأثير على الطفل تأثيراً إيجابياً نافعاً فما أندر أن تجده -حتى لا نكون متشائمين فلا نقول: إنه لا يوجد- وأكثر ما ترى تهدئة الطفل بالموسيقى، هدهدة الطفل بأمورٍ أو بأشياء لا تناسبه، ناهيك عن الاهتمام الأول والأخير بتجميل الأطفال وتسمينهم كأننا أفضل صورة نستطيع النظر بها أمام المجتمع المتحضر بأسرة رائعة مناسبة متمثلة في هذا الواقع. أيضاً كما أن هناك تحدياً في المجال التعليمي فهناك تحدٍ في المجال الإعلامي، وأكرر أننا لا نهجم هجمة حتى لا تنقل نقلاً خاطئاً، نحن لا نهجم هجمة على تعليم البنات في مجتمعنا، فإننا لا نرى صورة رائعة تصلح نموذجاً يحتذى في كثيرٍ من البلدان ولكن نقول: نريد مواجهة التحدي الذي تواجه به الفتاة في مجالاتٍ شتى، أو دعوة إلى أن تتعلم الفتاة أموراً لا تناسبها ولا تحتاج إليها.

التحدي في المجال الوظيفي

التحدي في المجال الوظيفي أيضاً من صور التحدي: التحدي في المجال الوظيفي -التعليم للعمل- الفتاة تتعلم لا للتربية، ولا لخدمة بيت زوجها، ولا لطاعة زوجها وإنما التعليم للوظيفة، ولو قيل للفتاة: إنك بعد هذا المشوار الدراسي لن تجدي رائحة الوظيفة ولن تشمي هذه الوظيفة، قالت: لا حاجة لنا إذاً إلى التعليم، من الذي غرس في ذهن الفتاة أن التعليم لا بد أن يكون للوظيفة، وهل من شرط علم المرأة أن تختمه بالوظيفة أو بالمرتبة الإدارية؟ ذاك جهلٌ عظيم، وتجييرٌ وتضييق لآفاق العلم الواسعة في مجال غيره، إن العلم آفاقٌ عديدة، وأعظم آفاقه أن تنفذ المرأة وتطبق ما شرع لها في حياتها التي خلقت لأجلها وما فيها، فتحجيم التعليم بالوظيفة فيه احتيالٌ أو فيه استهتارٌ وازدراء بعقل الفتاة وعقل المرأة. إن التعليم -كما قلنا- لرفع الجهل، وتعلم العبادة، ونفع بنات جنسها لا أن يكون لذات الوظيفة، وإنك لتعجب يوم أن تسمع شكاوى كثير من البنات اللائي لا حاجة لهن بالوظيفة، يتأففن منذ خمس سنوات ويقلن: نحن متخرجات ما وجدنا وظيفة، منذ سنتين ما وجدنا وظيفة، تخصصنا اجتماعيات ولم نجد فيه وظيفة، ومن الذي قال: تعلمن من أجل الوظائف؟ تعلمن حتى تعلمن ما ينفعكن في دينكن، وحتى تعلمن ما ينفعكن في أمور حياتكن وأزواجكن، أما التعليم للوظيفة فهذا أمرٌ في منتهى الحماقة وفي منتهى الجهل. نعم. إذا احتاج المجتمع إلى المرأة في مجالٍ من المجالات كالطب والتمريض غير المختلط، فحيّ إذاً على هذه الوظيفة التي بها نستغني عن الكافرات، وبها نستغني عن الرجال في أمورٍ لا يصلح أن يطلع عليها إلا النساء، أوليس قلب الواحد منا يتمزق يوم أن تبلغ زوجته حال الولادة وتبدأ آلام الطَّلْقِ والمخاض، تلك الزوجة التي ربيت عفيفة شريفة دينة خيرة ما رأى أحدٌ منها ظفراً ولا يداً ولا أنملة ولا قدماً ولا ساقاً، ثم في حالة الولادة لا نجد خياراً إلا أن نترك المجال للدكتور أن يشرحها ذات اليمين وذات اليسار لينظر إلى أخس عورتها وسوءتها رجلٌ ليس زوجها!! وأخبث من ذلك أن يطلع عليها كافر. إنه لا يفرح القلب أن تجد استشارياً في أمراض النساء والولادة ويباشر التوليد وهو كافر، أو هندوسي، أو طبيبة هندوسية وهذا من الواقع، ونسوق هذا دعوة لكم أنتم، ودعوة لكل من له قدرة على أن يعين ويشجع الاستغناء عن الكفار، وإحلال المسلمين محلهم، قياماً بالفرض والواجب وليس هذا من باب الأولى. نجري وراء مسألة الوظيفة رغبة في الوظيفة أياً كان الثمن، وبعد الوظيفة إضاعة للمال في مجالاتٍ لا تنفع أبداً، يا ليت وظيفتها كانت -كما قلت- تمريضاً لبنات جنسها، أو تطبيباً لأخواتها المسلمات وإنما كانت وظيفةً ربما جرتها يوماً من الأيام إلى الاختلاط بالرجال: كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر ثم إذا أمسكت الفتاة بوظيفة كأنها أمسكت بسر الحياة الذي لو فارقته فارقت روحها وحياتها، إن كثيراً من البيوت أغلقت، وكثير من الأسر كسرت وهدمت، وكثيرٌ من الأطفال ضاعوا بين الآباء والأمهات بعد انفصام عقد الزوجية وحدوث الطلاق والفراق لأجل الوظيفة. شابٌ تزوج معلمة وعنده من الدخل ما يكفي، وليس بمحتاجٍ إلى وظيفة زوجته فقال: يا أمة الله! أنا أنفق عليك بما يكفيك بالمعروف وزيادة فلا حاجة للوظيفة، وتفرغي لطفلي وطفلتي، فماذا تقول؟ لا وألف لا، لا للبيت نعم للوظيفة، لا للبقاء في المنزل نعم للذهاب صباحاً مع السائق إلى الوظيفة، ثم يشتد العراك ويبعث حكمٌ من أهله وحكم من أهلها لعلهما أن يصلحا بينهما بعد إرادة التوفيق والإصلاح فيعجزان؛ لأنها ذهبت مشرقة وذهب مغرباً وشتان بين مشرقٍ ومغرب، فليس ثمة أنصاف حلول بين الرجل والمرأة في مثل هذه المشكلة، هي تريد الوظيفة وهو يريد أن تتفرغ للبيت، وإني لأعلم علم اليقين وتعلمون أن بيوتاً أغلقت وأسراً تفرقت، وأطفال ضيعوا بسبب هذا المعنى، إنه كان نتيجة لذلك التحدي السافر الذي كانت المرأة محوراً من محاوره. ثم نقول لكل مسئول عن عمل المرأة وتعليمها: ما الذي يمنع أن يكون التعليم تخصصاتٍ بحدود معينة، فلو كانت ترغب أن تواصل دراستها في التمريض وفي الطب، وفي كل مجال يخدم حالة المرأة فلا حرج أن يستمر السلم التعليمي بها إلى درجاتٍ عالية وفوق العالية، لكن المرأة تريد أن تتعلم حظاً معيناً من العلم، فما الحاجة أن نجرها إلى عشرين سنة في دراسة، ما الحاجة أن تعرف تاريخ الرومان وتاريخ الإغريق القديم وتاريخ أوروبا المعاصر؟ ما الحاجة أن تعرف وأن تعرف وأن تعرف علماً لا ينفع، في الوقت الذي تجهل فيه كثيراً من أحكام حيضها ونفاسها، وصلاتها وصيامها، وحجابها وكلامها وخطابها، وأحكام اختلاطها بغيرها، علمت كل ما لا تحتاج إليه وجهلت كثيراً مما تحتاج إليه، وما ذاك إلا نتيجة ذلك التحدي الخطر. ما الذي يمنع أن تكون الخدمة المدنية للمرأة -بدلاً من السنوات المعدودة- أن تكون نصف الخدمة، يعني: أهناك فرض يمنع أن تكون الخدمة المدنية عشر سنوات للمرأة؟ اثنا عشر سنة للمرأة؟ لا. ليس هناك ما يمنع ذلك، أما أن تكون الخدمة المدنية للمرأة مقاربة للخدمة المدنية للرجل كأننا ننظر إليها بنفس النظرة إلى الرجل، ثم ما الذي يلزمنا أن نجعلها في مسئوليات التعليم خاصة بنفس مسئوليات الرجل، أربعة وعشرون درساً أو أربعة وعشرون حصة أو عشرون أو أقل من ذلك، ما الذي يمنع أن تعمل السبت والأحد وبعضهن الأحد والإثنين، وبعضهن الثلاثاء والأربعاء، يعني: أن تعمل الفتاة في التعليم -مثلاً- يومين في الأسبوع بنصف المرتب، ولا غضاضة في ذلك ولا حرج، ففي هذا تفريغ للمرأة ذاتها حينما تعمل لأحوال أولادها فلا تنشغل عن زوجها وأولادها، وفي نفس الوقت فتح مجالٍ للمحتاجات والراغبات في هذا العمل، وتكون مشاركة المرأة مشاركة حينما نحتاج إليها لا تشغلها عن مهماتها الأصلية. لقد صاح كثيرٌ من دعاة التحرير أو من يسمون بالتقدميين: إن المرأة ذلك الجزء المعطل من المجتمع، تلك الرئة المعطلة، ذلك العنصر الجامد الذي لا يشارك الرجل في مسئولياته ذلك ذلك إلى آخر ما قيل عنها من أجل إقناعها بأنها مظلومة، وإقناعها بأنها مهدرة القيمة، مهدرة القوى والثروة، فحينئذ تخلق لها قضية وليس ثمة قضية، قضية بلا مضمون، امرأة تريد أن تعمل وتريد أن تتحرر وتريد أن تتفلت -أن تقف أمام الرجل الذي وقف لها عند عتبة بيتها يمنعها من تحقيق ذاتها وممارسة شخصيتها- إلى آخر ما يقولون ويسمون. وأخطر من هذا كله يوم أن يتحدث أولئك الذين يتحدون المرأة بهذا المضمار حينما يتحدثون عن وظيفتها يقولون: ليس الكلام فقط عن الوظائف التقليدية، وإنما البحث عن آفاق أرحب ومجالات أوسع، وميادين أكثر تجديداً للمرأة، إن عمل المرأة فيما يخدم بنات جنسها بات عملاً تقليدياً، وصدق القائل: إنهم لا يريدون حرية المرأة بل الحاجة عندهم ماسة إلى حرية الوصول إلى المرأة، مهما فتح للمرأة من مجالاتٍ جديدة لاستيعاب تخصصاتها أو أعمالها عند الحاجة إليها فستكون تقليدية وتبقى تقليدية إلى أن تقوم الساعة، حتى يكون المجال في العمل يسمح بالاتصال بين الرجل والمرأة، ويبيح الاختلاط بين الرجل والمرأة، فحينئذٍ ينكسر الطوق التقليدي، وتظهر الحالة الحضارية للعمل. إذاً: كل عملٍ مهما راعينا فيه احتياجات الأمة والمجتمع فسيظل تقليدياً إلا يوم أن يكون العمل فيه اختلاط سافر واضح صريح، يسمح للرجل أن يكلم المرأة وأن يخالطها، وأن يخلو بها وأن يسرح بها، وأن يذهب بها في أي وقتٍ شاء. أيها الأحبة: إن عمل المرأة ذلك المجال الذي هو واحدٌ من مجالات التحدي ربما قنع البعض أن في مجتمعنا خاصة من يعدون بنسبة كبيرة أو يمثلون شريحة عريضة يرغبون في هذا، وليس هذا بصحيح، لكن شرذمة قليلة وأقلية مستبدة تتفرد في الزوايا الصحفية وبعض المنابر في المجلات والجرائد لتنشر ما تريد ولا تسمح للآخرين بالمشاركة والمناقشة أو الاعتراض أو التحليل، يظهرون أن كل المجتمع ساخطٌ على هذا الوضع، وأن كل الأسر لا يريدون هذا الوضع الحالي. وكما يقال: الماء يكذب الغطاس، والتجربة أكبر برهان، أجريت دراسة على أربعمائة أسرة سعودية فكانت نتائج الدراسة الإحصائية بعد جمع البيانات وتحليلها أن (72%) لا يؤيدون عمل المرأة خارج المنزل، (95%) لا يؤيدون عمل المرأة إذا كان دخل الزوج كافياً، إذاً من الذي يطالب بعمل المرأة؟ هم الرجال، أما النساء فلم يرفعن راية يصحن فيها للعمل، والنساء اللائي طالبن بهذا العمل هن أقلية أقل من قليلة، وأندر من نادرة، وأخف من شرذمة، هي التي تدعو إلى عمل المرأة في كل مجالٍ وكل قطاعٍ وفي كل مناسبة، وتقول التجارب: إن الأطفال الذين يعيشون في الأسر يتمتعون بتأثرٍ واستجابةٍ عميقة في هذه الأسر أكثر من غيرهم الذين يعيشون تحت تربية الخادمات والمربيات. وتقول التجارب أيضاً: إن الطفل لا يخضع لسلطان جماعته كخضوعه لسلطان أسرته. وتقول التجارب أيضاً: كل طفلٍ يعيش في أسرة منظمة مرتبة فإن هذا الطفل من السهل تشكيله ومن السهل تربيته وإقناعه. وإنكم لتجدون مصداق هذا أيها الأحبة، إن بعض المجتمعات أو بعض الدول لها منهجها التعليمي، ومن فئات هذا المجتمع فئات تخالف المنهج العام في معتقدها وفي تعليمها وأفكارها وفي توجهها وآمالها، ومع ذلك تجد أن الطفل من تلك الأسرة المخالفة للمجتمع كله يدرس في المدارس والمؤسسات التعليمية في المجتمع فلا يتغير عنده ذرة من أفكاره وثوابته، لماذا؟ لأنه يعيش في أسرة كل صباح تعطيه درساً في معتقده، وكل مساء تغسل دماغه عما تعلم، إذاً: فالأسرة أخطر مؤسسة سواء كانت تعليمية أو اجتماعية أو تربوية أو غيرها، فلا تصدق ما يقول أولئك: إنه بالإمكان تشغيل الخادمة أو الاستفادة منها، وإسناد المهمات التقليدية كالتعليم أو التربية إليها.

مجلة (سيدتي) مقالات وآراء مخالفة للشرع

مجلة (سيدتي) مقالات وآراء مخالفة للشرع ولننتقل -أيها الأحبة- إلى مقاطع وصور من هذا الفساد والتحدي والتخريب عبر مجلةٍ من المجلات التي أخذت على عاتقها لواء إفساد المجتمع السعودي والأسرة السعودية، تلكم مجلة " سيدتي " إني لا أقول هذا إلا بعد رصدٍ لأكثر من أعداد تزيد على المائة جمعها عدد من الشباب جزاهم الله خيراً، في العدد الفلاني كذا في العدد الفلاني كذا في العدد الفلاني كذا وخذوا واسمعوا شيئاً من هذه العجائب: هذه المجلة تتكلم باسم المرأة السعودية، وهذه المجلة تدعو إلى أن تكون المرأة السعودية المنتظرة القادمة الواهبة الصاعدة هي التي سوف تتسلم قيادة المرأة أو سيدة العالم كما يقال. في العدد (86) إباحة الحب بين الشباب والشابات في الجامعة، وأنه لا مانع من الزواج بينهما سراً إذا ما اتفقا على ذلك، ولو رفض والد الزواج، بل في العدد نفسه يسوق تحدي البنت لأبيها إذا رفض الأب -وليها- زواجها ممن تحب، يقول المحرر وساق تجربة فتاة في الواقع، يقول: نشوب حب بين شاب وشابةٍ في الجامعة تعاهدا على الزواج، وعندما رفض والد الفتاة هذا الزواج عقدا زواجهما سراً، ولدى إعلان الزواج رفض والد الفتاة تسليم الفتاة لزوجها فتدخلت الشرطة وسلمت الفتاة لزوجها. ثانياً: زميلان في العمل غاب الاثنان واتفقا على الزواج، وأمام رفض الأب هذا الزواج بالفارق الاجتماعي بين الأسر هددت المرأة والدها برفض الزواج من غير ذلك، ولكنها عقدت زواجها سراً وخرجت مع زوجها. في عددٍ -أيضاً- شبهت المرأة الكويتية التي تقر في بيتها وتتجنب الاختلاط وليس الكلام عن كل امرأة كويتية ففي كل بلادٍ برٍ وفاجر، في الكويت طاهراتٍ وصالحاتٍ وتقيات نقيات كما في كل مجتمعٍ نحسبهن ولا نزكي على الله أحداً، ولكن في بعض المجتمعات يكثر هذا النوع من الفساد، تشبه الفتاة التي تمنع الاختلاط أو تمانع منه بالسجاجيد العجمية، وتدعو الكاتبة إلى تمرد النساء على الرجال حيث قالت: هذا النوع من النساء لا يستطيع أن يقول: لا. لا يستطيع أن يتعدى عقلية من هو أكبر منه، وتقول: المرأة لا مكان لها إلا خلف الرومانسية السياسية أو العاطفية، ويجب أن ترمس الرومانسية. في العدد (171) الدعوة إلى إباحة خروج الخاطب مع مخطوبته من المنزل أو أحد الأماكن العامة، تقول: بعد الخطبة بإمكان العريس أن يصطحب خطيبته إلى منزله وإلى الأماكن العامة. في نفس العدد إشاعة السفاح بين الفتيات القاصرات ولزومهن إلى التخلص السريع من الحمل تفادياً للفضيحة. المحرر يبحث في حوار صحفي مع امرأة ويقول: ماذا يكون موقفك فيما لو رغبت إحدى الفتيات المتزوجات التخلص من الجنين أو عرض هذا لقاء مبلغ من المال؟ A هذا النوع من الفتيات يكون قاصراً في أغلب الأحيان، وحملهن غالباً لا يعرف به الأهل، لذلك يلجأن إلى التخلص السريع منه تفادياً للفضيحة، ولا أعتقد أن إحداهن ترغب الاحتفاظ بجنينها مهما كانت المغريات. في العدد (433) فكرة إلى عمل الدعوة واختلاطها في الأعمال العامة، تقول هذه المرأة: وأنا أشاركك الرأي؛ لأن تواجد المرأة في الحياة العملية الوظيفية ما زال أقل بمستوى تواجدها الأكاديمي، ولعل مرد ذلك إلى كون دور المرأة المهم والأساسي في المجتمع ما زال يدور حول إنجاب الأطفال وتربيتهم، وقيام المرأة بهذا الدور يكون على طبيعة الحال على حساب مشاركتها في الحياة العملية خارج البيت. في العدد نفسه إصرار الفتاة العربية على العمل كممرضة والدعوة إلى التمريض بدون ضوابط، ثم تهجم هذه المرأة وتقول: ولماذا الاستسلام لأفكار لا تساعدنا على النمو. في العدد (103) الدعوة إلى ترسيخ مبدأ عمل المرأة عند الطفل، وتغيير صورة المرأة في ذهن الطفل: أي: ينبغي أن يقال للطفل قولاً يغير صورة ارتباطه بالمرأة سواءً كانت أماً أو وليةً إذا لم تكن الأم موجودة، ينبغي أن يقال للطفل: لا تنتظر من أمك أن تصبحك أو تذكر الله في وجهك، أو تعلمك شيئاً من الأدب أو أو إلى آخره، ينبغي أن يغير موقف ونظر الطفل إلى المرأة. في العدد (172) تحت عنوان الإذاعة والمرأة: دعوة إلى عمل المرأة في الإذاعة وفيها: المرأة أقدر على الرجل من العمل الوظيفي. تقول الإذاعة: عمل المرأة والراديو بستانه، ويدخل كل بيت ولا بد أن يكون فيه شيءٌ من الرقة والتسلية تذاب فيه الثقافة، والمرأة أقرب إلى العمل كمذيعة للأسباب التي ذكرناها. في العدد (172) استهتار بشهر الصيام واستخفاف به، ودعوة للتمثيل، واستحلال سماع الأغاني الرخيصة، فتقول إحداهن: رمضان بالنسبة لي فزورة، وفي رمضان كنت أحرص على تقديم المسلسلات، وأمضيت شهراً أقنع عبد الوهاب بالتمثيل حتى وافق على الاشتراك في مسلسل (شيء من العذاب). في العدد (105) دعوة إلى العمل العام المختلط والتمرد على الزوج وعصيانه، تقول الدكتورة: نوال السعداوي -وهذه إن كان في العلمانيين من تشد إليه آباط الإبل فتشد إليها- قالت: أنا تزوجت مرتين، وزواجي الأول فشل؛ لأنه كان المطلوب مني أن تقتصر حياتي على المنزل والمطبخ فقط، وأنا عندي أشياء أخرى، قالت: أما زواجي الثاني فتميز بعلاقة ودية وربينا أولادنا على حرية التفكير، ولي ابنة وولدٌ وسيصبح مخرجاً سينمائياً. لا تلد الحية إلا حية. في العدد (443) دعوة وتشجيع الحب المتبادل بين المريض والطبيب الذي يعالج -وتراه المرأة- ويعتبر هذا أمراً عادياً تقول الكاتبة: لم يكن لأحدٍ الحق بأن يلومني، فلم يكن الأمر بيدي إذ كنت قد أحببت طبيبي الذي عالجني، فلست أول واحدة تحب طبيبها، وليس هو أول طبيبٍ يحب مريضته. في العدد (89) الحث على تربية جيل فاقد للعاطفة، تقول: بقيت ابنتي معي حتى اليوم، وهذا نوع من القوة أمارسه كأم، أنا لم أضع أولادي في حضني ولكني وفرت لهم جواً ثقافياً، كان من الممكن أن أجوع سنة حتى أوفر لهم ثمن تذكرة سفر، نحن أسرة مختلفة تماماً، أنا وزوجي إنسانان على قدر واحد من المساواة، وبيننا نوع من المشاركة الفكرية النادرة بصرف النظر عن كونه رجلاً وكوني امرأة، وآخر ما نتذكره أننا زوجٌ وزوجة، وهذه العلاقة تنطبق -أيضاً- على ولدي فهم يعيشان في منتهى الحرية والاستقلال، تقول: ابنتي عاشت في لندن لوحدها وهي تدرس الاقتصاد وتكتب القصة والشعر، وابني سافر وهو في الحادية عشرة من عمره إلى الخارج واستطاع أن يعتمد على نفسه وحده. دعوة إلى تمرد أو تحرر الزوجة من حقوق الزوج والواجبات تقول: امتلاك زوجتك امتلاك جسدها يعني: أن تقتلها وامتلاك عقلها يعني: أن المرأة تحدو حدوك وهذا مرفوض. تشجيع الزواج من الأجنبيات المشركات، يقول: ابتعثت إلى بريطانيا لدراسة الطب ودرست هناك ثمان سنوات، ولم تستطع والدتي العثور على زوجة، ومنذ ستة أشهر وجدت ضالتي، فتاة من الجنوب الأسباني فيها كل ما أحلم به في الفتاة. تربية الناشئة على الإلحاد، يقول المحرر في باب ما نقول لأطفالنا إذا سألوا عن الله، يقول: الأفضل أن نوضح للطفل كيف أن الحياة تمضي تتطلب ميلاد أطفال وهم زهور جديدة، وتتطلب الحياة حيوانات ووجود أشجار، وكذلك فإن الموت هو نهاية كل إنسان وكل نبات وكل حيوان، وإن الموت هو ذهاب الإنسان إلى عالم آخر لا نعرفه نحن أبداً. هذا خطر داهم حتى في أمور العقيدة والأمور الغيبية، تشويه العقيدة لدى الأطفال يقول المحرر: وهنا نستطيع أن نصل إلى فكرة جديدة هي أن الطفل أو أي إنسان إذا رغب في التعرف على الله أكثر من الاقتراب منه أو الإحساس به، فما عليه إلا أن يتتبع كل ما هو خير؛ لأن الله هو في كل الخير. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً؛ وما هكذا يعبر عن الذات الإلهية أو يتكلم عن الله. في أحد الأعداد تحريض على عمل المرأة في جهاز الشرطة، إذ صورت المجلة صورة النقيب عواطف الفلانية رئيسة الشرطة النسائية في البحرين، وهي تلبس لباس ضابط. تقول: الشرطة النسائية خير من يتعامل مع قضايا الأحداث والمرأة، والبحرين أول دولة عربية ترحب بالمرأة في مجال الشرطة، ولقد حذت حذوها مصر وإيران -الحمد لله!! دعوة إلى الصداقة غير المشروعة بين الرجال والنساء: صورة لشابة وكتب تحت الصورة: متى أدخل المعهد برفقة محمد؟ دعوة إلى استغناء المرأة عن الرجل ولو كان زوجاً: تقول المرأة: نتربى في وهمٍ غريب -أو تتربى وهي في وهمٍ غريب- تحتاج للرجل لكي يحميها، هي إنسانة يجب أن تنمي قوتها الذاتية لحماية نفسها، يجب أن تعتمد المرأة على نفسها لا تعتمد على الرجل، ولكن عهود التخلف والفترات المظلمة، وانحسار مدة الحضارة العربية والإسلامية أنجبت تراجعاً كبيراً في القيم الإنسانية وفي علاقة المرأة بالرجل. في العدد (173) تحت عنوان: المراهقات الخليجيات، دعوة إلى إباحة الرسم، والشعر، والموسيقى، والتمثيل كعلاج لمشاكل المراهقة والتكيف مع المجتمع، تقول الدكتورة سمية فهمي أستاذة علم النفس: والتكيف مع المجتمع هو خير طريقة لوقاية المراهقات، وذلك بتهيئة الفرص لهن للتعبير عن وجدانهن وانفعالاتهن بالرسم والشعر والموسيقى والتمثيل. في العدد (173) دعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة وبدون فروق: تقول سحر: إن الشاب مثل الفتاة لا فرق بينهما، وأعتقد أنهما متساويان في كل شيء، النظرة القديمة للفتاة زالت مع التطور العقلي. وأخرى تقول: لقد تعلمت في صفوف المدرسة أن الولد أخٌ وزميلٌ يخضع لنفس برامج الدراسة، ومن هنا لا أتصور الولد فارساً مقداماً. في نفس العدد التلاعب بالنصوص وتحريف الآيات القرآنية، إذ تقول المحررة فوزية سلامة: هذه الآية الكريمة هي أقوى دليل على أن الله سبحانه احترم رأي المرأة وجعل لها حرية المجادلة والمحاورة فيما ترى أنه حق، والدليل قول الله: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1]-نسأل الله العافية-. تشويه الحرية الحقيقة ووصف الحرية الحقيقة بأن تتصرف الفتاة كما ترى مع إشاعة صحة اختلاط الشبان بالشابات دون قيود من دين

رسالة خاصة إلى الفتاة المسلمة

رسالة خاصة إلى الفتاة المسلمة ختاماً: إنني أقول: إن عدد المنحرفات في المجتمع قلائل، وندرة يسيرة جداً، والفتاة مهما وقع منها من الأخطاء أو الزلات أو حصل منها من الهفوات فلن تبلغ بعد الحد الذي تستنتج أن تكون فيه قائمة بعبوديتها لله أو بحقوقٍ شرعها الله جل وعلا، وجعلها واجباً عليها تجاه أبنائها وزوجها، هذه المجلات التي صبت جام غضبها على المرأة هل أنتجت مواطناً مخلصاً؟ أو رجلاً أميناً؟ أو عالماً عاملاً؟ أو جندياً أو طياراً؟ إنها أنتجت العاطلين والعاطلات والمسعورين والمسعورات والذئاب المتربصين الذين يريدون أن يتلقفوا كل من اغترت بهذه الحبائل، فرسالة إلى كل مسلم أياً كان دوره أو مسئوليته أن يتقي الله جل وعلا فيما تحت يده، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من سن سنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة). تذكري قول الله جل وعلا: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33] وتذكري قول الله: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18] وتذكري قول الله: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:81] فأين الكتابة؟ وأين المشاركة؟ وأين الرد؟ وأين الاعتراض؟ وأين تكذيب هذا الباطل؟ إن عدداً من الأخوات قد كتبن في بعض المجلات والجرائد فكان لكتاباتهن أثر بل بات كثير من الكتاب الذين يغزون هذا المجتمع من خلال المنابر والجرائد والمجلات بات لديهم قناعة أن بضاعتهم كاسدة في مجتمعنا هذا. فالله الله نحن نريد أن نثني هذا الحديث بخطواتٍ عملية، لا نريد أن نقول: أوسعتهم شتماً وأودوا بالإبل، ليس مجرد استعراض تجاوزات بعض المجلات على الفتاة السعودية، وإنما هدفنا أن نقول: ينبغي أن نقاطع هذه المجلات وأن نناصح المكتبات والتموينات التي تبيع هذه المجلات، وهذه خطبة للشيخ ابن عثيمين أخطار المجلات وفتن المجلات قال: يحرم شراؤها ويحرم بيعها، ويحرم إهداؤها، ويحرم قبولها، نريد مقاطعة جادة فإن المقاطعة من أقوى الأسلحة الفتاكة. كذلك التحذير في كل مناسبة، دور الفتاة أن تلقي الكلمة والكلمات في الزواج وفي أي مناسبةٍ تجمعها بأخواتها، ودور المدرسات أن يجمعن الفتيات ويحذرن من هذه المجلات، فإن التحذير ينفع، ونشر الوعي بالكتاب والشريط والتواصي بالوقوف تجاه هذه الحملة المسعورة. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

طرق نصيحة المرأة

طرق نصيحة المرأة Q السؤال الذي لم أجد له جواباً هو: كيف الوصول إلى المرأة ونحن ندرك أن التحديات تحاصرها من كل جانب، وإقامة درسٍ أو محاضرة في المسجد في نظري لا يؤدي أكثر من فعالية خمسين في المائة، المرأة في المدرسة وفي الكلية وفي العمل وفي السوق كيف الوصول إليها، والمرأة هي هدف الأعداء علمانيين أو غيرهم مستخدمين كل الوسائل الإعلامية بجميع أساليبها، فالبنت في أمس الحاجة إلى مثل هذه الدروس وهذه الأجراس التي تحذرها، كيف يمكن ذلك وما هي أحسن الطرق أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A لا نتوسع في نهاية المحاضرة -أخي الحبيب- هو من سبل الوصول إلى المرأة وتحريرها قبل أن تكون كما قال القائل: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا إننا نستطيع أن ننشر الكتيب النافع في موضوعه، ولقد اطلعت على كتابٍ من أروع وأجمل الكتب، هو كتاب تحملات حول عمل المرأة أو حول هذا العنوان لفضيلة الشيخ عبد الله آل الشيخ، هذا الكتاب رائع جداً جداً، فبوسع كل أحد أن يشتري منه مئات النسخ ويوزع على جميع قريباته، يؤسفنا أن نجعل الاحتفالات موسم تبادل للنصائح، بيوت الأفراح والزواجات ما الذي يمنع أن يوجد فينا نحن الغيورين من يغتنم اجتماع الناس في مثل هذه المناسبات في توزيع الشريط والكتاب، ثم إن المكتبة الإسلامية غنية بالشريط المسموع والكتاب النافع، إذاً لك أن توزع هذا الكتاب بمئات النسخ. كذلك المعلمة تحرص مع الطيبات من المعلمات على التحذير، وهنا بالمناسبة محور مهم: إن العناية بالفتيات في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، يجعلنا نوفر كثيراً من الجهود والنفقات في مواجهة الخطر الذي يحدق بالفتاة في المرحلة الثانوية والجامعة، يعني: وقاية بدرهم خيرٌ من علاج بقنطار، فذاك أمرٌ ميسور، وكل من استطاع أن يصل إلى منبر إعلامي مجلة أو شاشة أو إذاعة وأظن أننا نستطيع أن نحقق خيراً كثيراً. وأذكرك -يا أخي الكريم- أن المدارس الثانوية والمتوسطة بل وحتى الجامعات، فيها صحوة وخيرٌ واهتمام بالالتزام والوعي والتدين والاستقامة بفضل الله ثم بفضل هذه الجهود، وإن كانت محدودة أو يسيرة أو قليلة، المهم أنا وجدنا في ذلك خيراً كثيراً.

النكاح آدابه وأحكامه

النكاح آدابه وأحكامه إن الله عز وجل قد شرع لنا النكاح رحمة بنا وصيانة لأعراضنا، وحماية من الوقوع في الفاحشة والرذيلة، وحفظاً للأنساب والذرية، وقد جعل له آداباً وشروطاً وأركاناً وآثاراً يجب العلم بها لمن أراد النكاح، وفي هذه المادة تنتفع بمعرفة شيء من ذلك.

مأساة كوسوفا المسلمة

مأساة كوسوفا المسلمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، لم يعلم سبيل خير إلا دل أمته عليه، وما علم من سبيل شر إلا وحذر أمته منه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله عز وجل بمنه وكرمه، وأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، واسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، أن يجعلنا وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأن يكتب لنا ولكم شهادة الملائكة المقربين، أننا اجتمعنا في بيت من بيوته لا نريد إلا وجهه، نثني عليه الخير كله، نعبده وحده لا شريك له ولا نكفره، ونخلع ونترك من يكفره، ونرجو رحمته ونخشى عذابه، إن عذابه الجد بالكفار ملحق. أيها الأحبة! لئن تعددت وتنوعت وسائل إبلاغ المعلومات والفوائد، ولئن تيسر لكثير منا أن يستدرك ما فات من الخطب والمحاضرات والندوات من خلال الإذاعات والأشرطة والتسجيلات، فإن فضلاً لا يوجد إلا في هذه المساجد، وإن ثواباً لا يتحقق إلا بالاجتماع في هذه الرياض، وإن درجات ونعيماً لا يدركه إلا أنتم وأمثالكم ممن يسعون ليرتعوا في رياض الجنة، ولتحلق أرواحهم في طلب الرحمة، وتسبيح الخالق سبحانه وتعالى في هذه المساجد، لأن فضل حلق الذكر مرتبطٌ بالاجتماع في بيوت الله عز وجل، ولئن تيسر -كما قلت- أن يستدرك العبد ما فات من معلومات إلا أن فضل حلق الذكر يبقى، تختص وتتميز به بيوت الله عز وجل، لذا فإني أوصي نفسي وأحبابي والسامعين أجمعين مهما تباينت مراتبهم في العلم، واختلفت درجاتهم في المعرفة، ألا يحرموا أنفسهم ثواب حلق الذكر، ورياض الجنة؛ حيث تشهد لهم الملائكة، وتتنزل عليهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله في ملئه الأعلى. أحبتنا في الله! ولئن كان الحديث في سلسة المحاضرات التي نوه عنها فضيلة المقدم جزاه الله خيراً موصولاً بالكلام عن الأسرة المسلمة، إلا أن حديثنا اليوم وإن كان متعلقاً على وجه الخصوص بالحديث عن (النكاح وآدابه وأحكامه) أو بشيء وطرف من ذلك، إذ المقام لا يستوعب أحكام ذلك كله، ولكن هذا أحسبه وأرجو ألا يشغلنا وإياكم عما لا تزال الفاجعة في قلوبنا بسببه، وهي كارثة لم يسبق لها مثيل حلت بالمسلمين الألبان في كوسوفا نستذكرها، ونحمد الله على ما من به علينا من النعم، ونسأل الله بمنه وكرمه أن يرفع الكربة عن إخواننا، هذه الفاجعة التي ليس لها من دون الله كاشفة، قرابة المليون مسلم من أصل ألباني يهجرون على يد الصرب: وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ وما هو عنها بالحديث المرجمِ أعراض تنتهك، وأشلاء تتناثر، ودماء بغير حق تسفك، وشعوب تشرد، ونساء ترمل، وأطفال يصبحون يتامى، ونساءٌ يشكين الثكل وفقد الزوج والمعين، والحال لا يصفها لسان، ولا يخطها قلم، فنسأل الله بمنه وكرمه أن يرفع الكربة عن المسلمين هناك، وعن المسلمين أجمعين. أيها الأحبة! يقول تعالى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:126] كم مرة تحدثنا وصرخنا ورفعنا أصواتنا، وقلنا: قد فعل الأعداء بنا ما فعلوا، وكم مرة أخذنا نندب الماضي، ونخشى المستقبل، ونخاف من الواقع، ونحن كما قال الأول: حرب حزيران انتهت وكل حرب بعدها ونحن طيبون تغلغل اليهود في بلادنا ونحن راجعون صاروا على مترين من أبوابنا ونحن عائدون وصوت فيروز من الفردوس يأتي عائدون وكل ما نملكه إنا إلى الله لراجعون حرب حزيران انتهت جرائد الصباح ما تغيرت والصور العارية النكراء ما تغيرت هذا يقوله القائل وليس من أهل القول؛ ولكنه يبكي على ما حصل في (1967م)، نكبة (67) التي دمر اليهود فيها قوات عربية لا يخفى تاريخها عليه، وكما قال الذي يحاكي أبا تمام: وأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب أيها الأحبة! ليست القضية هي ما ينظر إليه بعض المسلمين من جانب الحرب بين الصرب الأرثوذكس، والدوما والكتلة الروسية من جهة، وحلف الناتو من جهة أخرى، الذي يقض مضاجعنا، والذي يؤلمنا غاية الألم، هو حال المسلمين، أما ما سواهم فنسأل الله أن يهلك الظالمين بالظالمين، وأن يخرج أمة محمد من بينهم سالمين، نحن يسرنا ما نراه من ضربات موجعة في الصرب، ولكننا نعلم أن حفنة من الملايين أو قل: مليارات من الدولارات كفيلة بأن تعيد المنشئات الصربية والقواعد العسكرية، وليس هذا من باب التعاطف مع الصرب، بل نسأل الله أن يضاعف عليهم البلاء، وأن يزيد التسلط عليهم، ولكن من الذي يرد المسلمين الذين شردوا؟ إذا هاجر قرابة مليون مسلم، وتقاسمتهم قرابة عشرين دولة أوروبية، ولكل دولة منهم جزءٌ مقسوم، وكل دولة تفرق هؤلاء في مدن شتى، وكل مدينة تشتت المسلمين في أحياء متباينة، ثم اسأل وتعرف بعد خمس سنوات، أو بعد عشر سنوات، هل ترى من المسلمين أحداً؟ هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً بعد هذا الانتشار وهذا التناثر، وبعد هذا التطاير؟ هذه هي القضية الكبرى؛ لأن الكفار ليس لهم وزن في ميزان الشرع، ودماؤهم كما علمنا في ديننا ليست بأمر ذي بال، أما دماء المسلمين فلأن تزول السماوات والأرض أهون عند الله من أن يراق دم مسلم. المسألة في غاية الخطر، وإن الذي يتابع ما يعرض وينشر من لقاءات وحوارات ومناظرات وتحليلات وكتابات ليعجب من تباين بعض المسلمين في نظراتهم، فهذا لا يزال يؤيد الصرب، وهذا لا يزال يرى أن المسلمين الآن في منتهى النصر والنشوة، أي نشوة وأي نصر لأناس يتفرقون ويشتتون؟! وكما قال الرندي حينما بكى الأندلس: يا رب أم وطفل حيل بينهما كما تفرق أرواحٌ وأبدانُ وطفلة ما رأتها الشمس إذ بزغت كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ يقودها العلج للمكروه مكرهةً والعين باكية والقلب حيرانُ لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلام وإيمانُ

واجبنا نحو المسلمين في كوسوفا

واجبنا نحو المسلمين في كوسوفا أيها الأحبة! لا نملك إلا أمرين:

واجب الدعاء لهم

واجب الدعاء لهم الأول: الدعاء: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77] وسلاح الدعاء معطل، وحسبك أن المسلمين إلا من رحم الله لا تجد أنه يجري على ألسنتهم ذكر للمسلمين المشردين في كوسوفا، لا دعاء في السجود، ولا في الوتر، ولا في القنوت، ولا في الصلاة، وربما سأل ربه مئات المرات سيارة فارهة أو زوجة حسناء، أما شعب يشرد فلم يتذكر أن يدعو لهم، وتلك من الغفلة وضعف الولاء الذي ذكر الله شأنه بين الكفار فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ} [الأنفال:73] إن لم تفعلوا ولاء كولاء الكفار بعضهم بعض: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73] والولاء بين الكفار واضح، عملة (اليورو) صورة من صور الولاء الاقتصادي للكفار مع بعضهم، السوق الأوروبية المشتركة صورة من صور الولاء بين الكفار، حلف الناتو صورة من صور الولاء، وأشياء كثيرة جداً، أشياء كثيرة تدل على عمق الولاء بين الكفار، فهل بلغ المسلمون ولاء كهذا الذي بلغه الكفار، سواء على المستوى المدني أو المستوى الاقتصادي أو المستوى العسكري، نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.

واجب البذل والعطاء والإنفاق

واجب البذل والعطاء والإنفاق الأمر الثاني: مسألة البذل والإنفاق والعطاء، لا تملوا، أو يقول قائل: لقد سئمنا من هذه الصيحات والنداءات: أغيثونا! أعطونا! ساعدونا! إلى غير ذلك، نقول: إن هذا ابتلاء من الله لأولئك الذين يصابون، وهو في ذات الوقت ابتلاء لنا، ما الذي نفعله إزاء هذه المصيبة؟ وهل نبخل حتى بحفنة من حطام المال ولا نبذلها سخية بها نفوسنا؟ لئن ابتلي أولئك بجريان الدماء، وتطاير الأشلاء، وانتهاك الأعراض فإننا نبتلى بتكرار ما يقع على المسلمين من المصائب، وبعض المسلمين مسحة طبية صالحة للاستعمال لمرة واحدة فقط، لا يمكن إلا أن يبذل مرة واحدة، ولا يمكن أن يكفل إلا مرة واحدة، ولا يمكن أن يتعاطف إلا مرة واحدة، أما أن يظل الحماس والولاء والشعور والبذل والعطاء بسخاء للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وفي شتى قضاياهم فذلك أمر عسير، بل إن بعضهم الآن إذا قيل له: أنفق وابذل وأعط لإخوانك المشردين الآن على حدود كوسوفا، في ألبانيا، ومقدونيا، وفي جهات شتى قال: لقد أعطينا ما يكفي في البوسنة، أو لقد أعطينا ما يكفي في أفغانستان، أو لقد تصدقنا بما يكفي في الصومال، وكأنه لا يجب عليه أن يغيث المسلمين في العمر إلا مرة، وكأن الولاء والنخوة والإعانة كالحج لا تجب في العمر إلا مرة، فهو يرى أنه إذا كفل في حياته مرة واحدة يتيماً واحداً اكتفى بذلك، أو إذا بذل أو أعطى مرة واحدة فإن ذلك كاف. أيها الأحبة! إن من الواجب أن نشارك كل المسلمين في فلسطين وكوسوفا والشيشان وفي كل البقاع بكل ما نستطيعه، ولا أقل من أن يخصص القادرون من دخلهم ولو حفنة يسيرة من المال، دخلك ألف ريال لو خصصت من هذا الدخل ولو عشرة في المائة يعني مائة ريال أو أقل أو أكثر بقدر ما تستطيع فإنك ستجد فضل ذلك في الدنيا والآخرة، والصدقة تقي مصارع السوء، وتطفئ غضب الرب، وتدفع أبواباً من البلاء لا تحصى. أيها الأحبة! إننا نمشي في حياتنا على ألوانٍ من النكد والكبد: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] وربما صار البعض على ألغام وشيكة الانفجار قد يطؤها فلا تنفجر بسبب صدقة تصدقها وهو لا يدري، فأخي الحبيب! لا تتبرم، ولا تتسخط ولا تتضجر يوم أن تدعى إلى النداء: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].

دلالات انقضاء الأعوام والأعمار

دلالات انقضاء الأعوام والأعمار المسألة الثانية: العام الهجري الجديد وما أدراك ما العمر الذي انقضى والعمر الذي بقي: إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجلِ ربما فرح البعض بدنو زواجه في العطلة، وربما فرح البعض بقرب ترقيته في السنة الهجرية الجديدة، وربما فرح البعض برتبة يعلقها بعد دورة عسكرية، ولكن نسينا جميعاً إلا من رحم الله أننا دنونا من المقابر أشهراً وأياماً، أو طوينا صفحة سنة كاملة شاهدة بما عملنا فيها من الحسنات والسيئات، ولكننا في هذا الدين العظيم قد أكرمنا الله بالخلاص من عقد النصارى الذين يظلون يبكون عقد الماضي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا) يعني دع ما مضى وأتبع السيئة الحسنة تمحها: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. أما أن يظل البعض يندب الماضي، ويخاف من المستقبل، ويضيع الحاضر فليس هذا من دين الله في شيء: فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثن بإحسانٍ وأنت حميدُ إذاً أيها الأحبة لا بد أن نتأمل هذا العام الذي انقضى، ونعلم أن انقضاء العام دال على انقضاء كل شيء: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] إن انقضاء العام دليل على انقضاء الأعمار، وانقضاء الممالك، وانقضاء الملذات، وتبدل الأحوال، اليوم يبدأ ثم ينقضي، والساعة تبدأ ثم تنقضي، واللقاء يبدأ ثم ينقضي، والرحلة تبدأ ثم تنقضي، والحياة تبدأ ثم تنقضي، لكن تمر الحياة على أهل الرخاء والسعادة والنعيم والحبور في لذة، كأنما تصبح الأيام ساعات، والساعات دقائق، وتمر الأيام والحياة على أهل الشقاء والبلاء الساعة كاليوم، واليوم كأسبوع، الأسبوع كشهر، والشهر كسنة: مرت سنون بالوصال وبالهنا فكأنها من قصرها أيامُ ثم انثنت أيام هجر بعدها فكأنها من طولها أعوامُ ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلامُ {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم:98] إن من يقرأ كتاب الله، ويتأمل ما ذكره الله في شأن الأمم التي ملكت وسادت، ثم أهلكها الله وبادت: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:6 - 14] {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:13]. أين الملوك ذوي التيجان من يمنٍ وأين منهم أكيال وتيجان وأين ما ساده شداد في إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ أتى على القوم أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا هكذا انقضت السنة، وقطعنا من عمرنا ورقة شاملة كما تقطع ورقة من التقويم، وقد ولت مدبرة ولا تعلم ما الذي كتب لك فيها، ولكن ما الأحسن في الخاتمة؟! فإنه حري أن يستدرك ما فات لأن الله عز وجل قال في شأن التائبين: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70] وبين أيدينا وبالتحديد الإثنين القادم يوم عاشوراء من نعم الله؛ أننا نختم العام بعبادة تكفر ذنوب العام ونبدؤه بعبادة تكفر ذنوب العام، لما سئل صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء فقال: (يكفر السنة الماضية) نعمة عظيمة أن الله شرع لنا في بداية أعوامنا وفي نهايتها وفي أواسطها، وفي أيامنا وأسابيعنا من الفرص الكفيلة بأن تغسل الخطايا، وترفع الحوب والرزايا، وذلك من عظيم فضل الله ورحمته بعباده، إنه جواد غفور حليم رحيم كريم.

تعريف النكاح وأهميته

تعريف النكاح وأهميته أيها الأحبة! وأعود إلى موضوع هذه المحاضرة ضمن سلسلة الأسرة المسلمة والحديث عن النكاح وآدابه وأحكامه. النكاح في اللغة يكون بمعنى: عقد التزويج، ويكون بمعنى: وطء الزوجة، فأما ما يدل على أن النكاح يطلق، ويراد به العقد فقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49] فهنا قال: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:49] ثم أتبعها بقوله {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب:49] فسمى العقد نكاحاً، ويسمى الوطء نكاحاً حيث دل عليه قول الله عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة:230] فمعنى تنكح هنا: يعني حتى تعقد عقداً صحيحاً على زوج آخر ثم يدخل بها ويخلو بها ويجامعها ويطؤها، هذا هو المقصود. دل على ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنها تريد أن ترجع إليه بعد أن طلقها رفاعة ثلاث طلقات، وتزوجت بـ عبد الرحمن بن الزبير فقال صلى الله عليه وسلم: لا. حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) يعني: أن يطأها وأن يجامعها، فهنا فائدة أن في النكاح يطلق ويراد به العقد، ويراد به الوطء وهذا جلي واضح. يقول أبو علي القالي: فرقت العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: نكح بنت فلان فإنهم يريدون عقد الزواج، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته فإنهم لا يريدون إلا الجماع والوطء. ومعنى النكاح في الشرع: تعاقد بين رجل وامرأة يقصد به استمتاع كل منهما بالآخر، مع القيام بما يترتب على ذلك من الحقوق والواجبات بينهما.

الترغيب والحث على النكاح في الشرع

الترغيب والحث على النكاح في الشرع ومن هنا نعلم أن مقاصد النكاح عديدة، وليست محصورة فقط في الاستمتاع، بل هناك مسئوليات الرعاية، والقوامة، والنفقة والذرية، والتربية وغير ذلك، ومعلوم لدى الجميع أن الشرع الحكيم قد رغب فيه فإن الله عز وجل قال: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء:3] ويقول الله عز وجل: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32] الأيامى جمع أيم، والأيم هو: من لا زوج له ذكراً كان أو أنثى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32]. وجاء في السنة الحث على الزواج فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) رواه البخاري ومسلم. وهذا أمر وتوجيه صريح بالمبادرة إلى الزواج، بل إنه من سنن المرسلين كما أخبر سبحانه وتعالى بقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] فعلمنا أن المرسلين كانوا يتزوجون، وأن الزواج من سنن المرسلين، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال في معرض رده على أولئك الذين أرادوا التبتل وكأنهم لما سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم تقالوها، فقال أحدهم: (أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الآخر: وأما أنا فلا أتزوج النساء، وقال الثالث: وأما أنا فأقوم الليل ولا أنام، فقال صلى الله عليه وسلم: أما أنا فآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) إذاً فبإجماع أهل العلم أن الزواج مشروع استناداً إلى هذه النصوص الواضحة.

الزواج سكن للنفوس

الزواج سكن للنفوس وحكمته أيضاً جلية بينة، فمن حكم الزواج أنه سكن للنفوس كما قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] ومعنى السكن جلي واضح في مقاصد الزواج؛ لأن في نفس الرجل حاجة لا يكملها إلا سكنه وميله إلى المرأة، وفي نفس المرأة حاجة لا يتمها ولا يكملها إلا ميلها وسكنها إلى الرجل، فذلك معلوم واضح، ولذا ذهب كثير من علماء النفس إلى أن كثيراً من المشكلات النفسية ربما كان علاجها الزواج، بل يخبرني الكثير ممن عرفت من الأطباء النفسيين أن مشكلات كثير من الفتيات والشباب كثيراً ما حلت ولله الحمد بإعانتهم على الزواج المشروع، وتنتهي كل تلك العقد أو الأوهام أو الشرود أو الأفكار أو القلق إلى غير ذلك.

الزواج سبيل للتكاثر والتناسل

الزواج سبيل للتكاثر والتناسل ثم إن الزواج سبيل لتكاثر الجنس الإنساني فوق هذه الأرض، فالله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] وإن عدم الإقبال على الزواج أو عزوف الناس عن الزواج ينعكس بدرجة خطرة على قلة النوع الإنساني، ولذلك يلاحظ أن بعض الدول الأوربية الآن وهي دول هرمة، يعني: يقال: دولة شابة، ودولة هرمة، الدولة الشابة هي التي يكون أكثر من نصف سكانها من الشباب، ولله الحمد والمنة بلادنا هذه تعتبر شابة بالنظر إلى السكان، فإن أكثر من خمسين في المائة من السكان أعمارهم أقل من خمس عشرة سنة كما تقول الإحصائيات. ولكن ما مستقبل هؤلاء الذين هم نصف السكان، وأعمارهم الآن أقل من خمس عشرة سنة؟! هذا يعتمد على مستوى تعليمهم ووعيهم وإدراكهم، ومستوى تمسكهم بكتاب الله وسنة رسوله، فحينئذٍ يكون شباباً في عز الإسلام والمسلمين، وذلك ما نسأل الله أن يحققه، ونتمناه ونرجوه. وهناك دول هرمة، وهي التي يكون الغالبية العظمى فيها من العجائز والشيوخ، ويلاحظ ندرة المواليد وكثرة العجائز وكبار السن، ومن هنا لا نعجب يوم أن نلاحظ أن بعض الدول الأوربية لا تتردد في تجنيس ومنح الجنسية لعدد من الجاليات المهاجرة، ليس فقط لتذويب هؤلاء في المجتمعات الغربية، بل وأيضاً من أجل أن يضيفوا إلى السكان شريحة شابة جديدة، خاصة وأنهم يعلمون أنهم من المسلمين الذين همهم ودأبهم العناية بالأسرة، ومن صفاتهم الحرص على التوالد والتناسل، فإذا جنسوا جالية عربية من رجال ونساء وأصبحوا يحملون جنسية تلك البلاد الأوروبية فإن أولادهم لا شك يعيشون ويحملون هذه الجنسية، ثم بعد ذلك لا تسل -إلا من رحم الله منهم- عن حال ذوبانهم وتحويلهم أيضاً إلى عمال مهرة، وخدم يستمرون في خدمة تلك البلاد، وتلك قضية يمكن أن تناقش على حدة، لأن من الأمور الخطرة هي أن النسل المسلم الذي وجد على أرض الغرب من آباء وأمهات مسلمين سرعان ما يذوب في رياح التغيير والمجتمع الغربي، ويتحولون بمكيدة غربية إلى خدم في تلك المجتمعات، يقول واحد من مدراء المدارس الإسلامية في بلجيكا في بروكسل يقول: والله إنا لنلاحظ هؤلاء الغرب كيف يعتنون بأولادنا، ويعطونهم الكثير من وسائل الترفيه والدلال، بل ويعينونهم على النجاح، ولكن بطريقة غير علمية صحيحة، فيمكن من الدراسة في المراحل الأولى والإعدادية، وإذا أوشك أن يبلغ مرحلة الجامعة تُحدي تحدياً واضحاً جلياً؛ حتى يثبت فشله؛ ويخفق في المواجهة، ثم يقولون له: إن مؤهلاتك لا تسمح لك إلا أن تكون عاملاً إما في صيانة أو في بناء أو في تبريد، أو في أي أعمال الخدمات الفنية والمهنية؛ ليظل أبناؤهم وحدهم هم الذين يعرفون أسرار الاختراع والتقنية والابتكار والاكتشاف، وأما أبناء المسلمين فلقد خدموهم إلى الدرجة المناسبة؛ ليكونوا عمالاً مهرة ليضمنوا استمرار إنتاج المصانع الغربية، ولذا من المؤسف أن بعض المسلمين حينما يذهب ليمكث في بلاد الغرب سنتين وثلاث من أجل تحسين مستوى الدخل، ثم العودة إلى بلاده، سرعان ما يغير قراره، ثم يمكث عشر سنوات وعشرين سنة، وينجب أولاداً، فإذا أراد أن يعود إلى بلده الأصلي رفض أبناؤه وقالوا: لن نبرح هذه الأرض، ولن نغادرها بأي حال من الأحوال.

أهمية الزواج لرعاية الأولاد

أهمية الزواج لرعاية الأولاد من حكم الزواج: رعاية الأولاد، هذا النشء الذي يتحقق بإذن الله من وجود هذين الزوجين، فإن رعايتهم تكون في ظل أسرة سعيدة قد بنيت على الود والاحترام والمحبة والتكافل، والمرأة قائمة على هذا الدور العظيم الذي لا يعوضه الكثير من دور الحضانة أو الملاجئ أو غير ذلك، ولذا فإن امرأة تحدب ظهرها وتحني صدرها، وتكرس جهدها وحياتها لتربية أولادها، مهما كان العرض المغري في الوظيفة والمرتب فإن ذلك أعظم من أن تشغل نهارها مولعة بوظيفة وتسميها: السلاح! السلاح! السلاح! إن إحصائية قد ظهرت منذ أيام في إحدى الصحف تقول: أكثر العوانس من الموظفات، ولماذا؟ لأن التعلق بهذه الوظيفة والشروط التي تمليها بعض النساء لأن عندها سلاح المال الذي ربما أطغى بعضهن: {كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7] وشروط بعض النساء في ظل الوضع المالي الذي تعيش فيه من دخلها أو مرتبها جعلها تملي شروطاً قد لا يقبل بها الكثير من الأزواج، ومن ثم مرت السنون تلو السنين وربما فات بعضهن القطار، وربما أدركت بعضهن الرحلة قبل المرحلة الأخيرة أو قبيلها بقليل، هذه مسألة ينبغي أن تنتبه لها المرأة المسلمة. تخيل أن أم أولادك عرض لها وظيفة بثمانية آلاف ريال، وفي المقابل عندك خمسة أطفال صغار يحتاجون إلى الرعاية والعناية، أنت لو تتأمل مقدار ما تحتاجه من المال والجهد والوقت لتعطيهم نصف ما تعطيه الأم لهؤلاء، لم تجد ما تنفقه عليهم ولو بلغ عشرة آلاف أو خمسة عشر ألفاً، إذاًَ فصرف وقت المرأة زوجة وأماً على أولادها هو في الحقيقة عملية اقتصادية، وعملية تربوية، وتلك أخطر عملية لبناء الرجال، وصناعة الأجيال، من أهم المهمات التي غفل عنها كثير من النساء، وكثير من العاملات اليوم منذ أن تصبح وهي تظل ساعة أمام المرآة في إحسان هندامها، ومظهرها، وهيئتها، وعطرها، أو شيء من ذلك، ثم تتوجه إلى عملها، فالطفل المسكين محضون عند الخادمة، ينمو ويتربى أعجمياً لا يعرف النطق، الأطفال الذين يعيشون مع أمهاتهم ينطقون في السنتين، يبدءون يتكلمون ويرتبون الجمل، وهذا ربما بلغ السنة الثالثة وهو لم يستطع أن يتكلم بعد ولم يرتب جملة؛ لأنه دائماً مع الخادمة التي هي أيضاً مسئولة عنه بماذاً؟ بالغسيل واللباس وحاجات المنزل، وكلما هنالك إذا سمعت صوته جعلت رضاعة الحليب في فمه، وإن كبر قليلاً فإن التوجيهات المبلغة بها سلفاً قبل مغادرة صاحبة السعادة ربة المنزل، قبل توجهها إلى عملها أن إذا قام ضعي الحليب، وأعطيه هذه المأكولات، وجهزي له الفيديو، والشريط جاهز لأفلام الكرتون وأشغليه بذلك، وأدخليه في غرفة الألعاب، ذلك أقصى ما تقدمه الخادمة لهذا الطفل. لكن الزواج الذي من مقاصده المحافظة على الذرية، المحافظة على الأولاد، وتربيتهم، وتكوينهم، وتنشئتهم، ذلك من أهم المقاصد العظيمة الجليلة التي ينبغي أن نهتم بها، ومهما وجد في مختلف أنحاء العالم من ملاجئ ومحاضن ترعى شئون الأطفال، فإن ساعة من الأم أعظم من أيام خادمة أو مربية.

استمتاع الزوجين ببعضهما

استمتاع الزوجين ببعضهما كذلك استمتاع الزوجين ببعضهما من المقاصد الواضحة الجلية في هذا، لأن الله سبحانه وتعالى قد خلق في الرجال ميلاً إلى النساء، وخلق في النساء ميلاً إلى الرجال، بل جعل ذلك مما حبب إلى النفس البشرية بطبيعتها الغريزية الفطرية قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14] فميل الرجال للنساء، وميل النساء للرجال أمر جبليٌ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد جاء عنه أنه قال: (حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة). أيها الأحبة! والزواج قد يكون واجباً وجوباً متعيناً على المستطيع القادر الذي بدونه ربما وقع في المعصية والفاحشة، فمثل هذا آثم بترك الزواج والنكاح، وهذا ملاحظ للأسف عند طائفة من الشباب، ترى الواحد منهم قادراً مستطيعاً، وترى الواحد منهم يعاني من مكابدة ومعالجة شهوة متأججة، ومع ذلك يؤجل هذا النكاح ويؤخره، ولا تسل بين الفينة والأخرى عما يقع فيه من هفوات وزلات وفواحش وآثام يرتكبها بحجة العلاقة، وبحجة الصداقة، فمثل هذا الشاب القادر الذي نفسه راغبة مقبلة، وإمكانيته والباءة مكتملة، من جهته المادية والبدنية فإنه آثم بتأجيل الزواج وتأخيره، بل يجب عليه وجوباً متعيناً أن يبادر به سيما إذا علمنا أن عدم مبادرته سبيل محقق إلى وقوعه في الفاحشة. ومن أعظم المخاطر التي وقع فيها كثير من الشباب في ظل هذه القنوات الفضائحية -ليست الفضائية بل الفضائحية- حيث لا تسل عن ألوان وحركات وأصوات وطرق وأساليب إغراء الشباب بالفاحشة، من خلال عرض الفتيات الجميلات الكاسيات العاريات، بل بصور في مواقع مؤججة للغريزة، كاسرة للعفة والحياء، ثم يقع بعضهم ضحية هذا المشهد؛ لينفذ ما رأى؛ متأثراً بسماع هذا الغناء المتكسر، أو كما يسمى بالفيديو (كليب) أو فيديو كلب، الحاصل أنه تتأجج غريزته، ويرى هذه الجميلة الحسناء تتكسر، وهذا يلاحقها ويغازلها، وهي تقبل تارة وتدبر، وتغضي تارة وتفضي، إلى غير ذلك ثم لا يجد أمامه إلا أن يفعل الفاحشة مع قدرته على الزواج الذي يحصنه، مثل هذا آثم آثم آثم بتركه الزواج وهو يعلم أن مثله يقع في الفاحشة -سيما كما قلت- والكثير من الشباب لا يزال يجلد بسياط الصوت والصورة والكلمة عبر هذه القنوات الفضائحية. كذلك من كان قادراً على الزواج ويستطيع القيام بالحقوق، ولكن لا يخشى على نفسه أن يقع في فاحشة لو لم يتزوج فنقول: وهذا يتأكد الزواج في حقه تأكداً واضحاً جلياً، لكن ليس على درجة الوجوب المتعينة على الأول الذي يخشى على نفسه الوقوع في الفاحشة، لماذا؟ لما في الزواج من مصالح ومنافع وحكم ذكرناها، وأما الذي لا يخشى على نفسه وهو في ذات الوقت غير قادر على أن يقوم بحاجات المرأة العامة والخاصة وغير ذلك فمثله لا ينبغي له أن يدخل في دائرة هو ليس في حاجتها، وهو أيضاً عاجز عن القيام بالحقوق والواجبات، بل ربما يغلب على ظنه أن يوقع المرأة في فتنة بسبب ارتباط هذه المرأة برجل لا يقوم بحقوقها ولا واجباتها العامة والخاصة.

الخطبة وآدابها

الخِطبة وآدابها من آداب النكاح: الخِطبة، وهي بالكسر، والخُطبة بالضم: هي ما يلقى على هذا المنبر من خطبة الجمعة، أما الخِطبة فهي: اختيار المخطوبة أو الزوجة وطلبها من أهلها بقصد الزواج ونكاحها على سنة الله ورسوله. ومن نعم الله عز وجل أن شرع في هذه الخطبة من الآداب التي تحقق الرضا والاختيار والطمأنينة، وكذلك تؤمن من غائلة عدم الانسجام والاتفاق وغير ذلك.

النهي عن الخطبة على الخطبة

النهي عن الخطبة على الخطبة لكن هنا آداب حتى في مسألة الخطبة فمنها: ألا يخطب مسلم على خطبة مسلم آخر، فلو علمت أن فلاناً خطب بنت فلان، فلا يجوز لك أن تطرق بابهم لتخبطها حتى تعلم أنهم قد فرغوا من شأنه وردوه وليس لهم في تزويجه رغبة، فحينئذٍ فتح لك الباب في أن تتقدم لتخطبها، أما أن يتقدم أحد إخوانك ليخطب هذه المرأة وإن كانت جميلة أو حسيبة أو نسيبة أو غير ذلك ثم تأتي أنت لتنافس وتقول: أنا أولى، فلان لا يستحق، أو ليس أجدر بذلك إلى غير ذلك، فإن ذلك لا يجوز أبداً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه).

مشروعية النظر إلى المخطوبة

مشروعية النظر إلى المخطوبة ثانياً: من آداب الخطبة النظر إلى المخطوبة بما يدعو إلى النكاح، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال للمغيرة بن شعبة لما خطب امرأة قال: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) منذ زمن ليس بالبعيد كان الرجل يدخل على زوجته وقد خطبت له من قبل دون أن يراها، وكانت الفتاة لا تعلم بأن زواجها قد دنا إلا عشية ليلة الزواج، يعني: في العصر أو المغرب، وكأنما هي قد جرت لينفذ فيها حكم من الأحكام، ولذلك لا تسل عن حالة الرعب والخوف والقلق الذي يصيب الفتيات فيما مضى، أما الآن فقد تثقف الناس وتعلموا واطلعوا وعرفوا، بل وأصبحوا يطيلون الغناء والأماني بانتظار هذه الساعة لما علموا ولما تيسر لهم من هذه المسائل. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل) رواه الإمام أحمد وأبو داود.

أهمية اختيار ذات الدين

أهمية اختيار ذات الدين وينبغي لمن أراد أن يخطب فتاة أن يحرص على أمور أهمها مسألة الدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه، وذلك لأن من خطب امرأة لأجل مالها فإن المال قد يذهب، ومن خطبها لأجل جمالها فإن الجمال قد يذبل، ومن خطب امرأة لأجل حسبها فربما انقلب الحسب ترفعاً وأذية وتكبراً من قبلها عليه، ولكن إذا تزوج امرأة ذات دين أولاً، ولا يمنع بعد أن يحرص مع الدين على المال والحسب والجمال، وليس بعيب أن يتزوج رجل فقير امرأة غنية طمعاً أن تنفق عليه، فليس هذا فيه بأس، وليس هذا مما يعير به، لكن نسأل الله أن يعينه على ما سوف تعيره هي به. وليس عيباً أن يتزوج رجل امرأة طمعاً في جمالها فإنه من مقاصد الرجال ومطالبهم أيضاً في النكاح، ولكن الحرص على ذات الدين أمر مهم؛ لأن دينها بإذن الله عز وجل يحفظها، ويحفظ قلبه عن الشكوك والوساوس حيالها أو بشأنها. إن من الناس من يتزوج خضراء الدمن، وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء، فإذا غاب عنها واتصل على بيته أو رأى سيارة تحوم حول داره، أو رأى رجلاً قد وقف قريباً من بابه اشتعلت نار الشك في بابه، وأخذ يلقي بالاتهامات والشكوك إلى حدٍ ينتهي بحياته معها إلى الطلاق، ولكن إن تزوج ذات الدين على ما يطمع فيه الرجال من الجمال وغير ذلك، فإنه وإن غاب عنها طويلاً فلن يخالجه شكٌ في عفافها، ولن يحوم في نفسه ريبٌ حول طهارتها، ولو انشغل خط هاتفه فلن يقول له الشيطان: إن زوجتك تعاكس، ولو رأى سيارة وقفت بالقرب من الباب فلن يقول كلاماً كهذا، أو حينما يرى رجلاً قريباً من الدار، ذلك من الأمور المهمة في شأن من تزوج امرأة ذات دين. وبالمناسبة فاحفظ الله يحفظك، من كان حريصاً على حفظ نفسه عن محارم الناس فإن الله يحفظ محارمه عن الناس، أما من ولغ في الأعراض فهو على خطر أن تلغ الكلاب في عرضه، وإن كان هذا لا يتعارض مع قول الله عز وجل: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] ولكن في الغالب أنه من حصل منه الجرأة على أعراض الناس، ففي المقابل يقع منه التساهل الذي يفضي بجرأة الناس على محارمه. من يزن يُزنَ به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهمِ إن الزنا دينٌ فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ من قد زنا يوماً بألفي درهمٍ في بيته يزنى بغير الدرهمِ أي: بالمجان والعياذ بالله، فينبغي أن ينتبه الإنسان، وليحرص على المرأة المعروفة بالدين، وألا يتنازل عن شرط الدين، وشرط العفة والحياء انهياراً أمام قضية الجمال، ذلك أمرٌ مهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) رواه الإمام مسلم وأحمد.

الحث على اختيار البكر

الحث على اختيار البكر ومما يندب للشاب أو الرجل أن يتزوج فتاة بكراً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً، وأرضى باليسير) رواه ابن ماجة، وليس في هذا تحذير من نكاح الثيبات فإن الله عز وجل قد قال لنبيه: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ} [التحريم:5] إلى قوله {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} [التحريم:5] فذكر الثيبات قبل الأبكار، وللثيبات من المزايا، وللأبكار من المزايا، من أراد أن يطلع عليها مفصلة فليراجع مقامات الحريري البصري، فإنه أودعها في مقامة جميلة لطيفة مفيدة، ونسأل الله للجميع التوفيق.

الحرص على المرأة الولود

الحرص على المرأة الولود وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم) رواه أبو داود والنسائي. فأيضاً أن يحرص على امرأة ولود لعل الله سبحانه وتعالى أن يرزقه منها ذرية، وقد يكون للرجل ذرية ولكنه بحاجة إلى امرأة، أي: قد يكون له ذرية وقد انقطع استمتاعه بها لمرضها ولظروفها ولأحوالها، وهو أيضاً لا يزال يحتاج إلى امرأة يسكن إليها، فحينئذٍ لو وجد امرأة عقيماً يجد سكن نفسه عندها فلا بأس أن يتزوجها، يعني: ليست هذه المواصفات تحذيراً مما سواه، بل ربما يؤجر البعض في زواجه بامرأة ثيبٍ ذات أولاد، أرملة ترعى أيتاماً وله من الأجر العظيم أضعاف أضعاف ما يناله من اختار بكراً عملاً بالحديث: (تزوجوا الأبكار) لأن هذا الذي تزوج أرملة ذات أيتام له أجر كما قال صلى الله عليه وسلم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله -وأحسبه قال-: كالصائم لا يفطر، وكالقائم لا يفتر) وذلك من الأمور الجليلة. قد يوجد بعض الناس عنده من الذرية ما فيه البركة، ولكنه علم أن امرأة أم أيتام، وبقيت منقطعة لا يوجد من يكفلها، ولا يوجد من يرعاها، وقد توفي والدهم فحينئذٍ يؤجر غاية الأجر أن يتزوجها ولو لم يرد منها ذرية، وإنما غاية أنسه بها مع سكنه إليها أن يكفلها ويرعاها، وأن يرعى أيتامها؛ حتى لا يتشرد أولادها في الشوارع، أو أن يستغل أحد الطامعين حاجتهم ليسخرهم في مقاصد بذيئة نتنة خبيثة تحت وطأة حاجتهم، أو أن تذل أمهم بأن تعرض عليها الفاحشة تصريحاً أو تلميحاً في ظل حاجتها، والفقراء اليوم كان الله في عونهم في كل مكان، ذلك أن الفقير تتجدد معاناته إذا حل موعد دفع الإيجار، وتتجدد نفس المعاناة إذا حل موعد دفع القسط الثاني، وتتجدد المعاناة في بداية العام الدراسي حال البحث عن الحقيبة والكراريس والمساطر والأوراق والدفاتر، وتتجدد المعاناة حينما يدنو فرح الناس بأعيادهم، وهؤلاء لا يوجد من يشتري لهم جديداً أو على الأقل يقدم لهم شيئاً يسترهم، ويخفي هذه الثياب والرقاع البالية التي يلبسونها، إذاًَ إذا قصد رجلٌ إلى الزواج بهذا المقصد، قد أكون أنا لا رغبة لي في الولد لكن أرغب أن تسكن نفسي؛ لأن أم أولادي غير قادرة على القيام بحاجاتي وحقوقي الخاصة، وفي نفس الوقت لم يكن أنانياً ليجعل قصده لذة نفسه بل جعل معها مقاصد شريفة من كفالة أرملة وأيتامٍ ورعايتهم، فإنه يكون بإذن الله عز وجل ممن يؤجرون أجراً عظيماً. على أية حال الحرص على المرأة الصالحة سواءً كانت بكراً، أو كانت ثيباً، أو كانت عقيماً لمن أراد أن تسكن نفسه عندها، أو أراد أن يتزوجها ويتزوج من بعدها، فالضابط في ذلك مسألة الصلاح، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله).

شروط عقد النكاح

شروط عقد النكاح ثم بعد ذلك إذا انتهت مسألة الخطبة، وزفت البشارة إليك بموافقة أهل هذه العروس، بأنها قد وافقت ورضيت وقبلت، فتبدأ الاستعدادات لعقد النكاح، ولا بد أن نعرف أن عقد النكاح قد سماه الله عز وجل ميثاقاً غليظا، قال تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} [النساء:21] هذا الميثاق لن يكون إلا بعقد النكاح، ولا ينبغي أن يتهاون بشأنه، ولذا جعل له جلالة وقدراً ومكانة، فيحضره الولي والشهود، وكما سيأتي يكون فيه الإعلان بعد العقد، وتتقدمه خطبتا النكاح والحاجة، كل ذلك مما يؤكد على أهمية هذا الأمر.

من شروط عقد النكاح رضا المرأة

من شروط عقد النكاح رضا المرأة ويشترط في هذا العقد الرضا، وهو أمر لا بد منه، فلا يجوز أن يكره الرجل على المرأة، ولا يحوز أن تكره المرأة على الرجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر) تستأمر: يُطلب أمرها، يعني هل نزوجك؟ أتقبلين بفلان زوجاً؟ أو تقول: زوجوني فلاناً، تستأمر يعني يطلب أمرها، يسمع أمرها فتقول: نعم زوجوني فلاناً: (لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت) الأبكار في الغالب يغلب عليهن الحياء، فربما إذا قيل: يا بنية! لقد تقدم لك رجلٌ صالح ومن الأخيار، فسكتت أو هربت أو ذهبت أو غطت وجهها أو غير ذلك فهي من دلائل الرضا، يعني: صمتها دليل على الرضا، لكن لو قلنا للثيب: تقبلين بفلان زوجاً أو نزوجك فلاناً ثم سكتت، فإن سكوت الثيب لا يدل على الرضا، بل لا بد أن تستأمر ولا بد أن تقول: نعم زوجوني فلاناً، أو أقبل به، وذلك أمرٌ جلي. فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تزويج المرأة بغير رضاها سواء كانت بكراً أم ثيباً، إلا أن الثيب لا بد من نطقها بالرضا، أما البكر فسكوتها كافٍ لأنها تستحي.

من شروط عقد النكاح وجود الولي للمرأة والشهود

من شروط عقد النكاح وجود الولي للمرأة والشهود من شروط عقد النكاح الرضا، وكذلك لا بد من الولي، فلا يصح النكاح بدون ولي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) فلو زوجت المرأة نفسها بغير ولي فجمهور أهل العلم على أن نكاحها باطل، وكذلك لابد من الشهود لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وهذا يدل على وجوب الإشهاد والإشهار وأقل ذلك شاهدا عدل، هذه مسألة مهمة، ومسألة المأذونية هي لغرض ترتيب وتوثيق العلاقات، وتوثيق العقود والشهود من أجل التأكد من أنه ليس بين الزوجة والزوج من أمور محرمة للصلة والعلاقة بينهما، فإذا شهدا على ذلك، وعلم أن ليس بينهما من رضاعة أو قرابة نسبٍ مما يمنع من كون أحدهما زوجاً للآخر فلا بد من ذلك، ويصح للإنسان أن يزوج نفسه يعني: ليس المأذون شرطاً في صحة عقد النكاح، فلو أن رجلاً في مجلس قال لك: زوجتك ابنتي، وقلت: قبلت هذا النكاح ورضيت به، وشهد على ذلك شهودٌ فإن النكاح صحيحٌ وينعقد، وتجب به الأحكام المترتبة عليه من التوارث والمحرمية؛ لأن عقد النكاح هو عقد الزوجية الصحيح، وإن لم يحصل وطء ولا خلوة. فلا بد أن نفهم ذلك وأن نعلمه لأنه في بعض الأحيان ربما الناس يقعون في مشكلة صعبة، ويقولون: الزواج الليلة وما عندنا أحد يملك، ولا عندنا مأذون، مع أن جميع الشروط متوفرة -مثلاً- فليس هناك مشكلات نظامية في التزويج، هذا من نفس البلد أو من نفس القرية أو من نفس القبيلة أو من نفس الأسرة، وربما المأذون تأخر عليهم فيظنون أنهم لا بد أن يؤجلوا ويخسروا نفقات حفلتهم تلك الليلة؛ لأن المأذون لم يأت، والصواب أن يأتي الولي يقول: زوجتك فلانة، ويأتي الزوج ويقول: قبلت نكاحها، ويشهد الشهود على ذلك، وبذلك يكون قد انعقد النكاح، ولو مات أحدهما بعد دقيقة من هذا العقد ورثه ولزم كل الحقوق المترتبة بينهما، وذلك مما يؤكد الميثاق الغليظ في مسألة وشأن الزوجية. ومن الطرائف التي ذكرت أن أحد الشباب كان مشتاقاً إلى الزواج، وكان في جلسة عقد النكاح، فكان المأذون يقول للولي: يا فلان! قل لهذا الشاب زوجتك بنتي فلانة بنت فلان على مهر قدره كذا ثم التفت المأذون وقال: يا فلان! قل قبلت هذا النكاح ورضيت به، قال: (أوكّي) شيخ، (أوكّي) شيخ، قال: يا حبيبي! قل: قبلت هذا النكاح ورضيت به، يعني: كلمة (أوكي) يا شيخ لا ينعقد بها النكاح، الإجابة والقبول زوجتك، وقبلت، أما (أوكّي) يا شيخ فإن هذا لا يصلح، لا بد أن ننضبط بالألفاظ الدالة على الإيجاب والقبول.

من شروط عقد النكاح الصيغة

من شروط عقد النكاح الصيغة فلا بد أن نفهم ذلك وأن نعلمه لأنه في بعض الأحيان ربما الناس يقعون في مشكلة صعبة، ويقولون: الزواج الليلة وما عندنا أحد يملك، ولا عندنا مأذون، مع أن جميع الشروط متوفرة -مثلاً- فليس هناك مشكلات نظامية في التزويج، هذا من نفس البلد أو من نفس القرية أو من نفس القبيلة أو من نفس الأسرة، وربما المأذون تأخر عليهم فيظنون أنهم لا بد أن يؤجلوا ويخسروا نفقات حفلتهم تلك الليلة؛ لأن المأذون لم يأت، والصواب أن يأتي الولي يقول: زوجتك فلانة، ويأتي الزوج ويقول: قبلت نكاحها، ويشهد الشهود على ذلك، وبذلك يكون قد انعقد النكاح، ولو مات أحدهما بعد دقيقة من هذا العقد ورثه ولزم كل الحقوق المترتبة بينهما، وذلك مما يؤكد الميثاق الغليظ في مسألة وشأن الزوجية. ومن الطرائف التي ذكرت أن أحد الشباب كان مشتاقاً إلى الزواج، وكان في جلسة عقد النكاح، فكان المأذون يقول للولي: يا فلان! قل لهذا الشاب زوجتك بنتي فلانة بنت فلان على مهر قدره كذا ثم التفت المأذون وقال: يا فلان! قل قبلت هذا النكاح ورضيت به، قال: (أوكّي) شيخ، (أوكّي) شيخ، قال: يا حبيبي! قل: قبلت هذا النكاح ورضيت به، يعني: كلمة (أوكي) يا شيخ لا ينعقد بها النكاح، الإجابة والقبول زوجتك، وقبلت، أما (أوكّي) يا شيخ فإن هذا لا يصلح، لا بد أن ننضبط بالألفاظ الدالة على الإيجاب والقبول.

الآثار المترتبة على النكاح

الآثار المترتبة على النكاح

وجوب المهر على الزوج

وجوب المهر على الزوج ويترتب على النكاح آثارٌ كثيرة منها: وجوب المهر فلا بد أن يسمى في العقد، وهذا أفضل حتى لا يطول النزاع بين الزوجين في حالة طلب الفسخ والخلع، ويقال: زوجتك فلانة على مهر قدره عشرة آلاف ريال أو عشرين ألف ريال فهذا طيب، لكن للأسف بعض الناس ما أسهل الدخول معهم، وما أشد وأعسر التخارج والخروج منهم، في الدخول كم المهر؟ ريال وشيمة رجال، طيب يا أخي كم المهر؟ ريال وشيمة رجال، تمر سنة وسنتان فيقع بينهم مشكلة كم المهر؟ والله مهر بنتنا مائة ألف ريال أين شيمة الرجال؟ وأين الكلام الأول؟ وأين الريال؟ وأين السوالف؟ كلها ذهبت لأنهم في البداية لم يحددوا ذلك. على أية حال إذا اختلف في مهر من لم يسم مهرها ولم يحدد فالمرجع في ذلك إلى مهر المثل، بأن ينظر إلى أمثالها من النساء كم مهرها؟ فإن كان مهر مثلها عشرين ألفاً فيعطى لهذه المرأة قدره عشرون ألف ريال من غير مغالاة ولا بخس، أما أن تبخس أو يغالى في ذلك فلا يجوز، وهذه قاعدة في تحديد ما لم يسم عند التعاقد، لو استأجرت أحداً يبني هذا الجدار، فبنى الجدار وانتهى، ثم قال لك: أعطني أجرتي ألف ريال، قلت له: أجرتك خمسمائة، نحن ما اتفقنا على ألف، وقال هو: نحن ما اتفقنا على خمسمائة، فالمرجع في ذلك إلى أجرة المثل في البناء، كذلك الزواج إذا لم نتفق على المهر فالعبرة بمهر المثل، وقس على ذلك سائر العقود حينما لا يسمى العوض في العقد فالعبرة فيه بسعر المثل. ومما ينبغي أن نعلمه أن المهر حق للمرأة، خلافاً لما يفعله بعض الآباء هداهم الله، يضع المهر في جيبه ثم يقول: هذا المهر لي أنا، وأنت صلح زوجتك ودبرها، ثم يبدأ هذا المسكين من جديد لينفق فوق ما أنفق على إعداد البيت وتهيئته، لينفق عليها من جديد في اللباس والطيب والذهب والحلي، وأين المهر؟ ذهب المهر للأب الجشع الطماع ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالله عز وجل قد أضاف الصداق إلى النساء إضافة تمليك فقال: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] فأضاف الصداق إلى المرأة، فلا يجوز لأحد أن يأخذ مهرها كما قال تعالى في سورة النساء: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4] لنعلم أن الصداق هو من حق الزوج. أتى هذا الشاب بخمسين ألفاً وقد استدان من الشركات سيارات بالتقسيط، وفعل الأفاعيل حتى يحصن نفسه، ثم بعد ذلك تحفر له خندقاً من الدين والعسر والضيق لا يخرج منه، بل لو كان الولي عاقلاً لأعان زوج بنته، إن من العقلاء من يختار الزوج ويعطيه المهر ويعينه ويحرص على ما يحقق سعادته؛ لأنه يعلم أن ذلك ينعكس على سعادة ابنته معه، أما ما يفعله بعض الجشعين الطماعين فلا يبالي، يقول: ليس من شأني أن يكون سعيداً معها، وإن شاء الله يأتي زوج ثاني ويأتي الله برزق، فهو مستعد أن يمارس العملية مرات ومرات، المرة الأولى: استفاد من هذا سيارة، والمرة الثانية: استفاد من هذا أربع رشاشات، والمرة الخامسة: أخذ من هذا مضاد طائرات، والسابعة: أخذ من هذا مدفعية ميدان خمسة وسبعين، وهلم جراً، يعني: ما عنده مانع أن تطلق مرتين وثلاث؛ لأنه يعلم أنه في كل عقد سوف يبتز الزوج بشيء يخص به، وينحل له وحده دون هذه الفتاة المسكينة، ومن هنا نؤكد على مسألة التحذير من المغالاة في المهور؛ فإنه أمر خطير؛ ويسبب حرمان الفتيان والفتيات من الزواج، كم من الفتيات تود أن تتزوج ولو على ألف ريال، ولكن تكبر أهليها أو غطرستهم، أو نظرتهم إلى الناس باحتقار ودون، منعت من أن يبلغ إليهن الخاطبون والراغبون، وظلت الفتيات محرومات، بل إن بعض الفتيات لما وجدت الزوج الصالح وهي موظفة أرسلت مع ثقة من الثقاة مالاً جمعته من راتبها وقالت: خذ وأعطه هذا المال وقل له: يقدمه مهراً لوالدي، وفيما بعد نحن نتفق على التقسيط والتسديد، وربما تتنازل دفعة واحدة إن صلحت الحال بينهما، إذاً ينبغي أن نحذر من ذلك. فقلنا: يترتب على النكاح -أيها الأحبة- آثار منها المهر الذي يسميه العوام الجهاز أو الصداق، وكما قلنا ينبغي عدم المغالاة في المهور لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير النكاح أيسره) رواه أبو داود، ومعناه: أقله مؤنة وأسهله؛ لأن التكلف في المهر من أسباب شقاء الزوجين، فشقاء الزوجين في سداد ما جمع من المهر إن كان استدانة، أو استكثاره ما بذل على المرأة، ومن ثم عدم تسامحه ولطفه، وعدم رحمته بالمرأة يجعله يريد منها أن تسدد بكل ذل وخضوع وانكسار لهذا الزوج ما بذله من المال، وكأنه اشتراها، والمهر هو نحلة وهدية وعطاء وليس قيمة للمرأة، يظن البعض أن المهر هو السعر للمرأة، فإذا قيل لبعضهم: والله زوجت ابنتك على صداق كم مقداره؟ قال: والله زوجت ابنتي على عشرة آلاف يقول: أترضى أن تكون قد بعت ابنتك بعشرة آلاف؟ من الذي قال: إن المهر سعر البيع؟ لا المهر بطاقة جمركية، ولا سعر البيع، ولا سعر الجملة، هو شيء من المال للاستمتاع بالمرأة، وما تحتاج إليه في تجهيز نفسها، لكن لا يظن أن هذا المهر في الحقيقة هو قيمة أو عوضٌ عن نفسها. وتصاعدت المهور، ومغالاة الناس في المهور في هذا الوقت كما قلت من الأسباب التي عطلت الزواج، وعطلت شئون النكاح، والواجب على الجميع أن يتناصحوا في ذلك، وإن ما نراه من تأخر زواج الفتيات والشباب، ووقوع كثير من الشباب في الفواحش والمنكرات، في تغطية وتلبية حاجات النفس البشرية، والغريزة الفطرية، هو المغالاة في المهور ولا حول ولا قوة إلا بالله!

النفقة للمرأة على الزوج

النفقة للمرأة على الزوج كذلك من الآثار المترتبة على النكاح النفقة، فعلى الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف طعاماً وشراباً وكسوة وسكناً، فإن بخل بشيء من الواجب فهو آثم، ولها أن تأخذ من ماله بقدر ما يكفيها ولو استدانت ما يكفيها لزمه الوفاء.

ثبوت المحرمية بالمصاهرة

ثبوت المحرمية بالمصاهرة ومن الآثار المترتبة على النكاح: المحرمية، فإن الزوج يكون محرماً لأمهات زوجته، وجداتها وإن علون، ويكون محرماً لبناتها، وبنات أبنائها، وبنات بناتها وإن نزلن، وهذه مسألة نضبطها بهذه القاعدة اليسيرة: مجرد العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات، فلو أن رجلاً عقد على فتاة عقداً ولم يدخل بها فإننا نقول: إن مجرد العقد على هذه الفتاة وإن لم تدخل بها يجعلك محرماً لأمها، وتحرم أمها عليك، ولو أن رجلاً عقد على أم ثم لم يدخل بها، ثم بعد ذلك أراد أن يتزوج ابنتها فنقول: يجوز لك ذلك لأن العقد على الأمهات لا يحرم البنات، لكن لو أن رجلاً تزوج الأم فماذا يكون شأن البنت؟ لا شك أنها تحرم عليه، ويكون محرماً لها، وذلك أمر معلوم. وكذلك مما يترتب في شأن المحرمية أن الزوجة تكون من محارم آباء الزوج وإن علوا، وأبنائه وإن نزلوا.

ثبوت التوارث بين الزوجين

ثبوت التوارث بين الزوجين ومن الآثار التي تترتب على النكاح: الإرث، فمتى عقد شخص على امرأة بنكاح صحيح فإنه يجري بينهما التوارث، والله عز وجل قد أخبر بذلك بقوله: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء:12] وقال سبحانه: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء:12] طبعاً مع التفريق في حال وجود الفرع الوارث وعدمه.

ذم الإسراف في الزواج

ذم الإسراف في الزواج من الأشياء المهمة التي ينبغي أن ننتبه لها مسألة الإسراف في حفلات الزواج، نحن نلاحظ اليوم أن هناك تفنناً في الإسراف، فالبطاقات إسراف وأشكال وألوان وخيال، والفساتين والملابس إسراف وأشكال وألوان وخيال، ويحضر فنان أو فنانة، ويؤلفان أغنية أو قصيدة في اسم الزوج واسم الزوجة؛ ليحيوا ليلة من الغناء بمبلغ وقدره في عزف وزمر ولهو وطرب، وضياع للواجبات والفرائض، يسهرون ويضيعون صلاة الفجر إلى غير ذلك، ثم يقولون: سبحان الله! فشل الزواج!! فشل لأنه بدأ بمعصية الله، فشل لأنه بدأ بصفات إخوان الشياطين وهم المبذرون ولا حول ولا قوة بالله! قيمة البطاقات التي بلغت خمسين ألفاً أو أربعين ألفاً عند بعض الأسر كم يتيماً يُكفَل مقابل هذه البطاقات التي زخرفت وزينت؟! ألا يكفي الناس أن ترسل لهم ورق ( A4) عادي، وتبلغهم برسالة عادية أو على الفاكس أو على أي شيء أن الزواج قد يعقد في اليوم الفلاني، وحيا الله الحضور، وانتهى الأمر؟ ألا يكفي الهاتف؟ لماذا الحرص على إبلاغ الناس كلهم؟ يكفي الأقارب أو المقربون وهذا كاف، لكن للأسف إسراف في البطاقات، وإسراف في صالة الأفراح، تجد بعض الصالات تستأجر بمائة ألف ولو وقف إخوان وقالوا: يا إخوة! لدينا أيتام مساكين ومشردون أعطونا عشرة آلاف نكفل عشرة أيتام سنة كاملة، عشرة أيتام نكفلهم ونحفظهم بإذن الله عن التنصير والفقر والجهل والمرض، وعن الفساد والانحراف، لقال: اذهب يا أخي ما نكد نحن إلا على فقراء، لكن الصالة بمائة ألف لا بأس أن يبذل، أخبرني أحدهم في زواج من الزيجات أحضر الفنان والفنانة بستين ألف ريال في إحدى صالات الفنادق، ولو وقف الفقراء على باب هؤلاء وقالوا: أعطونا ربع هذا المبلغ من أجل أن نسد به حاجة، أو نسد به رمقاً، أو نستر به أسرة لما وجدتهم يبذلون مالاً بنفس سخية، فالإسراف الذي وقع فيه كثير من الناس اليوم في مسائل الزواج كان من أسباب الفشل، فساتين فستان الليلة الأولى بثلاثين ألفاً، وبعشرين ألفاً، والفتاة لا تلبث أن تحمل بعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر فإذا تغير بدنها لظروف الحبل والولادة بعد ذلك لا يستفاد من هذا الفستان فماذا نفعل بهذا الفستان؟ قال: اتركوه للذكرى، ويعلقونه كأنه (أبو الهول) في الحجرة، والله هذا فستان فرحنا، وعندما يقع بينه وبينها مشكلة يقول: اليوم الذي شفت عليه هذا الفستان هو يوم الشقاء ويوم النكد، الله لا يعيد هذا الفستان ولا من فصَّله، ثم يصبح سبباً لتذكر بعض المآسي أو بعض المصائب أو مما يحقق ذلك.

التهنئة مشروعيتها وصيغتها

التهنئة مشروعيتها وصيغتها أخيراً التهنئة بالزواج والدعاء للزوج، يسن أن يهنأ الزوج بما جاءت به السنة أن يقال له: بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينكما في خير، فهذا من الدعاء بالبركة، وهنا مسألة: لماذا اختير هذا الدعاء؟ الشارع لا يختار العبارات جزافاً أو عبثاً، بل يختارها بعناية، لماذا خصت البركة في الدعاء؟ لأن البركة إذا تحققت حصلت المنفعة بإذن الله عز وجل، كم من أناس عندهم أموال طائلة لكن الله لم يبارك لهم فيها، فلم ينتفع بها المسلمون، ولم تكفل بها أيتام، ولا الدعاة ولا الأرامل ولا المساكين، ولا الفقراء ولا الضعفاء، بل هي أموال تئط بها البنوك، تعج بها الأرصدة والمال يولد أموالاً بالربا، ولا يستفيد من ذلك أحد، فليس وجود المال بحد ذاته هو الغاية لكن الغاية هو وجود المال المبارك، لأن المال المبارك هو الذي ينفع في طاعة الله ومرضاته. ليست المسألة أن تجد زوجة، أو المرأة تجد زوجاً، فالقضية أن تجد الزوج المبارك، وأن تجد أنت الزوجة المباركة، لأنه إذا كتب الله فيها البركة نفع الله بها. كم بارك الله لقلب فانتفع والله إن بارك في شيء نفع كم من رجل تمنى أن يكون عنده عشرون ولداً، وصار عنده عشرون ولداً لكن لم يجعل الله في أحدهم بركة، بل إن بعض الناس عنده عدد من الأولاد: اثنان مسجونان في مخدرات، وواحد مسجون في أموال، والثالث مسجون في بلاء، والرابع مسجون في جريمة، ليست القضية كثرة الولد، بل القضية أن يبارك لك في الولد، ليست القضية أن تنال الزوجة، بل أن يبارك لك في الزوجة، ليست المسألة أن تنال هذه الدابة بل أن يبارك لك فيها، ولذلك إذا تأملنا مسألة البركة وجدناها حتى في عباداتنا، إذا أثنيت على الله: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، إذا وضعت يدك في الطعام: باسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، إذا دعوت لمن أضافك قلت: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم، إذا هنأت أحداً قلت: بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينكما في خير، مسألة البركة مهمة، ولذا نسأل الله أن يبارك لنا ولكم في أموالنا وأولادنا وأعمالنا وأزواجنا وذرياتنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، ونجعل ما بقي من الوقت للإجابة على الأسئلة:

الأسئلة

الأسئلة

حكم جلوس العروسين وسط النساء

حكم جلوس العروسين وسط النساء Q يقول: في هذه المدينة ظاهرة دخول العريس على النساء؛ لزفه مع عروسه في وسط النساء، تحت مظلة الموسيقى والغناء والرقصات الوافدة من الغرب، الرجاء التركيز على هذا الموضوع؟ A جميل جداً أن ينبه الأخ السائل على هذه القضية، وهي من العادات المستوردة التي نقلت إلينا إما بالمحاكاة أو بالمشابهة أو بما يراه البعض في هذه القنوات الفضائية وفي الأفلام والمسلسلات، لا يجوز في ليلة الزفاف أن تنتهك الحرمات، يأتي رجال يرقصون مع النساء، يأتي الزوج ليجلس مع زوجته على منصة أو على كرسي والفتيات الجميلات يتراقصن أمامه، وأيضاً الوقوع في اللباس العاري عند الفتيات، وبعض الزواجات ليست بحفلات زفاف بل كأنما هي عرض عارٍ للأزياء ولا حول ولا قوة إلا بالله! ويحتجون بمسألة عورة المرأة إلى المرأة من السرة إلى الركبة، يعني ما سوى ذلك فلتخرج المرأة ما شاءت، ليس بصحيح، هذا بيان حكم لكن لا يعني ذلك الإذن بفعل ما تقع به الفتنة بين المرأة والمرأة، لا يظن البعض أن المرأة لا تفتن بالمرأة، بل مما ابتلي به كثير من الفتيات اليوم إلا من رحم الله مسألة العشق والفتنة والولوع والتعلق بأمثالهن من الفتيات، ومن أسباب ذلك لبس هذه الملابس الفاتنة والضيقة التي تصف أحجام الأبدان.

حكم تصوير حفلات الأعراس

حكم تصوير حفلات الأعراس Q يقع كثير من الناس في حفلاتهم في منكرات عديدة، وقد يقع فيها بعض من فيهم خير من مرتادي المساجد لضغط العادات والأعراف المخالفة للشرع وكذلك ما رأيكم بتصوير حفلات الزواج بالكاميرات الثابتة والمتحركة؟ A أما تصوير الحفلات فكل عاقل غيور لا ينبغي له أن يأذن بأن تدخل أي كاميرا تصوير في الحفلة، قد يأتي يوم من الأيام وتجد صورة زوجتك أو صورة ابنتك أو صورة فتاة من محارمك في يد فلان وعلان، هذه مسألة خطرة ولا ينبغي التساهل بها، إضافة إلى أن التصوير حصره على المصلحة والحاجة والضرورة ينبغي أن نقف عند هذا، أما التساهل في ذلك فلا حاجة إليه، التساهل في ذلك إذا كان في مصلحة أو حاجة أو ضرورة، لكن ما المصلحة؟ بنتك أو قريبتك تصور في زواج أو في حفلة ثم بعد ذلك تستعرض صورها عند الغادين والرائحين، أحد يرضى بهذا؟ هذه مسألة خطيرة جداً، وما ذكره الأخ في أول السؤال أظن قد أجبته عليه في السؤال الأول.

ذم المغالاة والتشدد في اختيار المرأة

ذم المغالاة والتشدد في اختيار المرأة Q أنا شاب طموح في اختيار الزوجة الصالحة التي حددت لها شروط؛ أولها الدين ثم الحسب ثم النسب ثم الجمال ثم العلم، وأن تكون في سن الرابعة عشرة، وزملائي وإخواني يقولون: إنك رجل متشدد في الاختيار، وهدفي من وراء ذلك بناء الأسرة الصالحة؟ A يا أخي الحبيب! لا بأس أن يطلب الإنسان الشيء في الجملة، إذا علم من الفتاة عفافها وصيانتها وتدينها، وعدم الخضوع بالقول، وعدم الاختلاط بالرجال، هذا كافٍ، لا يشترط بتدين الفتاة أن تكون قد حفظت القرآن والصحيحين والكتب الستة، وإلا ما تزوج في البلد كله إلا أربع أو خمس أو عشر، كذلك يعني الجمال مسألة نسبية فإذا حصل القدر الذي قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: (التي إذا نظر إليها سرته) يعني تشرح خاطره، بمعنى: ألا تكون إذا نظر إليها كرهها أو أبغضها أو فركها أو شيء من ذلك. كذلك مسألة الحسب والمغالاة فيه، كذلك مسألة النسب وغير ذلك، يا أخي الحبيب! إذا توفرت القاعدة المتيسرة من هذه الشروط أو من هذه المواصفات فالحمد لله، القدر المتيسر من التدين، القدر المتيسر من الجمال، القدر المتيسر من الحسب، والقدر المتيسر من النسب إلى غير ذلك، هذا كافٍ، أما أن تتشدد وتجعل كل هذه وأن تكون متعلمة، وتحدد العلم، قد تكون جيدة وصالحة وحافظة لكن ليست بجامعية، كل الشروط الأربعة توفرت إلا أنها ليس معها شهادة جامعية، إذاً تعطى مهلة إنذار أربع سنوات لإكمال الشهادة، فليس صحيحاً هذا الكلام، أو كذلك تجد كل الشروط توفرت إلا مقداراً معيناً من الجمال، والله ليست تشبه فلانة الفنانة، ليست تشبه فلانة الراقصة، ليست تشبه فلانة، هذه من شروط بعض الشباب الذين لا يهمهم الدين بل يركزون على الجمال، وكما قال الشاعر: عراقية العينين نجدية الحشا حجازية الأطراف هندية الشعرِ يا أخي! أنت تطلب حورية ما نزلت بعد، فينبغي للإنسان حينما يؤكد على مثل هذه المواصفات، أن يكتفي بالقدر المتيسر، وألا يتشدد في ذلك. تشدد بعض الشباب في مسائل النسب فلا يريد إلا من آل فلان، ومن بيت فلان، ومن بني فلان، ما الذي تعلم في نفسك يا مسكين؟ اعلم أن أبا لهب من أهل النار، وبلالاً الأسود الحبشي من أهل الجنة! بسبب التعلق بهذه العنصرية المقيتة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من رأيتموه يتعزى بعزاء أهل الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا) (لينتهين أقوامٌ عن تفاخرهم بأحسابهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان) بعض الناس مسكين أول ما يتكلم في فلان أو علان لا يهمك، فلان ليس من آل فلان، ليس من بني فلان، ليس من القبيلة الفلانية، أرنا مقاييسك أنت؟! ما حظك من العلم؟! ما حظك من الفكر والإنتاج؟ ما حظك من نفع المسلمين؟ ما حظك من نفع الأمة؟ لا. ليس عندهم شيء إلا أن فلاناً ابن فلان، هذه ما نفعت أبا طالب وما نفعت أبا جهل، وما نفعت الذين هم من صناديد قريش، ومع ذلك لم يكونوا على فوز بما فاز به الصالحون الأبرار من صحبة محمد صلى الله عليه وسلم.

عدم طاعة الأهل في ترك الواجب

عدم طاعة الأهل في ترك الواجب Q أنا شاب أعيش في جو فاتن من النساء المتبرجات ونحو ذلك؛ لظروف عملي، وأرغب في الزواج رغبة أكيدة، وأموري ولله الحمد متيسرة، ولكن أهلي يريدون تأخير الزواج لأعذار واهية في نظري، فهل أطيعهم وأضيع ديني في الجو الذي أعيشه؟ A لا. لا تطعهم، بل تزوج وبادر في الزواج، وتركك الزواج معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

نصيحة لشاب تائب

نصيحة لشاب تائب Q لا أريد أن أسألك عن الزواج، بل أريد أن أتوب وأقبل على الله، ولكن أمامي عوائق كثيرة، ولكن يا شيخ! لم أجد من يمد لي يد العون في إخراجي من مستنقعات المعاصي، وأنا في هذه المحاضرة، فأنقذوني قبل أن أغرق مع أصحاب السوء؟ A أرجو من الأخ أن يعرف نفسه بفضيلة مندوب الدعوة في هذه المنطقة الذي قدم هذه المحاضرة، وبإذن الله عز وجل سيبذل له ما يستحقه وما يحتاجه، ونهنئه بالإقبال على الله عز وجل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] فالحمد لله الذي فسح في أجلك، وأمد في عمرك حتى تبلغ هذه الروضة من رياض الجنة؛ لتضع يدك في يد أهل الخير، وتشق معهم طريقاً لا تخاف دركاً ولا تخشى، وتبلغ بإذن الله جادة الأمان على الثبات والاستقامة بإذن الله عز وجل.

الضوابط الشرعية للأفراح والاحتفالات

الضوابط الشرعية للأفراح والاحتفالات Q سائلة تقول: أرجو التكلم عن الأفراح الإسلامية؛ لأنها لا تعجب الكثير؟ A والله أعجبت الكثير أو لم تعجبهم، إذا كان هناك من فرح على شيء لا يتعارض مع الأمور الشرعية، ويكون فيه بعض البنيات الصغيرات ينشدن الأناشيد التي ليس فيها تشبيب بالنساء، وليس فيها كلام فاحش ولا كلام رديء، وفيها الدف الذي شرع للنساء، فهذه من الأفراح التي نؤيدها ونحث عليها، وينبغي أن يجتهد كل من عنده مناسبة زواج أن يجعل ليلة الزفاف عامرة بمثل هذه الأفراح التي لا تخالف الشرع، ومما علمنا أن مثل هذه الأفراح تهدى فيها الكتيبات النافعة والأشرطة المفيدة، ولا يحصل فيها تبرج، ولو دخلها متبرجات فإنهن يكرمن ويعاملن باللين والرقة، والموعظة الحسنة، والنصيحة الطيبة، ويستفدن، أيضاً لا نريد أن تكون الأفراح التي تخلو من المخالفات الشرعية أفراح عداوات، مجموعة فتيات متدينات دخل عليهن بعض الفتيات في لبسٍ مزرٍ، أو غير ساترٍ، ثم أخذن ينتقدنهن بشدةٍ لا، بل يتلطفن بهن ويكرمنهن، ويعتنين بهن، وينصحنهن بكل وسيلة تحقق لهن الاستقامة بإذن الله عز وجل.

نصيحة لمن يعزف عن الزواج

نصيحة لمن يعزف عن الزواج Q ما نصيحتك لمن يعزف عن الزواج بحجة تأمين المستقبل؟ A يا أخي الكريم! المستقبل أنت لا تعرفه، ولا تدري لو أويت إلى فراشك الليلة هل تنهض منه بعد ذلك تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهرِ وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبرِ وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري هذا المستقبل أنت لا تعرف عنه شيئاً، بل إن المبادرة بالزواج قد يكون نعمة، أن تدخل بامرأة فيكتب الله لك منها ولداً صالحاً يحمل لك ذكراً حسناً، ويدعو لك الناس إذا رأوه، وتكون كل أعماله الصالحة في موازين أعمالك، وربما أنت لا تبلغ أن تراه قد شب أو أصبح رجلاً كبيراً، ربما تموت وهو جنين في بطن أمه، ربما تموت وهو لا يزال صغيراً يحبو، أو لا يزال في مراحله الابتدائية، فالمبادرة بالزواج وطلب الولد والذرية من دلائل العقل.

جواز الاستدانة لأجل الزواج

جواز الاستدانة لأجل الزواج Q يقول: هل يجوز أن أتزوج بالدين؟ A نعم. سئل الإمام أحمد عن الرجل يستدين لأجل الزواج؟ قال: أرى أن يستدين ويقضي الله عنه بإذنه سبحانه وتعالى. فالدين ثقيل إلا في الزواج وبناء المسكن المناسب المعقول، فإن من استدان هذا ملاحظ ومشتهر ومعروف بالتجربة والملاحظة؛ أن من استدان لبناء بيت يؤويه وأسرته فإن الله سرعان ما يقضي دينه، أما أن يبني بيتاً آلاف الأمتار بالدين، وأنواع الاكسسوارات، وألوان المفارش والكنب والستائر والرخام، ويأتي بالعجائب والغرائب، ثم بعد ذلك يطلع له صك إعصار بأربعة ملايين، ويقول: لقد تحملت ديناً بسبب البيت، هذا الدين الذي تحملته يكفي لبناء عشرين بيتاً لا بيتاً واحداً، فلا يحل لك أن تأخذ أموال الصدقات والزكوات بحجة أنك بنيت بيتاً وتحملت فيه ديناً. نعم. يقضى عنك الدين في بيت تبنيه بالمعروف، بالحد المعقول، أما أن تغالي في البناء، وتريد السداد من أموال الزكوات والصدقات، فيحرم، الفقراء والمساكين الذين لا يجدون أجرة البيت، وربما بعضهم يطرد فلا يجد مأوى، وبعضهم يسكن في الخيام أو في شارع، وأنت تريد أن تبذل أموال الصدقات لذلك، لا، كذلك الشاب حينما يستدين لأجل الزواج، ويكون دينه معقولاً، والزواج ونفقاته معقولة، فإن الله سبحانه وتعالى يقضي عنه. نقف عند هذا الحد، حيث اتفقنا مع الشيخ على أن تكون الأسئلة في المدة المحددة والمعتادة بين الأذان والإقامة، وما سوى ذلك فلعل الله أن يمن بلقاءٍ مبارك يجمعنا بكم على مرضاته.

الوهن وعلاجه في ضوء الإسلام

الوهن وعلاجه في ضوء الإسلام إنما العزة بالدين، واتباع طريق النبيين، ولا تزال الأمة في عز حتى تترك التمسك بالدين، فتتداعى عليها الأمم ويصيبها الوهن، والعلاج لا يخفى، وهذا هو موضوع هذه المادة.

سنة الله في هلاك الأمم

سنة الله في هلاك الأمم الحمد لله رب العالمين، الحمد لله نحمده على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، الحمد لله الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، الحمد لله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، الحمد لله الذي وسع كرسيه السموات والأرض، ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم، الحمد لله الذي الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه، الحمد لله الأول والآخر والظاهر والباطن والمقدم والمؤخر، وهو على كل شيء قدير. نحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحد في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وحديثنا معكم اليوم عن الوهن الذي أصاب أمة المسلمين، وهو السلاح الذي يمكن أن يكون سبباً في هلاكها، وما سواها من الأسلحة والعوامل الخارجية، سواء من التهديد بالقتل أو التدمير أو الاجتياح، أو غير ذلك فإن هذا لا يمكن أن يكون سبباً لهلاك الأمة، وما ذاك إلا لاعتقادنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين، وذكر مما أعطاه ألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) فلا يمكن أن تهلك أمة الإسلام بعدو يتسلط عليها، فيستبيح بيضتها، ويسرق أموالها وخيراتها ومدخراتها جملة واحدة أبداً، ما لم يتسلط المسلمون بعضهم على بعض، وما لم تتسلط نفوس المسلمين على ذواتهم، فإن النفس إذا تسلطت على صاحبها كان ذلك بادية الهلاك والوبال والدمار، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وذلكم هو أخطر أمر أن تتسلط نفسك عليك، وأن تكون نفسك هي سبب مصيبتك، وأن يكون سعيك هو الذي يقودك إلى هاوية ولا حول ولا قوة إلا بالله. إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده إذا لم يحصل استعانة المسلم بربه، واستقامته علىأمر ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإن كل جهد وعون وعمل يكون سبباً في هلاك صاحبه، ولا عجب في ذلك، فإن سنة الله لا تحابي أحداً، وإن سنن الله في الكون لا تتعطل ولا تتغير: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. وقول الله جل علا: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19] إن البلاء والدمار والهلاك والمصيبة، تكون بداية من النفس، إن كان الإنسان تسلط على نفسه بالذنوب والمعاصي، وتسلطت الأمة على مجتمعاتها وبلدانها بالفواحش والمنكرات، عند ذلك لا يبالي الله جل وعلا بأي وادٍ هلكت هذه الأمة، وليست هناك أمة من الأمم معصومة، أو أن بينها وبين الله عهد ألا تُهلك وألا تدمر، فإن لم يقع الهلاك بسبب مصيبة أو قوة بشرية، نزل الهلاك على أمة عصت الله من السماء، ألم يقل الله جل وعلا: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:41 - 42]؟ ألم يقل الله جل وعلا: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الذاريات:46]؟ سلط الله عليهم في معرض ذكره للأمم التي أهلكها بالعذاب، فلا ينبغي أن نظن أن الأمم إن لم تصب بمصيبة عدوان أو اجتياح خارجي، أو من جوار، أنها سلمت من البلاء والهوى والفتك والعقوبة، إذا أن البلاء إنما يوجهه الله جل وعلا بأسباب، فقد يكون البلاء بسبب تسلط أمة على أمة، وقد يكون في صورة بلاء ينزل من السماء، أو ينفجر من الأرض، أو في صورة داهية تجعل الأمة شذر مذر وتمزق كل ممزق. إن عقول كثير من البشر انحصرت في تصور المصائب، وأنواع البلاء، في عدوان بشري أو في قوة غاشمة مسلحة فتاكة مدمرة، تتسلط على أمة أخرى وليس هذا كل البلاء أو المصيبة، بل إن الله جل وعلا لا يعلم جنوده إلا هو {وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:31] هي ذكرى للأمة أن تعتبر وأن تتعظ، وأن تعلم أن البلاء وإن تخلف على أيدي البشر، فقد يتحقق بمصيبة تخرج من الأرض، أو ببلية تنزل من السماء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إصابة الأمة بالوهن

إصابة الأمة بالوهن حديثنا عن الوهن، تلكم المصيبة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، والوهن هو: الضعف والخذلان، وما يسمى في اصطلاحات العصر الحاضر تحكم النفوس وانكسارها وضيعة عزتها، وذهاب شموخها، ورضاها بالذلة وقناعتها بالدني والردي والقليل دون الكثير، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم:4] من الضعف، ويقول تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران:139] من الضعف والرضا بالسلم والمصالحة من الأعداء عند أدنى الحظوظ. فالوهن اصطلاح يدل على الضعف، فكل شيء ضعف فقد وهن، وما أضعفك فقد أوهنك. جاء بيان هذا الأمر والإخبار بأن الأمة سوف تصاب به في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذ كثير) وأقف لحظة عند الكثرة، لو ضربنا مثلاً بسيطاً جزئياً على مسألة الوهن، ألسنا نحن جميعاً في هذه المظلة وفي هذا المسجد جمع لا بأس به من الكثرة، نعم. نحن بالنسبة لحجم المسجد جمع كثير لكن أين نفعنا؟ أين بلاؤنا؟ أين سعينا؟ أي عمل نفعنا به أمة الإسلام؟ أي سعي جعلنا به الدعوة إلى الله تنطلق خطوات إلى الأمام؟ إذاً حتى جمعنا الذي نتحدث معه فينا ومن بيننا وهن عظيم، أقول هذا حتى لا نظن أننا نتحدث عن أمة أو كوكب أو جماعة بعيدين عنا، بل نتحدث عن مصيبة تمثلت في طولنا وعرضنا وأجسامنا ولحومنا، مصيبة حلت في نفوسنا، (قالوا: أومن قلة نحن يا رسول؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل؛ يصيبكم الوهن وينزع الله المهابة منكم من صدور أعدائكم، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) بين صلى الله عليه وسلم السمة والعلامة الواضحة الجلية، في أمة تصاب بالوهن، ألا وهي: (حب الدنيا وكراهية الموت) نعم -يا عباد الله- كلنا إلا من رحم الله قد أصبنا بهذه البلية، واجتمع هذا المرض في مجموع أفراد الأمة، فوهنت وضعفت عن مواجهة أعدائها وعن الوقوف بمواقفها التي ينبغي لها أن تكون متسلمة للقيادة فيها.

أسباب الوهن

أسباب الوهن ما أسباب الوهن الذي حل بأمتنا في هذا الزمان؟ اعلموا -أيها الأحبة- أن لذلك أسباباً عظيمة جداً.

تسلط الذنوب والمعاصي

تسلط الذنوب والمعاصي فأولها تسلط الذنوب والمعاصي على كثير من أبناء المسلمين ورجالهم، وعدم الخوف والمبالاة من شؤم وعقوبة الذنوب والفواحش، بل أصبح الكثير منهم يردد قول القائل: إذا لم يغبر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبار يعني: إذا لم تصبك بلية الذنب فوراً، فإنك قد نجوت من شؤمه وبليته. لا والله، بل إن هذه الذنوب والفواحش خاصة الآثام والمنكرات الجلية، الظاهرة العلنية، التي هي أعظم سبب في وهن الأمة، وأعظم سبب في هلاكها ودمارها بصريح قول الله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]. رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها إذا ماتت القلوب وأصيبت بالوهن وتعلقت بالدنيا وخافت وارتجفت من الأجل، فذلك بسبب ذنوبها ولا حول ولا قوة إلا بالله! ولقد بين ابن القيم رحمه الله أن للذنوب شؤماً وآثاراً وخيمة ومضرة، وذكر أن أقل ما فيها أن الذنوب تضعف صاحبها وتورثه الذلة والخيبة، وعدم الجرأة إلى غير ذلك من آثار الذنوب، التي من أخطرها أنها تجعل النفس تخون صاحبها في أمس حاجة ولحظة يحتاج إليها. إذاً فمن أعظم أسباب الوهن الذي حل بأمة الإسلام الذنوب، وحتى لا نتكلم عن كوكب آخر أو جماعة أخرى نتحدث عن أنفسنا وعن واقعنا ومجتمعنا، وعن مجتمعات المسلمين بالتبع، يظن كثير من الناس حينما نحدثه أو يتحدث أحد معه عن الذنوب، يظن أنه قد خلي وسلم من هذه، فإذا رأيت سماعه، فإذا اللهو يملأ آذانه، وإذا رأيت ما ينظر وجدت الأفلام والمسلسلات تشغل جزءاً كبيراً من ليله ونهاره، وإن ذهبت تنظر معاملته وجدت الخيانة أو الرشوة، وأخطر منها الربا الذي هو أخطر حرب تواجه الأمة به ربها، نخاف أن ندخل في حرب مع الأعداء، ولكن نسينا أننا لم نبالِ بحرب دخلناها مع الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278 - 279]. هل تحتاج هذه الحرب من الله ورسوله إلى صفارة إنذار؟ هل تحتاج إلى علامات الإنذار الشامل في الأفق؟ هل تحتاج هذه الحرب إلى علامات تسبقها أو اجتماعات؟ لا. {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87] إذا توعد الله بشيء فإنه يتحقق لا محالة. أقول -أيها الأحبة-: لما كانت الذنوب والآثام والمعاصي والمنكرات من أسباب الوهن الذي حل بالأمة، فإننا ينبغي أن نسأل أنفسنا -لو نظر كل شخص منا إلى نفسه لوجد عدداً من الذنوب التي يرتكبها يومياً، ومع ذلك تراه كأنه لم يفعل ولم يقع في مخالفة مع الله جل وعلا- ينبغي أن نسأل أنفسنا: من نعصي؟ ومن نخالف؟ إننا نعصي رباً الأرض جميعاً قبضته والسماوات مطويات بيمينه، لقد غابت عن الأذهان والعقول عظمة الله جل وعلا، هانت على النفوس المعاصي، ولو قلنا لأحد الناس: يقول فلان بن فلان: ممنوع التجاوز في هذا الشارع، لقال: ومن هو فلان؟ نكرة لا يعرف، فليس حقيق أن يُمتثل لأمره أو يُزدجر عن زجره، أو يُتبع لما أمر به، لكن لو قلنا: قال المسئول الفلاني في الدائرة الفلانية: إن هذا أمر ممنوع لقال: نعم. لأنه يعرف أن ذلك المسئول رجل في موقع وله مكانة وهيبة، ويتبع من خالفه بالعقوبة. لو قلت لكم: إن قوة تستطيع أن تجمعكم جميعاً يا من أنتم في هذا المكان في قبضة يدٍ واحدة لقلتم: هذا أمر عجيب! وأي قوة هذه؟ ومن نحن على تعددنا في هذا المكان بالنسبة لسكان المدينة كلها، نحن جزء يسير من سكان المدينة. وأقول هذا المثال وأردده، وبالمثال يتضح المقال حتى ندرك العظمة، نحن خلق عظيم، ولا يستطيع أعظم الناس أن يجمع خمسة أو ستة منا في يد واحدة، هل نحن فقط من يسكن في مدينة الرياض؟ لا. بل هناك رجال ونساء وبهائم ونباتات وحيوانات، مليئة بها المدينة، وهل مدينة الرياض كل الكون؟ لا. هي جزء من المملكة، والمملكة أشبه ما تكون بقارة حفظها الله بالإسلام، هذه القارة مليئة بالجبال والصحاري وعلى حدودها المحيطات والبحار وفيها ملايين البشر، هل نحن كل الكون؟ لا. المملكة جزء من قارة آسيا، وقارة آسيا فيها مئات الملايين من البشر، وهل قارة آسيا هي العالم كله؟ لا، هناك قارات أخرى -أيضاً- مليئة بالبشر ومن معهم من المخلوقات والجبال والبهائم والنباتات والحيوانات. إذاً: الكرة الأرضية مجموع مليء بالمحيطات والبحار والأنهار والجبال والبشر إلى غير ذلك اسمعوا قول الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:67] إذاً نحن نعصي رباً عظيماً، ولو أدركنا سر العظمة لما تجرأنا على الإصرار على الذنوب والمعاصي، لو أدركنا حقيقة العظمة، لما تجرأنا على الذنوب والمعاصي، آخر ما سمعت في عالم مراكز المعلومات أن جهازاً يستطيع أن يتلقى ستين مليون معلومة خلال عشر دقائق، أو أقل من ذلك، ما هذا الجهاز الذي يتلقى ستين مليون معلومة خلال هذه الفترة القصيرة؟! إنه جهاز غريب وعجيب ودقيق. أين نحن من قول الله جل وعلا: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً} [الكهف:49]؟ هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، أما أجهزة المعلومات فتنتهي لو انقطع عنها التيار، وأجهزة المعلومات قد تضيع شيئاً من المعلومات. إذاً: أين نحن من إدراك سر العظمة؟ إن كلما تكتشفه دول الغرب، وكلما تنتجه أمم التقدم والتكنولوجيا لهو دليل على عظمة الله جل وعلا؛ لأنه ما من أمر عجبنا منه ووقفنا متعجبين متأملين بدهشة وغرابة بسبب الإبداع والتدقيق في تصميمه، إلا ونجد أن عند الله جل وعلا ما هو أعظم منه، وليس هذا بغريب، إذ لا يمكن أن يساوى الخالق بالمخلوق. حينما نأتي بشاشة تلفزيون الآن أمامكم ومعها سماعة أو لاقطة، ونقول: تستطيع أن تتحدث مع رجل في أمريكا وأنت جالس هنا، تقول: الله أكبر! ما هذه الاختراعات؟! نحن نجلس هنا ونتحدث ونرى من يجلس في أمريكا أو في أبعد القارات، ونعجب من هذا عجباً، ولكننا نمر على قول الله جل وعلا: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأعراف:50] أين أصحاب النار؟ في أسفل سافلين، وأين أصحاب الجنة؟ في أعلى عليين، والبعد بينهما أبعد مما بين القارات، ومع ذلك بقدرة الله وأمر الله يجعل أهل الجنة يرون أهل النار: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} [الأعراف:47] أليست هذه من جوانب العظمة الإلهية؟ لقد وقفنا مندهشين متعجبين مستغربين أمام شيء يسير من صناعات البشر، ونقف أمامها بكل احترام، ولا ننظر إلى عظمة الله جل وعلا ودلائلها في الأنفس والكون: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53]. فيا معاشر المؤمنين! حينما أقول: إن الذنوب سبب الوهن الذي أصاب الأمة وحل بها، وما ذاك إلا أن الأمة مضت واستمرأت واستمرت على فعل الذنوب والمعاصي، دون إدراك لعظمة هذا الرب الذي تعصيه، ودون إدراك لحقيقة هذا الرب الذي تعصيه في عظمته وعلمه سبحانه وتعالى. فيا معاشر الأحبة: لا شك أن من عصى الله جل وعلا فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، وأن المعاصي هي أعظم أسباب الوهن والضعف. أليس عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما كتب له أحد قواده يريد المدد لتدعيم جيش المسلمين قال: انظر جندك، هل فيهم عاصٍ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم؟ إني لا أخشى على الجيش من عدوه، ولكن أخشى على الجيش من ذنوبه. نعم إن الوهن الذي يصيب الأمة، لا يصيبها من أعدائها وإنما يصيبها من ذات أنفسها: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] فتشوا أنفسكم انظروا جرائدكم انظروا إعلامكم انظروا تعليمكم انظروا حياتكم انظروا في مختلف مجالاتكم!! فما رأيتم فيه مخالفة لله ولرسوله فاعلموا أن ذلك سبب الوهن في الأمة.

الحملات الإعلامية التي تعظم أعداء الله

الحملات الإعلامية التي تعظم أعداء الله الأمر الآخر من أسباب الوهن: الحملات الإعلامية المسعورة التي صنعت من الكفار أبطالاً لا يقهرون أبداً، وصنعت من أسلحة الأعداء سلاحاً لا يرده حتى قدر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! نعم. أصبح المسلمون يتعلقون بمقدار ما يملكون من القوة والعدد والعتاد، لا أقول هذا على مستوى عامتهم، بل أقول على مستوى البعض، حتى لا نعمم بشؤم القول، عند ذلك يدل هذا على أن حملة إعلامية وجهت للإعلام المعادي للأمة الإسلامية غرست في قلوبنا أن أعداءنا قوة لا تقهر، وأن سلاحهم مدمر لا يمكن أن يرد أبداً. ولو كانت العقيدة حاضرة موجودة غير غائبة؛ لعلمنا أن الدعاء يرد مختلف الأسلحة وأدوات التدمير الشامل، لكن لما استحكمت الذنوب والمعاصي في النفوس ووافقت: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا وافقت فراغاً وغيبة من حقائق العقيدة وتأملها، أصبحنا نظن أن بوسع أعدائنا أن يهلكونا في أي وقت يشاءون، ونسينا قول الله جل وعلا: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:52] ليس من شرط هلكة الأعداء أن تنتهي أسلحتهم كما يظن أكثر البشر أن العدو لا يهلك إلا إذا انتهت أسلحته، بل إن الذي خلق البشر قادر على أن يحييهم وأن يهلكهم وأن يرفعهم، وأن يذلهم ويدمرهم، وقادر على أن يبقيهم، وأن يقلبهم ويخلف أحوالهم: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:52]. هذا الأمر لا تعلمونه أنتم ولا أعلمه أنا ولا يعلمه حتى العلماء، عندما تتعلقون بالله يأتي ذلك الأمر. يوم أن استحكمت هذه الحملة الإعلامية المسعورة من أعدائنا أصبحنا أكثر ضعفاً إلى جانب الضعف الذي بلغناه بما وقعنا فيه من الذنوب والمعاصي، والمصيبة فيما نسمعه من الصواريخ عابرات القارات، ومن أسلحة التدمير الشامل، والرءوس النووية، وتطوير صواريخ أسكود برءوس نووية كيماوية إلى غير ذلك من الحرب النفسية التي تجعل الإنسان حينما يسمع ذلك، يفتح صندوقه ويخرج بندقية صيد ويقول: هل هذه ترد صاروخ أسكود؟ هل هذه ترد أسلحة التدمير الشامل؟ هل هذه ترد؟ فمن شدة الحملة الشعواء على النفسية المسلمة أصبح الإنسان يقارن كلما وصل إليه الأعداء بمجرد ذاته ولا ينظر إلى قوة الله، التي ينبغي أن يتعلق بها، وبهذا استحكم في المسلمين داء عضال ألا وهو الهزيمة النفسية، والله كنا قديماً يوم أن نجلس ونتحدث ونقول: نسأل الله أن يأتي اليوم الذي يجعل شياطين الكفر أسرى في أيدي المسلمين، نسأل الله أن يأتي ذلك اليوم الذي يجعل عمالقة الإلحاد والضلالة أسرى وعبيداً للمسلمين، فيضحك أحدهم ويقول: هذا المجنون لا يملك إلا أربعمائة دبابة ويقول: نقاتل إسرائيل ونقاتل ونقاتل وغير ذلك. نعم. لأنه لا ينظر إلا إلى سلاح وسلاح، وبشر وبشر، وقوة بشرية بحتة أمام قوة بشرية بحتة، ولا ينظر إلى قوة الله جل وعلا. بهذه الهجمة التي تسلطت على نفسية المسلمين، أحدثت الهزيمة والإحباط رغم الخطب والندوات والمحاضرات والكلمات واللقاءات. يا أمة الإسلام! يا أمة العقيدة! القوة فيكِ، فالقرآن بين يديك، والسنة عندك، كيف تضعفين؟ صيحات القوة والعزة في نفوس الأمة آخر ما تبلغ، يقول بعض الناس: نعم، نحن أقوياء لكن أقنعوا الأعداء أننا أقوياء. هزيمة نفسية، ومثال هذا يقال: إن هناك رجلاً مجنوناً وليس مجنوناً جنوناً كاملاً بل عنده عقدة نفسية، يظن أن نفسه حبة شعير. ولذلك لا يرضى أن يدخل في بيته الدجاج والحمام؛ لأن الدجاج يأكل الشعير، ولا يمكن أن يزور أحداً عنده دجاج أو طيور أو حمام، فأخذوا يعالجونه في مصح نفسي لمدة ثلاث سنوات وبعد نهاية العلاج قابلوه قالوا: لعلك أدركت الآن أنك بشر فشفيت من هذه العقدة النفسية؟ قال: نعم. الآن اقتنعت أنني بشر، لكن أقنعوا الدجاج والحمام. هي نفس مصيبة المسلم المعاصر الذي يقول اقتنعت أنني قوي لكن أقنعوا الأعداء أنني قوي، إذا اقتنعت بشيء فليس من شرطه أن يقتنع به من يعاديك، هذه الحملة الإعلامية المسعورة التي جعلت أمة الإسلام تقيس قوتها بالمقاييس البشرية البحتة، فضعفت فيها العزة والقوة التي كتبها لها الله جل وعلا، وذلك بما كسبت أيدينا ويعفو ربنا عن كثير. ولذلك تلاحظ أن أي حوار بين طرفين طرف أوروبي أو غربي وطرف شرقي، تجد الطرف الغربي أو الأوروبي يتحدث معك وأنت تقتنع قبله وتسلم بمعطيات الحديث والنقاش أنك تتحدث مع رجل أقوى منك، في جميع مجالاته، في إعلامه وفي اقتصاده، وفي قوته وفي مختلف إنتاجاته، هذه من أسباب الضعف والوهن الذي حل بأمة المسلمين.

