رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
أبو الحسن الأشعري
مقدمة
مقدمة ... رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب: لأبي الحسن الأشعري (ت/ 324 هـ) تحقيق ودراسة: عبد الله شاكر محمد الجنيدي شكر وتقدير الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد الداعي إلى مكافأة صانع الجميل.. وبعد: فقد وفقني الله عز وجل ومنَّ عليَّ بالانتهاء من إعداد هذه الرسالة وأرى من الواجب عليَّ أن أعترف بالفضل لأهله، لذا أتقدم بخالص شكري وتقديري لفضيلة أستاذي الدكتور/ علي ابن محمد ناصر فقيهي.. المشرف على هذه الرسالة، والذي لم يدخر وسعاً في توجيهي، وإبداء ملاحظته حول ما أكتب فجزاه الله أحسن الجزاء. كما أقدم خالص شكري وتقديري لفضيلة الأستاذ الشيخ حماد بن محمد الأنصاري الذي تفضل مشكوراً فقرأ كثيراً من هذه الرسالة، وفتح لي بيته ومكتبته في أي وقت أريد. كما أقدم خالص شكري وتقديري لكل من قدم لي عوناً أياً كان من الأساتذة والزملاء، ولكل من ساهم في إخراج هذا البحث. وفي الختام أتوجه إلى الله جل ذكره وأسأله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجهه والدار الآخرة.
المقدمة إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} . وبعد: فمن نعمة الله على هذه الأمة أن أرسل فيها النبي العربي صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه الكتاب الكريم الهادي إلى صراط الله المستقيم، وأكمل الله عز وجل لهذه الأمة دينها ولم يقبض نبيه إليه إلا بعد ما بلّغ البلاغ المبين التام، وترك رجالاً فقهوا الكتاب والسنة وتمسكوا بهما، وكانوا جميعاً على عقيدة صحيحة واضحة ربطت بينهم وجمعتهم على كلمة واحدة، وقد خلف هذا الجيل جيل التابعين الذين كانوا خير خلف لأعظم سلف ورثوا الكتاب والسنة وساروا على هدى النبوة. وقد كان الصحابة، والتابعون يجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمته ونشر دينه، وتم لهم فتح كثير من البلدان والأقاليم، ودخل معظم أبناء هذه البلاد في دين الإسلام، وقد كانت هذه الأقاليم المفتوحة عامرة بالديانات والمذاهب الباطلة، وكان دخول الإسلام فيها على حساب هذه المذاهب والديانات، مما أثار بغض أصحاب النفوس الضعيفة من أهل هذه البلاد للإسلام وأهله، فدخلوا فيه ومعهم معتقداتهم الباطلة، وقاموا بنشرها بين صفوف المسلمين بالخداع والتمويه، فظهرت الفرق الكلامية المختلفة، كما برز دعاة الباطنية وأرادوا القضاء على الإسلام وأهله، ونشأ بسبب ذلك الاختلاف والتفرق بين صفوف الأمة، وكثر الجدل في المسائل الاعتقادية كالكلام في القدر والصحابة ومرتكب
الكبيرة، والذات الإلهية وما ينبغي لها من الصفات وسائر الأمور الغيبية، وكان أصحاب العقيدة الصحيحة في صراع مستمر مع هذه الفرق كلها، وقاموا بالرد عليهم، وألفوا الكتب الكثيرة لتوضيح وشرح عقيدة سلف هذه الأمة على ضوء القرآن والسنة، وبذلوا في سبيل ذلك جهوداً مضنية، ولم يسلموا من أذى الناس وتعذيب الحكام. ومن الفرق التي برزت في هذا الوقت الجهمية المعطلة لأسماء الله وصفاته، ثم خرجت المعتزلة وأساتذة علم الفلسفة، وعلم الكلام واستبدوا بالرأي والهوى دون نصوص الوحي والهدى، وكانت لهم شوكة ومنعة، ووقف بجانبهم بعض خلفاء العباسيين، وتطاولت ألسنتهم وأيديهم على أئمة أهل السنة والحديث من السلف كالإمام أحمد - رحمه الله تعالى - ثم جاء أبو الحسن الأشعري ونشأ على مذهب المعتزلة في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري، وتتلمذ على يد إمام المعتزلة في عصره وهو: أبو علي الجبائي زوج أمه، وبرع الأشعري في علم الكلام على مذهب الاعتزال إلى أن هداه الله عز وجل فخرج عليهم وأعلن براءته منهم، وسلك أولاً الطريقة الكلابية وهي طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان الذي كان يثبت الصفات العقلية كالإرادة والقدرة والسمع والبصر، ويؤوِّل الصفات الخبرية كالوجه واليد والاستواء ثم ختم الله لأبي الحسن الأشعري بالخير فرجع إلى مذهب السلف وقال بقولهم، وانتسب إلى الإمام أحمد بن حنبل، وسيأتي بيان ذلك بتفصيل - إن شاء الله تعالى - في الفصل الثاني من الباب الأول من هذه الرسالة. ويظهر أن رجوع الأشعري عن الاعتزال في هذا الوقت، ووقوفه ضدهم ناصراً ومؤيداً مذهب السلف الصالح في الوقت الذي شاع فيه مذهب الاعتزال أدى إلى رفع شأنه وعلو منزلته بين الناس، فسرعان ما انتشر أمره وكثر أتباعه في الآفاق، وأرسل إليه الناس من معظم الأقطار يسألونه عن دين الله الحق وعن معتقد السلف الصالح. وظل الأشعري - بعد رجوعه إلى عقيدة السلف - يدافع عن دين الله الحق ويكتب ويؤلف في الرد على أهل الأهواء، والبدع المخالفين لمذهب السلف إلى أن توفاه الله تعالى، والأشعري كغيره من العلماء المشهورين له أتباع كثيرون، وهؤلاء الأتباع لم يرجعوا كما رجع إمامهم إلى عقيدة السلف في طوره الأخير، بل خالفوا إمامهم الأشعري في كثير من الأمور الاعتقادية، ولم يأخذوا بالمنهج الذي سلكه إمامهم في نهاية حياته بعد رجوعه إلى مذهب السلف، بل بقوا على طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب التي سلكها
الأشعري بعد خروجه على الاعتزال وقبل أن يمحص عقيدته بالرجوع الكامل إلى مذهب السلف - وسيأتي الكلام حول ذلك بتفصيل إن شاء الله تعالى. وظل أتباعه إلى يومنا هذا يسلكون منهجاً مخالفاً لمنهج الأشعري الجديد مع انتسابهم إليه، وظنوا في أنفسهم كما ظن بهم غيرهم أنهم حقاً هم أهل السنة والجماعة، والواقع يرفض ذلك، وإن كتب الأشعري التي كتبها على طريقة السلف وكتب أتباعه المخالفة لعقيدة السلف والمشهورة لخير دليل على ما نقول. وكان الأحرى والأولى بالمنتسبين إلى الأشعري أن يقفوا على منهجه بدقة، ويقولوا بقوله الذي لقي الله عليه، أو يتركوا الانتساب إليه إحقاقاً للحق ووضعاً للأمور في نصابها، وحتى لا تخدع العامة بهم فيأخذوا قولهم على أنه قول أهل السنة والجماعة والأمر ليس كذلك.. ولتوضيح هذه الحقيقة اخترت كتاباً من كتب الأشعري لتحقيقه والتعليق عليه، ولبيان مدى موافقة الأشعري فيه لمنهج السلف ومعتقدهم، ومن ثم يظهر لنا مدى مخالفة الأشعريين الذين انتسبوا إلى الأشعري لإمامهم وأستاذهم. وليس لي هدف من وراء ذلك إلا إنصاف الأشعري، ودعوة أتباعه إلى سلوك طريقته ومنهجه الذي لقي الله عليه، مع الوقوف التام على مذهب السلف أهل السنة والحديث كالإمام البخاري وأحمد بن حنبل والدارمي وغيرهم، ولهم - ولله مزيد الحمد والفضل - في كل عصر ومصر أتباع يقولون بقولهم ويعتقدون بعقيدتهم، وهم حقاً أهل السنة والجماعة. أصحاب الحديث والأثر وأعلام السلف. ويجب على جميع الجماعات الإسلامية الجامعات كذلك أن تقف عند عقيدتها وتفحصها لترى مدى مطابقتها لمذهب السلف في أصول الدين أم لا، وخاصة في العصر الذي نعيش فيه اليوم، حيث جهل معظم الناس العقيدة السلفية الصحيحة، واتبعوا أهل الأهواء والبدع وسلكوا طريقة الفلاسفة والمتكلمين، وتركوا طريقة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. ولقد ذكر ذلك الدكتور ((سامي النشار)) و ((جمعة طالبي)) في مقدمة كتاب ((عقائد السلف)) فقال: "إن المؤسسات الثقافية الكبرى عندنا كالأزهر وبقية الجامعات لم تولها أيَّ اهتمام ولا اعتبار في مناهجها ودراستها ذلك أن الدارسين اعتمدوا على كتب المتأخرين
المشوبة بكثير من الأنظار الغربية، وآراء عهد انحطاط الحضارة الإسلامية، مع أن المنهج العلمي التاريخي الصحيح يقتضي أن ترجع إلى الأصول الأولى في كل شيء"1. وختاماً أتوجه بدعوة كل أشعري ينتسب إلى أبي الحسن الأشعري أن يجرد نفسه من كل عصبية، ويقف على مذهب شيخه كما جاء في كتبه كالمقالات والإبانة ورسالة أهل الثغر، ويلزم منهج شيخه الأخير الذي رجع فيه إلى مذهب السلف، وقال بقول الإمام ((أحمد بن حنبل)) كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه الإبانة، والله من وراء القصد وهو ولينا ونعم النصير.
الباب الأول: التعريف بالمؤلف
الباب الأول: التعريف بالمؤلف الفصل الأول: عصر المؤلف المبحث الأول: الناحية السياسية ... المبحث الأول الناحية السياسية عاش الأشعري - رحمه الله - في الفترة الواقعة ما بين عام ستين ومائتين حيث كانت ولادته، وعام أربعة وعشرين وثلاثمائة حيث كانت وفاته، وفي هذه الفترة بدأ الضعف يشق طريقه في الدولة العباسية، وبدأ معظم أطرافها يقوم بحركات انفصالية عنها بجانب الثورات الكثيرة التي كانت تقع، وظهرت القرامطة بسواد الكوفة1، وهم قوم خوارج زنادقة، مارقة من الدين، وكان ذلك في عام ثمانية وسبعين مائتين، كما ظهر بالبحرين أبو سعيد الجنابي القرمطي2، وقويت شوكته، وعاث في الأرض فساداً وتبعه خلق كثير، كما حاصر أحد أتباعه وهو يحيى بن ذكرويه دمشق، ودخل أخوه حلب وقتل فيها تسعة آلاف3، واستمروا يغزون هذه البلاد حتى دخلوا البصرة وفعلوا فيها أكثر ما فعلوا في دمشق. كما ظهر العبيديون في مصر وملكوا جيزة الفسطاط في عام ثمانية وثلاثمائة4، كما ظهر الديلم في بلاد الريّ، وأخذت الروم سميساط واستباحوها وضربوا الناقوس في الجامع5. وخلاصة ما يمكن أن يقال عن وضع الدولة في هذا الوقت ما ذكره أحمد أمين في قوله: "أهم مظهر يأخذ بالأبصار في ذلك العصر ما حصل للدولة الإسلامية من الانقسام، فقد كانت المملكة الإسلامية كلها في العصر العباسي الأول - إذا استثنينا الأندلس وبعض بلاد المغرب - تكون كتلة واحدة تخضع خضوعاً تاماً للخليفة في بغداد، هو الذي يعين ولاتها، وإليه يجبى خراجها وإليه يرجع في إدارتها وقضائها وجندها وحل مشاكلها، ويدعى له على المنابر وتضرب السكة باسمه، ونحو ذلك من مظاهر السلطان، ثم أخذ هذا السلطان يقل شيئاً فشيئاً، وأخذ يخشى ولاتها وأمراؤها بعضهم بأس بعض، ويضرب بعضهم بعضاً، فصارت المملكة الإسلامية عبارة عن دول متعددة مستقلة، علاقة بعضها بالبعض الآخر علاقة محالفة أحياناً، وعداء غالباً، وأصبح لكل دولة مالها وجندها وإدارتها وقضاؤها وسكتها وأميرها، إن اعترف بعضها بالخليفة في بغداد حيناً من الزمن فاعتراف ظاهري ليس له أثر فعلي، وسودت صحف التاريخ بالقتال المستمر بين هذه الدول، وشغلوا بقتال أنفسهم عن قتال عدوهم، ومن أجل هذا طمع فيهم الروم يغزونهم كل حين، ويستولون على بلادهم شيئاً فشيئاً، حتى الزنج والحبشة كانوا يعتدون على الدولة الفينة بعد الفينة، فينهبون ويسلبون، ولم تعد المملكة الإسلامية مخشية الجانب كما كانت أيام وحدتها، ففي سنة 324هـ (وهي السنة التي مات فيها الأشعري) كانت البصرة في يد ابن رائق، وفارس في يد علي بن بوية، وأصبهان والريّ والجبل في يد أبي علي الحسين بن بوية، والموصل وديار بكر وربيعة في أيدي بني حمدان، ومصر والشام في يد الأخشيديين، وأفريقية والمغرب في يد الفاطميين، وخراسان وما وراء النهر في يد السامانيين، وطبرستان وجرجان في يد ديلم، وخوزستان بيد البريدى، والبحرين واليمامة وهجر بيد القرامطة، ولم يبق للخليفة إلا بغداد وما حولها، وحتى هذه لم يكن فيها إلا الاسم"1.
الأندلس وبعض بلاد المغرب - تكون كتلة واحدة تخضع خضوعاً تاماً للخليفة في بغداد، هو الذي يعين ولاتها، وإليه يجبى خراجها وإليه يرجع في إدارتها وقضائها وجندها وحل مشاكلها، ويدعى له على المنابر وتضرب السكة باسمه، ونحو ذلك من مظاهر السلطان، ثم أخذ هذا السلطان يقل شيئاً فشيئاً، وأخذ يخشى ولاتها وأمراؤها بعضهم بأس بعض، ويضرب بعضهم بعضاً، فصارت المملكة الإسلامية عبارة عن دول متعددة مستقلة، علاقة بعضها بالبعض الآخر علاقة محالفة أحياناً، وعداء غالباً، وأصبح لكل دولة مالها وجندها وإدارتها وقضاؤها وسكتها وأميرها، إن اعترف بعضها بالخليفة في بغداد حيناً من الزمن فاعتراف ظاهري ليس له أثر فعلي، وسودت صحف التاريخ بالقتال المستمر بين هذه الدول، وشغلوا بقتال أنفسهم عن قتال عدوهم، ومن أجل هذا طمع فيهم الروم يغزونهم كل حين، ويستولون على بلادهم شيئاً فشيئاً، حتى الزنج والحبشة كانوا يعتدون على الدولة الفينة بعد الفينة، فينهبون ويسلبون، ولم تعد المملكة الإسلامية مخشية الجانب كما كانت أيام وحدتها، ففي سنة 324هـ (وهي السنة التي مات فيها الأشعري) كانت البصرة في يد ابن رائق، وفارس في يد علي بن بوية، وأصبهان والريّ والجبل في يد أبي علي الحسين بن بوية، والموصل وديار بكر وربيعة في أيدي بني حمدان، ومصر والشام في يد الأخشيديين، وأفريقية والمغرب في يد الفاطميين، وخراسان وما وراء النهر في يد السامانيين، وطبرستان وجرجان في يد ديلم، وخوزستان بيد البريدى، والبحرين واليمامة وهجر بيد القرامطة، ولم يبق للخليفة إلا بغداد وما حولها، وحتى هذه لم يكن فيها إلا الاسم"1.
المبحث الثاني: الناحية الاجتماعية
المبحث الثاني الناحية الاجتماعية لا شك أن ضعف الناحية السياسية، وضعف سيطرة السلطة الحاكمة - كما رأينا - سيؤثر تأثيراً مباشراً على الناحية الاجتماعية لما بينهما من ارتباط وثيق، فالتمزق الذي ظهر في الدولة والحروب التي وقعت فيها أنهكت البلاد والعباد، وظهر نتيجة لذلك الفقر والضيق وانتشر المرض والفزع والرعب وعدم الاستقرار، كما جاء ذلك في كتب التاريخ. فمثلاً في العام الذي ولد فيه الأشعري (260هـ) يحدثنا ابن كثير فيقول: "وقع غلاء شديد ببلاد الإسلام كلها حتى أجلي أكثر أهل البلدان منها إلى غيرها، ولم يبق بمكة أحد من المجاورين حتى ارتحلوا إلى المدينة وغيرها من البلاد، وخرج نائب مكة منها، وبلغ كر1 الشعير ببغداد مائة وعشرين ديناراً"2. وفي العام الذي توفي فيه الأشعري (324هـ) اشتد الجوع وكثر الموت لدرجة أنه مات بأصبهان وحدها نحو مائتي ألف3، وكما كان الفقر شائعاً وظاهراً، كانت الأمراض كذلك. وهكذا كان الأمر لحال الناس الأمنية، فقد أصاب الناس الفزع والرعب لكثرة الحوادث والحروب ولضيق الحال المادية، ولم يعد أحد يأمن على نفسه وماله وأهله من عبث المجرمين الفاسدين الذين كانوا ينهبون المال والنساء والبيوت4.
المبحث الثالث: الناحية العلمية
المبحث الثالث: الناحية العلمية إن الناظر في الحالتين السياسية والاجتماعية - كما ذكرت سابقاً - سيقول: إن الناحية العلمية ضعيفة هزيلة شأنها شأن غيرها مما سبق ذكره لما بينهما من علاقة وترابط، ولكن ما حصل للناحية العلمية كان العكس فالفترة التي عاش فيها الأشعري كانت نتيجة لثمرة طيبة أرسى جذورها جهابذة1 هذه الأمة، وكانت هذه الفترة من أزهى عصور الإسلام الثقافية والعلمية، حيث كتب الناس في معظم العلوم. فالسنة المطهرة كانت قد جمعت بأدق طرق الجمع والتحصيل على يد أئمة السنة والمحدثين، واقتضى ذلك ظهور علم الجرح والتعديل، وهكذا كان الأمر بالنسبة لتفسير القرآن الكريم، فالصحابة ومن بعدهم من التابعين كانوا يعطون هذا الأمر حقه، ويفسرون كتاب الله تعالى بأقوم وأسلم طريق، ولن تجد آية من كتاب الله إلا ولهم فيها قول. كما أخذ الفقه وأصوله حقه في هذا العصر، حيث كان الفقهاء الأربعة وكانت آثارهم في المسائل العلمية الدقيقة تمت ونضجت قبل الأشعري، وورث الناس عنهم هذا العلم وتداولوه كما برز الأدباء منهم، وكثر التأليف عموماً في مجالات الثقافة المختلفة. أما من ناحية العقيدة، فكانت في هذه الفترة - رغم تمسك أهل السنة والحديث بعقيدة السلف كالإمام أحمد والبخاري - تمر بمحنة خطيرة نظراً لظهور الفلسفة وعلم الكلام وموافقة بعض خلفاء العباسيين لأهل الكلام على آرائهم ومعتقداتهم، وكان نتيجة ذلك أن تفرقت الأمة، وظهر كثير من المبتدعة والفرق الضالة التي لعبت دوراً كبيراً في إفساد عقائد المسلمين وإحلال الفكر الفلسفي في قلوب الكثير، وإن نظرة خاطفة لكتاب "مقالات الإسلاميين" الذي ألفه الأشعري لخير دليل على ما نقول.
وخلاصة ما يمكن أن يقال عن الناحية العلمية في هذا العصر ما ذكره أحمد أمين في قوله: "… والخلاصة أن الحالة العلمية في أواخر القرن الثالث وفي القرن الرابع كانت أنضج منها في العصر الذي قبله، أخذ علماء هذا العصر ما نقله المترجمون قبلهم فشرحوه وهضموه، وأخذوا النظريات المبعثرة فرتبوها وورثوا ثروة من قبلهم في كل فرع من فروع العلم فاستغلوها"1.
الفصل الثاني: في سيرة الأشعري
الفصل الثاني: في سيرة الأشعري المبحث الأول: اسمه ونسبه ... المبحث الأول اسمه ونسبه هو: علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وكنيته أبو الحسن1.
وعلى هذا فالأشعري من سلالة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وقد ذكر السمعاني أنه قيل له الأشعري؛ لأنه من ولد أبي موسى الأشعري1. وقد طعن الأهوازي2 في نسبة أبي الحسن إلى جده أبي موسى الأشعري، وقد تولى ابن عساكر الدفاع عن أبي الحسن الأشعري في ذلك ورد على الأهوازي قوله فقال: "وأما حكايته النكرة عن بعض شيوخ البصرة من أن أبا بشر كان يهودياً فأسلم على يدي بعض الأشعريين، فحكاية مفتر عن مجاهيل مفترين، ما حكى أن أحداً نفاه عن أبي موسى الأشعري غير هذا الجاهل المتحامل المفترى، وكيف تجاسر - لا رعاه الله - على هذه الكذبة وهو لا يعرف في الشرق ولا الغرب إلا بهذه النسبة"3. وقال أيضاً: "وفي إطباق الناس على تسميته بالأشعري تكذيب لما قاله هذا المفتري"4. كما ذكر الأهوازي أن أبا بشر الوارد في ترجمة الأشعري كنية لأبيه، وأنه كنّي بذلك؛ لأنه غير صحيح النسب، وقد رد ابن عساكر5 ذلك أيضاً، وبين أن أبا بشر جد الأشعري، واسمه إسحاق بن سالم، وهو الصحيح. وقد نص الخطيب البغدادي على ذلك فقال في ترجمته: "علي بن إسماعيل بن أبي بشر - واسمه إسحاق بن سالم …"6. والأشعري نسبته إلى "أشعر"، وهي قبيلة مشهورة باليمن من أولاد سبأ، والأشعر هو: نبت بن أدد. قال ابن الكلبي: "إنما سمي نبت بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب ابن زيد بن كهلان بن سبأ (الأشعري) ، لأن أمه ولدته وهو أشعر، والشعر على كل شيء منه"7.
ولم أقف على لقب للأشعري في التراجم التي بين أيدينا عنه، إلا أن ابن عساكر ذكر أنه نودي على جنازته "بناصر الدين"1. وعلى هذا يمكن أن نقول: إن لقب الأشعري هو "ناصر الدين" وإن المسلمين في جنازته هم الذين لقبوه به، ولم يعرف بذلك في حياته، إذ لو عرف لنقل لنا شيء من ذلك، كما أنه غير متداول بين المؤرخين، والله أعلم.
المبحث الثاني: موطنه ومولده
المبحث الثاني موطنه ومولده تجمع المصادر التي بين أيدينا أن الأشعري ولد بالبصرة، وانتقل منها إلى بغداد بعد رجوعه عن الاعتزال، ولم أر في ذلك خلافاً بين المؤرخين، ويقولون في ترجمته: وهو بصري سكن بغداد. أما عن تاريخ ولادته فتكاد تجمع المصادر على تحديده أيضاً، فمعظمهم يثبت أنه ولد سنة ستين ومائتين، وابن عساكر - وهو مؤرخ له قيمته - يذكر ذلك عن أبي بكر الوزان ويعقب عليه بقوله: "لا أعلم لقائل هذا القول في تاريخ مولده مخالفاً"1. ومع هذا نجد بعض من جاء بعد ابن عساكر كابن خلكان (ت/681هـ) والمقريزي (ت/845هـ) يذكران خلافاً في مولده، فالأول يقول: "ولد سنة سبعين، وقيل ستين ومائتين بالبصرة"2، والثاني يقول: "ولد سنة ست وستين ومائتين، وقيل سنة سبعين"3. وفي الحقيقة أن هذا الخلاف لا يعتبر حيث إن أقوى المصادر السابقة واللاحقة تذكر أنه ولد سنة ستين ومائتين، وهو ما يتفق مع حياته وأطواره التي عاشها - حيث تذكر لنا المصادر أنه بقي في الاعتزال أربعين عاماً4، وأن تحوله عنه كان عام ثلاثمائة5، وعليه فيكون مولده عام ستين ومائتين وهو ما أراه صحيحاً. وقد رجح ذلك أيضاً مرتضى الزبيدي6 في ترجمته عن الأشعري فقال: "ولد سنة ستين ومائتين، وقيل سنة سبعين، والأول أشهر، كما رجحت ذلك أيضاً الدكتورة فوقية حسين في ترجمتها للأشعري"7.
المبحث الثالث: زهده وعبادته
المبحث الثالث زهده وعبادته أما عن زهده فقد ساق الخطيب البغدادي بسنده إلى بندار بن الحسن، وكان خادماً لأبي الحسن قوله: "كان أبو الحسن يأكل من غلة ضيعة وقفها جده بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري على عقبه، وكانت نفقته في كل سنة سبعة عشر درهماً"1. وقد ذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي قيمة الدرهم في ذلك الوقت، والناظر فيه يتبين له مدى تقلل الأشعري من الحياة الدنيا2. وقال فيه الذهبي: "كان قانعاً متعففاً"3. وأما عن عبادته، فقد ساق ابن عساكر بسنده إلى أبي عمران موسى بن أحمد الفقيه قوله: "سمعت أبي يقول: خدمت الأمام أبا الحسن بالبصرة سنتين، وعاشرته ببغداد إلى أن توفي رحمه الله فلم أجد أورع منه ولا أغض طرفاً، ولم أر شيخاً أكثر حياء منه في أمور الدنيا، ولا أنشط منه في أمور الآخرة"4. ومن طريف ما يذكر عنه أنه كان - مع زهده وعبادته فيه دعابة ومزح كبير5.
المبحث الرابع: أسرته وأثرها في تكوين شخصيته
المبحث الرابع أسرته وأثرها في تكوين شخصيته ذكرت سابقاً أن أبا الحسن من سلالة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وكان من فقهاء الصحابة وقرّائهم1، وقد أثنى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عليه وعلى قومه، وذلك فيما أخرجه الحاكم بسنده إلى سماك ابن حرب قال: "سمعت عياض الأشعري يقول: لما نزلت {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم قومك يا أبا موسى، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي موسى الأشعري" 2. وقد كان لأبي موسى وأحفاده من بعده مجهود ضخم في رعاية أمور المسلمين وخدمتهم3، وقد كان أبو موسى نفسه أحد الحكمين بين علي ومعاوية رضي الله عن الجميع، ولا شك أن هذا الأصل الطيب له أثر في ثمرته الطيبة، ولا شك أن هذا ليس قاعدة مطردة، ولكني أردت هنا أن أبين مدى تأثر الأشعري بالبيئة التي عاش فيها، وما هو الدافع وراء تأثره بالاعتزال منذ حداثة سنه، وهذا ما سيتضح لنا فيما يأتي. أما أبوه، فقد ذكر أبو بكر بن فورك أنه كان سنياً جماعياً حديثياً4 وأنه أوصى بالأشعري عند وفاته إلى زكريا بن يحيى الساجي5، وهو إمام في الفقه والحديث. فوالد الأشعري إذاً من أهل السنة والجماعة، بل من أهل الحديث، ويظهر لنا حرصه وتمسكه بمذهب أهل الحديث ما قام به عند وفاته، حيث دفع ابنه إلى إمام من أئمة الحديث، وهو الحافظ زكريا الساجي محدث البصرة، وقد ذكر الذهبي في التذكرة أن الأشعري أخذ عنه مقالة أهل الحديث، كما ذكر ابن عساكر أن الأشعري روى عنه كثيراً في تفسيره6.