ضعف العقيدة في قلوب المسلمين

ضعف العقيدة في قلوب المسلمين أيضاً سبب أستطيع أن أقول هو الأول وليس الثالث، ألا وهو: ضعف تمكن العقيدة في قلوب المسلمين، إذا كنا نقول: إن الوهن كما بينه صلى الله عليه وسلم هو حب الدنيا وكراهية الموت، فإن المسلم الذي يتعلق قلبه بالدنيا ويكره الموت، هذا مسلم قد غاب عن نفسه أو عن فكره أن الذي يميت هو الله، وأن الذي يحيي هو الله، وأن الذي يقسم العمر هو الله، وليست الدبابة أو الطائرة أو المدفع هي التي تقتلنا، وليست الرشاشات ولا المدافع ولا أسلحة التدمير الشامل أو الغازات الكيماوية هي التي تقتلنا، وإنما يقتلنا الأجل بأمر الله {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. إن نام عنك فكل طب نافع أو لم ينم فالطب من أذنابه أخطر حالة حينما يكون الأجل مندفعاً عنها، قد تشفى بغير سبب، وقد تشفى بأدنى علاج، وإذا حضر الأجل ولو لم تكن مريضاً انقطع النفس وانتهت الحياة فوراً. إذاً أيها الأحبة! لنعلم أن الذي يقتلنا هو الأجل، وليس الذي يقتلنا هو العدو أو السلاح، وأما ما خوفت به أمة الإسلام في هذا الزمان خاصة هذه الأيام. ويخوفونك بالذين من دونه، وما من سلاح وصلت إليه علوم الحرب، وتقنية الحروب إلا وجرب في أفغانستان، ومع ذلك ما ضر ذلك الشعب ما جمع وألب حوله وضده، أطلقت غازات كيماوية على المجاهدين بـ أفغانستان، يأتي المجاهد الأفغاني البسيط ويبل البطانية ويلفها هكذا ويحمل الرشاش، ويمر بين الغاز حتى يصل إلى الجبهة التي يريد أن يقاتل فيها، لماذا لا يموت هذا الأفغاني؟ لأن أجله لم يحضر، أحد الشباب يخبرني عن رجل من المجاهدين من جزر القمر اسمه أبو زيد القمري، يقول: كان في منطقة من مناطق الجهاد وهي منطقة مكشوفة، والمنطقة المكشوفة تكون نسبة التحرك والحرية فيها صعبة جداً قال: فكان يأتي في الليل ويحفر خندقاً برميلياً -يحفر في الأرض ما يكفي بأن يوضع فيه برميل أو ما يشبه حجم برميل- ويجمع فيه قذائف الآر بي جي التي هي مضادات الدبابات، ويضعها في هذا الخندق، ويقف على ممر طريق الدبابات فإذا دنت الدبابة خرج وقد ركب قذيفة الآر بي جي وأخذ يضرب بها، ويحلفون بالله أن الدبابة تضرب باتجاهه، فتذهب القذائف يميناً ويساراً؛ لأنه لم يحضر أجله، ولذلك لا تصيبه القذيفة، ويبعدها الله عنه، أهذا ضعفٌ في تحديد الهدف بالنسبة لجهاز الرادار في الدبابة؟ لا. جهاز الرادار يضع الهدف في وسط الصليب، ثم اضرب وإن كنت ملتفتاً يميناً أو شمالاً. يقول: ذات يوم خرج أبو زيد القمري وإذ بدبابتين، فضرب الأولى، واحتاج وقتاً ثانياً لكي يركب القذيفة، وإذ بالدبابة الثانية توجه فوهتها إلى صدره وبطنه، -أتظننه رجع إلى برميله وخندقه؟ لا. وإنما أخذ يتلو كلام الله جل وعلا: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]- فضربت الدبابة الضربة الأولى وإذ بها تمر من جواره ولم تصب منه شيئاً، ثم ركب قذيفة الآر بي جي ووجهها على برج الدبابة، فإذا بالدبابة تتفجر وقائدها يموت، لماذا؟ -هذا مثال بسيط عما يحدث لإخواننا في أفغانستان - لأن الآجال هي التي تقتل وليس الدبابة أو الطائرة أو القنابل العنقودية أو قنابل النابالم، أو غير ذلك. والله إنه لا يقتلك إلا أجلك، فإذا حضر الأجل عند ذلك لو اجتمع أطباء الأرض والسماء، والجن والإنس، وكان بعضهم لبعض ظهيراً، ما استطاعوا أن يؤخروا من أجلك لحظة، لما حضرت شاه إيران الوفاة، حضر ستة وثلاثون طبيباً استشارياً وأحضروا مجموعة من الأجهزة والمغذيات، وأجهزة تنشيط ضربات القلب، وفي هذه الفوضى من الآراء والخلافات والأسباب والإسعافات يأتيه ملك الموت، فيقبض روح هذا الهالك ويدعهم على جثته يختلفون. إذاً يا أحباب: حينما تغيب هذه المعالم من نفوس الأمة المسلمة عند ذلك يخشون الموت. الكافر يحب الحياة حباً عظيماً، وهو مستعد أن يتنازل عن كل شيء حتى عن كرامته وعرضه، وعن دينه إن كان له دين أو عقيدة في سبيل أن يبقى حياً، أما المسلم فلا، لأن الله جل وعلا علم أمة الإسلام {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] لماذا أتنازل في لحظة قد تكون لحظة الحياة وليست لحظة الموت، حينما يقف المسلم في مواجهة مع الكافر مواجهة عسكرية ينبغي للمسلم أن يعلم أن هذه المواجهة ليست هي الموت، إنما هي موقف من المواقف التي أمر الله أن نقف فيها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] من مواقف الإعداد والمواجهة والمقابلة، فإذا كان المسلم لا يهاب الموت ويعلم أن الموت بيد الله، ويعلم قول الله جل وعلا في شأن أولئك المنافقين الذين ثبطوا وأرجفوا وقالوا في قتلى أحد: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] كان المنافقون يقولون: لا داعي لأن نخرج لمواجهة الكفار خارج المدينة، والمتحمسون من الصحابة والمجاهدين يقولون: نخرج لملاقاة الأعداء، فكتب الله ما كتب، يقول الله جل وعلا مقرعاً وموبخاً أولئك المنافقين: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] أي إنسان تكتب له الوفاة، فإنه حتى ولو كان نائماً في بيته فإنه يخرج إلى مصرعه ومكان مهلكه في المعركة فيقف فيه، فتأتي قذيفته أو تأتيه الرصاصة أو الضربة التي تميته، ويوم أن غاب هذا المعلم عن نفوس المسلمين تعلقوا بالدنيا، وظنوا أن بالتعلق فيها الحياة، وخافوا من المواجهة، ومن الجهاد ومن الحرب، وظنوا أن في هذا الموت وليس هذا بصحيح أبداً، فليس الجبناء أطول الناس عمراً، وليس الشجعان أقل الناس عمراً. ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما ترددت استبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياةً مثل أن أتقدما قال خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة: [والله ما تخلفت عن معركة أو غزوة أو سرية بعد أن آمنت، والله ما في بدني هذا موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير، ألا لا نامت أعين الجبناء] لو كان الإقدام والحرب والمعارك هي التي تأتي بالموت، لمات أول الناس خالد بن الوليد؛ لأنه كان أشجع القوم. فيا أحبتنا! حينما غاب هذا المعلم عن نفوس المسلمين تعلقوا بالدنيا وخافوا من الموت، فأصابهم الوهن الذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (حب الدنيا وكراهية الموت). وماذا عن حب الدنيا -التعلق بالمال- نظن أن الجبن والخوف هو الذي يجعلنا نحافظ على ممتلكاتنا وأموالنا، انظروا على سبيل المثال ما حل بإخواننا في الكويت، أسأل الله أن يعجل عودتهم أعزاء مكرمين إلى بلادهم، ليست الحروب والمواجهات، وليست الشجاعة والإقدام هي التي تجعل المال أو الثروة تهلك، قد يكون هلاك المال والثروة بتسلط عدو خارجي، فجاءوا إلى الأموال وأخذوها من صناديقها وخزائنها ومخازنها. إذاً: لم يكن هذا البعد ولم يكن ذلك التأخر سبباً في الحفاظ على الثروة والمال، إنما لما كتب الله ما كتب وقعت الواقعة جملة واحدة، وإذا أراد الله أن يتم أمراً سلب ذوي العقول عقولهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يوم أن غابت هذه المعالم وهي أن الرزق والأجل (حب الدنيا وكراهية الموت) - بيد الله وأنها بأمر الله، ولا يقسم منها شيء إلا الله (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). فيا أيها الأحبة! يوم أن غابت نفوسنا عن هذا الأمر أصبح الوهن متحكماً في نفوسنا.

ضعف الولاء والبراء

ضعف الولاء والبراء السبب الرابع من أسباب الوهن: وقد ذكرنا من أسباب الوهن: - السبب الأول: الذنوب والمعاصي وعدم المبادرة بالتوبة منها. - السبب الثاني: الحملة الإعلامية التي انطلت على المسلمين وظنوا أن الأعداء قوة لا تقهر. السبب الثالث: غيبة معالم جلية من العقيدة ألا وهي الأجل والرزق أنها بيد الله جل وعلا، وهذه النقطة الثالثة، لا يكفيها وقفة ولا تكفيها محاضرات؛ لأن القرآن مليء ببيانها وشأنها. - السبب الرابع: ضعف الولاء والبراء. إن أمة من أمم المسلمين قد تدعم أمة أخرى اتقاء شرها، وليس هذا الأمر فيه ولاء أو براء وليس هذا البذل مبنياً على منهج إسلامي قويم واضح وجلي، وعند ذلك تجد الأمة التي تدعمها تنقلب عليك في أي لحظة من اللحظات، أنت تظن أنك تقوى بها فإذا بك تجد الخيانة والإخلاف والغدر من هذه الأمة التي أنت دعمتها. إذاً فحينما يحصل ذلك لا تجد في نفسك إلا ضعفاً ووهناً، ويوم أن يكون البذل والدعم لله، أن نعطي لله، وأن نمنع لله، وأن ندعم لله، عند ذلك نكون قد أعطينا ومنعنا وبذلنا أمة تقف معنا في كل موقف يرضي الله جل وعلا، وتقف معنا في كل موقف قد يُعتدى فيه على أعراض المسلمين أو حرماتهم، هذه مسألة وليس بعيب أن نطرحها لبيانها وإيضاحها، ولا يفهم البعض أنني أقصد هنا الاستعانة بقوات أجنبية، هذه موضعها آخر، وانتهت وحسمت بقول الثقات والأتقياء، والبررة من علماء الأمة، فإن الذي يخبط أو يتكلم في قضية الاستعانة بالقوات الأجنبية أقول: ليس لكلامه موقع بعد أن حُسم الأمر بكلام هيئة كبار العلماء، ومجلس القضاء الأعلى، فليس هذا مقصد حديثنا، حتى لا تختلط القضية بين مسألتين، أقول: إن من أسباب الوهن أن تعتمد على قوة لا تعضدها أو تدعمها لله وفي الله، خاصة إذا كانت هذه الأمة تقوم على منهج لا يرضي الله جل وعلا. هذه من أخطر الأمور؛ لأن من تعلق بشيء وكل إليه، فإذا تعلقنا بالله جل وعلا فنعم الوكيل، وإذا تعلقت الأمة بغير الله، فقد تعلقت بضعف وخزي وخيبة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعلى أية حال حينما نتحدث عن أمور في مجتمعنا أو في غير مجتمعنا فإنما هو حديث بيان النفس، وما ينبغي لنا أن نتخذه من المواقف الإيجابية، وحسب المؤمن أن يعتبر، وأن يأخذ الدروس والعظات في كل حياته ومواقفه. أقف عند هذا الحد -أيها الأحبة- فيما يتعلق ببيان بعض أسباب الوهن التي وقعت في الأمة وعلاجها واضح، وهو ترك الذنوب والمعاصي والبراءة منها، والمبادرة بالتوبة إلى الله منها، والإقبال على الله جل وعلا. أما قضية الحملة الإعلامية المسعورة ضد المسلمين: هذه يمكن أن نستلهم ما يناقضها وأن نفهم ما يفندها من خلال إعلامنا ومن خلال مجالاتنا، ومن خلال مختلف الوسائل التي تبين أن الأعداء وإن اجتمعوا فإنهم لا يقضون علينا بشيء لم يكتبه الله جل وعلا، وإنما يقضى علينا بما كتبه الله. الأمر الثالث: قضية العقيدة، أن نجدد فهم العقيدة في القلوب. الأمر الأخير: أن نعرف من هم أصدقاء أمة الإسلام، ومن هم إخواننا في الإسلام، ومن هم أحبابنا في الإسلام الذين يقاتلون في سبيل الله، والذين يقاتلون لإعلاء كلمة الله، والذين يقفون معنا جنباً إلى جنب في أي أمر يصيب أمة الإسلام، أما أن نظن أن كل من يتقى شره قد ينفع، فهذا ليس بقاعدة مطردة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم على محمد.

الأسئلة

الأسئلة

شغل الأوقات بمتابعة الأخبار

شغل الأوقات بمتابعة الأخبار Q البعض من الناس يشغلون وقتهم كله بتتبع الأخبار والصحف، وقد تشغلهم عن الصلاة أو تؤخرهم عنها، فنرجو من فضيلتكم التذكير بأهمية الصلاة والدعاء، حيث أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة؟ A أولئك قد يصدق عليهم شيء من قول الله جل وعلا: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83] والله كل هؤلاء الذين اشتروا الراديوهات، وكل الذين سمعوا الأخبار وكل الذين تابعوا التحليلات ما قدموا خطوة ولا أخروا خطوة، لكن استفاد أصحاب الراديوهات، لأن أولئك تعلقوا كثيراً بالتصريحات، ماذا يقول فلان؟ مبادرة خافير بيريز ديكويلار هل تمت أم لا؟ هل نفعت أم لم تنفع؟ قمة بوش وجورباتشوف هل أصلحت شيئاً أم لم تصلح؟ والناس ينتظرون النتيجة أن تحل بأيدي البشر؛ لا والله {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:52]. فيا إخواني: بدلاً من أن نصرف في شراء الراديوهات هذه الأموال نتصدق بها؛ لأن الصدقة ترفع البلاء، وتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء، وحاجتنا إلى أوقات ضيعناها، لندن تمدد ساعتين إضافي، ومونت كارلو تمدد، وحاجتنا والله ولو لجزء من هذا الوقت حاجة ضرورية في أن نصرفه في الدعاء والتضرع إلى الله جل وعلا. إلى الماء يسعى من يغص بلقمة إلى أين يسعى من يغص بماء والله مصيبة الأمة في هذه الضلالة والجهالة، وإذا لم تتوجه الأمة إلى الله وتبادر بالفزع والضراعة إلى الله فمتى تبادر ومتى تتوجه إلى الله؟!

نصيحة للمغرورين بأنفسهم

نصيحة للمغرورين بأنفسهم Q كما ذكرت جزاك الله خيراً يعتقد بعض الناس بأنهم غير مقصودين إذا ذكرت الذنوب والمعاصي، وكما يقول أنه عاشر بعض هؤلاء واقترب منهم ووجدهم يرتكبون الكثير منها، من غيبة وحسد لبعض طلبة العلم وغير ذلك من المعاصي الغير ظاهرة، فنرجو توجيه نصيحة لهؤلاء؟ A الذنوب تختلف، ولكن هناك ذنوب إذا أصر عليها العبد أصبحت كبائر، وكل ذنب تصر عليه يكون من الكبائر، وكل ذنب تتوب منه فإن التوبة بمن الله تجب ما قبلها، ولكن أقول بالنسبة للغيبة والنميمة، فما رأيت ذنباً أخبث من هذا، نسأل الله أن يجنبني وإياكم منه، تعرفون الغيبة والنميمة ما وضعها؟ رجل عنده صندوق يصلي الفجر مع الجماعة ويضع فيه حسنات، ويصلي الضحى أو يتصدق ويضع فيه حسنات، ويصلي الظهر ويضع فيه حسنات، ويصلي العصر ويضع فيه حسنات، ويضع فيه حسنات صلاة المغرب والعشاء، يعني صندوقه امتلأ بالحسنات التي تحققت له بسبب العبادات والصلوات، وبعد صلاة العشاء يجلس في مجلس فتسمعه يقول: لا تدري ماذا فعل فلان؟ فيه وفيه، كأنما أدخل يده في هذا الصندوق، وحمل وقراً عظيماً وأعطاه مجموعة من حسناته، ثم انتهينا من صفحة فلان، هات فلان الثاني، وكذلك أخذنا مجموعة من الحسنات وأعطيناه إياها، فما قمنا من المجلس إلا والصناديق التي جمعناها وملئت بالحسنات وزعناها وفرقناها على فلان وعلان الذين تكلمنا في أعراضهم ولا حول ولا قوة إلا في الله.

دعوة المسلمين للتبرع لإخوانهم الأفغان

دعوة المسلمين للتبرع لإخوانهم الأفغان Q لقد تأثر الجهاد الأفغاني بالأحداث الأخيرة في الخليج حيث انقطع ما يرد من الكويت وغيرها، وانشغل الناس عن إخوانهم هناك، لذا نرجو من فضيلتكم توجيه دعوة وحث المسلمين للتبرع لإخوانهم ومساعدتهم؟ A كنا نظن أنه عندما حصلت هذه الواقعة أن يتضاعف دعم المجاهدين لعلنا بدعم المجاهدين -الصدقة والبذل في سبيل الله- يدفع عنا البلاء الذي نحن فيه، وإذ بالنفوس تشح ويصيبها الهلع والفزع، ويقع فيها قول الله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] أصبح الناس لا يرون أمامهم إلا الفقر وانقطاع الأرزاق والأغذية من الأسواق، والذين تعودوا البذل والصدقة في سبيل الله ما عادوا إلا القليل؛ لأن منهم من أخذ أمواله يجمعها ويقول: خل قرشك الأبيض ليومك الأسود، ينتظرون اليوم الأسود، خل القرش الأبيض يدفع عنك اليوم الأسود، والكلام الصحيح أن تتصدق وأن تبذل في سبيل الله لكي يدفع عنك البلاء فالله الله يا إخواني! لا تنسوا المجاهدين، لا تنسوا المجاهدين، والله إن قامت للمجاهدين في أفغانستان دولة مسلمة سنية والجهاد ما قام إلا لأجل هذا، والله إن هذا سيلخبط حسابات العالم، وسيلخبط حسابات الدول الكبرى التي ترسم مخططاتها لضرب المسلمين، والله إذا قامت دولة الإسلام في أفغانستان سيكون هناك كماشة في مفترق الطرق، تكون حجر عثرة أمام أعداء الإسلام، أفغانستان بين ثلاثي، بين المد الشيعي في إيران، والمد الوثني في الهند، والمد الإلحادي الروسي في الاتحاد السوفيتي، وحينما نغرس دولة إسلامية سنية بين ثلاث جوانب وثنية وشيعية وإلحادية، سيكون هناك صمام أمان يحفظ تقدم أي قوة غاشمة من هذه القوى.

ظاهرة التأخر عن صلاة الفجر

ظاهرة التأخر عن صلاة الفجر Q من مظاهر الوهن الذي نلاحظه على البعض التأخر عن صلاة الفجر، فما توجيهكم لهؤلاء؟ A لا شك أن التأخر عن صلاة الفجر ذنب من الذنوب ومعصية من المعاصي التي من شأنها إحداث الوهن والضعف في حياة المسلم والمسلمين أجمعين. أقول: من واجبه أن يتقي الله جل وعلا، وأن يبادر بشكر نعم الله سبحانه وتعالى، وألا يضيع فريضة وهو على صحة وعافية، هل أنت مشلول؟ هل أنت معاق؟ هل أنت في مستشفى النقاهة؟ هل أنت لا تستطيع الوصول إلى المسجد؟ ما الذي بك؟ أتقول إن الذي بي هو السهر في الليل، ومشاهدة الأفلام أو سماع الملاهي، أو النوم متأخراً بالحديث والسواليف؟ وتجعلها مبرراً لترك صلاة الفجر، قال تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:43] لما حدث هذا البأس، كنا نظن أن المساجد سوف تمتلئ وسنكون مثلما نكون في رمضان، فالذي لا تراه في المسجد سوف تراه، والإنسان الذي عنده ذنوب ومعاصٍ سيقلع ويتوب وسوف يغير، وإذ بالناس لم يغيروا شيئاً اللهم إلا أنهم اشتروا الراديوهات فقط، القليل والله يا إخوان بمجموع الأمة هم الذين يمكن أن ترى فيهم نوع تقى، وإلا فالأمور كما هي، لكن نسأل الله أن يمن على ولاة أمرنا بأن يغيروا {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]. فإننا لا نستطيع أن نغير الخوف والفزع إلا إذا غيرنا من المعاصي إلى الطاعات.

الأسباب والمسببات في أقدار الله

الأسباب والمسببات في أقدار الله Q هناك إشكال: كيف نجمع بين كون الدبابات والصواريخ ليست سبب موت مع أن الموت في الواقع أو المشاهد يقع بسببها؟ A هذا ليس بصحيح، الذين يواجهون الصواريخ والدبابات عدد كبير، ومنهم من يموت بأجله ومنهم من يخطئه، أي: لا يموت لأن أجله لم يحضر، فهذا الكلام الذي تقوله ليس بصحيح، والشاهد على ذلك ما أخبرت لك بمثال في أفغانستان، ولما قال عبد الله عزام رحمه الله رحمة واسعة، وجعله في جنات النعيم، وغفر للذين نالوا من عرضه وتكلموا فيه لما كتب كتابه آيات الرحمن في جهاد الأفغان، قالوا: هذه خرافات، وهذا ليس بصحيح، بل كله آيات وكرامات تدل على أن من لم يصبه الأجل، فإن الموت لا يأتيه، عدد من المجاهدين ربما وجه الرشاش عليه وينفض ثيابه والرصاص يسقط منها، يا إخوان! قد يكون غريباً وعجيباً عليكم، لكن الذين يتعاملون مع الله، ومع قدرة الله التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، والله لا يمكن أن يكون هذا غريباً أو صعباً عليهم.

الفرق بين حب الدنيا والسعي لتحصيل قدر منها

الفرق بين حب الدنيا والسعي لتحصيل قدر منها Q ما وجه الجمع بين قول الله عز وجل: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77] وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (حب الدنيا وكراهية الموت) في تفسير الوهن؟ A ليس هناك تعارض، الجمع يكون بين أمرين متعارضين، لا يوجد هنا تعارض، الوهن هو: (حب الدنيا وكراهية الموت) وليس قول الله: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ} [القصص:77] يدل على أنك تحب الدنيا، بالعكس بل يدل على أنك تكون قنوعاً تأخذ من الدنيا قدر كفايتك، ولا تتعلق بها، وإن سعيت في جمعها فتجعلها في يدك، ولا تجعلها في قلبك، وتجعلها خادمة لك ولا تكون خادماً لها، وأن تسخرها في طاعة الله، ولا تسخر نفسك لأجلها، فليس هنا أي تعارض أبداً.

استمرار الجهاد في فلسطين

استمرار الجهاد في فلسطين Q فضيلة الشيخ: نحن نعلم أن مشكلة فلسطين هي المشكلة الرئيسية، فهل تظن أن سبب ما حل لإخواننا في الكويت وغيرها من المصائب، هي لأننا أدرنا وجوهنا وأقفلنا باب الجهاد في فلسطين؟ A والله يا أخي! ما أدرنا وجوهنا، ليس بصحيح هذا، والله ما نسينا فلسطين لا بالدعاء ولا بالبذل بما نستطيعه، ولكن شتان بين أفغانستان وفلسطين، فلسطين أخذت زمناً تحت منظمات كافرة، ومنظمات علمانية، ومنظمات وإن انتسبت إلى الإسلام فإنها لم ترفع الجهاد بصدق، إلا ما نراه أخيراً من منظمة حماس، وهي التي يجب أن تدعم، خاصة وأن أغلب الدعم الذي يقدم إلى منظمة حماس من مسلمي الكويت، والآن الكويت ذهبت فمن يدعم حماس؟ الأمل في الله ثم فيكم كبير، لكن أقول: إن عدداً من الناس حاولوا أن يقتاتوا وأن يجمعوا المال باسم فلسطين ولكن حقيقة الأمر أننا لم نعرف في فلسطين جهاداً صادقاً إلا من منظمة حماس، أما منظمة أيلول الأزرق، وأيلول الأحمر والصياح والأغاني والأناشيد فوق التل وتحت التل وجنب التل، ولم نرَ شيئاً، وبعض رجالاتها يتمنى أن يقابل الرئيس الفلاني الكافر، ويترجى أن يقابل الرئيس الفلاني الكافر، ولا أبلغ مما قال سياف رئيس وزراء المجاهدين عندما جاءه أحد المسئولين الفلسطينيين يريد مقابلته من أجل واسطة لحل القضية الأفغانية، قال قولوا له: إني أكره أن أنظر إلى وجهه فضلاً عن أن أقابله. قالوا: يريد مقابلتك في الفندق، قال: قضيتنا تحل في الخنادق، ولا تحل في الفنادق. حينما توجهت فلسطين أو هذه المنظمة الأخيرة منظمة حماس للجهاد في سبيل الله، تعلقت بها قلوب المسلمين وتحركت تبرعات المسلمين لها، وأما ما سوى ذلك فلسنا أغبياء، ولا يمكن أن تنطلي علينا الحيل، حتى وإن تكلموا في الإذاعة، فلا يمكن أن نصدق حتى نرى البراهين، لماذا صدقنا الجهاد في أفغانستان؟ لأننا رأينا البراهين، رأينا العزة في أبهى صورها، ورأينا البسالة والتضحية وقيام الليل والصيام والدعاء والقنوت والرباط في سبيل الله والتعلق بالله، براهين قوية على صدق هذا الجهاد. أما ما يتعلق قديماً بـ فلسطين فشأنها شأن آخر، لكن أقول: بالنسبة لما حدث أخيراً أو مؤخراً من منظمة حماس، فوالله إننا نرجو أن يوفقها الله جل وعلا إلى أن تكون سبباً لتحرير المسجد الأقصى، وأقول: بالمناسبة ليس كل الفلسطينيين أيدوا ما حصل من العراق على الكويت أو ما يسمونه بالحملات الإعلامية ضد السعودية، افهموا هذا جيداً ولذلك فإنني أقول: إننا نرجو من تلك الفئة التي لم تخدع ولم تنطل عليها تلك الشعارات البعثية الزائفة؛ نرجو فيها خيراً كثيراً بعد الله جل وعلا.

تخزين المواد الغذائية في المنازل لا ينافي التوكل

تخزين المواد الغذائية في المنازل لا ينافي التوكل Q بعض الناس أو بعض العلماء بالأصح انتقدوا الذين يخزنون المواد الغذائية، فهل هذا ينافي التوكل نرجو التوجيه؟ A جمع الرز لا ينافي التوكل، ولم نجد في كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، باب جمع الرز ينافي التوكل، هذا ما رأيناه، لكن أقول: إن الرازق هو الله، والأمر بيد الله وإلى الله أولاً وأخيراً، وليس عيباً أن تشتري لك كيساً أو كيسين أو ثلاثة؛ لكن العيب الذي حصل من الأمة أنهم بدلاً من أن يفزعوا إلى الله، فزعوا إلى الرز والدولار، فهذا هو العيب الذي لوحظ على كثير من المسلمين. يا إخوان! كلمة أخيرة أقولها لكم وأوجهها لإخواني الكويتيين: الأمل في الله، ثم في مساعي قادة المسلمين أن يحققوا لها نصراً وأن ترد الكويت إلى أهلها، هذا ما نرجوه ونسأل الله أن يحققه، لكن هل نظن أن المبادرات والاجتماعات وهيئة الأمم ومحكمة العدل الدولية، ومجلس الأمن سترد الكويت؟ لا. والله لا ترد الكويت إلا بالجهاد في سبيل الله، وكما يقول سياف: إن الكفار لن يضحوا بأولادهم من أجل أولادكم، ولن يضحوا بأموالهم من أجل أموالكم، وهذا الكلام صحيح، هل نظن أن كافراً يقول الله فيه: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] هل نظن أن هذا سوف يضحي بنفسه من أجل أن أحيا أنا أو تحيا أنت؟ لا والله. إذاً: فلا بد أن نعد للجهاد في سبيل الله، وأقول هذا لإخواني الكويتيين، وأقول لهم أيضاً: إن الشباب المسلم في المملكة العربية السعودية وفي قطر وفي الإمارات ومختلف دول الخليج الذين قتلوا واستشهدوا وماتوا في أفغانستان تلبية لنداء الجهاد، هل سيبخلون أن يجاهدوا في الكويت؟ لا والله، لكن إذا رفعت راية الجهاد منظمة مرتبة؛ لأن الله جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ} [النساء:71] جمع ثبه وهي: الفئة الصغيرة المنظمة {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً} [النساء:71] الكويت تعود لنا بالجهاد في سبيل الله، وإذا قُدر أن القوات المشتركة كان لها دور في عودة الكويت على الأقل نمر رافعي الرأس في مقدمة الركب، ونقول: نحن الذين بادرنا برفع السلاح لتحرير الأرض والبلاد، لكن يوم أن نقعد نكون في أحد أمرين: لو حررت البلاد من قبل القوات المشتركة ما هو وجهي ووجهك ونحن نشعر أن غيري وغيرك جلسوا وغيرهم طهروها من الأعداء، والله ما لك وجه ترفعه، لأنك جلست مكتوف الأيدي وغيرك هو الذي حرر لك بلادك، يعني: لو أن بيتك دخل فيه لص وخرجت من البيت واستدعيت جارك، فمالك أي كرامة وقوة أمام جارك هذا؛ لأن جارك هو الذي أخرج اللص، أنت لم تخرجه، وإنما جارك هو الذي أخرج اللص. فأقول: إن الكويت لن تعود إلا برفع راية الجهاد في سبيل الله، فعلى الإخوة الكويتيين أن ينتبهوا لهذا الأمر وأن يتصلوا بالشباب الكويتيين في مختلف المدارس والمجمعات، وأن يرتبوا دعوتهم إلى الله، وأن يعتنوا بهم في سماعهم وفي قراءتهم وفي مناهجهم وأن يتعاونوا معهم وأن يحدثوهم بالجهاد {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46] وأن يعلموهم فضل الرباط، فضل الشهادة في سبيل الله، وفقه الجهاد وآيات الجهاد وأحاديث الجهاد. لنا فرس لم تنجب الخيل مثلها فتحنا بها الدنيا يقال لها الردى حينما نضع الموت على الأكتاف والأكف، ونقابل أقواماً يحبون الحياة، عند ذلك يستعدون أن يقدموا كل ما نريده حتى لا يتفجر الجهاد في المنطقة، فلا سبيل لنا إلا بالجهاد في سبيل الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

أيها الشاب! من أنت؟!

أيها الشاب! من أنت؟! أيها الشاب! من أنت؟! موضوع جميل وشيق تناول فيه الشيخ موضوعات متعلقة بالشباب، تشحد الهمم وتوجه العقول، ومن تلك المواضيع: الإرادة تبني الرجال العبادة هي الغاية من الخلق وزن المسلم لا يقدر بمال طريق الجنة ولقاء الأحبة من الرسول وصحبه دور المسلم في هذه الحياة ماذا قدمنا أيها الشاب للإسلام مع مواضيع أخرى تناثرت بين طيات هذا الدرس.

الإنسان بين البداية والنهاية

الإنسان بين البداية والنهاية الحمد لله الذي لم يزل بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعَبَدَ ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله! أحمد الله الذي جمعني بكم على اجتماع طاعة ورضوان من الله سبحانه وتعالى في حلقة من حلق الذكر، في بيت من بيوت الله سبحانه وتعالى، ما الذي جمعكم؟ ما الذي جاء بكم؟ ما الذي أخرجكم من بيوتكم؟ ألستم ترجون رحمة الله؟ ألستم تريدون ثواب الله؟ ألستم تسألون الله العتق من النار؟ ما الذي جاء بكم؟ ألستم تريدون رفعة في درجات الآخرة، وقرباً من النبي صلى الله عليه وسلم يوم تردون على حوضه الشريف صلى الله عليه وسلم؟ ما الذي جاء بكم؟ ألستم تريدون زيادة من الهدى أو نوراً من اليقين؟ أبشروا فإن الله كريم، والله لو اجتمع نصف هذا الناس عند ملك من الملوك أو غني من الأغنياء أو ثري من الأثرياء يريدونه شيئاً يقدر عليه، ولا ينقص من ماله إلا الشيء اليسير أو نصف اليسير أو أكثر من اليسير لأعطاهم، فما بالكم وأنتم تجتمعون في هذا المكان تريدون وجه الله، تسألون الله الجنة، وتستعيذون به من النار، والله جل وعلا لو أعطى كل واحد منكم مسألته، وتاب عليكم، وغفر لكم، ما نقص ذلك من ملكه شيئاً، فأحسنوا الظن بالله، كما في الحديث: (أنا عند ظنِّ عبدي، وأنا مع عبدي إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه). حديثنا أيها الإخوة عن الشباب، والشباب والله هم نعمة أو نقمة، هم مصيبة أو طامة أو خيرات تتدفق، أو أشجار تزهر وثمرات تعطي عطاءً طيباً في كل زمان ومكان. الشباب إما بلاء على الأمم وإما دفاع وحصن منيع عن الأمم، وذلك بقدر ما يلتفت إليه الشباب، وبقدر ما يعتني به الشباب، وبحسب ما يتربى عليه الشباب، فإن تربوا على خير وجدت خيراً، وإن تربوا على غفلة وجدت غفلة، وإن تربوا على لهو وجدت لهواً. أيها الشاب: أخاطب كل واحد فيكم الآن، وليس الشاب هو من كان في العشرين أو في الثلاثين، بل حتى أهل الأربعين، ومن شاب بدنه فإن عقله لا يزال شاباً نشيطاً بإذن الله في طاعة الله سبحانه وتعالى، أقول: أيها الشاب من أنت؟ أنت الذي ولدتك أمك باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاجهد لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا أبدأ بكم بالمعاد قبل البداية، وبالنهاية قبل الانطلاقة، أيها الشاب من أنت وقت البداية، ومن أنت وقت النهاية؟! كل واحد منكم نزل من بطن أمه وهو يبكي، أم أن أحدكم نزل من بطن أمه وهو يخطب، أو أن أحدكم نزل من بطن أمه وهو يضحك؟ لا، كل واحد منكم نزل من بطن أمه وهو يبكي. فالسؤال الآن: نزلت من بطن أمك إلى الدنيا وأنت تبكي، فإذا نزلت من بطن الدنيا إلى القبر فهل ستنزل ضاحكاً، أم ستنزل باكياً متأسفاً على المعاصي والمعازف والملاهي والفواحش والسيئات التي اقترفتها وأصررت عليها واستمريت على فعلها؟ أخي أيها الشاب: الله جل وعلا خلقك في أحسن تقويم: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ} [التين:1 - 2] يقسم الله بهذه جميعاً {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4]. والله جل وعلا كرمك وجعل لك منزلة تفوق بها سائر البهائم فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء:70]. والله جل وعلا على لسان نبيه جعل حرمة عظيمة لدمك، وحرمة لعرضك، وحرمة لمالك، نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال: (ما أعظم حرمتك عند الله! وإن المسلم أعظم حرمة منك عند الله جل وعلا) الكعبة المشرفة أول بيت وضع للناس! حرمتك أيها الشاب ومنزلتك وعصمة دمك ومالك وعرضك بمنزلة تفوق منزلة الكعبة عند الله جل وعلا، لكن متى؟ إذا كنت عبداً لله!! أما إذا كنت عبداً للهوى، وللشيطان، وللأفلام، وللمسلسلات، وللملاهي، وللأغاني، ولسهرات الليل، ولكل معصية فلست كذلك؛ لأن الله جل وعلا ذكر شأن الإنسان في القرآن على أحوال، فتارة يذكر الإنسان بأنه مكرم، وتارة يذكر بأنه عزيز، وتارة يذكر بأنه في منزلة عالية، وتارة يذكر أنه في الحضيض بل أقل درجة من البهائم، قال تعالى في شأن الكفار ومن أعرض عن ذكره: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] وقال تعالى في شأن من أعرض عن ذكر الله وترك آيات الله وانسلخ منها: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176]. فأنت أيها الإنسان إما أن تكون مثلاً لأعلى الأمور وأَجَلَّها وأرفعها منزلة، وإما أن تكون مثلاً لأهونها وأقلها مكانة، أنت إما نعمة أو نقمة: دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر وتحسب أنك جسم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر

الإرادة تبني الرجال

الإرادة تبني الرجال لو أن الإنسان اجتهد أن يكون نافعاً ومؤثراً وقائداً لاستطاع أن يقدم خيراً كثيراً. أبو بكر الصديق أليس شاباً من الشباب، أليس إنساناً من بني الإنسانية، ومع ذلك انظروا إلى فضله ومنزلته وبركته على دين الإسلام. عمر بن الخطاب أليس شاباً من الشباب، أليس رجلاً من الرجال، انظروا إلى مكانته ومنزلته. شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، محمد بن عبد الوهاب، قادة الإسلام، المصلحون والدعاة أليسوا رجالاً وشباباً، أليسوا مثلكم، لكل واحد منهم عينان، وله أنف واحد، وله أذنان، وله يدان ورجلان، ما تميز عنكم بشيء، ولكن تميزت القلوب؛ فاختلفت الأفعال؛ وتباين السلوك. إذاً: نحن باستطاعتنا أن نكون كهؤلاء القادة. سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، أليس رجلاً من الرجال وفي نشأته كان شاباً من الشباب! انظروا بركة فضله وعلمه على العالم الإسلامي شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً! الشيخ محمد بن صالح العثيمين أليس شاباً من الشباب ورجلاً من الرجال! انظروا بركة علمه وثمار خيره. الشيخ سلمان العودة أليس شاباً من الشباب! انظروا ثمرة محاضراته ونتيجة علمه وفقهه. إذاً أيها الإخوة: لا يوجد ماء معين من شربه كان عالماً ومن لم يشربه أصبح جاهلاً. لا يوجد (بشت) أو (مشلح) معين من لبسه كان عالماً، ومن لم يلبسه فهو من الجهلاء. لا يوجد طعام معين يأكله فئة فيكونون علماء، وتُحرَمَه أخرى فتكون من الجهلاء، لا. المسألة مسألة إرادة، أنت أيها الشاب عندك إرادة فإرادتك هذه هي التي تقول لنا: من أنت؟ إرادتك إن كانت في العلم فأنت عالم، وإن كانت في الدعوة فأنت داعية، وإن كانت في الجهاد فأنت مجاهد، وإن كانت في الشفاعة فأنت تقضي حوائج الآخرين، وإن كانت في حب الخير فأنت برٌّ رءوف رحيم، وإن كانت في كل ما يرضي الله، فأنت عبد من عباد الله جل وعلا. وإرادتك إن كانت في حب الملاهي فأنت مطرب على وتر، وإن كانت في حب المسلسلات فأنت رجل تحفظ ألوان الأفلام ومختلف المسلسلات، وتحفظ نجوم السينما وأسماء الممثلين والممثلات والراقصين والراقصات. إرادتك إن كانت تفكر في السفر إلى الخارج وتتخيل الراقصين والراقصات في الملاهي الليلية، في النوادي الحمراء، في الخلوات المختلطة، في البارات الممتلئة بالمشروبات المحرمة، فأنت عربيد سكير ماجن لا وزن لك، ولا كرامة لك عند الله ولا عند الخلق أجمعين. إرادتك هي التي تحدد من أنت، تقول لنا: من أنا؟ نقول لك: أنت ابن إرادتك {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] ما الذي يردك؟ أليس القرآن بين يديك، كيف حفظه الصغار والناشئة، وبقيت سنين طويلة لا تحفظ منه جزأين أو ثلاثة؟ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم حفظها الشباب فماذا يردك أن تحفظها؟ كتب العلم أليست حمىً مباحاً لمن أراد أن يصل إليها بفضل الله جل وعلا، فلماذا لا تدخل المكتبات؟ لماذا لا تنطوي في لواء المراكز الصيفية وتستفيد من الأساتذة والمعلمين والمربين؟ لماذا تجعل الشوارع هي منتدى مجالسك؟ لماذا تجعل زوايا الحارات والبيوت هي مجالسك المفضلة؟ لماذا تجعل الأحاديث الساقطة والكلام التافه والقصص البذيئة ورديء الكلام هو غاية ما تحفظ وغاية ما تردد؟ لا تقل لي: من أنا؟ أنت ابن إرادتك، أنت ابن اهتمامك. وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام صدام قاتله الله ولعنه، وأسأل الله أن يظهر فيه النقمة للمسلمين أجمعين في الدنيا قبل الآخرة، أليس فرداً واحداً؟ بلى، ومع هذا ماذا فعل بالناس جميعاً؟ لذلك إذا وجدت الإرادة وسخرت في الخير؛ قلبت الدنيا رأساً على عقب، وحينما يسخر الإنسان التخطيط والتدبير والعلوم والصناعات في الشر -وهو إنسان واحد- يكون شؤم عمله على البشرية كلها، والإنسان إذا سخر كل ما لديه من أجل العلم والدعوة ونشر الخير ونفع الناس وتعليم الجاهل وهداية الضال؛ فإنه يستطيع أن يكون من أعظم بوابات التاريخ معرفة وعلماً واطلاعاً. فيا شباب لا تقولوا: لا نستطيع. لا تقولوا: نحن على هامش الحياة. لا تقولوا: نحن لا نستطيع أن نقدم رجلاً أو نؤخر أخرى. لا تقولوا: نحن من سقط المتاع أو من عامة الرعاع، لا، لا، هذا كلام مرفوض ولا يقبل من شاب أبداً.

العبادة هي الغاية من الخلق

العبادة هي الغاية من الخلق أيها الشاب أسألك بالله: خلق الله في عينك آلاف الأجهزة من الشبكية والقرنية والبؤبؤ والحدقة والرمش والعدسة والعصب الذي يوصل الصورة إلى المخ مئات الأجهزة في جارحة واحدة، هل خلقت لك هذه لكي تنظر بها إلى الأفلام والمسلسلات؟ صدرك هذا فيه من الأجهزة التنفسية المعقدة التركيب من الرئة والشعيبات الهوائية وما يتصل بها من الشعيرات الدموية، ودونها الجهاز الهضمي وما يتعلق به من المفرزات والمهضمات والمتجاوزات والتي ترفض والتي تقبل والتي تدفع والتي تنفع بإذن الله جل وعلا، في كل قطعة من بدنك أجهزة معقدة، أتظنون أن الله خلق هذه عبثاً؟! أتظنون أن الله خلقها لتكون سدى؟! {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [القيامة:36 - 39] ألم تك نطفة؟ ألم تك علقة؟ ألم تك مضغة؟! ثم صورك الله وزينك وجملك وجعلك في أحسن تقويم، أكل هذا من أجل أن تكون ببغاء تقلد ما يردده الأعداء، أو قرداً يردد ما يفعله الماجنون والفاسقون؟ لا والله ما خلقنا لهذا، يقول الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. الهدف الذي من أجله وجدنا لا يحتاج إلى كثير فلسفة. اسأل جدتك وجدك: لماذا خلقنا؟ يقولون لك: خلقنا لطاعة الله جل وعلا، والدليل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. يقولون: إن عجوزاً من العجائز كانت في الطريق، فمر رجل ومعه كوكبة من الرجال، فقالت: من هذا؟ قالوا: ألا تعريفنه! هذا هو الرازي الذي أوجد مائة دليل على وجود الله، فقالت العجوز: أخبروه أن عنده مائة شك في وجود الله، فلما بلغه الكلام قال: صدقت. نهاية إقدام العقول عقال وآخر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية مسعانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا عجوز تعرف دلائل الوحدانية بأبسط أدوات ووسائل الفطرة. ورجل أعرابي لما سمع قارئ يقرأ قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:1 - 2] صرخ وقال: بعث ورب الكعبة، لا بد للزائر أن يرتحل. فهكذا القلوب التي صفت بفطرة نقية وسلمت من المؤثرات الخارجية؛ أصبحت قادرة على استنباط حقائق الكون. يقول الشيخ الزنداني حفظه الله -وهو أستاذ كبير في علم وظائف الأعضاء-: سألت هذا البروفيسور فقلت له: هل يوجد من خلال دراستك وتجاربك المعملية وتشريحك لجسم الإنسان هل وجدتم في الإنسان جزءاً وجد عبثاً؟ قال: لا، كلما شرحنا هذا الإنسان، وأجرينا عليه التجارب، وبحثنا فيه؛ وجدنا اكتشافات جديدة، ووجدنا أن لكل جزء ونقطة وعرق وذرة في جسم هذا الإنسان وجدنا لها وظيفة. قال الشيخ الزنداني لهذا البروفيسور الكافر: هل الوظائف التي وجدتموها في جسم الإنسان تعمل منفصلة أم مترابطة؟ أي: هل اليد تعمل بمعزل عن العقل، والعقل يعمل بمعزل عن الهضم، والهضم يعمل بمعزل عن التنفس، والتنفس يعمل بمعزل عن الحركة؟ قال: لا، الثابت في علم وظائف الأعضاء أن الإنسان كل عضو وجد فيه وكل جارحة وجدت فيه لها مهمة ولها وظيفة، وكل وظيفة مرتبطة بوظيفة العضو والجزء الآخر. أي: لا يمكن أن تقول: إن هذه تعمل بمعزل عن الأخرى. يقول الشيخ الزنداني: هذا كلام جميل، إذاً: هذه الأنملة لها وظيفة ووظيفتها مرتبطة باليد، واليد لها وظيفة ومرتبطة بالجسم، وجهاز التنفس له وظيفة ومرتبط بالعقل، والعقل له وظيفة ومرتبط بالبدن، لكل شيء وظيفة. قال: نعم. قال الشيخ الزنداني: فما وظيفة هذا الإنسان الطويل العريض بكامل جسمه؟ قال البروفيسور الأبله: لا أدري. لا دريت ولا تليت إن شاء الله. أولئك يعرفون أدق الحقائق والمعلومات في ذرة في جسم الإنسان، ولا يعرفون لماذا وجد هذا الإنسان كله. مثلما قيل: الرجل الذي يشرب الماء بعينه أليس مجنوناً؟ قلنا: قلنا: بلى؛ لأنه لا يستخدم العين في غير ما خلقت له. والرجل الذي يشم الطيب بركبته أليس مجنوناً؟ بلى؛ لأنه يستخدم عضواً للشم أصلاً. إذاً: مجنون من استخدم جارحة لغير ما خلقت له، فما بالك بمن استخدم الجسم كله في غير ما خلق الله، أليس هذا سيد المجانين؟ بلى والله، ولكن جنون الناس في هذا الزمان يسمى بجنون العقلاء، تجد أقواماً يسمون عقلاء وتصرفاتهم تصرفات المجانين.

وزن المسلم لا يقدر بمال

وزن المسلم لا يقدر بمال أيها الشاب: نريدك أن تعرف أن الله أودع في بدنك أدق الأمور وأخطرها، لا تقل: أنا ليس لي وزن، وليس عندي مال، وليس لي مكانة، ولا قدر. أولاً: إذا كنت تريد أن تسأل عن مقدار ما تملك من الأموال؟ نقول لك: تعال يا أخي! أنت ليس لديك مال، ولكن أتبيع عيناً من عيونك بنصف مليون؟ يقول: لا، بمليون. يقول: لا، بمليونين. يقول: لا، بأربعة ملايين. يقول: لا، بخسمة ملايين. يقول: لا. تبيع يداً من يديك بخمسة ملايين؟ يقول: لا، تبيع رجلاً من رجليك بعشرة ملايين؟ يقول: لا، تبيع رئة من رئتيك بخمسة ملايين؟ يقول: لا. إذاً كم تملك من الملايين. تملك شيئاً عظيماً من الأموال الطائلة، ألا وهي في نعمة العافية. إذاً أيها الشاب وزنك لا يقدر بالمال، وإذا أردت أن تعرف هل الوزن يقدر بالمال، اسأل التجار الذين يملكون السبعين والثمانين والمائة مليون وهم يحرمون من الطعام، أو يحرمون من اللذائد أو الملذات، أو يحرمون من كثير من الأمور، تسألهم ما قيمة هذه الملايين؟ بالعكس والله إن هؤلاء يحترقون، كما قيل عن تاجر ثرى في أرض الحجاز - هذه قصة واقعية - وجد عاملاً من أهل اليمن، اشترى أربع خبزات وكيلو موز، وأخذ يضع الموز وسط الخبز، ثم يلفه على بركة الله، والتاجر ينظر إليه نظراً لا يصرف البصر عنه، فلما انتهى هذا العامل، انقلب على جنبه وتوسد الدرج ونام، فقال التاجر الغني: أتمنى أن أعطي هذا نصف ملكي بل أكثر من ذلك، وآكل مثلما ما يأكل وأشرب مثلما ما يشرب، وأنام مثلما ينام. إذاً أيها الشاب! أنت لا تنظر إلى نفسك بمقياس الدنيا، فإن عندك خير عظيم، ولا تقارن نفسك بأرباب الأموال؛ فإنك في حال أسعد ثم أسعد ثم أسعد منهم، إلا من سبقك بطاعة الله جل وعلا. أيها الشاب: آباؤك مسلمون، أمك مسلمة، جدتك مسلمة، جدك مسلم، لست بوذياً ممن يعبدون بوذا، لست من عبدة البقر، اعرف أصلك الذي تنتسب إليه، اعرف شرفك، أنت من أقوام يقومون آناء الليل وآناء النهار يتلون كتاب الله ويتذاكرونه، أنت من أقوام قد أذعنت ودانت لهم الدنيا في ظل لا إله إلا الله، فلا تحاول أن تقلد غربياً أو أمريكياً أو بريطانياً أو إيطالياً أو أسبانياً؛ لأن هؤلاء ليسوا بأولياء لك وليسوا من أهلك ولا ذويك، إنما أولياؤك هم المؤمنون. أنت من قوم تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، ومما رزقناهم ينفقون، أنت رجل قد أعد الله لك منزلة عظيمة، أنت برحمة الله وفضله وقبوله وتوفيقه لك ممن سترد على الحوض وتقابل النبي صلى الله عليه وسلم، وستحضن وتقبل نبيك صلى الله عليه وسلم، فاحذر أن تكون ممن يردون عن الحوض كما قال صلى الله عليه وسلم: (ليذادن أقوام عن حوضي يوم القيامة، فأقول: يا رب أمتي أمتي! فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).

الطريق إلى الجنة ولقاء الرسول وصحبه

الطريق إلى الجنة ولقاء الرسول وصحبه يا شباب! إذا كنتم تعلقون الآمال الطويلة أن تلتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وتلتقوا بـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة الكرام وأئمة الإسلام وأبو مسلم الخولاني وإبراهيم الحربي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والحسن البصري والحسن بن علي وسعيد بن جبير وأئمة الإسلام وعلمائهم وابن القيم وابن تيمية إذا كان الأمل والشوق يحدوكم والذكرى تقودكم إلى لقاء هؤلاء، فإن الطريق إليهم لا بالأغاني، ولا يمر بأفلام الفيديو، ولا بالمجلات الساقطة، وإنما يمر بقيام الليل وحفظ القرآن، وبالعناية بالسنة والدعوة إلى الله جل وعلا، وبمجالسة الأخيار، والعناية بحلق الذكر والتسبيح آناء الليل وآناء النهار. لو قلنا لواحد منكم: سنحجز لك موعداً بعد شهرين مع ملك من الملوك أو عظيم من العظماء؛ لمكثت يَعُدُ الليالي والأيام متى سوف أقابل فلان بن فلان، إذا قلنا لك: أنت ستقابل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ستقابل خير خلق الله وخير من وطئة قدمه الثرى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] ستقابل هذا النبي الذي يقول في شجاعته: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) والذي يقول في رحمته: (كل نبي يؤتى دعوته، وأنا ادخرت دعوتي لأمتي يوم القيامة، أقول: يا رب أمتي أمتي) أنت تقابل خير الخلق أجمعين فماذا أعددت لمقابلته؟ بل ستقابل من هو خير من محمد صلى الله عليه وسلم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] ستنظر إلى وجه الله العظيم الجليل، فهل تريد أن تكون ممن قال الله فيهم: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ} [المطففين:15 - 16]؟ أتريد أن تكون ممن يصرف ويسدل عليه الستار فلا يتلذذ برؤية الله، بل ولا ينظر إليه الله ولا يكلمه ولا يزكيه وله عذاب أليم، أولئك الذين أعرضوا عن ذكر الله جل وعلا. يا شباب الإسلام! إن المرجو فيكم كثير. أيها الشاب: أنت إما أن تكون من عباد الرحمن: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً * وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:63 - 68] أنت من أولئك؟ أم من الذين والعياذ بالله: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:25 - 29]. إما أن تكون من عباد الرحمن وإما أن تكون من عباد الشيطان الذين يقال لهم وفيهم وبهم: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة:30 - 34] ماذا يعد له؟ {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:35 - 37]. أنت إما أن تكون من السابقين من أصحاب اليمين، وإما أن تكون من أصحاب الشمال من أهل السموم والحميم والزقوم وطعام الأثيم. فيا أحبابنا أليس الخيار بأيدينا؟ هل نحن أحجار على رقعة شطرنج يأتي من يأخذ برأس الواحد منا ثم يضعه ويقول: أنت اجلس هنا لا تدخل المجلس، اذهب إلى الشيشة الفلانية والمقهى الفلاني والمطعم الفلاني، اذهب إلى السهرة الفلانية من أول الليل إلى آخره؟ هل أتى أحد وأخذ بتلابيبك وقال: قبحاً لك! لست بكفء أن تجلس مع الأبرار، اذهب مع أصحاب المخدرات ذوي الخلاعة والمجون، مع ذوي اللواط والزنا والفواحش والآثام؟ الخيار بيدك قد جعل الله أمامك الطريق، ووضح لك المحجة، فلأجل من بعثت الرسل؟ ولأجل مَن أنزلت الكتب؟ الليل والنهار والأفلاك والنجوم والسموات لأجل مَن؟ من أجل أن تعبد الله وحده، أفتدع كل هذا ثم تنصرف بعد ذلك ضالاً مضلاً غافلاً مضللاً إلى معصية وهوان وخزي بين الخلائق.

دور المسلم في هذه الحياة

دور المسلم في هذه الحياة أخي الشاب: هل أنت على هامش الحياة، أم لك دور مهم؟ هل فكرت يوماً ما أنك ستكون قائداً لجبهة من الجبهات في أفغانستان، أو قائداً من قواد الجهاد في فلسطين؟ هل فكرت يوماً ما أن تكون واحداً من العلماء الذين يجلس إليهم الناس ويتزاحمون بالركب عند حلقاتهم؟ هل فكرت يوماً ما أن تكون ممن ينفعون الإسلام والمسلمين؟ أخي الشاب: أنت إلى من تنتمي: هل تنتمي إلى أمريكا؟ هل تنتمي إلى روسيا؟ هل تنتمي إلى حزب البعث؟ هل تنتمي إلى العلمانيين؟ هل تنتمي إلى القومية العربية الفاشلة؟ هل تنتمي إلى الضلالة المستوردة أم تنتمي إلى دين؟ هل تنتمي إلى دعوة وإلى عقيدة؟ الكل ينتمي إلى عقيدته، لو سألت رجلاً من الذين يتبعون حزب البعث في أي دولة من الدول لقال لك: أنا بعثي ورسالتي رسالة عربية خالدة لأمة عربية واحدة، إن البعثيين يقطع الواحد منهم وهو يقول: آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما لها ثان والأخر يؤذى ويقول: بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها افطر ومن أجلها صم هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم هذا بعثي ينتمي إلى البعث يبتلى ويعذب في انتمائه الضال، ويصبر على ذلك ويموت على هذه الضلالة ولا حول ولا وقوة إلا بالله. شاب من الذين ينتمون إلى الحركة الباطنية الخبيثة، من الذين أفسدوا في الأرض، يقول لي أحد الرجال: لما جيء به ليقتل، قيل له: يا فلان! تب إلى الله واستقم، وجدد التوحيد، وانطق بالشهادتين، قال: فالتفت المجرم وقال: أنا دمي وروحي فداء للخميني. انظروا أي إصرار وعناد وانتماء وتمسك من شباب أهل الباطل إلى باطلهم وعلماء الباطل وأئمتهم. فأنتم يا شباب الإسلام أرونا تمسككم، أرونا انتماءكم، نحن أهل عقيدة ودعوة هذا الخير الذي نحن فيه جاء من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وقوة الأمير محمد بن سعود طيب الله ثراه، نحن ما أعطتنا أمريكا الاستقلال، وما أعطتنا فرنسا الوحدة، أو منحتنا اتحاداً كنفدرالياً كما يقال، أو دولة فدرالية، لا نحن أمة قامت على دين، قامت على دعوة، فهل شبابنا يفقهون هذا أم أن الواحد منهم يحفظ الأغاني الكثيرة، ويتردد في الملاهي الطويلة، ويضيع الساعات الطوال وهو لا يفقه لأي شيء خلق، ولأي شيء يسير، ينافس البهائم في نومها فينام عن صلاة الفجر إلى صلاة الظهر، ينافس البهائم في أكلها، فيأكل حتى تنشق كرشته، ينافس البهائم في شربها ويتمتع بهذه الملذات التي يتمتع بها الأنعام، بل هو أضل منها سبيلاً؟!! لا نريد شباباً كهؤلاء، هؤلاء إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، الأمة بحاجة إلى شباب أذكياء، بحاجة إلى شباب يجاهدون، بحاجة إلى شباب في الدراسة جد واجتهاد، في طلب العلم: اجتهاد وذكاء وحرص وبلغة وصحبة وملازمة للعلماء، في الدعوة: تضحية وتفان واستمرار على ذلك، في قضاء حوائج الناس: شفاعة للآخرين وتواضع لهم وخفض للجناح ولين للجانب. في كل مجال تجده مباركاً أينما كان، كما قال عيسى ابن مريم: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31].

ماذا قدمت للإسلام أيها الشاب

ماذا قدمت للإسلام أيها الشاب أيها الشاب أعود فأقول: ماذا قدمت للإسلام؟ كل واحد يسأل نفسه: ماذا قدمتُ للإسلام؟ ماذا قدمت لهذا الدين؟ هذا الدين الذي لا أحد يشك أن الخيرات التي امتلأت بها الأسواق ببركة الدين، وأن الأمن والطمأنينة والنوم الهادئ الوادع الهنيء في الليل لا يكدره فزع ولا لصوص ولا عصابات المافيا ولا الألوية الحمراء ببركة هذا الدين، هذه الخيرات التي تتابعت عليك ببركة هذا الدين، فماذا قدمتَ لهذا الدين؟! أيها الشاب: هل أنت ممن يستهلكون ولا ينتجون؟ أيها الشاب: هل أنت ممن شابهوا البهائم فلا ينفع إلا نفسه فقط، شحيحاً بخيلاً لا يود ولا يتمنى أن ينفع أحداً أبداً؟ أيها الشاب: هل خططت يوماً لكي تعرف ما هي مراحلك في الحياة؟ لو قلنا لشركة من الشركات: تفضلي وابنِ لنا هذا المشروع؟ لقالت الشركة: مما يتكون هذا البناء؟ سوف ننفذه خلال خمس سنوات، في السنة الأولى نبني الطابق الأول والمرافق، وفي السنة الثانية نبني فيها الطوابق الأخرى، وفي السنة الثالثة نعد المكيفات، وفي السنة الرابعة نعد الصيانة وما يلزم، وفي السنة الخامسة نفرشه ويكون جاهزاً للاستعمال. فنحن نقول أيها الشاب: بعد أن نسألك ماذا قدمت للإسلام؟ ما هي خطتك للوصول إلى جنة الله جل وعلا؟ كل هذه أسئلة شبابنا في غفلة عنها، لأنهم تعودوا الخير ونشأوا عليه وترعرعوا فيه، استظلوا بسماء الأمن وعاشوا على أرض الطمأنينة، وظنوا أن الأمر هكذا، لا، الله جل وعلا قد ربط الخيرات بالطاعة والأمن الرخاء بالإيمان: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. الخير الذي نحن فيه -يا شباب الإسلام- إذا أردتم أن تتقلبوا فيه، وأردتم أولادكم وبناتكم الصغار يستمروا عليه لا بد أن نحفظه بالدين. أليس فيكم يا إخوان من يتذكر قول الله جل وعلا: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]؟ والله إن الإنسان ليجلس أحياناً وأطفاله الصغار وبنياته الصغيرات أمام عينيه ثم يقول: يا رب! ماذا سيكون لهؤلاء الأطفال بعد أربعين سنة أو خمسين سنة أو أقل أو أكثر من ذلك؟ إذا أردت أن تضمن مستقبلاً طيباً مليئاً بالأمن والهدوء، ويستمر ويمتد ظله إلى هؤلاء الأطفال الذين تراهم أمامك: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:9] ماذا نفعل: نسجلهم في الضمان الاجتماعي؟ نضع لهم مساهمات في البنك؟ {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9] عليك بالقول السديد واتق الله جل وعلا، وراقب الله في كل ما تأتي وتذر، وأبشر بأن الله سيتكفل بهؤلاء. ألا تعرفون قصة موسى مع الخضر لما ركب السفينة معه ثم قال: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:67] إلى آخر القصة {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:77 - 78] ولما سأله وبين له التفصيل قال: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} [الكهف:82] ثم ماذا؟ {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} [الكهف:82] فصلاحكم أنتم يضمن السعادة والحياة الطيبة الوارفة الظلال، الهنيئة في المطعم والمشرب والملبس لأولادكم وبناتكم، ومَن سره أن يتكفل الله بذريته فعليه أن يصلح ما بينه وبين الله أولاً. أيها الشاب: ماذا أعددت لنفسك وماذا أعددت لذريتك؟ يا شباب الإسلام! هل ننتظر أن نكون كالغنم إذا ولدت، وجدت الخير، ومن ثَمَّ أخذت ترعى، وإذا جاء صافر الشر، كل يهرب ويولي؟ لا، نريد أن نربي رجالاً. رجالاً رقاق إذا ما الدجى زارنا نَصبنا محاريبنا للحزن وجند شداد إذا رامنا الـ ـبأس رأى أسدنا لا تهن نريد أن نكون رجالاً في الأمن، دعاة إلى فرح وابتسامة وسرور، وإذا انتهى الأمر أو جاء الجد، جاءت الحرب أو جاء الخوف وجدت الرجال الذين يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم.

القدوة عند الشباب المسلم

القدوة عند الشباب المسلم أيها الشاب قدوتك من؟ حينما تجلس مع بعض الشباب في بعض المدارس الثانوية أو المتوسطة، فتقول له: ما هي أمنيتك؟ يقول: أتصور بجانب فلان: ما هو المطرب المفضل؟ فلان. ما هو تفسيرك للون الأزرق؟ حياة صافية، ما هو تفسيرك لكذا؟ يعطيك من الكلام السخيف المليء من بالجرائد. أيها الشاب ما خلقت لهذا! أيها الشاب: اعرف وزنك وقدرك، هل أنت تقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِر} [الأحزاب:21] اجعل قدوتك محمد صلى الله عليه وسلم، ليس كما يفعل بعض الشباب أول موضة تخرج في أمريكا تجده يقلدها هنا، وآخر موضة في اللباس توجد في إيطاليا تجده يقلدها هنا، والمصيبة أن أصحاب الموضات تركوها ونحن لا نزال نقلدها. يقول لي الفنان فهد بن سعيد الذي تعرفونه وتاب إلى الله جل وعلا، الذي كان يسمى بوحيد الجزيرة، يقول لي: إن هناك شباباً يقولون: لا نصدق أن فهد بن سعيد يتوب، ولماذا؟ {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:8 - 9] هل هو غبي لا يعرف التوبة، أم أن طريق التوبة مغلق على الفنانين وأهل التمثيل والمعاصي؟ لا. الطريق مفتوح، لكن المصيبة أن من الناس من قلد أصحاب الفن، وتاب أصحاب الفن وهو لا يزال يعزف على وتر أربعة عشر. أذكر أن رجلاً في سجن المنطقة الشرقية -عندما كنت ألقي فيه محاضرة- قلت له: إن فناناً تاب إلى الله واسمه فهد بن سعيد، قال: أنا لا أصدق. والله أمر عجيب، يعني أصحاب الأمر تركوه ونحن لا نزال نتحمس له، والشيء بالشيء يذكر، هذه قصة، وإن كانت تروى من باب الطرف. القصة تقول: إن ثلاثة رجال كانوا في مطعم محطة القطار، وكانوا يأكلون وجبة غداء، وبعد لحظات جاء رجل يصيح، القطار تحرك القطار تحرك، فقاموا يركضون إلى القطار، فاثنين منهم أدركوا القطار وركبوه، والثالث عاد وهو يضحك، قالوا له: لماذا تضحك؟ قال: أنا الذي سأسافر، وهؤلاء إنما جاءوا لوداعي. فهؤلاء الشباب الذين يقلدون الفنانين الفنان رجع يضحك يقول: أنا تبت إلى الله وعرفت أن الفن غلط، وهؤلاء لا زالوا يلاحقون الفن، هذا جنون وخبال يقع فيه كثير من الشباب. فمن أصر على الغواية والانحراف، ولم يقبل الدعوة التي تأمره بالاستجابة لله وبترك المعاصي والملاهي، فسيستمر فاشلاً إلى أن يموت، حتى ولو نجح مالياً فهو فاشل في الآخرة، لأنه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] في الدنيا معيشته ضنك فاشلة {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] من أُعطي الآيات والمواعظ والهبات والنصائح الطيبة ثم لم يقبلها فحالته خطيرة جداً إن مات على ذلك، ولذلك فإن الله في كثير من الآيات يأمرنا بالتوبة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24].

احتقار الشباب لأنفسهم

احتقار الشباب لأنفسهم وأخيراً يا شبابنا: أنتم تستطيعون أن تقدموا دوراً، لا يقل أحدكم: أنا لا أنفع في شيء؛ فإن هذه مصيبة. الكثير من الشباب عندما تجلس معه، يقول: يا أخي أنتم ما شاء الله تعرفون تتحدثون وأنتم وأنتم وأنا لا أستطيع أن أفعل شيئاً، بل أنت تستطيع أن تفعل شيئاً كثيراً. أذكر مرة كنا في رحلة أيام الدراسة، وكنا ننزل الأغراض من السيارة، ثم جاء أحد الشباب فقال: ماذا أعمل؟ فرد أحدنا قائلاً: أنت هش الذباب، مالك شغل! نحن ليس لدينا شباب يهشون الذباب، عندنا دور لكل شاب، عندنا طريقة لكل شاب، عندنا وظيفة لكل رجل، عندنا مهمة لكل من أراد أن يبذل لهذا الدين، لو أن كل واحد منكم خطط أن يتوب إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي: هيهات لن تصلح الناس وأنت فاسد هيهات ما أبعد ما تكابد أي: لا بد للإنسان أن يستعين بالله على ترك المعصية، حتى تكون دعوته بين الناس لها أثر عظيم ينال بها خيراً عظيماً. وكلنا يعرف قصة ذلك الرجل كبير السن الذي كان كلما وجد شخصاً أخبره بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) هذا الحديث في صحيح البخاري. كان يدعو إلى الله بهذه الكلمات، فكان إذا دخل عند الخباز يذكر له هذا الحديث (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) فيبدأ يتعلمها الخباز، يدخل إلى البقالة فيقول له البقال: ماذا تريد فيقول: أقول لك يقول صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) أينما ذهب يعلم هذه الكلمات، حتى وصل أجله، وفي اللحظات الأخيرة كان على السرير الأبيض في المستشفى، فبلغته سكرات الموت، فأغمي عليه ثم أفاق والطبيب ماسك بيده، فلما استيقظ هذا الرجل العجوز الكبير من تلك السكرة التي شدت عليه نَفَسه لما أفاق منها وجد يده في يد الطبيب، فقام وأمسك يد الطبيب بيده الأخرى وقال: يا دكتور! يقول صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان، خفيفتان على اللسان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) لا إله إلا الله وفاضت روحه. فكان سبباً لهداية الطبيب وتوبته واستقامته. فيا شبابنا! يا رجالنا! يا أبناء أمتنا! كل يستطيع أن يقدم دوراً، لا تقل عندي أشرطة وعندي نسخة أصلية للفنانين، وعندي أفلام ممنوعة أحدهم أتى بها لي بطريق معروفة، وشخص لفها في جريدة وأعطاني إياها، وواحد أتى بها بالطريقة الفلانية، وآخر قال لي: هذه نسخة لا يطلع عليها إلا أنت، لا. كنا في حلقة تدريس يدرسنا أحد القضاة في الرياض، درس في كتاب العدة شرح العمدة، فقال أحد الطلاب: أنا شاب تبت إلى الله جل وعلا وعندي أفلام خليعة لصديق آخر فهل أكسرها؟ فقال له الشيخ: امسح المادة وأعد الأشرطة. فإذاً نحن لا نقول لك: ما دام عندك أشرطة لا أمل لك أن تتوب، عندك صور خليعة فلا أمل أن تتوب لو كان عندك خمسين مصيبة، تب إلى الله، يبقى عندك مصيبتان أو ثلاث مصائب تتوب منها إن شاء الله في الأيام القادمة، ولا نريد تكرار خبر الشاب الذي سمعتم قصته في شريط (حاول وأنت الحكم) هذا الذي يقول: عندي فساد وأشرطة وفواحش وصور وعندي وعندي فقلت له: أأنت جاد في التوبة إلى الله؟ قال: نعم. قلت: صلِّ معي العشاء وأنا أخرج معك إن شاء الله، نسأل الله أن يتوب علينا وعليك ونحرق الأشرطة، قال: لا بالتدريج يا شيخ، ما نتوب كذا، طيب تعال علمني كيف نتوب؟ نقول: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8] نمحو ما يقبل المحو منها ونتلف ما ينبغي إتلافه قال: لا بالتدريج. فأقول لكم يا إخواني: بإمكانكم منذ هذه اللحظة أن تتحولوا إلى دعاة. ليس بالضرورة أن تتوب من جميع ما عندك من الذنوب مرة واحدة، وإن كان الواجب هو أن تتوب إلى الله من جميع الذنوب، لكن لو قَدَّرنا أن شاباً يقول: أنا تبت إلى الله جل وعلا لكن وقعت في هذه المشكلة غداً، ثم وقعت في مشكلة صغيرة بعد غداً، نقول تب إلى الله منها، واستمر على ما أنت عليه، لأن بعض الشباب يقول: أنا إذا أردت أن أتوب فمعنى هذا أن أنافس جبريل في الطاعة، أي: لا أخطئ أبداً أبداً، هذا ليس بصحيح أبداً، كل البشر يخطئون ويذنبون وعندهم من الخطيئة، لكن الخطأ هو الاستمرار على الخطيئة، عندي صور، مجلات، أفلام، عادات سيئة، أمور خبيثة، تبت منها كلها، وغداً وقعت في واحدة أيهما أفضل: أن أصبح غداً على نفس الخمس أو على واحدة فقط؟ لا. ربما الذي وقع في واحدة أهون عند الله من الذي وقع في الخمس كلها، لكن نقول لك: افعل واحدة واترك أربعاً، كما تبت بالأمس من الخمس تب اليوم من هذه الواحدة، ولو وقعت بعد غدٍ في غيرها تب إلى الله من غيرها، فكلما أحدثت ذنباً أحدث بعده توبة، وسترى خيراً كثيراً بإذن الله جل وعلا.

التوبة التوبة يا شباب!

التوبة التوبة يا شباب! يا شبابنا ما الذي يمنعكم من التوبة؟ هل تحتاج التوبة إلى برقية عاجلة للإفتاء؟ هل تحتاج التوبة إلى وساطة أحد؟ أبداً والله، توضأ وأحسن وضوءك واسأل الله جل وعلا أن يتوب عليك توبة نصوحاً، وأن يقبل توبتك ثم عُدّ، فما وجدت عندك من الأمور التي لا ترضي الله أبعدها وتجنبها واتركها، ثم ابحث عن الصحبة الطيبة، ابحث عن الجليس الصالح، وعلق نفسك به: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:28]. شاب يريد أن يتوب إلى الله من التدخين والمخدرات، والصور الخليعة والأفلام الماجنة، والأغاني الهابطة، يكسر الأفلام اليوم وينتهي منها، وغداً يذهب مع الشباب يشاهد ويقول: يا حظكم عندكم أفلام وأنا كان عندي أفلام. لا يصح هذا، ما دمت تبت إلى الله، اترك هذه المجالس، وجالس حلق الذكر وأصحابها، جالس الذين ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر آكله. أما أن الإنسان يتوب اليوم وغداً يجلس مع الفنان أو مع المطبل فهذا لا يكون، لكن تب إلى الله وبدلاً من جلسات اللهو ابحث عن مجالس البر والخير، فأنت المستفيد {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46] {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:89] أنت المستفيد الأول، الإسلام غني عنك، الدين ماض بك وبغيرك، بك وبدونك، {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:89] {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54]. فيا إخواني: لا يظن الواحد أنه يَمُنُّ على الدين يوم أن يلتزم، أو أن هذا الدين متوقف على التزامه، لكن هو مَن يستفيد، لو توفاك الله هذه الليلة ماذا ستفعل؟! يذكر لي أحد الإخوان عن شاب أنه كان مسافراً هو وزوجته وأطفاله، والسفر كان طويلاً، وأثناء الطريق أصاب الطائرة خلل، وقام المضيف يتكلم: يوجد بالمحرك الموجود في المكان الفلاني من الطائرة خلل، والمخارج هي التي ترونها قد أضيئت عليها الإضاءة، وأخذ يشير إلى المخارج. ماذا فعل الرجل؟ قام يبكي وانتفض وتغير وجهه، حتى إنه ما ذكر، أخذ يبكي يبكي ويلتفت يمنة ويسرة، وأما زوجته فقد أخذت الأطفال بجوارها وضمتهم وهي تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله. يقول لي الشاب: بفضل الله جل وعلا صلح العطل ونزلت الطائرة بسلام. يقول: فقلت له: أما زوجتك فما كانت تخشى من المعاصي، ولذلك عرفت أنها تقدم على الله بمغفرة ورحمة، وإن كان عندها شيء من الذنوب اليسيرة من اللمم وأمر الغفلة -ليس من الغفلات المقصودة، أي من الخطأ والسهو الزلل اليسير- ولذلك ثبتها الله وضمت أولادها حولها، وأخذت تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأما أنت فتذكرت الذي يخزيك ويسوؤك عند الله، وأخذت تبكي وتصيح كالمرأة. المرأة ما بكت وإنما ضمت الأولاد وأخذت تحوقل وتقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لأنها ما ذكرت أموراً بارزت الله بها، أو فعلتها سراً وعصت الله، واختلت في معصية الله بها، وأما أنت فقد تذكرت المصائب، تذكرت ليلة فعلت بها كذا، وتذكرت فيلماً سهرت عليه، وتذكرت مجلة موجودة عندك الآن، وتذكرت شريطاً يوجد في الدرج الفلاني، وتذكرت رقماً يوجد في جيبك، وتذكرت كذا، فأصبحت تبكي، وتنزعج بهذه الطريقة، ماذا قال؟ قال: صدقت والله! نعم يا إخواني: الذي يعمل المعاصي ولا يتوب منها، يخشى من سوء المطلع، والخاتمة، وأما الذي يحرص على الطاعات، ويبتعد عن المعاصي، تجده يقدم على الله، وإن كان يعلم أن عنده بعض الذنوب، لكن يثق أن رحمة الله أوسع من هذا كله، ومن أحسن العمل أحسن الرجاء. الآن تجد الإنسان الذي يذاكر ويستعد للامتحان، ويقدم مذاكرة طيبة، وعنده أعمال سنة، يقول: إن شاء الله ننجح، وتجده مطمئناً، ونرجو أن ننجح، ونرجو النتيجة تكون طيبة، لكن هذا الذي لم يقدم شيئاً ولم يدرس ويهتم، فطبع على قلبه، وتجده منكسر البال، خائفاً على مستقبله ومصيره الغامض، لأنه ضيعه بما أودع في أيامه ولياليه من الغفلات والشهوات. فيا أحباب التوبة التوبة، والعودة العودة إلى الله.

نظرة الآخرين إلى أبناء الجزيرة

نظرة الآخرين إلى أبناء الجزيرة إن الواقع الآن يحتاج منا أن نعود إلى ديننا، إن العلمانية قد أثبتت فشلها، والبعث العربي أثبت فشله، والقومية العربية أثبتت فشلها، كل الشعارات أثبتت فشلها، فإذا أنتم يا أبناء الإسلام، يا أبناء الجزيرة تخليتم عن الدين وما تمسكتم به وتهاونتم: هذه أغاني، وهذه أفلام. لا بأس بها، وهذه فيها خلاف، وهذه كل الناس يفعلونها، إذا أنتم يا أهل الإسلام يا أهل الجزيرة تركتم هذا فمن الذي يتمسك بالدين إذاً؟! نلوم مسلمي الفلبين أو كوريا، إذا كان أبناء الجزيرة الذين يتكلمون اللغة التي نزل بها القرآن قد تهاونوا بالدين، وجعلوه وراءهم ظهرياً - نسأل الله ألا يكون ذلك - من الذي يقوم بالدين؟! ننتظر مسلمي كوريا أو مسلمي كينيا أو مسلمي القارة الخضراء يقومون به، أنتم أول من يُسأل عن هذا الدين؛ لأنه نزل بلغتكم ونزل بلسانكم، والكعبة في أرضكم، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في بلادكم، فبماذا تفتخرون أو تفاخرون الأمم؟! أحد الشباب يذكر قصة لمجموعة من الشباب سافروا إلى بانكوك، لكن أين سيذهبون؟ أتوجد كعبة في بانكوك سيطفون حولها؟ أيوجد مسجد للرسول يشدون الرحال إليه؟ أيوجد عالم من العلماء يطلب عنده العلم في بانكوك؟ طبعاً معروف إلى أي شيء ذهبوا، قال: فقابلهم شاب مسلم تايلندي - أظن درس في الجامعة الإسلامية أو يعرف بعض الأشياء في المملكة ودرس دراسة لا بأس بها - فلما قابلهم قال: أنتم من السعودية؟ قالوا: نعم. قال: لماذا تأتون إلينا وتتركون الكعبة؟ تتركون مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وتأتون إلينا، ماذا عندنا؟ عندنا الدعارة والوساخة والعهر والفساد والخنا والزنا واللواط والفواحش ماذا تريدون؟ فأخذ هذا المسلم التايلندي بلغته الركيكة ولسانه الأعجمي يوبخهم حتى استحوا. نعم نحن -أيها الإخوة- مسئولون أمام البشرية وأمام الله قبل كل شيء عن هذا الدين، إذا قيل: الإسلام في أي دولة من دول العالم؟ فالناس يتبادر إلى أذهانهم السعودية، والآن لو كان هناك مجلس فيه جنسيات مختلفة كثيرة: كوري، فلبيني، مصري، تركي، فرنسي، ألماني، يمني، أردني، هات العالم كله، ثم تقول السعودية، هل يتبادر إلى ذهنك صليب؟ لا، هل يتبادر إلى ذهنك صنم؟ لا، بل يتبادر إلى ذهنك؟ الإسلام. فالعالم يحسب أن هذا الدين أنتم مسئولون عنه، فإذا كرستم اهتمامكم على ثيابكم وملابسكم وشهواتكم وبطونكم فمن لدين الله جل وعلا؟! من لدين الله يا شباب الجزيرة، يا شباب الإسلام، نعم لو تخليتم عن هذا الدين لا يبالي الله بكم في أي واد تهلكون، قد ينصر الله الإسلام بالأفغانيين، قد ينصر الله الإسلام بالأتراك في يوم ما، قد ينصر الله الإسلام باليمنيين، بالأردنيين، بالسوريين، بأهل الشام، بأهل الجنوب، بأي فئة كانت، ليس الإسلام حكراً عليكم، لكن الناس يعلقون عليكم مسئولية عظيمة تجاه هذا الدين، فإذا كان لشباب الإسلام اهتماماتهم بالتفحيط وتجميل السيارات وسماع الأغاني ومتابعة المسلسلات وتقليد الموضات، إذاً لا نلوم رامبو ولا نلوم الممثلين ولا نلوم أولئك فيما يفعلون إذا كان الإسلام هذا تقليدهم، وهذا فعلهم فلا يلام أولئك: لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم لا يلام أهل الباطل إذا كان أبناء الإسلام ضيعوا الإسلام، فماذا ننتظر من أهل الباطل إلا أن يتآمروا علينا وأن يجهزوا علينا، ويجعلونا أذلة بين الخلائق أجمعين، لكن لنتمسك بهذا الدين ونعتز به، فإنه والله به العزة والنصرة والكرامة والسيادة وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [نحن قوم أعزنا الله بالإسلام؛ فمهما أردنا العزة بغيره أذلنا الله]. فلا نعتز بالكباري ولا بالبنايات ولا بالطرق ولا بالمنشآت ولا بالمستشفيات ولا بالجامعات ولا بأي شيء، العزة بهذا الدين، إن تمسكنا بالدين فأبشروا بكل خير؛ في الطرق والمواصلات والمستشفيات والجامعات والمحاصيل، وإن تركنا هذا الدين فسوف تنقلب علينا الأمور رأساً على عقب ويقال: كانت المملكة غنية، كانت المملكة ثرية، كانت المملكة دولة نفطية، كانت المملكة هل النفط يخرج لسواد أعيننا؟! هل نضحك للبئر فيفور البترول؟! لا {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:30] الله يسخر كل خيرات الأرض لكي تخرج ما دمنا نتمسك بالدين، فإذا ولينا وتركنا هذا الدين فلو شاء الله أن يكون هذا غائراً أو جامداً، ولا تستطيع وسائلنا أن تصل إليه لكان نفعل، وليس ذلك على الله بعزيز {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:96] البركة والخير في هذا الدين، يا شباب الإسلام! تمسكوا بهذا الدين فهو والله سبب العزة الرفعة. أوروبا أصبحت تتجمع في وحدة واحدة هي السوق الأوروبية المشتركة، وهي عبارة عن تكتل اقتصادي أوروبي يحارب منتجات المسلمين ويسوق منتجات الأوروبيين. كانت ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية دولتين منفصلتين، هدم السور الذي بينهما، فصارتا دولة واحدة، وقريباً ستكون بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا ستكون هكذا دولة واحدة، ويخططون بعد عام 2000 أنه ستكون أوروبا دولة واحدة عاصمتها بروكسل التي هي عاصمة بلجيكا الآن. انظر إلى الغرب كيف يخططون للوحدة المرتقبة العظيمة، وكل أهل ضلالة يتكتلون، وكل أبناء طائفة يتكتل بعضهم مع بعض، فأنتم يا معاشر المسلمين تمسكوا بدينكم، وإذا جاءت المصائب والفتن ما الذي ينجي؟ في حرب الخليج أتظنون لو أننا أرسلنا مائة مطرب والفرقة الماسية والفنانين على الحدود وقلنا لهم: شنوا حرباً على البعث واجعلوا صدام يهزم، هل يعقل هذا؟ لا يعقل هذا، لا ينفع الأمة إلا الرجال، فالعلماء ثبتوا الناس، والجيوش استعانت بالله جل وعلا من المسلمين ومن جاء من أهل المصالح المشتركة المهم أن العملية وقفت لها جهود، انظروا إلى حال الأشياء التي يهتم بها الشباب، هل إذا جاءت الحرب نقول: تعال يا صدام انظر المصور وسيدتي والمجلة الفلانية، هل المجلات ترد عدواً؟! هل الأغاني ترد عدواً؟ أبداً، ما يرد الأعداء إلا الدعاء، لما قام الناس يتهجدون آخر الليل، ويقنتون في جميع الصلوات، وقام العلماء يثبتون الناس ويشجعون الناس على الجهاد، وقام العلماء يبينون خطر المرحلة وما ينبغي أن يكون بين الناس من التوازن وتماسك الجبهة الداخلية والحرص على الأمن الداخلي أثناء الحرب على الحدود، وأن يكون كل مواطن مسلم مخلص يفتح عينيه وينظر ما الذي يدور في البلد؟ من الذي يريد أن يستغل الظروف؟ هكذا نفعت الأمور الطيبة النافعة، لو كانت الأغاني والملاهي والتمثيليات وغيرها تنفع لقلنا: تعالوا يا شباب، كل واحد عنده شريط أغاني يعطينا إياه، كل واحد عنده مجلة يعطينا إياها، كل واحد عنده فيلم فيديو يعطينا إياه، لكن الحقيقة تثبت وتقول: إن هؤلاء لا ينفعون، إنما ينفع الجد والإيمان والدعاء وسلاح العلم والثبات والبصر والبصيرة.

القيام بأمانة هذا الدين

القيام بأمانة هذا الدين ختاماً أيها الإخوة: أمانة ومسئولية على رقابكم، هي في أعناقكم أنتم تقوموا بهذا الدين على العين والرأس، قولوا: يا ربنا نعاهدك أن نموت دون هذا الدين، وأن تراق دماؤنا لأجل هذا الدين، وأن تنتهي مصالحنا لأجل هذا الدين. يا ربنا أغلى شيء عندنا ديننا، ومن أجل مرضاتك نترك الغناء، نترك اللهو لوجهك سبحانك، نترك المعاصي لوجهك سبحانك، هنا نثبت أننا أمة جادة في استقامتها واستعانتها بالله سبحانه وتعالى. أما أننا نسمع هذا الكلام يدخل من هذه الأذن ويخرج من هذه الأذن. لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي ولو ناراً نفخت بها أضاءت ولكنك تنفخ في رماد نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لكني أثق أن هذا المسجد المليء لن يخلو إن شاء الله من شباب ورجال قد بلغت إن شاء الله هذه النصيحة في قلوبهم مبلغاً، وعاهدوا الله منذ هذه الليلة من كان على صلاح أن يزداد صلاحاً، ومن كان على معصية أن يودع المعصية وأن يفتح صفحة جديدة لخدمة دين الله، لوجه الله، لإعلاء كلمة الله. والله يا إخوان إن اجتماعكم هذا يغيظ اليهود في تل أبيب، وأمريكا، وبريطانيا، ويغيظ النصارى في روما وإيطاليا؛ لأنهم يعملون باليل والنهار من أجل إفسادكم وإضلالكم، ومن أجل أن تنزع بناتكم الحجاب، وتعاكس بالهاتف، وتخرج بالتبرج والسفور، وتريد الاختلاط، يريدون أن تجتمعوا في كل اجتماع على لهو، إلا الاجتماع في بيوت الله، بكتوهم واجعلوهم من الأذلين، وخيبوا ظنونهم في إضلالكم، بإذن الله ترضون الله جل وعلا وتفوزون بنصر الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

صعوبة ترك الأصحاب السيئين بعد التوبة

صعوبة ترك الأصحاب السيئين بعد التوبة Q أحسن الله إليك: إن ترك الأصحاب أمرٌ ليس بالسهل، وإن تركتهم لم يتركوني. أرجو أن توضح ذلك؟ A يا أخي هذا سؤال جميل ومن أجمل الأسئلة التي مرت علي، أقول لك يا أخي الحبيب! إذا كنت تترك الأصحاب من أجلي أو من أجل شخص آخر فأظن أن هذا ليس بسهل، لكن ترك الأصحاب لوجه الله جل وعلا لا بد أن يكون سهلاً ميسوراً، ولو لم يكن سهلاً فلا بد أن تجاهد نفسك ليكون سهلاً، ولا بد أن تعصر وتكسر نفسك وتغصب نفسك حتى يكون هذا ميسوراً، نحن ما قلنا لك: اترك هذا الفنان والزم هذا الفنان، اترك هذا الضائع واتبع هذا الضائع، اترك هذا المنحرف واتبع ذاك المنحرف، لا، قلنا: اترك هذا الضال واتبع هذا المهتدي، اترك هذا الجاهل واتبع هذا العالم، اترك هذا المنحرف واتبع هذا المستقيم، وكل هؤلاء لأجل الله جل وعلا، تركت هؤلاء وتبعت هؤلاء لوجه الله سبحانه وتعالى، ما تركت هؤلاء لأجلي ولا لأجل الشيخ فلان أو لأجل رئيس المحكمة أو لكاتب العدل، لا، تركت ذلك لوجه الله جل وعلا {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} [الأنفال:70] (من ترك شيئاً لله، عوضه الله خيراً منه) جل ربنا أن يعامله العبد نقداً فيجازيه نسيئة {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21] أتريد الهداية ولكن أمر الأصدقاء يشغلك؟ اهتد واستقم واجتهد على أصدقائك ليس لوحدك بل بعون من الدعاة على أصدقائك فليكونوا أصحاب خير لك. عرفت كثيراً من الشباب كانوا يسافرون إلى بانكوك سوياً، كانوا يذهبون إلى الدار البيضاء سوياً، كانوا يفعلون الفواحش سوياً، فلما تاب أحدهم توبة صادقة عز عليه إخوانه فتقوى بالإيمان وبالجلساء الطيبين، ثم عاد ليغزو جلساءه الأولين، وأخذهم واحداً واحداً حتى أصبحوا جميعاً من أهل الهداية. مجموعة من الشباب المجاهدين في أفغانستان إذا جلسوا في بعض الأحيان قام بعضهم يذكر الآخر يقول: أتذكر أيام كذا وكذا كم كانت الليالي تضيع! كم كانت الأموال تنفق سدى! كم كانت الاهتمامات تمضي على ما ليس بكفء أن تمضي لأجله! والآن انظر اهتمامنا، فلان ماذا تتمنى؟ يقول أسأل الله الشهادة في سبيل الله، شتان بين هذا وهذا. إذاً ترك الأصحاب إذا كان منهم إلى مثلهم أو أسوء منهم أظن أن هذا صعب بالنسبة لك، لكن تركهم لوجه الله من الضلالة إلى الهدى، من الانحراف إلى الاستقامة، من الغواية إلى الهداية، هذا سهل وميسور بإذن الله جل وعلا.

مشكلة العادة السرية عند الشباب

مشكلة العادة السرية عند الشباب Q لقد حاولنا ترك الأمر فوجدناه صعباً، ونواجه عجزاً عند بعضنا، وهو ترك العادة السرية؟ A يا إخواني هذه المسألة كثر السؤال عنها خاصة في صفوف الشباب، ونحن نقول: شيء طبيعي أن الإنسان إذا جلس وأخذ يرسم في مخيلته امرأة واقفة، نائمة، جالسة، متحركة، من الطبيعي أن تثور شهوته ومن ثم تتفجر هذه الغريزة، ويقود نفسه إلى فعل هذه العادة السيئة، لكن أقول: الشاب إذا جلس استمع شريطاً، إذا ركب في السيارة استمع للقرآن أو لنشيد إسلامي، إذا جلس في البيت مسك كتاباً يقرأ فيه، لا يعطي نفسه مجالاً في الاستمرار في التفكر والتخيل لتخلص من هذه المشكلة. مشكلة كثير من الشباب - وقد أثبتتها الدراسات النفسية - أن الإنسان يتخيل حتى يتفجر، هذا غلط في غلط، لا تسمح لنفسك أن تتخيل، لأن التفكر عبادة، فلا تجلس تتفكر في جسد امرأة أو فاحشة أو معصية، لا، نريدك ألا تدع مجالاً للشيطان أن يتسلل إلى أفكارك، اقرأ، اسمع، جالس، صاحب، هذه مسألة. المسألة الثانية: بالنسبة لبعض الشباب القادرين على الزواج ماذا يمنعهم أن يتزوجوا؟ تزوجوا يا إخوان! استعينوا بالله جل وعلا، قد يقول قائل: أنا لا أستطيع أن أجمع مهر فتاة بكر، أريد مائة ألف، تزوج أرملة مات زوجها، تزوج مطلقة ليس هناك حرج، تزوج واحدة أكبر منك بخمس سنوات أو ست سنوات ليس هناك حرج، والله لو تزوجت عجوزاً عاقراً لكان أهون عليك من أن تزني أو أن تفعل أموراً خبيثة. مصيبة كثير من الشباب وهو يريد الزواج أنه وضع في باله أنه لن يتزوج إلا الطويلة الشقراء العنقاء التي وضع فيها من الصفات ما لم توجد في الدنيا، بل هي من حور الجنة، ويجلس حتى يجدها ثم يجمع المال العظيم ويتدين له المبالغ الباهظة. وفي النهاية يتزوجها ثم يقول: يا ألله أنتِ خسارة علي، وعليك أن تسددي ديوني. هذه مصيبة. لا نريد الشباب هكذا، المصيبة التي دخلت إليكم من خلال الأفلام والمسلسلات، كل شاب واضع في ذهنه خطة لو قلت له: أنت تفكر في الزواج؟ لقال لك: أهناك أحد لا يفكر أن يتزوج، أنا أكيد أريد أن أتزوج، طيب لماذا لا تتزوج؟ قال: أولاً لا بد أن أحب التي أتزوجها ولا بد أن تحبني، طيب كيف تحبها؟ قال: لا بد أن تقابلني في الجامعة ثم يقول: حبيتها، هذه هي التي دخلت قلبي، ثم بعد ذلك يجلس، لا يذوق النوم ويظل يفكر فيها وينزل وزنه عشرين كيلو. فتجد الشاب من خلال تعوده للنظر إلى الأفلام والمسلسلات واضع في باله أنه لن يتزوج حتى يحب، فانغمس في ذهنه، هذا أولاً. ثانياً: وضع في باله أنه لن يتزوج حتى يجد شقة بدون خلو، ويؤثثها ويفعل، لا يا أخي، أو ما يصح الزواج إلا بغرفة نوم بعشرين ألف وذهب بخمسين ألف وبيت بعشرين ألف، لا يا أخي التمس ولو خاتماً من حديد، نقول: ضيق الله على كل من تسبب في تضييق سبل الزواج على الشباب المسلمين. والله يا إخوان إن الشباب بإمكانهم أن يتزوجوا، فالفتيات الآن بالأكوام متكدسات والعوانس كثيرات، والمطلقات كثيرات، والأرامل كثيرات، والشباب يعانون من العادة السرية، ويعانون من الشذوذ، ويعانون من الانحراف، نحن الذين خلقنا المصيبة لأنفسنا. يا أخي! تزوج ما دمت راغباً في الزواج، وبعض الناس ليس له هم في الليل والنهار إلا هذه العادة ولا حول ولا قوة إلا بالله، يا أخي تزوج مطلقة أو أرملة أو من يسر الله لك، وما يدريك، قد تحبها ولو تزوجت بكراً جميلة ما أحببتها، المسألة قسمة يقسمها الله جل وعلا. هذه تصورات ليس بصحيحة، لكن الشباب تأثروا بكثير من الأفلام والمسلسلات فلا بد أن يقدم شبكة، ويكون الزواج في قصر أفراح، هدية للأم وهدية للأب وهدية لكذا وهلم جرا. هذا مما شدد به الناس على أنفسهم. والله لو أن الشاب استعان بالله ورغب في الزواج من أجل غض البصر وإحصان الفرج، لنال خيراً وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم وذكر منهم: الناكح يريد العفاف) الآن لو دخلت على أمير من الأمراء وقلت له: أنا أريد أن أتزوج، قال: أبشر بالعون، تقول الحمد لله الأمير سيعاونني إن شاء الله والمسألة انحلت، طيب ما بالك إذا كان الله حق عليه عونك، أي: يقول الله عز وجل أبشر وأعينك (ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والمجاهد في سبيل الله). فيا شبابنا تزوجوا تزوجوا، أبناء الطوائف المنحرفة يتناسلون، يزوجون الطفل والمجنون والكبير والعجوز، وما تركوا أحداً إلا وزوجوه، في جامعة البحرين تقول شابة من الطوائف المنحرفة لفتاة ملتزمة، تقول: أنتِ يا فتاة! يا سنية! يا ملتزمة! تدعين أنك مخلصة للدعوة؟ قالت: نعم. قالت: تكذبين لأن زوجك لو أراد أن يتزوج مرة أخرى؛ هجرتيه وقاطعيته وتركتيه، وأما أنا فمستعدة أن أخطب له ثلاث، من أجل ماذا؟ قالت: صح أنا أتضايق وعندي غيرة لكن أدوس على مشاعري من أجل تكثير نسل أبناء طائفتنا. انظر إلى التخطيط والعمل، فنحن نقول: لا نريد ثلاثاً أو أربعاً، نريد الشاب أن يتزوج ولو أكبر منه، لكن لو يتنازل عن المواصفات فهو كأنه يريد سيارة لكسز لا يريد زوجة، مشكلة والله، مثبت سرعة، وزوجة توماتيك وهلم جرا، ما يصلح هذا، تزوج ما يسر الله لك.

بر الوالد العاق لوالديه

بر الوالد العاق لوالديه Q شاب ملتزم، لكن أباه عاق جداً لوالديه فكيف يجمع بين التزامه وبره لوالديه؟ A هذا كمن يقول: هذا جناه أبي علي وما جنيته على أحد أنا أقول: اسأل الهداية لأبيك وأن يكون من البارين وممن يصلون رحمهم، وأنت اجتهد في التزامك واستمر على ذلك، وبر بأبيك، لعل الله أن يري أبيك من برك ما يعينه على بر والديه، ولا تناقض في هذا.

حكم بيع الدخان

حكم بيع الدخان Q رجل ناقش بعض أصحاب محلات بيع الدخان، لكنهم يجادلونه ويقولون: إنه مكروه. فما هو توجيهك؟ A لأول مرة أسمع أن صاحب بقالة ينازع في الأحكام الفقهية! ربما تقول: إن الجبن المثلث أفضل من الكيري، لكن تقول: هذا مكروه أو هذا مستحب هذه مشكلة، وعلى الإنسان أن يعرف حده ولا يتعداه، أنا لا أقول: إن صاحب البقالة ليس بكفء أن يطلب العلم، نعم يطلب العلم، لكن قبل أن يقول: هذا مكروه هل قال: هو مكروه بهوى أو عن بحث وقناعة وعلم ومقارنة للأدلة وتتبع لأقوال العلماء، وبعد ذلك يقول: هذا كذا أو كذا، والأحاديث فيها والآيات صريحة في هذا {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] أي: هل أحد يقول: إن الدخان من الطيبات؟! أبداً. الدخان من الخبائث، وقد حرمت الشريعة كل ما فيه إتلاف للبدن قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] وهذا فيه قتل للبدن بما يحدثه من الأمراض، وإذا كان العالم الغربي أصبح يحارب الدخان، ولأنهم يعيشون في دول الحرية يقولون: لا نمنع أحداً، فلا يردون دعاية عن الخمر أو الفساد أو الزنا أو الدخان، لكن الدخان يقولون: إن التدخين يضر بصحتك، ننصحك بالامتناع عنه؛ لأن أولئك أدركوا ضرره، لكن مبادئهم التي تقول بالحرية في كل شيء جعلتهم يأذنون بالدعاية له. فمن يحاجك ويقول: هذا مكروه، قل: جزاك الله خيراً، مكروه من أين؟ من الذي قال لك إنه مكروه؟ عالم من العلماء أو فنان من الفنانين، هات لي كلام أهل العلم مع الدليل. وبعد ذلك أقول لك: إن كنت تجادل بباطل فهذا لا يقبل، وحري على الذي يجادل بالباطل لكي يدفع به الحق أن يكون والعياذ بالله من أهل الزيغ والضلالة.

تعليق الشيخ على مسألة كفالة الأيتام

تعليق الشيخ على مسألة كفالة الأيتام هناك أمر أريد التعليق عليه وهو ما ذكره الشيخ في مسألة كفالة الأيتام. إخواني: جاء في الحديث الصحيح: (وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم) والله يا إخوان إن العناية بالأيتام فيها خير عظيم، وأكرر وأوصي وأنصح بأن يحرص كل واحد منا أن يجتهد في أن يجعل من دخله شهرياً أو في كل شهرين أو في كل خمسة عشرة يوماً شيئاً يقدمه في كفالة الأيتام، ففي هذا خير عظيم وحسبكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين) رجل من أكبر أثرياء المدينة المنورة - جزاه الله خيراً - ذهب إلى بيشاور في أفغانستان، وكفل في البداية حوالي عشرين يتيماً، وجعلهم في شقة، تصوروا لما كفلهم؛ فتح الله عليه أموال، والآن عنده مدرسة اسمها مدرسة المدينة فيها ستمائة يتيم يكفلهم هو، فهنيئاً له. وأبشركم أيضاً أن أحد الأثرياء قد غبطه على ما فعل، وأخذ منه المشروع ليقيم مدرسة أخرى يكفل بها هذا العدد من الأيتام. فكفالة الأيتام واليتيمات فيها خير عظيم، وأوصي كل واحد منكم إذا شعر بخطأ أو ذنب أو معصية أن يأخذ مبلغاً ويذهب ليتصدق به لمثل هذه الدار أو لمثل هذا المكان وستجد خيراً، وأتبع السيئة الحسنة تمحها: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114].

تلبيس إبليس

تلبيس إبليس إن الدعوة إلى الله هي التجارة الرابحة التي لا يعمل بها إلا القليل؛ وذلك بسبب تلبيس إبليس على كثير من الناس في أمر الدعوة والدعاة، فتارة يشوه الدعاة والملتزمين، وتارة يوهم الملتزم أنه مراقب من قبل الأمن، وتارة يظهر فوارق وهمية بين الدعاة وبين الحكومات الإسلامية فالحذر الحذر من تلبيس الشيطان.

كلمة عن الموت

كلمة عن الموت الحمد لله الذي ستر القبيح، وأظهر الجميل، الحمد الله الذي جَمَّلنا بستره، وشرَّفنا بذكره. الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: لقد أثنى فضيلة الشيخ -أحسن الله له المثوبة والجزاء فيما قدَّم- وإنه قد ذكر كثيراً مما لستُ بكفءٍ له؛ ولكن كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: [اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني فوق ما يظنون] بمنِّه وكرمه. إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعفُ عني أيها الأحبة في الله: يا أهل ساجر! ويا أهل المدن المحيطة بها! ويا أهل منطقة السر عامة! أحمد الله إليكم أن جمعنا بكم في روضة من رياض الجنة، ووالله لقد أحببناكم في الله قبل أن نراكم، وازددنا لكم حباًَ بعد لقياكم. وقبل أن أدخل في موضوع هذه المحاضرة: لقد صلينا -كما ذكر فضيلة الشيخ آنفاً- على جنازة رجل أثني عليه خيراً، ولما سمعتم بشيءٍ من ذكره رفعتم الصوت بالدعاء له، فأسأل الله جلَّ وعَلا أن يجعلنا وإياكم ممن يُثنى عليه بعد موته خيراً. المرء يفرح بالحياة وطول عيش قد يضرُّه تفنى بشاشتُه ويبقى بعد حلو العيش مرُّه وتسوؤه الأيام حتى ما يرى شيئاً يسرُّه كم شامتٍ بي إذْ هلكتُ وقائل لله درُّه أيها الأحبة في الله: والله لقد غبطتُ صاحب الجنازة لما سألتُ أخي/ (مطلق) عنه، فقال: إنه من أهل هذه المنطقة، ومن كبار السن، فهنيئاً له، وأسأل الله أن يتغمده برحمته وأن يجمعنا به في بحبوحة جنته. أيها الإخوة: من منكم يجد ضماناً أن يُمتَّع بقية عمره على الإسلام ما غيَّر ولا بدَّل؛ لكنكم صليتم على جنازة واحد من إخوانكم أو من آبائكم، هنيئاً له مات على التوحيد، ونحن وإياكم على خطر مواجهة هذه المغريات، وهذه المفسدات، وهذه الملهيات، التي لا يزال كثير من شبابنا وأبنائنا وبناتنا على خطر من الوقوع في مغبة آثامها وشرورها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! أيها الأحبة: ما من مشهد إلا والقبر أفظع منه، وما من مصيبة إلا والموت أعلى المصائب فيها: يا نائم الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرُقْنَ أسحارا ... تزوَّد من الدنيا فإنك لا تدري إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ! فكم من عروس زيَّنوها لزوجها وقد نُسجت أكفانها وهي لا تدري! وكم من صغار يُرتجى طول عمرهمُ وقد أدخلت أجسادُهم ظلمة القبرِ! وقول الله أبلغ حيث قال جل وعلا: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42]. وقول الله أبلغ حيث قال: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78]. وقول الله أبلغ! {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. واللهِ -أيها الأحبة- ليأتينَّ عليَّ وعليكم يومٌ يُصلى علينا كما صلينا على هذه الجنازة، وليأتينَّ عليَّ وعليكم يومٌ نغسَّل كما غُسلت هذه الجنازة، وليأتينَّ عليَّ وعليكم يوم تُخلع منا ثيابنا وقد لبسناها بأيدينا. واللهِ ليأتينَّ عليَّ وعليكم يوم نُحمل على أكتاف الرجال، وقد كنا نحمل الجنائز على أكتافنا. واللهِ ليأتينَّ عليَّ وعليكم يوم نوضَع فيه في القبر، ويُحكم علينا اللحد، ويُسد باللبِن، ويُهال علينا التراب فأين الملجأ وأين المنجى؟! وأين المعين وأين النصير؟! إلا الله جلَّ وعَلا. فيا عباد الله: الرجوع الرجوع إلى الله، والتوبة التوبة قبل أن نوضع في ظلمة اللحود، وتُحكم السدود، ويُهال التراب، ونفارق الأحباب، ولا نجد أحداً من الأصحاب أبداً. يا شاباً ما زال يستمع الغناء في لهوه! يا رجلاً ما زال منشغلاً بالربا والحرام! يا رجلاً ما زال مغرقاً في قطيعة رحمه، وعقوق والدَيه! يا رجلاً منتهكاً لحرمات الله، متعدياً على أسرار البيوت، ومنتهكاً لحرماتها وأستارها! اتق الله قبل أن يأتي هذا اليوم الذي لا منجى فيه ولا ملجأ من الله إلا إليه. يا غافلاً عن العملْ وغرَّه طول الأملْ الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العملْ وكم من أناس قد رأينا نعيمهم كم من أناس رأينا عبثهم ولهوهم وتبجحهم وعنادهم، وإذا دُعوا إلى الله ورسوله ليسمعوا قوله، وليهتدوا بهديه، وليستنوا بسنته رأيت بعضهم يصد عنك صدوداً، فإذا انصرفت عن بعضهم قال بعضهم لبعضٍ: {مَاذَا قَالَ آنِفاً} [محمد:16]؟! أيها الأحبة في الله: واللهِ إن هذا المصير الذي سنواجهه لن ينفعنا فيه أب حبيب، ولا صديق ولا قريب، ولا محب ولا لبيب، ولن يغني في دفع الموت صيدلي أو طبيب، ولا يدفع عنك الألم إلا رحمة رب السماوات والأرض، ولا يدفع عنك النقم إلا من سجدتَ له، وخضعت له، وتبت لوجهه، وتركت المعصية خوفاً من عذابه وطمعاً في ثوابه. والآن أنت بالخيار، المهلة بين يديك، أنت لا تزال في زمن المهلة، فإن شئت فانبذ ما عندك من أشرطة اللهو، ومجلات الفساد، وصُحبة السوء، وما زُيِّن لك وزُخرف من المعاصي والملاهي، وإن شئت فامضِ على ما أنت عليه، وقريباً قريباً: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:6 - 7] قريباً قريباً يمر بالإنسان ما كان يخشاه. اسألوا أهل السبعين سنة: كيف ينظر إلى ما مضى من عمره؟ كأنها ليلة ماضية. اسألوا أهل الخمسين عاماً: كيف ينظرون ما مضى من عمرهم؟ كأنها ساعة من نهار. مرت سنون بالوصال وبالهنا فكأنها من قصرها أيامُ ثم انثنت أيام هجر بعدها فكأنها من طولها أعوامُ ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلامُ ... أين نمرود وكنعان ومن عَمَرَ الدنيا وولَّى وعزلْ أتى على الكل أمر لا مردَّ له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا لكل شيء إذا ما تَمَّ نقصانُ فلا يُغَرُّ بطيب العيش إنسانُ لا تغرنكم المزارع ولا تغرنكم الصوامع ولا تغرنكم البِيَع ولا تغرنكم الضِّياع ولا تغرنكم الأنهار ولا يغرنكم هذا كله، قريباً يُنقل الناس من القصور إلى القبور، ومن النور إلى الظلمة، ومن الأنس إلى الوحشة، ومن الجليس إلى دار ليس بها أنيس. فاعتبروا! الآن الجنازة تُدفن! الآن الجنازة يُحكم عليها اللبِن! الآن الجنازة توضع في اللحد! وسيأتي عليك يوم يتهلهل التراب على وجهك، وأنت في وسط اللحد وظلمته، وفي وسط القبر وكربته, وفي هول المطلع وشدته. هاه من الذي يبيت معك في القبر ليلة؟! أين أعز صديق؟!

حقارة الدنيا

حقارة الدنيا واللهِ لو كان الناس في الدنيا بعضُهم يغني لبعض شيئاً لبات مع الملوك في قبورهم خادماً، ولبات مع الأثرياء في قبورهم مالاًَ، ولبات مع الذين أمروا ونهوا معهم في قبورهم من يؤانسهم؛ لكن -والله- لو أُتي بأحب الخلق وقيل له: بِتْ مع هذا الحبيب أو الثري أو الأمير أو الوزير أو الحقير أو الملك أو الصغير أو الكبير، بِتْ معه في قبره ليلة، واللهِ لا يبيت معه، لا أبٌ ينفع ولا أم، وأشد من هذا أهوال يوم القيامة: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:25 - 37]. يا إخوان! يا أحباب! تفكروا في مصير الدنيا التي أنتم ونحن معكم ربما غفلنا، واغتررنا بها، وركنا إليها. وافتكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراًَ جَلل انظر إلى أعظم شيء تتمناه، تفكر في خاتمته وآخرته. وافتكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراًَ جَلل في منتهى: في آخر. تفكر في الماء العذب الزلال الذي تتمنى شرابه، يتحول إلى بول لا يسرك سماعه. انظر إلى اللقمة الهنية الشهية اللذيذة التي تأكلها، وتقبل عليها نَهِماً، تقلبها بلسانك، تمضغها بأسنانك! انظر منتهاها كيف يخرج من جوفك برازاًَ وغائطاً وعَذِرة تنصرف بوجهك وأنفك عنها. انظر إلى الجمال الذي تشتاق إليه! كيف تعبث به السنون، ثم يبقى بعد ذلك شيئاً ذابلاً خاملاً لا نضرة فيه أبداً. وبعد ذلك هذا البدن الذي تعلق به من تعلق يُدفن في التراب، فيدخل الدود مع العين ويخرج من الأذن، ويعبث باللسان الذي طالما تكلَّم وجادل بالباطل، ويدخل الدود في العين التي طالما سهرت أياماً وليالي على الأفلام والمسلسلات، ويخرج مع الأذن التي طالما سمعت آلات اللهو وأنواع الغناء، ويدخل في كل جوف وجزء وقطعة من شعرك وبدنك. تأملوا هذه النهاية، وتدبروا هذا المصير! وإذا عرفنا ذلك أدركنا أن الدنيا حقيرة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر). إذا تأملنا حقيقة الدنيا، فهي سجن المؤمنين؛ لأن ما ينتظرك -أيها المسلم- فيما عند الله من النعيم بالنسبة لما تراه الآن في الدنيا تعتبر دنياك حبساً، والجنة هي التي تنتقل إليها، والنعيم هو الذي تنتقل إليه، والحرية هي الدار التي تنتقل إليها. وهذه الدنيا جنة الكافر، حتى وإن أطلق بصره، وأطلق فرجه، وأطلق لسانه، وأطلق سمعه في الحرام؛ لأن دنياه هذه بالنسبة لما ينتظره من العذاب في القبور، ومن العذاب في الآخرة، تعتبر بالنسبة لهم هذه جنةٌ؛ لأن ما ينتظره من بلاء ومصائب أعظم مما يخطر على البال. في الآخرة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ما لا عين رأت من النعيم، ولا أذن سمعت عن النعيم، ولا خطر على قلب بشر من النعيم. وفي الآخرة ما لا عين رأت من العذاب، ولا أذن سمعت من العذاب، ولا خطر على قلب بشر من العذاب. فهل نستعد؟! هل نستجيب؟! هل نعود إلى الله؟! هذه الدنيا التي تعلقنا بها: اجتماعنا فيها نهايته الفراق. وصحتنا فيها يكدرها الآلام والأمراض والأسقام. والغنى فيها مَخُوف بألوان الفقر. والعزة فيها كلما سمع الناس صولة دولة على دولة، وجولة باغٍ على آخرين خافت الناس خشية من تحوُّل الأوضاع من عز إلى ذل، ومن أمن إلى فزع، ومن طمأنينة إلى خوف. إذاً: هذه الدنيا ليست للأبرار مقراً، حتى وليست للفجار مقراً؛ لكن الأبرار يمرون فيها إلى دار النعيم، والفجار يمرون بها إلى مقر الجحيم. فيا أحبابنا إذا تأملنا ذلك عرفنا أن دنيانا ما هي إلا مزرعة، نزرع فيها الأعمال الصالحة، ونبذر غراس الأعمال النافعة، حتى نجني يوم القيامة. ومن زرع البذور وما سقاها تأوَّه نادماً يوم الحصاد

الدعوة إلى الله تجارة رابحة

الدعوة إلى الله تجارة رابحة أيها الأحبة في الله: ما دام هذا شأن الدنيا، وهذا مصيرها، وهذه أحوالها، وبعدها أهوالها، فإن من خير ما ينفعنا ويسرنا وينجينا أن نجعل الدنيا مزرعةً للدعوة إلى الله جلَّ وعَلا، نريد العمل الذي يعطينا الحسنات الكثيرة في الأيام القصيرة. لو أن عندك مائة ألف ريال، وأردت أن تستثمرها، فقال لك أحد أصدقائك: أعطني هذا المال وأعطيك أرباحه بعد سنتين، تقول: لا. السنتان طويلة، وما هي الأرباح؟! (10%) أو (20%)، تقول: لا. هذا مشروع فاشل، (20%) والأرباح بعد سنتين؟! هذا مشروع فاشل، فإذا قال لك آخر: أرباحه بعد ستة أشهر، والمكسب (100%) تقول: نعم. أنت المستثمر الناجح، وأنت التاجر الماهر الذي حريٌّ أن نعطيه المال، فيستثمره لنا، وينفعنا باستثماره وتحريكه. أقول لكم يا تجار الآخرة! أقول لكم يا معاشر الموحدين! أقول لكم يا أحبابنا أجمعين: تعالوا معي لنتعرف على تجارة أرباحها كثيرة، ومدة دورة رأس المال فيها قصيرة، ما هي؟! الدعوة إلى الله جلَّ وعَلا. قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. وقال جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. وقال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]. من دعا إلى هدى فله أجره وأجور من عمل به إلى يوم القيامة. لو قام أحدكم الآن وتكلم بيننا، وقال: أيها الناس: تصدقوا، واتقوا، وتقربوا إلى الله، فإن في يوغسلافيا إخواناً لكم محتاجين لمساعدةً؛ لأنهم يُقَتَّلون ويُشَرَّدون على أيدي الصربيين الكفار النصارى الأرثوذكس، فقمتم أنتم وتبرعتم وجمعتم على الأبواب مائة ألف ريال مثلاً، كتب الله في ميزان هذا الذي تكلم أجراً يعادل صدقة مائة ألف ريال، مع أنه ربما لم يتبرع إلا بريال واحد؛ لكنه دعا إلى الخير، فكان له مثل أجره. ما دامت الدنيا حقيرة، والأيام قصيرة، وبحاجة إلى متاجرة لحسنات كثيرة فإن الدعوة إلى الله من خير ما ينفعنا. ولكن -أيها الأحباب- وجدتُ من خلال اطلاعٍ وتجربةٍ واستقراءٍ؛ وجدتُ كثيراً من الناس يحبون الدعوة إلى الله، ويحبون الخير، ويحبون الدعاة إلى الله؛ ولكن الشيطان يلبِّس عليهم، الشيطان يخوفهم، وذلك هو: (تلبيس إبليس) الذي هو موضوع محاضرتنا اليوم.

مقدمة عن تلبيس إبليس

مقدمة عن تلبيس إبليس تلبيس إبليس لنا ولكم في أمر الدعوة إلى الله جلَّ وعَلا. بماذا يلبِّس الشيطان علينا؟ أولاً: ما هو التلبيس؟ التلبيس هو: التخليط، وخلط قليل من الحق -الذي يُراد به الباطل- مع كثير من الباطل الذي يُراد به الضلالة، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [آل عمران:71] لماذا تخلطون الحق مع الباطل؟! إذاً: إذا عرفنا هذا التلبيس، الذي يأتي الشيطان فيه، فيعرض عليك قليلاً من الحق الذي يريد به الباطل، وقد لبَّسه ثوباً من الباطل. أرأيت أصحاب المخدرات الذي يأتي أحدهم بمجموعة من الحبوب، أو مجموعة من النباتات الضارة السامة، ثم يلبِّسها بقليل من أوراق الشجر، أو يلبسها بقليل من السكر، فيظن من رآها أنها حلوة، وهي في باطنها سامة قاتلة. فكذلك تلبيس إبليس، يلبِّس عليك كثيراً من الباطل بطبقة شفافة رقيقة من الحق الذي أراد به الباطل، ومن ثَمَّ تنصرف عن الدعوة، وتخاف من الدعوة، ويُصيبك الجبن، ويقتلك الذعر، ويصيبك الهلع، ويقيدك الجزع، فترى الخير ولا تدعو إليه، وترى المعروف ولا تشارك فيه، وترى المنكر ولا تنكره؛ لأن الشيطان لبَّس عليك، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] تلبيس من؟ إنه تلبيس إبليس. من هو إبليس؟ إبليس هو: الشيطان الذي قال الله فيه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6]. الشيطان الذي نهانا الله عن وسوسته وخطواته، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:168]. الشيطان يلبِّس عليكم، يعِدُكم بالفقر، ويأمركم بالفحشاء، ويخوفكم بالذين من دونه، وإذا همَّ أحدكم بفعل خير، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، جاء الشيطان يخوِّفه, وهذا من تلبيس إبليس، الشيطان يقعد بك عن كل خير، ويفتح لك باب كل شر. هل رأيتم يوماً من الأيام رجلاً يُجَرُّ في الشارع بحبل، فنقول: هذا الشيطان يجر فلانََ بن فلان؟! لا. الشيطان ليس معه حبال يجر بها الناس، والشيطان ليس معه عِصِي يضرب بها الناس، وليس عنده مشانق يشنق بها الناس، والشيطان ليس عنده مسدسات يقتل بها الناس. لكن شأن الشيطان كما قال الله جلَّ وعَلا: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم:22] الشيطان زعيم المجرمين يقف يوم القيامة في جهنم خطيباً يحاضر أولياءه، حزبَ الشيطان، أصحابَ السعير، الذين يدعوهم: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6]. يقف خطيباً ويقول: {إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم:22] يعترف بأن الله وعد عداً حقاًَ، كما قال تعالى في سورة الأعراف: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف:44]. نعم. الشيطان يعترف بأن وعد الله حق: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم:22] الشيطان يعترف ويقول لجماعته وأتباعه: إني وعدتكم فأخلفتكم. {وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22] أنا دعوتكم فأتيتم، عرضتُ شريط أغنية فسمعتموه، عرضتُ فيلماً فنظرتم إليه، عرضتُ مجلة فقلَّبتموها واقتنيتموها، عرضتُ أسهماً ربوية فبادرتم إليها وساهمتم فيها {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم:22] ما عندي عصا أضربكم بها، ما عندي حبال أشنقكم بها {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22]. إن أهل الباطل في النار يلعن بعضُهم بعضاً: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:29] يقول أهل النار: يا رب! أين الذين أضَلُّونا؟! أين دعاة العلمانية؟! أين دعاة الباطل؟! أين دعاة التغريب؟! أين الذين يدعون إلى تبرج المرأة؟! أين الذين دَعَونا إلى اختلاط المرأة في الوظائف والتعليم؟! أين الذين قالوا: إن الربا حلال؟! أين الذين قالوا: إن الملاهي لا حرج فيها؟! أين؟! أين؟! أين؟! {أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:29] حوار، ومخاصمات وشجار، ولِجاج وكلام، ومناظرات طويلة في النار بين أهل النار {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة:166 - 167] وبعد ذلك؟ {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167]. هذا شأن أهل الباطل الذين زيَّن لهم الشيطان، ولبَّس عليهم فأطاعوه، وكانوا أعواناً لجنده، وأعوانِ الشيطان من شياطين الجن والإنس. ويا إخواني يا أحبابي! أخاطب في هذا المسجد المبارك كلَّ واحد فيكم أيَّاً كان عليه ذنبٌ من الذنوب، أو مقصِّراً، أو عابداً، أو تقياً، أو يعلم أن عليه ملاحظات في نفسه، أخاطب كل حبيب من أحبابي، حتى ولو كان عليه علامات التقصير. أقول: يا أخي الحبيب: إياك أن تجعل الشيطان يحول بين عقلك وقلبك وبين ما أقول لك الآن، صارح نفسك، واسمع الفائدة، واسمع النصيحة، قبل أن يأتي وقت العَتَب، كما يقول الشيطان: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:22] أي: أنا لا أنقذكم وأنتم لا تنقذونني.

من تلبيس إبليس تشويه الدعاة إلى الله

من تلبيس إبليس تشويه الدعاة إلى الله أحبابنا! إخواننا! كيف يلبِّس الشيطان علينا حتى يجعلنا نتقاعس عن الدعوة إلى الله، ونتكاسل عن المشاركة في الأمر بما يرضي الله؟! كيف يلبِّس الشيطان علينا ليدعونا إلى عدم إنكار المنكر، وإلى عدم الأمر بالمعروف؟! بل وأعظم من ذلك: كيف يلبِّس الشيطان علينا ليقول بعضُنا لبعض: انظر إلى هؤلاء المَطاوِعة! انظر إلى هؤلاء الدعاة! انظر إلى هؤلاء الذين؟! هؤلاء الذين ماذا؟! هل نافستهم في روضة المسجد؟! هل نافستهم في حفظ القرآن؟! هل نافستهم في قيام الليل؟! هل نافستهم في صيام الإثنين والخميس؟! هل نافستهم في الخروج، والدعوة إلى الله؟! هل نافستهم؟! لا. لا يقول لك الشيطان: انظر إلى هؤلاء الذين سبقوك في العبادة والصيام والقيام، والدعوة والإنكار، والأمر المعروف، لا. وإنما يقول: انظر إلى هؤلاء. ثم يبدأ تلبيس الشيطان. يقول لك الشيطان: إن هؤلاء (المَطاوِعة) لهم أهداف. إن هؤلاء (المَطاوِعة) لهم مقاصد. إن هؤلاء (المَطاوِعة) يخططون على أشياء بعيدة. إن هؤلاء (المَطاوِعة) عندهم وعندهم كذا. أقول: حياك الله! تعال وانظر ما عند (المَطاوِعة) هل يمتلكون طائرةَ ( F 16) في البيت! واضعون طائرة (تُرْنِيدو) دفاعية أو مقاتلة! أو طائرة هجومية! أو في بيت الواحد مدفعية ميدان! أو صاروخ مضاد للطائرات! أو قانص دبابات من طراز أباتشي! أو كاسحة ألغام فرنسية؟! ماذا يوجد عند (المطاوعة) في بيوتهم؟! تعال وادخل بيتهم، ستجد قرآناً كريماً تفسير ابن كثير تفسير الطبري فتح الباري صحيح مسلم كشف الشبهات آداب المشي إلى الصلاة سنن أبي داود تحذير الساجد من اتخاذ البدع والقبور في المساجد، ستجد كتب العلم. إذاً: إذا جاءك الشيطان ليلبِّس عليك أمراًَ يدعوك من خلاله لأن تكون من القاعدين، أو المتكاسلين، بل يأتيك الشيطان، يا ليته يقول لك: اسكت، مثلما يقول العوام: (انْثَبِر)! لا. يأتيك الشيطان ويقول: هؤلاء ينبغي أن تحذِّر منهم، هؤلاء ينبغي أن تتابعهم، هؤلاء ينبغي أن تنتبه لهم، أما متابعتهم فحياك الله! أما متابعة أهل الخير فحياك الله، مثلما يقول العوام: (ما يخاف إلا الذي في بطنه نِيْ، والذي في بطنه مِعِيِّن يُوْجِعَه)! أهلاً وسهلاً، تابع من شئتَ، ولاحق من شئتَ، وفتش من شئتَ، ستجد ما يعينك بإذن الله. مثلما يقولون: إن لصاًَ من اللصوص تسوَّر على بيت رجل من العلماء فسرق صندوقاً لا يدري ما الذي فيه، فلما ذهب إلى البيت وفتح الصندوق وجد كتباً، فقرأها فتاب واهتدى، فنقول: حيا الله من تابع هؤلاء الدعاة، وحيا الله من تابع الإخوان، وحيا الله من تابع أهل الخير، وحيا الله من تابع أهل الإيمان، حياك الله وبياك وبارك فيك، تابعهم، وإني أجزم أن متابعتك لهم ولو كان قصدك شيئاً غير الهداية ستكون نهايتك الهداية، كما في الحديث: (إن لله ملائكة سيَّارين طوَّافين يبتغون حلق الذكر، فإذا وجدوا حلقة من حلق الذكر نادى الملائكةُ بعضُهم بعضاً أن هلموا، فيجتمعون، ثم يسألهم ربهم وهو أعلم بهم، ويقول ربنا: يا ملائكتي) الآن أنتم في هذه الروضة من رياض الجنة، الملائكة تحفكم، والسكينة تغشاكم، والرحمة تتنزل عليكم، والرب جلَّ وعَلا يذكركم في الملأ الأعلى. واللهِ -يا إخوان- لو قلت لأحدكم: إني البارحة مع الأمير الفلاني أو الوزير الفلاني وذكرنا فلاناً، أو شيخ الفخذ الفلاني، لقال: أسألك بالله، الأمير، الوزير سماني باسمي؟! أعِد لو سمحت! أعِد لو سمحت! ماذا قال عني؟! فيا أخي الحبيب! أقول لك ما قاله الله عنه: (أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير من ملئه) فأنتم الآن تذكرون الله في هذا المكان، والله يذكركم في الملأ الأعلى. أحبابنا! أكمِّل الحديث لكم في شأن الذين يوسوس لهم الشيطان، ويقول: هؤلاء عندهم أهداف، هؤلاء المَطاوِعة وراءهم مقاصد وراءهم مَطالب، نقول: سيكون شأن من لاحقهم وتابعهم -وحياه الله، ومكانه العين والرأس- فيكون موقعه كما جاء في الحديث: (يسأل ربنا ملائكته وهو أعلم بهم ويقول: يا ملائكتي! علامَ اجتمع عبادي هؤلاء؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! اجتمعوا يذكرونك، ويشكرونك، ويسألونك، ويستعيذونك، فيقول الله: يا ملائكتي! وماذا يسألونني؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! إنهم يسألونك الجنة) الجنة! يا سلعة الرحمن لستِ رخيصة بل أنت غالية على الكسلانِ يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنانِ يا سلعة الرحمن كيف تصبَّر الـ ـخُطَّاب عنكِ وهم ذوو إيمانِ (تقول الملائكة: يا ربنا! يسألونك الجنة، فيقول الله: يا ملائكتي! وهل رأى عبادي هؤلاء جنتي؟ فتقول الملائكة: لا، فيقول الله: وكيف لو رأوا جنتي؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد لها طلباً، فيقول الله جلَّ وعَلا: يا ملائكتي! ومم يستعيذون؟ فتقول الملائكة: يا ربنا! يستعيذون من نارك، فيقول الله: وهل رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: لا. فيقول الله: وكيف لو رأوا ناري؟ فتقول الملائكة: يكونون أشد منها هرباً، فيقول الله جلَّ وعَلا: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرتُ لهم) وأبشركم وأبشر الحاضرين، من جاء إلى هذه المحاضرة يريد وجه الله، وأخلص النية لله، وسأل الله التوبة والمغفرة، ليخرجنَّ -برحمة الله، ثقةً بالله، تصديقاًَ بكلام رسول الله- ليخرجنَّ مع هذا الباب من المسجد شباب ورجال بدون ذنوب، بإذن الله، تصديقاًَ بوعد الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. (فيقول الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرتُ لهم جميعاً، فتقول الملائكة: يا ربنا! إن فيهم فلان بن فلان إنما جاء لأمر آخر، فيقول الله: وله غفرتُ معهم، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).

الشيطان والتخويف من الملتزمين

الشيطان والتخويف من الملتزمين أقول لكل واحد منكم: إذا جاءك الشيطان وقال: هؤلاء المطاوعة هؤلاء الدعاة هؤلاء العلماء هؤلاء الذين فيهم ما ليس فيهم، يريدون يخططون يفعلون يدبرون، أقول: يا حبيبي! يا صديقي! يا صاحبي! اتبعهم وتابعهم، وانظر ماذا عندهم، ستجد -بإذن الله- ما يكون سبباً في هدايتك، ويكون سبباً في استقامتك. إذاً: فلا تكن من الناس الذين إذا قالوا له: يا فلان! انتبه لهؤلاء المَطاوِعة، لا تمش معهم، قال: الله يجزيكم خيراً، هذه نصيحة جيدة! ثم أخذ القطن، ووضع هاهنا قطنة، ووضع هاهنا قطنة، وإذا أعطاه (مُطوِّعٌ) شريطاً، قال: ابتعد هناك، هذه متفجرات، يعطيه أحد الإخوان كتاباً: ابتعد هناك! هذه منشورات، يعطيه أحد الإخوان نصيحة: ابتعد هناك، أنا لا أدري ما هو قصدك في هذه النصيحة؟! أَف منك يا ولد فلان؛ أهكذا يقع منك الأمر؟! شريطٌ يُباع في تسجيلات البشائر الإسلامية، الدوادمي، طريق ماثل، تليفون: [6423745] شريطٌ يُباع في تسجيلات التقوى، شريطٌ يُباع في تسجيلات الكلم الطيب، هذه التسجيلات مصرحة من إسرائيل؟! مصرحة من أمريكا؟! تسجيلات إسلامية مصرحة من وزارة الإعلام داخل بلادك ودولتك، فإذا أعطاك واحدٌ شريطاً، وقال: يا أخي الحبيب! تفضَّل هذا الشريط هدية، مكتوب على الشريط: من التسجيلات الفلانية، ولا يمكن أن يباع الشريط إلا بعد أن يُفتح، يعني: يُسمح بتوزيعه ونسخه من وزارة الإعلام بالفتح، رقمٌ، وتاريخ، إذاً يا أخي الحبيب! ما الذي يخيفك؟! إذا كانت وزارة الإعلام وأجهزة مراقبة المطبوعات -على ما فيها، نسأل الله لأصحابها والقائمين عليها الصلاح والاستقامة- إذا كانت أذنت وسمحت وفتحت هذا الشريط وأذنت بتداوله؛ لأنه ليس فيه شيء ممنوع يخالف السياسة، بل مسموح بتداوله، ما الذي يمنعك أن تأخذ الشريط وتسمعه؟! وما الذي يمنعك أن تستفيد من الشريط وتتعظ به؟! وما الذي يمنعك أن تعطي الشريط لزوجتك وبناتك يستفدنَ منه؟! وما الذي يمنعك أن تنسخ من الشريط نسخةً ونُسَخاًَ فتهديها إلى أقاربك وجيرانك وبني عمك؟!

قصة الطفيل بن عمرو الدوسي

قصة الطفيل بن عمرو الدوسي ذَكَر أهلُ السير أن الطفيل بن عامر الدوسي لما سمع بخروج النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته قال لقومه: [لأذهبن إلى مكة، وأنظر خبر هذا الرجل الذي يذكرونه في قريش، فجاءه قومه قالوا: إن هذا الرجل عنده كلام كالسحر، وإن عنده شيئاً أشد من النثر، وإن عنده شيئاً إذا سمعته استجبتَ له؛ لكن عليك -يا أبا عامر - أن تضع الكُرْفُس في أذنك، فمر الطفيل وقد وضع القطن في أذنيه، ولما دنا من مكة قال: عجباً لي! أما وإني لَمِن أشعر العرب -أنا شاعر- وأعرف رديء الكلام من صحيحه وسقيمه، فلماذا لا أقدم على الرجل، وأسمع من كلامه، فإن كان حقاً قبلتُه، وإن كان باطلاً رددتُه]. فنحن نقول لك -أيها الشاب، أيها الأخ، أيتها الأخت، أيها الصغير، أيها الكبير- اسمع إلى هذا الكلام، فإن كان خيراً فاقبله، وإن كان غير ذلك فرده علينا، البضاعة المباعة مردودة، ما نقول: لا تُسترد، لا. نقول: حياك الله، إذا وجدتَ خطأ رد علينا، إن تسمع منا خيراً فمن الله ومن كلام الله ورسول الله، وإن تسمع غير ذلك فمن أنفسنا الأمارة بالسوء؛ لكن اسمع حتى لا يلبِّس عليك الشيطان ويقول لك: هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء. أذكر مرة جلستُ مجلساً فأخذ رجل من الحضور -أسأل الله له الهداية والتوفيق والسداد والصلاح- يتكلم في مجموعة من الدعاة وأهل الخير، قال: فيهم، وفيهم، وفيهم، وعندهم، وعندهم، فبعد أن أكمل الرَّجُلُ كلامه، قلت له: يا أخي! هل جالستَهم؟! هل سافرتَ معهم؟! هل سَمِعتَ لأحدهم شريطاًَ؟! هل قرأتَ لأحدهم كتاباً؟! قال: لا. لكن يقولون! من هم الذين يقولون؟! هذا ولدٌ أنْجَبَتْه زوجة إبليس اسمه: (يقولون) فإذا قال لك: يقولون، يعني: يقول ولدُ إبليس، هذه حقيقة الأمر. أما الرجل فما عنده بينة، وما عنده دليل، وأخبث مِن هذا مَن يقول: إني قرأتُ تحليلاً في مجلة نيوزويك أو مجلة اللوفيقارو الفرنسية، أو مجلة التايمز الأمريكية، أو مجلة التايمز اللندنية، أو مجلة كذا الغربية! يا أخي الحبيب: تسمع أخبار لندن في إخوانك؟! وتسمع أخبار مونت كارلو في إخوانك، وتسمع أخبار اليونايتد برس، والآسيوشيتد برس، تسمعها في إخوانك؟! أما تتقي الله؟! وإخوانك بجوارك، ادخل عليهم، اسمع منهم، اقرأ ما عندهم، انظر ما بين أيديهم، فهل ترى شراً أم ترى خيراً؟! ولكن: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر:56]. بعض الناس يرد الحق قبل أن يسمعه أو يتعرف عليه، ولم يقبله لما عُرض عليه؛ ولكن في صدره الكبر، واعلم أن الكبر هو داءٌ أخرج إبليس من الجنة {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص:75]. الكبر هو الذي أخرج إبليس من الجنة، وأغرق فرعون في البحر، قال تعالى في شأنه وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوَّاً} [النمل:14] وتكبراً وعناداً، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إذاً: أيها الحبيب: إن من تلبيس الشيطان عليك أن يردك عن سماع الخير، أن يقولوا لك: إن في الخير خطراً عليك، وإن في الخير ضرراً عليك، وإن في الخير، ما هو الخطر الذي يأتيك يا أخي الحبيب؟! هل يستطيع أحدٌ من البشر أن يقلل من رزقك الذي كُتب لك وأنت نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، وقد أُمر الملك بكتب رزقك، وأجَلك، وشقائك وسعادتك، هل يستطيع أحدٌ أن يغير من مقادير الله فيك شيئاً؟! واللهِ من قال: إني أخشى أن أتبع الهدى، أو أستقيم مع أهل التقى، أو ألتزم على طريق الهداية، فينقص رزقي نقول له: إن اعتقدتَ هذا كفرتَ؛ لأن من اعتقد أن اتباع الهداية يجر له القلة في الرزق، هذا كفر يخرج من الملة. أخي الحبيب: إن من تلبيس الشيطان أن يقول لك إن رجال الأمن يراقبون الملتزمين ولكن نقول لك: إن من حق الدولة أن تراقب، ومن حق المسئولين أن يراقبوا؛ لكن يراقبون مَن؟! إنهم لا يراقبونك؛ لكن يراقبون العلمانيين الذين لا يعلنون عن اجتماعاتهم. هل يوماً ما رأيتم اجتماعاً علنياً بين العلمانيين يُسمح لسائر الناس أن يحضروه؟! لا. لا يجتمع العلمانيون إلا سراً؛ لكن الآن اجتماعنا في أهل الخير، اجتماعنا هنا هل هو سر؟! أم على الباب أحدٌ لا يسمح إلا لصاحب البطاقة؟! الباب مفتوح، والدعوة عامة، يحضرها الصغير والكبير، والعامي والمثقف، والمدرس والتلميذ؛ لأننا ما أتينا بشيء بِدْعٍ من ذوات أنفسنا، وإنما نقول: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفانِ

تخويف الشيطان للملتزمين من مراقبة الأمن لهم

تخويف الشيطان للملتزمين من مراقبة الأمن لهم يا أخي الحبيب: لا يلبِّس عليك الشيطان ويقول لك كما قال لشاب -وذكرتُ هذا الكلام في محاضرة سبقت- شاب والله يا إخوان إني أعجب منه! قال: يا أخي! أنا أحس أنني مراقَب. قلت: باسم الله على قلبك! من الذي يراقبك؟! قال: أنا يراقبني أربعة. ما شاء الله! أحسب أنه مجرم شنيع! أربعة يراقبونك؟! إذاًَ ما بقي للألوية الحمراء والمافيا؟! قلت له: تعال، ماذا عندك حتى يراقبونك؟! قال: أبداً، فقط أنا أشعر إني مراقَب. وسوسة، وتلبيس من إبليس، وتخويف من الشيطان: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268]. والآن أريدكم أن تتخيلوا معي هذا المثال: اجلس في بيتك، كل واحد منكم يجلس في بيته، ويتكئ على الأريكة ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا فتح الله عليَّ واستفدتُ من هذه المحاضرة التي سمعتُها، وسوف أقوم بعمل إسلامي، سوف أقوم بعمل دعوي: سوف أتعاون مع مندوب الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. سوف أتعاون مع مركز الدعوة في الفيظة، والسر. سوف أتعاون مع العلماء وطلبة العلم في نشر الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي. سوف أوزع الشريط الإسلامي ما استطعتُ على أخواتنا الدارسات والمدرسات. سوف أوزع الشريط الإسلامي على الشباب في المدارس. سوف أوزع الشريط الإسلامي على جيراننا. سوف أوزع الكتيبات النافعة. إذا قلت هذا الكلام وأنت جالس تشعر أنك كلما فكَّرتَ في الموضوع كلما نَزَلَ على رأسك جبل من الأوهام، جبل الخوف، جبل التشويش، جبل التلبيس الذي يقربه الشيطان لك، وكلما فكرت أخذ الشيطان يجعلك تلتفت يميناً، ثم تلتفت يساراً، وإذا سمعتَ عند الباب أحدٌ ذهبت تُطِلُّ من عين الباب: من الذي جاء؟! يشغلك الشيطان ويوهمك أنك الآن تمارس عملاً ممنوعاً. فإذا قررتَ في نفس الجلسة، وقلتَ: يا بن الحلال، (خَلِّ الداب وشجرته) وما لي وهذا الكلام، وما لي والذي فيه (سين جيم) أنا والله ما عندي استعداد أن أدخل نفسي، عليَّ هذا المسجد، إذا قال: الله أكبر! أرُوْح لأصلي، وإذا سلم الإمام خرجت إلى البيت، وما عليَّ من أحد، تقول: الحمد لله ارتحنا. فأنت لما فكرت في الدعوة نزل عليك جبل التلبيس والأوهام، ولما ألغيت قرار الدعوة والنشاط في الدعوة شعرتَ بالراحة، مع أنك ما تحركتَ خطوة واحدة. بتفكيرك نزل جبل، وبتفكيرك ولَّى الجبل، وأنت لا تزال في مكانك.

الشيطان وتفريقه بين الملتزمين وبين الحكومات الإسلامية

الشيطان وتفريقه بين الملتزمين وبين الحكومات الإسلامية إخواني وإن من تلبيس إبليس لنا: أن يقول لك الشيطان: انظر الآن، الدول الأفريقية، والدول الآسيوية، والدول الأخرى، تجد الحكومات في صراع مع الدعاة، والحكومات في صراع مع العلماء، والحكومات في صراع مع الجمعية الفلانية، والجبهة الفلانية. أقول لك: نعم. لأن الحكومات أعلنت الكفر، ولأن الكثير من الحكومات قالت: المصدر الرئيسي للتشريع هو: قانون الرومان، أو القانون الفرنسي، المفسَّر برقم وتاريخ، والمعدل برقم وتاريخ. لكن أنت الآن هل يوماً سمعتم في بلادكم أن مصدر التشريع أو مصدر التحاكم هو الكتاب الأخضر؟! أو أن مصدر التحاكم هو: نظرية البعث العربي الاشتراكي؟! أو أن مصدر التحاكم هو كتب النصيرية؟! أو أن مصدر التحاكم هي كتب الضلالة؟! أم أننا نسمع صباح مساء أن القرآن والسنة والعقيدة هي مصدر وأصل اجتماع وسر عزة وتمكين وهي نعمة؟! اللهم لك الحمد. إذاً: إذا كانت تلك الدول تصرفاتها صريحة في الكفر، القاتل يُسجن خمس سنوات، والسارق يُسجن سبع سنوات مع الأعمال الشاقة، ولا تُسمع الدعوى في الزنا حالة الرضا إلا إذا كانت على فراش الزوج وبغير إذنه، هذا نص القانون، والزنا مقنَّن بالترخيص رقم وتاريخ، والخمر يُباع بإذن وزارة التجارة في تلك الدولة برقم وتاريخ. لا نستغرب أن يوجد انقسام في المجتمع، فتكون الحكومة الظالمة الفاسقة الفاجرة أو الكافرة في طرف، ويكون المؤمنون الموحدون المسلمون طرفاًَ آخر. يأتي الشيطان إلى أحدنا هنا، ويقول: (المَطاوِعة) في طرف والحكومة في طرف، لا. لا. من ذا الذي جاء ليفرق بيننا وبين حكامنا؟! من ذا الذي جاء يفرق بيننا وبين علمائنا؟! من ذا الذي جاء يفرق بيننا وبين دعاتنا؟! من ذا الذي جاء يفرق بيننا وبين إخواننا؟! نحن لا نقبل التفريق. ولذلك فإن من أساليب تلبيسه ووسوسته وتزيين الباطل لكي يجعلك جامداً عاجزاً لا فائدة منك في الدعوة والخير، يقول لك: انتبه! إن صرت مع المََطاوِعة فستكون مع حزب المعارضة للحكومة، إن كنت مع المَطاوِعة ستكون مع الحزب الذي هو ضد الحكومة. لا يا حبيبي، نحن ما عندنا أحزاب، نحن أمة واحدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء:92] والآية في أمة الإسلام أجمعين، فلا نقبل من أحد أن يفرق بيننا أبداً. اعرفوا هذه القضية جيداً، أدركوها جيداًَ، ولا تجعل الشيطان يصور لك القادة والولاة شيئاًَ، ويجعلك من أحزاب المعارضة، أو من أحزاب الضد والعناد. أخي الحبيب: إذا عرفت أنك في بلاد مسلمة، الناس فيهم خير، حتى الفاسق من أبنائنا فيه خير، ولكنه يحتاج ورقة قطنية ناعمة، وموعظة لذيذة حلوة، ثم يُمسح المنكر الذي على قلبه، ويُزال الأذى الذي على فؤاده، ثم يعود زجاج قلبه برَّاقاً لامعاً، نعم. كثير من الفساق عندنا قلوبهم زجاج جميل؛ لكن عليه شيء من التلوث والوسخ، لوث المعاصي، ووسخ الذنوب والمنكرات، فالذي يأتي (بصُنْفُرةِ) خشنة يريد أن ينظف القلب الزجاجي الذي تلوث بهذا؛ فإنه إما يكسر القلب أو يخدشه؛ ولكن من جاء بالقطنة الناعمة، والمحلول الذي يحلل هذه الأوساخ، ثم يمسح هذا القلب قليلاً قليلاً تجد بعد ذلك قلباً لامعاً رقيقاً جميلاً. لا يزال الخير فينا. فإياك أن يأتي الشيطان ليقول لك: حكومتك طرف، والدعاة طرف، والعلماء طرف، والفساق طرف، لا. نحن أمة واحدة، كلنا في كف واحدة، فاسقنا، وعالمنا، وصالحنا، وطالحنا، وحاكمنا، وداعيتنا، كلنا في كف واحدة. تتمة لما ذكرناه -أيها الأحبة- نقول: إن وساوس الشيطان وتلبيسه كثير: وحديثنا عن تلبيس الشيطان على كثير من الناس ومن أحبابنا وإخواننا الذين ربما كانوا سبباً في عون أهل الباطل على أهل الحق، وربما كانوا سبباً في الإرجاف والتثبيط للمؤمنين، وكانوا عوناً للمنافقين وأعداء المؤمنين، بسبب هذه التلبيسات وهذه الظنون السيئة.

العلمانيون وخطرهم على الأمة

العلمانيون وخطرهم على الأمة أيها الأحبة: ينبغي أن ندرك أننا مجتمع واحد، حتى الفاسق فينا فهو داخل دائرتنا، وحينما أقول: دائرتنا لا أقصد: دائرة المتدينين، دائرتنا جميعاً، حكامنا، وعلماؤنا، ودعاتنا، وإخواننا، وأبرارنا، وفجارنا أيضاً، حتى من كان مخطئاً مذنباً من أهل الذنوب من غير بدعة ينتحلها، ويدعو إليها، ويقصد إضلال الناس؛ إذْ أن الضلالة نوعان: هناك من يَضِلُّ ضلالة لهوى، من يَضِلُّ ضلالة لشهوة، ضلالة فساد ومعصية، هذا شأن. لكن هناك من يَضِلُّ ويُضِلُّ {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام:26] هناك من يقع في المعصية، ويشتهي أن الناس كلهم يفسدون. يوجد كثير من الناس يذنب؛ لكنه لا يتمنى أن الناس يذنبون، كثير من الناس يدخِّن؛ لكن لا يتمنى أن أولاده والناس أجمعين يدخنون، بعض الناس وقع في معصية؛ لكن لا يتمنى أن الناس كلها تقع في هذه المعصية، ربما بعض الناس شرب الخمر؛ لكن لا يتمنى أن الخمر يصبح يُباع في البقالات كما تباع العصيرات، من الناس من وقع في فاحشة؛ لكن لا يتمنى أن يوجد قانون يحمي الفواحش وأهل الفواحش والفساد. لكن الطرف الآخر الذين هم أعداء مجتمعنا، العلمانيون الذين يتربصون بنا الدوائر، الذين يريدون أن يقولوا للناس: كونوا فريقين: من أراد أن يصلي فليصلِّ، ومن أراد أن يفسد فليفسد، ولا أحدٌ يتدخل في أحد، هذا ليس أمراً مقبولاً في دين الإسلام، الله جلَّ وعَلا قال: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:116 - 117].

العلمانيون وموقفهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

العلمانيون وموقفهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن أن يُترك الوضع لكي يقول قائل: من أراد أن يفسد فليفسد، ومن أراد أن يتديَّن فليتديَّن، من أراد أن يفجر فليفجر، ومن أراد أن يطلب العلم فليطلب العلم، لا. الله جلَّ وعَلا قال: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:41] إن مكناهم، حكاماً ومحكومين، أنتم الآن متمكنون في الأرض: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:29] من يرد عنا العذاب إن جاءنا؟! لا حول ولا قوة إلا بالله! لا يُقْبَل قول مَن قال: من أراد أن يفسد فليفسد، وكلٌّ ذنبه على جنبه، ومن أراد أن يصْلُح فليصْلُح، لا. إنما {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج:41] ماذا؟ {أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} [الحج:41] بكل معروف تُرِكَ {وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج:41] نهوا عن كل منكر فُعِلَ. هكذا شأن أمة الإسلام، هكذا شأن أمة الإيمان، وواللهِ ما دفع الله عنكم البلاء إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يقول طاغوت العراق الخنزير النجس/ صدام حسين: إن ندمتُ على شيء فإنما أندم على أمرين: الأمر الأول قال فيه: أنني خالفتُ طارق عزيز. ومن هو طارق عزيز؟ هذا كهامان بالنسبة لفرعون. لماذا خالفه؟ قال: لأنه نصحني وقال: إن تقدمت إلى الكويت فلا تقف إلا في آخر الجبيل. يا إخوان: ما الذي صدَّ عنكم هذا الطاغية وهو يملك أربعمائة وخمسين ألف جندي، منهم: قرابة ثلاثمائة ألف جندي من الحرس الخاص أو البعثيين المدرَّبين المنظَّمين؟! ما الذي دفعَه عنكم؟! الله، الله، الله، نبرأ إلى الله من كل دبابة، ومن كل صاروخ، ومن كل قنبلة، ومن كل جندي، نبدأ بالله، فله الفضل، ثم له الفضل أن نفع بهذه الدبابة، وذلك الصاروخ، وذلك الجندي، وسخر أقواماً لا تعلمونهم، ودفع عنا وعنكم البلاء، بماذا؟ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولذلك يا إخوان، لا تترددوا، لا تترددوا في إنكار المنكرات، إن كنت الآن في مزارع، وفي نعم، ورشاشات (ري محوري (8) أبراج ماركة (فالي) ( Faly)، أو من هذه النعم التي تتدفق عليك من كل نوع، أقول لك: إذا أردت هذا الخير يصل إلى أولادك وأولاد أولادك وبناتك وأولاد بناتك، فأؤمُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر؛ لأن العز والنعم والتقوى بالأمر بالمعروف. {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف:96]. الله جلَّ وعَلا خزائنه لا تنفذ، الذي يملك مليوناً رب العالمين قادرٌ أن يعطيه مائة مليون، والذي يملك عشر رشاشات رب العالمين قادرٌ أن يعطيه ألف رشاش، والذي عنده كذا رب العالمين قادرٌ على أن يعطيه أكثر. خزائن الله لا تنفذ؛ لكن بماذا تُفتح الخزائن؟ أتُفتح الخزائن بالمعاصي؟! أتُفتح الخزائن بالملاهي؟! أتُفتح الخزائن بالمنكرات؟! أتُفتح الخزائن بعداوة أولياء الله والدعاة إلى الله؟! تُفتح الخزائن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتُفتح الخزائن بالدعوة إلى الله، ونشر الخير في كل مكان، فإذا انتشر الخير ضاق الناس بالرزق. في عهد عمر بن عبد العزيز: أرسل الولاة إلى الخليفة الخامس الراشد/ عمر بن عبد العزيز، قالوا: يا أمير المؤمنين! جبينا المال من أهل الذمة -من النصارى- وأعطينا المحتاجين، وصرفناه في جميع مصارف الزكاة -الفقراء، والمساكين، والمؤلفة قلوبهم، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، كل هؤلاء أعطيناهم- وبقي عندنا مال كثير ماذا نفعل بهذا المال؟ فقال عمر بن عبد العزيز: انظروا في بلاد المسلمين أيَّ شاب لم يتزوج زوجوه من بيت المال، المال كَثُرَ، الخيرات تدفقت، حتى أرسل الولاة إلى الخليفة يقولون: ماذا نفعل بالمال الباقي؟ فخزائن الله لا تنفذ، وخزائن الله ملأى، والله جلَّ وعَلا لو عصاه العباد ما ضره، ولو أطاعوه ما نفعه، ولو اجتمعوا في صعيد واحد كما جاء في الحديث: (يا عبادي! لو أن أولَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كل واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً). إذاً: يا أحبابنا! لا يلبِّس علينا الشيطان، فنكون أذناباً للعلمانيين، ونكون أذناباً للذين يفرقون بيننا وبين مجتمعنا وولاة أمرنا ودعاتنا وعلمائنا. يا أحبابنا إياكم أن تتقاعسوا عن الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفاً على أنفسكم، بل الخوف، الخوف الحقيقي: أن نقعد ونجمُد عن الأمر بالمعروف، ولذلك قال الله جلَّ وعَلا: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]. قال أحد الأنصار: فينا نزلت هذه الآية، لما فتح الله على نبيه قلنا: إن أهل المدينة أهل ضِياع -يعني: أهل مزارع؛ لكن ما عندهم رشاشات رضي الله عنهم- إن أهل المدينة أهل ضِياع، فلو أنَّا عدنا إلى ضِياعنا وبساتيننا، وكأن بعضهم قال: إن الله أعز الإسلام، وما هناك حاجة للنفقة في سبيل الله، فأنزل الله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195] إنفاق المال ليس هو سبب التهلكة، بل عدم الإنفاق هو سبب التهلكة. إذاًَ: فنحن على خطر إن تركنا الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ونحن على خير، ورزق، وأمن، وعزة، وطمأنينة إن اشتركنا وتعاونا واجتهدنا في الدعوة إلى الله, والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

الإسلام عند العلمانيين سبب للمشاكل

الإسلام عند العلمانيين سبب للمشاكل ختاماًَ أيها الأحبة: إن المنطق الذي يقول: إن التمسك بالإسلام يسبب مشاكل، كما يقول أحد العلمانيين، يقول: نحن ما الذي ورَّطَنا بـ مكة والمدينة؟! يا ليتها ليست عندنا! يقول هذا الكلام، قبحه الله. لماذا؟ أقول: لأننا ورطنا في العالم الإسلامي، المملكة هي قائدة العالم الإسلامي، المملكة هي رأس العالم الإسلامي، هذا عز، وهذا فخر، وهذا تمكين، وهذه قوة وقدرة؛ ولكن أعداء الإسلام والمتأثرين بهم من العلمانيين، والمتأثرين بالعلمانيين سواءً كان تأثراً مقصوداً أو تأثر جهل أو قلة علم، ما الذي يحصل منهم؟ المنطق الأول: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:57]. {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً} [القصص:57] هذا منطق الخوافين الجبناء الذين يخوفون الناس من الدعوة والدعاة، ويخوفون الناس من توزيع الشريط الإسلامي، والكتاب الإسلامي، وجمعية تحفيظ القرآن، وانتشار الخير، الواحد يقول: والله يا أخي، كأن هذا الوقت يخوِّف، اللحى تتكاثر هذه الأيام، سبحان الله! وأنت تريد اللحى تَنْبُت على الحريم؟! اللحى على الرجال زينة. ومن لم يكن ذا لحية أو كان حليقه، فيا حبيبي! ويا صديقي! ويا أخي! أسأل الله أن يهديك، وأن يكرمك، وإني أعلم أن حلقك للحيتك ما قطع الخير عنك، فيك خير كثير، حتى لو حلقت لحيتك؛ لكن أسأل الله أن يتمم لك الخير باتباع سنة المصطفى ومتابعته، كما قال: (خالفوا المجوس، وفِّروا اللحى، أعفوا اللحى، وأحفوا الشوارب). نحن ما قطعنا الأمل في أحد أبداً، ونحن ما قلنا: الذي ما له لحية ما فيه خير، وما يدريك؟ ربما تجد إنساناً لا لحية له؛ لكنه يتبرع سنوياً بمائة ألف للمجاهدين، نقول له: كَثَّر الله خيرَك، ما دام أنك تتبرع سنوياً بمائة ألف للمجاهدين نحن نهديك طقم موس حلاقة (جيب)؟! لا. نقول: أسأل الله الذي فتح عليك وحبَّب إليك الإنفاق في سبيله، أن يحبب إليك اتباع السنة في توفير لحيتك.

ولا تزر وازرة وزر أخرى

ولا تزر وازرة وزر أخرى إن الذي يظن أن الدعاة يهاجمون الناس، ويعادون الناس، هذا من بَنات أفكاره، قد يوجد إنسان جاهل، يوجد إنسان قال عن نفسه: إنه تديَّن كما يقول أو يقال عنه، وأخذ يدعو الناس بطريقة خاطئة، أو أخذ يحارب الناس، أو يقول للناس: اتركوا الدراسة، أو يقول للناس: لا تركبوا السيارات، أو يقول للناس: لا تسمعوا المسجلات في المحاضرات وغيرها، نقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32] الخير كثير بإذن الله جلَّ وعَلا: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة:77]. إذا وُجد إنسان أخطأ فليس العيب في الدين، وليس العيب في العلماء، وليس العيب في المتدينين، وليس العيب في الكتاب الإسلامي، ولا الشريط الإسلامي، إنما العيب في ذاك الذي أخطأ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] تجد بعض الناس يجلس في المجلس: والله -يا أخي- هؤلاء (المَطاوِعة) يمسكون كل واحد في الشارع ويقولون له: من هذه المرأة التي معك؟ يقول: هذه زوجتي، يقول: أثبت أنها زوجتك؟! ومن قال لك أن كل (المَطاوِعة) يفعلون ذلك، لو صدَّقنا بأن هذه الرواية صحيحة؟! فما بالك إذا ثبت أنها من بَنات أفكار شيطانه، كما قال أحد الشباب: كدتُ أتقطع ألماً من رجل زار أبي ذات يوم فقال: والله ما عرفنا لهؤلاء رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاتمة، مسكوني في الشارع ومعي زوجتي وحققوا معي وآذوني وأتعبوني، ومسكوني في المركز الفلاني. يقول الشاب: وأنا جالس أصب القهوة، وأسمع كلام الرجل لأبي، قال: فانسللتُ منهم، وذهبت إلى المركز الذي تكلم عنه، قلتُ: يا إخوان! هل أنتم مسكتم أحداً اسمه: فلان بن فلان؟ قال: نعم. ليس معه أحد في السوق -والعياذ بالله- يتعبث في عورات النساء، وجئنا به إلى المركز، وكتبنا عليه تعهداً وأطلقنا سراحه. قلتُ: أعطوني صورة من هذا التعهد. صوَّروا له التعهد، وأخذه وذهب به للبيت، ثم قال: يا أبي! انظر الذي كان يكلمك، خذ هذا تعهد كتبه بخط يده ألا يتعبث في عورات النساء داخل الأسواق. فإذا سلَّمنا أنه وُجد مَن أخطأ لا تظن أن كل أهل الخير يخطئون، وإذا وُجد مَن أخطأ فليس الخطأ فقط لرجال الهيئة، يا حبيبي! هل نستغني عن أجهزة المرور لأنه وُجد أحد رجال المرور أخطأ، لا يا أخي، المرور نافع للمجتمع، ولو أخطأ واحد من رجال المرور فليس الحل بإلغاء المرور. لو أخطأ أحد رجال الأمن هل نلغي جهاز الأمن؟! أو نلعن جهاز الأمن؟! أو نتكلم في سيئات ومثالب ومصائب جهاز الأمن في كل مجلس، ونختلق الروايات والأساطير في كل مجلس؟! لا يا أخي، أخطأ رجل من الأمن يُبْعَد نسأل الله له الهداية، وتنتهي القضية. طبيب من الأطباء أجرى عملية خطأً، فمات الرجل، أو أصابه شلل، أو وقع به مرض، نقول: نلغي الطب كله؛ لأن ذلك الطبيب أخطأ؟! فكذلك إذا واحد انتسب إلى التديُّن وأخطأ، أو رجل انتسب إلى الهيئة وأخطأ، أو انتحل شخصية الهيئة فأخطأ، هذا لا يعني أن نستغني عن الهيئات، ورجال الهيئات، والدعوة والدعاة. إذاً: أيها الأحبة! علينا ألا يلبِّس الشيطان على أنفسنا.

نداء إلى الآباء أن يحرصوا على أبنائهم

نداء إلى الآباء أن يحرصوا على أبنائهم وأوجه ختاماًَ نداءً للآباء، فإن بعض الآباء -سامحهم الله- يضيقون على أبنائهم. ليلة من ليالي عَشْرِ رمضانَ الأخيرةِ، وقبيل السحور، جاءني رجل من إخواني في الله أحبه وأعرفه. قلت له: مَن هذا الشاب؟ قال: فلان بن فلان الفلاني. قلت: تعرفه. قال: لا والله، وجدتُه في الشارع في ليلة مطيرة -وتذكرون ليالي العشر الأخيرة كانت أمطار- يقول: فركَّبْتُه معي، قلت له: أين تريد؟ قال: أريد مسجد أم الحمام، فقلت له: لماذا؟ قال: يا أخي! أبي طردني من البيت، سامحه الله! سامحه الله! ننظر في وجه الشاب، عليه سيما الخير والصلاح. تعال يا حبيبي، لماذا أنت هكذا؟ لماذا طردك والدُك؟ قال: يا أخي! إذا أردتُ أن أخرج قال: انتبه! لا تمش مع (المَطاوِعة) انتبه! لا يفعلون بك، انتبه! الا يزينون لك، انتبه! انتبه! إلى آخره، قال: فإذا حصل أن زارنا أحد الضيوف وعنده خطأ من الأخطاء، فنصحتُه قام أبي وطردني، وفي يوم من الأيام غضب عليَّ وبالذات في الليلة الأخيرة، كان عندنا ضيوف، وكلمت أحد الضيوف بنصيحة، وطردني أبي، كله غضباً مني، ولا يريد زملائي أهل الخير يأتون إليَّ، ولا يريدني أن أذهب إلى زملائي. قلتُ له: انظر يا أخي الحبيب! أنت أخطأت أن تنصح ضيوف والدك في بيتكم، أخطأتَ أن تنصح ضيوف والدك في البيت هذا خطأ، اصبر حتى يخرج الضيف، تعرف على بيته، تزوره يوماً من الأيام، تسلم عليه، وتقبل رأسه، وتقول: أنت صديق والدي، ووالله إنه شرف لي أن أزور صديق والدي؛ ولكن من كلام الشيخ/ ابن باز، أو كلام الشيخ/ ابن عثيمين، إن الكلمة التي ذكرتها ذلك اليوم خطأ أو مخالفة للسنة، وهذا كتاب يبين الصواب، أو هذا شريط يبين لك الهدى والحق، وجزاك الله خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله. هذا هو الأسلوب النافع. وليس أن تقعد تنصح الناس في مجلس أبيك وعلى ضيافة أبيك، هذا خطأ. قلنا له هذا الكلام، وليس من حق الدعاة مجرد التعاطف والحمية مع كل مَن تديَّن، لا. إذا أخطأ المتدين يقال: أخطأتَ؛ ولكن لا نتحامل عليه. لنتذكر أن ذلك المتديِّن الذي أخطأ ما وقف يفحط بسيارته عند مدارس البنات. لنتذكر أن ذلك المتديَّن ما وقف يؤذي الناس في عوراتهم في الأسواق. لنتذكر أنه ما عاكسهم بالهاتف. لنتذكر أنه ما آذاهم في غش أو سرقة أو اختلاس. إذاً: وإذا الحبيب أتى بذنب واحدٍِ جاءت محاسنه بكل شفيعِ و (إن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخَبَث). إذا كثرت محاسن الرجل وأخطأ خطأً واحداً، نقول: أخطأتَ في هذا وعفا الله عنك؛ ولكن هذا لا يلغي خيرك، وما عندك. أظن أنني أطلتُ، والحديث ذو شجون. فأسأل الله أن نجتمع بكم مرة أخرى إما في الفيظة، وإما في مكان آخر، نسأل الله جلَّ وعَلا أن يكون قريباً. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ونسمع شيئاً من الأسئلة.

الأسئلة

الأسئلة

كلمة موجهة للأخوات المسلمات

كلمة موجهة للأخوات المسلمات Q فضيلة الشيخ! معنا في خلف المسجد أخوات لنا من النساء حضرن المحاضرة، فكلمة توجهها للنساء، ولا شك أن النساء لهنَّ مكانة عظيمة ومركز عظيم، خاصة بين الأسر وبين الأزواج والأولاد، فكلمة قصيرة، جزاك الله خيراً، ولو أنَّا أجهدناك؛ ولكن إن شاء الله في سبيل الخير كل شيء يهون. A أولاً: أيها الإخوة! إنه لشرف لأهل هذه المنطقة أن ينتشر الخير في نسائهم كما انتشر في رجالهم، وأن يكثر الوعي والعلم في نسائهم وبناتهم كما كثر في رجالهم وأبنائهم. وكلمتي أوجهها أيضاً لأخواتنا اللائي هنَّ معنا، إن الشيطان يوسوس لهن، وربما تجد مدرِّسة ما حاولت يوماً ما أن تنصح طالباتها بسماع شريط، أو أهدت لطالباتها شريطاً أو كتيباً، وربما تجد مديرة مدرسة. وبلَّغني أحدُ الإخوان في منطقة الجنوب، يقول عن أخت له مدرِّسة، يقول: استأذنت المديرةَ أن تهدي بعض الطالبات أشرطة. قالت: ممنوع، ممنوع، ممنوع. يا سعادة المديرة، يا مديرة عامة المدرسة، ما الذي يمنع؟ شريط يُباع مُرَخَّص من وزارة الإعلام بالفسح، برقم وتاريخ، يحث البنات على غض البصر، يحث البنات على الستر، يحث البنات على عدم التبرج، وعلى القرار في البيوت، يحث البنات على عدم الخضوع بالقول، والانقياد للمعاكسات والمغازلات. ما الذي يمنع المديرة أن توافق على ذلك؟! بل -والله- إن هذا واجب المديرة ذاتها أن تحذر الطالبات من هذا الشر؛ حتى لا يقعن فيه قبل أن يعرفنه، إذا المديرة والمدرسات حذرنَ البنات من الشر قبل الوقوع فيه كان خيراً، وإلا فكما قال القائل: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادفَ قلباً خالياً فتمكَّنا كذلك من خير ما انتشر بين أمهاتنا وأخواتنا قديماً القاعدة المعروفة: إذا جاء الضحى؛ أم فلان أخذت المَزْوَدَة وِقْر بعير؛ كيلوين (فصفص)، وصُرَّتَين كراث، وواحد فجل، وثلاثةً جرجير، وزارت فلانة وفلانة وعلانة، والفواكه والموائد والأسمطة ونحو ذلك. الآن تغير الأمر بفضل الله؛ تخرج أم فلان ومعها الكيسة فيها نصيحة؛ شريط: تعالوا اسمعوا، مثلما يقول لي أحد الشباب: يقول: عندي أم تقول: الذي يحبني يا أبنائي يأتي لي بأشرطة. قلنا: خير يا أمي. قال: فوجدناها جزاها الله خيراً إذا جاء الضحى أخذت الكيس وفيه الأشرطة وزارت صويحباتها ثم بعد ذلك أخرجت؛ حتى يقول: مسجلها معها في الكيس، تخرج المسجل وتقول: اسمعوا؛ تسمعهن موعظة للحماد، ولـ سعيد بن مسفر، وتقعد هؤلاء النساء يَصِحْنَ ويَبْكِيْنَ ويَتَأَثَّرْنَ ويَتُبْنَ، ويستفدن كثيراً. ثم إذا رأتهن قد تأثَّرن أعطت كل واحدة شريطاً، وخرجت الداعية العجوز إلى بيتها قبل صلاة الظهر. فيا إخوان! ونقول هذا الكلام للأخوات: نريد من أمهاتنا وزوجاتنا وبناتنا وأخواتنا أن يمارسن الدعوة، ليس الكلام موجهاً في الدعوة والعناية بالدعوة إلى الرجال وفي صفوف الرجال والطلاب والأساتذة، بل هو مطلوب أيضاً وموجَّه إلى المدرسات والمديرات والطالبات، وموجَّه إلى ربات البيوت. يا إخوان! قديماً المرأة إذا تعدت الثلاثين؛ لا يقال لها: شيَّبتِ، لا؛ لكن فيها خير؛ لكن كلما تقدمت بها السنون عَقَلَت، وأصبحت ذات حِلْم وحياء ورزانة وهدوء، وتجدها أقبلت على صيام الإثنين والخميس، وأقبلت على قيام الليل، وأقبلت على الحياء، وأقبلت على مزيد من الستر، الآن بعض النساء تكبر وتَنْهَبِل! نعم. عجوز تمنت أن تعود صبية وقد ذبل الخدَّان واحدودب الظهرُ فراحت إلى العطَّار تبغي شبابها وهل يُصْلِح العطار ما أفسد الدهرُ؟! يوجد عندنا -بفضل الله ما هُنَّ عندكم في جيزان - لكن عندنا في الرياض نساء في الخمسين سنة، يوم السبت في الملاهي، ويوم الأحد في حديقة الألعاب، ويوم الإثنين في الحديقة الفلانية، ويوم الثلاثاء في صالة الأفراح الفلانية، قال واحد من الشباب -جزاه الله خيراً-: عندنا واحدة ما بَزَاها رَجُلُها في بيتها، فيَبْزُونها جيرانها في المدرسة، سجلوها في محو الأمية، وتذهب هي والشغالة، وعندما دخلت عند باب المدرسة، ينزلها السواق، تقول: الحقيني -يا فلانة- بالشنطة. وإن سفاه الشيخ لا حلم بعده وإن الفتى بعد السفاهة يَحْلُمِ وإنْ أنتَ لحقتَ جمال الصلاح! بدل أن تتوجهي إلى الله وتقبلي على طاعة الله، وتستعدي أيضاً للقاء الله: (أعمار أمتي بين الستين والسبعين، وقليل من يجاوز ذلك) فالمرأة عليها مسئولية عظيمة في حفظ زوجها وبيتها. وأذكِّر النساء، أذكِّر أخواتي وأمهاتي وبناتي وزوجات إخواني في هذا المقام، أذكِّرهنَّ بحديث أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية الأشهلية، قالت: (يا رسول الله -وكانوا يسمونها خطيبة النساء من جراءتها وفصاحتها- إن الرجال يغزون معك، ويحضرون مجلسك، ويحجون معك، ويسمعون حديثك، فهل لنا فيك من نصيب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا أسماء! يا أسماء! بلِّغي مَن وراءك من النساء: إن حسن تبعُّل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله) إن حسن طاعة المرأة لزوجها وحسن محافظتها على بيته وفراشه، ولا يَدخل البيت من لا يَرضى دخوله، ولا تُكَلِّم من لا يَرضى تكليمه، ولا تخضع بالقول في الهاتف، ولا تكون متساهلة بحقوقه، إذا دعاها إلى حاجته أتت ولو كانت على ظهر قتب، وإذا أراد خدمتها نفعته وقامت، وتعتني بأولاده، فإن ذلك يعدل الحج، والجهاد، وسماع الحديث، والصدقة، والعلم، وكثيراً من الأعمال: (إذا المرأة -هذه بشائر للنساء دون الرجال- إذا المرأة صامت شهرها، وصلَّت فرضها، وأطاعت بعلها قيل لها: ادخلي الجنة من أيِّ أبوابها الثمانية شئت). فهنيئاً للمرأة المسلمة! هنيئاً للأم المسلمة! ونقول أيضاً: يا معاشر الإخوان! أحسنوا معاشرة أخواتنا، أحسنوا معاشرة بناتنا، أحسنوا معاشرة أمهاتنا. إن من الناس من عنده النظرية القائلة: المرأة كالحذاء، لا ينفعك إلا إذا دست عليها. هذه نظرية تَخَلُّف، نظرية بذاءة، نظرية خسة ودناءة، المرأة مخلوق مكرَّم: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195]. فالله سمى الأنثى: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195] سورة كاملة في شأن النساء؛ لمكانتهنَّ ومنزلتهنَّ. فيا إخواننا أيضاً: أحسنوا معاشرة الزوجات، وأكرموهنَّ، ومن اتقى الله واقتدى بسنة رسول الله أدرك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي). اللهم صلِّ على محمد.

طلب الدليل من المفتي

طلب الدليل من المفتي Q فضيلة الشيخ! نرجو إفادتنا على هذا السؤال، وهو: أنَّا نجد بعض المفتين يغضبوا عندما نطلب منهم إثبات الفتوى بالأدلة، أو عندما نورد لهم أدلة، ويقولون: إنكم من الشاذِّين، ونحن نأخذ بقول شيخ الإسلام ابن تيمية الذي ما معناه: بَيِّنوا للناس الدليل، وقول محمد بن عبد الوهاب: تعلموا دين الإسلام بالأدلة! والسؤال هو: هل الشاذ هو الذي يطلب الدليل ويورده؟! أم الذي يغضب عند طلب الدليل منه؟! وجزاك الله خيراً. A والله يا أخي الكريم، لا شك أن الذي يغضب عند طلب الدليل جاهل، ولا يمنع إذا كان الإنسان قد حضرته الفتوى، وحضره جواب السؤال ولم يستحضر الدليل على الوجه الأكمل أن يقول: لا يحضرني الآن الدليل، وإنما أَعِدُ ببحث الدليل، أو بإحضار الدليل؛ لكن أن يغضب الإنسان عند طلب الدليل، هذا يوشك أن يقع في دين المقلدين الذين يجعلون الدين بالتقليد والتوارث عن الآباء والأجداد، إنما الدين بالأدلة. العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفانِ فلا بد أن نطلب الدين بالأدلة، وإذا سُئلنا الدليل إن كان واضحاً معلوماً قدَّمناه، وإن كان غائباً بحثناه وبذلناه، وإن كنا لا ندري نقول: لا ندري، وليس في هذا حرج أبداً، ليس في هذا عيب أبداً. رجل حجَّ من أقاصي البلاد، يريد أن يقابل مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، فسأله عن مسائل كثيرة، فأجاب منها، وقال في ثلاث وستين مسألة، أو قريباً من هذا العدد، قال: لا أدري. قال: أنت مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، تُضْرَب لك آباط الإبل، أسألك فتقول في ست وثلاثين مسألة: لا أدري. فقال الإمام مالك: أخبر الناس في اليوم الأكبر، أو في يوم الجمعة، أو في يوم عرفة، أو قال عبارة: في وقت اجتماع الناس، وتحدث في الركبان, وطُف بالبلاد، وقل: إني سألت مالكاً عن ست ثلاثين مسألة، فقال: لا أدري. ليس عيباً أن تقول: لا أدري.

إرشادات لمن أراد أن يتوب

إرشادات لمن أراد أن يتوب Q أرجو من فضيلتكم الإجابة على هذه الأسئلة: السؤال الأول: إنسان أسرف على نفسه بالمعصية، ويريد أن يتوب، فما هي الإرشادات التي توجهونها إليه؟ وهل يقبل الله توبة هذا الإنسان؟ A أما التوبة فلا شك أن بابها مفتوح ما لم يغرغر العبد -أي: تصل روحُه الحلقومَ- أو تطلع الشمس من مغربها. باب التوبة مفتوح، هذا أمر واضح، ومن أرجى الآيات في كتاب الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزمر:53]: وليس أذنبوا فقط: {أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53]. {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110]. {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]. فمن أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، وفتح الله قلبه للتوبة والاستقامة والهداية، فإني أنصحه بمسائل: أولها: تخلص من جميع الذنوب والمعاصي: بعض الناس يتوب من جميع الذنوب، إلا أربعة أشرطة يضعها تحت الفراش، ويتوب من جميع الأفلام، إلا شريطين يضعها فوق الدولاب، ويتوب من جميع المجلات إلا أربع صور يضعها تحت الدرج: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] ادخل في الإسلام والالتزام كافة، واترك المعاصي جملةً وتفصيلاً: اعتزل ذكر الأغاني والغَزَلْ وقُلِ الفصل وجانِب مَن هَزَلْ ودع الذكرى لأيام الصبا فلأيام الصبا نجمٌ أَفَلْ إن أَهْنا عيشة قضَّيتَها ذهَبَت لذاتُها والإثمُ حَلْ يا أخي الشاب: يا من تقول: إنك أسرفت على نفسك بالذنوب والمعاصي! تذكَّر ذنوبك ومعاصيك التي عصيت الله بها، هل تجد لذتها الآن؟! لذة المعصية لحظة ثم تزول ويبقى الإثم، لذة المعصية ذهبت، وبقي إثمها. وأقول لكم: يا معاشر الوجوه النيِّرة الضاحكة المستبشرة! أنتم صليتم صلاة القيام في رمضان، وصليتم التهجد في رمضان، هل تشعرون الآن آلاماً في أقدامكم من طول القيام؟ لا. ذهب التعب وبقي الأجر. فهي نعمة عظيمة. ونقول لكل من تعلق بالذنب: إن لذة الذنب لحظة، وفضيحة الذنب أطول، وخزي الندم أشد، وينتهي كل شيء. ونقول لمن أطاع الله: تعبتَ ساعة، فنسيتَ التعب، وبقي أجره. فنقول أولاً: تخلص من جميع ما عندك، بعض الشباب يتوب وتاركٌ له اثنين أو ثلاثة خط رجعة، لا. تُب وتخلص من جميع الذنوب والمعاصي من: أفلام أشرطة مَلاهٍ مسلسلات حقوق تردها إلى أصحابها. زيادة على ذلك: بعض الناس يتوب؛ لكن الشلة هي الشلة، السهرة هي السهرة، العبث هو العبث: نعم؛ يقول: أنا بفضل الله، ما في بيتي أفلام فاسدة، ما عندي أغانٍ، ما عندي مجلات؛ لكن الشلة هم الشلة، نجلس معهم، ويجيئون بأفلامهم، ويجيئون بأشرطتهم، ويجيئون بأغانيهم، ويجيئون بلهوهم. لا يمكن هذا إذا تبت إلى الله، حتى الصحب الذين اقترفت معهم المعصية استبدلهم بأصحاب آخرين، لا أقول لك: العنهم، وسبهم واشتمهم، لا. نقول: جلساء السوء استبدلهم بجلساء صالحين، واسأل الله لزملائك السابقين الهداية: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} [النساء:94]. يا أخي الكريم: أنا وأنت اهتدينا اليوم، فلماذا نعادي الذين لا يزالون أهل الذنوب؟! لماذا لا ندعو الله لهم؟! ألسنا بالأمس كنا مذنبين فمنَّ الله علينا اليوم؟! فلنسأل الله لهم الهداية لعل الله أن يمن عليهم الليلة أو غداً. الأمر الثالث: الالتزام بالعواطف لا ينفع: إذا استقمتَ، تخلصتَ من سائر الذنوب والمعاصي، واستبدلت جلساء السوء بأهل الخير، فعليك بطلب العلم، (قل: آمنتُ بالله ثم استقم) عليك بالتوحيد بالعقيدة بحفظ المتون بقراءة القرآن بقراءة الكتب النافعة، هذا ينفعك. أما بعض الناس يظن أن الالتزام: باسم الله، الإخوان تدَيَّنوا ونريد أن نَتَدَيَّن معهم، نريد أن نَتَدَيَّن مع الإخوان. وكيف نَتَدَيَّن مع الإخوان؟! نروح نقصِّر ثيابنا، ونوفِّر لحانا. لا. هذا ليس هو التديُّن. التدين: اتباع السنة، عدم الإسبال، توفير اللحى، إكرام اللحى، عدم سماع الملاهي. وصميم التدين: طلب العلم عبادة الله على بصيرة معرفة التوحيد شروط (لا إله إلا الله) نواقض (لا إله إلا الله) معرفة توحيد الألوهية، معرفة توحيد الأسماء والصفات إلخ. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

شباب مشغولون بلا مهمة

شباب مشغولون بلا مهمة إن من المؤسف والمؤلم أن ترى شباباً ضيعوا أوقاتهم فيما لا نفع فيه في الدنيا ولا في الآخرة، بل أعظم من ذلك أن يكون هناك شباب ضيعوا أعمارهم في ممارسة الحرام والفسق والفجور، وتقليد الكفار والإعجاب بهم، ولم يعلموا حال السلف كيف كان إعجابهم بأهل الطاعة والصلاح! ولقد جاءت هذه المادة لتطرح موضوع هؤلاء الشباب، وتحاول علاجه بالقرآن والسنة.

نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس

نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والند والمثيل والنظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. أيها الأحبة في الله: أشكر الله جل وعلا، ثم أشكركم، وأسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء، فالفضل لله ثم لكم، حيث أكرمتموني وشرفتموني بهذه الدعوة وبهذا المقام بين أيديكم، وما ذكره فضيلة الشيخ/ محمد المحيسني في مقدمته أسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، إنما هو حسن ظن، نسأل الله أن نكون خيراً مما تظنون، وأن يغفر لنا ما لا تعلمون. أحبتنا في الله: حديثنا عن شباب مشغولين بلا مهمة، هذه المشاغل التي أشغلت هذا الشباب أين ظرفها؟ وأين مكانها؟ إنها في الزمان، إنها في الوقت، إنها في العمر، إنها في الحياة، إنها في العصر الذي أقسم الله به: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2] {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1 - 2] {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى:1 - 2] كل هذه المشاغل هي في الساعات، وفي الليالي، وفي النهار: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم:17]. هذا الزمن -أيها الأحبة- الذي بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد مسئول عنه حيث قال: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) هذا الزمن الذي دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى اغتنامه، والانشغال فيه بما يعود على العبد بمنافع الدنيا والآخرة، حثَّ النبي العباد على الاشتغال بما ينفع، ونادى بعبارة الغنيمة فقال: (اغتنم خمساً قبل خمس) ولفظ (الغنيمة) فيه إشارة على أن الأمر إن لم تبادره فاتك، ولفظ (الغنيمة) فيه إشارة إلى أنها لا تنال إلا بجهاد ومجاهدة نفس، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، ودنياك قبل آخرتك). أيها الأحبة في الله: هذا الزمن الذي هو خزينة لأعمالنا، وفي نهاية المطاف نرى الغبن والخسارة في حال من ضيعه ولم يغتنمه، ولم يملأ ساعات أيامه ولياليه بما ينفعه، يقول أحد الحكماء: "سويعاتك طريقك إلى القمة" والصواب: أن السويعات طريق إما إلى الجنة وإما إلى النار، فإن كانت الأعمال شاقة، فأنجزوا كل يوم عملاً واحداً، فبمضي الأيام تنجزون أعمالاً كثيرة. أيها الأحبة: إن أناساً من شبابنا وأحبابنا وإخواننا لا يدركون أهمية الوقت، ولا يعرفون أهمية الزمن والعمر والحياة، لا يعرفون قيمتها، فكيف يحفظون؟! وكيف يشغلون الزمن بما ينفعهم؟! وكما قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله: الوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يضيع ولأجل ذا لما كان التغابن عند أقوام وجدوا الفراغ فلم يشغلوه بما ينفعهم، وأنعم عليهم بالصحة فلم يسخروها فيما يعود عليهم بالكرامة في دنياهم وأخراهم، كانوا حقاً من المغبونين: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).

النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية

النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية وكلماتي هذه إليكم -أيها الأحبة- وإلى الشباب خاصة إنما هي دعوة للتفكر والتأمل، ولحظة حساب وعتاب ومناقشة، سيما ونحن في بداية عام جديد نرسلها ونهديها إلى كل فتىً وفتاة، وإلى كل رجل وامرأة، وإلى كل ذكر وأنثى، وصغير وكبير، فاعلموا أحبتنا في الله: أن الأصل في المسلم والمسلمة أنه كلما عاش يوماً ازداد علماً وعملاً وفقهاً، ونفعاً للآخرين، ولأجل ذا كان خير الناس من طال عمره، وحسن عمله، لأن في مزيد من الأيام والليالي زيادة بالحسنات، وتكفير للزلات والسيئات. الأصل والحقيقة -أيها الأحبة- أن حياة المسلم كلها لله جل وعلا، لا يجد فراغاً ينفقه أو يصرفه في معصية الله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163] الإنسان مشغول لا محالة بطاعة أو بمعصية، ومن ظن أنه يقف في برزخ، أو في مرحلة بين الخير والشر، وفي مقام بين أن يحسن أو يسيء فقد وهم وظن خطأً، يقول ربنا جل وعلا: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:35 - 37] قال بعض السلف: ليس في الأمر توقف، إما تقدم في طاعة، وإما تأخر في معصية، وقال الشافعي رحمه الله: نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، فكل نفس مشغولة إما بحق وإما بباطل، فشغل المؤمنين طاعة الله، وعمل فيما لأجله خلقوا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وشغل الضالين سعي في بوار، وإنفاق في هلاك، وقد صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم: (كل يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها).

أقسام الشباب في الفراغ والشغل الموهوم

أقسام الشباب في الفراغ والشغل الموهوم

شباب شغلوا بالجلوس على الطرقات

شباب شغلوا بالجلوس على الطرقات أيها الأحبة في الله: كم من شاب حاجة أهله إليه عظيمة، يحتاجون إليه في رعايتهم، وإصلاح شأنهم، وتأمين حاجتهم، وعلاج مريضهم، وصلة ذوي رحمهم، وبر قريبهم، ومع ذلك تجد الأسرة تحتاج إلى السائقين وبعض الخدم، ولدى الأسرة شباب تفيض جهودهم، وتتعدى قدراتهم حجم أعمال بيوتهم، ولكنهم لا يقومون بهذا، لماذا؟ لأنهم مشغولون! ومشغولون بماذا؟ مشغولون بلا مهمة. وتجد الأسرة تجمع وتستوفد الخادمات والمربيات، ولو وزعت الأعمال بين البنات في الدار؛ لأغنت عن وجود هؤلاء الخادمات، ولعادت بالنفع على البنات؛ لكي يكن طاهيات ماهرات قادرات متحملات مسئولية المنازل، ولكن البنات مشغولات! مشغولات بماذا؟ إنهن مشغولات بلا مهمة. الشباب والرجال مشغولون أو متشاغلون، بلقاءات، وجلوس، وسهر طويل على الأرصفة، وحديث لا ينقضي، ومواعيد متجددة، والقوم قد جلسوا في الطريق، ولكن البعض منهم ما جلس كما جلس الصحابة في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والجلوس في الطرقات! فقالوا: يا رسول الله! ما لنا عنها بد هي مجالسنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنتم فاعلين لا محالة فأعطوا الطريق حقه، فقالوا: وما حق الطريق؟ قال: رد السلام، وكف الأذى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). إن أقواماً جلسوا على الطرقات، وربما احتجوا بهذا الحديث على جواز الجلوس على الأرصفة، ولسنا بصدد تحريم أو تحليل الجلوس على قوارع الطرق، ولكننا نقول لمن جلسوا: بماذا أنفقتم وقضيتم وأمضيتم ساعات النهار وساعات الليل؟ ربما جلس البعض إلى ساعات متأخرة من الليل، قد قام فيها العباد في محاريبهم، وقام فيها المتهجدون بين يدي ربهم، وتنزل ربنا جل وعلا في الثلث الأخير من الليل نزولاً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فيقول: (هل من تائب فأتوب عليه؟ وهل من مستغفر فأغفر له؟ وهل من سائل فأعطيه؟ وهل من داع فأجيبه؟) إنها ساعات تجاب فيها الدعوات، وتقال فيها العثرات، وتسكب فيها العبرات، ولكن بعض أحبابنا وشبابنا في تلك الساعة جالسون في الطرقات، ينظرون في الغاديات والرائحات، وينظرون في العابثين والعابثات، جلوس على هذه الطرقات والأرصفة، وناهيك عما يدور في هذه المجالس إن لم يكن غيبة أو نميمة، أو سخرية أو استهزاء أو انشغالاً بالورق والبلوت، ولسنا بصدد تقرير الأحكام الشرعية بهذا، ولكن لقد جلس هؤلاء، ولو قلت لأحدهم: أدعوك الليلة إلى محاضرة، أدعوك إلى حلقة ذكر، أدعوك إلى روضة من رياض الجنة، أدعوك إلى مجلس تغشاه السكينة، وتتنزل عليه الملائكة، ويذكر الله الذاكرين فيه في ملئه الأعلى، لقال: لا وألف لا، إني لمشغول في هذه الليلة، ولو تتبعته لوجدت شغله على الرصيف، على الدائري، على الطريق الأصفر أو الطريق الأحمر والأبيض. فكل يدعي الشغل، وكل يزعم الانشغال، ولكن في ماذا؟ نحن نعلم أن رجلاً أو صغيراً أو كبيراً لا يرضى أن يقذف أو يوصم بالفراغ فيقال: فلان فارغ، فلان لا حاجة عنده، فلان لا شغل له، فلان لا غاية يرنو إليها، أو يصبو إلى تحقيقها، لا تجد أحداً يرضى، ولو قابلت رجلاً فارغاً من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه فلن يقول لك: إني فارغ، ولكن سيقول لك: إني مشغول. مشغول بماذا؟ عجب عجاب!

شباب أهل ملاه ودخان وشيشة

شباب أهل ملاهٍ ودخان وشيشة وطائفة مشغولون بسهر على الدخان والشيشة والنارجيلة، ومكالمات هاتفية، وجلوس بالطرقات، ودوران بالسيارات في الأحياء والشوارع والميادين، وربما كانت هذه الجولات حول الأحداث وقرب المردان، وتجوال للمعاكسات، ورفع أصوات لمزمور الشيطان، وأصوات الغناء، وسهر على شوارع مضاءة، وسهر للعزف والطبل، فترى فئاماً أو جماعات صغيرة من الشباب قد جلسوا وأحدهم بيده الناي، والآخر: العود، والثالث: الطبل، والرابع: الربابة، والخامس: آلة لهو، ثم يجتمعون يجزون هذه الأوتار، ويخاطبون هذه الجلود، وينثرون الآهات على الطريق، وربما سكب بعضهم عبرات شيطانية قد هيج الشيطان أنفاسه، ورفع عواطفه، فسمع صوت أغنية ففاضت عينه من شدة تحكم الهوى والشهوة في نفسه إلى درجة البكاء، ولو ذكر الله لاشمأز ولا حول ولا قوة إلا بالله! بعضهم لو ذكر الله لقست قلوبهم بدلاً من أن تلين وتذعن وتستكين لهذا الخطاب، وصدق ابن القيم رحمه الله فيما ذكر في إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، حيث قال عن طائفة من الذين شغفوا وأولعوا بهذا اللهو حتى صرفهم عن ذكر الله والإخبات له قال: تُلي الكتاب فأطرقت أسماعهم لكنه إطراق ساه لاهي وأتى الغناء فكالحمير تراقصوا والله ما طربوا لأجل الله دف ومزمار ونغمة شادن فمتى رأيت عبادة بملاهي ثقل الكتاب عليهم الأمر والنهي، المندوب والمكروه، الواجب، المخاطبة بالأحكام الشرعية التكليفية أصبحت ثقيلة ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامرٍ ونواهي لأن كلام الله: افعل لا تفعل، امض لا تمض، واذهب لا تذهب، أمر ونهي. ثقل الكتاب عليهم لما رأوا تقييده بأوامرٍ ونواهي ورأوه أعظم قاطع للنفس عن لذاتها يا ذبحها المتناهي بعضهم من شدة تحكم الهوى في نفسه، يقول: سلني ما بدا لك، واطلبني حاجتك، ومرني بما شئت، إلا اللهو، إلا الغناء، إلا الدف، إلا المزامير، إلا الموسيقى، فهي في دمي ونفسي وروحي، هي نبضة من فؤادي، وخلجة من خلجات نفسي، وقطعة من لحمي، يظن ويؤكد له الشيطان أنه لا يستطيع أن يعيش بدون هذا اللهو وبدون هذا الباطل.

شباب اشتغلوا بالشعر والتشبه بالكافرين

شباب اشتغلوا بالشعر والتشبه بالكافرين وشباب آخرون اهتموا واشتغلوا بتسريحة الشعر التي تشبهوا فيها بالكفار، عجباً رأيت! وربما بعضكم رأى ما رأيت، رأيت شباباً يدورون في أسواق كأن رءوسهم بعض العناكب أو الخنافس أو العقارب، ورأيت شباباً -ولعل بعضكم رأى ما رأيت- تجد في أشكالهم وفي وجوههم أمراً لا تحمده إن لم يفزعك أو يخوفك من منظره، فتسأل عن ماذا؟ سئل أحد الشباب عن شاب كان قد جعل على رأسه قصة شعر معينة فقيل له: ما هذه القصة؟ فكان A إنها قصة كلب ديانا زوجة الأمير تشارلز، أصبح الكلب في درجة يتأسى ويقتدى به، لم يقف التأسي والاقتداء بالفجار أو الفساق أو الكفار عند بعض الشباب، بل تجاوز التأسي إلى كلاب الفجار، وما يدريكم! "وعش رجباً ترى عجباً" أن يأتي يوم نسمع بشباب يقلدون قصة قطة تاتشر، أو قصة معينة، ومن عاش سيرى عجبا.

شباب همهم تلميع وتلوين السيارات

شباب همهم تلميع وتلوين السيارات وأخرون من الشباب تجدونهم قد اهتموا بالسيارات، تلميعاً وتشكيلاً وتلويناً، وأحوالاً عجيبة وغريبة، لأجل ماذا؟ أهي خيول تسرج للجهاد في سبيل الله؟! أم دواب تعد للسفر للدعوة إلى الله جل وعلا، وتعليم الجهلة، والتوحيد، وتحفيظ القرآن، وتعليم الناس الصلاة الصحيحة، والوضوء الصحيح، والعبادة الصحيحة؟! لا وألف لا. إنما إعداد هذه السيارة ليتسنى الدوران عليها من بعد العصر أو قبيل المغرب حتى ساعات متأخرة من الليل. إنك والله لتعجب أن تجد هذا الشاب مشغولاً، ولو أغلقت دونه الطريق لحظة وهو في سيارته لأزعجك بمنبه الصوت، وعلق منبه الصوت فوقك، وربما أخرج عنقه ورأسه، ورفع صوته بالسباب والشتيمة: لا تغلق الطريق، لا تشغل الناس، لا تقطع الناس عن أحوالهم، ولكن إلى أين هو ذاهب؟ أين شغله ومشغلته وحاجته وغايته ومهمته؟ مجرد أنك أغلقت الطريق دونه ساعات ربما لأمر لك فيه عذر في إغلاقه، ولكنه لم يتحمل لأنه مشغول، إنه في قرارة نفسه مشغول، ولكن تابعه إلى نهاية المرحلة تجده مشغولاً بلا مهمة.

شباب همهم ارتداء الملابس الملونة

شباب همهم ارتداء الملابس الملونة وفريق من الشباب أصبح لا هم لهم إلا أن يرتدوا هذه الملابس العجيبة، فانلّة أو فنيلة تجد فيها أربعين لوناً كأنها بيف -البيف الذي تحمل فيه الدلال والأباريق وغيرها في الغالب أنه يجمع وينسج من قطع وألوان متفرقة من فضلات الأقمشة- فبعضهم أصبح همه أن يلبس هذا القميص ذو الألوان الغريبة العجيبة المتعددة، ويكتب فوق هذا القميص عبارات عجيبة وغريبة، فيها من الفحش والبذاءة والدعوة إلى المنكر، والبراءة من الحياء والفضيلة، والجرأة على الرذيلة أصناف وأشكال وألوان، ولكن مساكين قد انشغلوا واشتغلوا بهذا بلا مهمة أو غاية.

شباب مشغولون بالرياضة

شباب مشغولون بالرياضة وفريق من الشباب مشغولون بالرياضة، مشغولون بالكرة وبالدوري وكأس العالم، ودوري الصعود والتصفيات، والمباريات الرباعية، والنهائي، ولا يقف الانشغال عند هذا الحد، قبل المباراة جلسات طويلة: ما رأيك من الذي سيسدد أهداف المباراة اليوم؟ ومن الذي سيفوز اليوم؟ وما هي خطة النادي في الهجوم على الأعداء أصحاب الفريق والآخر؟ وما ظنك أن يكون حظ هذا الفريق من النقاط؟ وهل يتأهل لدوري الصعود؟ وهل ينافس على الكأس؟ ولو سمعتم أو استرقتم السمع على شباب يتحاورون لربما وجدتم بعضهم يحلف بالطلاق، ويقسم بالعتاق، ويقول ألفاظاً عجيبة، وأيماناً غريبة من أجل تحليل وتحكيم وتقرير أحوال هذه المباراة، شغل شاغل، وأصوات مرتفعة، وجواب، وخطاب، وبرهان واعتراض ودليل، وكلام وحجة، والقضية كلها انشغال بلا مهمة، من أجل قطعة جلدية منفوخة تتبادلها الأقدام يمنة ويسرة، والجماهير المسكينة تهتف بأسماء اللاعبين، وتهتف بأسماء هذه الأندية، وبعضهم يشتد نَفَسُه، وتقف زفراته لحظة، خاصة إذا تعادل الفريقان، ولم يفز منهم أحد على الآخر، ثم وصل الأمر إلى درجة التنافس على تسديد الهجمات على الأبواب، رام وحارس يسدد هجمات على الباب، والآخر مثل ذلك، انظر حال الصمت والوجوم، حتى لو رمي بإبرة لسمع صوتها، في شدة هذه اللحظة التي وجمت فيها النفوس، واشرأبت فيها الأعناق، وشخصت فيها الأبصار، فالمسألة غريبة، ولو أن واحداً من هؤلاء المنشغلين بالمشهد يوم يجري اللاعب رويداً رويداً، ذو القدم الذهبية دنت إلى الكرة كقاب قوسين أو أدنى، إلى بوابة هذا المرمى، لو كلمه أحد لضربه وقال: دعنا ننظر النهاية. مسألة خطيرة، وكأنما هي مُنصَرفة إلى جنة أو إلى نار، انشغال يبلغ حد اللب، والأخذ بالفؤاد والبصر والسمع، ولو سرق ما في جيبه، وسلب منه الشيء الكثير، والله ما علم من شدة انشغاله بهذا الحدث، ولكن ما هي النتيجة؟ انشغال بلا هوية.

شباب مشغولون بالغناء

شباب مشغولون بالغناء وآخرون من الشباب مشغولون بالأغنية، بالفن، باللحن، بالكلمة، بالطرب، بالنسخة الأصلية، بآخر شريط، بالكرنبان وبالسهرة، وحدث ما شئت، لديه صورة للفنان الفلاني وهو يصعد طائرة، والآخر عنده صورة للفنان الفلاني وهو يدخل بوابة، وآخر عنده صورة قد علقها في حجرته وهو يفعل كذا أو وقع له على فانلّة، أو وقع له على ما يسمونه دفتر الذكريات، اهتمام عجيب، ومع ذلك انشغال بلا مهمة.

شباب مشغولون بالأفلام والمسلسلات

شباب مشغولون بالأفلام والمسلسلات وفريق آخر من الشباب مشغولون بالأفلام والمسلسلات، وأغلب الشباب إلا من رحم الله من غير المستقيمين التائبين اليوم لا يقل حجم عدد أشرطة الواحد منهم عن المائة، أفلام، منذ أيام جاء إلى مكتب الجاليات شاب في منطقة البديعة في الرياض وسلم لأحد الإخوة قرابة تسعمائة شريط، قال: كانت مبرمجة مفهرسة مبوبة لا شغل لي إلا أن أتابع من شريط في شريط، ومن فيلم إلى فيلم، ومن مسلسل إلى مسلسل، وهذا غيض من فيض، وعينة من شريحة موجودة، أفلام الحب، أفلام الرعب والغرام والجنس، وحديث عجيب بين الشباب حول بعض المسلسلات والسهرات اليومية، يجلسون في الصباح أو في الظهر، هل رأيت المسلسل البارحة؟ بلى. ألم تتأثر؟ فيقول لك: إنه خائن، إنه غادر، أبعد هذا الحب يطلقها، أبعد هذا الحب يفارقها؟! وآخر يقول: ماذا تتوقع نهاية المسلسل الفلاني؟ هل يجدون اللص؟ هل يجدون المجرم؟ هل يعثرون على الضالة الضائعة؟ وحوار ونقاش طويل وعريض، وهم يعلمون أن المخرج لو قال للممثل: لا تضحك؛ لم يضحك، ولو قال له: ابك، لبكى، ولو قال له: ارفع رجلك أو يدك لفعل ذلك، إنما هو تمثيل وكذب وأباطيل وهراء، ومع ذلك أخذت اشتغال وانشغال عدد وشريحة من شبابنا حتى أخذت عليهم الليل والنهار. لو قيل لأحدهم: قم اذهب بأمك إلى مستشفى، أو بأختك إلى مدرسة، أو بأخيك إلى معهد لقال: إني مشغول، وما شغله إلا هذه الأفلام والمسلسلات.

شباب مشغولون بالترحال والسفر

شباب مشغولون بالترحال والسفر وفريق من الشباب مشغولون بالترحال، كأن الواحد منهم مجبور ومكتوب عليه، ومكلف أن يجوب أقطار الدنيا، أمن أجل الدعوة إلى الله؟! من أجل تبليغ دعوة التوحيد؟! من أجل محاربة البدع؟! من أجل نصرة المظلوم؟! من أجل الشفاعة للمحتاجين؟! لا. من أجل برج على جبل، وبحيرة تحت جبل، وسهل أخضر، وحيوانات غريبة، وحدائق عجيبة، وجسور معلقة، وعمائر شاهقة، وطرق، أحوال وأحوال لشباب لا همَّ لهم إلا السفر والترحال، الأربعاء والخميس والجمعة لا يفوتها، لابد من السفر، فإن لم يستطع السفر إلى بلاد أوروبية أو شرق آسيا كان سفره إلى بلاد خليجية. وأما الإجازات الرسمية فلا تسل عن إهماله لأولاده، أو إخوانه ومن هم في بيته من أجل أن يقضي هذه الأيام في السفر، والعجب -أيها الأحبة- أن بعض هؤلاء الذين يسافرون يخادعون أنفسهم بدعوى السياحة، ويخادعون أنفسهم بدعوى اكتساب المعرفة وجمع المعلومات، فلا أحد منهم يقول: إني مسافر للخنا والزنا، ولا أحد منهم يقول عن نفسه: إنه مسافر إلى الفساد والفاحشة، بل إن أحد المدرسين بالأمس أخبرني عن واحد من الذين منَّ الله عليهم بالتوبة والاستقامة، وهو يعرف عن نفسه كثرة السفر لأجل الفاحشة ولا حول ولا قوة إلا بالله! يقول: ما تجرأت يوماً لأقول لنفسي في كل سفرة: إني مسافر إلى الزنا أو إلى الفاحشة، قال: وفي طريقي إلى المطار تنتابني شكوك ومخاوف أن تنقلب السيارة، أو أن أصطدم بأخرى، أو أن أصاب بحادث، وحينما تقلع الطائرة تنتابني شكوك ومخاوف أن تسقط الطائرة، فإذا نزلت إلى البلاد وإلى محط عصا الترحال بدأت بفعل ما قد عقدت الفعل عليه، ووقعت فيما حرم علي. وطائفة قد شغلوا بالمخدرات، وغيبوا عقولهم عن واقعهم باختيارهم. كل تلك مشاغل، والواحد منهم لو قلت له: اجلس، قال: إني مشغول، ولو دعوته لطعام قال: ألا تفهم إني مشغول.

النساء وأشغالهن الموهومة

النساء وأشغالهن الموهومة ثم اسمع العجب العجابعن أحوال النساء! فبنات ونساء مشغولات بالموضة والأزياء وما يسمونها بمجلات البرد، وتقليد صارخ للكافرات الفاجرات، وتشبه بالرجال، وبنات ونساء مشغولات إلى حد الانشغال عما أوجب الله عليهن، وعما تعلقت ذممهن به، انشغلن بزيارة الحدائق، الأحد: حديقة الحيوان، الإثنين: حديقة الدائري، والثلاثاء: صالة الأفراح الفلانية، والأربعاء: زيارة أو مناسبة، والخميس: لا تسل عن سفر أو ذهاب وتجوال، إنا لا نعيب على شاب أو رجل يخرج بزوجته وأهله فيجعلهم يشمون هواءً عليلاً، أو يرون شيئاً مما أباح الله، لكن أن يكون همُّ الفتاة وهمَُ المرأة في طيلة أيام الأسبوع مضي واستمرار في الذهاب والخروج والتجوال في الأسواق، دأب لا يعرف الكلل ولا الملل، فذلك أمر عجيب! وبعضهن مشغولات شغلاً عظيماً بحديث الهاتف الذي فيه مكاشفة للأسرار الزوجية، ماذا فعلتم؟ وماذا حصل البارحة، وما الذي لم يحصل البارحة؟ وحديث آخر: فلانة ذهبت، وفلانة فيها وفلانة ليس فيها، وحديث طويل، ولو أن ابنتها الصغيرة، أو ولدها المسكين جاء يبكي أو يريد طعاماً أو شراباً، لربما رمت به قليلاً، أو صرخت لخادمة كافرة أو مسلمة جاهلة لكي تعد لهذا الطفل حاجته لأنها مشغولة، ولا ينبغي لأحد أن يقطعها، ولا ينبغي لأحد أن يكدر صفو حديثها مع صديقتها، إنها مشغولة بالهاتف. وهذه الشريحة من النساء بعضهن قد يعلمن أو لا يعلمن أن الله لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وأن خروجهن أمر لا يجوز، والأسواق شر البقاع عند الله، (وأيما امرأة خرجت فاستعطرت لتفتن غيرها؛ فهي زانية) وأنها إن خرجت بغير إذن زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع، وأنها تعلم أن حديثها ونقلها القيل والقال من النميمة والغيبة سبب لحرمانها من دخول الجنة: (لا يدخل الجنة نمام أو قتات).

الأطفال وانشغالهم بالمسلسلات والألعاب

الأطفال وانشغالهم بالمسلسلات والألعاب أيقف الانشغال بطبقات المجتمع عند من ذكرنا؟ لا. فهناك شريحة مشغولة أيضاً بلا مهمة، شريحة الأطفال، الكثير منهم مشغول، والعتاب لوالديهم والمربين والأولياء الذين تحملوا ذممهم: (كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته) اشتغل الأطفال برسوم متحركة، وما أصبح الذي يعرض في التلفاز والشاشات كافياً لاستيعاب انشغال الأطفال به، بل إن البعض تعدى ذلك إلى شراء الأفلام والمسلسلات من محلات الفيديو، أفلام خاصة بالأطفال حتى لا يبقى الطفل فارغاً، لابد أن يكون الطفل مشغولاً، ولكن مشغولاً بماذا؟ بهذه الرسوم المتحركة، وهذه الأفلام، واعجبوا من بعض هذه الأفلام. وإنا ننادي كل من له علاقة بالإعلام، وننصح كل حبيب غيور على هذه الأمة، وعلى فكر ناشئتها، أن ينتبهوا ويلتفتوا إلى خطورة ما يعرض على هؤلاء الأطفال، فيما يسمى بالأفلام المدبلجة والمترجمة، يدور هذا الفيلم المدبلج حول شخصية بارعة جاذبة ذات قوة آسرة، فيتعلق الطفل (بعدنان ولينا) أو (هايدي) أو (الليث الأبيض) أو (جازورا) أو (سنان). ويقول بعض الأطفال الصغار في برنامج يعرض اسمه: (نساء صغيرات) يقلن هؤلاء الصغيرات في بداية الحديث: "نحن الأطفال الصغار، نبض الحياة، معنى الحياة، لا ندري أين المصير، لا ندري أين المصير" فمشغولون، ولكنهم مشغولون بلا مهمة، بل مشغولون بما يعود بالضرر، وإن ناشئة الأمة وأطفالها هم عماد المستقبل بإذن الله إن اعتني بهم، والخطر كل الخطر أن يتعلق قلب الطفل بنمط حياة الكفرة، وأن يعجب بأسمائهم وتقليدهم وعاداتهم، وليس في هذه الرسوم المدبلجة إشارة إلى نمط حياة المسلمين، فلن تجد في هذا الفلم أو المسلسل المتحرك أو ما يقدم للأطفال، لن تجد في الغالب منارة مسجد، أو مكاناً للصلاة، أو دعوة إلى العبادة، أو تسمية، أو ذكر لله، أو حجاب أو ستر، فلن تجد شيئاً يقرر الحياء والبعد عن الرذيلة. بعض المسلسلات التي شغل بها الأطفال تجد فيها طفلاً يحضن طفلة فيجهدها، وربما حصل له ما حصل، انشغال لهؤلاء الأطفال بالألعاب (الإلكترونية) وهي لعبة يظن البعض أنها درجة من التطور، نعم، إنها تطور ولكنه في اتجاه آخر، الألعاب (الإلكترونية) ما هي إلا لعبة جيدة لسحب أموال الناس، فخذوا على سبيل المثال ألواناً وأنواعاً من الأفلام والأشرطة التي توجد عبر هذه الألعاب سلبت عقول الصغار، لا يجد الطفل مساحة في عقله لكي يحفظ آيات، أو يحفظ أحاديث، ائت بشباب أشغلت مساءه في غير الإجازة بهذه الأفلام التي تسمى (الإلكترونية) هل سيبقى في قلبه ميل للقرآن أو ميل للسنة، أو ميل للأذكار والأوراد والآداب؟ وإني لأعجب عجباً بالغاً، هناك مسلسل متحرك للأطفال اسمه: (سلاحف نينجا) فهذا لم يقف عند حد الرسوم المتحركة، بل هو أيضاً موجود في الألعاب المتحركة، بل وجدت أحذية باسم: (سلاحف نينجا) وبناطيل، وقمصان، وملابس، وحقائب، ومساطر، وأدوات هندسية، وآلات كتابية، الطفل الذي لا يجد هذا يشعر بشيء من القصور، لأن أنداده وأمثاله من الأطفال يملكون هذا ولا يملكه، وربما أثقل كاهل والديه، وأحرجهم حتى يشتروه له، على حساب التزامات الأب المتعددة من غذاء وسكن وطعام ودواء وغير ذلك. وفي الجملة فغالب من ذكرنا -أيها الأحبة- قد اشتغلوا بما حرم الله عما أوجب الله، واشتغلوا بما يجر إلى حرام، أو بما يصرف عن طاعة الله، واشتغلوا بما لا يسألون عنه عما سيسألون عنه وسيحاسبون عليه، وتقول القاعدة الفقهية: "الاشتغال بغير المقصود إعراض عن المقصود".

دعوة إلى المصارحة والحوار مع الشباب

دعوة إلى المصارحة والحوار مع الشباب فإلى هؤلاء الشباب والشابات، وإلى أحبابنا وإخواننا الذين هم بضعة من مجتمعنا، وخفقة من أفئدتنا، ونبضة من دمائنا، إلى هؤلاء الشباب الذين ضاعت أوقاتهم على الشارع الأصفر، وعلى الطرق الدائرية، وفي الاستراحات إما سهر، أو ورق أو عزف أو قيل وقال أهذا أوانه ودماء المسلمين في البوسنة تسفك؟! أهذا زمانه ورقاب المسلمين في الهند تقطع؟! أهذا زمانه ورقاب المسلمين في مانيلا وكوسباتو والفليبين تقطع وتنحر؟! أو يجوز لعبد أن يشتغل بهذا وللمسلمين أعراض مغتصبة، ودماء سكيبة، ومدن مهدمة مكسوفة، وجلاء جماعي، وقتل عشوائي، وتشريد وتمثيل، واغتصاب حتى للصغيرات والأطفال والعفيفات؟! والله إن الواحد ليعجب! وأذكر ذات مرة كنا في مدينة مع بعض أحبابنا ومشايخنا الدعاة جزاهم الله خيراً، فلما انتهينا من محاضرة كنا في صددها، إذ بنا في تلك المدينة الصغيرة نجد عدداً من الشباب وقوفاً على ما يسمى (بالكاونتر) أو طاولة محل الفيديو، هذا يريد فيلماً هندياً، وهذا يريد فيلم كذا وكانت تلك الزيارة في بداية أحداث البوسنة والهرسك، فكدنا نتقطع ألماً! وما كأن الحدث يعني المسلمين بشيء يا عباد الله! لأن بيننا وبينهم جبال وبحار وأرض وفيافي وقفار لا يهمنا شأنهم، فدخل أحد الإخوة وقال: يا شباب الإسلام! والله لو لم نترك هذا امتثالاً لأمر الله ورسوله فلا أقل من أن نتركه حياءً أن يضحك هؤلاء العمال وربما بعضهم من الكفرة في محل الفيديو وهم يروننا نشتري أفلاماً هندية، فهذا هندي يعلم أن جماعته ينحرون المسلمين في بلاده، أما نستحي أن نشتري هذه الرقصة وهذا الغناء، وهذه الحفلات، والدماء والأعراض والبلاد والديار تهدر وتغتصب وتهدم؟! إن لم يكن خوفاً من الله، فلا أقل من أن نستحي، إذ أن الواقع لا يأذن بهذا، بالأمس خمر وغداً أمر، بالأمس سكرة واليوم وغداً فكرة، لماذا لا تحنكنا التجارب: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة:126]. فيا شباب الإسلام: هلا فكرتم؟! قل تعالوا إلى كلمة سواء، تعالوا لنتناقش: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [سبأ:46] هذه دعوة إلى الشباب، الذين يظن الواحد منهم أنه قد حلق في الثريا حينما يغلق زجاج سيارته على مكيف دافئ، ونغم هادئ، وصوت رخيم، وتجوال بطيء بين الشوارع، أو يجلس جلسة عزف أو لهو أو حديث أو تجوال في سوق لمعاكسة ونحوها: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى} [سبأ:46]. تعال يا أخي! لأجلس معك جلسة الصراحة، لأجلس معك أو مع اثنين من أصحابك، وصارحني وأصارحك، قل لي بكل صراحة ما عندك، وأقول لك بكل صراحة ما عندي، إنك لتعجب من بعض الشباب، ذات يوم فيما يسمى بميد، مطعم من المطاعم أو محل من البقالات التي انتشرت، دخلت ذات يوم، فقام أحد الشباب وأشعل سيجارة، ففهمت أنه أشعلها قصداً، فتسوقت ما تسوقت من ذاك المكان وقلت له: أتسمح لي بالحديث معك؟ قال: نعم، تفضل، وكانت سيجارته في يده، فقلت له: اسمك الكريم. قال: فلان من عائلة فلان. جدك فلان وأبوك فلان؟ قال: نعم. قلت: عائلة كريمة، أيليق بشفاه طاهرة تنطق بالشهادتين أن تتنجس بهذا الدخان؟! فاستحى ثم أطفأ سيجارته؟ ثم قال: في الحقيقة يا شيخ! أنا لما رأيتك قصدت إشعال السيجارة. فقلت: لماذا يا أخي الكريم أشعلتها متقصداً؟ قال: لأن الهيئة بالأمس أخذوني وأنا ما فعلت شيئاً، سبحان الله! تغلط عليك الهيئة وتعاقبني أنا؟! هذا إن سلَّمنا أن الهيئة أخطأت عليك، لكني أريد أن أسألك ما هو الخطأ الذي ارتكبته الهيئة عليك؟ فإذا به يتسكع في الطريق في وقت الصلاة وهو مقيم صحيح لم يدخل المسجد، ولم يقم بالصلاة، فما الذي رده وما الذي منعه أن يدخل المسجد؟! أولما جاءته الهيئة وقادته إلى بيت الله، أو حدثوه بمكبر الصوت جعلها سبة وعاراً لنفسه، وأراد أن ينتقم بها من كل من يرى؟! ثم أخذنا ندور ونجول في الحديث، إلى أن قال لي: أسأل الله أن تكون توبة، ولا يلزم من ذلك أن يكون تائباً، قد يكون قالها أمامي، ولا يلزم أن نسمع هذه القصة فنقول: ما شاء الله! توبة صادقة، أو توبة صحيحة لمجرد كلمة أو كلمتين قف عند هذا. أخي الحبيب نقول: إن هؤلاء الشباب الذين تسكعوا وجلسوا وانشغلوا بلا مهمة نريد أن نخاطبهم، وأن نكاشفهم، وأن نصارحهم، وأن نسألهم: كم جمعت من المال لزواجك؟ إن لم تكن مشغولاً بالدين وبالدعوة فلنسألك عن حجم اشتغالك بما ينفعك في دنياك، كم جمعت من المال لزواجك؟ كم أعددت، وماذا أعددت لبناء بيتك؟ ماذا فعلت لرفع قدراتك ومواهبك؟ ماذا أعددت لكي تحصل وظيفة مناسبة تنفعك في دينك ودنياك؟ ضياع في الدين والدنيا، خسار وبوار في الدنيا والآخرة بهذا الأمر الذي جعلوه ديدنهم وطبيعتهم وهجيراهم كما قال الشاعر: وكل امرئ والله بالناس عالم له عادة قامت عليها شمائله تعودها فيما مضى من شبابه كذلك يدعو كل أمر أوائله إن بعض الشباب يتسكع ويدور، ويمتهن هذا الفراغ، وهذا الاشتغال في كرة وفن، ولهو وطرب، ورياضة، وجلسات وسهرات، ويقول: إذا جاوزنا الخامسة والعشرين تركناها، أو إذا جاوزنا الثلاثين تركناها، اعجبوا كل العجب من أقوام ادعوا ذلك فلم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً! إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا كانت من الخشب أنت -أيها الشاب- قادر على تغيير مسار حياتك ما دامت قواك قوية دفاقة قادرة بإذن الله، وأنت عاجز إذا خارت منك القوى، واستحكمت فيك العادة، وغلبك الشيطان، وتحكمت بك الغفلات. فإلى إخواننا الأكارم، وإلى شباب الإسلام: أليس في الدعوة إلى الله شغل؟ أليس في صلة الأرحام شغل؟ أليس في بر الوالدين شغل؟ أليس في حفظ الكتاب والسنة شغل؟ أليس في طلب العلم، والكسب الحلال، وحلق العلم، والجد والدراسة والمثابرة، والدورات التدريبية والمهنية، وما يفيدك على اكتساب صنعة نافعة، أليس في هذا شغل؟ بلى. إذاً فما الذي أشغلك عن خير الدنيا والدين واشتغلت بما يضرك؟ أيها الأحبة: نعم. إنها دنيا تفتحت علينا، وأموال تدفقت بين أيدينا، وأمور قد كفلت لنا، فما أصبح الشاب يجد عناء إيجاد شربة من ماء؛ لأن الصنابير تتدفق بهذه المياه، وما أصبح الشاب يجد عناء البحث عن الكسوة، ولا يجد عناء البحث عن اللقمة، فتهيأت الدنيا حتى استحكمت وبلغت بنا حد الترف، وهي علامات هلاك الأمم: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16].

دعوة إلى مصارحة ومحاورة النساء

دعوة إلى مصارحة ومحاورة النساء ولبناتنا وزوجاتنا وأخواتنا: أليس لامرأة مسلمة شغل في ذكر الله وحفظ كتابه؟ أليس لها في خدمة بيتها والعناية بأولادها غنية وكفاية عن الاشتغال بالاجتماعات التي امتلأت بتبادل صور المجلات، ومجلات الأزياء؟ وربما اجتمع بعضهن على شريط رقص وأخذن يرقصن عليه، العمر أثمن وأجل من هذا، حتى إن بعض البنات والنساء أصبحت تتأفف من أعمال المنزل، والأسرة، وأعمال الأنوثة، بل إن بعضهن اعترضت فقالت: يا ليت ربي ما خلقني أنثى، يا ليت ربي خلقني ذكراً، من شدة انشغالها في اللهو أو الحرام، وتبرمها بالواجب والمسئولية الملقاة على عواتق بعض الفتيات تتبرم بعضهن من خلقها وتكوينها وما هي عليه، وكأن هذا قدر خاطئ، أو كأنه أمر فيه ظلم لها ولا حول ولا قوة إلا بالله! أليس لفتاة الإسلام القدرة على أن تجعل من بيتها مركزاً دعوياً نشطاً تجمع فيه جاراتها وصويحباتها يقرأن فيه، يسمعن فيه، يتناقشن فيه، يحفظن فيه؟ هل يكون الإسلام همَّ فتياتنا بدرجة أولى؟ ثم هل تكون الدعوة هي الشغل العملي لبناتنا وأخواتنا؟

وقفات مع أهل الأشغال المختلفة

وقفات مع أهل الأشغال المختلفة

وقفة مع شباب الرياضة

وقفة مع شباب الرياضة إن مهمة العمر عظيمة وخطيرة، إن مهمة العمر في زمن قصير، فهو قصير بالأكدار، وقصير بالآجال المفاجئة، وقصير لأن كل لذات الدنيا فانية حقيرة، فمن ذاق طعاماً انقلب غصصاً في جوفه حتى يتخلص منه، ومن ساغ شراباً انقلب حصراً في جوفه حتى يتخلص منه، ومن جلس مجلساً تبرم إذا طال المجلس حتى يقوم منه. إذاً فلذات الدنيا ذاتها مكدرة إذا طال العبد فيها، فما بالك بحال الدنيا والعبد مفارقها لا محالة، فالعمر قصير، واللذات مكدرة، ولكنا نعود ونقول لأولئك الشباب والفتيات: اسألوا الذين انشغلوا بالفن والطرب واللهو والكرة، اسألوا الذين قطعوا شوطاً بعيداً في كل ما سمعتم، اسأل نجماً رياضياً: هل كانت الرياضة مهمة يأنس إليها، ويركن ويطمئن ويتوكل عليها، ويرجو أن يموت عليها؟ على الرغم من اشتغال الجماهير به، المعجبين حوله، والكاميرات والفلاشات، وآلات التصوير، والصور الملونة في الصفحات الملونة في الجرائد والمجلات، كان ذلك النجم شغلاً شاغلاً للشباب في كراساتهم، وعلى طاولات دراساتهم، وكانت صور هؤلاء النجوم معلقة في حجرهم، وبعضهم تمنى أن تكون له صورة ولو بمكان قريب من ذلك النجم، سعدت تلك الأعين التي رأتك والأعين التي رأت من رآك. بعضهم لو قيل له: إن فلاناً جالس مع اللاعب أو النجم الفلاني لكبر خمساً تسعاً نسقاً، فكأنما هي مكرمة نالها بالجلوس مع صاحبه هذا، ومن يكون فلان الذي يأتي يوم القيامة وكل نفس بما كسبت رهينة، هل تنفعه أهدافه؟ هل تنفعه جولاته؟ هل تنفعه صولاته؟ اسأل أولئك النجوم وقل: هل ترجون أهدافكم ساعة الاحتضار؟ وهل ترجون مواقفكم وصدكم لهجمات الفريق المعادي لكم، هل ترجونها يوم نزع الروح؟ لا والله. كل يتبرأ من هذا كله، فلا ينظر أيمن وأشأم منه إلا ما يرجوه من رحمة الله وعمل صالح.

وقفة مع شباب الفن

وقفة مع شباب الفن اسألوا الفنانين: هل يرجوا أحدهم أن يلقى الله بمائة أغنية، أو بخمسين لحن؟ اسألوهم رغم ما وجدوا وعبروا في حال غفلة أنهم يعيشون الفن للفن، والطرب للطرب، والأغنية للذوق الرفيع، هل يرجون هذا لله جل وعلا؟ لقد جلس بعضهم ودار الكأس بين يديه -كأس خمر- ورقصت الراقصات أمامه، وطالت السهرة، وبزغ الفجر شاهداً عليه أنه أمضى ليله في معصية الله، قد عصى الله ببصر ولو كان كفيفاً ما استطاع، عصى الله بيد ولو كانت شلاء ما استطاع، عصى الله برجل ولو كان معوقاً ما استطاع، عصى الله بعافية ولو كان سقيماً ما استطاع. اسألوا التائبات والراقصات والممثلات اللائي يذكرن بكل مرارة سالف عهدهن بما فيه مما يستحى من ذكره، وما كان اشتغالهن بذلك شيئاً يرجى عند الله. اسألوا من شرب الخمر بأصنافها وأنواعها، معتقة صرفة أو مشوبة، ماذا أغنت عنهم يوم أن دنا الموت منهم؟ ماذا أغنت عن بعضهم يوم أن طعن في سنه معاقراً لها، فغلبته نفسه حتى ضعف عن تركها والتوبة منها؟ إنه لأمر عجيب! نجوم سطعوا ولمعوا ولحقتهم الصحف، وصورت صورهم على غلافات المجلات، وجعل لهم النصيب الأوفى، بل أصبحت صدور بعض النجوم دعاية تعرض بالأموال، فالذي يعلق دعاية مشروب أو غسيل أو صابون أو منتج على صدر اللاعب الفلاني، فإنه يدفع مبلغاً وقدره كذا وكذا ذلك النجم الذي أشغلت به وكالات الأنباء، أو بعض المراسلين في وكالات الأنباء، وشغل به صحفيون ومجلات ولقاءات وزيارات ومراسلات، وهدايا وأرصدة مفتوحة يهدى لهم فيها اسألوهم: ما هي نهاية المطاف؟ إنهم قد عبروا المحيط إلى آخره فما وجدوا إلا ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها. عبروا محيط الفن والرياضة والأفلام، ومحيط الإخراج السينمائي، ومحيط الشهرة والأضواء، فلما تلاطمت أمواج هذا، وسطع كل ما حولهم وجدوا أنهم إلى لا شيء، وفي غير شيء، في سراب وهراء، في رماد تذروه الرياح، في رماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، في هباء منثور، في ضياع وضلال وخبال، أليس لشباب الإسلام في هؤلاء عبرة؟ أليس لهم فيهم عبرة وذكرى؟ ثم اعجب بعد ذلك -أخي الكريم- أن تجد بعض هؤلاء النجوم قد ترك كل هذه الانشغالات، وكل هذه النجومية وذلك اللموع، وعاد إلى الله تائباً منكسراً؛ لأنه لم يجد في ذلك كله شيئاً.

شباب عرفوا حقيقة الطريق

شباب عرفوا حقيقة الطريق في سنة من السنوات في شهر رمضان جاء إلي شاب عليه سيماء الصلاح والاستقامة، فتعرفت عليه وقال: أنا كنت مع المطرب الفلاني المشهور، كنت أسافر معه ونحيي السهرات في القاهرة، وذات يوم سافرنا جميعاً، فشرب المطرب الكبير عند قومه وأتباعه ومعجبيه فلم يستطع أن يحيي السهرة تلك الليلة، ثم رشح مكانه ولسان حاله يقول: خلت الديار فساد غير مسود فتقدم بين القوم، وأخذ يعزف ويغني، قال: وفي لحظة وأنا أنظر إلى الناس من حولي وأقول: ماذا يغني عني هؤلاء؟ ماذا ينفعني هؤلاء؟ ماذا يقدم لي هؤلاء؟ قال: فاقشعرت نفسي وتوجست خيفة، وأنكرت نفسي من نفسي وحالي من حالي، فضلاً عن إنكاري لمن حولي، قال: فعدت، ومنَّ الله جل وعلا عليه بالهداية. فأقوام بلغوا قمة الأشواط في الفن والرياضة والنجومية واللموع في أمور شتى فعادوا؛ لأنهم وجدوها أشغالاً بلا مهمة، عادوا وتركوا ذلك كله لأنهم لم يجدوا شيئاً: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] وجدوا هذا الفن كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماءً، وجدوا هذا الفن وهذه الشهرة كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، وأحد النجوم لما أصيبت قدمه، وما عادت رجلاً ذهبية كسالف عهدها في الرياضة، ومحاورة الفرق، ومباراة اللاعبين، رمي في بيته، ولم يعرفه بعد ذلك اليوم إلا من أحبه في الله بعد توبته وداوم على زيارته وصداقته. أيها الأحبة: هؤلاء بعض الذين عرفوا حقيقة الطريق، اشتغلوا بالفن واللهو، والرياضة، والجلوس، والشرب، والسفر، وأنواع المعاصي، فعادوا مستسلمين قد نكسوا الراية، وألقوا السلاح، وانقادوا إلى الحق، وقالوا: نحن نذرٌ لكم، ونحن نقول: لن تجدوا وراء هذا شيئاً يذكر، إنما هي انشغالات بلا مهمة. والعجب -أيها الأحبة- وقد صرح بذلك بعضهم، يقول: نحن نتعب ونعد الممثل والممثلة، ونبني لهم المسارح، ونوزع الدعاية، ونحث الجماهير، وندعو الصحفيين، ونعطي الأموال، ونأتي بالخبراء ليضللوا الجماهير، وفي نهاية الأمر نفاجأ أن الممثل يتوب ويترك المسرحية، ونفاجأ بأن الممثلة تتحجب وتترك السهرة، وبأن النجمة الفلانية تابت وتحجبت، وتركت هذا كله، نعدها لتضل الآخرين فإذا بها تهتدي، نعم، قد رأت الحق: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:18]. أيها الأحبة في الله: إنها انشغالات مؤلمة أن نجد هؤلاء الشباب مشتغلين، ويقر بنفسه أنه مشغول بلعب كرة القدم، ولو قلت له: تفضل هذه صفارة اشتغل بها، لقال: أنا جاهل تعطيني لعبة أشتغل بها، يرضى أن يشتغل بلعبة، وفي المقابل يناقض نفسه أن يشتغل بلعبة من نوع آخر، لأنه قد غسل دماغه إلى حد ما، فرأى أن هذه لعبة جديرة بأن يُشتغل بها، لسنا بهذا نحرم الرياضة، أو أن يمارس المسلم رياضة أياً كان نوعها ما لم تكن محرمة في ذاتها، أو تفضي إلى حرام بحدودها في ضوابط وقتها وأدائها، ولكن اعلم أنها لعبة، فليست جديرة بأن تأخذ اهتمامك، وما نفعك أو ضرك إن فاز هذا على هذا، أو قتل الحارس في المرمى بضربة بين فكية، أو مات شهيداً -ولا يكون شهيداً- أو مات عند هذه البوابة، القضية بالنسبة لك لا تعني شيئاً، يظن بعض الشباب أن القضية بالنسبة له مؤلمة. ثم إن الفنان ما خرج له الشريط، أو أنه لم يجد له شريطه، وتجد بعض المتابعين المتشددين لبعض هذه المواقف يضرب أخماساً بأسداس، وربما خبط وضرب ما حوله بيد غليظة من شدة تأثره عندما ضيعت الفرصة.

حقيقة الدنيا والآخرة

حقيقة الدنيا والآخرة ومن عجائب تأثر هؤلاء بانشغالات لا تليق، أن واحداً كان مغرماً بلعبة البلوت التي استهلكت وقته، فكان العدد ذات يوم لم يكتمل بعد، الرباعية المخصصة المنتخبة للعبة لم تكتمل، فكان أن كمل العدد وهو ماهر خريت، ذو سهم صائب في لعب الورق، ولكنه يعتبر موظفاً صغيراً عند هذا المدير الكبير، فأخذوا يلعبون، وحمي اللعب، وحمي الوطيس، وعلت الأنفاس، واشرأبت الأعناق واللعب ساخن، إذا بالمدير يغلط وينزل ورقة، كان الواجب أن ينزل ورقة حاسمة كاسبة لو أنه أنزلها، فقال له الموظف الصغير: يا بقرة! معك ولد كذا وما تنزله، بهذه العبارة! قال: عجيب بهذه السهولة، المدير يصبح بقرة في مقابل ورقة! انتهينا من هذه اللعبة. نعم. جرأة، لأنها لعبة أدمنوها وأشغلتهم، تابعوها بلا مهمة ولا غاية ولا نتيجة، قادت بعضهم إلى أن سب وشتم بعضاً، وأعاد بعضهم القول السيئ على الآخر. فيا أحبابنا: لماذا لا نشتغل بالغاية التي من أجلها خلقنا؟ إن مقادير الأخطار التي تحيط بالأمة، وإن قصر العمر المكدر بالأمراض والأسقام والأخطار، وإن هذه الحياة الفانية التافهة، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه مسلم في وصف الجنة: (والله ما الدنيا بالنسبة للآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع) إن قطرة علقت بيدك يوم أن أدخلت أناملك في البحر، هذه القطرة هي الدنيا، والآخرة هي البحر المتلاطم، كم في البحر وكم في المحيط من قطرة؟! أنضيع الآخرة بسهرة؟ أنضيع الآخرة بأغنية؟ أنضيع الآخرة بلذة فانية زائلة؟ أنضيع الآخرة بهوى وصورة مشوهة محرمة؟ أنضيع الآخرة بلهو وعبث وباطل؟ يا سلعة الرحمن سوقك كاسد فلقد عرضت بأيسر الأثمان الجنة معروضة، وأبوابها مشرعة، وداعي الرحمة والتوبة والهدى يصيح صباح مساء: حيَّ على الفلاح مجاناً وبلا مقابل، ومن دنا دنا الله منه، ومن أقبل أقبل الله عليه، ومن تقرب إلى الله شبراً تقرب الله إليه ذراعا، ومن أتى ربه يمشي أتاه ربه هرولة، ومع ذلك تجد إعراضاً وجفاءً من كثير من الشباب والشابات، أفلا تحبون الله؟! أفلا تحبون رسول الله؟! بلى والله، نحب ربنا ونبينا وديننا وكتاب ربنا، ولكنها محبة ناقصة، محبة ما تحكمت: جهد الصبابة أن تكون كما أرى عين مسهدة وقلب يخفق المحبة الحقيقية للدين والإله والرسول أن يكون هواك للدين، همك للدين، اشتغالك بالدين، ميلك للدين، أخبار تتعلق بالدين تجعلك تفرح أو تبقى حزيناً تجاه ما يبشر أو ما يكدر.

صناعة الشخصية المسلمة

صناعة الشخصية المسلمة أيها الإخوة: لماذا لا نشتغل في صناعة الشخصية المسلمة، واكتساب القدرة العلمية والعملية؟ لماذا لا نصنع هذه الشخصية بالاقتداء؟ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] لماذا لا نصنع الشخصية ونشتغل بهذه الصناعة بمصاحبة الأخيار؟ {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28] صناعة الشخصية بهذا الاقتداء وبهذا الإعداد للدار الآخرة، فإن لم تكن عالي الهمة، وشامخ المطالب فلا أقل من أن تشتغل في مباح، ينفعك أو ينفع أولادك، في تجارة، في رزق حلال يعود عليك، أما أن يترك العبد كل هذا الدين والدنيا الحلال، ثم يشتغل بالحرام فذلك أمر عجيب وغريب. إن الله قد ذلل هذه الدنيا وما فيها، ذلل الأرض وما عليها: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15]. إن الذين اخترعوا ما أوجدوا معدوماً وإنما اكتشفوا موجوداً، السمع والبصر والفؤاد وسائر العلم والمعرفة لم تشغل بالضياع ولم تشغل بفساد، لما أُشغلت في أمر معلوم ميسور أنتجت خيراً كثيراً، عقول الكفار التي أنتجت الطائرات والمدمرات، والبارجات والصواريخ، والآلات المختلفة إنما هي عقول فيها الدماء، وفيها العصب واللحم والعظم، وأجسام بنفس الحواس والجوارح التي نجدها، لكنها اشتغلت عقول بعضهم بأمر ميسور ذلله الله، فأنتجت ذلك، يوم أن كانوا يشتغلون بما لا سبيل لهم إليه، كانت أوروبا في القرون الوسطى وعصور الظلام تعيش جهلاً مطبقاً، فلما دعا داعيهم ونادى مناديهم وقال: دعونا نشتغل بهذه الدنيا التي بين أيدينا، طيور تطير كيف نطير مثلها؟ أسماك تغوص كيف نبحر مثلها؟ فأعملوا عقولهم فيما ينفعهم فأنتجت. أما عقول تضل باللهو وبالفساد، وهمم لا تتعدى الملاعب والفن، والكرة والطرب، والأهواء والشهوات، والسفر في معصية الله، ثم بعد ذلك ننتظر أمة معطاءة، أمة منافسة، نحن أمة على خطر إن لم نتمسك بهذا الدين، لئن كان نصرنا في كثرتنا فإن الأعداء أكثر منا، بل إن أوروبا قد دخلت مرحلة الولاء: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73] الولاء بين دول أوروبا قائم الآن، ويسعون إلى توحيد العملة في كافة أنحاء أوروبا، والسوق الأوروبية المشتركة نوع من الولاء الكافر. فإن كانت بالكثرة فالكفار: أوروبا وحدها أكثر، أمريكا أكثر، البوذ أكثر، الهندوس أكثر، فلئن كانت بالصواريخ والصناعة والإنتاج والمكتشفات والطائرات، فقد تقدمونا بوناً شاسعاً، وبيننا وبينهم فرق واسع، ولئن كانت بالمعتقد فعندنا عقيدة لئن فرطنا فيها لنكونن أهون الأمم على وجه الأرض، ولنكونن أهون عند الله من الجعلان والجنادل والتراب.

الشباب وضعف اليقين في قلوبهم

الشباب وضعف اليقين في قلوبهم أيها الأحبة: ما الذي أشغلنا بهذه عما خلقنا لأجله؟ إن بعضهم يسوف ويزعم أنه سيعود ويتوب بعد حين، ونقول: يا أخا الإسلام! إنك لا تدري متى يفاجئك الموت: الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر فلا تشتغل بالفساد والحرام والمنكرات ظناً أنك ستعيش: فكم من عروس زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر لا تكثر التسويف بهذا، وكم عرفتم وعرفنا، ورأيتم ورأينا أقواماً تعودوا التسويف أشهراً وأعواماً وسنوات فردوا إلى بلادهم جنائز محمولة في التوابيت، فكن معتبراً وإياك أن تكون عبرة. وبعض الشباب أشغله بملذاته وملاهيه ضعف يقينه، كأن الجنة عالم غريب لا يطمع في الدخول والوصول إليه، وكأن النار عالم تخيلي لا يمكن أن يقع فيه أو يزل فيه في يوم من الأيام إن لم يتداركه الله برحمته، الأمر الذي جعل الصحابة يبكون، والسلف يسقطون وخشية، هو سوء الخاتمة، يخافون النار ويرجون الجنة، إنهم يرونها حق اليقين. كنت في صالة الامتحان، أوزع أوراق الأسئلة فإذا بشاب يلتفت يمنة ويسرة فقلت: من التفت إلى زميلة أثناء توزيع الأسئلة أسحب ورقته، فلما وزعت الأسئلة إذا به يلتفت، فجئت وسحبت ورقته وحرمناه نصف ساعة، فإذ بالدموع تنحدر على خده، لماذا؟ لأن عنده يقيناً أن هذا الموقف الذي وقفه الآن له عاقبة يتيقنها وهي رسوبه في الامتحان، فمن وقع ووقف موقفاً يدرك بكل يقين عاقبته أنها إلى جنة أو نار فإنه يبكي إن فاتته إن كانت إلى الجنة، ويبكي إن وقع فيها إن كان مؤداها إلى معصية الله وسخطه وعذابه. أصبح الكلام عن الجنة حديثاً للعجائز، وحديثاً لكبار السن، ولطائفة من الناس، أما الشباب فلهم حديث آخر، لا يا أخي الكريم، إن شغلنا وأمنيتنا هي الجنة والنجاة من النار بعد رضا الله، جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسئل: كيف تصلي أو كيف تدعو؟ قال: (أنا لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ يا رسول الله، ولكني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، قال صلى الله عليه وسلم: أنا ومعاذ حولها ندندن) بل أفضل خلق الله وهم أنبياء الله ورسله يقول الله عنهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] (رغباً) في الجنة (ورهباً) خوفاً من النار. اليقين بالآخرة، اليقين بأنك ستموت، اليقين إذا رأيت جنازة أنك يوماً ما ستكون مثلها، اليقين إذا رأيت نعشاً أنك ستقلب والماء يرش على بدنك، فتغسل جنازة، إذا رأيت سدراً أو كفناً أو حنوطاً تتيقن أنه سيوضع في مغابنك، اليقين أنك ستوضع في هذا القبر، اليقين بأنك ستبقى وحدك، اليقين أن هذه الإضاءة ستتحول إلى ظلمة في القبر، وهذا الأنس سيتحول إلى وحشة اللحد، وهذا المراح والبراح سوف يتحول إلى لحد أضيق من ضيق، إذا عشت هذا اليقين والله لو دعيت إلى كل لذة، وهيئت لك، وغلقت الأبواب دونها لأنفت منها طمعاً فيما عند الله، وخوفاً أن يفوتك فضل الله وما عنده.

خطر الإعجاب بالعصاة والعلاج منه

خطر الإعجاب بالعصاة والعلاج منه ثم إن بعض الشباب اشتغلوا بالمعصية إعجاباً بالعصاة، فتجد بعض الشباب يعجب بفنانٍ من الفنانين فيذهب يشتري عوداً، ويعزف ويطرب وينغم، ويجمع حوله من يعجبون بهذا، وينهون وينأون، وينشرون بين أنفسهم شراً وضلالاً. إذاً: فالعلاج أن نعجب بالصالحين وبالقادة، وبالعلماء، وبالدعاة، وأن نتأسى بسمتهم وهديهم وخطاهم، فإن النظر في سير الصالحين يدعو إلى الاشتغال بسمتهم والتأسي بهم، وإن متابعة سير الفسقة والفاسدين يدعو إلى تقليدهم، تجد بعض الشباب قد ربط على رأسه شريطاً أحمر، ولبس فنيلة معلقة قد أبدت كتفيه، ولبس سروالاً عجيباً مضحكاً، فتقول: ما الذي دعاه إلى هذا؟ ويمر بين الناس والناس يشخصون إليه بأبصارهم، ف A لأن الممثل الفلاني، أو النجم الفلاني يفعل هكذا فهو يقلده. ذات يوم رأينا شاباً عليه رباط أحمر، وقصة كأنها كلب تاتشر أو ديانا، وفانلة معلقة وشيء غريب، فقلت: ما شاء الله، من هذا؟ من كوكب بعيد؟ قال: لا. هذا يقلد رامبو، مجرد الإعجاب بهذا الكافر جعل هذا الشاب يتأسى خطاه، ويقتدي به ويقلده، فيشتغل بمعصية الله عن طاعته سبحانه وتعالى، فشاب يُعجب بفاجر يقلده، شاب يُعجب بفاسق يقلده، من أجل ذلك الحذر الحذر من أن يكون الفجار والفساق مواقع إعجابنا، بل إذا رأى أطفالنا أو أولادنا فاجراً أو فاسقاً فلنقل: إن هؤلاء في ذلة وهوان وضعف، إن هؤلاء مساكين، إن لم يتوبوا فهم على خطر وهلاك عظيم، فلنعمق في أنفسنا احتقار هؤلاء الذي يصدرون الفساد، ويعدون نجوماً وقادة فيه، هذا أمر ضروري جداً، وإلا سيدخل الإعجاب إلى القلوب ثم يؤثر على الجوارح.

شباب اشتغلوا بطاعة الله

شباب اشتغلوا بطاعة الله

ثابت البناني وإعجابه بمن أطاع الله

ثابت البناني وإعجابه بمن أطاع الله وانظروا إلى من يشتغلون بالطاعة، ويعجبون بمن يشتغل بالطاعة، ذكر أن ثابت البناني رحمه الله خرج إلى بغداد فرأى بساتين جميلة فيها ثمار يانعة وورود مفتحة، وفيها أشجار فناء، ورياض خضراء، فقيل له: يا ثابت! ما الذي أعجبك في هذه البساتين؟ فقال: أعجبني في بستان كذا عجوز رأيتها تصلي الضحى، كان مشغولاً بطاعة الله، معجباً بمن يطيع الله، فأعجبته طاعة الله، وإن بعض المسلمين قد لا يفعل كثيراً من المعاصي، لكنه معجب بمن يقترفون أنواع المعاصي، وإن هذا دليل مرض القلب، أن تكون محباً معجباً بمن كان مشغولاً ماضياً على معصية الله، لأن من أحب قوماً حشر معهم: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] من أحب أهل الربا حشر معهم، من أحب أهل اللهو والصد عن ذكر الله حشر معهم، ولما جاء أعرابي قال: (يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: من السائل؟ بعد أن أمضى حديثه قال: هو أنا ذا يا رسول الله! قال: ماذا أعددت للساعة؟ قال: ما أعددت لها كثير عمل ولكني أحب الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت يوم القيامة) وآخر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (المرء يحب القوم ولما يلحق بهم -لم يصل درجتهم، يوشك أن يصل درجتهم- فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب يوم القيامة) وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الهوى فقال: (المرء مع من أحب يوم القيامة) فإن لم تكن صالحاً مصلحاً هادياً مهدياً فلا أقل من أن تحب الصالحين، وتعجب بهم، وترجو وتتمنى أن يكون أبناؤك وبناتك وأقاربك ومن دونك وتحت ولايتك أن يكونوا على هذا السمت الطيب: إذا أعجبتك صفات امرئ فكنه يكن فيك ما يعجبك فليس على الجود والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك أيها الأحبة: من سير المشتغلين بطاعة الله الذين يرجون الآخرة ورحمة الله، كان أحد السلف لا يقرأ آيات العذاب وأهوال القيامة إلا إذا علم أن ولده ليس معه في مسجده، لما يصيب ولده من الوجل الذي يحصل له بسببه السقم، فصلى ذات يوم ولم يعلم أن ولده وراءه فقرأ آيات من الوعيد وولده معه في المسجد، فسقط الولد مغشياً عليه وعاد إلى البيت سقيماً، نحن لا نطالب الناس جميعاً أن يبكوا، فمن الناس من يعجز عن البكاء، وليس عدم بكاء الإنسان دليل على فجوره أو فسقه، لكن انظروا من اشتغلت نفوسهم بالطاعة تهتز أفئدتهم ولا يملكون دموعهم، ويهتزون خوفاً ورغبة وطمعاً ورغباً ورهباً.

الربيع بن خثيم وانشغاله بطاعة الله

الربيع بن خثيم وانشغاله بطاعة الله هذا الربيع بن خثيم شاب من الشباب، مشغول بطاعة الله جل وعلا كان يبكي وربما لم ينم ليلة أو ليالي متتابعة، فتقول أمه: يا ربيع! لماذا لم تنم؟ فيقول: وكيف ينام من يخاف الموت يا أماه؟! ويبكي بكاء شديداً، فتقول: والله إن من رأى بكاءك يظن بك السوء؛ هل قتلت نفساً أخبرنا، فإن أهل القتيل لو علموا بحالك لعفو عنك رحمة بك، وشفقة لما حل بك؟ قال: نعم يا أمي! لقد قتلت نفساً فلا تخبري أحداً، إني قتلت نفسي بالذنوب. أقوام اشتغلت أنفسهم بالطاعة فاشتاقوا إلى الآخرة، وعلموا أن الدنيا ممر ومعبر لكي يستقروا في نعيم لا يتكدر أبداً. يقول ابن مسعود رضي الله عنه الله عنه عن ذلك الشاب المشتغل بطاعة الله ألا وهو الربيع بن خثيم: [يا ربيع! لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك] شاب يقول له ابن مسعود: [لو رآك النبي لأحبك].

ربعي بن حراش يبتسم عند الموت

ربعي بن حراش يبتسم عند الموت وهذا ربعي بن حراش قلما رئي هازلاً ضاحكاً، فقيل: لماذا لا تضحك؟ فقال: وكيف يضحك من سيمر على الصراط، فلما مات مات ضاحكاً متبسماً، وغسلوه وهو ضاحك، ودفنوه وهو ضاحك مبتسم، ولسنا بهذا نحرم أو ننكر على أحد الضحك، ولكن نقول: من اشتغل بشيء أشغله، من أولع بشيء شغل قلبه، من اشتغل بالطاعة شغلته واهتم بها، والدار الآخرة مثل حالي أو حال كثير من الناس فيها كحال رجل أعطي أرضاً فلم يحفر بها بئراً، ولم يغرس بها نخلاً، ولم يجعل لها سوراً، فلا يبالي أن ينزل بها الذئاب والكلاب، وأن ترمى بها الأقذار والأوساخ، وآخر أعطي أرضاً، فأنشأ لها سوراً، وغرس بها نخلاً، وحفر بها بئراً، فهل يرضى أن ترمى بها المزابل والأوساخ والسباطات والقذارات؟ لا. فالشاب الذي يبني الآخرة، يسورها بسور جميل، يشق فيها أنهاراً، يغرس أشجاراً، ويحرثها، فلا يرضى أن يرمى في أرض آخرته المزابل والمعاصي، أما الذي أرض آخرته كلأ مباح للذئاب والبهائم يوضع فيها الروث والسرجين والنجاسات والأوساخ، فلا تعجب ألا يبالي بأمر آخرته، وربما نفع غيره بضر آخرته هو: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} [الجاثية:21]. يا شباب الإسلام! لا تظنوا شاباً إذا رأى امرأة ولو اشتهى النظر إليها عف وغض بصره عنها، كشاب تابعها حتى يواريها مأواها، لا تظنوا شاباً عرض عليه فلم فرمى به وكسره يستوي مع شاب أشغل ليله سهراً في رؤيته ورؤية ما فيه من الحرام. يا شباب! لا تظنوا شاباً قد جمع آلافاً أو مئات أو عشرات من أشرطة الغناء يستوي مع شاب لا يسمع إلا كلام الله ورسوله، لا تظنوا شاباً يذهب مع الغادين والرائحين ومن هب ودب في الأسواق والمجمعات التي فيها الغث والسمين والضار والنافع يستوي مع شاب لا يرد إلا حلق الذكر، ورياض الجنة، ومجالس العلماء، ومواقع الطاعة بإذن الله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} [الجاثية:21].

وصية لطلاب العلم في ترك النقد

وصية لطلاب العلم في ترك النقد وأخيراً أيها الأحبة: دعوة إلى الطيبين، إلى الصالحين الذين أكرمهم الله بالهداية وبالاستقامة، ثم لم يكن لهم بعد ذلك شغل إلا الجلوس في المجالس، ما رأيك في فلان؟ وما حكمك على فلان؟ وما قولك في فلان؟ وكأنهم أئمة الجرح والتعديل، وكأن الكون لا يدور إلا بآرائهم وأحكامهم، قد اشتغلوا بما لا يسألون عنه عما سيسألون عنه، وفي هذا المقام أنقل لكم وصية الإمام/ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان التفسير المشهور المعروف، كان يقول لولده: يا بني! إن الله لن يسألك يوم القيامة لماذا لم تشتم فرعون، ولكن الله سيحاسبك على عرض كل مسلم زللت فيه، بعض الشباب وإن كانوا من الصالحين مشغولون بالجرح والتعديل في الناس، وليسوا عليهم وكلاء، وليسوا عليهم بحافظين: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:33] ولن يحاسبوا عنهم، ولكن مشغولون بهم، ولو سألت أحدهم عن نفسه ماذا حفظت؟ ماذا قرأت؟ ماذا استظهرت؟ ماذا أنتجت؟ كم شاباً دعوت؟ كم كافراً دعوت إلى الإسلام؟ لما وجدت حظ الإسلام منه شيء، وكما قال القائل: وأنت امرؤ فينا خلقت لغيرنا حياتك لا نفع وموتك فاجع شاب لو صارت له مصيبة لانزعجنا لمصيبته، لو احتاج دماً تبرعنا له من دمائنا، لو احتاج كلية لبحثنا نشتريها أو نتبرع بها، لو حصل له فاقة لجمعنا الأموال بعد عسره، ولكن في حال طمأنينته ما نفعنا وما نفع الدعوة، وما نفع الإسلام بشيء. فيا أخي الكريم: لا تكن من المشغولين بلا مهمة، لا تكن من الذين ذهبت أيامهم ولياليهم بلا فائدة أبداً. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأسأل الله جل وعلا أن يكون الحديث حجة لنا ولكم، ولا يكون حجة علينا وعليكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

الفوضى وضياع الوقت بين الشباب الملتزمين

الفوضى وضياع الوقت بين الشباب الملتزمين Q أحد الإخوة يقول: تكلمت عن الشباب الذين لم يرد الله لهم الهداية، فما بال وما شأن شباب الصحوة، حيث أني أعيش مع شباب مهتدين مع الأسف إما في ضياع الوقت والسهر والهامشية والفوضى؟ A لعلي ذكرت هذا في آخر نقطة، نعم، إن بعض الشباب المسلم يظن أنه قد خدم الإسلام، ونصر البوسنة، وجمع شمل المجاهدين، ورد اليهود من القدس بمجرد التزامه وكفى ووفى، وليس هذا بصحيح، إننا نريد التزاماً وعملاً وجهداً وإنتاجاً، وشاباً لا يجعل لكل سنة مهمة، ولكل شهر جزءاً من المهمة، ولكل أسبوع مرحلة من المهمة أظنه يضيع أيامه ولياليه: ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا

أهمية خدمة الإسلام والدين

أهمية خدمة الإسلام والدين Q يقول: تكالبت الأعداء علينا من كل حدب وصوب، ما هو دوري وأنا على شفا جرف هار في تيار اليأس والقنوط، وما هو دوري في كوني شاباً مشغولاً بلا مهمة؟ A يا أخي! نقول لك: إنك كما يقول القائل: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول والله يا أخي الكريم! إنك تملك شيئاً كثيراً، والماء العذب الزلال بين يديك، ومن يعينك على الطاعة أمامك ومن خلفك وعن يمينك وشمالك، والأهداف مرسومة، والوسائل ميسرة، ولكنا نريد خطوة إلى الأمام. يقول لي أحد الإخوة لعلكم تعرفونه، محمود باحاذق، من أوائل الشباب الذين ذهبوا إلى البوسنة، قال: كنت ذات يوم في المركز الإسلامي في زغرب فجاء شاب بوسني ولعله وشيك أو حديث إفاقة من خمر، ومعه مترجم، فقالوا: إن هذا الشاب يسأل يقول: هل يوجد شيخ أريد أن أسأله عن الإسلام؟ قال: فجيء به إلي، فقلت: وكيف أكلم هذا الشاب؟! قالوا: إنه قد أفاق، فأدار المترجم الحوار بيني وبينه، قال: فكان أول حديثه أن قال: إني شاب مسلم بسناوي -مسكين ما يعرف أن الخمر حرام أبداً، انظروا يا إخوان، الجهل والتضليل البليغ العظيم بأبناء المسلمين في أوروبا الشرقية ودول البلقان اثنين وسبعين سنة تحت الشيوعية - قال: إني مسلم، ولأجل أني مسلم، هدمت دارنا، واغتصبت بناتنا، وذبح آباؤنا، وشردنا من بلادنا، مع ذلك أنا لا أعرف من الإسلام إلا شهادة أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبينا محمد رسول الله، وأن الخنزير لا يجوز أكله، هذا الذي يعرف من الإسلام، قال: ومع ذلك حملت السلاح وجاهدت الكفار في سبيل هذه المعلومة، فالشاب الأخ الجريح وغيره من الشباب، بل حتى بعض المساجين الآن كم يعرفون عن الإسلام، يعرفون عن الإسلام ما لو سجل من ألسنتهم لبلغ مؤلفات، يعرفون الصلاة، والوضوء، والغسل، وصلاة الكسوف، والخسوف، والجنازة، ويعرفون أشياء كثيرة جداً عن الإسلام، فماذا قدموا للإسلام. يعني: أنت تعرف عن الإسلام معلومات عديدة ما قدمت للإسلام شيئاً، وذاك البوسنوي لا يعرف عن الإسلام إلا كلمتي الشهادة، تحمل في سبيلها الجهاد والقتل والتضحية والدماء، فالأمر عجيب يا أخي الكريم، تستطيع أن تقدم شيئاً ولكن المسألة مسألة همة: وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام بعض الشباب يقول: أتوب وأرجوكم ألا تدخلوني في شيء، ولا تكلفوني شيئاً. يقال له: هذا شريط توزعه في سبيل الله، كتيب نافع توزعه في سبيل الله، دعوة إلى محاضرة، تعين بريال أو بكفالة يتيم، أو بتجهيز غازٍ، أو أو إلى آخره. يريد أن يكون ظبياً جفولاً. فنقول أخي: الزم هؤلاء الصحبة الطيبين الموجودين، وستجد خيراً واستقامة بإذن الله. بهذا -أيها الأحبة- تنتهي الأسئلة، وأسأل الله جل وعلا أن يعيد هذا اللقاء بيننا وبينكم، وأن يكرمنا بالاجتماع في دار الكرامة، دار الرحمة في جنات النعيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

عظمة الخالق

عظمة الخالق إن الإنسان إن تحدث عن مخلوق لربما لم يوفه حقه، وربما زاد عن حقه؛ لكنه عندما يتحدث عن خالقه جل وعلا فإنه مهما تحدث ووصف، وأثنى ومجّد ومدح، فإنه في الأخير لَيقول: سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وإن المتأمل في عظم ملكه وقدرته، وأسمائه وصفاته؛ ليزداد بذلك إيماناً يرتفع به إلى مستوى عالٍ من الطاعة والانقياد والاستسلام لمولاه جل وعلا.

تجلت قدرة الباري

تجلت قدرة الباري الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده سبحانه على نعمه وآلائه، وأثني عليه الخير كله، أشكره ولا أكفره، وأخلع وأترك من يفجره، أرجو رحمته وأخشى عذابه إن عذابه الجد بالكفار ملحق. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة في الله: يتحدث الناس عن العظماء، ويتحدث الناس عن الزعماء، ويتحدث الناس عن أولي القوة والسطوة والعز والجبروت، ولكن كثيراً من الناس لا يفقهون ولا يعلمون ولا يدركون ما لله عز وجل من عظمة بالغة هي أولى وأحرى أن تذكر، وهي أولى وأحرى أن تسطر، وهي أجل وأعلى من أن يحيط بها علم عبد، ولكن العباد يتطاولون في هذا المقام؛ فما بلغوا فيها من الثناء على الله عز وجل والإخبات والانقياد والإذعان والتسليم له بمقدار ما أثنوا وأجابوا واستجابوا حمداً ومحمدة ومنزلة عظيمة. إن الكلام عن عظمة الله -أيها الأحبة- كلام من عباد الله الفقراء عن ربهم الغني، وكلام من عباد الله الأذلاء عن ربهم العزيز، وحديث من عباد الله المساكين عن ربهم الجبار، وحديث من عباد الله أولي المسغبة والمسكنة والمتربة والذلة والفقر والحاجة والانكسار إلى الله عز وجل {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] إلى الله نور السماوات والأرض، إلى الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، إلى الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها، إلى الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، إلى الله الذي يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، إلى الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم، إلى الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر:23 - 24]. هو حديث من الضعفاء والأذلاء والفقراء عن ربهم الغني العزيز القوي الجبار المتكبر له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون.

(أمن يجيب المضطر إذا دعاه)

(أمن يجيب المضطر إذا دعاه) أيها المسلمون: إذا اضطرب البحر، وهاج الموج، وهبت الرياح العواصف، نادى أصحاب السفينة يا ألله! وإذا ضل الحادي في الصحراء، ومال الركب عن الطريق، وحارت القافلة في السير نادوا يا ألله! وإذا وقعت المصيبة، وحلت النكبة، وجثمت الكارثة، نادى المصاب يا ألله! وإذا أوصدت الأبواب، وأسدلت الستور في وجوه السائلين، صاحوا يا ألله! وإذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وانقطعت الحبال، نادوا يا ألله! إليه يصعد الكلم الطيب، والدعاء الخالص، والدمع البريء، والتفجع الواله. إليه تمد الأكف في الثناء، والأيادي في الحاجات، والأعين في الملمات، والأسئلة في الحوادث! باسمه وحده لا شريك له تشدو الألسن وتستغيث وتلهج وتنادي، وبذكره وحده لا شريك له تطمئن القلوب وتسكن الأرواح وتنادي يا ألله! الله أحسن الأسماء، وأجمل الحروف، وأصدق العبارات، وأطيب الكلمات، هل تعلم له سمياً؟ الله هذا الاسم الكريم على الذات المقدسة التي نؤمن بها، ونعمل لها، ونعرف أن منها حياتنا وإليها مصيرنا. الله أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، أهل الحمد، وأهل التقوى والمغفرة لا نحصي ثناءً عليه، ولا نبلغ حقه توقيراً وإجلالاً، ولا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك يا رب العالمين! لو أن البشر منذ كتب لهم تاريخ وإلى أن تهمد لهم على ظهر الأرض حركة نسوا الله أو كفروا به ما خدش ذلك شيئاً من جلاله، ولا نقص ذرة من سلطانه، ولا كف شعاعاً من نوره، ولا غض بريقاً من كبريائه، فهو سبحانه أغنى بحوله وطَوله وأعظم بذاته وصفاته، وأوسع في ملكوته وجبروته من أن يناله منه وهم واهم أو جهل جاهل. هذه دعوة للتفكر والتأمل والتدبر في عظمة الله وفي خلق الله، وانظر إلى آثار رحمة الله، أدعوك إليها أخي المسلم لتعيش في آيات الله لتستشعر عظمة الله، في علمه وعظمة الله في قدرته، وعظمة الله في خلقه، وعظمة الله في حلمه، وعظمة الله في رحمته، وعظمة الله في قضائه وقدره، لتقف بنفسك على أسرار الكون وحكمة الله في كل صغير وكبير وتقول: يا سبحان الله! آيات ربك في الآفاق بينة فانظر إليها وغض الطرف واحتسم سر في سناها وردد في بدائعها جوى اشتياق بقلب خاشع وفم تنام عنها وما نامت محاسنها لو كنت تعلم معنى الحسن لم تنم يا سائراً وهو يلهو في مسالكه إن كنت ترجو لقاء الله فاستقم إذا ما اتجه الفكر في السماوات حيث انتشرت النجوم في الليل، وإذا ما كل البصر فيما لا نهاية له من الآفاق المظلمة، وإذا ما خشعت النفس من رهبة السكون الشامل وكان ثلث الليل الآخر، تنزل الجبار نزولاً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه: يا عبادي! هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من داع فأجيبه، وهل من تائب فأتوب عليه، حينئذٍ تبدو الآفاق المظلمة كأنها باسمة مشرقة، يتحول السكون إلى نظرات موحية تنبعث من كل صوب، حينها تتغنى النفس والروح الخاشعة لتقول: سبحان الله! وإذا ما كان المتأمل على شاطئ البحر الخضم ذي الأمواج، وأرسلت الطرف بعيداً حيث اختلطت زرقة السماء بزرقة الأرض، وانحدرت شمس الأصيل رويداً رويداً؛ لتغيب في هذا البحر المالح الأجاج، وحيث تتهادى الفلك ذات الشراع الأبيض في حدود الأفق الملون بألوان الشفق كأنها طائر يسبح في النعيم؛ إذ ذاك يشعر المتأمل بعظمة واسعة دونها عظمة البحر الواسع، وإذ ذاك تقر العين باطمئنان الفلك الجاري على أديم الماء الممهد في رعاية الله الصمد، في رعاية الله صاحب العظمة والكبرياء، عندها تطمئن النفس لرؤية ما تطمئن إليه في منظر جميل، إذ ذاك يخفق الفؤاد ويدق دقات صداها في النفس تقول: يا سبحان الله! وإذا ما اشتد السقم بمن أحاطت به عناية الأطباء، وسهر الأوفياء، ونام بين آمال المخلصين ودعوات المحبين، ثم ضعفت حيلة الطبيب ولم ينفع وفاء الحبيب، واستحال الرجاء إلى بلاء؛ إذ ذاك تتجلى عظمة الله والنفوس جازعة، والنواصي خاشعة، والقلوب واجفة، والأيدي راجفة لتقول: أنا قضيت، ويقول الطبيب والقريب والحبيب: لك الأمر يا ألله فسبحان الله! وإذا بالإنسان ينظر إلى المال فيلقاه فانياً، وإلى الجاه فيلقها ذاوياً، وإلى الأماني فيلقاها زائلة، وإلى الآمال فيجدها باطلة، وإلى الشهوات فيجدها خادعة كاذبة، وإلى المسرات فيجدها آفلة غاربة؛ إذ ذاك يستغني عن الجاه والمال، وتشلُّ في نفسه حركة الآمال بين جاه يدول وأمل يزول؛ عندئذ لا يملأ فراغ النفس إلا ذكره سبحانه، فتقول سبحان الله! سبحان الله فيما يمس النفس من مظاهر العظمة والسعة والرحمة والقدرة والقضاء. تقول سبحانك اللهم أنت العظيم وأنت الواسع الرحيم، وأنت القادر الدائم، وأنت الجميل والجليل، سبحانك أنت وحدك لا إله إلا أنت.

خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس

خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس إن الإنسان لم يخلق نفسه، ولم يخلق أولاده، ولم يخلق الأرض التي يدرج فوقها ولا السماء التي يعيش تحتها، ذلك الذي خلقه كله الله سبحانه وتعالى، فمن المقطوع به أن خلق الخلق وإيجاد الخلق من العدم لم ينتجها لنفسه إنسان ولا حيوان ولا جماد، ومن المقطوع به كذلك أن شيئاً لم يقع صدفة ولم يحدث من تلقاء نفسه، فمن الذي خلق الخلق؟ ومن الذي رفع السماء؟ ومن الذي نصب الجبال؟ من الذي بسط الأرض؟ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36]. يقول سبحانه: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:17 - 20]. هل فكرت في هذه الكواكب السيارة التي تملأ الفضاء، والتي تلتزم مداراً واحداً لا تنحرف عنه يميناً ولا شمالاً، هذه الكواكب تلتزم سرعة واحدة لا تبطئ فيها ولا تعجل، ثم نرتقبها في موعدها المحسوب فلا تخالف عنه أبداً. إن الكرة تنطلق من أقدام اللاعبين ثم لا تلبث أن تهوي بعد تحليق، أما هذه الكرات الكواكب الغليظة الكبيرة الحجم المضيء منها والمعتم هي معلقة في السماء لا تسقط، سائرة لا تقف، كل واحد منها في دائرة لا يعدوها، قد يصطدم المشاة والركبان على الأرض وهم أصحاب بصر وعقل، أما هذه الكواكب التي تزحم الفضاء فإنها لا تزيغ ولا تصطدم {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:38 - 40]. من الذي هيمن على نظام هذه الكواكب؟ ومن الذي أشرف على مدارها؟ بل من الذي أمسك بأجرامها الهائلة ودفعها تجري بهذه القوة الفائقة؟ {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [فاطر:41]. أما كلمة الجاذبية وتفسير بعض المتأخرين إذا سألوا عن كوكب أو عن أمر أو عن شيء من بديع صنع الله ومن أسرار خلق الله ومن دقيق إعجاز الله قالوا: إنها الجاذبية، لم يقولوا: إنها قدرة الله، ولم يقولوا: إنها قوة الله، ولم يقولوا: إنها حكمة الله، لكنهم يقولون: إنها الجاذبية. والجاذبية كلمة دلالتها كدلالة أهل الرياضيات حينما يقولون سين عن المجهول رمز لقوانين يجهلونها، لكن الحقيقة تقول: إن هذه الكواكب رمز لقوانين تصرخ أنها من صنع الله وباسم الله، ولكن الصم لا يسمعون.