والناظر في ذلك يقول: بأن الأشعري سينهج نهج أبيه وأستاذه المحدث على الدوام، ولكن شاء الله أن يموت أبوه، وهو صغير السن وقت أن كان يتلقى دروسه الأولى1، ولم تحدد لنا المصادر تاريخ وفاته. ولما مات أبوه تزوجت أمه2 برجل من كبار رجال الاعتزال وهو أبو علي الجبائي3، ومن ثم تأثر به الأشعري، ونحا نحو المعتزلة في الأمور الاعتقادية بل إنه برع فيها لدرجة أن شيخه وزوج أمه الجبائي كان ينيبه عنه في المجالس والدروس4. وبذلك اتجه الأشعري منذ حداثة سنه إلى الاعتزال للعلاقة التي نشأت بينه وبين الجبائي المعتزلي، ولم يستطع وقتئذٍ - وهو صغير السن - أن يسير على نهج أبيه، وظل كذلك حتى هداه الله إلى الحق، ورجع عن الاعتزال وفارق الجبائي، وسأذكر ذلك بتفصيل عند الكلام على أطواره وعقيدته - إن شاء الله -. ولقد كان لهذا الاتجاه أثره البالغ في هضم الأشعري لآراء المعتزلة الكلامية وإحاطته بها، ومن ثم تمكن - بعد رجوعه عنها - من الرد عليها ونقدها نقد الخبير المتمكن العارف بأخبارها وأوزارها، كما كان لهذه النشأة أثر سيئ للغاية، وهو صرف الأشعري عن الحديث وعلومه، لو كان له فيه ما لغيره من الأئمة لكان له شأن آخر.
المبحث الخامس: مكانته العلمية وثناء الناس عليه
المبحث الخامس: مكانته العلمية وثناء الناس عليه لقد برع الأشعري في معظم العلوم والفنون، وكتب فيها كتابات قيمة تدل على عمق بحث وسعة أفق. وإذا استعرض الباحث مؤلفاته - التي سأذكرها فيما بعد - يجد أنه كتب في الجدل ورد على أرسطو في كتابه: "السماء والعالم والآثار العلوية" كما رد على الدهرية والمجوس والمشبهة والخوارج والرافضة والقدرية، وبرع في الرد على المعتزلة، بل إنه ألف كتاباً رد فيه على نفسه وقت أن كان معتزلياً كما أنه كان مؤرخاً للعقائد من الصف الأول، وحسبنا في ذلك كتابه "مقالات الإسلاميين" كما أن له إلماماً بالسير والأخبار، وقد ألف كتاباً خاصاً بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم. ومما يفضي إلى العجب أن الرجل كانت له قدم راسخة في علوم الشريعة فقد كتب في القياس والاجتهاد، وألف في خبر الواحد والإجماع، ورد على ابن الراوندي في إنكاره التواتر، وله كتاب ضخم في التفسير. وهذا يدل على علو منزلته وعظيم قدره، ودفع أهل العلم والفضل إلى الثناء عليه، وإليك بعض ما قيل في ذلك: قال الخطيب البغدادي: "أبو الحسن الأشعري المتكلم صاحب الكتب والتصانيف في الرد على الملحدة، وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة"1. وذكر بسنده عن أبي بكر الصيرفي أنه كان يقول: "كانت المعتزلة قد رفعوا رؤوسهم حتى أظهر الله تعالى الأشعري فحجزهم في أقماع السمسم"2. وقال ابن خلكان: "هو صاحب الأصول والقائم بنصرة مذهب السنة وإليه تنسب الطائفة الأشعرية، وشهرته تغني عن الإطالة في تعريفه"3.
وقال ابن العماد: "ومما بيض به وجوه أهل السنة النبوية، وسود به رايات أهل الاعتزال والجهمية، فأبان به وجه الحق الأبلج، ولصدور أهل الإيمان والعرفان أثلج مناظرته مع شيخه الجبائي التي بها قصم ظهر كل مبتدع مرائي"1، ثم ساقها نقلاً عن ابن خلكان، وملخص هذه المناظرة أن الأشعري سأل الجبائي عن ثلاثة إخوة، مات أحدهم بعد تكليفه مستحقاً للجنة والثاني مات بعده مستحقاً للنار، والثالث مات صغيراً، فحين رأى الصغير منزلة الكبير في الجنة قال لربه: هلا بلغتني منزلة هذا، فقال الجبائي يقول الله له: إني علمت أنك لو كبرت كفرت ودخلت النار، فقال الأشعري للجبائي فإذا قال الذي في النار: فهلا أمتني صغيراً فماذا يكون الجواب، وعند ذلك انقطع الجبائي ولم يجد جواباً. كما نقل ابن عساكر2 نقولاً كثيرة عن من تقدمه من العلماء في مدح الأشعري والثناء عليه بما يثبت رجوعه إلى مذهب السلف أهل السنة والجماعة، وهكذا فعل السبكي في الطبقات3.
المبحث السادس: مؤلفاته
المبحث السادس: مؤلفاته سبق أن ذكرت مكانة الأشعري العلمية، وما منَّ الله به عليه من سعة الأفق التي جعلته يكتب بعمق وأصالة في معظم العلوم والفنون. ومؤلفات الأشعري كثيرة للغاية، ولم يتمكن الدارسون والباحثون من العثور إلا على جزء قليل، بل إننا إذا اعتبرنا ما ذكره ابن عساكر في التبيين1، والزركلي في الأعلام2 من أن مؤلفات الأشعري بلغت ثلاثمائة مصنفاً سنقول: إننا لم نعرف الكثير عن أسماء مؤلفاته فضلاً عن محتواها. وقد ذكر ابن حزم أن مؤلفات الأشعري بلغت خمسة وخمسين مصنفاً، ورد ابن عساكر هذا القول وقال: "قد ترك من عدد مصنفاته أكثر من النصف، وذكر أبو بكر بن فورك مسميات تزيد على الضعف"3، وقال السبكي: "ذكر ابن حزم ما وقف عليه في بلاد المغرب"4. ولقد قام بعض المسلمين والمستشرقين بدراسات واسعة عن تراث الأشعري الضخم الذي خلفه للمسلمين5، وذلك بتحقيقه وإخراج ما عثر عليه منه، أو بالكلام حول ما لم يتيسر العثور عليه كما فعل الدكتور "عبد الرحمن بدوي" في كتابه مذاهب الإسلاميين. وآخر ما وصلنا من دراسة لكتب الأشعري، ما قامت به الدكتورة "فوقية حسين" في مقدمتها لكتاب الإبانة. وفي الحقيقة أنها قامت بجهد تشكر عليه في هذا الباب حيث أثبتت تعليقات الباحثين من مسلمين ومستشرقين حول مصنفات الأشعري مع الإدلاء برأيها في ذلك بعد الدراسة والبحث.
ولقد دفعني ذلك إلى الاكتفاء هنا بسرد مؤلفات الأشعري ذاكراً ما تمس الحاجة إلى ذكره، وذلك مثل التعريف ببعض محتويات كتبه، أو بيان صحة نسبتها إليه. وأولى ما يمكن أن يعتمد عليه في ذلك ما ذكره الأشعري نفسه عن مؤلفاته في كتابه "العمد في الرؤية" الذي ساق فيه أسماء كتبه حتى سنة عشرين وثلاثمائة، كما ذكر ذلك ابن فورك، وعقب عليها - أي ابن فورك - بذكر ما جاء بعد هذه السنة من مؤلفات للأشعري حتى تاريخ وفاته، ثم استدرك ابن عساكر على ابن فورك ثلاثة مؤلفات أخر لم يذكرها. ولنبدأ بذكر ما أثبته الأشعري من مؤلفاته، كما جاء في كتابه العمد1. 1- (الفصول) في الرد على الملحدين والخارجين عن الملة. 2- (الموجز) اشتمل على اثني عشر كتاباً على حسب تنوع مقالات المخالفين من الخارجين عن الملة والداخلين فيها، وآخره كتاب الإمامة. 3- (كتاب في خلق الأعمال) نقض فيه اعتلالات المعتزلة والقدرية في خلق الأعمال. 4- (كتاب في الاستطاعة) رد على المعتزلة. 5- (كتاب كبير في الصفات) تكلم فيه عن أصناف المعتزلة والجهمية ورد عليهم، وذكر أنه اثبت فيه الوجه واليدين والاستواء. 6- (كتاب في جواز رؤية الله بالأبصار) نقض فيه جميع اعتلالات المعتزلة. 7- (كتاب كبير في اختلاف الناس في الأسماء والأحكام والخاص والعام) . 8- (كتاب في الرد على المجسمة) . 9- (كتاب في الجسم) ذكر فيه أن المعتزلة لا يمكنهم أن يجيبوا عن مسائل الجسمية، كما يمكنه ذلك، وبين فيه لزوم مسائل الجسمية على أصولهم. 10- (إيضاح البرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان) . 11- (اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع) مطبوع قام بنشره أولا "مكارثي" (مستشرق) ، ثم الدكتور "حمودة غرابة" الذي قدم له وعلق عليه. 12- (اللمع الكبير) وهو مدخل لكتاب إيضاح البرهان الذي سبق ذكره. 13- (اللمع الصغير) وهو مدخل للّمع الكبير.
14- (الشرح والتفصيل في الرد على أهل الأفق والتضليل) جعله مقدمة ينظر فيها قبل كتاب اللمع، وهو للمبتدئين ويصلح للمتعلمين. 15- (كتاب مختصر مدخل إلى الشرح والتفصيل) . 16- (كتاب في نقض كتاب الأصول للجبائي) كشف فيه عن تمويهه في سائر الأبواب، بل إنه ذكر فيه حججاً للمعتزلة لم يذكرها أحد منهم، ثم نقضها بحجج الله وبراهينه. 17- (كتاب كبير نقض فيه الكتاب المعروف بنقض تأويل الأدلة للبلخي) رد فيه على شبهه التي أوردها ومنها الصفات. 18- (مقالات المسلمين) استوعب فيه اختلافهم ومقالاتهم وهو الكتاب المطبوع حالياً باسم "مقالات الإسلاميين". 19- (جمل المقالات) أثبت فيه جمل مقالات الملحدة، وجمل أقاويل الموحدين. 20- (الجوابات في الصفات عن مسائل أهل الزيغ والشبهات) وهو كتاب كبير في الصفات. يقول عنه ابن عساكر: إنه أكبر كتبه1، ويقول عنه الأشعري: "نقضنا فيه كتاباً كنا ألفناه قديماً فيها على تصحيح مذهب المعتزلة، لم يؤلف لهم مثله، ثم أبان الله سبحانه لنا الحق فرجعنا عنه، فنقضناه وأوضحنا بطلانه"2. 21- (كتاب في الرد على ابن الراوندي في الصفات والقرآن) . 22- (كتاب نقض فيه كتاباً للخالدي ألفه في القرآن والصفات قبل أن يؤلف كتابه الملقب بالملخص) . 23- (القامع لكتاب الخالدي في الإرادة) نقض به كتابه في إثبات حدث إرادة الله تعالى، وأنه شاء ما لم يكن، وكان ما لم يشأ. 24- (نقض كتاب المهذب للخالدي) ذكر الأشعري أن الخالدي ألف كتاباً في المقالات فنقضه الأشعري بهذا الكتاب وسماه "الدافع للمهذب"3. 25- (نقض كتاب الخالدي الذي نفى فيه رؤية الله تعالى بالأبصار) . 26- (نقض كتاب الخالدي الذي نفى فيه خلق الله للأعمال وتقديرها) . 27- (كتاب نقض به على البلخي كتاباً ذكر أنه أصلح به غلط ابن الراوندي في الجدل) .
28- (كتاب في الاستشهاد) بين فيه كيف يلزم المعتزلة على محجتهم في الاستشهاد بالشاهد على الغائب، أن يثبتوا علم الله وقدرته وسائر صفاته. 29- (المختصر في التوحيد والعدل) تكلم فيه عن الرؤية وسائر الصفات وأبواب القدر، وقال عنه الأشعري: "سألناهم فيه عن مسائل كثيرة ضاقوا بالجواب عنها ذرعاً ولم يجدوا إلى الانفكاك عنها بحجة سبيلاً"1. 32- (شرح أدب الجدل) . 31- (كتاب الطبرانيين) في فنون كثيرة من المسائل. 32- (جواب الخراسانية) . 33- (كتاب الأرجانيين) . 34- (جواب السيرافيين) . 35- (جواب العمانيين) . 36- (جواب الجرجانيين) . 37- (جواب الدمشقيين) . 38- (جواب الواسطيين) . 39- (جواب الرامهرمزيين) . ما تقدم ذكره من رقم (31 - 39) كتباً تحمل أجوبة من الأشعري لأهل هذه البلاد، ويذكر الأشعري أنها في مسائل من الكلام، وأشياء كانت تدور بينه وبين المعتزلة2. 40- (المسائل المنثورة البغدادية) في مسائل دارت بينه وبين أعلام المعتزلة. 41- (المنتخل) في المسائل المنثورات البصريات. 42- (الفنون في الرد على الملحدين) . 43- (النوادر في دقائق الكلام) . 44- (الإدراك في فنون من لطائف الكلام) . 45- نقض الكتاب المعروف باللطيف على الإسكافي) . 46- (كتاب نقض فيه كلام عباد بن سليمان في دقائق الكلام) . 47- (كتاب نقض فيه كتاباً لعلي بن عيسى) . 48- (المختزن) في مسائل من الكلام.
49- (كتاب في باب "شيء" وأن الأشياء هي أشياء وإن عدمت) قال عنه الأشعري: "رجعنا عنه ونقضناه فمن وقع إليه فلا يعول عليه"1. 50- (كتاب الاجتهاد في الأحكام) . 51- (كتاب في أن القياس يخص ظاهر القرآن) . 52- (كتاب في المعارف) . 53- (كتاب في الأخبار وتخصيصها) . 54- (الفنون) في أبواب من الكلام، وهو غير الفنون في الرد على الملحدين السابق ذكره. 55- (جواب المصريين) في مسائل من الكلام. 56- (كتاب في أن العجز عن شيء ليس العجز عن ضده، وأن العجز لا يكون إلا من الموجود) . 57- (المسائل على أهل التثنية) . 58- (كتاب ذكر فيه جميع اعتراض الدهريين في قول الموحدين) قال عنه الأشعري: "وهو مرسوم بالاستقصاء لجميع اعتراض الدهريين، وسائر أصناف الملحدين"2. 59- (كتاب على الدهريين) . 60- (كتاب نقض به اعتراضاً على داود بن علي الأصبهاني في مسألة الاعتقاد) . 61- (كتاب تفسير القرآن) . رد فيه على الجبائي والبلخي ما حرفا من تأويله. 62- (كتاب زيادات النوادر) . 63- (كتاب جوابات أهل فارس) . 64- (كتاب أخبر فيه عن اعتلال من زعم أن الموت يفعل بطبعه) . 65- (كتاب في الرؤية) رد فيه على الجبائي. 66- (الجوهر في الرد على أهل الزيغ والمنكر) . 67- (كتاب أجاب فيه عن مسائل الجبائي في النظر والاستدلال وشرائطه) . 68- (أدب الجدل) . 69- (كتاب في مقالات الفلاسفة) .
70- (كتاب في الرد على الفلاسفة) قال عنه الأشعري: "يشتمل على ثلاث مقالات، ذكرنا فيه نقض علل ابن قيس الدهري، وتكلمنا فيه على القائلين بالهيولى، والطبائع ونقضنا فيه علل أرسطو طاليس في السماء والعالم، وبيّنا ما عليهم في قولهم بإضافة الأحداث إلى النجوم وتعليق أحكام السعادة والشقاوة بها"1. هذه هي أسماء الكتب التي ذكرها الأشعري في كتابه "العمد في الرؤية"، وبين لنا شيئاً مما احتوت عليه، وذلك بذكر تعريف مختصر عن الكتاب دون ذكر اسمه في الغالب. وقال ابن فورك بعد سرده لها: "هذه هي أسماء كتبه التي ألفها إلى سنة عشرين وثلاثمائة سوى أماليه على الناس والجوابات المتفرقة عن المسائل الواردة من الجهات المختلفات، وسوى ما أملاه على الناس مما لم يذكر أساميه هنا، وقد عاش بعد ذلك إلى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وصنف فيها كتباً منها"2. 71- (نقض المضاهات على الإسكافي في التسمية بالقدر) . 72- (العمد في الرؤية) وهو الكتاب الذي ساق فيه أسماء كتبه السابق ذكرها. 73- (كتاب في معلومات الله ومقدوراته) رد فيه على أبي الهذيل. 74- (كتاب على حارث الوراق في الصفات فيما نقض على ابن الراوندي) . 75- (كتاب على أهل التناسخ) . 76- (كتاب في الرد في الحركات على أبي الهذيل) . 77- (كتاب على أهل المنطق) ذكر ابن فورك أنه مسائل سئل عنها الجبائي في الأسماء والأحكام ومجالسات في خبر الواحد وإثبات القياس3. 78- (كتاب في أفعال النبي صلى الله عليه وسلم) . 79- (كتاب في الوقوف والعموم) . هكذا ورد اسم الكتاب في التبيين، ولم يعلق عليه أحد بشيء حتى نفهم المراد من كلمة "الوقوف" غير أن المستشرق مكارثي ذكر أنه قد يكون في "خلق القرآن" بعد أن أثبت صعوبة فهم المقصود من كلمة "وقوف"4، وقد يكون عنوان الكتاب "الخصوص والعموم" ونقل إلينا بالعنوان الأول من باب الخطأ.
80- (كتاب في متشابه القرآن) . 81- (نقض كتاب التاج على ابن الراوندي) . 82- (كتاب فيه بيان مذهب النصارى) . 83- (كتاب في الإمامة) . 84- (كتاب فيه الكلام على النصارى) ، وقد ذكر ابن فورك: أنه مما يحتج به عليهم من سائر الكتب التي يعترفون بها1. 85- (كتاب في النقض على ابن الراوندي في إبطال التواتر) . 86- (كتاب في حكايات مذاهب المجسمة وما يحتجون به) . 87- (كتاب نقض شرح الكتاب) والعنوان كما ترى لا يفهم المقصود منه وقد أثبتت الدكتورة فوقية دهشة مستشرق مكارثي من هذا العنوان وتذكر أنه أثبت رأي مهرن في قراءة هذا العنوان وهو: (كتاب نقض شرح الكبار) 2. 88- (كتاب في مسائل جرت بينه وبين أبي الفرج المالكي في علة الخمر) . 89- (نقض كتاب الآثار العلوية على أرسطو طاليس) . 90- (كتاب في جوابات مسائل لأبي هاشم استملاها ابن أبي صالح الطبري) . 91- (كتاب الاحتجاج) . 92- (كتاب الأخبار) الذي أملاه على البرهان. 93- (كتاب في دلائل النبوة) . 94- (كتاب في الإمامة) . هذه هي آخر الكتب التي ذكرها ابن فورك عقب ذكر الأشعري لكتبه في كتاب العمد، ولقد نقل ابن عساكر ذلك كله في التبيين، ثم استدرك على ابن فورك كتباً لم يذكرها وهي: 95- (الحث على البحث) . 96- (رسالة في الإيمان) وقد ذكرت الدكتورة فوقية أن شبيتا حققها ونشرها مع ترجمة ألمانية في كتاب له عن الأشعري ومذهبه3.
97- (جواب مسائل كتب بها إلى أهل الثغر في تبيين ما سألوه عنه من المذهب الحق) ، وهي موضوع الرسالة التي نحن بصدد تحقيقها وسيأتي الكلام عليها بالتفصيل - إن شاء الله -. هذا كل ما أثبته ابن عساكر في كتابه التبيين عن كتب الأشعري كما ذكرها الأشعري نفسه وابن فورك. ويلاحظ أنها جميعًا اشتركت في عدم التنصيص على أهم كتاب وردنا عن الأشعري، وهو ما يمثل عقيدته النقية الصافية التي رجع بها إلى أصول مذهب السلف، وهذا الكتاب هو: 98- (الإبانة عن أصول الديانة) . وابن عساكر وإن لم ينص عليه فيما استدركه على ابن فورك إلا أنه نقل كثيراً منه في التبيين، واعتمد عليه في بيان عقيدة الأشعري1، وأشاد به كثيراً، وبين مكانته في نفوس أتباع الأشعري الملتزمين بمنهجه كالحافظ الصابوني الذي ذكر عنه ابن عساكر أنه كان لا يخرج إلى مجلس درسه إلا بكتاب الإبانة، ويقول: "ما الذي عليّ من هذا؟ الكتاب شرح مذهبه"2. وقد ساق ابن درباس في رسالته الذب عن الأشعري عن كثير من العلماء ما يثبت أن هذا الكتاب من تأليفه. وابن النديم (ت/381هـ) وهو قريب العهد بالأشعري يذكر أن للأشعري كتاباً اسمه "التبيين عن أصول الدين"3 ولعله هو الإبانة. ولفضيلة الشيخ حماد الأنصاري رسالة عن الأشعري - أشرت إليها سابقاً - ذكر فيها نقولاً كثيرة عن أهل العلم في إثبات هذا الكتاب للأشعري، بل إن المستشرق جولد تسيهر عدّ الإبانة رسالة مهمة، ومن الوثائق الأساسية في تاريخ العقائد الإسلامية، وأفاد منه مراراً في كتابه "محاضرات في الإسلام" وقرر أنه يمثل العرض النهائي لمذهب الأشعري4.
ولقد طبع هذا الكتاب أكثر من مرة، وأخيراً قامت الدكتورة "فوقية حسين" بتحقيقه والتعليق عليه مع مقدمة واسعة عن الأشعري. وكتاب الإبانة يمثل الطور الأخير لدى أبي الحسن الأشعري، فهو بهذا آخر كتبه، ومما ذكره الدكتور "حمودة غرابة" في مقدمته لكتاب اللمع من أن اللمع متأخر عن الإبانة1، وكذلك الدكتورة فوقية في مقدمتها للإبانة2 قول لا دليل عليه ولا يعتمد على البحث العلمي الدقيق حيث إن معظم المصادر تذكر أنها من آخر كتبه، وهو ما يتفق مع أطواره التي سيأتي الإشارة إليها3. بقي بعد ذلك رسالة مطبوعة ومنسوبة للأشعري لم يرد لها ذكر في القائمة السابقة وهي بعنوان "استحسان الخوض في علم الكلام" ولقد ناقش الدكتور بدوي موضوع هذه الرسالة وتوصل أخيراً إلى أنها ليست من تأليف الأشعري، ورجح أنها من وضع أشعري متأخر عن زمن الأشعري، وقد يكون في القرن الخامس أو السادس4، وقد أيدت الدكتورة فوقية هذا الرأي، وذكرت أنها من الكتب المنسوبة للأشعري5. ويظهر أن هذا رأي صحيح لعدم ورود هذه الرسالة - كما ذكر - في القائمة السابقة، وحتى لو كانت حقاً من تأليف الأشعري، فمما لا شك فيه أنها وقعت منه فترة وجوده على مذهب المعتزلة ودفاعه عن آرائهم ومعتقداتهم، كما ذكر أيضاً الأستاذ "فؤاد سزكين" أن الأشعري له رسالة بعنوان "عقيدة" مخطوطة بمكتبة الأزهر، وهي أربع ورقات ضمن مجموع 511 تحت رقم 3203، ولها نسخة أخرى في برلين تحت رقم 21096. كما ذكر الأستاذ "فؤاد السيد" أن للأشعري كتاباً بعنوان "شجرة اليقين" وهو نسخة مصورة بالفوتوستات عن أصل مكتوب بخط مغربي سنة 11747.
المبحث السابع: المراحل والأطوار التي مر بها
المبحث السابع المراحل والأطوار التي مر بها مر الأشعري بأطوار مختلفة نظراً لاختلاف البيئة التي نشأ فيها وتربى بينها، وقد أشرت إلى ذلك سابقاً، وتكاد المراجع كلها تتفق على أن الأشعري نشأ معتزلياً ثم انتقل إلى المذهب الكلامي، ثم هداه الله إلى الحق ورجع إلى مذهب أهل السنة والحديث. وابن النديم (ت/385هـ) وهو أول من ترجم للأشعري يقول: "كان أولاً معتزلياً ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة يوم الجمعة"1، وقول ابن النديم هذا سار عليه معظم المؤرخين القدامى والمحدثين، إلا أن الحذاق منهم، وأهل الفقه والعلم بعقيدة السلف ذكروا أنه تنقل في أطواره فكان أولاً معتزلياً، ثم سلك طريقاً وسطاً بين الاعتزال وأهل السنة، وأخيراً رجع إلى عقيدة السلف. وعلى هذا فالأطوار التي مر بها الأشعري ثلاثة كما يلي: 1 - الطور الأول: كان فيه معتزلياً يقول بقولهم ويأخذ بأصولهم حتى صار إماماً لهم. 2 - الطور الثاني: خرج فيه على المعتزلة ومال إلى أهل السنة والحديث ولماَّ يلحق بهم. وفي هذا الطور سلك طريقة عبد الله بن سعيد بن كلاب2.
وأنا أرى أن خير كتاب يمثل هذا الطور عند الأشعري - فيما بين يدينا من كتب - هو كتاب (اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع) ، ذلك أن الأشعري يهاجم فيه المعتزلة هجوماً شديداً، ويدخل معهم في مناقشات جدلية تصل إلى حد التعقيد أحياناً، فهو بهذا يتخلص من مذهب الاعتزال ويرد عليه ويفنده، ومع هذا نجد أنه لا يذكر الإمام أحمد ولا يشيد بمذهبه كما فعل في الإبانة، كما أنه لم يتعرض لذكر كثير من الصفات التي يؤمن بها السلف كالوجه والاستواء، ويتكلم عن نظرية الكسب بإسهاب. فلذا أمكن القول بأنه كان في هذا الطور وسطاً بين السلف كالإمام أحمد بن حنبل والمعتزلة، وقد أشار ابن تيمية إلى ذلك في قوله: "وأبو الحسن لما رجع عن مذهب المعتزلة سلك طريقة ابن كلاب ومال إلى أهل السنة والحديث وانتسب إلى الإمام أحمد كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها"1. ويلاحظ أن ابن تيمية هنا ذكر طورين للأشعري دون أن يفصل بينهما ويوضح، وإن كان يفرق بين طريقة ابن كلاب ومذهب الإمام أحمد، ولكني لم أقف على تحديد للمدة التي بقاها الأشعري على طريقة ابن كلاب بعد البحث والتحري، ولكن الثابت عنه أنه انتقل إلى مذهبه، وقد أوضح ذلك وفصله تلميذه الحافظ ابن كثير - رحمه الله - فقال في الطبقة الثالثة من كتابه طبقات الفقهاء عند الشافعية "ذكروا للشيخ أبي الحسن الأشعري ثلاثة أحوال: أولها: حال الاعتزال التي رجع عنها لا محالة. والحال الثاني: إثبات الصفات العقلية السبعة وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وتأويل الخبرية كالوجه واليدين والقدم والساق، ونحو ذلك. والحال الثالث: إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه جرياً على منوال السلف، وهي طريقته في الإبانة التي صنفها آخراً"2. ويقول المقريزي: "إن الأشعري خرج على الاعتزال وأخذ في الرد عليهم وسلك بعض طريق أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن كلاب القطان وبنى على قواعده"3.