الله القدير الرقيب!

الله القدير الرقيب! العالم وما فيه من سكون وحركة أثر لقدرة الله سبحانه، فإذا رأيت البذور تشق التربة وتنمو رويداً رويداً لتستوي على سوقها فذلك بقدرة الله، وإذا رأيت الأمواج تلطم الشُطآن رائحة غادية لا تهدأ حتى تثور فذلك بقدرة الله، وإذا رأيت القاطرات والطائرات تنتهب الفضاء وتطوي الأبعاد وتحمل الأثقال فذاك بقدرة الله، إن كثيراً من الناس يتعجبون من عقول الخلق الذين صنعوا الطائرة، ويتعجبون من عقول الخلق الذين صنعوا الغواصة والباخرة، ويتعجبون من عقول الخلق الذين صنعوا الدبابة والسيارة، ولكنهم لا يعجبون من الخالق الذي خلق هذه العقول التي اكتشفت ما أوجده الله، وهذه العقول ما أنتجت شيئاً من عدم ولكن الله شاء لها أن تكتشف ما أوجده الله وأودعه في هذا الكون. إذا رأيت البشر يموج بعضهم في بعض، ينفعلون بالحب والبغض والفرح والحزن، ينطلقون عاملين أو يهدءون نائمين فذلك بقدرة الله، وسواء شعرت أم لم تشعر فنبضات قلبك في حناياك، وسريان دمك في عروقك، وكمون الحس في أعصابك، وتجدد الحياة في خلاياك، وانسكاب الإفرازات من غددك، كل ذلك بقدرة الله، لا تحسبن شيئاً في الكون يقدر أو ينهض أو يقوم أو يسير بنفسه، بل كل ذلك بالله وبأمر الله ومن الله وإلى الله، فكما أن الله أبدعه أولاً من عدم فقد أودع فيه من أسرار قدرته وآثارها ما يدل عليه سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} [فاطر:44]. الناس حينما يمشون في نفق بين الجبال يقولون: عجباً لهذه العقول التي استطاعت أن تفتت هذه الصخور، وإذا رأوا قطعة من صخر قد أزيحت عن الطريق قالوا: عجباً لهذه الآلات وصانعيها والمعدات وعامليها كيف زحزحت أطراف الجبال عن الأرض، ولكنهم ينسون أن الله عز وجل قال: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:105 - 107] {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل:88]. إنهم يعجبون يوم أن يروا صخرة أزيحت عن الطريق أو نفقاً شق في جبل، لكنهم لا يعجبون في قول الله عز وجل: {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات:10] ولا يعجبون من قول الله عز وجل: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} [المعارج:9]. نعم أيها الأحبة: إننا لنعجب من أمر يسير ثم نضل أو نذهل أو نغفل أو نتغافل عن أمر جليل، إن ثرية من الثريات التي تعلق في أسقف القصور أو الصالات الكبيرة بلغ من طولها وعرضها وضيائها مبلغاً وصفه الواصفون، وتحدث عنه المتحدثون، وإذا بالقنوات الفضائية والجرائد والمجلات والإذاعات ورجال الإعلام يتحدثون عن هذه الغريبة وهذه العجيبة، والشمس تشرق كل صباح عليهم تضيء الدنيا جميعاً، ثم تغيب ويبزغ قمر يطل على الكون كله فقلَّ أن ترى من يتدبر ويتفكر. يدخل بعضهم ساحة أو صالة في قصر فيراها طويلة عريضة ليس فيها عمد، أو يرى قبة واحدة ليس بها أعمدة فيتحدث ويحدث الناس ويعجب من طول هذه القاعة وعرضها بلا عمد، ويعجب ويستغرب من استدارة هذه القبة بلا أعمدة، وقد نسي أن الله عز وجل رفع السماوات بغير عمد ترونها، فأي هذه أولى وأحق بالتدبر والتفكر. إن الواحد يقف في مكتب من المكاتب أمام جهاز الحاسوب فيسأله هذا الموظف ما اسمك أو أعطني معلومة عنك إن رقماً أو اسماً أو اسم أم أو اسم أب ثم يودع اسمك أو رقمك في جهاز الحاسوب أو ما يسمى بالكمبيوتر، ثم يخرج عنك معلومات كاملة عن ولادتك ومنشأك ووظيفتك وراتبك وزواجك وطلاقك وعدد أولادك، بل هذا الجهاز يخبرك عن أسماء وآباء ورواتب وأحوال وأبناء ووفيات وأموات ومواليد مدينة بل دولة من الدول ثم تعجب وتقول: حاسب بهذا المقدار وشاشة بهذا الحجم تسرع وتعطينا هذه الأخبار، وتقدم هذه المعلومات، أي عجبٍ نرى، أي دهشة نحن فيها، ولكن الكثير ينسى أو يتناسى أو يجهل قول الله عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] يعجبون من الحاسب إذا قدم معلومات عن خمسة ملايين نسمة، لكنهم لا يتدبرون فيما جعله الله في الصحف والسجلات يوم القيامة، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]. يعجب أحدهم ويقول: عجباً لهم لا ينسون، لا يغفلون، لا يفوت عليهم شيء، أراد أن ينقل استمارة سيارته، أراد أن يجدد رخصته، أراد أن ينقل كفالة عامله، فلما وقف عند الحاسب قيل له عليك مخالفة، وعليك غرامة، وعليك رسوم، وعليك كذا وكذا، فيعجب منهم كيف جمعوا هذه المعلومات وكيف أحصوها ولم ينسوها، وقد جهل أو نسي أن الله عز وجل لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم:64] كل ذلك {فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52].

الله العليم!

الله العليم! الله تعالى عليم بكل شيء لم يسبق معرفته جهل ولا يجوز على معرفته نسيان. الله عز وجل صفته العليم، العلم الكامل الذي لم يسبق بجهل ولم يلحقه نسيان. والله عز وجل الحي القيوم! الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال، ولا يمكن أن يكون في علم الله ما يخالف الحقيقة، علم الله محيط بالأمس واليوم والغد بالظاهر والباطن بالدنيا والآخرة، قد يعرف الإنسان شيئاً عن حاضره وقد يذكر طرفاً من ماضيه وما وراء ذلك، ولكن الواحد منا جاهل بمستقبله لا يعلم ما يغيب له بعد دقيقة أو ثانية، لكن الله وحده يحصي أعمالنا الماضية ساعة ساعة، ويسجل أحوال العالم الغابر دولة دولة، وحادثة حادثة، قال: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:51 - 52]. إنه علم يشرق على كل شيء، فيجلي بواطنه وخوافيه، ويكشف بداياته ونهاياته، يحيط بذاته وصفاته، فالشهود والغيب لديه سواء، والقريب والبعيد والقاصي والداني لديه سواء: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فصلت:47] علم الله يشرف على كل شيء إشرافاً تاماً، ويهيمن على أطوار الموجودات ما يحس منها وما يتوهم، كل ذلك بعلم الله عز وجل، فعدد ما في صحاري الأرض من رمال، وما في بحار الدنيا من قطرات، وما في الأشجار من ورقات، وما في الأغصان من ثمار، وما في السنابل من حبوب، وما في الجبال من صخرات، وما في الصخور من ذرات، وما في رءوس البشر وجلودهم من شعر، ثم ما يمكن أن يطرأ على هذه الأعداد الكثيرة من أحوال شتى مما تحتاج إليه في وجودها من قوى متجددة، وما يعتريها من أوصاف متغايرة، كل ذلك يحيط به علم الله سبحانه. علم الله سبحانه وتعالى الذي لا تبلغ عقولنا منه شيء: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:13 - 14] أرواحنا هذه التي في أقفاص صدورنا، هذه التي في جنبات أبداننا، أرواحنا هذه التي نتحرك بها نحن لا نعلم عن كنهها شيئاً {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85].

الله السميع البصير!

الله السميع البصير! ما من كلام يدور بين الناس، أو حديث يتجاذبون أطرافه إلا سمعه الله عز وجل قبل أي شيء، لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدثه في جانب البيت وليس بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة إلا الستر في حجرة عائشة، عائشة في باطن الحجرة ثم الستر، ثم المجادلة تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها الذي ظاهر منها تقول: يا رسول الله! هذا أوس قد ظاهر مني وبيني وبينه عيال، إن ضممتهم إلي جاعوا وإن ضممتهم إليه ضاعوا، فأنزل الله عز وجل الآيات، تقول عائشة: والله ما سمعت كلامها وأنزل الله آية من فوق سبع سماوات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة:1]. نعم أيها الأحبة: إنه سمع الله عز وجل الذي لا يخفى عليه شيء {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1] سبحانه ما تغيب عنه همسة وسط الضجيج، ولا تشتبه عليه لغة على اختلاف الألسنة، وهناك أصوات وأقوال يسمعها ويحبها (ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) وكما يحب الله صوت الوحي تتلوه الألسنة فإن الله يكره صوت الفحش والسوء {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً} [النساء:148]. وكما أن الله يسمع كل شيء فهو شهيد على كل شيء، ورؤيته تنظر في أعماق الظلمات فتستشف كوامنها، فليس الله بحاجة إلى ضياء يبصر به الخفي، أو مكبر يعظم به الدقيق، كيف يحتاج وهو الذي خلق الظلمة والضياء، وهو الذي خلق السر والعلانية، وهو الذي خلق القريب والبعيد سبحانه! إذ كنت ثالث ثلاثة فاعلم أن الله عز وجل يبصر ما تفعلون، ويسمع ما تقولون: {لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:7]. عندما أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون توجس موسى وهارون من طغيان فرعون خيفة: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] فقال سبحانه: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] إن الله معهما ومع كل كائن من بدء الخلق إلى قيام الساعة، وما قبل ذلك وما بعد ذلك يسمع ويرى {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:61] الإحساس بهذه الحقيقة جزء من الدين بل هو قمة من قمم الدين ومرتبة من مراتب الدين والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. الله ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. هل يستطيع أحد في العالم، هل يستطيع كيان أو قوة أو دولة أو منظمة أو جيش أو سلطة أن يقدم أو يدعي أو يزعم أنه أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؟ لا وألف لا، إن الذي أعطى وهدى هو الله عز وجل، بهذا الكلام رد موسى كليم الله على فرعون عدو الله لما سأله فرعون بكل تجبر وطغيان، وهو في قرارة نفسه مؤمن بأن الذي أعطى، وأن الذي هدى، وأن الذي خلق هو الله، لكن كبرياءه وطغيانه وجبروته هي التي صدته أن يقر بذلك {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:14] ولذا قال موسى له: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102]. إن موسى عليه السلام رد على سؤال فرعون، هذا السؤال الممتلئ جحوداً وتكبراً وإنكاراً لما سأل فرعون من ربكما، ما تعريفه، ما آثاره، ما هي الدلائل القائمة على وحدانيته، ما هي البراهين الساطعة على ألوهيته؟ يريد أن يتجبر، يريد أن يتكبر وهو مخلوق من خلق الله، وهو لا يساوي ذرة في ملكوت الله عز وجل، فرد عليه موسى بما ألهمه الله من وحي فقال: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]. هذه الآية تشمل عالم النبات والحيوان والإنسان والبر والبحر والأفلاك. نعم أيها الأحبة! يقول الزمخشري لله دره من A قال أحدهم: والله لقد تناوله موسى بصفعه على وجهه يعني: إن هذا الجواب المسكت صار كصفعة من يد موسى على خد فرعون، وتحت كل كلمة من هذا الجواب آيات وآيات ومعجزات باهرات، وتحت كلمة هدى مجلدات ومجلدات من الصور والأحكام.

الله هادي كل شيء!

الله هادي كل شيء! هدى الطفل يوم أن وضعته أمه لا يعرف شيئاً ولا يبصر شيئاً، فهداه إلى ثدي أمه ليجد فيه اللبن، وهدى النملة لتخزن قوتها استعداداً لفصل دون فصل، ولشتاء دون صيف، وهدى النحلة أن تطير آلاف الأميال لتأخذ الرحيق وترجع مرة ثانية إلى خليتها، وهدى الحمام يوم ينقل الرسائل من مكان إلى مكان ومن بلد إلى بلد، لا يضيع ولا يضل ولا يزيغ. يقول كريسي موريسون: إن النحلة لا يمكن أن تهتدي لتعود إلى خليتها ولتعود إلى مكانها بعد أن تطوف مسافات بعيدة لتمص وتمتص رحيق الأزهار، لا يمكن أن تعود إلا وقد استخدمت آلة لتحدد الطريق والاتجاهات. وسماها إريل، أي يقول: إن هذه النحلة تحتاج إلى إريل لتعلم أين مكانها وإلى أين تتجه. إنه يقول ذلك لأنه جاهل، ولكن من يعرف الحقيقة يعلم أن الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى هدى النحلة وقد ذهبت مكاناً بعيداً لتعود إلى مملكتها وإلى خليتها. هل تعلمون أن النحل أول ما يخرج من الخلية نحلة واحدة -إن النحل منظم غاية التنظيم- ثم تبحث، فإذا وجدت حقلاً ومرتعاً يرتع فيه النحل لامتصاص الرحيق من الزهور عاد الرسول وعاد البشير، وعاد هذا المندوب إلى المملكة ليخبر بقية النحل في المملكة أنه يوجد مكان مليء بالأزهار في طريق كذا باتجاه كذا بانحراف كذا في بعد كذا في موقع كذا في ارتفاع كذا في انخفاض كذا، هل تعلمون كيف تتكلم النحلة مع بقية النحل، إن لها رقصة معينة، فترقص رقصة مستديرة ثم رقصة مثلثة ثم رقصة مستطيلة وتتحرك بهيئات وحركات يفهم النحل بهذه الحركات بهذه اللغة بهذه الإشارات بكل دقة أين يكمن وأين يوجد حقل الزهور، فتنطلق أسراب النحل إلى هذا المكان وفقاً للإشارات والرقصات والرسوم والحركات التي صورها ذلك الرسول من رسل النحل إلى مرتع الأزهار ليجدوا أنه ما ضل وما زاد وما بعد وما قصر وما ضل وما تاه أبداً. من الذي علمه؟ ومن الذي فطره؟ ومن الذي هداه؟ الله الذي أحسن كل شيء خلقه ثم هدى. قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا قل للمريض نجى وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاكا قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواكا بل سائل الأعمى خطى بين الزحام بلا اصطدام من يقود خطاكا قل للجنين يعيش معزولاً بلا راع ولا مرعى ما الذي يرعاكا قل للوليد بكى وأجهش بالبكا بعد الولادة ما الذي أبكاكا وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاكا بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث ما الذي صفاكا وإذا رأيت الحي يخرج من حنا يا ميت فاسأله من أحياكا قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى عن عيون الناس من أخفاك قل للنبات يجف بعد تعهد ورعاية من بالجفاف رماكا وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو وحده فاسأله من أرباكا وإذا رأيت البدر يسري ناشراً أنواره فسأله من أسراكا واسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد كل شيء ما الذي أدناكا قل للمرير من الثمار من الذي بالمر من دون الثمار غذاكا وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله من يا نخل شق نواكا وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار من أوراكا وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمم السحاب فسله من أرساكا وإذا ترى صخراً تفجر بالمياه فسله من بالماء شق صفاكا وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال جرى فسله من الذي أجراكا وإذا رأيت البحر بالملح الأجا ج طغى فسله من الذي أطغاكا وإذا رأيت الليل يغشى داجياً فاسأله من يا ليل حاك دجاكا وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحياً فاسأله من يا صبح صاغ ضحاكا هذى عجائب طالما أخذت بها عيناك وانفتحت بها أذناكا يا أيها الماء المهين من الذي في ظلمة الأحشاء قد سواكا ومن الذي تعصي ويغفر دائماً ومن الذي تنسى ولا ينساكا يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي بالله جل جلاله أغراكا أتراك عيناً والعيون لها مدى ما جاوزته ولا مدى لمداكا إن لم تكن عيني تراك فإنني في كل شيء أستبين علاكا نعم أيها الأحبة. فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد كان السلف يعرفون من قول الله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] يعلمون ويظنون أن الأرض تخضر وتثمر وتزهر إذا نزل عليها الماء، ثم تقدم العلم واكتشف أهل علم النبات أن الإنسان إذا وضع الحب في الأرض اليابسة لا ينبت الزرع حتى تهتز الأرض درجة واحدة من درجات جهاز رختر، فتنصدع قشرة الحبة فثبت بإذن الله عز وجل، فالله يخبر بذلك قبل ما اكتشفوه وقبل ما أخبروا به قبل أربعة عشر قرناً من الزمان.

إنه الله جل جلاله

إنه الله جل جلاله إنها قدرة الله! إنها مشيئة الله! إنها إرادة الله! إنها عظمة الله الذي يتحدث الناس عن عظمة من دونه، ويجهلون ويغفلون ولا يسبحون ولا يحمدون ولا يذكرون ولا يتذكرون عظمة الذي خلقهم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:60 - 64]. نعم أيها الأحبة: أإله مع الله؟ أإله مع الله يخلق؟ أإله مع الله يدبر؟ أإله مع الله يأمر؟ أإله مع الله ينهى؟ أإله مع الله يشرع؟ أإله مع الله يخلق من عدم؟ أإله مع الله يعز من يشاء ويذل من يشاء؟ أإله مع الله يعطي الملك ويسلب الملك؟ أإله مع الله يخفض أقواماً ويرفع آخرين؟ أإله مع الله يبسط ويقدر؟ أإله مع الله يحي ويميت؟! لا وألف لا، سبحان الله تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. لقد عرف السلف قول الله عز وجل: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] قالوا: إن ذلك إشارة إلى أماكن النجوم، ثم تطور العلم وتقدم الإعجاز فاكتشف علماء الفلك أن هناك نجوماً ذهبت من أماكنها، أرسلها الله، سرعتها كسرعة الضوء أو أكثر ولم ترتطم بالأرض إلى اليوم وبقيت مواقعها هناك فقال عز وجل: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] ولم يقل الله فلا أقسم بالنجوم تعظيماً لمواقعها التي قدرها وشاءها ولا تخرج عن مسارها ومدارها ولا تتعدى ما حدد الله لها قيد أُنملة: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:57]. روى البخاري بسنده إلى محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور:35 - 37] لما سمع جبير بن مطعم هذه الآية قال: كاد قلبي أن يطير) وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طرق عن الزهري به. وجبير قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر ليكلم النبي صلى الله عليه وسلم في فداء الأسارى، وكان جبير إذ ذاك مشركاً، فلما سمع هذه الآية كانت سبباً من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام، وقد ذكره ابن كثير أيضاً.

حاجة العبد إلى الانكسار أمام ربه

حاجة العبد إلى الانكسار أمام ربه أيها الأحبة: إن عظمة الله لا يحدها لسان ولا يسطرها قلم، ولا يحويها قرص ولا ورق وقمطر، إنها عظمة تعجز الألسنة عن وصفها، وتعجز الأقلام عن كتابتها، وتعجز الأسفار أن تحويها، ولكن الله عز وجل بما شرع على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وعلمنا أن ندعو، وأن نتملق، وأن نخضع، وأن نسبح الله عز وجل لنقول: سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان:27] لو كل شجرة على وجه الأرض، لو كل شجرة تراها في طريقك في الغابات في أنحاء الدنيا، لو أن كل شجرة أقلام، ولو أن كل بحر حبراً فأخذنا نكتب بهذه الأقلام من مداد هذه البحار لنصف ولنحيط قدرته وعظمته وما يليق به لانتهت هذه الأقلام ولجفت هذه البحار ولم نبلغ شيئاً من بيان عظمة الله وعزته وقدرته {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان:27]. نعم أيها الأحبة: إننا لا نحصي ثناءً على الله ولا نحصي على الله أسمائه الحسنى، ولا نحصي على الله صفاته العلا، إنا نقول: اللهم إنا نسألك بكل اسم هو لك؛ سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، وما علمنا هو قليل من كثير وما أوتينا من العلم إلا قليلاً. إذا أدركنا هذا -أيها الأحبة- زدنا يقيناً وشعوراً بأننا خلق حقير في مقابل عظمة مطلقة لا متناهية، وهي عظمة الله عز وجل، فأنى لعبد أن يصارع أو يكابر أو يدابر، أو يتكبر أو يصعر أو يتجبر ليعرض عن طاعة الله عز وجل. عجباً لنا معاشر الخلق من أي شيء خلقنا وما الذي نحمله في أجوافنا؟ أليست أعيننا تحمل القذى؟ أليست أنوفنا تحمل المخاط؟ أليست آذاننا تحمل ما تعلمون؟ أليس في أجوافنا البول والغائط؟ أليس في مغابننا من الروائح ما يجل المسجد عن ذكره ووصفه؟ عجباً لنا وقد خلقنا من ماء مهين {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5 - 7] {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات:20 - 23]. أنى لهذا الإنسان الضعيف المسكين الذي هو من أصل مهين أن يتجبر أو يعرض عن طاعة الله، إن حق كل عبد من عباد الله، والواجب عليه أن يعرف مقدار ذله وحقارته وصغره أمام عظمة الله عز وجل المطلقة التي لا يحدها حد أبداً؛ ومن أدرك ذلك فإن هذا من أعظم أبواب الإقبال على الله عز وجل، أن تعلم أنك إن أطعت فإنما تطيع من يستحق الطاعة، وإن عبدت فإنما تعبد من يستحق العبادة وحده لا شريك له، وإن أذنبت فليس بحقيق لك ولا يجوز لك أن تصر على الذنب وأن تمعن في المعصية، بل واجبك أن تنكسر وأن تفر من الله إلى الله، وأن تهرب من سخط الله إلى رحمة الله، ترجو حلمه وستره ومغفرته. نعم أيها الأحبة: من أدرك هذا فإنه يزيده بربه إيماناً، ويزيده لخالقه طاعة وانقياداً لوجهه سبحانه، أوليس الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) رواه الإمام مسلم. نعم أيها الأحبة: إننا بحاجة إلى أن نتفكر ونتدبر كم من الناس ركب سيارة فخمة فنسي أنه خلق من ماء مهين، وكم من الناس مدح بقصيدة فنسي أنه من ماء مهين، وكم من الناس نسب إلى قبيلة وإلى شرف وحسب ونسب فنسي أنه من ماء مهين، وكم من الناس علق من الرتب ومن النياشين فنسي أنه من ماء مهين، وكم من الناس جمع من الأموال والأرصدة فنسي أنه من ماء مهين {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6].

افتقار العبد إلى غنى ربه

افتقار العبد إلى غنى ربه نعم أيها الإنسان: ينبغي أن تعلم أنك في غاية الذلة والافتقار والحاجة والانكسار إلى الله وبين يدي الله عز وجل. وينبغي -أيها الأحبة- أن نتعود التضرع إلى الله، وأن نتعود الشكوى إلى الله، وأن نتعود اللجوء إلى الله، وأن نتلذذ بأن الواحد يرمي بنفسه من طول قيامه ليكون في حالة السجود، ويمرغ أشرف ما في جسمه وهي جبهته على التراب ذلة لله عز وجل، وأنت لا تقبل أن أحداً يضربك على ناصيتك وهامتك ولو بلمسة فيها أدنى ذلة، لكنك أنت تختار أن تذل وتنحط وتنكسر وتنحني من علو وقوفك إلى قمة ذلتك حال سجودك، لمن؟ لوجه الله عز وجل. ولا ترضى أن تركع لغيره، ولا ترضى أن تنحني لغيره، ولا ترضى أن تسجد لغيره، بل قد يوضع السيف على الرقبة فتأبى أن تخصع لغير الله، ويوضع السيف على الرقبة فتأبى أن تسجد لغير الله، ويوضع السيف على الرقبة فتأبى أن تنحط خاضعاً منكسراً ذليلاً لغير الله عز وجل. هكذا الانكسار، وهكذا الانقياد، وهكذا المناجاة في حال السجود، أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم). ينبغي أن نستشعر الذلة لله عز وجل، وأن نستشعر عظمة الله سبحانه وتعالى، ما أحلاها من هيئة، ما أجملها من صورة، ما أطيبها من صفة أن تسجد منحطاً ذليلاً منكسراً لعظمة الله، لجبروت الله، لوجه الله، لملكوت الله، وكأنك حلس بالٍ، كأنك جلد قد سلخ ورمي، وأنت منكسر لله عز وجل على هذه الحالة التي أنت تجد قمة اللذة في نهاية الذلة في تمام الانكسار لوجه الله عز وجل، وأنت ونحن فقراء إلى الله. يا رب أنت المستعان وإننا أبداً لفضلك عالة فقراء نرجوك في كل الأمور وما لنا في غير منك يا كريم رجاء أنت الغني وما لجودك منتهى بيديك سر الخلق والأحياء لولاك ما كنا ولا كانت لنا دنيا ولا عمرت بنا أرجاء لولاك ما خفقت جوانحنا ولا رعشت بآيات الهدى أضواء ما اهتز غصن أو ترنم شاعر أو كحلت عين الوجود ذكاء أو سال قطر أو ترقرق جدول وتلألأت في الروضة الأنداء لولاك ما كشف الحقيقة عالم أو كان في دنيا الورى حكماء ما حلقت عبر الفضاء سفينة أو أرسلت ضوء النجوم سماء أبدعت هذا الكون من عدم وفي يدك التصرف فيه كيف تشاء ما كان أو سيكون أو هو كائن يفنى وليس لما سواك بقاء إن كنت في عرض البحار فعربدت هوج الرياح وأرعدت أنواء أو طرت في رحب الفضاء فخانني حظ وأوشك أن يحين قضاء أو شفني هم ينوء بحمله ظهري وراشت سهمها الأرزاء أو كنت مقطوع الأواصر نائياً فلمن يكون تضرع ودعاء ولمن تخر جباهنا وقلوبنا حتى تزول بعونه البأساء يا رب أنت المستعان وإننا أبداً إليك جميعنا فقراء من كان في حفظ الإله وحرزه ذلت له العقبات والأعباء أنا إن ضللت فمنك نور هدايتي وإذا مرضت ففي رضاك شفاء وإذا عطشت فمن نعيمك أستقي أو جعت كان بما رزقت غناء وإذا عريت فأنت وحدك ساتري وجميل عفوك جنة ورداء وإذا تنكبت الطريق رجعت في ندم إليك ففي حماك نجاء وسعت مكارمك العباد برحمة وتتابعت من فيضك الآلاء يا رب خيرك للبرية نازل وإليك يصعد منهم الإيذاء يا رب حلمك لم يدع لمقصر عذراً فهلا يرعوي السفهاء لو كان ربك بالعقاب معجلاً لأتى على هذي القرون عفاء عجباً أيأنف أن يمرغ هامة لله قوم ضلالة تعساء لكأنها تلك القلوب جلامد وكأنما آذانهم صماء وإلى متى هذا الكنود تجردي وتعبدي لله يا أهواء

سبحانك لا نحصي ثناء عليك

سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أيها الأحبة في الله: والله لو تحدثنا منذ خلقنا إلى أن نموت، ولو كتبنا بكل شجرة وأفنينا كل بحر وملأنا كل سفر ما حوينا وما بلغنا وما قلنا ولا وصفنا جانباً من عظمة الله عز وجل، لكن عزءانا فيما بلغنا وأخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم وهو قولنا في مناجاة ربنا وفي تنزيه ربنا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، وما ذكرناك حق ذكرك، وما شكرناك حق شكرك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، سبحانك أنت جملتنا وسترتنا وأكرمتنا ورفعتنا وأعطيتنا وهديتنا وآويتنا، سبحانك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك. اللهم إنا نرجو بتوحيدك، ونرجو برحمتك، ونرجو بمنك وجودك وكرمك أن تستر عيوبنا وأن تغفر به ذنوبنا، وأن ترفع درجاتنا، وأن تمحو زلاتنا، وأن تكفر خطايانا وسيئاتنا.

عجبا لمن يترك العظمة إلى اللذة الفانية

عجباً لمن يترك العظمة إلى اللذة الفانية أيها الأحبة: وأمام عظمة الله هذه ألا تعجبون من قوم يجعلون بينهم وبين الله واسطة؟! أمام عظمة الله هذه ألا تعجبون من أقوام يدورون بالأضرحة والقبور ويقولون: مدد مدد يا بدوي، مدد مدد يا حسين، هل يحتاج الله إلى جثة رميم هامدة في القبر لتوصل دعاءكم إلى الله عز وجل، أو تتخذونها واسطة إلى الله، أو تجعلونهم شفعاء إلى الله، مع كل عظمة يوصف الله بها وكل عمل يوصف الله به ترى أقواماً يجعلون بينهم وبين الله شفعاء ويقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]. ترى أقواماً يجعلون بينهم وبين الله واسطة، وترون وتبصرون وتسمعون أقواماً بعضهم يذهب للكهنة يظنون أنهم يعلمون من غيب الله الذي لا يعلمه أحد، قال سبحانه: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65] تعجب من أقوام يذهبون إلى السحرة والمشعوذين والدجالين والبطلة والممخرقين يريدون منهم حروزاً وتمائم وزناراً يعلقونه على عضدهم وفي رقابهم وعلى بطونهم يقولون: تدفع الضر والبلاء والعين، أيحتاج عبد إلى أحد وهو مرتبط متعلق بالله عز وجل، إن هذا هو الخسران المبين، وهذا هو الضلال المبين، أن ينقطع العبد من التعلق بالله ليتعلق بساحر وأن يصدق كاهناً في غيب ليتردد فيما أخبر الله به في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليعرض عن هدي الله ووحيه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ليعمل بنظريات وتجارب وأفكار وآراء عفا عليها الزمن. وإن زينوها وزخرفوها: في زخرف القول تزيين لباطله والحق قد يعتريه سوء تعبير عجباً لهؤلاء الذين يجهلون أو يتجاهلون عظمة الله، وأعجب من هذا عبد يعلم أن الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، ثم يلجأ إلى غير الله في كشف كربة، أو دفع ضر، أو جلب نفع، أو شفاء سقم، أو دفع بلاء ونقمة، يا سبحان الله! إن أمر التوحيد عظيم ومن حقق التوحيد أدرك عظمة الله عز وجل. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا، واسمك الأعظم الذي إذا سألت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، اللهم إنا نسألك ونحن نحمدك بكل ما يليق بك، وبكل ما يرضيك، وبكل ما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، نسألك اللهم ألا تدع لنا في هذا المقام ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا كسيراً إلا جبرته، ولا مثقلاً إلا هونته، ولا مجاهداً إلا نصرته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا متزوجاً إلا ذرية صالحة وهبته. اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واختم اللهم بالشهادة والسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، واهدنا واهد بنا، واسترنا ولا تفضحنا، وثبتا وتوفنا على أحسن حال ترضيك يا رب العالمين! اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، ومتعهم بالصحة والعافية من كان منهم حياً، ومن كان منهم ميتاً فجازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً يا رب العالمين! اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الأسئلة

الأسئلة

ما يقتضيه الإيمان من المؤمن

ما يقتضيه الإيمان من المؤمن Q بعد أن ذكرت لنا هذه الدلائل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى، لجدير بنا أن يزداد إيماننا بالله والارتباط به عز وجل، فماذا ينبغي أن يكون على المسلم لتعظيم هذا الخالق الجليل سبحانه وتعالى أفيدونا مأجورين مشكورين؟ A الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله. وبعد: إن مقتضى الإيمان والعلم والإدراك لعظمة الله عز وجل هي أن ينقاد العبد لله سبحانه وتعالى، وأن يسلم سمعه وبصره وفؤاده وحواسه وجوارحه لله عز وجل، وأن يتعود الانقياد والإذعان والتسليم والاستجابه والمبادرة السريعة الكاملة لأمر الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51] هكذا شأن المؤمن الذي يعلم عظمة ربه. إن الناس إذا هددوا بعظيم أو وعدوا بعظيم إما أن يستجيبوا وإما أن ينزجروا، فالمجرم إذا هدد بعظيم في مكانته أو سطوته أو سلطته أو رتبته، ثم رأى أن ما هدد به من صفة وشخص هذا العظيم، بات أمراً ماثلاً للعيان استسلم وانقاد وتعهد أن لا يعود؛ لأنه علم أنه يهدد بمن له نوع من صفة القوة اللائقة بحجم البشر، وهو بشر مثله ينقاد له، أفلا ننقاد للعظيم الجبار عز وجل؟! وإن الإنسان إذا وعد من قبل من له حظ من مال أو حطام الدنيا وقيل فلان بن فلان سيعطيك قلت: الآن ارتحت لأن فلاناً وعد وهو غني يملك، فهل تثق بما عند الله وبوعد الله وبعطاء الله وتطمئن لجزيل خلف الله عز وجل وما وعدك الله سبحانه وتعالى. إن الحديث عن عظمة الله في علمه تقودك ألا يراك الله على معصية، وإن الحديث عن عظمة الله في سمعه تقودك ألا تنبس ببنت شفة في معصية، وإن الحديث في عظمة الله في حلمه أن تستحي من الله عز وجل وأنت تتبع الذنب الذنب وتخطئ الخطأ الجم، ولا ترعوي ولا تنتبه ولا تلتفت، وواجبك إذا أذنبت أن تبادر منكسراً ذليلاً خائفاً باذلاً للحسنات الماحية للسيئات، وإن علمك بقدرة الله تجعلك ضابطاً متحكماً في قدرتك ألا تبطش بها على أحد وألا يغرك حسبك أو نسبك أو رتبتك أو جاهك أو مكانتك. وإن علمك بعظمة الله سبحانه وتعالى في علمه تدعوك ألا تتساهل بعمل يحصى عليك: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] ثم يجتمع فتجد الصحائف في سجلات أعمالك قد سودتها الخطايا والذنوب، هذه هي فائدة الحديث في العظمة، أن تسبح الله وأن تذكره وأن تشكره وأن تطيعه وأن تثني عليه الخير كله، ثم بعد ذلك تنقاد لأمره سبحانه وتعالى وتنزجر وترعوي وتكف وتقلع فوراً عن الإصرار على معصيته سبحانه، أن تثني عليه الخير أيضاً. إن الناس إذا جلسوا مجلساً وفيه لواء وفريق ونقيب وجندي فجاء صاحب الدار يثني على هذا الجندي ويجعله في أعلى الرتب وينسى هذه الرتب الكبيرة، هذا في المقياس العسكري، قالوا هذا جنون يثني على هذا العريف وهذا الجندي وهنا تاج ومقص ونجمتان وثلاث وغير ذلك ولا يلتفت لها، ما يعرف مقادير الناس ومنازلهم، وهم بشر كالبشر لا يتخلف بعضهم عن بعض في جوارحهم وحواسهم، فما بالك بمن يثني خيره على غير الله، ويثني الشكر على غير الله، ويثنّي الفضل والحمد لغير الله، والله المنعم المتفضل عليك وعلى من حمدته، وعليك وعلى من شكرته، وعليك وعلى من أزجيت له المديح أو الثناء. إن الحديث عن عظمة الله تجعل الفرد يتأدب مع الله سبحانه وتعالى ويعرف قدر الله، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا الأدب معه سبحانه لكي نذكره حق ذكره، ولكي نشكره حق شكره، ولكي نقوم بما يرضيه، وإنا وايم الله لعاجزون ولكن رحمة الله التي سبقت غضبه، ورحمة الله التي وسعت كل شيء هي رجاؤنا وهي أملنا وهي متعلقنا أن تستر خلاتنا وزلاتنا وترفع درجاتنا، وتمحو سيئاتنا، وتضاعف حسناتنا، ذلك ما نرجوه أيها الأحبة.

الجمع بين قوله (لا تنفذون إلا بسلطان) وبين وصول البشر إلى الفضاء

الجمع بين قوله (لا تنفذون إلا بسلطان) وبين وصول البشر إلى الفضاء Q كيف نوافق بين قوله تعالى {لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] وبين وصول البشر إلى القمر والمريخ أفيدونا أفادكم الله؟ A مسألة الوصول إلى القمر: هب أنني قلت لك الآن إنهم لم يصلوا، هل تغيرت فروض الوضوء؟ هل اختلفت أركان الصلاة؟ هل زادت شروط الطهارة؟ هل تغيرت أحكام الدين؟! وهب أني قلت لك إنهم وصلوا، وكثير من الناس أصبحت قضية وصول القمر عنده محل جدل، والله يا أخي إن كنت آمنت واقتنعت بأدلة تفضي إلى الوصول إلى القمر فقل، هناك من يقول إن سلطان العلم هو الوصول {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33] قيل هو سلطان العلم، وما دام العلم بلغ إلى ذلك فيسلم بذلك، وآخر قال: لا. ما وصلوا القمر. فأنا أقول: لن أكون عدواً لهذا ولا عدواً لهذا الذي قال بالوصول إلى القمر أو نفى الوصول إلى القمر؛ لأنه لا لك مخطط ولا لك قطعة أرض في القمر، ولا أمل أن تحصل على أرض في القمر من الآن، اعرفها تماماً، والمسألة لا ينبني لك فيها قليل ولا كثير، أهم شيء أن تقول آمنت بكلام الله وبمقتضى كلام الله، إن كان مقتضى كلام الله الوصول إلى القمر فأنا مؤمن بالوصول إليه، وإن كان مقتضى كلام الله عدم الوصول إلى القمر فأنا مؤمن بعدم الوصول إليه. مثلما يقول الشيخ ابن عثيمين في شرح القواعد والأصول الجليلة في مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات، قال: مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات يقوم على ثلاث مسائل: المسألة الأولى: أن تثبت ما أثبته الله وأثبته رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أثبته الله لنفسه وأثبته الرسول لربه تثبته والله أمرنا {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]. المسألة الثانية: أن تنفي ما نفاه الله ونفاه رسوله الله صلى الله عليه وسلم عن الله. المسألة الثالثة: وأما ما لم يرد فيه نفي ولا إثبات فأنت تتوقف في لفظه وتفصل في معناه، فأما تفصيل المعنى فتقول: إن كان هذا الكلام يدل معناه على أمر يليق بالله وبعظمة الله وجلال الله آمنت به، وإن كان هذا الكلام يتضمن نقصاً ينزه الله عنه فأنا أنفيه وأنزه الله عنه. وأنا أقول بمثل ذلك، إن كان القول بالوصول إلى القمر يوافق مقتضى ما أراده الله وشرعه وما يليق بكلام الله عز وجل فإنا نؤمن به، وإن كان لا يوافق ولا يمكن أن يقبل، وهذا اجتهاد البشر وأنه لا يمكن أن يسلم بأن سلطان العلم هو السلطان الذي ينفذ من خلاله إلى أقطار السماء لبلوغ القمر أي: أن هذا أمر مستحيل فنقول: اللهم آمنا بك وبما جاء عنك وعن رسولك على مراد رسولك صلى الله عليه وسلم. أما أن تشغل نفسك بوصلوا وما وصلوا، يا أخي ما ينبني على هذا كثير علم، ونحن أمة دائماً أفكارنا هامشية، وليست في الممكن الذي يمكن أن نحققه ويمكن أن ننافس فيه، ويمكن أن نتحدى به ويمكن أن نغزو به الأمم، لا. إنما تجد الكثير من الناس يتكلم فيما يعتبر أو يعد من باب: علم لا ينفع أو جهل لا يضر. أنا لا أقول: إننا نقعد ولا نواكب الأمم والحضارات فيما وصلت إليه وسبقت إليه، لأن هناك من يقول قضية الوصول إلى القمر هي حرب نفسيه وهي من باب التحدي، ومن باب إغراق المسلمين في الهزيمة النفسية، وإننا نحن الغرب وصلنا القمر وأنتم حتى الآن ما صنعتم سيارة، وما صنعتم دبابة فضلاً عن صناعة طائرة، والحقيقة أنهم ما وصلوا إلى القمر، هذه وجهة نظر من يقول ذلك، وهناك من كذب هذه النظرية من الكفار وآخرين قال: بل وصلنا إلى القمر، ومشينا على القمر، وحصل ما حصل إلى آخره فنقول: هذه مسألة لا ينبني عليها أمر في الدين ولا حكم في الشرع، اللهم إلا فيما تعلق بما جاء في كلام الله عز وجل. فخروجاً من الخلاف واحتياطاً للدين وإبراءً للذمة تقول: اللهم إن كان مقتضى هذه الآية الوصول فإني أؤمن به، وإن كان مقتضى الآية عدم الوصول فإني كافر به وانتهت المسألة، لا تشغل نفسك بقضايا ما ينبني عليها حكم عملي تفصيلي تكليفي في الشريعة. بعض الناس يشغل نفسه ما العصا التي أخذها موسى، ومن أي شجرة هي؟ من أي شجرة هذه العصا التي اهتزت وأصبحت حية تسعى فصارت تلقف ما يأفكون، أو: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك، قال أي هذه الطيور، ما أسماؤها أوز نعام دجاج حمام، ماذا ينبني في مثل هذه المسائل؟ لون كلب أهل الكهف أسود أبيض أحمر أزرق أخضر، ماذا ينبني عليه؟ أي أن هناك مسائل تجد من المسلمين من يغرق نفسه ووقته وهي لا ينبني عليها مزيد أحكام في الدين فلا تشغل نفسك بها.

الرد على من تسلسل بالسؤال عن الخلق حتى سأل عن الله سبحانه وتعالى

الرد على من تسلسل بالسؤال عن الخلق حتى سأل عن الله سبحانه وتعالى Q ما هو الرد على من يسأل: من خلق كذا ومن خلق كذا حتى قالوا من خلق الله، أفيدونا أفادكم الله؟ A هذا قد يكون من باب الوسوسة، فإن الشيطان يعمد إلى أحدكم -كما جاء في الحديث- من خلق كذا ومن خلق كذا ومن خلق كذا ثم يقول: من خلق الله، وقد جاء بعض الصحابة رضوان الله عليهم يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوسة الشيطان وتسلطه فقالوا: يا رسول الله! إن أحدنا ليكون الأمر في نفسه مما يود أن يلقي بنفسه من شواهق الجبال ولا يتلفظ به، فقال صلى الله عليه وسلم: (أوجدتم ذلك، ذلك عين الإيمان، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة). وأضرب مثالاً بسيطاً جداً: تصور أنك تعيش في قصر محكم منيف وعليه أسوار وأبراج وحراسات محترمة ولا يستطيع أحد يقترب منه، ثم جاء عدو من الأعداء يريد أن ينال منك، فلما دنا منك وجدك محصناً في هذه الأبراج العالية والقصور المشيدة وأخذ حصاة صغيرة ثم رمى سور قصرك، هل يضرك شيء، هذا دليل على ضعف هذا الذي جاء يريد أن ينال منك شيئاً، فوجدك محصناً ثم لم يجد إلا أن يأخذ حصاة صغيرة ويخذفك أو يرميك بها، تضحك وتقول: الحمد لله الذي جعل هذا العدو لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا أن يأخذ قطعة صغيرة من الحجر أو الحصى فيرمي بها على هذا السور الذي بيني وبين السور من الأسوار إلى آخره والأماكن والمجالس والضِياع الكثير ولا يمكن أن يصلني شره. فكذلك الشيطان إذا جاء إلى مؤمن ووجده متمكناً بالإيمان بوحدانية الله وربوبيته، وألهويته وأسمائه وصفاته، متمكناً في الإذعان والتسليم والانقياد لله عز وجل، جاءه الشيطان يرجمه من خلق كذا من خلق كذا، حتى يقول له من خلق الله. والدليل على أن كيد الشيطان ضعيف أن القضية ما تحتاج أنك تأتي برشاش قال صلى الله عليه وسلم: (فليتفل أحدكم عن يساره، وليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ويتفل في كل مرة، يعني تصور عدو تدفعه بنفثة، مع قولك أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نعم هي نفثة يسيرة دليل على ضعفه وضعف كيده ووسوسته {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] وفيها معنى آخر هي قوة اسم الله؛ لأنك لو قلت أعوذ بفلان أو بعلان من الشيطان لتسلط الشيطان عليك زيادة، ولكن لما قلت أعوذ بالله كانت استعاذتك بالله دفعاً لشر الشيطان وإحراقاً له، فهذا معنى ينبغي أن يُطْمَئن إليه، كل ما عليك إذا وسوس لك الشيطان تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم، إذا خشيت أن يدخل عليك الشيطان من باب شرك خفي ونحوه، وإذا جاء يوسوس لك في مثل هذه الأمور فاتفل عن يسارك واستعذ بالله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف:200] الاستعاذة مع اليقين التام تطرده بإذن الله. وثق أن الشيطان لو استطاع أن يجد منك شيئاً لجرك بأم رأسك إلى منتهى الكفر والضلال والإلحاد والجرائم والفواحش، لكن الشيطان لما جاء ووجدك متمكناً في حصن عظيم ما وجد إلا كما يجد ذاك الذي جاء إليك يريد أن يهاجمك فأخذ حجرة ورجم بها سور بيتك، أو سور قصرك فلا يضرك شيئاً.

عندما يختل الأمن

عندما يختل الأمن الأمن نعمة من الله يمنَّ بها على من يشاء من عباده، وإن الله قد حثنا على طاعة أولي الأمر حفاظاً على الأمن، كما أوجب على الحكام إقامة الأحكام والحدود الشرعية حفظاً للأمن، فالأمن به تحفظ الأنفس والأموال والأعراض، ويحفظ به دين المرء المسلم؛ لذلك كان حفظه مسئولية جميع المسلمين.

نعمة الأمن وبيان ضرورته

نعمة الأمن وبيان ضرورته الحمد لله الذي جعل الأمن والأمان والطمأنينة للمؤمنين، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] الحمد لله الذي جعل الخوف والذلة والصغار على الكافرين والمنافقين: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. معاشر المؤمنين: كان الحديث في الجمعة الماضية عن الأمن وحاجة الأمة إليه، وعن حال أمةٍ من الأمم إذا فقدت الأمن ليلةً أو يوماً من أيامها، وأعظم درجات الأمن: الأمن في الدين الأمن على الملة الأمن على الشريعة الأمن على العبادة، ولأجل ذلك امتن الله جل وعلا على بني إسرائيل يوم أن نجاهم من كيد فرعون وبطشه ومكره، فما كانوا يأمنون على دينهم وأنفسهم، وخذوا مثالاً مما ورد في القرآن على أمةٍ من الأمم لم تجد أمناً في دينها، قال تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ} [يونس:83] لم يجدوا حريةً يستطيعون بها أن يتقدموا بخطىً ثابتةٍ ربيطة الجأش إلى اعتناق هذا الدين، لأجل ذا ما آمن لموسى إلا ذريةٌ من قومه على خوف ووجل، وعلى رهبة أن يكتشف فرعون أمرهم فيقتلهم، ولأجل ذلك كانت أوامر الطاغية وأوامر المستبد فرعون أن قال: {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} [غافر:25] وكانت منةً من الله أن نجا المستضعفين من كيد فرعون وبأسه: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة:49] لقد كان البلاء بتلك الأمة على زمن ذلك الطاغية يجسد صورةً من حالٍ صعبة شديدة يوم أن لم يجد القوم أمناً يأمنون به، فما تجرأ إلا قليلٌ منهم أن يؤمنوا على خوفٍ من الطاغية وملئه، لقد كانت معاناةً صعبة، بل إن ذلك البلاء عاد بأثرٍ رجعي حتى على الأطفال، وحتى على الأجنة، فبات فرعون يقتل أطفال بني إسرائيل عاماً، ويستحي بعضهم عاماً؛ حتى لا تفنى السخرة والخدمة لأجل خدمته وحاجته، ويقتلهم عاماً آخر خشية أن يكون النبي الموعود به من بينهم، أي أمنٍ عاشه أولئك القوم، ولكن لما منَّ الله عليهم وبعث لهم موسى، ورفع به الظلم والضيم عنهم ما كان من بني إسرائيل بعد تلك النعم إلا العناد والمكابرة والإصرار على الضلالة. أيها الأحبة: لما كانت قضية الأمن في الدين مهمة، جاءت الشريعة بحفظها وتحقيقها، ولأجل ذا كانت من أعظم مهمات الوالي أو الحاكم أو الإمام، كما نص على ذلك الماوردي رحمه الله في الأحكام السلطانية، قال: إن من أوجب واجبات الحاكم والإمام أن يحفظ الدين والملة على أصولها، فلا يأذن ببدعة، ولا يسمح بما يخالف الشريعة، أو يقدح في أصول العقيدة، هذا من كلامه أو بمعناه.

حال الأمن عند المسلمين في الاتحاد السوفيتي

حال الأمن عند المسلمين في الاتحاد السوفيتي أيها الأحبة: وإن شئتم نقلةً يسيرة إلى زمننا وواقعنا المعاصر، انظروا حال إخواننا في الاتحاد السوفيتي، في روسيا وقد جثمت الشيوعية بكلكلها على صدور المسلمين في تلك البلاد اثنين وسبعين عاماً، حتى ظن الظانون أنه لم يبق أحدٌ يعرف لا إله إلا الله، أو يعرف الفاتحة، أو آيةً من كلام الله، أو حديثاً من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] لما تكفل الله بحفظ هذا الذكر وضمن طائفة منصورة على الحق إلى يوم القيامة منتشرةً في أصقاع المعمورة جعل لهذا الدين رجالاً يتربون عليه، وينشئون صغارهم عليه حتى في الأقبية وتحت السراديب. أخبرنا عددٌ كثيرٌ بل متواتر ممن ذهبوا إلى كازخستان وطاشقند وتركستان، وكثيرٍ من بلاد الاتحاد السوفيتي سابقاً قالوا: وجدنا أمةً مسلمة، ووجدنا عدداً من المسلمين حفظوا القرآن، هل حفظوه في المساجد؟ ليس ثمة مساجد، هل حفظوه في حلق الذكر؟ ليس ثمة حلقة ذكر، فأين حفظوا وأين درسوا اللغة؟ حفظوه في الأقبية وتحت السراديب يقف واحدٌ على فتحةٍ فوق سطح الأرض من فوقها سجادٌ أو خشبٌ أو لوح كأن ليس تحت الأرض شيء، واثنان أو ثلاثة تحت الأرض يقرءون القرآن ويحفظون الآيات ويتدارسون الحديث. هذا دينٌ محفوظ، هذه ملةٌ ماضية: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار)، (ليتمن هذا الأمر حتى لا يبقى بيت مدرٍ ولا حجر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيزٍ أو بذل ذليل). نعم -أيها الأحبة- تلك صورةٌ من صور الخوف على الدين، وعدم الأمن لأولئك الذين أرادوا أن يتمسكوا، وفي المقابل عبرةٌ لنا يوم أن نجد أمة من وجد القرآن عندها فحكمه الإعدام، ومن وجد متلبساً بحلقة أو دراسةٍ شرعية فحكمه الإعدام، وما حول ذلك فحكمه السجن المؤبد مع الأعمال الشاقة. نعم. ما كان هذا الكلام في زمن موسى وفرعون، بل في هذا الزمن القريب، ومع هذا كله ما نفع روسيا رءوسها ولا طائراتها ولا قنابلها: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} [الحشر:2] ما كنا نظن، بل إن كثيراً ما كانوا يظنون بسقوط روسيا فضلاً عن غيرها: {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ} [الحشر:2] ظن الروس أن ( KjB) أن المخابرات، أن الرءوس النووية، أن عابرات القارات، أن الطائرات، أن أجهزت التصنت، أن كل وسائل ملاحقةٍ أمنية لجريمةٍ أو غيرها ستحفظ هذا الكيان من السقوط: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} [الحشر:2] لقد كانت الرادارات حوامة حول حدود تلك القارة، فإذ بالقنبلة تنفجر من تحت صنم لينين، إذ بالهاوية تنفجر من تحت تمثال تروتسكي وفردريك إنجلد وطغاة الشيوعية الذين ذبحوا وعاثوا خلال الديار وقتلوا تقتيلاً.

الأمن في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم

الأمن في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم أيها الأحبة: لقد كان الناس في زمنٍ مضى وإلى يومنا هذا لا يأمنون على دينهم، فإن كنا في أمنٍ على ديننا كما نرى ونشاهد اليوم فلنحمد الله على هذه النعمة، ولنحافظ عليها، وإن الأمة لا تزال بخير ما دامت عزيزةً بدينها، رافعةً رأسها به، مظهرة لشعائرها، لا تخاف في ذلك أحداً أبداً. لقد ابتلي بهذا الأمن حتى الصحابة رضوان الله عليهم. عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان الرجل قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) أخرجه البخاري. جاء خباب وكان النبي صلى الله عليه وسلم متوسداً بردةً في ظل الكعبة، فجاء خباب وكشف عن ظهره ليري رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار الكي، نفطات من قيح ودمٍ وصديد على جلده، كانت سيدته تعذبه ويشكو إلى رسول الله ما لقي، فقال له صلى الله عليه وسلم هذا: (كان الرجل قبلكم يحفر له في الأرض، فينشر بالمنشار فيشق باثنتين ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه) بل لقد جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وقالوا: يا رسول الله! أحدنا لا ينام إلا وسلاحه تحت رأسه، لا يبول إلا وسلاحه على كتفه، متى نأمن؟ متى نصر الله؟: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف:110] {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142]. أيها الأحبة: لقد مس النبي وأصحابه البأساء والضراء وزلزلوا زلزالاً شديداً، كانوا على خوف في أمر دينهم، مكثوا زمناً في مكة لا يصلون إلا خفية، ولا يلتقون إلا خفية حتى أعز الله دينه بـ الفاروق، بالإمام الأواب شهيد المحراب عمر بن الخطاب، فلما آمن واعتز بإيمانه الدين ذهب إلى قريش وقال: [يا معشر قريش! أما تعلمون أني آمنت وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال أبو جهل: حاشاك ذلك يا بن الخطاب، فقال: بل هو ما سمعت يا عدو الله! ثم عاد إليهم وقال: إني مهاجرٌ هذا اليوم سالك بطن هذا الوادي، فمن أراد أن تثكله أمه فليلحقني وراء هذا الوادي] هجرةٍ علنية وتحدٍ بقوةٍ إيمانية: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير). أمة الإسلام وخير البرية عاشوا صوراً من الخوف على دينهم وعلى معتقدهم وعلى ملتهم، بل كان صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ويرفع يديه في غزوة بدر ويلح على الله حتى سقط رداؤه عن عاتقه، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول له: (يا رسول الله! كفاك منشادتك ربك، إن الله منجزك ما وعدك، والرسول يقول والدمع يتحدر على وجنيته الشريفة: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم أبداً). يا عباد الله: الأمن على الدين الأمن على العبادة الأمن على الملة الأمن على الصلاة الأمن على العقيدة من أعظم صور الأمن ودرجات الأمن، فحافظوا على ذلك وانتبهوا إليه.

حرمة النفس المؤمنة

حرمة النفس المؤمنة ثم اعلموا -أيها الأحبة- أن الأمن على النفوس من ثمرات الأمن أيضاً، بل إن الشريعة جاءت بحفظ هذا، لذا حرم الله قتل النفوس وإزهاقها: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:151] وقال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات، المهلكات، القاذفات بصاحبها في النار، وذكر منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق) رواه البخاري ومسلم. إن دم المؤمن عظيمٌ خطير جليل، قال صلى الله عليه وسلم: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجلٍ مسلم) رواه النسائي والترمذي والحديث حسن. أيها الأحبة: بل أعظم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف بالكعبة، فنظر إليها نظرة الإكبار والإجلال وتعظيم شعائر الله فقال: (ما أطيبكِ وما أطيب ريحكِ! وما أعظمكِ وما أعظم حرمتكِ! والذي نفس محمدٍ بيده، لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتكِ) أخرجه ابن ماجة. أيها الأحبة: إذا كان هذا شأن دم المؤمن وشأن روحه ونفسه، فتخيلوا أمةً لا أمن فيها، كم من طلقةٍ عشواء على صدرٍ بريء! وكم من سهمٍ طائش على مقلةٍ بريئة! وكم من دمٍ يراق! وكم من جرحٍ ينزف! وكم من قتلى ومشردين ليس لهم ذنبٌ ولا جريرة! أيها الأحبة: ما ظنكم لو أننا عشنا بلا حاكم أو إمام، من الذي يقتص من القاتل؟ من الذي يقوم بالقود لأولياء المقتول؟ من الذي يجيء بالقاتل قد غطيت عيناه وغلت يده إلى كتفه، ثم يجثم به في ساحة العدل وتُسلط إليه فوهة البندقية، أو يسل السيف على رأسه ثم يضرب ضربةً يتدحرج رأسه بعدها والناس ينظرون، وهول المشهد وفجاعة المنظر تقول لكل نفسٍ شاهدة، ولكل أذنٌ سامعة: إن هذا جزاء من اعتدى على دمٍ مسلمٍ أو حرمة ماله ونفسه، أين سيوجد هذا؟ وأين سيكون هذا لو اختل الأمن؟ على مشهدٍ وعلى ملأ في ساحة عدلٍ أمام الناس، هل يوجد هذا عند الأنظمة القانونية؟ محامٍ بارع يجعل القاتل بريئاً، ويجعل البريء متهماً، ويحول القصاص إلى حكم بخمس سنوات، أو بعشرة آلاف من الجنيهات أو الدولارات أو الريالات أو غير ذلك، سم ما شئت من عملة، المهم أنه إن لم يوجد إمام وحاكم تهابه الأمة، إن لم يوجد علماء لهم سلطة على العامة والرعاع، إن لم يوجد قضاة يشتركون في مجالس مشتركة، فيكونون مؤتمنين على كل قطرة دمٍ يحكمون بها ولها وعليها على كل جارحةٍ يقتصون منها فيما اعتدت ضاعت الأمة، لا يوجد قصاصٌ ولا محكمةٌ ولا أمنٌ حينما يختل الأمن ولا ينضبط الناس بإمام أو حاكمٍ: لا يصلح فوضى لا سراة لهم ولا تراث إذا جهالهم سادوا تبقى الأمور بأهل الخير ما صلحت وإن تضل فبالأشرار تنقاد اللهم ولِّ علينا خيارنا، واكفنا شرارنا يا رب العالمين.

الأمن على الأموال لا يقوم إلا بوجود السلطان

الأمن على الأموال لا يقوم إلا بوجود السلطان أيها الأحبة: وحينما يوجد الأمن فالناس يأمنون على دينهم وأنفسهم ودمائهم، ويأمنون على أموالهم، ولأجل ذلك حرم الله السرقة، وجعل حد السارق أن تقطع يده، يقول الله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38] تلك اليد العابثة، تلك اليد المختلسة التي فتحت باباً، أو حفرت جداراً لابد من قطعها، لا بد أن يأمن الناس على أموالهم وأمتعتهم، وحينما لا يوجد إمام ولا حاكم، وحينما تضطرب الأمور فلا تدري أمةٌ هل تدافع أعداءها على حدودها في الخارج أم تحفظ أمنها في الداخل؟ من الذي يقطع يد السارق؟ من الذي يقيم حد الحرابة؟ أيها الأحبة: هذا من الأمور التي ينبغي أن يفهمها الكبار والصغار والشباب خاصة، وجيل الصحوة على وجه الأخص، حتى نحفظ المجتمع ونبني أسسه، ونقيم جدرانه بطريقةٍ تحفظ كيانه، ولا تهدم بأي حالٍ من الأحوال أركانه. أيها الأحبة: إن مسألة الأمن على الأموال مسألة مهمة، نعم. في القرآن حد السرقة، وفي الحديث حدودٌ أخرى، لكن إذا لم يوجد إمامٌ يقيمها ويقوم بها فمن ذا الذي يقيمها؟ من ذا الذي يحكمها؟ إن القرآن موجود في كل الدول العربية والكافرة والإسلامية وغير الإسلامية، لكن من الذي يقتل القاتل؟ من الذي يقطع يد السارق؟ من الذي يقيم حد الحرابة: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة:33] من الذي يقوم بهذه الحدود؟ لا يظن ظانٌ أو يتوهم متوهمٌ أن ذلك لا يكون إلا في أمة لا منكر فيها، لا كبيرة فيها، لا معصية فيها، بل إن هذا كله يقام بحمدٍ من الله ومنة على الرغم من وجود بعض المنكرات، والكبائر والمعاصي شأنها أن يواجهها العلماء والولاة والدعاة بالإنكار وتحذير الناس منها، حتى لا يقولن قائلٌ: هذا كلامٌ جميل في غير محله، إذ أن ذلك لا يكون إلا في مجتمعٍ معصوم، أو في مجتمعٍ لا توجد فيه الكبائر والصغائر، لا وألف لا. من خللٍ بالفهم أُتينا، من انتكاسٍ بالمفاهيم أُتينا، وإذا اختل الأمن فلا أمن على دينٍ أو معتقدٍ أو مالٍ أو نفسٍ ولا مالٍ أيضاً، لا أمن على الأموال لو اضطربت أحوال الناس في أمنهم، افترض -جدلاً- أن أحوال الناس في يومٍ من الأيام اختلت فجاء غاشمٌ وضالٌ وأحرق سجلاتٍ جمعت وثائق الناس وأملاكها، أصبح الناس يملكون وثائق لا قيمة لها، إذا لم يوجد لدى الوالي والسلطان أو نواب الإمام ما يصدق توثيق هذه الوثائق والصكوك التي في أيديهم. لو اختل الأمن لجاءك من يخرجك غداً من بيتك بصكٍ عليه ختمٌ مزور، وقال: هذا بيتي، فإذا ذهبت لتنازعه أو تحاكمه أو تجادله ما وجدت سجلاً ترجع إليه لتعرف أن ذلك لك أو له أو أن هذا أصليٌ أو مزور. ولذا جاءت الشريعة مع العناية بالأمن الديني، وإقامة الأمن في النفوس قبل إقامته على الأرض والمباني، جاءت الشريعة بحفظ حقوق العباد، لا يظن أحد أن شأن الأموال هين، الأموال من غَلَّها جاء يوم القيامة بما غل، من اختلس من بيت المال جاء يوم القيامة بما اختلس، قال صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم يأتينا يوم القيامة وعلى كتفه شاة تيعر، أو بقرةٌ لها خوار، أو بعيرٌ له رغاء، من غل يأتي بما غل يوم القيامة) أرض سجادة بساط سيارة قليل كثير، خذ واستكثر مما شئت، إنما الحساب بين يدي رب العالمين، يوم تبسط السجلات والصحائف ويوضع كتاب: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] الأموال ليست هينة، لأجل ذلك افترض الله فيها الزكاة، وأثنى الله على الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، وأثنى الله على من تصدق ولم يتبع صدقته مناً ولا أذى، وجاءت الآيات بحفظ الحقوق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة:282] إذا قرأت في المحكمة لوحةً تقول: كُتاب العدل، أو كاتب العدل، فذلك تنفيذٌ لهذا المضمون: {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة:282] آياتٍ بينات في التوثيق، في الكتابة، ولا يأب الشهداء في الشهادة، سرهم: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283]. أيها الأحبة: شأن الأموال عظيم، فإذا اختل الأمن فما تدري أين سيكون مالك، في بيت فلان أو علان، أو عند ظالمٍ أو لصٍ أو قاطع طريق. أيها الأحبة: لو اختل الأمن، من الذي يحفظ حقوق الناس؟ من الذي يرد للناس أموالهم؟ من الذي ينصف المظلوم من الظالم؟ من الذي يرد المغصوب إلى صاحبه، ويردع الغاصب عن أموال الناس؟ ولو اختل الأمن لنشرت وأبيحت وظهرت وروجت ألوانٌ من الأمور التي تضلل على العقول والأموال. إننا هنا نجوب هذه المدينة، ونجوب هذه الجزيرة، ما رأينا -بحمد الله- دكاناً يباع فيه الخمر، وما رأينا حانوتاً يباع فيه ما يسمى بالشراب الروحي، وما رأينا حانةً أو ماخوراً للدعارة، نعم. يوجد من يشرب الخمر سراً متستراً: (من رأى منكم منكراً) إنما الأمة محاسبةٌ على ما رأت، محاسبةٌ على ما ظهر، محاسبةٌ على ما فشا، أما من عصى الله سراً بينه وبين نفسه لا يعلم الناس به فذلك ذنبه على أم رأسه؛ لأن المعصية إذا اختص بها صاحبها نزل البلاء على أم رأسه، ولكن إذا ظهرت عم البلاء والشؤم بها من حولها: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25].

حفظ الأمن هو حفظ للأعراض

حفظ الأمن هو حفظ للأعراض أيها الأحبة: حرم الله جل وعلا كل مسكرٍ وكل خمرٍ وكل قمار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90]، وقال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا الخمر، فإنها مفتاح كل شر) رواه الحاكم وصحح سنده. وقال صلى الله عليه وسلم: (من شرب الخمر كان حقاً على الله أن يسقيه من ردغة الخبال، قيل: وما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار) عصارة أهل جهنم. أيها الأحبة: أنتم مع ما ترون من تشديدٍ أمني أو جهود أمنية ترون وجود من يتعاطون المخدرات ويتبايعونها ويروجونها ويهربونها وينشرونها، بل وربما فدَّى أحدهم ذلك بنفسه وروحه، وأطلق النار على رجال الأمن، ويعلم أن النار سوف ترتد على صدره من فوهة أسلحتهم، هذا مع وجود أمنٍ وشرطةٍ ونظام، فما بالك لو اختل هذا؟! والله لو اختل الأمن لوجدت الخمور في الأزقة، ولوجدت المخدرات في العرصات، ولوجدت الفساد والمنكر أشد ما يكون علناً جهاراً نهاراً، وكلٌ يحمي فساده بسلاحه، وكل عصابة تحمي فسادها ومنكرها وخمرها ومخدراتها بقوة سلاحها. إذاً: انضباط الناس وبقاؤهم في ظل أمنٍ آمن، وطمأنينة مطمئنة وظلٍ وارفٍ وادع يحفظ هذا كله، وحينما يختل الأمن أيضاً فلا تسل عن جرأة المغتصبين على فرش الناس ودورهم، وكم سمعنا في كل بلدٍ، وقد سمعنا حالاتٍ بفضل الله أندر من النادرة عن أناسٍ اغتصبوا أو اختطفوا، ولكن هذا مع وجود سلطةٍ ربما قتلت وأعدمت وأزهقت الروح وسفكت الدم مقابل جريمة الاختطاف والاغتصاب، وربما رجمت وجلدت وغرَّبت حال الزنا، فما بالك لو أن الأمر أصبح هملاً، وأصبح الناس كلٌ يذود عن نفسه بقدرته أو بعصوبته أو بقبيلته أو ببني عمه؛ لعاش الناس شريعة الذئاب والغاب، كلٌ يعدو على من دونه، وكبار الأسماك تأكل صغارها، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

إقامة الحدود حفظ لأمن الأمة

إقامة الحدود حفظ لأمن الأمة إن الله جل وعلا قد جعل في هذا القرآن وعلَّق برقبة الإمام تحكيمه في كل أمرٍ ومن بين هذه الأمور أن تحفظ الأنساب وأن تقام الحدود على الزناة، وعلى من تعدى على بيوت الناس وعوراتهم وأستارهم، قال جل وعلا: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] حرم الله جل وعلا الطريق الذي يوصل إلى ذلك، فقال: (ولا تقربوا) وشرع أن يجلد الزاني إن كان بكراً ويُغرب، وشرع المحصن أن يرجم بالحجارة حتى يموت، ونفَّذ صلى الله عليه وسلم حد الرجم بنفسه على مشهدٍ من الصحابة وقد تعجبوا من هذا ولله فيه حكمة، ولعل منها حتى لا يقولن قائلٌ: أيرجم حيٌ بالحجارة حتى الموت؟ هذا من باب التخويف، لكنه وإن تصور عقلاً فإنه ممتنعٌ فعلاً، A لا. بل لقد فعله صلى الله عليه وسلم، وتعرفون قصة المرأة التي جاءت قالت: (يا رسول الله! إني حبلى من الزنا فطهرني، فأعرض عنها، فأقبلت عليه من كل جهة، قال: اذهبي حتى تضعي جنينكِ، فجاءت بالجنين، قالت: وضعت فطهرني، فقال: اذهبي حتى تفطميه -تعريضٌ لها أن تستر على نفسها، وأن تولي ولا تعود- فجاءت وفي فم الصغير الرضيع كسرة خبزٍ دلالة على أنه استغنى بالطعام عن الرضاع، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم وليدها إلى أحد الصحابة يكفله، وأُمر بها فشدت عليها ثيابها وحفرت لها حفرة وجمعت الحجارة فرجمت رضي الله عنها -فلما نال أحد الصحابة بكلمةٍ يوم أن طاش شيءٌٌ من مخها أو دماغ رأسها على ثوبه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا. لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم) شهادة كرامة إيمان ودرجة عالية يشهد بها النبي صلى الله عليه وسلم الذي يأتيه الوحي من السماء، يبشرها النبي أن الله قد تاب عليها، الله أكبر! بل ليست توبةً بحجم ذنبها، بل بحجم ذنب أهل المدينة كلهم جميعاً. ومثل ذلك فعل بـ ماعز رضي الله عنه لما رجم بعد أن أعرض النبي عنه صلى الله عليه وسلم يردده: لعلك قبلت، لعلك فاخذت، لعلك مسست، وما زال ماعز رضي الله عنه يردد بكل حرقةٍ وشوقٍ إلى أن يطهر بدنه. قال ابن القيم: ولله حكمة أن البدن الذي تلذذ بجميع أجزائه حال المعصية -فإن العقوبة من جنس العمل- أن يقع العذاب على سائر أجزاء البدن. والله عليم حكيم، وكان من شأن توبته ما كان. إذاً، جاءت الشريعة بهذا، وقبل سنين ليست قصيرة في هذا العصر ربما قبل ثلاثين سنة تزيد قليلاً، كان سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز قاضياً، وجيء بامرأةٍ مؤمنةٍ طاهرة تائبة معترفةً بما حصل منها، ولما ثبت عليها الحد الشرعي جيء بها ووقف الشيخ متع الله به، أو وقف والناس يرمونها بالحجارة، ثم مكث متع الله به ساعةً يدعو لها، يقول لي؛ هذا رجلٌ كبيرٌ في السن ممن يعرفون سماحة الشيخ، قال: كانوا يرجمونها والشيخ يدعو لها بالمغفرة والتوبة ويدعو لها بالجنة، ولما حملت مكث متع الله به وجمعنا به في الجنة وغفر له، مكث يدعو لها حتى تفرق الناس ولا زال يدعو لها، حتى قال بعض من له علاقة بها: لفرحتنا بدعاء الشيخ لها على ما كان من إقبالها، وبذلها نفسها لله كان شيئاً كثيراً عظيماً. أيها الأحبة: نعود إلى أصل موضوعنا، لو اختل الأمن لا تسأل عن حال الناس في باب الزنا، وأنتم ترون مع تعدد وسائل الاتصال والاختلاط، فيا دعاة الاختلاط! والله لو خلي بينكم وبين ما تشتهون في هذا المجتمع لما تركتم صغيرةً ولا كبيرةً إلا عملتموها ولا حول ولا قوة إلا بالله! أيضاً مما يضمن هذا الأمن ألا يتعدى أحدٌ ولو بكلمة على آخر، فمن قذف مؤمنةً أو مؤمناً فعليه حد القذف: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:23] وقال صلى الله عليه وسلم الله: (اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات). أيها الأحبة: ومن ذا الذي يمنع أحداً من أن يظلم أحداً أو يضربه أو يمد يده عليه ولو بلطمةٍ أو لكمةٍ أو قليلٍ أو كثير، جاء الوازع في النفوس قبل القانون والنظام: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربة فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة) متفق عليه. ومع ذلك فإن من سبك أو شتمك فأثبت هذا ببينة -بشاهدي عدل- ثم عليك بالمحكمة المستعجلة إن أبيت إلا أن يقام عليه العقوبة الشرعية ولم ترغب في العفو عنه، أما إن رغبت أن تكون من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس فالله يحب المحسنين، وإن رغبت أن تتمثل بقول الله: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] فلك ذلك، وأنت حينئذٍ منعمٌ متفضلٌ على هذا بذلك، لقد حرم الله هذا الظلم في كل قليلٍ أو كثيرٍ أو قطميرٍ أو صغير، بل إن الله جل وعلا قال كما في الحديث القدسي: (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا)، (والظلم ظلمات يوم القيامة) كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري عن ابن عمر، بل نهى الحكام والولاة والأمراء ومن تولى سلطةً أن يظلم: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) أخرجه البخاري ومسلم. هذا الشرع العظيم قد منع الظلم من كل صغيرٍ وكبير، ولو حصل من أحدٍ ظلماً، لو حصل من الوالي أو الأمير أو الحاكم ظلماً فإن ذلك لا يسوغ الخروج عليه، ولا يأذن بخلع بيعته، ولا تأليب الناس ضده، ولا جمع السلاح لحربه، ولا استباحة عرضه، بل كما قال صلى الله عليه وسلم: (أدوا الذي لهم وسلوا الله الذي لكم). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

وجوب حمد الله على نعمة الأمن

وجوب حمد الله على نعمة الأمن الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفقيه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: إن من نعم الله جل وعلا أن مكن لنا في هذه البلاد اجتماع شمل، ولو شئتم لعدتم بالذاكرة عقوداً وليست قروناً، عقوداً قريبة لترون كيف كان الناس لا يحجون إلا مجتمعين خشية قطاع الطرق، وربما قتل الرجل يوم أن كان في خرجه قليلٌُ من التمر أو البر أو الشعير، سواءً ظن الباغي أو العادي أن ذلك تمر أو (زكيبة) فيها ذهبٌ أو فضة، الناس لم يكونوا يأمنوا على أنفسهم إلا يوم أن مكن الله هذه الوحدة، وجمع الله هذا الشمل، ونسأل الله بمنه وكرمه أن يغفر لمؤسس هذه البلاد، وأن يجمعنا به في الجنة، وأن يعفو عنا وعنه، وأن يتجاوز عنا وعنه، وأن يغفر لنا وله، وأن يصلح ذريته، وأن يجمع شمل المسلمين والعلماء والدعاة والحكام من بعده، وأن لا يفرح على أحدٍ عدواً، ولا يشمت بأحدٍ من بعده حاسداً. والله أيها الأحبة! إنا لننعم في أمرٍ يحاسب عنه غيرنا، فاحمدوا الله على هذه النعمة، وإن الناس كحباتٍ عقدٍ في سلك، تخيل عقداً فيه آلاف الحبات، أو ما يسمى بالسبحة مثلاً، عقدٌ فيه آلاف الحبات وخيطه واحد، إن الولاة والحكام هم ذلك الخيط، وإن الرعية هم ذلك العقد، فإذا لان الخيط أو انقطع انظر كيف تتناثر حبات العقد، أقول هذا، وإني والله لأنظر أمراً يدركه بعضكم، ويفقهه بعضكم: ويكفي اللبيب إشارةٌ مرموزةٌ وسواه يدعى بالنداء العالي إن من لم يفهم بالإشارة لا حاجة لنا إلى فهمه. وإن اللبيب لبالإشارة يفهم أدركوا هذه المعاني حتى لا يأتين يومٌ نقول فيه كما قال أهل الصومال: يا ليت الأمور تعود على ظلمٍ كنا نشكو منه، والآن عدنا نتمناه: عتبت على سعدٍ فلما تركته وجربت أقواماً ندمت على سعد أيها الأحبة: نسأل الله ألا يرينا يوماً نتمنى فيه سابق عهدنا، ونسأل الله أن يصلح أحوالنا، نسأل الله ألا يبقي أحوالنا على ما نحن عليه، بل نسأله أن يزيد الخير فينا، وأن يذهب الشر عنا، وأن يمحق المنكر من بيننا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. إن حدود الله لخيرٌ لهذه الأرض من كل ربيعٍ وغيم: (حدٌ يعمل به في الأرض خيرٌ لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً) حديثٌ حسن، أخرجه ابن ماجة. أيها الأحبة: إن من واجبنا أن ندرك ذلك، وأن نفهمه، وحينما نتخبط يمنةً ويسرة بحماسٍ وغير حماس، بعاطفةٍ وعاصفة، بعلمٍ وجهل، بفقهٍ وغير فقه، فكأنما نحمل معاول لنهدم بها بيوتنا، فكأنما نأتي بخراطيم المياه على بيوت الطين لتنهار من أساسها، فكأنما نسير بالفتنة ونحن لا نعلم. أيها الأحبة: إن من يشكك في هذا الكلام، أو ينازع فيه، أدعوه ومتكفلٌ بتذكرته، ومتكفلٌ بنفقات نقله أن يخرج معي أو مع من شاء في جولةٍ على الشريط الحدودي لهذه البلاد، در على خفر السواحل، وتجول مع سلاح الحدود، وانظر ما هي الحدود التي بينك وبين دولٍ عديدة، كم يحدك من الشمال ومن الجنوب، ومن الشرق ومن الغرب؟ أتظن أن ما تنعم به في داخل الوطن، أو في داخل البلاد جاء عبثاً أو هملاً؟ ذلك بفضل الله أولاً، ثم بفاتورة أمنٍ تدفع. أيها الأحبة: كما رأيت ولا أقول ذلك والله إلا حسبةً لله، تدفع بثمنٍ باهظ، الشريط الحدودي للمملكة على البحر الأحمر كم كيلو؟ الشريط الحدودي المتاخم على حدود العراق والشام والخليج كم؟ الشريط الحدودي المتاخم للجنوب كم؟

حفظ الأمن مسئولية الجميع

حفظ الأمن مسئولية الجميع أيها الأحبة: إن نعمة الأمن ومسئولية الأمن ليست مسئولية الحاكم وحده، ولا سلاح الحدود وحدها، ولا خفر السواحل وحده، ولا مسئولية العالم وحده، بل مسئولية الجميع، والأمن أمانة، ومن رأى أمراً فيه خللٌ في الأمن فسكت عليه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] إياكم أن تظنوا أن مسألة الأمن هينة: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام:65]. نسأل الله أن لا يلبسنا شيعاً، أسأل الله ألا يذيق بعضنا بأس بعض، أريدها بكل جرأة، وبكل صدق بمن شكك في هذا الكلام أن يركب سيارته إن استطاعت أن تمشي على أحجارٍ ورمال لكي تستعرض الحدود أو جهةً من الحدود، كم بينك وبين من حولك من البلاد التي تربصت بك، وتفرحت بك يوم أزمة الخليج، ودنت فوهات الدبابات عليك، ونصبت الصواريخ على مدنك. فيا عبد الله! أتريد أن يصبح الحمى مكاناً لكل قبرٍ من دون الله يعبد؟ أو مكاناً لكل ضريحٍ ينحر له؟ أو مكاناً لكل صوفي مخرف يتمسح الناس بدعوى بركته، أو بزعم دفعه للشر أو جلبه للخير، احفظوا ما أنتم به من الخير، واجتهدوا وضعوا أيديكم في أيدي علمائكم وولاة أمركم ودعاتكم، فاحفظوا ما رأيتم من خير وزيدوه، وأنكروا ما رأيتم من شرٍ وأنكروه، وإن الأمن قبل كل شيء هو في النفوس، فمن كان يحمل نفساً آمنة جمع مجتمعاً مؤمناً، ومن كان يحمل نفساً خبيثة جمع مجتمعاً خبيثاً فزعاً، قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فيما يرويه فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: (ألا أخبركم بالمؤمن: من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم) أخرجه أحمد بإسنادٍ صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه). أيها الأحبة: لا نظن أن الأمن الذي نحن فيه هو بأسلحتنا أو بعتادنا أو بجنودنا ودباباتنا، فالأمن من عند الله أولاً، وما تلك إلا أسبابٌ قد سنها الله جل وعلا ثانياً، وإذا كثرت الذنوب وفشت المعاصي وظهرت المنكرات، وسكت الغيورون، وقل الآمرون وتباهى الفجار والمفسدون فلا تسل عن الفساد. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 9} [الروم:41] ويقول جل وعلا: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره، اللهم عليك بالمرجفين والمنافقين، اللهم من أراد بنا في هذه البلاد فساداً، اللهم من أراد بعلمائنا فتنة، اللهم من أراد بولاة أمرنا مكيدة، اللهم من أراد بشبابنا انحرافاً، اللهم من أراد بالفتيات اختلاطاً في الوظائف والتعليم، اللهم أشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واصرفه عنا، وأبعده عن أرضنا يا رب العالمين. اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم اكفنا شرارنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، ربنا لا تشمت بنا عدواً ولا تفرح علينا حاسداً. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر المجاهدين، اللهم فرج هم المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وفرج عن المسجونين أهل الزنازين واحفظ ذرياتهم وأسرهم يا رب العالمين، وانتقم للمظلومين من الظالمين، وعجِّل نصرتك لعبادك المستضعفين يا أرحم الراحمين. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم ارض عن الأربعة الخلفاء؛ الأئمة الحنفاء، وعن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.

قبل بدء الرحيل

قبل بدء الرحيل الرحيل إلى الدار الآخرة لابد منه، ولابد لكل إنسان أن يسكن القبر، وقد أتى الشيخ في هذا الدرس بعدة صور للرحيل المشرق الذي يتمناه كل إنسان مسلم، من تلك الصور: رحيل فاطمة الزهراء ورحيل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً. ثم حذر من سوء الرحيل وسوء خاتمة المرتحل.

وقفة مع الدعوة إلى الله

وقفة مع الدعوة إلى الله الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. من عمل صالحاً فلنفسه، ومن أساء فعليها، إن دين الله ماض، تقهقر من تقهقر، وانحرف من انحرف، وانقلب من انقلب، وضعف من ضعف، وتشاغل من تشاغل، إنها قافلة ماضية، وكما يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة) وهذه الطائفة كما قرر المحققون من أهل العلم، أنها ليست جماعةً معينة، ولا في بلدٍ معين، أو في زمن معين، ولكنهم أتباع الكتاب والسنة، وأتباع السلف الصالح في كل زمانٍ ومكان، فلماذا لا نشرف أنفسنا بالالتحاق والانتساب إلى هذه المسيرة المباركة التي بدأت تاريخها منذ نزل (اقرأ) على نبينا صلى الله عليه وسلم ولم ينته لها تاريخ؛ لأن الحق باقٍ حتى قيام الساعة، بل وبعد قيام الساعة، فإن ذلك دلالةٌ على نصرة الحق وقوة الحق وظهور الحق على من خالفه. أيها الأحبة في الله أدعوكم ونفسي مرةً ومراراً، وسراً وجهاراً، وعوداً وتكراراً أن يحاسب كل واحدٍ منا نفسه، ماذا قدمنا لهذه الدعوة؟ أليس الناس من حولنا وما بيننا وبينهم شيء، فما الذي كلَّ بألسنتنا عن دعوتهم؟ ألسنا نصرف الريالات والعشرات والمئات والآلاف في شهوات أنفسنا، وملذات ذواتنا، فلماذا إذا ذُكرنا بشراء شريطٍ لنهديه، أو كتابٍ لنقدمه دعوةً وحسبةً إلى الله أصبح الثمن غالياً، وأصبح الأمر شديداً وعلى النفس عظيماً، ولما كان في لذة النفس كان أسهل ما يكون؟ إننا نريد أن نكون من أولئك الذين ينفع الله بهم مباركين أينما كانوا. في البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال صلى الله عليه وسلم: (الناس كإبلٍ مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) فنحن نرى اليوم المئات لا تكاد تجد فيهم من يحتسب، ومن يمضي، ومن يدعو، حتى هذا المتحدث أمامكم أول من تشاغل بنفسه وبخاصة أمره عن دعوة ربه، ووالله إنا نقف وإياكم هذا الموقف مقرين بالذنوب، معترفين بالخطأ، مراجعين لأنفسنا، اللهم أنت ربنا لا إله إلا أنت خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، نعوذ بك من غفلتنا عن دعوتنا، نعوذ بك من انشغالنا بأمر أنفسنا واشتغالنا عن ديننا، نعوذ بك من شر ما صنعنا، ونبوء لك بنعمك علينا، ونبوء بذنوبنا فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

الرحيل مصير لا بد منه

الرحيل مصير لا بد منه أعود إلى حديثنا أيها الأحبة! فالحديث نداء قبل الرحيل، وقبل النداء ما سمعناه. ثم -أيها الأحبة- إن مما يدعو إلى الحديث في هذا الأمر: أنك إذا رأيت شيخاً كبيراً قد احدودب ظهره وعشي بصره، فاعلم أنه كان يوماً من الأيام شاباً جلداً نشيطاً قوياً، يرفع الصخر الثقيل، ويتحمل الحمل العظيم، ويمشي المسافات الطويلة، ويكابد المشقة العظيمة، ولكن جلده الليل والنهار بسياط الغروب والإشراق حتى أحدب ظهره وأعشى بصره، وجعله لا يعتمد على قدميه، أضعف بدنه، فانقلبت حاله بعد الصحة سقماً، وانقلب أمره بعد القوة ضعفاً. وإذا رأيتِ -أيتها الأخت المسلمة- عجوزاً قد ذبل خداها، وقد ذبل جنباها، فاعلمي أنها كانت يوماً من الأيام واحدةً من الصبايا التي ربما تغنى الشباب بجمالها، واشتاق العشاق لوصالها، ولكن جَلَدَها الليل والنهار، ومضت عليها السنون والشهور والأعوام حتى صيَّرت حالها إلى ما ترين. فيا معاشر الشباب: ويا معاشر الأخوات! إذا رأينا شيخاً كبيراً أو عجوزاً كبيرة، فلنعلم أن مآلنا رحيلٌ إلى حالهم، أو رحيلٌ عن الدنيا، فإن تركنا الموت ما تركنا الكبر، إن تركنا الموت ما تركنا السقم، إن تركنا الموت ما تركنا المرض، إن تركنا الموت ما تركنا الضعف، إن تركنا الموت ما تركنا الفراق، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني وصححه الحاكم وغيره: (جاءني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس) أعيد هذا الحديث العظيم الجليل، قال صلى الله عليه وسلم: (جاءني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزيٌ به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس) فلا بد من الموت مهما عاش الإنسان مائة أو أقل أو أكثر. سئل الأعشى ميمون بن قيس وقد جاوز المائة ونيف عليها، فقالوا له: كيف وجدت الحياة؟ فقال: المرء يفرح بالحياة وطول عيشٍ قد يضره تفنى بشاشته ويبقى بعد حلو العيش مره وتسوؤه الأيام حتى ما يرى شيئاً يسره كم شامتٍ بي إذ هلكت وقائل لله دره هذه الأيام ماضية، عش ما شئت، مهما طال بك الزمن أو قصر فإن المنايا لا تعرف صغاراً دون كبار، ولا كباراً دون كهول، ولا كهولاً دون أطفال، ولا تعرف المنايا لأحدٍ إلا ما حدد الله لها وآجالاً كتبها الله: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري وكم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر الرحيل الرحيل إذا غربت الشمس، فإنها تقول: الرحيل الرحيل، وإذا يبس النبات فإنه يقول: الرحيل الرحيل، وإذا مرض البدن، فإنه يقول: الرحيل الرحيل، وإذا أفلس التاجر، فإن ذاك يقول له: الرحيل الرحيل، وإذا انتهى الأمر فإنه يقول لك: الرحيل الرحيل. إذا تم شيءٌ بدا نقصه ترقب زوالاً إذا قيل تم توقى البدور النقص وهي أهلةٌ ويدركها النقصان وهي كوامل فإن كنت تبغي العز فابغ توسطاً فعند التناهي يقصر المتطاول الرحيل الرحيل، قد نودي بها صلى الله عليه وسلم، فقال له ربه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. الرحيل الرحيل، نودي بها المؤمنون: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]. الرحيل! الرحيل، نوديت بها الأمة: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185]. الرحيل الرحيل يا عباد الله! فإن هذه الدنيا قد آذنت بصرمٍ وولت حذاءَ ولم يبق فيها إلا صبابةٌ يتصابها صاحبها، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن الدنيا قد أدبرت وإن الآخرة قد أقبلت، إن الدنيا فانية مدبرة وإن الآخرة باقية مقبلة. أيها الأحبة: حديثنا عن الرحيل لا فائدة منه إذا كنا سنستمع لحظة أو نخشع لحظة أو ننكسر لحظة، ثم نعود إلى شهواتنا وملذاتنا ومعاصينا، نقارف المعصية كأننا ما سمعنا خطباً على المنابر، كأننا ما سمعنا مواعظ، كأننا ما قرأنا كلام الله، ولا سمعنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث عن الرحيل -أيها الأحبة- أمرٌ للاستعداد ودعوة للاستعداد، وهل ينفع أن تتحدث الصحف والمجلات والإذاعات والإعلام، هل ينفع أن يتحدث الإعلام مثلاً قائلاً: سيرد على منطقة معينة وباءٌ ومرضٌ معدٍ، ثم يتحدث الناس، ويتناقلون أنباء الوباء، ولا يستعدون للوقاية دونه، ولا يستعدون للاحتياطات من أن يصيبهم شره وبلاؤه، يكون الكلام عن الوباء دون الاستعداد لمقاومته ضربٌ من العبث ولونٌ من الهوس، لكن إذا كان الكلام عن الوباء يعقبه استعدادٌ لمواجهته، فحينئذٍ يكون الكلام نافعاً ومجدياً، وكذلكم الحديث عن الرحيل إذا كان الكلام من أجل أن نستعد فحينئذٍ يكون -بإذن الله- نافعاً يؤثر على هذه النفوس، لا بد من الرحيل. أين نمرود وكنعان ومن ملك الأرض وولى وعزل لا بد من الرحيل، أين الأُلى الذين سادوا وشادوا؟ أين شداد وإرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟ هلك الأمويون فهل أنتم باقون؟ هلك العباسيون فهل أنتم باقون؟ هلك العثمانيون فهل أنتم باقون؟ كل أمةٍ مضت. يبقى الثناء وتذهب الأموال ولكل عصرٍ دولةٌ ورجال لكل زمانٍ أهله ورجاله.

القبر مسكن لكل حي

القبر مسكنٌ لكل حي أيها الأحبة: ما دام من قبلنا قد مضوا وكانوا أشد منا: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] إن أمماً سبقتنا ومضت قبلنا كانت هي أقوى وأغنى منا: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:13] أيستعصي على الله شيء؟ أيقف في وجه الله شيء؟ أيعترض قدر الله شيء؟ أيصد أمر الله شيء؟ إن أمر الله ماضٍ لا محالة. فهذا أيها الأحبة! أمرٌ ونداءٌ واستعداد لهذا الرحيل، فقد مضى قبلنا الأثرياء والملوك والرؤساء، والكبراء والأمراء والوزراء، والفقراء والصعاليك والمساكين، فانتهوا إلى تلك الدار، لا يستوي في شأن القبر واللحد: إن حله داهيةٌ أو أبلهٌ أو معسرٌ أو من له ملكٌ كملك تبع فكل يرد على هذا القبر، وحينئذٍ يتساوى الملوك والعامة، ويتساوى الفقراء والأغنياء، والصعاليك والأثرياء، كلهم تحت الثرى، وكلهم في اللحود، وكلهم ينخرهم الدود إلا من أذن له الله برحمةٍ وعنايةٍ وحفظٍ وكرامةٍ تعجل له كرامته في البرزخ لينظر بعدها إلى كرامةٍ أعز وأعظم من ذلك. أليس الأغنياء لا يأذنون بدخول أحدٍ عليهم إلا بحجُاب وبواب، فأين هم من القطط والكلاب ربضت على قبورهم وبالت على لحودهم دون حاجبٍ ولا مستأذن، ما الذي صيَّر حالهم إلى ذلك؟ إنه الرحيل، إنه الزوال، إنه الفناء، فمن عاش في هذه الدنيا وهو ينظر أنه سيستمر في هذا الضوء ناسياً أن اللحد المظلم ينتظره، فذاك جاهلٌ أحمق، ومن عاش في الدنيا يظن أنه سيتقلب دائماً في السعة ناسياً ضيق القبر، فذاك جاهلٌ أو متجاهل، ومن مضى في هذه الدنيا مستأنساً بهذا الأنس ظاناً أن ذلك سيدوم عليه، ناسياً وحشة القبر وخلوته وانفراده، ناسياً أول ليلةٍ في القبر، وأول وحشةٍ يجدها، وأول ترابٍ يهال على وجهه، وأول حجرٍ يسقط على صدره وبطنه، والناس يحثون عليه الترب في لحده، فذاك غافل. إذا أردت أن تعصي الله فاذكر ذلك الموقف، وتذكر الرحيل، وإذا أردت أن تقعد عن الصلاة مع الجماعة، فاذكر ذلك الموقف وتذكر الرحيل، وإذا زينت لك نفسك أن تمنع الزكاة فتذكر الرحيل، وإذا دعتك شهوتك إلى الوقوع في الزنا فتذكر الرحيل، وإذا دعتك نفسك الأمارة بالسوء إلى المتاجرة بالربا فتذكر الرحيل، قال صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) الموت الموت يا عباد الله! ما ذكر في قليلٍ إلا كثره، ولا في كثيرٍ إلا قلله، ولا في بعيدٍ إلا قربه، ولا في قريبٍ إلا بعده، ولا في حبيبٍ إلا فرقه، ولا في لذيذٍ إلا جعله مراً، لا بد أن نتذكر هذا الأمر؛ لأننا قادمون عليه. إن طائفةً من الناس إذا حدثتهم عن الرحيل، قالوا: ما أسوأ حديثك، ما أشأم حديثك! لا تكلمنا إلا عن المقابر وعن الموت وعن الرحيل، وعن الدود وعن اللحود، هلا حدَّثتنا باللذة؟ هلا حدَّثتنا بالبقاء؟ هلا حدَّثتنا بالأنس؟ صديقك من صدَقك لا من صدَّقك، ولأن تصحب من يخوفك حتى تبلغ مأمنك خيرٌ من أن تصحب من يؤمنك حتى يجعلك في دار المخافة، فلا بد من الرحيل أيها الأحبة. إننا نفجع بأحبابنا وسنفجع يوماً من الأيام بأنفسنا، ستحمل على نعشٍ والناس يتحدثون وأنت محمولٌ على هذا النعش، فحدث نفسك الآن ماذا تقول لك نفسك والغاسل يغسلك؟ وماذا تقول لك نفسك والغاسل يكفنك؟ ماذا تقول نفسك إذا قدموك في المحراب يصلون عليك؟ ماذا تقول لك نفسك والناس يحملونك على أكتافهم؟ ماذا تقول نفسك وقد دخلت بوابة المقبرة؟ ماذا تقول نفسك وقد أسندوك يبحثون عن قبرٍ مناسبٍ لطولك وعرضك؟ ماذا تقول لنفسك إذا سَلوك في القبر سلاً؟ ماذا تقول لك نفسك إذا أهيل عليك التراب، وأخذوا يحثونه حثواً؟

لابد من الاستعداد للرحيل

لابد من الاستعداد للرحيل أيها الأحبة: لا بد أن نستعد، فهذا حديث جبريل العظيم الذي يقول فيه لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم: (عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه) أحبب زوجتك فلابد أن تفارقك أو تفارقها، أحبب مالك فإنك تفارقه أو يفارقك، أحبب وظيفتك فإنك إما تعزل عنها أو تتركها أو تتقاعد منها، أحبب من شئت من ولدٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو منصب أو قريبٍ أو حبيب فلابد من الفراق، وستكون أحوالنا في هذه الدنيا كالأحلام. مرت سنون بالوصال وبالهنا فكأنها من قصرها أيامٌ ثم انثنت أيام هجرٍ بعدها فكأنها من طولها أعوام ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام والله كأنها أحلام، الواحد منا يتذكر الآن وهو يحمل بحقيبته في السنة الأولى الابتدائية، ويتذكر نفسه وهو يركض بشهادته قد نجح من الرابعة الابتدائية، ويتذكر سنين الطفولة، كيف جلدنا الليل والنهار، ومضى علينا: منع البقاء تقلب الشمس وخروجها من حيث لا تمسي وبزوغها صفراء صافية ومغيبها حمراء كالورس هذا الذي قلَّب الليل والنهار، هو الذي قلَّب أحوالنا، فجعلنا ننتهي إلى ذلك. (وأحبب من شئت فإنك مفارقه) إلا عملك الصالح: (يموت ابن آدم فيتبعه ثلاثة: ماله وعمله وولده، فيرجع اثنان، يرجع ماله وولده ويبقى عمله) هل سمعتم أن شباباً أو رجالاً، أو ذكوراً وإناثاً جاءوا إلى العلماء فقالوا: إن أبانا صام خمسين رمضاناً، فاقسم هذا الصيام علينا؟ ذاك عمله ولا يدخل معه فيه أحد، أما المال فاقسموه فيما بينكم. هل سمعتم أن رجالاً ونساءً جاءوا إلى القضاة والعلماء فقالوا: حج أبونا عشرين أو ثلاثين حجة فاقسموا يا أيها العلماء هذا الحج وهذا الاستغفار، وهذه التلاوة، وهذه القراءة، وهذه العبادة، اقسموها علينا، هذا لا يمكن أبداً؛ لأن ذلك عمل، والعمل لصاحبه، أما المال فيقسم بينكم، وأما الولد فيعودونه، فمن ترك ولداً صالحاً فهو من عمله، ومن ترك ولداً ضيعه وأهمله وأسند تربيته إلى الشاشة والأفلام، وأسند تربيته إلى المربيات والخادمات، وأسند تربيته إلى جلساء السوء وإلى قرناء الشارع ليتعلم الألفاظ البذيئة والكلمات التي لا تليق، فحينئذٍ لا يسره أن يكون هذا من عمله أبداً. إذاً فالرحيل لا بد منه أيها الأحبة، الإمام محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف صحيح البخاري أصح كتابٍ بعد كلام الله عز وجل كما أجمعت الأمة، كان جالساً في حلقة درسه والطلاب من حوله يستمعون، فجاءه نعي أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي صاحب السنن فأطرق البخاري، ثم نشج ثم بكى حتى انحدر دمعه وبل خده، وسال على لحيته، فرفع رأسه وهو يقول: إن تبق تفجع بالأحبة كلهم وفناء نفسك لا أبا لك أفجع فهذا شأننا إن كنا أحياءً فيفجعنا موت أحبابنا، موت آبائنا، موت أمهاتنا، موت إخواننا وأخواتنا، موت علمائنا، موت دعاتنا، موت رجالنا، موت المجاهدين فينا، موت الثابتين الصابرين منا: إن تبق تفجع بالأحبة كلهم وفناء نفسك لا أبا لك أفجع فهذه الدنيا يفجع فيها الإنسان وليست بدار لذةٍ أو غفلةٍ دائمة: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] لذا قال صلى الله عليه وسلم يوصي عبد الله بن عمر آخذاً بمنكبه قال له: (كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل) تذكر الرحيل. إن الله عز وجل قد بيَّن أن هذه الدنيا بما فيها كلها متاع، اسألوا أنفسكم لو جاء مسافرٌ إلى موظف الخطوط مثلاً، أو موظف سكة الحديد مثلاً، أو موظفٍ مسئولٍ عن السفر، فقال الموظف لهذا المسافر: أين متاعك؟ ما تظنون المتاع الذي سوف يأتي به هذا المسافر؟ حقيبةٌ صغيرة وثيابٌ قليلة، وأمورٌ يسيرة جداً، ثم يضعها على الميزان ويقول: هذا متاعي، لم يأتِ أحدٌ ببيته ليقول: هذا متاع سفري، ولم يأتِ أحدٌ بسيارته ليقول: هذا متاع سفره، ولم يأتِ بكل أمواله ليقول: هذا متاع سفري، إنما المتاع بلغةٌ من أجل البلاغ والوصول، اسمعوا قول الله عز وجل: وإن كلام الله أوثق شافعٍ وأغنى غناءٍ واهباً متفضلاً وهذا زمان الصبر من لك بالتي كقبضٍ على جمرٍ فتنجو من البلا ولو أن عيناً ساعدت لتوكفت سحائبها بالدمع ليناً وهطلا ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا اسمعوا كلام الله، إن أجمل الكلام كلام الله! إن أطيب الكلام كلام الله! إن ألذ الكلام كلام الله! يأتي الواحد يريد أن يلقي محاضرةً جمع فيها من الكتب فيسمع آيةً من كلام الله تنسف وتعصف كل ما جمعه، أبلغ من هذا كله، وأجمل من هذا كله، وأثمن من هذا كله، فسبحان من كلامه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيمٍ حميد! سبحان من كلامه لا يستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً! أيها الأحبة: يقول الله عز وجل: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14] كل ذلك {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [آل عمران:14 - 15] الجنة خيرٌ من هذا كله، النعيم المقيم خيرٌ من كل ما نتقلب فيه، ولو أُوتينا ألذ الملذات وأطيب الطيبات. في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر لما رأيت موارداً للقوم ليس لها مصادر أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر إذا تأملنا ذلك كله، فإن ذلك أيها الأحبة! يذكرنا برحيلٍ لا بد منه.

صور من الرحيل المشرق

صور من الرحيل المشرق والآن أريد أن أعرض عليكم صوراً من رحيل مشرقة، ثم ربما نتطرق إلى بعض صور الرحيل الخطرة، صور الرحيل المخزية، صور الرحيل الموجعة المفجعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! روى الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا إسماعيل عن يونس عن الحسن عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، فقالت عائشة: يا رسول الله! كراهية لقاء الله أن نكره الموت، فوالله إنا لنكرهه، فقال: لا. ليس بذاك، ولكن المؤمن إذا قضى الله عز وجل قبضه، فرج الله له عما بين يديه من ثواب الله عز وجل وكرامته، فيموت حين يموت وهو يحب لقاء الله، وإن الكافر والمنافق إذا قضى الله عز وجل قبضه، فرج له عما بين يديه من عذاب الله عز وجل وهوانه، فيموت حين يموت وهو يكره لقاء الله، والله يكره لقاءه) هذه مقدمة لمن يحب الرحيل، لمن يستعد للرحيل محباً للقاء الله عز وجل، فإن الله يحب لقاءه، حينما يحب العبد هذا اللقاء؛ لأنه يبشر بروحٍ وريحانٍ، وربٍ راضٍ غير غضبان.

رحيل فاطمة بنت رسول الله

رحيل فاطمة بنت رسول الله روى الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا أبو النظر، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن محمد بن إسحاق، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه عن أمه سلمى قالت: [اشتكت فاطمة -هذه صورةٌ فيها عبرة عظيمة وفيها حث وتشجيع على الاستعداد واليقين والتهيؤ للرحيل الجميل، وما أخص به الأخوات والنساء، وأخص به في ذلك الزوجات والبنات، الأخوات والأمهات، هذه امرأة صحابية ابنة رسول الله، زوجة صاحب رسول الله، زوجة أحد الخلفاء- فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكت شكواها التي قبضت فيها، تقول سلمى: فكنت أُمرضها، فأصبحت فاطمة يوماً كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك، قالت: وخرج علي بن أبي طالب لبعض حاجته، فقالت فاطمة لـ سلمى: يا أمه! اسكبي لي غسلاً، قالت: فسكبت لها غسلاً فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، ثم قالت: يا أمه! أعطيني ثيابي الجدد، فأعطيتها، فلبستها، ثم قالت فاطمة: يا أمه! قدمي لي فراشي وسط البيت، قالت: ففعلت، ثم اضطجعت على الفراش واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها ثم قالت: يا أمه! -يعني: يا أماه- إني مقبوضة الآن، إني مقبوضة الآن، وقد تطهرت فلا يكشفني أحدٌ فقبضت مكانها، قالت: فجاء علي فأخبرته بذلك]. الله أكبر! انظروا كيف يستعدون للقاء الله، يتطيبون للرحيل، يلبسون الثياب الجميلة للرحيل، يعدون الغسل الطيب للرحيل، يستقبلون القبلة للرحيل، يضطجعون السنة للرحيل. الله أكبر! ما أعظم هذه النفوس.

رحيل أبي بكر الصديق

رحيل أبي بكر الصديق رحيل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والحق أن نتحدث قبله عن رحيل محمد صلى الله عليه وسلم: لو كانت الأعمار تبقى لواحدٍ رأيت رسول الله حياً مخلداً ولكن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قضيةٌ كاملة، مسألة كاملة، فصولٍ كاملة، أمورٌ كاملة، موعظة تامة، لا يسعها أن نضمنها وسط هذه الكلمة أو المحاضرة، ولعل الله أن ييسر بلقاءٍ نسمع منكم أو نستمع من أحد إخواننا كلاماً عن وفاة النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها من العبر، ومن أجمل السير، ومن أجل الخبر ما يتدكدك له الصخر. هذا أبو بكر الصديق، صورةٌ من رحيله رضوان الله عليه: كان أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الإثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان ذلك اليوم شديد البرودة، فأصابت أبا بكر الحمى، فحمي خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى صلاة، وكان أبو بكر يأمر عمر بن الخطاب أن يصلي بالناس، والناس يدخلون على خليفتهم وإمامهم، يدخلون على صاحب رسول الله، يدخلون على خليفة رسول الله، يعودونه في مرضه، وهو في كل يومٍ أثقل من الذي قبله، فلما اشتد به الأمر قال لـ عائشة وقد كانت تمرضه مرض موته: [أي يومٍ هذا يا عائشة؟! قالت: يوم الإثنين، قال: فأي يومٍ قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ -الله أكبر يريد السنة حتى في الوفاة، حتى في اليوم الذي مات فيه صلى الله عليه وسلم- قال: في أي يومٍ قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: قبض يوم الإثنين، قال: فإني أرجو ما بيني وبين الليل- يعني: لا أدري لعلي ألقى الله، أو أرجو أن ألقى الله في هذا اليوم فأموت في اليوم الذي مات فيه حبيبي وصاحبي صلى الله عليه وسلم- وعندما اقترب موته رضي الله عنه دعا أبو بكر رضي الله عنه عائشة الحَصَان الرزان أم المؤمنين رضي الله عنها، فأوصاها قائلاً: يا بنية! إنا وُلينا أمر المسلمين فلم نأخذ ديناراً ولا درهماً، ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وإنه لم يبق عندنا من فيء المسلمين قليلاً ولا كثيراً إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير الناضح، وجرد هذه القطيفة، فإذا متُ فابعثي بها إلى عمر، وانظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها، والجفنة التي كنا نصطبغ فيها، والقطيفة التي كنا نلبسها، فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا نلي أمر المسلمين، فإذا مت -يا عائشة - فردي كل ذلك إلى عمر] فلما مات أبو بكر أرسلت عائشة ما عندهم من مالٍ ومتاع إلى عمر، فلما رأى عمر بن الخطاب ذلك كله انفجر باكياً وأخضل الدمع لحيته، وقال: رحمك الله يا أبا بكر! رحمك الله يا أبا بكر! رحمك الله يا أبا بكر! لقد أتعبت من جاء بعدك، وكانت عائشة رضي الله عنها عند رأس أبيها أبي بكر رضي الله عنه وهو يحتضر وتتمثل بهذا البيت: لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا تقولي هكذا يا بنية! ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ثم قال أبو بكر: إذا أنا مت فاغسلي أخلاقي -يعني: ثيابي الخلقة- فاجعليها أكفاناً لي، فقالت عائشة: يا أبتاه! قد رزق الله وأحسن وأعطى خيراً، نكفنك بجديد، فقال: إن الحي أحوج إلى هذا مني، يصون نفسه، إن الحي أحوج من الميت، إنما يصير إلى الصديد وإلى البلى. وتوفي أبو بكر رضي الله عنه يوم الإثنين ليلة الثلاثاء، وهو ابن ثلاث وستين سنة؛ عمره عمر نبيه صلى الله عليه وسلم، ودفن جوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم. ما أجمل هذا الرحيل! وما أجمل هذا الفراق! وما أجمل هذا الإعداد! وما أطيب هذا الاستعداد! نفوسٌ أيقنت بالموت فاستعدت له.

رحيل عمر بن الخطاب

رحيل عمر بن الخطاب هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه رحيلٌ في عبادة رحيلٌ في صلاة رحيلٌ في سجودٍ وخشوعٍ وركوع، لما طعن عمر رضي الله عنه في صلاة الفجر وهو يؤم المسلمين طعنه أبو لؤلؤة المجوسي حمل عمر رضي الله عنه إلى داره، فقال: الصلاة -نعم. لا حظ لامرئٍ في الإسلام أضاع الصلاة، فصلى والجرح يثعب دماً، فجاء الصحابة بطبيبٍ يداويه، فسقاه لبناً فخرج اللبن أبيضاً من جرحه، فقال الطبيب: لا أراك إلا مودعاً، فأوصِ إن كنت موصياً، وافعل ما كنت فاعلاً، فقالت أم كلثوم: وا عمراه، وكان معها نسوةً فبكين معها، وارتج البيت بكاءً، فقال عمر: والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع. رحيلٌ في الصلاة، ومع ذلك يخشى من هول المطلع، ومن سوء المفزع، ومن عاقبة الأمر، يخشى من إقباله على الله، وهو عمر الذي بشر بالجنة، عمر الذي ما سلك وادياً إلا سلك الشيطان وادياً آخر، عمر الذي فتح الله به البلدان، ومصر به الأمصار، ونشر به الإسلام، عمر الذي نزل القرآن والوحي موافقاً لقوله ولرأيه، يقول: [والله لو أن لي ما على الأرض من شيء لافتديت به من هول المطلع]، فكان عمر وهو يحتضر ينادي ولده عبد الله، فقال: [ادن يا عبد الله! اذهب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقل: عمر بن الخطاب يقرأ عليك السلام، ولا تقولن: أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين بأمير، يقول: قل لها: عمر يستأذن ولا تقل له: أمير المؤمنين يستأذن، قال: ثم سلها أن أدفن مع صاحبيَّ -يعني: مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر - قالت عائشة: رضي الله عنها لما جاءها عبد الله بن عمر فطرق الباب ودخل عليها، فقال: يا أم المؤمنين! يا أمه! إن عمر بن الخطاب يقرئك السلام، ويقول: إن أذنت لي أدفن مع صاحبيَّ، فقالت عائشة رضي الله عنها: كنت أريده لنفسي -كانت تريد أن تدفن بجوار زوجها، بجوار نبيها، بجوار حبيبها، بجوار أبيها، ولكن هذا هو الإيثار، ولكن هذا هو الكرم، ولكن هذا الإيمان العظيم الذي جعلها تعرف مكانة عمر في دين الإسلام، وتعرف مكانة عمر من رسول الله، وتعرف مكانة عمر من أبيها أبي بكر الصديق - قالت: كنت أريده لنفسي، فوالله لأؤاثرن ابن الخطاب اليوم على نفسي، فلما أقبل عبد الله بن عمر راجعاً إلى أبيه عمر، قال له عمر: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين، فقال عمر: ما كان شيءٌ أهم إليَّ من ذلك المضطجع] حي ذاك المضطجع، وحي ذاك المكان، وحي تلك التربة التي ضمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضمت صاحبه أبا بكر، وضمت عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، ما أطهرها وما أطيبها! إلا أنها لا تنفعنا من دون الله، ولا تدفع عنا شيئاً من دون الله، ولا تدفع قدراً من أقدار الله، لكننا نحب ذاك التراب، ونحب أجساداً طيبةً طاهرةً عطرةً من أهل الجنة في ذاك التراب، لكننا لا نعتقد أنها تفرج الكربات، أو تفرج النكبات، أو تجيب الملهوفين، أو تسمع الإغاثات، فذلك توحيدنا الذي أمرنا به حبيبنا، وبقي عليه خليفة رسولنا، وثبت عليه الخلفاء والأئمة بعده. قال عمر: [ما كان شيءٌ أهم إليَّ من ذلك المضطجع، فإذا قبضت فاحملوني، ثم سلموا، ثم قل: يستأذن عمر بن الخطاب -مرة أخرى- فإن أذنت لي فادفنوني وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين] ردوني إلى مقابر المسلمين، يقولها عمر الذي كسر كسرى وقصم قيصر بأمر الله والجهاد، يقول: [إن أذنت فادفنوني وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين]. فولج شابٌ من الأنصار وهذه صورة: اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قومٌ ليس يدرون الخبر صورةٌ عظيمة، صورة جليلة، صورةٌ للدعوة، صورةٌ للحسبة، صورةٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عمر بن الخطاب يدعو وينصح ويحتسب ويأمر وينهى وهو على فراش الموت: ولج عليه شابٌ من الأنصار، فقال الشاب: [أبشر -يا أمير المؤمنين- ببشرى الله لك، لقد كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت، ثم استخلفت فعدلت، ثم شهادةٌ في سبيل الله بعد هذا كله، فقال عمر رضي الله عنه: ليتني -يا بن أخي- أرد على الله كفافاً لا عليَّ ولا ليَّ، فلما أدبر الفتى نظر عمر إلى ثوبه، فرأى إسبالاً في ثوبه، فقال: ردوه عليَّ، فلما عاد، قال عمر بن الخطاب: يا بني! ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك]. وعند خروج روح عمر رضي الله عنه كان رأسه في حجر ولده عبد الله بن عمر، فقال عمر: [ضع خدي على الأرض، فقال عبد الله بن عمر: يا أبتِ! وهل فخدي والأرض إلا سواء، فقال عمر: ويل عمر إن لم يرحمه ربه، ضع خدي على الأرض لا أم لك في الثانية أو في الثالثة، ثم شبك بين رجليه رضي الله عنه، فسمعته يقول: ويلي وويل أمي إن لم يغفر الله لي حتى فاضت نفسه وهو يذكر الله ويشهد أن لا إله إلا الله]. الله أكبر! الله أكبر! إقبالٌ على الله واستعدادٌ للرحيل، وإعدادٌ بزادٍ عظيم، ومع ذلك يخشون عاقبة عظيمة.

رحيل عثمان بن عفان

رحيل عثمان بن عفان وصورةٌ أخرى من صور الرحيل لأولئك الذين يودعون وهم يقرءون كلام الله، يقرءون كتاب الله، فذلك شأن عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، فقد أصبح عثمان يحدث الناس، يقول عثمان: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أفطر عندنا يا عثمان) فأصبح عثمان صائماً وقتل من يومه، حيث اجتمع أصحاب الفتنة، اجتمع الذين أشعلوا الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه حول بيته يريدون قتله يوم الجمعة، وهو صائم عند صلاة العصر، وهو جالسٌ في بيته يقرأ القرآن فدخلوا عليه وضربه أحدهم (بالمشاقص) فقال عثمان: باسم الله توكلت على الله، فإذا الدم يسيل على وجهه ويسيل على لحيته، والدم يتقاطر على مصحفٍ كان بين يديه يقرأ فيه، فاتكأ من شدة الضربة على شقه الأيسر، وهو يقول: سبحان الله العظيم! وهو يقرأ في المصحف والدم يسيل على المصحف حتى وقف الدم عند قوله: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137] فأطبق المصحف ثم حملوا عليه وضربوا عثمان ضربةً واحدة، فمات رضي الله عنه مقتولاً شهيداً كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قال النبي فيما مضى يوم أن كان النبي جالساً عند بئره، فدخل أبو بكر وكان أحد الصحابة حارساً، فقال: (ائذن له وبشره بالجنة، ثم استأذن عمر، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم استأذن عثمان فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه) وهذه هي البلوى التي ابتلي بها عثمان رضي الله عنه.

رحيل علي بن أبي طالب

رحيل علي بن أبي طالب وتلك صورةٌ خامسة من صور الرحيل الجميل، في صلاة، في عبادة لخليفة من خلفاء الإسلام، ذلكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، خرج الإمام علي لأداء صلاة الفجر في المسجد وهو يردد بين نفسه: شد حيازمك للموت فإن الموت لاقيك ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يتمثل بهذا البيت كأنه نبئ أنه سيقتل بعد قليل، وكان في طريقه خارجاً من بيته إلى المسجد، وهو ينادي بين الفينة والأخرى: أيها الناس! الصلاة الصلاة علي بن أبي طالب خرج من بيته يلتفت إلى البيوت يلتفت إلى الأزقة يصيح في الراقدين النائمين: أيها الناس الصلاة الصلاة، ومعه درته يوقظ بها الناس، فجاء ابن ملجم ومعه سيفٌ ومعه صاحبٌ فأقبل تجاه علي فضربه ضربةً في جبهته حتى وصل دماغه، فصاح علي رضي الله عنه: لا يفوتنكم الرجل، فأمسكهما الناس من كل جانب، وأمسك ابن ملجم، فقال علي: [قد ضربني فأحسنوا إليه، وألينوا فراشه، فإن أعش فهضمٌ أو قصاص، وإن أمت فعاجلوه، فإني مخاصمه عند ربي عز وجل] ولما مات كان قبل أن يموت أوصى بنيه ثم نطق بلا إله إلا الله، ومات وتشهد عليها رضوان الله: عزاءٌ فما يصنع الجازع ودمع الأسى أبداً ضائع بكى الناس من قبل أحبابهم فهل منهم أحدٌ راجع عرفنا المصائب قبل الوقوع فما زادنا الحادث الواقع فدل ابن عشرين في قبره وتسعون صاحبها رافع وللمرء لو كان ينجي الفرار في الأرض مضطربٌ واسع ومن حتفه بين أضلاعه أينفعه أنه دارع وكل أبيٍ لداعي الحِمام إن يدعه سامع طائع يسلم مهجته سانحاً كما مد راحته البائع ولو أن من حدثٍ سالماً لما خسف القمر الطالع وكيف يوقى الفتى ما يخاف إذا كان حاصده الزارع هذا الرحيل يا معاشر المؤمنين! هذا الرحيل أيها الغافلون! واللحود المنازل بعد الترف واللين، والأعمال الأقران، فاعملوا ما يزين، والقيامة تجمعنا وإياكم، وتنصب الموازين، والأهوال العظام، فأين المتفكر الحزين؟!: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام:134] اللهم اجعلنا ممن أفاق لنفسه، وفاق بالتحفظ أبناء جنسه، وأعد عدةً تصلح لرمشه، واستدرك في يومه ما ضيع في أمسه. أيها الأحبة: الرحيل الرحيل لا بد منه، فأين نحن من الاستعداد لهذا؟!

وقفة مع الرحيل المر

وقفة مع الرحيل المر ومن الصور المخزية للرحيل المخزي صورٌ لا تحصر ولا تنتهي، من شبابٍ رحلوا إلى الخارج، لأجل ماذا؟ ألكعبةٍ يطوفون بها؟ أم لمسجد رسول الله فيصلوا فيه، ليجدوا أجر ألف صلاة؟ لا والله، سافروا إلى الخارج فعاقروا الخنا ووقعوا في الزنا فعادوا محمولين بالتوابيت، عادوا محمولين موتى، كان آخر عهدهم من الدنيا أن شهدت عليهم جوارحهم بالزنا والمعصية والفاحشة، وكأني بجوارحهم تقول: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت:22] {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65]. صور عديدة ممن يموتون وقد أعدوا للرحيل عدة يغلون بها في القبور، ويحاسبون عليها، ويقفون بها طويلاً يوم الحشر والنشور، أموالٌ ربوية، أرصدة ربوية، معاملات ربوية، معاملات محرمة، كثيرٌ استعد للرحيل، ولكن بهذه الأموال المحرمة، وآخرون استعدوا للرحيل ولكن بالتجارة المحرمة، وآخرون استعدوا للرحيل ولكن جمعوا في بيوتهم من أشرطة الملاهي، وأشرطة المعازف، والصور الخليعة والأفلام الماجنة، ما لو ماتوا في حينها وهي عندهم، لكان أعظم الخزي والعار، أن يلقوا الله عز وجل وتلك في بيوتهم، أيأمن الواحد على نفسه أن يموت ميتةً ثم ينبش متاعه، ويحرز ما خلفه، ويفتش وينقب عما في بيته، فإذا به يموت وقد ترك تركةً فيها مائة شريط من الغناء، ومائة شريط من أفلام الفيديو، ومائة مجلة من المجلات الخليعة، وله كذا وكذا من أسهم البنوك الربوية، وله كذا وكذا من الحرام، سبحان الله! أين الاستعداد؟ وأين الإعداد لهذا الرحيل؟ نداءٌ قبل الرحيل إلى كل من أكل الربا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه). نداءٌ قبل الرحيل إلى كل من أكل الربا، فإن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278 - 279]. نداءٌ قبل الرحيل إلى الشباب الذين غرهم ترف الثياب، وغرهم المأكل والمشرب، وغرهم أنهم يصبحون ويمسون في لهوٍ وغفلة، وفي أمنٍ وعافية، نداءٌ لهم: يا معاشر الشباب! عودوا إلى الله لتكونوا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، ورجلٌ قلبه معلق بالمساجد، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه) حتى نكون -أيها الشباب- ممن ينشئون في ظل الدعوة، وفي ظل الإيمان، وفي ظل القرآن، وفي ظل الإحسان. نداءٌ قبل الرحيل أن نستعد قبل أن نموت، أن نستعد قبل أن نغسل ونكفن ونحمل. اللهم اجعلنا ممن يستعدون للرحيل على أحسن حال، اللهم اجعل يوم موتنا وساعة قبض أرواحنا أجل عبادة ترضيك، أنفس عمل يرضيك عنا يا رب العالمين. اللهم ثبتنا على طاعتك ولا تخزنا بمعصيتك، اللهم استعملنا في طاعتك، اللهم تجاوز عنا واستر ذنوبنا وعيوبنا، واغفر اللهم زللنا وإسرافنا وحوبنا. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

الأسئلة

الأسئلة

الشباب مهددون في عقيدتهم

الشباب مهددون في عقيدتهم المقدم: أحد الإخوة يطلب من الشيخ أن يذكره بقصيدة مطلعها: (يا نائم الليل كله) بما فيها من عبر، ولعل الشيخ إن شاء الله ما عنده مانع، لكن قبل هذا بعض الإخوة أرسل لي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرجو منك بعد صلاة العشاء أن تتحدث عن بعض الخطأ في العقيدة وخطر السحرة، نرجو ذلك وجزاك الله خيراً. الشيخ: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، الحقيقة أنها ليست قصيدة هي مقولة حفظتها من عجوز من العجائز الصالحات وذكرتها في شريط نساء لم يذكرهن التاريخ، وأقول ولا فخر: أسأل الله أن يجعل آباءنا وأمهاتنا وجداتنا وإياكم جميعاً في جنات النعيم، أنها جدة أم لأبي، كانت إذا أيقظتنا لصلاة الفجر، وفي آخر عمرها طبعاً كانت مقعدة تزحف على يدين وركبتين إلى الحمام آخر الليل فتتهجد، وحتى لا يسمع الرجال أو المارة في السوق، البيوت القديمة صوتها كانت تصفق حتى تستيقظ الوالدة ثم يستيقظ الوالد ثم يقوم لصلاة الفجر، فإذا نزلنا بعد الوضوء أول ما نبدأ نسلم عليها قبل أن نخرج إلى المسجد ونقبل رأسها، فتنظر إلينا نظرة كلها عتاب، وتقول: طول الليل وأنتم في نوم ما تستيقظون قبل الفجر بقليلٍ حتى تصلوا ما كتب الله، ثم تردد هذه الكلمات وربما كانت أبياتاً عامية أو نبطية، تقول: يا نايم الليل كله ترقد ولا فيك عله لزماً تزور المقابر وترقد الليل والنهار كله فعلاً هي كلمة مؤثرة، تقول: أنتم تنامون الليل كله ولا فيكم بلاء ولا فيكم علة، ولا فيكم سقم، لكن سيأتي عليكم يوم وبعده تنامون في المقابر ليلاً ونهاراً وليس فيكم أي علةٍ إلا علة الموت العظيم.

دعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة

دعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة Q الأخ يقول: هل لي من كلمةٍ للدعاة أن يدعوا الناس إلى العقيدة الصحيحة والتحذير من كل ما يضادها؟ A هذا كلامٌ جميل أخي العزيز! ولا فائدة من الوعظ والخطابة والمحاضرات والندوات إن لم تؤسس على معتقدٍ صحيح، وعلى منهجٍ حنيفيٍ جليٍ واضح، حتى لا نكون ممن قال الله فيهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] وإنك لتعجب حينما تزور بلداناً فيها أعمال شركية، وإذا تأملت عقائد القوم وجدتهم يخلطون ويعتقدون أن أصحاب القبور ينفعون أو يدفعون، يعتقدون أن الأولياء يسمعون، يعتقدون أموراً لا ترضي الله عز وجل، يعتقدون أموراً تنافي أو تقدح في كماله، فحقٌ علينا جميعاً وعلى كل طالب علم، وعلى كل رجلٍ وامرأة وفتى وفتاة أن تعتني بأمر التوحيد، ونحن -ولله الحمد والمنة- قد أكرمنا الله بدعوة الإمام المجدد، لكن لا يعني أن ذلك ضمان ألا يقع الشرك في بلادنا، كيف وقد غُزينا غزواً جلياً واضحاً بهذه القنوات والبث الفضائي والأقمار الصناعية بالدعوى الصريحة إلى الشرك بالله عز وجل، في مدينة من المدن المجاورة كنت في أحد الفنادق، فإذا بقناةٍ من القنوات تبث صورة لشاب أو مقطعاً لشاب صغير قد لدغت أخته من قبل حية، فلما لدغت أخت الطفل من هذه الحية هرب الطفل يركض إلى معبد في البيت وأخذ ينحني ويصلي ويدعو وينحني ويصلي، ويقول: إن لم تشف أختي فلن أعود إلى الصلاة لك أبداً، ولن أؤمن بك، ولن أعتقد بك أبداً، ثم عاد مرةً أخرى فوجد أن أخته قد سلمت وقامت تضحك بين الأطفال، وذلك في برنامج أطفال، فعاد الطفل وأخذ ينحني لهذا الصنم ويشكره ويقول: سأبقى ما حييت مصلياً لك، ولا أتركك أبداً. هذه دعوة صريحة للشرك، اليوم الأطفال يغزون بالشرك، يغزون في عقائدهم، الدعوة إلى الشرك من خلال أفلام كرتون، أن يخيل للطفل أن لله جسماً معيناً، أو شكلاً معيناً، الدعوة إلى عقائد المانوية، القول: بإله النور وإله الظلمة. الشر كثير يا إخوان، فكما تفضل الشيخ لا يكفي أن نتحدث على المنابر، أيضاً المجالس، كل الحاضرين الآن سوف يفرقون إلى مجالس منها مجالس عائلية، مجالس صداقات وعلاقات، فلماذا لا ننتبه؟ لماذا لا نحصر ما هي الملاحظات التي بدأنا نلاحظها على أطفالنا، فنتناصح بها ونوصي بها المدرسين. مدرسة من المدارس يقول أحد الأطفال فيها: إن طفلاً تغيب عن المدرسة يومين، فقال المدرس للطالب: أين كنت يا فلان؟ قال: والله مات عمي ومات خالي، فقال المدرس: اقرءوا الفاتحة مرتين، مرة على روح عم زميلكم ومرة على روح خال زميلكم. يا إخوان! الغزو في الداخل وفي الصميم لا أحد يستطيع أن ينكر هذا الكلام، فلا سبيل إلى علاجه إلا بماذا؟ أنغطي السماء بشراع؟! لا يمكن، الغزو داخل، لكن الحل هو الوعي والتنبيه واليقظة والمناصحة والتتبع، والله -يا إخوان- لو وصل الأمر إلى أن الواحد يأخذ قائمة بالأسئلة المتعلقة بالعقيدة ويسأل أولاده واحداً واحداً، كما كان الأولون كانوا بعد صلاة العصر والفجر ويقولون: تعال نعلمك الدين، من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ بأي شيءٍ تعرف ربك؟ سؤال مفصل وأسئلة جزئية في العقيدة؛ لأن الناس على خطر، وكانوا حديثي عهد في الجاهلية، في جهل، فالآن الجاهلية قد أطبقت عبر أقراص الكمبيوتر، أحد الطلاب جاء إليَّ من فترة في الكلية، فأخرج إليَّ صوراً استخرجها من شاشة الكمبيوتر الذي يعمل به، صور كنيسة، وصور صليب، وصور قداس، وصور شمعدان، وصور وصور كلها متعلقة بالكنائس، فاليوم الغزو يأتيك في قرص ديسك كمبيوتر، الغزو يأتيك من خلال البث الفضائي، يأتيك من مدرس صاحب مدرسة أهلية -سامحه الله- يستقدم ما هب ودب من الذين لا يعرف عن عقائدهم شيئاً، أنا لا أتهم كل من جاء إلى هذه البلاد، فيهم خير عظيم وفيهم غَيرة للدين إن شاء الله، لكن أيضاً ليست القضية أن نبحث عن أرخص مدرس أياً كانت عقيدته، ثم نخليه يدرس أبناءنا، وبعد ذلك يعلمه أموراً تخالف العقيدة. أيضاً هذه من المداخل الخطرة، ولعل الله عز وجل لو نتعاون مع بعض الشباب ومن يستطيع أن نتعاون وإياه لكي نحصر الملاحظات والمشاهدات التي بدأنا نراها على الأطفال والناس في مسائل العقيدة، حتى يؤلف فيها كتيب ويوزع وينشر، وتلقى في محاضرات ودروس وندوات، من أجل تنبيه الآباء لأبنائهم والأمهات لأبنائهن وبناتهن.

حكم تقديم الأجرة عمن يحلق لحيته

حكم تقديم الأجرة عمن يحلق لحيته Q شخص حضر إلى أناسٍ وهم يحلقون لحاهم، ثم حاسب عنهم (أي: أجرة حلاقة اللحى). فهل عليه إثمٌ مع أنه لم يرض بذلك؟ A أعوذ بالله! لا حول ولا قوة إلا بالله! لا بالله يا أخي الكريم، أنت تدفع أجرة الحجام أو الحلاق الذي حلق لحاهم، لا شك أن الذي حلقت لحيته آثم، أسأل الله لنا وله الهداية، لمخالفة صريح أمر النبي صلى الله عليه وسلم: (وفروا اللحى، اعفوا اللحى، أكرموا اللحى) ولا شك أن الحلاق آثم، ولا شك أن صاحب المحل الذي فتح محل الحلاقة آثم فليتق الله، ولا شك أنك أثمت بهذا سامحك الله وعفا عنك، ولكن تصدق بمثلها فإن الحسنات يذهبن السيئات، وانظر أولاً إلى نفسك فاعف لحيتك بارك الله فيك.

حكم الزواج من مال الزكاة

حكم الزواج من مال الزكاة Q شابٌ يريد الزواج ولكن إمكانياته ضعيفة، وعند الذهاب إلى الجمعية الخيرية وجد زكاة أموال. فهل يجوز أخذ الزكاة من هذه الجمعية؟ A إذا كان فقيراً يستحق الزكاة يأخذ، وإذا كان غير فقير فلا يأخذ، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله) فلتنظر إلى نفسك إذا لم تستطع. فكذلك علينا جميعاً أن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للخير والتعاون على البر والتقوى في أن نجتهد من المغالاة في المهور، وأن نبتعد عن البذخ والتبذير، وعن تجهيز البيوت بالأثاث الكبير الفاخر، فإن هذا مما يسبب عرقلة في الزواج، وكثرة العوانس، وقلة المتزوجين، وفي النهاية يؤدي إلى كثرة الشر والفساد نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. (أجاب على السؤال شيخٌ آخر).

حث على التبرع للمجاهدين

حث على التبرع للمجاهدين Q نرجو من فضيلة الشيخ حث الناس على التبرع للمجاهدين؟ A يا إخوان: أبشركم ببشارةٍ وربما بلغتهم وهي أن معركة حمي وطيسها وأكرم الله بها إخوانكم المجاهدين وخاصةً شباب العرب في البوسنة وقتلوا فيها مائة صربيٍ على بكرة أبيهم، وذلك من فضل الله عز وجل، والمعنويات مرتفعة، والوطيس قد حمي واشتد، والأمر على أشده في مواقع عديدة وليس في مواقع، في جراتزا وفي بنتسا، وفي سربنتشا وفي سراييفوا وفي مستار، وفي بهاتش، وفي مناطق كثيرة، فأدعو إخواني ألا ينسوا قضايا إخوانهم المسلمين، ولعل من بركات هذه المحاضرات والخير الذي نجنيه منها بعد الجلوس والاشتغال بالطاعة عن المعصية وسماع الحق عن الباطل، ورجاء أن تحفنا الملائكة ويذكرنا الله في ملئه الأعلى، وتغشانا السكينة، ولعلنا أن نكون ممن يقال: انصرفوا مغفوراً لكم، من بركات ذلك أن نتعاون على التبرع والدعم والإعانة لإخواننا المجاهدين، وسيقف على أبواب هذا المسجد في جميع الأبواب عدد من الإخوة يجمعون التبرع الذي تجود به النفوس، فإن ذلك مما يذكي الأمر ويجعل الجهاد مستمراً يقول الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:14]. يا أخي الكريم لا تبخل ولو بريال واحد، ما يدريك أن الريال هو الرصاصة التي تقتل قائداً من قواد الصرب، أو قائداً من قواد الظلمة والفجرة الذين يتآمرون على الإسلام والمسلمين، فينبغي ألا نكف عن البذل في سبيل الجهاد، وفي سبيل الدعوة، وفي سبيل أن تبقى هذه الشعلة القوية من الإيمان والخير والحماس في دين الله والجهاد مضيئة، الآن أعداء الإسلام يريدون أن يطفئوا روح الجهاد من الناس ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، حاولوا بالنظام العالمي الموحد، وحاولوا، وحاولوا، وأصبحت تعتبر جريمة تدخل -كما يسمونها- تدخل في شئون دول أخرى، وإذا استبيح شعب بأكمله كما حصل للشيشان لا أحد يستطيع أن يقول شيئاً؛ لأنها تسمى قضية روسية داخلية، لكن نحن نستطيع أن نفعل شيئاً وهو الدعاء السلاح الخطير، والأمر الثاني هو: البذل والتبرع، فإن الله ينفع بهذا نفعاً عظيماً، وكلنا جرب أثر النفع في أفغانستان يوم أن كانوا يجاهدون، ولما حصل ما حصل من الفتنة، واشتغل القوم بأنفسهم وببعضهم انصرف الناس عنه، وذلك دليل على أنه فيما مضى كانوا فعلاً يجاهدون، يريدون الشيوعية وسحقها وتدميرها، فلما انتهت ولم يكن الأمر بعد جلياً واضحاً نقياً في نفوسهم التفت الناس عنهم وانصرفوا. يا أحبابنا: أنا أقول أيضاً: لا تنسوا الأرامل واليتامى والمعوقين والمجروحين وستجدون على الأبواب من يجمعون التبرعات لإخوانكم المسلمين في البوسنة، وهذه التبرعات ستكون بواسطتي وأنا عضو مسئول في الهيئة العليا لمسلمي البوسنة مصرح لي بالجمع، حتى لا يقول أحد: من أنت؟ وما هو دورك؟ فلا أحد يخشى من قضية جمع التبرعات، أنا مسئول عنها بمحضر بين ثلاثة توقع وتسلم للهيئة العليا.

خطر الفضائيات

خطر الفضائيات Q قصاصة يبدو أنها من جريدة الرياض مجيباً عن زاوية ميادين خطر الفضائيات، يقول: تابع الآلاف من المشاهدين في الخليج خلال أيام العيد وعبر إحدى المحطات الخليجية عرضاً غنائياً هزيلاً لأحد المطربين اللبنانين يدعى علاء زلزلة -زلزل الله رأسه- وقد فوجئ المشاهد من خلال ذلك العرض السيئ وهو منقولٌ كما يبدو من أحد مهرجانات تستورا في لبنان، فوجئ بسابقةٍ غريبة على التقاليد المتبعة والمرعية في أكثر العروض والحفلات العربية، بل إنني لا أبالغ إن قلت إن تلك السابقة تعد شاذةً تتنافى وتتعارض مع القيم والأعراف والعادات والتقاليد العربية، وأظن أن أحداثها المشينة لم تحدث حتى للمطرب الأمريكي المعروف بحركاته الهستيرية الغريبة مايكل جاكسون. A أيها الأعزاء إن ما حدث خلال الوصلات الغنائية لذلك المطرب وأكثر الخليجين شاهده على الشاشة التي يصلها إرسال المحطة المذكورة هو قيام عشرات الفتيات بتقبيل المطرب واحتضانه تماماً كما تظهره بعض اللقطات السينمائية المغرقة في إسفافها وإسقاطها السيئ، والغريب في تلك المشاهد المشينة التي نقلها العرض التلفزيوني الخليجي المخجل أن عائلات بأكملها ومعهم عائلهم قد قاموا بنفس العمل دون أي اكتراث لمشاعر المشاهد أو المجتمع العربي المحافظ. ونقف عند ذلك، طبعاً هذا الكلام يقولون: كلنا مسئولون عن خطر الفضائيات، في زاوية ميادين تناول الزميل فلان موضوع المحطات الفضائية تحت عنوان: خطر الفضائيات، وناقش فيه سلبيات بعض هذه المحطات، وتعقيب الأخ فلان من الجهة الفلانية جاء مجيباً عن كثير من التساؤلات، مؤكداً أن رب الأسرة هو المسئول الأول عن مواجهة أي خطر تربوي يمكن أن يداهم أسرته، هذا ما قالته رسالة الأخ في التعقيب المذكور: المكرم محرر الرأي للجميع المحترم: السلام عليكم، تعقيباً على موضوع خطر الفضائيات قرأت في (الرياض) يوم السبت 21/ 12/1415هـ موضوع ما حدث من إحدى القنوات الفضائية ويعتب كثيراً ويقول: ما ذنبنا وذنب بناتنا ونسائنا؟ فأقول: إن معظم الذي يقع عليك أنت وأنا أو هو، حيث سهلت دخول مثل هذه القنوات إلى بناتك ونسائك، ثم تطلب لأهل الفتن والشر أن يتأدبوا؛ كيف يكون ذلك؟ كلام جميل، ثم إنك وقد شاهدت بنفسك ما يغطي جميع الفضائيات، فبم خرجت من فائدة؟ إلا بمثل ما ذكرت، وأي شيءٍ يكون شره أكثر من خيره، لا ينبغي لعاقل أن يستخدمه فكيف ولعائلته التي هو مسئول عنها؟! ولقد خلق الإنسان لأمرٍ جليل. قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل فنريد منك ومن أمثالك الغيورين خطوات إيجابية لمواجهة مثل هذا الأمر الذي لا يتطلب منا التنظير الكلامي، بل العمل على إصلاح أنفسنا وبيوتنا ولا نسعى إلى نقل فساد الآخرين إلى منازلنا. وأقول أيضاً: بل وإخراج هذه الأجهزة أيضاً؛ لأن الإنسان الذي يريد السلامة من الشر لا يقوم بفتح باب النافذة والباب للشر، ثم يقول: لماذا تأتون لنا بهذه الأمور؟ أو تفعلون ما تفعلون، الذي عليك أن تغلق بابك دون الشر وأن تحسن تربية أولادك، ثم بعد ذلك لا أظن أن الإنسان -بإذن الله- إذا اتخذ التدابير اللازمة سوف يقع. وبالمناسبة لا تظنوا أن من ركب هذا الدش أنه يقع في ذلك، أحمد الله وأبشركم، من فترة برسالة خطية كتبها أحد الشباب إلى رجل كان في بيته دشين فأرسل الدشين إلينا في المسجد كاملةً وأرسل (الرسيفرات) المستقبلات والأجهزة كلها، وقال: كسروها فأنا تائبٌ بريءٌ منها، مع أنه اشتراها بمبالغ فوق ثلاثين ألف ريال، فلا تتصور -يا أخي- أن من وضع دشاً أنه ما عاد هناك أمل أن يتوب ويستغفر، لكن لو أنت كتبت رسالة، يعني: هذه الرسالة التي كانت سبباً في توبته، كان قبلها تسع رسائل مهدت الطريق، فجاءت الضربة القاضية في الرسالة العاشرة التي جعلته يستجيب بإذن الله عز وجل، فلا تتردوا في النصيحة، بالكلمة بالشريط بالرسالة الطيبة، ولعل الله ينفع الجميع. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفينا وإياكم من شر الذنوب والمعاصي. وفي الختام نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيدنا في هذه المجالس مراراً وتكراراً مع علمائنا ودعاتنا، إنه على كل شيءٍ قدير، واجعلنا من المقبولين.

كفى بالموت واعظا

كفى بالموت واعظاً بدأ الشيخ هذه المادة بذكر قصة الرجل الذي مات في خطبة الجمعة في المسجد الذي كان يخطب فيه، وجعل هذه القصة منطلقاً لوعظ الناس وتذكيرهم بالموت، وأهمية الاستعداد له؛ مدعماً ذلك بآيات من كتاب الله وأبيات من الشعر.

قصة الذي مات أثناء خطبة الجمعة

قصة الذي مات أثناء خطبة الجمعة الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يكفره، نرجو رحمته ونخشى عذابه، إن عذابه الجد بالكفار ملحق، له الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، لله الحمد كما هو أهله، لله الحمد والثناء حتى يرضى، خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وأوانا، ومن كل خيرٍ سألناه أعطانا، نشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، شهادة نرجو الثبات عليها والممات عليها حتى نلقاه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر الأحبة: القلوب بطبعها ميالة إلى اللهو والعبث، والمرح والغفلة ما لم يكن من الإنسان دافعٌ لمجاهدتها وتذكيرها وتخويفها، والإمساك بزمامها وخطامها: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم فخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم ولا تطع فيهما خصماً ولا حكماً فأنت تعرف كيد الخصم والحكم أيها الأحبة في الله: لم نجد واعظاً للقلوب كالموت، ولم نذكر زاجراً عن الذنوب كالموت: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34] {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154]. أيها الأحبة في الله: هادم اللذات، مفرق الجماعات، ميتم البنين والبنات: الموت: هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها وعل الردى مما نرجيه أقرب ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخرب الموت -يا عباد الله! - ما ذكر في كثيرٍ إلا قلله، ولا في شيء إلا بيَّن حقيقته، ولله الحكمة البالغة. أيها الأحبة في الله: في الجمعة الماضية أثناء ما كنت أخطبكم على هذا المكان، وأنتم تستمعون في هذا المكان، دخل ملك الموت في هذا المسجد، وتخطى صفاً واحداً واثنين وثلاثة وأربعة حتى بلغ الصف السادس أو السابع من آخر هذا المسجد، وقبض روح عبدٍ من عباد الله كان شاهداً الصلاة والخطبة معنا، الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! لا إله إلا الله! لا إله إلا الله! لا إله إلا الله! لو تقدم ملك الموت صفاً واحداً لقبض روحك، ولو تقدم صفوفاً أكثر لقبض روحي، ولو تأخر صفاً واحداً لقبض روح شخصٍ آخر. استعدوا يا عباد الله! ولمثل هذا فأعدوا، أسأل الله لميتنا الرحمة والغفران، ولذويه الصبر والسلوان، خرج من بيته إلى الجمعة لم يتخط رقبة، متطيباً متهيئاً، حادث أهله واستأنس بأطفاله، ثم اغتسل وخرج إلى المسجد، يقود سيارته بنفسه، وجيء بسيارته إلى البيت لا يقودها هو، لبس ثوبه بنفسه ولم يخلعه بل خلع منه، دخل هذا المسجد بنفسه وخرج محمولاً. أيها الأحبة: بعد أن دخل الخطيب وأعلن التحية بالسلام مد ميتنا مصحفه إلى من كان بجواره، فأخذ المصحف من يده ووضعه على الرف الذي أمامه، ثم جلس قليلاً يستمع الأذان ثم الخطبة، وما هي إلا لحظة أو أقل من لحظة حتى اتكأ على ظهر كف يده، فظن الذي بجواره أنه ناعسٌ أو نائم، فالتفت إليه وأيقظه، فإذ به يسمع شيئاً أشبه ما يكون بشخير النائم، ثم بعد ذلك استلقى على قفاه، الله أكبر! (من مات يوم الجمعة أمن الفتان) الله أكبر! على هذه الميتة الطيبة في هذا المكان المبارك، في هذه الساعة المباركة، في يوم جمعة خير يومٍ طلعت عليه الشمس، بعد ذلك خرج أحدهم، وكنت أراقب الأحداث وأنا أخطبكم يا عباد الله، ولا أدري هل أركز على ما أقول، أم أنظر إلى ما يدور في آخر المسجد، وما ظننت أنها ميتة، بل توقعت أنه صرعٌ أو إغماء، أو ضعفٌ أو مرضٌ مفاجئ، عند ذلك جيء بقليلٍ من الماء فرش على وجهه فلم يستطع حراكاً، ثم اجتهد الذين من حوله وحملوه على أكتفهم متمدداً هكذا، ثم خرجوا به مع الباب الشرقي، وتوجهوا إلى الإسعاف، وماذا يجدي الإسعاف؟ وماذا يجدي الطبيب إذا حضرت ساعة المنية؟ لا ينفع الطبيب ولا الحبيب. الموت إن كان بعيداً ينفعك أدنى قليلٍ من الدواء، وإن كان قريباً والله لو اجتمع أطباء الأرض وكان بعضهم لبعضٍ ظهيراً ما استطاعوا أن يردوا لك نفساً واحداً. الموت!! إن نام عنك فكل طب نافع وإن لم ينم فالطب من أغنى به ذهبوا به إلى الإسعاف، فجيء بالطبيب ووضع المنشطات ومنشط نبضات القلب يظن أن الأمر شيء آخر، وبعد أن تحسس ميتنا عليه رحمة الله إذ به يقول لذويه: لقد توفي من دقائق معدودة، فلما حسبوها إذ به وقتها قاعدٌ في هذا المسجد. الله أكبر يا عباد الله! كفى بالموت واعظاً!! كفى بالموت واعظاً!! كفى بالموت واعظاً!! بارك الله لي ولكم في القرآن الحكيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الاستعداد للموت

الاستعداد للموت الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله على مننه وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل، وعن الند والنظير تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة: ليس الغريب هو الموت، بل الغريب ألا نستعد للموت! ليس العجيب النهاية، بل العجيب ألا نستعد للنهاية! ليس العجيب هو الفناء بل العجيب ألا نستعد لذلك! ما منا واحدٌ إلا ويعلم أن الموت نهايته، والقبر مكانه، واللحد مصيره، ولكن أين الاعتبار؟ وأين العظة؟ وأين الاستعداد؟ كلنا يعلم ذلك، لكن القليل الذي يستعد لهذا كله.

ترك المعاصي

ترك المعاصي أيها الأحبة: ليس الاستعداد للموت بلزوم المساجد والبكاء فيها وعدم الخروج منها، لا. ما هكذا نستعد للموت!! ليس الاستعداد للموت أن نقبع في البيوت ونترك أسباب الحياة، ونترك الجهاد والدعوة، ما هكذا الاستعداد للموت!! الاستعداد للموت -يا عباد الله! - بترك المنكرات أولاً، الاستعداد للموت -يا عباد الله! - بترك المعاصي أولاً، الاستعداد للموت برد المظالم إلى أهلها، برد الحقوق إلى أصحابها، كيف يطمئن نائمٌ وهو يعلم أن النوم ميتة: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42]؟ كيف يلتذ نائمٌ بنوم وفي رقبته ديونٌ معلقة، وهو يعلم أن الحقوق يوم القيامة لا تغتفر إلا برضا أصحابها؟ ومن ذا الذي يرضى بحسنة يوم القيامة إذا كنت لا تسمح بحسنة لأمك؟ وإذا كان أبوك لا يسمح بحسنة لك؟ فكيف تظن واحداً من سائر الناس يتنازل أو يرضى بحسنة يتركها أو يدخرها من أعمالك لتضاف إلى كفة ميزانه؟ حقوق الله مبنية على الصفح والمسامحة، وحقوق العباد مبنية على الضيق والمشاحة. جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يا رسول الله! أرأيت إن قُتلت في سبيل الله أتغفر ذنوبي؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبرٍ تغفر ذنوبك، ثم ولى الرجل فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية، فقال: كيف قلت؟ قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن قُتلت في سبيل الله أتُغفر ذنوبي؟ قال: نعم إن قتلت صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر تغفر ذنوبك إلا الدين، فإن جبريل أخبرني بذلك آنفا). فيا عباد الله! الاستعداد للموت بإزالة الشحناء والعداوات والبغضاء من القلوب، الاستعداد للموت برد الحقوق والمظالم إلى أهلها، الاستعداد للموت بترك المعاصي والمنكرات، كيف نكون مستعدين للموت واللهو والطرب في بيوتنا وسياراتنا، نصبح ونمسي عليه، إلا ما شاء ربك من قليلٍ من العباد؟! كيف يكون الاستعداد للموت والكثير لا يعرفون صلاة الفجر مع الجماعة؟! كيف الاستعداد للموت والكثير لا يبالي بأمر الله في حلالٍ أو حرام؟! كيف نستعد للموت والكثير يحمل الحقد والبغضاء والشحناء في قلبه؟!

بذل الحسنات والأعمال الصالحات

بذل الحسنات والأعمال الصالحات يا عباد الله: الاستعداد للموت يكون أيضاً ببذل الحسنات، وإعمال الأنفس بالصالحات، فإن هذه الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، فهنيئاً لمن بنى داراً ينتقل إليها ولو تهاون في دارٍ يعبرها، إن التهاون في أمور الحياة البحتة قد لا يضر ما دام الإنسان يبني داراً باقياً فيها، أما أن نخرب الآخرة ونعمر الدنيا فذاك كما قال أحد السلف لما سئل: لماذا نحب الدنيا ونكره الآخرة؟ قال: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فتكرهون أن تنتقلوا من العمار إلى الخراب. وهذا صحيح: نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع كثيرٌ من الناس يكذب ويعق، ويختال ويحتال، ويختلس ويخدع ويخادع، ويتألق ويداهن من أجل عرضٍ من الدنيا أو حظٍ من الفانية، والله إن فعله لا يزيد ما قسم الله له شيئاً، وإن تَرْكَهُ ذلك لا يُنقص مما قسم الله له شيئاً، سيمضي وقد ناله ما قسمه الله له من الرزق، ويقدم على دارٍ قد أفسدها بالكذب والمداهنة، والتملق والنفاق، والمعصية والسكوت على سخط الله. فيا أيها الأحبة: استعدوا لملاقاة الله، واستعدوا للموت، فإن الموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً، كثيراً ما يتساءل الناس: مات فلان!! هل أصابته جلطة؟ هل أصابته سكتة؟ هل كان مصاباً بالربو؟ هل كان مصاباً بكذا؟ والله يا عباد الله! ليست الأسقام إلا أسباباً، وإذا أراد الله حياة عبدٍ لو اجتمعت عليه الأسقام والأمراض ما نقص ذلك من أجله شيئا: تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر فكم من صحيح مات من غير علة أكان في صاحبنا الذي قبضه ملك الموت في المسجد علة؟ فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري وكم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر فيا عباد الله: لا يعرف الموت صغيراً ولا كبيراً، لا يعرف الموت إلا من حلت منيته ودنت ساعته وقامت قيامته، عند ذلك تتوفاه ملائكة الموت، فإن كان من أهل الطاعة، إن كان من أهل الرضا، إن كان من الخائفين من الله فهنيئاً له، تخرج روحه كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء، هل رأيتم سقاءً ينسكب الماء منه؟ هل تجدون صعوبة في أن ينسكب الماء من شعبة السقاء؟ ليس في ذلك صعوبة، هكذا تخرج روح المؤمن. وأما الفاجر الكافر؛ فإن روحه تنتزع انتزاعاً كما ينتزع السفود من الصوف المبتل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أعدوا للموت يا عباد الله! استعدوا للخاتمة، استعدوا للآخرة، كم من أناسٍ عرفناهم صغاراً وكباراً فرق بيننا وبينهم الموت، فأعدوا لهذا واستعدوا، اعملوا صالحاً تلقوه، فإن الله يوم القيامة ليس بينه وبين العباد نسب، إنما الارتفاع والانخفاض والقرب والبعد بحسب الأعمال الصالحة. أيا من تاجر في اللهو والملاهي! أيا من تاجر في الحرام والمحرمات! أترضى أن تفارق الدنيا وتقبض روحك ويلاقيك ملك الموت وأنت ممن ينشر الفساد في الأرض؟ أيا عاقاً! أيقبضك ملك الموت وأنت قاطعٌ لأمك وأبيك؟ أيا قاطعاً رحمه! أتقبضك ملائكة الموت وأنت على قطيعة رحم؟ أيا واقعاً في المعاصي والمنكرات! أيا مدمناً على الملاهي والملهيات! أيا مستهتراً بأمر رب السماوات! ألا تستعد لهذه الخاتمة؟ كفى بالموت واعظاً!! كفى بالموت واعظاً!! كفى بالموت واعظاً!! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرادنا بسوء فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم اهد قلبه، اللهم مسكه بكتابك، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم لا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ولا تفرح علينا ولا عليهم عدواً، اللهم اجمع صفنا وصفهم، ووحد كلمتنا وكلمتهم. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم فجازه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفواً وغفراناً. اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم وحد شملهم، اللهم أهلك المنافقين من حولهم، اللهم إن المنافقين قد فعلوا فيهم فعلاً لم يفعله الروس والعملاء بهم، اللهم فأهلك المنافقين من حولهم، اللهم أهلك المنافقين من بينهم، اللهم طهر صفوفهم من المنافقين والعملاء والدخلاء، اللهم اجمع شملهم، وسدد رصاصهم، ووحد كلمتهم، برحمتك يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم انصر المجاهدين في الفليبين، اللهم انصر المجاهدين في جميع الأرض يا رب العالمين. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

كلمة الشباب

كلمة الشباب في هذا الدرس تحدث الشيخ عن مشكلتين من مشاكل الشباب: الفراغ، واختيار الصديق. وقد بين السبيل إلى القضاء على الفراغ، وكذلك وضح أهمية القرين الصالح. وبعد ذلك أجاب عن أسئلة الشباب التي تحتوي على مشكلات يعاني منها أصحابها.

الحث على التوبة والاستغفار

الحث على التوبة والاستغفار إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. وبعد: أيها الإخوة: ما ثم فرق بيني وبينكم فأنا واحد منكم وشاب مثلكم، وفي الحقيقة قد يكون ما عندكم أكثر مما عندي ولم آت بجديد بالنسبة لكم، ولكن من الجميل أن يجتمع الشباب وأن يتذاكروا، وأن يتبادلوا النصيحة ويتباحثوا الفوائد بعضهم مع بعض، ففي بداية هذه الكلمة أحب أن أهنئكم ببلوغكم أواسط هذا الشهر الكريم، وأسأل الله جل وعلا أن يعيننا وإياكم على القيام والصيام، وأن يجعل لنا ولكم أوفر الحظ والنصيب. كما لا يفوتني أن أذكركم بحديث نبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (يوم أن صعد المنبر ذات يوم، فقال: آمين، آمين، آمين، فعجب الصحابة رضوان الله عليهم من هذا، فقالوا: يا رسول الله! قلت: آمين، ثم آمين، ثم آمين، سألوه عن معنى هذا التأمين، فقال: جاءني جبريل، فقال: رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم لم تغفر ذنوبه، فقلت: آمين، ورغم أنف امرئ أدرك والديه في الكبر أو أحدهما ولم يدخل الجنة، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصلِّ عليك يا محمد، فقلت: آمين). فيا معاشر الإخوة: إذا لم تنطلق أرواحنا بالعبادة والتوبة والاستقامة والإخبات والخشوع والتضرع لله سبحانه وتعالى في هذا الشهر المبارك، التي تضاعف فيه الحسنات، وترفع فيه للناس الدرجات، وتصفد فيه الشياطين، وتغل مردة الجن فلا يصلون إلى بني آدم فيما كانوا يصلون إليه سابقاً، إذا لم يتب الإنسان في هذه الفترات الفاضلة والأيام الجميلة، والليالي التي تسمو بأرواح العبادة، فمتى يتوب؟ ومتى يستغفر الله؟ ومتى يستقيم على جادة الخير والصواب؟! أما بالنسبة حول الشباب فإن الشباب؛ بعضهم أدرى بمشاكل بعض، ولا شك أن أهم المشاكل التي تواجه أي شاب من الشباب: أولها: اختيار الصديق.

مشكلة الفراغ عند الشباب

مشكلة الفراغ عند الشباب وثانيها: الفراغ، لا شك أن الفرغ هو الذي يولد المشكلات ولاشك أن الفراغ كما يقول الشاعر: إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسده فإذا وجد الشباب بحيويته وطاقته التي لم توجه، ووجد الفراغ، وأضيف إلى ذلك شيء من المال فإن الشاب -ولا حول ولا قوة إلا بالله- قد يقع في حضيض الهاوية، وقد يكون مع الذين لا خلاق لهم في الدنيا أو في الآخرة، ينبغي على كل شاب أن يحدد ما يملأ به فراغه، والشاب الذي لم يحدد هدفاً معيناً في حياته فإن أيامه ولياليه تذهب عليه سدى. ومن المشاكل التي نواجهها لدى كثير من شبابنا، أنه يصبح يفطر يمسي يأكل ينام يخرج من البيت يدخل، وتدور الليالي والأيام والسنون والأعوام وما حدد هدفاً معيناً يصل إليه ولو كان بعيداً؛ المهم أن يحدد هدفاً، ولا تحقر نفسك أمام شيء، فإن من سار على الدرب وصل غايته، على أية حال أهم الأمور أن يعيش الإنسان لهدف ولغاية، ولا شك أننا بحمد الله جل وعلا مسلمون، وما خلقنا إلا لعبادة رب العالمين، ولكن أمامنا أهداف وغايات، وبين أيدينا وسائل توصلنا إلى هذه الأهداف والغايات، فمن منا حدد غايته في حياته؟! من منا حدد أمنيته وطموحه، وسعى جاداً بوسيلة مناسبة مشروعة ليصل إلى هذه الغاية وإلى هذا الطموح. للأسف أن البعض أو أن الكثير يعيشون بلا غاية ولذلك لا غرابة أن نجد بعض شبابنا -ولعل من ينتسبون إلى بيوت الشباب أمثالكم ليسوا من أولئك- لا دراسة ولا عمل ولا وظيفة لا برنامج لا دورات تدريبية لا نشاط، لم ينخرط في تجنيد، في عسكرية، أو في أعمال فنية أو تدريبات مهنية، إنما هو عالة وعبء على المجتمع، بالعكس هؤلاء كما تقول التقارير والأبحاث العسكرية أنهم يشكلون النصاب الأعظم بالنسبة للجرائم أياً كان نوعها، تكثر هذه الجرائم مع الذين لا نصيب لهم لا في التعليم ولا في العمل ولا في الدورات التدريبية أو التعليمية أو العسكرية وغيرها. إذاً: فلابد من تحديد الهدف والغاية، والذي لا غاية له في حياته يا إخوان لا قيمة له، أي: أنت تعيش لتأكل، والبهيمة تعيش ونسمنها لتأكل وإذا جاء وقت الحاجة ذبحناها وأكلناها، فلا فرق بين الإنسان الذي لا هدف له ولا غاية ولا يشعر أنه مسلم، يشعر بعقيدة ويشعر بإسلام ودين يعتز به ويسعى إلى دعوة الناس إليه، فإن هذا قد يكون من رعاع، وكما يقول إبراهيم بن أدهم: حينما حدد أناساً ينبغي أن يكون الإنسان واحداً منهم، يقول: إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه وموت فتى كثير الجود محل فإن بقاءه خصب ونعمه وموت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمه وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمه فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه وباقي الخلق همج رعاعٌ وفيه إيجادهم لله حكمه لله جل وعلا حكمة فيما ترون من الكثير من الرعاع، ومن الناس الذين لا يدركون حياة ذات هدف يسعون إليه ليشعروا بالحياة الكريمة، ولذلك فالإنسان الذي لا هدف له تجد أنه يشعر بشيء من الخضوع والذلة في نفسه، أنت حينما تأتي إلى إنسان منضبط في الوظيفة فيقول: والله -يا أخي- أنا منضبط بعملي، يشعر بكرامة نفسه وباحترام وقته، لكن إنسان لا عمل له مستعد أن يخرج مع هذا، ويسافر مع هذا، ويذهب مع هذا، ويقبع في البيت يومين ثلاثة مع هذا ولا نتيجة له، وفي يوم من الأيام قد يموت الذي يعوله فيعيش في أكثر المشاكل.

بتحديد الهدف والعمل له يقضى على الفراغ

بتحديد الهدف والعمل له يقضى على الفراغ يا إخواني يجب أن نقضي على أهم مشكلة في مشاكل الشباب وهي الفراغ بتحديد الغاية والهدف، وفي نفس الوقت سلوك الوسيلة المناسبة المشروعة إلى ذلك، ولست أحدد هدف الشاب بشيء معين، ينبغي لكل شاب أن يكتشف الجانب الذي تبرز نفسه فيه، والمواهب والطاقات الكامنة في نفسه فيتوجه إليها، قد يحب أن يكون عسكرياً تحب أن تكون طياراً تحب أن تكون قائداً تحب أن تكون جندياً تحب أن تكون مدرساً، طبيباً، مهندساً، مهنياً، أي تخصص ينبغي أن تكتشف مواهبك في البداية، وفي الحقيقة لاَ أمْثلَ من بيوت الشباب والمراكز الصيفية ومراكز الأنشطة الدراسية وغيرها، فهي تكتشف الشباب وتكتشف مواهبهم، وبعد ذلك يستطيعون أن ينموا هذه المواهب فعلى ذلك: النقطة الأولى: تحديد الغاية والهدف، تحديد الوسيلة التي نسلكها، في نفس الوقت ينبغي ألا نلزم أنفسنا، يعني: هل ينبغي أن نكون كلنا علماء شرعيين، أو ينبغي أن نصير كلنا تجاراً، أو كلنا نصير أطباء أو مهندسين؟ لا {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف:32] رب العالمين جل وعلا وزع هذه المواهب والطاقات بين الناس لحكمة، ولو كان من شاء أن يصل إلى أمر معين وصل لم يخدم أحدٌ أحداً ولم ينفع أحدٌ أحداً، كل الناس يبقون في درجة واحدة وتفسد مصالح الحياة، وبعد ذلك لا يبقى سبيل إلى عمارة الأرض، ولذلك جعل ربنا جل وعلا الناس والمواهب والطاقات درجات ليخدم فيها بعضنا بعضاً: الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم أكبر إنسان في الدولة وأصغر إنسان فيها لابد أن يكون خادماً لبعض، هذا مدرس، وهذا مسئول، وهذا قائد، وهذا حاكم وهذا قاضٍ، وهذا وهذا، وكلٌ منهم يقدم خدمات للبعض، وبذلك يتكامل البنيان الاجتماعي والبنيان الإنساني في أي مجتمع من المجتمعات سواء كانت صغيرة أو كبيرة.

اختيار الرفقاء والأصدقاء

اختيار الرفقاء والأصدقاء الإنسان كما يقول علماء الاجتماع: اجتماعي بطبعه ولابد له من جلساء، ولابد له من أصدقاء. وعند ذلك تأتي مشكلة ثانية من مشاكل الشباب، وهي اختيار الجليس والصديق، ولو أردنا أن نسأل أنفسنا الآن من بداية مراحل الدراسة الإعدادية -فلنترك الابتدائية لأنها في الغالب مراحل طفولة- أو بداية مراحل الثانوية إلى الجامعة إلى ما بعد التخرج، كم صديق تعرفنا عليه، والله في الحقيقة لنعجز أن نحصر هؤلاء الأصدقاء، ولكن هل ينطبق عليهم قول القائل: زينة في الرخاء، وعدة عند البلاء. في الحقيقة النادر والقليل القليل من هؤلاء الذين نجدهم في هذا الزمن. إذاً: فاختيار الصديق من أهم المشاكل التي تواجه الشاب، وكثيراً ما نجد شباباً وثقوا بأصدقاء وجلساء، وبعد ذلك وجدوا يوماً من الأيام أنهم أصيبوا بخيبة أمل وانتكاسة شعور حينما وجدوا أن هذا الصديق صديق مصلحة، وصديق تجارة وصديق هدف وغاية، ولا حول ولا قوة إلا بالله! قد تكون هذه الغاية في مرحلة من مراحل العمر دنيئة وسيئة وخبيثة. إذاً: فلننتبه إلى مسألة الجليس كما يقول الشاعر: إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي إذاً: لابد أن نمتثل قول الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] إذا كان هذا خطاب الله جل وعلا لنبيه المعصوم صلى الله عليه وسلم وخاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل الخلائق أجمعين، أليس من باب أولى أن نتخذ نحن جلساء صالحين أخياراً، وأريد أن أحدد مقياس الصلاح -والكمال لله جل وعلا- حينما تجد صديقاً كما يقول ابن قدامه في مختصر منهاج القاصدين: وخير الأصدقاء من غلبت حسناته على مساوئه، أهم شيء في هذا الصديق أن يكون صديقاً في الحق لا معيناً على الباطل، أن يذكرك إذا نسيت أمراً من أمور الدنيا والآخرة، وأن يعينك إذا ذكرت هذا الأمر، وبعد ذلك فالزم هذا الصديق وتمسك به فإنه نادر في هذا الزمان، وما كثرة الأصدقاء في هذه الأيام إلا وبال وقد تكون على البعض مصائب، كما يقول القائل: عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرن من الصحاب فإن الداء أكثر ما تراه يكون من الطعام أو الشراب الطعام والشراب الذي هو محبب للنفس كثير من الأمراض هي بسببها، إذاً: فهذا الصديق وكثرة الأصدقاء الذين لم نصاحبهم على أساس وعلى مبدأ معين فإننا في يوم من الأيام سنتأسف لصداقتهم ونعض على أصابع الندم والخيبة والويل لأننا صاحبناهم أو جالسناهم، وكم من صديق كان سبباً في هلاك صديقه. هناك أناس لم يحددوا ميزان الصداقة وجالسوا أناساً لم يعرفوا حقائق نواياهم، وبعد ذلك وجدوهم في يوم من الأيام أصحاب مصائب وأصحاب أمور محظورة، يعني: ليس بعيداً عنكم أصحاب مخدرات وأصحاب مشاكل، ويوم من الأيام يقبض على هؤلاء ويقبض على من حولهم وكما يقال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم. من كان مع الأخيار فله حظ معهم، ومن كان مع الأشرار فينال مما ينالون إما من سوء السمعة، وإما أن يكون شريكاً معهم في العقاب والعذاب عياذاً بالله. إذاً: علينا -يا معاشر الإخوة- أن نكون دقيقين في تحديد الأصدقاء، ولو أراد الإنسان أن يحدد الصديق الذي يجده عند الحاجة والله إنك لن تجد صديقاً، لو ألمت بك حاجة من حاجات الدنيا اليسيرة وكتبت قائمة بأسماء الذين تعرفهم، تقول: أذهب إلى فلان؟ لا، والله لا آمن عليه، أذهب لفلان؟ ما عنده شيء، أذهب لفلان، ذاك لا يستطيع أن يساعدني، إذاً أين أصدقاؤك الذين تذهب معهم وتسافر معهم، يعني: الأصدقاء معك في حال نعمتك بعيدين عنك في حال حاجتك، ليس والله هؤلاء بأصدقاء، وإنما هم أعداء، وسرعان ما يتكشف لك أن صداقتهم سحابة صيف عن قريب تنقشع، وكما يقول الشاعر: شيئان ينقشعان أول وهلة شرخ الشباب وخلة الأشرار

حديث عن فترة الشباب وأهميتها

حديث عن فترة الشباب وأهميتها والأمر الثالث: فترة الشباب، وهي الفترة الذهبية؛ شباب العقل والقوة شباب الجسم والفهم، كل ذلك في مرحلة الشباب، من استطاع أن يستفيد في مرحلة شبابه فهو بإذن الله جل وعلا يستقيم على جادة سليمة وعلى طريق مستقيم إلى أن يتوفاه الله جل وعلا من هذه الدنيا بعد عمر طويل وأعمال صالحة، لكن الإنسان الذي ما استطاع أن يغلب نفسه في مرحلة القوة وفي مرحلة الشباب هل يستطيع أن يغلب نفسه في مرحلة الضعف؟ إذا قلنا: مرحلة الشباب هي أقوى مرحلة تستطيع أن تتخذ فيها القرار، وتستطيع أن تنفذ وأن تخطط وأن تعد الوسائل لأمنياتك، هذه مرحلة الشباب إذا كنت عاجزاً عن تحقيق أمانيك في مرحلة شبابك، فهل تحققها بعد أن تكون هرماً وبعد أن تكون في الأربعين والخمسين؟ إذاً -يا إخواني- ينبغي أن نستغل مرحلة الشباب، وأنا في الحقيقة أقول: إن الذي خرج من العشرين وصار إلى الثلاثين ولم يحدد هدفه ولم يحدد مركزه الاجتماعي في مجتمعه، ولم يحدد مستواه المالي ولا أقول: المال هو هدف، لا. وإنما تعيش عيشاً هنيئاً كريماً فإن هذا يعيش خبالاً ووبالاً، أو يعيش كما يعيش كثير من الناس بلا هدف وبلا غاية، من العشرين إلى الثلاثين في الحقيقة ينبغي أن يسخر الشباب أهم نشاطاته ولا يعني أن يهمل المرحلة فيما قبلها. ومرحلة الشباب هي أفضل مراحل العبادة، وهي أفضل مراحل الإنابة، وهي أفضل مراحل التوبة إلى الله عز وجل، والذي لم يتب إلى الله في شبابه لا يستطيع أن يتوب في المستقبل، لماذا؟ لأن النفس تشب على ما عودتها: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم فالطفل لولا تعود أنه ينفطم عن ثديها وعما نسميه بالرضاعة وغيره، قد يكبر ويعيش وهذا الحليب معه في هذه القنينة أو في هذه الزجاجة إلى أن يكبر، ولا يرده إلا الناس، يستحي منهم وإذا عاد إلى بيته استعملها؛ لأن الشاب تعود على ذلك، النفس كالطفل إذا أهملتها شبت على كل ما ترتاح إليه من الخور والكسل والهوان وشهوات النفس، والذي يغلب نفسه هو الذي يفوز بالفلاح والنجاة إن شاء الله، يقول الشاعر: وكل امرئ والله بالناس عالم له عادة قامت عليها شمائله تعودها فيما مضى من شبابه كذلك يدعو كل أمر أوائله علماء السلف في طلب العلم يقولون: من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة، لكن الذي بدايته ضياع هل يجني من الشوك عنباً؟ لا والله ما يجني إلا شوكاً ومراً وغسليناً. إذاً -يا إخواني- لا أحب أن نكثر الحديث وأحب أن أستفيد، والله إنها لفرصة سعيدة أن ألتقي بكم، وأسأل الله جل وعلا أن ينفع أمتنا بكم، وأن ينفع أمة الإسلام بالشباب.

حاجة الأمة إلى شبابها

حاجة الأمة إلى شبابها والله -يا إخوان- نحن في أمس الحاجة إلى شباب أمتنا، ونحن في انتظار اليوم الذي نشهد جميع الميادين يملؤها شباب، ونشهد جميع الميادين العسكرية والمدنية والفنية والاجتماعية والشرعية والتعليمية والقضائية يملؤها شباب، ولا أعني بذلك عصبية لشبابنا دون غيرهم، وإنما أقول: إننا في هذه البلاد -ولله الحمد- قد تيسر لنا ما لم يتيسر لكثير من شباب العالم على الإطلاق، غيرنا لا يعيش شبابه إلا بين النار والبارود والزناد والصاروخ والقنابل وغير ذلك. وأسأل الله جل وعلا أن يرد بلادهم إليهم وأن ينصرهم، أضرب مثلاً بالشباب الفلسطينيين، والله -يا إخوان- لو أردتم أن تعرفوا أين شباب فلسطين الآن؛ جزء في ألمانيا جزء في تونس جزء في مصر، متفرقون، ومع ذلك وجدت من بينهم شباباً يتنافسون على أرقى المستويات العلمية والتعليمية، ويجتمعون ويجتهدون ولا زالت الآمال تداعب خواطرهم والحقائق تسعى إليهم رويداً رويداً -بإذن الله ثم بجهادهم واستعدادهم وتدربهم- إلى أن يعودوا إلى بلادهم؛ لأن المؤمن منهم والتقي الذي يؤمن بكتاب الله وسنة رسوله يعلم صدقاً وحقاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود) وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم! ورائي يهودي فاقتله) فالمستقبل للمسلمين. وهذه الدنيا والبداية الحقيقة للدنيا هي يوم بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما قبل ذلك ليست بحياة، فالحياة الحقيقية هي حياة الإسلام الذي نظم تلك الأمم التي كانت تعيش شريعة الغاب، قويها يقتل ضعيفها، والبقاء للأقوى، فقد كان هذا هو مقياس الحياة حينما بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريباً ثم قوي واشتد في صدر الإسلام وتوسعت رقعة الخلافة، ثم انحسر مد الإسلام. أنتم تعرفون أن مد الإسلام وصل حدود فرنسا، ووصل أماكن كثيرة جداً، ثم انحسر ذلك بسبب ضعف المسلمين، كان للدولة العثمانية أثراً عظيماً في بقاء اسم الخلافة الإسلامية سنين طويلة، وكان لبعض الدويلات التي تلت عصور الطوائف وعصور الأندلس وغيرها كان لها أثراً في بقاء اسم الخلافة الإسلامية، الآن لا نكاد نجد بلاداً تحكم بشريعة الإسلام وتطبقها في أهم أمورها وملزمون بتطبيقها بصغيرها وكبيرها إلا هذه البلاد فقط، أما بقيتها فتطبق القوانين الرومانية والفرنسية، القاتل يسجن حتى يموت إلا إذا كان له محامٍ ذكي، وابتكر طريقة معينة وأخرج بها هذا القاتل يقوى الثاني والثالث والرابع، هاتوا بلاداً القاتل فيها يقتل، والسارق تقطع يده، الذي يقف إلى الناس ويخوفهم في طريقهم يقام عليه حد الحرابة: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة:33] الزاني يجلد والمحصن يرجم. هذا -يا إخوان- نادر من كثير من بلدان العالم، قد يقول البعض: لا. لدينا بعض القصور في تطبيق بعض الجوانب، نقول: نحن بشر ولسنا ملائكة، والبشر -إن شاء الله وبعون الله جل وعلا- يسيرون نحو الكمال والتمام. إذاً: نحن في فرصة لا يعيشها أي فئة وأي طائفة من شباب دول العالم أجمع، تعليم مجاني بجميع مراحله؛ روضة وابتدائي وإعدادي وثانوي، وجامعي وماجستير ودكتوراه وأعلى من ذلك، والدولة تبعث من تجد فيهم الكفاءة والبركة ليحضروا التخصصات التي ليست موجودة ولكي ينفعوا البلاد من جديد. يا إخوان: ماذا بقي علينا؟! والله ما بقي علينا إلا أن نقدم وننفع ونجود، وأن نعيد ما استفدناه وما تربينا به أو فيه من ظل سماء هذه البلاد الطيبة ومن خيراتها وما فيها؛ لكي نرد شيئاً من الواجب وليس فيه منة، بل المنة لله جل وعلا والفضل لله جل وعلا الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ولا أحب أن أطيل وأحب أن أسمع منكم ما تود به نفوسكم أن تقولوه والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الجلوس مع شباب غير ملتزمين

حكم الجلوس مع شباب غير ملتزمين Q أنا شاب أحب الخير وأحب الصالحين الطيبين، ولكني أصاحب أناساً يدخنون وكلامهم غير طيب، وقد يؤخرون الصلاة ويغتابون الناس ولا يشجعونني على الخير، فبماذا تنصحني جزاكم الله خيراً؟ A أولاً: أسأل الله جل وعلا أن يمن على من تصاحبهم بالهداية، وأن يهديهم إلى الانتباه والالتفاف للصلاة مع جماعة المسلمين، والاهتمام بالصلاة بحد ذاتها أولاً وأخيراً، وإلى ترك ما يضرهم من التدخين وغيره من العادات السيئة. في الحقيقة: الآن الإنسان يعيش أمام جمع كثير من الأصدقاء والجلساء وله أن يضع نفسه في المقياس الذي يريد، الناس اليوم في المجتمع طبقات، فإن شئت أن تضع نفسك مع الطبقة -ما أقول مجتمعنا طبقية اشتراكية، أو طبقية ما يسمونها بروتاريا وطبقية أخرى لا- أي: أن الناس فئات في هذا المجتمع تجد فئة مثقفين نبلاء عقلاء، وتجد فئة لا يهمها في جميع الأحوال إلا اللهو واللعب، وتضييع الأوقات بأي سبيل من السبل وبأي وسيلة من الوسائل، فأنت في البداية أين تريد أن تضع نفسك، تريد أن تكرم نفسك فاصحب خيار القوم كما قال الشاعر: إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي ثم يا أخي العزيز! خذها قاعدة: الإنسان يتأثر بجليسه قد يقول: لا. أنا لست أدخن معهم، لا شك أن التدخين ضار ولسنا الآن في صدد بيان مضار التدخين، لكن أقول يا أخي العزيز: جليسك يؤثر عليك تأثيراً نفسياً قبل أن يكون تأثير عادات وتأثير سلوك. يذكرون أن أحد الملوك أهدي إليه حصان، فاستشار وزيراً فطناً ذا فراسة قال: يا وزيري! ما رأيك في هذا الحصان الذي أهدي إلي، قال: هذا حصان أصيل ومن سلالة عريقة، لكن هذا الحصان قد تربى مع بقر، فاستغرب الملك وقال: كيف عرفت أنه تربى مع البقر؟ قال: لأن من عادة الخيل أن تتنظف بأسنانها وليست تتنظف بلسانها، فهذا دقق النظر في طريقة تنظف هذا الفرس فوجده يتنظف بلسانه، والخيل من عاداتها أن تتنظف بأسنانها، فبهائم طباعها أثرت على بعض فما بالكم بإنسان له عقل وله فؤاد وسمع وبصر ألا يتأثر بطبيعة جلسائه؟ والله ليتأثر. بعد أيام أهدي إلى هذا الملك صقر فاستدعى وزيره صاحب الفراسة، قال: يا وزيري! ما رأيك بهذا الصقر الذي أهدي إلي؟ قال: والله صقر ما مثله أبداً؛ لكن هذا الصقر تربى مع دجاج -ولعلكم تضحكون- قال: كيف تربى مع دجاج؟ قال: لأن من عادة الصقور أن تحلق في السماء وليس من عادتها أن تخنع بنظرها إلى الأرض، الصقر لا يبحث عن حب في الأرض ويلقطه، لا، الصقر دائماً تكون عيونه إلى السماء يرى فريسة تحوم فينقض عليها ويأتي بها إلى الأرض، لا يلتقط شيئاً من الأرض. فيا إخوان! ليس غريباً أن يتأثر الإنسان بمن يجالس، ولولا أن الإنسان يقدر صداقات ومودات بينه وبين أحبابه لتمنى أن يجالس من هو أفضل منهم علماً وأدباً ونبلاً وأخلاقاً؛ لأنك يوماً بعد يوم تزداد من صفاتهم وتكسب من أخلاقهم، ويا حبذا أن يكون لك دور ونشاط طيب في أنك تبحث عن جليس أو جلساء صالحين وتترك جلساءك هؤلاء. يا إخوان: يجب أن نفهم الدين فهماً طيباً، لا يعني حينما نقول: جلساء طيبين، نتكلم باللغة ولو كانت عامية، لا يعني أن يكون شاباً معقداً كما يقول البعض، وحاشا لله أن يكون الشاب مستقيماً يفهم الدين فيكون معقداً، لكن إذا قصر البعض بتطبيق السنة وإذا أساء البعض أسلوب الدعوة إلى الإسلام فينبغي ألا ننسب الدين وألا ننسب التدين إلى كثير من الشباب في هذا الأمر، ينبغي أن نفهم الأمر، البعض يقول: لا. أنا حينما أكون متديناً يبقى لي ثوب نصف الساق ويبقى لي سواك ما يطيح ولا يطلع من المسجد، يا أخي! أنت بشر والبشر يذنبون ويستغفرون، والصحابة وهم أفضل الخلق بعد رسول الله أذنبوا واستغفروا، أهم حاجة أن نكون على التزام ولا يعني أن الملتزم لا يسقط على الطريق لا قد يسقط ويرجع. صحابي جاءته امرأة لتشتري منه تمراً -كان تماراً- فأعجب بجمالها فقال: لعل في البيت تمراً أجود من هذا، فلما خلا بها إلى داره كان بينه وبينها ما ينبغي إلا أن يكون ما بين الرجل وزوجته من الضم والتقبيل؛ إلا أنه لم يفعل معها ما يفعل الزوج من جماع زوجته، كما يقولون: من بعيد لبعيد، فندم على ذلك واستغفر وتاب، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره، فأطرق صلى الله عليه وسلم هنيهة حتى تغشاه الوحي ونزل قول الله جل وعلا: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] أكثر من الحسنات وتب من السيئات. المصيبة إذا وقعت السيئة أن تتبعها سيئة، المهم إذا استطاع الشيطان أن يغلبك فلتعقب ما عمله الشيطان بتوبة واستغفار؛ لأن الله جل وعلا يوم أن وصف المؤمنين في سورة آل عمران، قال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} [آل عمران:135] ينبغي أن تقلع عن الذنب: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] أولئك: فذكر الله مصيرهم وما أعد الله لهم في الدنيا والآخرة من النعيم والطيبات في الدنيا والآخرة. إذاً: يا إخواني! المهم أن نفهم حقيقة التدين، وأن نفهم حقيقة الالتزام، أهم أمر أن الإنسان لا يقع من سيئة إلى سيئة، وإن كانت المعاصي بعضها تدعو بعضاً، السيئة تقول: أختي أختي، والحسنة، تقول: أختي أختي، ولكن الإنسان الذي يعصمه الله جل وعلا وإن وقع في معصية فإنه يستغفر ويتوب ويعود إلى الطريق المستقيم، ومع ذلك يبقى مع جلسائه ومع أصدقائه الطيبين وإن كان الشيطان يأتيه يقول له: لا. أنت منافق تجالس هؤلاء الطيبين وأنت تذنب؟ لا. اذهب وابحث لك عن شلة فاسدة مثلك حتى تعمل أنت وإياهم كل شيء، ولا تكون معهم أربعاً وعشرين ساعة على هذا المنوال وعلى هذا الخط، لا. هذا ليس صحيحاً، الشيطان يريد أن يبعدك مرحلة مرحلة حتى تقع في الحضيض والهاوية، لكن إذا أذنب الإنسان قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أنا بشر وأخطأت، وباب التوبة مفتوح، وكلكم يعرف قصة رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، هل هناك أعظم من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق بعد الشرك؟ لا أعظم من ذلك، قال رب العالمين: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]. يا إخوان! المعصية صار لها آثار على النفس، لها آثار في نفسك، وعلى علمك، وعلى استقامتك، وفي رزقك: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) لكن أهم شيء أنك إذا وقعت في معصية أو في شيء من هذا أن تعود إلى الله. أسأل الله للجميع التوفيق والاستقامة على دينه.

سبب عزوف الشباب عن المحاضرات والدروس

سبب عزوف الشباب عن المحاضرات والدروس Q فضيلة الشيخ! جزاك الله خيراً، السلام عليكم ورحمة الله، أني أحبك في الله، ما هو رأيك في السبب الرئيسي لعزوف الشباب عن المحاضرات الدينية وعما ينفعهم، ولهوههم في الملاهي المختلفة وإضاعة الوقت؟ A أولاً: أحبك الله الذي أحبيتني فيه. ثانياً: أسباب عزوف الشباب عن بعض المحاضرات لها أسباب نفسية، ولها أسباب في الحقيقة تكون من ضعف الإنسان ومن غلبة شيطانه عليه، والذي لا يجاهد نفسه لا يصل إلى معالي الأمور، من يريد أن يصل إلى معالي الأمور يحتاج إلى جهاد: وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام الذي نفسه كبيرة وشامخة وعالية وعظيمة يحتاج إلى نمط معين من الحياة، يحتاج إلى أسلوب راقٍ ونظيف ومستقيم ونزيه وكما قلت: لا يعني أنه لا يخطئ، يخطئ ويستغفر، يذنب ويتوب، الناس بشر فأهم شيء أن الشباب قد لا يبذلون جهداً في مجاهدة أنفسهم، وأضرب على ذلك مثالاً: تجد البعض يتكاسل إذا سمع المؤذن أن ينهض من فراشه وأن يقوم إلى الصلاة، دعونا من المحاضرات، نتحدث في الواجبات، الكثير منا قد يسمع الأذان وقد يصلي في بيته، وقد ينام ثم إذا استيقظ صلى، في الحقيقة قد يكون شيطانه ولاشك قد غلبه واستطاع أن يصده عن ذكر الله وعن سبيل الخير، وأشغله بأمر آخر حتى ترك العبادة. إذاً: ومن أسباب عزوف الشباب عن هذه الأمور نقصان المجاهدة، طريق الجنة كما يقول الرسول محفوف بالمكاره وطريق النار محفوف بالشهوات، يعني: خذ مثالاً واضحاً ولو كان فيه بساطة: طريق الجنة وطريق النار كرجل أطلق سيارة من أعلى جبل، سواءً كانت هذه السيارة تشتغل أو ما تشتغل، فيها بنزين أو ما فيها بنزين، هذه سيارة تنزل في الهاوية أياً كان مستواها، لكن إنسان يريد أن يرحل بدابته أو بسيارته إلى القمة من القاع أو من مستوى الأرض إلى أعلى لا يحتاج إلى جهد، يحتاج إلى قدرة ويحتاج إلى بذل ومجاهدة حتى يصل إلى ذلك، فطريق النار حفت بالشهوات وما تشتهيه الأنفس، وطريق الجنة حفت بالمكاره، والقليل من الناس الذي يصبر على المكاره ويحتسب ما عند الله. الأمر الثاني: لعل البعض منكم ليس عنده ميول فكرية وثقافية، مشكلة جميع شبابنا في الغالب أننا لا نحب القراءة، النادر الذي يحب القراءة، ولقد تعجب حينما تكون في دولة أوروبية وتجد الطفل أو المرأة أو الإنسان يمشي في الشارع أو في أي مكان عند تذاكر في القطار ومعه الكتاب يقرأ، وفي الحقيقة لا يقرأ عبادة، لكن يعرف أن هذا وقته لابد يعطيه الشيء، وإن كان في كثير منها أمور خسيسة ودنيئة ورذيلة، لكن تعجب من كيفية استفادتهم في الوقت، يعني: هو يكرم نفسه في أن يخرج بنظرات عابثة وضائعة، بدل من أن أنظر في الغادي والرائح آخذ كتاباً وأقرأ. كثير من الشباب ما عندهم محبة للعلم والمعرفة، والكثير من المحاضرات لو استمعنا إليها وحرصنا عليها لكان للإنسان خلفية وثروة علمية، سواء في الأحكام أو في الثقافة الإسلامية، أو في النظم الإسلامية أو في أي مجال من المجالات. والخلاصة: أنى أرى سببين رئيسيين، ضعف مجاهدة النفوس، وتصور البعض أن هذه المحاضرات ليس فيها فائدة، والأمر الثالث: عدم الرغبة في القراءة، وهذه أمور ينبغي أن ننتبه لها.

تحذير من ترك الدين بسبب ارتكاب الذنوب

تحذير من ترك الدين بسبب ارتكاب الذنوب Q هناك بعض الشباب إذا وقع في المعصية، يقول: إني أذنبت، فيترك الدين، فنريد منكم نصيحة لهؤلاء الشباب، هناك أسئلة تدور حول هذا الموضوع؟ A يا إخواني بكل صراحة أنا أحد إخوانكم أي: بفضيلة أو سماحة وإنني أجزم وأتأكد أن من بينكم من هو أفضل -إن شاء الله- مني. يا أخواني هنا نقطة نناقشها هذا هي الدرجة الأولى، الشيء الثاني: مسألة كون الإنسان إذا أذنب ترك الجلساء الصالحين وسلك سبيل الفاسدين، أو سبيل الخسار والوبال في الدنيا والآخرة لاشك -كما قلت- أن ذلك من غلبة الشيطان عليه، لو تأمل كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لوجد في ذلك خيراً عظيماً. وحشي بن حرب لما قتل حمزة سيد الشهداء عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي كان قتله بالنسبة للرسول مصيبة من أعظم المصائب، كان وحشي يقول: ما من توبة، أنا قتلت أحب الناس إلى قلب رسول الله، فنزل قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر:53] يا إخواني! نداء رباني لطيف. والله قلوبنا في قسوة، إذا قرأنا القرآن نقرأ صفحة واحدة بتأمل وبتدبر أحسن من قراءة جزئين أو ثلاثة بهذٍ ونثر: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53] أسرفوا على أنفسهم بالذنوب والمعاصي: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54] {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر:55]. فالآيات جاءت بدعوة الناس إلى العبادة وإلى التوبة وهي تجب ما قبلها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأتقاكم لله وأخشاكم له، وإني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من مائة مرة) الرسول المعصوم صلى الله وسلم عليه الذي هو معصوم عن الذنوب والخطايا يستغفر الله ويتوب إليه، نحن أولى بالاستغفار، كلامنا يقع من الغيبة، نظراتنا شاردة، عباراتنا أحياناً تكون خارجة، يقع منا الزلل كثيراً، نتهاون ببعض الواجبات؛ لكن لا يعني ذلك أننا هلكنا، لا. لا نعين الشيطان على أنفسنا، لا نترك للشيطان ثغرة على أنفسنا. يقولون: إن الشيطان سأله أحد الأنبياء السالفين لا أدري من هو، قال له: كيف الناس معك؟ قال: طائفة منهم كالكرة في يد طفل -أي: يعبث به كما يشاء- وطائفة منهم نجتهد في ضلالهم وفسادهم فينقضون ما بيننا وبينهم بقولهم أستغفر الله، وكما في الحديث: (من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً) فلا غرابة -يا إخوان- أن نستغفر، ولا غرابة أن نقع في الغلط، يعني: كون الإنسان يلتزم بجلساء صالحين، فهل يكون عند ذلك ملكاً لا يخطئ أبداً! يا إخوان! هل يترك هواياته التي يحب أن يمارسها من الهوايات التي هي مباحة شرعاً من سباحة أو رياضة أو تنس أو طائرة أو كاراتيه أو غير ذلك؟ لا. غير صحيح، المهم التزامك بالدين وتقديرك للدين في ذاتك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه). فأعظم القربات -يا إخوان- هو إتيان الإنسان بالأمور الواجبة، يعني: لأن يصلي العشاء مع الجماعة أفضل لي من أن تفوتني الصلاة مع الجماعة وأقوم ليلة كاملة من الليالي، لا والله أصلي العشاء مع الجماعة وحينما أسمع داعي الفلاح المؤذن أتهيأ وأستعد للصلاة وأعرف أني بين يدي رب العالمين، وبين دعاء وسؤال واستغفار، وإخبات وخشوع وإنابة، والله هذا أحب إلي من أن أقوم الليلة هذه كلها وأن تفوتني صلاة العشاء، (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله الذي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه). يا أخي! الزم الاستغفار وعد إلى الله في كل صغيرة، قال العلماء: وليس بشرط التوبة ألا يعود إليها، من شرط التوبة ألا يعزم الإصرار على المعصية. فرق في أنك تتوب إلى الله قد تقع ثانياً فيما تبت إلى الله منه، تب إلى الله توبة ثانية، تب إلى الله توبة ثالثة، تب إلى الله في كل يوم يا أخي، قد تخطفك الآجال وأنت لا تدري، شاب يخرج من بيته، فإذا كان يلزم الاستغفار والتوبة إلى الله فهذا شاب -إن شاء الله- يرجى له خير عظيم، إذا صلى كان على الإسلام، مات على شهادة لا إله إلا الله والحمد لله رب العالمين ومات على توبة، ورب العالمين يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، لكن مشكلة الشاب أنه لا يفكر بالتوبة أساساً، ولا فكر بالدين ولا بالالتزام بالواجبات، هذا متى يعود إلى الله؟! من فترة زارني شاب ومعه صديق يعمل في مطار الرياض، قال: شهدنا في مطار الملك خالد جنازة شاب مات في فندق اسمه قريش، كثير من الشباب يعرفون هذا الفندق ولا غرابة لا يضحك أحد يا إخوان، لا غرابة في ذلك فندق اشتهر به شبابنا، وخاصة شباب دول الخليج عامة، هذا الفندق دخل هذا الشاب وذكر من أمور بعض هذا الشاب وهو مريض، قال: والله ثم والله إنه لما تأخرت عليه بغي من البغايا فلما أتت سجد لها. يا إخوان! هل بعد هذا ضلال؟ هل بعد هذا وباء؟ وهذا الشاب جاءوا به جنازة طرف في الفندق، يعني: يا إخوان! الإنسان يبعث يوم القيامة على ما مات عليه، وأسأل الله أن يتوب عليه، اذكروا محاسن أمواتكم، لكن هذا الشاب -يا إخوان- لو كان مات وفي فمه زجاجة خمر، أو مات في أحضان باغية، أو مات على قمار وميسر، أليس آمل أن يموت وهو في بلاده أن يموت وهو في طريقه، وليس أشرف وأفضل وأنبل أن يموت وهو في عمله، أن يموت وهو في محرابه ساجداً، لكن انظروا يا إخوان ما مات عليه، يقول أحد السلف، قالوا: نراك تخاف من المعاصي والذنوب، قال: نفسي تجاهدني على المعصية، النفس الأمارة بالسوء تريد للإنسان أنه يفعل المعاصي، لكن أخشى أن تفاجئني المنية وأنا على هذه الحال، إنسان تختم لك خاتمة السوء بسبب معصية من المعاصي والعياذ بالله! إذاً فلنلزم الاستغفار ولا تزال ألسنتنا رطبة بذكر الله جل وعلا. أسأل الله جل وعلا أن يمن على شباب المسلمين بالتوبة والهداية، وأسأل الله أن ينفعنا وأن ينفع الأمة بالشباب.

احتجاج بعض الشباب بقضاء الله وقدره في الضلال

احتجاج بعض الشباب بقضاء الله وقدره في الضلال Q بعض الشباب الضالين يقول: إن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فأنا أضلني الله، فأنا يائس، والعياذ بالله؟ A يا أخي: إن شاء الله أنك ما ضللت، سؤالك هذا يدل على أنك ما ضللت ولله الحمد، إن شاء الله أنت بخير لم تضل، وإن كان السؤال فيه شيء من التحدي يقول الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] رب العالمين يشاء ولك مشيئة، فأنت لو أردت أن تسلك هذا السبيل ما ردك أحد. إذاً: امتنع عن الأكل والطعام والشراب وقل رب العالمين ما قدر لي أن آكل. وبعد يومين ثلاثة تنظر كيف سيحركك الجوع لتأكل، لا تقل: مقدر علي هذا، إذا كان مقدراً عليك الجوع بعدم الأكل فمقدر لك الشبع بالأكل اذهب فكل فتجد ذلك مقدوراً، إذا كان مقدراً لك الضلال بعدم استقامتك الزم طريق الخير يقدر لك الخير، اجلس في البرد وقل: رب العالمين مقدر علي البرد هذا إلى أن أموت فيه، يقول لك شخص: يا أخي! مكتوب عليك اجلس، تقول أنت: لا، ثم سترجع إلى البيت لتشغيل المكيف الحار وتأخذ البطانية لتتقي البرد، فأنت عندك إرادة، إذاً: إرادتك أين هي من هذا الباب لماذا لا تقلع؟ أين إرادتك تحملك وتنقلك من المجال السيئ إلى هذا المجال الطيب؟ ليست هذه بحجة. جاء يهودي إلى باب ابن تيمية يقول ذاك اليهودي: أيا علماء الدين ذمي دينكم محير ردوه إلى خير شرعة إذا ما قضى ربي بكفري فهل أنا عاص بتابع مشيئته إلى آخر ما قال: فرد عليه ابن تيمية بأبيات مفادها أن رب العالمين جعل لك إرادة، وجعل لك مشيئة، ولو ذهبنا لأن نطبق هذه الحجة عليك في جميع أمورك، يعني: قف في شارع واجعل واحداً يضربك بقصد ويقول: أنا مقدر علي أن أضربك، فلا تتحرك ولا تدافع عن نفسك، هذا مقدر، إنك عند ذلك تدافع عن نفسك وتنتقل من هذا الموقف الضعيف إلى موقف قوي، تنتقل بما فرض الله وبما قسم الله لك من المشيئة من سبيل طرق الفساد إلى سلوك طرق الصلاح، واترك سبيل الضالين، واذهب إلى طريق الذين أنعم الله عليهم، فهذه ليست حجة، وأسأل الله جل وعلا لي ولك الهداية، وإذا تكرمت أن أتقابل معك بعد هذه المحاضرة يسعدني ذلك.

حكم الموسيقى

حكم الموسيقى Q لماذا تحرم الموسيقى مع أن كثيراً من الخلفاء كانت مدارسهم عامرة بالغناء مع أن العلم أثبت دورها، قصده: في الراحة النفسية؟ A يا إخوان: مجالس الخلفاء غير مشرع، التشريع من كتاب الله وسنة رسوله، على صحة ما يقال في ذلك، قد ينسب إلى هارون الرشيد أن إسحاق بن إبراهيم الموسمي يجمع المغنين ويجتمع عنده القينات، هذا لا يليق بخليفة من خلفاء المسلمين الذي حج ماشياً، ويحج عاماً ويغزو عاماً، هذا في الحقيقة من الأغاليط التاريخية التي عمرت بها بعض الكتب التي فيها دش مثل كتاب الأغاني لـ أبي فرج الأصفهاني، ومثل هذه الكتب فيها الغث وفيها السمين. وبالنسبة لتحريم الأغاني أنا في الحقيقة متوقع أن أسأل عن ذلك، أنا بالنسبة لي وهو الشيء الذي أدين الله جل وعلا بأنها محرمة، لأحاديث كثيرة من أهمها ما ورد في صحيح البخاري: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر - الحر يعني: الفروج- والحرير والخمر والمعازف) وفي أحاديث أخرى: (تروح عليهم ساريتهم ثم يرفع عليهم العلم من الجبل فيطبقها عليهم) أحاديث فيها عذاب شديد والآية: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6]. قال بعض المفسرين: أما إنه لا يشتريه وإنما يختاره على غيره، فاختياره الغناء على غيره يدخل في اشتراء لهو الحديث، وبالنسبة لما أثبت الطب فالطب ينتقل يوماً بعد يوم، إذا أثبت الطب يوماً ما أن الأغاني لها دور في الراحة النفسية، فقد أثبت الطب فيما قرأت أن بعض الموسيقى سبب الصمم وضعف العيون، موسيقى الجاز والديسكو وغيره لها أثر فإذا كنت ما قرأت هذا فاقرأ. ثانياً: إذا كان الطب يثبت هذا بالنسبة لأولي القلوب المريضة والسقيمة، فإن أصحاب القلوب الطاهرة والنقية لا ترتاح إلى ذلك، وإن كان الغناء سحره عجيب للقلب، ولا يتركه إلا من جاهد نفسه، فإذا استمر على هذه المجاهدة تركه وأقلع عنه، وهناك عوض عن الغناء بالحداء والأناشيد الإسلامية، والقصيد النظيف، والقصائد الجميلة فيها عوض عظيم لا شك في ذلك، يقول ابن القيم: تلي الكتاب فأطرقت أسماعهم لا خيفة لكنه إطراق ساهٍ لاهٍ لا خيفة أي: ليس خوفاً من الله. وأتى الغناء فكالحمير تراقصوا والله ما رقصوا لأجل الله دف ومزمار ونغمة شادن فمتى رأيت عبادة بملاهي بعض الصوفية يقولون: الغناء فيه عبادة، الجنون فنون، الجنون أنواع يعني: إذا ما سمعت فاسمع وإذا عرفت فاعلم، فأسأل الله تعالى أن يوفق الجميع، وعلى أية حالة: لا يمنع كونك تسمع الأغاني أنك تتوب إلى الله، التوبة من المعاصي درجات، شاب لا يصلي ويدخن ويسمع الأغاني أنا بوجهة نظري أن الله يهديه إلى الصلاة مع جماعة المسلمين وموضوع الأغاني موضوع آخر، فلنكن متدرجين، بعض الشباب يقول: لابد أن تصير متديناً مرة واحدة أو لا، نقول له: ليس صحيحاً يا أخي، الناس بشر، هذا الشاب إذا كان ما بقي في قلبه إلا سماع الأغاني كما يقول عمر بن الخطاب لما قال للرجل: أسلم، قال: لا. أنتم مسلمون وتجلدون شارب الخمر، قال: يا أخي! أنت أسلم أولاً، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلما أخذ مدة جاء إلى عمر وقال: أريد أن أشرب الخمر، قال: لا. أنت مسلم، ولو شربت الخمر جلدناك. فيا أخواني: ما استطعنا أن نحصل عليه من الخير من الناس ينبغي أن نأخذه لا نرد شيئاً من الخير، شاب يأتي إلى المسجد بعد أن كان يترك الصلاة، هذه نعمة عظيمة! شاب يلتزم بجلساء طيبين، يأتي يوم من الأيام يتوب الله عليه، يأتي يوم من الأيام يقف مع نفسه وقفة صريحة ويقلع عن هذا، ثم ما هي أكبر الذنوب وأكبر المعاصي؟ يا إخوان! أنا أقول: من أراد أن يلتزم بجلساء صالحين يخالطهم ويجالسهم في بيت الشباب، في مركز صيفي، في نادي رياضي، في مكان معين، ليس معنى ذلك -يا أخي- أنك تصير كاملاً، لا. خالطهم واجلس معهم إذا الله سبحانه وتعالى منَّ عليك بالهداية وأقلعت عن هذا فهذا خير عظيم، وينبغي أن تعرف أنه محرم، وسوف يأتي يوم من الأيام وتتركها إن شاء الله، الذي يأتي ويسلك سبيل الخير أولاً بأول يأتي اليوم الذي يقلع فيه عن الصغائر قبل الكبائر. يقولون: أن امرأة كان يراودها رجلٌ، وكان يشغلها ويريدها، قالت: أما إذا أردت ذلك فاشهد الصلاة مع الجماعة أربعين يوماً من حين الأذان إلى حين خروجهم، قال: لا مانع في ذلك أربعين يوماً فقط، فلزم المسجد أربعين يوماً، فمرت هذه المرأة، فقالت: انتهى أربعون يوماً وما جئتنا؟ قال: لا، ذاك أمر تركناه. لا يمنعك من التوبة شيء من الأمور الصغيرة، أنت التزم بالخير واغنم الخير، واغنم الجلساء الطيبين واترك جلساء السوء، ولا تقل: والله أنا لا أجلس مع هؤلاء؛ غداً يكتشفون أني أسمع الأغاني فيتركوني، لماذا يا أخي؟ أنت أجرمت، سيأتي يوم من الأيام ويتوب الله جل وعلا عليك، ولا أحب أن أطيل. تعليق من قبل المقدم: أريد أن أنوه كذلك أن العلم الحديث كذلك والطب الحديث اكتشف أن بقراءة القرآن المجودة لها أثر في الراحة النفسية لكثير من المرضى. ولو أطلنا في هذا الموضوع: أنا قابلت مرة مندوب من الجمعية الطبية الإسلامية في فلورينام في أمريكا، وكنت أتناقش معه في بعض الأبحاث، وكان عندهم أبحاث عن عسل النحل وأبحاث في القرآن، يقول: صوت القرآن كلفظ له على النفوس (نفوس كفار أو مؤمنين) أثر في الراحة النفسية بأجهزة كمبيوتر على نبضات القلب ومقاييس على الأعصاب.

قرناء السوء يحجزون الإنسان عن الصالحين

قرناء السوء يحجزون الإنسان عن الصالحين Q أنا شاب أعرف بعض الشباب المستقيمين، لكني كلما عزمت على مصاحبتهم اجتمعت مع أصدقائي منذ طفولتي وهم ليس لهم هدف، فيزينون لي أفعالهم وأنصرف عما عزمت عليه من صحبة المستقيمين، وقد عجزت عن نفسي عجزاً كاملاً، وأشعر أن نفسي هي التي تسيرني على ما تشتهيه لما أفعل. ماذا أفعل وجزاكم الله خيراً؟ A والله يا أخي تأكد: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء هذا يعقل؟ لا يعقل، يعني: أرمي نفسي في البحر وأقول: يا نفس! لا تبتلي بالماء، إذا أردت وكنت عازماً صادقاً أنت فقط ما انطلقت منك الإرادة القوية؛ لأنه لا يمكن أن تعيش في هذا الوسط الفاسد وتقول: أبغي نفسي، يعني: أنت عندما تكون عندك زهرة لا تنمو إلا في تربة معينة، هل تذهب تجعلها في طين مجاري أعزكم الله؟ مؤكد أنها لا تنمو على الإطلاق، تحتاج إلى بيئة وإلى تربة نظيفة حتى تترعرع فيها وتنمو فيها نمواً طيباً نظيفاً. فأنت حينما تريد أن تصاحب هؤلاء الجلساء الطيبين لا تصاحبهم بأماني اللسان، عاشرهم يا أخي، فليزوروك فلتزرهم، فلتخرج معهم، ولتشاركهم في بيت الشباب، وفي المراكز والنوادي، تكون معهم باستمرار؛ لأن الجليس له أثر كما أسلفنا، أنا أقول: لا تقطع جلساءك مثلما يقولون: نسينا العيش والملح، أو تتنكر عليهم، أو تبدأ أعوذ بالله منكم ومن حالكم ومن مجالستكم، هذا ليس بصحيح، أنت جالس جلساء الخير، اسمع منهم، استفد منهم، اقتدِ بهم في خير ما يفعلون، ويأتي يوم من الأيام وستكون -إن شاء الله- داعياً زملاءك هؤلاء إلى الخير. لكن أن تكون دائماً مرتبطاً في حلقة مغلقة مع جلسائك السابقين الذين يزينون لك بعض المعاصي، وتقول: نفسي غلبتني، لا شك أن نفسك سوف تغلبك، أنت الذي أسأت على نفسك وأنت الذي جنيت على نفسك؛ لأنك ما انتقلت من الوسط إلى الوسط الآخر، إذا أردت ألا تبتل ثيابك لا تلج اليم، لا تدخل البحر اجعل نفسك في اليابسة وعند ذلك ستجد ذلك: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تمشي على اليبس وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مأساة الصومال

مأساة الصومال مآسي المسلمين تترى! وقد جاءت هذه البرقية العاجلة موقعة باسم كل من: اليتامى الذين فقدوا الآباء فلا تسمع إلا صراخهم! الثكالى اللائي أنهكهن المرض فلا ترى إلا دموعهن! الشيوخ والعجزة الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً! الصبايا المحطمات هتكت أعراضهن وحرماتهن! وأما مكان الإرسال فهو: الصومال، بلد إسلامي يئن تحت نير الحملة الصليبية. وأما الرد، فمنك ننتظره!

قوة اللحمة بين إخوة الدين

قوة اللحمة بين إخوة الدين الحمد لله، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله القائل: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:11 - 16]، الحمد لله القائل: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:42 - 45]. والصلاة والسلام على رسوله الأمين القائل: (أيها الناس أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصِلوا الأرحام، وصَلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام). أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الخلق لعبادته، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة منهم أو حولهم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أشهد أن لا إله إلا الله كل قدر بعدله وكل قدر بحكمته، ورحمته سبقت غضبه وهو أرحم الراحمين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله جل وعلا في نعم ترفلون فيها، وتتقلبون عليها، وتسبحون في جلباتها، وتأكلون وتلبسون وتشربون منها، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت:67]، {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:57]. معاشر المؤمنين: مآسي المسلمين تترى، وأحوالهم عجيبة وهم جسد واحد، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد) فحيثما رحلت وجدت مسلماً، فهو عرق من عروقك، وشلو من بدنك، وطرف من جسمك، ونبضة من قلبك، وخطفة من فؤادك. وحيثما ذكر اسم الله في بلد أعددت أرجاءه من لب أوطاني أيها الأحبة! المسلمون في هذا الزمان هم جسد واحد، نعم. إنهم جسد واجد، ولكنه جسد أحواله غريبة وأطواره شاذة عجيبة، فترى في الجسد جزءاً متخماً يجر نواعم الخز والحرير، وترى فيه طرفاً آخر هزيلاً جائعاً، وثالثاً معوقاً لا حراك به مجروحاً نازفاً. نعم. المسلمون جسد لكنه جسد ممزع، ممزق، مفرق، بعضه غافل وبعضه لاه. آه منا آه ما أجهلنا بعضنا أعمى وبعض يتعامى نشرب الجوع ونستسقي الظما

من وهج المشاعر

من وهج المشاعر أيها الأحبة في الله! وصلتنا برقية عاجلة موقعة باسم اليتامى الذين فقدوا الآباء فلا تسمع إلا صراخهم، ولا ترى إلا دموعاً من يمسحها عن خدودهم؟! ووصلتنا برقية باسم الثكالى اللائي أنهكهن المرض فلا ترى إلا دموعهن ولا تسمع إلا أنينهن! ووصلتنا برقية باسم الشيوخ والعجزة الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. ووصلتنا برقية من الصبايا المحطمات هتكت أعراضهن، وهتكت أنفسهن، وهتكت حرماتهن! إن هذه البرقيات كلها من مسلمي الصومال الذين يموتون الآن ونحن نسمع الخطبة، يموت منهم عدد من الأطفال ومن النساء ومن الرجال، برقية مسلمي الصومال لم تجد أذناً معتصمية أو نخوة عربية، فهل نجدها في هذه البلاد؟ هل نجدها في حكامها؟ هل نجدها في رجالها؟ هل نجدها في شبابها؟ هل نجدها في الطيبات من نسائها؟ أيها الأحبة في الله! الصومال قطعة جميلة في القارة الخضراء في منطقة القرن الإفريقي، أمة مسلمة نسبة المسلمين فيهم مائة بالمائة، لا يوجد فيهم أقليات وثنية أو نصرانية، الصوماليون مسلمون مائة بالمائة. ولكن الصومال شأنها كشأن غيرها؛ ظلت ترزح تحت نير الاستعمار الذي جثم على صدر الأمة زمناً حتى استقل وتحرر بعد أن قدم أرواح أبنائه وفلذات أكباده وخيرات بلاده، تحرر من الكفر الأجنبي ليستقبل في عصر الخداع التعتيم الإعلامي كفراً محلياً، ودَّع كفراً أجنبيا واستقبل كفراً محلياً، في ظل وعود الشعارات الزائفة والسعادة الموهومة، استقبل كفراً أسوأ ظلماً وتسلطاً وجبروتاً من الذي قبله، وما أن سقط هذا الكفر وسقطت تلك العلمانية حتى ظهر للمسلمين هناك أن قنبلة موقوتة تنفجر بزوال النظام حتى تعيش الأمة حرباً أهلية وقبلية بغيضة متطاحنة. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند شعباً عدده قرابة تسعة ملايين نسمة، عقيدته واحدة من عرق واحد، الصوماليون كما قلت أمة مسلمة عرفوا الإسلام في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له في الإسلام والدعوة إليه تاريخ مشرق ومشرف، ولكن ما إن توالت الدهور والعصور حتى اكتفنت بهذا الشعب وأحاطت به إحاطة السوار بالمعصم والعقد بالجيد، أحاطت به شلة وشرذمة نصرانية وعلمانية، وأحكمت نطاق حدوده دولاً نصرانية كافرة، فلا تعجب أن ترى أحوال المسلمين في الصومال أشد مما تسمع وأبلغ مما يروى. وفوق هذا كله لا تزال جسور الكفرة تمتد إليهم لتغذي الصراع بالسلاح، ولتغذي القبلية والعنصرية عبر الإرساليات البريطانية والإرساليات الفرنسية وأذنابها ممن جاور هؤلاء حول حدودهم وبلادهم، كانت مناطق آمنة فخلف من بعدهم خلف علماني كافر أضاعوا الصلاة، وحكموا القوانين، وأباحوا الزنا، ونشروا الخنا، وأشاعوا الفاحشة، وضاعة تلك الأمة في ظل تلك القيادات الكافرة التي لا هم لأحدهم إلا قول القائل: إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر علي وعلى أعدائي، ولينجو ظالم ببطشه وبرصيده وبملكه، لينجو ظالم بأملاكه لا يبالي أن يشرد ويقتل ويضيع من وراءه.

ما خلفه الاستعمار النصراني في بلاد الصومال

ما خلفه الاستعمار النصراني في بلاد الصومال أيها الأحبة! في فترة مضت وسمعتم وسمعنا هذا: عذب العلماء في الصومال، وأحرق عشرة منهم في ساحة عامة في العاصمة، أحرقوا أحياء بعد أن سكب البنزين عليهم، أما الدعاة فالسجون لها حديث معهم، والزنازين تعرف أسرارهم، والأغلال تشم أنفاسهم، ولكن من يخبر المسلمين بهذا، تعتيم لا نعلمه! أيها الأحبة: ومرت في تلك الفترة محاولات باءت بالفشل، وفي عام (1989م) قامت تلك الأمة المسلمة بانتفاضة تريد التخلص من الجوع، تريد التخلص من الظمأ، تريد التخلص من الكفر، تريد التخلص من الخنا والزنا ولم تعلم أن الخلاص هو ميقات انفجار قنبلة الحرب الأهلية والقبلية البغيضة. في ظل هذا الوضع انفرط النظام الذي يجمع الناس بالقهر والاستبداد، وسقطت تلك الأمة وأصبحت القبائل حرباً بعضها على بعض. ولم تترك تلك الأمة لتعالج أوضاعها بنفسها، بل لا زال الكفر الأجنبي يغذي أطراف النزاع لكي يجعلوها لبناناً جديدة، ولكي يجعلوها دولة ذات أحزاب متناحرة، هؤلاء مسلمون وهؤلاء عملاء وهؤلاء دخلاء، وهؤلاء وهؤلاء أحوال لا يعملها إلا الله. أيها الأحبة في الله! تسلط على هذه البلاد وحكمت بـ الشيوعية زمناً، تحت مطارق العسف ومناجل الإجهاض والذل، ولما تنفس الناس الصعداء، وظنوا بأن الأزمة انفرجت إذ بهم يرون ما يرون. ولكن ينبغي أن نعلم كما علموا أن ما يدور بينهم ليست فلتة أو صدفة أو مفاجأة، بل هو مخطط نصراني رهيب، يريد أن يمزق هذه الأمة المسلمة، حتى لا تكون منطلقاً لنشر الإسلام في القارة الخضراء، بعد أن سقط ذلك النظام انقسمت القبلية إلى ثلاث فرق كبيرة: إلى قبائل الهوية، وقبائل الذارود، وقبائل الإسحاقيون، هم أول من نزل بما يسمى بـ حزب المؤتمر الصومالي الموحد ثم انقسم تحت قيادة زعيمين، زيادة على ما ذكرناه من تغذية الدول المجاورة لهذه الحرب الداخلية ولأطماع النصارى والمستعمرين المستفيدين من هذا كله. إنها مأساة غريبة وليست كارثة طبيعية، إنها حرب صليبية تشرد حتى الآن مليوني نسمة، مليونا نسمة تشردوا ومائة ألف وعشرين ألف مسلم راحوا ضحايا، ومن نجا من الأطفال نقل إلى الكنائس في دول الغرب، وإلى إسرائيل لكي يكونوا جنوداً لليهودية أعداء للمسلمين.

إهمال الإعلام لحال المسلمين في الصومال

إهمال الإعلام لحال المسلمين في الصومال أيها الأحبة! وماذا عن آبائنا وأمهاتنا وعجائزنا وأحبابنا داخل الصومال؟ حدث ولا حرج عن هذه المصائب، وألوان الغارات، والنهب والسلب والجوع؛ إلى حد جعلوا يطبخون معه جلود الحيوانات ويأكلونها لأنهم لم يجدوا شيئاً، وهذا واضح ومستفيض في مدينة جلب ومركة وطربولي، أكثر الناس يطبخون -بعد البحث بعناء شديد- ما يجدونه من جلود الحيوانات ويأكلونها. لماذا لم يُلتفت إلى أزمة المسلمين في الصومال؟ لماذا لم نسمع بهم؟ لذلك أسباب عديدة، ولا يعفى إعلام المسلمين منها، ولكن واكبة أزمة الخليج والناس مشغلون بحرب الخليج عنها، واعتقد الكثير أنها قضية حزبية داخلية بحتة، وحرصت الدول المجاورة على تعتيم عظيم حول هذه القضية، فأنت تسمع عن أجمل فراشة ولا تقرأ خبراً عن أحوال المسلمين في الصومال، وتسمع عن أجمل قطة، وتقرأ تحقيقاً عن أهدأ كلب ولا تسمع شيئاً عن أحوال المسلمين والمسلمات. نعم. إعلامنا الإسلامي عجيب شأنه في هذا الزمان، أن نسمع بالعجائب والغرائب محترفاً واعتزل ولاعباً يدشن الملعب ومصيبة تحل وديانا تطلق زوجها والأمير تشارلز يبكي على هذا الفراق، أما أحوال المسلمين في الصومال وفي كشمير وفي بورما لا تجد لها إلا زاوية صغيرة غريبة. فإنا نقول لكل من قدر أن ينبئ المسلمين عن أحوال إخوانهم: إنك آثم لو سكت.

أحوال اللاجئين واستقبال الصليب لهم

أحوال اللاجئين واستقبال الصليب لهم الصومال أيها الأحبة! شأنها في الداخل والخارج حرب همجية شعواء وصل لهيبها وحريقها إلى كل مدينة، بينما الناس يجوبون في الطرقات إذ بهم يفاجئون بقذائف الراجمات وأنواع القنابل؛ فترى الجثث تملأ الأزقة والطرقات، والموت بالمئات في مواقع التجمع والأسواق حتى امتلأت الأرصفة بالجثث، وباتت الجثث غداء وعشاءً للكلاب المسعورة، ومرتعاً للجرذان والقطط والفئران، أشلاء ممزقة، رءوس على جنبات الطريق، وأرجل على أطرافها، وأيدي لا تعرف لأي جسد تتبع. أما اللاجئون الذين فروا من جحيم الحرب الأهلية بعد سقوط النظام اللاجئون الفارون من جحيم الحرب الأهلية ترى في وجه كل واحد منهم صفحة تقرأ في سطورها وتعبر كلماتها، تقرأ في سطورها مجسماً لكل معاني الفقر والفاقة والحرمان والجوع والبؤس، ولكل مهاجر قصة، ولكل لاجئ حكاية، ولكل أسرة ألف حكاية وحكاية، ولكن إلى أين اللجوء؟ إلى أين الفرار؟ اسألوا هذه القوافل، اسألوا البواخر الفارة، والقوافل الهاربة، إلى أين تذهبون؟ إلى أين تفرون؟ يفرون ولا يعلمون، إلى الموت البطيء، إلى الموت الزاحف، يفرون إلى الجوع، يفرون إلى الوباء، يفرون إلى المرض، يفرون ليفترشوا العراء ويلتحفوا السماء، يفرون إلى الجهل، يفرون إلى لهيب الشمس، وحر الهواجر، وزمهرير الشتاء، وصقيع البرد، هذا شأن الفارين إلى كينيا والحبشة وإريتريا وأثيوبيا وحدود اليمن الجنوبي، هذه نهاية الرحلة ومحطة الوصول. فمن الذين يستقبلون المسافرين؟ تستقبلهم فيالق السلام، سلام التنصير لا سلام التوحيد، تستقبلهم الجمعيات الصليبية، والمنظمات التنصيرية هي التي تستقبلهم، ولكثرة الزبائن والقادمين والوافدين أصبح النصارى لا يتورعون أن يقولوا البسوا الصليب، وصلي للمسيح، واحمل الإنجيل، نعطيك غذاءً وكساءً ودواءً فإن لم تفعل فاذهب إلى محمد يعطيك لباساً وغذاءً ودواءً. البس الصليب، احمل الإنجيل، صلي للمسيح، يسوع المخلص؛ نعطيك اللباس والدواء، فإن لم تفعل فاذهب إلى محمد حتى يعطيك لباساً وغذاءً ودواءً، إن عيسى لم ينزل في كينيا ولا إريتريا ولا أثيوبيا ولكن الذين بدلوا دينه وحرفوا ملته جاءوا يزعمون أنهم أتباع عيسى ويقولون للناس: ها نحن فأين أنتم. أما نحن أتباع محمد الذين لم نحرف ولم نبدل. ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم لعلنا تكاثرنا أن نكون مسلمين موحدين وكفى، لا والله، سنسأل عن أحوال إخواننا، لجأ إلى كينيا أربعمائة ألف شخص والهجرة والرحلة رحلة العذاب والأسى تستمر يومياً في الحدود الكينية بمعدل خمسمائة شخص إلى ملديريا وعين واق وباليسا وإيفوا وليبوي، أما في أثيوبيا ففي سوفتوا وحدها يموت يومياً خمسة وعشرين طفلاً، وكذلك في تولوا ليس الوضع بأحسن حالاً من سوفتوا، ولا تسل عن أحوال الذين هم على أطراف هذه البقعة وتلك البلاد! أيها الأحبة في الله! واقع الصومال أسوأ من البوسنة والهرسك، ولا يعني ذلك أن نرد شبابنا وأموالنا وجمعيات الإغاثة التي ذهبت من قبل بلادنا والمخلصين من أبنائنا وعلمائنا وطلبة العلم، لا. وإنما نريد مثل هذا في الصومال، نريد أن نضاعف البذل وأن نزيد العطاء حتى يعبد الله وحده، ويهزم الصليب، ويشفى المرضى، ويكسى العراة، ويشرب الظمأى، ويشبع الجياع. أيها الأحبة في الله! يقول مدير وكالة غوث اللاجئين الدولية -نصراني من النصارى-: لقد عايشت عدداً من الأزمات والكوارث والحروب وما رأيت أزمة كهذه، يعني: مصيبة المسلمين في الصومال.

قصص تجلي لنا خطورة الوضع

قصص تجليِّ لنا خطورة الوضع أيها الأحبة في الله! أما القادمون الفارون من الجحيم فتسألهم عن البقية الباقية من أحوال المسلمين هناك فيقول: رأيت جثث الحمير والبشر والآدمين تملأ الأزقة والطرقات، كل فر تلقاء وجهه، إلى أقرب حدود الدولة المجاورة، ولم يبق هناك إلا مشلول لا قدم له تنقله، أو أرملة لا زوج لها، أو عجوز وشيخ لا ولد لهما، أو يتيم لا كافل له. تفرق الناس وتشتت الأسر فالأم لا تعرف أين مصير أولادها؟ والأب لا يدري عن بناته، والزوج لا يعلم شيئاً عن زوجته، وخذوا صوراً لكي تعيشوا شيئاً يسيراً من المعانة والمأساة: في مقديشو ناقلة تحمل الناس لكي تفر بهم من جحيم الحرب الأهلية وقذائف المدافع العشوائية، فجاءت امرأة معها طفلها تريد اللحاق بهذه القافلة والفرار معها إلى رحلة مجهولة، المهم: أن تفر من هذا المكان، والقافلة تسرع لو وقفت لحوصرت من بعض العصابات واللصوص، فقدمت الأم طفلها فتنالوا طفلها ثم أسرعت القافلة ولم تستطع الأم أن تركب معهم فعاشت وبقيت لتعيش حسرتين: فراق الوليد وجحيم المدينة، هذه صورة لعدد لا يحصى من النساء. ويا ترى! هل يلتقي الطفل بأمه في مقبرة من المقابر، أم في الآخرة، أم في مخيم من المخيمات؟ وهذه امرأة حبلى قتل زوجها في العاصمة وفرت بجنينها الذي تحمله في أحشائها ومعها أطفالها الثلاثة، ولما وصلت منطقة كسمايوا وضعت جنينها لتحمل أطفالاً أربعة، ودارت رحى الحرب في المنطقة، فهربت الأم ثم فروا إلى كينيا ونزلت الأم مع اللاجئين في العراء حيث الموت بكل صوره ينتظرها وينتظر أطفالها، فمات الأطفال أولهم الجنين حديث الولادة، ثم مات الذي يليه واحداً تلو الآخر، ثم أصيبت الأم بالجنون وأخذت تدور بين الناس وتقول: كان لي أربعة أطفال، كان لي أربعة أطفال كلهم ماتوا هل صحيح أنهم ماتوا؟ تدور الأم مجنونة تقول: كان لي أربعة أطفال كلهم ماتوا، هل صحيح أنهم ماتوا. ولا تسأل عن انتهاك الأعراض في براوا حيث فرت الفتيات والنساء إلى المسجد وجاء قطاع الطرق واللصوص وناشدوهم ألا يصلوا إلى الأعراض، خذوا الملابس، خذوا المال، خذوا ما تريدون، دعوا الأعراض، فاقتحموا المسجد وفعلت الفاحشة في النساء. أما قصة حافلة مليئة بالفتيات لما شقت طريقها نزل الظلمة والطغاة الغاشمون بثلاثين فتاة، نزلوا بهن من الأتوبيس وفعلوا بهن الفاحشة على الأرض في العراء، ثم صبوا البنزين عليهن وأحرقوهن وذهبوا، ونجت واحدة بحروقها وآثار النار فيها لتروي مرارة المأساة، وقصة الفاجعة. فتاة في أحد المخيمات في الحدود الكينية يجرها جندي كيني، فقام له رجل وقال: ماذا تريد منها؟ فقال بكل بجاحة: دعك ولا علاقة لك بها، فسأل الشاب هذه الفتاة التي لم تجاوز ستة عشرة ربيعاً من عمرها قالت: لقد طلبت منه خمسين شلن كيني -أي: ما يعادل خمسة ريالات- لأشتري حليباً لأخي الصغير فلم يقبل إلا بعد أن أوافقه على فعل الفاحشة هذا المساء، وقال: إما أن ترد الخمسين شلن أو تسلم لي نفسها كما وعدت! من ينتصر للأعراض؟! من ينتصر للنساء؟! من ينتصر للضعفاء؟! وتاجر في شاس مايوا يقول: كنت أملك اثنين ألف مليون -يعني: مليارين شلن صومالي- الآن يقول: لا أملك إلا نفسي، وهذا الطفل الصغير، ولا أعلم شيئاً عن أفراد أسرتي. حدث ولا حرج عن هذه المأساة! أما الذين يفرون باتجاه السواحل والبحار فأولئك يتزاحمون على السفينة وربما آثرت الأم ولدها فرمته في السفينة، تجعله في السفينة وتبقى على أرض المأساة، لأن حمولة السفينة لا تحمل الأطفال والأمهات، فلا بد من الخيار المر، أو تقدم الأم نفسها وجنينها، فإذا ركبوا جميعاً غرقوا، أو أن تبقى الأم تعاني المأساة ويرحل الأطفال رحلة مجهولة، ومنذ مدة أعلنت بعض وكالات الأنباء عن سفينة غرقت وفيها خمسمائة نفس من الصوماليين، تزاحموا على قارب فلما أبحر قليلاً غرق القارب ومن فيه. أيها الأحبة في الله! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

مواجهة ضغط الصليب على المسلمين بالتنصر

مواجهة ضغط الصليب على المسلمين بالتنصر الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، حكم عدل واحد في ربوبيته، واحد في ألوهيته، واحد في أسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتفكروا وانظروا أحوال إخوانكم هناك، لا توجد جمعيات إسلامية تذكر أو جيوب تخبر، لا يوجد إلا منظمة الصليب الأحمر، ومنظمة كور العناية الكاثوليكية، ومنظمة أطباء بلا حدود الهولندية، ومنظمة أطباء بلا حدود الفرنسية، ومنظمة إكس فان للإغاثة البريطانية، ومنظمة العون الأمريكي والرأي العالمية، ومنظمة جيكي جك الألمانية، أما الإغاثة الإسلامية فليست بشيء يذكر، وإني أنادي الإغاثة ومنظمة الإغاثة من هذا المكان: والله لتسألون أمام الله إن كان في رصيد الإغاثة ديناراً لا يصرف على هذه الأزمة، نعم الإغاثة تعمل وتبذل ولها جهود ولكن ينبغي ألا تتدخر وسعاً. أنفق بلالاً ولا تخشى من ذي العرش إقلالا (اللهم أعط كل منفقاً خلفاً). لست بهذا أتهم الإغاثة بأنها تسرق الأموال، ولكن أقول: الحال في الصومال ليست على المستوى المطلوب، وجهود الإغاثة مقصرة مقصرة مقصرة، فإما أن تبرهن للناس جهوداً واضحة قوية وتتعاون مع المؤسسات الإسلامية النشطة كـ منظمة مسلمي أفريقيا، أو تقول للمسلمين: إنا نعجز أن نقدم شيئاً في أفريقيا، أو يقولوا: إنا نعجز أن نقدم شيئاً للصومال، حتى نعرف أين تذهب الأموال؟ لست أشكك فيهم، بل أجزم وأقطع بعفتهم، وقد رافقت الإغاثة بنفسي إلى كمبوديا وبكيه وإلى بعض البقاع فرأيت عملاً مشرفاً وجهوداً طيبة لكني أقول: الجهود في الصومال ضعيفة، الوضع في الصومال غير مشرف، سبع منظمات صليبية بعضها يحتكر الغذاء وبعضها يحتكر الدواء، وبعضها يحتكر لا ينبغي أن يوجد منافسة وأن تصب الملايين صباً، وهذه برقية عاجلة إلى مدير هيئة الإغاثة: أخبروا المسلمين ماذا قدمتم للصومال؟ المأساة عظيمة، والإغاثة تعني إغاثة لكل مسلم في أية بقعة كانت. ومع وجود هذه المنظمات الصليبية التي لا تفتأ أن تنزل مع الدواء أسلحة ومع الغذاء متفجرات، حتى تقول للناس: اعملوا واشتغلوا في هذه الحرب الأهلية، حتى إذا كشفت الحرب عن ساقها ظهر لنا أمر عجيب، وجدنا أن الهدف الأول في الحرب الأهلية هم الدعاة والمتدينون وطلبة العلوم الشرعية، إذاً ليست كارثة وليست مفاجأة، بل حرب صليبية يغذيها النصارى بالسلاح تحت الدواء، وبالمتفجرات تحت الغذاء. وماذا يقول بعضهم؟ تقول بعض منظمات الإغاثة: إن هؤلاء الأصوليين هم الذين يحولون دون وصولنا إلى كثيراً من المناطق التي نريد أن نصلكم فيها، إن هؤلاء المتشددون الوهابيون المتطرفون هم الذين يمنعون وصولنا إليكم، حتى يثيروا الأحقاد والغدر والعداء في نفوس الفقراء على العلماء وطلبة العلم، فإذا جاءوا يدعونهم أو يحذرونهم من التنصير أو يدعونهم إلى التوحيد قالوا: أنتم أعداؤنا فلا نقبل منكم شيئاً. ما هي احتياجات المسلمين في الصومال؟ الغذاء، الماء، الدواء، الكساء، الخيمة، هذا الذي يريدونه، يريدون شيئاً يفضل عنا، يريدون شيئاً لا يساوي عُشر ما نصرفه في حفلة زفاف.

أضواء على مأساة الصومال

أضواء على مأساة الصومال

مياه الشرب

مياه الشرب أما الماء الذي يشربونه فلا أنهار جارية إنما من المستنقعات المليئة بكل ما يسبب البلهارسيا والملاريا والدوسنتاريا المليئة بالجراثيم العجيبة، وربما جفت بعض المستنقعات فرحلت الهياكل العظمية التي كسيت بجلد جاف رقيق بجنين صغير ساعات طوال تبحث عن مستنقع لم يجف بعد تجد فيه قطرة ملوثة مملوءة بكل شيء من ألوان الجراثيم والفيروسات والبكتيريا، وإذا وصلوا إلى مستنقع فيه بقية من ماء ملوث لا بد أن ينتظر الساعات حتى يصل الدور إلى جالونه لأن الناس طوابير على هذا المستنقع. أما السكن فأغصان من الشجر تغرس في الأرض ويلقى عليها أشنان بالية وخرق ممزقة لا تتجاوز مساحتها خمسة أمتار، وهذه العشيشة هي المطبخ والمجلس والمرقد، وأي: مطبخ، وهل هناك آلة طبخ أو شيء يطبخ؟! أما اللباس فلا عجب أن ترى الأطفال حتى الثامنة ذكوراً وإناثاً عراة ليس عليهم حتى ما يستر عوراتهم المغلظة، أما الرجال والنساء فأكوام من النساء لا يستطعن الخروج لعدم وجود ما تستر به العورة، والرجل لا يجد إلا ما يستر عورته المغلظة.

تسارع جنائز الموتى

تسارع جنائز الموتى أما الجنائز والأموات: فموت الرجل أو المرأة يفرج كربة عريان من العراة، فيؤخذ منه لباسه لكي يكسى به حي لا لباس له، وبماذا يكفن هذا الميت؟ ربما دفن عرياناً، وربما كفن بما يوجد من قراطيس وكراتين ونحوها. أيها الأحبة في الله! أما الدواء: فلا يوجد على الإطلاق، انتشر بينهم مرض اسمه مرض (المرسمس) هذا المرض ينتفخ فيه بطن الطفل انتفاخاً عجيب ويدخل فيه وجهه ورأسه وتضمر عظامه ويبقى في حالة عجيبة، ثم بعد ذلك يصب من جوفه الإسهال كالماء، ثم يصب الدم كالماء، ثم يموت موتاً بطيئاً: كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا وأن المنايا قد غدون أمانيا يفرح بعضهم أن يموت من أمامه، يجد الموت فرجاً وفراق الحياة بشارة حتى يرتاح من هذه المعاناة التي يراها. وكل ما أذكره لكم من تقارير موثقة ومن رجلين صالحين ذهبا بنفسيهما ورأيا بأم عينيهما ما ذكرته لكم أيها الأحبة يقول أحد الشباب: لا تسأل عن هذا المرض الذي انتشر فيهم، والجفاف الذي كسى أبدانهم، يصيب بعضهم أو أكثرهم مرضاً إذا أخذت بجلدة يد أحدهم أو بجلدة من رقبته أو صدره ثم جذبت الجلد وأطلقت يدك عنه يبقى الجلد هكذا من شدة الجفاف حتى ترده من جديد إلى وضعه الطبيعي. قال الراوي: ورأينا خيمة دخلناها فوجدنا فيها امرأة مضرجة بالدماء من حولها، ينزف الدم من أنفها ومن فمها وأعزكم الله والمسجد والملائكة والسامعين، وينزف الدم من قبلها ودبرها، فسألناهم عنها قلنا: ما هذه المرأة؟ قالوا: إنها مريضة، قلنا: وماذا تنتظرون؟ قالوا: ننتظر حتى تموت لنستفيد من خيمتها وملابسها. ورأيا رجلاً وزوجته مقطوعة أطرافهما وأطفالهما مصابون بإسهال فسألنا عنهم، فقلنا: ما هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء مرضى وعلى أية حال ربما يموتون بعد خمسة أيام ويستفاد من مكانهم. أصبح الناس يريدون ويشتهون الموت، يجدون في الموت راحة، في الموت كساءً، في الموت شبعاً، في الموت رياً، في الموت أماناً، في الموت طمأنينة، أما الحياة فمرض وجوع وعري وعطش، سقماً ونهباً وفزعاً وقلقاً وخوفاً.

الغذاء

الغذاء أما الغذاء إذا وصل إلى تلك المناطق فلا يقال لهم لقد جاءكم الغذاء، إنما يقال لهم وصلت حملة طبية معها أدوية، ثم تنصب الخيمة والغذاء فيها، ويدخل المرضى حسب الترتيب الأولوي لأشدهم مرضاً، ثم يعطوا الغذاء بملاعق كأنه يعطى الدواء، لو علم أولئك الناجون أن هذه القافلة القادمة أو السيارة الوافدة تحمل غذاءً لتقاتلوا عليها وتناهبوها ولا يلامون من شدة الجوع. سلوا أنفسكم: ماذا ستأكلون بعد الصلاة هذا اليوم؟ ما هي أصناف الغداء التي سوف تأكلونها بمشيئة الله بعد الانصراف من الجمعة؟ انظروا إلى أولئك وتذكروا المائدة التي ستنزلون عليها. إن المقابر أيها الأحبة! ما بين كل عشرة إلى عشرين خيمة تجد قبوراً لخمسة أو ستة، وليس عجيباً أن تقابل رجلاً يقول: مات لي طفل اليوم وبالأمس مات لي طفلان وعندي طفل أو اثنان مريضان، أما النساء الحوامل فثمانون بالمائة من النساء الحوامل يمتن ويفارقن الحياة ويلفظن النفس أثناء الطلق والولادة لعدم وجود العناية والرعاية بهم.

دعوة للإنفاق وصون النعم

دعوة للإنفاق وصون النعم يا أمة الإسلام! من يشتري جنة بدعوة للتوحيد ومواجهة للتنصير، من يشتري جنة بلقمة تدفع الموت، وبجرعة تبرئ السقم، وبغرفة ماء ترجو الحياة، وبلباس يستر العورة. أين من أسرف على نفسه بالذنب والمعصية دون شباب عظيم، في الصومال إغاثة اللاجئين تكفر به ذنوبك وخطاياك، {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] هل في المسلمين تاجر يهجر مكتبه أو شركته أو شاشة الأسهم وبورصة الإعلانات ليعقد أكبر صفقة رابحة مع الله لإنقاذ عباد الله اللاجئين من الشرك، الفارين من التنصير، الهاربين من المرض والجوع والعطش؟ أيوجد ثري يسافر إلى هناك؟ هل يوجد من يغير خط الرحلة من نيس وكالي وناربيه وجنيف ليجعله إلى سوفتوا وغيرها من المواقع التي تمتلئ بالمساكين الصوماليين، أو من يملك طائرة خاصة يتجول بها أو ينقل بها الضيوف ليحضروا زواج ابنته في لندن، هل يذهب بطائرته إلى هناك لكي ينظر أحوال المسلمين؟ هل يوجد من يسير إلى تلك البقاع؟ هل في شبابنا من يجمعون المال ويسافرون، وينتظمون في سلك الإغاثة، ويقولوا لـ هيئة الإغاثة: أعطونا المال والدواء وجهزوا كل السبل ونحن ننفذ إن لم يوجد عندكم جهاز يكفي للتنفيذ؟ هل فكرنا أن نزور هذه المنطقة؟ أيها الأحبة! منذ مدة وجهت إلينا دعوة لنحضر زفافاً في فندق (الإنتر كنتننتل) فقلت: لا والله لا نحضره وحرام على أهلي الحضور، ولا يجوز لنا أن نحضر، إيجار الصالة في ليلة واحدة (مائة وخمسين ألف ريال) ومنذ مدة حفلة زواج في فندق (الإنتر) قبل الحفلة قدم لمطرب من المطربين (ستون ألف ريال) لكي يغني في العروس والعريس. إنا لله وإنا إليه راجعون، ألا تخشون أن يصيبنا ما أصابهم، ألا تخشون أن يحل بنا ما حل بهم، ألا تخافون أن يخسف الله بنا، ألا تخافون أن يصيبنا ما أصابهم، قلتها في جمعة ماضية، إناء من عجين يصنع به زخرفة عجين الطعام الذي لا يجدونه يصنع بهذا الإناء زخرفة في أرض في مناسبة من المناسبات. يا أمة الإسلام! والله إننا نخاف على هذه النعمة، إننا نخاف ونخشى على هذه النعمة، إنا لنخشى على هذه النعمة، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] الناس تموت جوعاً ومرضاً، وغيرنا ومنا وفينا يتسابقون لوضع أكبر دش يستقبل ( m b c) والقاهرة والكويت، وربما استقبل بعضهم ستة وأربعين محطة فضائية، إنهم يستقبلون ماذا؟ يستقبلون الحفلات والرقص والغناء واللهو، وليس في هذه الأقمار الصناعية وهذه المحطات الهوائية ما ينقل لنا أحوال المسلمين. يا أمة الإسلام كم تبكي عيون بنيك دم حسبنا الله ونعم والوكيل! إننا من هذا المكان نناشد كل مسئول في الإعلام أن تظهر تقاريرها على الأقل النصف أسبوعية عن المسلمين في الصومال وفلسطين والبوسنة والهرسك وبورما وكشمير وكل البقاع، حتى نبرهن إسلامنا في إعلامنا، حتى نبرهن إسلامنا في تصرفاتنا. أما أن تمر الشهور ونرى العجائب ولا نرى شيئاً عن أحوال المسلمين، لا بد من إيجاد البرامج والحوارات واللقاءات والتحقيق المصور، حتى يظهر الأمر على حقيقته. ختاماً أيها الأحبة! لا يزال المسلمون يكرهون النصارى هناك، لا يزال الفقير الجائع العطشان العاري يكره النصارى ويريد لقمة من مسلم ولا يريد طبقاً من كافر، فهل هنا مسلم يذهب؟ نسأل الله جل وعلا أن يدفع البلاء عنا وعنكم. إخواني: ستجدون على الأبواب من يجمع، وإني لا أعذر أحداً يخرج إلا وقد تبرع، فإن لم يجد فيأتي بالتبرع ويأخذ على عاتقه أن يقدم أسبوعياً مائة ريال فقط، لو أننا في كل جلسة أو زواج أو مناسبة بعد أن نشبع ونهضم ما نملأ به البطن، بعد أن نشبع ونتجشأ من نقول: يا إخوان شبعتم وغيركم جياع ليأتي كل واحد منكم بخمسة ريالات، يجمعها على مدى الأسبوع قدمها لهؤلاء صدقة تدفع عنا البلاء، إن كنت تريد أن تعيش على هذا الوضع آمناً مطمئناً في علاج ودواء وأمن وطرق وخير ودعة وراحة، يمكن تترك أطفالك يعيشون فانتبه لأطفال المسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم فرج كربة المسلمين في الصومال، اللهم فرج كربة المسلمين في الصومال، اللهم فرج كربة المسلمين في الصومال، وفي البوسنة والهرسك اللهم أهلك الصربيين، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم كن في عون المسلمين في كل مكان، اللهم ارحم المسلمين في تونس والجزائر والصين وكشمير وبورما وسائر الأرض يا رب العالمين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً. اللهم قنا شر الفرقة والخلاف والضياع. اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا على طاعتك، ربنا لا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً. اللهم زدنا من هذه الخيرات وزدنا شكراً وعبودية لك يا رب العالمين. اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه.

مفهوم (لا إله إلا الله)

مفهوم (لا إله إلا الله) (لا إله إلا الله) هي العروة الوثقى، وهي الكلمة التي جعلها إبراهيم عليه السلام باقية في عقبه لعل قومه يرجعون، وهي الكلمة التي إذا نطق بها العبد عُصِم عرضه وماله ودمه، وهي أول ركن من أركان الإسلام، وأعلى شعبة من شعب الإيمان. وقد ورد لها في الكتاب والسنة ثمار وشروط ونواقض، يجب على العبد معرفتها حتى يبقى في دائرة (لا إله إلا الله).

معنى لا إله إلا الله

معنى لا إله إلا الله الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، هو الأول ليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن ليس دونه شيء، وهو على كل شيء قدير، قدر فهدى، ودفع عنا سائر النقم، وأسبغ علينا ألوان النعم، وما من خير إلا ودلنا عليه في كتابه، وما من شر إلا وحذرنا منه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فله الحمد في الآخرة والأولى، وله الحمد حتى يرضى: يا رب أنت المستعان وإننا أبداً لجودك عالة فقراء أنت الغني وما لجودك منتهى بيديك سر الخلق والإحياء ما كان أو سيكون أو هو كائن يفنى وليس لما سواك بقاء أبدعت هذا الكون في صنع وفي يدك التصرف فيه كيف تشاء لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله سيد الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وأزواجه وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أحبتي في الله: شرف عظيم وأي شرف أن نجتمع سوياً في بيت من بيوت الله، نتلو شيئاً من كلام الله، وطرفاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الملائكة تستغفر لنا وتقول: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم. اجتمعنا على غير ما صلة ولا قرابة، ولا طمع ولا مصلحة، ولا غاية إلا طلب ما عند الله عز وجل. فإني أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، إنه سميع مجيب. هذا الفضل العظيم لا يوجد في أي مقام من مقامات الدنيا إلا في هذه الأماكن، وقد يقول قائل: إن الإنسان لو ألقى محاضرة عبر التلفاز، أو عبر الإنترنت، أو عبر الإذاعة لخاطب ملايين الناس، وهذا حق وصواب، ولكن الخطاب والحديث في كلام الله وسنة رسول الله على وجه التذكر والتعبد والتذلل في بيوت الله عز وجل له مزية لا توجد في سواه، ألا وهي مزية تنزل الملائكة وغشيان الرحمة، وذكر الله عباده في الملأ الأعلى. أحبتي في الله: المقام لفضيلة الشيخ صالح بن غامد السدلان، ولي موعد تضارب مع هذا الموعد وهو موعد دعوي -أيضاً- في منطقة تبعد عن الأرطاوية كما أخبرني أحسن الله إليه وإليكم، في أمر دعوي -أيضاً- توجه حفظه الله، وطلب مني أن أقوم مقامه وأن أنوب منابه، وقد قال الله عز وجل: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء:43]. وأهل اللغة يقولون: نائب الفاعل يقوم مقام الفاعل، فلعلي أن أسد شيئاً من مسده وخطابه وكلامه، سائلاً الله عز وجل أن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل. عنوان هذه المحاضرة: (معنى لا إله إلا الله): كلمة التقوى والعروة الوثقى لا إله إلا الله، جعلها إبراهيم عليه السلام كلمة باقية في عقبه، لعل قومه يرجعون وبمقتضاها يعملون. هذه الكلمة العظيمة التي إذا نطقها العبد موقناً بها، دخل في هذا الدين العظيم، قد عصم بذلك عرضه وماله ودمه، وإذا أبى فلا كرامة لعرضه ولا عصمة لدمه ولا لماله. هذه الكلمة التي أمر صلى الله عليه وسلم أن يعلمها حيث قال عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]. هذه الكلمة، أول ركن من أركان الإسلام، وأعلى شعبة من شعب الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق). كلمة لا إله إلا الله، أول واجب على المكلف، وآخر ما يجب على المكلف عند الذكر أن يخرج بها من الدنيا، أن يقولها إذا فارق الحياة أو إذا أوشك أن يفارق الحياة. هذه الكلمة لا: نفي، إلا الله: إثبات، النفي والإثبات، نفي الألوهية عن غير الله، فحينما نقول: لا إله، معناه: أننا ننفي جميع ما يعبد من دون الله، وقولنا: إلا الله، معناه: حصر العبودية وإثبات العبودية لله وحده لا شريك له، وهذا أسلوب الحصر والقصر، الذي هو في أقطع الدلالة وأبلغ الدلالة على حصر العبادة فيمن أثبتت العبادة له، وحصرت عليه في باب الاقتضاء، قال ابن رجب: الإله هو الذي يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا ينسى، هيبة وإجلالاً، ومحبة وخوفاً ورجاءً وتوكلاً وسؤالاً ودعاءً؛ وكل ذلك لا يصلح إلا لله عز وجل، فمن صرف شيئاً من هذه الأمور، أو أشرك مع الله فيها غيره سبحانه، فقد مرق من الدين وارتكب أمراً من أمور الشرك، إذ أنَّ لا إله إلا الله تقتضي ألا يعبد إلا الله، ولا يذكر إلا الله، ولا يشكر إلا الله، ولا يسأل إلا الله، ولا يدعى إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله، ولا يستعان إلا بالله، ولا يذبح إلا لوجهه سبحانه وتعالى، ومن خلط في هذه الأمور فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الشرك. الله علم على ذات الله عز وجل، الله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، الله محيط بكل شيء والناس لا يحيطون به علماً: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] الله مستحق أن يوحد في ربوبيته، فهو المدبر المتصرف الرازق الباسط المعطي المانع المحيي المميت، كل شيء بيده له الخلق والأمر، لا مدبر في هذا الكون إلا هو سبحانه، إقرارنا بأنه وحده المتفرد بالتصرف في كل الأمور، هذا توحيد الربوبية الذي لا يجوز لعبد أن ينصرف عنه، ولا يجوز لأحد أن يلتفت عنه. كانت العرب إذا اشتد بها الخطب لجأت إلى الله في هذا، كانوا إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، كانوا يعبدون من دون الله آلهة أخرى، لكن إذا اشتدت الكربات وتتابعت المدلهمات، نادوا في الظلمات: لا إله إلا الله، أما في الرخاء فيعبدون اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، ووداً ويغوث وسواعاً ونسراً. أحبتنا في الله: إن شأن لا إله إلا الله، ومعنى لا إله إلا الله تضيق عن بيانه المجلدات، وتفنى دونه الأقلام، وتكل عنه الألسنة، لا يحصره بمقتضاه ومعناه، وما يجب وما ينبغي وما يليق إلا لله عز وجل؛ لأنها متضمنة الثناء، ومن الذي يحصي على الله الثناء؟! لأنها متضمنة الشكر، ومن الذي يحصي على الله الشكر؟! {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:27] {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [الكهف:109]. العظمة كل العظمة في هذه الكلمة وفي معناها، ولذا كان أسعد الناس من وفقه الله إلى أن يجعلها ذكراً دائباً دائماً لا ينقطع من لسانه، يجعلها نفساً وشهيقاً وزفيراً، لا إله إلا الله، إنك تستطيع أن تقول: لا إله إلا الله وأنت مع الناس في المجالس، وقد أطبقت شفتك على الأخرى، ولسانك يتحرك بها، دون أن يشعر الحاضرون أنك ذاكر لله عز وجل، فمن جعلها دأبه وذكره، وجعلها أنسه وسعة قلبه ولذة فؤاده أنس بها، يموت عليها، ويبعث عليها، وتشفع له، وتحاج له، وتجادل له عند الله عز وجل يوم القيامة.

ثمار لا إله إلا الله

ثمار لا إله إلا الله أمر لا إله إلا الله عظيم، جاء صلى الله عليه وسلم إلى عمه أبي طالب، والعم الذي أبى أن يدخل في الإسلام، لكن قدم للإسلام ما قدم من الدعم والحصانة والصيانة، والرعاية للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاء صلى الله عليه وسلم وأبو طالب في النزع الأخير وروحه تغرغر، قال صلى الله عليه وسلم: (يا عم: قل لا إله إلا الله، كلمة أجادل للك بها عند الله عز وجل) لولا أنها تنفعه ما قال صلى الله عليه وسلم قلها عند الموت، لولا أنها تشفع له، ولولا أنها تدخل الجنة، ولولا أنها تخرجه من النار، وتجادل عن صاحبها، لما كان في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عم: قل لا إله إلا الله أحاج لك -أجادل- بها عند الله عز وجل) فائدة. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن الغلام اليهودي قد حضره الموت، فدخل عليه صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى لا إله إلا الله، وقد يقول قائل: وماذا تنفع لا إله إلا الله في يهودي آذى نبي الله، وكفر بدين الله، فهل قوله لها قبل فراق الدنيا بلحظات تنفعه؟! A نعم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليه وقال: (يا غلام! قل لا إله إلا الله، فأخذ الغلام ينظر في وجه النبي صلى الله عليه وسلم وينظر في وجه أبيه، فقال أبوه: أطع أبا القاسم، فقال الغلام اليهودي: لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، ثم فاضت روحه، فأخذ صلى الله عليه وسلم يكبر) فرحه بنطقه بها أنساه فجيعة موته أمام عينه، تهلل وجهه فرحاً كأنه مذهبة، كأن وجهه قطعة ذهب، فرحاً لما نطق بها؛ لأن أمر النطق بها أعظم حتى لو فارقت الأرواح الأبدان، أو فارقت الأنفس الحياة. كلمة لا إله إلا الله، العروة الوثقى لا انفصام لها {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة:256]. كلمة لا إله إلا الله، أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده، هي العهد العظيم: (لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم:87] قال ابن عباس: هي شهادة أن لا إله إلا الله. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: العهد شهادة أن لا إله إلا الله، والبراءة من الحول والقوة إلا بالله، وألا يرجو إلا الله. كلمة لا إله إلا الله هي الكلمة الطيبة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإذنِ رَبِهَا} [إبراهيم:24 - 25]. ثمار لا إله إلا الله، يقول الله: إنها تؤتي أكلها كل حين، لا إله إلا الله لها ثمار حتى ولو تسلط أعداء الإسلام على المسلمين. لا إله إلا الله لها ثمار حتى ولو انتشرت القنوات الفضائية، بالفسق والفجور والمجون. لا إله إلا الله لها ثمار حتى ولو استطال الشر وعرض في الشبكات الإلكترونية عبر ما يسمى بالإنترنت. لا إله إلا الله لها ثمار حتى لو أدبر الناس عن الدين، أو غفلوا عن العبادة، أو أغروا في المعصية؛ لأن الله قال في لا إله إلا الله: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم:25]. فمن ذا الذي يقول: أن لا إله إلا الله لا تنفع اليوم في عصر القنوات الفضائية؟! من الذي يقول: أن لا إله إلا الله لا تنفع أمام شبكات الإنترنت؟! من الذي يقول: لا إله إلا الله لا تنفع أمام هذا الجِبل العظيم الذي أضله الشيطان وأغواه، وجعله في المحافل والمنتديات والسهرات واللهوات؟! بلى. لا إله إلا الله لها أثر، وهذه بشارة، والدعاة العاملون الصادقون متعلقون بهذا الوعد من الله، مادام الله قال: أن لا إله إلا الله لها ثمرة: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:25] فإننا ينبغي أن نكون ماضين عازمين مستمرين على البلاغ بها، والدعوة إليها، ونشرها، والجهاد بها ولأجلها، ولو مات من مات من الناس دونها؛ لأن الله قال: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ} [إبراهيم:25 - 26] هي ضد الكلمة الطيبة، الكلمة الطبية لا إله إلا الله، والكلمة الخبيثة هي الضد لهذا: (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم:26] ما الأمر بين هذا الفريق وهذا الفريق، ما الأمر في هذا الجدال وهذا الجدال، ما الأمر في هذا الخلاف وهذه المطاولة والمصاولة؟! {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. كلمة لا إله إلا الله، شجرة طيبة: {أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:24].

باب من أبواب الحسنات

باب من أبواب الحسنات لا إله إلا الله هي أفضل الحسنات، قال أبو ذر رضي الله عنه: (يا رسول الله! علمني عملاً يقربني من الجنة ويباعدني من النار؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر أمثالها، قال: قلت: يا رسول الله! أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ فقال: هي أفضل الحسنات) تخيل كم يكتب لك من الحسنات حينما تجلس في مجلس نصف ساعة أو ساعة وتجعل لسانك مشغولاً بلا إله إلا الله؟ بعض الناس ممن فتح الله عليه باب الذكر تجده في المجلس كأنه لا يذكر الله، لكن إذا دققت وجدته ربما قد وضع يده على فمه، وتحت يده شفة تنبس ولسان يلهج: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، والناس لا يسمعونه في المجلس، لكن هو يجمع ثروة، يخزن الكنوز، ويضاعف التجارة، ويربح أرباحاً مضاعفة في الجلسة الواحدة، ربما ذكر الله مائة مرة، فتكتب له مائة حسنة، وكل حسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261]. لذا فإن أعجز الناس العاجز عن الذكر، وأخسر الناس العاجز عن الذكر، يا سبحان الله! الواحد منا إذا استلم فاتورة الجوال سبعمائة ريال أو ستمائة ريال أو ألف ريال، وبعضهم تبلغ ألفين ثلاثة آلاف، من أين كل هذا الكلام؟ من أين جاءتنا هذه الفواتير؟ من لسانك الذي يثرثر ويتكلم ويلغو، وربما تكلم فيما لا يليق ولا ينفع، ليس عيباً أن تستخدم الهاتف، ولكن انظر كم أحصى عليك الهاتف من المكالمات عبر الدراهم والريالات، فهلا أعنت نفسك على أن تلهج وتحرك لسانك بذكر الله كما يتحرك لسانك بالهاتف الجوال، أو في الحديث مع فلان وعلان. اعلم أخي أن الخاسر من غفل عنها، والرابح من عود نفسه، ولا تقل: أنا مدخن، كيف أقول لا إله إلا الله؟ قلها ولو كان الباكت في جيبك، اشغل نفسك بلا إله إلا الله ولو كان الباكت في جيبك؛ لأنها بإذن الله ستطهر قلبك من الاستمرار في التدخين، قلها ولو كنت حليقاً، قلها ولو كنت مسبلاً، قلها ولو كنت سماعاً للأغاني، قلها ولو كنت فاعلاً معصية من المعاصي؛ لأنها حسنات، والحسنات معينة على ترك السيئات بإذن الله عز وجل، والله سبحانه يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]. إذا أدمنت عليها، وذكرت الله بها، وقلت في قلبك: أني أذكر الله رجاء أن يهديني لترك هذه المعصية، ولفعل هذه الطاعة، والبعد عن هذه المخالفة، أعانك الله ونفعك بها نفعاً عظيماً.

سبب لدخول الجنة

سبب لدخول الجنة لا إله إلا الله سبب دخول الجنة، (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة) كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم. وقال أيضاً: (من شهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) رواه البخاري ومسلم. وروى البخاري ومسلم -أيضاً- من حديث عتبان رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله). لا إله إلا الله تعصم دم الإنسان وماله وعرضه، قال صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم الله ماله ودمه، وحسابه على الله عز وجل) رواه الإمام مسلم. وكلمة لا إلا الله، الكلمة الفاصلة بين الكفر والإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم).

شروط لا إله إلا الله

شروط لا إله إلا الله وكلمة لا إله إلا الله هي مفتاح الجنة، والمفتاح لا يفتح إلا بأسنان، وأسنان لا إله إلا الله هي شروطها فأول شروطها:

العلم المنافي للجهل واليقين المنافي للشك

العلم المنافي للجهل واليقين المنافي للشك العلم المنافي للجهل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19] واليقين المنافي للشك: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:15] العلم يقتضي اليقين؛ لأن العلم درجة، أبلغ من النظرية، وأبلغ من المعرفة، وأبلغ من الظن، العلم: هو غاية الإدراك وتمام اليقين. لذا كان الأول: العلم. والثاني: اليقين، إذ أن التردد فيها قد يكون سبباً في مروق صاحبها وخروجه من الملة، تردد أقوام من الزنادقة، وأخذوا يشككون، يقول قائلهم: في اللاذقية ضجة ما بين أحمد والمسيح هذا بناقوس يدق وذا بمئذنته يصيح كأنه يشكك في الأمر، هل هم ثلاثة، أم إله، أم أن الله له ولد، أم أن المسيح ابن الله، أم لا إله إلا الله؟!! من كان في هذا الريب وهذا الشك، فهو لم يبلغ فضل وكرامة لا إله إلا الله، لكن الفضل والثواب والكرامة لمن قالها عالماً أن لا إله إلا الله، موقناً يقيناً لا شك فيه أن لا إله إلا الله {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22] لو كان مع الله آلهة أخرى لكان الأمر مريجاً، ولكان الأمر مختلطاً، ولكان الأمر في عجب عجاب، لو كان مع الله آلهة، لكان إله يريد أن تشرق الشمس وإله يريد أن تغرب، وإله يريد أن تمطر السماء وإله يمنعها المطر، وإله يريد أن تنبت الأرض وإله يمنعها النبات، وإله يريد للأرحام أن تحمل، وإله يريدها أن تغيض، وإله يريد للأرواح أن تموت وإله يريدها أن تحيا، لا يمكن ولا يعقل ولا يقبل عقلاً وفعلاً وجدلاً وتصوراً وعلماً وحقيقةً ويقيناً، لا يقبل العقل! ولا يطمئن الفؤاد! ولا يصح النقل إلا بلا إله إلا الله. لا يتصرف في الكون إلا مالك واحد مدبر متصرف هو الله وحده لا شريك له.

القبول لما تقتضيه

القبول لما تقتضيه ومن شروطها: القبول لما اقتضته هذه الكلمة. يقولون: لا إله إلا الله، فإذا قيل لهم: إنها تقتضي ترك الربا، قالوا: لا أين نستثمر الأموال؟ يقولون: لا إله إلا الله، فإذا قيل لهم تقتضي ترك الزنا، قالوا: وكيف نحرم أنفسنا لذة النساء؟ يقولون: لا إله إلا الله، فإذا قيل: إنها تقتضي ترك الخمور والمسكرات، قالوا: وكيف نترك لذة الشراب؟ يقولون: لا إله إلا الله، فإذا قيل: إنها تقتضي الصدق والأمانة والصلة والبر والخير، قالوا: لا. هذه أمور تفسد مصالحنا. لا إله إلا الله مفتاح للجنة، أسنانه الشروط: العلم، واليقين، والقبول لما تقتضيه الكلمة، وإن أقواماً يترددون بين ارتكاب المنكرات المخالفة لها، وبين فعل أمور هي مخرجة لهم من الملة والعياذ بالله. ولذا فإن أعظم مقتضى للا إله إلا الله الصلاة، أعظم مقتضى للا إله إلا الله الانقياد والخضوع والسجود والركوع والخشوع في كل الأوقات؛ في الغدو والآصال، في دلوك الشمس وغسق الليل. أعظم مقتضى للا إله إلا الله الصلاة، وهي البرهان الحقيقي، من كان يؤمن أن لا إله إلا الله وجدته حقاً مصلياً، أما تارك الصلاة فقد قرر أهل العلم أنه كافر، ولو قال لا إله إلا الله فهو كافر؛ لأن لا إله إلا الله لها مقتضى، ومن شروطها: أن تقبل الاقتضاء الذي تقتضيه، وتنقاد لما تقتضيه، ومن أعظم مقتضياتها الصلاة: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) وكما قال الصحابي الجليل: [ما كنا نرى عملاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة] أي: من تركها فقد كفر. وأمر الصلاة عظيم يا عباد الله، قد ترى الرجل يلهو، وقد ترى الرجل يفعل المعصية، وقد ترى الرجل تقع منه الزلة والغفلة، لكنه يصلي ويحافظ على الصلاة فترجو له خيراً، وترجو أن يعود إلى الطاعة، وأن يتوب من الزلة، وأن يقلع عن الهفوة والغفلة، لكن إذا رأيت الرجل لا يصلي فاغسل يديك منه بالماء والصابون سبع مرات إحداهن بالتراب، لا أمل فيه إلا أن يعود إلى الصلاة، ولا خير فيه إلا أن يعود إلى الصلاة، ولا يقبل منه شيء إلا أن يعود إلى الصلاة، من شروطها: الانقياد والاستسلام: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54]. والصدق المنافي للكذب، والصدق يقتضي التحمل، ويقتضي الصبر على الأذى والبلاء: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3].