وقد فصل هذا الأمر أكثر العالم الفاضل محب الدين الخطيب في تعليقه على المنتقى من منهاج الاعتدال فقال: "أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري من كبار أئمة الكلام في الإسلام، نشأ في أول أمره على الاعتزال وتتلمذ فيه على الجبائي، ثم أيقظ الله بصيرته وهو في منتصف عمره وبداية نضجه، فأعلن رجوعه عن ضلالة الاعتزال ومضى في هذا الطور نشيطاً يؤلف ويناظر ويلقي الدروس في الرد على المعتزلة سالكاً طريقاً وسطاً بين طريقة الجدل والتأويل وطريقة السلف، ثم مَحضّ طريقته وأخلصها لله بالرجوع الكامل إلى طريقة السلف في إثبات كل ما ثبت بالنص من أمور الغيب التي أوجب الله على عباده إخلاص الإيمان بها، وكتب بذلك كتبه الأخيرة ومنها في أيدي الناس كتاب الإبانة، وقد نص مترجموه على أنها آخر كتبه، وهذا ما أراد أن يلقى الله عليه، وكل ما خالف ذلك مما ينسب إليه، أو صارت تقول به الأشعرية فالأشعري رجع عنه إلى ما في كتاب الإبانة"1. ونقطة تحول الأشعري هذه هي أهم شيء حدث له في تاريخ حياته وكان لها أثر كبير في نصرة مذهب السلف أهل السنة والجماعة ودحض الباطل الذي كان عليه قبل ذلك، وخاصة بعد ما حرر نفسه بالرجوع الكامل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وكان ذلك في طوره الأخير وهو: 3 - الطور الثالث: هو الذي أعلن فيه الأشعري انتسابه إلى الإمام أحمد كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه الإبانة، وتصريحه بذلك يدل على أنه وقف على كتب الإمام أحمد، واستقى منها كثيراً في العقيدة، وهذا يظهر في كلامه على الصفات ومطابقته لكلام الإمام أحمد وذلك مثل صفة الكلام، وقد أشرت إلى ذلك في التحقيق. ويذكر في سبب رجوعه عن الاعتزال أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ثلاث مرات، في كل مرة كان يأمره باتباع منهجه وسلوك طريقته2، كما تذكر لنا المصادر - المشار إليها سابقاً - أن الأشعري كان يورد الأسئلة على أستاذه في الدرس، فلا يجد في جوابه ما يكفي
ويشفي، وكان يناظره أحياناً في هذه الأسئلة، ولعل ذلك كان سبباً في رجوعه عن الاعتزال إلى الحق. ولا شك أن الأشعري كان يعيش مرحلة حرجة في تلك الفترة التي سبقت رجوعه إلى منهج السلف بعد إعلانه خروجه من الاعتزال، حتى إنه اعتزل الناس خمسة عشر يوماً في بيته، خرج بعدها بالقرار الذي أعلنه على الناس في المسجد الجامع بالبصرة في يوم الجمعة، حيث رقى كرسياً ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن، وأن الله لا يُرى بالأبصار، وأن أفعال الشر أنا أفعلها، وأنا تائب مقلع معتقد للرد على المعتزلة1. ويلاحظ من هذا القرار أن الأشعري يعلن براءته صراحة من المعتزلة وينص على بعض العقائد التي خرج عليهم فيها، وسلك فيها سبيل أهل الهدى والرشاد. ومن وقت الإعلان بدأ الأشعري يدافع عن عقائد أهل السلف ويحارب المعتزلة بكل ما أوتي من لسان وبيان حتى صار شجى في حلوق المعتزلة.
المبحث الثامن: منهج الأشعري
المبحث الثامن: منهج الأشعري تعدد منهج الأشعري تبعاً لمواقفه المختلفة من العقيدة الإسلامية فنجده أولاً ينهج نهج المعتزلة ويسلك مسلكهم في الاستدلال على العقائد فيقدم العقل على النقل، ولا يهتدي في ذلك بكتاب أو سنة، وبرع في استخدام العقل والمجادلة والنظر حتى أن شيخه الجبائي كان ينيبه عنه في مجلسه وكان هذا في الطور الأول الذي سبقت الإشارة إليه. ولما هداه الله إلى الحق، وخلع ثوب الاعتزال سلك منهجاً آخر، وهو التسليم لما جاء به النقل مع محاولة تحليل ما يتعارض مع رأيه بالعقل، مثل قوله في نظرية الكسب1 كما جاءت في كتابه اللمع، وكذلك سكوته عن الصفات الخبرية وعدم ذكره لها، ويعدّ ذلك مرحلة انتقالية من مذهب تصور أصوله ومسائله إلى مذهب آخر لم يقف إلا على القليل منه، وكان ذلك في طوره الثاني. ولما استقر على مذهب السلف أهل السنة والجماعة، ووقف على مسلكهم ممثلاً في الإمام أحمد بن حنبل الذي شاد به وأثنى عليه في طوره الأخير نهج نهجهم وسلك طريقتهم، والتي تعتمد أساساً على الكتاب والسنة، وقد صرح بذلك في كتابه الإبانة، والرسالة التي معنا. وعلى هذا يمكن أن نقرر أن الأشعري كان ينطلق من منطلق السلف في هذه المرحلة، ويقدم النقل على العقل، ويجعل العقل تابعاً لما ورد به النص ويؤمن بأسماء الله وصفاته وجميع ما جاء به النقل من الغيبيات، ويرى الاحتجاج بأحاديث الآحاد، بل يستدل بها في العقيدة، ثم في النهاية يستخدم الحجج العقلية ليدحض آراء الخصوم ويؤيد النص المنزل من عند الله، وقد شهد له ابن تيمية - رحمه الله - بذلك فقال: "والأشعري يثبت الصفات بالشرع تارة وبالعقل أخرى، ولهذا يثبت العلو ونحوه مما تنفيه المعتزلة، ويثبت الاستواء على العرش، ويرد على من تأوله بالاستيلاء ونحوه مما لا يختص بالعرش"2.
ويقول في موطن آخر: "وليس للأشعري نفسه في إثبات صفة الوجه واليد والاستواء وتأويل نصوصها قولان، بل لم يختلف قوله إنه يثبتها ولا يقف فيها، بل يبطل تأويلات من ينفيها"1. كما تكلم الدكتور "محمد أبو زهرة" عن منهج الأشعري وحدده في نقاط أربع كما يلي: 1 - أنه يرى أن يأخذ بكل ما جاء به الكتاب والسنة من عقائد، ويحتج بكل وسائل الإقناع والإفحام. 2 - أنه يأخذ بظواهر النصوص في الآيات التي يظن أنها توهم التشبيه من غير أن يقع في التشبيه2، فهو يعتقد أن لله وجهاً لا كوجه العبيد، وأن لله يداً لا تشبه أيدي المخلوقات. 3 - أنه يرى أن أحاديث الآحاد يحتج بها في العقائد وهي دليل لإثباتها وقد أعلن اعتقاد أشياء ثبتت بأحاديث الآحاد. 4 - أنه في آرائه كان يجانب أهل الأهواء جميعاً ومنهم المعتزلة ويجتهد في ألا يقع فيما وقع فيه كثير من المنحرفين. ثم عقب أبو زهرة على ذلك بقوله: "وقد سلك الأشعري في الاستدلال على العقائد مسلك النقل ومسلك العقل، فهو يثبت ما جاء به القرآن الكريم والحديث الشريف من أوصاف الله ورسله واليوم الآخر والملائكة والحساب والعقاب والثواب ويتجه إلى الأدلة العقلية، والبراهين المنطقية يستدل بها على الله سبحانه وتعالى … "3. كما حددت الدكتورة "فوقية حسين" منهج الأشعري في المسائل الدينية والاعتقادية من خلال كتبه وخرجت منها بعدة أصول سار عليه الأشعري في كتبه، وهي في جملتها الأصول التي عليها السلف الصالح وهي كما يلي:
الأصل الأول: إعطاء الأولوية للنص المنزل قرآناً كان أم سنة. الأصل الثاني: تفسير القرآن بالقرآن. الأصل الثالث: تفسير القرآن بالحديث. الأصل الرابع: أخذه بما أجمع عليه السلف قبله. الأصل الخامس: أن القرآن الكريم على ظاهره وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا بحجة. الأصل السادس: الاعتقاد واليقين بأن الله خاطب العرب بلغتهم. الأصل السابع: مراعاة مناسبة النزول. الأصل الثامن: مراعاة الخصوص والعموم1. والناظر في هذه الأصول يتبين له أنها أصول سليمة لفهم القرآن والسنة والسائر عليها لا شك متبع لطريق الهدى والرشاد وهو ما صار عليه الأشعري أخيراً بعد عودته إلى مذهب السلف، ولقد اتبع هذه الأصول في كتابه الإبانة والرسالة التي نحن بصدد تحقيقها. هذا هو منهج الأشعري الذي سلكه وسار عليه بعد رجوعه عن الاعتزال والكلابية مع ميوله إلى النزعة الكلامية في تأييده لهذا المنهج وذلك بسبب نشأته الأولى الاعتزالية وقيامه بالدفاع عن العقيدة الإسلامية ضد من انحرفوا عنها من المتكلمين، فكان لابد له من سلوك طريقتهم في الرد عليهم لأنهم لا يقتنعون بأدلة النصوص. ولقد خالف هذا المنهج تلامذة الأشعري والمنتسبون إليه من بعده حتى وصل إلى طور جديد نوضحه في المبحث التالي - إن شاء الله -.
المبحث التاسع: مخالفة الأشعريين لمنهج الأشعري
المبحث التاسع: مخالفة الأشعريين لمنهج الأشعري لقد تطور المذهب الأشعري تطوراً سريعاً ومخالفاً لما كان عليه واضعه الذي ينتسب المذهب إليه، حيث أصبح أتباع الأشعري يسلكون منهجاً آخر يخالف المنهج المذكور عن الأشعري سابقاً، وتعرضوا لآيات الصفات، فلم يثبتوا منها إلا ما أثبته العقل فقط، أما ما لا مجال للعقل فيه فتعرضوا له بالتأويل والتعطيل، ثم نسبوا ذلك كله للأشعري، دون أن يبينوا للناس أن هذا هو مذهب الأشعري الكلابي الذي كان عليه قبل أن يرجع إلى عقيدة السلف، ولكنه بعد رجوعه عنه لا يصح أن ينسب إليه. ولتوضيح هذه الحقيقة سأسوق هنا كلام بعض من جاء بعد الأشعري في بعض الصفات وموقفهم منها، ومدى موافقته لمذهب الأشعري أو مخالفته. أثبت الأشعري في كتابه الإبانة1، والرسالة التي نحن بصدد تحقيقها أن الله استوى على العرش، وأن عرشه فوق سماواته وأبطل قول المعتزلة في تأويلهم الاستواء بالاستيلاء فقال: "وأنه تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وقد دل على ذلك بقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْض} ، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وليس استواه على العرش استيلاء كما قال أهل القدر، لأنه عز وجل لم يزل مستوياً على كل شيء"2. ومع هذا التصريح الواضح من الأشعري عن هذه الصفة وموقفه منها نجد أتباعه من بعده يذهبون فيها مذهباً آخر تماماً وهذا المذهب قد نص الأشعري نفسه على فساده وبطلانه. فعبد القاهر البغدادي (ت/429هـ) وهو من كبار الأشاعرة ينسب إلى الأشعري قولاً لم يقله في هذه الصفة وذلك بعد رجوعه إلى مذهب السلف، وهو أن الله أحدث فعلاً في العرش سماه استواء، ثم يقول: "والصحيح عندنا تأويل العرش في هذه الآية على معنى الملك، كأنه أراد أن الملك ما استوى لأحد غيره"3.
وإذا ذهبنا إلى أشعري آخر ينتسب إلى أبي الحسن الأشعري فسنجد نفس التأويل بل أشد. فأبو حامد الغزالي (ت/505هـ) وهو من المعدودين عند ابن عساكر من الطبقة الخامسة السائرين على منوال الأشعري1 يذهب إلى أن الاستواء بمعنى الاستيلاء ويدافع عن ذلك دفاعاً شديداً فيقول: "ويصلح الاستيلاء عليه - أي على العرش - لأن يمتدح به، وينبه به على غيره الذي هو دونه في العظم، فهذا مما لا يحيله العقل، ويصلح له اللفظ، فأخلق بأن يكون هو المراد قطعاً، أما صلاح اللفظ له فظاهر عن الخبير بلسان العرب، وإنما ينبو عن فهم مثل هذا أفهام المتطفلين على لغة العرب الناظرين إليها من بعد الملتفتين إليها التفات العرب إلى لسان الترك حيث لم يتعلموا منها إلا أوائلها، فمن المستحسن في اللغة أن يقال: استوى الأمير على مملكته، حتى قال الشاعر: قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق"2 وإذا جئنا إلى صفة أخرى كاليد مثلاً نجد أن الأشعري يثبت اليدين صفة لله عز وجل، ويقرر أن هذه الصفة لا يمكن أن يكون المراد بها النعمة أو القدرة كما ذهب إلى ذلك من ذهب من المعطلين بعده وقبله فيقول: "وأن له تعالى يدين مبسوطتين، وأن الأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوارحاً، وأن يديه غير نعمته، وقد دل على ذلك تشريفه لآدم عليه السلام حيث خلقه بيده، وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} "3. ومع هذا التصريح الواضح من الأشعري في إثبات هذه الصفة نجد تلامذته من بعده يؤولونها ويذهبون فيها المذهب الذي نص الأشعري نفسه على بطلانه كما سبق في صفة الاستواء فالبغدادي يقول فيها: "وقد تأول بعض أصحابنا اليد على معنى القدرة وذلك صحيح على المذهب إذا أثبتنا لله القدرة، وبها خلق كل شيء، ولذلك قال في آدم عليه السلام {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ووجه تخصيص آدم بذلك أنه خلقه بقدرته لا على مثال
له سبق، ولا من نطفة، ولا نقل من الأصلاب إلى الأرحام، كما نقل ذريته من الأصلاب إلى الأرحام"1. وهكذا نجد أتباع الأشعري والمنتسبين إليه يضعون مذهباً لأنفسهم بعيداً كل البعد عن عقيدة الأشعري التي لقي الله عليها فأولوا الصفات التي أثبتها الأشعري لله عز وجل، وتلقى الناس عنهم ذلك على أنه مذهب الأشعري وقد سار في هذا المنوال جميع المتأخرين المنتسبين إليه بلا استثناء كالفخر الرازي والنسفي وابن عاشر والباجوري وغيرهما كثير، بل إن كثيراً من الجامعات الإسلامية اليوم تدرس هذا المذهب الباطل المنسوب إلى الأشعري على أنه مذهب الأشعري، والأشعري منه بريء، كما يلاحظ أنهم يطلقون على هذا المذهب مذهب أهل السنة والجماعة باعتبار أنه منسوب لإمام أهل السنة والجماعة وهو الأشعري وكل ذلك زعم باطل وقول غير سديد. ولولا الرغبة في الاختصار لعرضت لأمثلة كثيرة من هذا النوع، ولكني أكتفي بما سبقت الإشارة إليه كدليل واضح لما أردت الوصول إليه من حقيقة وهي: أن بين الأشعري والأشاعرة فجوة كبيرة، أحدثها المنتسبون إليه بخروجهم عن عقيدته، وهذا ضياع للحقيقة وهدم لمكانة الأشعري السلفية التي رجع إليها بانتسابه إلى الإمام أحمد كما أوضحت سابقاً. ولقد تبين لكثير من العلماء والباحثين مدى مخالفة الأشاعرة لإمامهم الأشعري فنصوا على ذلك في كتبهم وسأسوق هاهنا بعضاً مما وقفت عليه من ذلك تأكيداً لهذه الحقيقة، وأسأل الله جل ذكره أن يكون فيما أكتب مفتاحاً لطلاب الحق حتى يصلوا إليه. يقول ابن تيمية وهو بصدد الكلام على أتباع الأشعري: "…ولم يكن الأشعري وأئمة أصحابه على هذا، بل كانوا موافقين لسائر أهل السنة في وجوب تصديق ما جاء به الشرع مطلقاً، والقدح فيما يعارضه، ولم يكونوا يقولون: الأدلة السمعية، لا تفيد اليقين، بل كل هذا مما أحدثه المتأخرون الذين مالوا إلى الاعتزال والفلسفة من أتباعهم"2. وهذا ينطبق على الأشعري بعد رجوعه إلى مذهب السلف وترك الاعتزال والعقيدة الكلابية التي كان عليهما فترة من الزمن.
ويقول المقريزي (ت/845هـ) بعد ما ذكر جملة أصول عقيدة الأشعري: "والأشعرية يسمون الصفاتية لإثباتهم صفات الله تعالى القديمة، ثم اختلفوا في الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة كالاستواء والنزول والأصبع واليد والقدم والصورة والجنب والمجيء على فرقتين: فرقة تؤول جميع ذلك على وجوه محتملة اللفظ، وفرقة لم يتعرضوا للتأويل ولا صاروا إلى التشبيه ويقال لهؤلاء الأشعرية الأثرية"1. ويقول محب الدين الخطيب: "أما الأشعرية أي المذهب المنسوب إليه في علم الكلام فكما أنه لا يمثل الأشعري في طور اعتزاله، فإنه ليس من الإنصاف أيضاً أن يلصق به فيما أراد أن يلقى الله عليه، بل هو مستمد من أقواله التي كان عليها في الطور الثاني، ثم عدل عن كثير منها في آخرته التي أتمها الله عليه بالحسنى"2. ويقول أئمة المستشرقين في العالم: "وإن منهج الأشعري في التدليل في عين القارئ الأوربي لا يختلف للنظرة الأولى عن منهج أتباع أحمد بن حنبل المغالين في المحافظة؛ ذلك أن كثيراً من حججه يقوم على تفسير القرآن والحديث على أن السبب في ذلك كان مرجعه إلى أن خصومه أيضاً بما فيهم المعتزلة أنفسهم قد استعانوا بحجج من هذا القبيل، وأن الأشعري كان يعتمد دائماً على مخاطبة عواطف المرء لا عقله، ومع ذلك فإن خصومه حين يسلمون بدليل عقلي صرف، فإن الأشعري كان لا يتردد في استخدامه في دحض أقوالهم وما إن تقرر جواز مثل هذه الحجج في نظر كثير من المتكلمين على الأقل، حتى استطاع الأشعرية أن ينموا هذا الجانب من منهجه، وانتهى الأمر في القرون المتأخرة بأن أصبح الكلام عقلياً تماماً، على أن هذا كان بعيداً أشد البعد من مزاج الأشعري نفسه"3. ثم استمروا يوضحون هذه الحقيقة إلى أن قالوا: "وختاماً يجوز لنا أن نقول: إن المذهب قد اختفى في وهج من الفلسفة"4. ويقول الدكتور حمودة غرابة: "أما مذهب الأشعري نفسه فقد مزجه أغلب أتباعه بآرائهم، ومن حاول منهم كالشهرستاني أن يضعه في صورة خاصة تميزه عن رأي تلامذته، فإنه لم يسلم من الخطأ في هذا التصوير مما كان له أسوأ الأثر في تكوين فكرة خاطئة عن هذا المذهب في نفس قارئه ومن تعرض لذلك"5.
المبحث العاشر: وفاته
المبحث العاشر: وفاته اختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاة الأشعري، ومعظم المؤرخين ذكر أكثر من تاريخ، وكلها تدور في أنه مات بين سنة عشرين وثلاثمائة وبين سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة1، وبعض المؤرخين ذكره فيمن مات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة ومن هؤلاء ابن كثير2، وابن تغرى بردى3، والذهبي4، ورجحه السبكي في الطبقات5، وجزم به ابن عساكر في التبيين6 معللاً أن ابن فورك هو الذي ذكر هذا التاريخ وابن فورك تلميذ الباهلي، وهو تلميذ الأشعري، وبناءً على ما تقدم تكون وفاة الأشعري سنة 324هـ؛ إذ خير من يعتمد عليه في معرفة وفاة العلماء تلاميذهم.
الفصل الثالث: شيوخه وتلاميذه
الفصل الثالث: شيوخه وتلاميذه المبحث الأول: شيوخه ... المبحث الأول شيوخه علمنا مما سبق أن الأشعري عاش فترته الأولى من حياته إلى سن الأربعين من عمره على مذهب الاعتزال، وكان الجبائي1 هو شيخه الوحيد في هذه الفترة. ولما هداه الله إلى الحق وخلع ثوب الاعتزال وتخلص من المذهب الكلابي تتلمذ على أئمة أهل السنة والجماعة، وقد وصلنا من شيوخه في هذه الفترة ما يلي: 1 - أبو خليفة الجمحي: هو الفضل بن الحباب الجمحي البصري مسند العصر، وكان محدثاً متقناً ثبتاً إخبارياً عالماً، روى عن مسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب وطبقتهما، وتوفي عام (305هـ) 2. 2 - ابن سريج: هو أحمد بن سريج القاضي أبو العباس البغدادي (ت/306هـ) إمام أصحاب الشافعي في وقته، شرح المذهب ولخصه، وحدث شيئاً يسيراً عن الحسن بن محمد الزعفراني، وعباس بن محمد الدوري، ومحمد ابن عبد الملك الدقيقي، وأبي داود السجستاني ونحوهم3.
3 - الحافظ زكريا الساجي: هو الإمام الحافظ محدث البصرة أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي (ت/ 307هـ) وعنه أخذ الأشعري تحرير مقالة أهل الحديث والسلف، وروى عنه بعض الأحاديث1. 4 - أبو إسحاق المروزي: هو إبراهيم بن أحمد بن إسحاق المروزي الفقيه الشافعي إمام عصره في الفتوى والتدريس، أخذ الفقه عن أبي العباس بن سريج وبرع فيه وانتهت إليه الرئاسة بالعراق بعد ابن سريج (ت/ 340هـ) 2. وهؤلاء المشايخ سلفيون، لأن الأشعري أخذ عنهم بعد رجوعه إلى مذهب السلف كما ذكرت ذلك في الصفحة السابقة.
المبحث الثاني: تلاميذه
المبحث الثاني: تلاميذه لقد اهتم ابن عساكر1 من بين المؤرخين الذين كتبوا عن الأشعري بالحديث عن تلامذته والآخذين منه، واستدل بذلك على عظم منزلته وجلالة قدره - رحمه الله -، وقد قسم ابن عساكر الآخذين عن الأشعري إلى خمس طبقات بدأ فيها بأصحابه الذين أخذوا منه وأدركوه واعتبرهم الطبقة الأولى ثم أتبع ذلك بمن أخذ عن تلامذة الأشعري واعتبرهم الطبقة الثانية، وهكذا إلى أن وصل إلى الطبقة الخامسة. وينبغي التنبيه هنا على أن هؤلاء التلاميذ المذكورين في الطبقات الخمس عند ابن عساكر ليسوا جميعاً قائلين بمذهب الأشعري السلفي وإن انتسبوا إليه وأخذوا ببعض أقواله وخاصة في المرحلة الثانية التي عاشها من حياته - كما أوضحت سابقاً -. وسأكتفي هنا بذكر الآخذين عن الأشعري نفسه وهم كما يلي: 1 - أبو عبد الله بن مجاهد البصري. 2 - أبو الحسن الباهلي البصري. 3 - أبو الحسين بندار بن الحسين الشيرازي. 4 - أبو بكر القفال الشاشي. 5 - أبو سهل الصعلوكي النيسابوري. 6 - أبو زيد المروزي. 7 - أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي. 8 - أبو بكر الجرجاني المعروف بالإسماعيلي. 9 - أبو الحسن عبد العزيز بن محمد بن إسحاق الطبري. 10 - أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري. 11 - أبو جعفر السلمي البغدادي النقاش. 12 - أبو عبد الله الأصفهاني.
13 - أبو محمد القرشي الزهري. 14 - أبو بكر البخاري المعروف بالأودني الفقيه. 15 - أبو منصور بن حمشاد النيسابوري. 16 - أبو الحسين بن سمعون البغدادي. 17 - أبو عبد الرحمن الشروطي الجرجاني. 18 - أبو علي الفقيه السرخسي.
الباب الثاني: التعريف بالكتاب ووصف المخطوطة
الباب الثاني: التعريف بالكتاب ووصف المخطوطة الفصل الأول: التعريف بالكتاب المبحث الأول: اسم الكتاب ... المبحث الأول: اسم الكتاب لم يذكر مؤلف الكتاب عنواناً مثبتاً باسم معين، ولعل السبب في ذلك هو أنه عبارة عن أجوبة موجهة إلى أهل الثغر بباب الأبواب فيما سألوه عنه من مذهب أهل الحق، ولذلك يمكن لنا أن نقول: إن مؤلف الرسالة لم يضع لنا عنواناً تعرف به للسبب السابق ذكره. ومن هنا عرفها من جاء بعده بنسبتها إلى المكان المرسلة إليه فقال ابن عساكر فيها: "جواب مسائل كتب بها إلى أهل الثغر في تبيين ما سألوه عنه من مذهب أهل الحق"1. وقال عنها ابن تيمية: رسالة أهل الثغر2. وهكذا ذكرها فؤاد سزكين3. وذكرها ابن القيم في نونيته باسم "رسائل الثغر"4. ولم أجد لهذه الرسالة غير ذلك فيما بين يدينا من المراجع، ولكن إحدى نسخ هذه المخطوطة كتب عليها ناسخها "الأصول الكبير"، ولا شك أن الناسخ اجتهد في وضع هذا العنوان لهذه الرسالة نظراً لما احتوت عليه من أصول الدين وهو العقيدة، وهذا يدل على أهمية هذه الرسالة في بابها والذي فعل ذلك هو الناسخ "أحمد سعيد" هندي. ولم نقف له على ترجمة كما لم نعرف تاريخ النسخ. وسيأتي الكلام في ذلك بتفصيل - إن شاء الله تعالى -.
المبحث الثاني: موضوع الكتاب وتحليل محتوياته
المبحث الثاني: موضوع الكتاب وتحليل محتوياته بدأ الأشعري كتابه هذا بحمد الله والثناء عليه، ثم عقب بالصلاة والسلام على النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - ناعتاً له بصفاته الحميدة التي على رأسها تبليغ رسالة ربه إلى الناس كافة. ثم وجه الخطاب مباشرة إلى أهل الثغر بباب الأبواب، فذكرهم بنعم الله عليهم التي تستوجب حمده وشكره، وعرَّفهم بما يريد أن يكتب لهم فيه وهو بيان ما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم إلى زمن الأشعري. وبدأ كلامه ببيان أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس كافة في وقت طغى فيه الباطل على الحق، حتى اندرست، أو ضاعت معالمه، وتمسك كل قوم بدين حسب ما أملاه عليهم الشيطان والهوى، وتحقق فيهم قول الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} 1. في هذا الجو بعث النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الناس إلى الله وإلى عبادته وحده دون سواه ملفتاً نظرهم إلى آثار قدرة الله فيهم والتي أوجدتهم من العدم مشيراً إلى بعض الآيات القرآنية الداعية إلى النظر في خلق الإنسان وأطواره، ثم استخلص من هذه المقدمة أن الإنسان حادث بعد أن لم يكن، وعليه فليس بقديم، كما أن له محدِثاً أحدث وجوده، واستدل على وجود الله وحدوث الإنسان من وجود الإنسان نفسه، وأشار إلى أن الله أكد هذا الطريق حينما دعا العباد جميعاً إلى أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض، وما بث فيهما من منافع ومصالح لا تخفى على كل ناظر. وبعد ما ذكر الأشعري ذلك، وبيّن أن الله هو الذي خلق كل شيء أبطل قول الفلاسفة القائلين بالطبائع، أي أن هذه الأشياء وجدت من الطبيعة وعن طريق الصدفة لا غير.
ثم انتقل إلى الكلام على وحدانية الله عز وجل، وأنه سبحانه واحد لا شريك له، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 1، وبينتُ هناك في تعليقي على الآية مدى صحة الاستدلال بها في هذا الموضع. ثم تعرض لقضية البعث والإعادة، ورد على المشركين الذين عبدوا الأصنام المنحوتة بأيديهم من دون الله، مؤيداً قوله بآيات من القرآن الكريم. ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحجة على أهل الكتاب من خلال ما جاء في كتبهم عنه، وذلك كاسمه وصفته كما تحداهم بالمباهلة فنكصوا على أعقابهم لعلمهم بصدقه، وبدأ بتقرير نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم من خلال ما أيد به من معجزات، وبدأ بالمعجزة الكبرى الخالدة ألا وهي "القرآن الكريم" مشيراً إلى بعض وجوه الإعجاز فيه، ثم ذكر بعض المعجزات الحسية التي وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم كتكثير الطعام وزيادة الماء ونبعه من بين أصابعه، وكلام الذئب عنه، وشهادته له بالرسالة وإخبار الذراع له بأنها مسمومة، وانشقاق القمر، ومجيء الشجر إليه وانصرافه بأمره، وإخباره ببعض الغيبيات التي يطلعه الله عليها لمصلحة الدعوة والرسالة كما أشار إلى عصمة الله لنبيه حتى بلغ الرسالة وأوضح الحجة وأقامها على العباد، ولم يؤخر بيان ما أمر به عن وقت الحاجة. ثم أشار الأشعري إلى اتفاق السلف على ما سبق ذكره من حدوث العالم وتوحيد محدثه، والإقرار بصفاته ورد جميع الأمور إليه، وسيأتي ذكر ذلك بتفصيل في الباب الذي عقده لهذا الغرض, كما ذكر أن السلف تمسكوا بما جاءهم من الوحي، ولم يكلفوا أنفسهم البحث إلا فيما يجِّد من الحوادث التي تقع بينهم، وتتطلب الاجتهاد، كما قطعوا عذر من جاء بعدهم بنقلهم الكتاب والسنة إليهم، كما بلغهم إياها الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه الصدق والأمانة، كما هو معلوم عند أهل النقل من المحدثين والفقهاء. ثم قرر أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي أوضح في الدلالة والحجة والبرهان، بخلاف ما استدل به الفلاسفة ومن سلك مسلكهم من أهل البدع المنحرفين عن التمسك بالسنن والآثار، وخاصة فيما ذهبوا إليه من القول بالجوهر والعرض لإثبات حدوث العالم، وقرر الأشعري أنها طريقة مخالفة لطريقة الأنبياء، وفيها من الخفاء والغموض ما يجعلها عاجزة عن إقامة دليل على هذه القضية، ومن هنا تمسك سلفنا الصالح بما جاء به الوحي، وأعرضوا عن كل طريق يخالفه، واحتاطوا في نقل الرواية عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتثبت من عدالة الرواة، والسفر الطويل إلى المكان البعيد حرصاً على معرفة الحق من وجهه، وطلباً للأدلة الصحيحة فيه. كما حفظ الله كتابه من أن تمتد إليه يد التحريف أو التبديل، وبذلك حفظ الله دينه وأتم على العباد نعمته، ومن هنا يجب أن تختفي كل ملامح الفلسفات والبدع المحدثة من أهل الأهواء، لأنها لا مجال لها مع البيان والبرهان الساطع، ولم ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه إلا بعد إرسائه لقواعد الدين، وتركه رجالاً تعلموا الكتاب والسنة، وكانوا على خير هدي وأحسن طريق؛ ولذلك عقد الأشعري باباً ذكر فيه معتقد هؤلاء الأخيار وما أجمعوا عليه من أصول الدين والتي بلغت في عدّه لها واحداً وخمسين إجماعاً، وهي على الترتيب كما يلي: الإجماع الأول: ويشتمل على نقطتين: الأولى: إثبات حدوث العالم، وأنه وجد بعد أن لم يكن موجوداً. الثاني: إثبات الأسماء الحسنى والصفات العلا للذات العلية مع ذكر بعض الصفات. الإجماع الثاني: بيان أن إثبات الأسماء والصفات لا يقتضي مشابهة المخلوق للخالق، كما أشار إلى حدوث العالم. الإجماع الثالث: يذكر الأشعري في هذا الإجماع بعض صفات الله عز وجل ويبين أن هذه الصفات كما تطلق على الخالق، فهي تطلق على المخلوق، ولا يقتضي مجرد الاشتراك في الاسم المشابهة بين الله وبين خلقه، وهذا واضح للغاية. الإجماع الرابع: ذكر أيضاً بعض الصفات، ثم ذكر أن صفات الله أزلية قديمة ليس شيئاً منها محدثاً، فالله بصفاته وذاته إله واحد فكما أن ذاته قديمة فكذلك صفاته كلها قديمة. الإجماع الخامس: يدخل الأشعري في هذا الإجماع في نقاش طويل مع المعتزلة ويغلب على كلامه النزعة الكلامية، لأنه يخاطب أهل الكلام، وكان أحياناً يستعمل بعض الألفاظ التي كان السلف لا يستعملونها، وذلك كلفظ الجسم مثلاً، وخلاصة ما ذكره في هذا الإجماع هو، قوله للمعتزلة أنتم تثبتون الأسماء دون الصفات، والأسماء مشتقة من الصفات فكيف تثبتون المشتق دون المشتق منه؟. الإجماع السادس: يثبت فيه صفة الكلام لله عز وجل ويستدل على ذلك بأدلة من القرآن وبقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وإقرار الصحابة له.
الإجماع السابع: يثبت فيه صفة السمع والبصر لله عز وجل، ثم يتكلم عن ثبوت صفة اليدين للذات العلية، وأبطل حجة من زعم أن اليد بمعنى النعمة. الإجماع الثامن: يذكر فيه الإجماع على مجيء الرب عز وجل يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده مستنداً في ذلك إلى ما جاء في القرآن الكريم، ثم ينتقل إلى ذكر إجماع السلف على نزول الرب عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا مستنداً في ذلك إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في النزول. الإجماع التاسع: يستهل الأشعري هذا الإجماع بالكلام على صفة الرضا والغضب، إلا أن كلامه عنهما ليس صريحاً في إثباتهما، ثم انتقل إلى الكلام على استواء الله على عرشه مستدلاً بآيات الكتاب العزيز، كما أبطل قول من زعم أن الاستواء هو الاستيلاء، وبين وصرح أن علوه على عرشه حقيقة مع ثبوت معيته لعباده بالعلم والإحاطة، كما تعرض للكرسي الثابت بالقرآن والسنة. الإجماع العاشر: تأكيد لما سبق ذكره في الإجماع الثاني من إثبات الصفات دون تشبيه أو تكييف. الإجماع الحادي عشر: تكلم فيه عن رؤية المؤمنين لربهم في يوم القيامة مستدلاً بالقرآن والسنة، كما رد على المانعين للرؤية وأبطل حجتهم التي ذهبوا إليها. الإجماع الثاني عشر: رد على المعتزلة القائلين بوجوب فعل الأصلح على الله عز وجل، وأنه لم يضل الكافرين. الإجماع الثالث عشر: رد على المعتزلة القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين وبين أن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح مثله، وقد بينت في التحقيق هناك حقيقة وقفة السلف في هذه القضية. الإجماع الرابع عشر: تكلم فيه عن التسليم والرضا بقضاء الله وقدره في الواجبات والمنهيات الشرعية. الإجماع الخامس عشر: نص فيه على أن الله سبحانه وتعالى عادل في جميع أفعاله وأحكامه. الإجماع السادس عشر: تكلم فيه عن تقدير الله وكتابته لما هو كائن إلى يوم الدين. الإجماع السابع عشر: عن تقسيم الله لخلقه في الأزل فرقتين. الإجماع الثامن عشر: متفرع عما قبله من إجماعات سبقت حول القضاء والقدر.
الإجماع التاسع عشر: إثبات أن الله خالق لجميع الحوادث، ولا خالق لها غيره من القرآن. الإجماع العشرون: الإشارة إلى أسباب الهداية والضلال. الإجماع الحادي والعشرون: إثبات الغنى المطلق لله عز وجل، وحاجة العباد جميعاً إليه. الإجماع الثاني والعشرون: إثبات أن الإنسان لا يفعل شيئاً إلا بتقدير الله له وعلمه إياه. الإجماع الثالث والعشرون: الإشارة إلى أن الله كلف العباد جميعاً الإيمان به وزودهم بطرق المعرفة المؤدية إلى ذلك، ومنها بعثة الرسل عليهم السلام. الإجماع الرابع والعشرون: بيان أن من ترك طريق الهداية وسار في طرق الضلالة أنه من الآثمين المذمومين. الإجماع الخامس والعشرون: بيان أن الكفار اختاروا لأنفسهم طريق الكفر، ولو كرهوه لآمنوا، ولكنهم أعرضوا عن الإيمان فوقعوا في الكفر. الإجماع السادس والعشرون، والسابع والعشرون: بيان أن الله سبحانه وتعالى أقدر العباد بقدرة قبل الفعل بها كان الأمر والنهي، كما أن لكل فعل قدرة أخرى تخصه عند القيام بالفعل المعين. الإجماع الثامن والعشرون: إثبات أن جميع أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ولا يخرج شيء في ملكه عن علمه وإرادته. الإجماع التاسع والعشرون: بيان أن الله يتفضل على بعض خلقه فيشرح صدورهم للإسلام، ولا يتفضل على آخرين فيحدث العكس، وأنه سبحانه لا يجب عليه فعل الأصلح لعباده. الإجماع الثلاثون والحادي والثلاثون والثاني والثلاثون: هذه الإجماعات الثلاثة متفرعة عما قبلها فيما يختص بالقضاء والقدر. الإجماع الثالث والثلاثون: يحذر من الاعتراض على حكم الله تعالى وإرادته وأن من فعل ذلك صار متبعاً لإبليس - عليه لعنة الله -.
الإجماع الرابع والثلاثون: نص فيه على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لأمته أصول الدين وفروعه مع الاستشهاد بحديث سؤال جبريل. الإجماع الخامس والثلاثون: ذكر إجماع السلف على أن الإيمان يزيد وينقص. الإجماع السادس والثلاثون: بيان أن المؤمن لا يخرج بمعاصيه عن الإيمان كما رد على المخالفين في ذلك بأدلة من القرآن الكريم. الإجماع السابع والثلاثون: متفرع عما قبله. الإجماع الثامن والثلاثون: الإيمان بالكرام الكاتبين. الإجماع التاسع والثلاثون: نص الأشعري في هذا الإجماع على كثير من الأمور الغيبية التي يجب التسليم بها، وذكر منها عذاب القبر وسؤاله وفتنته والصور والنفخ فيه، وإعادة الناس بعد النفخ للحساب والجزاء، ونصب الموازين لوزن الأعمال وإخراج الصحف التي كتبتها الملائكة. الإجماع الأربعون: الإيمان بالصراط، وأنه جسر ممدود على ظهر جهنم. الإجماع الحادي والأربعون: وجوب الاعتقاد بأن الله لا يخلد في النار من كان في قلبه شيء من الإيمان. الإجماع الثاني والأربعون: الإيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، وكذلك حوضه الذي يشرب المؤمنون منه، والإيمان بإسرائه وعروجه صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإيمان بأشراط الساعة كما ورد في القرآن والسنة. الإجماع الثالث والأربعون: وجوب الإيمان والتصديق بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه، والعمل بمحكمه والإيمان بنص متشابهه. الإجماع الرابع والأربعون: تكلم فيه عن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الإجماع الخامس والأربعون: تكلم فيه عن طاعة أئمة المسلمين في غير معصية ونهى عن الخروج عليهم بالسيف، وأوجب أداء الفرائض معهم، كما نهى عن الصلاة خلف من يكفر ببدعته. الإجماع السادس والأربعون: بيان أن خير القرون هو قرن الصحابة، وعلى أنهم جميعاً عدول، وأن خلافتهم جميعاً صحيحة، وواقعة حسب ما يرضاه الله سبحانه وتعالى.
الإجماع السابع والأربعون: أكد ما أشار عليه في الإجماع السابق، وذكر تعريف الصحابي وما ناله من فضل على من جاء بعده لتشرفه برؤية النبي صلى الله عليه وسلم وصحبته. الإجماع الثامن والأربعون والتاسع والأربعون: أوجب الكف عن ذكر الصحابة بسوء، وذكر أنهم من خيار الناس، وينبغي أن تنشر محاسنهم وأن تحمل أفعالهم على أفضل المخارج مؤكداً فضلهم على من بعدهم بشهادة القرآن والسنة. الإجماع الخمسون: نص على إجماع السلف على ذم المبتدعة، والتبرى منهم وعدم الاختلاط بهم وذكر منهم الروافض والخوارج والمرجئة والقدرية. الإجماع الحادي والخمسون: تأكيد لما سبق ذكره في الإجماع السابق مع النص على وجوب تقديم النصح للمسلمين.
المبحث الثالث: سبب تأليفه
المبحث الثالث: سبب تأليفه لقد ذكر لنا الأشعري نفسه سبب تأليفه لهذا الكتاب، وذلك أن أهل الثغر بباب الأبواب، أرسلوا إليه يسألونه عن مذهب أهل الحق في أصول الدين، وما كان عليه سلف هذه الأمة، فكتب لهم هذا الكتاب مجيباً لهم عما سألوه وكان ذلك سبب تأليفه له. وأما باب الأبواب فقد قال فيه الاصطخري: "إنه مدينة ربما أصاب ماء البحر حائطها وفي وسطها مرسى السفن، وهذا المرسى من البحر قد بني على حافتي البحر سدين، وجعل المدخل ملتوياً، وعلى هذا الفم سلسلة ممدودة فلا مخرج للمركب ولا مدخل إلا بإذن، وهذان السدان من صخر ورصاص. وباب الأبواب على بحر طبرستان، وهو بحر الخزر … وهي محكمة البناء موثقة الأساس من بناء أنو شروان، وهي أحدث الثغور الجليلة العظيمة؛ لأنها كثيرة الأعداء الذين حفوا بها من أمم شتى وألسنة مختلفة وعدد كثير … وكانت الأكاسرة كثيرة الاهتمام بهذا الثغر لا يفترون عن النظر في مصالحه لعظم خطره وشدة خوفه1. وقال بدوي: "باب الأبواب: هو ممر وحصن في الطرف الشرقي من القوقاز في دربند الفارسية، وسمي في العصر الحديث "باب الحديد" أو "الباب الحديدي"، والأبواب: هي مخارج الأودية في شرقي القوقاز"2.
المبحث الرابع: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف
المبحث الرابع: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف هذا الكتاب وهو رسائل الثغر ثابت النسبة قطعاً للأشعري، وذلك من عدة طرق: أولاً: أن ابن عساكر ذكرها في كتابه التبيين مستدركاً على ثبت ابن فورك الذي ذكر مؤلفات الأشعري1. ثانياً: اعتمد عليها ابن تيمية كثيراً وذكر نسبتها إلى الأشعري في أكثر من كتاب له، كما نقل في كتابه القيم "درء تعارض العقل والنقل" ما يقرب من نصف هذا الكتاب، وقد راجعت ما نقله ابن تيمية فوجدته يطابق ما في رسائل الثغر2، وهذا يدل على أن ابن تيمية وقف عليها ونقل منها، وهو معروف بالأمانة والإنصاف لدى أعدائه وخصومه قبل أصدقائه، وهذا من أقوى الأدلة على صحة نسبة الرسالة للأشعري. ثالثاً: أشاد بها ابن القيم في نونيته واستند إلى صحة عقيدة الأشعري بما جاء فيها وفي غيرها من كتبه فقال: وكذا علي الأشعري فإنه ... في كتبه قد جاء بالتبيان من موجز وإبانة ومقالة ... ورسائل للثغر ذات بيان وأتى بتقرير استواء الرب فو ... ق العرش بالإيضاح والبرهان وأتى بتقرير العلو بأحسن ... التقرير فانظر كتبه بعيان3
رابعاً: ذكرها فؤاد سزكين ضمن مؤلفات الأشعري تحت عنوان: "رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب"، وقال عنها: "مخطوطة بمكتبة ريفان كشك 510/10 (من 88 أ - 98 أ، 1084) "نشرها قوام الدين في مجموعات الكلية الإلهيات باستنبول"1، وهذه المخطوطة قامت الجامعة الإسلامية بتصويرها وضمها إلى مكتبتها، وهي نسخة ثانية اعتمدت عليها في تحقيق هذا الكتاب، ولم يشر فؤاد سزكين إلى النسخة الأولى التي اعتمدت عليها في التحقيق ولعله لم يقف عليها وهي موجودة بالهند. خامساً: يلاحظ أن أسلوب الأشعري في كتابه هذا هو نفس أسلوبه في كتبه التي بين أيدينا الآن، وخاصة إذا قورن بكتابه اللمع، وقد أشرت إلى ذلك في التحقيق. كما أن الأدلة التي يسوقها لإثبات قضية معينة هي نفس الأدلة في الغالب التي يسوقها في كتابه الإبانة ومقالات الإسلاميين. وبهذا أمكننا القطع بأن هذه الرسالة من تأليف الأشعري نفسه، ولا يمكن أن يكون غير هذا. بقي شيء مهم جداً ينبغي أن نناقشه هنا وهو: أنه ورد في هذه الرسالة تاريخ يثبت أن هذه الرسالة كتبت بعده بعام وهذا التاريخ محدد بعام سبع وستين ومائتين، ومعنى ذلك أن الأشعري كتب رسالته هذه في عام ثمانية وستين ومائتين في حين أنه ولد عام ستين ومائتين، وبذلك لا يمكن أن يكون قد كتب هذه الرسالة بناء على هذا التاريخ إن صح. والواقع أن هذا التاريخ خطأ يقيناً، وقد تعرض المستشرق "آلار" لهذه الرسالة كما ذكر الدكتور بدوي2، وتناول موضوعها، كما تعرض للتاريخ المثبت عليها، وذكر أن هناك حججاً تؤيد نسبتها إلى الأشعري وأخرى تنفيها. فمما يؤيد نسبتها إليه أن ابن عساكر ذكرها في ثبته الذي استدرك به على ابن فورك والأشعري، ثم المواضع المتناطرة بين اللمع والرسالة، والاتفاق عموماً في المذهب الوارد في الرسالة مع مذهب الأشعري. ومما ينفي نسبتها إليه هذا التاريخ المثبت عليها وهو عام سبع وستين ومائتين، ثم عدم ورود إشارة فيها إلى آراء المعتزلة، ثم التحفظ في تقرير الموقف للقول بأن القرآن
قديم غير مخلوق، كما ذكر "آلار" أن الأشعري كتب هذه الرسالة قبل تركه لمذهب المعتزلة بوقت قليل، ولم يكن قد قطع صلته نهائياً بشيوخه المعتزلة. ومع ذلك فقد قرر "آلار" بأنه يميل إلى القول بصحة نسبة هذه الرسالة للأشعري ويفسر التاريخ المذكور بأنه ربما ورد محرفاً وصوابه عام سبع وتسعين ومائتين. وقد تعرضت الدكتورة فوقية1 لرأي "آلار"، وناقشته فيما ذهب إليه منه، وأزيد ذلك وضوحاً فأقول في الرد على النقاط التي ذكرها "آلار" ما يلي: الأمر الأول: أن التاريخ المذكور في هذه الرسالة لعله من وضع أشعري متأخر يخالف عقيدة شيخه التي كان عليها، أو من وضع معتزلي أراد أن يموه على الناس وينفي هذه العقيدة عن الأشعري. أما الاحتمال الذي ذكره "آلار" وهو أن التاريخ ورد محرفاً وصوابه عام سبع وتسعين ومائتين فلا أميل إليه؛ وذلك أن الأشعري لم يكن في هذه الفترة رجع إلى عقيدة السلف حتى يكتب فيها، ولم يكن وقتئذ مشهوراً كإمام من أئمة أهل السنة حتى يرسل إليه أهل باب الأبواب من مكان بعيد يسألونه عن أصول اعتقاد أهل السنة. ووجود هذا التاريخ على الرسالة لا ينفي نسبتها إلى الأشعري لما يمكن أن يرد عليه من احتمالات، ثم إن ما ذكرته في صحة نسبتها إلى الأشعري يقطع بخطأ هذا التاريخ ويؤكد صحة نسبتها إليه. الأمر الثاني: أما قول "آلار" بأن الرسالة لم يرد فيها إشارة إلى آراء المعتزلة، وعليه فليست من وضع الأشعري. فأقول: إن الأشعري هنا في هذه الرسالة بالذات بعيد كل البعد عن الاحتكاك بالمعتزلة، أو الخوض معهم في مناقشات جدلية؛ وذلك أنه بصدد الإجابة على سؤال محدد وهو بيان اعتقاد أهل السنة، وعليه فلا داعي مطلقاً لإقحام المعتزلة هنا، كما أن في هذه الرسالة رداً على آراء المعتزلة في العقيدة بإثبات عقيدة السلف أهل السنة والجماعة، وكان أحياناً يدخل معهم في مناقشات كما جاء ذلك في الإجماع الثالث والخامس من هذه الرسالة.
الأمر الثالث: أما قوله بأن الأشعري كان متحفظاً في القول بأن القرآن قديم غير مخلوق. فأقول في الرد عليه ما يلي: يظهر لي جلياً بأن "آلار" لم يستوعب موضوعات الرسالة كلها قراءة، أو طاش بصره عن هذه النقطة بسبب ما قاله عنها وذلك أن الأشعري قرر في هذه الرسالة أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وكلامه فيها صريح وواضح، وقد سار في إثبات هذه القضية على مذهب من تقدم من سلف هذه الأمة كالإمام أحمد والبخاري رحمهم الله جميعاً، وتأمل قول الأشعري في الإجماع السادس: "وأجمعوا على أنّ أمره عز وجل وقوله غير محدث ولا مخلوق وقد دل الله تعالى على صحة ذلك بقوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} ففرق تعالى بين خلقه وأمره، وقال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} "… إلى غير ذلك مما ذكره الأشعري في هذه الرسالة مستدلاً به على أن القرآن كلام الله غير مخلوق. الأمر الرابع: ذكر "آلار" أن الأشعري كان معتزلياً وقت كتابة هذه الرسالة، ولم يقطع صلته بشيوخه من المعتزلة، وهذا مخالف تماماً لما جاء في هذه الرسالة التي تخالف مذهب الاعتزال وتبعد عنه كل البعد، ويكفي للتأكد من أن هذه الرسالة صدرت من الأشعري بعد رجوعه إلى مذهب السلف وتركه الاعتزال ما جاء فيها من رد على المعتزلة كما ذكرت سابقاً، ثم ذكره لإجماع السلف على أصول الدين وإثباته لحقيقة صفات الرب عز وجل كما جاء ذكرها في القرآن والسنة وإبطاله لشبه المعتزلة التي كانت تؤول الصفات بها، وكذلك قوله في مرتكب الكبيرة وإثباته للشفاعة وغير ذلك من الأمور السمعية التي ورد بها نص. الأمر الذي يجعلنا نقطع بأن هذه الرسالة لا تصدر إلا من رجل سلفي العقيدة بعيد عن غيرها. وبما تقدم ذكره أقول: "إنه لا وجه إذاً للاعتراضات التي ذكرها "آلار" في نفي نسبة هذه الرسالة للأشعري، ولم يبق أمامنا إلا القطع بصحة نسبة الرسالة إليه، وهو ما مال إليه "آلار" ورجحه كما سبق كلامه في ذلك"1.
المبحث الخامس: قيمته العلمية
المبحث الخامس قيمته العلمية تظهر قيمة هذا الكتاب العلمية في أنه صدر من الأشعري الذي ينتسب الناس في معظم أقطار الدنيا إليه، فشخصيته مشهورة لها مكانتها في دنيا الناس، ثم هو يكتب في أهم أصول الدين، ويذكر ما كان عليه سلف هذه الأمة، وما تلقوه من الرسول صلى الله عليه وسلم وساروا عليه، ولم يكتبه بصورة تاريخية خاطفة، وإنما ذكر علماً عقد له باباً فقال: "باب ذكر ما أجمع عليه السلف من الأصول التي نبهوا بالأدلة عليها وأمروا في وقت النبي صلى الله عليه وسلم بها"، ثم ساق واحداً وخمسين إجماعاً في ذلك، جمع فيها الكلام على الذات الإلهية، وما ينبغي لها من صفات الجلال والكمال، ثم تكلم عن الأمور الغيبية بتفصيل، ثم ذكر موقف أهل السنة من الخلاف الذي وقع بين الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين -، وموقفهم من أهل البدع والمخالفين. كما قرر صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وبين أن أسلم الطرق هو الطريق الذي رسمه ووضعه لأمته، وأن الخروج عليه خروج عن الحق والدليل. كما تطرق إلى طريقة الفلاسفة والمتكلمين وإلى مسلكهم في إثبات حدوث العالم، وبين أن طريقتهم فيها من الخفاء والغموض ما يجعلها عاجزة عن إقامة دليل على هذه القضية. ومن هنا كان الكتاب جامعاً لعقيدة السلف، متطرقاً لمعظم ما كان عليه الصدر الأول، ومرجعاً لمن أراد الوقوف على عقيدة السلف وما أجمعوا عليه في الصدر الأول مؤيداً بالقرآن والسنة.
المبحث السادس: نقد الكتاب
المبحث السادس: نقد الكتاب من المعلوم أنه لا يخلو عمل البشر من نقص فالكمال لله وحده، وليس معنى الإقدام على نقد كتاب لأحد العلماء إخلال بمكانته أو قدره، أو أن الناقد أعلى منه وأرفع وقد يكون ما يراه الناقد خطأ هو الصواب وهو لا يدري. والملاحظات التي رأيتها على هذا الكتاب مرجعها إلى أطوار المؤلف المختلفة التي عايشها، وهي في جملتها قليلة إذا قورنت بما فيها من حق وخير، وهي كما يلي: 1- ميول الأشعري في هذه الرسالة إلى النزعة الكلامية التي ورثها من المعتزلة. 2- استعماله لبعض الألفاظ التي لم يستعملها السلف، لا إثباتاً ولا نفياً، وذلك فيما يتعلق بالذات الإلهية كنفي لفظ الجسم، والجوهر، والحركة وغير ذلك1. 3- لم يكن صريحاً في بعض المواقف وهو يتكلم عن الصفات وذلك كما فعل في صفة الرضا والغضب. 4- كان أحياناً لا يجمع الكلام على المسألة الواحدة في مكان واحد، ونتج عن ذلك تكراره لما سبق أن ذكره كما فعل في الكلام عن مسألة القضاء والقدر في مواطن مختلفة. هذا ما وقفت عليه في هذه الرسالة من مآخذ على الأشعري، والله يوفقنا للحق والصواب
الفصل الثاني: وصف المخطوطة
الفصل الثاني: وصف المخطوطة المبحث الأول: عدد نسخ المخطوطات ... المبحث الأول: عدد نسخ المخطوطة هذه المخطوطة لها نسختان: إحداهما: نسخة في مكتبة ريفان كشك بتركيا ضمن مجموعة تحت رقم 510، وهي التي ذكرها فؤاد سزكين في كتابه1، ومنها نسخة مصورة بمعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية تحت رقم 105 توحيد، كما صورت منها الجامعة الإسلامية نسخة وهي بمكتبتها تحت رقم 116 مكبرة. وناسخها هو: علي بن محمد بن أحمد الحراني الحنبلي عام 1084هـ، ولم أقف له على ترجمة. وقد نشر قوام الدين هذه الرسالة في "مجموعة كلية الإلهية" ج7/154 وما يتلوها، وج8/50 وما يتلوها عام 1928م معتمداً على هذه النسخة، كما نشرت في مجلة الفنون باستنبول2. وثانيهما: نسخة بمكتبة الجامعة العثمانية، بالهند، تحت رقم 41/297، وهذه هي التي كتب عليها ناسخها "كتاب الأصول الكبير" للشيخ الأشعري، وقد قامت الجامعة الإسلامية بتصوير هذه النسخة وجعلتها ضمن مكتبتها تحت رقم 725 ميكروفيلم. وناسخها هو: أحمد سعيد الذي كان يملك نسخة منها كما ذكر، ولم أقف له على ترجمة، كما لم يتبين لي تاريخ النسخ، ولم يشر الناسخ إلى شيء من ذلك.