الإخلاص

الإخلاص ومن شروطها: الإخلاص. لا بد أن يقولها العبد خالصاً لوجه الله، من غير خوف، ولا مجاملة، ولا رغبة ولا رهبة، ولا طمع، فإذا استقرت في قلبه على حال الإخلاص نفعته، نعم رب قوم يدخلون بادئ الأمر بطمع، لكن سرعان ما ينتقل الأمر إلى اليقين والإخلاص والثبات. فلا إله إلا الله إذا استقرت بالإخلاص نفعت صاحبها بإذن الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه).

المحبة لهذه الكلمة

المحبة لهذه الكلمة ومن شروطها: المحبة لهذه الكلمة. حب لا إله إلا الله، يعني: أن تجعلها على لسانك دائماً، حب لا إله إلا الله، إذا سمعت المنادي ينادي بها تركت فراشك اللذيذ، والحضن الدافئ، وكل لذة أنت فيها، لتركع وتسجد وتخشع قياماً بمقتضى لا إله إلا الله، أما أن ندعي المحبة لكن النوم أحب إلينا من لا إله إلا الله، والشهوة أحب من لا إله إلا الله، والمعصية أحب من لا إله إلا الله. تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا عجيب في القياس بديع لو كنت تصدق حبه لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذا أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) رواه البخاري ومسلم. قال عمر بن الخطاب لما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين) اسأل نفسك يا عبد الله: هل الله عز وجل أحب إليك من نفسك ومالك وولدك ووالدك؟ قال عمر: (يا رسول الله! إنك لأحب إليّ من مالي وولدي، فقال صلى الله عليه وسلم: ومن نفسك يا عمر!) وعمر هو ممن يفدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بروحه ونفسه، ولكن هذا سؤال اسمه السؤال التقريري؛ لأن الأسئلة أقسام: فهناك سؤال إخباري، وسؤال إنكاري، وسؤال تقريري، فأما السؤال الإنكاري: أن تسأل عن شيء بصيغة إنكار الجواب، والسؤال الإخباري: أن تسأل وتريد أن يخبر الناس بالجواب، والسؤال التقريري: أن تسأل عن شيء تريد أن يتأكد وأن يتقرر، وأن يتعمق ويتثبت الناس في معنى وصميم وفهم الجواب، فـ عمر رضي الله عنه لا يسأل إنكاراً ولا ينكر معانداً، وإنما يسأل سؤالاً تقريرياً، ليقول صلى الله عليه وسلم: (ومن نفسك يا عمر!) أي: لابد أن يكون الله ورسوله أحب إليك من نفسك ومالك وولدك ووالدك، فقال عمر: (ومن نفسي، قال: الآن يا عمر!) رضي الله عن عمر. يقول الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله ناظماً شروط لا إله إلا الله: العلم واليقين والقبول والانقياد فادر ما أقول والصدق والإخلاص والمحبه وفقك الله لما أحبه ونظمها بعضهم بقوله: علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها فهذه سبعة شروط لها، وأضاف بعضهم شرطاً ثامناً وهو الكفر بالطاغوت، في قول الناظم: وزيد ثامنها الكفران منك بما سوى الإله من الأوثان قد ألها وشرط الكفر بالطاغوت مأخوذ من قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة:256]. انظروا في لا إله إلا الله نفي الألوهية ثم إثباتها لله، انظروا في هذه الآية: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} [البقرة:256] قدم الكفر بالطواغيت ثم جيء بالإيمان بالله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة:256] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه) رواه الإمام مسلم.

نواقض لا إله إلا الله

نواقض لا إله إلا الله وكما أن لا إله إلا الله لها من الشروط ما سمعتم، فإن أقواماً يجهلون نواقضها، نعم أنت تقولها، ويقولها بعض الناس ويدعي أو يظن أنه قائم بشروطها، وإذا تأملت حاله وجدته واقع فيما يناقضها، حتى تنفعك لا إله إلا الله، وتنفعك الأحاديث التي جاءت فيها: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)، (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)، (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً مخلصاً من قلبه) يقول الشيخ/ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، حفيد إمام الدعوة قدس الله روحه في الجنان، قال: ومن شروط قولها: أن يثبت عليها حتى يموت عليها. يقولها اليوم وبعد سنة يرتد ويكفر، يقول: نفعتني أنا قبل سنتين قلت: لا إله إلا الله، لا. يقولها ويثبت عليها ويموت عليها، وزيادة على ذلك: ألا يأتي بما يناقضها، فما هي نواقض لا إله إلا الله؟ من قال: لا إله إلا الله وأخذ يطوف بالقبور، فيدعوها ويتوسل إليها، ويسألها ويتبرك بها، ويرجوها أن تدفع الكربات وتغيث اللهفات وتجيب الدعوات، هل تنفعه لا إله إلا الله؟

الشرك

الشرك لا تنفع لا إله إلا الله إلا إذا سلمت من نواقضها، والشرك أقبح ناقض: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]. وقال تعالى: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72]، وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) الله عز وجل ليس بحاجة إلى عمل عباده، إما أن تعمل العمل خالصاً لله، مائة في المائة، لو كان تسعة وتسعين وتسعة من عشرة لله، وواحد من العشرة لأي أمر آخر ما نفعك العمل، يقول سماحة الشيخ/ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى، في برنامج نور على الدرب -كنت أستمع له في البرنامج- قال: لما علق على هذا الحديث: إن الله عز وجل يقول: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري) قال: من الناس من يعمل عملاً يريد وجه الله ويريد سمعة، يريد وجه الله ويريد مصلحته، يريد وجه الله ويريد شيئاً آخر، فإذا اختلطت مصالح النفس بمقاصد التعبد، فسد العمل ولم ينفع صاحبه، لكن أن تعمل العمل لوجه الله، ثم يأتيك من ثوابه العاجل غير ثوابه الآجل مصلحة في الدنيا فإن ذلك لا يضرك، كما قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال: (يا رسول الله! أحدنا يعمل العمل فيسمع ثناء الناس عليه فيعجبه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: تلك عاجل بشرى المؤمن). فشتان بين أن يكون لك من المصلحة تبعاً للعمل والعبادة شيء، فهذا لا يفسده ولا يكدره، لأنك لم تقصد العمل لهذا الأمر المصلحي المادي، وبين أن تقول: نحن نجمع بين الاثنتين عبادة ومصلحة، نقول: لا. لأن الله قال في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) والشرك ظلم عظيم، وهو أقبح القبائح وأكبر الكبائر وأعظم العظائم، وقد ذكره الله عز وجل في وصية لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهم بِظُلْم} [الأنعام:82] اللبس بمعنى الخلط، أي: ولم يخلطوا إيمانهم {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] ما هو الظلم الذي لا يجوز لبسه بالإيمان؟ هو الشرك الذي قال الله عز وجل فيه على لسان لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]. قد يتساهل الإنسان ببعض الأمور يظنها لا تؤثر في الديانة، ولا في العقيدة، ولا في الثبات على الملة، فيتهاون بها، يذهب إلى ساحر أو عراف، أو يذهب إلى أحد من أهل الكفر والزندقة، ويقول: الأمر هين، أحضر دجاجة صغيرة جداً، أحضرها لنا واقطع رقبتها في هذا المكان، ولا تسم عند ذبحها، يعني: اذبحها للشياطين وللجن، وللطواغيت، هذه الفرخة الصغيرة كفيلة بأن تخرجك من الملة وتحبط عملك كله، ليس بشرط أن تذبح فيلاً من أجل أن تخرج من الإسلام، أو تنحر ناقة من أجل أن تخرج من الإسلام؟ بل لو أمسكت نملة وقطعتها قسمين وذبحتها تريد أن تقربها لغير الله وهي نملة لا تكاد ترى تكفي أن تخرجك من الملة، لذا جاء في الحديث الصحيح: أن رجلاً دخل النار في ذبابة، وآخر دخل الجنة في ذبابة، فقد مر الرجلان على قوم عاكفين عند صنم لهم -هؤلاء القوم حبسوا الرجلين- قالوا للأول: قرب قال: ليس عندي شيء أقربه، -يريدون منه أن يقرب لصنم من الأصنام، لغير الله عز وجل قال: ليس عندي ما أقرب- قالوا: قرب ولو ذبابة، فقدم ذبابة، أي: مسك ذبابة وفصلها فدخل النار. بعض الناس يتهاون بالمسألة، يظن أنه إذا لم يملأ الدنيا دماء لغير الله معناه: أن الدعوة ليس فيها شرك، قلت: لو قرب بعوضة، أو قرب تراباً، أو قرب بيضة، أو أي شيء لغير الله على وجه التعبد فإنه يكفي ذلك لإخراجه ومروقه من الملة، وهدر دمه وسقوط عصمة ماله وعرضه. أما الآخر قالوا له: قرب قال: لا أقدم لأحد غير الله، سواءً وجدت أو لم أجد، الأول قال: ليس عندي ما أقربه، أي: المسألة ممكنة، لو عندنا أبشروا، قالوا: قدم ولو ذباباً، فقدم ذباباً فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، قال: لا أقرب، سواء كان عندي أو ليس عندي لا أقرب إلا لله عز وجل، فضربوا عنقه فأدخله الله الجنة.

اعتقاد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه

اعتقاد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه ومن نواقض لا إله إلا الله: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، وأن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكم النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه مسألة خطيرة. بعض الناس يزين له المقام في حوار؛ إما في قناة فضائية، أو في مقابلة، ويبدءون يأخذون رأيه في مسائل قاطعة ثابتة منصوص عليها، محكمة غير منسوخة، مسائل ثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يقولون: ما رأيك؟ ما هو أفضل هذا الأمر أو الأمر الآخر؟ فيخضع ما شرعه الله ورسوله للحوار، ثم ربما فضل ما جاء به أهل الزبالات ونجاسات الأذهان والأفكار على ما جاء به الله ورسوله، فهذا كفيل بإخراجه من الملة وكفره والعياذ بالله، ولذلك جاء في الحديث: (وإن الرجل ليقول الكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً) تفضيل حكم الطواغيت -القوانين الوضعية- تفضيل أمور تخالف الشريعة على ما جاء به الله ورسوله، هذا من الشرك والعياذ بالله. الهجمة الخطرة على رجال المسلمين ونسائهم، امرأة قد أفسدها التلفاز والقنوات وهي ترى ما يسمى بالفتيات الراقصات المغنيات المائلات المميلات، تقول: انظروا هذا الجمال أحسن من هذا الحجاب، ماذا يعني ذلك؟ معناه: أن التبرج الذي نهى الله عنه أفضل من الحجاب الذي أمر الله به، والله عز وجل يقول: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] نهى الله عن التبرج، وفي المقابل قال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] إلى آخر الآيات، فحينما تأتي فتاة من بنات المسلمين، مغرورة في سياحة إلى الخارج، أو سفر إلى الخارج، أو دراسة إلى الخارج، أو أثر قنوات فضائية، أو مصائب إعلامية، وتقول: ما أجمل هذا! هذا أحسن من العمعمة والغمغمة في العباية السوداء، ماذا يعني هذا؟ ألا يعني هذا أنها فضلت التبرج الذي نهى الله عنه على الحجاب الذي أمر الله به؟ A بلى. الأمر خطير، وقد يفضي إلى الخروج من الملة، لكن لو أن فتاة قالت هذا الكلام، لا نقول لها فوراً: أنتِ كافرة؛ لأن هناك فرقاً بين تكفير النوع وتكفير الشخص المعين، حتى تحكم على الشخص المعين بالكفر، لابد أن تتقين أنه أدرك معنى هذا الكلام وفقه مقتضاه وأبعاده وما ينبني عليه، حتى لا تعجل بتكفيره وإهدار دمه وماله وعرضه، وهذه من الموبقات والمهلكات {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15].

بغض شيء من الدين

بغض شيء من الدين من نواقض لا إله إلا الله -ويفعلها بعض الناس فيرد عمله ويحبط، ولا يقبل منه شيء وهو لا يدري- أن يبغض شيئاً من الدين: (إن الله لا يقبل من عبد عملاً أبغضه) إذا صليت وأنت تكره الصلاة فإن صلاتك لا تنفع، ولو زكيت وأنت كاره للزكاة فلا تنفع الزكاة؛ لأن الله عز وجل قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9] فهذا أمر خطير، بل هو من النواقض العظيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! قس على ذلك بعض الذين إذا جلسوا في المجالس قال: يا أخي! أنا أكره هؤلاء المطاوعة، أنا أكره هؤلاء المتدينين، أنا أكره هذه اللحى، أكره هذه الثياب القصيرة، أنا أكره هؤلاء الذين يصيحون في المنابر أو يتكلمون في المحاضرات، هذه كراهية لمن أوجب الله محبته، والله عز وجل يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] أي: يجب على المؤمنين أن يتحابوا، فلا بد من الولاء، والولاء هو المحبة والنصرة، فإذا تلفظت بكلام يقتضي بغض الصالحين، فأنت تبغض من أوجب الله محبته، لماذا كرهتهم؟ كرهاً لألوانهم؟ لا. كرهاً لأجسامهم؟ لا. كرهاً لأنسابهم؟ لا. إذاً أنت لم تكره إلا ما شرعه الله، شرع الله توفير اللحى فكرهت، وشرع الله عدم الإسبال فكرهت، وشرع الله الالتزام بالطاعة والعبادة فكرهت. إذاً: الكراهية هنا منصبة إلى ما أوجب الله فعله ومحبته، ومن هنا يكون الخلل الكبير والخطر العظيم الذي يقع فيه كثير من الناس، أو أولئك الذين يفضلون القوانين الوضعية على الأحكام الشرعية، يقول: لو كان عندنا قوانين وضعية لكنا في راحة، ولكنا سالمين من شيء اسمه رجم وقطع وقتل إلى غير ذلك، قالها من تلفظ بها وقد مرق بها من الإسلام إن كان يعرف المقتضى أو يعرف أبعاد ذلك، ولا أظن أحداً يقول: إن القانون الوضعي أفضل من الشريعة، ويرى أن الشريعة متخلفة، أو دون بلوغ مستوى الحضارة والرقي والتمدن والعدل والعدالة، وضبط مصالح الناس وأمورهم، لا يقول ذلك إلا من استقر الكفر في سويداء قلبه؛ لأنه بهذا يفضل كلام البشر على كلام رب البشر، ويفضل كلام الجاهلين على كلام أحكم الحاكمين رب العالمين عز وجل، وهذا أمر في غاية الخطورة، حينما تجد بعضهم يقول: الرجم وحشية، يربط الإنسان ويرجم بالحجارة حتى يموت؛ لأنه زنى وهو محصن، الله أحكم الحاكمين. تقطع يد إنسان لأنه قد سرق مبلغاً بسيطاً لا يساوي عشرين دولاراً، أو عشرين جنيهاً، الله أحكم الحاكمين، يجلد؟ الله أحكم الحاكمين، ينفى؟! الله أحكم الحاكمين {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] متى كان البشر ذوو العقول الصغيرة أحكم، العقول التي رباها الله شيئاً فشيئاً حتى كبرت؟ {وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة:151] علمها ما كانت تجهل، ثم هذه العقول لا تدوم؛ لأنها ترد إلى أرذل العمر، ليصبح الشخص لا يعلم من بعد علم شيئاً، متى تكون العقول التي بها التحول حاكمة على شرع الله ودينه؟!! الأمر في غاية الخطورة، ولذا حينما يعرض في بعض القنوات الفضائية، طرح بعض مسائل الحدود الشرعية للحوار، فإنه لا يجوز قبول الحوار أصلاً، أضرب لك مثالاً: زيد بن صالح بن سليمان شخص ما، قلنا: نريد أن نجلس معك نتحاور، نثبت هل أنت ولد زنا أو ولد حلال؟ هل هناك أحد يقبل الحوار؟ لا أحد يقبل بهذا الأمر أبداً. إذا كان هذا شأنك في نسبك، وفي اسمك ووالديك، وفي صلتك بأهلك وذويك، لا تقبل في ذلك، فكيف يجوز أن نقبل الحوار والكلام فيما أثبته الله وأحكمه، وحفظه من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل وغير ذلك؟!! الأمر في غاية الخطورة.

الاستهزاء بأمور الدين

الاستهزاء بأمور الدين كذلك أحبتي في الله: الاستهزاء بأمور الدين، هذا من نواقض لا إله إلا الله، فرب أقوام يقولون: لا إله إلا الله ويستهزئون بمن يطيعون الله عز وجل، ويستهزئون بما شرع الله عز وجل، فيخرجون من الإسلام وتحبط أعمالهم، ويكونون كفرة، وهم لا يشعرون، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة:65 - 66] معلوم أن هذه الآية نزلت في رهط من المنافقين الذين قالوا وهم يتضاحكون ويسخرون ويستهزئون، قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً -أي: بطونهم كبار يحبون الأكل- ولا أكذب ألسنة، ولا أجبن عند اللقاء، فأنزل الله هذه الآية، فلما علموا أن الوحي قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنهم، جاءوا وناقة النبي صلى الله عليه وسلم تضرب في الأرض، والمنافق ممسك بزمامها والناقة مسرعة والحجارة تنكب قدم هذا المنافق وهو يركض، يريد أن يجاري الناقة، يقول: يا رسول الله! يا رسول الله! كنا نخوض ونلعب، أحاديث الركب، نستمتع بالسواليف والنكت والطرائف في الطريق، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد على قوله: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ} [التوبة:66]. فلذلك ينبغي للإنسان أن يحفظ دينه وأن يحفظ عمله، وكثير من الناس اليوم يعمل عملاً ويضيعه، الناس كثير منهم في جنون، يجمع المال من الفجر إلى غروب الشمس، فإذا أوشكت الشمس أن تغرب أمسك الريالات يحرقها ريالاً تلو الآخر، أمسك الحسنات يحرقها حسنة تلو الأخرى. يصلي الفجر، ويقرأ القرآن ويتصدق، ويجلس في المسجد، ويأتي بالأذكار، ويستغفر، ويسبح، لكن مشكلته أنه يغتاب، يحرق الحسنات واحدة واحدة، يقول كلاماً يخرجه من الملة، يستهزئ بالمتدينين وباللحى، ويستهزئ بالدين، وبرجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستهزئ بالحسبة، وبالحدود وبالقصاص، وبالحرمات وبالآداب وبالحجاب، وبالعفاف وبالطهر وبالحياء، ويستهزئ بما أوجب الله احترامه ومحبته، فيمرق من الدين وقد جمع من الحسنات ما جمع، فتحبط ويضيع العمل ولا ينفعه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فما بالك إذا أضفت على ذلك الصغائر التي يحتقرها العبد، فإذا جاء يوم القيامة وجدها كالجبال، تحرق الأعمال فلا يجدهن. الحقيقة أن كثيراً من الناس اليوم لا يشكون من قلة الحسنات، ولكنهم يشكون من كثرة السيئات، عندهم حسنات: صلوات، وقراءة قران، وصدقات، وكفالة أيتام، وأعمال خير وجود، لكن يقابل الخير شر أكثر، والموازين يوم القيامة، كفة حسنات وكفة سيئات، {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6 - 11]. لذا كان لزاماً على العبد إذا عمل الصالحات أن يحفظها من لسان تحرقها، ومن ردة تفسدها، ومن شرك يحبطها، ومن غيبة تفنيها، ومن حسد يتلفها، احفظ أعمالك -يا أخي المسلم- فإنها تنفعك بإذن الله عز وجل. ولا غرابة أن نرى كثيراً من العلمانيين وكثيراً من الذين يقع بعضهم في مثل هذه المهلكات العظيمة، بالاستهزاء والسخرية والعبث. أحد الشباب يطلعني على قصاصة من مجلة كتب فيها الكاتب -يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك- كان هذا الكاتب متديناً صالحاً -أنا لا أعرفه شخصياً ولكني سألت عنه- قالوا: كان على منهج وعلى خير، ولكن يبدو أنه ابتلي بداء لم يكشفه إلا ذنبه هذا، وهو يريد أن يشتهر، ويريد أن يعرف فلم يعرف، فاتجه إلى الجرأة على القضايا الخطيرة الكبيرة، من كلامه اليوم حول كلام ابن مسعود رضي الله عنه: [إن الغناء ينبت النفاق في القلب] يقول: ولعل الذي قال هذا الكلام كان رجلاً صالحاً من السلف الصالح قد ابتلي بحب الغناء في السر، فعاش انفصاماً وازدواجاً بينه وبين نفسه أورثه أن يقول هذا الكلام. سبحان الله العلي العظيم! يقال هذا لـ عبد الله بن مسعود الذي قال صلى الله عليه وسلم في ساقه لما ضحك الصحابة من ضعفها ودقتها قال: (أتضحكون من ساقه، فإنها أثقل عند الله يوم القيامة من جبل أحد) هذا الصحابي الذي قرأ سورة ق على سطح الكعبة فضرب، فتحمل الأذى والبلاء في سبيل الله في العهد المكي، هذا الصحابي الجليل يقول عنه هذا الكاتب المسكين: ولعل القائل كان مبتلىً بحب الغناء أو باستماع الغناء سراً، فأورثه ذلك انفصاماً وازدواجية في شخصيته -فأورثه عقدة نفسيه- وقال: [إن الغناء ينبت النفاق]. وفرق بين أن يبتلى الإنسان بمعصية وأن يتطاول بالكلام عمن ينهى عنها وينكرها، بعض الناس قد يبتلى بمعصية كشرب خمر، فعل منكر، ولكن تجده يقر ويستغفر: يا رب اغفر لي، يا رب استر عليّ، يا رب تجاوز عني، اللهم تقبل هذه الصدقة واجعلها كفارة عن هذه المعصية ويقول: يا رب إني تائب، وأرجع عن هذه المعصية ولا أعود، ولو فعل ثانية ذنباً عاد ثالثة ورابعة بالتوبة، فهذا يرجى له التوبة، وباب التوبة مفتوح، لكن المصيبة في إنسان يرتكب ذنباً ثم يحلل للناس فعل الذنب، يقول: من قال إنه حرام، يبتلى بفعله ويتحمل أوزار الناس الذين يفعلونه بجرأته على الكلام فيه، وجرأته على علماء الإسلام الذين حرموه ونهوا عنه، إذا كان الأنبياء وأولو العزم من الرسل يقول الواحد منهم يوم القيامة: (يا رب! سلم سلم، يا رب! سلم سلم، يا رب! سلم سلم) من هول المطلع، وشدة الفزع، وعظم الأمر، والناس في حال عظيم، والعرق يلجم الناس، أو إلى ثديهم، أو إلى ركبهم، أو إلى الكعبين منهم، الأمر عظيم جداً، ويأتي من الناس من يقول: لا. سجلوا عليه، اسمعوا ما شئتم من الأغاني وعلى حسابي، أنا أفتيكم بها، افعلوا ما شئتم من الربا وسجلوها على حسابي، أنا أفتيكم فيه، ويفتي الرجال ويفتي النساء بالمسائل والأمور والعظائم والجلائل ويقول: قيدوا على حسابي، {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:25] وهذا من الأمر الخطير الجليل. أقول: الذين يسخرون بالدين وأهله، لا غرابة في شأنهم، فقد أخبر الله عز وجل عنهم من قبل، كما قال في محكم كتابه: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:29 - 33]. أحبتي في الله: نختصر ما تبقى من موضوع كلام هذه الليلة، مؤكداً أن ما يردده الجاهلون والحاقدون والمغرضون من عبارات السخرية والاستهزاء بالصالحين والدعاة، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ينبغي ألا يفت في عضد العاملين، وألا يجعلهم في ضعف أو شك من أثر الدعوة إلى الله عز وجل، إن أناساً يقولون: ماذا تنفع الخطب والمحاضرات والكلمات، والندوات والأشرطة والكتيبات وهذه اللقاءات، ماذا تنفع أمام القنوات الفضائية التي تخاطب الملايين -ملايين البشر يخاطبون عبر القنوات الفضائية والإنترنت- وأنتم قابعون في هذه المساجد، ونقول: هذه المساجد تهز الجبال هزاً، هذه المساجد تغير وجه الأرض، المساجد هي التي طردت الفرنسيين من الجزائر، المساجد هي التي جعلت أجهزة المخابرات الغربية تحسب ألف حساب لكل مسلم متدين صالح تقي نقي عامل، حلقات تحفيظ القرآن الآن تزعج الغرب إزعاجاً لا يخطر على بال، ليس شرطاً أن يوجد عندنا قنابل نووية بعدد القنابل التي تنام عليها إسرائيل الآن في فلسطين. ومعلوم أن عبد القدير خان الذي صنع القنبلة النووية في باكستان الذي هدد بالاغتيال قال: يوجد ألف عبد القدير خان مثلي قد علمتهم سر صناعة القنبلة النووية فلا أخشى لو قتلتموني، وتريد دول الغرب أن تنظف المنطقة تماماً من السلاح النووي في الوقت التي تنام إسرائيل على مائة قنبلة نووية، وأكثر من ذلك، لكن والله إن حلقات تحفيظ القرآن، وهذه الندوات والمحاضرات، وخطب المنابر، وهذه الأشرطة، والخطاب الدعوي، والله إنه يقض مضاجعهم، فلا تستهينوا بالسلاح الذي في أيديكم، ولا تتهاونوا بالخير الذي بين يديكم، ولا تظنوا أنكم ضعفاء وقد آتاكم الله من وسائل القوة ما يعجز عنه أولئك، ليست المسألة آلة وجماد وعدة وسلاح، القضية كلمة التوحيد وإثباتها لشيء واحد وهو الله سبحانه وتعالى، ألوهية وتفرد في الربوبية، فلا تدبير ولا تصرف في كل شأن إلا له وحده سبحانه، ولا عبادة صغرت أو كبرت، جلت أو دقت إلا له وحده لا شريك له، وأتم الصفات وأجمل الأسماء وأكمل السمات لله عز وجل، أكمل الأوصاف وأجل الأسماء لله عز وجل، لا شبيه ولا ند ولا مثيل ولا نظير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. لا إله إلا الله، ما أثبته الله نثبته، وما نفاه الله ننفيه عن نفسه، وما أثبت النبي صلى الله عليه وسلم نثبته، وما نفاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه ننفيه. إذا سئلنا عن أمر ليس عندنا فيه دليل فلا نتقول: على الله بغير علم: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] إن سئلت عن شيء أثب

فقدان الولاء والبراء عند كثير من المسلمين

فقدان الولاء والبراء عند كثير من المسلمين وهنا مقتضىً عظيم: محبة أهلها الناطقين بها، العاملين بمقتضاها، وهو الولاء والبراء، {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4]. الولاء والبراء يذوب ذوبان الملح بالماء في هذا الزمان، وكثير من المسلمين أصبح لا يقدر للأمر قدره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] ما الدليل على أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض؟ ما من دولة كافرة إلا واعترفت بإسرائيل ولها سفارة وتبادل تمثيل، والذين والوها قبلوا ذلك، وجعلوا لهم سفارة في إسرائيل ولإسرائيل سفارة عندهم، وتعامل تجاري، وتعاون عسكري واقتصادي وإعلامي في كل المجالات. والدليل العملي الحسي المشاهد الذي يقول: إن الكفار بعضهم أولياء بعض أقول لك عنه: هناك اتفاقية اسمها اتفاقية الشنجن، اتفاقية الشنجن هي دليل على أن الكفار بعضهم أولياء بعض، عشر أو إحدى عشرة دولة نصرانية إذا حصلت على فيزة من إحدى هذه الدول، تكفي الفيزة أن تطوف بها كل البلدان، أي: لو أردت أن تسافر إلى لوكسمبورج وهولندا وألمانيا وأسبانيا وفرنسا والنرويج والسويد وغيرها لا يحتاج أن تمر على سبع سفارات، بل تكفي تأشيرة دولة واحدة، وهذه الدولة بتأشيرتها تسمح لك أن تطوف في كل الدول، هذا معنى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73]. ومن معناه: اليورو؛ العملة الأوربية المتحدة، والناتو الحلف العسكري المتحد، والسوق الاقتصادي؛ الأسواق الأوروبية المشتركة، ولاء في جميع المجالات، ولاء سياسي، وولاء اقتصادي، وجغرافي، وإعلامي، ولاء متكامل فيما بينهم، ولذا قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73] أخبر الله أن الكفار يوالي بعضهم بعضاً {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73] إذا كان المسلمون لا يسعون لتحقيق ولاء فيما بينهم كولاء الكفار فيما بينهم، فإن الفتنة والفساد يكون كبيراً في الدنيا، هذا ملاحظ الآن: مشاكل المسلمين وانقسامهم وتفرقهم أمر عظيم. نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين أجمعين. كثير من المسلمين لا يعطون الأمر قدره، ولا يلتفتون إلى المسألة بحقيقتها في باب البراء وفي باب الولاء، فتجد الواحد يقع في موالاة الكفار يدري أو لا يدري: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم يتشبه بهم فيما هو من خصائصهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن تشبه بقوم فهو منهم)، وفي رواية: (حشر معهم) تجده يقيم في بلادهم، يخرج مسلماً من بلاد الإسلام ليقيم في بلاد الكفار، أولاده يولدون هناك، فلا يعرفون من العربية حرفاً، ولا يقرءون القرآن، ولا يتعلمون الدين، ويعيشون في بلاد الكفر، ولا يقض مضجعه ذلك، وما من مصيبة أعظم على المسلمين الذين عاشوا في بلاد الغرب ولم يدركوا خطورة الأمر والبلاء والفتنة العظيمة التي يقبلون عليها، كفتنة ذوبان وفساد أولادهم ولا حول ولا قوة إلا بالله! مسلم يبكي لأن ابنته ذهبت تصادق كافراً يزني بها وتتزوجه في الكنيسة رغماً عن أنف أبيها, مسلم يبكي؛ لأن ولده ترك دينه وعلق الصليب وسمى نفسه جرج وديل وغيره، وآخر يرتبط بامرأة سفاحاً وينجب أولاداً، ثم يقول: يا ألله! حلوا مشكلتي، أنا لا أريد أن أضيع هؤلاء الأولاد، من قال لك إنهم أولادك؟ أبناء زنا. الإقامة في بلاد الكفار إذا لم تكن للحاجة أو الضرورة أو مصلحة فهي شر محض لا تجوز، تجد كثيراً من المسلمين يقع في الولاء مع الكفار وهو لا يدري، يقيم في بلادهم، فينقاد إلى قوانينهم، ولا يستطيع أن ينكر شيئاً، بل حتى في نفسك وأهلك وبيتك لا تستطيع، قانون في بلاد الغرب: إذا كنت تسكن في بلاد الغرب فعليك أن تدرس أولادك إجباري، هل توجد مدارس إسلامية في كل مكان؟! A لا. إذاً أنت مجبر أن تدرس أولادك في المدارس التي يدرس فيها أبناء الكفار، وهذا يعني أن ولدك وبناتك سوف يتعلمون لغة الكفار، ليست القضية لغة، بل عاداتهم، أمر عادي جداً أن يبدي بعضهم لبعض العورات، أو أن يختلطوا، أو أن يشربوا الخمور، أو أن يصادق الفتى الفتاة في الثالثة عشرة والرابعة عشرة من العمر، وأن تكون للبنت الحرية المطلقة في نفسها، إذا بلغت ستة عشر عاماً أو ثمانية عشر عاماً لا يتدخل فيها أبوها، عجائب وغرائب لا تخطر لكم على بال، فما بالكم بمسلم يقيم في بلاد الكفار ليس لوجوده ضرورة، ولا مصلحة، ولا حاجة، اللهم إلا الفتنة بالكفار؟! إذاً ما هو الولاء إن لم يكن هذا هو الولاء؟! ما هو الحب للكفار إن لم يكن هذا هو الحب؟! بعضهم يرضى أن ينتقل إلى بلاد الكفر يقول: أنا في بلدي لا أقبض إلا ثمانمائة دولار وفي بلاد الكفار راتبي ألف دولار، يعني: تبيع الدين والذرية والآخرة بمائتي دولار فرق في الراتب؟!! أمر عجيب وغريب، نسأل الله السلامة والعافية. كذلك إذا مات أحدهم في بلاد الكفر، وهي غربة في الحياة وغربة في الممات، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} [النساء:97] الذين يموتون في بلاد الكفر، حينما تأتي الملائكة لقبض أرواحهم وهم ظالمون لأنفسهم، يموتون في بلاد الكفر على غير إعزاز لدين الله، أو حاجة تلجئهم، أو ضرورة أو مصلحة تقتضي ذلك: {فِيمَ كُنْتُمْ} [النساء:97]؟ ما الذي أجلسكم في بلاد الكفار؟ {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:97 - 99]. من موالاة الكافرين: إعانتهم ومناصرتهم والاستعانة بهم والثقة بهم، واسمعوا إلى هذه القصة الجميلة والحوار الشيق بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبي موسى الأشعري. روى الإمام أحمد رحمه الله عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قلت لـ عمر رضي الله عنه: [لي كاتب نصراني؟ قال عمر: مالك قاتلك الله! أما سمعت قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] ألا اتخذت حنيفاً؟! قلت: يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه، قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم وقد أقصاهم الله] انظروا إلى هذا المعنى والفقه الدقيق الجليل من إمام الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وروى الإمام مسلم وأحمد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فلحقه عند الحرة، فقال: إني أردت أن أتبعك وأصيب معك -أي: أذهب أقاتل معك وأحصل من الغنيمة- قال صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا. قال صلى الله عليه وسلم: ارجع فلن أستعين بمشرك) فالتساهل في شأن الكفار وتقريبهم في أمور لا ضرورة إليها، هذا أمر خطير جداً، ونحن اليوم نرى أن بعض بيوت المسلمين فيها من الخادمات الكافرات التي تتولى رضاعة الطفل وحضانته وتربيته وتغسيله ولباسه وترفيهه، والذهاب به وتولي شأنه، والأم لا ترى الطفل إلا نصف ساعة أو ساعة، والأب مشغول في عمله وتجارته وأصدقائه، وفلذات أكباده المسلمين في يدي الكافرين والكافرات، أيجوز هذا يا عباد الله؟! مسلم يجعل الكافرة تعيش في بيته وتربي أولاده؟! مسلم يجعل الكافر يعيش في بيته ويربي أولاده؟! بعض المسلمين تجد بيته كبيراً، لا تقدر مساحته، وتجد عنده الكافر والبوذي والنصراني والوثني والهندوسي، عشر جنسيات يعيشون في بيته، ولو قلت له: عندنا بيت فيه فقير ويتيم وأرملة وعجوز مسكينة، نريدك أن تصرف عليهم وتعطيهم كل شهر من مالك، وتتولى رعايتهم: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، والصائم لا يفطر، والقائم لا يفتر) قال: وهل أنا ضمان اجتماعي؟! وهل أنا وكيل على ذرية آدم؟! انظر الحرمان، البيت على عشر جنسيات من الكفار، ما بين مزارع، وسائق، وخادم وخادمة وغير ذلك، ولكن يصعب على النفس أن تنفق على مسلم حنيف يصلي ويسجد ويركع، هذا حرمان، بل من أعظم البلاء أن تجد البيت مسرحاً ومرتعاً للكفار يعيشون فيه، وبعضهم إذا قلت له قال: لا نأتي بخادمة مسلمة، هذه تسرق، عليك بالنصرانية الأمينة، نسأل الله السلامة والعافية، أين الولاء؟ أين البراء من الكافرين؟ ويزيد الطين بلة إذا رأيت بعض المسلمين يشارك الكفار في أعيادهم، عيد رأس السنة، عيد الكرسمس، عيد هلوين إلى غير ذلك، منذ فترة فوجئ الناس أن السوق نفذت منه الورود الحمراء، والأقمشة الحمراء، والملابس الحمراء، والزينات الحمراء، فعجب الناس، وإذا بنا حيث لا ندري أن فريقاً من أبنائنا وبناتنا يحتفلون بعيد الفلانتيم؛ وهو عيد الحب، وفي هذا العيد يتهادى الناس القلوب الحمرا

الأسئلة

الأسئلة

الرد على من يقول: إن الإيمان قول لا عمل

الرد على من يقول: إن الإيمان قول لا عمل Q ما رأي فضيلتكم بقول من قال: إن الإيمان بالقلب، ونحن نقول: لا إله إلا الله ويكفي بلا عمل؟ A هذا ليس بصحيح؛ لأن الإيمان الحق في أمره وشأنه أنه قول واعتقاد وعمل، اعتقاد القلب، ونطق اللسان وعمل الجوارح، أما المعرفة القلبية، فلو قلنا: إن الإيمان هو المعرفة القلبية، لكان إبليس من المؤمنين؛ لأن إبليس يقول: رب بما أغويتني، رب فأنظرني، هو يعرف أن الله رب ويخاطب الله عز وجل بالربوبية ويعرف ذلك، ويقتضي أن أبا طالب من أهل الجنة والنبي يقول: (أشفع فيه فيوضع في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه) أبو طالب يقول: ولقد علمت -وهل هناك أعظم من المعرفة-: ولقد علمت بأن دين محمدٍ من خير أديان البرية ديناً لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً إذاً: الإيمان معرفة القلب ويقينه واعتقاده، ونطق اللسان باللفظ وأعمال الجوارح.

صعوبة النطق بالشهادة عند الموت

صعوبة النطق بالشهادة عند الموت Q بعض الناس يقول: إذا جاءني الموت قلت: لا إله إلا الله ودخلت الجنة كما في الحديث، فما تعليقكم على ذلك حفظكم الله؟ A يظن بعض الناس أنه من السهولة أن يتلفظ بلا إله إلا الله عند الموت، وأنا سوف أخيل لك الأمر: لو كنت تمشي في سكة ظلماء، وفي طريق موحش وأنت في حال من الجوع والتعب والسقم، ثم جاء من ضربك على صدرك ضربةً قال: ما اسمك؟ والله إنك تفزع ولا تعرف ما اسمك الذي تنادى به ليل نهار، حال الموت -يا أخي- حال سكرات، وحال غربة، الذي ينازع سكرات الموت في عالم آخر والناس من حوله لا يدري بهم، في حال عظيم، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت:35] ليس بالسهولة أن الإنسان يقول: لا إله إلا الله عند الموت، إلا من أراد الله به خيراً، ومن عاش على شيء مات عليه، فالذي يعيش على اللهو يموت على اللهو شاء أم أبى، والذي يعيش على الفجور والخنا يموت على الفجور والخنا شاء أم أبى، والذي يعيش على طاعة الله وذكره والصلاة والعبادة، يلهمه الله لا إله إلا الله في حال الكرب والشدة، وفي حال السكرات والنزع، فيقول: لا إله إلا الله، بل إن بعضهم تجده يسمع منه أنين في الداخل: إه إه، وتجده يحرك أصبعه، يا ألله! يستطيع بالأنين أن يقول: لا إله إلا الله، والأصبع يتحرك، فلا تظن المسألة سهلة، سكرات الموت أمر عظيم والإنسان يحال بينه وبين نفسه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:24 - 25] الإنسان يحال بينه وبين قلبه حيلولة عظيمة، فليس بالسهولة أن يقول: لا إله إلا الله إلا إذا كان من أهلها وأهل مقتضاها.

من بدع دفن الميت

من بدع دفن الميت Q يقول: أحسن الله إليكم، إنني أسكن في قرية، وعندما يحفرون قبر الميت يرددون كلمة: نبينا محمد، حيث يقسمون إلى مجموعتين مجموعة تقول: نبينا والأخرى تقول: محمد، فهل في هذا شيء وجزاكم الله خيراً؟ A نعم. في هذا شيء وهو من البدع والمحدثات ولم يرد في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا عن الخلفاء الراشدين هذا، ولا عن سلف الأمة الصالحين الهداة المهديين. إنما يدعى له بالتثبيت بعد الدفن، فينتظر عند قبره قليلاً ثم يدعى له.

ثواب من أدخل كافرا أو أعان على دخوله الإسلام

ثواب من أدخل كافراً أو أعان على دخوله الإسلام Q بيننا وفي بلدنا أناس لا يعرفون لا إله إلا الله، أتونا من بلدان قريبة وبعيدة. فهل من توجيه كلمة للشباب للتعاون مع مكاتب الجاليات والحصول على كتب وأشرطة وتوصيلها لهؤلاء الكفرة، لعل الله أن يهديهم حتى يلتحقون بلا إله إلا الله وبالإسلام، ولا يخفاكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)؟ A أنا أشكر هذا السائل على هذه اللفتة الطيبة، وإذا تذكرنا ما مضى في بداية هذه المحاضرة من الفضائل العظيمة والهبات والكرامات الجسيمة، التي تنبني على لا إله إلا الله والعمل بها، فما بالك إذا أكرمك الله وكنت سبباً في رجل كان ساجداً لوثن وصنم، أو مثلثاً عابداً للصليب، أو لبوذا، أو للأوثان، ثم هداه الله وأصبح من أهل لا إله إلا الله بسببك، سواء بسببك مباشرة أنت الذي شرحت له وأقنعته، أو بسببك أنت الذي وصلت إليه الكتاب والشريط الذي سمعه وقرأه فنفع الله به فاهتدى، أو أنت الذي ساهمت في دفع راتب الداعية الذي شرح له لا إله إلا الله ودعاه فأسلم، فتكون قد نلت خيراً عظيماً، وكما جاء في الحديث الذي قرأه الأخ: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). قد يكون الإنسان قليل العبادة، لكن يبلغ بالدعوة منازل عظيمة لم يبلغها العباد، والسبب عدد الذين أسلموا على يده، فكل صلاة وكل حج وصيام وجهاد وذكر ودعاء يكون في موازين أعمالك مثل الذي عملوه، ومن اهتدى بهديهم وتتابع، والعبادة هي التجارة الرابحة: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33]، (من دل على هدىً فله أجره، ومثل أجور من تبعه إلى يوم القيامة، لا ينقص من أجورهم شيئاً).

كيف يعلم المسلم أن الله ورسوله أحب إليه من نفسه وماله وولده

كيف يعلم المسلم أن الله ورسوله أحب إليه من نفسه وماله وولده Q كيف أعرف أن الله ورسوله أحب إليّ من نفسي ومالي وولدي باللسان، أو بالفعل، أو بالنية؟ A هذا بالقلب، وباللسان، وبالفعل، فإذا جاء داعي الزكاة قلت: لا والله المال أحب إلي من الزكاة، إذا أمرت بالحج قلت: لا والله الراحة أحب إلي من الحج فلن أحج، إذا جاءت الطاعة والصلاة قلت: والله الفراش لذيذ وأنا تعبان أريد أن أنام، وإذا دعيت إلى فاحشة قلت: شهوتي ولذتي مقدمة على طاعة الله ورسوله، هذا معناه أن ذلك دليل على نقص إيمانك، فإن كان ما ارتكبته معصية، فذلك نقص في المحبة ونقص في الإيمان ولا نقول بكفرك، ولكن نقول: إن فضلت ذلك تفضيلاً وعقدت القلب على أن ذلك أفضل فهذا هو الكفر، وإن قلت: أنا ضعيف ومذنب، أنا مقصر ومفرط، والشهوة غلبتني، نقول: هذه من المعصية، ودليل ميلك إلى ذلك أو دليل انصرافك عن الاستحلال والتفضيل إلى الاعتراف بالتقصير والمعصية أنك تتوب وتئوب وترجع، فرق بين من يعمل الذنب ويقول: هذا ذنب، لكنه في الحقيقة يفضل شهواته على طاعة الله ورسوله، وبين من يعمل الذنب وهو يقر بتقصيره وتفريطه ويعزم على العودة والرجوع، الأول لا يبالي بالمعصية ولا تهمه ولا يفكر في التوبة بعد ذلك، وسيان إن أطاع أو عصى، أو أقبل أو أدبر، أو زاد أو نقص، لكن الثاني: تجده ليست المعصية دأباً له ولا من طبيعته ولا من سجيته، فإذا فعلها ندم، وإذا فعلها فعل الصالحات التي تمحوها ويعاهد على التوبة، وقد يقع ثانية أو ثالثة فيعود بالتوبة مرة أخرى، شتان بين هذا وهذا.

حكم الدعوة إلى الله في هذا العصر

حكم الدعوة إلى الله في هذا العصر Q هل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في هذا العصر فرض عين أم فرض كفاية؟ A الدعوة فرض على عموم الأمة، واجب على عموم الأمة وهي من فروض الكفاية، إذا قام بها من تبرأ به الذمة سقط الإثم على الباقي، واليوم الحاجة ماسة إلى كل من لديه المقدرة على الدعوة أن يساهم؛ لأن الواقع يشهد أن حاجة الناس إلى الدعوة تدل على أننا لو أتينا بعشرة أضعاف الدعاة الموجودين، وعشرة أضعاف مكاتب الدعوة، وعشرة أضعاف الجهود القائمة، لما غطت الحاجة، ولذلك تصبح الدعوة متعلقة برقابنا جميعاً، سواء منا السابق في الخيرات، أو المقتصد، أو الظالم لنفسه، لكن الذي لا يستطيع عليه أن يساهم بالمال، أنت تدعو بمالك، وهذا يدعو بلسانه، وهذا يدعو بجهده، وهذا يدعو بعلمه، وهذا يدعو بتأليفه، فالدعوة على عامة الأمة متحتمة ومتعينة، لا ينبغي التفريط فيها، يقول شخص: الدعوة مسئولية وزارة الشئون الإسلامية، ومسئولية الهيئات، ومسئولية الدعاة والقضاة والعلماء، أنا ليس لي علاقة، نقول: لا. أنت عليك نصيب تتحمله، النصارى الذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، وأن المسيح ابن الله، يدفعون مبالغ تبرعات للكنائس وتنصير المسلمين، وهم أهل الخمر والزنا والخنا، يتبرعون للمؤسسات الدينية الكنسية، وأنت أيها المسلم المصلي تقول: لا. الدعوة مسئولية الوزارة والعلماء، إن لم تدع بلسانك ادع بمالك، الدعوة بطباعة الكتب، من أين الأموال؟ صحيح أن هناك أموالاً تنفق، الدولة وفقها الله تنفق، والمسئولون وأهل الخير والأثرياء، لكن لا تزال الحاجة ماسة. خمسة وتسعون في المائة من المعوقات الدعوية معوقات مالية مادية، ولو أننا فعلاً نخدم الدعوة لجعلنا من رواتبنا شهرياً قسطاً نتبرع به للدعوة، الراتب شهرياً يدفع منه قسط للخادمة، ويدفع منه قسط للترفيه، ويدفع منه لفسحة الأولاد، ويجمع منه قسط لكذا وكذا، لماذا لا نخرج قسطاً للدين والدعوة؟ أم أن الدعوة أرخص وأدون وأقل من الخادمة وفسحة الأولاد والملاهي والترفيه؟!! مصيبة عظيمة أننا لا نعطي الدعوة اهتماماً، تجد الشخص يعطي العطاء والسخاء الكثير على أمور كثيرة، لكن إذا دعي لينفق لدين الله عز وجل بخل: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38].

ترك العمل خوفا من الرياء

ترك العمل خوفاً من الرياء Q أنا شاب أعد من المهتدين، وعندما أستعد لعمل مشروع خيري أو عمل صالح أو طاعة أجد في نفسي شيئاً من العجب والرياء، وأترك هذا العمل خوفاً أن يحسب عليّ يوم القيامة ولا يحسب لي، وخصوصاً أن هذا العمل إن لم أعمله وأقوم به فلن يقوم به أحد. فأرشدوني جزاكم الله خيراً؟ A يا أخي الحبيب! لا تدع العمل لهذه الشبهة وهذه الوساوس وجرد النية لله عز وجل، قبل أن تقوم بالعمل اسأل نفسك: هذا العمل من الذي يجازيك عليه؟ الله عز وجل، من الذي يكرمك به في حياتك وبعد موتك؟ الله عز وجل، إذا حققت الإخلاص لا مانع، لكن بعض الناس إذا قال لك: يا أبا فلان! أتسافر معنا غداً إلى الدمام تقول: اصبر حتى أشاور نفسي، لا يمنع يا أخي إذا دعاك أحد إلى خير أن تقول له: اصبر، حتى تحقق النية، فقد كان بعض السلف إذا دعي إلى فعل خير، قال: أنظروني ألتمس نية، أي: اتركوني أجمع نيتي حتى لا أجعل فيها هماً لمصلحة أو دنيا أو حطام فان، فإياك أن تدع هذا العمل، بحجة أنك تقول: أخشى أن يصيبني الرياء، وإياك أن تقدم عليه دون أن تجرد النية، وتجريد النية: أن تسائل نفسك، وتحقق الأمر، هذا الأمر ليس فيه مصلحة ولا فيه نفع، والناس إن ذموك أو مدحوك لا يقدمون ولا يؤخرون، اللهم إلا أن الذكر الحسن ينفعك إذا صدقت مع الله عز وجل، فحقق النية وأقدم، ولا يكن الوساوس سبباً في دفعك أو منعك من الخير.

كلمة عن الدشوش

كلمة عن الدشوش Q هل من كلمة حول كثرة الدشوش في هذا الزمان، وخصوصاً الآباء حول هذا الموضوع؟ A يا أحبابي: لا أحد يستطيع أن يكون رقيباً على كل نفس، أو شرطياً على كل رأس، أو حسيباً على كل إنسان، لكن يبقى شيء واحد وهو: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55] {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً} [النبأ:31 - 32] {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} [مريم:63]. التقوى: أن تراقب الله في السر كما تراقب الناس في العلانية، والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، نربي أنفسنا على الإيمان والتقوى والمجاهدة، وإدراك أن مثل هذه الأمور لا تقدم ولا تؤخر، هذا خير لنا وأحسن تأويلاً، نربي النفوس على ذلك، وأيضاً نقدم النصيحة، سيما في الذين بلوا في هذه الأطباق واستقبلت الأصناف من القنوات، والآن ليست القضية أغنية أو راقصة، الآن أصبح البث المجاني بالأفلام الخليعة، إسرائيل الآن تبث على بلاد المسلمين وقت صلاة الجمعة بثاً خليعاً، لماذا؟ حتى يضل أبناء المسلمين، فمن الذي يرضى أن يكون هو وذريته لجهنم حطباً؟! من الذي يرضى أن يكون ضالاً مضلاً يحمل وزره وأوزار أبنائه؟! الشخص منا يتعب وينفق ويعطي ويعالج ويغذي ويكسو ويعلم، ويقدم كل شيء للأولاد، فإذا جاء أهم شيء وهو والدين والتربية والخلق والعفاف والحياء، قال: لا. اتركهم يفعلون ما يشاءون، عجب لنا! نبني البيوت ثم نفتح الأبواب للخنازير والكلاب تدخلها، نتعب على تربية الأولاد ثم نفتح الدشوش على قلوبهم وعقولهم تفسدها؟!! هذا من التناقض وهذا من المؤامرة، هل رأيت رجلاً يدب في الليل دبيباً والسكين في يده ليطعن أطفاله، هذا أمر لا يتصور؟! لكن نقول لك: متصور وموجود، من هو؟ هذا الذي يضع الدش والشاشة أمام أولاده، يطعنهم كل يوم طعنة نجلاء في عقولهم وقلوبهم بهذا الدش الذي يضعه، لكن الناس لو تقص لهم قصة، تقول: بالأمس قبضت الشرطة على رجل طعن ولده وابنته، كل يتحدث بالقصة في المجالس، لكن آلاف الذين يطعنون أولادهم وبناتهم بإدخال القنوات الفضائية والأفلام الخليعة فيها، الأمر سيان ولا يعنيهم من الأمر قليل ولا كثير.

الشيشان

الشيشان Q يقول: الشيشان أنسيت أم ماذا؟ ولماذا؟ وهل لكم من كلمة عن أحوالهم وأحوال المسلمين هناك جزاكم الله خيراً؟ A أسأل الله عز وجل أن ينصرهم بنصره، لا شك أن أحوال المسلمين في كل مكان -وليست في الشيشان فقط- تشكو إلى الله عز وجل، لكن البذل والدعاء والنصرة مطلوبة، ولا شك أن الأخبار الآن ضعفت عما كانت عليه من قبل، وهناك تسلط على مواقعهم حتى في الإنترنت، تدمر بين فترة وأخرى، ولكن يقيننا بأن العاقبة للمتقين، ولعل المجاهدين قد تحيزوا إلى فئة أو جهة، نسأل الله أن يقويهم فيعيدوا الكرّة على هؤلاء الملاحدة وما ذلك على الله بعزيز. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

نعيم أهل الجنة

نعيم أهل الجنة إن الجنة وما فيها من نعيم ولذات، وسرور وحبور، وسعادة واطمئنان، وبلوغ أمنيات وملذات لا نستطيع أن نحصرها، ولكن قد جمع وصفها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ولكن لابد للجنة من أعمال تكون سبباً في دخول صاحبها الجنة، فاقرأ هذه المادة لتطلع على نعيم الجنة وتعمل بما يوجب دخولها.

حقيقة الدنيا أمام الآخرة

حقيقة الدنيا أمام الآخرة الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجا ًوقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق كل شيءٍ فقدره تقديراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، لم يعلم طريق خير إلا ودلنا عليه، وما علم سبيل شرٍ إلا وحذرنا منه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة: لابد أن نعلم أن هذه الحياة الدنيا -ونحن فيها على قليلٍ من اللباس، وقليلٍ من الطعام- متاعٌ، وأن الآخرة هي البقاء وهي الدار: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء:77]. صور النبي صلى الله عليه وسلم نعيم الدنيا بالنسبة إلى نعيم الجنة كما رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب: وصف الجنة، فقال: (مثل هذه الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع). انظر يوم أن تجلس على ساحل محيطٍ من المحيطات أو بحرٍ من البحار، ثم تضع إصبعك في البحر، ثم تنزع إصبعك مرة أخرى فانظر كم نقص من البحر، هل نقص نصفه أو ربعه أو لتر؟ إن البحر لم ينقص شيئاً، فإن ما علق بأصبعك من قطرة من الماء هي الدنيا، وأما الآخرة فهي البحر كله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مثل هذه الدنيا في الآخرة كمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم -وأشار بالسبابة صلى الله عليه وسلم ثم قال-: فلينظر بم يرجع). أيها الأحبة في الله: لذا إن الله عاتب المؤمنين إذا قعدوا بالدنيا عن الآخرة، واشتغلوا بالفاني عن الباقي، وتعلقوا بالزائل عن الدائم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38]. أحبابنا: إن الله عز وجل قد جعل نعيم الجنة أضعافاً مضاعفة، وقد جعل فيه فضلاً لا يحيطه عقلٌ، وحسبك أن موضع سوطٍ في الجنة أعظم وأجَلُّ وأبرك وأطيب من الدنيا وما فيها: (ولقاب قوس أحدكم من الجنة خيرٌ مما طلعت عليه الشمس) قاب قوس أي: موضع قوسٍ في الجنة خيرٌ مما طلعت عليه الشمس. لكن اعلموا يا عباد الله! أن هذه الدنيا لئن كانت مكدرة فإن الجنة خالية من الشوائب والكدر، ألا ترى أن طعام أهل الدنيا وشرابهم يتحول إلى الغائط والبول ورائحة كريهة؟! ألا ترى أن نساءنا يقطعهن الحيض والنفاس، ألا ترى أن شيئاً في هذه الدنيا يكدره ما يكدره؟ أما نعيم الجنة فلا يشوبه كدرٌ، بل إنه نعيمٌ باقٍ دائم، ولذلك مثل الله متاع الدنيا كزهرة وورقة خضراء تيبس ثم تذروها الرياح، فكأن لم تكن شيئاً، أما الجنة فهو رزق ما له من نفاد: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] أما الجنة فأُكلها دائم وظلها. أيها الأحبة في الله: إننا إذا تأملنا هذه الحقائق علمنا أن الفوز الحقيقي هو الفوز بالجنة، وأن الفوز الزائف المؤقت هو تعلق أهل الدنيا بما يحققون. تذكر حال لاعبٍ قد صفقت له الجماهير، وهتفت وأعطته الهتافات يوم أن سدد برجله ضربةً على تلك الكرة إلى مرمى فريق الخصم، ثم التفت والجماهير وهي تهتف له، ثم أتى أقرانه وأترابه من اللاعبين يقبلونه ويحملونه على رءوسهم، انظروا تلك الفرحة التي تغمره، أو يراها فرحةً غامرة، والله ليس ذلك إلا خداع فرحة، وما ذاك إلا خداع سرورٍ ولو تأمله لوجد أن بعده ما بعده. وانظر ذلك الذي يناقش رسالةً في الماجستير أو الدكتوراه، فإذا خرجت اللجنة بعد أن تداولت ما قدمه الطالب في رسالته، وأعلنت اللجنة مجتمعة لا بالأغلبية أن هذا الطالب نال الامتياز ومرتبة الشرف، وأوصت بطباعة رسالته، كيف يتهلل وجهه؟! وانظر إلى آخر يسمع قراراً يبشر فيه بمرتبةٍ علية في وظيفةٍ أو في منصبٍ من المناصب كل ذلك نعيمٌ أو متاعٌ أو فرحةٌ أو فوزٌ، ولكنه بين حلال وحرام، وما كان من ذلك كله فاعلم أنه زائلٌ وينتهي عنك. أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها

لابد لدخول الجنة من عمل

لابد لدخول الجنة من عمل أيها الأحبة: إن أناساً يقولون: كيف السبيل إلى نعيم الجنة؟ ولا يمكن أن نصل إليه أو أن نسلك سبيله إلا إذا أصبحنا رهباناً، نلبس المسوح، وننقطع عن الناس، ونعتزل عن المجتمع، ونظمئ الأكباد في النهار، ونتعب الأقدام طيلة الليل. أيها الحبيب! هذا منطق يحتاج إلى تأمل، أما الذين يظنون أن الجنة لا تبلغ إلا بالرهبنة، ولا تبلغ إلا بتحريم نعيم على النفوس نعيماً قد أباحه الله، فذلك ليس بحقٍ أبداً: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] من هذا الذي يظن أنه لا ينال الجنة إلا إذا شدَّد على نفسه أمراً جعل الله له فيه فرجاً؟ من هذا الذي يظن أنه لا ينال نعيم الجنة إلا إذا ضيَّق على نفسه أمراً جعله الله واسعاً؟ من هذا الذي يظن أنه لا ينال نعيم الجنة إلا إذا ترك طيباتٍ قد أحلها الله لعباده المؤمنين وتكون خالصة في الجنة بإذن الله لعباده الصالحين؟ ليس هذا بمنطقٍ وليس هذا بعقل، ولكن الجنة تحتاج إلى عمل، لا تحتاج إلى الأماني، أو التشهي، أو التمني، إن نجمةً يعلقها ضابطٌ من الضباط على كتفه ما نالها إلا بعد سنواتٍ من التدريب الشاق، والامتحانات الصعبة، إن شهادةً ينالها طالبٌ من الطلاب ما نالها إلا بعد سنواتٍ من الكد والجد والمذاكرة والمثابرة، إن تاجراً ما جمع حفنةً من المال إلا بعد سهرٍ طويل، وإن كثيراً من متاع أهل الدنيا أو مناصبهم أو مراتبهم أو انتصاراتهم أو الفوز الذي يعدون أنهم سجلوه ويفتخرون به، ما نالوه بنومٍ ولا بانقطاع عن الجد والكد والاجتهاد وإنما نالوه بتعب، وهو نعيمٌ زائل فان منقض مضمحل، ومع ذلك ما نالوه إلا بتعب. فمن ذا الذي يريد أن ينال الجنة بإعراضٍ عن طاعة الله، أو يريد أن ينالها بالتمني؟ من ذا الذي يريد أن يبلغ الجنة وهو معرضٌ عن طاعة الله، وعن الصلاة مع الجماعة، وعن بر والديه، وعن صلة رحمه، وعن الإنفاق في سبيل الله، وعن كف لسانه عن الغيبة والنميمة، وعن تصفية قلبه وتنقية فؤاده من الحسد والإحن والغل والبغضاء؟ تريد جنةً بالغل والحقد! تريد جنةً بالحسد والنميمة! تريد جنةً بالغيبة والكراهية! تريد جنةً بصلاةٍ في البيت المؤذن يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح! تريد جنةً بإمساك المال، والله يقول: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7]! تريد جنةً وأنت قاعدٌ وقد سبق السابقون وقد أضمأوا نهارهم وأسهروا ليلهم، تريد جنةً وأنت كسول خمول. تسألني أم الوليد جملاً يمشي رويداً ويجي أولاً هذا والله لا يكون أبداً. إن الجنة تحتاج إلى مخالفة للهوى، إن من أراد الجنة، وأراد أن يختبر نفسه ويمتحن طريقته ويتأكد من سير أقدامه هل هو في طريق الجنة أم لا، فلينظر نفسه إذا اشتهت شيئاً مما حرم الله، إن قال: لا وصبر عن معصية الله، وصبر على طاعة الله، وصبر على أقدار الله، وحزم نفسه وأخذ بزمامها وعسفها وصارعها وأكرهها وروضها إذا فعل ذلك فليعلم أنه على طريق أهل الجنة. أما من يعطي نفسه هواها فقد خاب من دساها، أما من أراد لها الفلاح فقد أفلح من زكاها، يقول صلى الله عليه وسلم: (حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره) متفق عليه. وهذا الحديث يقول عنه النووي رحمه الله معلقاً: هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه الذي أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه: لا وصول إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، فالنار بالشهوات قد حفت، والجنة محفوفةٌ بالمكاره فهما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات، فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد بالعبادة والمواظبة عليها، والصبر على المشقة فيها، وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والإحسان والصبر عن الشهوات ونحو ذلك.

العمل سبب في دخول الجنة وليس ثمنا لها

العمل سبب في دخول الجنة وليس ثمناً لها إن أهل الجنة يستحقون الجنة برحمة الله لا بأعمالهم العمل سببٌ إلى الجنة وليس ثمناً إلى الجنة، فالجنة شيءٌ عظيم، ومن ناله فإنما ناله برحمة الله لا بعمله، ولا بقوله، ولا بمنزلته، ولا بفعله، ولا باجتهاده إنما ناله برحمة الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: (لن يُدخل أحدٌ منكم عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضلٍ منه ورحمة) وهذا أمرٌ مهم، فإن بعض الناس إذا تصدق صدقةً ظن أنه مقابل هذه الصدقة يستحق الفردوس، وإذا كفل يتيماً ظن أنه بهذه الكفالة يستحق عليين، والآخر إذا تهجد ليلةً أو صام يوماً ظن أنه بذلك يستحق كذا، وكأنه في عقد معطاة، هذه مقابل هذه. اعلم أيها الأخ الحبيب! أن العمل ليس ثمناً للجنة، إنما العمل سبب إلى الجنة، وفرقٌ بين السبب والثمن، أما دخول الجنة فما هو إلا برحمة الله، وأما السبب فهو العمل الصالح الذي ينفع بإذن الله إذا كان خالصاً صواباً، خالصاً لوجه الله صواباً على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قد تشكل كثير من الآيات والنصوص على كثيرٍ من المسلمين كقول الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]، وكقول الله عز وجل: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] ف A ألا تعارض بين الآيات، أو ما دل عليه الحديث في صحيح مسلم، فإن الآيات تدل على أن الأعمال سببٌ لدخول الجنة وليست ثمناً لها، والحديث نفى أن تكون الأعمال ثمناً للجنة، وفي هذا يقول ابن أبي العز الحنفي شارح الطحاوية يرحمه الله: وإنما ترتيب الجزاء على الأعمال، وقد ضل فيه الجبرية والقدرية، وهدى الله أهل السنة وله الحمد والمنة، فإن الباء في النفي غير الباء في الإثبات، فالمنفي في قوله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله) باء العوض -الباء في الحديث (بعمله) هي باء العوض- وهو أن يكون العمل كالثمن لدخول الرجل الجنة، كما زعمت المعتزلة: أن العامل مستحقٌ لدخول الجنة على ربه بعمله، بل ذلك برحمة الله وفضله، والباء في قول الله عز وجل: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]-أو في آياتٍ أخرى- هي باء السبب، أي: بسبب عملكم، والله هو خالق الأسباب والمسببات، فرجع الكل إلى محض فضل الله ورحمته. ما أجمل فهم السلف! وما أجمل فقه السلف! وما أحوجنا إلى تأمل كلام السلف الصالح رضوان الله عليهم في دقيق هذه المسائل الجليلة.

أسباب دخول الجنة

أسباب دخول الجنة إن الأعمال التي هي سببٌ إلى الجنة لو أردنا أن نستعرضها لطال بنا المقام، وحسبنا في هذا المقام القصير المبارك -بإذن الله- أن نستعرض شيئاً منها:

الاستقامة على الدين والصبر عليه

الاستقامة على الدين والصبر عليه يقول الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:13 - 14]، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] الاستقامة على طاعة الله، الثبات على الدين، المضاء، البقاء، القوة على هذا الأمر حتى يلقى العبد ربه، هذا خيرٌ عظيم. أخي الحبيب: إن كنت في العشرين من عمرك فتخيل نفسك وأنت على استقامةٍ في الأربعين والخمسين والستين إن طالت بك الحياة، إن كنت في الثلاثين فتخيل نفسك في الأربعين والخمسين، لا تنظر إلى استقامتك: كأنها سحابة صيفٍ عما قريبٍ تقشع لا تنظر إلى استقامتك وكأنها شيءٌ لا يصلح للاستعمال إلا مرةً واحدة، لا تنظر إلى استقامتك وكأنها قضية عاطفية آنية تزول بزوال مسببها من حدثٍ أو موقف، إنما انظر إلى استقامتك وكأنها نفسك، وكأنها الشهيق والزفير الذي تتنفسه، فصلاة الفجر، والصبر عن المعاصي، والثبات على الحق، والإعراض عن الشهوات، ومجاهدة النفس، ليس لمدة سنة أو سنتين إن طال العمر أو قصر خمسين سنة، ستين سنة، سبعين سنة، يقول أحد السلف ولعله لما بلغته الوفاة، وبكى أحد أولاده، أو بكى أحدٌ ممن حوله، قال: [إني لأرجو رحمة ربي، والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام أربعين عاماً] استقامة متابعة جادة صبر وجلد على الطاعة أربعين سنة، قال: [ولي عشرون عاماً ما أذن المؤذن إلا وأنا في المسجد] الله أكبر! من يستطيع هذا؟! نختبر أنفسنا وإياكم إن شئتم من هذه الليلة والذي يسجل الرقم القياسي يبشرنا فندعوا له، ونسأل الله للجميع الثبات. صحح الألباني وفقه الله حديثاً في كتاب الترغيب والترهيب فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك تكبيرة الإحرام خلف الإمام أربعين يوماً كتب له براءتان: براءة من النفاق، وبراءة من النار) الاستقامة على الطاعة، الصبر على الالتزام أياً تقلبت الأحوال وتغيرت الظروف، فهذا هو المطلوب أيها الأحبة! وحينئذٍ يكون الواحد بإذن الله وبرحمة الله، وبمنه وكرمه من أهل الجنة، والعمل الصالح: (لا تحقرن من المعروف شيئاً) ابتسامة، سلامٌ، كلمة طيبة، أمرٌ بمعروف، نهيٌ عن منكر، بر والدين، صلة رحم، إماطة أذى، إغاثة ملهوف، نصيحة مسلم، زيارة أخ في الله، اتباع جنازة، الصلاة على جنازة، زيارة مريض، لا تدع خيراً من الأعمال إلا واجتهدت فيه لعلك برحمة الله أن تكون من أهل الجنة بسبب هذا العمل، قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} [البقرة:25].

الصبر على شظف العيش

الصبر على شظف العيش وإن مما تنال به الجنة أيضاً الصبر، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [وجدنا خير عيشنا بالصبر]، ويقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ومن لا صبر له لا إيمان له] فاصبر ولا يستخفنك الذين لا يوقنون. الصبر -أيها الأحبة- من الأمور التي ينال بها الجنة بإذن الله عز وجل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت:58 - 59].

القوة في العبادة والرغبة إلى الله

القوة في العبادة والرغبة إلى الله ومما تنال به الجنة: القوة في العبادة والرغبة إلى الله عز وجل، وقوة الانكسار والخضوع والخشوع لله، إنما الأعمال تتفاضل بحقيقة ما يقوم في قلب القائم بها والعامل لها، ليس بكثرتها ولا بضخامتها ولا بشكلها ولا بصورها (سبق درهمٌ ألف درهم) إن الصحابة مُد أحدهم أعظم من جبلٍ ينفقه أحدنا في هذا الزمان: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:15 - 17]. الخوف من الله، وما أجمل الخوف من الله، إذا دعيت إلى معصيةٍ فوعدوك بمالٍ عليها، أو زخرفوا لك في ارتكابها، أو وسوسوا لك في قربانها، فقلت: إني أخاف الله: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17]، {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23]. أيها الأحبة: ينبغي أن يتذكر الواحد نِعم ربه عليه، فلا يتجرأ بهذه النعمة على المعصية، وليكن في قلبك خوفٌ من الله عز وجل، والله إن كثيراً من الناس إذا دس أو أدخل من تحت بابه ورقةً يطالب فيها بالحضور إلى مقر الشرطة صبيحة يومٍ معين احمر واصفر وجهه، وانتقع لونه، وذهبت به الأفكار أخماساً وأسداساً، وتشتت ذهنه انزعاجاً من هذا الأمر، يا ترى ماذا يريدون مني؟ لو قيل لك: إنذارٌ قد وجه لك، أنت مطلوبٌ للتحقيق، أنت مطلوبٌ للمحاسبة، أنت مطلوبٌ للمساءلة، والله لا تدع صديقاً ولا وجيهاً ولا قريباً ولا حسيباً إلا وحاولت أن تجعله وسيلةً أو تجد عنده شفاعةً للاستفسار عن هذا الأمر الذي أهمك، فما بالك والواحد منا ينتظر منيته صباح مساء، ويخبرني الأخ الشيخ/ محمد الغزالي وفقه الله، وبارك في جهوده: أن رجلاً اتصل به على جهاز النداء من مدينة الرياض، فقلت: هذا رقمٌ نعرفه، فانظر لم اتصل صاحبنا هذا، فقال: إن فلاناً قد توفاه الله، سبحان الله! أنا أعرف أن فلاناً هذا لو صارع أقوى رجل فيكم لصرعه، أعرف أن هذا الشاب قوي جلد نشيط، ما يخطر ببالنا أن يموت، لكن جاءته المنية ومات وانتقل إلى رحمة الله، فلا أتكون المنية غداً لي أو لك. لا بد أن نتخيل هذا، وأن نتصوره، فالواحد أيها الأحبة! لا يخشى من البشر، {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37] لا بد أن يكون في القلوب خوفٌ من الله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46].

تقوى الله عز وجل

تقوى الله عز وجل لو درست وتأملت كثيراً من الآيات التي وعد الله فيها المؤمنين بالجنة والنعيم، والثواب والرفعة، والكرامة والرزق الواسع لوجدت أن ذلك قد رتب على التقوى. وتقوى الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد ولست أرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقي هو السعيد ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل وقول الله أبلغ: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} [مريم:63]، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:54] تجد أغلب وجُلَّ آيات الجنة قد ربطت بتقوى الله عز وجل، وتقوى الله أمرٌ معلوم، أن تعبد الله على نورٍ من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله خشيةً من الله، وخوفاً من عذاب الله. أيها الأحبة: ليس عجيباً أن نكون أسوياء أمام بعضنا البعض، ليس غريباً أن يكون الواحد أنموذجاً جيداً أمام الآخرين، ولكن التقوى هي صدق هذا النموذج في السر، صدق هذا النموذج يكون إذا أُرخيت الستور، وأُغلقت الأبواب، وأطفئت الأنوار، وخلا الواحد بنفسه، فانظر إن كنت من أهل التقوى أم لا؟ إن التقوى منزلة عظيمة، ولكن جاهد نفسك، فإن المتقين ليسوا قوماً معصومين عن المعصية، وقد ذكر الله عز وجل حال المتقين بقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] من هم المتقون؟ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ} [آل عمران:134] فالمتقون ينفقون {وَالضَّرَّاءِ} ينفقون في السراء والضراء: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} فالمتقون يكظمون غيظهم: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} فالمتقون يعفون عن الناس: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] فالمتقون يحسنون: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران:135] فالمتقون ليسوا بمعصومين أن يقعوا أو أن يزلوا في معصيةٍ أو خطيئة، لكن المتقين إن وقعوا أو زلوا: {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ} [آل عمران:135 - 136] انظروا إلى هذا الجزاء العظيم: {مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:136] هذه التقوى -أيها الأحبة- هي من أعظم الدرجات التي ينال بها العبد جنة الله ورضوانه.

القسط والعدل في السلطان

القسط والعدل في السلطان ألا وإن من أسباب الجنة: أن يكون الواحد قاسطاً عادلاً في سلطانه، رحيماً بإخوانه، عفواً عنهم ما استطاع، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطانٍ مقسط متصدقٍ، ورجلٌ رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال).

الجنة وما فيها من الراحة والنعيم

الجنة وما فيها من الراحة والنعيم أيها الأحبة: إن الجنة هي المطلب والأمنية، إن الجنة هي الغاية، واسأل هذا الذي ينفق أمواله سراً وعلانية، ماذا تريد أموال تجمعها في التجارة ثم تنفقها هكذا؟ يقول: أريد الجنة. واسأل هذا المجاهد ماذا تريد تسلك طريقاً ينفجر فيه لغمٌ فتفقد طرفاً من أطرافك أو حاسةً من حواسك، ماذا تريد؟ تأتيك رصاصة فتزهق بها روحك، ماذا تريد؟ تقصف من فوقك، أو تغتال من تحتك؟ واسأل هذا العالم ما الذي حبسك عن لذات الدنيا، وقطعك عن ملذاتها وأشغلك بحلق العلم، عالمٌ معلمٌ ورءوف برٌ بتلاميذه؟ اسأل هؤلاء جميعاً يقولون: نريد الجنة، فالجنة مطلبٌ كلٌ يريده، وأمنيةٌ كلٌ يشتاق إليها؛ لأنها راحةٌ لا تعب فيها، وكما قال عبد الله بن الإمام أحمد لوالده، وقد رآه يعذب ويفتن ويبتلى، وقد أصابه ما أصابه من التعذيب الجسدي والنفسي في فتنة القول بخلق القرآن، فقال ولده: يا أبتِ! متى الراحة؟ أنت إمام أهل السنة والجماعة، الإمام أحمد كانت تشد إليه الرحال من خراسان ومن بلدان كثيرة يطلب الحديث منه، الإمام أحمد بن حنبل يقول له ولده وهو يراه قد ابتلي بلاءً عظيماً: يا أبتِ! متى الراحة؟ فيقول الإمام: الراحة عند أول قدمٍ نضعها في الجنة. الذي يدخل الجنة انتهت قضيته، قبل دخول الجنة تكون على خطر عظيم، لكن إذا دخلتها انتهت القضية، خلودٌ لا يكدره موت، نعيمٌ لا يكدره عذاب، عزةٌ لا يكدرها ذلة، أمنٌ لا يكدره خوف. اسأل نفسك -أيها الحبيب- وأنت تعود إلى بيتك في نهاية عملك كل يوم متعباً مرهقاً مكدوداً وأنت تقول: متى أرتاح من عناء هذا العمل؟ وهل أتعبت جسدك في هموم هذا العمل، وأرهقت أعصابك، وأقلقت نفسك، وأتعبت بالك، ثم تساءلت: متى أضع حداً لهذا العمل؟ وهل توقعت أن ترتاح بعد أن تنتهي من دراستك، وحين أنهيتها بدأت متاعب جديدة؟ وهل أملت أن تظفر بالراحة من تعب حياة ما قبل الزواج، وتقول: متى أتزوج فأرتاح، ثم تزوجت فوجدت متاعب جديدة؟ هل رسمت في ذهنك حياةً مريحة حين تجمع من المال مبلغاً، وحين جمعت هذا المال نشأت لك بعد جمع المال متاعب جديدة، ثم تقول: ومتى أستثمره حتى أرتاح من همه، فإذا دخلت في استثماراته أتعبتك متابعة هذه الاستثمارات؟ إن التعب ملازمٌ لهذه الحياة الدنيا سواء كنت فقيراً أم غنياً، أم أميراً: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]. من ذا الذي قد نال راحة عمره فيما مضى من عسره أو يسره يلقى الغني لحفظه ما قد حوى أضعاف ما يلقى الفقير لفقره وأبو العيال أبو الهموم وحسرة الـ رجل العقيم كمينة في صدره أوما ترى الملك العظيم بجنده رهن الهموم على جلالة قدره فتراه يمشي والهاً في قصره وبنفسه همٌ تضيق به جوانب قصره ولرب طالب راحة في نومه جاءته أحلامٌ فهام بأمره ولقد حسدت الطير في أوكارها فرأيت منها ما يصاد بوكره والحوت يأتي حتفه في بحره والوحش يأتي موته في بره كيف التخلص يا أخي مما ترى صبراً على حلو القضاء ومره ليس في هذه الدنيا راحةٌ مطلقةٌ أبداً، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] يقول ابن كثير: المؤمن يكدح ثم إلى الجنة، والكافر يكدح ثم إلى النار: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]. لا يمكن أن تضع حداً لمتاعب هذه الدنيا حتى وإن كنت من كنت في مرتبتك أو منزلتك أو جاهك أو مكانتك أو أموالك، لا بد أن تجد من هذه الدنيا تعباً ونصباً، والناس متفاوتون في ذلك. أيها الأحبة: إذا أدركنا ذلك فلابد أنه يشوقنا إلى نعيم الجنة، ويجعلنا نأمل نعيماً لا تكدره هذه الأكدار، إن كنت خائفاً لا تجد لمتعةٍ لذة، ولا للذة متعة، ولا تجد للطعام طعماً، ولا للشراب ذوقاً، إذا كنت خائفاً فلا يمكن أن تستمع بكل ما أُتيت من حولك إلا في ظل الأمن والدنيا يكدرها الخوف في كل حال، أما الجنة ففيها الأمن بإذن الله عز وجل. وإن مما يعذب به أهل الدنيا أن يزول الأمن من نفوسهم وقلوبهم، ثم يزول من أوطانهم إذا هم كفروا بنعم الله عز وجل: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] ولماذا قال الله عز وجل: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ} [النحل:112]؟ لماذا جعل الجوع والخوف لباساً؟ من عظيم نكد الدنيا وكدرها أن الجوع يفصل كما يفصل اللباس، أكمامٌ على الأيدي، وسرابيل على الأبدان، وقلانس على الرءوس من الخوف والجوع، ولا حول ولا قوة إلا بالله! لذا كان أهل الجنة هم الآمنون يوم الفزع، قال الله عز وجل: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:89]، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51]، {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء:103] يقول أهل العلم وهو الصحيح من قولهم: إن أهل الإيمان يستثنون من الفزع الأكبر والخوف يوم القيامة، لا أنه يعم المؤمن والكافر، فإن كنت من أهل الجنة فلن تكون من الذين يفزعون يوم الفزع الأكبر، وإن كنت من أهل الجنة فأنت بعيدٌ عن حسيس النار ولهيبها: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء:102].

الجنة وما فيها من الأمن والسلام

الجنة وما فيها من الأمن والسلام أيها الأحبة: في الجنة ملذات لا يكدرها تخمةٌ ولا أمراضٌ ولا أسقام، أمنٌ وسلام: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51] ولا يمكن أن يطيب المقام والسكن والقصر والدار إلا إذا كان العبد فيه آمناً على جميع ما يحذر أو يخاف عليه. إن أهل الجنة لا يتحولون عنها، نحن في هذه الدنيا بطبيعتنا نِملُّ من مرتبةٍ نبلغها، فالذي جمع طموحه طوال سنين عمره حتى بلغ بدراسته نجاحاً وشهادةٍ جامعية يطمح إلى ما بعد ذلك، فإذا نال شهادةً أعظم يطمح إلى ما بعد ذلك، فإذا عين بالعاشرة يطمح إلى الثانية عشر ثم إلى الرابعة عشر، ثم ليكون وكيل وزارة، ثم ليكون وزيراً، ثم ليكون ثم ليكون لا تقف النفس عن طموحاتٍ وعن مللٍ من الحال التي قد أمسكت بها، وطموحٍ إلى حالٍ بعدها. أما في الجنة فإن الواحد يطمئن ولا يريد أن يتحول عنها، هل تذكرت حياة عزوبيتك وشوقك إلى الزواج، وتصوراتك الجميلة الحالمة عن عش الزوجية الهانئ؟ ثم حين تزوجت واستقر بك الحال أصبح الزواج عادياً، ولربما أصبحت من الذين ينصرفون أو لا يميلون إلى الجلوس مع زوجاتهم، هل ظننت أو حلمت بثروةٍ طائلة ودخلٍ كبير فإذا تحقق ذلك أتظن أنك تقول: حسبي! حسبي، قط قط! اكتفيت اكتفيت؟! بل تريد مزيداً من ذلك، وفي النفس هلعٌ وجشع وطمع، أما في الجنة فلا تريد عن نعيمها تحولاً أبداً: تحلت سويد القلب ما أنا باغياً سواها ولا عن حبها أتحول

الجنة وما فيها من طيب الكلام والمسكن

الجنة وما فيها من طيب الكلام والمسكن في الجنة لا تسمع إلا أطيب الكلام، هل آلمتك ذات يومٍ كلمةٌ صدرت عن مسئولك في العمل، وتركت في نفسك جرحاً وحرجاً لم يندمل إلا بعد أيام؟ هل شعرت بالحزن تجاه صديقٍ وجه إليك كلمةً قاسية لم تكن تتوقع صدورها منه؟ أما ضقت يوماً بمجلسٍ من المجالس كثر فيه اللغو والغيبة وفاحش القول وساقط الكلام؟ كل ذلك ليس في الجنة أبداً، إنما فيها الطيب من القول، قال تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج:24] يقول ابن كثير رحمه الله: فهدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلام الطيب، لا كما يهان أهل النار بالكلام الذي يوبخون ويقرعون به. نعم. أيها الأحبة: إن طمأنينة النفس حتى من سماع كلامٍ ينغص عيشها ويكدرها أمرٌ مطلوبٌ قد لا تجده في هذه الدنيا, ولا يستطيع الإنسان أن يسلم من الناس. لو كنت كالقدح في التقويم معتدلاً لقالت الناس هذا غير معتدل فلا يمكن أن تسلم من سماع كلامٍ يكدر، أو يجعلك تتعثر، ولكن في الجنة لن تسمع إلا طيب القول وأكرم وأجَلَّ وأجمل الكلام. أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يسمع ذلك، قال تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:25 - 26] لا يسمعون كذباً ولا باطلاً، ولا يؤثم بعضهم بعضاً، هم في مساكن طيبة، هم في درجات عظيمة: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72] مساكن طيبة، حسنة البناء، طيبة القرار، فيها نعيمٌ عظيمٌ ومقيم، لبنة من ذهب، ولبنةٌ من فضة، وملاطها المسك، لا يفنى أهلها، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنون، ولا يموتون، بل مخلدون بمنِّ الله وكرمه.

الجنة وما فيها من الأماني واللذات المتحققة

الجنة وما فيها من الأماني واللذات المتحققة اسألوا آباءكم: كيف كانوا في بيوتٍ صغيرةٍ لو قيل لأحدنا اليوم: اجعل هذه الماعز أو هذه البقرة في هذا البيت لقال: حرام عليك أتسكن البهيمة في هذا المكان الضيق؟ إن تلك البيوت القديمة سكنتها أسر كبيرة، وعوائل متعددة، ثم فتح على الناس في هذه البلاد خاصة ألوان من الدنيا، فسكنوا الشقق، والفلل الكبيرة، وبعضهم سكن القصور، ثم بعد ذلك أتمنى أن هذا القصر مساحة عشرة آلاف فخمسة آلاف صغيرة، أتمنى أن هذه الشقة مساحة أربعمائة فمائتين صغيرة، أتمنى أن هذا البيت ألفين فمساحة خمسمائة صغيرة، الإنسان في هذه الدنيا مهما أوتي يملُّ، حتى من داره التي كان يوماً ما يتمنى أن يكملها ويسكنها، أما في الجنة فدورٌ وقصورٌ عظيمة، لا تظن أنك تتمنى في هذه الحياة فقط، بل في الجنة أنت أيضاً تتمنى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} [الزخرف:71] تمنى ما شئت في الجنة فإن الله عز وجل يعطيك الأمنية، إن تتمنى الولد أو تتمنى غير ذلك فإن الله عز وجل يعطيك ذلك. إن الإنسان في الدنيا تواق إلى كل شيء، إذا رأى شيئاً عند غيره لا يملكه تمنى أن يحوزه ويملكه، وإذا حرم من شيءٍ تمنى أن يرزقه، فهذا يتمنى ملكاً وسلطاناً، وذاك يتمنى شهرةً وصيتاً، وذاك يتمنى زوجةً جميلة، وهذا يتمنى تجارة رابحة، والإنسان حينما يسرح في هذه النعم لا تقف هذه الأماني عند حد، ولكن الأمر في الجنة أنك تتمنى فيحقق الله أمنيتك، ففي الحديث: (إن المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعةٍ واحدةٍ كما يشتهي). فالأماني في أهل الجنة مدركةٌ تنال بإذن الله عز وجل ورحمته، هذا واحدٌ من أهل الجنة كما يخبر النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن ربه في الزرع -يريد أن يزرع في الجنة- فيأذن له، فما يكاد يلقي البذر حتى يضرب بجذوره الأرض، ثم ينمو ويكتمل وينضج في نفس الوقت، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحدث وعنده رجلٌ من أهل البادية: (إن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ -يعني: ما شئت من النعيم وألوان الراحة- قال: بلى، ولكن أحب الزرع، فبذر، فبادر طرف نباته -يعني: نموه أسرع من النظر- واستواءه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله تعالى: دونك يا ابن آدم! فإنك لا يشبعك شيء، فقال الأعرابي الذي كان جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم يسمع الحديث: والله لا تجده إلا قرشياً أو أنصارياً، فإنهم أصحاب زرعٍ يا رسول الله! وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم).

الجنة وما فيها من الحور العين

الجنة وما فيها من الحور العين في الجنة حور عين، فقد تكون عازباً لم توفق إلى الزواج بسبب قلة مالك، أو كثرة مسئوليتك تجاه أهلك أو إخوانك، أو لأنك لم تجد فتاةً مناسبةً، أو لأنك تخطب فلا تزوج، أو لأمرٍ من الأمور، أو تشكو من زوجةٍ قد كدرت حياتك، فتعلق بنعيمٍ فيه من الحور ما كمل الله فيه نعيم أهل الجنة. الأمر في الجنة مختلفٌ جداً، فالحور أجمل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ به الأعين، ويطمئن إليه القلب بعد النظر إلى وجه الله الكريم. فهل من مشمر لجنةٍ عرضها السماوات والأرض والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

هم الآخرة [2]

هم الآخرة [2] إننا لو نظرنا إلى حالنا وحال سلفنا الصالح لوجدنا الفرق الشاسع فيما بيننا وبينهم تجاه الآخرة والاهتمام بها، إن الهم الأكبر الذي كان عند الصحابة والتابعين هو النجاة من عذاب الله، وإن الهم الأكبر عندنا في هذه الحياة هو تحصيل المال، والاشتغال بالدنيا، ونسيان الآخرة، وهذا يرجع إلى أسباب ذكرها الشيخ حفظه الله.

دلائل الاهتمام بالآخرة

دلائل الاهتمام بالآخرة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. معاشر المؤمنين: كان الحديث في جمعة ماضية حول القصد إلى الدنيا والقصد إلى الآخرة، والاهتمام بالدنيا والاهتمام بالآخرة، والاشتغال بالدنيا والاشتغال بالآخرة، وما المحمود من ذلك والمذموم، وما الصحيح في ذلك وما الخطأ فيه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:20] ومر بنا ذاك الحديث الجامع من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه ابن ماجة بسند صحيح؛ يقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (من كانت الآخرة همه؛ جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت الدنيا همه؛ فرق الله عليه أمره، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له). أيها الأحبة في الله: هذا حديث عظيم عجيب، فيه دلائل على أن من اهتم واشتغل بأمر الآخرة فإن الله جل وعلا لن يضيعه ولن ينساه: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم:64] {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6] ويقول جل وعلا: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت:60] هل رأيتم حشرة معها سلة تجمع في سلتها غذاءها؟ هل رأيتم يرقة معها خزينة تحمل في خزينتها طعامها؟: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت:60] من الذي يرزقها؟ من الذي يعطيها؟ من الذي يسقيها؟ من الذي يحميها؟ من الذي من السقم يعافيها؟ {اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت:60]. دخل رجل يقال له بهلول على أحد الخلفاء فقام يحدثه ويعظه؛ فتأثر ذاك الخليفة، وكأنه طمع أن يعطيه وأن يحذيه وأن يمنحه من المال شيئاً، فقال: خذ، فقال: لا حاجة لي به، فقال الخليفة: يا بهلول! من الذي يعطيك طعاماً وشراباً؟ ومن أين تأتي بالمال؟ فالتفت إليه ذلك الذي يظن أنه من المجانين وهو من أعقل العقلاء، التفت إلى الخليفة قائلاً: أتظن أن الذي أعطاك الملك والخلافة ينساني؟

التأثر بمواقف الانتقال إلى الآخرة

التأثر بمواقف الانتقال إلى الآخرة أيها الأحبة: إن للاهتمام والاشتغال بالآخرة دلائل، وإن من أهمها وأبرز علامتها التي يعرف بها من كان للآخرة في قلبه اهتمام، ومن كان للآخرة في قلبه منزلة ومكانة: أولها: أن ترى المهتم بالآخرة متأثراً بمناظر الأموات، مناظر الجنائز، والقبور، تجده متأثراً يوم أن يرى مريضاً يحتضر، أو يرى ميتاً يغسل على نعشه، أو يرى جنازة محمولة، أو يرى كفناً وحنوطاً وسدراً، أو يرى سوراً للمقبرة، أو يرى مشهداً للقبر أو منظراً للّحد، من إذا رأيته اهتم لذلك وأطرق وأخذ يفكر ويتدبر، لينظر ما قدم وأخر، فاعلم أن في قلبه رجاء اهتمام بالآخرة، وما أكثر الذين يرون الحنوط والأكفان، وما يخطر ببالهم أن سيلفون بها! وما أكثر الذين يرون النعش وما يخطر ببالهم أنهم سيحملون عليه! وما أكثر الذين يرون المقابر وما يخطر ببالهم أن سيدفنون فيها! ما أكثر الذين يرون اللحود وما يخطر ببالهم أن سيودعون في ظلمتها! وما أكثر الذين يرون المرضى ينازعون الخلاص، ينازعون الفراق وما يخطر ببالهم أن واحدهم سوف يمر بمثل ما رأى! أيها الأحبة: إن من علامات الاشتغال والاهتمام بالآخرة أن ترى العبد مطرقاً عند المرض، متدبراً عند المريض، خاشعاً عند القبر، متألماً في رؤية اللحد يتخيل نفسه يوم أن يوضع في لحده أو يغلق اللبن عليه، أو يهيل التراب على قبره أو يشيعوه أو يودعوه، أو يغسلوه أو يحملوه، كم جنازة حملناها! وكم ميت غسلناه! وكم كفن اشتريناه! وكم وكم وما أقل ما نتدبر ونتأثر!

الحزن للآخرة والاهتمام بها

الحزن للآخرة والاهتمام بها أيها الأحبة: إن من دلائل الاهتمام والاشتغال بالآخرة التي يجزي ربنا جل وعلا عليها، ويجزي بها إقبالاً من الدنيا على صاحبها، واجتماعاً لأمره ولو كان متشتتاً، أن يحزن للآخرة ويتذكر الآخرة ويهتم بها، أن يتذكر الآخرة، أن يهتم بالآخرة، أن يكون عمله دءوباً للآخرة، فإذا رأى في الطريق شوكة أو أذى أو قذى أماطه، وقال: لعل بهذه الحسنة ترجح موازين الحسنات على السيئات، وما يدريك بعد رحمة الله أن تكون تلك الحسنة فيصل في حال العبد إما إلى جنة وإما إلى نار. أن إذا أقبل إلى قوم بش وهش وابتسم إليهم يريد بذلك صدقة تزحزحه عن النار، إذا رأى محتاجاً أغاثه يريد بذلك حسنة ينجو بها من النار، إذا دعي إلى بذل بذله يريد أن ينجو بعد رحمة الله من النار، أن يهتم للآخرة، لا توفر حسنة ولا تدخرها، ولا تتهاون بمعصية ولا تقم عليها: خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى أن تحزن للآخرة أو أن تهتم للآخرة، فإذا أظلم عليك ليل تذكرت ظلمة الآخرة، وإذا أسفر صبح تذكرت أنوار الجنة، وإذا لبست خزاً، إذا لبست ناعماً تذكرت ثياب أهل الجنة، وإذا رأيت خشناً تذكرت سرابيل أهل النار، أن تحزن للآخرة وأن تهتم بها وأن تحاسب نفسك أولاً بأول؛ يقول عز وجل: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:1 - 2] ومر معنا كلام الحسن أنها نفس المؤمن، تلومه إن قصر في حسنة عاتبها على التقصير، وإن فرط في معصية حاسبها على التفريط.

الأسباب الحائلة بيننا وبين الاهتمام بالآخرة

الأسباب الحائلة بيننا وبين الاهتمام بالآخرة أيها الأحبة: إن من واجبنا أن نتعود محاسبة النفس، والحزن من أجل الآخرة، فإن القلوب إذا خلت من الاشتغال والاهتمام والحزن لأمر الآخرة باتت يباباً خراباً يسكنها البوم، وتنعق فيها الغربان، ومن ثم تأوي إليها الهوام من ألوان الشهوات والشبهات، أما إذا ساكن القلب الحزن للآخرة فإن ذاك النوع من الحزن يطرد ألوان الهوام المختلفة بشبهاتها وشهواتها، إننا مرضى ولسنا بصحاح، لكن الواحد منا يبصر أسقام بدنه ولا يدرك أمراض قلبه، فيا ترى ما الذي يحول بيننا وبين تذكر الآخرة والاهتمام بها؟

الاشتغال بالدنيا عن الآخرة

الاشتغال بالدنيا عن الآخرة نعم. يحول بيننا وبينها أمور كلنا وقع فيها إلا من رحم الله، وقليل ما هم، فأول هذه الأمور: طلب الدنيا والاشتغال بها، والتكالب عليها حتى أشغلتنا عن الآخرة، أليس الله جل وعلا يحذرنا من حطام الدنيا ومتاعها الزائل يوم أن يكون صارفاً عن طاعته: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16]. طلبوا الدنيا لذات الدنيا، طلبوا المال لجمع المال، طلبوا المنصب لأجل المنصب، طلبوا الرياسة لذات الرياسة، طلبوا المتاع لأجل المتاع أمر مذموم، أما من طلب الريال ليفرج به كربة ويفك به أسيراً، ويكفل به غازياً، ويجهز به داعية، ويحفظ به يتيماً، فحينئذ يا حبذا ذاك الشغل ما لم يخرج به عن الاهتمام بما أوجب الله عليه، ما أحد ولا أحد ينكر الثراء في المال، كان عثمان بن عفان من أثرى الأثرياء، وكان الزبير من الأثرياء، وكان عبد الرحمن بن عوف من الأثرياء. مرت قافلة داخلة المدينة، فسمع أهل المدينة للأرض وجفة ورجفاً وهزاً؛ حتى تساءل الناس ما الذي حل بالأرض؟ فقالوا: قافلة لـ عثمان بن عفان قدمت من الشام بألوان التجارات والملابس والقماش، فجاء التجار يهرعون إلى عثمان بن عفان، قالوا شرينا شرينا يا عثمان، فقال: إني بعت، فقالوا: شرينا، فقال: كم تعطونني؟ قالوا: نعطيك في الدرهم اثنين، قال: قد أعطيت أكثر، قالوا: نعطيك في الدرهم ثلاثة، قال: قد أعطيت أكثر، فما زالوا به حتى أعطوه في الدرهم سبعة، فقال: لقد أعطيت فيه عشرة، فقالوا: ما صدقت يا عثمان! من الذي يعطيك عشرة ونحن تجار المدينة ولا ينافسنا أحد؟ فقال: إن ربي عز وجل قد أعطاني في الدرهم عشرة، إن الحسنة بعشر أمثالها. كانوا تجاراً تجارتهم ترجف بالأرض، كانوا أثرياء ثراؤهم لو قسم على أهل المدينة لربما وسعهم، ومع ذلك ما كانت ثروتهم تشغلهم عن قيام الليل وعن التهجد، ولما تلا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قول الله عز وجل: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] قال: [ذاك عثمان بن عفان] الذي يتهجد بالقرآن يرجو رحمة ربه، ويحذر الآخرة، ما منعه الثراء من الجهاد والغزو والبذل والإنفاق في سبيل الله، أما الاشتغال بالدنيا على سبيل الكذب في تحصيلها، والخداع في نوالها، والغش في جمعها، فذاك أمر من أعجب العجب، واعلموا أن الدنيا من عند الله والآخرة من عند الله، فلا ينال ما عند الله إلا برضا الله، ومن استعجل شيئاً حراماً فربما كتب له من الحلال. قال رجل لأحد العلماء: أرأيت فلاناً سرق مالاً؟ قال: استعجله حراماً، ولو تعفف لبلغه رزقه حلالاً، استعجله حراماً، ولو تعفف وصبر لبلغه الرزق بإذن الله حلالاً.

عدم تدبر آيات القرآن الكريم

عدم تدبر آيات القرآن الكريم الأمر الآخر الذي يحول بيننا وبين الاهتمام والاشتغال بالآخرة: أننا نقرأ آيات الوعد وآيات الوعيد خاصة فلا نتدبر ولا نتذكر، وعجباً لأحوالنا، بل إن من الناس من ربما رأيته ينتقد قائماً متكلماً بعد الفريضة أو في مناسبة أو في اجتماع وليمة أو عرس أو عقيرة أو وكيرة، ينتقد فلاناً يوم أن يتكلم عن الجنة والنار وما حاجتنا بهذه الدنيا لولا رضا الله ثم طلب الجنة والنار؟ ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله كيف تدعو؟ فقال: لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، ولكني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، فقال صلى الله عليه وسلم: (أنا ومعاذ حولها ندندن)؟ بل الله جل وعلا يصف خيرة خلقه وهم أنبياؤه ورسله بقوله عز من قائل: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] رغباً في الجنة، ورهباً من النار، إننا قل أن نتذكر الآخرة، ولو مرت بنا أحوال الآخرة، وأهوال القيامة لقل أن نتدبرها أو نتخيل أحوالنا فيها، انظر إلى الذين يتخيلونها تماما، تقول عائشة رضي الله عنها: (يا رسول الله! يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً الرجال والنساء، وا سوأة النساء! وا فضيحة النساء! فقال صلى الله عليه وسلم: الأمر أعظم من ذلك يا عائشة!) الأمر أعظم من أن يسترق رجل نظرة إلى عورة امرأة، أو أن تخطف امرأة نظرة إلى سوأة رجل، ولكن الأمر أعظم من ذلك. وإني لا أزال متذكراً مكرراً يوم أن حصل لبعض الحجاج ازدحاماً في نفق المعيصم خرج بعضهم عرياناً، خرج بعض الحجاج عارياً لا إزار عليه ولا رداء، يمشي يريد أن يتنفس ذرة من الهواء بعد تخلصه من الزحام والناس يحلقونه من حوله ويرمون عليه إزاراً يستر سوأته، هذا نفق صغير ضيق في زحام من زحامات الدنيا خرج المزحوم فيه ذاهلاً عن سوأته لم ينتبه لها ولم يغطها، فما بالك بأهوال القيامة ترى رجلاً سوف ينظر إلى عورة امرأة أو امرأة تنظر إلى عورة رجل. مر الحسن البصري برجل يضحك ويقهقه ويستغرق في الضحك لاهياً غافلاً، فقال الحسن: [يا بن أخي! هل جزت الصراط؟ قال: لا. قال: هل علمت إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ قال: لا. قال: ففيم الضحك؟] نعم. إننا لا ننكر صفة خلقها الله فينا، ولا نريد بهذا أن نكون مقطبين لا نبتسم ولا نضحك أبداً فقد ضحك صلى الله عليه وسلم، وربنا عز وجل خلق فينا صفة فكيف ينكرها قال: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43] الله أضحكنا، الله الذي خلق فينا هذه الصفة بهذه الكيفية والهيئة، ولكن أن يكون الضحك باستغراق وغفلة حال كثير من الناس لا يروي لك إلا ما يضحك، ولا يسمع إلا ما يضحك، ولا يقرأ إلا ما يضحك، ولا يشاهد إلا ما يضحك، فويل ثم ويل لمضحك القوم! قال الحسن البصري: [فضح الموت الدنيا فما أبقى لحي لذة، وما ترك لذي لب فرحاً] حسبنا في هذه الدنيا أننا لا نتلذذ بها إلا حال غفلة، ولو أن الواحد تذكر أحوال الآخرة والفراق لما استطاع أن يتلذذ بطعام ولا شراب، ولا فراش ولا قليل ولا كثير.

الاغترار بالصحة والعافية

الاغترار بالصحة والعافية أيها الأحبة: ومما يحول بيننا وبين الاشتغال والاهتمام بأمر الآخرة أننا نغتر بالصحة، أن الواحد ربما حمل أثقالاً على رأسه، وحمل على يديه أوزاناً ثقيلة، وتنافس مع القوم في مصارعة ومطارحة مغتراً بعافية بدنه، وما علم أن العافية عارية ربما أخذت ولا يزال الروح باق في البدن، كم من أناس كانوا يهزون الأرض حينما يعدون، وكانوا يسابقون الخيل حينما يستبقون، وكانوا يأكلون ويشربون وينكحون، أتاهم من أقدار الله ما جعلهم معوقين لا يتحركون، فالعاقل لا يغتر بصحته: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7]. إن الله جل وعلا قادر أن يسلب هذه الصحة ويبقي البدن؛ ليتدبر الإنسان بنفسه من نفسه، وبقلبه من حاله، وبفكره من مآله، حتى ينظر في أي شيء يغتر الواحد: فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر أيها الأحبة في الله! العاقل لا يغتر بما عنده ولا بما أوتي ولا بما بين يديه: إذا الرجال ولدت أولادها وبليت من كبر أجسادها وجعلت أسقامها تعتادها تيك زروع قد دنا حصادها إذا الرجل أنجب أولاده، وأصبح جداً بعد أن كان أباً، ثم بات جسده بالياً أو أوشك أن يبلى، وأصبحت الأسقام تعاوده، فليعلم أنه زرع قد دنا حصاده، ولأجل ذلك قال أحد السلف: يا أهل الستين! قد أعذر الله إلى امرئ بلغه الستين من عمره، ويا أهل السبعين! زرع قد دنا حصاده: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وقليل من يجاوز ذلك) ويا أهل الأربعين! علام الانتظار والأجل قد دنا: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ} [الأحقاف:15]؟ العاقل يدرك -أيها الأحبة- أن ما مضى من أيام الغفلة لا يلتفت إليه، وما بقي من أيام العمر لا يعلم ما الله صانع به. ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

السلف واهتمامهم بالآخرة

السلف واهتمامهم بالآخرة الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضو بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. وخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وأن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

عمر وخشوعه عند قراءة القرآن

عمر وخشوعه عند قراءة القرآن أيها الأحبة في الله: لو نظرنا إلى سير الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين كيف كان اهتمامهم واشتغالهم بأمر الآخرة لوجدنا عجباً عجاباً، قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي بالناس صلاة الفجر، فقرأ قول الله جل وعلا: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:8 - 10] فسقط رضي الله عنه، وظل الناس يعودونه في بيته أسبوعاً.

ابن مسعود وتذكره نار الآخرة

ابن مسعود وتذكره نار الآخرة وكان ابن مسعود رضي الله عنه يربط ما يرى في الدنيا بأحوال الآخرة، مر ذات يوم على أقوام ينفخون في الكير، فأخذ ينظر إلى النار والحديد فبصر بحديدة قد أحميت؛ فجعل ينظر إليها وهو يبكي، وهذا مما يؤيد قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [إن أصحاب محمد في جباههم أمثال ركب المعزة من السجود، ويراوحون بين أقدامهم من طول قيام الليل، فإذا ذكرت النار ماجوا واضطربوا كأنما خلقوا لها ولم تخلق لغيرهم] مع أن فيهم من بشره الله بالجنة، ومن بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة. ونحن أدرى بعيوبنا وذنوبنا، وزلاتنا وأخطائنا وسيئاتنا، ونعلم أن السيئة سيئة لا محالة، ونعلم أن الحسنة لا ندري هل أخلصناها لله، وهل عملناها على مقتضى سنة رسول الله، وهل قبلت منا أم لا، فترى الواحد يفاخر ويكابر وإذ قيل له: جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، انتفخ صدره ورأسه، وكأنما زوال الملة بزواله وبقاء الدين ببقائه، وما علم أن الله غني عنه وعن ملايين من أمثاله.

الحسن البصري يترك الطعام صائما لأجل آية

الحسن البصري يترك الطعام صائماً لأجل آية أيها الأحبة: وهذا الحسن البصري من التابعين، وهو من تلاميذ الصحابة، حياته كلها تعلق بالآخرة، ويروي صالح بن حسان قال: أمسى الحسن البصري صائماً، فجئناه بالطعام عند فطره، فلما قرب إليه الطعام تلا رجل عنده هذه الآية: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} [المزمل:12 - 13] قال: فقلصت يده عن الطعام فقال: ارفعوه، قال: فأصبح صائماً إذ في ليتله تلك كان يتفكر في أمر الآية، فلما أراد أن يفطر في اليوم الآخر تذكر الآية فأعرض عن الطعام، فلما كان اليوم الثالث انطلق ولده إلى ثابت البناني ويحيى البكاء وأناس من أصحاب الحسن فقال: أدركوا أبي فإنه لم يذق طعاماً منذ ثلاثة أيام، كلما قربنا إليه إفطاره تذكر قول الله: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} [المزمل:12 - 13] قال: فأتوه فلم يزالوا به حتى أسقوه شربة من سويق، كل ذلك فزعاً وجزعاً من أمر الآخرة، لقد أشغلهم الأمر وأهمهم حتى باتوا لا يلتفتون إلى الطعام والشراب.

سفيان الثوري وتذكره للموت

سفيان الثوري وتذكره للموت وهذا سفيان الثوري يقول الإمام الذهبي عنه: سفيان الثوري، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمنه، كان سفيان رضي الله عنه لشدة تعلقه بالآخرة، واستيلاء هَم الآخرة على فكره كأنه جاء من الآخرة، يحدث الناس عن الآخرة كأنما رآها رأي العين، ويقول أبو نعيم: كان سفيان إذا ذكر الموت لم ينتفع بالطعام والشراب أياماً، ويقول ابن مهدي: كنا نكون عند سفيان فكأنما وقف للحساب بين يدي الله جل وعلا، ويروي أحد أتباعه يوسف بن أسباط عن مدى تعلق سفيان بالآخرة قال: قال لي سفيان وقد صلينا العشاء الآخرة: ناولني المطهرة، أي: إداوة أو إناء فيه ماء يتوضأ منه، قال: فناولته المطهرة فأخذها بيمينه ووضع يساره على خده، قال: فنمت، فاستيقظت وقد طلع الفجر، فنظرت إلى سفيان والمطهرة بيمينه ويده اليسرى على خده فقلت: يا أبا عبد الله! هذا الفجر قد طلع فقال: لم أزل منذ ناولتني هذه المطهرة أتفكر في أمر الآخرة حتى الساعة. وهذا عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما عاشرت في الناس رجلاً أرق من سفيان، وكنت أرمقه الليلة بعد الليلة، فما كان ينام إلا أول الليل ثم ينتفض فزعاً مرعوباً ينادي النار النار! شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات، ثم يتوضأ ويقول على إثر وضوئه: اللهم إنك عالم لحاجتي غير معلم، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار، إلهي! إن الجزع قد أرقني وذلك من نعمك السابغة علي، إلهي! لو كان لي عذر في الخلوة ما أقمت مع الناس طرفة عين، ثم يقبل على صلاته وكان البكاء يمنعه من القراءة حتى يقول عبد الرحمن بن مهدي: إن كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرة بكائه، وما كنت أقدر أنظر إليه استحياءً وهيبة منه، وإنما أرمقه ببصري رمقاً. وهذا الحسن البصري يتقلب ويخشى عند فراق روحه البدن، لما بكى بكاءً شديداً قالوا له: أو لست الإمام العالم الزاهد المحدث؟ فقال: أخشى أن يطرحني في النار ولا يبالي، ويرددون عليه فيقول: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. أما نحن -أيها الأحبة- فإننا قد يبدو لنا ما نحسبه ونحتسبه، وقد يبدو لنا ما نعرفه عن أنفسنا وزلاتنا وهفواتنا وأخطائنا. كم ليلة أودعتها مآثماً أبدعتها في غفلة أطعتها لشهوة ومطمع نحن أدرى بعيوبنا وذنوبنا وما أقل ما نذكر الآخرة، وإذا مرت الآخرة علينا مرت مرور الكرام. فيا أيها الأحباب: تذكروا واستعدوا وأعدوا وكما قال عمر بن الخطاب: [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا] وتأهبوا للعرض الأكبر على الله: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65]. أيها الأحبة: ما عذرنا أمام ربنا؟ أولم يجعل لنا بصراً فلماذا نظرنا إلى الحرام؟ أولم يجعل لنا سمعاً؛ فلماذا سمعنا الحرام؟ أولم يجعل لنا أقداماً؛ فلماذا مشينا إلى الحرام؟ أو لم يجعل لنا قلوباً وألباباً وأفئدة؛ فلماذا نفكر بالحرام؟ هل من توبة؟ هل من عودة؟ هل من رجعة؟ هل من مبادرة إلى التوبة قبل أن يحل بنا الأجل؟ قبل أن تخطفنا سهام المنون؟ صادفن منها غرة فأصبنها إن المنايا لا تطيش سهامها

دعوة إلى استغلال الإجازة الصيفية

دعوة إلى استغلال الإجازة الصيفية أيها الأحبة: وقبل ختام هذه الخطبة أوصيكم ونفسي بتقوى الله في الإجازة التي نحن قادمون عليها، إن كثيراً من الناس قد أعدوا وتجهزوا لقضاء وقت الإجازة، فإن كان في مباح فلينووا بذلك المباح أن يكون عوداً ونشاطاً وقوة من جديد لطاعة الله سبحانه وتعالى، وإن كانوا قد أعدوا إلى سفر لا يرضي الله، فليتقوا الله ولينزجروا ولينتهوا؛ فإن الله جل وعلا سيحاسبهم على وقتهم وعمرهم وشبابهم: (ولن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع). أيها الأحبة في الله: أوصيكم ونفسي باستغلال واغتنام هذه الإجازة فيما ينفع، والحذر والحذر أن تكون بوابة إلى معصية الله والوقوع في الغفلة، كما أوصي الذين يتنزهون في البرية والخلاء أن ينتبهوا لنسائهم، وأن يحفظوا عوراتهم، وأن يستروا بناتهم وزوجاتهم؛ فإن مما يلاحظ على كثير من الناس أنهم إذا خرجوا في الإجازات ونصبوا المخيمات تنزهاً بالخلاء والبرية؛ أن تجدهم ربما أهملوا بناتهم وأولادهم، وذئاب تحوم حول مخيماتهم، ذئاب من الشباب الفاسدين أصلحهم الله وهداهم، يرمقون النساء بمقربات الرؤية بما يسمى بالمنظار أو الدربيل، يرمقون النساء حتى إن بعضهم من خسته ودناءته ليتتبع المرأة حال بعدها لقضاء حاجتها. فالعاقل ينتبه لأهله، وليعد مكاناً طيباً، وليحفظ به أولاده وأهله، ولسنا بذا نحرم أن يخرج أحد بذريته ليتنزه، ولكن إذا خرجت فاحفظ نفسك، واحفظ بيتك وأهلك، وأما أناس جعلوا من البرية سهراً بالطبول إلى آخر الليل ونوماً عن صلاة الفجر، فوالله ليأتين يوم يندمون على سفرهم هذا وخروجهم. اللهم اهدهم وردهم ونفسي وإياكم إلى الحق رداً جميلاً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم أصلح ذات بين المسلمين في أفغانستان، اللهم من كان باغياً فاقطعه، وأرح المسلمين من شره وتسلطه، اللهم احفظ عوراتهم وآمن روعاتهم، واستر ذرياتهم، وعجل وحدتهم، وأقم على الكتاب والسنة دولتهم، اللهم انصر المسلمين في البوسنة والهرسك وفي طاجكستان وفي البورما وأرامو والفليبين، اللهم انصر المسلمين في فلسطين واخذل اليهود أعداء الدين، يا رب العالمين! ربنا لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عيباً إلا سترته، ولا حاجة إلا قضيتها، بمنك وكرمك يا رب العالمين! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمامنا وأصلح بطانته وقرب له من علمت فيه خيراً له، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له، واجمع شمله وإخوانه وأعوانه والعلماء والدعاة على ما يرضيك يا رب العالمين! إن الله وملائكته يصلون على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وداع عام واستقبال عام

وداع عام واستقبال عام كل لحظة تمر هي جزء من حياتنا ومن أعمارنا، فعلى المسلم أن يحاسب نفسه على ما مضى من عمره: هل كان في خير أم في شر؟ وهل كان في طاعة أم في معصية؟ وعليه أن يحمد الله إذا ودَّع عاماً من الأعوام أن الله لم يقبضه فيه، بل ترك له فرصة أخرى؛ ليكثر فيها من الأعمال الصالحة ويندم على ما مضى منه في العام الماضي، وهنا يذكر الشيخ بضرورة المسارعة في الخيرات قبل فوات الأوان.

وقفة محاسبة

وقفة محاسبة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال في محكم كتابه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62]، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]. أشهد أن لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه. أشهد أن الله أحيانا ويميتنا، ويبعثنا ويحشرنا، ويحاسبنا وبالعدل يحكم بيننا. أشهد أن لا إله إلا الله: واحد في ربوبيته، فهو المدبر وهو المتصرف والمالك، وهو المعز والمذل، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، كل خير بيده، ولا يدفع بلاء إلا بمنة منه وحده. أشهد أن لا إله إلا الله: فالركوع له، والسجود له، والحلف به، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف من عذابه، والطمع في ثوابه. أشهد أن لا إله إلا الله: له الأسماء الحسنى والصفات العلى {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف:180]. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من وطئت قدمه الثرى، بعثه الله إلى الجن والإنس بشيراً ونذيراً، قال صلى الله عليه وسلم: (قد أعذر الله إلى امرئ بلَّغه الستين من عمره) فمن بلغ فليعتبر، ومن دنا فليستعد، ومن انتصف فلينظر ما قدم وما أخر. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، كان نبينا بنا براً رءوفاً رحيماً: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128]. هذا النبي الرءوف الرحيم ما ادخر شفاعته لآل محمد، أو لآل البيت، أو لمن دنا نسبه وسببه منه، رءوف رحيم، بل جعل شفاعته للعصاة من أمته، أن يخرجوا من النار فيدخلوا الجنة، بعد أن يأذن الله له: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] والنبي من المرضيين. أيها الأحبة في الله: منذ يومين أو أقل أو أكثر ودَّعَنا لا نقول: ودَّعْنا نحن، بل ودَّعَنا؛ لأن المودِّع لو كان قادراً على الخيار في أن يودع أو يمكث لقلنا نحن المودعين، لكن العام ودَّعَنا، ولا خيار لنا في وداعه، ولا خيار لنا في فراقه؛ لأن الله أمر هذا العام بأشهره، وأيامه، ولياليه أن تودعنا. أيها الناس: من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا. في الغابرين الأولين من القرون لنا بصائر لما رأيت موارداً للناس ليس لها مصادر أيقنت أني لا محالة حيث صار القوم صائر هذا من كلام قس بن ساعدة، وهي خطبة بليغة في التفكر والتدبر، في فراق الدنيا، ورحيل الأيام والأعوام. إن الجديدين إذا ما استوليا على جديد أسلماه للبلا منع البقاء تقلب الشمس وخروجها من حيث لا تمس وبزوغها صفراء صافية ومغيبها حمراء كالورس أيها الأحبة في الله: ولَّى هذا العام لينزع من غابة عمرك، شجرة لينزع من غابة العمر شجرة هي سنة بأغصانها، أشهرها وأوراقها الأيام والليالي. وكان لعامنا المنصرم بداية، ورأينا مصرع العام، ونهاية العام، ورحيل العام، وسيشهد عام مصرعنا، وسيشهد عام ما سيشهد رحيلنا وفراقنا، سيشهدنا يوماً نُحمل فيه على الأكتاف، على النعش نغسل ونكفن وندفن ونودع. وليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء إنا في هذا العام نودع أمواتاً -أيضاً- هم على قيد الحياة، وسنودع أمواتاً ينقلون إلى المقابر، وكما شهدنا وداعه، سيشهد عام قادم وداعنا وفراقنا ورحيلنا، وتصرم شجرة عمرنا. أيها الأحبة: وسيكون لهذا العام الذي دخلناه نهاية، فمن ينتهي أولاً، هل ننتهي نحن أم ينتهي العام أولاً؟! وهب أننا شهدنا نهايته، فهل نشهد نهاية أعوام قادمة أم لا بد أن يكون فيها عام يشهد مصرعنا، ورحيلنا، وسكراتنا، وتغرغر الروح فينا، وبكاء الأقارب حولنا، وضعفنا ونحن على الأسرة والفرش نعالج السكرات ونرى الكربات، ونرى الأقارب لا يدفعون ولا يقدمون ولا يقربون.

لذة تزول وإثم يبقى

لذة تزول وإثم يبقى أيها الأحبة في الله: لقد زال ذاك العام قبل يومين ولى ومضى لكنه زال وزالت كل لذة فيه. فأما لذات أهل المعاصي، من سهر ليلة على أضواء حمراء خافتة، والغيد والوصيفات مقبلات مدبرات، ربما شهد بعض القوم ليلة كهذه، ولكن تلك الليلة ولت ومضت وانقضت لذتها وذهبت، وبقي إثمها، ولى العام باللذات وبقيت حسرات المعصية، وشؤم الفاحشة، وبلاء المخالفة، إن هذا الرحيل عجيب، وإن هذا الفراق غريب! كم أناس عصوا ربهم في الليالي الماضية المنصرمة، واسألوا من بقي حياً: يا عبد الله! يا فلان ابن فلان! ليلتك التي عشتها، بما فيها من كأس وغانية، ومسلسل ومجلة، ومعصية وفاحشة، هل تذكر الآن من لذاتها شيئاً؟! هل تحس لمشهد من مشاهدها ركزاً؟! هل ترد لذة إلى حاسة من حواسك؟! لا والله، لقد انقضت اللذة وبقي الإثم، وبقي شؤم المعصية، وبقيت الحسرة. وأقولها: لا تغرنك سلامة تراها في بدنك، إن للمعاصي شؤماً ولو بعد حين، إن من الناس من إذا ارتكب الفاحشة، وتقحم المعصية، على بصيرة وعلم، فمضى يوم أو يومان أو ثلاثة، ولم ير خسفاً أو مسخاً أو غرقاً أو هدماً أو حريقاً، يظن أن تلك المعصية مرَّت ولا ضرَّت، وانتهت ولا عاقبة لها، وعلى حد زعم القائل: إذا لم يغبر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبار لا. إن شؤم المعاصي ولو بعد حين، ومن شر شؤم المعاصي ذاك الشؤم الذي يأتي يوم أن تبلغ الروح الحلقوم، شؤم معصية يغيب عنك طيلة عمرك ولا يحضرك إلا حالة النزع ومعالجة السكرات، تريد أن تقول: لا إله إلا الله فتصرف عنها، تريد أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله فتعجز عنها، تريد أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله فتذكر غيرها. وقيل لشاب حضرته سكرات الموت وحوله رجل فيه خير يلقنه، ويعرض الشهادة عليه، ويقول: يا فلان! قل لا إله إلا الله، فيقول الفتى: هل رأى الحب سكارى مثلنا. ما رأى الموت سكارى مثلكم، ما رأى الموت سكارى في غفلة عن القبر والموت والضنك واللحد والحشر والنشر والصراط والحساب والعذاب، ما رأى سكارى مثل هؤلاء، أسأل الله أن يتجاوز عن الجميع وأن يتغمدنا برحمته. اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، وعافنا واعف عنا وعن إخواننا، ولا تبتلينا يا رب العالمين. ومضى هذا العام وولى وانقضى، وقد شهد الصالحون فيها ساعات يراوحون بين الأقدام من قيام الليل، ويجعلون الأكف على البطون من آلام جوع الصيام، ويسترخون قليلاً من تعبٍ قد ينالهم وهم يتقلبون بين تلاوة أو ذكر أو عبادة، ونسألهم اليوم: يا معاشر الطائعين! هل تشعرون بآلام عبادة في عام مضى؟ هل تشعرون بشيء من التعب الذي نالك إبان العبادة في عام مضى؟ لا والله. لقد نسيت الألم والجوع والتعب، ولكن بقي الأجر، بقي الثواب، بقي الوعد الجزيل، بقي الجزاء العظيم، بقي الخير العميم الذي ينتظرك من أعمال صالحة قدمتها فتقبلها الله بيمينه جل وعلا، وتراها يوم القيامة كالجبال. فهنيئاً لمن مضى عمره وانقضى عامه على طاعة لله جل وعلا. ومضى العام عليَّ وعليكم، بلذات عاقرناها، وتلذذنا بها، وانتهت اللذات وأعقب اللذة تعب. كنا نجد لذات الأكل ولا نزال، ونجد لذات الشرب ولا نزال، ولكن اللذة في أطيب طعام نشتهيه ثوانٍ توضع فيها اللقمة على اللسان، فإذا انتقلت اللقمة إلى الجوف استوى الذين علفوا البرسيم والذين أكلوا أطيب الطعام، استقر في الجوف ولو رد ما أكلناه، ورأيناه مرة أخرى لانصرفنا وتقززنا عن رؤيته أو سماعه والنظر إليه. إذاً: فحتى لذاتنا لذات اللحظات، لذات الثواني والدقائق، لذة الطعام أثناء وضع اللقمة على طرف اللسان، ثم بعد ذلك تنتهي إلى الجوف، وحينئذٍ يستوي طعام الفقراء والأغنياء، والملوك والعالة والصعاليك، والمدراء والوزراء، وكل غني وفقير يستوي طعامه بعد أن يتجاوز ثوان مر فيها الطعام على لسانه. أيها الأحبة: هل هذه حياة، ودنيا يتعلق بها الإنسان في لذة لا يجدها إلا ثوان معدودة على طرف اللسان، وهل ينتهي الأمر عند هذا؟ لا وألف لا. إذا استقر كل طعام شهي، وكل شراب مري في هذا الجوف انقلب عذاباً، وحسرة، ومرضاًَ، وسقماً، حتى نخرجه من بطوننا، فهذه لذاتنا في الدنيا، وهذه ملذاتنا في أعمارنا فهل خلقنا لهذا؟!!

حقيقة اللذة في الدنيا

حقيقة اللذة في الدنيا لنعلم أن اللذة في طاعة الله، وفي الأنس بالله وذكر الله، ولذلك قال الله جل وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ} [الرعد:28] غاية السعادة بالطمأنينة، وأين الطمأنينة؟ هل هي في الفرش أو الأكل والشرب، أم في الجاه، والمنصب، أم في الحسب والوظيفة؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] هذا هو أنس الدنيا وهذه لذاتها. وبهذا نعلم -أيضاً- أن النعيم نعيم السعداء، وليس نعيم المترفين في الدنيا، النعيم نعيم السعداء الذين علقت وتعلقت قلوبهم بذكر الله، ولهجت ألسنتهم بكلام الله، واشتاقت أرواحهم إلى ما عند الله: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} [هود:108] السعداء: هم أهل السعادة الحقيقية في الآخرة: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108]. {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا} [هود:108] من يخرجهم؟ من يكدر عليهم؟ هل يخشون دولة تعتدي على حدودهم في الجنة؟ هل يخشون عدواً يتسور بيوتهم؟ هل يخشون لصاً يتسلل عبر نوافذهم؟ هل يخشون بلاءً من فوقهم أو من تحتهم؟ ولم يخشون، وهم في الأمن والطمأنينة عند مالك الملك رب الأرضين والسماوات؟ {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108]. من ذا الذي يقطع نعيماً أعطاكه الله جل وعلا، أما لذتك في المنصب فأنت مهدد بالعزل عنها، وأما لذتك بالصحة فأنت مهدد بزوالها، وأما لذتك باجتماع الأحباب فأنت مهدد بفراقك عنهم أو فراقهم عنك أو بلية تشتت شملكم، وأما لذتك بالغنى فالفقر لا تدري من أي الأسباب يأتي، وأما لذتك بكل شيء فإنها مهددة مخطورة بأدنى شيء يخطر أو لا يخطر على بالك، أما لذات الآخرة فكما قال الله جل وعلا: ((خَالِدِينَ فِيهَا)) [هود:108]، (يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت). نعيم الجنة خلود أبدي، وعجبنا لمن يركن ويطمئن ويغفل في هذه الدنيا وهو يعلم أن أمواله ستقسَّم من بعده، سيقتسمها الورثة، مقاسمة الشريك الشحيح لشريكه، بل إن بعض الورثة لا يرضى الإجمال في القسمة؛ بل لا بد أن يأتي بالمحاسب القانوني الذي يدقق كل صغيرة وكبيرة، وكل مدخل ومخرج، نسيناك يا ميتنا، نسيناك يا مورثنا، نسيناك يا صاحب المال، الشأن شأن التركة، أما أنت فقد انتهيت. إذاً، فدنياك: مالك يقسم بعدك، وزوجتك ضجيعة الفراش طالما سمعت عبارات الود والصفاء -وليس هذا بإثم ولا عيب- ستتزوج بعدك، وتمنح الذي يليك ما منحتك، ودارك سيسكنها أجنبي سواك، وقد يطرد أولادك منها، ويسكنها رجل آخر مع أبناء آخرين. هذه الدنيا: لا تبك على عمر منصرم؛ إلا إذا انصرم في معصية أو انصرم في غفلة عن طاعة الله سبحانه وتعالى. أيها الأحبة في الله: هكذا فلنعلم أن شأننا في هذه الدنيا شأن المودع لا محالة، أرأيت رجلاً دخل صالة المغادرة في المطار فجاء وجلس ونصب خيمة، أو بنى داراً، وأعد طعاماً، وافترش فراشاً وطلب لذة، لا. تجده يتقلب وينتظر الإقلاع والرحيل، فكن هكذا، كن هكذا، كن كأنك غريب أو عابر سبيل، وخذ من دنياك لآخرتك، ومن نفسك لنفسك، ومن شبابك لهرمك، ومن صحتك لسقمك، فبادر هل تنتظر إلا هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو فقراً مطغياً، أو غنىً ملهياً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر. معاشر المؤمنين: الدهر قُلَّب، والأيام دول، ماذا كان شأن المسلمين في البوسنة والهرسك قبل عام مضى؟ كانوا على حال لا نقول حال السعداء، لكنها لا تقارب بأحوالهم الآن. وأحوال المسلمين في بورما وكشمير، تتقلب الأيام والأعوام عليهم، وقد عاشوا عاماً أو أعواماً مضت في طمأنينة، فانقلب عليهم الأعداء، وخذوا مثالاً على البلاء، قال مسلم من كشمير في سجون الهندوس -عبدة الأبقار- قال: طلبت ماءً لما بلغ بي العطش مبلغاً، فجاء جندي من السيخ، وأجبرني بعض الجنود على فتح فمي، فبال الهندوسي في فم المسلم. أحوال وأمور أسأل الله ألا يغير علينا، أسأل الله ألا يفتننا، أسأل الله ألا يبتلينا. إن هذه النعم لو رأيت ما يقدمه كثير من الناس اليوم في مقابلتها، لما رأيت إلا أفلاماً يتبادلونها ويسهرون عليها، وغفلات عن صلاة الجماعة، وإعراضاً عن الانقياد والاتباع، واشتغالاً بالمال من أي طريق. ولما دعي من دعي للاكتتاب في بنوك الربا، توافد الكثير من الأقوياء الذين قد لا يخشون أن يمسخ الله عافيتهم، يقولون: شكر النعمة اكتتاب في الربا، وشكر الطمأنينة أسهم في الحرام، وشكر هذه الآذان معصية لله جل وعلا. ولا حول ولا قوة إلا بالله {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:78]. فما دام أن العمر منقضٍ، فانتظر ما يأتيك واستعد، فإن عامك الذي مضى قد مرض فيه أصحاء، وصح فيه سقماء، وعز فيه أذلاء، وذل فيه أعزاء، وتفرق فيه مجتمعون، واجتمع فيه متفرقون، ومات فيه أحياء، وولد فيه أجنة، فالحمد لله على كل حال الذي لا تشغله حال عن حال. أيها الأحبة: ولى العام وانقضى، فماذا قدمتم لعام تستقبلونه؟ وماذا قلَّبتم في عام تودعونه؟ أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المعتدلين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

لكل شيء نهاية

لكل شيء نهاية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أيها الأحبة: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. معاشر الأحبة: نهاية العام فيها بشارة أيضاً، بشارة لكل مريض أن المرض له نهاية، فيه بشارة لكل معتقل أن الاعتقال له نهاية، بشارة لكل مبتلاً أن البلاء له نهاية، بشارة لكل مظلوم أن للظلم نهاية. وانتظر الفرج، فلن يغلب عسر يسرين: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5 - 6]. ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب فلكل شيء نهاية فللظلم نهاية وللطواغيت نهاية وللجبروت نهاية و {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27]. للظلم نهاية قال مظلوم لظالم كان يتغطرس ويتفنن ويتلذذ في ألوان إيقاع الظلم والأذى فيه. قال له: افعل ما بدا لك اظلم ما شئت أوليس الموت عن هذه الدار ينقلنا؟ أوليس القبر يضمنا؟ أوليس المحشر يجمعنا؟ أوليس الله يفصل بيننا؟ افعل ما بدا لك. هذا أمر عجيب، إن في زوال الأيام والأعوام بشارة لزوال كل ظلم وكفر وبغي وعدوان، ولكن أين من يصبر؟ أين من يعرف ويعلم أن شيئاً من البلاء في ظرف من الزمن آية يبتلي الله فيها عبادة؟ {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3] حتى ساعات الظلم بعدها فرج عظيم، وآيات الله في العباد كثيرة لا تحصى. في دولة من الدول التي تنتسب إلى الإسلام، وتزعم أنها مسلمة، كان الدعاة فيها في الزنازين، والأئمة في السجون، والعلماء في غياهب السجون، فجاء زعيم من زعماء السجون -سجون التعذيب- ليأخذ واحداً من الدعاة المظلومين، فأخذ يلطمه ويركله، فقال ذلك المسكين: يا الله! فقال الطاغية الظالم: والله لو نزل ربك لسجنته في زنزانة انفرادية. ما أحلم الله على عبادة، الله عظيم وحلمه عظيم أيضاً، ومرت الأيام، ويخرج ذلك المظلوم من سجنه، وينتقل ذلك الظالم المتفنن في تعذيب المظلومين والمساكين، فخرج ذات يوم يتنزه في ضيعة من ضياعه، وبينما هو في الطريق، إذ بجرار زراعي -الذي نسميه دركتل أو الشيول- إذ به يقطع الطريق عليه فجأة، فتلتحم شوكات هذا الجرار الزراعي وسط سيارة ذلك الظالم، ويختلط لحم وعظم الظالم بين الحديد وبين شوكة الجرار الزراعي. فجاء رجال الأمن ومن يهمهم الأمر، فلم يجدوا حيلة أن يخرجوا هذه الحالة أو صاحب هذا الحادث إلا بتقطيع جسمه قطعة قطعة، وإخراجه من بين شوكة الجرار وحديد السيارة، فيا لله!! من سجن من من حبس من من أودع من لا إله إلا الله. وما من يد إلا يد الله فوقها ولا ظالم إلا سَيُبلى بأظلم تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم

الاستعداد للموت

الاستعداد للموت أيها الأحبة: هذه الحياة بأيامها مرت سراعاً عجالاً على السعداء، وتمطت بكلكلها، ونأت بأعجازها على المبتلين، لكن الزمن هو الزمن على السعيد والشقي: مرت سنون بالوصال وبالهنا فكأنها من قصرها أيام ثم انثنت أيام هجر بعدها فكأنها من طولها أعوام ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام فكل شيء ماض. أيها الناس: إن لكم غاية فانتهوا إلى غاياتكم، وإن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن الواحد منكم بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله قاض فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله صانع فيه. فأعدوا واستعدوا، وفي نهاية العام تذكروا نهاية الأعمار: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]، {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78]، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. ولكن أيها الأحبة: نتيجة الخوف من الموت هي الاستعداد للموت، والذي يخاف من الحريق يعد لإطفاء الحريق، ويعد مادة أو يستعمل مواداً غير قابلة للاحتراق، ويعد أشياء في بناء بيته تعزل انتقال الحريق، هذا هو الخوف الطبيعي، يتترجم إلى استعداد ومواجهة، أما رجل يخاف من النار وهو ينظر إليها ويصطلي بلظاها، أو رجل يخاف من الجوع وهو ينظر الطعام ولا يأكله، أو رجل يخاف من البرد وهو يرى اللباس ولا يلبسه. الخوف من الموت هو ألا تبكي وتنشغل أو تسهر، كما يخبرني بعض الشباب أن خوفهم من الموت بلغ بهم حداً أن الواحد منهم يضع يده على خده، أو يده على ناصيته، ويجعل رأسه بين رجليه، فتارة في شرود ذهن، وتارة في قلق فكر، وتارة في عذاب ضمير، ما بك يا أُخيَّ، خائف من الموت، هذا ليس بخوف. الخوف من الموت تخافه الحشرات، لو لحقت حشرة هربت؛ لأنها تخاف من الموت، اجعل خوفك من الموت مترجماً محولاً إلى أن تسجد، من كان يخاف الموت فلا ينم إلا وقد صفى قلبه على عباد الله، وأدى حقوق الله في نفسه وماله وبيته، من كان يخاف الموت فليستعد له بالوصية، من كان يخاف الموت فليكثر من الركوع والسجود، والعمل الصالح الذي يؤنسه في قبره، نهاية العام تذكير بفناء ونهاية العمر. لكن نريد استعداداً ونريد أهبة، فإن الزاد قليل والسفر طويل، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [يا دنيا غري غيري تزينتي قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها]، وقال غيره: [لقد أدركنا رجالاً من صحب محمد صلى الله عليه وسلم في جباههم أمثال ركب المعز من السجود، ويراوحون الليل والنهار -يراوحون بين أقدامهم من طول القيام والعبادة في الليل والنهار- وإذا ذكرت النار اضطربوا وماجوا وخافوا كأنها لم تخلق إلا لهم] أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم، وبشرهم واختارهم لهذه الصحبة إذا ذُكرت النار اضطربوا كأنها لم تخلق إلا لهم، {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف:169]. من أحسن الرجاء أحسن العمل، ومن ابتغى الولد ورجى الولد تزوج، ومن ابتغى الثمرة زرع، ومن ابتغى البيت سعى في البناء. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً وبولاة أمرنا فتنة، وبعلمائنا مكيدة، وبالدعاة فرقة وضلالة، اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء. اللهم من سعى في أعراضهم بالفرقة والنميمة والوشاية اللهم أخرس لسانه، وعطل أركانه، وأرنا فيه عجائب قدرتك، واخزه اللهم بين العباد أجمعين. اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في الجزائر وتونس وبورما وفلسطين والبوسنة والهرسك وأفغانستان وكشمير وأرميوا وفي كل بلاد وبقاع الأرض يا رب العالمين. اللهم ما علمت من داعية أو عالم صالح أو مخلص، اللهم فانصره وأيده وثبته ووفقه يا رب العالمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ولي علينا خيارنا واكفنا شرارنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم لا تفرِّح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً. اللهم سخر لنا ولعلمائنا ولولاة أمرنا ودعاتنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، واجعل اللهم ذلك في طاعتك ومرضاتك، يا رب العالمين. معاشر المؤمنين: لا تنسوا إخوانكم المضطهدين المشردين المقتلين المبتلين في البوسنة والهرسك، وستجدون على الأبواب من يجمع تبرعاتكم. وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

واقعنا بين الأمس واليوم [2،1]

واقعنا بين الأمس واليوم [2،1] استعرض الشيخ حفظه الله في حديثه هذا حال المسلمين بالأمس، مبيناً كيف كان اعتزازهم برفعة الإسلام وأهله، وأن ذلك أدى إلى أنهم ساسوا الدنيا ومن عليها، ولما اختلفت عقيدتهم انهدمت تلك العقيدة القائلة بوجوب سيادة المسلمين، فأدى ذلك إلى حال يرثى لها.