المبحث الثاني: وصفها
المبحث الثاني: وصفها أولاً: النسخة التركية: وتقع في عشرين صفحة، وعدد الأسطر في كل صفحة يتراوح بين واحد وثلاثين سطراً إلى ثلاثة وثلاثين، وقد كتبت بخط دقيق وصغير جداً. وفيها بعض الأخطاء، وكذلك عدم وضوح لبعض الكلمات، كما أن الناسخ كان يترك كثيراً وضع النقاط والهمزات، كما وقع في بعض الأخطاء اللغوية. ثانياً: النسخة الهندية: وتقع في أربعين ورقة، وعدد الأسطر في كل صفحة اثنا عشر سطراً، وقد كتبت بخط فارسي كبير وواضح، وهي أدق من النسخة الأولى، وليس بها أخطاء كثيرة، وقد اعتنى الناسخ بوضع النقاط والهمزات وعنده بعض الأخطاء اللغوية.
المبحث الثالث: النسخة الأصل وسبب اختيارها
المبحث الثالث: النسخة الأصل وسبب اختيارها لقد اعتمدت في التحقيق على النسخة الهندية، واعتبرتها أصلاً في تحقيق هذه الرسالة، وإن لم نعرف تاريخ نسخها وذلك للاعتبارات التالية: 1- وضوح خطها وسهولة قراءته. 2- قلة الأخطاء الواقعة فيها إذا قورنت بالنسخة الأخرى، ويبدو أن ناسخها وقف على أصل جيد مصحح، فجاء النص عنده سليماً غالباً بخلاف الأخرى. ولهذه الأسباب اخترت هذه النسخة لتكون أصلاً في تحقيق النص، واعتبرت النسخة التركية نسخة ثانوية قابلت بينها وبين النسخة الأصلية وأشرت إليها في التحقيق بحرف "ت" إشارة إلى أول حرف للبلد الموجودة فيه، وهي تركيا.
المبحث الرابع: عملي في الكتاب
المبحث الرابع: عملي في الكتاب لقد اجتهدت حسب الوسع والطاقة في خدمة هذا الكتاب وإخراجه للناس بهذه الصورة، يتلخص عملي في التحقيق في الخطوات التالية: 1- ترقيم الآيات القرآنية وذكر السورة التي وردت فيها. 2- تخريج الأحاديث النبوية بذكر أهم أماكن وجودها. 3- المقابلة بين نسختي المخطوطة، وذكر الفروق الواقعة بينهما، كما قابلت بين الجزء الذي نقله ابن تيمية من هذه الرسالة في كتابه "درء تعارض العقل والنقل"، وبين النسختين اللتين عندي. 4- خدمة النص: سبق أن قلت في التعريف بنسخ المخطوطة، أن النسختين لم تسلما من الأخطاء، واحتاج ذلك إلى أن أقوم بالتحري والتثبت في كتابة النص الصحيح الذي به يستقيم المعنى وتصلح العبارة، كما قمتُ بتصويب الأخطاء اللغوية فيهما. ووضعت الصواب بين معقوفتين في الأصل وأشرت إلى ذلك في الحاشية. 5- الإشارة إلى أماكن وجود النص في الكتب اللاحقة. 6- رقمت الإجماعات التي ذكرها الأشعري عن السلف، والتي بلغت واحداً وخمسين إجماعاً. 7- لسهولة الرجوع إلى أصل المخطوطة وضعت أرقام صفحات المخطوطة على هامش التحقيق وأشرت إلى الوجه الأول من الورقة بحرف "أ" وإلى الوجه الثاني بحرف "ب". 8- في الجزء الذي ذكره الأشعري لبيان إجماع السلف في أصول الدين ذكرت من تقدم الأشعري ومن جاء بعده من أئمة أهل السنة الذين وافقوه في هذا الإجماع لتثبيته، ولبيان أن ما ذكره الأشعري هو حقيقة إجماع السلف، وفي بعض المواطن - وخاصة النواحي الكلامية - كنت لا أجد لمن سبق الأشعري كلاماً فيها، فاعتمدت فيها على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إن كان له فيها كلام.
ولقد وضعت بين يدي مجموعة من كتب السلف التي اعتمدت عليها في بيان صحة ما ذكره الأشعري عن السلف وأهمها ما يلي: 1- كتاب الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد بن حنبل. 2- رسالة السنة للإمام أحمد بن حنبل. 3- كتاب السنة للإمام عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل. 4- الرد على الجهمية للإمام عثمان بن سعيد الدارمي. 5- رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد. 6- كتاب السنة للإمام عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني. 7- كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل لابن خزيمة. 8- كتاب الشريعة للإمام محمد بن الحسين الآجري. 9- كتاب أصول السنة لأبي عبد الله محمد بن أبي زمنين المالكي. مخطوطة مصورة بمكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم 18631. 10- كتاب الإيمان لابن مندة. 11- كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم. للإمام هبة الله بن الحسن ابن منصور الطبري اللالكائي. 12- عقيدة السلف وأصحاب الحديث للحافظ الصابوني. 13- مختصر العلو للعلي الغفار للحافظ الذهبي وباختصار الألباني. 14- كتب شيخ الإسلام ابن تيمية المختلفة والمذكورة ضمن قائمة المراجع ومشار إليها في مواطنها. 15- كتب تلميذه الإمام ابن القيم المذكورة في المراجع. 16- شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي. 17- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية. لمحمد أحمد السفاريني. هذا إلى جانب الكتب التي اعتمدت عليها عرضاً في التحقيق ومشار إليها في مواطنها.
نص الكتاب
نص الكتاب ... في هذه الصفحة يوجد رسم الخريطة
نص الكتاب " بسم الله الرحمن الرحيم " قال السيد الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي1 بشر الأشعري البصري - رحمه الله -: الحمد لله الذي حبب إلينا التمسك بالسنن2 الهادية وجنبنا سبل البدع3 المردية، وكنف4 قلوبنا بثلج5 اليقين، وأعزنا بسلطان الدين، وجعلنا لرسوله6 صلى الله عليه وسلم متبعين وبإمامته معتصمين، ووهب لنا من أنس الجماعة7 ما زالت به عنا8 وحشة الشذوذ والبدع.
حمداً1 نحوز فيه شرف طاعته، ونستمري2 به جميل مواهبه، وصلى الله على محمد نبيه3 الداعي إليه والسفير بيننا وبين الذي أيده الله عز وجل بآياته وقطع دواعي الشبه فيه لمعجزاته4 حتى أنهج السبيل إليه، ونبه على ما في أفعاله من وجود الأدلة عليه بأوضح بيان وأظهر برهان. حتى غاض5 الباطل خاسئاً حسيراً، وأضاء الحق غالباً منصوراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وعلا بالحجة6 صلى الله عليه وسلم 7. أما بعد: أيها الفقهاء والشيوخ من أهل الثغر8 بباب الأبواب9 حرسكم الله بسلطانه وأيدكم بنصره.
فقد وقفت على ما ذكرتموه في كتابكم الوارد عليّ بمدينة السلام1 من خير نعم الله عليكم، واستقامة أحوالكم، (فأسرني) 2 وكثر لله عز وجل شكري ورغبت إليه تعالى مجتهداً في تمام ما أولاكم وإسباغ نعمه علينا وعليكم، وهو تعالى ولي الإجابة وحقيق لجميل الموهبة3. ووقفت أيدكم الله على ما ذكرتموه من إحمادكم جوابي عن4 المسائل التي كنتم أنفذتموها إلي في العام الماضي، وهو سنة سبع وستين ومائتين5، ووقوع ما ذكرته لكم فيها الموقع الذي حمدتموه، وعرفتم وجه الصواب فيه6، وإعراضكم عمن ألقى تلك المسائل، واحتال في بثها عندكم7. وحمدت الله عز وجل على حراستنا وإياكم من شبه الملحدين8 في دينه، والصادين
عن اتباع رسله، وسألته أن يجعلنا وإياكم من المتمسكين بحبله1، والمقيمين على الوفاء بعهده2، إنه ولي ذلك والقادر عليه. ووقفت على ما التمستموه من ذكر الأصول3 التي عول سلفنا4 رحمة الله عليهم عليها، وعدلوا إلى الكتاب والسنة من أجلها، واتباع خلفنا الصالح5 لهم في "ذلك"6. وعدولهم عما صار إليه (أهل) 7 البدع من المذاهب التي أحدثوها، وصاروا إلى مخالفة الكتاب والسنة بها8، وما ذكرتموه من شدة الحاجة إلى ذلك، فبادرت أيدكم الله
بإجابتكم إلى ما سألتموه لما أوجبه من حقوقكم، والكرامة لكم، وذكرت لكم جملاً من الأصول مقرونة بأطراف من الحجاج تدلكم على صوابكم في ذلك1. وخطأ أهل البدع فيما صاروا إليه من مخالفتهم وخروجهم2 عن الحق الذي كانوا عليه قبل هذه البدع معهم، ومفارقتهم بذلك الأدلة الشرعية، وما أتى به3 الرسول عليه السلام منها4، ونبه عليها، وموافقتهم بذلك طرق الفلاسفة5 والصادين عنها والجاحدين لما أتت به الرسل عليهم السلام منها.
ولم ألكم1 وسائر من تأمل ما ذكرته نصحاً لما يوجب عليّ من حق نعم الله فيكم (وأرجوه) 2 من نيل الثواب بإجابتكم مستعيناً3 في جميع ذلك بالله عز وجل، وتوكلاً4 عليه، وهو حسبي ونعم الوكيل. اعلموا - أرشدكم الله - أن الذي مضى عليه سلفنا5 ومن تبعهم من صالح خلفنا6 أن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى سائر العالمين7، وهم أحزاب متشتتون وفرق متباينون8. منهم كتابي9 يدعو10 إلى الله بما تعبد11 به في كتابه،
وفلسفي1 قد تشعبت به الأباطيل في أمور يدعيها بقضايا العقول2. وبرهمي3 تنكر أن يكون لله رسول، ودهري4 يدعي الإهمال5 ويخبط في عشو الضلال. وثنوي6 قد اشتملت عليه الحيرة، ومجوسي يدعي ما ليس له به خبرة، وصاحب
صنم يعتكف عليه، ويزعم أنّ له رباً يتقرب بعبادة ذلك الصنم إليه1. لينبههم جميعاً على حدوثهم، ويدعوهم إلى توحيد المحدث لهم2 ويبين لهم طرق معرفته بما فيهم من آثار صنعته، ويأمرهم برفض كل ما كانوا3 عليه من سائر الأباطيل. بعد تنبيهه عليه السلام لهم على فسادها4، ودلالته على صدقه فيما يخبرهم به
عن ربهم تعالى بالآيات الباهرة والمعجزات القاهرة1، ويوضح لهم سائر ما تعبدهم الله عز وجل (به) 2 من شريعته3. وأنه عليه السلام دعا جماعتهم إلى الله، ونبههم على حدوثهم4 بما فيهم من اختلاف الصور والهيئات وغير ذلك من اختلاف اللغات، وكشف لهم عن طريق معرفة الفاعل لهم بما فيهم وفي غيرهم، بما يقتضي وجوده5 يدل على إرادته وتدبيره6؛
حيث قال عز وجل: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} 1، فنبههم عز وجل بتقلبهم في سائر الهيئات التي كانوا عليها (على ذلك وشرح ذلك) 2 بقوله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} 3. وهذا من أوضح (ما يقتضي الدلالة على حدث4 الإنسان) 5، ووجود المحدث له من قبل أن العلم قد أحاط بأن كل متغير لا يكون قديماً، وذلك أن تغيره يقتضي مفارقة حال كان عليها قبل تغيره وكونه قديماً ينفي تلك الحال، فإذا حصل متغيراً بما ذكرناه من الهيئات التي لم يكن6 قبل تغيره عليها (دل ذلك على حدوثها، وحدوث الهيئة التي كان
عليها قبل حدوثها) 1؛ إذ لو كانت قديمة لما جاز عدمها، وذلك أن (القديم) 2 لا يجوز عدمه3. وإن كان هذا على ما قلنا وجب أن يكون ما عليه الأجسام من التغير منتهياً إلى هيئات محدثة لم تكن4 الأجسام قبلها موجودة، بل كانت قبلها محدثة، ويدل ترتيب ذلك على محدث قادر حكيم من قبل أن ذلك لا يجوز أن يقع بالاتفاق5 فيتم من غير مرتب له، ولا قاصد إلى ما وجد منه فيها
دون ما كان يجوز وقوعها عليه من الهيئة1 المخالفة لها، وجواز تقدمها في الزمان وتأخرها2 بذلك إلى محدثها ومرتبها، لأن سلالة الطين والماء المهين يحتمل من الهيئات ضروباً كثيرة3، لا يقتضي واحد منها سلالة الطين، ولا الماء المهين بنفسه، ولا يجوز أن يقع شيء4 من ذلك فيها بالاتفاق لاحتمالها لغيره5. فإذا وجدنا ما صار إليه الإنسان في هيئته المخصوصة به دون غيره من الأجسام، وما فيه من الآلات المعدة لمصالحه كسمعه وبصره، وشمه وحسه، وآلات ذوقه6، وما أعد
له من آلات الغذاء التي لا قوام له إلا بها على ترتيب ما قد حوج1 إليه من ذلك، حتى يوجد في حال حاجته إلى الرضاع بلا أسنان تمنعه من غذائه وتحول بينه وبين مرضعته. فإذا نقل من ذلك وحوج2 إلى غذاء لا ينتفع به، ولا يصل منه إلى غرضه إلا بطحنها له جعل له منها بقدر ما به الحاجة في ذلك إليه3. والمعدة المُعَدَّة4 لطبخ5 ما يصل إليها من ذلك، وتلطيفه6 حتى يصل إلى الشعر والظفر، وغير ذلك من سائر الأعضاء في مجار لطاف قد هيئت لذلك بمقدار ما يقيمها7، والكبد المعدّة لتسخينها بما يصل من حرارة القلب8، والرئة المهيأة لإخراج بخار الحرارة التي في القلب، وإدخال ما يعتدل به من الهواء البارد باجتذاب المناخر9،
وما فيها من الآلات المعدة لخروج ما يفضل من الغذاء عن وقت الحاجة في مجاري1 ينفذ ذلك منها2، وغير ذلك مما يطول شرحه مما لا يصح وقوعه بالاتفاق3، ولا يستغني فيما هو عليه عن مقوم يرتبه. إذ كان ذلك لا يصح أن يترتب وينقسم في سلالة الطين والماء المهين بغير صانع ولا مدبر عند كل عاقل متأمل4، كما لا يصح أن يترتب الدار على ما يحتاج فيها من البناء بغير مدبر يقسم ذلك فيها، ويقصد إلى ترتيبها5. ثم زادهم تعالى في6 ذلك بياناً بقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} 1 فدلهم تعالى بحركة الأفلاك على المقدار الذي بالخلق الحاجة إليه في مصالحهم التي لا يخفى2 مواقع3 انتفاعهم بها. كالليل الذي جعل لسكونهم، ولتبريد ما زاد عليهم من حر الشمس في زروعهم وثمارهم، والنهار الذي جعل لانتشارهم وتصرفهم في معايشهم على القدر الذي يحتملونه في ذلك، ولو كان دهرهم كله ليلاً لأضر بهم ما فيه من الظلمة التي تقطعهم عن التصرف في مصالحهم، وتحول بينهم وبين إدراك منافعهم، وكذلك لو كان دهرهم كله نهاراً لأضر بهم ذلك، ودعاهم ما فيه من الضياء4 إلى التصرف في طلب المعاش مع حرصهم على ذلك إلا ما لا يطيقونه (فأداهم قلة الراحة إلى عطبهم) 5، وجعل لهم من النهار قسطاً لتصرفهم لا يجوز بهم قدر الطاقة فيه، وجعل لهم من الليل قسطاً لسكونهم، لا يقصر على قدر حاجتهم لتعتدل في ذلك أحوالهم، وتكمل مصالحهم، "وجعل لهم"6 من البرد والحر7 فيهما مقدار ما لهم ولثمارهم ولمواشيهم من الصلاح رفقاً لهم8، وجعل
لون ما1 يحيط بهم من السماء ملاوماً لأبصارهم، ولو كان لونها على خلاف ذلك من الألوان لأفسدها2. ودلهم على حدثها بما ذكرناه من حركاتها واختلاف هيئاتها3 كما ذكرنا آنفاً، ودلهم على حاجتها وحاجة الأرض، وما فيهما من الحكم على4 عظمتهما وثقل أجرامهما إلى إمساكه عز وجل لهما بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} 5. فعرّفنا تعالى أن وقوعهما6 لا يصح7 أن يكون من غيره، وأن وقوفهما لا يجوز أن يكون8 بغير مُوقف لهما9.
ثم نبهنا على فساد قول الفلاسفة بالطبائع1، وما يدعونه من فعل الأرض، والماء والنار، والهواء في الأشجار، وما يخرج منها من سائر الثمار بقوله عز وجل: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى2 بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} 3، ثم قال عز وجل: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 4. ثم نبه تعالى خلقه على أنه واحد باتساق أفعاله وترتيبها وأنه تعالى لا شريك له فيها بقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، ووجه الفساد بذلك، لو كان إلهان ما اتسق أمرهما على نظام، ولا يتم على إحكام، وكان لابد5 أن يلحقهما العجز، أو يلحق أحدهما عند التمانع في الأفعال، والقدرة (على ذلك) 6 وذلك أن كل واحد منهما لا يخلو أن يكون قادراً على ما يقدر عليه الآخر على طريق البدل من (فعل) 7 الآخر، أو لا يكون كل واحد منهما قادراً على ذلك (فإن "كان" كل واحد منها قادراً على فعل ما يقدر عليه الآخر على طريق البدل من بدل الآخر، أو لا يكون كل واحد منهما
قادراً على ذلك) 1، فإن كان واحد منهما قادراً على فعل ما يقدر عليه الآخر بدلاً منه لم يصح أن يفعل كل واحد منهما ما يقدر عليه الآخر إلا بترك الآخر له، وإذا كان كل واحد منهما لا يفعل إلا بترك الآخر له جاز أن يمنع كل واحد منهما صاحبه من ذلك، ومن يجوز2 أن يُمنع ولا يفعل إلا بترك غيره له فهو مدبَّر عاجز، وإن كان كل واحد منهما لا يقدر فعل مثل مقدور الآخر بدلاً منه وجب عجزهما وحدوث قدرتهما، والعاجز لا يكون إلهاً ولا رباً3.
ثم نبه المنكرين للإعادة مع إقرارهم بالابتداء1 على جواز إعادته تعالى لهم حيث قال لهم: لما استكبروها2، وقالوا: {مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} 3. ثم أوضح لهم ذلك بقوله عز وجل: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} 4 فدلهم بما يشاهدونه من جعله النار من (العفار والمرخ)
وهما شجرتان (خضراوان) 1 إذا حكت2 إحداهما الأخرى بتحريك الريح لهما اشتعل النار فيهما - على جواز إعادته المياه في العظام النخرة والجلود المتمزقة. ثم نبه عباد الأصنام بتعريفه لهم على فساد ما صاروا إلى عبادتها3 مع نحتها بقوله عز وجل: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} 4 ثم قال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 5 فبين لهم فساد عبادتها، ووجوب عبادته دونها بأنها إذا كانت لا تصير أصناماً إلا بنحتكم لها، فأنتم أيضاً أولى أن تكونوا على ما أنتم عليه من الصور والهيئات (التي لم تكن) 6 إلا بفعلي، وإني مع خلقي لكم وما تنحتونه (خالق) 7 لنحتكم إذ8 كنت9 أنا المقدر لكم عليه10 والممكن لكم11 منه12.
ثم رد على المنكرين لرسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ} 1 وقال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} 2. ثم احتج النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب بما في كتبهم من ذكر صفته، والدلالة على اسمه ونعته3، وتحدى النصارى لما كتموا ما في كتبهم4 من ذلك وجحدوه بالمباهلة عند أمر الله عز وجل له بذلك بقوله تعالى5: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} 6.
وقال لليهود لما بهتوه: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1، فلم (يجسر) 2 أحد3 منهم على ذلك مع اجتماعهم على تكذيبه، وتناهيهم في عداوته واجتهادهم في التنفير4 عنه، لما أخبرهم بحلول الموت بهم إن أجابوه إلى ذلك. فلولا معرفتهم بحاله في كتبهم وصدقه فيما يخبرهم لأقدموا على إجابته ولسارعوا إلى فعل ما يعلمون أنه فيه (توهين) 5 أمره، ثم إن الله عز وجل بعد إقامة6 الحجج عليهم أزعج خواطر جماعتهم للنظر فيما دعاهم إليه ونبههم عليه بالآيات الباهرة والمعجزات القاهرة، وأيده بالقرآن الذي تحدى به فصحاء قومه الذين بعث إليهم لما قالوا إنه مفترى أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات أو بسورة مثله وقد خاطبهم فيه بلغتهم فعجزوا عن ذلك مع إخباره له7 أنهم لا يأتون بمثله ولو تظاهر على ذلك الإنس والجن8. وقطع عليه السلام عذرهم به وعذر غيرهم، كما قطع موسى عليه السلام عذر السحرة وغيرهم في زمانه بالعصى التي فضحت سحرهم، وبان بما كان منها لهم
ولغيرهم أن ذلك من فعل الله وأن ليس يبلغه قدرهم، ولا يطمع فيه خواطرهم1. وكما قطع عيسى عليه السلام عذر من كان في زمانه من الأطباء الذين قد برعوا في معرفة العقاقير، وقواماً2 في الحشائش، وقدر ينتهي إليه علاجهم "وتبلغه حيلهم"3، بإحياء الموتى بغير علاج، وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك مما قهرهم به، وأظهر لهم منه ما يعلمون بيسير4 الفكر أنه خارج عن قدرهم5 وما يصلون إليه بحيلهم6.
وكذلك أزاح نبيّنا عليه السلام بالقرآن وما فيه من العجائب علل الفصحاء من أهله، وقطع به عذرهم لمعرفتهم1 أنه خارج عما انتهت إليه فصاحتهم في لغاتهم ونظموه في شعرهم وبسطوه في خطبهم، وأوضح لجميع من بعث إليه من الفرق الذي ذكرنا فساد ما كانوا عليه بحجج الله وبيانه، ودل على صحة ما دعاهم2 إليه ببراهين الله وآياته حتى لم يبق لأحد منهم شبهة فيه (ولا احتيج) 3 مع ما كان منه عليه السلام في ذلك إلى زيادة من غيره، ولو لم يكن ذلك كذلك لم يكن عليه السلام حجة على جماعتهم، ولا كانت طاعته لازمة لهم، مع خصامهم وشدة عنادهم4 قد5 احتجوا عليه بذلك، ودفعوه عما يوجب طاعتهم له وقرعوه بتقصيره عن إقامة الحجة عليهم فيما يدعوهم إليه مع طول تحديه لهم وكثرة تبكيتهم، وطول مقامه فيهم، ولكنهم لم يجدوا سبيلاً مع حرصهم عليه6، وإذا كان هذا على ما ذكرناه علم صحة ما ذهبنا7 إليه في
دعوته عليه السلام إلى التوحيد وإقامة الحجة على ذلك وإيضاحه الطرق إليها1. وقد أكد الله تعالى دلالة نبوته بما كان من2 خاص آياته عليه السلام التي نقض3 بها عاداتهم كإطعامه الجماعة الكثيرة في المجاعة الشديدة من الطعام اليسير4، وسقيهم الماء في العطش الشديد من الماء اليسير، وهو ينبع من بين أصابعه حتى رووا ورويت مواشيهم5،
وكلام الذئب1، وإخبار الذراع المشوية أنها مسمومة2، وانشقاق القمر3، ومجيء الشجرة إليه عند دعائها إليه ورجوعها إلى مكانها بأمره لها4، وإخباره لهم عليه
السلام بما تجنه1 صدورهم، وما يغيبون2 به عنه من أخبارهم3، ثم دعاهم عليه السلام إلى معرفة الله عز وجل وإلى طاعته فيما كلف تبليغه إليهم بقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} 4، وعرفهم أمر الله تعالى بإبلاغه ذلك، وما ضمنه5 له من عصمته منهم بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} 6 فعصمه7 الله منهم مع كثرتهم وشدة
بأسهم، وما كانوا عليه من شدة عنادهم وعداوتهم له حتى بلغ رسالة ربه تعالى إليهم مع (كثرتهم) 1، ووحدته2 وتبري أهله منه، ومعاداة عشيرته، وقصد جميع المخالفين له حين سفه آراءهم فيما كانوا عليه من تعظيم أصنامهم، وعبادة النيران وتعظيم الكواكب3 وإنكار الربوبية4 وغير ذلك مما كانوا عليه حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وأوضح الحجة في فساد جميع ما نهاهم عنه مما كانوا عليه، ودلهم على صحة جميع ما دعاهم إلى اعتقاده وفعله بحجج الله وتبيانه (لهم) 5. وأنه عليه السلام لم يؤخر عنهم بيان شيء مما دعاهم إليه عن وقت تكليفه لهم، وإنما جوز فريق من أهل العلم تأخير البيان فيما (أجمله) 6 الله من الأحكام قبل بروز فعله لهم، فأما تأخير ذلك عن وقت فعله فغير جائز عند كافتهم7.
ومعلوم عند سائر العقلاء أن ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إليه من واجهه من أمته من اعتقاد حدثهم ومعرفة المحدث لهم وتوحيده ومعرفة أسمائه1 الحسنى وما هو عليه من صفات نفسه2 وصفات فعله3، وتصديقه فيما بلغهم من رسالته مما لا يصح4 أن يؤخر عنهم البيان فيه5؛ لأنه عليه السلام لم يجعل (لهم) 6 فيما كلفهم من (ذلك) 7 من مهلة، ولا أمرهم بفعله في الزمن المتراخي عنه، وإنما أمرهم بفعل (ذلك) 8 على الفور، وإذا9 كان ذلك من قبل أنه لو أخر ذلك عنهم لكان قد كلفهم ما لا سبيل لهم إلى فعله، وألزمهم ما لا طريق لهم إلى الطاعة فيه، وهذا غير جائز عليه لما يقتضيه ذلك من بطلان أمره وسقوط طاعته10. وهذا (المعنى) 11 لم تجد عن أحد من صحابته خلافاً12 في شيء مما وقف عليه السلام جماعتهم (عليه) 13، ولا شك في شيء منه، ولا نقل عنهم كلام في شيء من ذلك، ولا زيادة على ما نبههم عليه من الحجج، بل نصوا جميعاً (رحمة الله عليهم) 14
على ذلك، وهم متفقون لا يختلفون في حدوثهم1 ولا في2 توحيد المحدث لهم وأسمائه وصفاته، وتسليم جميع المقادير إليه والرضا فيها بأقسامه3، لما قد ثلجت به صدورهم، وتبينوا وجوه الأدلة التي نبههم عليه السلام (عليها) 4 عند دعائه لهم إليها. وعرفوا بها صدقه في جميع ما أخبرهم به، وإنما تكلفوا البحث والنظر فيما كلفوه5 من الاجتهاد في حوادث الأحكام عند نزولها بهم، وحدوثها6 فيهم، وردها إلى معاني الأصول التي وقفهم عليها، ونبههم بالإشارة على ما فيها، فكان منهم - رحمة الله عليهم - في ذلك ما نقل إلينا من طريق الاجتهاد التي اتفقوا عليها، والطرق التي اختلفوا فيها7. ولم يقلد بعضهم بعضاً فيما صاروا إليه من جميع ذلك، لما كلفوه من الاجتهاد وأمروا به8.
فأما ما دعاهم إليه عليه السلام من معرفة حدثهم، والمعرفة1 بمحدثهم، ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا وعدله وحكمته، فقد بين2 لهم وجوه الأدلة في جميعه، حتى ثلجت صدورهم به، وامتنعوا عن3 استئناف الأدلة فيه، وبلغوا جميع ما وقفوا عليه من ذلك، واتفقوا عليه إلى من بعدهم، فكان عذرهم فيما دعوا إليه من ذلك (مقطوعاً) 4 بما نبههم النبي صلى الله عليه وسلم من الدلالة5 على ذلك، وما شاهدوه من آيات الدلالة6 على صدقه7. وعذر سائر من تأخر عنه مقطوع بنقلهم ذلك إليهم8، ونقل أهل كل زمان حجة
على من بعدهم1، من غير أن يحتاج - أرشدكم الله - في المعرفة لسائر ما دُعينا إلى اعتقاده إلى استئناف أدلة غير الأدلة التي نبه النبي صلى الله عليه وسلم عليها، ودعا سائر أمته إلى تأملها. إذ كان من المستحيل أن يأتي بعد ذلك أحد بأهدى مما أتى، أو يصلوا من ذلك إلى ما بعد عنه عليه السلام 2 وجميع ما اتفقوا عليه من الأصول مشهور في أهل النقل الذين عنوا بحفظ ذلك، وانقطعوا إلى الاحتياط في (طلب) 3 الطرق الصحيحة إليه من المحدثين والفقهاء. يعلمه أكابرهم أصاغرهم، ويدرسونه4 صبيانهم في كتاتيبهم ليقروا ذلك عندهم5، وشهرته فيهم، واستغناؤهم في العلم بصحة جميع ذلك بالأدلة التي نبههم صاحب الشريعة عليها في وقت دعوته. واعلموا - أرشدكم الله - أن ما دل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم من المعجزات بعد تنبيه لسائر المكلفين6 على حدثهم ووجود المحدث لهم قد أوجب
صحة أخباره، ودل على أن ما أتى به من الكتاب والسنة من عند الله عز وجل 1. وإذا ثبت بالآيات صدقه، فقد علم صحة كل ما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وصارت أخباره عليه السلام أدلة على صحة سائر ما دعانا2 إليه من الأمور الغائبة عن حواسنا وصفات فعله، وصار خبره عن ذلك سبيلاً إلى إدراكه، وطريقاً إلى العلم بحقيقته3. وكان ما يستدل به من أخباره عليه السلام على ذلك أوضح دلالة من دلالة الأعراض4 التي اعتمد على الاستدلال بها الفلاسفة، ومن اتبعها من القدرية5، وأهل
البدع المنحرفين عن الرسل - عليهم السلام - من قبل أن الأعراض1 لا يصح الاستدلال (بها إلا بعد رتب كثيرة يطول الخلاف فيها، ويدق الكلام عليها، فمنها ما يحتاج إليه في الاستدلال) 2 على وجودها والمعرفة بفساد شبه المنكرين لها، والمعرفة بمخالفتها للجواهر في كونها لا تقوم بنفسها، ولا يجوز ذلك على شيء منها، والمعرفة بأنها لا تبقى والمعرفة باختلاف أجناسها3، وأنه لا يصح انتقالها من محالها، والمعرفة بأن ما لا ينقل منها فحكمه في الحدث حكمها، ومعرفة ما يوجب ذلك من الأدلة وما يفسد به شبه المخالفين في جميع ذلك حتى يمكن الاستدلال بها على ما هي أدلة عليه عند4 مخالفينا الذين يعتمدون في الاستدلال على ما ذكرناه بها؛ لأن العلم بذلك لا يصح عندهم إلا بعد المعرفة بسائر ما ذكرناه آنفاً، وفي كل مرتبة مما ذكرنا فرق تخالف فيها،
ويطول الكلام معهم عليها1. وليس يحتاج - أرشدكم الله - في الاستدلال بخبر الرسول عليه السلام على ما ذكرناه من المعرفة بالأمر الغائب عن حواسنا إلى2 مثل ذلك3، لأن آياته والأدلة الدالة4 على صدقه محسوسة مشاهدة قد أعجزت القلوب، وبعثت الخواطر على النظر في صحة ما يدعو إليه، وتأمل ما استشهد به على صدقه، والمعرفة بأن آياته من قبل الله تدرك بيسير الفكر فيها5، وأنها لا يصح أن تكون6 من البشر لوضوح الطرق إلى ذلك،
ولا سيما مع إزعاج الله تعالى قلوب سائر من أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم على النظر في آياته بخرق عوائدهم له، وحلول ما يعدهم من النقم عند إعراضهم عنه ومخالفتهم له على ما ذكرنا مما كان من ذلك عند دعوة موسى وعيسى ومحمد - عليهم السلام -، وإذا كان ذلك على ما وصفنا بَان لكم - أرشدكم الله - أن طريق1 الاستدلال بأخبارهم - عليهم السلام - على سائر ما دُعينا إلى معرفته مما لا يدرك بالحواس أوضح من الاستدلال بالأعراض، إذ كانت أقرب (إلى) 2 البيان على حكم ما شوهد من أدلتهم المحسوسة مما اعتمدت عليه الفلاسفة ومن تبعهم من أهل الأهواء، واغتروا بها لبعدها عن الشبه كما ذكرنا، وقرب من3 أخلد (ممن) 4 ذكرنا إلى الاستدلال به من الشبه، ولذلك5 ما منع الله رسله6 من الاعتماد عليه لغموض ذلك على كثير ممن أمروا بدعائهم وكلفوا - عليهم السلام - إلزامهم فرضه. فأخلد سلفنا - رضي الله عنهم - ومن تبعهم من الخلف الصالح بعدما عرفوه من صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما دعاهم إليه من العلم بحدثهم ووجود المحدث لهم بما نبههم عليه من الأدلة إلى التمسك بالكتاب والسنة وطلب الحق في سائر ما دعوا إلى معرفته منها، والعدول عن7 كل ما خالفهما لثبوت نبوته عليه السلام عندهم، ونبههم8 بصدقه فيما أخبرهم به عن ربهم لما وثقته الدلالة لهم فيه، وكفتهم العبرة بما ذكرناه له9.
وأعرضوا عما صارت إليه الفلاسفة ومن تبعهم من القدرية وغيرهم من أهل البدع من الاستدلال بذلك على ما كلفوا معرفته لاستغنائهم بالأدلة الواضحة في ذلك عنه، وإنما صار من أثبت حدث العالم والمحدث له من الفلاسفة إلى الاستدلال بالأعراض والجواهر لدفعهم الرسل وإنكارهم لجواز مجيئهم1. وإذا كان العلم قد حصل لنا بجواز مجيئهم في العقول2 وغلط من دفع ذلك وبان صدقهم بالآيات التي ظهرت عليهم لم يسع لمن عرف من ذلك ما عرفه أن يعدل عن طرقهم إلى طرق من دفعهم وأحال مجيئهم3.
فلما كان هذا واجباً كما1 ذكرناه عند سلف (الأمة) 2 والخلف رحمهم الله3 كان اجتهاد الخلف4 في طلب أخبار النبي صلى الله عليه وسلم والاحتياط في عدالة الرواة لها واجباً عندهم، ليكونوا فيما5 يعتقدونه من ذلك على يقين6. ولذلك كان أحدهم يرحل إلى البلاد البعيدة في طلب الكلمة تبلغه عن رسول صلى الله عليه وسلم حرصاً على معرفة الحق من وجهه، وطلباً7 للأدلة الصحيحة فيه حتى تثلج صدورهم بما يعتقدونه، وتسكن نفوسهم إلى ما يتدينون به8،
ويفارقوا1 بذلك من ذمه الله في تقليده لمن يعظمه في سادته بغير دلالة تقتضي ذلك2. ولما كلفهم الله عز وجل ذلك، وجعل أخبار نبيه صلى الله عليه وسلم طريقاً إلى المعارف بما كلفهم إلى آخر الزمان حفظ أخباره عليه السلام في سائر الأزمنة، ومنع من تطرق الشبه عليها حتى لا يروم أحد تغيير شيء منها، أو تبديل معنى كلمة3 قالها إلا كشف الله عز وجل سره، وأظهر في الأمة أمره، حتى يرد4 ذلك عليه العربي والعجمي5، ومن قد أُهّل لحفظ ذلك من حملة علمه عليه السلام والمبلغين عنه6. كما حفظ كتابه حتى لا ينطق7 أحد من أهل الزيغ على تحريك حرف ساكن، أو تسكين حرف متحرك إلا تبادر8 القراء في رد ذلك عليه مع اختلاف لغاتهم وتباين أوطانهم لما أراده الله عز وجل من صحة الأداء عنه9.
ووقوع التبليغ لما أتى به نبينا عليه السلام إلى من يأتي في آخر الزمان لانقطاع الرسل بعده، واستحالة خلوهم من حجة الله عليهم1. حتى قد ظهر ذلك بينهم وأيست من نيله خواطر2 المنحرفين عنه.
وجعل الله ما حفظه من ذلك وجمع1 القلوب عليه حجة على من تعبد بعده2 عليه السلام بشر بعثه، ودلالة لمن3 دعا إلى قبول ذلك ممن لم يشاهد الأخبار، وأكمل الله عز وجل لجميعهم طرق الدين، وأغناهم عن التطلع إلى غيرها من البراهين، ودل على ذلك بقوله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} 4، وليس يجوز أن يخبر الله عز وجل عن إكماله الدين مع الحاجة إلى غير ما أكمل لهم الدين به. وبين النبي صلى الله عليه وسلم معنى ذلك في حجة الوداع لمن كان بحضرته من الجم الغفير من أمته عند اقتراب أجله، ومفارقته لهم صلى الله عليه وسلم بقوله5: "اللهم هل بلغت …" 6.
فلو كنا نحتاج مع ما1 كان منه عليه السلام في معرفة ما دعانا إليه إلى ما رتبه أهل البدع من طرق الاستدلال لما كان مبلغاً (إذ كنا نحتاج في المعرفة بصحة ما دعانا إليه) 2 إلى علم ما لم يبينه لنا من هذه الطرق التي ذكروها، ولو كان هذا كما قالوا لكان فيما دعا إليه وقوله بمنزلة اللغو3، ولو كان ذلك كذلك لعارضه المنافقون وسائر المرصدين لعداوته في ذلك، ولم يمنعهم منه مانع كما لم يمنعهم من تعنيته في طلب الآيات ومجادلته في سائر الأوقات، ولكنهم لم4 يجدوا سبيلاً إلى الطعن5؛ لأنه عليه السلام لم يدع شيئاً مما تهم6 الحاجة إليه في معرفة سائر ما دعاهم إلى اعتقاده، أو مثل فعله إلا وقد بين لهم. ويزيد7 هذا وضوحاً قوله عليه السلام: "إني قد تركتكم على مثل الواضحة ليلها كنهارها"8، وإذا كان هذا على ما رضينا علم أنه لم يبق بعد ذلك عتب لزائغ، ولا
طعن لمبتدع، إذ كان عليه السلام قد أقام الدين بعد أن أرسى أوتاده1، وأحكم أطنابه2. ولم يدع صلى الله عليه وسلم لسائر من دعاه3 إلى توحيد الله حاجة إلى غيره ولا لزائغ طعناً عليه، ثم مضى صلى الله عليه وسلم محموداً بعد إقامته الحجة، وتبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، والنصيحة لسائر الأمة، حتى لم يحوج أحداً4 من أمته البحث عن شيء قد أغفله هو مما ذكره لهم، أو معنى أسره إلى أحد من أمته5 بل قد قال صلى الله عليه وسلم في المقام الذي لم ينكتم قوله فيه لاستحالة كتمانه على من حضره، (أو طي شيء منه على من شهده) 6 "إني خلفت فيكم ما إن تمسكتم به7 لن تضلوا كتاب الله وسنتي"8 ولعمري إن فيهما الشفاء من كل أمر
مشكل، والبرء من كل داء معضل1، وإن في حراستهما من الباطل على ما تقدم ذكرنا له آية2 لمن نصح نفسه، ودلالة لمن كان الحق قصده. وفيما ذكرنا دلالة على صحة ما استندوا إلى الاستدلال، وقوة لما عرفوا الحق منه، فإذا كان ذلك على ما وصفنا، فقد علمتم بهت أهل البدع لهم في نسبتهم لهم إلى التقليد، وسوء اختيارهم في المفارقة لهم، والعدول عما كانوا عليه معهم وبالله التوفيق3. وإذ قد بان بما ذكرناه استقامة طرق استدلالهم وصحة معارفهم فلنذكر الآن ما أجمعوا عليه من الأصول.
(باب ذكر ما أجمع عليه السلف من الأصول) 1 التي نبهوا بالأدلة عليها وأمروا في وقت النبي صلى الله عليه وسلم بها2.
الإجماع الأول واعلموا - أرشدكم الله - أن مما أجمعوا عليه - رحمة الله عليهم - على اعتقاده مما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إليه، ونبههم بما ذكرناه على صحته أن العالم بما فيه من أجسامه وأعراضه محدث لم يكن ثم كان1، وأن لجميعه محدثاً واحداً اخترع أجناسه، وأحدث جواهره وأعراضه، وخالف بين أجناسه2. وأنه عز وجل لم يزل قبل أن يخلقه واحداً عالماً قادراً مريداً متكلماً سميعاً بصيراً له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأنهم عرفوا ذلك بما نبههم الله عز وجل عليه، وبين لهم صلى الله عليه وسلم وجه الدلالة فيه على ما تقدم شرحنا له قبل هذا الموضع3.
الإجماع الثاني وأجمعوا على أنه عز وجل غير مشبه لشيء من العالم، وقد نبه الله عز وجل على ذلك بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 1.
وبقوله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 1 وإنما كان ذلك كذلك، لأنه تعالى لو كان شبيهاً لشيء من خلقه لاقتضى من الحدث والحاجة إلى محدث له ما اقتضاه ذلك الذي أشبهه، أو اقتضى ذلك قدم ما أشبهه من خلقه، وقد قامت الأدلة2 على حدث جميع الخلق واستحالة قدمه على ما بيناه آنفاً، وليس كونه عز وجل غير مشبه للخلق ينفي وجوده؛ لأن طريق إثباته كونه تعالى على ما اقتضته3 العقول من دلالة أفعاله عليه دون مشاهدته. الإجماع الثالث وأجمعوا أنه تعالى لم يزل موجوداً حياً قادراً عالماً مريداً متكلماً سميعاً بصيراً على ما وصف به نفسه، (وتسمى) 4 به في كتابه، وأخبرهم به ورسوله، ودلت عليه أفعاله، وأن وصفه بذلك لا يوجب شبهه لمن وصف من خلقه بذلك من قبل الشيئين لا يشبهان بغيرهما، ولا باتفاق أسمائهما5، وإنما يشبهان بأنفسهما فلما كانت نفس الباري تعالى غير مشبهة لشيء من العالم بما ذكرناه آنفاً، لم يكن وصفه بأنه حي وقادر وعالم يوجب تشبهه لمن وصفناه بذلك منا، وإنما يوجب اتفاقهما في ذلك اتفاقاً6 في7 حقيقة الحي والقادر والعالم، وليس اتفاقهما في حقيقة ذلك يوجب (تشابهاً) 8 بينهما، ألا ترى أن وصف الباري عز وجل بأنه موجود ووصف الإنسان بذلك لا يوجب تشابهاً بينهما، وإن كانا قد اتفقا في حقيقة الموجود، ولو وجب تشابههما بذلك لوجب تشابه السواد والبياض بكونهما
موجودين، فلما لم يجب بذلك بينهما (تشابه) 1 وإن كانا قد اتفقا في حقيقة الموجود، لم يجب أو يوصف الباري عز وجل بأنه حي عالم قادر، ووصف الإنسان بذلك تشابههما، وإن اتفقا في حقيقة ذلك، وإن كان الله عز وجل لم يزل مستحقاً لذلك، والإنسان مستحقاً لذلك عند خلق الله ذلك له وخلق هذه الصفات فيه2. الإجماع الرابع وأجمعوا على إثبات3 حياة الله عز وجل لم يزل بها حياً، وعلماً لم يزل به عالماً، وقدرة لم يزل بها قادراً، وكلاماً لم يزل به متكلماً، وإرادة لم يزل بها مريداً، وسمعاً وبصراً لم يزل به سميعاً بصيراً4. وعلى أن شيئاً من هذه الصفات لا يصح أن يكون محدثاً، إذ لو كان شيئاً5 منها
محدثاً لكان تعالى قبل حدثها موصوفاً بضدها، ولو كان ذلك لخرج1 عن الإلهية2، وصار إلى حكم المحدَثين الذين يلحقهم النقص ويختلف عليهم صفات الذم والمدح، وهذا يستحيل على الله عز وجل، وإذا استحال ذلك عليه وجب أن يكون لم يزل بصفة الكمال؛ إذ كان لا يجوز عليه الانتقال من حال إلى حال3. الإجماع الخامس وأجمعوا (على) 4 أن صفته عز وجل لا تشبه صفات المحدثين، كما أن نفسه لا تشبه أنفس المخلوقين، واستدلوا على ذلك بأنه لو لم يكن له عز وجل هذه الصفات لم يكن موصوفاً بشيء منها في الحقيقة، (من قبل أن من ليس له حياة لا يكون حياً، ومن لم يكن له علم لا يكون عالماً في الحقيقة، ومن لم يكن له قدرة فليس بقادر في الحقيقة، وكذلك الحال في سائر الصفات، ألا ترى من لم يكن له فعل) 5 لم يكن فاعلاً في الحقيقة، ومن لم يكن له إحسان لم يكن محسناً، ومن لم يكن له كلام لم يكن متكلماً في الحقيقة، ومن لم يكن له إرادة لم يكن في الحقيقة مريداً، وأن من6 وصف بشيء من ذلك مع عدم الصفات التي توجب هذه الأوصاف له لا يكون مستحقاً لذلك في الحقيقة، وإنما يكون وصفه مجازاً7 أو كذباً، ألا ترى أن وصف الله عز وجل للجدار بأنه يريد أن ينقض، لما لم يكن له إرادة في الحقيقة كان مجازاً، وذلك أن هذه الأوصاف مشتقة من أخص أسماء هذه الصفات ودالة عليها، فمتى لم توجد هذه الصفات التي وصف بها كان وصفه بذلك
تلقيباً أو كذباً، فإذا كان الله عز وجل موصوفاً بجميع هذه الأوصاف في صفة الحقيقة وجب إثبات الصفات التي أوجبت هذه الأوصاف له في الحقيقة، وإلا كان وصفه بذلك مجازاً1 كما وصف الجدار بأنه يريد، لما لم يكن له إرادة مجازاً ويبين هذا أن وصف الإنسان بأنه مريد وسارق وظالم مشتق من الإرادة والسرقة والظلم، وكذلك وصفه بأنه أسود مشتق من السواد، فإذا وصف بذلك من ليس له هذه الصفات في الحقيقة كان وصفه بذلك تلقيباً2، ألا ترى أن من سمت العرب من أولادها بذلك لم يستحق الذم، لأن تسميته بذلك لا يقتضي إثبات هذه الصفات، وإنما وضعوا ذلك لهم تلقيباً، كما يلقبونهم بزيد وعمرو، وعلى مثل هذا (جاء) 3 السمع في تسمية الجدار بأنه يريد، لما لم يكن له إرادة، وإذا كان وصف الباري عز وجل بسائر ما ذكرناه من كونه عز وجل حياً وقادراً وعالماً ومتكلماً ومريداً وسميعاً وبصيراً في الحقيقة دون المجاز والتلقيب، وجب إثبات هذه الصفات التي اشتق له عز وجل الأوصاف من أخص أسمائها، وقد أوضح ذلك بقوله عز وجل: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} 4، وقال: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} 5، وقال6: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} 7 ولا يجب8 إذا أثبتنا هذه الصفات له عز وجل على ما دلت العقول واللغة والقرآن والإجماع عليها أن تكون محدثة، لأنه تعالى لم يزل موصوفاً بها، ولا يجب أن تكون أعراضاً؛ لأنه عز وجل ليس بجسم، وإنما توجد الأعراض في الأجسام9،
ويدل بأعراضها فيها وتعاقبها عليها على حدثها، ولا يجب أن تكون غيره عز وجل؛ لأن غير الشيء هو ما يجوز مفارقة صفاته له من قبل أن في مفارقتها له ما يوجب حدثه وخروجه عن الألوهية، وهذا يستحيل عليه (كما لا يجب) 1 أن تكون نفس2 الباري عز وجل جسماً أو جوهراً، أو محدوداً، أو في مكان دون مكان، أو في غير ذلك3 مما لا يجوز عليه من صفاتنا لمفارقته لنا، فلذلك لا يجوز على صفاته ما يجوز على صفاتنا، ولا يجب إذا لم تكن هذه الصفات غيره أن تكون نفسه4 لاستحالة كونه حياة، أو علماً، أو قدرة؛ لأن من كان كذلك لم يتأت منه الفعل، وذلك أن الفعل يتأتى من الحي القادر العالم دون الحياة والعلم والقدرة5.
الإجماع السادس وأجمعوا على أن1 أمره عز وجل وقوله غير محدث ولا مخلوق وقد دل الله تعالى على صحة ذلك بقوله: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} 2، ففرق تعالى بين خلقه وأمره.
وقال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 1، فبين بذلك تعالى أن الأشياء المخلوقة تكون شيئاً بعد أن لم تكن بقوله وإرادته. وأن قوله غير الأشياء المخلوقة من قبل أن2 أمره تعالى للأشياء وقوله لها كوني، لو كان مخلوقاً لوجب أن يكون قد خلقه بأمر آخر، وذلك القول لو كان مخلوقاً (لكان مخلوقاً) 3 بقول آخر، وهذا يوجب على قائله أحد شيئين: إما أن يكون كل قول محدث قد تقدمه قول محدث إلى ما لا نهاية له، وهذا قول أهل الدهر بعينه، أو يكون ذلك القول حادثاً بغير أمره عز وجل له، فبطل معنى الامتداح بذلك4. وقد نص على هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بحضرة أوليائه من الصحابة وأعدائه من الخوارج لما أنكروا عليه التحكيم فقال: والله ما حكمت مخلوقاً وإنما حكمت كلام الله5، فلم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة الذين يوالونه، ولا أحد من الخوارج الذين يعادونه، ولا روي عن أحد منهم خلاف له في ذلك.
الإجماع السابع وأجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى، وأن له تعالى (يدين مبسوطتين) 1 وأن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه من غير أن يكون جوارحاً، وأن يديه تعالى غير نعمته2.
وقد دل على ذلك تشريفه لآدم عليه السلام حيث خلقه بيده، وتقريعه لإبليس على الاستكبار عن السجود مع ما شرفه به بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 1. الإجماع الثامن وأجمعوا على أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المذنبين، ويعذب منهم من يشاء كما قال، وليس مجيئه حركة ولا زوالاً، وإنما يكون المجيء حركة وزوالاً إذا كان الجائي جسماً أو جوهراً، فإذا ثبت أنه عز وجل ليس بجسم ولا جوهر لم يجب أن يكون مجيئه نقلة أو حركة2، ألا ترى
أنهم لا يريدون بقولهم: جاءت زيداً الحمى أنها تنقلت إليه، أو تحركت من مكان كانت فيه إذ لم تكن جسماً ولا جوهراً، وإنما مجيئها إليه وجودها به1. وأنه عز وجل ينزل إلى السماء2 الدنيا كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس نزوله نقله، لأنه ليس بجسم ولا جوهر، وقد نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم عند من خالفنا3.
الإجماع التاسع وأجمعوا على أنه عز وجل يرضى عن الطائعين له، وأن رضاه عنهم إرادته لنعيمهم، وأنه يحب التوابين ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم، وأن غضبه إرادته لعذابهم، وأنه لا يقوم على غضبه شيء1. وأنه تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه، وقد دل على ذلك بقوله: {أَأَمِنْتُمْ
مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} 1 وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} 2. وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 3، وليس استواؤه على العرش استيلاء كما قال أهل القدر؛ لأنه عز وجل لم يزل مستولياً على كل شيء. وأنه يعلم السر وأخفى من السر، ولا يغيب عنه شيء في السماوات والأرض حتى
كأنه حاضر مع كل شيء، وقد دل الله عز وجل على ذلك بقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} 1 وفسر ذلك أهل العلم بالتأويل أن علمه محيط بهم حيث كانوا. وأنه له عز وجل كرسياً دون العرش، وقد دل الله سبحانه على ذلك بقوله: {وَسِعَ
كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} 1 وقد جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يضع كرسيه يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه. الإجماع العاشر وأجمعوا على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه، ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه ولا تكييف له، وأن الإيمان به واجب، وترك التكييف له لازم2.
الإجماع الحادي عشر وأجمعوا على أن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة بأعين وجوههم على ما أخبر به تعالى في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 1. وقد بين معنى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ودفع كل إشكال فيه بقوله للمؤمنين: "ترون ربكم عياناً" 2.
وقوله: "ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته" 1. فبين أن رؤيته تعالى بأعين الوجوه. ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل مثل القمر من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الرؤية بالرؤية، ولم يشبه الله تعالى بالقمر وليس يجب إذا رأيناه تعالى أن يكون شبيهاً لشيء مما نراه، كما لا يجب إذا علمناه أنه يشبه شيئاً نعلمه، ولو كان يجب إذا رأيناه عز وجل أن يكون مثل المرئيين منا لوجب إذا كان الله رائياً لنا وعالماً بنا أن يكون مثل الرائين العالمين منا2. الإجماع الثاني عشر وأجمعوا على أنه عز وجل غير محتاج إلى شيء مما خلق، وأنه تعالى3 يضل من يشاء
ويهدي1 من يشاء، (ويعذب من يشاء، وينعم على من يشاء) 2 ويعز من يشاء، ويغفر لمن يشاء3، ويغني من يشاء4. وأنه لا يسأل في شيء من ذلك عما يفعل، ولا لأفعاله علل؛ لأنه مالك غير مملوك، ولا مأمور ولا منهي5.
وأنه يفعل ما يشاء، (ويفضل على من يشاء، كما قال: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} 1 وقال: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ} 2 وبين تعالى أنه ليس يجري في أفعاله مجرى خلقه بقوله عز وجل: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} 3، وقال تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 4. الإجماع الثالث عشر وأجمعوا على أن القبيح من أفعال خلقه ما نهاهم عنه، وزجرهم عن فعله، وأن الحسن ما أمرهم به، أو ندبهم إلى فعله، أو أباحه لهم، وقد دل عز وجل على ذلك بقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 5.
الإجماع الرابع عشر أجمعوا على أن على جميع الخلق الرضا بأحكام الله التي أمرهم أن يرضوا بها، والتسليم في جميع ذلك لأمره، والصبر على قضائه، والانتهاء إلى طاعته فيما دعاهم1 إلى فعله، أو تركه2.
الإجماع الخامس عشر وأجمعوا على أنه عادل في1 جميع أفعاله وأحكامه ساءنا ذلك، أم سرنا، نفعنا2، أو ضرنا3.
الإجماع السادس عشر وأجمعوا على أنه تعالى قد1 قدر جميع أفعال الخلق وآجالهم وأرزاقهم قبل خلقه لهم، وأثبت في اللوح المحفوظ جميع ما هو كائن منهم إلى يوم يبعثون2، وقد دل (على) 3 ذلك4 بقوله: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} 5.
وأخبر أنه عز وجل يقرع الجاحدين لذلك في جهنم بقوله: {يَوْمَ 1 يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 2. الإجماع السابع عشر وأجمعوا على أنه تعالى قسم خلقه فرقتين، فرقة خلقهم للجنة وكتبهم بأسمائهم (وأسماء آبائهم) 3، وفرقة خلقهم للسعير وذكرهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ممتثلين في ذلك بقوله عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} 4.
ولقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} 1. وقد بين ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث القبضتين2. وحديث الصادق المصدوق عن عبد الله بن مسعود3، وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - حين قال: يا رسول الله أرأيت ما نحن فيه4 أمر قد فرغ منه، أم أمر مستأنف، فقال عليه السلام: بل أمر قد فرغ منه، قال عمر: ففيم العمل يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" 5 وغير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة.