فائدة الحديث عن الماضي والحاضر

فائدة الحديث عن الماضي والحاضر بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، الحمد لله على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، الحمد لله ملء السماء وملء الأرض وملء ما بينهما، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، الحمد لله الذي جمعنا وألف بين قلوبنا، ولو أُنفِق ما في الأرض جميعاً ما ألف بين قلوبنا إلا بفضله ومنته ورحمته، الحمد لله الذي خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام ووفقنا إلى التوحيد، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي لهم ولا مؤوي، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أيها الأحبة في الله! أحييكم بتحية الإسلام: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وخير ما أبدأ به كلمتي هذه أن أتوجه إلى الله بدعاء وأنتم تؤتمنون عليه: وأسأل الله أن يكون هذا الدعاء مستجاباً لنا جميعاً؛ لأنه ما جاء بنا إلا ابتغاء رحمته، وما جمعنا إلا ابتغاء مرضاته وجنته، فنسأله أن لا يردنا خائبين ولا محرومين. اللهم إنا نسألك أن تكفينا بحلالك عن حرامك، اللهم بارك لنا فيما أبحت لنا، وحبب إلينا ما شرعت لنا، وبغض إلى نفوسنا ما حرمت علينا، اللهم إنا نسألك أن تجعل لنا لكل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فاحشة أمناً، ومن كل فتنة عصمة، ونسألك اللهم الوفاة على التوحيد شهداء، والحياة على الإسلام سعداء، والحشر يوم المحشر مع الأنبياء، اللهم إنا نسألك أن تتوفانا وأنت راضٍ عنا، راكعين ساجدين هداة مهديين راضين مرضيين، ونسألك اللهم ألا تفاجئنا ملائكة الموت ونحن على معصية. أيها الأحبة في الله! حديثنا اليوم إليكم بعنوان: "واقعنا بين الأمس واليوم". أيها الأحبة! ماذا نستفيد إذا حدثناكم عن الأمس، وماذا نجني لو حدثناكم عن اليوم، هل الفائدة أن نسرد عليكم الأقاصيص والروايات؟ لا والله. إن حديثنا عن الأمس مقارنة باليوم، إن حديثنا عن واقعنا وأمسنا وإن تأملنا في مستقبلنا أمر ضروري، والله جل وعلا في كتابه الكريم ذكر آيات دلت على ذلك، فينبغي أن نعلم أن من أهم الأمور التي نستفيدها من دراستنا لأمسنا وليومنا أن نعلم أموراً مهمة عديدة:

أن لله سننا كونية لا تتغير

أن لله سنناً كونية لا تتغير أولها: أن السنن الكونية التي أودعها الله في عباده وجعلها في هذا الكوكب من مخلوقاته التي هي بالأمس لا تزال هي باليوم، السنن الكونية التي كانت قبل ألف وأربعمائة سنة لا تزال هي السنن في زمننا؛ لأن سنن الله باقية، وسنن الله ثابتة، وسنن الله لا تتبدل ولا تتغير، سنة الله في الذين خلوا من قبل {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:43]. فحينما نتحدث عن الأمس واليوم فإننا نتحدث في إطار سنن ثابتة لا تتغير أبداً، وإن من أهم السنن التي هي ثابتة لا تتغير ويهمنا أن نتناولها في موضوعنا اليوم: أن نعلم عداوة الكافرين للمؤمنين، والفاسقين للصالحين أنها عداوة باقية وعداوة أبدية. يقول الله جل وعلا: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:105]. سنة العداوة من الكافرين لنا معاشر المؤمنين سنة باقية، إن أعداءنا الكفار الذين عادوا رسول الله، وعادوا صحابة نبيه، وعادوا خلفاءه الراشدون، وعادوا أئمة الإسلام وعلمائه لا يزالون هم الأعداء إلى هذا الزمان. العداوة باقية وإن اختلفت أساليبها وتلونت أشكالها وتنوع وتغير رجالها وأبطالها، المهم أن نعلم أن حديثنا بين الأمس واليوم لا يلغي السنن، السنن باقية، فمنها هذه العداوة: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] ويقول جل وعلا: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران:119]. فيا معاشر المؤمنين! إن أعداء الدين الذين كانوا فيما مضى من الأزمنة هم على مدار الأزمنة والأمكنة موجودون، وهذه سنة التدافع: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:251]. فحديثنا عن الأمس أو حديثنا عن اليوم هو حديث عن الظواهر، أما السنن فهي لا تزال سنن باقية.

أن الزمان لا يتغير ولكن نحن نتغير

أن الزمان لا يتغير ولكن نحن نتغير كذلك أيها الأحبة نعلم أن حديثنا عن الأمس واليوم لا يتناول الزمان: والليل فاعلم والنهار كلاهما أرواحنا فيها تعد وتحسب الليل والنهار منذ زمن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أربعة وعشرون ساعة، واليوم يتراوح طوله وقصره بين الليل والنهار، هل زاد النهار في هذا الزمان وقصر في ذلك الزمان؟ لا، الزمان هو هو كما كان. واعلموا كذلك أن صفات أهل الزمان الخلقية الأصلية كما كانت في ذلك الزمان هي موجودة أيضاً في هذا الزمان؛ كي تقوم الحجة علينا. إن الصحابة كان لهم عينان وأنف واحد ويدان ورجلان، ولكل واحد منكم عينان ويدان ورجلان وأنف واحد لم يتميز ذلك التاريخ السابق، أو الأمس الذي نتحدث عنه، لم يتميز بأن أصحابه كانوا أولو عشرات الأعين ونحن ليس لنا إلا عينين فقط، لا، بل اتفقنا معهم أعيننا كأعينهم، وأنوفنا كأنوفهم، وأبصارنا كأبصارهم، وأقدامنا كأقدامهم، وأيدينا كأيديهم. إذاً ما الخلاف؟ اختلفت البصائر: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. والذين حينما تحدثهم عن واقعهم، أو انحراف أو تساهل أو ضعف في سلوكهم وتمسكهم بدينهم، وتهاون بالغيرة في حرمات الله وأوامر الله ومناهي الله جل وعلا، قام يحدثك ويقلب لك الأمر ويفرقع الأصابع: ذاك زمان مضى وهذا زمان اختلف، لا. أرى حللاً تصان على أناس وأخلاقاً تداس فلا تصان يقولون الزمان به فساد وهم فسدوا وما فسد الزمان نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا وقد نهجو الزمان بغير جرم ولو نطق الزمان بنا هجانا فيا أحبتي في الله! ينبغي أن نعلم أننا يوم أن نتحدث عن الأمس واليوم، أننا نتحدث عما جنت واجترحت وفعلت واكتسبت أنفسنا وجوارحنا، أما السنن فإنها لم تتغير أبداً. هذا الكلام أقوله لكي لا يزداد بعدنا عن الزمان الأول وإغراقنا في الزمان الآخر، ولكي نتمسك بما كان عليه الصدر الأول: (أفلا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي). مهما كانت البشرية في القرن الخامس عشر الهجري أو العشرين -بعد أيام قليلة ندخل في عام ألف وأربعمائة وأحد عشر- أو لو بلغنا عام ألف وتسعمائة أو ألفين للهجرة فإن عام ألفين للهجرة لا يعني أن نتهاون بحرف واحد من كتاب الله جل وعلا، مهما تقدمنا وتطورنا ومضت بنا العصور والأزمنة فإن ذلك لا يغنينا ولا يجعلنا في غنىً عن آية واحدة من كتاب الله، فضلاً عن كتاب الله كله، لماذا؟ لأن السنة واحدة، والسنة باقية، وسنة الله في هذا الكون لا تتبدل ولا تتحول، أراد الله لهذا الدين أن يكون خاتماً ومهيمناً على سائر الأديان والرسالات إلى يوم القيامة، فكانت معجزة الدين خاتمة ومهيمنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

منفعة الحديث عن الماضي

منفعة الحديث عن الماضي ثم اعلموا أيها الأحبة! أنه ينبغي قبل أن نفصل عن الحديث عن الأمس واليوم أن نسأل: ماذا ينفعنا الحديث عن الماضي؟ ينفعنا الحديث عن الماضي أن نتأسى وأن نتثبت، وإذا ابتلينا بواقعة في زمننا، تأملنا تاريخنا، وتاريخ أسلافنا، بل وسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم، لنعلم أن فيها عظة وعبرة، ودواء وعلاجاً، وشفاءً ومنهجاً وترياقاً، وتجربة صادقة من تمسك بها نال الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، هكذا حينما ندرس الماضي، لا لكي نقرأ كان يوم كان، أو لكي نعرف الحكايات الممتعة، والبطولات المتنوعة، لا، إنما ندرس الماضي لكي نستلهم العبر، ولكي نفتش ولكي نقلب الأحرف والأسطر من التاريخ والسيرة، عند ذلك نجد أن لكل واقعة جديدة علاقة بحدث قديم، لو استطعنا أن نستنبط وأن ندقق وأن نعرف الطريق الصحيح إلى الفهم والاستيعاب. كذلك في هذا القرآن ما يدل على ذلك، إن الله جل وعلا قد جمع لنبيه أخباراً عن الأولين السابقين السالفين، نحن الآن نتكلم عن الماضي، ونتكلم عن اليوم والله جل وعلا قد قص على نبيه أحداث وأخبار وأنباء أقوام كانوا في الماضي، وأخبره عن كيد قومه في زمنه، لماذا يا ربنا قصصت على نبينا على أخبار أقوام مضوا وسلفوا، لماذا؟ {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:10]، {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:120]. فإذاً: الله جل وعلا قد ذكر لنبيه وبيَّن أن أقواماً غير من قصصنا عليك لهم أخبار ولهم أحداث وشأن مع أنبيائهم، إلا أن الله جمع لنبيه فيمن لم يفصل له قصتهم وأنباءهم جمع له شأنهم فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]. وفي القرآن تفصيل وإيجاز وبيان وتوضيح لأخبار من سلف من الأنبياء والرسل لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، يضير قلبك، يجرح خاطرك، يحز في فؤادك أن قومك يستهزئون بك، يسخرون بك، يستهزئون من دعوتك، يسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيقول صناديد الكفر والشر: أيكم يأتي بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر هذا الصابئ، فيقوم أشقى القوم عقبة بن أبي معيط، ثم يأخذ سلا الجزور -وهو بقايا الناقة بعد نتاجها- ويضعه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم. هذه فيها عبرة يا إخواني لكل داعية ولكل تائب إلى الله يوم أن نجد الاستهزاء والسخرية، تضيق وتتبرم وتنزعج وتتكدر يوم أن تجد من يستهزئ ويسخر بك؛ لأنك التزمت وتبت إلى الله واستقمت على نهج الله، لن تكون أفضل من محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، الذي هو أفضل من وطئت قدمه الثرى، ومع ذلك وضع نجاسة وبول ودم الناقة على ظهره صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أوذيت فتذكر من قبلك، وإذا ابتليت فتذكر من قبلك، من هنا يكون حديثك عن الأمس فائدة لك في اليوم، أما أن يكون الحديث مجرداً من دون فائدة ولا عبرة ولا تثبيت للفؤاد، فلا فائدة في كان يوم كان، أو فُعل أو حصل أو قيل أو قال.

كيف ننتفع بحديثنا عن الواقع

كيف ننتفع بحديثنا عن الواقع كذلك أيها الأحبة! ينبغي أن نعلم أن حديثنا عن الواقع لا ينفعنا بشيء ما لم يكن حديثاً مبنياً على خطوات علمية. تكلمنا عن الأمس بإيجاز، ونتكلم عن فوائد الكلام في اليوم بإيجاز. حينما نتحدث عن واقعنا من دون ثمرة عملية للواقع ماذا نستفيد؟ أحدثكم عن الواقع، أحدثكم عن غفلة الناس عن ذكر الله، أحدثكم عن بعد بعض الناس عن طاعة الله، أحدثكم عن إهمال بعض الآباء لأبنائهم في التربية على منهج الله، أحدثكم عن ضيعة من تولوا مسئولية البيوت والأسر والبنات والزوجات، ضيعوا ما ولاهم واسترعاهم الله، ثم ماذا؟ أطيل الحديث لكم، وأنبئكم بأشجان ومصائب، وما يحز في قلبي مما أرى في واقعي ثم ماذا بعد ذلك؟ لو حدثتكم عشر ساعات، ثم أخذتم تبكون وتنشجون، وتصيحون وتهزون الرءوس، هذا لا فائدة منه، هذا شأن النساء وليس شأن الرجال، إن شأن الرجال يوم أن يتحدثوا عن واقعهم يتحدثون عن الواقع لكي يفعلوا أمام الواقع أمراً يصلحه، هل تنتهي مهمة مراجعتك للمستشفى بمجرد دخولك على الطبيب وتصف له الواقع، أيها الطبيب عندي قلة شهية واضطراب في الأمعاء، وصداع في الرأس، وخمول في المفاصل، ووجع في الأعصاب، ثم يقول الطبيب: لا حول ولا قوة إلا بالله، وتخرج من باب المستشفى؟! هل سمعتم أن هذا طب، أو أن هذا عقل، أو أن هذا علاج؟ لا، هذا جزء بسيط أن تصف الأعراض، أن تصف الحالة، لكن أنت جئت واصفاً لحالتك من أجل أن تنال الدواء والعلاج، من أجل أن يقول لك الطبيب: اترك كذا، وافعل كذا، واجتنب كذا، وتجنب مصاحبة كذا، واحرص على أداء كذا، وعند ذلك يكون وصفك لحالتك مجدياً أمام جواب نافع، أما أن نصف الواقع بدون فعل وبدون عمل، فهذا لا ينفعنا بشيء أبداً. وقديماً قالت العرب في أمثالها: أوسعتهم سباً وأوردو بالإبل. أنا أخبركم بقصة هذا المثل: راعٍ من الرعاة، استودعوه أذواداً -جمع ذود من الإبل- يرعاها، فغزا قوم المرعى، فاستاقوا الإبل وضربوا الراعي، وأخذ الراعي يرفع يديه ويلعنهم ويشتمهم ويسبهم وهم يسوقون الإبل هاربين غانمين بها، فلما جاء أصحاب الأباعر قالوا: أين النوق؟ قال: والله غزانا بنو فلان فأخذوا النوق والأباعر، قالوا: وأنت أين كنت؟ قال: والله كنت أشتمهم وأسبهم وألعنهم، هل هذا يكفي؟ لا. أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل فهذا شأننا إن كنا نتحدث عن واقعنا اليوم بدون عمل، فنحن أوسعناهم شتماً وساروا بالإبل. لو انطفأ النور في هذا المسجد الآن، كلكم يقول: انقطع التيار الكهربائي؟ فماذا نفعل؟ انطفأت الأنوار، انطفأت الأنوار، ثم نردد هذه العبارة، ماذا استفدنا؟ يعثر بعضنا في بعض، يطأ بعضنا بعضاً، يموت بعضنا بسبب تدافع بعض بدون فائدة؛ لأننا لم نزد على أن وصفنا الواقع، لكن لو قام واحد ذكي واشترى شمعة بنصف ريال وأشعلها لرأينا جميعاً، فهنا استفدنا بعد ذكر الواقع أن نوقد شمعة، وكما قال: لأن نوقد شمعة في الظلام خير من أن نلعن الظلام ألف مرة. إخواني! واقع كثير من الصالحين أو الطيبين أو المستقيمين أو الدعاة -فضلاً عن سائر إخواننا الذين نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية، وأن يذيقهم لذة الاستقامة- أنهم يحسنون وصف الأشياء ولا نعرف كيف نتعامل بعد ذلك، فأمثالنا أمثال من وقفوا في تقاطع الطريق، والسيارات ذاهبة غادية رائحة، واحد يجلس في الطريق، ويقول: هذه (التريلة) قربت وصلت فسوف تدعسنا دعستنا ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهل ينفع الوصف؟ لكن ينفع أن نبتعد عن طريق (التريلة) قليلاً حتى نسلم وتمر هذه السيارة أو الشاحنة بسلام. إذاً: وصف الواقع من الأساليب التي اجتهد الأعداء أن يشغلونا بها.

نجيد وصف الواقع ولا نجيد الحلول له

نجيد وصف الواقع ولا نجيد الحلول له عشنا فترة من الزمن ما كنا نعرف واقعنا، ما كنا نعرف حقيقة ما يراد بنا، ما كنا نعلم المخططات اليهودية والاستعمارية والشيوعية الحاقدة التي حسدتنا على خيرات نحن فيها، أخذنا زمناً طويلاً ونحن نجهلها، فلما بدأنا نتنور وبدأنا نعرف هذه المخططات وتلك الحروب الفكرية والعلمية والميدانية، حينما بدأنا نعرفها أشغلنا الأعداء بحسن وصفها، ويقف جهدنا عند هذا الأمر، نقف عند وصف مخططات الأعداء. مثلاً: أنا أصلي جمعة في مسجد فيقول الخطيب: يا معاشر المؤمنين! إن مخططات أعداء اليهود قد نفذت في هذا الزمان حرفاً حرفاً، وإن برتوكولات حكماء صهيون قد نفذ منها البرتوكول السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر على التوالي والمصلين يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، وماذا بعد ذلك؟ نفذوا السابع عشر أو السابع والعشرين، ما دام أن ليس عندنا إلا هز الرءوس، فمعنى ذلك: أن لا فائدة، لكن لو قلنا: ماذا قدمنا؟ لكي نقف بالمرصاد أمام البرتوكول الأول من مخططات حكماء صهيون؟ عند ذلك نقف وقفة المحاسبة، ووقفة المراجعة، ووقفة التأمل مع أنفسنا لنعلم إلى أي درجة نحن نفهم هذا الواقع. أيها الأحبة! نحن نعيش في مواجهة عدو تمرس في مختلف الأساليب النفسية، والفكرية، والتجريبية، والعلمية، والفنية وفي شتى المجالات، نحن نواجه عدواً ذكياً يستطيع أن يشغل الكثير من شبابنا من حيث لا يشعر. لذلك أيها الأحبة! أقول: إن من أهم واجباتنا فيما يتعلق بذكر واقعنا: أن نعرف قاعدة قبل أن نتكلم عن الواقع، ماذا سنفعل بعد أن نعرف الواقع؟ أيها الأحبة! حديثنا عن واقعنا وأمسنا نقسمه إلى ثلاثة جوانب: واقعنا الاقتصادي وماضينا الاقتصادي، واقعنا السياسي وماضينا السياسي، واقعنا الاجتماعي وماضينا الاجتماعي، وأرجو أن لا تخافوا من كلمة السياسة؛ لأني سأتحدث عن نظريات.

واقعنا السياسي وماضينا السياسي

واقعنا السياسي وماضينا السياسي اعلموا أيها الأحبة أن ماضينا من الناحية السياسية؛ كان المسلمون يعتقدون فيه أن لا غلبة ولا حياة ولا نفس للهواء إلا بسلطان المسلمين على سائر الأمم أجمع، كل مسلم في ذلك الزمان الماضي كان يرى أن المسلم ينبغي أن يكون المهيمن والحاكم والمسيطر على هذه الدنيا بأكملها، من خليجها إلى محيطها، هكذا كان فكر المسلم، وهكذا كان فكر خلفاء الإسلام، أن الإسلام لا بد أن يسيطر على جميع جوانب وأجزاء المعمورة أجمع، ولا يمكن أن نتنازل عن شبر فضلاً عن مترٍ، أو كيلو، أو بلدان، أو بقاع، أو أراضي للمسلمين أجمعين. هذا فيما مضى، كل مسلم حتى وإن كان خبازاً، أو حائكاً، أو بناءً، أو فلاحاً، هو في عمله، لكن يعتقد أن العزة للمسلمين، ولا يمكن أبداً أن يكون لكافر على مسلم سلطان أبداً، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141]. نظريتنا السياسية في العهد القديم: أنه لا يمكن أنه يوجد كافر يستعلي على مسلم، هكذا كانوا يفهمون وهكذا كانوا يتعاملون، ولذلك فلا يرضون أن يكون للكفار أدنى رفعة أو أدنى علو أو زهو أو مكانة أبداً هكذا عقيدتهم، هكذا تربوا، وهكذا شربوا ورضعوا. أما واقعنا اليوم عندكم أنتم وعندي أنا وعند كثير من المسلمين في هذا الزمان: أن الأرض فرصة متساوية لطوائف من البشر يمكن أن يستعلي فيها من يستعلي، وأن يعيش فيها من يعيش. نحن لا نحرم الناس حق العيش، أرجو أن لا أفهم فهماً خاطئاً، إن الإسلام جاء بحفظ كرامة الذميين من اليهود والنصارى، إن الإسلام جاء بحفظ حقوقهم، إن الإسلام جاء بحقوق وواجبات لهم وعليهم، لكن بشرط أن يكون الإسلام هو الأعلى. أما في هذا الزمان فأين المسلم الذي إذا زار الأندلس قال: كيف أصبحت هذه الأرض بأيدي الكفار؛ لأن النظرية السياسية انتكست، تجد الكثير من المسلمين يزور برشلونا، وبهو السباع، قصر الحمراء، غرناطة، وهو يتمتع بهذه المظاهر الجميلة، لكن أن تجده يحترق فلا؛ لأن النظرية انعكست بدلاً من أن يكون المسلمون هم على هذه الأرض، أصبح النصارى يجعلون صورة الصليب والعذراء والمسيح على مداخل المساجد في تلك المناطق، لا، هذه الدنيا فرص، وهذه الآن فرصة الأسبان أن يعيشوا على هذه الأرض لا أقل ولا أكثر. من هنا انتكس مفهوم النظرية السياسية، ففي القديم كان المسلم لا يرضى أبداً أن يتملك كافر شبراً من أراضي المسلمين، لكن في زماننا هذا صار هَمُّ كل مسلم أن ينال قطعة أرض على شارعين، وسيارة لا بأس بها، إما نقداً أو بالتقسيط المريح، وزوجة على المواصفات المطلوبة حسب الإمكان، ومستقبل مادي لا بأس به، هنا يعيش حد وفكر كثير من المسلمين، وأنا لا ألومهم أيها الإخوة لأن النفوس درجات، من الناس من لا يقنع إلا بدرجة أولى، ومن الناس من لا يقنع إلا بطيران خاص، ومن الناس من يقنع بالقطار المسمكر، كل يضع نفسه حيث شاء، فمن المسلمين الذين تنسموا وتنفسوا روائح العزة لا يرضون بل لا يطيقون أن يروا كفاراً على معقل من معاقل المسلمين. هذا فيما يتعلق بالنظرية السياسية أو بالواقع السياسي بين الأمس واليوم.

السلام العالمي المزعوم

السلام العالمي المزعوم إن الذي تتبع منكم العام الماضي بالذات ما يتعلق بالصحف والمجلات والجرائد الأجنبية كلها، والإذاعات الأجنبية كلها، ماذا تقول؟ عام السلام الدولي، عام الطمأنينة، عام الأمن والأمان، يغرسون في القلوب أنه يجب أن يعيش الناس مرحلة إلقاء السلاح ومرحلة هدوء تام، ورضى كل بما حصل له، المهم ألا تفكر بأكثر مما عندك وهذا مبدأ يريد الأعداء من خلال أبواقهم ووسائلهم، أن يقرروه في نفوس المسلمين، أن يقولوا لكل مسلم: لا تتحرك أكثر من كذا لا يمكن، حتى بلغ بالمسلمين من الهوان والضعف ما بلغ. يقول لي أحد الدعاة وهو ألماني الجنسية مصري الأصل قال: كنت في زيارة لأهلي في مدينة المنصورة فسألت جارة لنا، تعيش في بيت خرب للغاية، مصر التي كانت تصدر للدنيا خيرات عظيمة، وكانت شوارعها تغسل بالصابون، القاهرة كانت تغسل بالصابون، ماذا حصل؟ كيف الحال يا أم سيد؟ وهي تعيش في بيت خرب أوشك على السقوط، وتطلب من جارتها أن تسكن في حضيرة الفراخ، فيقول لها: يا أم سيد كيف الحال؟ فتقول: يا بني لو أحسن من كذا (حتبوز) أي: لو وجد أحسن من البيت الخربان وحضيرة الفراخ فستخرب، أين همة المسلمين؟ أين الهمم التي لا ترضى إلا بالأعالي؟ أين الأم المجاهدة التي كانت تقول: لا تدخل هذا البيت حتى تأتيني برأس عدو الله؟ أصيب المسلمون بما يسمى بالتطبيع والهدوء، وعام السلام وعام الأمن وعام الطمأنينة، ينبغي لكل أن يقنع بهذا، وكما يقول الفاجر قباني: بالسلم قانعون بالحرب قانعون بالحر قانعون بالبرد قانعون وكل ما نملكه إنا إلى الله لراجعون يصف ويستهزئ وهو من النصارى، شهد شاهد من أهلها، يصف حال أمته ومن حوله، يقول: إنهم قنعوا بما أراد الأعداء. والله -يا إخوان- حينما ترى، ويتفاءل الرئيسان العظيمان بعد الخروج من قمة مالطا للحد من الأسلحة طويلة المدى، ونزع الصواريخ متوسطة المدى، والاتفاق بين حلف الناتو والأطلسي وو إلى أن يكون هذا العام عاماً جديراً بالسلام الدولي والأمني. ما هذا السلام؟ سلام وفلسطين عند اليهود؟! سلام وأفغانستان عند الشيوعية؟! سلام وبورما تسيل من دماء المسلمين؟! سلام وأثيوبيا ستة آلاف امرأة يزنى بهن في السجون؟! سلام والفليبين يذبح المسلم فيها كما تذبح الشاه، وفي مانيلا وفي منديناو؟ كيف تطوف اللعبة على المسلمين، لأن النظرية السياسية والواقع السياسي اختلف، كنا بالأمس لا نرى راحة ولا طمأنينة حتى نتربع على الأرض من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها. أما الآن فغاية الطمأنينة عندنا أن نملك قطعة من الأرض على شارع أو اثنين، وسيارة صغيرة وزوجة صغيرة، إلى آخر ذلك. لا يا إخوان! حينما نعرف الموال والعزف الموسيقي على وتر السلام فلنعرف ما هو السلام، سيحدثونك يا بني عن السلام: لكن ما هو هذا السلام الذي يتحدثون عنه، سلام يعيش فيه المسلمون أعزاء كرماء؟! سلام ينال به المسلمون أبسط حقوقهم كبشر؟! والله لقد عاملوا إخوانكم في أفغانستان وفي جنوب السودان وفي إريتريا وفي الفليبين وفي كثير من مواقع الأرض التي كانت السلطة والدولة والقوة فيها للمسلمين، عاملوهم أقل مما يعاملون البهائم والكلاب والدواب والحشرات، هل سمعتم بالإبادات الجماعية، والأسلحة الكيماوية؟! لا والله يا معاشر المؤمنين، أي سلام هذا الذي يراد أو يتحدث عنه، والمسلمون هكذا دماؤهم رخيصة، فحينما تسمعون العزف على وتر السلام اسألوا: ما هو السلام؟ أكلت يوم أكل الثور الأبيض، كانت فلسطين لا يتربع فيها إلا الفلسطينيون، وكذلك كل دولة من دول الإسلام، وأفغانستان لا يتربع فيها إلا الأفغان، كان أهل سجستان فيها، وأهل ترمذ فيها، وأهل بخارى فيها، وأهل طشقند فيها، وأهل جوزجان فيها، وأهل دوشمبي، وأهل طاجكستان كل أمة متمتعة، لكن جاء الدب الروسي الملحد فنهب قطعة من الأرض، فقال الذي بجواره: الحمد لله، ما دمت سليماً فالمسألة سهلة، فجاء الدب الروسي الشيوعي الملحد فنهب القطعة الثانية فقال الثالث: الحمد لله أنا سليم، فأخذ الثالثة، قال الرابع: أنا سليم، فأخذ الخامسة قال السادس: أنا سليم، حتى أكلت أراضي المسلمين وبلدانهم، بسبب التخلف في النظرية السياسية والانتكاس لماذا؟ أصبحنا فكرياً فضلاً عن عملياً نوافق أن يكون للكفار قائمة، وأن يكون للكفار دولة، وأن يكون للكفار أمة.

ما خلفته دعوى السلام من أثر علينا

ما خلفته دعوى السلام من أثر علينا قد يقول بعضكم: ما هذا التحمس العاطفي، يريد أن يقول: هكذا بـ أمريكا وهكذا بـ روسيا، ويضرب رأسهما ببعض؟ لا، أقول: وإن كان الواقع يدل على أن للكفار دولة، وعلى أن للكفار أمة، فينبغي أن العقول والقلوب ترفض هذا الواقع، إن المسلمين في عصور أذلوا فيها على أيدي المغول والتتار، مع ذلك كانوا يقولون: أنت كافر ذليل، والمسلم يقتل ويقول: أنت كافر ذليل، يعني: الواقع يشهد أن المغولي والتتري يذبح المسلم لكن الفكر الإسلامي كان نظيفاً، كان يحمل سياسة تقول: إن الكافر خسيس ذليل لا يمكن أن يتربع على مسلم حتى ولو مسك السيف وقطع رقبة المسلم، لكن الآن لا. ولذلك لاحظوا كم عدد الذين يتمنون أن تنتهي قضية أفغانستان بالحل السلمي وسنفونية الأمن والأمان والسلام؟ ليس لدينا مانع، والكثير يردد أن تنتهي القضية الأفغانية من خلال مسلكين: منظمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، تتولى منظمة الأمم المتحدة الانتخابات في المناطق التي يسيطر عليها الشيوعيون، ومنظمة المؤتمر الإسلامي تتولى الانتخابات في مناطق المهاجرين، والمناطق التي يسيطر عليها المسلمون، هذا المبدأ تقترحه الدول الكافرة. نحن لا نتهم الآن منظمة المؤتمر الإسلامي أو نقول هي عميلة أو دخيلة، لا تفهموا خطأً أو تنقلوا خطأً، لكن أقول هكذا يفكر الأعداء أن ينهوا القضية، وللأسف بفكر ومنطلق ومفهوم الأعداء في إنهاء القضية وحسمها على هذا الواقع المرير يوجد آلاف بل مئات الآلاف من المسلمين، بل ملايين يريدون أن تنتهي القضية، تنتهي على ماذا؟ بعد مليون وستمائة ألف رقبة وروح أزهقت، وثمانمائة ألف يتيم، دموعهم تزرع الأشجار الباسقة، ما مسحت أبداً، بعد قرابة المليون معوق، يد، رجل، عين، وجه، جذع أنف، إعاقة، شلل ثلاثي أو رباعي أو نصفي، بعد هذا كله نجد مسلماً يوافق أن تكون الدولة والحكومة للشيوعيين مشتركة مع المسلمين بهذا الاقتراح الذي يقترحه الأعداء والعملاء؟! لا. فيا معاشر الأحبة! أعلموا أنه ينبغي أن نعتقد أنه كما لنا في هذه المملكة الطبية وهذه الجزيرة المباركة، كما أن للمسلمين فيها ولولاة أمرهم السلطة والقوة والدولة والغلبة، فينبغي أن تكون الدولة والسلطة والغلبة للمسلمين في كل بقاع الأرض، لا أن تقول: الحمد لله نحن بخير، ولا نبالي بأي مسلم في أي وادٍ هلك، هذا من الجهل ومن الخطر ومن الاتكالية القاتلة.

واقعنا العسكري وماضينا العسكري

واقعنا العسكري وماضينا العسكري كذلك أيها الأحبة! واقعنا العسكري بين الأمس واليوم: كنت أسمع محاضرة لمن يسمي نفسه دكتوراً، عن واقع إسرائيل مع دول المواجهة، يقول: إننا لم نبلغ الحد الذي نستطيع أن نقابل إسرائيل حتى الآن، فمن واجبنا، معنى كلامه: أن نجتهد في أنفسنا وأن نفعل وأن نقدم وأن نؤخر، المهم أنه يتحاشى الدخول مع اليهود في معركة، من خلال فكره وكلامه، لماذا؟ لأننا لا نملك ما تملكه إسرائيل، وإن إسرائيل تملك جيشاً احتياطياً مجنداً عدده مليون، هذا احتياطي كل يعرف ثنكنته وقائدة ورئيسه ومهمته عند صفارة الإنذار وناقوس الخطر، ويقول: إن إسرائيل تملك قنابل تقارب المائة قنبلة نووية، وإن إسرائيل، وإن إسرائيل، وإن دول المواجهة لو دخلت مع دول إسرائيل في حرب فستكون خاسرة لا محالة، هذا بمنطق من؟ هذا بمنطق المقاييس المادية البحتة، رصاصتان أكثر من رصاصة، دبابة أكبر من رشاش، صاروخ أقوى من راجمة، لكن كان المنطلق العسكري والنظرية العسكرية في الأمس: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:249] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ} [الأنفال:45] النظرية العسكرية القرآنية فيما مضى كانت لا تجيز لمسلم أن يفر أمام عشرة: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً} [الأنفال:65]، وبعد التخفيف لا يجوز لمسلم أن يفر من اثنين وإلا يعتبر مرتكباً لكبيرة الفرار من الزحف، هذا مستوى النظرية العسكرية في الماضي، أما واقعنا اليوم فيشهد أن النظرية العسكرية عند الذين لم يعرفوا النظرية القرآنية الحقة، ولم يتعاملوا مع كتاب الله معاملة مباشرة، يقولون: ماذا نفعل؟ الله جل وعلا قال: انصروا، أو قال: عليك الفوز؟ قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ} [الحج:40] ما من آية ربطت النصر بالبشر، النصر كله بالله جل وعلا، انظروا الآيات التي تتحدث عن النصر والفوز والغلبة، كلها جاءت لتقرر أن النصر والفوز والغلبة بيد الله، إذاً ما الذي بأيدينا؟ الذي علينا العمل: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة:105] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال:45] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا} [آل عمران:200] {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة:218]. الآيات تأمرنا بالعمل ولم تأمرنا بالنصر، لماذا؟ لأن النصر من عند الله.

وما النصر إلا من عند الله

وما النصر إلا من عند الله أيها الأحبة! لما أوقد لإبراهيم عليه السلام نار عظيمة ثم أهوي به فيها من المنجنيق، جاءه جبريل في تلك اللحظة: يا خليل الله إبراهيم، هل لك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، التوكل القوي على الله، وعلم أن النصر بيد الله، إن الذي خلق النار قال لها: كوني برداً وسلاماً، إن الذي جعل العوامل والعناصر الفلزية واللافلزية والكيماوية وغيرها تتفاعل حتى تنفجر على نمط ننوي معين هو الذي خلقها، فالله قادر أن يعطل هذه القنابل النووية. نحن علينا أن نأخذ بالأسباب فقط، ولا أحصي لكم عدد الأخبار التي أخذتها بنفسي من مجاهدين، وممن نقلوها عن قادة المجاهدين يقولون: لا نحصي عدد القنابل والقذائف التي تنزل بالقرب منا ولا تنفجر، لماذا؟ لأن الموت لم تحن ساعته، ليست هذه رصاصتك التي تميتك، إن الرصاصة التي سوف تقتلك لم تصنع بعد، أما صندوق الرصاص، الذي فرغ في وجهك، هذا كله تخطاك يمين يسار ("1سم" فوق، "1سم" تحت، "1سم" يمين، "1سم" يسار) وربما ضرب في ثوبك ونفضته، لماذا يا أخي؟ لأنك تعلم أن الموت بيد الله، وأن الأمر بيد الله، وأن القوانين والسنن الكونية بيد الله، فالذي خلق العقول يعميها ويهديها، والذي سخر الرصاص يبطل كيده ومفعوله. هذا ما ينبغي أن نعلمه في مستوى النظرية العسكرية. إننا إن كنا نريد أن نقابل أعداءنا بقوة تساوي قوتهم العسكرية، فقد نحتاج إلى أزمنة طويلة، ولن ندخل معهم ساعة الحسم والمواجهة، ولكن يوم أن نعلم أن الله جل وعلا هو الذي خلقنا وخلقهم، كما قال أهل البادية حين خوفوهم بالطيارات قالوا: الطيارات فوق الله أو تحت الله؟ قالوا: تحت الله، قالوا: أجل نحن وإياهم تحت الله، الطيارات والذي على الأرض كلنا تحت الله، فهكذا تنتصر الأمم بهذه العقائد، إننا لا ننتصر بذواتنا ولا بأسلحتنا، ولكن ننتصر بعقيدتنا أيها الإخوة، والعقيدة شأنها عظيم، شعب بغير عقيدة ورق تذريه الرياح من خان حي على الصلاة خان حي على الكفاح

الانهزامية التي تعانيها الأمة

الانهزامية التي تعانيها الأمة فيا معاشر الأحبة! واقعنا في النظرية العسكرية بين الأمس واليوم. يقول عمر بن الخطاب: [والله إني لا أخشى على الجيش من عدوه، ولكن أخشى على الجيش من ذنوبه]. واقعنا اليوم يختلف، حتى أصبح المسلمون في واقعهم العسكري قد تعودوا نغم الهزائم والحروب والمصائب، يقول الشاعر: حرب حزيران انتهت وكل حرب بعدها ونحن طيبون عندنا استعداد لأن نتقبل مزيداً من الحروب والمصائب لماذا؟ لمستوى النظرية العسكرية الجوفاء، ليس بالتكبير والتهليل وتربية النفس، وأننا نقاتل القوم بعقيدة. حرب حزيران انتهت وكل حرب بعدها ونحن طيبون تغلغل اليهود في بلادنا ونحن عائدون ناموا على فراشنا صاروا على مترين من ديارنا ونحن راجعون ناموا على فرشانا ونحن عائدون وكل ما نملكه إنا إلى الله لراجعون حرب حزيران انتهت جرائد الصباح ما تغيرت الصور العارية الحمراء ما تغيرت كلفنا ارتحالنا خمسين ألف خيمة جديدة تعودنا أن نبني مخيمات، أن نتعامل مع لاجئين، مع مهجرين لا أقل ولا أكثر، ولكن أن نتعلم من أين أصبنا؟ لا، هذا مفهوم حرص الأعداء أن يبعدوه عنا، والله جل وعلا قد علم الأمة درساً في ثاني معركة، بداية بناء الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، بداية خطيرة، الهزيمة تعني السحق للطائفة المسلمة، ومع ذلك حصلت الهزيمة ويقتل سبعون من صحابة رسول الله، وتدخل حلقتان من حلقة المغفر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشج جبهته صلى الله عليه وسلم وتكسر رباعيته، والله جل وعلا يقول والوحي يتنزل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} [آل عمران:165] من أين جاءت الهزيمة؟ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] من أنفسكم أنتم، أتيتم من أنفسكم. فوالله يا معاشر المسلمين! والله لو اجتمع المسلمون في هذا الزمان وتدارسوا مواقع الخلل ومواطن النقص في أنفسهم لكانوا أعظم قوة على أعدائهم، ولكن من أين للمسلمين صف واحد يتحدون حوله إلا بمنّ الله وفضله، ثم بشباب الإسلام الصادقين ودعاته المخلصين وولاته المسلمين.

إنما نقاتل عدونا بعقيدة لا بعدد

إنما نقاتل عدونا بعقيدة لا بعدد هكذا ينبغي أن نعلم أن طريقنا إلى جيل جديد يحتاج إلى تغيير المفاهيم. يا شباب الإسلام! الأرض لكم، الأمة لكم، يا شباب الإسلام! المسلمون مهيمنون، المسلمون مسيطرون، وفكر المسلم على المستوى السياسي يوافق أن الكفار يكون لهم غلبة، وفكرك على المستوى العسكري لا تقتنع أن تدخل معركة إلا إذا كان عدد سلاحك ورصاصك أكثر منهم، لا، وإن كان شكلك مسلماً أو ملتزماً، فإن فكرك يحتاج إلى تغسيل، غيِّر هذه النظريات الموجودة عندك، ورأيت بأم عيني آيات من آيات الله، وآخر خبر بلغني أن واحداً من الشباب الذين رأوه في أحداث منطقة خوست، قال: ضربنا طائرة وشيكة الهبوط في مطار خوست محملة بالذخائر، وشيكة الهبوط على مستودع الذخيرة والأسلحة في المطار، بقاذفة بي إم، تكلف مبلغاً بسيطاً، فتضرب بها الطائرة فتصيب في الطائرة مقتلاً فجر سلاحها ويتفجر المستودع وتلتف الطائرة في المطار بحركة عشوائية تدمر ثمان طائرات. أين الذين يتحدثون عن الموازنة العسكرية والمساواة في العدد والعدد والأفراد والقواد إلى آخره؟! لا، القضية تحتاج إلى إخلاص: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. جاء فريق من الأمريكان إلى عبد رب الرسول سياف قالوا: أعندكم سنجر؟ كيف تضربونه؟ قال: اذهبوا به إلى سزنور، قائد أفغاني نحيل، فذهبوا إلى أحد المواقع وحمل سزنور صاروخ السنجر الذي جعل الأمريكان له مواصفات في حمله، ومواصفات درجة الحرارة في تخزينه، ومواصفات معينة في وضعه، ومواصفات في كيفية إطلاقه وتهيئة القاعدة له، نظم وبرامج ومخططات، حمله هذا الأعرابي على كتفه ثم نشن على طائرة هيلوكبتر ثم تكلم بكلام ما علموه وأطلق، فجاء الأمريكان يقيسون كم مسافة بعد الصاروخ عن أذنه؟ كم مسافته عن كتفه؟ كم حجم ذراعه يمشي عليها التيس وإلا لا؟ يأخذون مواصفات ومقاييس، قالوا: طيب هناك كلام أنت قلته قبل أن تطلق ما هو؟ فضحك وقال: ما تعرفونه؟ قالوا: لا نريده، فأخبر المترجم قال: إني قلت: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17] ثم أطلقت، فلما ترجم المترجم للخبير الأمريكي قال: هذا نحتاج إلى سنين حتى نعلم الجيش الأمريكي هذا الكلام. فنحن على مستوى النظرية العسكرية نحتاج إلى فهم دقيق، أننا لن نغلب الأعداء بعددنا ولا بعددنا وإنما نغلبهم بقوة العقيدة، إن أعداءنا يحملون عقيدة، ونحن نحمل عقيدة، فإن كانت عقيدتنا التي نحملها أقوى نحملها حملاً فعلياً، أنا لا أشك أن عقيدة المسلم حتى الفاسق عنده عقيدة، يقول: أنا عندي عقيدة نعم، عقيدتك صحيحة لكن أين أثر العقيدة في سلوكك؟ إذا كان شيوعيو المليشيا المتطوعون يجدهم المجاهدون ومعهم الأكفان، عقيدة لا إله والحياة مادة، لا يمكن أن يعترف بدين ولا بإله ولا بغير ذلك، جاء متطوعاً لكي يسحق الإسلام والمسلمين والثوار، يسميهم الثوار المخربين، يقاتل عن صرح الشيوعية فداء لروح لينين وكارل ماركس وإنجلز وغيره ومعه كفنه، هذا عنده عقيدة فاسدة لكنه يحملها بحق وصدق، والمسلم عنده عقيدة حقة لكنه لا يتعامل معها، عقيدة المسلم أن الموت لا يتقدم ولا يتأخر ومع ذلك ينفر من الموت، عقيدته أن الرزق لا يزيد ولا ينقص ومع ذلك يظن أن الكذب والاحتيال يزيد في رزقه، وأن الغش يزيد من فرص الرزق له، وأن إلى آخره يزيد من حظه من الدنيا أو ينقصها. إذاً معاشر الأحبة! نحن في بون شاسع في النظرية السياسية والعسكرية فيما مضى وفي عصرنا الحاضر.

واقعنا الاقتصادي وماضينا الاقتصادي

واقعنا الاقتصادي وماضينا الاقتصادي كذلك أيها الأحبة! واقعنا الاقتصادي؛ فيما مضى مشت أمورنا وأمور المسلمين أجمع بدون نظام ربوي أبداً، أما الآن فيا للأسف! يعتقد بعض من يعد من رجال الفكر والعلم أنه لا يمكن أن توجد قوة اقتصادية إلا بقوة نقدية، ولا يمكن أن توجد قوة نقدية إلا بقوة بنكية، ولا يمكن أن توجد بنوك إلا بفوائد. يهمني أن نعلم أننا نستطيع أن نعيش بدون الفائدة والربا، نستطيع أن نلغي اللعنة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:278 - 279] نحن نتعامل مع كلام الله جل وعلا، الله ينهانا عن الربا ويأتي من يقول: لا يمكن أن توجد قوة اقتصادية إلا بقوة نقدية، ولا قوة نقدية إلا ببنكية، ولا بنوك إلا بفوائد، ما هذا الكلام؟ أن نقول: والله هذا ذنبنا، وهذا خطأ، عندنا بنوك، عندنا فوائد، هذا شيء، لكن أن نقول: لا يمكن أن نعيش إلا بالربا هذا شيء آخر، وأنا لست في مجال مناقشة الوضع الأول، قضية وجود بنوك وفوائد لا أناقشه الآن، لكن أناقش الفكرة التي تريد أن تعمق في رأسي ورأسك أنه لا يمكن أن نعيش إلا بالفائدة والربا، لا وألف لا، نستطيع أن نعيش على نظام اقتصادي إسلامي غني عن الفائدة والربا، فيا معاشر المؤمنين! هاتان نظريتان بين القديم والحديث، عاشت ملايين البشر على مستوى من الثراء والتجارة والغنى، والمنشئات والمشاريع، والحضارة والتمدن والبناء وما عرفت هذا كله. إذاً: فلنعرف كيف نغزى في عقولنا، إننا قبل أن يحل بنا أو يفعل بنا فعلة يسبقها تمهيد فكري في النظرية، فإذا اعتقدنا بالنظرية الفكرية، عند ذلك سهل التطبيق. بالنسبة للمستوى العملي كيف كان واقعنا بالأمس وواقعنا اليوم؟ فيما مضى كان الناس قد شغلوا بأمور معاشهم، ومهما اشتغلوا بأمور معاشهم فما كانت الدنيا أكبر همهم ولا مبلغ علمهم، وما كانت تطغيهم عن أمر آخرتهم، بل إن دنياهم كان دعماً ومدداً وعوناً لدينهم ولجهادهم ولإعلاء كلمة ربهم. أما في زمننا هذا فشغل الناس بالدنيا حتى أصبح الواحد يجمع جمعاً كأنما سيعيش ألف سنة في منطقة نائية عن البشر ليس له محي ولا مغيث إلا رصيده وماله، ولذلك تجد أناساً -سبحان الله العظيم! - يلهث الواحد منهم وراء الدنيا لهثاً، مع أن المسكين يجهل أن رزق الله لا يجلبه حرص حريص ولا طمع طامع، ولا يرده حسد حاسد. نحن لا نقول: هيا إلى أفغانستان، أو أن نكون خطباء أو معلمين، لا، نقول: نريد كلاً يعمل في أفضل جانب يخدم فيه الإسلام، سواء كنت مهندساً، معلماً، ضابطاً، نجاراً، خبازاً، أياً كانت وظيفتك وعمليتك، أفضل موقع يقربك إلى الله جل وعلا تعمل فيه، ولكن اجعل جزءاً من عملك خدمة لدينك، فمثلاً أنا موظف عندي راتب من أجل ماذا؟ من أجل أذهب عند مؤسسة الراجحي لأشتري فيستفيد وحده؟ لا، حتى أقبض من هذا الراتب وأحرق الشيوعية بنار هذا الراتب، لكن هذا يوم أن يكون الهم في المستوى العملي وأمور المعيشة مرتبطاً بالجهاد وبعقيدة. أما الآن لا والله همومنا: الذي عنده سيارة ينتظر متى يشترى طراداً، والذي عنده طراد ينتظر متى يشتري شالية، والذي عنده شالية ينتظر متى يشتري قصراً، والذي عند قصر ينتظر متى يفعل فقط: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] من الذي حرم زينة الله؟ ما أحد يستطيع يمنعك أن تشتري طراداً وتصيد في البحر وتغوص، ما أحد منعك أن تشتري وتصلح، لكن لا تنس دينك، ولا تنس عقيدتك، ولا يكون جمعك للمال ملهياً لك عن أمر عقيدتك، أنا أسألكم بالله يوم أن يخرج الزاني السكير الشاذ المنحرف الخبيث المعتوه من البار أو الحانة، أو النيت كلوب، أو النادي الليلي، أو أي مكان، ثم يجد صندوق (هلتوريد جروف) ساعدوا الصليب الأحمر، ويخرج ما بقي من الدولارات ويضعها، سكير عربيد ومع ذلك ما نسي أن ينتسب إلى النصرانية التي يجتاح مزيداً من البقاع وتحتاج إلى دعم في التنصير، لكن المسلم لا يمكن أن تجد إلا القليل من المسلمين من يجعل العمل للإسلام هماً يومياً وعملاً يومياً، من هو في بيته صندوق كهذا مثلاً إذا جئت البيت انفض الريالات، الريال الزايد هاه بسم الله تضع الريال، وفي نهاية الشهر أذهب به واجعله كفالة ليتيم ولو لمدة أسبوع، أو قيمة عشر رصاصات، أو قيمة قذيفة، أو قيمة أي شيء مما ينفع المسلمين. كم عدد المسلمين في العالم، مليار مسلم: يا ألف مليون أين هم إذا دعت الجراح النزيف والدم الإسلامي الرخيص الذي جرى على الأرض لم يلتفت له أحد. يا ألف مليون أين هم إذا دعت الجراح هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح من كل ألف واحداً نغزو بهم في كل ساح هل نجد من كل ألف مسلم مسلماً؟!! العالم الإسلامي مليار، لو أخرجنا من كل ألف واحداً لاستطعنا أن نجد مليون مسلم على قلب واحد، ولكن هذا حتى الآن لم يوجد. نادت الصليبية بمشروع المائة مليون، فغطي مشروع الصليبية الحاقدة (مشروع المائة مليون) في شهر واحد، فقام أحد الدعاة إلى الله وقال: نريد مائة مليون دولار في ثلاثة أشهر، فمضت ثلاث سنوات لم يجمع مشروع المائة مليون، لماذا؟ لأنك تجد الواحد يسرف على نفسه في اللذائذ والملذات ما الله به عليم، وإذا دعي إلى الدعم وإلى مراد الله وأمر الله ودين الله وجدته بخيلاً {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. اعلموا أننا بحاجة إلى الدين، بحاجة إلى الجهاد، بحاجة إلى العزة، وإلا فأمر الله ماض: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد38] {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] فهل نكون منهم يا أحبابي؟ هل نكون وإياكم من القوم الذين أحبهم الله ويحبون الله، أم نكون من الذين أحبوا شهواتهم فنسوا الله فنسيهم الله؟ {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19].

واقعنا الاجتماعي وماضينا الاجتماعي

واقعنا الاجتماعي وماضينا الاجتماعي ثم يا معاشر الأحبة! لماذا هذا البون الشاسع والمساحة الواسعة بين الماضي واليوم فيما يتعلق بالهم على مستوى المعيشة والحياة؟! أقول لكم: إننا خفنا على أمرين اثنين: خفنا على الحياة، على الروح مثل ما يقال: (يا روح ما بعدك روح) خفنا على الحياة، وخفنا على المال، ونسينا أن الآجال لا تتقدم ولا تتأخر {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]. الخوف على الروح، الخوف على الحياة، بعض الناس بلغت به الوسوسة أن يظن أن كل خطوة يعملها للإسلام أنه يقتل بها من قال لك هذا الكلام؟ وسوس الشيطان في ذهنك وزين لك، وإني أعجب أن نرى -ولله الحمد والمنّة- في بلادنا مجالات عديدة للعمل الإسلامي، كالشمس في رابعة النهار، ما تريد لها في الليل، تقول هذا عمل ممنوع أو سري، مجالات عديدة للعمل الإسلامي التطوعي مفتوحة، ومع ذلك تجد الواحد يتخفى كأنه يريد أن يبيع كيلو (هروين) وإلا (كوكايين) فيتلفت يخاف أن يراه أحد، لماذا هذا الخوف؟ لماذا هذا الذعر والهلع والخوف؟ يقولون: إن رجلاً كان في منطقة من مناطق نجد وأصله أفغاني كما يقال، يسمونه (درويش) قالوا له: إن أمير المنطقة سوف يقتلك، اهرب، كان ذلك قبل الحكم الحالي، أمير المنطقة سوف يقتلك، وكان لا يحسن العربية فقال: أنا ما أهرب، إذا الله يقول: درويش يموت أنا أموت، إذا الله يقول درويش ما يموت أنا ما أموت يا مجنون اهرب، الرجال يريد أن يذبحك، قال: ما في، فلما جاء الليل إذ بالناعي ينعى والصائح يصيح: إن الأمير مات في فراشه البارحة، فلما جاءوا الفجر وإذا به جائي إلى المسجد الذي يصلي على جنازته يصلي معه. قالوا: ما الذي أتى بك؟ قال: جئت من أجل أن أقول بعد أن أكبر الرابعة: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:45]. فيا إخوان الأجل بيد الله. أقول لها وقد طارت شعاعاً. تنتفض خوفاً. أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأبطال ويحك لن تراعي فإنك لو سألت بقاء يوم عن الأجل الذي لك لم تطاعي فصبراً في مجال الموت صبراً فما نيل الخلود بمستطاع والله يا إخوان ما أحد يتجاوز يوماً واحداً، الأخ عبد الهادي التونسي أسأل الله أن يجعله من الشهداء، جلس أسيراً في السجن الشيوعي، بولى شرخى في كابول سجن، كما أخبر عنه من حدث به، قال: من شدة البلاء فيه، زنزانات يجتمع فيها دورات المياه مكشوفة على المجلس، فإذا أراد أحد المساجين أن يقضي حاجته إخوانه يولون وجوههم للجدار وهو يقضي حاجته هناك ويسمعون ضراطه ويشمون رائحته، من شدة العذاب، خرج من السجن بعد مدة، بعد سنوات، ما كتب له أن يموت، ولما خرج يركب سيارة من سيارات المجاهدين، ويقول سياف: لا تتعدوا هذه المنطقة، فينسى السائق أو يغفل، فيتعداها فيقع في الأسر من جديد ويقتل في تلك اللحظة. أسره بعض الشيوعيين وقتله بسرعة، سنوات في الأسر ما قتل فيها، وبعد الخروج والحرية حانت اللحظة والساعة فمات. تزود من الدنيا فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر وكم من عروس زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر الخوف على الحياة هو الذي قتلنا وذبحنا، الواحد يخاف الحياة حلوة، حياة زينة، رضينا بها، اطمأننا بالحياة الدنيا، لكن أسألكم بالله يا إخوان: الحياة ما هي؟ لو كان أحدنا عطشان ثم شرب شربة الماء يتلذذ بها، أو إنسان عطشان يوشك أن يموت من العطش، فعند الرمق الأخير من الحياة والعذاب وتقطع البدن، من معاناة ألم العطش وجد شربة الماء، فشاء الله أن ينحبس الماء في جوفه ولا يتبول، فإنه يتعذب، حتى يخرج هذا الشيء الذي كان أشد ما يتمنى، فالحياة ألذ ما تتمناه أحب ما تفارقه، ألذ طعام يزرع في بلاد ويجنى ويصدر ويجفف، ويحضر إليك، ويحضر له الغاز، وتضع المقادير وتطبخه، ثم تأكله بنهم وشراهة وأكل ولذة، ألذ طعام تشتهيه مر بمرحلة طويلة حتى وصل إلى فمك، فترة اللذة على اللسان فقط، ثم إذا دخل الجوف والله إن أكلت علفاً أو أكلت غيره ما تختلف، إذا وصلت الجوف انتهت العملية، لكن ألذ طعام بعد هذه المرحلة إذا أكلته لو احتبس في بطنك تمنيت عملية جراحية لإخراج الغائط من بطنك، ما هذه الحياة؟ حياة لا نضمن فيها البقاء، هل وجدتم أحداً عمره مائتين أو ثلاثمائة سنة؟!! نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح لتموتن ولو عمرت ما عمر نوح أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح حيث إن الذنوب مالها روائح وإلا ما اجتمعنا في هذا المسجد. ما هذه الحياة؟ حياة قوة، شباب، عنفوان، مرض وفراش، ثم يغسل ميتاً، والعقل الجبار، العقل الذي تعامل مع برامج الكمبيوتر، العقل الذي يدير أدق العمليات الجراحية، مآله إلى التراب، ما الحياة؟ ما الحياة؟ اجتماع بعده افتراق، صحة بعدها مرض وسقم، لذة بعدها كدر، إن لم تخرج بولاً وغائطاً، ما الحياة؟ الحياة: طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار ما الحياة التي نتعلق بها؟! ما هي الدنيا التي نخاف عليها؟! وهي السبب في حال المسلمين من الضعف والخور والجبن، وعين كلام النبي صلى الله عليه وسلم بدأ جلياً واضحاً فينا اليوم: (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟ قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يصيبكم الوهن، وينزع الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) فعلاً أيها الأحبة! هكذا أحببنا الدنيا، ولو تأملنا حقيقة الدنيا لما وجدنا أنا كم رأيت أناساً والله يكدون كد الحمير وهم أفقر عباد الله، ورأيت أقواماً بأدنى سبب تفتح لهم به الأموال والأرصدة والأرزاق. يقول صلى الله عليه وسلم: (لقد جاءني جبريل ونفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها) الذي يشتغل فترتين أو ثلاث، والذي يشتغل أربع ساعات كل منهم لن يموت حتى تقول الملائكة: لقد أكل آخر لقمة، وشرب آخر شربة، واستهلك آخر ريال، وقبض آخر درهم. ستموت بعدما ما تستوفي جميع حقوقك من التقاعد، وخارج الدوام والراتب الرئيسي وبدل النقل، لن يبقى لك شيء أبداً. كما يقول صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله وأجملوا في الطلب) أي: ابذل السبب للرزق لكن لا تجعل الدنيا أكبر همك.

غرض الغزو الفكري من شباب الإسلام

غرض الغزو الفكري من شباب الإسلام أيها الأحبة! إلى جانب غفلتنا في واقعنا اليوم وخوفنا من الموت، وخوفنا على الرزق الذي جعل كثيراً من الناس يجبنون عن المشاركة في فعل الخير، أو القول بالخير ونحو ذلك، إلى جانب ذلك نجد حملة مسعورة من أعداء الإسلام على شباب الإسلام، وهذه الحملة اتخذت طابعين: التبشير، والاستشراق، والغزو الفكري، حملات تنصيرية لإخراج المسلمين عن دينهم، وتشكيك المسلمين في القرآن، وتشكيكهم في السنة، وفي أعلام التاريخ.

التشكيك في التاريخ الإسلامي وتشويه أعلامه

التشكيك في التاريخ الإسلامي وتشويه أعلامه من هو خالد بن الوليد؟ يقول جورجي زيدان عنه كذا، صلاح الدين يقول قسطنطين زريق عنه كذا، محمود بن سبكتكين الغزنوي يقول عنه جرجي سلامة كذا أي: أصبح الشباب يقرءون سير أعلام الإسلام من خلال كتابات النصارى وأعداء الإسلام، أو المسلمين العملاء، فلا يبقى للمسلم رمز ينتخي به أو ينتسب إليه من الأباء والأجداد والقادة، ثم ماذا بعد ذلك؟ سيل وافر ومنهمر مما يخدر العواطف ويوجه السلوك، أسأل شبانا كم تحفظ من شعر طلال بن سعيد؟ يعد لك الكثير، ما أدري فهد بن سعيد أو طلال بن سعيد والثاني والثالث يحفظ لك الكثير، (يا ونيت ونيتها من خوى الرأس) وهات من هذه القصيدة وجلسة كاملة كلها قصيدة، لكن أريد سورة من كتاب الله ما أجد، سبحان الله! حينما توضع في القبر، فيقول لك الملكان ماذا قلت؟ طلال بن سعيد، فهد بن سعيد ماذا يصلح لك هؤلاء؟ وربما بعضهم تاب إلى الله، فالمصيبة أن الشباب استغلت عواطفهم، بدل ما تكون حرارة العواطف موجهه للجهاد؟ أو في الشفقة على أيتام المسلمين وأراملهم وجهت إلى القصائد، والنظم والنثر والشعر في وصف حلال المسلمين، مما يثير همم البقية، فهل ذلك لنخوتهم ولمساعدتهم؟ لا، لكن العواطف الساخنة وجهت في أشعار الحب، ورباعيات الخيام، وألف ليلة وليلة

التخدير بالمعاصي

التخدير بالمعاصي وماذا بعد ذلك الجانب القوي والنخوة والنجدة والشيمة في نفس المسلم؟ تحذير بالغزل الجنسي، تجد فيلماً يباع في أي محل من محلات الفيديو، أو يصدر من الدول الفاجرة، تجد فيلماً لا هو بخليع ولا بمحتشم، كي يحرق أعصابك، تظل تتابع متى تجد الموقف الذي يثيرك، وطول الليل وأنت تتابع هذا الفيلم نعم العواطف مستهلكة لمتابعة آخر حدث، ماذا يصير؟ إذاً أنا أقول لك قبل أن تشتري الفيلم: هذا فيلم فيه فاجر فعل الزنا في فاجرة، انتهينا منه، ماذا قدمنا للإسلام؟ لكن لا، أسلوب عرض شيق، صدفة، مقابلة، حادث، أصبح في نار عجيب وحوار شيق، حتى يجرك إلى الحدث، وربما بعضهم يصيح إذا رأى فيلماً هندياً ما هذه العاطفة، وما هذا الخيال الفارسي، تلقاه يتقطع، ثم ماذا؟ يغلق التلفزيون ويذهب ينام، هذه قوة بدلاً من أن تكون راجمة صواريخ، بدلاً من أن تكون كاسحة ألغام، بدلاً من أن تكون حرباً على أعداء الله، بدلاً من أن تكون قوة بناءة، جعلوها قوة آهات وأنات، وجنس وعادة سرية، وفواحش وزنا إلى غير ذلك. ولذلك هاتوا لي شاباً من أفسق شباب المسلمين الآن، واربطه بيديه ورجليه بالحديد، وأقول: اسمع لا تدخل المسجد ولا تصلي، تفرج على التلفزيون وتفرج على الأفلام والفيديو وكذا وكذا، لكن إياك أن تعبد الله أو تصلي، هذا الفاسق الفاجر يقول: أما تخسأ، أنا أترك الصلاة ديني ودين آبائي وأجدادي؟ ثم تتحرك العقيدة والحمية ويتمرد على هذا القيد، ويكسر الحديد وربما يدخل إلى المسجد ويكون من حمام المسجد وأئمته. لكن بالأسلوب الثاني، أسلوب الغزو الفكري تعال يا أخي المسجد كم له من باب، أربعة أبواب، نحن نتبرع بفتح بابين زيادة، كي تصير أبواب المسجد ستة، ولكن تفضل هذا (رامبوا) رقم اثنين ورقم ثلاثة وآخر ما أنتجته أفلام هوليود إذا كنت تتابع أو تسمع، فيأخذ الفيلم وينظر إليه، ويؤذن المؤذن، والمسجد فاتح أبوابه، يقول: يا رجال سنلحق وقت الصلاة، لكن الفيلم سيفوت. انظر في المرة الأولى ربطناه وواجهناه بالعداوة، فلم يرض وأبى إلا أن يدخل المسجد، لكن في المرة الثانية قلنا المسجد مفتوح ونحن ما نردك عن المسجد؛ لكن تفضل هذا فيلم فيديو، فيشتريه وينظر ويحترق، وربما رأى صورة امرأة فيقول: لابد أن أدبر حجزاً وأسافر وألقاها على الأقل أتصور بجانبها، كما حصل من بعض الشباب.

صرف العواطف إلى الملاهي

صرف العواطف إلى الملاهي انظروا إلى أي درجة أصبح واقعنا، صرفت فيه عواطف الشباب إلى الأمور التافهة، وإلى ساقط الأوضاع حتى لا يمكن أن يكون من بين هؤلاء الشباب مجاهداً يهدد أعداء الله، وأنا دائما أردد مثلاً من الأمثلة التي رأيتها بعيني، وزارني في مسجدي في الرياض، يمني أنحل واحد فيكم أسمن منه، أي: نحيف، وأقصر واحد فيكم أطول منه أي: قصير، أبو عتيق اليمني كهربائي، لما منّ الله عليه وأراد به عزة ورفعة، وليس في الكهرباء عيب بل هي أشرف من الكسب الملتوي والغش والخداع، لكن لما أراد الله له سماء العزة الجهاد، ذهب إلى أفغانستان وأصبح مساعداً للحاج شير علم، ويهدد نجيباً، يقول: أترجى حاج شير علم، أقول يا شير علم، أمهلنا ست ساعات، وبعدها نمطر كابول بطوفان، ويقول الحاج شير علم: الذي وصلهم يكفيهم. هذا من كهربائي، ربما (يا أبو يمن) ما عرفت تصلح، خربت الفيش، لكن أصبح يهدد نجيب ويخرج نجيب على الشاشة ويقول: إن كابول قد أغرقت بطوفان من الصواريخ، من هددك يا نجيب يا عميل الشيوعية؟! أما علمت أن الذي هددك أبو عتيق اليمني، كان كهربائياً، من أجل هذا وجهت عواطف الشباب، حتى لا يكون النجار قنبلة، حتى لا يكون الحداد قاذفة، حتى لا يكون المعلم قائداً، حتى لا يكون الشاب رمحاً في نحور الأعداء، حتى يتفادى أعداؤنا هذه الصور الإيمانية المتفجرة المتأججة القوية، فشغلوا شبابنا بألوان الفكر والفن والطرب وبرامج السياحة، وبرج إيفل، وشواطئ الأنهار وفولردا وميامي وجزر كذا إلى آخره؛ حتى لا يتوجه الشباب إلى دين الله، وإلى عزة الله سبحانه وتعالى.

العمل للإسلام مسئولية الجميع

العمل للإسلام مسئولية الجميع فيا معاشر المؤمنين! هذا واقعنا يحتاج إلى رجعة، وأنا أقول أيها الأحبة! وصف الواقع لا يكفي بل أنتقل إلى العمل وأقول: هاأنا وصفت لكم واقعنا وواقع شبابنا، والانحراف والغسيل الفكري، الذي أحدثته مختلف الوسائل في عصرنا في عقول المسلمين، فما أنتم فاعلون؟ كل واحد في هذا المسجد: أبو عقال والذي ما عليه عقال، والملتحي والذي ما له لحية، واللاعب الرياضي والذي ما يلعب رياضة، والذي يفعل والذي ما يفعل، أسأل كل واحد منكم: ماذا قدمت للإسلام؟ ماذا قدمت للإسلام؟ ليس من شرط العمل للإسلام ألا يخدمه إلا أولو اللحى، أو لا يخدمه إلا أولو المشالح، كل واحد مسئول، إن وجد تقصير في سلوكك فأنت مؤاخذ بتقصيرك ولكن لا تجمع مع التقصير في السلوك إهمال للعمل للإسلام. ماذا قدمتم أيها الإخوة! أسألكم بالله يوم أن تحمل جنازتي وجنازتكم على الأكتاف، وبعد تحضر الملائكة وتنزع الروح من الجسد، ونحن نتذكر ومن حولنا يبكون علينا، ونحن نقول: ماذا قدمنا للإسلام؟ هل ربينا الأولاد تربية طيبة، أم أخذنا نحضر لهم مختلف الأفلام والمسلسلات؟! هل اعتنينا بالزوجات والبنات؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]. ماذا قدمتم للإسلام أيها الإخوة؟! إن الإسلام للجميع، والعمل للإسلام مسئولية الجميع، ليس مسئولية الخطباء أو الدعاة أو حملة الشرعية، فالمكنيكي مسئول عن الإسلام، والمطافئ مسئول، ومنقب الزيت مسئول، وسواق التاكسي مسئول، والحارس مسئول، وأكبر وأصغر واحد مسئول عن هذا الدين، فماذا قدمتم؟! اسألوا أنفسكم يا إخواني: ماذا قدمتم؟ قدمتم لبطونكم. {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31] أين المسلم الذي يكون مباركاً أينما كان؟ نعم نحن مباركون لكن في حظوظنا الأنانية، حينما نعيش لذواتنا فحسب، حينما نعيش لأنفسنا فحسب تبدو لنا الحياة قصيرة تبدأ من حيث بدأنا وتنتهي حيث ننتهي. وحينما نعيش لفكرة، حينما نعيش لغاية، حينما نعيش للدين نبدأ قبل أن نولد لأننا بدأنا مع الحق، ونستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حتى نرى ثمار الحق، ذلك يوم أن نعيش للإسلام. مسئولية كل واحد منكم أن يكون عيناً حارسةً لأمنه ووطنه وبلاده خاصة، وبلاد المسلمين عامة، مسئولية كل واحد منكم أن يكون يداً معطاءة لمشاريع الخير، للعمل الإسلامي، الجبهات مفتوحة الآن، العالم الإسلامي مطعون طعنات عديدة. إذا كنا مللنا قضية أفغانستان، فعندنا قضية جديدة اسمها قضية السودان، والجهاد في جنوب السودان بدأ، والجهاد في إريتريا بدأ، والجهاد في الفليبين على أشده، لكن ماذا نعرف؟ نعرف أن المدرب العجوز الكاميروني قاد الكاميرون إلى دور الأربعة، ودخلت في مباريات كأس العالم. كيف استطاع ذلك العجوز المعجزة أن يقود كأس العالم؟ نعم عرفنا هذا، لكن هل عرفنا أن هناك جهاد؟! هل عرفنا أن في سجون أثيوبيا آلاف المسلمات ولدن سفاحاً من الزنا من قبل جنود الشيوعية؟! ما هو واجبنا؟ واجبنا أن نجعل العالم الإسلامي كالفطور والغداء والعشاء، كيف؟ الدعم والتبرع، اجعل صندوقاً في بيتك، فاتتك الصلاة فقل: أستغفر الله وأتوب إليه، إن الحسنات يذهبن السيئات، وهذه في الصندوق، سببت أحداً أستغفر الله وأتوب إليه، إن الحسنات يذهبن السيئات وهذه في الصندوق، جاءك رزق من الراتب، فباسم الله طهارة ونماء للمال وهذه في الصندوق، كل بيت فيه صندوق في نهاية الشهر نجمع الكثير ثم نتوجه به، لنحرق أعداء الإسلام؛ لأننا نرجو ما لا يرجون {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء:104]. إذا كنا نتألم من عداوة الأعداء وحرب الأعداء لنا، فإنهم يتألمون أيضاً من ضرباتنا، ولكن نحن نرجو ما لا يرجون، ولذلك في غزوة أحد لما تكلم أبو سفيان قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يجيب الكافر؟ قالوا: ماذا نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم) فنحن نرجو ما لا ترجون يا أعداء الله! نحن يوم أن نستمر ونصبر ونصابر نعلم أن هذا الدين دين جهاد.

حقيقة العمل الإسلامي

حقيقة العمل الإسلامي ثم نقول يا إخواني: في خضم العمل الإسلامي اليومي للإسلام لا يكون الواحد عابساً لا يضحك ولا يبتسم بل أضحك وأنا أعمل للإسلام، وأمازح إخواني وأنا أحمل هم القضية الإسلامية، وأتنزه مع أسرتي وأولادي، أعرف كيف أكون مسلماً طبيعياً مع حملي لهموم الإسلام. الكثير من المسلمين يقول: وأنا يا أخي أعيش معقداً، فقط: أظل أتنفس الصعداء وهموم المسلمين، أنا أريد أن أضحك مثل الناس تقول: اضحك يا أخي، وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يمنعه جهاده الكفار أن يمازح صحابته؟ لا. {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43] الذي خلقك أضحكك وأبكاك، فلا يمكن أن ربك ينكر عليك الضحك والمرح وسعة الصدر، ولا يمنع أن توسع صدرك، ولكن الجهاد والعمل للإسلام لا يمنع أن تضحك وأن تمازح، وأنت ترد المنكر والشر عن بيتك، هذا إن كنا نصدق مع الله أيها الإخوة، هذا إن كنا ننظر أن الموت أجل مغيب. يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل ينبغي أن نعلم أيضاً مع هذا كله أننا نحشر فرادى، وأن الإنسان لا ينفعه قريب ولا بعيد ولا ينفعه إلا عمله، حتى أمك وأبوك، الشلة التي تسهر معها، وزع يا أبا صالح، وابغ لنا الرابع يكمل الشلة الليلة، هؤلاء إذا كان أبوك وأمك ما نفعوك يا أبا صالح كيف بأبي عزيز الذي كلمك أو شرح لك أو أعطاك الحكم، هل هذا نفعك عند الله؟ لا، اعلموا يا إخواني! {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] أبي أمي، ما أحد ينفعك، نفسي نفسي. في حادثة النفق كنت حاجاً، ورأيت الناس ممن ليس عليه إزار ولا رداء ولا سروال ولا شيء، إزاره ورداؤه طائح وما يدري، يريد أن يتنفس هواء، ذهل أن عورته ظهرت وأن رداءه سقط، قلت: سبحان الله! في زحمة نفق غفل عن نفسه وما درى عن عورته، فما بالكم إذا ازدحم الخلائق في المحشر! وقبل يومين كنا في سجن الشرقية نحدث بعض إخواننا السجناء، نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية، ما في مكيفات، مراوح شغالة، فلما ازدادت الرطوبة والحر والأنفاس، قام مجموعة من المساجين يصيحون صياحاً شديداً، قلت: سبحان الله! مراوح ومفروش ومظلل والعالم قامت تصيح من القهر: افتحوا لنا، هلكنا من الرطوبة والحر، سبحان الله! وأين الناس يوم تدنو الشمس من الخلائق قدر ميل، فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ عرقه إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ عرقه إلى حقويه، ومنهم من يبلغ إلى ترقوته وثدييه، ومنهم من يلجمه العرق، فيا إخواني: إلا من؟ إلا (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم: شاب نشأ في طاعة الله) هذا ما يجد العرق والشر والشمس هذه كلها، (وشابان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، وإمام عادل، ورجل معلق قلبه بالمساجد، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). يا أحبتي نحن بحاجة إلى أن نفهم الدين، حينما نناقش بعض أحبابنا وإخواننا الشباب عن الالتزام والتدين والاستقامة والتقوى والعبادة، والسعادة، يقول: أفهم والله أن فلاناً دين، ما معنى: فلان دين؟ أي: صار يضع الغترة كذا، ويطلع اللحية بالشكل ذا، وقصر ثوبه إلى ركبته، أهذا هو مفهوم التدين؟ لا. ليس هذا مفهوم التدين، الشيطان يصور لنا أن التدين هكذا، حقيقة التدين أن تعرف مصلحة نفسك، أن تعرف أنك يوماً ما تؤاخذ وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، ويدنيك الله جل وعلا ويقررك بذنوبك ذنباً واحداً واحداً. يا إخواني! لو قلت لكم: اذكروا ذنوبكم التي تستحون منها، فكل واحد يعرف ذنوبه، يعدها ويراها مضيئة، ولا يشك فيها، بل يعرف متى وقعت؛ في الوقت الفلاني، في اللحظة الفلانية، في الساعة الفلانية، في السيارة الفلانية {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] ولو قلت له: عد حسناتك التي ترجو بها لقاء الله؟ قال: والله ماذا أفعل! ما أحضر الصلاة مع الجماعة، وإذا صليت ما أدري عن هذا الوضوء، وإذا ركعت أو سجدت فلا أخشع، ولا أدري ماذا أقول، ولا أتدبر، وحالي ما يعلمه إلا الله، وتقصير في السلوك، وتساهل بالمعاصي، وأمور يأمر الرسول بها وأنا مقصر فيها، أي: يكاد يقطع يديه أمامك وما يذكر حسنة قدمها يدخرها عند الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ بلال: (يا بلال! إني سمعت دف نعليك في الجنة، فماذا تفعل؟ قال: إني ما توضأت إلا صليت بعدها ركعتين) أي: عمل مستمر مع القيام بالواجبات وترك المنهيات، نحن ما عندنا عمل نرجو أن نلقى الله به، لكن ذنوب نذكرها كما نعد هذا اللمبات في السطح. ويا إخواني أسألكم بالله: هل فيكم من يكره الله؟ حاشا، كل واحد منكم يحب الله، فلو طرق ملك الموت الباب، وقال: الذي يحب الله يأتي معي يقابل الله، من يقوم منا. كنت أخطب الجمعة في الرياض مرتجلاً، فإذا برجل كان أمامي، يتقلب فجأة هكذا، وفجأة هكذا، ثم أخذوا ماء ورشوا عليه ما تحرك، أخذوه إلى مستشفى الأمير سلمان، قالوا: هذا مات منذ ثنتي عشرة دقيقة، جاء ملك الموت في المسجد وقبض روحه وانتهى. فيا إخوان أنا أقول وأنتم تقولون: لا نكره الله، ما فينا من يكره الله، لو جاء ملك الموت الآن وقال: يا إخوان! نريد واحداً يقابل الله؟ كل واحد يقول: انظر الذي بجانبي، اذهب إلى الثاني، أين الذي يحب الله؟ لأننا خربنا الآخرة وعمرنا الدنيا، فكرهنا أن ننتقل من العمار إلى الخراب، فاعمروا آخرتكم، وإنها فرصة وتوبة إلى الله جل وعلا. يا أحباب! يا شباب! يا شيب! يا رجال! ومن يسمع هذا النداء والخطاب عبر الشريط من الفتيات والنساء، اسمعوا هذه النصيحة: أعدوا لأنفسكم وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]. أسأل الله جل وعلا أن يجعل ما سمعتموه حجة لنا ولكم، وأن لا يكون حجة علينا ولا عليكم، وأسأله أن يكون دفعة لنا في أن نفهم ماذا تحتاج أمتنا وما يحتاج واقعنا لنعمله، وكما قلت: لأن وصف الأمس ووصف اليوم لا يجدي شيئاً ما لم نعمل، العمل، التوبة، إصلاح النفس، فاقد الشيء لا يعطيه، نصلح أنفسنا ثم نستطيع أن نقدم الصلاح، ونستقيم على أمر الله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:112]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة إلى النساء بحسن معاملة الأزواج

نصيحة إلى النساء بحسن معاملة الأزواج Q نرجو منكم تقديم نصيحة للنساء المتواجدات هنا؟ A يخبرني أخي الحبيب يقول: إن مجموعة من النساء موجودات، وليس عندي نصيحة لهن إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم يوم جاءت أسماء بنت يزيد بن السكن الأشهلية الأنصارية، قالت: (يا رسول الله! إن الرجال يجاهدون معك، ويسمعون حديثك، ويجالسونك، ويذهبون بالأجر ونحن ليس لنا منك شيء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا أسماء! يا أسماء! يا أسماء! أخبري من وراءك: إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله) ما تبعل المرأة لزوجها؟ لطفها، رقتها، عذوبتها، تعطرها لزوجها، وعدم تعطرها للأجانب، تجملها لزوجها وعدم تجملها للأجانب، استعدادها لزوجها، الصبر معه على شظف العيش، الشكر له إذا قدم هدية، القناعة وحسن المعاملة، محاولة نصيحته، محاولة التأثير عليه، لأني عرفت شباباً ما استقاموا إلا بسبب زوجاتهم: (إن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل ذلك كله). فالأخت المسلمة يوم أن تكون مطيعة لزوجها، حافظة عرضها، حافظة نفسها، حافظة بيتها، الأخت المسلمة يوم أن تكون عنصراً نافعاً يكون لها ذلك الأجر. عندنا أحد الإخوان في الرياض، عنده أم عجوز لكنها والله أبرك من بعض الإخوان في هذا الزمان، أبرك من بعض الطيبين، منّ الله على قلبها بالهداية، عمرها تسعون سنة أو أقل من التسعين، لكن التزمت وهي كبيرة فقالت: الذي يحبني يا عيالي يأتي لي بأشرطة، قالوا: خيراً ما تريدي يا أمنا! وصار كل واحد يأتيها بأشرطة، فالذي يأتي لها بعشرين شريطاً للقرني، والذي يأتي لها بأشرطة لـ سعيد بن مسفر والذي يأتي لها وتأخذ من هذه الأشرطة، وتقوم الصباح على الجيران: تعالي يا أم فلان، وتشغل المسجل وتسمعهم مقطعاً يبكيهم، وتخوفهم بالله، وتعطيهم الشريط. فأقول للأخوات المسلمات: لا تكن هذه العجوز خيراً منكن وأنتن متعلمات، حتى التي لم تتعلم تفهم ما يقال بحمد الله، فما الذي يمنع الأخت المسلمة أن تكون داعية إلى الله بالشريط والرسالة والكتاب النافع، أن تكون متحجبة، أن تكون سبباً في نشر الخير والبر والفضيلة.

وليد السيف واحتسابه حادثة الحريق لله

وليد السيف واحتسابه حادثة الحريق لله أحد الإخوان يقول: لو ذكرت لهم قصة وليد السيف. A هو أحد الشباب المجاهدين صار له حادث حريق، وزوجته حافظة للقرآن مجودة مدرسة، في تلك الليلة في تمام العاشرة والنصف تقريباً كانت تتدارس معه قول الله كما يخبر وليد {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32] كانت تتناقش معه وتشرح له هذه الآيات، وناموا على بركة الله، ووسط الليل الواحدة والنصف شب حريق في البيت، فبداية اختناق فتح الباب فإذا بالصالة محترقة، فأخذ ابنته، وزوجته أخذت ابنته الثانية عمرها أربع سنوات، حملها ومر على الحريق، والحريق مشتعل في الموكيت -والرجل في مستشفى الحمادي زرته غرفة ألف ومائة وستة وثلاثين الدور الأول- يريد أن يفتح باب الصالة فعجز، فعاد ودخل المطبخ هو ابنته، زوجته خرجت وحملت الطفلة الصغيرة فعثرت في الحريق، فسقطت ولما أوشكت على ملامسة الأرض ظنت أن باب الصالة مفتوح فقذفت البنت على الباب فارتطمت الطفلة بالباب وعادت الطفلة في الحريق، فالتهمها الحريق، وأما هي فلما انتهت المطافي من العملية إذ بها لم يحترق فيها قطعة واحدة، حفظت القرآن فحفظها الله من النار، بل وجدوا تحتها بقعة من الماء، كيف يجتمع العنصر المائي والعنصر الناري، والرجل التهم الحريق أطراف قدمه ومكث في المستشفى مدة. والحوار الذي دار بيني وبينه طويل، تجدونه في شريط قصص وعبر في محاضرة ألقيتها أمس، لما قابلته قال: يا أخ سعد أنا بنعمة لست بكفء لها، لأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، وهو يتبسم، من يصبر يا إخوان ويكون يقينه بالله ورضاه بقدر الله إلى هذا المستوى، لكن علمه الجهاد الصبر، علمه الجهاد أن يحمل إخوانه من الشهداء ومن الجرحى ومن الأشلاء ويحتسبهم عند الله، فاحتسب زوجته وطفلته عند الله، ويقول: إذا عادت حالتي الصحية سأعود إلى الجهاد مرة أخرى، فلما أخبرني أمس أحد الإخوان، اتصلت لكي أطمئن على الأخ وليد، هاتفياً قال: يريد أن يذهب إلى أفغانستان بعدما تحسن حاله، قلت: هذا والله أراد الله به خيراً، وأغلب الظن أن يكرمه الله بالشهادة في سبيل الله. هكذا تكون الزوجة المؤمنة الصالحة، ويكون المجاهد الصابر المؤمن، يكون الشاب المسلم الذي له أثر في الحياة، كم عدد الذين يعيشون في الدنيا، لكن الذين يعدون خمسة، إما داعية، وإما مجاهد، وإما رجل كريم بالدعوة إلى الله، سخي في البذل إلى الله، أو حاكم عادل، أو عالم تقي، هؤلاء هم الذين يبقون، وأكرر أبيات ابن أدهم الجميلة التي لا أمل تردادها: إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه وموت فتىً كثير الجود محل فإن بقاءه خصب ونعمه وموت العابد القوام ليلاً يناجي ربه في كل ظلمه وموت الفارس الضرغام هدم فكم شهدت له بالنصر عزمه فحسبك خمسة يبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه وباقي الخلق همج رعاع وفي إيجادهم لله حكمه إخواني: هل أنتم من الرعاع أم من الخمسة الذين يبكون إذا فقدوا؟! والله تستطيعون أن تصنعوا من أنفسكم تاريخاً وسجلاً مجيداً، يوم أن تتمسكوا بهذا الدين, تلتزموا به، تفهموه حق الفهم، وإذا فهمتموه عرفتم أن الدين ليس مجموعة معقدين ولحى، وثياب مقصرة، وثياب متلفقة، الدين أكبر وأعظم من ذلك، افهموا دينكم جيداً تعيشوا قادة سادة، علماء أتقياء، كرماء سعداء في أي لحظة وفي أي حال.

سبب عدم وجود الجهاد في فلسطين

سبب عدم وجود الجهاد في فلسطين Q لماذا نجاهد في أفغانستان مع ما فيها من المسلمين، واليهود يستولون على المسجد الأقصى وهم أحق بالجهاد؟ A افتح لي الطريق إلى فلسطين وانظر من الذي يمتنع، والله لو يفتح الباب إلى فلسطين فلن يبقى لليهود سن يأكلونه، نملأ فلسطين إن شاء الله؛ لكن افتحوا الطريق.

الجهاد مهم على كل أرض

الجهاد مهم على كل أرض Q بعض الناس يقول أيهما أهم: الجهاد في أفغانستان أم في فلسطين؟ نرجو التوضيح؟ A الجهاد في كل أرض ينبغي أن نعتني به، في فلسطين في أفغانستان في الفليبين في إريتريا في كشمير في جنوب السودان في كل محل، ينبغي أن ندعم الجهاد، المسلمون ليسوا قلة، كم عدد المسلمين؟ مليار أي: ألف مليون، لو أن عُشر الألف مليون الذين هم مائة مليون امتنعوا عن شرب البيبسي يوماً واحداً استطاعوا أن يقدموا مائة مليون ريال. المسلمين ليسوا بقليل، لكن الغثاء في المسلمين، الغثاء الذي نعيشه في واقع المسلمين.

وجود أماكن تدريب في أفغانستان

وجود أماكن تدريب في أفغانستان Q هل هناك في أفغانستان مكان للتدريب وخاصة في هذه الفترة؟ A توجد أماكن كثيرة ومراكز كثيرة للتدريب على الجهاد في سبيل الله.

فضل الجهاد على غيره من الأعمال

فضل الجهاد على غيره من الأعمال Q نرجو أن تعلمنا فضل الجهاد، وكيف يكون خالصاً لوجه الله؟ A يكفيك فضل للجهاد أنه ذروة سنام الدين، الأركان الخمسة: الشهادتان والصلاة والزكاة والحج والصوم ذروة الأمر الذي يحرسها ويحفظها ويهيمن عليها، الجهاد في سبيل الله، فحسبك أن الجهاد ذروة سنام الأمر، وأنا أقول يا إخوان: الجهاد منزلة عالية، لا يقدر عليها ولا ينالها كل واحد، فهي منزلة عظيمة جداً جداً، لا تعجبوا من قلة المجاهدين، أو من قلة الذين يذهبون إلى الجهاد، لماذا؟ لأن ما وجد كفأ أن ينال المنازل الرفيعة، لكن أقل الأحوال إذا لم تكن في الملحمة في مواجهة الصفوف، في الميمنة، في الساقة، في الميسرة، فلا أقل من أن تكون حمالاً للجهاد، أن تكون جامعاً للتبرعات للجهاد، أن تكون داعية إلى الجهاد، أن يكون دعاؤك بالليل والنهار للجهاد والمجاهدين.

(من تتبع الصيد غفل)

(من تتبع الصيد غفل) Q أنا وزملائي نذهب إلى البر في أثناء الربيع للقنص، ونظل عشرة أيام ولا يوجد عندنا ما نشرب ونأكل منه، وبعض أوقات الصلاة لا نتوضأ، فهل يكفي التيمم؟ A أولاً بالمناسبة هناك قنص ممتاز في أفغانستان أنصحكم به. نقول: إذا عدم الماء جاز التيمم، وإذا لم يبق معك من الماء إلا ما تشربه فالماء الذي تشربه تنقذ به حياتك ويجوز لك أن تتيمم ولكن أذكر الحديث: (من تتبع الصيد غفل، ومن سكن البادية جفا) من تتبع الصيد غفل أي: القنص فعلاً ملهاة، يلهي الواحد، لا يدري عن نفسه إلا والصلاة تلو صلاة، ووقت تلو وقت يذهب كله، وربما تنفذ ذخيرتك كلها، والميزانية مائلة. انتبهوا جيداً في هذه المسألة، بعض الناس فتن بالقنص فتنة أهلكت ماله، وقطعته عن عياله، وضيع كثيراً من العبادات.

حقيقة القتال الدائر في أفغانستان

حقيقة القتال الدائر في أفغانستان Q نرجو توجيه كلمة للذين يقولون: الجهاد في أفغانستان ليس إسلامياً وإنما هم أفغان يحررون أرضهم ويقاتل بعضهم بعضاً؟ A النبي قاتل أبو لهب وأبو جهل وهم أعمامه، قرشياً يقاتل قرشي، أفخر العرب وأطيب العرب يقاتلون أفخر العرب وأطيب العرب نسباً، لكن ليست الأنساب هي التي تقرب. لقد عز بالإسلام سلمان فارس وقد ذل بالشرك النسيب أبو لهب فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب وبعد ذلك من يقول لك: إن هؤلاء يقاتل بعضهم بعضاً، هؤلاء يقاتلون ويقولون: لا إله إلا الله، وهؤلاء يقولون: لا إله والحياة مادة، الضابط على رأسه المطرقة والمنجل شعار لينين واستالين، والحزام -القايش- عليه المطرقة والمنجل، وكتبهم وأماكنهم كلها شيوعية، فهل يعقل أن يقال: إن مثل هذا الذي يسجد لله كالذي يقول: لا يوجد إله؟! الذي يصلي لله كالذي يقول لا يوجد إله؟! الذي يقول هذا الجبل خلقه الله كالذي يقول هذا خلقته الصدفة والطبيعة؟! أيوجد فرق بين هذا وهذا؟!! أبسط الأحوال. فيا إخواني! لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعف النطق أن لم تسعد الحال إذا ما استطعت أن تكون مجاهداً، أو جامعاً للتبرعات، أو باذلاً للمجاهدين فقل خيراً أو اصمت.

جواز الجهاد إن لم يضع الأهل

جواز الجهاد إن لم يضع الأهل Q أنا شاب أريد الذهاب إلى الجهاد في العطلة ولي والدة تقول: لا تذهب لخوفها، وما الحل ونحن نسمع التضحيات من الصحابة؟ A أنا أقول احرص على الجهاد ولا تعق أمك، يعني: إن كان لك عدد من الإخوان يستطيعون القيام بخدمة الأهل فإن شاء الله تستطيع بالأسلوب الطيب أن تقنع والدتك وتذهب، وإن كنت أنت الوحيد الذي تقوم بمسئولية أهلك وتعولهم وتقوم على أمرهم فأذكر لك قصة واحد من شبابنا في الرياض أراد الجهاد، قال له أهله: لا نسمح لك أن تجاهد وتتركنا، قال: لو ذهبت إلى الجهاد لأخذ الجهاد مني ليلي ونهاري، لكن سأعطي الجهاد العصر صار يشتري ثياب الدفة بالجملة ويبيعها بالحراج بالقطاعي والمكسب للمجاهدين، هذا الذي صادق في الذهاب إلى الجهاد، ويقول: فعلاً ما ردني عن الذهاب إلا والدي.

توضيح صورة الجهاد لأجل الدعم

توضيح صورة الجهاد لأجل الدعم Q عند حلول قرب استلام الراتب لموظفي شركة الزيت قام أحد زملائنا بتذكير إخوانه المسلمين بالتبرع لـ أفغانستان بما تجود به أنفسهم، ولكنا فوجئنا بأن أتى لزميلنا إنذار خطي من إدارة الشركة بعدم عمل هذا الفعل، فما رأيك بهذا الموضوع؟ A أرجو أن يتم التفاهم مع إدارة الشركة لبيان وجهة النظر الإسلامية الطيبة النافعة، لأننا نعلم ولله الحمد والمنّة أن هيئة الإغاثة الإسلامية هيئة رسمية تحت إمرة الدولة ورعاية الدولة وتدعمها الدولة، ومشاريعها جبارة وواضحة وقوية في جميع مجالات الجهاد، ومشاريع الإغاثة، وكفالة الأيتام، وأيضاً من نعرف من الثقات، أي: لو جاءك واحد وأعطاك أمانة، وقال: يا أخي تفضل، أنت ذاهب إلى أفغانستان، فخذها أنت وسلمها من يدك إلى يد سياف، أو من يدك إلى يد حكمتيار، أو من يدك اشتر بها ألف صاروخ وأدخلها، إذا كنت قادراً على حمل الأمانة فنقول: جزاك الله خيراً، وإن أتيت وسلمتها لـ هيئة الإغاثة فهي جهة موثوقة ومعروفة لا نشك فيها.

كل عمل يبدأ صغيرا ثم يكبر

كل عمل يبدأ صغيراً ثم يكبر Q تحقيق النصر الذي تنشده لا يتحقق إلا بوجود دولة إسلامية واحدة لها قائدة واحد؟ A الأمر الأول: هذا مثل الذي يجد آلام الجوع ويقول: والله ما أنا بقائم آكل إلا إذا أزالوا القصدير عن (المفطح) لكن الذي فعلاً يريد أن يشبع يقوم ويولع النار، ويقرب المحماة ويحمي القهوة، ويذبح الميسور أو يطبخ الميسور ويأكل، فنحن نقول: أولاً هذا كلام العاجزين. الأمر الثاني: لله الحمد والمنّة توجد مؤسسات وهيئات وجهات ونشاطات إسلامية قوية، لكن من أراد العمل عرف كيف يعمل، ومن أراد الكلام فالكلام لا ينتهي أبداً. هذا صك إعسار يا إخوان.

تهكم العلمانيين على شباب الصحوة

تهكم العلمانيين على شباب الصحوة Q إني أحبك في الله، قرأت في جريدة الشرق الأوسط موضوعاً خطيراً وتهجماً بعض أذناب العلمانية على شباب الصحوة حيث يقول: هذه المجموعات في مختلف مواقع البلاد تعتمد مظهراً واحداً، يتمثل إطالة شعر اللحية بشكل غير منظم وغير نظيف، وكأن الشعر أصبح مقدساً لا يجوز المساس به، ويقول: تتعمد هذه المجموعات تقصير الثياب بشكل ملفت للنظر يُظِهر جزءاً كبير من السيقان، فيصبح منظر الواحد منهم لا يتناسق ولا يتناسب مع ثياب فضفاضة وقصير مع سيقان عارية -لكن ما رأى سيقان الحريم هذا الذي كتب، مسكين إي والله لما رأى السنة شرق بريقه، ولما رأى المنكر جمد بباطله- ويقول: إنهم يلتزمون السلبية في المجتمع فلا يجالسون غير جماعتهم، ويقول: هذا التصرف لا ينم عن روح الدين الإسلامي الذي رضعناه مع حليب أمهاتنا -والله ما أدري ما رضع هذا- ونشأنا عليه. ويقول: هل هذه صورة المسلم الصحيح. وبعد السؤال عن الشخص وعن أحواله وجد أن حاله مغايرة للمسلم الذي يتكلم عنه، فهو مسبل أو حليق وضيق للغاية، ولا يشهد الصلاة مع الجماعة ولا الجمعة ولا العيدين. فما هو الحكم؟ A اسمع يا أخي الكريم! أولاً: هذه الحالة التي ترونها في جميع أنحاء العالم الإسلامي والمملكة ولله الحمد والمنّة ليس غريباً عليها، دولة إسلامية أهل فطرة وأهل عقيدة، الصحوة الإسلامية ليست غريبة عليها في المملكة ولله الحمد، لأنهم هم أهل الفطرة، فكل مسلم له فطرة، وأرض تجديد العقيدة وأرض مهبط الرسالة من عندهم. هذه مسألة. ثانياً: هذه الصحوة قد شرق بها ومات بدخانها بعض العلمانيين القذرين الذين أصبحوا يتهجمون على الصحوة، يقول: ما معنى هذا يقصر ثيابه؟! وتجده عنده مؤلفات طويلة عن الحرية، الحرية ذلك المظهر الرائع من المجتمعات الغربية المتمدنة التي تتيح لكل فرد أنماطاً وأساليب في الحياة كيفما يحلو له، حرية مطلقة، لكن واحد يصير حر في لحيته يربيها، لا، ينبغي أن تحلق، أين الحرية؟ البس ما شئت، شارلستون، جنز، قصير، طويل لكن إذا اتبع المسلم السنة قالوا: ما هذا؟ فإذاً أنت تتكلم عن الحرية، أتركه حراً في تطبيق السنة. ثم أنا أقول لأحبابي الشباب، وأرجو منهم أن يفهموني جيداً: إن المسلم يسعه أن يكون قريباً لزي مجتمعه، (إزرة المؤمن إلى نصف ساقه)، (وما أسفل من الكعبين ففي النار) لكن لو زدت فوق الكعب بمقدار واحد سنتي رفعت الثوب عن الكعب واحد سنتي أقبل رأسك وجبينك، أقول: كثر الله خيرك، سلمت من الإسبال وحققت جزءاً من السنة، وإن أردت غاية السنة فثوبك إلى نصف ساقك ولا أحد يدخل في خصوصياتك، لكن أنا وجهت نظري أن الداعية يكون قريباً من الناس بأن يكون زيه قريباً من زيهم، ولا أعترض على السنة. كذلك ينبغي للداعية والمسلم الملتزم أن يكون باشاً مبتسماً ضحوكاً مرحاً حبيباً حتى لا يقول الناس: إن الإنسان إذا التزم يصير معقداً، مثل ما يقول لي واحد من الشباب أبوه في هيئة كبار العلماء، يقول: كنا نخرج نلعب كرة، شباب ملتزمون صالحون ولله الحمد يلعبون كرة ويضحكون ويمرحون، يقول: طلع معنا شاب ما كان يظن أن أهل الخير بهذه الصفة، يظن الواحد والله من أول ما يدخل البيت حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وصك السند وهات المتن وحول وحاء. يقول: طلع معنا إلى البر وكان من عادتنا أننا إذا خرجنا نقرأ حتى تغرب الشمس، نقرأ صفحة أو صفحتين من كتاب رياض الصالحين، أو تفسير آية، ثم إذا انتهينا منها لبسنا السراويل وأخذنا نلعب حتى يؤذن المغرب فنصلي قال: خرج معنا هذا الشاب وكنا مصيفين، قلنا: ما في وقت نقعد نقرأ، نفرق بسرعة قبل أن يذهب الوقت، فرقنا ونزلنا الكرة وكل واحد لبس، يقول: جاء ومسكني ويقول: أنتم مطاوعة تلعبون كرة؟ قال: نعم، من الذي قال لك إن الكرة حرام، قال: أنا أحسبكم تطلعون وكل واحد يمسك كفر ويصيح عنده، فعلاً أنا أعجب من بعض الشباب يستغرب، ما يصدق أن الشيخ يضحك، سبحان الله العلي العظيم، ولذلك أنا أقول: احذروا أيها الإخوة جميعاً يا من في هذا المسجد، الصحوة الإسلامية الآن مهددة بأمرين: الأمر الأول: يؤتى إلى أحد علماء الصحوة يقال: هذا صاحب معاكسات، هذا رجل لوطي، هذا صاحب مخدرات، ثم يبدأ الشباب يتشككون فيه، هذه من أساليب ضرب الصحوة، وهذا الرجل تقي نقي داعية مسلم مخلص. الأسلوب الثاني لضرب الصحوة: أن يوجد أناس فجار فساق إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، تجده مجرماً؛ لكن يحاول أن يبالغ في مظاهر معينة وفي زي وشكل معين، ويدعي أنه ممن ينتسبون إلى الصحوة، وتجده يستلف من هذا ويسرق من هذا، وتجده يغتصب هذا ويفعل مع هذا، ويصلح مع هذا حتى يقول الناس: انظروا يا إخوان، هؤلاء المتدينون، فما هو ذنب المتدينين! عندما يوجد رجل ينتحل زي رجل الأمن، وأخذ فلوسك ولعب عليك، وثبت أن هذا الرجل لص ليس برجل الأمن، نقعد نسب رجال الأمن كلهم، أو نقول نستغني عن جهاز الأمن كله؟! هذا ليس بصحيح، لماذا؟ لأن هذا رجل دخيل في سلك الأمن. لو جاء طبيب دجال ولعب على الناس وأخذ فلوسهم وصار يعطي أدوية، وأكل الناس، نقول: كل الأطباء دجالون ونستغني عن الطب؟ لا، نقول: هذا الدخيل على الطب دجال. فكذلك إذا جاء رجل دخيل على الصحوة الإسلامية وعلى الشباب الطيبين، وأخذ ظاهرهم وفعل أفعالاً تخالف مقتضى الالتزام والسلوك الإسلامي، فلا نقول: كل الشباب الملتزم فجار أو فساق أو مخادعون أو خونة، بل نقول: هذا المنتحل هو الذي يحارب، وأما البقية فمكانهم على العين والرأس.

الشيخ يدفع عن نفسه شبهة أنه حليق

الشيخ يدفع عن نفسه شبهة أنه حليق Q بعض الأسئلة يقولون: أنت يا شيخ حالق لحيتك؟ A أنا أقول الذي عنده لحية للبيع يعطيني إياها، قيس بن سعد بن عبادة يقول: لولا الإسلام -كان ذكياً، ذكي جداً، كان نحيلاً ذكياً- يقول: والله لولا الإسلام لمكرت مكراً لا تعرفه الجاهلية. وكان قومه يقولون: والله لو بيعت اللحى لاشتريناها له، فأنا عندي هذه الشعرات، الذي يقطع منها ثلاث يدفع الدية، وأما أنا فهذا حد ما عندي والحمد لله على هذه النعمة، لكن لا يظن البعض أنني حليق، وأسأل الله لكل حليق أن يمن عليه بالاقتناع والفهم والالتزام بأن اللحى سنة، ليست سنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، بل سنة واجبة وجوباً، يعني حكم إعفاؤها واجب، أسأل الله أن يمن عليهم وأن يفتح على قلوبهم.

حث على التبرع للأفغان

حث على التبرع للأفغان Q الشباب في الخارج عندهم صناديق لجمع التبرعات للمجاهدين الأفغان نرجو كلمة قصيرة تحث على التبرع؟ A يا إخوان: الذي ليس في قلبه واعظ لا تنفعه المواعظ، إن شاء الله إننا وإياكم سمعنا ونسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، ما يكفي أن ندرك حال إخواننا، وأن نتبرع باستمرار بالقليل، ما قلت الواحد يحط خمسمائة وكذا، إذا أذنبت ذنباً فقدم كفارة، حاول أن تتقرب إلى الله، لحظة صفاء، لحظة قرب من الله، لكن حينما تدعى في كل موقف لا تتردد أن تدفع ولو بريالاً واحداً، وجزاكم الله خير الجزاء.

الجور بالقول [1]

الجور بالقول [1] العدل غريب في هذه الدنيا، لكننا نجد تمام العدل والإنصاف في كتاب الله، وقد ذكر الشيخ هنا أسباب الجور في الحكم وقلة الإنصاف، ثم عرج إلى الأدلة الشرعية في الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات مع بيان حال السلف في ذلك. وبعد ذلك بيّن عواقب انعدام التوازن في منهجية الحكم على الآخرين، كما ركز على أهمية التعاون في تنمية الخير والتناصح لإزالة الشر وإصلاحه. وفي الأخير تطرق إلى موضوع مهم، وهو خطر ترك أقوال العلماء الكبار المشهود لهم بالخير والصلاح والعلم عند وقوع النوازل والخطوب والأخذ بأقوال غيرهم.

واقع العدل والإنصاف

واقع العدل والإنصاف الحمد لله القائل في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين إن العدل والإنصاف في هذا الزمان بات عزيز المنال لدى الكثيرين إلا من رحم الله وقليل ما هم، فالمسلم مأمور أن ينصف من نفسه ومأمور أن يعدل في قوله وحكمه وفعله، لا أن تأخذه الحمية أو العاطفة، أو يغلبه التقليد والتبعية، أن يرى ما يراه الآخرون، أو يصدق ما ينقله الناقلون من غير دليل وبرهان فيكون كما قال القائل: وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد بل الواجب العدل في كل حال، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأمور الناس إنما تستقيم في الدنيا مع العدل، الذي قد يكون فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم يشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام؛ وذلك أن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الدين من خلاق، ومتى لم تقم بالعدل لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة. وفي هذا الزمان -أيها المسلمون- الذي عز فيه العدل والإنصاف، يحتاج المسلم إلى الرجوع إلى منهج السلف، ليقيس الأمور بمقياس الكتاب والسنة، حيث أصبحت الأهواء هي التي تتحكم بآراء الناس وأقوالهم، حتى أن الإنسان قد يتغاضى عن أخطاء من يحب مهما كانت كبيرة، بل يبررها، بل تتحول هذه الأخطاء إلى محاسن ويجعل محبوبه في أعلى المنازل، ولا يقبل فيه نقداً أو مراجعة، وفي المقابل ترى بعض الناس إذا أبغض أحداً لهوى في نفسه أو تقليداً لغيره، جرده من كل فضائله، ولم ينظر إلى حسناته، أما زلاته فيفخمها وينسى أو يتناسى محاسنه الأخرى مهما كانت بينة، وليس هذا غريباً، وليس غريباً أن توجد العداوات من أهل الأهواء والضلالة، قال ابن الوردي رحمه الله: ليس يخلو المرء من ضد ولو حاول العزلة في رأس الجبل وقال الآخر: لو كنت كالقدح في التقويم معتدلاً لقالت الناس هذا غير معتدل وقال الثالث: إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل لكن المسلم الذي يحاسب نفسه يزن بميزان الشرع ويحكم بالقسط، إن سيئات الفرد لا تمنع ذكر حسناته، إن سيئات المجتمع لا تمنع ذكر حسناته، إن سيئات الدولة لا تمنع ذكر حسناتها، وإن حسنات الفرد أو المجتمع أو الدولة لا تمنع من إصلاح سيئاتها، إذا كان سياقها لمصلحة على وجه النصيحة لا التعيير، وعلى وجه الإرشاد لا الشماتة، ما لم يبلغ الفساد والخلل حد الكفر، فليس بعد الكفر ذنب ولا ينفع مع الكفر حسنة.

العدل والإنصاف في القرآن

العدل والإنصاف في القرآن أيها المسلمون إن المتأمل لكلام الله جل وعلا يجد تمام العدل في الحكم، وكمال الإنصاف في القول، فهؤلاء النصارى على الرغم من ضلالهم المبين في مسألة التوحيد، إلا أن الله سبحانه بين أن منهم من يؤدي الأمانة قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75] وعلى الرغم من الآيات التي جاءت بقتال الكفار، إلا أن الله شرع الكف عمن لم يقاتل، ولم يشرد أو يتسبب في تشريد الآمنين، قال تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:8 - 9].

السرعة في إطلاق الأحكام

السرعة في إطلاق الأحكام أيها الأحبة العجب كل العجب مما نراه اليوم ونسمعه من التسرع في إطلاق الأحكام، من التسرع في الحكم على الأمور قبل بحثها وإدراك أبعادها ومضامينها، وأسوء من هذا خوض الصغار في المعضلات، وخوض الجهلة في المشكلات، خوض الكثير في المعضلات بغير علم، فتجد النازلة المحيرة التي تتزاحم فيها المفاسد والمصالح وتتقابل، وتنوء بها عقول الجهابذة من العلماء، سرعان ما ترى صغيراً أو قليل علم يتحدث فيها برأي أو هوى، وأسوء من هذا أن يعيب الجاهل العالم، أو ينتقد القاصر الوافر بحكمته وتجربته، قاصر قليل التجربة ينتقد عالماً وافراً في حكمته وتجربته، فترى صوراً من التطاول وألواناً من التقدم بين يدي العلماء، ناهيك عن الخوض في أعراضهم، فيا سبحان الله! كيف يتجرأ صغير على كبير، وجاهل على عالم؟! إذا عير الطائي بالبخل مادرٌ وعير قساً بالفهاهة باقل وطاولت السحب السماء سفاهة وفاخرت الأرض الحصى والجنادل وقال السهى للشمس أنت ضئيلة وقال الدجى يا صبح لونك حائل فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل وأسوء من هذا أن تجد الفئام من الطغام، يردون الوحل والسبخات، ويتركون الأنهار العذبة الزلالة من علمائهم الذين لا يشك في ورعهم وصلاحهم وتقواهم، فهل يجد هؤلاء الطغام غناءً عند أولئك الجهلة؟ متى تصل العطاش إلى ارتواء إذا استقت البحار من الركايا ومن يثني الأصاغر عن مراد إذا جلس الأكابر في الزوايا وإنّ ترفع الوضعاء يوماً على الرفعاء من أقسى البلايا إذا استوت الأسافل والأعالي فقد طابت منادمة المنايا

أسباب الجور في القول والتسرع في الحكم

أسباب الجور في القول والتسرع في الحكم لو تأملنا هذه المسألة حق تأملها وهي الجور في القول والتسرع في الحكم بلا علم ولا حلم وحكمة وتجربة لوجدنا لهذا أسباباً

تفلت اللسان والعجلة بالقبول والرد

تفلت اللسان والعجلة بالقبول والرد أولها: تفلت اللسان والعجلة بالقبول والرد، وقد نسي ذلك المتسرع قول الله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] ونسي قول الله: {وَلا تَقْفُ} أي: لا تتبع ولا تتبع {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] وفي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وإسناده صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، كان مع النبي صلى الله عليه وسلم -إلى أن قال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فقلت: بلى يا نبي الله! فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا. فقلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم أو مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم) ولأجل ذا كان حفظ اللسان من ضمان دخول الجنة؛ قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة). عباد الله إن فقدان الورع في القول وإطلاق اللسان والبلية بالعجلة سبب الهلاك ومظنة العطب، والعاقل يدرك أن ما قيل لا يرد ولا يستدرك فيكف وقد قيل؟ وأما ما لم يقله المرء، فهو مخير بين إمساكه وإطلاقه. فكم ندمت على ما كنت قلت به وما ندمت على ما لم أكن أقل يقول الإمام الجهبذ العلامة ابن قيم الجوزية مشيراً إلى فائدة عجيبة قال فيها: من العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر والنظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى يرى الرجل قد يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يزل بها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم لسانه يفري أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي بما يقول! وتزداد الخطورة -أيها الأحبة- ويعظم الذنب إذا كان الكلام والتطاول والقدح والتناول في أعراض العلماء وأعراض الدعاة، فهم سادة الأمة وقادتها ونورها، ولا خير في قوم لا يعرفون لعلمائهم قدرهم، قال ابن عساكر: "لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك منتقصيهم معلومة، ومن وقع فيهم بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب". فأعراض المسلمين حفرة من حفر النار، ومن وضع قدمه في عرض مسلم، أو في أعراض المسلمين فقد وضعها على شفا جرف هار، يخشى أن ينهار به في نار جهنم، وكما قال الشاعر: يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل فعثرته من فيه ترمي برأسه وعثرته في الرجل تبرا على مهل بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

عدم التجرد والسلامة من الهوى

عدم التجرد والسلامة من الهوى الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة. أيها الأحبة إذا تقرر ما سبق علمنا وجوب الإنصاف والعدل في الحكم على الفرد والمجتمع، والحاكم والمحكوم، والقريب والبعيد، وهذا يحتاج إلى شرط مهم، وهو: التجرد والسلامة من الهوى، يقول ربنا جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:135] فالهوى مرض يجعل صاحبه يرى الصحيح سقيماً والعليل سليماً؛ ولهذا حذر الله منه، وأوصى نبيه داود بالحذر منه فقال جل وعلا: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26]. وحينما يبتلى المرء بداء الهوى، والميل والتجافي والمحاباة، فلن يعرف إلا ما يهوى، ولن يحب إلا ما يهوى، ولن يرى إلا ما يهوى، ولن يعتد إلا بمن يهوى، ولن يسمع إلا لمن يهوى، حتى يعميه الهوى ويصمه، وآية ذلك الإعراض عن الحق؛ فترى صاحب الهوى مائلاً إلى قول من اتبعه، معرضاً عن الدليل من كلام الله وكلام رسوله، وصدق الله جل وعلا حيث قال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص:50] وقال سبحانه: {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:150]. والعجب كل العجب أن ترى صاحب الهوى يستدل بأهل الأهواء أمثاله، أو يستدل بمن تابعه على ميله وهواه، فإذا علمت أيها المسلم أن الحق لا يستدل عليه بإقبال الطغام وإدبارهم عنه، وإنما يستدل على الحق بموافقة كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن من المعلوم أن مجرد نفور النافرين أو محبة الموافقين لا تدل على صحة قول ولا فسادة، إلا إذا كان ذلك بهدي من الله، بل الاستدلال بذلك استدلال باتباع الهوى بغير هدى من الله، فإن اتباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل الذي يحبه، ورد القول والفعل الذي يبغضه، بلا هدى من الله. وقال ابن تيمية أيضاً: وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين، أن الذي يرضى له ويغضب له أنه هو السنة وأنه الحق وهو الدين، فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، ولم يكن قصده أن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحمية لنفسه أو طائفته، أو الرياء، أو ليعظم ويثنى عليه، أو فعل ذلك شجاعة وطبعاً، أو لغرض من الدنيا، فذلك لا يكون لله ولم يكن مجاهداً في سبيل الله، فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة، هو كنظيره معه حق وباطل وسنة وبدعة، ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة. وبهذا يتبين أن التجرد في القول والعمل وسلامة المقصد أصل مهم في تقويم الرجال والمجتمعات والهيئات والذوات، حتى لو كان رأي الإنسان صحيحاً لكنه لم يقصد به وجه الله تعالى، ثم النصح للمسلمين، فإن عمله مردود غير مقبول، وهو مأزور غير مأجور، إذا لم يتجاوز عنه ربه قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5] وقال شيخ الإسلام فيما معناه: حتى أن الرد على أهل البدع إذا لم يكن لأجل عبادة الله وإخضاع الناس لطاعة الله، وإنما كان الرد لسلاطة اللسان، أو للانتقام، أو لبيان البراعة وقوة الحجة، فإن هذا لا يكون في موازين قائله، إذ شرط كل عمل أن يقصد به وجه الله جل وعلا. إن الهوى وعدم التجرد لله ورسوله، سبب الفساد في الأرض وباب حبوط العمل، حتى ولو كان ظاهره صواباً لفوات مقصده وهو صلاح النية، بل غاية ما في هذا أن يجعل الحق تابعاً للهوى، وهذا -وايم الله- الشر كل الشر والفساد كل الفساد، قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون:71] فالعلم والعدل أصل كل خير، والظلم والجهل أصل كل شر، والله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وأمره أن يعدل بين الطوائف ولا يتبع هوى أحد منهم، قال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى:15] فعلى المسلم أن يتقي الله ويخشاه، وأن يراقبه وأن يشعر بمعية الله له، وأن يوقن بأن الله عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ثم عليه أن يفتش في قلبه وأن يطهره من جميع آثار الهوى قبل أن يبدأ في وضع الناس ووزنهم بمقاييس الهوى، وقبل أن يبدأ في التعديل والجرح في الذوات والهيئات، لكي يكون متزن الرأي منصفاً بعيداً عن الجور والظلم المذموم شرعاً. وقد قال الإمام الفذ ابن ناصر الدين الدمشقي قال: هيهات هيهات إن في مجال الكلام في الرجال عقبات، مرتقيها على خطر، ومرتقيها هوىً لا منجى له من الإثم والوزر، فلو حاسب نفسه الرامي أخاه ما السبب الذي هاج ذلك، لتحقق أنه الهوى الذي صاحبه هالك، وقديماً كان سلفنا الكرام رضوان الله عليهم يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه.

التقليد والتبعية والمحاكاة

التقليد والتبعية والمحاكاة معاشر المؤمنين ربما كان الجور في الحكم وفوت العدل ووضوح الميل، بسبب التقليد والتبعية والمحاكاة، وهذا مرض أخبث من الذي قبله، إذ فيه تعطيل آلات العلم وتقديم الآراء والأهواء على الحجج الواضحات والبراهين الساطعات، ولا تعجب يوم أن ترى كثيراً من الناس يرى رأياً أو يقول قولاً لأن فلاناً قاله أو رآه، وأعظم من هذا تعصبه له وإصراره، ألا يفكر بعقله وألا يعمل عقله في قول من قلده وحاكاه، وقد يكون لدى المقلد عقل لا بأس به لو أعمله وتدبر به ونظر ببصيرته لتبين له خطأ من اتبعه، وتبين له خلاف ما ذهب إليه ورآه من التقليد، ناهيك عما فيه من تقديم عقول الرجال وآرائهم على العدل الذي شرعه الله ورسوله. وأدهى من هذا وأمر، أن تجد بعض الجائرين في القول والرأي والحكم والنظر إذا دعوته للمناقشة أو للمناظرة، أو إذا دعوته لمناقشة ومناظرة قائده وسيده الذي علمه هذا القول، جبن ورجع القهقرى وعاد خائفاً وقد امتقع لونه، ثم بعد ذلك يقول: أويعقل أن أناقش فلاناً؟! أويعقل أن أتكلم مع فلان؟! وهذا دليل الضلال إذ أن صاحب الحق والدليل لا يتورع عن طلب الحق، فإن كان على ضلالة تبين خطأ نفسه وسلك الحق، وإن كان الذي يقابله على الضلال والخطأ أقام له الحجة وأبان له المحجة، ثم دعاه إلى ترك ما ذهب إليه بهواه وأمره باتباعه. والعجب أيها الأحبة أن من الناس من إذا ناقشته في رأي أو في قول قال لك من يقلد ويتبع: سبحان الله أيشك في فلان؟! أيشك في علان؟! إن المناظر لا يشكك ولا يسيء الظن ولكن يقول: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البقرة:111] {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] ائتوني بأثارة من علم أو كتاب أو حجة أو بينة، ولو رد عليهم المناظر بقوله: وماذا يضير فلان لو حاورته وناظرته، فإن كان على صواب زادني صواباً، وإن كان على ضلال بسطت له من لآلئ الحجة ما يضيء له المحجة، ولكن قل أن ترى شجاعاً ينبذ التقليد والمتابعة. إن الجبن ليس في الخوف من الإقدام في المعارك، بل إن شجعاناً على الإقدام في المعارك تراهم جبناء لا يقدمون على السؤال وعلى البحث والمناظرة وإقامة الحجة، ولكن قل أن ترى شجاعاً ينبذ التقليد والمتابعة، ويسأل ويناقش ويستفسر بصريح الخطاب والعبارة عن الغاية والوسيلة والنهاية، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلاً، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر]. وقال سفيان بن عيينة: [اضطجع ربيعة مقنعاً رأسه وبكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: رياء ظاهر، وشهوة خفية، والناس عند قادتهم كالصبيان في حجور أمهاتهم ما نهوهم عنه انتهوا، وما أمروهم به ائتمروا]. وقال أحمد بن حنبل: [من قلة علم الرجل أن يقلد دينه الرجال -وقال أيضاً- لا تقلد دينك الرجال، فإنهم لن يسلموا من أن يغلطوا] وهذا واضح، إذ أن من أصر على التبعية والتقليد والمتابعة بغير سؤال أو جواب، أو طلب للدليل كالذي يقول: إني أتبع معصوماً لا يزل. ومن استنكف أو انزعج أو بدا قلقاً يوم أن طلب منه الحوار والمناظرة لمن قلده واتبع هواه فكأنه يقول: اتبعه بلا دليل، وإن من الثابت أن صاحب الدليل لا يتورع عن بيان ما استند إليه. هذا هو المنهج الذي سار عليه أئمة الإسلام وعلماؤه الكرام بصفائه ونقائه، والعجيب كل العجب أنه مع وضوح هذه المسألة وتواترها عن علماء الأمة إلا أنك ترى طائفة ليست هينة تعاني من داء التقليد والمتابعة على التخليط في أمور بعضها جلي، وبعضها خفي، وبعضها واضح، وأكثرها غامض، وفي هذا يقول الغزالي رحمه الله: وهذه عادة ضعفاء العقول يعرفون الحق بالرجال ولا يعرفون الرجال بالحق. والعاقل يقتدي بسيد العقلاء، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: [لا تعرف الحق بالرجال بل اعرف الحق تعرف أهله]. أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتجردين لمرضاته، وفي الحديث الذي يروى: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) لهذا الموضوع بقية نبسطها في الجمعة القادمة. أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، وأن يبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم اجمع شملنا وحكامنا ودعاتنا وعلماءنا، ولا تجعل فينا دخيلاً ولا عميلاً ولا فاجراً يريد بنا سوءاً، اللهم من أراد بهذا الجمع فرقة، وأراد بهذه الطمأنينة فزعاً، وأراد بهذا الأمن خوفاً، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، وأرنا فيه عجائب قدرتك يا جبار السماوات والأرض. اللهم سخر لنا ولعلمائنا ووالدينا وحكامنا ودعاتنا ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك، واجعل اللهم ذلك في طاعتك واتباع كتابك وسنة نبيك، وباباً إلى الخضوع والاهتداء بهديك يا رب العالمين. اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم اهزم النصارى، اللهم اهزم الكفار والمشركين والشيوعيين والوثنيين، وأقم علم الإسلام، اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الكفر والزيغ والعناد، اللهم فرج هم المهمومين، اللهم فرج هم المهمومين في السجون، ونفس كرب المكروبين في الزنازين، وفك أسر المأسورين في الحبوس يا حي يا قيوم، اللهم فرج لهم، اللهم فرج لهم، اللهم فرج لهم، اللهم إن أنينهم لا يخفى عليك، وصرخاتهم لا تعزب عن علمك، اللهم فرج لهم ما هم فيه، واجعل العاقبة لهم يا رب العالمين. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان ميتاً فاجمعنا اللهم به في جنتك، وجازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، ربنا لا تدع لنا في هذا المقام الشريف ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا مدمناً للمخدرات إلا عافيته منها وشفيته منها، وبغضتها إلى نفسه يا رب العالمين، لنا ولأحبابنا ولجميع إخواننا المسلمين. اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه.

الجور بالقول [2]

الجور بالقول [2] أقام الله السماوات والأرض على العدل، ومكّن للناس في الأرض، وسيقضي بينهم يوم القيامة بالعدل. ومن آثار ضياع العدل التحيز إلى فرد حتى يعتقد أنه لا يخطئ، كما أنه قد يجحف بحق آخر، وقد وضع الإسلام موازين منضبطة تعطي كلاً حقه، وتؤدي إلى نماء الخير وزوال الشر، وفي هذه المادة تجد فوائد عظيمة في هذا الموضوع.