الإجماع الثامن عشر وأجمعوا على أن الخلق لا يقدرون على الخروج مما سبق في علم الله فيهم، وإرادته لهم، وعلى أن طاعته تعالى واجبة عليهم فيما أمرهم به، (وإن كان) 1 السابق من علمه فيهم وإرادته لهم أنهم لا يطيعونه، وأن ترك معصيته لازم لجميعهم، وإن كان السابق في علمه وإرادته أنهم يعصونه، وأنه تعالى يطالبهم بالأمر والنهي، ويحمدهم على الطاعة فيما أمروا به، ويذمهم على المعصية فيما نهوا عنه، وأن جميع ذلك عدل منه تعالى عليهم كما أنه تعالى عادل على من خلقه منهم مع علمه أنه يكفر إذا أمره، وأعطاه القدرة التي يعلم أنها تصيره إلى معصيته، وأنه عدل في تبقيته المؤمنين إلى الوقت الذي يعلم أنهم يكفرون فيه ويرتدون عما كانوا عليه من إيمانهم، وتعذيبهم لهم على الجرم المنقطع بالعذاب الدائم، لأنه عز وجل ملك لجميع ذلك فيهم غير محتاج في فعله إلى تمليك غيره له ذلك، حتى يكون جائراً فيه قبل تملكه، بل هو تعالى في فعل جميع ذلك عادل له وله مالك يفعل ما يشاء، كما قال عز وجل: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 2.
الإجماع التاسع عشر وأجمعوا على أنه خالق لجميع الحوادث وحده، لا خالق لشيء منها (سواه) 1 وقد زجر الله عز وجل من ظن ذلك بقوله: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 2 كما زجر من ادعى إلهاً غيره بقوله تعالى: {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} 3، وإنما سمى غيره خالقاً في قوله: {اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} 4 وإن كان خالقاً وحده على طريق الاتساع، كما يقال: عدل العمرين على طريق الاتساع، وإن كان عمر واحداً.
وكما سمى غيره إلهاً في قوله: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً} 1 في المجاز. الإجماع العشرون وأجمعوا على أن جنس استطاعة الإيمان غير جنس استطاعة الكفر من قبل أن جنس استطاعة2 الإيمان هدى وتوفيق يرغب إلى الله عز وجل في فعلها، ويشكر على التفضل بها، واستطاعة الكفر ضلال وخذلان يستعاذ بالله منها، ويسأل العصمة بالهدى وقوة الإيمان بدلها، وأن قدر المحدثين تختلف وتتجانس وتتضاد، كما يختلف علمهم ويتجانس ويتضاد3.
الإجماع الحادي والعشرون وأجمعوا على أن الإنسان غير غني عن ربه عز وجل في سائر أوقاته، وعلى الرغبة إليه في المعونة على سائر ما أمر به ممتثلين لما أمرهم به في قوله عز وجل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 1 فلم يفرق بين العبادة وبين الاستعانة2. الإجماع الثاني والعشرون وأجمعوا على أن الإنسان لا يستطيع أن يفعل ما علم الله عز وجل أنه لا يفعله3 وقد نص على ذلك تعالى فيما حكاه عن الخضر في قوله لموسى - عليهما السلام - لما لم يصبر معه {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} 4 ولم ينكر موسى قوله، ولا رد عليه ما ذكره5.
الإجماع الثالث والعشرون وأجمعوا على أن الله عز وجل قد كلف الكفار الإيمان والتصديق بنبيه صلى الله عليه وسلم وإن كانوا غير عاملين بذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوضح لهم الدلالة، ولزمهم حكم الدعوة، وإنما وجب عليهم من إيجاب الله عز وجل له، وطريق معرفتهم بذلك العقول التي جعلت آلة تمييزهم، وأنهم أثموا في الجهل في ذلك من قبل إعراضهم عن تأمل ما دعوا إلى تأمله من
الأدلة لتي جعل لهم بها السبيل إلى معرفة وجوب ما دعوا إليه من النظر في آياته التي أزعج بخرق العادات فيها قلوبهم، وحرك بها دواعي نظرهم1. الإجماع الرابع والعشرون وأجمعوا على أنهم يستحقون الذم بإعراضهم وتشاغلهم بما نهوا عنه عن التشاغل به2. الإجماع الخامس والعشرون وأجمعوا أيضاً على أن الكافرين غير قادرين على العلم بما دعوا إليه مع تشاغلهم بالإعراض3 عنه، وإيثارهم للجهل عليه مع كونهم غير عاجزين عن ذلك، ولا ممنوعين منه لصحة أبدانهم وقدرتهم على ما تشاغلوا به من الإعراض عنه، وآثروه من الجهل عليه، وإنما أتوا في ذلك من جهة إعراضهم عنه، وسوء الاختيار في التشاغل بتركه، ولو
كرهوا ما هم (عليه) 1 من الإعراض عن تأمل أدلة الله التي نبههم نبيه صلى الله عليه وسلم عليها ودعاهم إلى تأملها لتأتى لهم ذلك وحصل لهم العلم به والقدرة عليه2. الإجماع السادس والعشرون وأجمعوا على أن الإنسان لا يقدر بقدرة واحدة على مقدورين، كما أنه لا يعلم بعلم واحد يكتسبه شيئاً من تصرفه إلا بقدرة تخصه في حال وجوده؛ لأن التصرف لا يصح وجوده إلا بها، فلو وجد تصرفه مع عدم القدرة عليه لاستغنى في وجوده عنها، كما أنها3 لو وجدت الحركة مع عدم محلها لاستغنت في الوجود عنه ولم تحتج إليه4.
الإجماع السابع والعشرون وأجمعوا على أنه لا يصح تكليف الإنسان الطاعة ونهيه عن المعصية إلا مع صحة بدنه وسلامة آلات فعله، وإن كان لكل فعل يكتسبه قوة تخصه غير القوة عليه1 على تركه، وغير الفعل المقدور بها وغير صحة بدنه، كما أنه لا يصح أن يكلف فعلاً إلا مع2 صحة عقله وآلات تمييزه، وإن كان يحتاج في المعرفة لكل ما دعي3 إلى معرفته إلى علم يخصه ويصح معه فعله، وليس يجب إذا كلفوا معرفة ما لا يعلمونه في حال التكليف لإعراضهم4 عنه أن يكلفوا الفعل مع عدم جميع علومهم إذ كان عدم جميع علومهم يخرجهم عن صحة عقولهم، ويصيرهم إلى الجنون الذي لا يصح تكلف الاستدلال معه، وكذلك الحكم في تكليفهم الإيمان الذي علم الله أنهم لا يفعلونه وسبق في الكتاب أنهم لا يكتسبونه وهم غير قادرين عليه ولا عن الخروج من علم الله فيه (وخبره عنهم به لا يخل) 5 بتكليفهم فعله من قبل أن أبدانهم صحيحة، وآلات فعل ما كلفوه موجودة، وقد مكنوا في فعله فهم غير عاجزين عنه ولا ممنوعين منه، وإنما أتوا في ذلك بإعراضهم عما أمروا به وتشاغلهم بالكفر الذي قد آثروه عليه وشغلوا قدرهم بكسبه. ولو كرهوا الكفر وما هم عليه من الإيثار له، وأرادوا الإيمان لقدروا عليه، ولا يجب إذا كلفوا ما هم غير قادرين على ما كلفوه من الإيمان لتشاغلهم عنه بالكفر الذي نهوا عنه أن يكلفوا الأفعال مع عدم جميع القدر من قبل أن خروجهم عن جميع القدر يصيرهم إلى العجز وفساد الأبدان والآلات التي لا يصح منهم الفعل مع عدمها، كما لا يصح تكليفهم الاستدلال مع عدم جميع العلوم، من قبل أن عدم جميع العلوم يصيرهم إلى فساد آلات الاستدلال التي لا يتأتى لهم الاستدلال مع فسادها، وإنما يصح تكليفهم
الأفعال مع صحة عقولهم وأبدانهم التي يتأتى لهم الأفعال معها، وكونهم غير قادرين على ما تركوا من الأفعال وتشاغلوا عنه لا يخرجهم عن صحة أبدانهم، ولا يصيرهم إلى العجز الذي لا يصح معه فعلهم، كما أن (قولهم غير) 1 عالمين إلى ما دعوا إلى معرفته وتشاغلهم بالإعراض عن الاستدلال عليه لا يخرجهم عن صحة عقولهم ولا يصيرهم إلى2 الجنون الذي لا يصح معه تكليفهم3. الإجماع الثامن والعشرون وأجمعوا على أن جميع ما عليه سائر الخلق من تصرفهم قد قدره الله عز وجل قبل خلقه لهم، وأحصاه في اللوح المحفوظ لهم، وأحاط علمه به وبهم وأخبر بما يكون منهم، وأن أحداً لا يقدر على تغيير شيء من ذلك ولا الخروج عما قدره الله تعالى وسبق علمه به، وبما يتصرفون في علمه وينتهون إلى مقاديره فمنهم شقي وسعيد4. الإجماع التاسع والعشرون وأجمعوا على أنه تعالى تفضل على بعض خلقه بالتوفيق والهدى وحبب إليهم الإيمان وشرح صدورهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وجعلهم راشدين، كما قال عز
وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} 1 وقال: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} 2 فعدد بذلك نعمته عليهم. الإجماع الثلاثون وأجمعوا على أن ما يقدر عليه من الألطاف التي لو فعلها لآمن3 جميع الخلق غير متناهية، وأن فعل ذلك غير واجب عليه، بل هو تعالى متفضل بما يفعله منها، وأنه تعالى لم يتفضل على بعض خلقه بذلك، بل أضلهم كما قال: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} 4، وقد قال موسى عليه السلام لما جيء بالعجل الذي عمله السامري لبني إسرائيل، وكان خواره فعل الباري تعالى عنه: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} 5 ولم ينكر الله ذلك عليه، ولو كان وصفه بذلك جوراً كما يقول القدرية لما ترك الإنكار ذلك عليه وزجره عنه، وقد قال نبينا عليه السلام: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" 6.
الإجماع الحادي والثلاثون وأجمعوا على أن الله تعالى كان قادراً على أن يخلق جميع الخلق في الجنة متفضلاً عليهم بذلك؛ لأنه تعالى غير محتاج إلى عبادتهم له، (وأنه قادر أن يخلقهم كلهم في النار، ويكون بذلك عادلاً عليهم؛ لأن الخلق خلقه والأمر أمره لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولأنه عز وجل فعل من ذلك ما أراد لا معقب لحكمه وهو السميع البصير) 1. الإجماع الثاني والثلاثون وأجمعوا على أنه تعالى لا يجب عليه أن يساوي بين خلقه في النعم، وأنّ له أن يختص من يشاء منهم بما شاء من نعمة، وقد دل على صحة ذلك قولنا قوله تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} 2 وأخبرنا تعالى عما أراده في تفضل بعض خلقه المكلفين فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} 3، وقال في فريق آخر وهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} 4 وإنما اختلف الفريقان لاختلاف ما أراده الله عز وجل لهم5.
الإجماع الثالث والثلاثون وأجمعوا على أنه ليس لأحد من الخلق الاعتراض على الله تعالى في شيء من تدبيره، ولا إنكار لشيء من فعله إذْ كان مالكاً1 لما يشاء منها غير مملوك وأنه تعالى حكيم قبل أن (يفعل) 2 سائر الأفعال، وأن جميع ما يفعله لا يخرجه عن الحكمة، وأن من يعترض عليه في أفعاله متبع3 لرأي الشيطان حين امتنع من السجود لآدم عليه السلام وزعم أن ذلك فساد في التدبير وخروج من الحكمة حين قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} 4. الإجماع الرابع والثلاثون وأجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا جميع الخلق إلى معرفة الله وإلى نبوته، ونهاهم عن الجهل بالله عز وجل وعن تكذيبه، وأنه عليه السلام بين (لهم) 5 جميع ما دعاهم إليه من الإسلام والإيمان، وما رغبهم فيه من منازل الإحسان، وأوضح (لهم) 6 الأدلة عليه وبين لهم الطريق إليه، وأن جبريل عليه السلام جاءه في صورة أعرابي بحضرة أصحابه فقال له: ما الإسلام؟ فقال عليه السلام: "أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت - في الحديث
الطويل - فقال: صدقت، قال فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره - وغير ذلك - فقال: صدقت، قال فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ثم انصرف ونحن نتعجب من تصديقه النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم1 النبي صلى الله عليه وسلم بعد أمره لهم بطلبه فلم يجدوه بعد انصرافه هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم" 2، ولذلك قد بين لهم قبل ذلك طرق المعارف بحدثهم ودلهم على وجود المحدث لهم، ودلهم على صدقه فيما أنبأهم به عن3 ربه تعالى على ما قد سلف شرحنا له. الإجماع الخامس والثلاثون وأجمعوا على أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وليس نقصانه عندنا شك فيما أمرنا بالتصديق به، ولا جهل به، لأن ذلك كفر، وإنما هو نقصان في مرتبة العلم وزيادة البيان كما يختلف وزن طاعتنا وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كنا جميعاً مؤدين للواجب علينا4.
الإجماع السادس والثلاثون وأجمعوا على أن المؤمن1 بالله تعالى وسائر ما دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان به لا يخرجه عنه شيء من المعاصي، ولا يحبط إيمانه إلا الكفر، وأن العصاة من أهل القبلة مأمورون بسائر الشرائع غير خارجين عن الإيمان بمعاصيهم2.
وقد سمى الله1 عصاة أهل القبلة مؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ …} 2 الآية، فلو كانوا خرجوا من الإيمان بمعاصيهم كما قالت القدرية لما تعلق عليهم فرض الطهارة، وكان خطاب الله تعالى منصرفاً إلى المؤمنين دونهم، وكذلك قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} 3 ولم يخص بالحض على ذلك الطائعين دون العاصين.
الإجماع السابع والثلاثون وأجمعوا على أنه لا يقطع على أحد من عصاة أهل القبلة في غير البدع بالنار، ولا على أحد من أهل الطاعة بالجنة إلا من قطع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك1، وقد دل الله عز وجل على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 2. ولا سبيل لأحد3 إلى معرفة مشيئته تعالى إلا بخبر4، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لاتنزلوا أحداً من أهل القبلة جنة ولا ناراً" 5.
الإجماع الثامن والثلاثون وأجمعوا على أن على العباد2 حفظة يكتبون أعمالاً3، وقد دل على ذلك بقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ} 4. الإجماع التاسع والثلاثون وأجمعوا على أن عذاب القبر حق، وأن الناس يفتنون في قبورهم بعد أن يحيون فيها ويسألون، فيثبت الله من أحب تثبيته5.
وأنهم لا يذوقون ألم الموت كما قال تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى} 1. وعلى أنه ينفخ في الصور2 قبل يوم القيامة، ويصعق من في السماوات ومن في
الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. وعلى أن الله تعالى يعيدهم1 كما بدأهم حفاة عراة غرلاً، وأن الأجساد التي أطاعت وعصت هي التي تبعث يوم القيامة وكذلك الجلود التي كانت في الدنيا والألسنة والأيدي والأرجل هي التي تشهد عليهم يوم القيامة2. وأن الله تعالى ينصب الموازين لوزن أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه أفلح، ومن خفت موازينه خاب وخسر، وأن كفة السيئات تهوي إلى جهنم وأن كفة الحسنات تهوي عند زيادتها إلى الجنة3.
وأن الخلق يؤتون1 يوم القيامة بصحائف فيها أعمالهم، فمن أوتي كتابه بيمينه حوسب حساباً يسيراً، ومن أوتي كتابه بشماله فأولئك يصلون سعيراً2.
الإجماع الأربعون وأجمعوا على أن الصراط (جسر) 1 ممدود على جهنم يجوز عليه العباد بقدر أعمالهم، وأنهم يتفاوتون في السرعة والإبطاء على قدر ذلك2. الإجماع الحادي والأربعون وأجمعوا على أن الله تعالى يخرج من النار من كان في قلبه شيء من الإيمان بعد الانتقام منه3.
الإجماع الثاني والأربعون وأجمعوا على أن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، وعلى أنه يخرج من النار قوماً من أمته بعد ما صاروا حمماً، فيطرحون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السبيل1.
وعلى أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضاً يوم القيامة ترده أمته لا يظمأ من شرب منه، ويذاد عنه من بدل وغيّر بعده1. وعلى أن الإيمان بما جاء به من خبر الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماوات واجب2.
وكذلك ما روي من خبر الدجال ونزول عيسى ابن مريم وقتله الدجال1. وغير ذلك من سائر الآيات التي تواترت الرواية بين يدي الساعة من طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة وغير ذلك مما نقله إلينا الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفونا صحته2. الإجماع الثالث والأربعون وأجمعوا على التصديق بجميع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله، وما ثبت به النقل من سائر سنته، ووجوب العمل بمحكمه والإقرار بنص مشكله ومتشابهه، ورد
كل ما لم يحط به علماً بتفسيره إلى الله مع الإيمان بنصه، وأن ذلك لا يكون إلا فيما كلفوا الإيمان بجملته دون تفصيله1.
الإجماع الرابع والأربعون وأجمعوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليهم بأيديهم وبألسنتهم إن استطاعوا ذلك، وإلا فبقلوبهم، وأنه لا يجب عليهم بالسيف إلا في اللصوص والقطاع بعد مناشدتهم1. الإجماع الخامس والأربعون وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين وعلى أن كل من ولي شيئاً من أمورهم عن رضى أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار
أو عدل، وعلى أن يغزوا معهم العدو، ويحج معهم البيت، وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها ويصلى خلفهم الجمع والأعياد1. وأنه لا يصلى خلف أحد من أهل البدع منهم من أجل2 أنهم قد فسقوا بالبدع، والإمامة موضع فضل، ولا يصح أن يأتم العدل بالفاسق، كما لا يجب أن يأتم القارئ بالأمي ((إلا أن)) 3 يخاف منهم فيصلي معهم، وتعاد الصلاة بعدهم4.
الإجماع السادس والأربعون وأجمعوا على أن خير القرون قرن الصحابة، ثم الذين يلونهم على ما قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني"1 وعلى أن خير الصحابة أهل بدر، وخير أهل بدر العشر، وخير العشرة الأئمة الأربعة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي - رضوان الله عليهم-2.
وأن إمامتهم كانت عن رضى من جماعتهم، وأن الله ألف قلوبهم على ذلك لما أراده من استخلافهم جميعاً بقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} 1 فجمع الله قلوب المؤمنين على ترتيبهم في التقديم من قبل أنهم لو قدموا عمر على الجماعة لخرج أبو بكر عما وعده الله به، وكذلك لو قدم عثمان لخرج أبو بكر وعمر؛ لأن الله قد علم أنه يبقى بعدهما، وأنهما يموتان قبله، وكذلك لو قدم علي على جميعهم لخرجوا من الوعد لعلم الله أنهم يموتون قبله فرتبهم وألف بين قلوب المؤمنين على ذلك، لينالوا جميعاً ما وعدوا به، وإن كان كل واحد منهم يعلم ذلك2. الإجماع السابع والأربعون وأجمعوا على أن الخيار بعد العشرة في أهل بدر من المهاجرين والأنصار على قدر الهجرة والسابقة3، وعلى أن كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة، أو رآه ولو مرة مع إيمانه به وبما دعا إليه أفضل من التابعين بذلك4.
الإجماع الثامن والأربعون وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة - عليهم السلام - إلا بخير ما يذكرون به، وعلى أنهم أحق أن ينشر محاسنهم، ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج، وأن نظن بهم أحسن الظن، وأحسن المذاهب ممتثلين في ذلك لقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا" 1. وقال أهل العلم معنى ذلك لا تذكروهم إلا بخير الذكر2.
وقوله: "لا تؤذوني في أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه" 1 وعلى ما أثنى الله تعالى به عليهم بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الأِنْجِيلِ …} إلى آخر ما قص الله عز وجل من ذكرهم ثم قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} 2. الإجماع التاسع والأربعون وأجمعوا على أن ما كان بينهم من الأمور الدنيا لا يسقط حقوقهم، كما لا يسقط ما
كان بين أولاد يعقوب النبي عليه السلام من حقوقهم1، وعلى أنه لا يجوز لأحد أن يخرج عن أقاويل السلف فيما أجمعوا عليه، وعما اختلفوا فيه، أو في تأويله؛ لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أقاويلهم2. الإجماع الخمسون وأجمعوا على ذم سائر أهل البدع والتبري3 منهم، وهم الروافض4، والخوارج5،
والمرجئة1، والقدرية2، وترك الاختلاط بهم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وما أمر به من الإعراض عنهم في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} 3. وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الخوارج كلاب أهل النار"4، وما روي عنه عليه السلام أنه قال: "فرقتان لا تنالهما شفاعتي المرجئة والقدرية" 5. وأنه عليه السلام قال: "القدرية مجوس هذه الأمة" 6. وأنهم الذين (يعترضون) 7 على الله في مقاديره، ويزعمون أنهم يقدرون على الخروج من علمه، وأنهم يخلقون كخلقه، وإنما شبههم النبي صلى الله عليه وسلم بالمجوس دون سائر الفرق من اليهود والنصارى في مشاركتهم لهم فيما يختصون به من قولهم: إن الشر لا يفعله إلا
الشرير، وأن الله لا يفعل ذلك كما قالت المجوس في النور الذي يعبدونه، وأنه لا يضر أحداً، لأن من ضر غيره كان سفيهاً، وقد أجمع المسلمون على أن الله الضار النافع، وقال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} 1. الإجماع الحادي والخمسون وأجمعوا على النصيحة للمسلمين2 والتولي بجماعتهم3، وعلى التوادد في الله، والدعاء لأئمة المسلمين، والتبري ممن ذم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأزواجه، وترك الاختلاط بهم، والتبري منهم4.
فهذه الأصول التي مضى الأسلاف عليها، واتبعوا حكم الكتاب والسنة بها واقتدى بهم الخلف الصالح في مناقبها. نفعنا الله وإياكم آخره، والحمد لله رب العالمين وهو حسبنا1 ونعم الوكيل (ولا حول ولا قوة إلا بالله) 2.
الخاتمة انتهيت بحمد الله ومَنِّه وكرمه من دراسة وتحقيق كتاب ((رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب)) لأبي الحسن الأشعري، ويمكن تلخيص ما اشتمل عليه موضوع الكتاب في قسمين: 1- الأول: وهو ما يتعلق بالمقدمة، والتي كانت دراسة وافية عن المؤلف وكتابه، وقد اشتملت على بابين: الباب الأول: دراسة وافية عن أبي الحسن وسيرته، وقد أبرزت فيها جوانب هامة من حياته، وذلك فيما يتعلق بعقيدته وأطواره المختلفة، ومنهجه في كل حالة، ثم تعرضت لموقف تلامذة الأشعري والمنتسبين إليه، وبينت مدى مخالفة الأشعريين لمنهج الأشعري في طوره الأخير. وأما الباب الثاني: فقد تناولت فيه الكتاب المحقق من ناحية اسمه وموضوعه، وسبب تأليفه، وبيان صحة نسبته إلى المؤلف، وقيمته العلمية في بابه، وما أخذ عليه فيه، كما تعرضت لنسخ المخطوطة وعرفت بها كعادة المحققين، وأخيراً ذكرت المنهج الذي سلكته في تحقيق هذا الكتاب. 2- الثاني: مادة الكتاب الأصلية، أعني التي تضمنها ذات الكتاب وهي قضايا هامة في أصول الدين، وافق الأشعري فيها غالباً مذهب السلف وخالفهم أحياناً في بعض المسائل. وقد توصلت من خلال تحقيقي لهذا الكتاب إلى عدة نتائج أجملها فيما يلي: 1 أن النجاح الكامل في اتباع منهاج النبوة وما كان عليه السلف الصالح. 2- التمسك بالكتاب والسنة وطرح ما عداهما فيه صيانة للإنسان من البدع والضلال. 3- تمكن النزعة الكلامية عند الأشعري، وذلك بسبب نشأته الأولى. 4- سلك الأشعري مسلك السلف عموماً بعد رجوعه إلى مذهبهم، وخالفهم في بعض المسائل عند تطبيقه لهذا المنهج، وذلك لبعده فترة طويلة عن مذهبهم.
5- مخالفة الأشعري للفلاسفة والمتكلمين، وذمه لهم وبيانه لفساد طريقتهم في الاستدلال، وإن سلك مسلكهم أحياناً، كما حدث في الكلام حول حدوث العالم. 6- إثبات الأشعري للصفات التي جاء بها الوحي قرآناً كان أو سنة دون تفرقة في ذلك وإن كان عليه بعض المآخذ التي أشرت إليها في التحقيق، كما وافق السلف في مسائل القضاء والقدر. 7- موافقة الأشعري لمذهب السلف فيما جاء به الوحي من أخبار الساعة وما يقع فيها. 8- موافقة الأشعري لمذهب السلف في مرتكب الكبيرة، وما وقع من خلاف بين الصحابة وما يتعلق بذلك. 9- إعلان براءته من جميع الفرق الضالة المخالفين لمنهج السلف، أهل السنة والجماعة. وختاماً أرجو أن أكون قد وفقت في تقديم عمل علمي يستفيد منه المسلمون، وخاصة من سموا أنفسهم ((الأشعرية)) أو ((أهل السنة والجماعة)) . وأسأل الله جل ذكره أن يوفقنا جميعاً لهدي كتابه والسير على سنة رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل. ((وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين)) .
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع ... الفهارس فهرس ثبت المصادر. ثبت المصادر والمراجع روعي في هذا الفهرس ما يلي: ترتيب المراجع حسب أسماء مؤلفيها. ترتيب هذه الأسماء ترتيباً أبجديا. إغفال أداة التعريف ((أل)) وكلمة ((ابن)) ، و ((أبو)) عند ذكر الأعلام. إذا كان العلم المترجم له مبدوءً ((بابن أبي)) يكتفى بإغفال ((ابن)) . أولاً: المطبوعات: (الألف) ابن أبي العز الحنفي: صدر الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي قاضي القضاة وعلامة عصره (ت 792هـ) . شرح العقيدة الطحاوية ط/ الأولى 1392هـ. الأشعري: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري البصري (ت 324هـ) . الإبانة عن أصول الديانة. طبعة الجامعة الإسلامية. مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين. ط/ الثانية 1389هـ. بتحقيق د. محمد محيي الدين عبد الحميد. الناشر مكتبة النهضة المصرية. اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع. بتحقيق د. حمودة غرابة مطبعة مصر 1955م. الأصبهاني: أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430هـ) . دلائل النبوة ط/ الثالثة، مطبعة دار المعارف الإسلامية بحيدر آباد الدكن بالهند. الأسفرايني: أبو المظفر الأسفرايني. (ت 471هـ) . التبصرة في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن فرق الهالكين. ط/ الأولى 1359هـ. بتحقيق زاهد الكوثري. طبع ونشر السيد عزت العطار بالقاهرة. الآجري: أبو بكر محمد بن الحسين الآجري (ت 360هـ) . الشريعة. بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي. ط/ الأولى 1369هـ بمطبعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة. ابن أبي عاصم: الحافظ أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني (ت 287هـ) . كتاب السنة ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة للألباني. ط/ الأولى 1400هـ المكتب الإسلامي. الإيجي: عبد الرحمن بن أحمد الإيجي (ت 756هـ) . المواقف في علم الكلام. نشر عالم الكتب ببيروت بدون تاريخ. ابن أبي حاتم: عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي. الجرح والتعديل. ط/ الأولى ((بدون تاريخ)) بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن بالهند. ابن أبي الوفاء القرشي الحنفي: أبو محمد عبد القادر بن أبي الوفاء محمد بن محمد بن نصر الدين سالم بن أبي الوفاء القرشي الحنفي المصري. (ت 775هـ) .
الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية. ط/ الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية الهند. بدون تاريخ. أحمد أمين. ظهر الإسلام. ط/ الخامسة 1388هـ. الناشر: دار الكتاب العربي بيروت. الألباني: محمد ناصر الدين الألباني. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها. طبع المكتب الإسلامي. بدون تاريخ. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة. ط/ الثالثة 1392هـ. المكتب الإسلامي. (الباء) البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري (ت 256هـ) . صحيح البخاري. نشر المكتب الإسلامي لمحمد ادذمير بتركيا طبع مؤسسة أليف أوفست. الأدب المفرد. ط/ الثانية 1379هـ بتحقيق محب الدين الخطيب. كتاب خلق أفعال العباد. ضمن مجموعة عقائد السلف. بتحقيق د. سامي النشار وعمار جمعي طالبي. الناشر دار المعارف بالإسكندرية سنة 1971م. البغدادي: عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الأسفرائيني التميمي (ت 429هـ) . الفَرق بين الفِرق. بتحقيق د. محمد محيي الدين عبد الحميد. الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت. أصول الدين. ط/ الأولى 1346هـ تركيا. البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (ت 458هـ) . دلائل النبوة. ط/ الأولى 1389هـ بتحقيق عبد الرحمن عثمان – مطبعة دار النصر للطباعة – القاهرة. الأسماء والصفات. تحقيق محمد زاهد الكوثري. دار إحياء التراث العربي بيروت بدون تاريخ. الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد. صححه ونشره أحمد محمد مرسي 1380هـ وطبع بالقاهرة. البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (ت 516هـ) . شرح السنة. بتحقيق شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش ط/ الأولى 1390هـ المكتب الإسلامي.
البنا: حسن البنا. العقائد. - بتحقيق رضوان محمد رضوان - صادرة عن الدار السعودية للنشر والتوزيع. آل بو طامي: أحمد بن حجر آل بو طامي قاضي المحكمة الشرعية بقطر العقائد السلفية بأدلتها النقلية والعقلية. ط/ الأولى 1970م بيروت. (التاء) الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سوره (ت 279هـ) . الجامع الصحيح وهو سنن الترمذي بتحقيق جماعة من العلماء. ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني (ت 728هـ) . النبوات. الناشر مكتبة الرياض الحديثة – بدون تاريخ. بيان تلبيس الجهمية. بتحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم. ط/ الأولى 1391هـ بمطبعة الحكومة بمكة المكرمة. منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية. الناشر مكتبة الرياض الحديثة, بدون تاريخ. بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول. على هامش كتاب منهاج السنة النبوية السابق ذكره، كما استخدمت نسخة أخرى لهذا الكتاب وهي النسخة التي قام بتحقيقها الدكتور/ محمد رشاد سالم. طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. بتحقيق الشيخ/ محمد حامد الفقي - رئيس أنصار السنة بالقاهرة – طبع مطابع المجد التجارية بدون تاريخ. تفسير سورة الإخلاص. الناشر مكتبة المنار الإسلامية بالكويت. رسالة معارج الوصول. ضمن مجموعة الرسائل الكبرى – الناشر مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده – بدون تاريخ. الرسالة التدمرية في تحقيق الإثبات لأسماء الله وصفاته، وبيان حقيقة الجمع بين الشرع والقدر. ط/ الثانية بمطبعة السلفية بالقاهرة. الفتوى الحموية الكبرى. ط/ الثالثة 1398هـ بالمطبعة السلفية بالقاهرة. رسالة في معنى كون الرب عادلاً وفي تنزهه عن الظلم، وفي إثبات عدله وإحسانه. ضمن كتاب جامع الرسائل. تحقيق د/ محمد رشاد سالم، مطبعة المدني بالقاهرة؛ بدون تاريخ. الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان – ضمن مجموعة التوحيد – الناشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، بدون تاريخ. الإيمان. ط/ الثالثة 1399هـ طبع المكتب الإسلامي. مجموعة فتاوى شيخ الإسلام.
ابن تغرى بردى: جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغرى بردى (ت 874هـ) . النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة. نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب بدون تاريخ. الناشر وزارة الثقافة والإرشاد القومي. التهانوني: محمد علي الفاروقي التهانوني من علماء الهند توفي في القرن الثاني عشر. كشاف اصطلاحات الفنون. تحقيق د/ لطفي عبد البديع، وترجمة د/ عبد المنعم حسنين، ومراجعة الأستاذ/ أمين الخولي. طبع المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر سنة 1382هـ. (الجيم) ابن جرير: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ) . جامع البيان عن تأويل آي القرآن، وهو المعروف بتفسير الطبري، بتحقيق الشيخ أحمد شاكر ومحمود شاكر. طبعة دار المعارف بالقاهرة، بدون تاريخ. كما استخدمت نسخة أخرى بدون تحقيق ط/ الثالثة بمطبعة الحلبي 1388هـ، لأن الأولى ناقصة. ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي القرشي البغدادي. (ت 596هـ) . نقد العلم والعلماء، أو تلبيس إبليس. بتحقيق محمود مهدي استنبولي. طبع مؤسسة علوم القرآن بدمشق سنة 1396هـ. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم. ط/ الأولى بمطبعة دار المعارف العثمانية بالهند سنة 1357هـ. الجرجاني: علي بن محمد بن علي السيد الزين أبي الحسن الحسيني الجرجاني الحنفي (ت 816هـ) . التعريفات. مطبعة الحلبي بالقاهرة / 1357هـ. جماعة من المستشرقين. دائرة المعارف الإسلامية. أصدرها بالإنجليزية والفرنسية والألمانية أئمة المستشرقين في العالم ونقلها إلى العربية إبراهيم زكي خورشيد، وأحمد الشناوي، وعبد الحميد يونس. مطبعة دار الشعب بالقاهرة، بدون تاريخ. (الحاء) أبو حنيفة: النعمان بن ثابت الكوفي (ت 150هـ) . الفقه الأكبر بشرح ملا علي القاري. ط/ الثانية 1375هـ مطبعة الحلبي بالقاهرة. ابن حنبل: أحمد بن حنبل بن هلال بن أسد (ت 241هـ) .
مسند الإمام أحمد. ط/ الثانية 1398هـ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر/ بيروت. الرد على الجهمية والزنادقة فيما شكوا فيه من متشابه القرآن وتأويله على غير تأويله. رسالة السنة. كلاهما في كتاب واحد بتحقيق الشيخ/ إسماعيل الأنصاري. نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. الحاكم: الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405هـ) . المستدرك. الناشر دار الكتاب العربي بيروت / بدون تاريخ. ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري (ت 456هـ) . الفصل في الملل والأهواء والنحل. ط/ الثانية 1395هـ طبع دار المعرفة / بيروت. الإحكام في أصول الأحكام – بتحقيق محمد أحمد عبد العزيز. ط/ الأولى 1398هـ. الناشر مكتبة عاطف بالقاهرة. أبو حيان: محمد بن يوسف الأندلسي الغرناطي (ت 754هـ) . تفسير البحر المحيط. ط/ الثالثة 1398هـ دار الفكر بيروت. ابن حجر: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852هـ) . فتح الباري شرح صحيح البخاري. بترقيم وإخراج/ محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب – طبع المطبعة السلفية بالقاهرة - بدون تاريخ. الإصابة في تمييز الصحابة. طبعة جديدة بالأوفست بدون تاريخ – نشر دار صادر بيروت. تهذيب التهذيب. ط/ الأولى 1326هـ مطبعة دائرة المعارف النظامية بالهند. حمودة غرابة: دكتور. الأشعري أبو الحسن. طبع مطبعة الرسالة بالقاهرة بدون تاريخ. حسن نصر ومحيي الدين صالح – كاتبان معاصران. جسم الإنسان في علم الصحة. طبع مصلحة الطباعة بالمعهد التربوي الوطني بالجزائر، بدون تاريخ. حمدي حيا الله: دكتور معاصر بكلية البنات بجامعة الأزهر. أثر التفلسف في الفكر الإسلامي. ط/ الأولى 1395هـ، مطبعة الجبلاوي بالقاهرة. (الخاء) ابن خزيمة: الحافظ محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت 311هـ) . كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل. بتحقيق الدكتور محمد خليل هراس ط/ الثانية 1393هـ دار الفكر / بيروت. الخطيب البغدادي: الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي (463هـ) .
تاريخ بغداد أو مدينة السلام. الناشر دار الفكر العربي – بيروت – بدون تاريخ. الكفاية في علم الرواية - تقديم / محمد الحافظ التيجاني. ط/ الأولى بدون تاريخ – طبع مطبعة دار السعادة بالقاهرة. الرحلة في طلب الحديث – بتحقيق د. نور الدين عتر – ط/ الأولى 1395هـ - الناشر دار الكتب العلمية بيروت. ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت 681هـ) . وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. بتحقيق د. إحسان عباس – نشر دار صادر بيروت 1397هـ. (الدال) أبو داود: الحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (ت 275هـ) . سنن أبي داود ومعه معالم السنن للخطابي (ت 388هـ) . بتعليق عزت عبيد الدعاس. ط/ الأولى 1388هـ، نشر وتوزيع محمد علي السيد. الدارمي: عثمان بن سعيد الدارمي. (ت 280هـ) . الرد على الجهمية – بتحقيق زهير الشاويش. ط/ الثالثة 1398هـ، نشر المكتب الإسلامي. رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد. بتحقيق محمد حامد الفقي ط/ الأولى 1358هـ مطبعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة. الدارقطني: الإمام علي بن عمر الدارقطني (ت 385هـ) . سنن الدارقطني بتحقيق السيد عبد الله هاشم يماني، وبذيله التعليق المغني على الدارقطني لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، مطبعة دار المحاسن بالقاهرة بدون تاريخ، الناشر: السيد عبد الله هاشم يماني بالمدينة المنورة. دراز: محمد عبد الله دراز. دكتور. النبأ العظيم. ط/ الرابعة 1397هـ. درويش: أبو الوفاء محمد درويش. الأسماء الحسنى – ط/ الأولى 1390هـ. طبع ونشر الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية. (الذال) الذهبي: الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748هـ) . مختصر العلو للعلي الغفار. اختصره وحققه محمد ناصر الدين الألباني، ط/ الأولى 1401هـ وطبع المكتب الإسلامي بدمشق.
ميزان الاعتدال في نقد الرجال. تحقيق علي محمد البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي بدون تاريخ. تذكرة الحفاظ. بتصحيح الشيخ/ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، طبعة إحياء التراث العربي – بيروت – بدون تاريخ. المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال. وهو مختصر منهاج السنة لابن تيمية، بتحقيق محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية / 1374هـ. العبر في خبر من غبر. سلسلة تصدرها دار المطبوعات والنشر بالكويت / 1960م. (الراء) ابن رجب: أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي. فضل علم السف على الخلف. مطبعة الحلبي 1347هـ. جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم. ط/ الرابعة 1393هـ مطبعة الحلبي. الرازي: فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي (ت606هـ) اعتقادات فرق المسلمين والمشركين. الناشر مكتبة الكليات الأزهرية 1398هـ. المحصول في علم أصول الفقه. بتحقيق الدكتور/ جابر فياض العلواني ط/ الأولى 1399هـ، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. الراغب الأصفهاني: أبو القاسم حسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الأصفهاني. المفردات في غريب القرآن. بتحقيق محمد سيد كيلاني. طبع مطبعة الحلبي بالقاهرة 1961م. رضا: محمد رشيد رضا. تفسير القرآن الحكيم. ط/ الرابعة 1380هـ مطبعة القاهرة. (الزاي) الزركلي: خير الدين الزركلي. الأعلام. ط/ الثالثة بيروت 1389هـ. أبو زهرة: محمد أبو زهرة (ت 1394هـ) . محاضرات في النصرانية. ط/ الثالثة 1385هـ مطبعة المدني بالقاهرة. ابن تيمية: حياته وعصره آراؤه الفقهية. مطبعة الدجوي بالقاهرة. - نشر دار الفكر العربي – بدون تاريخ.
(السين) ابن سعد: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري (ت 230هـ) . الطبقات الكبرى. دار صادر للطباعة والنشر بيروت بدون تاريخ. السمعاني: أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني. (ت 562هـ) . الأنساب. بتعليق الشيخ عبد الرحمن المعلمي. ط/ الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند. السبكي: تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي (ت 771هـ) . طبقات الشافعية الكبرى. بتحقيق محمد محمد الطناحي وعبد الفتاح الحلو. ط/ الأولى مطبعة عيسى الحلبي 1384هـ. السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. (ت 911هـ) . تدريب الراوي شرح تقريب النووي. بتحقيق د/ عبد الوهاب عبد اللطيف. ط/ الثانية 1392هـ. الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة. أبو السعود: أبو السعود بن محمد بن محمد العماد الحنفي (ت982هـ) . تفسير أبي السعود، أو إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم. بتحقيق عبد القادر أحمد عطا، طبع مطبعة السعادة بالقاهرة، ونشر مكتبة الرياض الحديثة. السفاريني: محمد بن أحمد السفاريني الأثري الحنبلي (ت 1128هـ) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية في عقد الفرقة المرضية. طبع مطابع دار الأصفهاني وشركاه بجدة 1380هـ. الساعاتي: أحمد بن عبد الرحمن البنا المعروف بالساعاتي. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني. ط/ الأولى 1377هـ. السباعي: مصطفى السباعي. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي. ط/ الثانية 1396هـ طبع المكتب الإسلامي بيروت. سيد قطب. في ظلال القرآن. ط/ التاسعة 1400هـ طبعة دار الشروق
(الشين) الشافعي: محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ) . الرسالة. بتحقيق وشرح أحمد شاكر. ط/ الأولى 1358هـ طبع شركة الحلبي بالقاهرة. الشيرازي: إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشيرازي (ت 476هـ) . التبصرة في أصول الفقه. بتحقيق د. محمد حسن هيتو. طبع دار الفكر بدمشق 1400هـ. الشهرستاني: محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548هـ) . الملل والنحل. بتحقيق د. محمد بن فتح الله بدران. ط/ الثانية مطبعة مخيمر الناشر مكتبة الأنجلو المصرية. الشاطبي: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي (ت 790هـ) . الموافقات في أصول الشريعة. بتحقيق الشيخ عبد الله دراز. ط/ الثانية 1395هـ. الناشر المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة. الشوكاني: محمد بن علي الشوكاني. شرح الصدور بتحريم رفع القبور مطبعة المدني بجدة 1395هـ. الشنقيطي: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي (ت 1393هـ) . أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. مطبعة المدني بدون تاريخ. منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات. مطبعة الجامعة الإسلامية 1400هـ. أبو شهبة: محمد محمد أبو شهبة - دكتور. دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكُتَّاب المعاصرين. مطبعة الأزهر بدون تاريخ. شلبي: أحمد شلبي – دكتور. أديان الهند الكبرى. ط/ الرابعة 1976م. (الصاد) الصابوني: الحافظ أبو عثمان إسماعيل الصابوني (ت 449هـ) . عقيدة السلف وأصحاب الحديث الرسالة السادسة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية. الناشر/ محمد أمين دمج - بيروت 1970م. ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوزي (ت 643هـ) . كان والده يلقب بصلاح الدين فنسب إليه وعرف بابن الصلاح.
علوم الحديث. بتحقيق د. نور الدين عتر. مطبعة الأصيل بحلب 1386هـ، الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة. صديق حسن خان (ت 1307هـ) . فتح البيان في مقاصد القرآن. مطبعة العاصمة بالقاهرة، الناشر/ عبد الحي علي محفوظ 1965م. (الطاء) الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360هـ) . المعجم الكبير: حققه وخرج أحاديثه حمدي عبد المجيد السلفي – الدار العربية للطباعة بغداد – بدون تاريخ. (العين) عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل (ت 290هـ) . كتاب السنة. بتحقيق جماعة من العلماء تحت إشراف الشيخ/ عبد الله بن حسن بن حسين آل الشيخ. طبع مطبعة السلفية ومكتبتها بمكة المكرمة. ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي الأندلسي (ت 463هـ) . جامع بيان العلم وفضله، وبيان ما ينبغي في روايته وحمله. الناشر/ المكتبة العلمية بالمدينة المنورة بدون تاريخ. ابن العربي: القاضي أبو بكر بن العربي (ت 543هـ) . العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي (بتحقيق محب الدين الخطيب. ط/ الرابعة 1396هـ المطبعة السلفية بالقاهرة. عياض: القاضي أبو الفضل عياض اليحصبي (ت 544هـ) . الشفا بتعريف حقوق المصطفى. الناشر/ المكتبة التجارية الكبرى بدون تاريخ. عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري. فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت بذيل كتاب المستصفى للغزالي. ط/ الأولى 1322هـ - المطبعة الأميرية بالقاهرة. ابن العماد: أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت1089هـ) شذرات الذهب في أخبار من ذهب. نشر المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع بيروت بدون تاريخ.
ابن عبد الوهاب: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (ت 1233هـ) . تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد. ط/ الرابعة 1400هـ، المكتب الإسلامي. عبد الرحمن بدوي – دكتور. مذاهب الإسلاميين – ط/ الثانية 1979م. الناشر دار العلم للملايين بيروت. عطية محمد سالم. مذكرة في توحيد الربوبية – ضمن المنهج المقرر على طلاب السنة المنهجية في شعبة العقيدة للعام الدراسي 1400/ 1401هـ. عبد الكريم عثمان – دكتور. نظرية التكليف، آراء القاضي عبد الجبار الكلامية. طبع مؤسسة الرسالة / بيروت 1391هـ. عزت عطية – دكتور. البدعة، تحديدها وموقف الإسلام منها. الناشر: دار الكتب الحديثة – بدون تاريخ. (الغين) الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي (ت 505هـ) . تهافت الفلاسفة – بتحقيق د. سليمان دنيا. ط/ الثانية، مطبعة دار المعارف. المستصفى من علم الأصول – ط/ الأولى 1322هـ، المطبعة الأميرية. الاقتصاد في الاعتقاد – مطبعة الحلبي – بدون تاريخ. الأربعين في أصول الدين. الناشر/ المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة، بدون تاريخ. (الفاء) الفراء البغدادي: محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي (ت 458هـ) . العدة في أصول الفقه. بتحقيق د. أحمد علي سير المباركي. ط/ الأولى 1400هـ، مؤسسة الرسالة/ بيروت. الفيومي: أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي (ت 770هـ) . المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي. تحقيق د. عبد العظيم الشناوي. الناشر/ دار المعارف بدون تاريخ.
الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت 817هـ) . القاموس المحيط – الناشر/ المؤسسة العربية للطباعة والنشر بيروت – بدون تاريخ. الفتوحي: أحمد بن عبد العزيز بن علي بن إبراهيم الفتوحي. شرح كوكب المنير، المسمى بمختصر تحرير. تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، ط/ الأولى 1372هـ مطبعة السنة المحمدية. ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. معجم مقاييس اللغة. بتحقيق عبد السلام هارون – ط/ الثانية 1389هـ. مطبعة الحلبي بالقاهرة. فؤاد السيد: أمين مخطوطات دار الكتب المصرية سابقاً. فهرست المخطوطات لدار الكتب المصرية - مطبعة دار الكتب 1382هـ. فؤاد سزكين. تاريخ التراث العربي - طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب 1977م. (القاف) ابن قدامة: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة (ت 620هـ) . المغني على مختصر أبي القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي – الناشر: مكتبة الرياض الحديثة – بدون تاريخ. القرافي: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684هـ) . شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول – ط/ الأولى 1393هـ. طبع شركة الطباعة الفنية المتحدة. الناشر/ مكتبة الكليات الأزهرية ودار الفكر. القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. الجامع لأحكام القرآن نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية. الناشر: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر القاهرة 1387هـ. ابن قيم الجوزية: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي زين الدين الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية (ت 751هـ) . الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي - الناشر دار الكتب العلمية / بيروت - بدون تاريخ. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة. تحقيق محمود حسن ربيع. ط/ الثانية 1358هـ.
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة. مطبعة المدني بالقاهرة، بدون تاريخ. مدارك السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تحقيق محمد حامد الفقي الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت بدون تاريخ. اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية. الناشر/ المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، بدون تاريخ. القاسمي: محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) . محاسن التأويل. بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط/ الأولى 1397هـ، مطبعة الحلبي. (الكاف) الكلبي: أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت 204هـ) . الأصنام. نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية 1343هـ، بتحقيق الأستاذ أحمد زكي. الناشر/ الدار القومية للطباعة والنشر. ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل عماد الدين بن كثير (ت774هـ) . تفسير القرآن العظيم – تحقيق عبد العزيز غنيم، ومحمد إبراهيم البنا، ومحمد أحمد عاشور – مطبعة الشعب بالقاهرة بدون تاريخ. البداية والنهاية. ط/ الثالثة 1977م، مكتبة المعارف بيروت. الفتن والملاحم. بتصحيح وتعليق الشيخ إسماعيل الأنصاري، ط/ الأولى 1388هـ، مطابع مؤسسة النور بالرياض. (اللام) اللالكائي: أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري اللالكائي (ت 418هـ) . شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم. بتحقيق: أحمد بن سعد بن حمدان. حصل به على رسالة الدكتوراة من جامعة أم القرى بمكة المكرمة 1402هـ. (الميم) مالك بن أنس. إمام دار الهجرة (ت 179هـ) . موطأ مالك مع شرحه تنوير الحوالك للسيوطي, مطبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر بدون تاريخ.
مسلم بن الحجاج: الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري. صحيح مسلم. بترتيب وترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، نشر إدارات البحوث العلمية والإفتاء بالرياض. ابن ماجه: الإمام أبو عبد الله بن يزيد القزويني (ت 275هـ) . سنن ابن ماجه. بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي – مطبعة الحلبي – بدون تاريخ. الملطي: أبو الحسين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي (ت 377هـ) . التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع. بتحقيق محمد زاهد الكوثري، الناشر: السيد عزت العطار الحسيني، مؤسس ومدير مكتب نشر الثقافة الإسلامية 1368هـ. ابن مندة: الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة (ت 395هـ) . الإيمان. بتحقيق د. علي ناصر فقيهي ط/ الأولى 1401هـ، من مطبعة الجامعة الإسلامية بالمدينة والمنورة. الرد على الجهمية. بتحقيق د. علي ناصر فقيهي – ط/ الأولى 1401هـ. ابن منظور: محمد بن مكرم بن علي، وقيل رضوان بن أحمد بن أبي القاسم بن حقة بن منظور الأنصاري الإفريقي المصري (ت 711هـ) . لسان العرب. طبع المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، بدون تاريخ. المرتضى اليماني: أبو عبد الله محمد بن المرتضى اليماني. إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد. مطبعة الآداب والمؤيد بمصر 1318هـ. محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت 666هـ) . مختار الصحاح. ط/ الأولى 1967م. الناشر: دار الكتاب العربي بيروت. المقريزي: أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزي (ت 845هـ) . الخطط. أصدرته دار التحرير للطبع والنشر عن مطبعة بولاق 1270هـ. مرتضى الزبيدي: محمد بن محمد الحسيني الزبيدي. إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين. مطبعة دار الفكر بيروت بدون تاريخ. مصطفى عبد الرزاق. تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية. ط/ الأولى 1386هـ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة. محمد عبده.
رسالة التوحيد. بتعليق محمد رشيد رضا. ط/ العاشرة 1361هـ، مطبعة الحلبي بالقاهرة. محب الدين الخطيب. الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الإثني عشرية. من مطبوعات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة 1400هـ. محمود قاسم – دكتور. ابن رشد وفلسفته الدينية. ط/ الثالثة 1969م. مطبعة الأنجلو المصرية. محمد عجاج الخطيب. دكتور. السنة قبل التدوين. ط/ الأولى 1383هـ، مطبعة أحمد مخيمر الناشر: مكتبة وهبة القاهرة. محمد سلام مدكور. دكتور. أصول الفقه الإسلامي. ط/ الأولى 1976م. الناشر: دار الاتحاد العربي للطباعة بمصر. محمد بن سعيد القحطاني. الولاء والبراء في الإسلام. ط/ الأولى نشر دار طيبة بالرياض. (النون) النووي: الإمام الحافظ محيي الدين أبو زكريا شرف بن مري الحزامي الحواربي الشافعي (ت 676هـ) . شرح النووي على صحيح مسلم. المطبعة المصرية ومكتبتها، بدون تاريخ. النسائي: الإمام أحمد بن شعيب بن علي النسائي (ت 303هـ) . سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين وحاشية الإمام السندي – دار إحياء التراث العربي – بيروت 1372هـ. ابن النديم: محمد بن إسحاق النديم (ت 385هـ) . الفهرست. الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت 1398هـ.
نور الدين عتر. دكتور. منهج النقد في علوم الحديث. الناشر: دار الفكر بدون تاريخ. النشار: علي سامي النشار. دكتور. نشأة التفكير الفلسفي في الإسلام. ط/ السابعة 1977م. الناشر دار المعارف. عقائد السلف للأئمة أحمد بن حنبل والبخاري وابن قتيبة وعثمان الدارمي. جمع وتحقيق علي سامي النشار وعمار جمعة طالبي، الناشر: منشأة المعارف بالإسكندرية 1971م. (الهاء) ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (ت 218هـ) . السيرة النبوية. تحقيق مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي، ط/ الثانية 1375هـ، مطبعة الحلبي بالقاهرة. الهمذاني: قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد الهمذاني (ت 415هـ) . شرح الأصول الخمسة. بتعليق أحمد بن الحسن بن أبي هاشم، وتحقيق وتقديم د. عبد الكريم عثمان، ط/ الأولى 1384هـ، مطبعة الاستقلال الكبرى، الناشر: مكتبة وهبة. المغني في أبواب التوحيد والعدل. بتحقيق إبراهيم مدكور، وطه حسين، مطبعة وزارة الثقافة والإرشاد القومي بالقاهرة بدون تاريخ. الهيتمي: أحمد بن حجر الهيتمي المكي (ت 974هـ) . الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة. تحقيق د. عبد الوهاب عبد اللطيف. ط/ الثانية 1385هـ، مطبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة بالقاهرة. الناشر: مكتبة القاهرة. الهيثمي: الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807هـ) . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. الناشر: مكتبة القدس بالقاهرة 1353هـ. هراس: محمد خليل هراس. دكتور. ابن تيمية السلفي نقده لمسالك الفلاسفة والمتكلمين في الإلهيات. ط/ الأولى 1372هـ، المطبعة اليوسفية بطنطا. (الياء) ياقوت الحموي: شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت 626هـ) . معجم البلدان. الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - بدون تاريخ.
ثانياً: المراجع المخطوطة: ابن أبي زمنين: أبو عبد الله محمد بن أبي زمنين المالكي (ت 378هـ) . أصول السنة. نسخة مصورة بمكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم (1863) 1. ابن أبي شامة: أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم الشافعي المعروف بأبي شامة (ت 665هـ) . 2- ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري. نسخة مصورة بمكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة2. ثالثا: المجلات: مجلة الأمة: إسلامية شهرية جامعة. العدد الرابع عشر من السنة الثانية. تصدرها وزارة الأوقاف وشئون الإسلامية بقطر. 2- مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. مجلة دورية تصدر أربع مرات في العام – العدد 50، 51 من السنة الثالثة عشر.