افتراض العصمة وعدم الخطأ في الفرد والمجتمع

افتراض العصمة وعدم الخطأ في الفرد والمجتمع الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. معاشر المؤمنين تحدثنا في الخطبة قبل الماضية عن العدل والإنصاف في النظر والحكم على الأشخاص والمجتمعات والهيئات والذوات، ومر بنا الحديث عن خطورة العجلة وإطلاق اللسان في الأمور قبل إدراكها وسبر أغوارها، وأن السلامة من الهوى مظنة الحكم بالعدل والحق، وإذا أعمل الرجل عقله ولبه ونبذ تقليد الرجال بغير دليل وبات جريئاً في السؤال لإدراك أبعاد الأمور دون هز الرءوس عند أدنى المسلمات، والاكتفاء بذلك عن التحقيق والتنقيب للوصول إلى حقائق الأمور وجوهرها. والكلام اليوم بعون الله تعالى في تتمة هذا الأمر، فاعلموا يا عباد الله أن من أسباب الجور في الحكم ومن أسباب قلة التوفيق إلى العدل: أن يفترض الناظر العصمة في مجتمعه وأفراده ومن حوله، والهيئات والمؤسسات العاملة فيه، وبمعنى آخر: ألا يتصور حدوث الخطأ والزلل من قبيله وقرينه ومن حوله، متناسياً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) ولو صح أن العصمة موجودة في البشر، وأن من حولك لا يخطئون، وأن من صلح لا يمكن أن يحدث منه الزلل والخطيئة، لو صح ذلك، فما منزلة ومكانة آيات التوبة والمغفرة والأحاديث الواردة في ذلك؟ أليس ورود هذه الآيات دليل صريح على أن في المؤمنين من يعصي ويستغفر، ويزل ويتوب، ويخطئ وينيب؟ أيها الأحبة فأما الزلة والخطيئة فمعفو عنها بالتوبة والاستغفار، ومعفو عنها بالحسنات الماحية للسيئات، قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] وأما الخطأ الصادر عن اجتهاد أراد صاحبه الحق فلم يوفق إليه؛ فذاك معفو عنه، وأما من عرف خطأه وضلاله، لفساد منهجه وخبث طويته وإصراره على ذلك؛ فذاك الذي ينبغي مناصحته وأمره ونهيه بالسبل والوسائل الشرعية المفضية إلى تحصيل المقصود بالمعروف دون حدوث المنكر، أو زيادة في حجم المنكر، وبالجملة فإن قليل السيئات مغفور مع كثير الحسنات، وحسبك ألا معصوم إلا نبي فيما يبلغ عن ربه، وكفى المرء نبلاً أن تعد زلاته، وصدق القائل: إذا أنت لم تصبر مراراً على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه فعش واحداً أو صل أخاك فإنه مقارف ذنب مرة أو مجانبه ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه قال ابن الأثير الجزري رحمه الله: وإنما السيد من عدت سقطاته، وأخذت غلطاته، فهي الدنيا لا يكمل فيها شيء. ويقول ابن القيم رحمه الله: وكيف يعصم من الخطأ من خلق ظلوماً جهولاً؟ لكن من عدت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصاباته. واعلموا أيها الأحبة أن مما يوقع في الجور وسوء الحكم والفهم أن ينظر الواحد بعين لا ترى إلا المساوئ دون المحاسن شر الورى بمساوئ الناس مشتغل مثل الذباب يراعي موقع الخلل إن من لا يرى إلا المساوئ دون المحاسن إن ذلك مما يوقع في الجور وسوء الفهم، وإن مما يوقع في المداهنة والنفاق وفساد التصور، ألا يرى الواحد إلا المحاسن دون المساوئ، وكل هذين خطأ: فلا تكن فيها مفرطاً أو مفرَّطاً كلا طرفي قصد الأمور ذميم فإما أن ترى راضين مُسلِّمين لا يظنون أن في الإمكان خيراً مما كان أو مما يرون أو يسمعون، أو ترى ساخطين لا يرون أن فيما يرون ويسمعون شيئاً من الخير أو الصواب، ولو رأوا خيراً أولوه، ولو رأوا صواباً على شر حملوه، وهم كما قال القائل: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا

أدلة الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات

أدلة الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات والصواب والحق في هذا -أيها الإخوة- أن الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات أمر مطلوب، وإليك النصوص والأدلة الواضحة من القرآن والسنة التي تدل على أن العدل كل العدل في كلام الله ورسوله الذي يقرر هذه الموازنة ويذكر الحسنات والسيئات

العدل مع أهل الكتاب

العدل مع أهل الكتاب قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} وهم اليهود والنصارى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:75] فهؤلاء اليهود الذين تعلمون ما كان منهم، فقالوا: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]. أيها الأحبة هؤلاء الذين تجرءوا على ذات الله إن ذلك كله لم يمنع من العدل الإلهي أن يذكر فيهم طائفة إذا ائتمنوا بقنطار -بجبل من الذهب- أدوه، ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك، فالله جل وعلا يذم اليهود من حيث العموم، ونحن نقرأ في الفاتحة: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] فاليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون، ولكنه في الوقت ذاته يبين ربنا جل وعلا بأن بعضهم يلتزم بأداء الأمانة ولا يخونها؛ ولهذا قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} أي: بغضاء وكراهية قوم {عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] واسمعوا هذه الصحاح التي نقلت عن بني إسرائيل، الذين ذكر من شأنهم ما ذكر من تركهم الأمر والنهي والتلاهي، وذكر ما ذكر فيهم من اللعنة: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [المائدة:78] فهم بالعموم وبالجملة قد ذكروا في معرض الذم والتثريب على سوء فعلهم، ولكن لا يمنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر أن فيهم من إذا اؤتمن أدى الأمانة، ومن إذا اقترض أدى ما عليه، ورد في صحيح البخاري حديث طويل في رجل من بني إسرائيل استقرض من صاحب له ألف دينار إلى أجل مسمى، فلما جاء الأجل، وأراد ذلك الرجل أن يؤدي القرض ويؤدي الدين، التمس مركباً يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركباً، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار، وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها ورمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو يلتمس مراراً مركباً يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظر لعل مركباً قد جاء بماله -أي أن الذي أقرض ذلك الرجل خرج ينتظر غريمه، لعله يأتي بالدين- فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطباً، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه وأتى بالألف دينار فقال: والله ما زلت جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركباً قبل الذي جئت به. قال الآخر: فإن الله قد أدى عنك، بعثت بالخشب، فانصرف بالألف دينار راشداً. وإن كان يوجد في أهل الكتاب من له عقل وصدق وأمانة قد لا توجد في بعض المنتسبين إلى الإسلام كما قال تعالى في الآية التي ذكرناها آنفاً: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:75].

موازنة الشرع بين الحسنات والسيئات

موازنة الشرع بين الحسنات والسيئات والدليل الثاني: قوله الله جل وعلا في شأن الموازنة بين الحسنات والسيئات، وأن ما ترى من شر، لا يمنع أن تذكر الخير فيما ترى، قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219] فالله سبحانه أثبت النفع في الخمر والميسر، ولكنه حرمها لغلبة المفاسد على المحاسن، قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير والشر، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر) فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أثبت الخيرية لبعض القوم على الرغم من وجود الدخن في الخير الذي عندهم، فالعبرة بكثرة المحاسن. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان اسمه عبد الله، وكان يلقب "حماراً" وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله) فهذا الصحابي الجليل رضي الله عنه زلت قدمه وتكرر شرب الخمر منه، ولكن هذا لا يعني فساده بالكلية، بل فيه من الصفات الحميدة الأخرى ما يوجب محبته وموالاته، فيعرف للمحسن إحسانه وللمسيء إساءته إتماماً للعدل والإنصاف. ولا يجوز بحال أن يغلب جانب النظر إلى المعصية دون النظر إلى بقية الحسنات والفضائل، وهذا حد فاصل بين أهل السنة والخوارج، إذ أن أهل السنة يحبون الرجل من وجه ويبغضونه من وجوه، أو يحبونه من وجوه ويبغضونه من وجه، وقد يجتمع في الواحد حب وبغض في آن واحد، قال صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه لما جاءه الشيطان يحثو ويسرق من مال الصدقة وذكره وعلمه آية الكرسي لتحفظه من الشيطان قال: (أما إنه صدقك وهو كذوب) فالنبي صلى الله عليه وسلم أثبت الصدق للشيطان، الذي ديدنه الكذب في تلك الحالة، فلم يمنع ذلك من تقبل الخير الذي دل عليه.

حال السلف مع العدل والأنصاف

حال السلف مع العدل والأنصاف وقد أكد السلف الصالح رضي الله عنهم على أهمية هذا التوازن وضرورة العدل، وسطروا لنا أروع الأمثلة في هذا الباب، فمن أقوالهم الجميلة: قال سعيد بن المسيب: ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، لكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، فمن كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله. وقال محمد بن سيرين: ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوء ما تعلم وتكتم خيره. وقال عبد الله بن الزبير الحميدي: كان أحمد بن حنبل قد أقام عندنا بـ مكة على سفيان بن عيينة، فقال لي ذات يوم: هاهنا رجل من قريش له بيان ومعرفة، فقلت له: فمن هو؟ قال: محمد بن إدريس الشافعي. وكان أحمد قد جالسه بـ العراق، فلم يزل بي حتى اجترني إليه، وكان الشافعي قبالة الميزاب، فجلسنا إليه ودارت مسائل، فلما قمنا؛ قال لي أحمد بن حنبل: كيف رأيت الرجل؟ فجعلت أتتبع ما أخطأ فيه وكان ذلك مني بالقرشية -أي من الحسد- فقال لي أحمد بن حنبل: فأنت لا ترضى أن يكون رجل من قريش يكون له هذه المعرفة وهذا البيان -أو نحو هذا القول-؟ تمر مائة مسألة يخطئ خمساً أو عشراً، اترك ما أخطأ وخذ ما أصاب؟ فإذا ظهر هذا وتبين لكم أيها الأحبة علمنا أن تصيد الأخطاء وتتبع العثرات والبحث عن الهفوات، كل ذلك مع التغافل عن الحسنات، دليل على فساد القصد وسوء الطوية، ورحم الله الشعبي إذ يقول: لو أصبت تسعاً وتسعين وأخطأت واحدة لأخذوا الواحدة وتركوا التسعة والتسعين!

الاعتدال في منهج الحكم على الآخرين

الاعتدال في منهج الحكم على الآخرين أيها الأحبة إن الاعتدال في المنهج يفضي إلى العدل في القول، وإلى العدل في النظر والتصور والحكم، وما يقال في هذا على الأفراد يقال على المجتمع وعلى الحكام وعلى الدولة، فمن نظر إلى أخطاء مجتمعه دون حسناته قاده ذلك إلى الفشل والإحباط والتوتر في نفسه ومشاعره، ومن ثم انعكس ذلك على علاقاته وتعامله مع مجتمعه، وإن الذي يعمل في مجتمعه وفق منهج عدل، حينما ننظر إلى العدل والصواب، والحسنات والسيئات، فإن ذلك يدعو من رأى الصواب إلى العمل والمبادرة والتفاؤل والتنمية، ويحفزه ذلك إلى مزيد من الصواب الذي رأى، مع طمأنينته أن في الأمة خيراً يدعو إلى السعي والإصلاح (ومن قال هلك الناس فهو أهلكُهم أو أهلَكهم). وإن من ينظر بعين الاعتدال، يدعوه اعتداله إذا رأى الخطأ ألا يقنط ولا ييئس من الإصلاح، بل يتوجه لما يرى من الاستجابة ويدأب في العمل للإصلاح إلى جانب ما رآه من الخير والصواب.

عواقب انعدام التوازن في منهج الحكم على الآخرين

عواقب انعدام التوازن في منهج الحكم على الآخرين معاشر إخواننا، معاشر أحبابنا، معاشر الشبيبة المسلمة إن مغبة انعدام التوازن في المنهج الذي به ننظر ونحكم على الأفراد والهيئات والذوات يفضي إلى خطر كبير وشر مستطير، ولقد رأيت من صور هذا الخطر في ظل غيبة التوازن في المنهج أن تنطلق ألسنة الصغار في الكبار، والجهال في العلماء، والعوام في الحكام، الأمر الذي يفضي إلى سقوط هيبة قادات الأمة، ممثلةً في حكامها وعلمائها، ولو دام ذلك واستمر فلا شك في سوء عاقبته، وما يفضي إليه من ضياع مصالح العباد والبلاد في أموالهم وأعراضهم وأمنهم ومصالحهم وهذا يفهمه ويعقله أولو النهى وأرباب الحجى يكفي اللبيب إشارة مرموزة وسواه يدعى بالنداء العالي فيا أحبابنا إن بلادنا بلاد عقيدة وفكرة، وهي وليدة منهج ودعوة، تلكم دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وتبناها وعاضده فيها المؤسس الأول محمد بن سعود رحمه الله، فإذا كانت تلك الدعوة السلفية قد أنتجت دولة وجمعت شمل أمة؛ أفترون تلك الدعوة السلفية عقيمة لا تلد منهج إصلاح للدعوة أو توجيه للأمة؟ أم ترون أننا بحاجة إلى استيراد مناهج الدعوة يميناً ويساراً من البلاد المجاورة؟ ألا لست بهذا وفي هذا المقام أنتقد مناهج الدعوة في البلاد الأخرى، ومع ذلك لا أدعي لها الكمال والعصمة، بل لها وعليها، وفينا ما لنا وما علينا، وفينا على اختلاف مستوياتنا أخطاء وإصابات وسيئات وحسنات، ولكن لا يستطيع أحد أن يلزمنا بالدعوة على طريقة تلك المناهج الدعوية الموجودة في البلاد المجاورة وهذه المسألة مهمة جداً. وإني والله أقول هذا الكلام، وأدين الله جل وعلا به، وما قلته تملقاً ولا تقرباً لأحد، لكني تأملت سيرة ذلك الإمام الجهبذ العلامة، الذي اجتمعت عليه قلوب الأمة شرقاً ومغرباً، وما علمت مبغضاً له إلا هو أقرب إلى الشر من الخير سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، رأيت رجلاً لم تستطع جماعة أن تحتويه، ولم يستطع منهج أن يجعله تحت ظله، ومع ذلك لم تستغن جماعة من الجماعات عن علمه ورأيه وفتواه وفكره، وطول خبرته وبصير علمه. فيا معاشر المؤمنين إذا أدركنا ذلك وجدنا أننا بحاجة إلى التوازن، وبحاجة إلى الهدوء، وقد يفهم البعض أن الكلام عن الحكمة والتوازن أن نطأطئ الرءوس عن المنكرات، وأن نسكت عن الخطيئات لا والله، ليس هذا من الحكمة وليس هذا من التوازن، إن التوازن: أن ترى الخير فتذكره وتشكره، وأن ترى الشر فتنكره، ولكن بالأسلوب الذي لا يفضي إلى منكر أكبر أو يفوت معروفاً موجوداً. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

تنمية الخير وإزالة الشر

تنمية الخير وإزالة الشر الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة إننا نعلم أن من الناس من لا يعجبه مثل هذا القول، ولكن لنعلم جيداً أن الله جل وعلا قد جعل وظيفة الأنبياء ومن ورثهم أن يقودوا الناس إلى الهدى، لا أن يسمعوا الناس ما يشتهون، فتجد من الناس من يقول: نسمع من فلان ما نشتهي، ونسمع من فلان كذا، ونسمع من فلان كذا، وفلان على حظه من الخير إن وفق إلى الخير، وعلى حظه من الأجر إن اجتهد فأخطأ فله أجر، وإن اجتهد فأصاب خيراً فله أجران، وعلى حظه من الإثم إن أراد شيئاً ظاهره أمر وباطنه غيره. أيها الأحبة في الله إن من واجبات العدل في مجتمعنا أن ننظر إلى ما نحن فيه من خير فننميه، وأن نتأمل ما نحن فيه من شر أو خطأ أو نقيصة فنتعاون ونتناصح على إزالته وعلى إصلاحه، وأن يكون هذا دأبنا وديدننا وحرصنا، كما نحرص على أرزاقنا وأنفسنا وأموالنا وذرياتنا، وإني أعجب -أيها الإخوة- من أناس يوم أن يروا حسنة من الحسنات من أناس قد ضل منهجهم أو غاب الوضوح في رأيهم، وجدتهم يطنطنون بها ويذكرونها، وشكراً لهم على ذكر الحسنة في مكانها، ولكن ينبغي ألا تكون الحسنة بمعزل عن ذكر تلك الخطيئة والسيئة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى غيره، فتجد من ينظر بعين فيها هوىً وميل، يحرص أن يئول كل زلة، وأن يستر كل خطيئة، وأن يبعد عن مناقشة كل أمر، فلا تراه يذكر إلا ما يشتهي الناس، أو ما تشتهي الأمة. إن الله جل وعلا قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:105] فالدليل والنص والآية والحديث تجر الناس إلى التصور الصحيح وإلى الفهم السليم، لا أن يسمع الناس ما يشتهون، لا أن يقولوا ما يريدون، وقد حصل لي في أزمة الخليج محاورات كثيرة مع أناس منهم من رفع الصوت، ومنهم من خفضه، ومنهم من اغتاب، ومنهم من ذكر، والله إني أسأل الله أن يغفر لهم، ولكني قلت: لن أقول ما يشتهي الناس، وإنما أقول ما بلغه عقلي بعد اهتداء بهدي من الله وكلام رسول الله، وبعد إدراك لما رآه علماء الأمة، فإن كانت الآية والحديث دلالتها قطعية، فالصغار والكبار لا يجوز لهم أن يحيدوا عنها قيد أنملة، وإن كانت دلالة الدليل ظنية فليس اجتهاد فلان بأولى من علان، وإذا وضعت اجتهادين: اجتهاد من عاصر أمماً عديدة وعاصر دولاً عدة وسبر الأمور، وشابت شيبته في الإسلام، وعرف عنه الهدى والتقى والصلاح والعفاف والبعد عن مصالح الدنيا، أفترون من العقل أن أترك اجتهاده لعلمه وحلمه وورعه وصلاحه لاجتهاد غيره؟ حينئذ إذا اتبعت الحق بما شرح صدرك إليه فلا يضيرك من خالفك، صغيراً كان أم كبيراً، المهم أن يكون قصدك ما يرضي الله جل وعلا، المهم إذا وقفت يوم القيامة بين يدي الله وقيل لك: لماذا قلت كذا وكذا؟ تقول: هذا خير يا رب شرح صدري إليه، أو شرحت صدري إليه على دليل من الكتاب والسنة وفهم علماء الأمة الذين أرشد الله إليهم {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] وقول الله: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ} [النساء:83].

عجبا من مواقف بعض الشباب!!

عجباً من مواقف بعض الشباب!! إني أعجب من شبيبة -أسأل الله لي ولهم الصلاح والهداية- يوم أن تقع نازلة، أو تحل مسألة، فإذا سمعت قول كبار العلماء، وإذا التفت إلى اجتهادهم، أبطول تجربة وعمق بصر وبصيرة، وفهم وإحاطة شاملة للنصوص والأدلة، أخذت قولهم ورأيت رأيهم واتبعت منهجهم، فرأيت من يخالف ومن يلوم من يخالف وهم ينهون عنه وينأون عنه، فإن كان ولابد، فلا أقل من أن تأخذ ما وقفت عليه، ولتعلم أنك متبع للهوى في ذلك، ما معنى أن تعمل بقول ابن باز وقول ابن عثيمين في كثير من المسائل فإذا جاءت مسألة معينة قلت: لا، هذا قول لا أقبله، وهذا قول لا أتبعه. أو قول من قال: إن المشايخ لا يفهمون، إن العلماء لا يدركون ومتى غاب عنهم شيء فتح عليك؟ ومتى جهلوا شيئاً علمته؟ ومتى عضلت عليهم مسألة فهمتها أنت؟ فيا سبحان الله! ومن يثني الأصاغر عن مراد إذا جلس الأكابر في الزوايا وإنّ ترفع الوضعاء يوماً على الرفعاء من أقسى البلايا إن العدل كل العدل في منهج نعيشه أن نرد الأمور صغيرها وكبيرها إلى علمائنا الأجلاء، وكبار علمائنا الصالحين ممثلين في سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ومحمد بن صالح بن عثيمين، ومن وافقهم ونهج نهجهم، والجميع على هدي من النبي صلى الله عليه وسلم، نحسبهم كذلك ونسأل الله لهم ذلك. وأما ما سوى ذلك أيها الأحبة، فدعونا من بنيات الطرق، وإن الحجة واضحة، والمحجة بينة عطاينا سحائب مرسلات ولكن ما وجدنا السائلينا وكل طريقنا نور ونور ولكن ما رأينا السالكينا أيها الإخوة عجبت ذات يوم وكنت حينها في باكستان، أيام الجهاد في بيشاور، فجلست مع شبيبة أخذوا يتكلمون، لا حديث لهم إلا في الحكام وفي الذوات وفي العلماء، فقلت: يا عباد الله ألا تدعوننا ننام هذه الليلة سلمنا من غيبة أعراض وهيئات وذوات. فتطاول البعض منهم إلى حد التكفير، وقال: فلان كافر، وفلان فيه، وفلان كفر. فقلت: يا سبحان الله! إنك يوم القيامة إن لم تتكلم في واحد من هؤلاء لن يسألك الله عنهم، ولن يحاسبك الله لماذا لم تتكلم في فلان وعلان، لكن إن تكلمت في أعراضهم فزللت في ذواتهم وهيئاتهم ستحاسب عن كل صغيرة {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]. المهم أنهم تكلموا وتحدثوا وهاجوا وماجوا، واضطرب الحديث واختلف حتى باتوا في حيص بيص، فقلت لهم -وهم من أجناس مختلفة- قلت: يا إخواننا مثلاً لو قلت لك في مصر، أو سوريا أو في تونس أو في الجزائر لو قلت لك: إن هيئة أنشئت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلت لك: إن قراراً صدر بفصل البنين عن البنات، وقلت لك: إن الدكاكين والحوانيت تغلق وقت الصلاة، وقلت لك: إن القاتل يقتل والسارق تقطع يده، والزاني المحصن يرجم، وقاطع الطريق يقتل، وإن هناك محاكم شرعية، وقلت لك أيضاً: لا تجد باراً مرخصاً أو حانوتاً للزنا مقنناً، وقلت لك وقلت لك من هذه الأمور، أنها عادت إلى بلادك وحكم بها ألا ترى في تصورك أو ظنك أنها خلافة راشدة عادت من جديد؟ قال بعضهم: والله بلى. قلت: إذاً فما بالكم تسلطتم علينا في مجتمعنا، ولا هم لكم إلا بلادنا، أنتم كذا وأنتم أذناب، وأنتم عملاء، وأنتم منافقون، وأنتم مداهنون؛ والمصيبة -أيها الأحبة- أن هذه الشنشنة الأخزمية نسمعها لا أقول في كثير من الأحيان، بل في بعض الأحيان من أناس لم يخبروا حقيقة الأمر، بل في زغرد أيام مؤتمر حقوق الإنسان في البوسنة والهرسك قابلت رجلاً من المشهورين، وأخذت أتحدث معه فقليلاً حتى نزل في مجتمعنا وأصبح لا يتكلم عنا إلا بالسيئات، فقلت له: هل يوجد في بلادكم كذا؟ هل يوجد كذا؟ هل يوجد مثل ذلك؟ فقال: لا. قلت: يا أخي الحبيب إن كان ولابد فانظر إلى مجتمعنا بالحسنات والسيئات، ثم إني أسألك الآن عن البلاد التي سميت الآن بلاداً إسلامية، أو وصل الإسلاميون فيها إلى الحكم سددهم الله وأعانهم وثبتهم، هل هدموا القبور والأضرحة؟ هل منعوا التوسل بالأولياء؟ هل منعت المزارات؟ هل ألغي الشرك الأكبر الذي هو أكبر من الربا الذي تحدثني عنه؟ نعم والله ما مررت ببنك إلا وأنا بدلاً من أقرأ بنك كذا، إلا أقرأ في المقابل لوحة اسمها لعنة الله ورسوله على كذا وكذا؛ لأن الله جل وعلا قال: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] وقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) نعم ننظر إلى مجتمعنا بحسناته وسيئاته، بأخطائه وصوابه، بما فيه من الخير وما فيه من الشر، ولكن أن نعطي العقول غيرنا ثم ننصب من أنفسنا أعداءً لحكامنا، أو أن نرى أننا نخالف كبار العلماء منا، فإذا جاءت المسألة الفلانية قلنا: قال ابن باز وقال ابن عثيمين، وإذا جاءت الأخرى قلنا: لا، قال فلان وعلان؟ {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] أفنسمع لهذا تارة ونترك ذاك تارة، أم جعل العلماء للحيض والنفاس والصوم والصلاة والزكاة، وجعل غيرهم لأمور السياسة والاقتصاد وغيرها؟ إن العلماء هم العلماء، في السياسة والاقتصاد والطهارة والحج والصلاة والزكاة، وإن التفريق الذي نراه من البعض إنما هو شر ونذير شؤم وخطر على الأمة، وإن نهايته أن يفترق الناس إلى مدارات ثلاثة: مدار الحكام، ومدار العلماء، ومدار الدعاة. وهذا خطر عظيم، لا نسمح ولا نرضى ولا يجوز شرعاً أن يوجد، بل لا حلف في الإسلام، ولا يجوز أن يقوم هذا ليكون نواةً لمجموعات أو أحزاب، إذ أن البلاد أمة، والمجتمع أمة، هي أمة واحدة، منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات، فمن أحب هذا ورضيه وسأل عنه وناقش العلماء فيه؛ فإنه على خير، ومن أعرض عنه ولم ير إلا ما يشتهي أو ما ردد؛ فله من ذلك ماله وعليه من ذلك ما عليه. اللهم رب جبرائيل وميكائيل ورب كل شيء ومليكه، فاطر السماوات والأرض، أنت ولينا في الدنيا والآخرة، اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. أسأل الله أن يجمعنا وإياكم في الجنة، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية، وأن يعصمنا من الهوى والنفاق والرياء، ونسأله سبحانه أن يصلح شبابنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا، وأن يجمع شملنا. يا حي يا قيوم اللهم صل على محمد وآله وصحبه. وأقم الصلاة.

الخوف من الله

الخوف من الله الخوف من الله لا يكون من أصحاب الذنوب والخطايا فقط، بل لابد أن يكون حتى من الصالحين، فالملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يخافون من الله عز وجل، وكذلك الأنبياء عليهم السلام، ولقد وردت كثير من الأقوال عن السلف رضوان الله عليهم تبيّن شدة خوفهم من الله عز وجل مع طاعتهم له، فالخوف والرجاء كالجناحين للمؤمن يطير بهما إلى الجنة.

أهمية اجتماع الخوف والرجاء

أهمية اجتماع الخوف والرجاء عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واعلموا أن حسن الظن والرجاء بمغفرة الله ومثوبته، ينبغي أن يكون لعبدٍ أخلص النية وأحسن العمل واجتهد في العبادة، أما العصاة المصرون على الذنوب المستهترون بفعلها، والمقيمون على الفواحش، فأي عملٍ صالحٍ يرجونه ويحسنون الظن به -يا عباد الله- فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. أيها الأحبة في الله! إن كثيراً من أبنائنا، وكثيراً من شبابنا، وبعض المسلمين هداهم الله، ليتساهلون بالذنوب والمعاصي إلى حد الإصرار المقيم، والعمل المديم على المعاصي والفواحش والسيئات، دون تفكيرٍ أن يتوبوا أو أن يقلعوا أو أن ينيبوا إلى الله منها، فأولئك لو حادثت بعضهم وهو مصرٌ مقيمٌ على معصية الله، قال: إني أحسن الظن بالله، والله لو أحسن الظن لأحسن العمل. إن المقيم على الذنب والمصر على المعصية، لفي أشد الحاجة إلى ما يخوفه ويزجره عن التمادي، ويردعه عن الوقوع في الغفلة والشهوات المحرمة، فمن كملت معرفته لربه وظهر خوفه من الله، وفاض أثر ذلك على قلبه، ثم انعكس على جوارحه بكفها عن المعاصي وإلزامها بالطاعات، تكفيراً لما سلف، واستعداداً لما سيأتي، وقال صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزلة) ولكن اعلموا -يا عباد الله- أن البكاء وحده ليس دليلاً على الخوف من الله، لكن حقيقة الخوف ترك العبد ما حرم ربه مع قدرته عليه، وإذا بلغ الخوف بالمؤمن هذه الدرجة انقمعت شهوته، وتكدرت لذته، فتصير المعصية المحبوبة إلى النفس مكروهةً يبغضها القلب، وتكف عنها الجوارح، وكلما تمكن الخوف من الله في قلب المؤمن زادت مراقبة العبد ومحاسبته لنفسه. عباد الله! إن كثيراً من المسلمين لا يخافون من الله حق خوفه، ولا يخشونه حق خشيته، أيغرهم إمهاله لهم، أم يظنون أن الله غافلٌ عما يعملون سبحانه جل شأنه؟ وبعضهم إذا وقع في معصية ولم تصبه عقوبتها، ولم ير أثرها في الحال، يظن أن المعصية بعد ذلك لا تضره، وهو بفعله هذا على حد قول القائل: إذا لم يغبر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غبار وقد نسي ذلك المسكين أن بعض الذنوب ولا حول ولا قوة إلا بالله لا يرى العبد أثرها وشؤمها إلا بعد عشر سنين، أو عشرين سنة، أو أربعين سنة، ترى بعضاً منهم لا يخشى ولا يخاف العاقبة السيئة وما اقترف من الخطيئة، والبعض يتقلب في لهوه وغفلته كأنما ضمنت له الجنة وقدمت بين يديه الرحمة والمغفرة، فأين هو من جيل الصحابة والسلف الصالحين؟ أين هو من جيل الصحابة الراشدين والسلف الصالحين الذين بلغوا أعلى مراتب الخوف والخشية من ربهم، وما ذاك إلا لكمال معرفتهم بخالقهم.

شدة خوف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

شدة خوف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه معاشر المؤمنين! تأملوا كتاب الله، تعلمون كيف كان الملائكة المقربون الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، كيف كانوا يخافون من الله، كيف كانوا يخافون من خالقهم، يقول الله جل وعلا في وصفهم: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل:50] أما نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الذي غُُُُُُُُُُُُُُُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، تقول عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط مستجمعاً ضاحكاً حتى أرى لهواته، إنما كان يتبسم وكان إذا رأى غيماً وريحاً عُرف ذلك في وجهه، فقلت: يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عُرفت الكراهة في وجهك، فقال: يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قومٌ بالريح، وقد رأى قومٌ العذاب فقالوا: هذا عارضٌ ممطرنا) أخرجاه في الصحيحين. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (أما والله لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولخرجتم إلى الصعدات تندبون أنفسكم وتجأرون إلى الله) أما الصحابة رضوان الله عليهم وفيهم من شهد له الرسول بالجنة، وهو بالجملة من أثنى الله عليهم في كتابه، فخوفهم من جلال ربهم، لقد كان أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه يقول: [يا ليتني كنت شجرةً تعضد ثم تؤكل] وكان رضي الله عنه يقول: [وددت أن أقدم على الله يوم القيامة لا لي ولا عليَّ] وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم: [هل عدني رسول الله من المنافقين؟] وكان عمر رضي الله عنه يسمع الآية فيمرض فيعاد أياماً، وقرأ ذاتٍ يومٍ في صلاة الفجر: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:8] فبكى ونشج نشيجاً عجيباً، فعاده الصحابة أياماً في بيته من شدة ما أصابه من خشية الله وخوفه، وكان عمر رضي الله عنه في وجهه خطان أسودان من البكاء. وقال أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه: [وددت أن كنت كبشاً فذبحني أهلي فأكلوا لحمي وحشوا مرقي] وقال عمران بن حصين: [يا ليتني كنت رماداً تذروه الرياح] ويقول علي بن أبي طالب: [والله لقد رأيت أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم فما أرى اليوم شيئاً يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعزة، قد باتوا لله سجداً وقياماً، يتلون كتاب الله، يراوحون بين جباههم وأقدامهم، إذا طال القيام سجدوا، وإذا طال السجود قاموا، فإذا أصبحوا ذكروا الله عز وجل، مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين]. أما التابعون لهم بإحسان والسلف الصالح فلهم من خشية الله وخوف عقابه ما تهتز لذكره القلوب، وتهتز له الأفئدة.

الخوف عند السلف والخلف

الخوف عند السلف والخلف كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير ويبكي حتى تجري دموعه على لحيته، وبكى ليلةً فأبكى أهل الدار معه، فلما تفلت العبرة عنهم، قالت زوجه فاطمة: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين! مم بكيت؟ فقال عمر: بكيت من صرف القوم من بين يدي الله تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] ثم صرخ فغشي عليه، والحسن البصري رضي الله عنه بكى بكاءً شديداً وسألوه، فتلا عليهم قول الله جل وعلا: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} [الجاثية:3] وتلا أيضاً: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. فهذا خوف الملائكة، وذلك خوف الأنبياء، وهذا خوف الصحابة والتابعين، ومنهم المعصوم ومنهم من شُهد له بالجنة، فنحن أجدر وأولى بالخوف منهم، فاخشوا الله حق خشيته، وتذكروا سطوته وأليم عقابه، واصحبوا -يا عباد الله- من يخوفونكم حتى تأمنوا، ولا تصحبوا من يؤمنونكم حتى تخافوا. معاشر المسلمين! إن منزلة الخوف من الله جل وعلا قد تقهقرت في النفوس وتراجعت في الأفئدة إلى حدٍ عجيب عجيب جداً، ترى كثيراً من الناس يدفنون موتاهم بأيديهم، ثم يخرجون من أبواب المقابر ضاحكين، وترى كثيراً من الناس يرون ما أحل بالخلائق حولهم، وتراهم في أكلهم وشربهم لاهين غافلين، أفأمنوا مكر الله؟ أفأمنوا عقوبة الله؟ أفأمنوا سخط الله؟ إن أمةً من الأمم التي سلفت قد عُذبت بذنبٍ واحد من الذنوب، فكيف بهذه الأمة التي فيها أناس قد استجمعوا ذنوباً عظيمة، استجمعوا أكل الربا والسكوت على المنكرات، وبيع آلات اللهو والطرب، والتجارة بإفساد العقول والأفئدة، والسكوت عن كلمة الحق، وأمورٌ كثيرة، نسأل الله جل وعلا ألا يعذبنا بذنوبنا وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

حقيقة الخوف والرجاء

حقيقة الخوف والرجاء الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن الند وعن المثيل وعن النظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله. أيها الأحبة! اعلموا أن المؤمن كما أن خوفه من الله عظيم فله رجاءٌ في الله كبير، فالرجاء والخوف جناحان يطير بهما عباد الله إلى منازل الخلود والنعيم والآخرة، والرجاء هو: اطمئنان وراحة في انتظار ما يحبه العبد ويشتاق إليه مع قيام العبد بتحليل أسبابه، والمانع أن المؤمن يرجو النعيم في قبره، والأمن في محشره، والجنة دار المقيم له برحمة ربه مع بذله أسباب الفوز والفلاح وفعل ما يرضي الله وتجنب ما يسخطه؛ لأن الرجاء مرتبطٌ بالعمل، أما الرجاء الذي لا يصحبه عملٌ صالح، ولا يقترن به عبادة مخلصة، فهو تمنٍ مجرد، وما ظنكم -معاشر المؤمنين- برجلٍ يقول: أرجو أن يوهب لي ولدٌ صالح ولم يتزوج؟ أو يقول: أرجو أن تنبت هذه الأرض عنباً ورماناً وهو لم يحرث ولم يبذرها ولم يبذل أي سببٍ في إصلاحها؟ فلا شك أنكم تقولون: هذا مجنون لا عقل له. إذاً: فما تقولون في رجالٍ لا يشهدون الصلاة مع الجماعة غافلين عن ذكر ربهم وعبادة خالقهم في ملهاة بالغناء والطرب والمعاصي واللهو منشغلين بذلك عن كل خيرٍ ومعروف مجترئين بذلك على حدود الله ومحرماته، ولو كلمه أحدكم وقال: أي عملٍ قدمت بين يديك؟ لرد عليه قائلاً: إني أرجو الجنة وأرجو رحمة ربي، وهو مصرٌ على المعصية، مقيمٌ على الفاحشة، فهل يسمى قوله هذا رجاء؟ لا والله، بل هذا هو التمني رأس عنوان المثل الذي يصدر من العاجزين، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، ورحم الله القائل: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس وعلى ذلك فالرجاء الصادق ينطبق على انتظار الجزاء والثواب بعد تمهيد أسبابه المرتبطة بفعل الطاعة وتجنب المعصية، وبعد ذلك ينتظر العبد التوفيق والهداية والقبول من الله سبحانه وتعالى، لقد ذم الله جل شأنه أقواماً هذا شأنهم أقواماً يرجون بلا عمل، فقال سبحانه وتعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف:169] وقال سبحانه: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} [الكهف:35 - 36] وتأملوا قول الله جل شأنه في وصف عباده الراجين رحمته بصدق: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:218] فجعل الرجاء بعد الإيمان، وبعد الهجرة والجهاد، واعلموا -يا عباد الله- أن الرجاء محمودٌ ومطلوبٌ من العبد؛ لأنه دائبٌ على العمل، ومعينٌ على تحسينه بخلاف اليأس الذي هو مذموم وصارفٌ عن العمل.

سعة رحمة الله مدعاة للرجاء

سعة رحمة الله مدعاة للرجاء عباد الله! ينبغي لكل مسلمٍ أن يحسن العمل والرجاء والظن، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي) وفي رواية: (فليظن بي ما شاء) وروى مسلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) واعلموا -يا عباد الله- أن العبد المذنب إذا تاب وأقلع عن الذنوب والمعاصي، فإنه يكون بأمس الحاجة إلى رجاء رحمة ربه وعفوه وغفرانه، إذ أن بعض العصاة والمذنبين يردهم اليأس والقنوط عن التوبة والإنابة، ولاشك أن هذا من كيد الشيطان ووسوسته حينما يأتي الشيطان يلعب به، فيقول له: أذنبت، وعصيت وفعلت ما حرم الله عليك، فأنى لك بالتوبة؟ وكيف تدرك التوبة وقد فعلت ما فعلت؟ ولا يزال الشيطان بالعبد يجعله يائساً من رحمة الله، ويقنطه من مغفرة ربه، حتى يصل به إلى اليأس والقنوط، بل إن بعضهم قد يصل به الأمر مع الشيطان أن يقول له: اكفر بالله، ثم أسلم؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، ويمحو ما قبله، ومن يضمن للعبد المسكين أن يعيش بعد كفره إلى أن يجدد إسلامه، وأنى للعبد في هذه المرحلة وفي هذه المعركة الرهيبة مع الشيطان إلا أن يجدد رجاءه وعزمه بالله. وعلى ذلك فالواجب على كل مسلمٍ مهما كثرت ذنوبه وكثرت معاصيه أن يتوب إلى الله توبةً صادقةً نصوحاً، ثم يكثر من الحسنات الماحيات للسيئات، ثم يحسن رجاءه لربه، ويحسن ظنه بخالقه، وليتذكر قول الله جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] وقول الله أيضاً: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد:6] وقول الله جل وعلا: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة:102] وقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] وقول الله أيضاً: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70] وقول الله جل وعلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على سعة رحمة الله ومغفرته لعباده التائبين الأوابين المقلعين عن الذنوب، النادمين على ما سلف، الكارهين أن يعودوا إلى المعصية كما يكره المرء أن يقذف في النار. وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، قال صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يُدخِل أحداً الجنة عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم! قم فابعث بعث النار، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار إلا واحد، فحينئذٍ يشيب المولود: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2] فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، وقالوا: يا رسول الله! وأينا ذلك الواحد؟ -من يكون ذلك الواحد بين الألف- فقال صلى الله عليه وسلم: من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد، فقال الناس: الله أكبر! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة! والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة! والله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة؛ فكبر الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنتم يومئذٍ في النار إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض) وقال ابن مسعود رضي الله عنه: [ليغفر الله عز وجل يوم القيامة مغفرةً لم تخطر على قلب بشر]. وفي السيرة في قصة سبي هوازن أن امرأة جاءت تسعى بين السبي، فوجدت وليداً لها فأخذته فضمته إلى صدرها ثم ألقمته ثديها، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر والصحابة ينظرون، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتظنون أن هذه تلقي بولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لله أرحم بعبده من هذه بولدها) وفي الحديث: (أن الله جل وعلا خلق مائة رحمة، أنزل رحمةً واحدة في الأرض فبها يتراحم الناس والوحش والسباع والطير والبهائم، وادخر تسعة وتسعين رحمةً لعباده يوم القيام). فأقبلوا على الله يا عباد الله! وأبشروا بمغفرة الله إن صدقتم العدل والعهد والوعد مع الله، أقبلوا إلى الله وجددوا التوبة، واستغفروا الله كثيراً، أنيبوا إلى ربكم قبل أن يأتي يومٌ لا مرد له، بادروا إلى أوبة قبل أن تبلغ الروح الحلقوم، عودوا إلى الله يا شباب الإسلام! يا شباباً سلف منه ما سلف، يا شباباً مضى منه ما مضى، يا شباباً فعل في سفره ما فعل، يا شباباً اجترح في خلوته ما اجترح، أبشر بقول الله في آياته: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:38] فأنيبوا إلى الله، ربكم رحيم غني كريم، وهو غني عنكم يتودد إليكم، يقول: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] إن رحمة الله لا يستعصي عليها ذنب، ولا تعجزها معصية، فأين العبد التائب؟ وأين العبد الأواب؟ أين العبد البكاء على خطيئته؟ أين العبد الأواه المنيب؟ عودوا إلى الله يا شباب الإسلام! إن طريق الإسلام كله سعادة، وكله لذة وراحة وطمأنينة، إن الاستقامة والالتزام، والارتباط بالصالحين، وحسن العلاقة بالطيبين الصالحين لمن أسهل الأمور وأهونها، ومن أعظم الأسباب الميسرة للحياة السعيدة، خلافاً للفواحش وحياة الآثام وحياة الكبائر كلها، قلقٌ ونكد وحسرة. إن أحلى عيشةٍ قضَّيتها ذهبت لذاتها والإثم حل

الحث على التوبة والرجوع إلى الله

الحث على التوبة والرجوع إلى الله فيا شباب الإسلام، ويا أمة الإسلام! عودوا إلى الله الذي هو غنيٌ عنكم ويتودد إليكم، ويتقرب إليكم، يقول الله جل وعلا: (إذا تقرب إلي عبدي ذراعاً؛ تقربت إليه باعاً، وإن جاءني العبد يمشي؛ أتيته هرولة، وإن لقيني بقراب الأرض خطايا ثم لقيني لا يشرك بي شيئاً؛ لقيته بقرابها مغفرة) ذلك فيما سلف والله يعفو عنه، ذلك فيما مضى والله يتجاوز عنه. فعاهدوا الله من هذا المكان، في هذه الساعة، وفي هذه اللحظة، عاهدوا الله جل وعلا، عاهدوا الله على ترك الذنوب والإقلاع وترك الإصرار على المعصية، فإن الله غفور رحيم، وهنيئاً لعبدٍ تاب إلى الله، في الحديث: (أن الله جل وعلا يجزي عبداً من عباده يوم القيامة والخلائق في الحشر واقفون، والناس ينظرون فيدليه الله جل وعلا ثم يكشف له سجله يقول الله: عبدي أتذكر ذنب كذا في يوم كذا، في مكان كذا؟ فيقول: إي يا ربِّ والله أذكر، فيقول: أيا عبدي! أتذكر كذا، في يوم كذا، في مكان كذا؟ فيقول: إي والله أذكر، فيقول الله جل وعلا: يا عبدي! -تغمده الله برحمته، وأدركته التوبة- فيقول: يا عبدي إني غفرتها، وجعلتها حسنات، فيقول العبد: يا ربِّ إن لي ذنوباً ما رأيتها، أين هي؟ طمع العبد أن يراها حتى تجعل مع حسناته، وحتى تقلب من سيئاتٍ إلى حسنات، عند ذلك يبتسم الجبار جل وعلا، وعند ذلك ضحك النبي صلى الله عليه وسلم) أو كما جاء في الحديث. فيا عباد الله! توبوا إلى الله، الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) فالجنة قريبة إليكم يا عباد الله! والجنة سهلة ميسرة. يا سلعة الرحمن لستِ رخيصةً بل أنتِ غاليةٌ على الكسلان يا سلعة الرحمن كيف تصبر الخطاب عنكِ وهم ذوو إيمان يا سلعة الرحمن سوقكِ كاسدٌ فلقد عرضتِ بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن سوقكِ كاسدٌ بين الأرامل ثكلة الحيوان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان فكونوا من خطابها عند الله، كونوا من أهل الشراء للجنة، كونوا ممن ينالون سلعة الله (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) وثمنها التوبة والإنابة، والإقلاع والاستغفار، وكثرة المداومة على الصالحات، والبعد عن السيئات، بعد فعل الواجبات وترك المحرمات. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {رَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} [الكهف:58]. أسأل الله العلي العظيم أن يمن علي وعليكم بالتوبة الصادقة النصوح، اللهم اهد شبابنا، اللهم اهد شبابنا، اللهم اهد شبابنا، وردهم إلى الحق رداً جميلاً، اللهم أصلح أفئدتهم واهد قلوبهم، واحفظ جوارحهم. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الملحدين، اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم احفظ إمام المسلمين، وارفع اللهم إمام المسلمين، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين، اللهم لا تفرح علينا ولا عليهم عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً. اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم اقمع أعداء دينك أعداء الدين، اللهم ثبتنا على ما يرضيك إلى أن نلقاك، اللهم جنبنا أسباب سخطك، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

الركون إلى الدنيا

الركون إلى الدنيا الدنيا مزرعة الآخرة، ولقد أمرنا الله ألا نركن إلى هذه الدنيا، فإنما هي متاع، والآخرة هي دار البقاء والقرار، كما حثنا على التزود من الطاعات والأعمال الصالحة، وتحيُّن أوقات مضاعفة الثواب والأجر، وقد بيّن لنا أن من هذه الأوقات شهر رمضان، بما فيه من صيام وقيام وذكر وتلاوة للقرآن، عن هذه الغنائم كان محور خطبة الشيخ وكلامه.

حالة العبد في الحياة الدنيا

حالة العبد في الحياة الدنيا إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى أزواجه وصحبه، ومن اتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] ويقول جل من قائلٍ عليماً: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]. عباد الله: اعلموا رحمكم الله أن الشهور والأعوام والليالي والأيام كلها مواقيت الأعمال ومقادير الآجال، تمضي سريعاً وتنقضي جميعاً، والذي أوجدها وخص مواسمها بالفضائل، واحدٌ أحدٌ فردٌ صمد، هو الله سبحانه وتعالى الذي أوجب في كل يومٍ من الأيام وظيفةً من وظائف طاعاته، ولطيفةً من لطائف رحمته ونفحاته، ويوفق لاغتنامها كل كيسٍ فطن، ويغفل عنها كل محرومٍ شقي. أيها الأحباب في الله: إن كل شهرٍ يستهله الإنسان يدنيه من أجله، ويقربه إلى آخرته، وخيركم من طال عمره وحسن عمله، وشرار الناس من طال عمره وساء عمله، فما بين العبد والانتقال إلى دار المثوبة على الإحسان أو العقوبة على العصيان إلا أن يقال فلانٌ مات وانتقل، وولى ورحل، وهل هذه الدنيا إلا طريق العبور بعد الابتلاء والامتحان إلى دار القرار بعد الممات: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:39 - 40]. فتأملوا واعتبروا كيف سمى الله هذه الدنيا متاعاً، وهو ما يتمتع به صاحبه برهة ثم ينقطع عنه، أو ما يتزود به المسافر حال ضعنه إلى أن يصل دار إقامته واستقراره، فهل ترضون يا عباد الله! بالقليل من الدنيا نصيباً لكم في الآخرة؟ {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38] وما هو متاع الدنيا؟ إنه صفوٌ بعده الكدر، واجتماع بعده الفراق، ولذةٌ سرعان ما تزول، تقلبٌ بين الفقر والغنى، بين العز والذل، بين الصحة والمرض، وختام ذلك كله دار الضيق التي لا أنيس فيها ولا صديق، إنها القبور، أعاذنا الله وإياكم من وحشتها، وجعلها علينا وعليكم روضةً من رياض الجنان، وباباً إلى رحمة الكريم المنان.

حال أهل الدنيا في الآخرة

حال أهل الدنيا في الآخرة عباد الله: انظروا إلى حال من جمعوا في هذه الدنيا بين لذيذ المآكل والمشارب، وأرقى المساكن والمراكب، وغفلوا عن حظهم في الآخرة، أترون ما هم فيه يعدل ذرةً من نعيم الآخرة، إن أردتم حقيقة ذلك، وحقيقة ما هم فيه، فاسمعوا وأنصتوا إلى حالهم ومآلهم: حيث يؤتى يوم القيامة بأطول الناس أعماراً في الدنيا من المترفين التاركين للطاعات المرتكبين للمنكرات، فيصبغ أحدهم في النار صبغة، ثم يقال له: هل رأيت في الدنيا خيراً قط، هل مر بك نعيمٌ قط؟ فيقول: لا يا رب! ما مر بي نعيمٌ ولا رأيت خيراً قط، فينسى نعيم الدنيا عند أول مسٍ من العذاب، يقال له: كم لبثت في الدنيا؟ يقول: لبثت يوماً أو بعض يوم، يقال له: بئس ما اتجرت في يومٍ أو بعض يوم. هؤلاء الذين صرفوا عقولهم وأعمالهم للعمل في دنياهم، واتباع شهوات البطون والفروج، وتركوا فرائض ربهم، ونسوا أمر الآخرة، ولم يزل ذلك دأبهم حتى خرجوا من الدنيا مذمومين مدحورين، مفلسين من الحسنات والأعمال الصالحات، قد تكالبت عليهم سكرات الموت وحسرات الفوز، وهول المطلع، وملائكة العذاب، فيندم أحدهم على تفريطه حين لا ينفع الندم: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:24 - 26] خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.

الإقبال على الموت والتزود للآخرة

الإقبال على الموت والتزود للآخرة معاشر المؤمنين! ما قيمة العمر، وما لذة الحياة إن لم تنل النفوس نصيبها وافراً من طاعة الله، والصلة به، والانكسار بين يديه، والبكاء من خشيته، واللجوء إلى جنابه، ومجالسة أوليائه وأحبابه، فإن خلت الحياة من هذا فلا مرحباً بطول العمر، ويا حبذا الموت قبل الغفلة والوقوع في المعاصي. لما حضرت معاذ بن جبل الوفاة وكان صائماً قال لجاريته: انظري هل غربت الشمس؟ فلما أخبرته أنها قد غربت تناول شيئاً يسيراً أفطر عليه، ثم قال: [مرحباً بالموت، مرحباً بحبيب جاء على فاقة] لا أفلح والله من ندم على الدنيا. يقول معاذ بن جبل: [اللهم إنك تعلم أني لم أحب البقاء في الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار، وإنما أحببت البقاء فيها لقيام الليل وصيام النهار، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر، آهٍ إلى ذلك] ثم مضى وفاضت روحه رضي الله عنه. عباد الله: إن هذا الموت الذي نخافه، ونفزع منه، ليس هو الفناء الأبدي، ولكنه الانتقال من النعيم الشقاء العاجل الزائل إلى دار الخلود في النعيم أو العذاب المقيم، فما خلقت يا عبد الله! إلا لعبادة ربك، وما سخر لك ما فيها إلا لنفس الغاية التي من أجلها وجدت: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ولا تنسى قول رب العالمين: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فالدنيا دار الابتلاء والامتحان، دار الزراعة والبذر، حفت بالنكد والأكدار، والشرور والأضرار، حلالها حساب، وحرامها عقاب، فلا عيش والله إلا عيش الآخرة، يوم يقول المؤمنون في جنة ربهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر:34 - 35]. اللهم اجعلنا ممن يقولها في دار النعيم، اللهم اجعلنا ممن يقولها في دار الخلود، برحمتك يا أرحم الراحمين. فما دارنا هذه بدار إقامةٍ ولكنها دار ابتلا وتزود أمَا جاءنا من ربنا وتزودوا فما عذر من وافاه غير مزود ينادي لسان الحال جدوا لترحلوا عن المنزل الغث الكثير التنكد أتاك نذير الشيب بالسقم مخبراً بأنك تتلو القوم في اليوم أو غد عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعظ رجلاً ويقول: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبلك هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، فما بعد الدنيا من مستعتب، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار). بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

حال الناس مع رمضان

حال الناس مع رمضان الحمد لله الواحد بلا شريك، والعزيز بلا نصير، والقوي العليم بلا ظهير، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، هو الأول ليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الند، وعن الشبيه، وعن المثيل، وعن النظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار. عباد الله! بعد أيامٍ قليلة نستقبل شهراً كريماً، وموسماً رابحاً، طوبى لمن شمر واستعد، طوبى لمن اجتهد وجد، فإنه موسمٌ عظيم، يا حسرة المغبون والمحروم من خيره، ويا مصيبة الغافل من اغتنام فرصه، وهنيئاً للمجدين المشمرين المستعدين للعبادة فيه. عباد الله: أقبل هذا الشهر الكريم والناس تجاهه على ثلاثة أصناف؛ طائفة من الناس يسألون الله بلوغه وتمامه، يسألون الله الإعانة على صيامه وقيامه، والقبول في كل عملٍ فيه، يسألون الله المضاعفة والمغفرة والرحمة، وأن يمضي الشهر عليهم بأوفر نصيب وأطيب حظ، وأولئك الذين تمنوا هذا الشهر واستعدوا له، منهم من حرص على جمع شرف المكان والزمان، فرغب أن يصومه في مكة المكرمة، ليجمع بذلك بين شرف الزمان في رمضان، وشرف المكان في مكة، وشرف الصلاة في المسجد الحرام، الصلاة الواحدة فيه بمائة ألف صلاة، فهنيئاً لأولئك، نسأل الله جل وعلا أن يجعل نياتنا وإياهم خالصةً لوجهه. وطائفة من الناس استعدوا لهذا الشهر بالمأكل والمشرب، وطول النوم والكسل، والتهاون عن الصلاة في النهار بحجة أنهم صائمون، ولا نصيب لأولئك أن غفلوا عن الصلاة وهم صيام، بل الذي ينبغي لهم أن يحتسبوا وأن يدركوا أنه موسمٌ عظيم، ما هو بموسم أكلٍ ولا شرب، وإنما هو موسم صومٍ وإمساك حسيٍ ومعنوي، إنما هو موسم صلاح وعبادةٍ وتوبةٍ صادقة، إمساكٌ عن المحرمات، وعن الغيبة والنميمة، وعن الملهيات، والمصائب والمشغلات، إمساكٌ عن كل ما يغضب الله، والتفاتٌ إلى العبادة والطاعة. وطائفة ثالثة من الناس يعدون الأهبة للهروب من هذا الشهر على شواطئ البلاد الأوروبية بعيداً عن فريضة الصيام، وبعيداً عن هذه الفريضة المباركة، فيا حسرتهم ويا ويلهم، ولا تقولوا: هذه مبالغة، بل إن من الناس من يفر إلى ذلك هرباً من الصوم، لما قيل لأحدهم عياذاً بالله من حاله: قد أقبل شهر رمضان، قال: لأشتتن شمله في الأسفار، أي: يسافر من هنا إلى هنا، ليترخص بذلك في الفطر، وليتهاون بذلك في العبادة، فهذا على خطرٍ عظيم إن مات على ذلك، نسأل الله جل وعلا أن يبلغنا وإياكم هذا الشهر على أحسن حال من الصحة والعافية، والتوبة الصادقة النصوح.

رمضان موسم العبادة والتزود بالأعمال الصالحة

رمضان موسم العبادة والتزود بالأعمال الصالحة معاشر المؤمنين: استعدوا لهذا الشهر، واجتهدوا واعزموا على العمل الصالح فيه، فإنه موسمٌ من مواسم الجنة، موسمٌ من مواسم التجارة الرابحة، يقول ابن قيم الجوزية: يا سلعة الرحمن -يريد الجنة- يا سلعة الرحمن سوقكِ كاسدٌ فلقد عرضتِ بأيسر الأثمان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان يا سلعة الرحمن كيف تصبّر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان ولا عجب يا عباد الله! أن يغفل الغافلون وهم يجهلون سلعة الرحمن، وهم يجهلون عذاب الله، ما داموا يجهلون الوعد والوعيد، والعقوبة والنعيم، ما داموا في غفلةٍ وجهلٍ عن ذلك، فلا غرابة أن تكون السلعة بين أيديهم ثمينة، ولا يشترونها بأيسر الأثمان، إلى أن قال رحمه الله: شمسٌ لعنينٍ تزف إليه ماذا حيلة العنين في الغشيان خوذٌ تزف إلى ضريرٍ مقعدٍ يا محنة الحسناء بالعميان الذين لا يعرفون الجد والتشمير في هذه الدنيا، وأنها موسم العبادة والزرع، وأن التحصيل غداً، هم الذين يغفلون ويجهلون عن ذلك، فاجتهدوا وأعدوا واستعدوا لهذا الموسم المبارك؛ من الأعمال الصالحة، والتوبة الصادقة النصوح، والبذل في جميع وجوه البر والخير، بالنفقة والصدقة على المساكين والأقارب، والعناية ببيوت الله جل وعلا، والالتفات إلى مصالح المسلمين فيها، فإن من قدم خيراً يكون منفعته لجمعٍ من المسلمين، فإن أجره يعظم ومثوبته تزداد بقدر ما زاد، وبقدر ما بذل في هذا الأمر الذي نفعه ومصلحته عائدةٌ إلى جمعٍ كبير من المسلمين، ألا وإن من ذلك العناية بالمساجد، والالتفات إليها، وفعل كل ما يصلح شأنها، وفعل كل ما يريح المصلين فيها ويجعلهم يأنسون ويرغبون ويطمئنون للجلوس فيها، متقلبين بين ذكر الله، وتلاوة القرآن، والعكوف فيه، فهذا من أعظم الأعمال. نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من المحسنين، وأن يجعلنا وإياكم من التائبين التوبة الصادقة النصوح. اللهم تقبل منا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم ما سألناك فأعطنا، وما لم نسألك فابتدأنا. اللهم يا مفرج هم المكروبين! يا نصير المستضعفين! يا إله الأولين والآخرين! نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، أن تجعلنا من التائبين الذين تتوب عليهم بقدوم هذا الشهر المبارك برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره، بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل لنا من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشةٍ أمناً، ومن كل فتنةٍ عصمة، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم انصرهم بالإسلام، وانصر الإسلام بهم، اللهم ارفعهم بكتابك وسنة نبيك، اللهم ما علمت في أحدٍ خيراً لهم فقربه منهم، وما علمت في أحدٍ شراً لهم فأبعده عنهم، وأرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم من أراد بهم سوءاً وأراد بعلمائنا فتنة، وأراد بشبابنا ضلالاً، وأراد بنسائنا تبرجاً وسفوراً، اللهم فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، وأدر عليه دائرة السوء، اللهم أذهب سمعه وعقله وبصره، اللهم من أراد بهم سوءاً فمزق شمله، اللهم ففرق جمعه، اللهم من أراد بهم سوءاً اللهم أحصهم عدداً وأهلكهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، بقدرتك يا جبار السماوات والأرض. اللهم اجعلنا على حوض نبيك من الواردين، ولكأسه من الشاربين، وعلى الصراط من العابرين، وبيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمجرمين، وآتنا صحفنا باليمين، واجعلنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين! إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، نبيك محمدٍ وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

القبوريون

القبوريون أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من سيحيا بعده سيرى اختلافاً كثيراً، وسيلقى أثرة، وهذا ما نلحظه في هذا الزمان بعد اختلاط المفاهيم، وانتكاس الفطر، وإهمال العقيدة، وتعظيم القبور! وقد كان تعظيم القبور هو الموضوع الأساس لهذه المادة، حيث رد الشيخ حفظه الله على الاعتقادات الباطلة في نزلاء القبور، مع ذكر تحذيرات من تعظيم القبور، وأهمية تسوية القبور وطمس التماثيل. وفي ختام هذه المادة أشار إلى منزلق خطير، وقع فيه أحد الكتّاب، محذراً من مثل هذه الظواهر.

زمن انتكاس الفطرة والاختلاف الكثير

زمن انتكاس الفطرة والاختلاف الكثير إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. معاشر المؤمنين! في هذا الزمان اختلطت كثير من المفاهيم، وانتكست كثير من الفطر، وانقلبت كثير من التصورات فأصبح الكبير صغيراً، وأصبح الحقير عظيماً، وأصبح شيء من المعروف منكراً، وأصبحت أنواع من المنكر معروفة، وكما قال صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: (وعظنا نبينا صلى الله عليه وسلم ذات يوم موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع! -كأنك تودعنا، كأنك تشير إلى فراقنا، أو إلى قرب رحيلك عنا- فأوصنا، فقال صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ -إلى أن قال بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم-: فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً). وما أعظم الهوة بين عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم وبين واقع المسلمين في هذا الزمان، بل لو خرج صحابي أو تابعي ورأى ما عليه المسلمون اليوم لأنكر ما يراه من كثير من المسلمين، صدق صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستلقون بعدي أثرة -أي: اختصاصاً بالمشاء والمباح- فقال الصحابة: ما نصنع يا رسول الله؟! فوجههم وأرشدهم بالثبات إلى أن يلقوه على الحوض) صلى الله عليه وسلم.

إهمال التوحيد في هذا الزمان

إهمال التوحيد في هذا الزمان أيها الأحبة! في هذا الزمن نرى تعتيماً للحقائق الشريعة، وتضليلاً للمقاصد النبوية والقرآنية، وما ذاك إلا من دعاة الضلالة أو دعاة الجهالة؛ لأن التوحيد الصحيح في هذا الزمان غريب غريب جداً؛ لأن المعتقد النقي أصبح في هذا الزمان -بين المسلمين أنفسهم- أصبح نادراً قليلاً، وأعظم من هذا وأخطر منه يوم أن يدور الحديث حول مسائل العقيدة وأصول التوحيد ترى بعض المسلمين هداهم الله يقول لك: ليست هذه من المهمات، ومن الحكمة عدم طرحها في هذا الزمان، أليس من الحكمة بناء الدين على أصل صحيح لكي يكون بنيان الأعمال بعدها على أساس متين؟! أم من الحكمة الاهتمام بالمسائل الفرعية وترك الجمل والحقائق الأصولية؟! عباد الله! أسوق هذا لأني رأيت تبايناً واختلافاً في كثير من المفاهيم والأطروحات في هذا الزمان، ولأجل ذلك ترى العقيدة النقية نادرة غريبة فريدة جداً، وإن كنا قد من الله علينا بفضل منه ورحمة وعناية ونعمة أن ظهر في أرضنا إمام الدعوة المجدد محمد بن عبد الوهاب نور الله ضريحه، فرأى الناس وما هم عليه من عبادة للقبور وتعظيم لها وتجصيص لها وإيقاف الأوقاف عليها وتحبيس الأوقاف عليها، ورأى أيضاً اعتقاد كثير من الجهلة والضلال بركة أصحاب القبور أو بركة العبادة عند القبور فأنكر هذا وحاربه ووقف في مواجهته وانقلبت عليه كثير من القبائل، ووقفت في طريق دعوته أمم شتى ومع ذلك فمن كان برهانه كتاب الله ومن كان دليله سنة رسول الله فهو على الحق ولو كان وحده، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: [الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك].

تعظيم القبور صورة لأهمال التوحيد

تعظيم القبور صورة لأهمال التوحيد وفي هذا الزمان بل في هذه الأيام نرى تساهلاً عند كثير من المسلمين في كثير من البقاع بأوضاع القبور وأوضاع العقيدة عامة ومنها: مسألة القبور، فترى في كثير من البقاع قبوراً توضع في محاريب المساجد، وتجد في كثير من البلدان قبوراً توضع في نواحي المسجد عن يمنته أو يساره أو في مؤخرة المسجد أو في مقدمته، وكل هذا لا يجوز أبداً، بل لا تصح الصلاة في مثل هذه الأماكن، ولا يجوز للمسلم أن يغشاها أو يرتادها إلا أن يكون البناء قديماً والمسجد حديثاً وحيل بين المسجد وبين القبر بحائط أو مانع يدل دلالة واضحة على عدم انصراف نية المتعبد إليه كما يراعى في ذلك الفتنة أو يراعى في ذلك حصول المفسدة العظيمة. أيها الأحبة في الله! مسألة القبور شأنها عظيم جداً، وقد يقول قائل: في هذا الوقت الذي سهرت فيه كثير من وكالات التلفاز لنقل أخبار رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وسهرت لأجلها إلى الثالثة ليلاً إلى الثامنة صباحاً، في هذا الوقت الذي تناقلت وكالات الأنباء ووكالات التلفزة والأقمار الصناعية وقلوبها تبلغ حناجرها وأفئدتها مضطربة لتنقل أحوال الانتخابات، في هذا الوقت تأتي لتحدثنا عن القبور ورفعها، وحرمة التشييد والبناء حولها. أقول: والله ما قادنا إلى ذلك إلا غفلتنا عن أصول العقيدة، وجهلنا بحقائقها ومهماتها، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

اعتقادات باطلة في نزلاء القبور

اعتقادات باطلة في نزلاء القبور أيها الأحبة في الله! مسألة القبور شأنها عظيم وأخبث ما فيها أن وجد بين المسلمين الآن من يعتقد أن الصالحين من نزلاء القبور، وساكني اللحود، يدفعون البلاء، ويجلبون النعم، ويجيبون الدعوة، ويكشفون الكربة، ويسهلون المستحيل، ويشفون السقام؛ وكل هذا والله بالجهل والضلالة في أعظم أصول الدين وهي مسائل العقيدة.

كلام الشوكاني عن بداية الانحراف

كلام الشوكاني عن بداية الانحراف واسمحوا لي بأن أنتقل بكم إلى إمام جليل من أئمة الإسلام الموحدين وهو الإمام الشوكاني رحمه الله، في رسالة عظيمة ألفها فيما مضى، وكأنه يرى أحوال الناس ومنها نبذ جليلة طاهرة من الكتاب والسنة في مسألة تعظيم القبور وتشييدها والبناء عليها، يقول رحمه الله وينقل هذا عمن كان قبله من السلف: كان أول ذلك -يعني: بناء القبور وتعظيمها، وعبادة الأصنام والعناية بها- في قوم نوح حيث قالوا كما قال الله جل وعلا: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً * وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً * وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:21 - 23] كانوا قوماً صالحين، قوم نوح جعلوا من هؤلاء من ود ويغوث وسواع ويعوق ونسر، جعلوا من هؤلاء الصالحين جعلوهم قادة لهم يقتدون بهم وجعلوهم قادة يتبعونهم، وكان الذي ظهر فيهم هذا الأمر في بداية أمرهم كانوا من صالحي بني آدم، ولكن الصالحين الذين عظموا ماتوا، فقال أصحابهم الذين يقتدون بهم: لو صورناهم، بدأ الشرك بالتصوير، لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم فلما ماتوا مات ذلك الجيل الأول الذي صور الصالحين لا لعبادتهم ولكن للتشوق إلى العبادة حال رأيت صورهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر، فعبدوهم ثم عبدتهم العرب بعد ذلك، وقد حكي معنى هذا في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما.

أحاديث نبوية تحذر من تعظيم القبور

أحاديث نبوية تحذر من تعظيم القبور وقال قوم من السلف: إن هؤلاء كانوا قوماً صالحين من قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة، وذكرت أم سلمة للنبي ما رأت في الكنيسة من الصور، فقال صلى الله عليه وسلم: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله) وأخرج ابن جرير في تفسير قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم:19] قال: اللات كان يلت السويق للحاج فعكفوا على قبره. وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته: ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك) وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نزل الموت برسول الله صلى الله عليه وسلم وحل الأجل ووصلت لحظة الفراق بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل أو طفق يطرح خميصة على وجهه، فإذا اغتم كشفها فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا. انظروا أيها الأحبة: أي نصيحة وأي وصية تحتاجها الأمة ونبيها وإمامها وقائدها يعالج سكرات الموت وفي ساعة الأجل وفي ساعة الفراق لم ينبهم إلى الاقتصاد ولم يتكلم في تلك الساعة عن أمر من الأمور إلا عن أهم الأمور وهي مسألة التوحيد ومسألة العقيدة وتحقيق العبودية والتوجه إلى الله، فقال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا، أي: حتى لا يجعل قبره صلى الله عليه وسلم مسجداً فيعبده المسلمون، أو يطوفوا به، أو يتوسلوا به، أو يتعلقوا به، أو يتعلقوا بجاهه، أو يرجوا بركة ضريح القبر ومكانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعبد العباد لربه، ولأجل ذلك وجه الأمة إلى ما يحقق هذه العبودية. وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مثل ذلك، وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال الراوي أو المعلق: ولولا ذلك لأبرز قبره صلى الله عليه وسلم، ولكنه خشي أن يكون مسجداً. فأين هذا من طاغوت الصوفية ومنحرف الضلالة ذلك الذي يزعم أن بقعة قبر النبي أفضل من بقعة الكعبة، وذلك الذي يزعم أن ليلة المولد أفضل من ليلة القدر، وذلك الذي يزعم أن التبرك بقبر النبي والدعاء والتمسح والتوسل عنده من مظنات الإجابة، فلا حول ولا قوة إلا بالله! أخرج الإمام أحمد في مسنده بإسناد جيد من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد)، وأخرج أحمد وأهل السنن من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج)، وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي الهياج وغيره قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تدع تمثالاً ألا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) وفي صحيح مسلم عن ثمامة نحو ذلك.

أهمية تسوية القبور وطمس التماثيل

أهمية تسوية القبور وطمس التماثيل أيها الأحبة في الله! إن طمس التماثيل، وتسوية القبور، كل ذلك إما أن يكون لدفع حصول الشرك، أو لقطع ذرائع الشرك؛ لأن هذه الأصنام التي تصور في تقاطعات الطرق وفي الممرات وفي أماكن شتى، والتي كثيراً ما ترونها ونراها في كثير من البلدان التي عصت الله ورسوله، في البلدان التي استوحت فنونها وثقافتها من عقائدها الوثنية فزين لهم الشيطان نحت الأصنام ونصب التماثيل في الممرات والتقاطعات، كل ذلك راجع إلى لوثة الشرك والوثنية، ولا حول ولا قوة إلا بالله! بل والله إن الموحد الذي يرى ويدرك صفاء التوحيد في قلبه من إذا رأى وثناً انقبضت نفسه وتغير وجهه وتكدر حاله وأصابه من الرعب وأصابه من الخوف داخل نفسه ما يمقت به هذه الصورة المنحوتة؛ كل ذلك لأن فيها شركاً صراحاً، أو فيها ما ينافي كمال التوحيد ويكون ذريعة إلى الشرك. أيها الأحبة! بهذه النصوص التي سمعتموها أعظم دلالة على أن تسوية كل قبر مشرف بحيث إذا ارتفع القبر عن الحد المشروع فإن تسويته واجبة متحتمة، ومن إشراف القبور وارتفاعها أن يرفع سمكها أو يجعل عليها القباب أو المساجد فإن ذلك من المنهي عنه بلا شك ولا شبهة، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعثه وانتدبه وأرسله لهذه المهمة وقال: (لا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا تدع تمثالاً إلا طمسته). ثم إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أيضاً عمل بما أوصاه به النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل أبا الهياج الأسدي في أيام خلافة علي قال: [ألا أبعثك على ما بعثني عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم؟] فكان الجواب الحالي: أن نعم، وأتشرف بهذه المهمة، فأرسله وندبه إلى هذا. أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه النسائي وابن حبان من حديث جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، أو يبنى عليه، أو يوطأ) وزاد هؤلاء المخرجون لهذا الحديث عن مسلم زادوا: (أو يكتب عليه) قال الحاكم: النهي عن الكتابة على شرط مسلم، وهي صحيحة غريبة. ويدخل في هذا أيضاً البناء على جنبات القبر. أيها الأحبة! إني يوم أن أسوق هذا بحمد الله ما رأيت في بلادنا هذه قبراً يعبد، وما رأيت ضريحاً يطاف به، ولكني أخشى أن يتساهل الناس بأمر المقابر، بل وربما تناقل البعض أن بعض العامة جهلاً وبعض المنحرفة فساداً ربما بدءوا رويداً رويداً بجعل ألواح من الرخام فينقشون عليها اسم الميت وتاريخ وفاته وشيئاً من أمره، وربما جاء بعد ذلك جيل يكبرون لوحة الرخام فينقشون عليها شيئاً من مناقبه ومآثره، وربما جاء بعد ذلك من جاء ليكتب حتى يصبح الأمر طريقاً وذريعة إلى البناء المحرم والمنهي عنه. وإن هذا -أيها الأحبة- من أعظم الأمور؛ لأن من شرب الخمر أو زنى وهو يعلم أنه في معصية يعلم أنه في مخالفة لأمر الله وفي عصيان لشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يلبث أن يعود، لكن الذي ينقش على الرخام عند القبور ويزينها ويهتم بها ربما تعلق واقتنع واستحسن فعله هذا، وربما تعبد الله بهذا، ولأجل ذلك فإن من واجبنا أن نهتم بهذه المسألة وألا نتساهل بها، بل من واجب الشباب؛ ومن واجب الأغيار؛ ومن واجب العلماء؛ ومن واجب طلبة العلم، أن يبعثوا الثقات والمخلصين بين الفينة والفينة ليروا أحوال المقابر فما رأوا فيها من قبر منقوش عليه أزالوه، وما رأوا فيها من قبر مشرف إلا وسووه، وما رأوا فيها بدعة أو بلية من أصناف هذا الأمر إلا بلغوا بها وكان لهم ولهم بإذن الله سلطان على إزالتها، في أي بقعة وفي أي مكان. وإني أردد وأقول: لعل من أعظم أسباب سلامة هذه البقعة سلامتها من الشرك سلامتها من الوثنية سلامتها من شرك القبور سلامتها من شرك الأضرحة سلامتها من شرك الأصنام، فإن تساهلنا في ذلك والله ثم والله لا فرق بيننا وبين سائر الأمم التي حل بها الخسف، وحل بها البلاء والعقوبة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تعظيم قبره

نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تعظيم قبره معاشر المؤمنين! اعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم توافرت وتواترت عنه النصوص في هذا الأمر تواتراً طيباً مباركاً صحيحاً وكل ذلك لأجل أهمية هذا الأمر، فتارة ترى النبي صلى الله عليه وسلم لعن من رفع القبور ووضع القباب والمساجد والمشاهد عليها، لعن فاعله تارة، وتارة قال: (اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فدعا عليهم بشديد غضب الله بما فعلوا، وتارة نهى عن ذلك، وتارة بعث من يهدم هذه، وتارة جعل ذلك من فعل اليهود والنصارى، وتارة قال: (لا تتخذوا قبري وثناً)، وتارة قال: (لا تتخذوا قبري عيداً) أي: لا تجعلوه موسماً يجتمع فيه كما صار يفعله كثيراً من عباد القبور يجعلون لمن يعتقدون من الأموات أوقاتاً معلومة يجتمعون فيها عند قبورهم ينسكون لها المناسك ويعكفون عليها كما يعرف ذلك آحاد كثيرة من الناس، ويعرف ذلك من فعل هؤلاء المخذولين الذين تركوا عبادة الله، هذا الخذلان العظيم، وهذا الحرمان العظيم أن يترك الإنسان عبادة الرب الذي خلقه والذي رزقه والذي يميته والذي يحيه ترك هذا كله وعبد عبداً من عباد الله لعب الدود بأنفه وعينه، وبليت عظامه، وتحرق جسمه، واختلط التراب ببدنه، أتترك عبادة الله ويعبد هذا الأسير في لحده الرهين في قبره الذي لا يملك لنفسه دفعاً ولا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ذلك الذي لا يستطيع أن يدفع عن نفسه القليل والكثير، بل إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه: {لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الأعراف:188] فانظر وهو سيد البشر، وهو خير من وطأت قدمه الأرض، يقول: إني {لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الأعراف:188] فما حال من هو من العصاة؟ أو من هو من المشركين؟ أو من المقصرين الذين عرف عنهم الضلال أو الخبال؟ أو كان عبداً صالحاً من الصالحين، لكنه لا يملك لنفسه قليلاً ولا كثيراً. بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يجد من نفسه بعد موته لأحد من البشر نفعاً أو ضراً لنفع بذلك حبيبته فاطمة ابنته رضي الله عنها، قال صلى الله عليه وسلم: (يا فاطمة بنت محمد! لا أغني عنك من الله شيئاً) ولو كان يغني عنها من الله شيئاً لقال: يا فاطمة! إذا نزلت بك النازلة، أو حلت بك البلية، فاستغيثي بي أو توسلي بي أو اسأليني أو استشفعي بي أو تعلقي بي فإني أنفعك في قبري، وأنفعك بعد موتي، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يتبرأ من نفعه لنفسه فيقول: (لا أملك لنفسي نفعاً) يقوله صلى الله عليه وسلم، يقول: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الأعراف:188] ويقول لابنته سيدة نساء أهل الجنة يقول لها: (لا أملك لك من الله شيئاً) فإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم في نفسه وفي أخص قرابته فما ظنك بسائر الأموات الذين لم يكونوا أنبياء معصومين ولا رسلاً مرسلين، بل غاية ما عند أحدهم أنه فرد من أفراد هذه الأمة وواحد من أفراد هذه الملة الإسلامية فهو أعجز وأعجز من أن ينفع أو يدفع عن نفسه الضرر، وكيف لا يعجز عن شيء عجز عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أمته بذلك كما أخبر الله عنه، وأمره الله أن يقول لأمته: إني {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الأعراف:188] حتى تتعلق الأمة بالله، حتى يتحقق التوحيد لله، حتى يتجرد القصد لوجه الله، حتى لا تكون في النفس أدنى وشيجة أو أدنى صغيرة يتعلق فيها العبد بواسطة بشر من البشر في طريق توجهه إلى الله. فيا عجباً كيف يصنع من له أدنى نصيب من علم أو أقل حظ من عرفان حتى ينفعه أو يضره فرد من أفراد أمة النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه لا أنفع، ويقول لابنته: (لا أملك لك من الله شيئاً). والحال -أيها الأحبة- إذا علمت هذا كله أدركت ضلال أولئك الذين وقعوا في ذلك، بل هل سمعت بضلال عقول أكبر من هذا الضلال؟! وهل سمعت بجهل أعظم من هذا الجهل؟!

السبب الأعظم لنشأة الاعتقاد في الأموات

السبب الأعظم لنشأة الاعتقاد في الأموات أيها الأحبة! إذا تقرر ذلك فلا شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه الاعتقاد في الأموات هو ما زينه الشيطان للناس رويداً رويداً تدريجياً، من رفع القبور، ثم وضع الستر عليها، ثم تجصيصها، ثم تزيينها بأبلغ زينة وتحسينها بأكمل جمال فإن الجاهل إذا دخل مقبرة ورأى قبراً فيه ألواح الرخام أو نقش عليها ما نقش، ثم جاء جيل ووضع عليها شيئاً من الستر أو زين القبر بطريقة معينة، ثم لو رأى الجاهل قبة جعلت على القبر، ثم نظر إلى السرج المتلألئة والمجامر الساطعة التي عبق وفاح منها الطيب وهو طيب النجاسة في مواقع الشرك أو ذرائع الشرك والله، ما ظنك بجاهل يرى هذا كله لا شك ولا ريب أن قلبه يمتلئ تعظيماً لهذا القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من منزلة، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرعه الشيطان في نفسه ويغرسه في قلبه من العطاء بالفاسدة التي هي أعظم وسيلة له، وأشد الوسائل إلى الضلال حتى يتزلزل عن الإسلام رويداً رويداً، ثم لا يلبث أن يطلب من صاحب القبر أموراً لا يقدر عليها إلا الله، ثم يكون في عداد المشركين وهو لا يعلم، وصدق الله العظيم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106] وكما قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]. أيها الأحبة! إن أولئك الذين يترددون على القبور ويزورون هذه الأضرحة ويتبركون بها أو يعتقدون ببركة أصحابها يقع ويحصل الشرك لأحدهم لأول وهلة رأى فيها ذلك القبر على صورة من الجمال والتزيين، بل عند أول زيارة إذ أنه يخطر بباله أن صاحب هذا القبر ترجى منه فوائد دنيوية أو فوائد أخروية، ثم بعد ذلك يكمل هذا الأمر ويبهرج هذا الباطل ويزخرف هذا الخداع والشرك سدنة الأضرحة وخدام القبور الذين يأتون ويخدعون العامة فيقولون: إن صاحب القبر قد جرت له من الكرامة ما كان لفلان الذي كان أعمى أو كان كفيفاً لا يبصر، فجاء ثم نحر قربانه عند القبر ثم سأل مخلصاً صاحب القبر فما خرج من هذا الضريح إلا وقد رد عليه بصره، ويكذبون ويفترون الأكاذيب والأباطيل وما أكثر ما سمع هذا عند كثير من الجهلة بل وفي كثير من بلدان المسلمين، إنا لله وإنا إليه راجعون. واعلموا -أيها الأحبة- أن هذه طريقة خبيثة بل حيل ومكر وتقليب من أجل تحقيق أمرين: الأمر الأول المكابرة والعناد والإمعان في تحقيق الكفر والشرك، الأمر الثاني: خداع العوام والجهلة.

انحرافات البريلوية

انحرافات البريلوية البريلوية من طوائف القبوريين المشركين الذين نشأ باطلهم في منطقة بريلي في الهند ما الذي يحصل منهم؟ وهل سمعتم بهم؟ يعظمون القبور ويسمون زيارتها بالأعراس، ومن تخلف عن الأعراس فهذا ضال جاهل جهلاً عظيماً بل يكفرونه ويسمونه وهابياً ويعدونه من اتباع ابن تيمية ومن أتباع محمد عبد الوهاب رحمه الله، وما الذي جاء في معتقداتهم؟ بعيني قرأت شيئاً مما ينقل عنهم ومما يعتقدونه، يقولون: إذا تيسر لزائر القبر أن يحضر معه الحليب والأرز والطعام والفواكه وشيئاً من المأكولات التي تقدم للأطفال قالوا: إذا تيسر لزائر القبر أن يحضرها معه ثم يضعها فإن في هذا خيراً وفي هذا بركة ترجى، إن البريلوية وقادة هذه الملة المنحرفة لا شك في شركهم وجهلهم، ولكنهم ما دعوا الناس بإحضار الطعام الشهي والأصناف التي لا يجدها الإنسان في بيته أو في مجتمعه، ما دعوا الناس لإحضار هذه إلى المقابر إلا لأجل أن تصبح المقابر مطاعم فاخرة من الدرجة الأولى لا ينقطع زوارها، وبهذا إذا جاء زائر ضال أو مضلل فرأى الناس ذاهبين آيبين وغادين رائحين هؤلاء يمدون الموائد، وهؤلاء يقربون القرابين وهؤلاء يعطرون المكان اشتعل في نفس الزائر وتحقق في نفسه تعظيم هذه الأضرحة، ثم بعد ذلك ظنوا أن تستمر الزيارة وأن يستمر التواصل ولا يخلو الضريح من الزوار ليلاً أو نهاراً ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولأجل ذلك ترى في بعض البقاع يوم أن ترى موقعاً من مواقع الأضرحة مدخلاً بزخرفة وأشكال مهيبة وغريبة، ثم على اليمين من يستلم القرابين ويأخذها وعلى اليسار من يأخذ النذور والأوقاف والصدقات، وفي المقدمة مطوف يطوف بالزائر عند القبر وفي المؤخر من يحدثك بدموع التماسيح والبكاء للزائر، ثم يكلمك عن كرامات هذا القبر، فيخرج الزائر وقد أشرك وكفر بالله من حيث يدري أو لا يدري، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

دليل على تعذيب أصحاب تلك القبور

دليل على تعذيب أصحاب تلك القبور بل إن بعضهم حصل له من الضلالة وحصل له من الجهل ما يحصل يوم أن رأى نوقاً وأبقاراً وخيلاً جيء بها وهي هزيلة إلى بعض مواقع هذه الأضرحة فكان منها أن سمع رغاءها أو خوارها أو صهيلها ثم قال له: انظر كانت خيلاً وإبلاً وأبقاراً هزيلة فلما دخلنا بها الضريح دبت فيها الحياة من جديد. تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا فقال: إن أولئك الجهلة لا يعلمون أن أصحاب القبور فيهم من يعذب عذاباً لا يسمعه الثقلان الجن والأنس، ويسمعه غيرهم من الدواب والبهائم، فإذا جاءوا بالدواب إلى مقام يعذب صاحبه سمع لها الصهيل والرغاء والخوار فظنوا أن حركتها من بركة صاحب هذا القبر، والصحيح أنها سمعت من عذاب صاحب القبر ما خفي وما لم يدركه أولئك الجهلة. فانظروا أنواع التضليل وأنواع الزيف والخداع، بل ومن المؤسف حقاً أن تجد من الأثرياء وأرباب الأموال الطائلة من يوقف الأوقاف العظيمة ويجعلها ريعاً على هذا القبر وعلى سدنته وعلى خدامه، ومع ذلك تجد أولئك يسمون أنفسهم ويعدون أنفسهم في عداد الدول الإسلامية {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] أقوام تمكنوا من رقاب العباد، ومن خيرات البلاد، ثم يقرون القبور والأضرحة، ويسكتون عليها ويرونها تعبد من دون الله، فأي ضلال أعظم من هذا، نعوذ بالله من الخذلان، وإنا لله وإنا إليه راجعون. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

محاربة العقيدة بين القبوريين والكتاب المعاصرين

محاربة العقيدة بين القبوريين والكتاب المعاصرين الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

إنكار بشرية الأنبياء والأولياء

إنكار بشرية الأنبياء والأولياء يقول محقق رسالة شرح الصدور بتحريم رفع القبور الشيخ العلامة محمد بن حامد الفقي رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، يقول: وإن من أنواع الإفك وباطل أهل القبور الذي يخدعون بها الطغام يزعمون أن ذوات الأنبياء والأولياء ليست من جنس ذوات بقية البشر، إذ أنهم بهذا يدعون بهذا إفكاً عظيماً أن الأنبياء والأولياء هم النور الذي انبثق وفاض من الله سبحانه وتعالى، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وعلى ذلك يقول أولئك الضلال: إن ذوات الأنبياء وذوات الأولياء اكتسبت خصائصها المضيئة وصفاتها من الحياة الدائمة التي لا يعتريها ما يعتري بقية الخلق من الفناء والبلاء، وهم يزعمون أن الأنبياء والأولياء ما ماتوا كموت البشر بل انتقلوا انتقالا، وأنهم أحياء يسمعون ويبصرون ويقدرون ويعطون كل ما يطلب منهم ويقضون حاجات السائلين ويستجيبون دعاء الراغبين وأنهم بذلك النور الذي فاض من الرب بزعمهم الفاجر وباكتساب هذه الخصائص والصفات الذاتية أصبحوا وسطاء بين الله وبين خلقه، أصبحوا واسطاً بين البشرية والربوبية، فمن ثم اتخذوهم وسطاء بينهم وبين ربهم، أو على زعمهم واعتقادهم الفاسد بينهم وبين أبيهم الذي انبثق نورهم منه، فهم بذلك يعتقدون أن الأنبياء والأولياء بعد موتهم يتصرفون أو في حياتهم يتصرفون في ملك الرب، ويتصرفون بما يشاء من خفض ورفع وقبض وبسط وإعطاء ومنع وإجابة أمور لا يقدر عليها إلا الله. بل هناك أمور لا يسألها بعضهم من الله بل يسألها من صاحب القبر في ظنه أن مثل هذه لا يقدر عليها إلا صاحب القبر وربما أن الله لا يقدر عليها! تعالى الله عما يقول الظالمون! بل يقول الشعراني وهو من طواغيت الصوفية من طواغيت الحلولية من طواغيت الاتحاد، يقول الشعراني: إنهم يتحكمون في الرب ويقهرونه. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وهذه عقيدة الصوفية الوثنية في كل أوليائهم من الجاهلية الأولى والثانية يسميها لهم الشيطان في كل وقت بأسماء يخدعهم بها ويروجها عليهم لأنهم مقلدون تقليداً أعمى {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

الاستهزاء بالذات الإلهية في أحد الكتب

الاستهزاء بالذات الإلهية في أحد الكتب أيها الأحبة في الله: إني أسوق هذا والفؤاد يقطر دماً أو ألماً يوم أن عثرت وقدمت لفضيلة الشيخ عبد المحسن بن ناصر العبيدان قدمت له في درسه في واحد من الأسابيع الماضية نسخة من كتاب عنوانه: السخرية السياسية العربية لمؤلف اسمه خالد القشطين وهذا الكاتب يكتب في جريدة الشرق الأوسط وما كنت أود أن أتحدث إلا بعد أن أطلع على الكتاب وأن أسمع وأقرأ وحاولت أن أتصل بالكاتب في لندن مراراً بدون جدوى، لا أدري أخوفاً من الجواب أم إدراكاً للباطل الذي فعله؟! مراراً حاولت الاتصال هناك لأتحقق من مقامه وموطنه، المهم أن هذا الكتاب كتاب السخرية السياسية العربية يقول في مقدمته: إني لا أستطيع أن أكتب أفكاري باللغة العربية؛ لأن يد الرقيب وعين الرقيب تلاحقني وتطاردني، لأجل ذلك فإني أكتب أفكاري باللغة الإنجليزية. والمصيبة أنه يتحدث ليزعم أن في سياسات العرب وأن في رجالات العرب من النكتة ومن الطرافة ومن ومن، الأمر الذي جرأه على الله، فقال في واحدة من صفحات الكتاب، يروى ويسوق هذا استهزاء وسخرية بالله، ولو قيل له: أكتب حكاية ملك من الملوك، أو اكتب رواية عن رئيس من الرؤساء أو اكتب قصة ضاحكة طريفة فيها سخرية بوزير من الوزراء لمات في مكانه وارتعدت فرائصه ولكنه يروي نكتة عن من؟ عن الله جل وعلا، عن الله رب العالمين الذي خلقنا من العدم، أيليق هذا؟ أيطبع هذا؟ أيدخل هذا الكتاب؟ إني لا أفترض أن الرقيب شمس مشرقة تطلع على كل شيء ولكني أقول الآن تقوم الحجة وقد وقع الكتاب في أيدينا وعرفنا مؤلفه أن يصادر الكتاب من الأسواق وأن يمنع المؤلف من الكتابة في كافة الجرائد والصحف والمجلات، وأن يدفع أو يرد منه كل شيء يقدمه إلى هذه البلاد عبر أي وسيلة، والله إني أتردد في سياق هذا وذكره يقول الخبيث: إن جبريل عليه السلام جاء مع رؤساء الدول العربية وأخذ يعرفهم على الله واحداً واحداً، أهذا يقال عن الله؟! هل تخفى على الله خافية؟! ربنا الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء يسخر هذا الكاتب ويقول: إن جبريل جاء بالرؤساء يعرفهم على الله واحداً واحداً، ثم يقول: إن الله يقوم عن عرشه ويصافح هؤلاء الرؤساء! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً! يا رب! يا رب! إنا نبرأ إليك مما قالوا ونبرأ إليك مما فعلوا، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. يقول: ولما جاء دور الرئيس جمال عبد الناصر ليصافح الله قعد الله على عرشه ولم يصافحه، فهمس جبريل في أذن الله وقال: أما تعلم أن هذا زعيم الرؤساء فلماذا لم تقم له؟ فزعم أن الله قال: خشيت أن يأخذ عرشي مني. والله إن الكتاب موجود، وإن هذا موجود يا عباد الله، سبحانك هذا بهتان عظيم، سبحانك هذا بهتان عظيم، سبحانك هذا بهتان عظيم. أيها الأحبة! إن أمور العقيدة في خطر، إن التساهل في أمور العقيدة خطير جداً، فلا بد أن نكون على غيرة لذات الله سبحانه وتعالى، أيسب خالقنا؟ أيهزأ بربنا؟ أيسخر بمولانا؟ أيقال هذا في بلادنا؟ أينشر هذا في كتاب يدخل عندنا؟! إنا لله وإنا إليه راجعون! إنا لله وإنا إليه راجعون! إنا لله وإنا إليه راجعون! وإني أيها الأحبة أسوق هذا وكلي أمل ولا عذر لمسئول يسمع هذا ثم يقصر عن إجراء أقصى عقوبة يستطيعها؛ لأن الكاتب عراقي الأصل وليس من أهل هذه البلاد، ويسكن في لندن. فواجبنا أيها الأحبة أن نلتفت إلى أمر العقيدة وأن نهتم لأمر العقيدة، في الدعايات تقول دعاية من الدعايات: كما تغلف الطبيعة هذه الثمرة فإننا نغلف هذه المادة الغذائية الطبيعة تغلف الطبيعة تعطي الجماد يخلق عدماً!! هذا من التساهل، وهذا من التهاون، وإن كنا نقبل عذر مسئول الرقابة الإعلامية حيث يقول: إني لست ملكاً أو عيناً ظافرة على كل صغيرة وكبيرة. أقول: إذا بلغك هذا فلا يسعك إلا أن تعتذر، وليس عيباً أن نعتذر عن الخطأ. أيها الأحبة في الله! للحديث بقية، والمقام لا يسمح بذكرها ألا وهي التوسل والوسيلة، فأجعلها للجمعة القادمة. أسأل الله جل وعلا ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، أسأل الله ألا يهلكنا بذنوب غيرنا، أسأل الله ألا يسخط علينا، ولولا أن الله ذكر في كتابه مقالة اليهود: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64]، ولولا أن الله ذكر في الكتاب: {قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] لو لم يرد هذا في القرآن من بيان عرض الباطل وجرأته على الله، وجرأتهم على ربهم لو لم يرد ذكر هذا في القرآن ما ذكرت هذه القصة التي وردت في كتاب السخرية السياسية العربية. وقصة أخرى لا أود أن أفجعكم بها، ولكني أكتفي بالإشارة إلى ما سمعته وأختم هذا برسالة إلى كل مسلم لا أخص بالحديث من تعين في الرقابة على المواد الإعلامية، أو الرقابة على الصحف، أو الرقابة على المجلات، أو الرقابة على التلفاز، بل أخصكم بهذا يا معاشر المؤمنين! بأن تكونوا عيناً باصرة لكل صغير وكبير يكتب بهذه الجرائد وهذه المجلات أصبحنا نتعامل مع كثير من الذين يتكلمون بلغتنا ويعدون من بني جلدتنا ويلهجون بمثل ما تلهج به ألسنتنا من نوع اللغة، أصبحنا نحذرهم ونخشاهم، فإليك الملجأ اللهم وأنت المستعان. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين. اللهم إني أسألك بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أن تهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين، وأن تصلح من في صلاحه صلاح الإسلام والمسلمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم لا تفرح علينا ولا على الدعاة أو العلماء أو الولاة عدواً، ولا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، واجمع شملنا اللهم على مرضاتك، واجعل ذلك في طاعتك، وسخر لنا ملائكة السماء برحمتك وجنود الأرضين بقدرتك. يا أمة الإسلام! أنتم المسئولون أن توجد الغيرة في قلوبكم وفي أنفسكم وتعلمونها أبناءكم حتى لا يمس الدين بسوء، والله إذا نزل بلاء من الله، وإذا حل سخط وعقوبة، والله لن تنفع الأمم جيوش، ولن تنفع الأمم رجال، ولن ينفع الأمم إلا الله جل وعلا، فمن كان مع الله في الرخاء كان معه الله في الشدة، واحفظ الله يحفظك في كل حال. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، اللهم ارحم المستضعفين في البوسنة والهرسك، اللهم أهلك الشيوعيين، اللهم أهلك البعثيين، اللهم أهلك العلمانيين، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم اخزهم، اللهم إن هذا الفاجر العلماني الذي كتب هذه الكتابة باللغة الإنجليزية ثم ترجم الكتاب إلى العربية وهذا باطله ظهر وهذا زيفه انكشف وهذا خداعه بات جلياً، اللهم إنا نسألك أن تهلكه وأن تهلك من وافقه ومن فعل فعله ومن أيده ومن ساعده ومن نشر له بقدرتك يا جبار السماوات والأرض. اللهم ادفع عنا البلاء والربا، والزنا والزلازل والمحن، والفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم صلّ على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

لماذا حد الحرابة؟

لماذا حد الحرابة؟ شرع الله الشرع لمصلحة العباد، وضمن لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم، وجعل للمفسدين في الأرض جزاء يوافق جريمتهم، ويحد من خطرهم، حيث إنهم يصيرون في المجتمع كالعضو المريض الذي لابد من بتره، حتى لا يسري المرض إلى غيره، حول هذا الموضوع يتحدث الشيخ في هذه المادة

سبب تشريع الله للحدود

سبب تشريع الله للحدود إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. عباد الله: اتقوا لله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. معاشر المؤمنين: تعلمون أن جميع بني البشرية يرغبون العيش في مجتمعات تملؤها السعادة والطمأنينة، والأمن والطمأنينة اللتان تُحَقِّقا السعادة لا يمكن أن تتحقق إلا بتحكيم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ذلك المنهج الرباني الشامل الضامن لسعادة البشرية، الذي لا يطرأ عليه زيادة ولا نقص، ولا يمكن أن تتخلف حكمه في أي زمان أو مكان. {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38] {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. أيها الأحبة في الله: وسعادة البشرية حينما ترتبط بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتطبيقها في شتى مجالات الحياة، ومن بينها وأهمها: مجال الأمن والأمان والطمأنينة، مجال الحدود والقصاص والمعاملات، فإن الله جل وعلا يوم أن شرع ذلك لم يشرعه عبثاً، وإنما شرعه لعباد هو الذي خلقهم، وهو أدرى بما يزجرهم، وهو أدرى بما ينفعهم، وجعل هذا أمراً مشروعاً، بل جعله من أعظم المنن عليهم، وجعل قيامهم به سبباً لرفاهيتهم ونعيمهم، وتدفق النعم عليهم من سائر الأنحاء والبلدان. أيها الأحبة في الله: إن مجتمعاً تملؤه العقيدة ويعلم أفراده أن الجزاء في الدنيا, وبعده الجزاء في الآخرة، لكافٍ في أن يرتدع أفراده عن أن يعتدي بعضُهم على بعض. إن مجتمعاً تملؤه العقيدة يعلم أفراده أن الخير لا يضيع، وأن البر لا يُنسى، وأن الحسنة بعشر أمثالها، وأن من عمل صالحاً فلنفسه، ويبارك الله له فيما عمل من الصالحات، ليتنافس أفراد هذا المجتمع، في المسابقة إلى الطاعات والخيرات، وبر بعضهم لبعض، ونفع بعضهم بعضاً، هذا يكون في مجتمعات العقيدة. أما المجتمعات التي تحكمها القوانين الوضعية والأنظمة البشرية فهي كما قال القائل: كلما أنبت الزمانُ قناةً ركَّب المرء للقناة سناناً لا يدع أفراد مجتمع تحكمه القوانين فرصة للاحتيال على الأنظمة أو التشريعات إلا وثبوا عليها، واستغلوها، وانتهزوها؛ لتحقيق مطامعهم ومآربهم، ولو كان في ذلك إزهاق الأرواح، وسفك الدماء، وإثارة القلق، وقلب الأمور إلى الفوضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله. نختصر هذا الكلام -أيها الإخوة- لنقول: إن الله جل وعلا شرع القصاص والحدود والعقوبات على جرائم معينة محددة؛ لضمان سلامة أفراد المجتمع، ولضمان سعادتهم، ولبقاء علاقاتهم على حد من الثقة والأمانة، ولولا ذلك ما باع أحدٌ ولا اشترى، وما سافر ضاعن ولا ارتحل، وما تحرك مقيم ولا سكن؛ لكن يوم أن يعلم الناس أن الله رقيب على العباد، وأن العباد يخشون الله فيما يفعلون، وبعد هذا شرع الله عقوبات لتردع كل ظالم، ولتخوف كل من تسول له نفسه، عند ذلك يطمئن أفراد المجتمع إلى هذا. يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178]. ويقول الله جل وعلا: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179]. الله أكبر -يا عباد الله- تأملوا هذه الآية، جعل الله حياة الأرواح في القتل {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:179] وتقول العرب قبل ورود البعثة النبوية عليهم: القتل أنفى للقتل. فكلام الله أبلغ وأسمى وأجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]. نعم -أيها الأحبة في الله- إذا قُتل القاتل، قُطع دابرُ القتل، وإذا عوقب المعتدي قُطع دابرُ الإفساد، أما إذا تُرك الأمرُ على علاته، وأُطلق الحبلُ على غاربه، عند ذلك هذا يقتل، وهذا ينتقم، ثم يسري القتل كما تسري النار في الهشيم اليابس، ولا يبقى على الأرض مطمئن، ولا متلذذ بأمن أو دعة، ولذلك شرع الله القصاص، وجعله عقوبة للقتل في ألوان من الجرائم والعقوبات. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة، والثيب الزاني). ويقول صلى الله عليه وسلم في جعل القتل عقوبة مشددة فوق العقوبة المشروعة في حد الزنا: (من وقع على ذات محرم فاقتلوه).

جملة من مقاصد الشريعة في الحدود

جملة من مقاصد الشريعة في الحدود والله جل وعلا قد شرع لولاة الأمر أن يجعلوا القتل من باب السياسة الشرعية لقطع دابر الفساد والمفسدين. أيها الأحبة في الله: جاءت الشريعة لتحفظ المجتمع بضوابط معينة، وبعد ذلك وُجدت العقوبات لمن تعدى هذه الضوابط، جاءت الشريعة برجم الزاني المحصن، وبجلد الزاني البكر، بعد ماذا؟ بعد نهي النساء عن التبرج، وبعد أمر الناس بغض أبصارهم، وأمر النساء بغض أبصارهن، وبعد أمر البنات والنساء بالقرار في البيوت، فمن تعدى هذه الدائرة من القيم، ومن تعدى هذه الدائرة من التشريعات والمبادئ السامية، عند ذلك كانت العقوبات حداً واقفاً في نحره. من هنا -أيها الأحبة- نعلم أن نعمة الله علينا في هذه البلاد عظيمة، يوم أن نرى السيف يجز رقبة القاتل، فيتدحرج رأسه أمام البشر، وتسيل الدماء من عروقه وبدنه، لكي يرتدع من تسول له نفسه القتل، ولكي يحمد الله من رأى ذلك على نعمة الأمن والطمأنينة. إن من نعم الله أن نجد يد السارق معلقة مقطوعة ليراها الناس فيزدجروا، ويرتدعوا عن أخذ أموال الناس بالباطل، والاعتداء على حروز منازلهم وأموالهم، أو أخذها بالقتل، والنهب، والسرقة. إنها لمن نعم الله أن نرى شارب الخمر يُجلد، لكي يرتدع عن التمادي فيها، حتى لا يجره ذلك إلى الوقوع في ألوان من الآثام والعقوبات. إنها لمن نعم الله، أن يُرجم الزاني المحصن، وأن يُجلد الزاني البكر، فإنها لمن أعظم نعم الله التي نحمد الله عليها. ووالله ثم والله ثم والله ما نعمتم بأمن في مجتمعكم إلا بتطبيق الشريعة، وعلى أهم جوانبها جانب الأمن والحدود والعقوبات، ولولا ذلك لعجز بعضكم أن يذهب بماله من المصرف إلى بيته، ولخشي بعضكم أن يخرج في هزيع الليل، ولخاف بعضكم أن يترك بابه مفتوحاً، ولو للحظة واحدة، ولكن يوم أن ثبت الله سلطان الشريعة، وهيبتها في القلوب على كثير من البشر، ارتدع كل ظالم عن ظلمه، أو من تسول له نفسه، وبقيت شرذمة فاجرة قليلة، لا تزال رجال الأمن تتعقبها بما حقق الله لهم من سلطان الكتاب والسنة، وبما أوجب عليهم من واجب حفظ الأمن في المجتمعات. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

دليل حد الحرابة في كتاب الله

دليل حد الحرابة في كتاب الله الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، فإن أجسامكم على وهج النار لا تقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى. اعلموا أن خيرَ الكلام كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة في الدين ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة في الله: قد يقول قائل: إن الله جل وعلا شرع ألواناً من الحدود ردعاً لكثير من الجرائم، وهيأ ألواناً من العقوبات دفعاً لكثير من المصائب. فالقتل بالقتل في القصاص. والرجم والجلد في الزنا. والجلد في قذف المحصنات، وقذف المؤمنين. والجلد في شرب الخمور. وكذلك القتل بأبشع طريقة في جوانب اللواط، وجريمة الشذوذ. ولكن هناك ألوان من الجرائم تشيطن فيها طائفة من البشر، وتفننوا في الوقوع فيها، حتى لا يقعوا في تطبيق أركان الحدود عليهم، ويلتمس بعضهم في ذلك أن يُفلتوا من الحد إلى العقوبات التي هي دون الحدود. نقول: اعلموا -أيها الإخوة- أن الله يوم أن شرع القصاص في القتل، وشرع الرجم، والجلد وكثيراً من العقوبات، إن الله جل وعلا شرع باباً عظيماً وبوابة كبيرة في ردع الفساد والمفسدين، ألا هو حد الحرابة، وباب السياسة الشرعية. أما حد الحرابة فهو الذي يدل عليه قول الله جل وعلا: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33]. فمن عُرف منه الفسادُ والإفساد في أي لون من ألوان التخريب والتدمير، أو إثارة القلق وزعزعة أمن المجتمع، فإن الله جل وعلا قد شرع لولاة الأمر أن يوقعوا عقوبة تبدأ بغرامة الدينار، ثم إلى الجلد بالسوط، وتنتهي إلى قطع الرقبة، حتى لا يقال: إن مجتمعاً من المجتمعات قتل نفساً لم يرد في القرآن دليل على قتلها، بل إن دليل قتلها وإزهاقها إذا كانت مُفسدة، لفي محكم آيات القرآن الكريم، وأي شيء أبلغ من هذه الآية؟! أن يجعل الله حد الحرابة والقتل وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، لردع الفساد والمفسدين. كذلك -أيها الأخوة- قد تقطع يد السارق في سرقةٍ من حرز، ولو كانت في مال يسير، فيقول قائل: وما بال من يسرق أموال المؤمنين؟! وما بال من يسرق أموال المسلمين؟! نقول: إن الله جل وعلا قد شرع باباً واسعاً في السياسة الشرعية، لا يقف عند قطع اليد من الكوع، بل قد ينتهي إلى قطع اليد عند الكتف، أو إلى قتل النفس وإزهاقها بالكلية، حفاظاً على المجتمع، وقد قرر الفقهاء فيما مضى أن لولاة الأمر إذا رأوا الفساد منتشراً في مجتمع من المجتمعات أن يقتلوا ثلثي المجتمع إذا ضمنوا صلاح الثلث الباقي. فيا عباد الله: اعلموا أن المجتمع إذا طُبقت فيه الشريعة، وسادت فيه الحدود والعقوبات الشرعية، فإن الله جل وعلا يحفظ رجاله وأبناءه، وجميع أفراده، أما إذا تساهل الناس أو تساهل ولاة الأمور، أو تساهل الحكام في تطبيق الشريعة، فإن ذلك يفتح باباً من الفساد وزعزعة الأمن والقلق والتخريب بقدر ما تُرك من تطبيق الحدود والعقوبات. وهذا واضح، والميزان متناسب عكسياً، فمتى قل نصيب الأخذ بتطبيق الشريعة، زاد نصيب المجتمع من الجرائم والاعتداء والإفساد. فهذا أمر واضح جلي. نسأل الله جل وعلا أن يديم نعمة تطبيق الحدود، وأن يتمم نعمة تحكيم الشريعة على هذا المجتمع في شتى مجالاته وألوان حياته.

حرمة الشفاعات في الحدود

حرمة الشفاعات في الحدود أيها الأحبة في الله: وإن هذه الشريعة الربانية التي قررت هذا لتحذر من أن تدخل الشفاعات أو الواسطات أو الواجهات أو المحسوبيات في تطبيق الحدود والشريعة، وجعل ذلك من باب الخيانة العظمى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27]. إذا جار الأمير وكاتباه وخانوا في الحكومة والقضاءِ فويل ثم ويل ثم ويلٌ لقاضي الأرض من قاضي السماءِ يوم أن تدخل المحسوبية، أو الواسطة، أو الوجاهة، أو الشفاعة في حدود الله جل وعلا فإن ذلك نذير شؤم، ومؤشر بلاء على المجتمع. سرقت امرأة من بني مخزوم وهي شريفة من شريفات قومها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ورُفع شأنها إلى النبي، فحكم صلى الله عليه وسلم بما شرع له ربه، وبما أنزل عليه في كتابه، أن تُقطع يدُ المرأة المخزومية الشريفة، أن تُقطع يدُ هذه المرأة عالية النسب في مجتمعها، فأهم قريشاً أمرها، وخاضوا في شأنها، وقالوا: من يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرها، فقالوا: لا نجد إلا حِب رسول الله وابن حِب رسول الله أسامة بن زيد بن حارثة، فجاء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها، فتمعَّر وجه النبي، واحمرَّت وجناته، وانتفخت أوداجُه، ثم قال: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وخطب الناس، وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه: أيها الناس! إنما أهلكَ من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم القوي تركوه، وايم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعتُ يدها). وحاشاها وهي الزهراء، وهي الحرم المصون، وحاشاها وهي الجانب الرفيع أن تسرق، ومع ذلك يعظم النبي صلى الله عليه وسلم شأن الشفاعة في الحدود: (والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعتُ يدها). ومثل هذا وارد في زجر المؤمنين بأبلغ الخطاب. الله جل وعلا يقول لنبيه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65]. فهل يمكن أن يشرك الرسول؟! لكن لبيان خطر الشرك. ويقول الله جل وعلا: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]. وهل تخضع زوجات النبي بالقول؟! حاشا وكلا؛ ولكن من باب تشديد الأمر، والتغليظ والزجر في بابه وشأنه. فكذلك -يا عباد الله- حذارِ حذارِ من أن تشفعوا أو تتوسطوا أو تتدخلوا فيمن وجب عليه حكم الله بكتاب الله، تطبيقاً لشريعة الله. إن من أعظم المصائب أن ترى رجلاً يشفع في شاب قد هرَّب المخدرات، أو ترى رجلاً يشفع في أحد أسرته، أو قبيلته -والله- لو كان فيه من الخير ما يسعد به مجتمعه وأمته ما شفع في حد من حدود الله، ولا توسط في تخريب قد يُراد به أمن المجتمع والأمة. فيا عباد الله: إياكم والشفاعة في الحدود، إياكم والوساطة، واعلموا أن من قدم رجلاً وفي المسلمين من هو خير منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، فإن في ذلك خطر أن يُرَجَّع أو يُرَدَّ من وجبت عليه العقوبة، سواءً كانت حداً أو تعزيراً، وبهذا تستقر الأمور، وتثبت المجتمعات، وفي المراوغة في تطبيق الأحكام، وتطبيق بعضها وترك بعضها يقع الفساد, والله جل وعلا قد عاتب بني إسرائيل يوم أن قال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة:85]. فمعاذ الله أن تكون خاتمة الأمة أو أن خاتمة المجتمع المسلم تنتهي إلى هذا! بل الرضا بالقضاء، بل الرضا بما شرع الله في كتابه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. أسأل الله جل وعلا أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يديم الأمن والطمأنينة على هذا المجتمع. اللهم لك الحمد أولاً وآخراً على ما شرعت من إلقاء القبض، وهيأت من أسبابه على الطُّغْمة المفسدة الحاقدة، من أبناء الشيعة الرافضة، الذين أرادوا التفجير في بيتك الحرام، اللهم لك الحمد، اللهم لك الحمد حمداً لا يتناهى، ملء السماء وملء الأرض. اللهم لك الحمد كما يرضيك، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطان. وإن المسلمين جميعاً ليهنئون ولاة الأمر ورجال الأمن على هذه النعمة، ويدعون لهم بالسداد والثبات والتوفيق، ويطلبون مزيداً من الضرب بأيدٍ من النار والحديد على من زاغ عن طريق الأمن وصراط الله المستقيم، فبهذا تنعم المجتمعات بالطمأنينة. اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازِه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم من كان منهم محسناً فزد له في حسناته، ومن كان منهم مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، يا خير من تجاوز وعفا، ربنا عاملنا وعاملهم بعفوك، وما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله، إنك أنت أهل التقوى والمغفرة. اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيِّماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته، بمنك وكرمك، يا أرحم الراحمين! اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم أحسن بطانته، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، واجمع اللهم شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وما يرضيك يا رب العالمين! اللهم لا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ولا تفرِّح علينا ولا عليهم عدواً. وسخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، يا رب العالمين! اللهم أحسن خاتمتنا، اللهم أحسن ختامنا، ويَمِّن كتابنا. اللهم اجعل خير أيامنا يوم نلقاك، وخير أعمالنا خواتهما. اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء. اللهم انصر المجاهدين، واهلك المنافقين بينهم، اللهم اهلك المرجفين في صفوفهم، اللهم اهلك الشامتين بهم. اللهم انصر المجاهدين، وأقم دولتهم، وثبت أقدامهم، ووحد صفهم، واجمع كلمتهم، وسدد رصاصهم برحمتك يا رب العالمين! اللهم رد المسجد الأقصى إلى أيدي المسلمين، اللهم عليك باليهود، أبناء القردة والخنازير، اللهم اجعلهم غنيمة المسلمين، اللهم اجعل الدائرة على رءوسهم، اللهم إنهم عاثوا في رقاب إخواننا، وفي أعراض أخواتنا، وفي أموالهم وبيوتهم وأطفالهم فساداً واستباحة وانتهاكاً، اللهم عجل صاعقة الهلاك عليهم، وأوقد أبواب الشر في بيوتهم يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر. وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك، يا رب العالمين! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

أحوال المسلمين في كوسوفا [2]

أحوال المسلمين في كوسوفا [2] جرح الأمة ينزف في كوسوفا دماً، لكن الأمة أغفلت عن جرحها، وألهيت عن قضيتها؛ حتى ضعف الولاء، وقلّ التناصر، فهذا بيان لحال المسلمين هناك، ودعوة للمسلمين في العالم لينظروا في قضيتهم؛ ليعلموا كيف يداوون مصيبتهم.

قضية كوسوفا

قضية كوسوفا الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33]. معاشر المؤمنين! في الآونة الأخيرة لا يكاد يمر عامٌ أو عامان إلا وتُفتن أمة الإسلام بفتنةٍ جديدة في بقعةٍ جديدة، تُظهر حال الذل والهوان الذي يعيشه كثيرٌ من المسلمين اليوم، وتكشف مستوى الولاء بين المسلمين قوةً أو ضعفاً، وقضية المسلمين في كوسوفا واحدةٌ من سلسلة القضايا التي أغنت الصور فيها، عن كثيرٍ من مفردات قواميس البلاء والتشرد والقتل والإبادة والتصفية العرقية. إنها قضية شغلت العالم بأسره شرقه وغربه، مسلمه وكافره، وحسبكم بحال المسلمين فيها أن يُعلن اليهود استعدادهم لإيواء بعض اللاجئين أو إرسال بعض المعونات إلى المسلمين، واليهود -كما تعلمون- لم تجف دماء إخواننا بسبب مذابحهم واغتيالاتهم في فلسطين على الأرض المباركة، في الأسابيع الماضية صار الموتُ قبل ورود العار أمنية، وصار التشرد والرحلة إلى المصير المجهول أغنية: كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً وأن المنايا قد غدون أمانياً أيها المسلمون! قلنا في الجمعة الماضية إن الحرب الدائرة الآن ينتصب الصرب الأرثوذكس في أحد طرفيها، وهم المعروفون بالحقد المقيت ليس على المسلمين وحدهم، بل حتى على إخوانهم الكاثوليك، والتاريخ شاهدٌ على ذلك، وليست هذه الإبادة هي الأولى من نوعها لإخواننا المسلمين على يد الصرب، بل سبقها حلقاتٌ في مسلسل الإبادة والتصفية العرقية. لقد كان المسلمون في كوسوفا 95% والخمسة الباقية من السكان بين الصرب الأرثوذكس والكاثوليك، ومع ذلك وباستمرار مسلسل التطهير والإبادة أصبح المسلمون قلةً بالنسبة لهؤلاء، ومع ذلك لم يشفع للمسلمين جهل كثيرٍ منهم بالإسلام، أو مشابهة كثيرٍ من المسلمين للنصارى في عاداتهم وتقاليدهم وأمور حياتهم، لأن المسلمين ارتكبوا ذنباً لا ينساه الصرب أبداً. وهو أن أجداد هؤلاء المسلمين اعتنقوا الإسلام ودانوا به، يوم دخل السلطان مراد العثماني تلك البقعة ونشر الإسلام فيها قبل أكثر من (600) سنة في معركةٍ حاسمة بين الإسلام والنصرانية في أوروبا، فكان لابد أن يدفع المسلمون ثمن إسلام الأجداد غاليةً كما دفعه أهل البوسنة قبل سنواتٍ قليلة: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19]. إننا لا ندري أين الطريق التي ستتحرك منها قوافل الفتح لفتح أوروبا، ولفتح روما، كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لتفتحن القسطنطينية وروما فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش، فقال الصحابة: وأي المدينتين تفتح يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل أولاً) يعني بها: القسطنطينية، وقد فتحت من قبل وجثمت العلمانية عليها الآن، وبقيت روما لم تفتح، فلا ندري هل ما دار في البلقان على أرض البوسنة، أو يدور الآن على أرض كوسوفا إرهاصٌ لحربٍ تكون نهايةً لهذه الأمم الكافرة؟ أيها الأحبة! القضية التي يتحدث عنها كثيرٌ من الناس: هي الحرب بين الناتو من جهة والصرب والدوما من جهةٍ أخرى، وتلك وإن كانت مسألة كبيرة وخطيرة، إلا أنها كما قلنا: لا تساوي شيئاً أمام تهجير المسلمين وتشريدهم وتنصير أطفالهم، بعد أن تتقاسمهم الأديرة والكنائس ليتربوا هناك، في ملاجئ ومهاجر ومحاضن الكفار المنتشرة في أنحاء أوروبا، وهل يبقى بعد ذلك انتماء، أو تصمد هوية؟! هذا هو الوجه الأخطر للحرب القائمة، وأما الدمار للمنشآت الصربية، وأما الحرق للمباني الصربية، فهو وإن كان قرحاً يسرنا ما نراه فيهم، وما نراه من ضرباتٍ عسكرية متتابعةٍ من الناتو، وإن كان يسرنا أن يُسلط الله كافراً على كافر، لكن بيقين أن حفنةً من ملايين الدولارات تعيد البناء أحسن مما كان، فضلاً عن قلة المتضررين بشرياً من الصرب، لكن مصيبتنا العظمى هي جيل المهاجرين من كوسوفا إلى دولٍ أوروبية، في كل دولةٍ منهم جزءاً، وكل مدينةٍ تتقاسمهم في أحياء وكل حيٍ يذوبون فيه ويختلطون كما يذوب الملح في الماء، وما أهداف وأبعاد معركة الصرب هذه إلا من أجل أن يذوب المسلمون في المجتمعات الأوروبية، لأن تجمعاً وتكتلاً بشرياً على رقعة واحدة منذرٌ بخطر على هؤلاء، أن تقوم دولةٌ إسلاميةٌ هناك. أيها الأحبة في الله! هذا الجيل المهاجر هذا الجيل المشرد هذا الجيل التائه الهائم على وجهه، من يعيده؟ ومن يبنيه؟ ومن يحفظ عليه دينه وهويته؟ اللهم إنك أنت المستعان، وأنت حسبنا وحسبهم ونعم الوكيل.

مصير الشباب والشابات في كوسوفا

مصير الشباب والشابات في كوسوفا أيها المسلمون! شردت الكنيسة الأرثوذكسية، قرابة المليون نفس، جُلهم من الأطفال والشيوخ والنساء، أما الشباب فكانت المقابر جماعية تنتظرهم على موعد الدفن وهم أحياء، وآخرون في السجون والمعتقلات، ولعل المتأمل والمشاهد لهذه الصور التي تعرضها وسائل الإعلام لقوافل المهاجرين والمشردين لا يظهر فيها إلا الشيوخ والعجائز والأطفال والنساء، الحال في كوسوفا مشهدٌ يُترجم مفردات الألم والحسرة والذل والمعاناة التي يمر بها المسلمون هناك، والحال في كوسوفا مشهدٌ يترجم مفردات الحقد والبغض والعداوة الدينية التي بلغت حد القتل والاغتصاب والتشريد. أسألكم أيها المسلمون! هل تأملتم الصور التي تعرضها الشاشات للمهاجرين؟ ألا ترون فيها أمراً عجباً! لا يظهر فيها صنفان من البشر إلا قليلاً ممن نجح في الهرب والفرار بنفسه، الشباب والشابات هؤلاء نفقدهم في مشاهد الهجرة وصور اللاجئين، والجواب تعرفونه، بل أخبرنا به من هم الآن يعيشون على فوهة الصراع هناك، الشابات الجميلات على وجه الخصوص، ينتزعن من القافلة عند أول الرحيل ليكن مرتعاً لتفنن جنود الصرب في ألوان اغتصابهن، في ثكنات جنود الصرب وملاهيهم. وأما الشباب فالغالب منهم كما قلت: على موعدٍ مع مقابر جماعية حيث الجرافات الكبيرة تنتظرهم، مستعدةً لأن يهال التراب عازل الصوت والصراخ والأنين وعازل الهواء والأكسجين، واسأل من اكتشف مواقع دفنهم جماعياً؟! واسأل من سيكتشف مواقع دفنهم جماعياً؟!

حال المسلمين في ألبانيا

حال المسلمين في ألبانيا أيها المسلمون! ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم؟! ألم يأن لكم أن تلين أفئدتكم؟! أفئدة من حجر! ألا يكلف المرء نفسه تحريك جفنيه وفتح عينيه، ليرى صرعى البؤس والتشريد وضحايا الظلم والعدوان والفاقة ماثلين أمامه في غير ما سبيل، ألا يرى ذلك فتأخذه بهم رحمة الإنسان؟ كيف يستطيع أن يهنأ صاحب الترف واللذات بطعامه وشرابه؟! بل كيف يُدلل صبيانه وبناته؟! وكيف يضاحك عياله؟! ويمازح أهله؟! وهو يرى في كوسوفا صبيةً مثل عياله أبرياء ما جنوا ذنباً، أطهارٌ ما كسبت أيديهم إثماً، أفيكون من العدل أو من الإخوة ألا تبالي بهم! وألا تذكر حالهم عند نومك أو يقظتك أو طعامك أو شرابك أو اجتماعك بأهلك وأولادك؟!! يبكون من الحيف ويتلمظون من الجوع! أفلا يهزنا ما نسمعه عن نساءٍ وصبايا في ألبانيا كاللآلئ المكنونة والدرر المصونة، ولغت فيها الكلاب الصربية الآثمة، وطالتها الأيادي المجرمة، أولا ينظر المرء إلى بلاد إخوانه في الديانة، تحت سيطرة الصرب والنصارى الحاقدين: وطفلة ما رأتها الشمس إذ بزغت كأنما هي ياقوتُ ومرجانُ يقودها العلج للمكروه مكرهةً والعين باكيةٌ والقلبُ حيرانُ لمثل هذا يذوب القلب من كمدٍ إن كان في القلب إسلامٌ وإيمانُ قالها الرندي لما سقطت الأندلس وأعيد قولها فيما فعله الشيوعيون في أفغانستان، وفيما فعله الروس في كثيرٍ من البلدان، وفيما فعله الصرب في البوسنة، ونرددها الآن فيما يفعله الصرب في أرض البلقان، وفي كوسوفا على وجه الخصوص، لقد سالت حممٌ من القنابل والشظايا، وامتلأت بلادهم جثثاً وغدت أباطح، وتهجر المسلمون من منازلهم وعيشهم إلى هجرةٍ نحو الحدود وسفوح الجبال. أولا ينظر المسلمُ إلى كوسوفا ومن خرج منها من ساكنيها فراراً حيث لم تعد دوراً ولا منازل، وإنما صارت جيفاً وأشلاء، يقف المسلم الألباني أمامها مشدوداً، لسان حاله يقول: سقوف بيوتي صرنَ أرضاً أدوسها وحيطان داري ركعٌ وسجودُ تصور أخي المسلم! تخيل أنك مكان هذا الأب المفجوع بأهله، وأن زوجتك مكان هذه الألبانية في معسكرات الصرب والاعتقال، أو مع اللاجئين والمشردين، تخيل نفسك مكانهم، تخيل أولادك وذريتك المكسورة الجناح تنهشهم أفاعي البشر، وتفتك بهم ذئاب الكفر، هل تطيق أن تتخيل أن تدور عليهم رحى الأيام والأيام قُلّب! فيصبحون لا حول لهم ولا قوة، يطمع فيهم الطامع، وما من نصيرٍ لهم ولا مدافع إلا من رحم الله، فما بالك بمن يعيش هذا البلاء كله، الذي أنت لا تطيق أن تتخيله، وهم يعيشونه ويرونه عين اليقين وعلموا به علم اليقين، ويعيشونه حق اليقين!! أخي المسلم! وتأمل حال هؤلاء المهاجرين، امرأةٌ حُبلى تضع ولدها في طريق الفرار، وطفلٌ يئن لا يجدون له قطرة حليب، ورجلٌ عجوزٌ شيخٌ كبير لا تستطيع رجلاه أن تحمله فيبقى في جحيم المأساة، جحيم الهرب وجحيم الرصاص والنار، ثم إذا تجمعوا على أرضٍ هي الفراش، وتحت سماءٍ هي الغطاء، وأخذوا يتناهشون خبزةً أو لقمةً أو كساءً أو غطاءً. البرد لا يزال قارساً هناك، والظروف في غاية الصعوبة، وأصبحوا لا ترى على عيونهم إلا دموعاً يسحونها من مآقيهم على خدودهم: ضج الأنين من الأنين وطغت تباريح السنين وازْوّر وجه الحق يخـ ـجل من نواح المسلمين والأم تعصر ثديها ألماً على هذا الجنين والزوجة الثكلى ترقرق دمعها دمعاً حزين والشيخ ملَّ الانتظارَ على طوابير الطحين جاء المنصر والمبشر لا يمل ولا يلين ويباع أطفال العقيدة في المزاد بكل حين ونظل نلهو لا نبالي أن نكون العابثين ما الذي يحدث لإخواننا؟! وما الذي يجري الآن على تلك الحدود في تلك المنطقة؟! ما الذي أصابنا وما الذي حل بنا من موت الشعور وانعدام الإحساس؟! أيها الأحبة! إن الواجب الذي أمر الله به وشرعه رسوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:71] و (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) إن هذا الواجب يملي علينا وجوباً لا خيار فيه، وفرضاً لا تردد فيه، أن نُقدم كل ما نملكه من مساعدةٍ ومعونةٍ بالدعاء أولاً وبالمال والنقد والجهد والفكر والاقتراح والسعي وبكل ما استطعنا ثانياً. إننا أيها الأحبة! على خطرٍ إن ظللنا نتفرج على مآسي المسلمين هكذا، إن الذين يتفرجون على كربات المسلمين وهم قادرون أن يغيثوهم والله سيدفعون الغرامة ضعفين، إما عاجلاً أو آجلاً، وإننا مأمورون أن نبذل حتى لا يحل البلاء بساحتنا أو قريباً منا، فتُكسر البيضة ويضيع الأمن والأمان فسنة الله الكونية ومطارقه الربانية لا تجامل أحداً. أيها الأحبة في الله! كلنا شركاء في هذا الهم، وكلنا إخوة تجمعنا هذه العقيدة الواحدة، وعلينا أيها الأحبة! أن ننهض من هذه الغفلة وكثير من شبابنا اليوم لا زال في غفلته ولهوه، وكثيرٌ من النساء لا زلن في غفلاتهن، وإننا نقولها بصراحة: لا يكفي الحسبلة والحوقلة فقط، وهي وإن كانت دعاءً من أول الأدعية فإن الله قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ} [الأنفال:60] نريد أن يتعدى الأمر إلى أكبر من ذلك، إلى العمل والتحرك لعمل ما يمكن عمله، من الدعم والنصرة المادية. فيا أيها الأحبة! يقول تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195] والله وبالله وتالله! لو أنفق المسلمون على إخوانهم المهاجرين واللاجئين والمستضعفين في كوسوفا ربع ما سينفقونه في رحلات الصيف والسياحة في أوروبا، لحققوا كثيراً، واليوم يومٌ مبارك، فأروا الله من أنفسكم خيراً. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الحث على دعم المسلمين في كوسوفا

الحث على دعم المسلمين في كوسوفا الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ في الدين بدعة، وكل بدعةٍ في دين الله ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك. أيها الأحبة! أنتم اليوم في يوم الجمعة، هو آخر يومٍ في الأسبوع وهو آخر يومٍ في عامنا هذا، نحن في اليوم الثلاثين من الشهر الثاني عشر لعام (1419هـ) نودع هذا العام، في ذكر هذه المصيبة، وفي ذكر هذه الكارثة، فهل نودعه بتوبة، وهل نودعه بصدقة، وهل نودعه بنجدة، وهل نودعه ببذلٍ وعطاء، ودعاءٍ بسخاء للمسلمين في كوسوفا؟! أيها الأحبة! تداركوا سويعات بقيت من يومكم هذا، وألحوا على الله في ساعة الإجابة في آخر هذا اليوم، أن ينصر الله إخوانكم في كوسوفا، وأن يجعل لهم من كربتهم وضيقهم فرجاً ومخرجاً، وأن يحيل شتاتهم دولة، وأن يجعل تفرقهم تجمعاً، وأن يجعل الدائرة على أعدائهم: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:186]. ألحوا على الله يا عباد الله! ألحوا على الله يا عباد الله! ألحوا على الله يا عباد الله، فإنها قاصمةٌ ليس لها من دون الله كاشفة، إن هذه المصيبة ثقتنا بأن الدعاء يرفعها وما نبذله إنما هو سبب، إن أمماً ودولاً قد أنفقت لأجل هذه المصيبة، لأجل أن تحيق بالمسلمين هذه الدائرة، وإن فتات الجيوب وإن فتات القوت والموائد قد لا يرفع ذلك إلا بسببٍ مباركٍ يرفعه ويقبله، وهو العمل الصالح والدعاء والعبادة، فألحوا على الله يا عباد الله، واجتهدوا وألحوا على ربكم أن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن ينصرهم في كوسوفا خاصة، وكما قلنا في الجمعة الماضية، ستجدون على الأبواب من يجمع اليوم ما تجود به أنفسكم، ومن جاء بتبرعٍ ولو في أي يومٍ من أيام الأسبوع فليسلمه إلى مؤذن وإمام هذا المسجد جزاه الله خيراً. وليتحقق من أن ما يضعه هو في يد المؤذن ذاته، وهنا نداء نداءٌ إلى كل شاب، وإلى كل امرأة، وإلى كل فتىً وفتاة، وإلى كل ثريٍ وتاجر، وإلى كل غني أن يقدموا ما يستطيعونه، وألا يترددوا في أن يبذلوا ما يستطيعونه ويجدونه، من بذلٍ وعطاءٍ وفكرٍ ورأيٍ واقتراح، ومن أراد أن يتصل بمكتب رابطة العالم الإسلامي في الرياض، فليتصل بها، فإنها الهيئة المكلفة من قبل ولاة الأمر بأمرٍ سامٍ لتتولى الوقوف مع المسلمين في هذه الكارثة. نسأل الله أن يجعل ما يبذله ولاة أمرنا لإخواننا هناك سبباً في دفع البلاء عنا وعنهم، وسبباً في استقرار الأمن في أرضنا، ونسأله سبحانه ألا يكلنا إلى أنفسنا، ونسأله سبحانه أن يرفع البلاء عنا وعنهم، وألا يجعل ما نحن فيه من نعمٍ استدراجاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أرادنا بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم إنا نسألك بمنك وأسمائك وصفاتك أن تُحسن خاتمتنا، وأن تجعل ميتتنا على أحسن حالٍ ترضيك، وأن تجعل خير أيامنا يوم لقاك، وأن تثبتنا على طاعتك وعلى مرضاتك يا حي يا قويم. اللهم انصر من نصر إخواننا المسلمين يا رب العالمين، اللهم انصر المسلمين في كوسوفا، اللهم انصر المسلمين في كوسوفا، اللهم انصر المسلمين في كوسوفا، اللهم ارحم أيامامم وثكالاهم وأطفالهم وشيوخهم وعجائزهم، اللهم إنهم جياعٌ فأطعمهم، وظمأى فاسقهم، وعراةٌ فاكسهم، ومشردون فآوهم، اللهم تلطف بهم يا رب العالمين، واجعل الدائرة والبطش على أعدائهم، يا من لا يعجزه شيء، يا ودود، يا ودود، يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما تريد. نسألك اللهم أن تنزل بهم شديد بأسك وعظيم سخطك، اللهم أنزل شديد بأسك، وعظيم سخطك على اليهود والصرب ومن أعانهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم إنا نشكو إليك، اللهم إنا نشكو إليك، ضعف المسلمين أمام هذا الأمر، اللهم فلا ناصر ولا معين إلا أنت، أنت حسبنا ونعم الوكيل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ} [آل عمران:173 - 174]. اللهم إنا نسألك بمنك وكرمك أن تنصرهم نصراً مؤزراً عاجلاً غير آجل، وأن تجعل ما أصابهم سبباً في عودةٍ صادقة إلى التمسك بالكتاب والسنة، وليعرفوا حقيقة دينهم الذي عاداهم لأجله، وتكالب عليهم لأجله دول الشرق والغرب من الروس ومن الصرب ومن أعانهم، اللهم عجل نصرهم، وأقم دولتهم وأرنا في اليهود وفي الصرب عاجل بطشك يا حي يا قيوم، يا جبار السماوات والأرض. اللهم صلِّ وسلم على محمد، اللهم صلِّ وسلم على محمد، اللهم صلِّ وسلم على محمد، اللهم صلّ وسلم على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارضَ اللهم عن بقية العشرة وآل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك، يا أرحم الراحمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

§1/1